التركة خمسة أثواب، وهي تعدل ثوبا وثلاثين درهما، فتسقط ثوبا بثوب، فتبقى أربعة أثواب في مقابلة ثلاثين درهما، فتعلم أن الثوب الواحد سبعة ونصف. أو تقول: خمس التركة خمس ثوب وستة دراهم، وقد أخذت بالخمس ثوبا، فهو يعدل خمس ثوب وستة دراهم، تسقط الخمس بالخمس، يبقى أربعة أخماس ثوب في مقابلة ستة دراهم، فتكمل الثوب بأن تزيد على الاخماس الاربعة ربعها، وتزيد على العديل ربعه، وذلك سبعة ونصف. ولو كانت المسألة بحالها، وأخذت مع الثوب خمسة دراهم، فعلى الطريق الاول، تنقص الخمسة من الثلاثين، يبقى خمسة وعشرون، ثم تضرب نصيبها من المسألة في الخمسة والعشرين، تكون خمسة وسبعين، تقسم على سهام الباقين، وهي إثنا عشر، يخرج ستة دراهم وربع، وهو نصيبها من التركة. فإذا نقصت منها الخمسة، يبقى درهم وربع، وهو قيمة الثوب. وبالجبر تقول: أخذت بخمس التركة ثوبا وخمسة دراهم، فجميع التركة خمسة أثواب وخمسة وعشرون درهما، تعدل ثوبا وثلاثين درهما، فتسقط ثوبا بالثوب، وخمسة وعشرين بالخمسة والعشرين، يبقى أربعة أثواب في مقابلة خمسة دراهم، فالثوب الواحد درهم وربع. ولو كانت المسألة بحالها، وأخذت الثوب وزدت ستة دراهم، فعلى الطريق الاول، تزاد السنة المردودة على الثلاثين، وتضرب سهام الزوجة في الستة والثلاثين، تبلغ مائة وثمانية، تقسم على اثني عشر، يخرج بالقسمة تسعة، فهو نصيبها من التركة. فإذا زدت ستة على التسعة، فهي قية الثوب. وعلى طريق الجبر يقال: أخذت بخمس التركة ثوبا إلا ستة دراهم، فجميع التركة خمسة أثواب إلا ثلاثين درهما، تعدل ثوبا وثلاثين درهما، فتكمل الثياب بثلاثين درهما، ويزاد مثل ذلك على العديل، فتصير خمسة أثواب معادلة لستين درهما وثوب، تسقط ثوبا بالثوب، يبقى أربعة أثواب في مقابلة ستين درهما، فالثوب الواحد خمسة عشر. ولو كانت بحالها، والتركة ثلاثون وثوب وعبد وخاتم، أخذت الزوجة بنصيبها الثوب، والام العبد، والاخت للام الخاتم، فعلى الطريق الاول، تضرب سهام الزوجة، وهي ثلاثة، في ثلاثين، تبلغ تسعين، تقسمها على الثمانية التي للباقين، يخرج بالقسمة أحد عشر وربع، أو تقسم الثلاثين على الباقي من المسألة بعد سهام الزوجة والام والاخت للام، وهو ثمانية، يخرج ثلاثة وثلاثة أرباع، تضربها في سهام الزوجة، تبلغ أحد عشر(5/76)
وربعا، فهو قيمة الثوب، وفي سهمي الام تبلغ سبعة ونصفا، فهو قيمة العبد، وكذلك قيمة الخاتم. وبالجبر يقال: أخذت الزوجة بالخمس ثوبا، والام بثلثي الخمس عبدا، والاخت بمثله خاتما، بقي من السهام ثمانية، وهي خمسان وثلثا خمس، يكون ثوبين وثلثي ثوب، فالجملة ثلاثة أثواب وثلثا ثوب وعبد وخاتم، وهي تعدل ثوبا وعبدا وخاتما وثلاثين درهما، تسقط ثوبا بالثوب، والعبد بالعبد، والخاتم بالخاتم، يبقى ثوبان وثلثا ثوب في مقابلة ثلاثين درهما، فالواحد يعدل أحد عشر وربعا. ولو كانت بحالها، والتركة ثلاثون وثوبان يتفاوتان في القيمة بدرهمين، وأخذت الزوجة بنصيبها الثوب الادنى على الطريق الاول، يزيد التفاوت بينهما على الدراهم، فتصير اثنين وثلاثين، تضرب سهام الزوجة فيها، يكون ستة وتسعين، تقسمها على الباقي من سهام المسألة بعد إسقاط نصيب الزوجة وهو ثلاثة، وبعد إسقاط مثله للثوب الآخر، فالباقي تسعة يخرج من القسمة عشرة دراهم وثلثا درهم، فهو قيمة ما أخذته. وبالجبر تقول: أخذت بالخمس ثوبا، فالجميع خمسة أثواب تعدل التركة، وهي ثوبان واثنان وثلاثون درهما، تسقط ثوبين بثوبين، يبقى ثلاثة أثواب تعدل اثنين وثلاثين درهما، فالواحد يعدل عشرة وثلثين. ولو أخذت الزوجة بنصيبها الثوب الاعلى، فتزيد الدرهمين على الثلاثين، تصير التركة اثنين وثلاثين درهما وثوبين متساويين، أخذت الزوجة بثلاثة أسهم ثوبا ودرهمين، فيخص ثلاثة أسهم أخرى مثل ذلك. فإذا أسقطناها، بقي من سهام المسألة تسعة، ومن التركة ثمانية وعشرون درهما، تضرب سهام الزوجة في ثمانية وعشرين، تبلغ أربعة وثمانين، تقسمها على التسعة الباقية، يخرج تسعة وثلث، فهو قيمة الثوب الاعلى، وقيمة الادنى سبعة وثلث، وجميع التركة ستة وأربعون درهما وثلثان. مسألة: ابنان والتركة ثوبان بينهما تفاوت دينارين، أخذ أحدهما ثلاثة أرباع الاعلى، كم قيمة كل واحد ؟ فطريقه: أن تزيد التفاوت عليهما، فتجعل التركة ثوبين ودينارين، ولكل ابن ثوب ودينار، وقد أخذ أحدهما ثلاثة أرباع ثوب ودينارا ونصفا، فتقابل به حقه وهو ثوب ودينار، وتسقط ثلاثة أرباع ثوب بمثلها، ودينارا(5/77)
بدينار، يبقى ربع ثوب في مقابلة نصف دينار، فالثوب الكامل يعدل دينارين، فهما قيمة الادنى، وقيمة الاعلى أربعة، وجملة التركة ستة. مسألة: زوح، وابن، أخذ الزوج بميراثه وبدين له على الميتة ثلث المال، المسألة من أربعة، تسقط منها سهم الزوج، يبقى ثلاثة تضربها في مخرج الكسر المذكور، وهو ثلاثة، تبلغ تسعة، منها تخرج المسألة، للزوج ثلاثة، وللابن ستة. وإذا كان للابن بثلاثة أسهم ستة، كان للزوج بسهم اثنان، فاثنان إرث، وواحد دين. ونقول بطريق آخر: المسألة من أربعة، والدين شئ، فجملة التركة أربعة أسهم وشئ، منها سهم وشئ ثلث المال، وثلاثة أسهم ثلثاه، والثلث يعدل نصف الثلثين. فإذا سهم وشئ بعدل سهما ونصف سهم، السهم بالسهم، يبقى شئ في مقابلة نصف سهم، فتعلم أن الشئ المضموم إلى السهام الاربعة نصف سهم. فإذا بسطناها أنصافا كانت تسعة. مسألة: ابن وبنت، انتهبا التركة، ثم رد كل واحد منهما على صاحبه ربع ما انتهب، فوصل كل واحد إلى حقه من الميراث، يجعل ما انتهبه الابن أربعة أشياء، وما انتهبته البنت أربعة دنانير. فإذا رد الابن ربع ما انتهبه، وأخذ منها ربع ما انتهبته، حصل في يده ثلاثة أشياء ودينار، وفي يدها ثلاثة دنانير وشئ، ومعلوم أن حقه ضعف حقها، فضعف ما معها مثل ما معه، وضعف ما معها ستة دنانير وشيئان، تعدل ثلاثة أشياء ودينارا، فتسقط دينارا بدينار، وشيئين بشيئين، يبقى خمسة دنانير تعدل شيئا، فعرفنا أن قيمة الشئ خمسة، وقيمة الدينار واحد، وجملة التركة أربعة أشياء وأربعة دنانير، فيكون أربعة وعشرين، ما انتهبه الابن عشرون، وما انتهبته البنت أربعة. فإذا دفع إليها خمسة وأخذ منها واحدا، كان معه ستة عشر، ومعها ثمانية. وتعرف هذه المسألة ونظائرها ب مسألة النهبى.
فصل في مسائل من الحساب، تتعلق بأبواب سبقت أحكامها إحكامها: سبق أن المفقود إذا مات له قريب، (وخلف) ورثة أيضا حاضرين، يؤخذ في حق الجميع بالاسوإ من حياة المفقود وموته في إسقاطه وفي دفع الاقل إليه. وطريق معرفة الاقل: أن تصحح المسألة على تقديري حياته وموته، وتضرب إحداهما في الاخرى إن لم تتوافقا، فان توافقتا، ضربت وفق إحداهما في جميع الاخرى، ثم(5/78)
كل من ورث على التقديرين تضرب ما يرثه من كل مسألة في الاخرى، أو في وفقها، وتصرف إليه الاقل مما حصل من الضربين. مثاله: أختان لاب، وعم، وزوج مفقود. فان كان حيا، فهي من سبعة، وإلا، فمن ثلاثة، ولا موافقة بينهما، فتضرب أحدهما في الآخر، يبلغ أحدا وعشرين، للاختين (من) مسألة الحياة أربعة في ثلاثة باثني عشر، ومن مسألة الموت سهمان فس سبعة بأربعة عشر، فيصرف إليهما اثنا عشر، ويوقف الباقي، فان عرف حياة الزوج، دفع إليه، وإن عرف موته، فسهمان من الموقوف للاختين، والباقي للعم. أم، وزوج، وأختان لاب، وابن مفقود. فان كان حيا، فالمسألة من اثني عشر، وإن كان ميتا، عالت إلى ثمانية، وهما متوافقان بالربع، فتضرب ربع أحدهما في الآخر، تبلغ أربعة وعشرين، للام من مسألة الحياة سهمان مضروبان في وفق مسألة الموت، تكون أربعة، ومن مسألة الموت سهم في وفق مسألة الحياة، تكون ثلاثة، فتعطى ثلاثة، وللزوج من الحياة ثلاثة في وفق الموت، تكون ستة، ومن الموت ثلاثة في وفق الحياة، تكون تسعة، فيعطى ستة، ويوقف الباقي. و (المسألة) الثانية: طريق تصحيح مسائل الخنثى على جميع الحالات، وطلب الاقل المتيقن: أن تقيم المسألة على جميع الحالات. فان كان الخنثى واحدا، فله حالان. إما ذكر، وإما أنثى. وإن كان خنثيان، فلهما ثلاثة أحوال، لانهما ذكران أو أنثيان، أو ذكر وأنثى، ولثلاثة خناثى أربعة أحوال، وعلى هذا القياس. فإذا ضبطت أصل كل حال، فخذ انثنين منها، وانظر أهما متماثلان، أم متداخلان، أم متوافقان، أم متباينان ؟ واعمل فيهما عملك عند الانكسار على فريقين، ثم قابل الحاصل معك بأصل ثالث، وهكذا تفعل حتى تأتي على آخرها، ثم إن لم يكن في المسألة صاحب فرض، صحت مما عندك، وإن كان، ضربته من مخرج الفرض ثم قسمت.(5/79)
مثاله: ولدان خنيثان، إن كانا ذكرين، فالمسألة من اثنين. أو أنثيين، فمن ثلاثة، وكذا الذكر والانثى، فتسقط أحد الثلاثتين، وتضرب الاخرى في اثنين، تبلغ ستة، تعطي كل واحد اثنين، لانه الاقل. زوج، وولدان خنثيان، تضرب الستة التي صحت منها مسألتهما عند انفرادهما في مخرج الربع، تبلغ أربعة وعشرين، للزوج منها ستة، ولكل واحد منهما ستة، لاحتمال أنوثته وذكورة الآخر. ابن، وولدان خنثيان، إن كانا ذكرين، فمن ثلاثة. أو أنثيين، فمن أربعة. أو ذكرا وأنثى، فمن خمسة، وكلها متباينة، فتضرب بعضها في بعض، تبلغ ستين، للابن عشرون، ولكل واحد منهما اثنا عشر، لاحتمال أنوثته وذكورة الآخر. قلت: ثلاثة أولاد خناثى، إن كانوا ذكورا، فمن ثلاثة، أو إناثا، تصح من تسعة، أو ذكرا وأنثيين، فمن أربعة، أو عكسه، فمن خمسة، والثلاثة داخلة في التسعة، فتضرب الاعداد الثلاثة بعضها في بعض، تبلغ مائة وثمانين، منها تنقسم، تعطي كل واحد سهما من خمسة في أربعة، ثم في تسعة بستة وثلاثين. فإن بان واحد أنثى، لم ترده، لبقاء الاحتمال، وتزيد صاحبيه كل واحد تمام أربعين إذ أسوأ أحوالهما أن يكونا أنثيين فإن بان أحد الآخرين أنثى، لم تزدهما، وتزيد الاول تمام الاربعين. فان بان الثالث أنثى، فلا زيادة لهن. وإن بان ذكرا، تمم له تسعون، ولكل واحد منهما خمسة وأربعون. والله أعلم.(5/80)
(المسألة) الثالثة: في تصحيح مسائل الحمل تفريعا على أن أكثره أربعة، وأن من ليس له فرض مقدر كالاولاد، يأخذ مع الحمل شيئا، فتقام المسألة على تقدير ولد واحد، وله حالان، لانه ذكر أو أنثى، وعلى تقدير ولدين، ولهما ثلاثة أحوال، وعلى تقدير ثلاثة، ولهم أربعة أحوال، وعلى تقدير أربعة، ولهم خمسة أحوال، ثم ينظر في الاعداد، ويكتفى مما تماثل بواحد، ومما تداخل بالاكثر، ومما توافق بجزء الوفق، وتترك المتباينة بحالها، وتضرب ما حصل من الاعداد بعضها في بعض، فما بلغ، صحت منه القسمة، ويعطى الموجود على تقدير الاضر. (المسألة) الرابعة: في تصحيح مسائل الاستهلال. فإذا مات عن ابن وزوجة حامل، فولدت ابنا وبنتا، واستهل أحدهما فوجدا ميتين، ولم يعلم المستهل، فقد سبق أنه يعطى كل وارث أقل ما يستحقه. وطريق معرفته أن يقال: المسألة الاولى تصح من ستة عشر إن كان المستهل، هو الابن، للزوجة سهمان، ولكل ابن سبعة، ومسألة الابن المستهل من ثلاثة، والسبعة لا تنقسم على الثلاثة، ولا توافقها، فتضرب ثلاثة في ستة عشر، تبلغ ثمانية وأربعين، للزوجة الثمن ستة، ولكل ابن أحد وعشرون، للام منها سبعة، وللاخ أربعة عشر، فيجتمع للام منها ثلاثة عشر، وللاخ خمسة وثلاثون. وإن كانت البنت هي المستهلة، فالمسألة الاولى تصح من أربعة وعشرين، للبنت منها سبعة، ومسألتها من ثلاثة، ولا تصح السبعة على ثلاثة ولا توافقها، فتضرب ثلاثة في أربعة وعشرين، تبلغ اثنين وسبعين، للمرأة الثمن تسعة، وللابن اثنان وأربعون، وللبنت أحد وعشرون، للام منها سبعة، وللاخ الباقي، فيجتمع للام ستة عشر، وللاخ ستة وخمسون وهما متوافقان بالثمن، فترد ما صحت منه مسألة البنت وهو اثنان وسبعون إلى ثمنها وهو تسعة، للام منها سهمان، وللابن سبعة. فانتهى الامر إلى أن المسألة على تقدير استهلال الابن صحت من ثمانية وأربعين، وصحت مسألة البنت من تسعة، وهما متوافقان بالثلث، فتضرب ثلث أحدهما في الآخر، تبلغ مائة وأربع وأربعين، منها تصح في الحالين، للام بتقدير استهلال الابن تسعة وثلاثون،(5/81)
وبتقدير استهلال البنت اثنان وثلاثون، فتعطى الاقل، وللابن بتقدير استهلال الابن مائة وخمسة، وبتقدير استهلال البنت مائة واثني عشر، فتعطى الاقل، ويوقف الباقي وهو سبعة أسهم بينهما. فرع لابن الحداد مات عن زوجة حامل وأخوين، فولدت ابنا، ثم صودف ميتا، فقالت الزوجة: انفصل حيا ثم مات، نظر، إن صدقاها، فهذا رجل خلف زوجة وابنا، ثم مات الابن وخلف أما وعمين، فتصحان من أربعة وعشرين. وإن كذباها، فالقول قولهما مع يمينهما، وتصح من ثمانية. وإن صدقها أحدهما وكذبهالآخر، حلف المكذب وأخذ تمام حقه لو كذباها، وهو ثلاثة من ثمانية، والباقي، وهو خمسة، يقسم بين المصدق والزوجة على النسبة الواقعة بين نصيبيهما لو صدقاها، وذلك لاتفاقهما على أن المكذب ظالم يأخذ الزيادة، فكأنها تلفت من التركة، ونصيب الزوجة لو صدقاها عشرة من أربعة وعشرين، ثلاثة من الزوج، وسبعة من الابن، ونصيب العم سبعة، فالخمسة بينهما على سبعة عشر، وهي غير منقسمة، فتضرب سبعة عشر في أصل المسألة، وهو ثمانية، تبلغ مائة وستة وثلاثين، للمكذب ثلاثة مضروبة فيما ضربناه في المسألة، وهو سبعة عشر، يكون أحدا وخمسين، والباقي، وهو خمسة وثمانون، تقسم على سبعة عشر، يكون لكل سهم خمسة، فلها بعشرة خمسون، وله بسبعة خمسة وثلاثون، وقد زاد نصيب المكذب على نصيب المصدق بستة عشر سهما. ولو كانت المسألة بحالها، لكن ولدت بنتا، قال الشيخ أبو علي تخريجا على هذه القاعدة: إن صدقاها، صحت المسألتان من ثمانية وأربعين. وإن كذباها، فمن ثمانية. وإن صدقها أحدهما، فمن مائتين وثمانية وأربعين. (المسألة) الخامسة: في حساب مسائل الرد. قال الائمة: الرد نقيض العول، لان الرد ينقص السهام عن سهام المسألة، والعول يزيد عليها، ثم للمردود عليه حالان. أحدهما: أن لا يكون معه من لا يرد عليه، فينظر، إن كان شخصا واحدا، فجميع المال له فرضا وردا. وإن كانوا جميعا من صنف، فالمال بينهم بالسوية ذكورا كانوا أو إناثا. وإكانوا صنفين أو ثلاثة، جعل عدد سهامهم من المسألة كأنه أصل(5/82)
المسألة، ثم ينظر فعدد سهام كل صنف وعدد رؤوسهم، إن انقسم عليهم، فذاك، وإلا، صحح بطريقه. مثاله: أم، وبنت، وأصل المسألة من ستة، وسهامها أربعة، فنجعل المسألة منها. أم، وبنت، وبنت ابن، مجموع سهامهن خمسة، فنجعلها أصل المسألة. فان كان مع الام والبنت ثلاث بنات ابن، ضربنا عددهن في خمسة، تبلغ خمسة عشر، للام ثلاثة، وللبنت تسعة، ولبنات الابن ثلاثة. الحال الثاني: إذا كان معهم من لا يرد عليه، دفع إليه فرضه من مخرجه، وجعل الباقي لمن يرد عليه إن كان شخصا أو جماعة من صنف. فان كانوا صنفين فأكثر، فخذ مخرج فروضهم وسهامهم منه، وانظر في الباقي من مخرج فرض من لا رد عليه، فما بلغ جعلته أصل المسألة. فان وقع كسر، صحح بطريقه. مثاله: زوجة، وأم، لها الربع، والباقي للام. زوج، وست بنات، له الربع، والباقي لا يصح عليهن، ويتوافقان بالثلث، فتضرب وفق عددهفي أربعة، تبلغ ثمانية، منها تصح. زوجة، وأم، وثلاث بنات، مخرج فرض الزوجة ثمانية، ومسألة الام والبنات من ستة، وسهامهن خمسة، والسبعة الباقية لا تصح على خمسة ولا توافقها، فتضرب خمسة في ثمانية، تبلغ أربعين، للزوجة خمسة، والباقي بينهن أخماسا، لام سبعة، يبقى ثمانية وعشرون لا تصح على ثلاثة، تضرب الثلاثة في أربعين، تبلغ مائة وعشرين، منها تصح. فرع باع بعض الورثة جميع نصيبه للباقين على قدر أنصبائهم، قدر كأنه لم يكن، وقسم المال على الباقين. مثاله: زوج، وابن، وبنت، باع الزوج نصيبه لهما على قدر حقهما، فكأنه لا زوج، وتقسم التركة بينهما أثلاثا. ولو باع بعض نصيبه، جعلت المسألة من عدد(5/83)
يوجل نصيب البائع منه الجزء المبيع، وينقسم ذلك على الباقين. مثاله: باع الزوفي المثال المذكور نصف نصيبه، تجعل المسألة من ثمانية ليكون لنصيبه منها وهم الربع نصف، لقن نصف ربع الثمانية لا ينقسم على الابن والبنت أثلاثا، فتضرب الثمانية في مخرج الثلاث، تبلغ أربعة وعشرين، للزوج ثلاثة، وللابن أربعة عشر، وللبنت سبعة، وعلى هذا القياس.
الباب العاشر : في المسائل الملقبات ومسائل المعاياة والقرابات المتشابهات فيه ثلاثة فصول. الفصل الأول : في الملقبات. منها: المشركة، والخرقاء، والاكدرية، وأم الفروخ، وأم الارامل، والصماء، وقد بيناهن. ومنها: مربعات ابن مسعود رضي الله عنه، وهن: بنت، وأخت، وجد. قال: للبنت النصف، والباقي بينهما مناصفة. وزوجة، وأم، وجد، وأخ، جعل المال بينهم أرباعا. وزوجة، وأخت، وجد. قال: للزوجة الربع، وللاخت النصف، والباقي للجد. فالصور كلها من أربعة، والاخيرة تسمى: مربعة الجماعة، لانهم كلهم جعلوها من أربعة وإن اختلفوا في بعض الانصباء. ومنها: المثمنة، وهي: زوجة، وأم، وأختان لابوين، وأختان لام، وولد لا يرث لرق ونحوه، لان فيها ثمانية مذاهب عند الجمهور، هي من اثني عشر، وتعول إلى سبعة عشر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تفريعا على إنكار العول: أن الفاضل عن فرض الزوجة والام وولدي الام، لولدي الابوين، فتصح من أربعة وعشرين. وعنه أيضا رضي الله عنه: أن الفاضل عن الزوجة والام، بين ولدي الام(5/84)
وولدي الابوين، فتصح من اثنين وسبعين. وعن معاذ رضي الله عنه: أن للام الثلث تفريعا على أن الام لا تحجب إلا بأخوة، فتعول إلى تسعة عشر. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إسقاط ولدي الام وعنه: إسقاط ولدي الابوين، وعنه: إسقاط الصنفين، والباقي للعصبة، وعنه وهو الاشهر: أن للمرأة الثمن تفريعا على أن من لا يرث من الاولاد، يحجب الزوجة والام، فتكون المسألة من أربعة وعشرين، وتعول إلى أحد وثلاثين، وتسمى لذلك: ثلاثينية ابن مسعود رضي الله عنه. ومنها: تسعينية زيد رضي الله عنه: وهي: أم، وجد، وأخت لابوين، وأخوان، وأخت لاب، هي من ثمانية عشر أصلا أو ضربا، للام ثلاثة، وللجد خمسة، وللاخت للابوين تسعة، يبقى سهم على خمسة، فتضربهم في ثمانية عشر تبلغ تسعين، منها تصح. ومنها: النصفية، وهي: زوج، وأخت لابوين، أو لاب، لانه ليس في الفرائض شخصان يرثان نصفي المال فرضا إلا هما، وربما سميت الصورتان: يتيمتين. ومنها: العمريتان، وهما: زوج، وأبوان، أو زوجة، وأبوان، لان أول من قضى فيها عمر رضي الله عنه. ومنها: مختصرة زيد رضي الله عنه، وهي: أم، وجد، وأخت لابوين، وأخ، وأخت لاب، لانها تعمل تارة بالبسط، فيقال: هي من ستة، للام سهم، والباقي بين الجد والاخ والاختين على ستة، فتضرب ستة في أصل المسألة، تبلغ ستة وثلاثين، ويبقى بعد القسمة سهمان لولدي الاب لا يصحان، فتضرب ثلاثة في ستة وثلاثين، تبلغ مائة وثمانية، والسهام بعد القسمة تتوافق بالانصاف، فتردها إلى أربعة وخمسين. وتارة بالاختصار فيقال: المقاسمة وثلث الباقي سواء للجد، فتقسم من ثمانية عشر، يبقى سهم لا يصح على ولدي الاب، فتضرب ثلاثة في ثمانية عشر، تبلغ أربعة وخمسين. ومنها: مسألة الامتحان: وهي: أربع نسوة: وخمس جدات، وسبع بنات،(5/85)
وتسعة إخوة لاب، هي من أربعة وعشرين، وتصح من ثلاثين ألفا ومائتين وأربعين. قلت: سميت بالامتحان، لانه يقال: ورثة لا تبلغ طائفة منهم عشرة، لم تصح مسألتهم من أقل من كذا. والله أعلم. ومنها: الغراء، هي: زوج، وأختان لاب، وولدا أم، وتسمى: مروانية، لانه يقال: إنها وقعت في زمن بني أمية، واشتهرت في الناس فسميت: غراء. ومنها: المروانية الاخرى، وهي: زوجة ورثت من زوجها دينارا ودرهما، والتركة عشرون دينارا وعشرون درهما، يقال: إن عبد الملك سئل عنها فقال: صورتها أختان لابوين، وأختان لام، وأربع زوجات، للزوجات خمس الباب بسبب العول، والخمس أربعة دنانير، وأربعة دراهم، لكل زوجة دينار ودرهم. ومنها: مسائل المباهلة، وهي مسائل العول، لان ابن عباس رضي الله عنهما قال: من شاء باهلته أن المسألة لا تعول. ومنها: الناقضة، وهي: زوج، وأم، وأخوان لام، لانها تنقض أحد أصلي ابن عباس رضي الله عنهما، إن أعطاها الثلث، لزم العول. وإن أعطاها السدس، لزم الحجب بأخوين وهو يمنع الحكمين، لكن قيل: إن الصحيح على قياس قوله أن الباقي للاخوين. ومنها: الدينارية، وهي: زوجة، وأم، وبنتان، واثنا عشر أخا، وأخت، والتركة ستمائة دينار، خص الاخت دينار منها. يروى أنها جاءت عليا رضي الله عنه متظلمة فقال: قد استوفيت حقك. قلت: ويروى أنها قالت له رضي الله عنه: ترك أخي ستمائة دينار، أعطيت(5/86)
دينارا، فقال: لعل أخاك ترك زوجة...، وذكر الباقين، وذكر الشيخ نصر المقدسي رحمه الله تعالى: أنها تسمى: العامرية، وأن الاخت سألت عامرا الشعبي رحمه الله تعالى عنها، فأجاب بما ذكرنا. والله أعلم. ومنها: المأمونية، وهي: أبوان، وبنتان، لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين، وتركت الباقين، سأل المأمون عنها يحيى بن أكثم رضي الله عنه حين أراد أن يوليه القضاء فقال: الميت الاول رجل، أم امرأة ؟ فقال المأمون: إذا عرفت الفرق عرفت الجواب، لانه إن كان رجلا، فالا ب وارث في المسألة الثانية، وإلا، فلا، لانه أبو أم.
الفصل الثاني : في المعاياة، قالت حبلى لقوم يقسمون تركة: لا تعجلوا فإني حبلى، إن ولدت ذكرا ورث، وإن ولدت أنثى، لم ترث. وإن ولدت ذكرا وأنثى، ورث الذكر دون الانثى، هذه زوجة كل عصبة سوى الاب والابن. ولو قالت: إن ولدت ذكرا، أو ذكر أو أنثى، ورثا، وإن ولدت أنثى، لم ترث فهي زوجة الاب، وفي الورثة أختان لابوين، أو زوجة الابن، وفي الورثة بنتا صلب. ولو قالت: إن ولدت ذكرا، لم يرث، وإن ولدت أنثى، ورثت، فهي زوجة الابن، والورثة الظاهرون: زوج، وأبوان، وبنت أو زوجة الاب. والورثة الظاهرون: زوج، وأم، وأختان لام. ولو قالت: إن ولدت ذكرا أو أنثى لم(5/87)
ترث، وإن ولدتهما، ورثا، فهي زوجة الاب، وقد مات الاب قبله. والورثة الظاهرون: أم، وجد، وأخت لابوين. نوع آخر: قالت: إن ولدت ذكرا، ورث وورثت. وإن ولدت أنثى، لم ترث ولا أرث، فهي بنت ابن الميت، وزوجة ابن ابن له آخر، وهناك بنتا صلب. ولو قالت: إن ولدت ذكرا، لم يرث ولم أرث، وإن ولدت أنثى، ورثنا، فهي بنت ابن ابن الميتة، وزوجة اجن ابن آخر. والورثة الظاهرون: زوج، وأبوان، وبنت ابن. ولو قالت: إن ولدت ذكرا، فلي الثمن وله الباقي، أو أنثى، فالمال بيني وبينها سواء، وإن أسقطت ميتا، فالمال كله لي، فهي امرأة أعتقت عبدا ثم تزوجته فمات وهي حبلى منه. نوع آخر: قال رجل: لا تعجلوا، فامرأتي غائبة، إن كانت ميتة، ورثت أنا، وإن كانت حية، ورثت ولم أرث، فهذا أخو الميت لابيه، وزوجته الغائبة أخت الميت لامه، وله معها أم وأختان لابوين. ولو قال: إن كانت حية، ورثت دونها، أو ميتة، فلا شئ لنا، هي امرأة ماتت عن زوج وأم، وجد، وأخت لام، وأخ لاب قد نكحها، وهي الغائبة. نوع آخر: امرأة وزوجها، أخذا ثلاثة أرباع المال، وأخرى وزوجها أخذا الربع، صورته: أخت لاب، وأخرى لام وابنا عم أحدهما أخ لام، والذي هو أخ لام، زوج الاخت للاب، والآخر زوج الاخت للام، فللاخت للاب النصف، وللاخ وللاخت للام الثلث، والباقي بين ابني العم. زوجان أخذا ثلث المال، وآخران ثلثيه، صورته: أبوان، وبنت ابن في نكاح ابن ابن ابن آخر. رجل وابنته، ورثا مالا نصفين، صورته: ماتت عن زوج هو ابن عم وبنت منه. رجل وزوجتاه، ورثوا المال أثلاثا، صورته: بنتا ابنين في نكاح ابن أخ، أو ابن ابن ابن.(5/88)
ابن زوجة، وسبعة إخوة لها، ورثوا مالا بالسوية، صورته: نكح ابن رجل أم امرأته وأولدها سبعة، ومات الرجل بعد الابن عن زوجة وسبعة بني ابن، هم إخوتها لام، فلها الثمن، ولهم الباقي. نوع آخر: امرأة ورثت أربعة أزواج، واحد بعد واحد، فحصل لها نصف أموالهم، هم أربعة إخوة لاب، كان لهم ثمانية عشر دينارا للاول ثمانية، وللثاني ستة، وللثالث ثلاثة، وللرابع دينار. امرأة ورثت خمسة أزواج، فحصل لها نصف أموالهم، هم خمسة إخوة، لهم ثمانية وأربعون دينارا، للاول ستة عشر، وللثاني ثلاثة عشر، وللثالث تسعة وللرابع ثلاثة، وللخامس سبعة. فلو كانوا ثلاثة، وورثت النصف، فهم ثلاثة إخوة، لهم مائة وثمانية وثلاثون، للاول مائة وثمانية وعشرون، وللثاني ثمانية، وللثالث ديناران. نوع آخر: قال صحيح لمريض: أوص، فقال: إنما يرثني أنت وأخواك وأبواك وعماك، فالصحيح، أخو المريض لامه وابن عمه، فأخواه أخوا المريض لامه، وأبواه عم المريض وأمه، وعماه عما المريض، والحاصل ثلاثة إخوة لام، وأم، وثلاثة أعمام. ولو قال: يرثني أبواك وعماك وخالاك، فالصحيح ابن أخي المريض لابيه، وابن أخته لامه، وله أخوان آخران لاب، وأخوان لام. ولو قال، يرثني جدتاك وأختاك وزوجتاك وبنتاك، فجدتا الصحيح زوجتا المريض، وأختاه من الام أختا المريض من الاب، وزوجتا الصحيح إحداهما أم المريض، والاخرى أخته للاب، وبنتا الصحيح أختا المريض من الام، ولدتهما له أم المريض. والحاصل: زوجتان وثلاث أخوات لاب، وأختان لام، وأم. ولو قال: يرثني زوجتاك، وبنتاك، وأختاك، وعمتاك، وخالتاك، فزوجتا الصحيح أم المريض وأخته لابيه، وبنتا الصحيح أختا المريض لامه، وأختا الصحيح لامه أختا المريض لابيه، وعمتا الصحيح إحداهما لاب والاخرى لام، وخالتاه كذلك، وأربعهن زوجات المريض، فالحاصل: أربع زوجات، وأم، وأختان لام، وثلاث أخوات لاب.(5/89)
نوع آخر: ترك سبعة عشر دينارا على سبع عشرة أنثى، أصاب كل واحدة دينار، هي أم الارامل. ترك أربعة وعشرين دينارا على أربع وعشرين أنثى، أصاب كل أنثى دينار، هي ثلاث زوجات، وأربع جدات، وست عشرة بنتا، وأخت لاب.
الفصل الثالث : في القرابات المشتبهة. رجلان، كل واحد عم الآخر، هما رجلان نكح كل أم صاحبه، فولد لكل ابن، فكل ابن عم الآخر لامه. رجلان، كل واحد خال الآخر، هما رجلان نكح كل واحد بنت الآخر، فولد لهما ابنان، فكل ابن خال الآخر. رجلان، كل عم أبي الآخر، صورته: نكح رجلان كل أم أبي الآخر، فولد لهما ابنان. رجلان، كل عم أم الآخر، نكح كل بنت ابن الآخر، فولد لهما ابنان. رجلان، كل خال أب الآخر، نكح كل أم أم الآخر فولدا ابنين. رجلان، كل خال أم الآخر، نكح كل بنت بنت الآخر فولدا ابنبن. رجلان، أحدهما عم الآخر، والآخر خال الاول، صورته: نكح امرأة وابنه أمها، فولد لكل ابن، فابن الاب عم ابن الابن وهو خال ابن الاب. رجل هو عم وخال، صورته: أن ينكح أحد الاخوين لاب أخت الآخر للام فتلد ابنا، فالاخ الآخر عم المولود لابيه وخاله لامه. رجل هو عم أبيه وعم أمه، صورته: أن ينكح أبو أبي أبيه أم أبي أمه، فتلد ابنا، فذلك الابن عم أبيه للاب، وعم أمه للام. رجل هو خاأبيه، وخال أمه، صورته: أن ينكح أبو أم أمه أم أم أبيه، فتلد ابنا، فالاب خال أم الرجل لابيه، وخال أبيه لامه. رجلان كل ابن عم الآخر وابن خاله، صورته: أن ينكح رجلان كل أخت الآخر فيولد لهما ابنان.(5/90)
وعن حرملة: أن رجلا دفع رقعة إلى الشافعي - رضي الله عنه - فيها: رجلا مات وخلى رجلا ابن عم ابن أخي عم أبيه، فكتب الشافعي - رضي الله عنه - في أسفلها: صار مال المتوفى كملا باتفاق القول لامرية فيه للذي خبرت عنه أنه ابن عم ابن أخي عم أبيه. وذلك لان ابن أخي عم الاب، هو الاب، فابن عمه هو ابن عم الاب. ويعرف من هذا قول القائل: ورث من الميت خال ابن عمته دون أخيه من الابوين، لان خال ابن العمة هو الاب والاعمام، والمراد هنا: الاب. وقول القائل: ورث الميت عمة ابن خاله دون الجدة، لانها هي الام. كتب هنا في الاصل المخطوط بخط الناسخ ما نصه: تم الجزء الثاني من الروضة بحمد الله وعونه، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم على يد العبد الفقير الراجي عفو ربه العزيز: عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد العزيز غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين في السادس عشر من شهر محرم المكرم سنة ثلاثين وسبعمائة(5/91)
كتاب الوصايا
يقال: أوصيت لفلان بكذا، ووصيت، وأوصيت إليه: إذا جعلته وصيا. ومن عنده وديعة، أو في ذمته حق لله تعالى، كزكاة، وحج، أو دين لآدمي، يجب(5/92)
عليه أن يوصي به إذا لم يعلم به غيره. قلت: المراد، إذا لم يعلم به من يثبت يقوله. والله أعلم. ويستحب أن يوصي من له مال. وتعجيل الصدقة في الصحة ثم في الحياة أفضل، وإذا أراد أن يوصي، فالافضل أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم المحارم، ثم غير المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم بالجوار، كما في الصدقة المنجزة. وفي أمالي السرخسي: أن من قل ماله، وكثر عياله، يستحب أن لا يفوته عليهم بالوصية. والصحيح المعروف هو الاول. ويشتمل الكتاب على أربعة أبواب.
الباب الأول : في أركانها، وهي أربعة.
الركن الأول : الموصي، وهو كل مكلف حر، فلا تصح وصية المجنون، والمبرسم، والمعتوه الذي لا يعقل، والصبي الذي لا يميز قطعا، ولا تصح وصية الصبي المميز. وتدبيره على الاظهر عند الاكثرين كهبته وإعتاقه، إذ لا عبارة له. وتصح وصية المحجور عليه لسفه على المذهب. وقيل: قولان كالصبي. وأما العبد، فإن أوصى، ومات رقيقا، فباطلة. وإن عتق، ثم مات، فباطلة أيضا على الاصح. والمكاتب كالقن وكالصبي. فرع تصح وصية الكافر بما يتمول أو يقتنى، ولا تصح بخمر، ولا(5/93)
خنزير، سواء أوصى لمسلم أو ذمي، ولا بمعصية، كعمارة كنيسة، أو بنائها، أو كتب التوراة والانجيل، أو قراءتهما، وما أشبههما.
الركن الثاني : الموصى له. فإن كانت الوصية لجهة عامة، فشرطه: أن لا تكون جهة معصية وسواء أوصى به مسلم أو ذمي، فلو وصى مسلم ببناء بقعة لبعض المعاصي، لم يصح، كما لو وصى ذمي ببناء كنيسة. فرع يجوز للمسلم والذمي الوصية لعمارة المسجد الاقصى وغير من المساجد، ولعمارة قبور الانبياء، والعلماء، والصالحين، لما فيها من إحياء الزيارة، والتبرك بها، وكذا الوصية لفك أسارى الكفار من أيدي المسلمين، لان المفاداة جائزة، وكذا الوصية ببناء رباط ينزله أهل الذمة، أو دار لتصرف غلتها إليهم. فرع عدوا من الوصية بالمعصية، ما إذا أوصى لدهن سراج الكنيسة، لكن قيد الشيخ أبو حامد المنع بما إذا قصد تعظيم الكنيسة. فأما إذا قصد انتفاع المقيمين أو المجاورين بضوئها، فالوصية جائزة، كما لو أوصى بشئ لاهل الذمة.(5/94)
فصل وإن كانت الوصية لمعين، فينبغي أن يتصور له الملك. ويتعلق بهذا الضبط مسائل. إحداها: الوصية للحمل جائزة، ثم ينظر، فإن قال: أوصيت لحمل فلانة، أو لحمل فلانة الموجود الآن، فلا بد لنفوذها من شرطين. أحدهما: أن يعلم وجوده حال الوصية، بأن ينفصل لاقل من ستة أشهر، فلو انفصل لستة فصاعدا، نظر، إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد، لم يستحق شيئا، وان لم تكن فراشا، بل فارقها مستفرشها قبل الوصية. فان كان الانفصال لاكثر من أربع سنين من وقت الوصية، لم يستحق شيئا. وإن انفصل لدون ذلك، فقولان، وقيل: وجهان. أظهرهما: أنه يستحق، لان الظاهر وجوده. ولو قال: أوصيت لحمل فلانة من زيد، اشترط مع ذلك ثبوت نسبه من زيد حتى لو كانت الوصية بعد زوال الفراش، فأتت بولد لاكثر من أربع سنين من وقت الفراق، ولاقل من ستة أشهر من يوم الوصية، لم يستحق شيئا، لان النسب غير ثابت منه. ولو اقتضى الحال ثبوت نسبه من زيد، فنفاه باللعان، فالصحيح الذي قاله ابن سريج والجمهور: لا شئ له، لانه لم يثبت. وعن أبي إسحق، واختاره الاستاذ أبو منصور: يستحق، لان النسب كان ثابتا، واللعان إنما يؤثر في حق المتلاعنين،(5/95)
ويجري الخلاف فيما لو أوصى لحمل أمة من سيدها، فادعى سيدها الاستبراء، ورأيناه نافيا للنسب. الشرط الثاني: أن ينفصل حيا، فلو فنفصل ميتا، فلا شئ له وإن انفصل بجناية وأوجبنا الغرة، لما ذكرناه في الميراث. فرع أتت بولدين بينهما أقل من ستة أشهر، وبين الوصية والاول أقل من ستة أشهر، صحت الوصية لهما وإن زاد ما بين الوصية والثاني على ستة أشهر وكانت المرأة فراشا، لانهما حمل واحد. فرع يقبل الوصية للحمل من يلي أمره بعد خروجه حيا. وإن قبلها قبل انفصاله، ثم انفصل حيا، فعن القفال: أنه لا يعتد بقوله. وقال غيره: فيه قولان. كمن باع مال أبيه على ظن حياته فبان ميتا. فرع هذا الذي ذكرناه، فيما إذا قال: أوصيت لحملها، أو لحملها الموجود. أما إذا قال: لحملها الذي سيحدث، فأوجه. أصحها عند الاكثرين: بطلان الوصية، لانها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع. والثاني: تصح، قاله أبو إسحق، وأبو منصور، كما تصح بالحمل الذي سيوجد. والثالث: إن كان الحمل موجودا حال الموت، صح، وإلا، فلا. المسألة الثانية: العبد الموصى له، إما أن يكون لاجنبي، وإما أن يكون للموصي، وإما للورثة. القسم الاول: لاجنبي، فتصح الوصية. ثم لا يخلو، إما أن يستمر رقه، وإما أن لا يستمر. الحالة الاولى: أن يستمر رقه، فالوصية للسيد، حتى لو قتل الموصي للعبد الموصى له، لم تبطل الوصية، ولو قتله سيد العبد، كانت وصيت للقاتل. وفي(5/96)
افتقار قبول العبد إلى إذن السيد وجهان سبقا في باب معاملة العبيد. أصحهما: المنع، ولا. يصح من السيد مباشرة القبول بنفسه على الاصح، لان الخطاب لم يكن معه، والوجهان فيما حكى، مخصوصان بقولنا: إن قبول العبد يفتقر إلى إذن السيد. ويجوز أن يعمما، لان الملك للسيد بكل حال، فلا يبعد تصحيح القبول منه وإن لم يسم في الوصية، ألا ترى أن وارث الموصى له يقبل وإن لم يسم في الوصية. وأما قبول السيد ما وهب لعبده، فقال قائلون: هو على هذين الوجهين. وقال الامام: هو باطل قطعا، لان القبول في الهبة كالقبول في سائر العقود، بخلاف قبول الوصية. وإذا صححنا قبول العبد بغير إذن سيده، فلو منعه من القبول فقبل، قال الامام: الظاهر عندي الصحة، وحصول الملك للسيد، كما لو نهاه عن الخلع فخالع. وإذا قلنا: لا يصح بلا إذن، فلو رد السيد، فهو أبلغ من عدم الاذن. فلو بدا له أن يأذن في القبول، ففيه احتمال عند الامام، قال: وإذا صححنا القبول من السيد، فيجب أن يبطل رد العبد لو رده. الحالة الثانية: أن لا يستمر، بل يعتق. فينظر، إن عتق قبل موت الموصي، فالاستحقاق للعبد، لانه وقت الملك حر، وإن عتق بعد موته. فان قبل ثم عتق، فالاستحقاق للسيد، وإن عتق ثم قبل، فان قلنا: الوصية تملك بالموت، أو موقوفة، فالملك للسيد. وإن قلنا: تملك بالقبول، فللعبد. ولو أوصى لعبد هو لزيد، فباعه لعمرو، فينظر في وقت البيع، ويجاب بمثل هذا التفصيل. فرع أوصي لمن نصفه حر، ونصفه لاجنبي، فان لم تكن بينه وبين سيده(5/97)
مهايأة، وقبل بإذن السيد، فالموصى به بينهما بالسوية، كما لو احتش أو احتطب. وإن قبل بغير إذنه، وقلنا: يفتقر قبول العبد إلى إذن سيده، فالقبول باطل في نصف السيد. وفي نصفه وجهان، لان ما يملكه ينقسم على نصفيه فيعزم دخول نصفه في ملك السيد بغير إذنه. وإن كان بينهما مهايأة، بني على أن الاكساب النادرة هل تدخل في المهايأة ؟ وفيه خلاف سبق في زكاة الفطر، وفي كتاب اللقطة. فإن قلنا: لا تدخل، فهو كما لو لم تكن مهايأة. وإن قلنا: تدخل، فلا حاجة إلى إذن السيد في القبول، لان المهايأة إذن له في جميع الاكساب الداخلة فيها. وهل الاعتبار بيوم موت الموصي، أم بيوم القبول، أم بيوم الوصية ؟ فيه أوجه. أصحها: الاول. ولو وهب لمن نصفه حر، فعلى القولين في دخول الكسب النادر في المهايأة. فإن أدخلنا ووقع العقد في يوم أحدهما، والقبض في يوم الآخر، بني على أ / ن الهبة المقبوضة يستند الملك فيه إلى العقد، أم يثبت عقب القبض ؟ فإن قلنا بالاول، فالاعتبار بيوم العقد، وإلا، فيوم القبض على الاصح، وعلى الثاني بيوم العقد. فرع قال: أوصيت لنصفه الحر، أو لنصفه الرقيق خاصة. فعن القفال: بطلان الوصية. قال: ولا يجوز أن يوصي لبعض شخص، كما لا يرث بعضه، وقال غيره: يصح وينزل بتقييد الموصي منزلة المهايأة، فيكون الموصى به للسيد إن وصى لنصفه الرقيق، وله إن أوصى لنفسه الحر. قلت: الاصح: الثاني. والله أعلم.(5/98)
فرع تردد الامام، فيما إذا صرحا بادرا الاكسجب النادرة في المهايأة، أنها تدخل قطعا، أم تكون على الخلاف ؟ وفيما لو عمت الهبات والوصايا في قطر، أنها هل تدخل قطعا، أم تكون على الخلاف ؟ قلت: الراجح طرد الخلاف مطلقا، لكثرة التفاوت. والله أعلم. القسم الثاني: أن يكون العبد الموصى له للموصي، فينظر، إن أوصى لعبده القن برقبته، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في القسم الثاني من الباب الثاني. وإن أوصى له بجزء من رقبته، نفذت الوصية فيه، وعتق ذلك الجزء. وكذلك لو قال: أوصيت له بثلث مالي ولا مال له سواه. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك من رقبته وغيرها من أموالي، نفذت الوصية في ثلثه، وبقي باقيه رقيقا للورثة، فيكون الثلث من سائر أمواله وصية لمن بعضه حر وبعضه رقيق لوارثه. وسنذكره إن شاء الله تعالى. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك، أو بثلث أموالي، ولم ينص على رقبته، فأوجه. أصحها وبه قال ابن الحداد: أن رقبته تدخل في الوصية، لانها من أمواله. والثاني: لا، لاشعاره بغيره. فعلى هذا، لا يعتق منه شئ، والوصية له وصية للعبد بغير رقبته، وعلى الاول، هو كما لو قال: أوصيت له بثلث رقبته، وثلث باقي أموالي. والثالثة: تجمع الوصية في رقبته، فإن خرج كله من الثلث، عتق، وإن كان الثلث أكثر من قيمته، صرف الفضل إليه، وإن لم يخرج كله من الثلث، عتق منه بقدر ما يخرج. ولو أوصى له بعين مال، أو قال: أعطوه من مالكذا، فان مات وهو ملكه، فالوصية للورثة. وإن باعه الموصي، فهو للمشتري. وإن أعتقه، فهي للعتيق. ولو أوصى له بثلث جميع أمواله، وشرط(5/99)
تقديم رقبته، عتق جميعه، ودفع إليه ما يتم به الثلث. فرع تجوز الوصية لام ولده، لانها تعتق بموته من رأس المال، وللمكاتب، لانه مستقل بالملك. ثم إن عجز ورق، صارت الوصية للورثة. وكذا المدبر. ثم عتقه والوصية له معتبران من الثلث. فإن وفى بهما، عتق، ونفذت الوصية. وإن لم يف الثلث بالمدبر، عتق منه بقدر الثلث، وصارت الوصية لمن بعضه حر وبعضه رقيق للوارث، وإن وفى بأحد الامرين من المدبر والوصية، بأن كان المدبر يساوي مائة، والوصية بمائة، وله غير هما مائة، فوجهان. أحدهما وبه قطع الشيخ أبو علي: تقدم رقبته، فيعتق كله، ولا شئ له بالوصية. وأصحهما عند البغوي: يعتق نصفه، والوصية وصية لمن بعض حر وبعضه رقيق للوارث. قلت: الاول: أصح. والله أعلم. القسم الثالث: أن يكون العبد لوارث الموصي، بأن باعه قبل موت الموصي، فالوصية للمشتري، وإن أعتقه، فهي للعتيق، فإن استمر في ملكه، فهي وصية لوارث، وسيأتي حكمها إن شاء الله تعالى. وكذا لو أوصى لعبد أجنبي، ثم اشتراه وارثه، ثم مات الموصي. ولو أوصى لمن نصفه حر، ونصفه لوارثه، فإن لم تكن بينه وبين السيد مهايأة، أو كانت، وقلنا: لا تدخل الوصية فيها، فهو كالوصية لوارث. قال الامام: وكان يحتمل أن يبعض الوصية، كما لو أوصى بأكثر من الثلث. وإن جرت مهايأة، وقلنا: يدخل فيها، فقد سبق أن الاعتبار بيوم موت الموصي على(5/100)
الاصح. فإن مات في يوم العبد، فالوصية صحيحة له، وإلا، فوصية لوارث. وسواء كانت مهايأة يوم الوصية، أم أحدثاها قبل موت الموصي، قاله الشيخ أبو علي. فرع أوصى لمكاتب وارثه. فإن عتق قبل موت الموصي، نفذت الوصية له، وكذا لو أعتق بعده بأداء النجوم. فاعجز، ورق، صارت وصية لوارث. المسألة الثالثة: أوصى لدابة غيره، وقصد تمليكها، أو أطلق. قال الاصحاب: الوصية باطلة، لان مطلق اللفظ للتمليك، والدابة لا تملك. وفرقوا بينه وبين الوصية المطلقة للعبد، بأن العبد تنتظم مخاطبته، ويتأتى منه القبول، وربما عتق قبل موت الموصي، فثبت له الملك. وقد سبق في الوقف المطلق عليها وجهان في كونه وقفا على مالكها، فيشبه أن تكون الوصية على ذلك الخلاف. وقد يفرق بأن الوصية تمليك محض، فينبغي أن تضاف إلى من تملك. قلت: الفرق أصح. والله أعلم. ولو فسر بالصرف في علفها، صحت، لان علفها على مالكها، فالقصد بهذه الوصية المالك. هذا هو ظاهر المنقول، وبه قطع الغزالي، والبغوي، وغيرهما. ويحتمل طرد خلاف سبق في مثله، في الوقف. فعلى الصحة في اشتراط قبول المالك وجهان. اختيار أبي زيد: لا يشترط ويجعل وصية للدابة. والاصح: الاشتراط، وبه قطع صاحب التلخيص كسائر الوصايا. وهي وصية لمالكها، كما لو أوصى لعمارة داره، فعلى هذا، يتعين صرفه إلى جهة الدابة على الاصح. وبه قطع صاحب التلخيص رعاية لغرض الموصي. فعلى هذا، يتولى الانفاق الوصي. فإن لم يكن، فالقاضي، أو من يأمره من المالك أو غيره. قال القفال: لا يتعين، بل له إمساكه، وينفق عليها من غيره. فرع لو انتقلت الدابة من مالكها إلى غيره، فقياس كون الوصية للدابة، الاستمرار لها. وقياس كونها للمالك، اختصاصها بالمنتقل عنه.(5/101)
قلت: بل القياس اختصاصها بالمنتقل إليه، كما سبق في الوصية للعبد. والله أعلم. فرع أوصى لمسجد، وفسر بالصر ف في عمارته ومصلحته، صحت الوصية. وإن أطلق، فهل تبطل كالوصية للدابة، أم تصتنزيلا على الصرف في عمارته ومصلحته عملا بالعرف ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، ويصرفه القيم في الاهم والاصلح باجتهاده. وإن قال: أردت تمليك المسجد، فقد ذكر بعضهم أن الوصية باطلة. ولك أن تقول: سبق أن للمسجد ملكا، وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية. قلت: هذا الذي أشار الامام الرافعي إلى اختياره هو الافقه والارجح. والله أعلم. المسألة الرابعة: الوصية للذمي صحيحة بلا خلاف. وكذا للحربي والمرتد على الاصح المنصوص في عيون المسائل. (المسألة) الخامسة: في صحة الوصية للقاتل قولان. أظهرهما عند العراقيين والامام والروياني: الصحة، كالهبة. وسواء كان القتل عمدا أو خطأ، بحق أم بغيره. وقيل: القولان في القتل ظلما، وتصح للقاتل بحق قطعا، كالقصاص. وقال القفال: إن ورثنا القاتل بحق، صحت، وإلا، فعلى هذا الخلاف. وقيل: القولان فيمن أوصى لجارحه ثم مات. أما من أوصى لرجل، فقتله، فباطلة قطعا، لانه مستعجل، فحرم، كالوارث. وقيل: تصح في الجارح قطعا. والقولان في الآخر. والمذهب الصحة مطلقا.(5/102)
فرع المستولدة إذا قتلت سيدها، عتقت قطعا وإن استعجلت، لان الاحبال كالاعتاق، ولو أعتق المريض عبدا، فقتل سيده، لم يؤثر في حريته. ولو قتل المدبر سيده، فان قلنا: التدبير وصية، فهو كما لو أوصى لرجب فقتله. وإن قلنا: تعليق عتق، بصفة، عتق قطعا، كالمستولدة. وقال البغوي: إن صححنا الوصية للقاتل، عتق المدبر بقتل سيده، وإلا، فلا. ويبطل التدبير، سواء قلنا: التدبير وصية، أم تعليق، لانه وإن كان تعليقا، ففي معنى الوصية، لانه من الثلث. فرع أوصى لعبد جارحه، أو لمدبره، أو لمستولدته، فان عتق قبل موت الموصي، صحت الوصية للعتيق، وإن انتقل منه إلى غيره، صحت لذلك الغير، وإلا، فهي وصية لجارح. فرع أوصى لعبزيد بشئ، فجاء العبد فقتل الموصي، لم تتأثر به الوصية. فإن جاء زيد وقتله، فهو وصية للقاتل. ولو أوصى لمكاتب، فقتل المكاتب الموصي، فان عتق، فهي وصية للقاتل. وإن عجز، فالوصية صحيحة للسيد. وإن قتله سيد المكاتب، فالحكم بالعكس. وتجوز الوصية للعبد القاتل، لانها تقع لسيده. فرع مستحق الدين المؤجل إذا قتل من عليه دين، حل دينه، لان الحظ له الآن في تعجيل براءته. (المسألة) السادسة: في الوصية للوارث. يقدم عليها أنه ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله. فلو خالف وله وارث خاص، فرد، بطلت الوصية في الزيادة على الثلث، وإن أجاز، دفع المال بالزيادة إلى الموصى له. وهل إجازته تنفيذ لتصرف(5/103)
الموصي، أم ابتداء عطية من الوارث ؟ قولان. أظهرهما: تنفيذ. وإن لم يكن وارث خاص، فالزيادة على الثلث باطلة على الصحيح المعروف، وبه قطع الجمهور، لان الحق للمسلمين، فلا مجيز. وحكى أبو عاصم العبادي وجها في صحتها. وقال المتولي: للامام ردها. وهل له إجازتها ؟ يبنى على أن الامام، هل يعطى حكم الوارث الخاص. وفي الوصية للوارث طريقان. أصحهما: أنه كما لو أوصى لاجنبي بزيادة على الثلث، فتبطل برد سائر الورثة. فان أجازوا، فعلى القولين. أحدهما: إجازتهم ابتداء عطية، والوصية باطلة. وأظهرهما: أنها تنفيذ. والطريق الثاني: القطع ببطلانها وإن أجازت الورثة. والفرق أن المنع من الزيادة هناك لحق الورثة، فإذا رضوا أجاز. والمنع هنا لتغيير الفروض التي قدرها الله تعالى سبحانه للورثة، فلا أثر لرضاهم. فإن قلنا: تنفيذ، كفى لفظ الاجازة، ولا يحتاج إلى هبة وتجديد قبول وقبض، وليس للمجيز الرجوع وإن كان قبل القبض. وإن قلنا: ابتداء عطية، فلا يكفي قبول الوصية(5/104)
أولا، بل لا بد من قبول آخر في المجلس، ولابد من القبض، وللمجيز الرجوع قبل القبض، وهل يشترط لفظ التمليك أو لفظ الاعتاق إن كان الموصى به إعتاقا ؟ وجهان. أصحهما: نعم، ولا يكفي لفظ الاجارة، كما لو تصرف تصرفا فاسدا من بيع أو هبة ثم أجازه. فرع خلف زوجة هي بنت عمه، وأباها، وكان أوصى لها، فأجاز أبوها الوصية، فلا رجوع له إن جعلنا الاجازة تنفيذا، وإن جعلناها ابتداء عطية، فله الرجوع. فرع أعتق عبدا في مرضه، أو أوصى بعتقه، ولا مال له سواه، أو زادت قيمته على الثلث، فان قلنا: الاجازة ابتداء عطية من الورثة، فولاء ما زاد على الثلث للمجيزين ذكورهم وإناثهم بحسب استحقاقهم. وإن قلنا: تنفيذ، فولاء جميعه للميت يرثه ذكور العصبة. وحكي عن ابن اللبان وجه: أن الولاء للميت على القولين، وهو شاذ ضعيف. ولو أعتق المريض عبدا، فمات قبل سيده، فهل يموت كله حرا، أم لا ؟ فيه خلاف مذكور في باب العتق. فروع تتعلق بالمسألة إحداها: الهبة في مرض الموت للوارث، والوقف عليه وإبراؤه من دين كالوصية له، ففيها الخلاف. الثاني: لا اعتبار برد الورثة وإجازتهم في حياة الموصي. فلو أجازوا في حياته، أو أذنوا له في الوصية، ثم أرادوا الرد بعد موته، فلهم ذلك. فإن أجازوا بعد الموت وقبل القسمة، فالصحيح لزومها. وقيل: كالاجازة قبل الموت، حكاه أبو منصور. الثالث: ينبغي أن يعرف الوارث قدر الزائد على الثلث، وقدر التركة، فان جهل أحدهما، لم يصح إن قلنا: الاجازة ابتداء عطية. وإن قلنا: تنفيذ، فكالابراء عن مجهول، وهو باطل على الاظهر. الرابع: أجاز ثم قال: كنت أعتقد التركة قليلة، فبانت أكثر مما ظننت، قال الشافعي رضي الله عنه في الام: يحلف وتنفذ الوصية في القدر الذي كان يتحققه. قال الاصحاب: إنما يحتاج إلى اليمين إذا حصل المال في يد الموصى(5/105)
له. فإن لم يحصل، فلا حاجة إلى اليمين إن جعلناها ابتداء عطية، فإن الهبة قبل القبض لا تلزم. وقال المتولي: التنفيذ في القدر المظنون مبني على أن الاجازة تنفيذ، فتنزل منزلة الابراء. أما إذا قلنا: ابتداء عطية، فإذا حلف، بطل في الجميع. واللفظ المحكي عن النص ينازعه فيما ادعاه. ولو أقام الموصى له بينة أنه كان عالما قدر التركة عند الاجازة، لزمت إن جعلناها تنفيذا، وإن قلنا: عطية، فلا، إذا لم يوجد القبض. ولو كانت الوصية بعبد معين، فأجاز، ثم قال: ظننت التركة كثيرة وأن العبد خارج من ثلثها وقد بان خلافه، أو ظهر دين لم أعلمه، أو بان لي أنه تلف بعضها، فإن قلنا: الاجازة عطية، صحت، لان العبد معلوم، والجهالة في غيره. وإن قلنا: تنفيذ، فقولان. أحدهما: الصحة، للعلم بالعبد. والثاني: يحلف ولا يلزم إلا الثلث، كما في الوصية بالمشاع، وبهذا قطع المتولي. الخامس: الاعتبار في كونه وارثا بيوم الموت، حتى لو أوصى لاخيه ولا ابن له، فولد له ابن قبل موته، صحت. ولو أوصى لاخيه وله ابن، فمات الابن قبل الموصي، فهي وصية لوارث، وهذا متفق عليه. وذكرنا في الاقرار للوارث خلافا في أن الاعتبار بيوم الاقرار، أم الموت ؟ والفرق أن استقرار الوصئ بالموت، ولا ثبات لها قبله. السادس: إذا أوصى لكل واحد من ورثته بقدر حصته من تركته، فوصيته(5/106)
باطلة، لانه يستحقه بلا وصية. ويجئ فيه أوجه: أنه يصح، لان صاحب التتمة حكى وجهين فيما إذا لم يكن له إلا وارث واحد فأوصى له بماله، الصحيح منهما: أن الوصية باطلة، ويأخذ التركة بالارث. والثاني: تصح، فيأخذها بالوصية إذا لم ينقضها، قال: وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا ظهر دين. إن قلنا: إنه أخذ التركة إرثا، فله إمساكها وقضاء الدين من غيرها. وإن قلنا بالوصية، قضاه منها ولصاحب الدين الامتناع لو قضى من غيرها. قلت: ومن فوائده لو حدثت من عين التركة زوائده. إن قلنا: وصية، لم يملكها. وإن قلنا: إرث ملكها على الصحيح. والله أعلم. ولو أوصى لكل وارث بعين هي قدر حصته، من ثوب، وعبد، وغيرهما، فهل تحتاج هذه الوصية إلى الاجازة، أم لا بل يختص كل واحد بما عينه له ؟ وجهان. أصحهما: تحتاج، لاختلاف الاغراض في الاعيان ومنافعها. ولهذا أوصى أن تباع عين ماله لزيد، صحت الوصية على الصحيح. وفيه وجه حكاه المتولي والشاشي. السابع: لو باع المريض ماله لوارثه بثمن المثل، نفذ قطعا. الثامن: أوصى بثلث ماله لاجنبي ووارث. إن صححنا الوصية للوارث، وأجازت الورثة، فالثلث بينهما. وإن أبطلناها، أو ردها سائر الورثة، بقي السدس للاجنبي على الصحيح. وقيل: تبطل فيه أيضا أخذا من تفريق الصفقة. وإن أوصى لهذا بالثلث، ولهذا بالثلث، فإن صححنا الوصية للوارث، وأجاز سائر الورثة، فلكل واحد منهما الثلث. وإن أبطلناها، أو ردوا، فلا شئ للوارث. ثم ينظر في كيفية الرد، إن ردوا وصية الوارث، سلم الثلث للاجنبي على الصحيح. وقيل: لا يسلم له إلا السدس. وإن قالوا: رددنا ما زاد على الثلث من الوصيتين، فالاصح:(5/107)
أن للاجنبي الثلث. وقيل: السدس. التاسع: أوصى لاحد ورثته بقدر نصيبه من التركة، أو بما دونه، وأجاز الباقون، سلم له الموصى به، والباقي مشترك بينهم. قال الامام: وذلك القدر، خرج عن كونه موروثا باتفاق الورثة، ولو أوصى لبعض الورثة بأكثر من قدر نصيبه، فوجهان. أصحهما: أن الحكم كذلك. والثاني: أن الباقي لمن لم يوص له، لاحتمال أن غرضه من الوصية تخصيصه بتلك الزيادة. ويتخرج على هذا الخلاف ما إذا أوصى لاجنبي بنصف ماله، ولاحد ابنية الحائزين بالنصف، وأجازا الوصيتين، فللاجنبي النصف. وفيما يستحقه الابن الموصى له وجهان. أصحهما: النصف. والثاني: الربع والسدس، ويبقى نصف سدس الذي لم يوص له. ولو أجاز الابن الذي لم يوص له الوصيتين، ولم يجز الموصى له وصية الاجنبي، فالمسألة تصح من اثني عشر، للاجنبي الثلث أربعة بلا إجازة، ويأخذ سهما آخر من نصيب الذى أجاز، فيجتمع له خمسة، وللابن الموصى له سبعة، منها ستة بالوصية، وسهم لانه لم يجز وصية الاجنبي، كذا حكاه الاستاذ أبو منصور عن ابن سريج، وهو قياس الوجه الاول، وقياس الثاني: أن يأخذ الابن الموصى له ستة أسهم، ويبقى للابن الآخر سهم. ولو لم يجز الابن الذي لم يوص له وصية الاجنبي، فللاجنبي خمسة. ثم على قياس الوجه الاول، للابن الموصى له ستة أسهم، وللآخر سهم، وعلى قياس الثاني له خمسة، وللآخر سهمان. العاشر: أوصى لزيد بثلث ماله، ولاحد ابنيه الحائزين بالكل، وأجازا الوصيتين، فلزيد الثلث، والثلثان للابن الموصى له. وليس له زحمة زيد في الثلث، لان الوصية للاجنبي مستغنية عن الاجازة، وفيه احتمال للمتأخرين. وإن ردا، فثلث زيد بحاله، ولا شئ للابن بالوصية. ولو أوصى لزيد بالثلث، ولكل واحد من ابنيه بالثلث فردا، لم يؤثر ردهما في حق زيد على الصحيح. وقيل: ليس له إلا ثلث الثلث بالشيوع. الحادي عشر: وقف دارا في مرض موته على ابنه الحائز. فإن أبطلنا الوصية للوارث، فهو باطل. وإن صححناها بالاجازة، فقال ابن الحداد: إن احتملها ثلث ماله، لم يكن للوارث إبطال الوقف في شئ منها، لان تصرف المريض في ثلث ماله(5/108)
نافذ، فإذا تمكن من قطع حق الوارث عن الثلث بالكلية، فتمكنه من وقفه عليه أولى، وإن زادت على الثلث، لم يبطل الوقف في قدر الثلث. وأما الزيادة، فليس للمريض تفويتها على الوارث، فللوارث ردها وإبطالها. فإن أجاز، فاجازته وقف منه على نفسه إن جعلنا إجازة الوارث عطية منه، وإن جعلناها تنفيذا، لزم الوقف. وقال القفال: له رد الكل في الوقف لان الوصية بالثلث في حق الوارث كهي بالزيادة في حق غير الوارث. والصحيح المعروف قول ابن الحداد، وعليه تتفرع الصور الآتية إن شاء الله تعالى. ثم ذكر الامام أن صورة المسألة فيما إذا نجز الوقف في مرضه، وكان الابن طفلا فقبله له ثم مات فأراد الابن الرد أو الاجازة، لكن لا حاجة إلى هذا التصوير، لانه وإن كان بالغا فقبله بنفسه، لم يمتنع عليه الرد بعد الموت، إذ الاجازة المعتبرة، هي الواقعة بعد الموت. ولو كان له ابن، وبنت، فوقف ثلث الدار على الابن، والثلث على البنت، فلا رد لهما إن خرجت الدار من الثلث. وإن زادت على الثلث، فلهما رد الوقف في الزيادة. وإن وقفها عليهما نصفين، والثلث يحتملها، فإن رضي الابن، فهي كما وقف، وإلا، فظاهر كلام ابن الحداد: أن له رد الوقف في ربع الدار، لانه لما وقف عليه النصف، كان من(5/109)
حقه أن يقف على البنت الربع، فإذا زاد، كان للابن رده، ثم لا يصير شئ منه وقفا عليه، لان الاب لم يقف عليه إلا النصف، بل يكون الربع المردود بينهما أثلاثا ملكا، وتكون القسمة من اثني عشر، لحاجتنا إلى عدد لربعه ثلث، فتسعة منها وقف عليهما، وثلاثة ملك، وكلاهما بالاثلاث. وقال الشيخ أبو علي: عندي أنه ليس للابن إبطال الوقف إلا في سدس الدار، لانه إنما تعتبر إجازته في حقه، وحقه منحصر في ثلث الدار، وقد وقف عليه النصف، فليس له إلا تمام الثلثين، لكن تتخير البنت في نصف السدس، إن شاءت أجازت، فيكون وقفا. وإن شاءت ردت، فيكون ملكا. قلت: قول أبي علي هو الاصح، أو الصحيح، أو الصواب. والله أعلم. ولو وقف الدار على ابنه وزوجته نصفين ولا وارث سواهما، قال ابن الحداد: قد نقص المريض من حق الابن ثلاثة أثمان الدار، وهي ثلاثة أسباع حقه، فله رد الوقف في حقها وهو الثمن إلى أربعة أسباعه، ليكون الوقف عليها من نصيبها كالوقف عليه من نصيبه، ويكون الباقي بينهما أثمانا ملكا، فتكون القسمة من ستة وخمسين، لحاجتنا إلى عدد لثمنه سبع، فتكون أربعة أسباع الدار كلها - وهي اثنان وثلاثون - وقفا، ثمانية وعشرون منها وقف على الابن، وأربعة على الزوجة، والباقي - وهو أربعة وعشرون - ملكا، منها أحد وعشرون للابن، وثلاثة لها. قال الشيخ أبو علي: ليس له رد الوقف إلا في تتمة حقه وهو ثلاثة أثمان الدار، وأما الثمن، فالخيار فيه للزوجة. ولو وقف ثلث الدار على أبيه، وثلثها على أمه، ولا وارث سواهما، فالجواب على قياس ابن الحداد: أنه نقص من نصيب الاب ثلث الدار، لانه يستحق ثلثيها، ولم يقف عليه إلا الثلث، وذلك ك نصف نصيبه، فله رد الوقف في نصف نصيبها وهو سدس الدار، والباقي بينهما أثلاثا ملكا. وتقع القسمة من ستة، لحاجتنا إلى عدد لثلثه نصف، فيكون نصف الدار وقفا، ونصفها ملكا أثلاثا. وعلى قياس الشيخ: لا يرد الوقف إلا في تتمة حقه، وهو الثلث، ولها الخيار في السدس. ولفظ ابن الحداد في المولدات يمكن تنزيله على ما قاله الشيخ، فيرتفع الخلاف، لكنه يحوج إلى ضرب تعسف.(5/110)
فصل والوصية للميت باطلة، سواء علم الموصي بموته، أم لا.
الركن الثالث : الموصى به، ويشترط فيه أربعة أمور. أحدها: كونه مقصودا، فيخرج عنه ما لا يقصد. ويلتحق به ما يحرم اقتناؤه والانتفاع به، فلا تصح الوصية به. فالمنفعة المحرمة كالمعدومة. والثاني: أن يقبل النقل من شخص إلى شخص. فما لا يقبله، لا تصح الوصية به، كالقصاص، وحد القذف، فانهما وإن انتقلا بالارث، لا يتمكن مستحقهما من نقلهما. وكذلك لا تجوز الوصية بالحقوق التابعة للاموال، كالخيار وحق الشفعة إذا لم تبطل بالتأخير لتأجيل الثمن. قلت: فلو أوصى بالشقص الذي يستحق الشفعة بسببه، كان الشقص للموصى له، والشفعة للورثة، قاله القاضي حسين في الفتاوى. والله أعلم. الثالث: أن لا يزيد على الثلث، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. الرابع: أن يكون مختصا بالموصي إذا قلنا: لا تجوز الوصية بمال الغير، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل : الوصية بالحمل الموجود، إن أطلقها فقال: أوصيت بحمل فلانة،(5/111)
أو قيدها، فقال: بحملها الموجود الآن، فهي صحيحة بشرط انفصاله حيا، ولوقت يعلم وجوده عند الوصية، كما سبق في الوصية للحمل. فلو انفصل ميتا مضمونا بجناية، لم تبطل، وتنفذ من الضمان، لانه انفصل مقوما، بخلاف ما إذا أوصى بحمل وانفصل ميتا بجناية، فإنها تبطل كما سبق، لان المعتبر هناك المالكية. وهل يصح قبول الموصي له قبل الوضع ؟ فيه خلاف مبني على أن الحمل هل يعرف، وإن كانت الوصية بحمل سيكون، صحت أيضا على الاصح. فرع الوصية بثمار البستان الحاصلة في الحال صحيحة، وبالتي ستحدث طريقان. أصحهما: على الوجهين في الحمل الذي سيحدث. والثاني: القطع بالصحة، كالوصية بالمنافع، لانها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها، بخلاف الولد. فرع الوصية بصوف الشاة ولبنها، كالثمار.
فصل الوصية بمنافع الدار والعبد صحيحة، مؤبدة ومؤقتة، والاطلاق يقتضي التأبيد.
فصل الوصية بما لا يقدر على تسليمه، كالآبق، والمغصوب، والطير المفلت، صحيحة، وكذا بالمجهول، كقوله: أعطوه ثوبا أو عبدا. فرع لو أوصى بأحد العبدين، صحت. ولو أوصى لاحد الرجلين، لم تصح على الاصح، كسائر التمليكات. وقد يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له، ثم الابهام في الموصى له إنما يمنع إذا قال: أوصيت لاحد الرجلين. فلو قال: أعطوا العبد أحد الرجلين، ففي المهذب والتهذيب وغيرهما: أنه جائز تشبيها بما إذا قال لوكيله: بعه لاحد الرجلين، وإذا أبهم الموصى به، عينه(5/112)
الوارث، وإذا أبهم الموصى له، فسنذكر حكمه إن شاء الله تعالى.
فصل تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلم، والزيت النجس، والزبل، وجلد الميتة، والخمر المحترمة، والخنزير، لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها من يد إلى يد بالارث أو غيره. قال المتولي: ومن هذا القبيل، شحم الميتة لدهن السفن ولحمها إذا جوزنا الانتفاع به. وفي الجرو الذي يتوقع الانتفاع به وجهان، بناء على جواز إمساكه وتربيته لذلك، أصحهما: الجواز. فأما ما لا يحل اقتناؤه والانتفاع به، كالخمر، والخنزير، والكلب العقور، فلا تصح الوصية به. ونقل الحناطي وجها: أنه تصح الوصية، كالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه، وقولا: أنه لا تجوز الوصية بالمقتنى، وهما شاذان ضعيفان. فصل تصح الوصية بنجوم الكتابة. فإن عجز، فلا شئ للموصى له، وتصح برقبة المكاتب إن جوزنا بيعه، وإلا، فقال المتولي: هو كما لو أوصى بمال الغير، وسنذكره إن شاء الله تعالى. فصل أن أوصى بمال الغير فقال: أوصيت بهذا العبد، وهو ملك غيره،(5/113)
أو بهذا العبد إن ملكته، فوجهان. أحدهما: تصح، لانها تصح بالمعدوم، فذا أولى. والثاني: لا، لان مالكه يملك الوصية به، والشئ الواحد لا يكون محلا لتصرف شخصين، وبهذا قطع الغزالي. قلت: الاول أفقه وأجرى على قواعد الباب. والله أعلم.
فصل الوصية بالاصنام والسلاح للذمي والحربي، وبالعبد المسلم والمصح للكافر، كبيعها له. فرع إذا قال: أعطوه كلبا من كلابي، وله كلاب يحل الانتفاع بها، ككلب صيد، أو زرع، أو ماشية، أعطي واحدا منها. ولو قال: كلبا من مالي، فكذلك وإن لم يكن الكلب مالا، لان المنتفع به من الكلاب يقتنى وتعتوره الايدي، كالاموال، فقد يستعار له إسم المال. ولو قال: أعطوه كلبا من كلابي، أو من مالي، وليس له كلب ينتفع به، بطلت الوصية، بخلاف ما إذا قال: أعطوه عبدا، فإنه يشترى، لان الكلب يتعذر شراؤه.(5/114)
قلت: هذا هو الصحيح المعروف. وفي وجه حكاه الجرجاني في المعاياة وغيره: أنه تصح الوصية ويعطى قيمة مثل الكلب من الجوارح الظاهرة، وهذا ليس بشئ. والله أعلم. ولو كان له كلب، ولا مال له، فأوصى بكلبه، لم تنفذ الوصية إلا في ثلثه، كالمال، فإن أوصى ببعضه، أو كان له كلاب فأوصى ببعضها، ففي وجه: لا يعتبر خروج الموصى به من الثلث، لانها غير متقومة، ويكفي أن يبقى للورثة شئ وإن قل. والصحيح إعتباره كالاموال. فعلى هذا، إن لم يكن إلا كلب واحد، لم يخف إعتبار الثلث. وإن كان كلاب، ففي كيفيته أوجه. أصحها ومنهم من قطع به: أنه ينظر إلى عدد الرؤوس، وتنفذ الوصية من ثلاثة في واحد. والثاني: ينظر إلى قيمتها بتقدير المالية فيها، كما يقدر الرق في الحر عند الحاجة، وتنفذ الوصية في الثلث بالقيمة. والثالث: تقوم منافعها، ويؤخذ الثلث من قيمة المنافع. ولو لم يملك إلا كلبا، وطبل لهو، وزق خمر محترمة، فأوصى بواحد منها، وأردنا إعتبار الثلث، لم يجز الوجه الاول ولا الثالث، لانه لا تناسب بين الرؤوس ولا المنفعة، فيتعين إعتبار القيمة. أما إذا كان له مال وكلاب، فأوصى بكلها، أو ببعضها، فثلاثة أوجه. أصحها: نفوذ الوصية فيها وإن كثرت وقل المال، لان المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، والمال وإن قل خير من(5/115)
ضعف الكلب، إذ لا قيمة له، وبهذا قال أبو علي وابن أبي هريرة والطبري والشيخ. والثاني قاله الاصطخري: أن الكلاب ليست من جنس المال، فيقدر كأنه لا مال له، وتنفذ الوصية في ثلاث كلاب على ما سبق. والثالث: تقوم الكلاب أو منافعها على اختلاف الوجهين السابقين، وتضم إلى ما يملكه من المال، وتنفذ الوصية في ثلث الجميع. ولو أوصى بثلث ماله لرجل، وبالكلاب لآخر، فعلى قول الاصطخري: يعتبر ثلث الكلاب وحدها. وأما على الوجه الاول، فقال القاضي أبو الطيب: تنفذ الوصية بجميع الكلاب، لان ثلثي المال الذي يبقى للورثة، خير من ضعف الكلاب، واستبعده ابن الصباغ، لان ما يأخذه الورثة من الثلثين هو حصتهم بسبب ما نقلت فيه الوصية، وهو الثلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرة أخرى في وصية الكلاب، فعلى هذا يلتقي الوجهان. قلت: قول ابن الصباغ أصح. والله أعلم. وقياس الوجه الثالث: أن تضم قيمة الكلاب أو منافعها إلى المال، ويدخل المال في حساب الوصية بالكلاب وإن لم تدخل الكلاب في حساب الوصية بالمال.
فصل اسم الطبل يقع على طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وعلى طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب به للاعلام بالنزول والارتحال، وعلى طبل العطارين وهو سفط لهم، وعلى طبل اللهو، كالطبل الذي يضرب به المخنثون، وسطه ضيق وطرفاه واسعان. فإن أطلق الطبل، ففيه كلام نذكره في أول الباب الثاني إن شاء الله تعالى. وإن عين ما سوى طبل اللهو، صح. وإن عين طبل اللهو، نظر، إن صلح للحجيج، أو الحرب، أو منفعة أخرى مباحة، إما على الهيئة التي هو عليها، وإما بعد التغيير الذي يبقى معه إسم الطبل، فالوصية أيضا صحيحة، وإلا، فباطلة، ولا نظر إلى المنافع المتوقعة بعد زوال إسم الطبل، لانه إنما أوصى بالطبل، هكذا ذكر المسألة جماهير الاصحاب. وقال الامام، والغزالي: إن لم يصلح لغرض مباح مع بقاء إسم الطبل، وكان لا ينتفع إلا برضاضه، لم تصح الوصية، لانه لا يقصد منه الرضاض إلا إذا كان من شئ نفيس، كذهب، أو عود،(5/116)
فتنزل الوصية عليه، وكأنه أوصى برضاضه إذا كسر، والوصية تقبل التعليق. واعلم أنه سبق في بيع الملاهي التي يعد رضاضها مالا ثلاثة أوجه. ثالثها: إن كانت متخذة من شئ نفيس، صح، وإلا، فلا. فإن اكتفينا بمالية الرضاض لصحة البيع، فكذا الوصية، وإلا، فلا. فإذا ما ذكره الجمهور مع ما ذكره الامام، وجهان في المسألة. وكما أطلق الجمهور بطلان البيع، فكذا الوصية، وكما اختار الامام صحة البيع إذا كان شيئا نفيسا، فكذا صحح الوصية فيه. فصل سبق أن الموصى به ينبغي أن لا يزيد على ثلث المال، والاحسن أن ينقص من الثلث شيئا. وقيل: إن كان ورثته أغنياء استوفى الثلث، وإلا، فيستحب النقص منه. وبأي يوم يعتبر المال ؟ وجهان. أحدهما: بيوم الوصية، كما لو نذر التصدق بماله. وأصحهما: بيوم الموت، إذ يملك بعد الموت. فعلى هذا، لو زاد ماله بعد الوصية، تعلقت الوصية به. وكذا لو هلك ثم كسب مالا، تعلقت به. ولو أوصى بعشرة ولا مال له، ثم كسبه، تعلقت به. وعلى الوجه الاول، كل ذلك بخلافه. ومنهم من قطع في اعتبار القدر بيوم الموت وخص الخلاف بمن لم يملك شيئا أصلا ثم ملكه. ثم الثلث الذي تنفذ فيه الوصية، هو ثلث الفاضل عن الديون. فلو كان عليه دين مستغرق، لم تنفذ الوصية في شئ، لكن يحكم بانعقادها في الاصل حتى ينفذها لو تبرع شخص بقضاء الدين أو أبرأه المستحق. فرع التبرعات المعلقة بالموت - وهي الوصايا - معتبرة من الثلث، سواء(5/117)
أوصى بها في صحته، أو في مرضه، وكذا التبرعات المنجزة في المرض المخوف المتصل بالموت معتبرة من الثلث. ولو وهبه في صحته، وأقبض في مرضه، فمن الثلث، لان الهبة إنما تملك بالقبض. وهذه القاعدة يحتاج فيها إلى معرفة ثلاثة أشياء: أن المرض المخوف ماذا ؟ وأن التبرعات والتصرفات المحسوبة من الثلث ما هي ؟ وأنها كيف تحسب ؟ فنعقد في كل واحدة فصلا. الفصل الاول: في بيان المرض المخوف والاحوال التي هي في معناه، وبيان طريق معرفته عند الاشكال، وبيان ما يحكم به اللخوف وغير المخوف، فهذه ثلاثة أمور. (أما) الاول: فما بالانسان من مرض وعلة، إما أن ينتهي به إلى حال يقطع فيها بموته منه عاجلا، وذلك بأن يشخص بصره عند النزع وتبلغ الروح الحنجرة، أو يقطع حلقومه ومريه، أو يشق بطنه وتخرج حشوته. وقال الشيخ أبو حامد: أو يغرق في الماء ويغمره، وهو لا يعرف السباحة، فلا اعتبار بكلامه ووصيته وغيرها في شئ من هذه الاحوال، حتى لا يصح إسلام الكافر ولا توبة الفاسق والحالة هذه، لانه صار في حيز الاموات، وحركته حركة المذبوح. قلت: واحتج أصحابنا بأن هذه هي الحال التي قال فيها فرعون: آمنت فلم يصح منه. والله أعلم. وإما أن لا ينتهي إليها، فأما أن يخاف منه الموت عاجلا، وهو المخوف الذي يقتضي الحجر في التبرعات، وإما أن لا يكون كذلك، فحكمه حكم الصحة. هذا(5/118)
ضابطه. ثم تكلم الشافعي والاصحاب رضي الله عنهم في أمراض خاصة مخوفة، وغير مخوفة. فمن المخوفة: القولنج، وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الامعاء فلا تنزل، ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك. ومنها: ذات الجنب، وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد، ثم ينفتح في الجنب، ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك، وكذلك وجع الخاصرة. ومنها: الرعاف الدائم، لانه يسقط القوة، وابتداؤه ليس بمخوف. ومنها: الاسهال، إن كان متواترا، فمخوف، لانه ينشف رطوبات البدن. وإن كان يوما ويومين ولم يدم، فليس مخوفا، إلا إذا انضم إليه أحد أمور. أحدها: أن ينخرق البطن، فلا يمكنه الامساك ويخرج الطعام غير مستحيل. الثاني: أن يكون معه زحير، وهو أن يخرج بشدة ووجع، أو تقطيع، وهو أن يخرج كذلك ويكون منقطعا، وقد يتوهم إنفصال شئ كثير، فإذا رآه نظره كان قليلا. الثالث: أن يعجله ويمنعه النوم. الرابع: إذا كان معه دم، نقل المزني أنه ليس بمخوف. وفي الام أنه إن كان يوما أو يومين ولا يأتي معه دم، لا يكون مخوفا. وهذا يشعر بأنه مع الدم مخوف. فمن الاصحاب من قال: سها المزني، وهو مخوف، لانه يسقط القوة، قاله المسعودي. وتأول الاكثرون فحملوا نقل المزني على دم يحدث من المخرج من(5/119)
البواسير ونحوه. ونص في الام على دم الكبد وسائر الاعضاء الشريفة، فهذا مخوف، وذاك غير مخوف. ومنها: السل، وهو داء يصيب الرئة، ويأخذ البدن منه في النقصان والاصفرار. وقد أطلق في المختصر أنه ليس بمخوف، فأخذ بهذا الاطلاق آخذون، حتى قال الحناطي: إنه ليس بمخوف لا في أوله ولا في آخره، ووجهوه بأن السل وإن لم يسلم منه صاحبه غالبا، فإنه لا يخشى منه الموت عاجلا، فيكون كالشيخوخة والهرم، وذكر صاحب المهذب والغزالي: أنه مخوف في إنتهائه دون إبتدائه، وعكسه البغوي، والاشبه بأصل المذهب ما قاله الحناطي وموافقوه. ومنها: الفالج، وسببه غلبة الرطوبة والبلغم، وإبتداؤه مخوف. فإذا استمر، فليس بمخوف، وسواء كان معه إرتعاش، أم لا، لانه لا يخاف منه الموت عاجلا. وفي وجه: إن لم يكن معه إرتعاش، فمخوف.(5/120)
ومنها: الحمى الشديدة، وهي ضربان: مطبقة، وغيرها. فالمطبقة: هي اللازمة التي لا تبرح فإن كانت حمى يوم أو يومين، لم تكن مخوفة. وإن زادت، فمخوفة. وفي وجه: الحمى من أول حدوثها مخوفة. والصحيح: الاول. وعلى هذا، لو اتصل الموت بحمى يوم أو يومين، نظر في عطيته، إن كانت قبل أن يعرق، فهي من الثلث، وقد بانت مخوفة، وإن كانت بعد العرق، فمن رأس المال، لان أثرها زال بالعرق، والموت بسبب آخر، ذكره صاحبا التهذيب والتتمة. الضرب الثاني: غير المطبقة. وهو أنواع. الورد، وهي التي تأتي كل يوم، والغب، وهي التي تأتي يوما وتقلع يوما، والثلث. وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما. وحمى الاخوين، وهي التي تأتي يومين وتقلع يومين. والربع، وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين. فما سوى الربع والغب من هذه الانواع، مخوف. والربع على تجردها غير مخوفة، لان المحموم يأخذ قوته في يوم الاقلاع. وفي الغب وجهان. قلت: أصحهما: مخوفة، وبه قطع الرافعي في المحرر. والله أعلم. وأما الحمى اليسيرة، فغير مخوفة بحال. ومنها: الدق، وهو داء يصيب القلب، ولا تمتد معه الحياة غالبا، وهو مخوف. ومنها: قال الشافعي رضي الله عنه: من ساوره الدم حتى تغير عقله، أو المرار أو البلغم، كاق مخوفا. وقال أيضا: الطاعون مخوف حتى يذهب. وقوله: ساوره بالسين المهملة، أي: واثبه وهاج به. والمرار: الصفراء فهيجان الصفراء والبلغم، مخوف. وكذا هيجان الدم، بأن يثور وينصب إلى عضو، كيد،(5/121)
ورجل، فتحمر وتنتفخ، وقد يذهب العضو إن لم يتدارك أمره في الحال وإن سلم الشخص، وقوله: حتى تغير عقله، ليس مذكورا شرطا، بل هو مخوف وإن لم يتغير العقل، نص عليه في الام. والطاعون فسره بعضهم بما ذكرناه من إنصباب الدم إلى عضو. وقال أكثرهم: إنه هيجان الدم في جميع البدن، وانتفاخه. قال المتولي: وهو قريب من الجذام، من أصابه تأكلت أعضاؤه وتساقط لحمه. ومنها: الجراحة، إن كانت على مقتل، أو نافذة إلى جوف، أو في موضع كثير اللحم، أو لها ضربان شديد، أو حصل معها تأكل، أو ورم، فهي مخوفة، وإلا، فلا. وقيل: الورم وحدة لا يجعلها مخوفة، بل يشترط معه التأكل. ومنها: القئ إن كان معه دم أو بلغم أو غيرهما من الاخلاط، فمخوف، وإلا، فلا إلا أن يدوم. ومنها: البرسام، وهو مخوف. فرع وأما الجرب، ووجع الضرس والعين والصداع، فغير مخوفة. فرع هذا الذي ذكرناه، في الامراض، وقد تعرض أحوال تشبه الامراض في اقتضاء الخوف، وفيها صور. إحداها: إذا التقى الفريقان والتحم القتال بينهما واختلطوا. الثانية: إذا كان في سفينة فاشتدت الريح وهاجت الامواج.(5/122)
الثالثة: إذا وقع في أسر الكفار وعادتهم قتل الاسارى. الرابعة: قدم ليقتل قصاصا ولم يجرح بعد، فالحكاية عن نص الشافعي رحمه الله في الصور الثلاث: الاولى أن لها حكم المخوف. وعن نصه في الاملاء: في الرابعة: المنع. وللاصحاب فيها طريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: إلحاقها بالمخوف. والطريق الثاني: العمل بظاهر النصين. والفرق أن مستحق القصاص لا تبعد منه الرحمة والعفو طمعا في الثواب أو المال. وعن صاحب التقريب: أنه إن كان هناك ما يغلب على الظن أنه يقتص من شدة حقد أو عداوة قديمة، فمخوف، وإلا، فلا. ثم موضع الخلاف في صورة التحام القتال، ما إذا كان الفريقان متكافئين، أو قريبين من التكافؤ، وإلا، فلا خوف في حق الغالبين قطعا، ولا خوف أيضا قطعا فيما إذا التحم الحرب ولم يختلط الفريقان وإن كانا يتراميان بالنشاب والحراب، ولا فيما إذا كان البحر ساكنا، ولا في الاسير في أيدي الكفار الذين لا يقتلون الاسارى، كالروم. قلت: وسواء في مسألة القتال كان الفريقان مسلمين أو كفارا، أو فريقا مسلمين وفريقا كفارا، كذا صرح به القاضي أبو الطيب، وغيره. والله أعلم. الصورة الخامسة: إذا قدم ليقتل رجما في الزنا، أو ليقتل في قطع الطريق، فهو كالتحام القتال. فعلى طريق: يقطع بأنه مخوف. وعلى طريق: قولان. وقيل: إن ثبت الزنا بالبينة، فمخوف، بخلا ف الاقرار، لاحتمال الرجوع.(5/123)
السادسة: إذا وقع الطاعون في البلد، وفشا الوباء، فهل هو مخوف في حق من لم يصبه ؟ وجهان. أصحهما: مخوف. السابعة: الحامل قبل أن يحضرها الطلق، ليست فيحال خوف. وإن ضربها الطلق، فقولان. أظهرهما: مخوف. وإذا وضعت، فالخوف باق إلى إنفصال المشيمة، فإذا انفصلت، زال الخوف، إلا إذا حصل من الولادة جراحة، أو ضربان شديد، أو ورم. وإلقاء العلقة والمضغة، لا خوف فيه، قاله الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وقال المتولي: هو كالولادة. قلت: الاصح أو الصحيح: أنه لا خوف فيهما، كذا نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه عن الاصحاب. قالوا: لانه أسهل خروجا من الولد. والله أعلم. وموت الولد في الجوف يوجب الخوف. الامر الثاني: إذا أشكل مرض فلم يدر أمخوف هو، أم لا ؟ فالرجوع فيه إلى أهل الخبرة، والعلم بالطب. ويشترط في المرجوع إليه: الاسلام، والبلوغ، والعدالة، والحرية، والعدد، وقد ذكرنا وجها في جواز العدول من الوضوء إلى التيمم بقول المراهق والفاسق، ووجها: أنه لا يشترط العدد، وعن أبي سليمان الخطابي وجه لم نذكره هناك: أنه يجوز العدول بقول طبيب كافر، كما يجوز شرب الدواء من يده ولا يدرى أنه دواء أم داء، ولا يبعد أن تطرد هذه الاوجه هنا. وقد قال الامام هنا: الذي أراه أن لا يلحق بالشهادات من كل وجه، بل يلحق بالتقويم وتعديل الانصباء في القسمة حتى يختلف الرأي في اشتراط العدد. قلت: المذهب: الجزم باشتراط العدد وغيره مما ذكرنا أولا، لانه يتعلق بهذا حقوق الآدميين من الورثة والموصى لهم، فاشترط شروط الشهادة كغيرها من الشهادات، بخلاف التيمم، فإنه حق لله تعالى مبني على المسامحة، مع أنه ينتقل إلى بدل، وليس كالتقويم الذي هو تخمين في محسوس يمكن تدارك الخطأ، إن(5/124)
وقع فيه. والله أعلم. فرع إذا اختلف الوارث والمتبرع عليه في كون المرض مخوفا بعد موت المتبرع، فالقول قول المتبرع عليه، لان الاصل عدم الخوف. وعلى الوارث البينة، ولا تثبت دعواه إلا بشهادة رجلين، لانها شهادة على غير المال وإن كان المقصود المال. لكن لو كانت العلة بامرأة على وجه لا يطلع عليه الرجال غالبا، قبلت شهادة رجلين، ورجل وامرأتين، وأربع نسوة. ويعتبر في الشاهدين العلم بالطب، قاله البغوي. الامر الثالث: إذا وجدنا المرض مخوفا، حجرنا عليه في التبرع فيما زاد على الثلث، ولم ننفذه. لكنه لو فعل، ثم برأ من مرضه، تبين صحة تبرعه وأن ذلك المرض لم يكن مخوفا. ومن هذا القبيل ما إذا التحم القتال، وحكمنا بأنه مخوف، ثم انقضت الحرب وسلم. وأما إذا رأينا المرض غير مخوف، فاتصل به الموت، فينظر، إن كان بحيث لا يحال عليه الموت، كوجع الضرس ونحوه، فالتبرع نافذ، والموت محمول على الفجأة. وإن كان غيره، كإسهال يوم أو يومين، تبينا باتصال الموت به كونه مخوفا، وكذلك حمى يوم أو يومين، قاله في الوسيط، وقد سبق الفرق بين أن يعرق أو لا يعرق في هذه الصورة. فرع قال الامام: لا يشترط في المرض المخوف، كون الموت منه غالبا، بل يكفي أن لا يكون نادرا، بدليل البرسام. ولو قال أهل الخبرة: هذا المرض لا يخاف منه الموت، لكنه سبب ظاهر في أن يتولد منه المرض المخوف، فالاول مخوف أيضا. وهذا يشكل بالحمل قبل أن يأخذها الطلق. فإن قالوا: يفضي إلى المخوف نادرا، فالاول ليس بمخوف.(5/125)
قلت: وإذا كان المرض مخوفا، فتبرع، ثم قتله إنسان، أو سقط من سطح فمات، أو غرق، حسب تبرعه من الثلث، كما لو مات بذلك المرض ذكره البغوي. والله أعلم. الفصل الثاني: في بيان التبرع المحسوب من الثلث، وهو إزالة الملك عن مال مجانا، كالهبة، والوقف، والصدقة، وغيرها. قلت: ينبغي أن يضم إليه ما يتناول التبرع بالكلب وسائر النجاسات، وبالمنفعة التي تصح الوصية بها، فيقال: إزالة الاختصاص عن مال ونحوه. والله أعلم. وفيما يدخل في الضابط ويخرج، مسائل. إحداها: ما يستحق عليه من ديون الله تعالى، كالزكاة، وحجة الاسلام، وديون الآدميين، تخرج بعد موته، وتكون من رأس المال أوصى بها أو لم يوص. وقيل: إذا أوصى بها، حسبت من الثلث، وهو ضعيف، وهذا الذي نوجبه، من رأس المال بلا خلاف إذا لم يوص هو فيما وجب بأصل الشرع، كالزكاة، وحجة الاسلام. وأما الكفارات، والنذور، ففيها خلاف سيأتي في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. فرع لو قضى في مرضه ديون بعض الغرماء، لم يزاحمه غيره إن وفى المال بجميع الديون، وكذا إذا لم يف على الصحيح المعروف. (المسألة) الثالثة: البيع بثمن المثل نافذ من رأس المال، سواء باع للوارث، أم لغريمه، أم لغيرهما. وإن باع بمحاباة، فإن كانت يسيرة يتسامح بمثلها، كان كالبيع بثمن المثل، وإن كانت أكثر من ذلك، فإن كانت لوارث، فهي وصية لوارث، وإلا، فمعتبرة من الثلث. فإن لم تخرج من الثلث، فإن أجاز الوارث، نفذ البيع في الكل، وإلا، بطل فيما لا يخرج، وفيما يخرج، طريقان سبقا. وإذا لم تبطل، ففي كيفية صحة البيع قولان. وقد سبق كل هذا في باب تفريق(5/126)
الصفة. ثم المحاباة المعتبرة من الثلث، ما تزيد على ما يتغابن بمثله، ذكره الحناطي، وأبو منصور. هذا كله إذا باع بثمن حال، فإن باع بمؤجل، ولم يحل حتى مات، اعتبر من الثلث، سواء باع بثمن المثل أو أقل أو أكثر، لما فيه من تفويت اليد على الورثة. وتفويت اليد ملحق بتفويت المال. ألا ترى أن الغاصب يضمن بالحيلولة كما يضمن بتفويت المال، فليس له تفويت اليد عليهم، كما ليس له تفويت المال. فإن لم يخرج من الثلث، ورد الوارث ما زاد، فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع والاجازة في الثلث بثلث الثمن. فإن أجاز، فهل يزيد ما صح فيه البيع إذا أدى الثلث ؟ فيه وجهان حكاهما في التهذيب. أصحهما: لا، لانقطاع البيع بالرد. والثاني: نعم، لان ما يحصل للورثة ينبغي أن نصحح الوصية في مثل نصفه. فعلى هذا يصحح البيع في قدر نصف المؤدى، وهو السدس، بسدس الثمن. فإذا أدى ذلك السدس، زيد بقدر نصف النصف، وهكذا إلى أن يحصل الاستيعاب. (المسألة) الثانية: نكاح المريض صحيح فإن نكح بمهر المثل أو أقل، فهو من رأس المال، كما لو اشترى شيئا بثمن مثله، وإن كان بأكثر من مهر المثل، استحقت مهر المثل، والزيادة تبرع على الوارث. وقد سبق حكمه. فإن لم تكن وارثة، كالذمية، والمكاتبة، فالزيادة محسوبة من الثلث. فإن خرجت منه، نفذ التبرع بها. ولو ماتت الزوجة قبله، فإن كانت الزيادة تخرج من الثلث، سلمت لها، لانه لا يلزم الجمع بين التبرع والميراث. وإن لم تخرج، دارت المسألة، ونذكرها في باب الدور إن شاء الله تعالى. فرع لو نكحت المريضة بأقل من مهر المثل، فالنقصان تبرع على الوارث، فللورثة رده وتكميل مهر المثل. فإن لم يكن وارثا، بأن كان عبدا، أو مسلما وهي ذمية، لم يكمل مهر المثل، ولم يعتبر هذا النقص من الثلث. وإنما جعل ذلك وصية في حق الوارث، ولم يجعل وصية في الاعتبار من الثلث لان(5/127)
المريض إنما يمنع من تفويت ما عنده، وهذا ليس بتفويت، إنما هو امتناع من الكسب. وأيضا فإن المنع فيما يتوهم بقاؤه للوارث وانتفاعه به، والبضع ليس كذلك. هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي التتمة: أنه يعتبر من الثلث، وفرق بينه وبين ما إذا أجر نفسه بأقل من أجرة المثل - فإنه لا يعتبر من الثلث مع أن كل واحد منهما لا يبقى للورثة - بفرقين. أحدهما: أن النكاح بغير ذكر مهر يقتضي مهر المثل، فإذا تزوجت بدونه، فكأنها أسقطته بعد وجوبه، فصار كالابراء. والثاني: أن المحاباة في المهر فيها نوع عار على الورثة، فأثبت لهم ولاية رفعها، بخلاف الاجارة. قلت: هذان الفرقان ضعيفان جدا. وكذا الحكم الذي ادعاه وشذ به. والله أعلم. (المسألة) الرابعة: إجارة الدواب والعبيد وسائر الاموال بما دون أجرة المثل، معتبرة من الثلث. وكذلك إعارتها. حتى لو انقضت مدة الاجارة أو الاعارة في مرضه، واسترد العين، اعتبر قدر المحاباة في مسألة الاجارة وجميع الاجرة في الاعارة من الثلث. ولو أجر نفسه بمحاباة، أو عمل لغيره متبرعا، لم يحسب من الثلث على الاصح. (المسألة) الخامسة: كاتب في مرضه عبدا، أو أوصى بكتابته، تعتبر قيمته من الثلث، سواء كاتبه بقيمته، أو أقل، أو أكثر. ولو كاتب في الصحة، واستوفى النجوم في مرضه، لم تعتبر قيمته من الثلث. ولو أعتقه في مرضه، أو أبرأه من النجوم، اعتبر من الثلث أقل الامرين من قيمته أو النجوم. (المسألة) السادسة: الاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثلث، كما يستهلكه من الاطعمة اللذيذة، والثياب النفيسة، ويقبل إقرار المريض بالاستيلاد، لقدرته على إنشائه، ولا تعتبر قيمتها من الثلث. المسألة(5/128)
السابعة: قال لعبده: أنت حر قبل مرض موتي بيوم أو شهر، ثم مرض ومات، لم يعتبر من الثلث. وإن قال: قبل موتي بشهر، فإن نقص مرضه عن شهر، فكذلك الجواب، وإلا، فهو كما لو علق عتق عبده في الصحة ووجدت الصفة في المرض، وفيه قولان. فرع باع بمحاباة، بشرط الخيار، ثم مرض وأجاز في مدة الخيار. إن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع، فقدر المحاباة من الثلث، وإلا، فلا، لانه ليس بتفويت، بل امتناع من كسب، فصار كما لو أفلس المشتري والمبيع قئئم عنده ومرض البائع فلم يفسخ، وكما لو أمكنه فسخ النكاح بعيبها فترك حتى مات واستقر المهر، فإنه لا يحسب من الثلث. وكذا لو اشترى بمحاباة، ثم مرض ووجد بالمبيع عيبا، ولم يرد مع الامكان، لا يعتبر قدر المحاباة من الثلث. ولو وجد العيب، وتعذر الرد بسبب، فأعرض عن الارش، اعتبر قدر الارش من الثلث. وقدر المحاباة في الاقالة يعتبر من الثلث، وخلع المريض لا يعتبر من الثلث، لان له أن يطلق مجانا، وخلع المريضة مذكور في كتاب الخلع. الفصل الثالث: في كيفية الاحتساب من الثلث. إذا وجد تبرعان، وأكثر، وضاق الثلث عنها، فهي إما منجزة، وإما معلقة بالموت، وإما من النوعين.(5/129)
القسم الاول، المنجزة، كالاعتاق، والابراء، والوقف، والصدقة، والهبة المقبوضة، والمحاباة في العقود، فإن ترتبت، قدم الاول فالاول إلى استغراق الثلث. فإذا تم الثلث، وقف أمر الزائد على إجازة الوارث على ما سبق. وسواء كان المتقدم والمتأخر جنسا أو جنسين، وسواء تقدم العتق على المحاباة ونحوها أو تقدمت عليه، لان الاول لازم لا يفتقر إلى رضى الورثة، فكان أقوى. وإن وجدت دفعة واحدة، واتحد الجنس، مثل أن قال لعبيد: أعتقتكم، أو أبرأ جماعة من ديونه، أو وهب لهم، لم يقدم البعض على البعض. لكن في غير العتق يقسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة، كما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل. وفي العتق، يقرع بين العبيد، ولا توزع الحرية. وإن اختلف الجنس، بأن وكل في كل تبرع وكيلا، فتصرفوا دفعة واحدة، فإن لم يكن فيها عتق، قسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة، وإن كان، فهل يقسط، أم يقدم العتق ؟ قولان كما سنذكره في التبرعات المعلقة بالموت إن شاء الله تعالى. القسم الثاني: التبرعات المعلقة بالموت، كالوصايا، وتعليق العتق، فلا يقدم عتق على عتق، ولا تبرع غير العتق على غيره وإن تقدم بعضها على بعض في الايصاء، بل في العتق يقرع، وفي غيره يقسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة. وفي العتق هنا وجه: أنه يقسط، وتخص القرعة بالمنجز، لورود الحديث الصحيح فيه، والصحيح: الاول. ثم هذا عند إطلاق الوصية. أما إذا قال: اعتقوا سالما بعد موتي، ثم غانما، أو ادفعوا إلى زيد مائة، ثم إلى عمرو مائة، فيقدم ما قدمه قطعا. وإذا اجتمع في هذا القسم عتق وغيره، فهل يقدم العتق لقوته، أم يسوى فيه ؟ قولان. أظهرهما: التسوية. هذا في وصايا التمليك مع العتق. أما إذا أوصى للفقراء بشئ، وبعتق عبد، فقال البغوي: هما سواء، لاشتراكهما في القربة. وقطع الشيخ أبو علي بطرد القولين، لوجود القوة والسراية. قلت: الثاني أصح. والله أعلم.(5/130)
وإذا سوينا، فما خص العبيد إذا ضاق عنهم، يقرع. والكتابة مع الهبة وسائر الوصايا، كالعتق، فتكون على القولين. وقيل: يسوى هنا قطعا، إذ ليس لها قوة وسراية. القسم الثالث: إذا صدرت منه تبرعات منجزة، ومعلقة بالموت، قدمت المنجزة، لانها تفيد الملك ناجزا، ولانها لازمة. ولا يملك المريض الرجوع فيها. فرع علق غتق عبد بالموت، وأوصى بعتق آخر، فلا يقدم أحدهما على الآخر، لان وقت استحقاقهما واحد، وقد اشتركا في القوة. وفي وجه: المدبر أولى بالعتق، لانه سبق عتقه، فإن الآخر يحتاج إلى إنشاء عتقه، والصحيح الاول. فرع لا يؤثر تقدم الهبة وحدها بلا قبض، لان ملكها بالقبض، حتى لو وهب المريض ثم أعتق، أو حابى في بيع ثم أقبض الموهوب، قدم العتق والمحاباة، ولا تفتقر المحاباة في بيع ونحوه إلى قبض، لانها في ضمن معاوضة. فرع قال في مرضه: سالم حر، وغانم حر، وخالد حر، فهذا من صور ترتيب التبرعات المنجزة. ولو قال: سالم وغانم وخالد أحرار، فهو من صور وقوعها دفعة واحدة. ولو علق عتقهم بالموت، أقرع بينهم، سواء قال: إذا مت، فسالم حر، وغانم حر، وخالد حر، أو قال: فهم أحرار. ولو قال: إذا مت فسالم حر، وإن مت من مرضي هذا، فغانم حر، فإن مات من ذلك المرض ولم يف الثلث بهما، أقرع بينهما. وإن برأ، ومات بعده، بطل التدبير المقيد، ويعتق سالم. فرع قال: إن أعتقت غانما، فسالم حر، ثم أعتق غانما في مرض موته، فإن خرجا من الثلث عتقا، وإن لم يخرج إلا أحدهما، فقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما. والصحيح: أنه لا قرعة، بل يتعين غانم للعتق، لانا لو أقرعنا، ربما خرجت على سالم، فيلزم إرقاق غانم. فإن خرجا من الثلث، عتقا، وإن لم يخرج إلا أحدهما، فقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما. والصحيح: أنه لا قرعة، بل يتعين غانم للعتق، لانا لو أقرعنا، ربما خرجت(5/131)
على سالم، فيلزم إرقاق غانم. وإذا رق، لم يحصل شرط عتق سالم. ولو قال: إن أعتقت غانما، فسالم حر في حال إعتاقي غان، ثم أعتق غانما في مرضه، فكذلك الجواب بلا فرق. وعلى هذا، لو قال: إن أعتقت غانما، فسالم وغانم حران، ثم أعتق غانما، والثلث لا يفي إلا بأحدهم، عتق غانم، ولا قرعة. وإن فضل من الثلث شئ، أقرع بين الآخرين. فمن خرجت له قرعة الحرية، عتق كله إن خرج كله، وبعضه إن لم يخرج إلا بعضه. وإن كان يخرج أحد الآخرين، وبعض الثالث، عتق من خرجت قرعته، وعتق من الآخر بعضه. فرع قال لعبده: إن تزوجت، فأنت حر. ثم تزوج في مرض الموت، فقد ذكرنا أن مهم المثل محسوب من رأس المال، والزيادة من الثلث. وإن اقتضى الحال تنفيذ الزيادة، نظر، إن خرجت الزيادة وقيمة العبد من الثلث نفذ، وإلا، فيقدم المهر، كذا ذكروه توجيها بأن المهر أسبق، فإنه يجب بالنكاح، والعتق يترتب عليه. لكن مقتضى قولنا: إن المرتب والمرتب عليه يقعان معا ولا يتلاحقان من حيث الزمان، أن لا يقدم أحدهما على الآخر، بل يوزع الثلث على الزيادة وقيمة العبد. وقد صرحوا بأنه لو قال: إن تزوجت، فأنت حر في حال تزوجي: أنه يوزع الثلث كذلك، لانه لا ترتب. والفرق بين هذا وبين مسألة العبدين - حيث لا يوزع هناك، كما لا يقرع - أن العتق هنا معلق بالنكاح، والتوزيع لا يرفع النكاح، ولا يقدح فيه، وهناك عتق سالم معلق بعتق غانم كاملا. وإذا وزعنا، فلا يكمل عتق غانم، ولا يمكن إعتاق شئ من سالم. فرع قال لامته الحامل: إن أعتقت نصف حملك، فأنت حرة، ثم أعتق نصف حملها في مرض موته، فمقتضى عتق نصف الحمل سرايته إلى باقيه وعتق الام بالتعليق. فإن خرجا من الثلث، عتقا، وإن لم يخرج من النصف إلا الام، أو النصف الآخر، بأن كان ماله ثلثمائة، والام منها خمسون، والولد مائة، فيقرع بين الام والنصف الآخر. وإن خرجت على النصف الآخر، عتق جميع الحمل، ورقت الام، وإن خرج على الام، لم يعتق كلها، لان الحمل في حكم جزء منها، يتبع عتقه عتقها، فتوزع قيمة الثلث وهي خمسون على الام، والنصف الباقي بالسوية،(5/132)
فيعتق من الام نصفها، ومن النصف الباقي نصفه، فيكون ثلاثة أرجاعه حرا. ولو كانت الصورة كما ذكرنا، إلا أن قيمة الام مائة، وخرجت القرعة على الام وزعت الخمسون عليها وعلى النصف الآخر الباقي أثلاثا، فيعتق منها ثلثها، وهثلثا الخمسين، ومن النصف الباقي ثلثه وهو ثلث الخمسين، وسدس جملته، فيكون الحر من الام الثلث، ومن الولد الثلثين. فرع أوصى بعبد أو ثوب يخرج من ثلث ماله، وباقي ماله غائب، لا يدفع كله إلى الموصى له، ولا يسلط على التصرف فيه ما لم يحضر من المال الغائب ما يخرج الموصى به من ثلثه، لان ما يحصل للموصى له ينبغي أن يجعل للوارث مثلاه، وربما تلف الغائب. وهل يتسلط على التصرف في ثلثه ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لان تسليطه يتوقف على تسليط الورثة على مثلي ما تسلط عليه. ولا يمكن تسليطهم، لاحتمال سلامة الغائب. فيخلص جميع الموصى به للموصى له. فلو تصرفوا في ثلثي الحاضر، قال أبو الفرج السرخسي: إن بان هلاك الغائب، تبينا نفوذ تصرفهم، ولك أن تقول: ينبغي تخريجه على وقف العقود. قلت: بل ينبغي تخريجه على القولين فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. والله أعلم. قال السرخسي: وإن سلم وعاد إليهم، تبينا بطلان التصرف على الصحيح. وقيل: يمضى على الصحة، ويغرم للموصى له الثلثين، وهو ضعيف. ولو أعتق عبداهو ثلث ماله، أو دبره، وباقي ماله غائب، ففي نفوذ العتق والتدبير في ثلثه الخلاف المذكور في الوصية. كذا ذكروه، وقد يستبعد التردد في العتق في الثلث، فإنه حر على كل تقدير. بل الوجه: الجزم بحصول الملك في الثلث، وفي الوصية أيضا. ورد الخلاف إلى أنه هل ينفذ تصرفه فيه، أم يمنع من التصرف إلى أن يتسلط الوارث على مثليه ؟.
الركن الرابع : الصيغة، فنتكلم في طرف الايجاب، ثم طرف القبول، أما الايجاب، فلا بد منه، بأن يقول: أوصيت له بكذا، أو أعطوه، أو ادفعوا إليه بعد موتي كذا، أو هوله، أو جعلته له بعد موتي، أو ملكته، أو وهبته له بعد موتي. أما إذا اقتصر على قوله: وهبته له، ونوى الوصية، فالاصح أنه لا يكون وصية، لانه(5/133)
أمكن تنفيذه في موضوعه الصريح، وهو التمليك الناجز. ولو قال: هذا له، فهو إقرار يؤاخذ به، ولا يجعل كناية عن الوصية، إلا أن يقول: هو له من مالي، أو يقول: عبدي هذا لفلان، فيصح كناية عن الوصية، لانه لا يصلح إقرارا. ولو قال: عينته له، فهذا كناية، لانه يحتمل التعيين للتمليك بالوصية، والتعيين للاعارة وتصح الوصية بالكتابة مع النية بلا خلاف، لما سبق في كتاب البيع: أن ما يقبل مقصوده التعليق بالاغرار، كالكتابة، والخلع، ينعقد بالكتابة مع النية، والوصية تقبل التعليق بالاغرار، فأولى أن تنعقد بالكتابة. ولو كتب: إني أوصيت لفلان بكذا، قال المتولي: لا ينعقد إذا كان الشخص ناطقا، كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا ؟ فأشار: أن نعم. ولو وجد له كتاب وصية بعد موته، ولم تقم بينة على مضمونه، أو كان قد أشهد جماعة أن الكتاب خطي، وما فيه وصيتي، ولم يطلعهم على ما فيه فقال جمهور الاصحاب: لا تنفذ الوصية بذلك، ولا يعمل بما فيه حتى يشهد الشهود به مفصلا. ونقل الامام، والمتولي: أن محمد بن نصر المروزي من أصحابنا قال: يكفي الاشهاد عليه مبهما. وروى أبو الحسن العبادي أنه قال: يكفي الكتاب من غير إشهاد، واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إلا ووصيته مكتوبة عنده أشعر ذلك باعتبار الكتابة.(5/134)
واعلم أن انعقاد الوصية بالكتابة ليس ببعيد وإن استبعدوه، لان الكتابة ككنايات الالفاظ. وقد سبق في البيع ذكر الخلاف في انعقاد البيع ونحوه بالكنايات. وذكرنا الآن أن الوصية أشد قبولا للكنايات. فإذا كتب، وقال: نويت الوصية لفلان، أو اعترف ورثته به بعد موته، وجب أن يصح. فرع لو اعتقل لسانه، صحت وصيته بالاشارة والكتابة.
فصل وأما القبول، فإن كانت الوصية لغير معين، كالفقراء، لزمت بالموت، ولم يشترط فيها القبول. وإن كانت لمعين، فالمذهب اشتراط القبول ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي، فله الرد وإن قبل في الحياة، وبالعكس، لانه حق له قبل الموت، فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع، ولا يشترط الفور في القبول بعد الموت. قلت: هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفيه وجه: يشترط الفور. حكاه صاحب المستظهري وليس بشئ. والله أعلم. فإن رد بعد الموت، فله أحوال. أحدها: أن يقع قبل القبول، فترتد الوصية، ويستقر الملك للورثة في الموصى به. ولو أوصى بالعين بالعين لواحد، وبالمنفعة الآخر، فرد الموصى له بالمنفعة، فهل هي للورثة، أم للموصى له بالعين ؟ وجهان. أصحهما: الاول. ولو أوصى بخدمة عبد لرجل سنة، وقال: هو حر بعد سنة، فرد الموصى له، لم يعتق قبل السنة. الثاني: أن يقع بعد القبول، وقبل الموصى له، فلا يصح رده، فإن راضى الورثة، فهو ابتداء تمليك منه لهم. الثالث: أن يقع بعد القبول، وقبل القبض، فلا يصح الرد على الاصح. ولو قال: رددت الوصية لفلان، يعني أحد الورثة، قال في الام: إن قال: أردت لرضاه، كان ردا على جميع الورثة. وإن قال أردت تخصيصه بالرد عليه، فهو هبة(5/135)
له خاصة. قال الاصحاب: هذا تفريع على تصحيح الرد بعد القبول، وإلا، فما لا يملكه لا يمكنه أن يملكه غيره. ثم لم يعتبر لفظ الهبة والتمليك. وقال القاضي أبو الطيب: لا بد منه، وهو القياس. ولو مات ولم يبين ما أراده، جعل ردا على جميع الورثة. فرع إذا لم يقبل الموصى له، ولم يرد، فللوارث مطالبته بأحد الامرين. فإن امتنع، حكم عليه بالرد. فرع لو مات الموصى له قبل موت الموصي، بطلت الوصية. وإن مات بعد موته، قام وارثه مقامه في القبول والرد.
فصل متى يملك الموصى له الموصى به ؟ فيه ثلاثة أقوال. أحدها: بالموت. والثاني: بالقبول. وعلى هذا، هل الملك قبل القبول للوارث، أم للميت ؟ وجهان. أصحهما: الاول. والثالث - وهو الاظهر -: أنه موقوف. فإن قبل، تبينا أنه ملك بالموت، وإلا، بان أنه كان للوارث. ولو أوصى بإعتاق عبد معين بعد موته، فالملك في العبد إلى أن يعتق للوارث بلا خلاف، لانه ليس تمليكا. ويتفرع على الاقوال مسائل. إحداها: كسب العبد، وثمرة الشجرة، وسائر زوائد الموصى به، إن حصلت قبل موت الموصي فهي له، ولا تتناولها الوصية، وإن(5/136)
حصلت بعده وبعد قبول الموصى له، فهي للموصى له، وإن حصلت بعد موته، وقبل القبول، فإن قلنا: يملك بالموت، فهي للموصى له، قبل الوصية أو ردها. وفيما إذا ردها وجه: أن الزوائد ترتد أيضا. وإن قلنا: يملك بالقبول، لم تكن الزوائد للموصى له، قبل الوصية أو ردها. وفيما إذا قبل وجه: أنها له، لان له حق التمليك من حين الموت، فهي حادثة في محل حقه. وإن قلنا بالوقف، فهي موقوفة. فإن قبل، فله، وإلا، فلا. وحيث قلنا: ترتد الزوائد، فإلى من ترتد ؟ وجهان. أحدهما: إلى الموصي، فتكون من جملة تركته يقضى منها دينه، وتنفذ وصاياه كالاصل. وأصحهما: أنها للوارث، لانها حدثت بعد زوال ملك الموصي. وعلى هذا الخلاف ولد الجارية والبهيمة الموصى بهما، ويتعلق بهما تفصيل وأحوال نذكرها إن شاء الله تعالى على الاثر موضحة. الثانية: فطرة العبد الموصى به، إذا وقع وقت وجوبها بين القبول والموت على من تجب ؟ يخرج على هذه الاقوال. وقد ذكرناه في زكاة الفطر. والنفقة والمؤن المحتاج إليها بين القبول والموت، حكمها حكم الفطرة. وقال في الوسيط: إنها على الموصى له إن قبل على كل قول، وعلى الوارث إن رد على كل قول، والمعتمد ما نقلناه عن الاصحاب من طرد الخلاف. وإذا توقف الموصى له في القبول والرد، ألزم النفقة، فإن أراد الخلاص، رد. الثالثة: إذا زوج أمته حرا، وأوصى له بها، فإن رد الوصية، استمر النكاح، إلا إذا قلنا: يملك بالموت، فيفسخ النكاح من يوم الموت وإن كان الملك ضعيفا. وإن قبل، انفسخ النكاح، ويكون الانفساخ من يوم القبول إن قلنا: يملك بالقبول، ومن يوم الموت على سبيل التبين إن قلنا بالتوقف. وإن كان زوجها وارثه، ثم أوصى بها لغيره، فإن قبل الموصى له الوصية، استمر النكاح، إلا إذا قلنا: الملك يحصل بالقبول، وإنه قبل القبول للوارث، فإنه ينفسخ على الاصح. وقيل: لا، لضعف الملك، وإن رد، انفسخ النكاح. وفي استناد الفسخ إلى حالة الموت لضعف الملك هذا الخلاف. هذا إذا خرجت الامة من الثلث، فإن لم تخرج ولم يجز الورثة، انفسخ النكاح، لدخول شئ مما يزيد على الثلث في ملك الزوج. وإن أجازوا وقلنا: يملكه بالموت، أو موقوف، فهل ينفسخ ؟ إن قلنا: إجازتهم تنفيذ لما فعله الموصي، فلا. وإن قلنا: ابتداء عطية، فنعم.(5/137)
الرابعة: أوصى بأمته الحامل من زوجها لزوجها، ولابن لها حر، ومات، وخرجت كلها من الثلث، وقبلا الوصية وهما موسران، نظر، إن قبلا معا، عتقت الامة كلها على إبنها، نصفها بالملك، والباقي بالسراية، وعليه للزوج نصف قيمتها، ويعتق الحمل عليهما بالسوية. أما نصيب الزوج، فلانه ولده. وأما نصيب الابن، فلان الام عتقت عليه. والعتق يسري من الحامل إلى ما يملكه المعتق من حملها. ولا يقوم نصيب واحد منهما على الآخر، لان العتق عليهما حصل دفعة واحدة، فأشبه ما إذا اشترى إبنان أباهما، فإنه يعتق عليهما ولا تقويم، وإن قبل أحدهما قبل الآخر، فإن قلنا: يحصل الملك بالموت، أو قلنا: بالوقف، فالجواب كذلك، لان وقت الملك واحد وإن اختلف وقت القبول. وإن قلنا: يحصل بالقبول، فإن تقدم قبول الابن، عتقت الامة والحمل عليه. أما الام، فبالملك والسراية، وأما الحمل فبسراية عتق الام إليه، وعليه للزوج نصف قيمتها. وإن تقدم قبول الزوج، عتق جميع الحمل عليه، النصف بالملك، والباقي بالسراية، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن، ولا يعتق عليه من الامة شئ. فإذا قبل الابن، عتق عليه جميعها بالملك والسراية، وغرم للزوج نصف قيمتها. قلت: ويجئ وجه: أن الامة تعتق على الزوج تفريعا على قول الاستاذ أبي إسحاق: إن عتق الجنين يسري إلى عتق الام. والله أعلم. وأما إذا قبل الزوج وحده، فيعتق عليه الحمل، نصفه بالملك، ونصفه بالسراية، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي، ولا يسري العتق من الحمل إلى الام، لان الحمل تبع لها، وليست تبعا له. قلت: وفيه وجه أبي إسحاق. والله أعلم. وإن قبل الابن وحده، عتقا عليه جميعا، وغرم نصف قيمتها لورثة الموصي.(5/138)
قلت: قد كرر الامام الرافعي نصف القيمة في هذه المسألة كما قاله غيره. والقياس: أنه يجب قيمة النصف، وهي أقل، لانه إنما أتلف نصفا. والله أعلم. الخامسة: أوصى لانسان بمن يعتق عليه، كأبيه وابنه، لم يجب عليه قبول الوصية، كما لا يجب شراؤه إذا قدر عليه، بل له الرد على الصحيح. وقيل: يمنع الرد إن قلنا: يملك بالموت، لانه يعتق عليه، وبه قطع المتولي تفريعا على هذا القول والجمهور على خلافه، وأنه لا يعتق عليه قبل قبوله. ثم إن رد، فذاك، وإن قبل و قلنا: يملك بالقبول، عتق عليه حينئذ. وإن قلنا: بالموت، أو موقوف، تبين أنه عتق عليه يوم الموت. ولو ملك ابن أخيه، وأوصى به لاجنبي، ووارثه أخوه، فقبل الموصى له الوصية، فهو للاجنبي إن قلنا: يملك بالموت أو موقوف. وإن قلنا: يملك بالقبول، وأنه قبل القبول للوارث، فمقتضاه العتق على الوارث يوم الموت، لكن المنقول عن الاصحاب أنه لا يعتق عليه كي لا تبطل الوصية. ولو أوصى لشخص بإبنه، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول، فأوجه. أحدها: أن الرد يمنع، لعتقه عليه بالموت إذا قلنا: يملك به. والثاني: ليس للوارث قبوله، لما فيه من العتق على الميت بغير إذنه وإثبات الولاء له. هذا إذا قلنا: إن العتق إذا حصل وقع على الميت، وسنذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى. وهذان الوجهان ضعيفان جدا. والثالث وهو الصحيح: أن الوارث يقوم مقامه في الرد والقبول، لنيابته عنه في حقوقه. فإن قبل، فهو كقبول الموصى له بنفسه إن قلنا: يملك بالموت، أو موقوف. وإن قلنا: يملك بالقبول، نظر. فإن لم يكن بين الموصى به، ووارث الموصى له قرابة تقتضي عتقه عليه، بأن كان الوارث أخا الموصى له، فهل نحكم بعتقه ؟ وجهان. أحدهما: لا، وبه قطع ابن الصباغ وآخرون. وأصحهما: نعم، لان الموصي إنما أوجب الملك للموصى له فلا يثبت لغيره، وإنما اعتبرنا قبول وارثه نيابة، وهذا كما لو نصب شبكة في حياته وتعلق بها صيد بعد موته، فإنا نحكم بثبوت الملك له. وإن كان بين الموصى به ووارث الموصى له قرابة تقتضي العتق، بأن(5/139)
كان الوارث أبا الموصى له، حكم بعتق الموصى به قطعا. ويعود الوجهان، في أنه يعتق على الموصى له، أم على وارثه ؟ وأن الولاء لمن يثبت ؟ فإن قلنا: عن الموصى له، قال الامام: يسند العتق إلى ألطف زمان قبل موت الموصى له. وإذا لم نحكم بالعتق فيما إذا لم يكن بينهما قرابة، فهل تقضى منه ديون الموصى له ؟ وجهان. أصحهما: نعم كديته فإنه تقضى منها ديونه وإن قلنا: إنها تثبت للورثة ابتداء. هذا حكم العتق. وهل يرث الذي عتق من الموصي ؟ أما إذا قبل بنفسه، فينظر، إن قبل في صحته، فنعم. وإن قبل في مرض موته، فإرثه مبني على أن عتقه إذا حصل الملك فيه لا بعوض، بل بإرث، أو هبة، أو قبول وصية، هل يعتبر من الثلث، أم من رأس المال ؟ وفيه وجهان مذكوران في كتاب العتق. إن قلنا: من الثلث، لم يرثه، وإلا، ورث، وهو الاصح. وإن مات قبل القبول، وقبل وارثه، فإن حكمنا بالحرية عند القبول، لم يرث، لرقه. وإن حكمنا بها عند الموت، فإن كان القابل ممن يحجبه الموصى به، كالاخ، لم يرث، لانه لو ورث لحجب الاخ وأخرجه عن كونه وارثا، ولبطل قبوله. وإن كان لا يحجبه، كابن الاخ، فالصحيح: أنه لا يرث أيضا، للدور في نصفه. وقيل: يرث. وقال الداركي: إن ثبت القبول للموصى له وهو مريض، لم يرث، لان قبول ورثته كقبوله، ولو قبل لكان وصيه، والارث لا يجامعها. أوصى له بمن يعتق عليه، فمات الموصى له عن إبنين، فالقول في قبولهما تفريعا على الاقوال في وقت الملك كما سبق. والمذهب صحته ووقوع العتق عن الميت. وإن قبل أحدهما فقط، صح القبول في النصف، وعتق على الميت. ثم قال ابن الحداد وآخرون: ينظر، إن ورث القابل من الموصى له ما يفي بباقي قيمة الموصى به، قوم عليه الباقي فيما ورثه، وإلا، فلا يقوم عليه، ولا اعتبار بيسار القابل في نفس، ولا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة. أما عدم اعتبار يساره، فلان العتق وقع عن الميت، فلا يكون التقويم على غيره. وأما عدم ثبوته في نصيب الذي لم يقبل، فلان سبب العتق القبول، فالذي لم يقبل لم ينسب إليه. ولك أن تقول: وإن لم ينسب إليه، فهو معترف بعتق نصيب القابل واقتضائه التقويم، فالتقويم كدين يلحق التركة. وقال الشيخ أبو علي: يجب أن لا يقوم على(5/140)
الميت، ويقصر العتق على القدر المقبول لمعنيين. أحدهما: أن الملك حصل للميت بغير اختياره، بل بقبول الوارث، فأشبه ما إذا ورث شقصا من عبد فعتق عليه، لا يقوم الباقي. والثاني: أن العتق يحصل بعد موته، ولا مال له حينئذ، فأشبه ما اذا أعتق شقصا بعد الموت، لا يقوم الباقي. قال: ورأيت هذا لبعض الاصحاب، وللاولين أن يقولوا: إنما حكمنا بالعتق على الميت لجعلنا الوارث نائبا عنه، فكيف ينتفي اختياره مع النيابة ؟ لكنهما حكميان. وأما الثاني: فلا يسلم أن العتق يحصل بعد الموت، بل يستند إلى قبيل الموت كما سبق. ثم ولاء ما عتق منه، للميت. وهل يشترك فيه الابنان، أم ينفرد به القابل ؟ وجهان. ولو أوصى لانسان ببعض من يعتق عليه، ومات الموصى له، وقبل وارثه، فالقول في عتقه على الميت وتقويم الباقي عليه على ما ذكرناه في هذه المسألة. السادسة: أوصى بأمة لابنها من غيره، فإن خرجت من الثلث، وقبل الابن الوصية، عتقت عليه. وإن رد، بقيت للوارث. وإن لم تخرج، فالجواب في قدر الثلث كذلك. وأما الزائد، فإن أعتقه الوارث وهو موسر، عتق عليه. ثم إن لم يقبل إبنها الوصية، فقد تبينا أن جميعها للوارث، فيسري العتق من البعض الذي أعتقه إلى الباقي. وإن قبل، عتق عليه ما قبل. قال ابن الحداد: ولا يقوم نصيبه على الوارث، لانا تبينا بالقبول حصول ملكه بالموت وتقدمه على إعتاق الوارث الزيادة، ولا يقوم نصيب الوارث عليه، لانه أعتق نصيبه قبل قبوله. قال الشيخ أبو علي: الصواب عند الاصحاب أن يقال: إن قلنا: يملك بالموت ابتداء، وتبينا، قوم نصيب الوارث عليه. وإن قلنا: يملك بالقبول، عتق الكل على الوارث، لانه يسري من نصيبه إلى قدر الثلث. والقبول بعده كإعتاق الشريك الثاني بعد إعتاق الاول وهو موسر. هذا إذا حكمنا بحصول السراية بنفس الاعتاق. فإن قلنا: لا تحصل إلا بأداالقيمة، فقبوله كإعتاق الشريك الثاني نصيبه قبل أخذ القيمة. وفيه وجهان. أحدهما: ينفذ، لانه ملكه. وأصحهما: لا، لان الاول استحق تقويمه عليه. فعلى هذا، له قيمة نصيبه على الوارث. فلو كانت المسألة بحالها، ووارث الموصي ابن له من هذه الامة بنكاح، فإن رد الموصى له، عتقت على الابن الذي هو وارث السيد. وإن قبلها، نظر، إن خرجت من الثلث، عتقت على الموصى له. وإن لم تخرج، فالزائد منها على الثلث. أطلق ابن الحداد: أنه يعتق في(5/141)
الحال على الوارث، وفصل الشارحون، فقالوا: إن لم يجز الوارث الزيادة على الثلث، فالجواب كذلك، وإن أجاز، فعتقه مبني على أن الاجازة ابتداء عطية، أم تنفيذ ؟ إن قلنا بالاول، فقد حكمنا للوارث بالملك قبل أن يعطى، فيعتق عليه. وإن قلنا: تنفيذ، لم يعتق، لانا على هذا القول لا نجعل الزائد للوارث، بل نقفه على الرد والاجازة. فإذا أجاز، تبين أنه لم يملكه. وأما قدر الثلث، فإنه يعتق على الموصى له، ولا يقوم نصيب أحدهما على الآخر. السابعة: أوصى بعبد لشخصين، أحدهما قريبه الذي يعتق عليه. فإن قبلا معا، عتق جميعه على القريب إن كان موسرا، النصف بالملك، والنصف بالسراية، ويغرم للاجنبي نصف قيمته. وإن قبل القريب أولا، فكذلك حكم العتق، ويكون غرم النصف للاجنبي إن قبل بعد ذلك، ولوارث الموصي إن لم يقبل. وإن قبل الاجنبي أولا، ملك نصيبه، ويبقى نصيب القريب موقوفا إلى أن يقبل أو يرد، فإن أعتق الاجنبي نصيبه قبل قبول القريب، ثم قبل، فإن قلنا: يملك بالقبول، قوم نصيبه على الاجنبي، وكان كما لو أعتق الشريك نصيبه وهو موسر ثم أعتق الثاني نصيبه، وإن قلنا: يملك بالموت، تبينا أن عتق الاجنبي غير نافذ، وأنه عتق جميعه على الوارث، وعليه نصف القيمة للاجنبي. الثامنة: أوصى بجارية فولدت، فلها أحوال. أحدها: أن تلد قبل موت الموصي، فينظر، إن انقضى أقل مدة الحمل من يوم الوصية، وهو ستة أشهر، ثم ولدت، لم يدخل الولد في الوصية، لانه يحتمل حدوثه بعد الوصية. والاصل عدم الحمل يومئذ، فلا يجعل للموصى له بالشك. وإن لم ينقض أقل مدة الحمل، علمنا وجوده يوم الوصية، فيبنى على الخلاف في أن الحمل هل يعرف ويعطى حكما قبل الانفصال، أم لا ؟ إن قلنا بالثاني، فالولد غير داخل في الوصية، بل هو زيادة حدثت في ملك الموصي، فيكون لورثته. وإن قلنا بالاول، فهو كما لو أوصى بالجارية وولدها بعد الانفصال، فينظر، أيقبلهما الموصى له ؟ أم يردهما ؟ أم يقبل أحدهما دون الآخر ؟ وفي هذا زيادة بحيث نذكره في أول الباب الثاني إن شاء الله تعالى. فإن كان الموصى له زوج الجارية، وقبل الوصية في الولد، عتق كله عليه بالملك، وله ولاؤه، ولا تصير الجارية أم ولد له،(5/142)
لانها علقت منه برقيق الحال الثاني: أن تلد بعد موت الموصي، وقبل قبول الموصى له، فهذا ثلاثة أقسام. (القسم) الاول: ولدت بعد مضي أقل مدة الحمل من يوم الموت، فالولد غير موصى به، لاحتمال حدوثه بعد الموت. ثم إن كان الموصى له زوج الجارية، بني حكم الولد على أن الوصية متى تملك ؟ إن قلنا بالقبول، وأنها قبل القبول لورثة الموصي، فالولد لهم، لا إرثا من الميت، بل لحدوثه في ملكهم. وإن قلنا: تملك بالموت، أو موقوف، فقبل، فالعلوق في ملكه، فينعقد الولد حرا لا ولاء عليه، والجارية أم ولد له. (القسم) الثاني: ولدت قبل أقل مدة الحمل من يوم الموت، وبعدها من يوم الوصية، فيجعل كأنه حدث بعد الوصية. فإن قلنا: الحمل يعرف، فالولد زيادة حدثت في ملك الموصي، فهو له، ولورثته بعده. وإن قلنا: لا يعرف، ولا يعطى حكما، بني على أن الوصية متى تملك ؟ إن قلنا بالقبول وأنها للورثة قبل القبول، فالولد لهم، لحدوثه في ملكهم. وإن قلنا: بالموت، أو موقوف، وكان الموصى له زوج الجارية، وقبل، عتق الولد عليه بالملك، وله عليه الولاء، ولا تصير الجارية أم ولد. (القسم) الثالث: أن تلد قبل مضي أقمدة الحمل من يومي الموت والوصية جميعا. فإن قلنا: الحمل يعرف، فكأنه أوصى بالجارية والحمل جميعا، وإلا، فعلى الخلاف في أن الوصية متى تملك ؟ على ما ذكرناه في القسم الثاني. الحال الثالث: أن تلد بعد الموت والقبول، وله صور. أحدها: تلد بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت القبول، فالولد للموصى له. فلو كان زوج الجارية، انعقد الولد حرا، وصارت أم ولد له. الثانية: تلد قبل مضهذه المدة من وقت القبول، وبعدها من وقت الموت. فإن قلنا: الوصية تملك بالموت، أو موقوف، فقبل، فحكمه حكم الصورة الاولى. وإن قلنا: تملك بالقبول، وأنها قبل القبول للورثة. فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو زيادة للورثة، وإلا، فللموصى له، وإذا كان الموصى له زوج الجارية، عتق الولد عليه، وثبت له الولاء عليه، ولا تصير أم ولد.(5/143)
الثالثة: تلد قبل مضي هذه المدة من وقت القبول والموت جميعا، وبعدها من يوم الوصية. فإن قلنا: الحمل يعرف، فالول غير داخل في الوصية. وإن قلنا: لا، واعتبرنا حالة الانفصال، فالانفصال حصل في ملك الموصى له، فيكون الولد له، ويعتق عليه إن كان زوجها، ولا استيلاد. الرابعة: تلد قبل مضيها من يوم الوصية أيضا. فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو داخل في الوصية، وإلا، فهو حاصل في ملك الموصى له، فيكون له، فإن كان زوجها، عتق عليه بالملك، ولا استيلاد. فرع نتاج باقي الحيوان يقاس بما ذكرناه في الجارية، ويرجع في مدة حملها إلى أهل الخبرة، فإنها تختلف. فرع قال أبو الفرج الزاز: حيث حكمنا بمصير الجارية أم ولد، هل تعتبر حقيقة الاصابة من يوم الملك، أم يكفي إمكان الا صابة ؟ وجهان. والثاني هو مقتضى كلام الجمهور. قال: وحيث بقينا الولد على ملك الوارث، فالمعتبر من الثلث قيمة الجارية وحدها. وإذا لم نبقه، فالمعتبر من الثلث ما كان يوم موت الموصي موجودا. فإن كانت حائلا، اعتبر قيمتها وحدها. وإن كانت حاملا، فقيمتها مع قيمة الحمل، وحينئذ، فالنظر إلى قيمتها حاملا يوم موت الموصي عند جماهير الاصحاب. وقال ابن سريج: تعتبر قيمتها يومئذ لو كانت حائلا، وتعتبر قيمة الحمل في أول حال الانفصال. وإذا قومناهما فخرجا من الثلث، فذاك، وإلا، فلا يقرع، بل تنفذ الوصية في القدر الذي يحتمله الثلث منهما على نسبة واحدة. فرع نقل المزني في المختصر: أنه لو أوصى بأمة لزوجها، فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيدها أولادا. فإن قبل، عتقوا ولم تكن أمهم أم ولد حتى تلد منه بعد قبوله بستة أشهر. وفيه إشكال من وجهين. أحدهما: أنه لم اعتبر عدم الحمل بالوصية ؟ وهل يفترق الحال بين العلم وعدمه ؟ والثاني: أنه حكم بحرية الاولاد، وأنها لا تصير أم ولد. فإن فرع على حصول الملك بالموت، أو على الوقف، فلم اعتبر مضي الاشهر في مصيرها أم ولد ؟ وإن ؟ وإن فرع على الملك بالقبول، فلم حكم بحرية الاولاد في الحال ؟ ! أما(5/144)
الاول، فعن الخضري ما يقتضي الفرق بين العلم وعدمه، واحتج بأن الشافعي رضي الله عنه قالو وطئ أمة غيره يظن أنها زوجته الحرة، فالولد حر، ولو ظنها زوجته الرقيقة، فالولد رقيق. والصحيح: أنه لا فرق في ثبوت أمية الولد في أميه بين علمه وعدمه، حتى لو وطئ أمته يظنها أمة غيره، أو حرة فأحبلها، ثبتت أمية الولد. فإذا قوله: ولم يعلم ليس بقيد، بل خرج على الغالب، فإن الغالب أن الوصية لا تبقى مدة طويلة، لا مقبولة، ولا مردودة، إلا إذا لم يعلم الموصى له، لغيبته أو نحوها. وأما الثاني: فقيل: هو تخليط من المزني. فقوله: عتقوا، تفريع على حصوالملك بالموت. وقوله: ولا تصير أم ولد، تفريع على حصوله بالقبول. وقال الاكثرون: بل هو تفريع على قول الوقف. وأراد بالقبول، في قوله: بعد قبوله الموت، فسماه قبولا، لانه وقت القبول. وقال بعضهم: لفظ الشافعي الموت لكن المزني سها فيه. ولو كانت الجارية الموصى بها زوجة الموصى له، ومات الموصى له قبل القبول والرد، فقد سبق أن ورثته يقومون مقامه في الرد والقبول، فإن قبلوا، فعلى الخلاف في أن الملك متى يحصل ؟ إن قلنا: بالموت، أو موقوف، فقبولهم كقبول الموصى له في عتق الاولاد بالملك، وفي انعقادهم على الحرية ومصير الجارية أم ولد وفي بقائهم مماليك لورثة الموصي، على اختلاف الاحوال السابقة بلا فرق، إلا أنهم إذا عتقوا بقبول الموصى له، ورثوه. وإذا عتقوا بقبول الورثة، لم يرثوا كما سبق. وإن قلنا: يملك بالقبول. فإن كان بين الوارث والاولاد قرابة تقتضي العتق، بأن كان وارث الموصى له أباه، عتقوا عليه، وإلا، ففيه الوجهان السابقان، وإذا لم يحصل العتق، فهل تقضى ديون الموصى له منها ؟ أم تسلم للورثة ؟ فيه الوجهان السابقان أيضا، وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في أحكام الوصية الصحيحة إذا جمعت الوصية شروط صحتها، صحت، ثم ينظر في أحكامها، وهي ثلاثة أقسام: لفظية، ومعنوية، وحسابية.(5/145)
القسم الأول : اللفظية، وفيه طرفان.
الطرف الأول : في اللفظ المستعمل في الموصى به، وفيه مسائل. (المسألة) الاولى: إذا أوصى بجارية حامل، واستثنى حملها لنفسه، صح، بخلاف البيع. وكذلك تصح الوصية بالحمل وحده، بشرطه المتقدم، بخلاف بيعه. ولو أوصى بالحمل لرجل، وبالام لآخر، صحت الوصيتان. ولو أطلق الوصية بالجارية، ففي دخول الحمل فيها وجهان، أصحهما على ما دل عليه كلام الاصحاب: الدخول، كالبيع، ولا تبعد الفتوى، بخلاف البيع، لان الحمل لا ينفرد بالبيع، فجعل تبعا، ويفرد بالوصية، فلا يتبع، ولان الاصل تنزيل الوصية على المتيقن، ولانها عقد ضعيف، فلا يستتبع. فإن قلنا بدخوله، لم تنقطع الوصية بانفصال الحمل، بل يبقى موصى به، والانفصال زيادة حدثت فيه. ولو أوصى له بالحمل والجارية معا، صح فيهما قطعا كما لو أوصى بهما لرجلين. (المسألة) الثانية: الطبل أنواع سبق بيانها. وذكرنا أن طبل اللهو إن صلح لمنفعة مباحة، إما على هيئته، وإما بعد التغيير الذي لا يبطل إسم الطبل، صحت الوصية به، وإلا، فلا. إذا عرفت هذا، فإن أطلق وقال: أعطوه طبلا من مالي، ولم يكن له طبل يحل الانتفاع به، اشتري ودفع إليه. وإن قال: طبلا من طبولي، فإن كان له طبل يحل الانتفاع به، كطبل الحرب، وكان له أيضا طبل لهو لا تصح الوصية به، صحت الوصية ونزل على طبل الحرب ونحوه. وإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية بها، فالوصية باطلة. وإذا صحت الوصية بالطب، دفع إلى الموصى له معه الجلد الذي عليه إن كان لا يقع عليه إسم الطبل دون الجلد. فرع تجوز الوصية بالدف، فإن كان عليه جلاجل، وحرمناها، نزعت، ولم تدف إليه إلا أن ينص عليها.(5/146)
(المسألة) الثالثة: إسم العود يقع على عود اللهوالذي يضرب به، وعلى واحد الاخشاب التي تستعمل في البناء والتي تصلح للسقي والعصي. والوصية بعود اللهو كهي بطبل اللهو، فينظر، هل يصلح على هيئته لمنفعة مباحة أو بعد التغيير الذي لا يبطل إسم العود، أم لا يصلح ؟ وإذا صحت الوصية به لم يدفع الوتر والمضراب، لانه يسمى عودا دونهما. وإذا قال: أعطوه عودا من عيداني، نظر، إن لم يكن له إلا عيدان القسي والبناء، أعطي واحدا منها. وكذا لو كان معها عيدان اللهو الصالحة لمنفعة مباحة، أعطاه الوارث ما شاء من الجميع. ولو كان له عيدان لهو غير صالحة لمباح، وعيدان قسي وبناء، فوجهان. أحدهما: تنزل الوصية على عيدان القسي والبناء، كمثله في الطبل، وكما لو لم يكن له إلا عيدان القسي والبناء، فيعطى واحدا منها. وأصحهما وهو المنصوص: أن الوصية باطلة، تنزيلا على عيدان اللهو، لان إسم العود عند الاطلاق لهذا الذي يضرب، واستعماله في غيره مرجوح، والطبل يقع على الجميع وقوعا واحدا. وللقائل الاول أن يمنع ظهور إسم العود فيما يضرب به، ويقول: هو مشترك بينه وبين الذي يتبخر يوفي واحد الاخشاب بحسب الحاجة، ولا ترجيح. فرع أوصى بعود، ولا عود له، فمقتضى تنزيل مطلق العود على عود اللهو إبطال الوصية، وأن يشترى له عود لهو يصلح لمباح، وأطلق المتولي أنه يشترى ما لو كان موجودا في ماله أمكن تنفيذ الوصية بالعود به. ولو أوصى بعود من عيدانه، وليس له إلا عود لهو، وعود بناء، وعود قسي. فإن حملنا لفظ العيدان على هذه الآحاد، فقد حملنا اللفظ المشترك على معانيه معا، وفيه خلاف لاهل الاصول. فإن منع، فهذه الصورة، كما لو أوصى بعود من عيدانه وليس له إلا عود لهو، أو لا عود له. قلت: مذهب الشافعي رحمه الله حمل اللفظ المشترك على معانيه، ووافقه عليه جماعة من أهل الاصول. والله أعلم. فرع الوصية بالمزمار كاوصية بعود اللهو. وإذا صحت، لم يلزم تسليم المجمع، وهو الذي يجعل بين شفتيه، لان الاسم لا يتوقف عليه.(5/147)
(المسألة) الرابعة: إسم القوس يطلق على العربية، وهي التي يرمى بها النبل، وهي السهام العربية وعلى الفارسية، وهي التي يرمى بها النشاب. وعلى القسي التي لها مجرى تنفذ فيه السهام الصغار، ويسمى: الحسبان. وعلى الجلاهق، وهو ما يرمى به البندق. وعلى قول: الندف. والسابق إلى الفهم من لفظ القوس أحد الانواع الثلاثة الاول. فإذا قال: أعطوه قوسا، حمل على أحدهما، دون الجلاهق وقوس الندف. ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسا، ففي التتمة أن للوارث أن يعطيه ما شاء من الانواع الثلاثة وغيرها. ويشبه أن يكون كما لو قال: أعطوه قوسا، إلا أن يقول: ما يسمى قوسا غالبا أو نادرا وما أشبهه. قلت: الذي قاله في التتمة هو الصواب. والله أعلم. ولو قال: أعطوه قوسا من قسي، وله قسي من كل نوع، أعطي ما يرمى به النبل أو النشاب أو الحسبان، دون البندق والجلاهق، وكذا لو كان له شئ من الانواع الثلاثة. فلو لم يكن له إلا قوس ندف، أو جلاهق، حمل عليه، للتقييد بالاضافة، ولو كان له قوس ندف وجلاهق، أعطي الجلاهق، لان الاسم إليه أسبق. وهذا كله عند الاطلاق. فلو قال: أعطوه قوسا يقاتل بها، أو يرمي الطير، أو يندف بها، فقد أبا الغرض. فرع لا يدخل الوتر في الوصية بالقوس على الاصح، لخروجه عن إسم القوس. وكما لا يدخل السرج في الوصية بالدابة. ويشبه أن يجري الوجهان في بيع القوس. وأما الريش، والنصل، فيدخلان في السهم لثبوتهما. (المسألة) الخامسة: إسم الشاة يقع على صغيرة الجثة، وكبيرتها، والسليمة، والمعيبة، والصحيحة، والمريضة، والضائنة، والماعز. وهل يدخل الذكر فيها ؟ قال الشافعي رضي الله عنه في الام: لا يدخل، وإنما هو للاناث بالعرف. ومن الاصحاب من قال: يدخل، لانه إسم جنس كالانسان، وليست التاء فيه للتأنيث، بل للواحد. قال الحناطي: وبهذا قال أكثر الاصحاب، ويؤيده أنه لو أخرج عن(5/148)
خمس من الابل في الزكاة ذكرا، أجزأه على الاصح. وفي السخلة، والعناق وجهان. أصحهما: لا يقع عليهما إسم الشاة. والثاني: يقع. فإذا عرف هذا، فلو قال: أعطوه شاة من شياهي، أو من غنمي، فإن لم يكن له غنم، فالوصية باطلة وإن كان أعطى واحدة منها سليمة، أو معيبة من الضأن، أو المعز، وإذا كانت كلها ذكورا، أعطى ذكرا. وإن كانت كلها إناثا أعطى أنثى. وإن كانت ذكورا وإناثا، جاز أن يعطي أنثى. وفي جواز الذكر الخلاف المذكور في تناول الشاة الذكر. ولو قال: أعطوه شاة من مالي، أعطي واحدة يتناولها الاسم. فإن ملك غنما، فللوارث أن يعطي على غير صفة غنمه. فإن لم يكن غنما، اشترى له شاة، بخلاف ما إذا قال: من غنمي، ولا غنم له. ولو قال: اشتروا له شاة، حكى البغوي: أنه لا يجوز أن يشترى معيبة، لان إطلاق الامر بالشراء يقتضي التسليم كما في التوكيل بالشراء، وأبدى فيما حكاه احتمالا، ولو قال: كبشا أو تيسا، أو شاة لينزيها عن غنمه، فالوصية بالذكر. ولو قال: نعجة، أو شاة يحلبها، أو ينتفع بدرها ونسلها، فهي بالانثى. قلت: لم يفصح الامام الرافعي بالغرض في هذه المسألة. فإن قال نعجة: فهي للانثى من الضأن بلا خلاف عند الفقهاء وأهل اللغة. وقد أوضحت هذا في تهذيب الاسماء واللغات. وإن قال: شاة يحلبها، أو ينتفع بدرها ونسلها، فهي للانثى من الضأن، أو المعز. والله أعلم. فرع الظباء قد يقال لها: شياه البر، والثور الوحشي قد يسمى شاة في اللغة، لكن مطلق الوصية بالشاة لا يطلق عليها. لكن لو قال: أعطوه شاة من شياهي، وليس له إلا ظباء، ففيه وجهان حكاهما في المعتمد. قلت: ينبغي أن يكون الاصح تنزيل الوصية على واحد منها. والله أعلم. (المسألة) السادسة: البعير، والجمل، والناقة، أسماء تشتمل السليم، والمعيب، والبخاتي، والعراب. ولا يتناول الجمل الناقة، ولا الناقة الجمل. وفي تناول البعير الناقة مثل الخلاف المذكور في تناول الشاة الذكر، والحكاية عن النص المنع،(5/149)
وتنزيل البعير منزلة الجمل. والاصح عند الاصحاب التناول، لانه إسم جنس عند أهل اللغة. وسمع من العرب: حلب فلان بعيره، وصرعتني بعيري. وربما أفهمك كلام الاصحاب توسطا بينهما، وهو تنزيل النص على ما إذا عم العرف باستعمال البعير بمعنى الجمل، والعمل بمقتضى اللغة إذا لم يعم. فرع إسم الثور للذكر. وفي البقرة وجهان. أصحهما: إختصاصها بالانثى. والثاني: يتناول الذكر، والهاء للواحد، كقولنا: تمرة، وكذا الخلاف في إسم البغلة. فرع قال: أعطوه عشرا من الابل، أو الغنم، جاز الذكر والانثى. ولو قال: عشر أينق، أو بقرات، لم يعط إلا الاناث. ولا فرق بعد التصريح بالاينق والبقرات بين أن يقول: عشرا وعشرة. وهذا تفريع على الاصح، وهو أن البقرة للانثى. ولو قال: أعطوه عشرا من الابل، أو عشرة، جاز الذكر والانثى، لتناول الابل النوعين، وفي وجه حكاه السرخسي: إن قال: عشرة، فللذكور، وعشر، للاناث. ولو قال: أعطوه رأسا من الابل، أو البقر، أو الغنم، جاز الذكر والانثى. فرع أوصى بكلب، أو حمار، قال الغزالي وغيره: لا يدخل فيه الانثى، لانهم ميزوا، فقالوا: كلب وكلبة، وحمار وحمارة. ويشبه أن يقال: إنهما للجنس، لان التمييز ليس مستمرا في اللغة، وبتقدير استمراره، فلا شك في استمرار العرف بخلافه. وقد قال بعض الاصحاب لهذا: يتبع العرف. قلت: الصواب ما قاله الغزالي وغيره. والله أعلم. فرع قياس تكميل البقر بالجواميس في نصب الزكاة، دخول الجواميس في البقر، وكونهما نوعي جنس واحد. وقال في المعتمد: لا تدخل في البقر، إلا إذا قال: من بقري وليس له إلا الجواميس، فوجهان كما ذكر في الظباء. (المسألة) السابعة: الدابة في اللغة: إسم لما يدب على الارض، ثم اشتهر استعماله فيما يركب من البهائم. والوصية تنزل على هذا الثاني. فإذا قال: أعطوه دابة، تناول الخيل، والبغال، والحمير. هذا نص الشافعي رضي الله عنه. فقال(5/150)
ابن سريج رحمه الله: هذا ذكره الشافعي رحمه الله على عادة أهل مصر في ركوبها جميعا واستعمال لفظ الدابة فيها. فأما سائر البلاد، فحيث لا يستعمل اللفظ إلا في الفرس، لا يعطى إلا الفرس. وقال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وغيرهما: الحكم في جميع البلاد كما نص عليه الشافعي رحمه الله، وهذا أصح عند الاصحاب. فعلى هذا، لو قال: دابة من دوابي، وله جنسان من الثلاثة، تخير الوارث. فإن لم يكن له إلا جنس، تعين. وإن لم يكن له شئ منها، فالوصية باطلة. ويدخل في لفظ الدابة، الذكر والانثى، والصغير والكبير، والسليم والمعيب. هذا كله إذا أطلق. فلو قال: دابة للكر والفر، أو للقتال، حمل على الفرس. ولو قال: لينتفع بدرها وظهرها، فكذلك. ولو قال: بظهرها ونسلها، حمل على الفرس، والجمل، والحمارة. ولو قال: للحمل، حمل على البغال والحمير، إلا أن يكون في بلد جرت عادتهم بالحمل على البراذين، فيدخل الجميع. قال المتولي: بل لو كان عر ف بلدهم الحمل على الجمال والبقر، جاز أن يعطى جملا، أو بقرة. وهذا الذي قاله ضعيف، لانا إذا حملنا الدابة على الاجناس الثلاثة لا يصح الحمل على غيرها لقيد أو صفة. قلت: قول المتولي قوي. والله أعلم. (المسألة) الثامنة: إسم الرقيق بالوضع يتناول الصغير والكبير، والسليم والمعيب، والمسلم والكافر، والذكر والانثى والخنثى. فرع إذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي، أو أوصيت له برأس من رقيقي، فإن لم يكن له رقيق يوم الوصية، ولا حدث بعد ذلك، فالوصية باطلة. وكذا لو قال: أعطوه عبدي الحبشي، أو العبد الذي صفته كذا، ولا عبد له بتلك الصفة يوم الوصية، ولا حدث، فهي باطلة. فلو حدث له أرقاء بعد الوصية، ففيه الوجهان السابقان في أن الاعتبار بيوم الوصية، أم بيوم الموت ؟ وعليهما يخرج ما إذا كان له أرقاء يوم الوصية وحدث آخرون بعده، وهل للوارث أن يعطيه رقيقا من الحادثين، أم يتعين الاولون ؟ ولو لم يملك إلا رقيقا واحدا وقال: أعطوه رأسا من رقيقي، فهل تصح الوصية ويدفع إليه ذلك الواحد، أم تبطل ؟ وجهان. أصحهما: الاول. وإن(5/151)
كان له أرقاء، أعطاه الوارث منهم من شاء، ويجوز الخنثى على الاصح، لشمول الاسم. وقيل: لا، لانصرا ف اللفظ إلى المعهود. ولا يجوز أن يعطى من غير أرقائه ولو تراضيا، لان حقه غير متعين، والمصالحة عن المجهول باطلة. فرع له أرقاء أوصى بأحدهم، فماتوا، أو قتلوا قبل موت الموصي، بطلت الوصية. وإن بقي واحد، تعين.. وكذا لو أعتقهم إلا واحدا. وليس للوارث أن يمسك الذي بقي ويدفع إليه قيمة مقتول. وإن قتلوا بعد موته وبعد قبول الموصى له، انتقل حقه إلى القيمة، فيصرف الوارث من شاء منهم إليه. وإن قتلوا بعد موته وقبل القبول، فكذلك إن قلنا: تملك الوصية بالموت، أو موقوفة. وإن قلنا: تملك بالقبول، بطلت الوصية. وإن مات واحد منهم، أو قتل بعد موت الموصي وقبول الموصى له، فللوارث التعيين فيه، حتى يجب التجهيز على الموصى له في صورة الموت، وتكون القيمة له في صورة القتل. وإن كان ذلك بعد موت الموصي وقبل القبول، فكذلك إن قلنا: تملك الوصية بالموت، أو موقوفة. وإن قلنا: تملك بالقبول، فيعطى واحدا من الباقين، كما لو كان ذلك قبل موت الموصي. فرع أوصى برقيق من ماله، ولم يضف إلى أرقائه فإن لم يكن له رقيق، اشتري من ماله. وإن كان، فالوارث يعطيه واحدا منهم، أو يشتري له كما يشاء. وإن قال: اشتروا له مملوكا، فكما ذكرنا في قوله: اشتروا له شاة. ولو قال: أعطوه رقيقا، ولم يقل: من مالي، قال البغوي: لا يكون وصية. وحكى المتولي وجهين. أحدهما: هذا، والثاني - قال: وهو المذهب -: تصحيح الوصية، وجعلها، كقوله: من مالي، لانه المراد ظاهرا. فرع قال: أعطوه عبدا، لم يعط أمة، ولا خنثى مشكلا. ولو قال: أمة، لم يعط عبدا، ولا خنثى مشكلا. وفي الواضح الوجهان السابقان. ولو قال: رقيقا يقاتل، أو يخدمه في السفر، تعين العبد. ولو قال: رقيقا يستمتع به، أو يحضن ولده، تعينت الامة. ولو قال: رقيقا يخدمه، فهو كما لو أطلق. فرع (لو) أوصى بإعتاق عبد، أعتق ما يقع عليه الاسم على الاصح. وقيل: يتعين ما يجزئ في الكفارة، لانه المعروف في الاعتاق، بخلاف: أعطوه(5/152)
عبدا، فلا عرف فيه. فرع قال: اشتروا بثلثي عبدا واعتقوه عني، فامتثل الوارث، ثم ظهر عليه دين مستغرق، قال الاصحاب: إن اشتراه في الذمة، وقع عنه ولزمه الثمن، ويكون العتق عن الميت، لانه أعتق عنه. وإن اشتراه بعين التركة، بطل الشراء والعتق. كذا ذكروه بلا خلاف. وقد سبق في تصرف الورثة في التركة مع قيام الدين تفصيل، وذكرنا على تقدير البطلان خلافا في أنه إذا تصرف ثم ظهر دين، هل يتبين البطلان، أم لا ؟ وهذا ينبغي أن يكون على ذلك الخلاف. فرع قال: اعتقوا عني رقابا، أو قال: اشتروا بثلث مالي رقابا واعتقوهم، فأقل عدد يقع عليه إسم الرقاب ثلاثة. فإن تيسر شراء ثلاث فصاعدا بثلثه، فعل. قال الشافعي رحمه الله: الاستكثار مع الاسترخاص أولى من الاستقلال مع الاستغلاء، ومعناه: أن إعتاق خمس رقاب قليلة القيمة أفضل من إعتاق أربعة كثيرة القيمة. ولا يجوز صرف الثلث والحالة هذه إلى رقبتين. فإن صرفه إليهما، قال الشيخ أبو الفرج الزاز: يضمن الوصي للرقبة الثالثة. وهل يضمن ثلث ما نفذت فيه الوصية، أم أقل ما يجد به رقبة ؟ فيه الخلاف، كمن دفع نصيب أحد أصناف الزكاة إلى اثنين. أما إذا لم يتيسر شراء ثلاث رقاب بالثلث، فينظر، إن لم يوجد به إلا رقبتان، إشتريناهما وأعتقناهما. وإن وجدنا رقبتين، وفضل شئ، فهل يشتري بالفاضل شقصا ؟ وجهان. أحدهما: نعم واختاره الغزالي. وأصحهما عند جماهير الاصحاب وهو ظاهر النص: المنع، لان الشقص ليس برقبة، فصار كقوله: اشتروا بثلثي رقبة، فلم يجد رقبة، لا يشتري شقصا قطعا. فعلى هذا، يشتري رقبتين نفيستين يستغرق ثمنهما الثلث. فإن فضل عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصية في الفاضل، ورد على الورثة. وإذا قلنا: يشتري شقصا، فذاك إذا وجد شقص يشترى بالفاضل وزاد على ثمن أنفس رقبتين شئ. فأما إذا لم يمكن شراء شقص بالفاضل، إما لقلته، وإما لعدم الشقص، فيشترى رقبتان نفيستان. فإن فضل شئ عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصية في الفاضل على الاصح. وقيل: يوقف إلى أن يوجد شقص، فإن لم يزد على ثمن أنفس رقبتين شئ، بل أمكن شراء رقبتين نفيستين، وأمكن شراء خسيستين وشقص(5/153)
من ثالثة، فأي الامرين أولى ؟ وجهان. أشبههما بالوجه الذي تفرع عليه، الثاني. ولو كان لفظ الموصي: اصرفوا ثلثي إلى العتق، اشترينا الشقص بلا خلاف. ولو قال: اشتروا عبدا بألف واعتقوه، فلم يخرج الالف من ثلثه، وأمكن شراء عبد بالقدر الذي يخرج، فيشترى ويعتق. الطرف الثاني : في اللفظ المستعمل في الموصى له، وفيه مسائل. (المسألة) الاولى: في الوصية للحمل، وقد سبق شرط صحتها. فالمقصود الآن بيان ما يقتضي اللفظ من حيث العدد والذكورة والانوثة. فإذا قال: أوصيت لحمل هند بكذا، فأتت بولدين، وزع عليهما بالسوية، ولا نفضل الذكر على الانثى، كما لو وهب لرجل وامرأة شيئا، إلا أن يصرح بالتفضيل. ولو خرج حي وميت فالاصح أن الجميع للحي، لان الميت كالمعدوم. وقيل: للحي النصف، والباقي لوارث الموصي. فرع قال: إن كان حملها غلاما، فأعطوه كذا، وإن كان جارية، فكذا، واقتصر على أحد الطرفين، فإن ولدت ذكرا أو أنثى، فعل ما ذكر. وإن ولدت ذكرا وأنثى جميعا، فلا شئ لواحد منهما، لانه شرط صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل، ولم يحصل. وإن ولدت ذكرين، قال الغزالي: لا شئ لهما، لان التنكير يشعر بالتوحيد. ويصدق أن يقال: بأن حملها غلامين لا غلاما. لكنه ذكر في الطلاق في قوله: إن كان حملك ذكرا، فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى، فطلقتين، فولدت ذكرين، فيه وجهان. أحدهما: لا تطلق، لهذا المعنى. والثاني: تطلق طلقة. والمعنى: إن كان جن س حملك ذكرا. ولا فرق بين البابين، فيجئ هنا وجه: أنه يقسم المذكور للغلام بينهما. وبهذ قطع الشيخ أبو الفرج الزاز. قال: وبمثله لو قال: إن كان حملها إبنا، فله كذا، وإن كان بنتا، فكذا، فولدت ابنين، لا شئ لهما، وفرق بأن الذكر والانثى أسماء جنس، فتقع على الواحد والعدد، بخلاف الابن والبنت، وهذا ليس بواضح، والقياس أن لا فرق. قلت: بل الفرق واضح، والمختار ما قاله أبو الفرج، فيقسم بين الذكرين في(5/154)
الصورة الاولى، دون الثانية، لما ذكرناه من الفرق. والله أعلم. ولو قال: إن كان ما في بطنها غلاما، أو الذي في بطنها، فهو كما لو قال: إن كان حملها غلاما. ولو قال: إن كان في بطنها غلام، فأعطوه كذا، فولدت غلاما وجارية، استحق الغلام ما ذكر. وإن ولدت غلامين، فوجهان. أحدهما: بطلان الوصية، بناء على أن التنكير يقتضي التوحيد. وأصحهما: صحتها. فعلى هذا هل يوزع بينهما، أم يوقف إلى أن يبلغا فيصطلحا عليه، أم يصرفه الوارث إلى من شاء منهما كما لو وقع الابهام في الموصى به ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. وتجري الاوجه فيما لو أوصى لاحد شخصين وجوزنا الابهام في الموصى له فمات قبل البيان، ففي وجه: يعين الوارث. وفي وجه: يوزع. وفي وجه: يوقف حتى يصطلحا. ولو قال: إن كنت حاملا بغلام، أو إن ولد ت غلاما، فهو كما لو قال: إن كان في بطنها غلام. ولو قال: إن ولدت ذكرا، فله مائتان، وإن ولدت أنثى، فمائة، فولدت خنثى، دفع إليه الاقل. وإن ولدت ذكرا وأنثى، فلكل واحد منهما ما ذكر. وإن ولدت ذكرين وأنثيين، جاء الوجهان. ثم الاوجه الثلاثة في كل واحد من الصنفين. المسألة (الثانية): أوصى لجيرانه، صرف إلى أربعين دارا من كل جانب من جوانب داره الاربعة، هذا هو الصحيح المعروف للاصحاب. وقيل: هو الذي تلاصق داره داره. قلت: ويقسم المال على عدد الدور، لا على عدد سكانها. والله أعلم. (المسألة) الثالثة: أوصى للقراء، لا يصرف إلا إلى الذين يقرؤون جميع القرآن، وهل يدخل فيه من يقرأ من المصحف ولا يحفظ ؟ وجهان. ينظر في أحدهما إلى الوضع. والثاني: إلى العرف. والاصح: المنع. ولك أن تقول: إسم القراء والمقرئين في هذه الاعصار يطلق على الحفاظ وعلى الذين يقرؤون بالالحان، وبالمعنى الثاني لا يشترط لاطلاق اللفظ الحفظ، ولا قراءة جميع القرآن، فيجوز أن(5/155)
يقال: إن كان هناك قرينة تفهم أحد المعنيين، فذاك، وإلا، فهو كما لو أوصى للموالي. قلت: الصواب ما رجحه الاصحاب: أنه لا يعطى إلا من يحفظ الجميع. والله أعلم. (المسألة) الرابعة: أوصى للعلماء أو لاهل ا - علم، صرف إلى العلماء بعلوم الشرع، وهي: التفسير، والفقه، والحديث. ولا يدخل فيه الذين يسمعون الحديث ولا علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة ولا بالمتون، فإن السماع المجرد ليس بعلم. ولا يدخل أيضا المقرئون وعابرو الرؤيا، ولا الادباء، والاطباء، والمنجمون، والحساب، والمهندسون، وقال أكثر الاصحاب: ولا يدخل فيه المتكلمون أيضا، وقال المتولي: الكلام يدخل في العلوم الشرعية، وهذا قريب.(5/156)
فرع أوصى للفقهاء أو المتفقهة أو الصوفية، فهو على ما ذكرناه في الوقف. لكن في لفظ البغوي: أنه لا يقنع بما سبق في تفسير الفقهاء، لانه قال: لو أوصى للفقهاء، فهو لمن يعلم علم أحكام الشرع في كل نوع شيئا. وفي التتمة: أن الرجوع فيه إلى العادة. ثم ذكر وجها أن من حفظ أربعين مسألة، فهو فقيه وهو ضعيف جدا. (المسألة) الخامسة: أوصى لاعقل الناس في بلده، صرف إلى أزهدهم في الدنيا، نص عليه الشافعي رضي الله عنه. ولو أوصى لاجهل الناس، حكى الروياني: أنه يصرف إلى عبدة الاوثان. فإن قال: من المسلمين، قال: من يسب الصحابة رضي الله عنهم. وقال المتولي: يصرف إلى الامامية المنتظرة للقائم، وإلى المجسمة. قلت: وقيل: يصرف إلى مرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة لهم. والله أعلم(5/157)
(المسألة) السادسة: يدخل في الوصية للفقراء المساكين، فيجوز الصرف إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، وكذلك يدخل في الوصية للمساكين الفقراء، ويجوز الصرف إلى الصنفين، لان كل واحد من الاسمين يقع على الفريقين عند الانفراد. وفي قول: ما أوصى به للفقراء، لا يصرف إلى المساكين، ويجوز عكسه، رواه عصام بن يوسف عن الشافعي رضي الله عنه، والمشهور الاول. ولو جمع بينهما، فأوصى للفقراء والمساكين، وجب الجمع بينهما، كما في الزكاة. ولو أوصى لسبيل الله، أو قال: ضعوا ثلثي في سبيل الله، فهو للغزاة المساكين المستحقين للزكاة. ولو أوصى للرقاب، أو قال: ضعوا ثلثي في الرقاب، فللمكاتبين. فإن دفع إلى مكاتب، فعاد إلى الرق والمال باق في يده أو في يد سيده، استرد. ولو أوصى للغارمين أو لابن السبيل، فلمن تصرف إليه الزكاة منهم. وبالجملة فالحكم في هذه المسائل كما في الزكاة، أخذا بعرف الشرع فيها. حتى إذا أوصى للفقراء والمساكين، جعل المال بين الصنفين نصفين. ولا يجعل على عدد رؤوسهم، بخلاف ما إذا أوصى لبني زيد، وبني عمرو. ولا يجب أيضا الاستيعاب، بل يكفي الصرف إلى الثلاثة من كل صنف. ولا تجب التسوية بين الثلاثة. ولو دفع إلى اثنين، غرم، إما الثلث، وإما أقل ما يتمول كما سبق في قسم الصدقات. ثم ليس له دفع ما يغرمه إلى ثالث، بل يسلمه إلى القاضي ليدفعه بنفسه، أو يرده إليه ويأتمنه بالدفع. فرع الوصية للعلماء وسائر الموصوفين، كالوصية لاصناف الزكاة في أنه لا(5/158)
يجب الاستيعاب، ويقتصر على ثلاثة، والافضل إستيعاب الموجودين عند الامكان. كما في الزكاة. فرع لو أوصى لفقراء بلد بعينه، وهم عدد محصورون، اشترط استيعابهم والتسوية بينهم، لتعينهم. بل يشترط القبول في هذه الوصية، بخلاف الوصية لمطلق الفقراء. ذكره صاحب التهذيب وغيره. وفي جواز نقل ما أوصى به للفقراء أو المساكين من بلد إلى بلد، خلاف سبق في قسم الصدقات، والمذهب الجواز. فإذا قلنا: لا يجوز، وجب أن يكون قوله: أوصيت للفقراء - وفقراء البلد محصورون - كقوله: أوصيت لفقراء هذه البلدة - وهم محصورون -، ويدل عليه أن الاستاذ أبا منصور ذكر في الوصية للغارمين، أنه يعطى لثلاثة منهم إن كانوا غير محصورين، فإن كانوا محصورين، استوعبوا. فإن اقتصر الوصي على ثلاثة، فهل يجزئه، أم يضمن حصة الباقين ؟ فيه جوابان. فإن قلنا بالثاني، فالحساب على قدر ديونهم، أم على رؤوسهم ؟ وجهان. قلت: الصحيح المعتمد ما قاله الاصحاب، وهو ما سبق. والله أعلم. فرع لو أوصى لثلاثة معينين، وجب التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة المصروف إليهم من الفقراء وسائر الاصناف، لانا عرفنا ذلك من معهود الشرع في الزكاة، والاستحقاق هنا مصاف إلى أعيانهم.(5/159)
فرع لو أوصى لسبيل البر، أو الخير، أو الثواب، فعلى ما ذكرناه في الوقف. فرع لو قال: ضع ثلثي حيث رأيت، أو فيما أراك الله، ليس له وضعه في نفسه، كما لو قال: بع، لا يبيع لنفسه. والاولى صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثونه، ثم إلى محارمه من الرضاع، ثم إلى جيرانه. (المسألة) السابعة: أوصى لاقارب زيد، دخل فيه الذكر والانثى، والفقير والغني، والوارث وغيره، والمحرم وغيره، والقريب والبعيد، والمسلم والكافر، لشمول الاسم. ولو أوصى لاقارب نفسه، ففي دخول ورثته وجهان. أحدهما: المنع، لان الوارث لا يوصى له. فعلى هذا، يختص بالباقين، وبهذا قطع المتولي، ورجحه الغزالي، وهو محكي عن الصيدلاني. والثاني: الدخول، لوقوع الاسم، ثم يبطل نصيبهم ويصح الباقي لغير الورثة. ولك أن تقول: يجب اختصاص الوجهين بقولنا: الوصية للوارث باطلة. فأما إن وقفناها على الاجازة، فليقطع بالوجه الثاني. قلت: الظاهر أنه لا فرق في جريانهما، لان مأخذهما أن الاسم يقع، لكنه خلاف العادة. والله أعلم. وهل يدخل في الوصية لاقارب زيد أصوله وفروعه ؟ فيه أوجه، أصحها عند الاكثرين: لا يدخل الابوان والاولاد، ويدخل الاجداد والاحفاد، لان الوالد والولد لا يعرفان بالقريب في العرف، بل القريب من ينتمي بواسطة. والثاني: لا يدخل أحد من الاصول والفروع. والثالث: يدخل الجميع، وبه قطع المتولي. وقد ادعى(5/160)
الاستاذ أبو منصور الاجماع على أنه لا يدخل الابوان والاولاد. ويعتبر أقرب جد ينسب إليه الرجل، ويعد أصلا وقبيلة في نفسه، فيرتقي في بني الاعمام إليه، ولا يعتبر من فوقه. حتى لو أوصى لاقارب حسني، أو أوصى حسني لاقارب نفسه، لم يدخل الحسينيون، وكذلك وصية المأموني لاقاربه. والوصية لاقارب المأموني لا يدخل فيها أولاد المعتصم وسائر العباسية. والوصية لاقارب الشافعي رضي الله عنه في زمانه، تصرف إلى أولاد شافع، ولا يدخل فيها أولاد علي والعباس رضي الله عنهما وإن كان شافع وعلي والعباس كلهم أولاد السائب بن عبيد. والشافعي هو محمد بن إدريس، بن العباس، بن عثمان، بن شافع، بن السائب، بن عبيد، بن عبد يزيد، بن هاشم، بن عبد المطلب، بن عبد مناف. ولو أوصى رجل لاقارب بعض أولاد الشافعي في هذه الازمنة، دخل فيه أولاد الشافعي دون غيرهم من أولاد شافع. وعلى هذا القياس. فرع إذا أوصى لاقاربه، فإن كان أعجميا، دخل قرابة الاب والام. وإن كان عربيا، فوجهان. أصحهما وبه قطع العراقيون وهو ظاهر نصه في المختصر: دخولهم من الجهتين كالعجم. والثاني: لا تدخل قرابة الام، ورجحه الغزالي، والبغوي، لان العرب لا تفتخر بها. فرع لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قوله: أوصيت لاقاربي، أو لقرابتي، أو لذي قرابتي، أو ذي رحمي، أو ذوي قرابتي، أو ذوي رحمي، لكن قرابة الام تدخل في لفظ الرحم بلا خلاف في الوصية العرب والعجم جميعا. فرع إذا لم يوجد قريب واحد، صرف المال إليه إن أوصى لذي قرابته، أو ذي رحمه، أو لقرابته، لانه يوصف به الواحد والجمع. فإن كان اللفظ: لاقاربي، أو أقربائي، أو ذوي قرابتي، أو ذوي رحمي، فثلاثة أوجه. الاصح: أنه يعطى كل المال. والثاني: نصفه. والثالث: ثلثه، وتبطل الوصية في الباقي. وإن كان هناك جماعة محصورة، قسم المال بينهم بالسوية، ويجب استيعابهم على الصحيح. وحكى الحناطي وجها: أنه يجوز صرفه إلى ثلاثة منهم. وإن كانوا غير محصورين، فهو كالوصية للعلوية والقبائل العظيمة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قريبا.(5/161)
(المسألة) الثامنة: أوصى لاقرب أقارب زيد، دخل فيها الابوان والاولاد. فإن اجتمع أب وابن، فوجهان. وقيل: قولان. أحدهما: يسوى بينهما، لاستوائهما في الرتبة، فعلى هذا يقدم الاب على ابن الابن. وأصحهما وبه قطع طوائف: يقدم الابن لقوته وعصوبته. فعلى هذا، الاولاد مقدمون على من سواهم، ثم يليهم البطن الثاني، ثم الثالث، إلى حيث ينتهون. ويستوي أولاد البنين والبنات. فإن لم يكن أحد من الاولاد والاحفاد، قدم الابوان، ثم بعدهما الاجداد والجدات، إن لم يوجد الاخوة والاخوات، يقدم الاقرب فالاقرب منهم. أو الاخوة والاخوات، إن لم يوجد الاجداد والجدات، فإن اجتمع جد وأخ، قدم الاخ على الاظهر. والثاني: يستويان. وقيل: يقدم الاخ قطعا. ويجري هذا الخلاف في الجد أبي الاب، والجد أبي الام، مع الاخ للام والاخ لاب. فإن قلنا بالتسوية، فالجد أولى من ابن الاخ. وإن قدمنا الاخ، فكذا ابنه وإن سفل. والمذهب تقديم ابن الاخ على أبي الجد. وقيل بطرد الخلاف. ثم يقدم بعدهم أولاد الاخوة والاخوات، ثم الاعمام والعمات، ويساويهم الاخوال والخالات، ثم أولاد هؤلاء. والاخ من الجهتين، يقدم على الاخ من إحداهما، لزيادة قرابته. كذا قطع به الجمهور، وهو المذهب، وحكى الحناطي والامام عن بعضهم في تقديمه قولين كولاية النكاح. والاخ من الاب، والاخ من الام، يستويان. وكذا القول في أولاد الاخوة، والاعمام، والاخوال، وأولادهم. وفي تقديم الجدة من جهتين على الجدة من جهة، وجهان كالوجهين، ترجيحها في الميراث. ويحصل مما ذكرناه أنه إذا اجتمع أولاد إخوة مفترقين وأولاد أخوات مفترقات، فالمال لولد الاخ من الابوين وولد الاخت من الابوين، فإن لم يوجد أولاد الاخوة والاخوات من الابوين، فأولادهم من الاب وأولادهم من الام سواء. هذا إذا استوت الدرجة. فإن اختلفت، قدم الاقرب من أي جهة كان. فيقدم الاخ من الاب على ابن الاخ للابوين، ويقدم ابن الاخ للاب وابن الاخ للام على ابن ابن الاخ للابوين، لان جهة الاخوة واحدة. فروعي قرب الدرجة. فأما إذا اختلفت الجهة، فالبعيد من الجهة القريبة يقدم على القريب من الجهة البعيدة. فيقدم ابن ابن الابن على الاخ. ويقدم ابن ابن الاخ وإن سفل على العم. ولا يرجح في هذا الباب بالذكورة، ولا ينظر إلى الورثة، بل يستوي في الاستحقاق، الاب، والام. وكذا الابن والبنت، وكذا الاخ والاخت، كما يستوي(5/162)
المسلم والكافر، ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن. وكل ذلك لان الاستحقاق منوط بزيادة القرب. فرع أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد، فلا بد من الصرف إلى ثلاثة، فإن كان له في الدرجة القربى ثلاثة، دفع إليهم. وإن كانوا أكثر، وجب تعميمهم على الاصح، لئلا تصير وصية لغير معين، بخلاف الفقراء، لان المراد بهم الجهة. وقيل: لا، فيختار الوصي ثلاثة منهم. فإن كانوا دون الثلاثة، تممنا الثلاثة ممن يليهم، فإن كان له إبنان، وابن ابن، دفع إليهم. وإن كان ابن، وابن ابن، وابن ابن ابن، دفع إليهم. وإن كان ابن، وابنا ابن، فكذلك. وإن كان ابن، وابن ابن، وبنو ابن ابن، دفع إلى الابن وابن الابن. وهل يدفع معهما إلى واحد من الدرجة الثالثة، أم يعممون ؟ فيه الوجهان. وإذا قلنا: يعممون، فالقياس التسوية بين كل المدفوع إليهم. وفي تعليق الشيخ أبي حامد: أن الثلث لمن في الدرجة الاولى، والثلث لمن في الثانية، والثلث لمن في الثالثة. هذا ما نص عليه الشافعي، وقال الاصحاب في هذا الفرع: وكان الاشبه أن يقال: إنها وصية لغير معين. قلت: الصواب، ما نص عليه، وقاله الاصحاب. والله أعلم. فرع أوصى لاقرب أقارب نفسه، فالترتيب كما ذكرنا، لكن لو كان الاقرب وارثا، صرفنا إلى من يليه ممن ليس بوارث، إن لم نصحح الوصية للوارث، أو صححناهما فلم يجزها سائر الورثة، كذا نقله البغوي وغيره، وهو تفريع على أنه لو أوصى لاقارب نفسه، لم تدخل الورثة بقرينة الشرع. أما إذا قلنا: يدخلون، ويوزع عليهم وعلى من ليس بوارث، فهنا تبطل الوصية، إلا أن يتعدد الاقربون ويكون فيهم وارث وغير وارث. (المسألة) التاسعة: آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، أم جميع أمته ؟ فيه وجهان ذكرناهما في كتاب الصلاة. أصحهما: الاول. ولو أوصى لآل غيره - صلى الله عليه وسلم -، فوجهان. أحدهما: بطلان الوصية، لابهام اللفظ وتردده بين(5/163)
القرابة وأهل الدين وغيرهما. وأصحهما: الصحة، لظهور أصل له في الشرع. وعلى هذا قال الاستاذ أبو منصور: يحتمل أن يكون كالوصية للقرابة، ويحتمل أن يفوض إلى اجتهاد الحاكم. فإن كان هناك وصي، فهل المتبع رأي الحاكم، أم الوصي ؟ حكى الامام فيه وجهين، ولم يذكروا أن الحاكم والوصي يتحريان مراد الموصي أم أظهر معاني اللفظ بالوضع أو الاستعمال. وينبغي أن يقال: المرعي مراده إن أمكن العثور عليه بقرينة، وإلا، فأظهر المعاني. قلت: وهذا الذي اختاره الرافعي هو الراجح المختار. والله أعلم. فرع في أهل بيت الرجل وجهان. أحدهما: الحمل على ما يحمل عليه الآل. وأصحهما: دخول الزوجة أيضا. وفي أهله دون لفظ البيت وجهان. أحدهما: الحمل على الزوجة فقط. والثاني: على كل لن تلزمه نفقته. فعلى الاول لو صدرت الوصية من امرأة، بطلت. قلت: ينبغي أن لا تبطل، بل يتعين الوجه الثاني، أو يرجع فيه إلى العرف. والارجح من الوجهين الثاني. والله أعلم. (المسألة) العاشرة: آباء فلان: أجداده من الطرفين. وأمهاته: جداته من الطرفين. هكذا ذكره أبو منصور وغيره. وحكى الامام وجهين. أحدهما: هذا. وأصحهما عنده: لا يدخل الاجداد من جهة الام في الآباء، ولا الجدات من جهة الاب في الامهات. ولا خلاف في شمول الاجداد والجدات الطرفين، ولا يدخل في الاخوة والاخوات. (المسألة) الحادية عشرة: الاختان أزواج البنات، ولا يدخل فيه أزواج العمات والخالات. وفي أزواج الاخوات وجهان. أصحهما عند الامام: المنع. ويدخل أزواج الحوافد إن قلنا بدخول الاحفاد في الوصية للاولاد. وفي وجه: يدخل زوج كل ذات رحم محرم. ثم الاعتبار بكونه زوجها عند الموت. فلو كانت خلية يوم الوصية، منكوحة يوم الموت، استحق زوجها. وإن كانت مزوجة يوم الوصية،(5/164)
مطلقة يوم الموت، فإن كان الطلاق رجعيا، استحق، وإلا، فلا. وإن أبانها بين الموت والقبول، استحق إن قلنا: يستحق الوصية بالموت أو موقوفة. وإن قلنا: بالقبول، فوجهان. ويجري الخلاف فيمن تزوجت بعد الموت وقبل القبول. فرع أحماء الرجل أبوا زوجته. وفي دخول أجدادها وجداتها تردد حكاه الامام، ولا يدخل أبوا زوجة الاب، وأبوا زوجة الابن، والاصهار كالاحماء، كذا نقله الاستاذ أبو منصور، وإمام الحرمين. وفي أمالي السرخسي: أن كل رجل من المحارم، فأبو زوجته، حمو. وأن الاصهار يشمل الاختان والاحماء. قلت: هذا الذي قاله السرخسي هو المعروف عند أهل اللغة. والله أعلم. فرع يدخل في المحارم، كل محرم بالنسب، أو بالرضاع، أو بالمصاهرة. فرع الاولاد، والذرية، والعقب، والنسل، والعترة، على ما ذكرناه في الوقف. فرع قال: لورثة فلان، فلمن ورثه من ذكر أو أنثى بنسب أو سبب بالسوية، لا على مقادير الارث. فإن لم يكن له وارث خاص، وصرف ماله إلى بيت المال، بطلت الوصية. وإن ورثه بنت واحدة، ولم يحكم بالرد، استحقت جميع الوصية على الاصح، وقسطها في الآخر. ولو مات الموصي، وبقي الذي أوصى لورثته أو عقبه حيا، فالمنقول عن الاصحاب: بطلان الوصية، لانه لا يورث، ولا يعقبه أحد في حياته. وقال الامام: الظاهر عندي صحتها في لفظ العقب إن كان له أولاد، لانهم يسمون عقبه في حياته. قال: ومثل هذا محتمل في لفظ الورثة. وعلى هذا، فيوقف إلى أن يموت فيتبين من يرثه. قلت: هذا الذي اختاره الامام في العقب، هو الذي قطع به صاحب العدة وجعله مذهبنا، وجعل البطلان مذهب أبي حنيفة. وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى. والله أعلم.(5/165)
ولو أوصى لعصبة فلان، لم يشترط في الاستحقاق كون فلان ميتا يوم موت الموصي قطعا، بخلاف ما ذكروه في لفظ الورثة والعقب. ثم أولادهم بالتعصيب، أولادهم بالوصية. (المسألة) الثانية عشرة: الوصية للموالي على ما ذكرناه في الوقف. فإن كان له موال من أعلى، وموال من أسفل، ففيه الاوجه السابقة، وفي قول عن رواية البويطي: يوقف إلى الاصطلاح. أما إذا لم يكن إلا أحدهما، فيصرف المال إليه. فإن اقتضى الحال الحمل على الاسفل، أو صرح به، استحق كل من عتق عليه بتبرع، أو ملك، أو نذر، أو كفارة. وفي أم الولد والمدبر وهما يعتقان بموته وجهان. قلت: الاصح: لا يدخلان، إذ ليسا من الموالي، لا حال الوصية، ولا حال الموت. والله أعلم. (المسألة) الثالثة عشرة: يتامى القبيلة، هم الصبيان الفاقدون لآبائهم. وفي اشتراط الفقر فيهم، وجهان. أشبههما ما قيل في الغنيمة: نعم، وبه قطع أبو منصور. ثم إن انحصروا، وجب تعميمهم، وإلا، جاز الاقتصار على ثلاثة. فرع العميان، والزمنى، كالايتام في التفصيل والخلاف. قلت: قطع صاحب العدة بعدم اشتراط الفقر في الزمنى، قال: ومثله الوصية لاهل السجون، وللغارمين، وتكفين الموتى، وحفر القبور، ويدخل في كل ذلك الغني، والفقير. والمختار طرد الخلاف. والله أعلم. (المسألة) الرابعة عشرة: إسم الارامل، يقع على من مات زوجها، والمختلعة، والمبتوتة، دون الرجعية، والايامى غير ذوات الازواج، هذه عبارة الاستاذ، وبها أخذ الامام وقال: الفرق، أن الارملة: من كان لها زوج، والايم لا يشترط فيها تقدم زوج، ويشتركان في اشتراط الخلو عن الزوج في الحال. وعبارة صاحبي المهذب والتهذيب: لا يعتبر تقدم زوج في الارملة. وفي اشتراط الفقر،(5/166)
الوجهان المذكوران في الايتام. وقطع الامام بالاشتراط هنا. وفي دخول رجل لا زوجة له في الارامل وجهان. قلت: الاصح تخصيص الارملة بمن فارقها زوجها، ونقله إمام الحرمين عن نص الشافعي، وهو المفهوم في العرف. والاصح: أن الرجل لا يدخل في الارامل. والله أعلم. فرع ثيب القبيلة: النساء دون الرجال على الاصح. وعلى الثاني: يدخل الرجال الذين أصابوا. وفي الابكار هذا الخلاف. (المسألة) الخامسة عشرة: المعتبرون من الاقارب، هم الذين يتعرضون ولا يسألون، وذوو القنوع: الذين يسألون. (المسألة) السادسة عشرة: غلمان القبيلة، وصبيانهم، والاطفال، والذراري: هم الذين لم يبلغوا. واختلفوا في الشيوخ، والشبان، والفتيان، ففي المهذب والتهذيب: أن الشيوخ: من جاوزوا أربعين سنة. والفتيان والشبان: من جاوز البلوغ إلى الثلاثين. والمفهوم منه، أن الكهول: من الثلاثين إلى الاربعين. ونقل الاستاذ عن الاصحاب أنهم قالوا: إن الرجوع في ذلك إلى اللغة، واعتبار لون الشعر في السواد والبياض والاختلاط، ويختلف ذلك باختلاف أمزجة الناس. قلت: هذا المنقول عن المهذب والتهذيب قاله أيضا آخرون، وهو الاصح المختار. وصرح الروياني وغيره بأن الكهول: من جاوز ثلاثين إلى أربعين. وكذا قال أهل اللغة: إنه من جاوز الثلاثين. لكن قال ابن قتيبة: إنه يبقى حتى يبلغ خمسين. وقد أوضحت هذه الاسماء مع اختلاف العلماء فيها وما يتعلق بها في تهذيب الاسماء. ومن المسائل المتعلقة بما سبق، لو أوصى للحجيج، قال صاحب العدة: يستحب دفعه إلى فقرائهم، فإن صرف إلى فقرائهم وأغنيائهم، جاز، لشمول الاسم. وينبغي أن يطرد فيه الوجهان، كالايتام، والارامل. واشتراط الفقر هنا أرجح. والله أعلم.(5/167)
فصل إذا أوصى لزيد وجماعة معه. فإما أن يكونوا موصوفين، أو معينين. الحال الاول: موصوفون، غير محصورين، كالفقراء، والمساكين. وفي زيد أوجه. أصحها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل ما يتمول، ولكن لا يجوز حرمانه وإن كان غنيا. والثاني: أنه يعطى سهما من سهام القسمة. فإن قسم المال على أربعة من الفقراء، أعطي زيد الخمس. وإن قسمه على خمسة، فالسدس، وعلى هذا القياس. والثالث: لزيد ربع الوصية، والباقي للفقراء، لان أقل من يقع عليه اسم الفقراء ثلاثة. والرابع: له النصف، ولهم النصف. والخامس: إن كان فقيرا، فهو كأحدهم، وإلا، فله النصف. والسادس: إن كان غنيا، فله الربع، لانه لا يدخل فيهم، وإلا، فالثلث، لدخوله فيهم. والسابع: أن الوصية في حق زيد باطلة، لجهالة من أضيف إليه، حكاه السرخسي في الامالي، وهو ضعيف جدا. ولا بد على اختلاف الاوجه من الصرف إلى ثلاثة من الفقراء. هذا كله إذا أطلق ذكر زيد. أما إذا وصفه بصفة الجماعة، فقال: لزيد الفقير، وللفقراء، فيجري الخلاف فيما لزيد إن كان فقيرا. ومنهم من خص الاوجه بهذه الحالة. وبقي القول بكونه كأحدهم عند الاطلاق. وإن كان غنيا، فلا شئ له، ونصيبه للفقراء إن قلنا: إنه كأحدهم، وإلا، فهو لورثة الموصي. وإن وصف زيدا بغير صفة الجماعة، فقال: لزيد الكاتب، وللفقراء، قال الاستاذ أبو منصور: فله النصف بلا خلاف. ويشبه أن يجئ القول بأن له الربع إن لم تجئ باقي الاوجه. ولو أوصى لزيد بدينار، وللفقراء بثلث ماله، لم يصرف إلى زيد غير الدينار وإن كان فقيرا، لانه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير، ويحتمل الجواز. ولو أوصى لزيد، وللفقراء والمساكين، فإن جعلناه في الصورة السابقة كأحدهم، فكذا هنا. وإن قلنا: له النصف، فهنا الثلث. وإن قلنا: الربع، فهنا السبع. الحال الثاني: إذا كانوا معينين، نظر، إن لم يكونوا محصورين كالعلويين، فسنذكر الخلاف في صحة الوصية لهم إن شاء الله تعالى. فإن صححنا، فالحكم كما إذا كانوا موصوفين. وإن لم نصحح، قال المسعودي: هو كما لو أوصى لزيد وللملائكة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وإن كانوا محصورين، فهل هو(5/168)
كأحدهم، أم له النصف ؟ قال أبو منصور: فيه احتمالان، أصحهما: الثاني. ثم حكى خلافا في أن النصف الذي لهم، يقسم بين جميعهم، أم يجوز صرفه إلى ثلاثة منهم ؟ والصحيح وجوب القسمة بين الجميع. فرع له ثلاث أمهات أولاد، فأوصى لامهات أولاده، وللفقراء والمساكين، قال المتولي: الصحيح: أنه يقسم على الاصناف أثلاثا. وعن أبي علي الثقفي: أنه يقسم على خمسة، لان أمهات الاولاد محصورات يجب استيعابهن، والفقراء والمساكين غير محصورين، فيجعل كل واحد من الصنفين مصرفا، وكل واحدة منهن مصرفا. فصل الوصية لجماعة معينين غير محصورين، كالهاشمية، والطالبية، والعلوية، صحيحة على الاظهر، كالفقراء. فعلى هذا، يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، ولا تجب التسوية بينهم ولا يشترط القبول، كالفقراء. ومتى أوصى لبني فلان. فإن عدوا قبيلة، كبني هاشم، وبني تميم، فهي كالوصية للعلوية. وفي جواز الصرف إلى إناثهم وجهان، أصحهما: الجواز. وإن لم يعدوا قبيلة، كبني زيد وعمرو، اشترط القبول والاستيعاب والتسوية. ولا يجوز الصرف إلى الاناث. قلت: وتصح الوصية هنا قطعا. والله أعلم. فصل أوصى لزيد وجبريل، فوجهان. أصحهما: لزيد النصف، وتبطل الوصية في الباقي. كما لو أوصى لابن زيد، وابن عمرو، ولم يكن لعمرو ابن، أو لزيد وعمرو وابني بكر، فلم يكن له إلا ابن اسمه زيد، يكون النصف للموجود، ويبطل الباقي. والثاني: أن لزيد الكل، ويلغو ذكر من لا يملك، بخلاف ما إذا ذكر معه من يملك. ويجري الوجهان في كل صورة أوصى لزيد ولمن لا يوصف(5/169)
بالملك، كالشيطان، والريح، والحائط، والبهيمة، وغيرها. ولو أوصى لزيد، وللملائكة أو للرياح، أو للحيطان، فإن جعلنا الكل لزيد، فذاك، وإلا، فهل له النصف، أم الربع، أم للموصي أن يعطيه أقل ما يتمول ؟ فيه الخلاف السابق في الوصية لزيد وللفقراء. ولو أوصى لزيد ولله تعالى، فهل يكون لزيد الجميع وذكر الله تعالى للتبرك ؟ أم له النصف والباقي للفقراء ؟ أم له النصف والباقي يصرف في وجوه القرب لانها مصرف الحقوق المضافة إلى الله تعالى ؟ أم يرجع النصف الثاني إلى ورثة الموصي ؟ فيه أربعة أوجه، أصحها: الثالث. وقدمنا وجها فيما إذا أوصى لاجنبي ووارث، وبطلت في حق الوارث: أنها تبطل في حق الاجنبي أيضا، بناء على تفريق الصفقة. وذلك الوجه مع ضعفه، يلزم طرده في نصيب زيد في هذه الصور. قلت: فلو قال: أوصيت بثلث مالي لله عزوجل، صرف في وجوه البر، ذكره صاحب العدة وقال: هو قياس قول الشافعي رحمه الله. والله أعلم.
القسم الثاني : من أقسام الباب في الأحكام المعنوية. قد سبق أن الوصية بمنافع(5/170)
العبد والدار صحيحة مؤبدة ومؤقتة، وكذا بغلة الدار والحانوت، وكذا بثمار البستان التي تحدث على الاصح. ولو أوصى بخدمة عبد سنة، ولم تعين صحت الوصية، والتعيين للوارث. ويجوز أن يجعل له ثمرة بستانه العام، فإن لم يثمر، فثمرة العام القابل، أو خدمة عبده العام، فإن مرض، فخدمة العام الثاني. ويجوز أن يوصي بخدمة عبده لرجل مدة حياة زيد. إذا تقرر هذا، فالغرض الآن الكلام في مسائل الوصية بالمنافع، وهو مبني على أصل، وهو أن هذه الوصية تمليك للمنافع بعد الموت، وليست مجرد إباحة، كما أن الوصية بالاعيان تمليك لها بعد الموت. فلو مات الموصى له، ورثت عنه كسائر حقوقه، وله الاجارة والاعارة والوصية بها. ولو تلف العبد في يده، لم يضمنه، كما لا يضمن المستأجر. قال البغوي: وليس عليه مؤنة الرد. هذا كله إذا أطلق الوصية، أو قيدها بالتأبيد. والمراد بالتأبيد: استيعاب الوصية منفعة العبد مدة حياته. وكذا الحكم فيما لو أوصى بمنفعته مدة مقدرة، كشهر وسنة. وحكي وجه: أنها لا تنتقل إلى وارث الموصى له، لا عند الاطلاق، ولا إذا قدر مدة ومات الموصى له قبل انقضائها. والصحيح المعروف الاول. أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك، فهو إباحة، وليس بتمليك، فليس له الاجارة. وفي الاعارة وجهان. وأما إذا مات الموصى له، رجع الحق إلى ورثة الموصي. ولو قال: أوصيت لك بأن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فهو إباحة أيضا، لا تمليك، بخلاف قوله: أوصيت لك بسكناها، وخدمته. هكذا(5/171)
ذكره القفال وغيره. وفي فتاوى القفال أنه لو قال: أطعموا زيدا كذا رطلا من الخبز من مالي، اقتضى تمليكه، كما في إطعام الكفارة. ولو قال: اشتروا خبزا واصرفوه إلى أهل محلتي، فسبيله الاباحة. هذا هو الاصل. أما المسائل، فإحداها: فيما يتعلق بجانب الموصى له، فيملك إثبات اليد على العبد الموصى بمنفعته، ويملك منافعه وأكسابه المعتادة، من الاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، وأجرة الحرفة، لانها أبدال منافعه. ولا يملك الكسب النادر، كالهبة واللقطة على الاصح، لانه لا يقصد بالوصية. وحكى الحناطي وأبو الحسن العبادي وجها في كل الاكساب، وهو ضعيف، وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى. ولو أتت الجارية الموصى بمنفعتها بولد من نكاح أو زنا، فثلاثة أوجه. أصحها وبه قطع العراقيون والبغوي: حكم الولد حكم أمه، رقبته للورثة، ومنفعته للموصى له، لانه جزء منها. والثاني: أنه للموصى له، ككسبها. والثالث: لورثة الموصي، لانه غير المنفعة. وإذا وطئت بشبهة، أو زوجت، ففي المهر وجهان. قطع العراقيون والبغوي بأنه للموصى له، كالكسب. والمنسوب إلى المراوزة: أنه لورثة الموصي، وبه قطع المتولي، وصححه الغزالي، وهو الاشبه، لانه بدل منفعة البضع، ومنفعة البضع لا تجوز الوصية بها، فكان تابعا للرقبة. ولا يجوز للموصى له وطؤها بلا خلاف فإن وطئ، لميحد على الصحيح، للشبهة. وقيل: يحد، كالمستأجر. ولو أولدها بالوطئ، لم تصر أم ولد له، لكن الولد حر على الصحيح، للشبهة. وقيل: رقيق. وإذا قلنا: حر، فإن قلنا: الولد المملوك كالكسب، فلا قيمة عليه، وإلا، فعليه القيمة. ثم هل هي لمالك الرقبة ؟ أم يشترى بها عبد تكون رقبته لمالك العبد ومنفعته للموصى له ؟ وجهان. هذا ما ذكروه في هذه الصور، ولم يفرقوا بين قوله: أوصيت بمنفعة العبد، أو غلته، أو خدمته، أو كسبه، وبمنفعة الدار، أو سكناها، أو غلتها. وكان الاحسن أن يقال: الوصية بالمنفعة تفيد استحقاق الخدمة في العبد، والسكنى في الدار. والوصية بالخدمة والسكنى لا تفيد استحقاق سائر المنافع. ألا ترى أنه إذا استأجر عبدا للخدمة، لا يملك تكليفه البناء، والغراس، والكتابة. وإذا استأجر دارا للسكنى، لم يكن له أن(5/172)
يعمل فيها عمل الحدادين والقصارين، ولا أن يطرح الزبل فيها، ولا يبعد أن يكون هذا مرادهم وإن أطلقوا، بل ينبغي أن يقال: الوصية بالغلة والكسب لا تفيد استحقاق السكنى والركوب والاستخدام، وبواحد منها لا يفيد استحقاق الغلة والكسب. وهذا يوافق الوجه السابق عن الحناطي والعبادي. فرع هل ينفرد الموصى له بالمسافر بالموصى بمنفعته ؟ وجهان. أحدهما: لا، كزوج الامة. وأصحهما: نعم، لاستغراقه المنافع. المسألة الثانية: فيما يتعلق بجانب وارث الموصي، وفيه أربعة فروع. الاول: الوارث يملك إعتاق الموصى بمنفعته، لان رقبته له، وأشار صاحب الرقم وغيره إلى خلاف فيه. والمذهب الاول، لكن لا يجري إعتاقه عن الكفارة على الاصح، لعجزه عن الكسب. وإذا أعتق، فالصحيح الذي قطع به الجمهور: أن الوصية تبقى بحالها، وتكون المنافع مستحقة للموصى له كما كانت، كما إذا أعتق المستأجر. ولا يرجع العتيق بقيمة المنفعة قطعا. وقيل: تبطل الوصية، نقله أبو الفرج الزاز، لانه يبعد أن تكون منفعة الحر مستحقة أبدا. فعلى هذا في رجوع الموصى له على المعتق بقيمة المنافع وجهان. قلت: لعل أصحهما الرجوع. والله أعلم. وليس للوارث كتابة هذا العبد على الاصح، لان أكسابه مستحقة. ووجه الجواز توقع الزكاة ونحوها. الفرع الثاني: إذا كانت الوصية بمنفعة مدة معلومة، فنفقته على الوارث، كالمستأجر. وإن كانت على التأبيد، فثلاثة أوجه. أصحها: كذلك. والثاني: على الموصى له. والثالث: في كسبه. فإن لم يكن كسب. أو لم يف بها، ففي بيت المال. والفطرة كالنفقة، ففيها الاوجه، كذا قاله السرخسي وطائفة، وقطع(5/173)
البغوي بأنها على مالك الرقبة. وعلف البهيمة، كنفقة العبد. أما عمارة الدار الموصى بمنافعها، وسقي البستان الموصى بثماره، فإن تراضيا عليه، أو تطوع أحدهما به، فذاك، وليس للآخر منعه. وإن تنازعا، لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة، لحرمة الزوج. وأشار بعضهم إلى طرد الخلاف في العمارة وسائر المؤن. الفرع الثالث: بيع الموصى بمنفعته مدة، كبيع المستأجر. وأما الموصى بمنفعته على التأبيد، ففي بيع الوارث رقبته أوجه. أصحها: يصح بيعها للموصى له بالمنفعة دون غيره. والثاني: يصح مطلقا. والثالث: لا. والرابع: يصح بيع العبد والامة، لانهما يتقرب باعتاقهما، ولا يصح بيع البهائم والجمادات. والماشية الموصى بنتاجها يصح بيعها، لبقاء بعض المنافع والفوائد، كالصوف، والظهر. وإنما الخلاف فيما استغرقت الوصية منافعه. الفرع الرابع: هل للوارث وطئ الموصى بمنفعتها ؟ فيه أوجه. أصحها: ثالثها: يجوز إن كانت ممن لا تحبل، وإلا، فلا. فإن منعنا، فوطئ، فلا حد، للشبهة، وأما المهر، فيبنى على أنها لو وطئت بشبهة لمن المهر ؟ فإن قلنا: للوارث، فلا مهر عليه، وإلا، فعليه. فإن أولدها، فالولد حر، وعليه قيمته. وهل تكون القيمة للموصى له ؟ أم يشترى بها عبد يخدم الموصى له وتكون رقبته للوارث ؟ فيه الوجهان فيما إذا ولدت رقيقا. وتصير الجارية أم ولد يعتق بموته مسلوبة المنفعة. وقيل: لا تصير، وهو ضعيف. المسألة الثالثة: في الجناية على العبد الموصى بمنفعته، فإن قتل، نظر، إن كان قتلا يوجب القصاص، فلمالك الرقبة الاقتصاص، فإذا اقتص، بطل حق الموصى له، كما لو مات، أو انهدمت الدار، وبطلت منافعها. وإن كان مما يوجب(5/174)
المال، أو رجع إليه، ففي القيمة المأخوذة أوجه. أصحها: يشترى بها عبد يقوم مقامه، فتكون رقبته للوارث، ومنافعه للموصى له. والثاني: أنها للوارث، ولا شئ للموصى له، كما لا حق لزوج الامة في بدلها. والثالث: أنها للموصى له خاصة. والرابع: توزع على الرقبة مسلوبة المنفعة، وعلى المنفعة وحدها، فتقوم الرقبة بمنافعها، ثم بلا منفعة، فيكون لها قيمة، لما في إعتاقها من الثواب وجلب الولاء. فقدر التفاوت هو قيمة المنفعة، فيكون للموصى له، والباقي للوارث. ويخرج على هذا الخلاف ما إذا قتله الوارث أو الموصى له، فلا شئ على من لو كان القاتل غيره، كانت القيمة مصروفة إليه. وإن جني عليه بقطع طرفه، فطريقان. أحدهما: طرد الاوجه، سوى الثالث. ولا يبعد تخريج الثالث أيضا على هذه الطريقة، تشبيها له بالولد. والطريق الثاني: القطع بأن الارش للوارث، واتفقوا على ترجيحه وإن ثبت الخلاف، وكان سببه أن العبد بقي منتفعا به، ومقادير المنفعة لا تنضبط، وتختلف بالمرض والكبر، وكان حق الموصى له باق بحاله. المسألة الرابعة: في جنايته، فإن اقتص منه، بطل حقهما كموته. وإن وجب مال، تعلق برقبته. فإن لم يفدياه، بيع في الجناية، وبطل حقهما. فإن زاد الثمن على الارش، قال أبو الفرج السرخسي: يقسم بينهما على نسبة حقهما. وينبغي أن يجئ فيه الخلاف السابق. قلت: مجئ الخلاف هو الوجه. والله أعلم. وإن فدياه، استمر الحقان. وإن فداه مالك الرقبة، فكذلك. وإن فداه الموصى له، ففي وجوب الاجابة على المجني عليه وجهان. أحدهما: لا، لانه أجنبي عن الرقبة. وأصحهما: الوجوب، لظهور غرضه. وهذا فيما إذا فدى أحدهما العبد بمنافعه. فلو فدى حصته، قال الحناطي: يباع نصيب صاحبه. وفيه إشكال، لانه إن فدى الوارث، فكيف تباع المنافع وحدها ؟ وإن فدى الموصى له واستمر حقه، فبيع الرقبة يكون على الخلاف السابق.(5/175)
المسألة الخامسة: في كيفية حساب المنفعة من الثلث. فإن أوصى بالمنفعة أبدا، فوجهان. ويقال: قولان. أصحهما عند الجمهور وهو نصه في اختلاف العراقيين وفي الاملاء وبه قال ابن الحداد: أنه تعتبر الرقبة بتمام منافعها من الثلث، لانه حال بين الوارث وبينها، ولان المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها، لان مدة عمره غير معلومة وإذا. تعذر تقويم المنافع، تعين تقويم الرقبة. والثاني خرجه ابن سريج: أن المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها، وقيمتها مسلوبة المنافع، واختاره الغزالي وطائفة. فعلى هذا، هل تحسب قيمة الرقبة من التركة ؟ أم لا كما لا تحسب على الموصى له ؟ وجهان. أصحهما: الاول. مثاله: أوصى بعبد قيمته بمنافعه، مائة. ودون المنافع، عشرة. فعلى المنصوص: تعتبر المائة من الثلث. ويشترط أن يكون له مائتان سوى العبد. وعلى الثاني المعتبر تسعون. فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين مع العشرة على وجه، ودونها على وجه. أما إذا أوصى بمنفعته مدة، كسنة، أو شهر، ففيه طرق. أحدها: طرد الخلاف، كالوصية المؤبدة. والثاني: إن اعتبرنا هناك ما بين القيمتين، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. أحدهما: التفاوت. والثاني: الرقبة. والطريق الثالث: أن المعتبر من الثلث أجرة مثل تلك المدة. والرابع وهو أصحها: يقوم العبد بمنافعه، ثم مسلوب منفعته تلك المدة، فما نقص حسب من الثلث. وقيمة الرقبة في هذه الحالة، محسوبة من التركة بلا خلاف. ويتفرع على الخلاف صور. إحداها: أوصى بمنفعة عبده ثلاث سنين، ولا مال سواه، إن اعتبرنا قيمة الرقبة من الثلث، صحت الوصية في منافع الثلث، وردت في الباقي. وإن اعتبرنا ما نقص، وكان النقص نصف القيمة، فهل ترد الوصية في سدس العبد ؟ أم ينقص من آخر المدة سدسها ؟ وجهان. أصحهما الاول، لان قيمة المنافع تختلف بالاوقات. الصورة الثانية: أوصى لرجل برقبته، ولآخر بمنفعته. إن قلنا: يعتبر من الثلث تمام القيمة، نظر فيما سواه من التركة، وأعطي كل واحد حقه كاملا أو غير كامل، وإن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا الرقبة على الوارث، إذا بقيت له،(5/176)
حسب هنا كمال القيمة عليهما، وإلا، لم تحسب أيضا على الموصى له بها. وتصح وصيته من غير اعتبار الثلث. كذا ذكره المتولي. الصورة الثالثة: أوصى بالرقبة لرجل، وأبقى المنفعة للورثة، فإن قلنا: المعتبر من الثلث كمال القيمة، لم تعتبر هذه الوصية من الثلث، لجعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة. وإن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا قيمة الرقبة على الوارث، حسبت هنا قيمة الرقبة على أهل الوصايا، وتدخل في الثلث، وإلا، فهنا يحسب قدر التفاوت على الوارث، ولا تحسب قيمة الرقبة على أهل الوصايا. الصورة الرابعة: العبد الموصى بمنفعته، لو غصبه غاصب، فلمن تكون أجرة المدة التي كانت في يد الغاصب ؟ قال في التتمة: إن قلنا: المعتبر من الثلث جميع القيمة، فهي للموصى له، وكأنه فوت الرقبة على الوارث، وإلا، فوجهان. أحدهما: أنها للوارث، كما لو غصب المستأجر. والصحيح: أنها للموصى له، لانه بدل حقه، بخلاف الاجارة، فانها تنفسخ في تلك المدة فتعود المنافع إلى مالك الرقبة. الصورة الخامسة: أوصى بثمرة بستانه، يخرج على الخلاف. ففي وجه: تعتبر جميع قيمة البستان من الثلث. وفي وجه: ما بين قيمته بمنافعه وفوائده، وبين قيمته مسلوب الفوائد. فإن احتمله الثلث، فذا ك، وإلا، فللموصى له القدر الذي يحتمله، والباقي للوارث. فإن لم يحتمل إلا نصفه، فله من ثمره كل عام النصف. والباقي للوارث.(5/177)
فرع لابن الحداد أوصى لرجل بدينار كل شهر من غلة داره، أو كسب عبده، وجعله بعده لوارث الرجل، أو للفقراء والمساكين، والغلة والكسب عشرة مثلا، فاعتبار هذه الوصية من الثلث كاعتبار الوصية بالمنافع مدة معلومة، لبقاء بعض المنافع لمالك الرقبة، فيكون المذهب فيهما: أن المعتبر من الثلث قدر التفاوت بين القيمتين. ثم ينظر، فإن خرجت الوصية من الثلث، قال ابن الحداد: ليس للورثة أن يبيعوا بعض الدار ويدعوا ما يحصل منه دينار، لان الاجرة تختلف، فقد تنقص فتعود إلى دينار أو أقل، فيكون الجميع للموصى له. وهذا إذا أرادوا بيع بعضها على أن تكون الغلة للمشتري. فأما بيع مجرد الرقبة، فعلى ما سبق من الخلاف في بيع الوارث الموصى بمنفعته. وإن لم يخرج من الثلث، فالزائد على الثلث رقبة وغلة للوارث يتصرف فيه كيف شاء. ولو كانت الوصية بعشر الغلة كل سنة، فما سوى العشر للوارث يتصرف فيه كيف شاء. فرع أوصى لشخص بدينار كل سنة، حكى الامام: أن الوصية صحيحة في السنة الاول بدينار. وفيما بعدها قولان. أحدهما: الصحة، لان الجهالة لا تمنع صحة الوصية، ولان الوصية بالمنافع صحيحة لا إلى غاية. وأظهرهما: البطلان، لانه لا يعرف قدر الموصى به ليخرج من الثلث. فإن صححنا، فإن لم يكن هناك وصية أخرى، فللورثة التصرف في ثلثي التركة قطعا. وفي ثلثها وجهان. أحدهما: ينفذ التصرف بعد إخراج الدينار الواحد، لانا لا نعلم استحقاق الموصى له في المستقبل. الثاني: أنه يوقف، لان الاستحقاق ثبت إلى أن يظهر قاطع. فإن قلنا بالتوقف، وبقي الموصى له إلى أن استوعبت دنانيره الثلث، فذاك. وإن مات، فعن صاحب التقريب: أن بقية الثلث تسلم لورثة الموصي. قال الامام: وفيه نظر، لان هذه الوصية إذا صححناها، كالوصية بالثمار بلا نهاية، فوجب انتقال الحق إلى ورثة الموصى له. وإن نفذنا تصرفهم، فكلما انقضت سنة، طالب الموصى له الورثة بدينار، وكان ذلك كوصية تظهر بعد قسمة التركة. وإن كان هناك(5/178)
وصايا اخر، قال صاحب التقريب: يوزع الثلث بعد الدينار الواحد على أصحاب الوصايا، ولا يتوقف. فإذا انقضت سنة أخرى، استرد منهم بدينار ما يقتضيه التقسيط. قال الامام: هذا بين إذا كانت الوصية مفيدة بحياة الموصى له. فأما إذا لم نقيد، وأقمنا ورثته مقامه، فهو مشكل لا يهتدى إليه. فرع لو انهدمت الدار الموصى بمنافعها، فأعادها الوارث بآلتها، هل يعود حق الموصى له ؟ وجهان. ولو أراد الموصى له إعادتها بآلتها، فعلى الوجهين. قلت: أصحهما العود. والله أعلم. المسألة السادسة: الوصية بالحج. الحج ضربان، متطوع به، ومفروض. فالتطوع تصح الوصية به على الاظهر تفريعا على صحة النيابة فيه. ثم هو محسوب من الثلث، ويحج عنه من بلده إن قيد به، ومن الميقات إن قيد به. فإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان أصحهما: من الميقات، وإليه ميل أكثرهم. وهل يقدم حج التطوع في الثلث على سائر الوصايا ؟ قال القفال: هو على القولين في تقديم العتق على غيره من الوصايا. قال الشيخ أبو علي: لم أر هذا لاحد من الاصحاب، بل جعلوا الوصية به مع غيره على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله تعالى وحقوق الآدميين. وإذا لم يف الثلث، أو حصة الحج منه بالحج، بطلت الوصية، وكذا لو قال: أحجوا عني بمائة من ثلثي ولم يمكن أن يحج بها. ولو قال: أحجوا عني بثلثي، صرف ثلثه إلى ما يمكن من حجتين وثلاث فصاعدا. فإن(5/179)
فضل ما لا يمكن أن يحج به، فهو للورثة. ولو قال: أحجوا عني بثلثي حجة، صرف ثلثه إلى حجة واحدة. ثمإن كان الثلث أجرة المثل فما دونها، جاز أن يكون الاجير أجنبيا ووارثا. وإن كان أكثر، لم يستأجر إلا أجنبي، لان الزيادة محاباة فلا تجوز للوارث. الضرب الثاني: المفروض، وهو حجة الاسلام وغيرها. أما حجة الاسلام، فمن مات وهي في ذمته، قضيت من رأس ماله وإن لم يوص بها، كالزكاة، وسائر الديون. وإن أوصى بها، نظر، إن أضافها إلى رأس المال، فهي تأكيد. وإن أضاف إلى الثلث، قضيت منه، كما لو أوصى بقضاء دينه من ثلثه. وتتضمن هذه الوصية ترفيه الورثة بتوفير الثلثين. وفي تقديم الحج على سائر الوصايا وجهان - وقال الشيخ أبو علي: قولان - يجريان فيما لو أوصى بقضاء دينه من الثلث. أحدهما: يقدم، كما لو لم يوص فإنه يقدم، وأصحهما: لا يقدم، بل يزاحمها بالمضاربة، لانه وصية. ثم إن لم يف الثلث بالحج على الوجه الاول، أو الحاصل من المضاربة على الثاني، كمل من رأس المال، كما لو قال: اقضوا ديني من ثلثي فلم يوف الثلث به، وحينئذ تدور المسألة، وسنوضح مثالها قريبا إن شاء الله تعالى. وإن أطلق، فلم يضف إلى الثلث، ولا إلى رأس المال، حج عنه من رأس المال على المذهب، وبه قطع الجمهور، سواء قرن به ما يعتبر من الثلث، أم لا، وقيل: قولان. ثانيهما: أنه من الثلث. وقيل: إن قرن، فمن الثلث، وإلا، فمن رأس المال. ثم متى جعلنا الحج من رأس المال، حج عنه من الميقات، لانه لو كان حيا، لم يلزمه إلا هذا. وإذا جعلناه من الثلث، إما لتصريحه، وإما عند الاطلاق، فوجهان. أصحهما: من الميقات أيضا. فعلى هذا، لو أوصى أن يحج عنه من بلده، فلم يبلغ ثلثه حجة من بلده، حج من حيث أمكن. وإن لم يبلغ الحج من الميقات، تمم من رأس المال ما يتم به(5/180)
الحج من الميقات. والثاني: من بلده. فعلى هذا قال أبو إسحق: إن أوصى بالحج من الثلث، فجميعه من الثلث. فإن أطلق، وجعلناه من الثلث، فالذي من الثلث مؤنة ما بين البلد إلى الميقات. فأما من الميقات، فهو من رأس المال. وأما الحجة المنذورة، ففيها وجهان. أصحهما: أنها كحجة الاسلام، إلا أن هاهنا وجها أنها إذا لم يوص بها، قضيت من الثلث، وهو شاذ. والثاني: كالتطوعات، لانها لا تلزم بأصل الشرع. فعلى هذا، إن لم يوص بها، لم تقض. وإن أوصى بها، كانت من الثلث. ويجري الخلاف في الصدقة المنذورة والكفارات. فرع أوصى بحجة الاسلام من الثلث، ولزيد بمائة، والتركة ثلاثمائة، وأجرة الحج مائة. فإن قدمنا الحج على سائر الوصايا، صرف الثلث إلى الحج. وإن لم نقدم، ووزعنا الثلث، دارت المسألة، لان حصة الحج تكمل من رأس المال، وإذا أخذنا شيئا من رأس المال، نقص الثلث. وإذا نقص، نقصت حصة الحج، فلا تعرف حصة الحج ما لم يعرف الثلث ولا يعرف الثلث ما لم يعرف المأخوذ من رأس المال، ولا يعرف المأخوذ ما لم تعرف حصة الحج. فالطريق أن نأخذ من التركة شيئا لاكمال حصة الحج، يبقى ثلثمائة إلا شيئا بقدر ثلثه، وهو مائة إلا ثلث شئ، يقسم بين الحج والموصى له نصفين، فنصيب(5/181)
الحج خمسون إلا سدس شئ، فيضم الشئ المفرز إليه، تبلغ خمسين وخمسة أسداس شئ تعدل مائة، وذلك تمام الاجرة، فيسقط خمسين بخمسين، تبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسين. وإذا كان خمسة أسداس الشئ خمسين، كان الشئ ستين، فعرفنا أن ما أفرزناه ستون، فنأخذ ثلث الباقي بعد الستين، وهو ثمانون، ونقسمه بين الوصيتين، تخص كل واحدة أربعون والاربعون مع الستين، تمام أجرة الحج. فرع أوصى أن يحج عنه تطوعا، أو حجة الاسلام من ثلثه بمائة، وأوصى بما يبقى من الثلث بعد المائة لزيد، وبثلث ماله لعمرو، ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث، فيقسم الثلث بين عمرو والوصيتين الاخريين نصفين. فإذا كان ثلث المال ثلثمائة، كان لعمرو مائة وخمسون، والباقي بين الحج وزيد. وفي قسمته وجهان. أحدهما قاله ابن خيران: تصرف خمسون إلى الحج، ومائة إلى زيد، لان الوصيتين لو نفذنا يخص زيدا ثلثا الثلث. وأصحهما: تصرف مائة إلى الحج، وخمسون لزيد. ولو كان الثلث مائتين، فلعمرو مائة، والمائة الباقية للحج على الاصح، ولا شئ لزيد. وعلى الثاني: هي بين زيد والحج نصفان. ولو كان الثلث مائة، قسمت بين الحج وعمرو نصفين، ولا شئ لزيد في هذا الحال. وكذا لو لم توجد الوصية لعمرو، بخلاف ما إذا كان الثلث فوق المائة. ولو أوصي أولا بالثلث لعمرو، ثم بالحج بمائة من الثلث، ثم لزيد بما يبقى من الثلث بعد المائة، فعن أبي إسحق: أن الوصية لزيد باطلة، لان وصية عمرو استغرقت الثلث. وقال الجمهور: لا فرق بين التقديم والتأخير، والوصية بالحج ولزيد وصية بثلث آخر، وهذا شخص أوصى بالثلثين، كمن أوصى لشخص بالثلث، ثم أوصى لآخر بالثلث، فإنه يوزع الثلث عليهما. هذا كله تفريع على أن الحج لا يقدم في الثلث على سائر الوصايا. فأما إذا قدمناه، فإن كان الثلث ثلثمائة، والمائة المقدرة للحج أجرة مثل الحج، أخذت المائة من رأس الثلث. وكيف يقسم الباقي بين زيد وعمرو ؟ قال ابن الحداد: نصفين، لان كل واحد منهما لو انفرد مع الحج لاخذ ما زاد على المائة. وغلطه جماهير الاصحاب وقالوا: يقسم الباقي بينهما على قدر وصيتهما. والوصية لزيد بالباقي، وهو مائتان، ولعمرو بالثلث، وهو ثلثمائة، فيقسم الباقي بينهما على(5/182)
خمسة، لزيد ثمانون، ولعمرو مائة وعشرون. ولو كانت الصور بحالها، وأجرة مثل الحج خمسون، أخذ من الثلث خمسون أولا، ثم قال ابن الحداد: يجعل الباقي نصفين، نصفه لعمرو، ونصفه الآخر، للحج منه خمسون، وباقيه لزيد. وقال الجمهور: بل يقسم الباقي بعد أجرة مثل الحج على أحد عشر سهما، لان وصية عمرو في هذه الحالة بثلثمائة، وللحج وزيد بمائتين وخمسين، والنسبة بينهما ما ذكرنا، فلعمرو ما يخص ستة، والباقي يقدم الحج منه بخمسين، وباقيه لزيد. ولو كان الثلث مائتين، فإن كانت أجرة مثل الحج مائة، أخذت من رأس الثلث، ثم على قول ابن الحداد: الباقي بينهما نصفان، وعند الجمهور: يجعل بينهما على ثلاثة أسهم، لان الوصية لزيد بمائة، ولعمرو بمائتين. وإن كان أجرة مثله خمسين، أخذت خمسون أولا، والباقي على قول ابن الحداد بين عمرو والوصيتين الآخريين نصفين، ثم يقدم الحج بخمسين من حصتهما، وعند الجمهور: يقسم المال بعد الخمسين على سبعة أسهم، لانه أوصى لعمرو بمائتين، وللحج وزيد بمائة وخمسين. فلعمرو ما يخص أربعة، والباقي يؤخذ منه، خمسون للحج، والباقي لزيد. ولو كان الثلث مائة، فإن كان أجرة مثل الحج مائة، فلا شئ لزيد وعمرو وإن كان خمسين، أخذ للحج خمسون. ثم على قول ابن الحداد: الباقي بين الحج وعمرو نصفان. وعند الجمهور: للحج ثلث الباقي، ولعمرو ثلثاه، لان الوصية في هذه الحالة، للحج بخمسين، ولعمرو بمائة. وإذا لم تف حصة الحج في هذه الصورة بالحج. فإن كانت لحجة تطوع، بطلت. وإن كانت لحجة الاسلام، كملنا من رأس المال. وقد ذكرنا طريقه. فصل جرت العادة بذكر ما يقع عن الميت بفعل غيره في هذا الموضع لمناسبته الحج عنه فالحج يؤدى عنه إن كان فرضا. ثم إن عين شخصا وأوصى إليه فيه، فعله عنه، وارثا كان أو غيره. وإن قال: أحجوا عني، ولم يعين، فللوارث أن يحج عنه بنفسه، وله أن يأمر به أجنبيا. وإن لم يوص به أصلا، فللوارث أن يحج عنه، وكذا للاجنبي إن أذن له الوارث، وكذا إن لم يأذن على الاصح، كقضاء الدين. ووجه المنع: افتقاره إلى النية، فلا بد من استنابة. وأما حج التطوع، فالنيابة جائزة على الاظهر كما سبق. فإن جوزناها، فقال العراقيون: إن لم يوص(5/183)
به، لا يصح الحج عنه. وفي أمالي السرخسي: أن للوارث أن يستنيب، وأنه إذا أوصى الميت إلى معين، فعل. ولو استقل به أجنبي، فوجهان. أصحهما: المنع. وفي هذا الكلام تجويز الاستنابة للوارث، وتجويز فعله بنفسه وإن لم يوص الميت. وأما أداء الزكا عنه، فكالحج الواجب، فيجوز للاجنبي أن يؤدي عنه زكاة المجل وزكاة الفطر على الاصح المنصوص. وأما الكفارة، فإن كانت مالية، فللوراث أن يؤدي الواجب من التركة، ويكون الولاء للميت إذا أعتق. وإن كانت مخيرة، فله أن يطعم، ويكسو. وفي الاعتاق وجهان. أحدهما: المنع، إذ لا ضرورة إليه. وأصحهما: الجواز، لانه نائبه شرعا، فاعتاقه كاعتاقه. ولو أدى الوارث من مال نفسه، ولا تركة، فالصحيح الجواز. وقيل بالمنع، لبعد العبادة عن النيابة. وقيل: يمنع الاعتاق فقط، لبعد إثبات الولاء للميت، فإذا جوزنا، فلو تبرع أجنبي بالطعام، أو الكسوة، أجزأ على الاصح، كقضاء الدين. واحتج له الامام بأنه لو اشترطت الورثة، لا يشترط صدوره من جميعهم، كالاقرار بالنسب، ولا يعتبر ذلك، بل يستبد به كل واحد من الورثة. ولو تبرع الاجنبي بالعتق، فقيل: على الوجهين. وقيل بالمنع قطعا. وأما إذا لم يكن على الميت عتق أصلا، فأعتق عنه وارث أو غيره، فلا يصح عن الميت، بل يقع العتق والولاء للمعتق. ولو أوصى بالعتق في الكفارة المخيرة، وزادت قيمة الرقبة على قيمة الطعام والكسوة، فوجهان. أحدهما: يعتبر من رأس المال، لانه أداء واجب. وأصحهما: الاعتبار من الثلث، لانه غير متحتم، وتحصل البراءة بدونه، وعلى هذا وجهان. وقيل: قولان. أحدهما: تعتبر جميع قيمته من الثلث، فإن لم يف به، عدل إلى الاطعام. وأقيسهما: أن لمعتبر من الثلث ما بين القيمتين، لان أقل القيمتين لازم لا محالة. ويجري الخلاف فيما إذا أوصى أن يكسى عنه - والكسوة أكثر من الطعام - وسنعيد المسألة في كتاب الايمان بزيادة إيضاح إن شاء الله(5/184)
تعالى. ولو أعتق من عليه كفارة مخيرة في مرض الموت، قال المتولي: لا تعتبر قيمة العبد من الثلث، لانه مؤد فرضا، وهذا كأنه تفريع على الوجه القائل بأنه إذا أوصى به، أعتق من رأس المال. فرع وأما الدعاء للميت، والصدقة عنه، فينفعانه بلا خلاف. وسواء في الدعاء والصدقة، الوارث والاجنبي. قال الشافعي رحمه الله: وفي وسع الله تعالى أن يثيب المتصدق أيضا. قال الاصحاب: فيستحب أن ينوي المتصدق الصدقة عن أبويه، فإن الله تعالى ينيلهما الثواب، ولا ينقص من أجره شيئا. وذكر صاحب العدة: أنه لو أنبط عينا، أو حفر نهرا، أو غرس شجرة، أو وقف مصحفا في حياته، أو فعله غيره عنه بعد موته، يلجق الثواب الميت. وأعلم أن هذه الامور إذا صدرت من الحي، فهي صدقات جارية، يلحقه ثوابها بعد الموت كما صح في الحديث، وإذا فعل عيره عنه بعد موته، فقد تصدق عنه. والصدقة عن الميت(5/185)
تنفعه، ولا يختص الحكم بوقف المصحف، بل يجري في كل وقف. وهذا القياس يقتضي جواز التضحية عن الميت، لانها ضرب من الصدقة. وقد أطلق أبو الحسن العبادي جواز التضحية عن الغير، وروى فيه حديثا. لكن في التهذيب أنه لا تجوز التضحية عن الغير بغير إذنه، وكذلك عن الميت، إلا أن يكون أوصى به. فرع وما عدا هذه القرب، ينقسم إلى صوم، وغيره، فأما الصوم، فلا يتطوع به عن الميت. وفي قضاء واجبه عنه قولان سبقا في الصيام. الجديد: المنع. والقديم: أن لوليه أن يصوم عنه. وعلى هذا، لو أوصى إلى أجنبي ليصوم، كان كالولي. ولو مرض بحيث لا يرجى برؤه، ففي الصوم عنه وجهان تشبيها بالحج. وأما غير الصوم، كالصلاة عنه قضاء أو غيره، وقراءة القران، فلا ينفعه. واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف، وقال: يأتي بهما الاجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف. فوافقه بعض الاصحاب، وقال بعضهم: يقع عن الاجير وتبرأ ذمة المحجوج عنه بما يفعل، والاول أصح. فرع الذي يعتاد من قراءة القرآن على القبر، قد ذكرنا في كتاب الاجارة طريقين لعود فائدتها إلى الميت. وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث، وهو أن الميت كالحي الحاضر، فترجى له الرحمة ووصول البركة إذا وصل الثواب إلى القارئ. فصل إذا ملك في مرض موته من يعتق عليه، فإن ملكه بالارث، فهل يعتق من الثلث، أم من رأس المال ؟ وجهان، رجح البغوي والمتولي كونه من الثلث، والاصح: كونه من رأس المال، وبه قطع الاستاذ أبو منصور. وفي كلام الشيخ أبي علي وغيره: ما يقتضي الجزم به، لانه لم يقصد تملكه، ولا تضرر به الورثة. وإن ملكه بالهبة، أو الوصية، فإن قلنا في الموروث: يعتق من الثلث،(5/186)
فهنا أولى، لانه مختار، وإلا، فوجهان. أصحهما: من رأس المال، وبه قطع ابن الحداد وأبو منصور، لانه لم يبذل مالا، وزوال الملك حصل بغير رضاه. فإن قلنا: من رأ س المال، عتق وإن لم يكن له مال سواه. وكذا لو كان عليه دين مستغرق، وكذا المفلس المحجور عليه إذا قبله ولا سبيل للغرماء عليه. وإن قلنا: يعتق من الثلث، فلم يكن مال سواه، عتق ثلثه فقط. وإن كان عليه دين، لم يعتق، وبيع في الدين، وكذا في المحجوز عليه بالفلس. ولو اشترى المريض من يعتق عليه، وعليه دين، ففي صحة الشراء وجهان. ويقال: قولان. أصحهما: الصحة، إذ لا خلل في الشراء، فيثبت الملك، ولا يعتق، لحق الغرماء. فإن لم يكن دين، اعتبر عتقه من الثلث. فإن خرج كله، صح الشراء، وعتق كله، وإلا، ففي صحة الشراء فيما زاد على الثلث الخلاف فيما إذا كان عليه دين. فإن قلنا: لا يصح، ففي قدر الثلث الخلاف المذكور في تفريق الصفقة. وإن قلنا: يصح، عتق الثلث فقط. وفي وجه: شراء المريض أباه باطل مطلقا، لانه وصية، وهي موقوفة على الخروج من الثلث، والبيع لا يوقف، وهذا ضعيف. هذا كله إذا لم يكن محاباة. أما إذا اشتراه بخمسين، وقيمته مائة، فقدر المحاباة هبة، فيجئ فيه الوجهان في أنه من الثلث، أو رأس المال ؟ فإن قلنا: من الثلث، فجميع المائة من الثلث، وإلا، فالمعتبر منه خمسون. ثم متى حكمنا بعتقه من الثلث، لا يرثه، لانه وصية، ولا سبيل إلى الجمع بينها وبين الارث. هكذا أطلقوه وعللوه، وكأنه تفريع على بطلان الوصية لوارث. فإن قلنا: يقف على إجازة الوارث، لم يمتنع الجمع بينها وبين الارث، فيحتمل توقف الامر على الاجازة، ويحتمل خلافه. وحكى الاستاذ أبو(5/187)
...(5/188)
منصور وجها: أنه يرث، لانه لا (يملك) رقبته حتى يقال: أوصى له بها. والصحيح الاول. ومتى عتق من رأس المال، ورث على الصحيح. وقال الاصطخري: لا يرث، وجعل عتقه وصية في حقه. وإن لم تكن وصية في حق الوارث، كما لو نكحت المريضة بدون مهر المثل، تصح المحاباة من رأس المال إن كان الزوج أجنبيا. فإن كان وارثا، جعل وصية، فتبطل ويجب مهر المثل. فصل إذا قال: أعتقوا عبدي بعد موتي، لم يفتقر إلى قبول العبد، لان لله تعالى حقا مؤكدا في العتق، فكان كالوصية للجهات العامة. ولو قال: أوصيت له برقبته، فهي وصية صحيحة، ومقصودها الاعتاق، ويشترط قبوله على الاصح، لاقتضاء الصيغة ذلك، كقوله لعبده: ملكتك نفسك، أو وهبت لك نفسك، فإنه يشترط فيه القبول في المجلس. ولو قال: وهبتك نفسك، ونوى به العتق، عتق بلا قبول. فصل قال: إذا مت، فاعتقوا ثلث عبدي، أو قال: ثلث عبدي حر إذا مت، لم يعتق إذا مات إلا ثلثه، ولا يسري، لانه ليس بمالك للباقي في حال العتق، ولا موسر بقيمته، بخلاف ما لو أعتق المريض بعض عبده، فإنه يسري إذا وفى به الثلث، لانه مالك للباقي. ولو ملك ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، لا مال سواهم، فأعتق في مرضه ثلث كل واحد منهم، فقال: ثلث كل واحد منهم حر، أو أثلاثهم أحرار، فهل يعتق من كل عبد ثلثه كما ذكر ؟ أم يقرع بينهم فيعتق واحد بالقرعة لتجتمع الحرية كما لو قال: أعتقت هؤلاء ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. ولو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حر، أقرع قطعا. وقيل: فيه الوجهان.(5/189)
ولو قال: أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي، أو ثلث كل واحد، عتق من كل عبد ثلثه، ولا قرعة، لما ذكرنا أن العتق بعد الموت لا يسري، لكن لو زاد ما أعتق على الثلث، أقرع لرد الزيادة، لا للسراية. وفي التهذيب وغيره وجه: أنه يقرع، كما لو نجز في المرض، فمن خرجت له القرعة، عتق، ورق الآخران. والصحيح الاول، وبه قال ابن الحداد، وفرع عليه فقال: لو قال للثلاثة: النصف من كل عبد منكم حر، فقد أعتق نصف ماله. فإن لم تجز الورثة، أقرع بين العبيد بسهم رق وسهمي حرية، فمن أصابه سهم الرق، رق، ويعتق من كل واحد من الآخرين نصفه، ولا يسري. ولو أعتق الانصاف في مرضه، فمن عتق منه شئ، سرى إلى باقيه إلى أن يتم الثلث، فيقرع بينهم بسهمي رق، وسهم عتق. فمن خرج له سهم العتق، عتق كله، وهو ثلث المال. ولو لم يملك إلا عبدين قيمتهما سواء، فقال: نصف غانم حر بعد موتي، وثلث سالم حر بعد موتي، فقد أعتق خمسة أسداس، وليس له إلا اربعة أسداس، فيقرع لرد الزيادة، فإن خرج العتق لغانم، عتق نصفه، وعتق سدس سالم ليتم الثلث. فإن خرج العتق لسالم، عتق ثلثه وثلث غانم. وإن أعتق نصف كل واحد منهما في مرضه، أقرع، فمن خرج له سهم العتق، عتق ثلثاه، ورق باقيه مع جميع الآخر. هذا كله، إذا أعتق الابعاض في المرض معا، بأن قال: أثلاث هؤلاء أحرار، أو نصف كل عبد حر. فأما إذا قدم وأخر، فيقدم الاسبق فالاسبق، حتى لو قال: نصف غانم حر، وثلث سالم حر، عتق ثلثا غانم، ولا قرعة. فصل أعتق جاريته بعد الموت وهي حامل، ففي الحمل وجهان. أحدهما: لا يعتق، لما سبق أن إعتاق الميت لا يسري. وأصحهما: يعتق، لانه كعضوها. ولو قال: هي حرة بعد موتي إلا جنينها، أو دون جنينها، لم يصح الاستثناء على الاصح. ولو نجز عتقها في الحياة، عتق الحمل، ولم يصح استثناؤه بلا خلاف. ولو كانت لشخص، وحملها لآخر، فأعتقها مالكها، لم يعتق الحمل قطعا، لان اختلاف الملك يمنع الاستتباع. فصل أوصى بثلث عبد معين، أو دار، أو غيرهما، فاستحق ثلثاه، نظر، إن لم يملك شيئا آخر، فللموصى له الثلث الباقي. وإن ملك غيره،(5/190)
واحتمل ثلث ماله الثلث الباقي، فطريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: يستحق الثلث الباقي. والثاني: ثلث الثلث. والطريق الثاني: ثلث الثلث قطعا. ثم عن ابن سريج: أن هذا فيما إذا قال: أوصيت له بثلث هذا العبد. فأما إذا قال: أعطوه ثلثه، فيدفع إليه الثلث الباقي قطعا. ولو قال: أوصيت له بشاة من هذه الثلاث، أو بأحد أثلاث هذا العبد، أو بثلث هذه الدار، فاستحق الثلثان، أو اشترى من زيد ثلثها، ومن عمرو ثلثيها، وأوصى بما اشتراه من زيد، فاستحق ما اشتراه من عمرو، نفذت الوصية في الثلث الباقي في هذه الصور قطعا. ولو أوصى بأثلاث الاعبد الثلاثة، فاستحق اثنان منهم، نفذت في الثلث الباقي. ولو أوصى بثلث صبرة، فتلف ثلثاها، فله ثلث الباقي قطعا. فصل ما أوصى به للمساكين، هل يجوز نقله إلى مساكين غير بلد المال ؟ فيه طريقان. أصحهما وبه قال الاكثرون: على قولين، كالزكاة. والثاني: الجواز قطعا. فإن منعنا فلم يكن في البلد مسكين، فهل ينقل كالزكاة، أم تبطل الوصية ؟ وجهان. قلت: أصحهما النقل. والله أعلم. ولو عين فقراء بلد، ولم يكن فيه فقير، بطلت الوصية. كما لو أوصى لولد فلان ولا ولد له. وبالله التوفيق.
القسم الثالث من الباب : في المسائل الحسابية. هذا فن طويل، ولذلك جعلوه علما برأسه، وأفردوه بالتدريس والتصنيف. وفيه أطراف.(5/191)
الأول : فيما إذا أوصى بجزء، وفيه مسائل. إحداها: إذا أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد لا يرثه غيره، فالوصية بالنصف، فإن لم يجز، ردت إلى الثلث. وكذا لو كان له ابنان، أو بنون فأوصى بمثل نصيبهما، أو نصيبهم، فهو كابن. ولو لم يكن له ابن، أو لم يكن له وارثا لرق وغيره، فالوصية باطلة. ولو قال: أوصيت له بنصيب ابني، فوجهان. أصحهما عند العراقيين والبغوي: بطلان الوصية. وأصحهما عند الامام والروياني وغيرهما وبك قطع أبو منصور: صحتها. والمعنى: بمثل نصيب ابني. ويجري الوجهان فيما لو قال: بعتك عبدي بما باع به فلان فرسه وهما يعلمان قدره. فإن صححنا، فهو وصية بالنصف على الصحيح. وقيل: بالكل، حكاه البغوي. ولو كان له ابنان، فأوصى بمثل نصيب أحدهما، أو بمثل نصيب ابن، فالوصية بالثلث. وإن كانوا ثلاثة، فبالربع، أو أربعة، فبالحمس. وعلى هذا القياس. ويجعل الموصى له كابن آخر معهم. وضابطه: أن تصحح فريضة الميراث، ويزاد عليها مثل نصيب الموصى له بمثل نصيبه، حتى لو كان له بنت، وأوصى بمثل نصيبها، فالوصية بالثلث، لان المسألة من اثنين لو لم تكن وصية، فتزيد على الاثنين سهما، وتعطيه سهما من ثلاثة أسهم. ولو كان بنتان، فأوصى بمثل نصيب أحدهما، فالوصية بالربع، لان المسألة من ثلاثة لولا الوصية، لكل واحدة سهم، فتزيد للموصى له سهما، فتبلغ أربعة. ولو أوصى بمثل نصيبيهما معا، فالوصية بخمسي المال، لانها من ثلثه، ونصيبهما منها اثنان، فتزيد على الثلاثة سهمين.(5/192)
ولو أوصى وله ثلاث بنات وأخ بمثل نصيب واحدة، فالوصية بسهمين من أحد عشر. لانها من تسعة لولا الوصية. ونصيب كل بنت منهما سهمان، فتزيدهما على التسعة. وكذا لو أوصى وله ثلاثة بنين، وثلاث بنات بمثل نصيب ابن، فالوصية بسهمين من أحد عشر. ولو كان له ثلاثة بنين، وبنت، وأوصى بمثل نصيبها، فالوصية بالثمن. ولو كان ابن، وثلاث بنات، وأبوان، وأوصى بمثل نصيب الابن، فالوصية بثمانية أسهم من ثمانية وثلاثين. فرع أوصى وله ابن بمثل نصيب ابن ثان لو كان، أو أوصى وله ابنان بمثل نصيب ابن ثالث لو كان، فالوصية في الاولى، بالثلث. وفي الثانية، بالربع. وقال الاستاذ أبو إسحق: في الاولى، بالنصف. وفي الثانية. بالثلث والصحيح الاول. وهل يفرق بين قوله: بمثل نصيب ب ابن ثان، أو ثالث لو كان ؟ وبين أن يحذف لفظه مثل فيقول: بنصيب ابن ثان ؟ القياس أنه على الوجهين فيما إذا أضاف إلى الوارث الموجود. وحكى الاستاذ أبو منصور عن الاصحاب: أنهم فرقوا فقالوا: إذا أوصى بمثل نصيبه، دفع إليه نصيبه لو كان زائدا على أصل الفريضة، وإذا أوصى بنصيبه، دفع إليه لو كان من أصل الفريضة. فعلى هذا، لو أوصى وله ابنان بنصيب ثالث لو كان، فالوصية بالثلث. ولو قال: بمثل نصيب ابن ثالث لو كان، فبالربع كما سبق. ولو أوصى وله ثلاثة بنين، بمثل نصيب بنت لو كانت، فالوصية بالثمن، وعلى قول الاستاذ أبي إسحق: بالسبع. فرع لابن سريج له ابنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب ابن رابع لو كان، ولعمرو بمثل نصيب خامس لو كان، فللحساب طريقان. أحدهما: أن يقال: المسألة من اثنين لو لم يكن وصية، ومن أربعة لو كانوا أربعة، ومن خمسة لو كانوا خمسة، فهنا اثنان، وأرجعة، وخمسة، والاثنان والاربعة متداخلان، فتسقط الاثنين لدخولهما في الاربعة، وتضرب أربعة في خمسة، تبلغ عشرين، وهذا العدد ينقسم على الاثنين بلا وصية، وعلى الاربعة لو كانوا، ونصيب كل واحد خمسة، وعلى الخمسة لو كانوا، ونصيب كل واحد أربعة، فتزيد الاربعة(5/193)
والخمسة على العشرين، تخلغ تسعة وعشرين، لزيد منها خمسة، ولعمرو أربعة، والباقي للاثنين. الطريق الثاني: أن يقال: لو لم يكن إلا وصية زيد، لكان له سهم من خمسة، فتقسم الباقي على خمسة، لوصيته لعمرو بمثل نصيب ابن خامس، فيخرج من القسمة أربعة أخماس، وهو نصيب كل ابن لو كانوا خمسة، فتزيد على الخمسة لعمرو أربعة أخماس، تكون خمسة وأربعة أخماس، لزيد منها واحد، ولعمرو أربعة أخماس، والباقي للاثنين، فإذا بسطناها أخماسا، كانت تسعة وعشرين. المسألة الثانية: أوصى لزيد بمثل نصيب أحد ورثته، أعطي مثل أقلهم نصيبا، وطريقه: أن تصحح المسألة بلا وصية، وتزيد عليها مثل سهم أقلهم، ثم تقسم، فإذا كان ابن وبنت، فالوصية بالربع، أو زوج وأم وأختان، فبالتسع، لان نصيب الام واحد من ثمانية، فتضمه إليها تصير تسعة، أو بنتان وثلاث زوجات وأخ، فبسهم من خمسة وعشرين، أو بنت وبنت ابن وأخ، فبالسبع. وإن أوصى بمثل نصيب أكثرهم نصيبا، فطريقه: أن تصححها بلا وصية، وتضم إليها مثل نصيب ذلك. فإن كان ابن وبنت، فله خمسان. فرع له ابنان، أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، لعمرو بمثل نصيب الآخر، فاجازا لهما، قسم المال بين الاربعة أرباعا، وإن ردا الوصيتين، ارتدتا إلى الثلث وكان الثلث بينهما بالسوية، وإن أجازا إحداهما وردا الاخرى، فالصحيح: أن كل واحد منهما يأخذ سدس المال، وللمجاز له مع ذلك نصف سدس. وتصح من أربعة وعشرين، للمجاز له ستة، وللمردود أربعة، والباقي للابنين. وعن ابن سريج: أنه يضم سهم المجاز له إلى سهم الابنين ويقسم بينهما أثلاثا. وتصح من ثمانية عشر، للمردود ثلاثة، وللباقين خمسة خمسة. وإن أجاز أحدهما لاحدهما، وردهما الآخر، فعلى الصحيح: المسألة من أربعة وعشرين، للمردود أربعة، وللمجاز خمسة، وللمجيز سبعة، وللراد ثمانية. وعلى المحكي عن ابن سريج:(5/194)
تصح من ثمانية عشر، وللمردود ثلاثة، وللمجاز أربعة، وللمجيز خمسة، وللراد ستة. المسألة الثالثة: الضعف، وهو الشئ ومثله، فإذا أوصى بضعف نصيب ابنه، وله ابن واحد، فهي وصية بالثلثين. ولو قال: بضعف نصيب أحد أولادي أو ورثتي، أعطي مثلي نصيب أقلهم نصيبا، فإن كان ثلاثة بنين، فله خمسان. ولو أوصى لزيد بمائة، ولعمرو بضعفها، فالثانية مائتين، وضعفا الشئ ثلاثة أمثاله، فإذا قال: ضعفي نصيب ابني، وله ابن واحد، فالوصية بثلاثة أرباع المال. ولو قال: ضعفي نصيب أحد بني وهم ثلاثة، فله ثلاثة أسهم من ستة، ولكل ابن سهم. ولو أوصى لزيد بمائة، ولعمرو بضعفيهما فلعمرو ثلثمائة، وثلاثة أضعاف الشئ أربعة أمثاله، وأربعة أضعافه خمسة أمثاله. (المسألة) الرابعة: أوصى بنصيب من ماله، أو جزء، أو حظ، أو قسط، أو شئ، أو قليل، أو كثير، أو سهم، يرجع في تفسيره إلى الورثة، ويقبل تفسيرهم بأقل ما يتمول، لان هذه الالفاظ تقع على القليل والكثير. فإن ادعى الموصى له أن الموصي أراد أكثر من ذلك، قال الاكثرون منهم أبو منصور والحناطي والمسعودي: يحلف الوارث أنه لا يعلم إرادة الزيادة. وحكى البغوي: أنه لا يتعرض للارادة، بل يحلف أنه لا يعلم استحقاق الزيادة، وسلم أنه لو أقر لمبهم ومات وجرى مثل هذا النزاع بين المقر له والوارث، حلف الوارث على نفي إرادة المورث، وفرق بأن الاقرار إخبار، والوصية إنشاء أمر على الجهالة. ورد المتولي افتراق البابين إلى شئ آخر فقال: الوارث هنا يحلف أنه لا يعلم الموصي أراد الزيادة، ولا يحلف أنه أراد هذا القدر، وفي الاقرار، يحلف أنه لا يعلم الزيادة، وأنه أراد هذا القدر. فرع أوصى بثلث ماله إلا شيئا، قبل التفسير وتنزيله على أقل ما يتمول وحمله الشئ المستثنى على مال كثير. وقال الاستاذ أبو منصور: يعطى زيادة على السدس. قال: وكذا لو قال: أعطوه ثلث مالي إلا قليلا. ولو قال: أعطوه الثلث إلا كثيرا، جاز أن يعطيه أقل من السدس. والصحيح المعروف هو الاول.(5/195)
فرع قال: أعطوه من واحد إلى عشرة، ففيه الاوجه المذكورة في الاقرار. وقال الاستاذ أبو منصور عن بعض الاصحاب: إن أراد الحساب، فللموصى له خمسة وخمسون، وهو الحاصل من جمع واحد إلى عشرة على توالي العدد. وإن لم يرد الحسا ب، فله المتيقن، وهو ثمانية، ولا شك في اطراد هذا في الاقرار. ولو قال: أعطوه واحدا في عشرة، أو ستة في خمسة، أطلق الاستاذ ثبوت ما يقتضيه الضرب، وذكرنا فيه تفصيلا في الاقرار. فرع قال: أعطوه أكثر مالي، فالوصية بما فوق النصف. ولو قال: أكثر مالي ومثله، فالوصية بجميع ماله. ولو قال: أعطوه زهاء ألف درهم، أو معظم الالف أو عامته، فالوصية بما فوق النصف. قلت: هذا في زهاء مشكل، لان زهاء ألف، معناه في اللغة: قدر ألف، ولا يصدق ذلك على خمسمائة ودرهم. والله أعلم. ولو قال: أعطوه دراهم أو دنانير، فأقل ما يعطى ثلاثة. ولفظ الدراهم والدنانير عند الاطلاق يحمل على نقد البلد الغالب، وليس للوارث التفسير بغيره. فإن لم يكن غالب، رجع إلى الوارث. ولو قال: أعطوه كذا، أو قال: كذا وكذا، أو قال: كذا درهما، أو قال: كذا وكذا درهما، فعلى ما ذكرناه في الاقرار. ولو قال: مائة ودرهما، أو ألفا ودرهما، لم يلزم أن تكون المائة والالف دراهم. ولو قال: مائة وخمسين درهما، أو مائة وخمسة وعشرين درهما، فعلى الخلاف(5/196)
المذكور في الاقرار. قال البغوي: لو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى دينارا. ولو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى دينارين. ولو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى حبة، ولو قال: كذا وكذا من دنانيري فحبتان. ولك أن تقول: ينبغي أن يعطى حبة أيضا إذا قال: كذا وكذا من دنانيري.
الطرف الثاني : في طريق تصحيح مسائل الوصية بالأجزاء. فإذا أوصى من له ورثة بجزء شائع، وأردنا قسمة التركة بين الورثة والموصى له، فاما أن يوصي بالثلث فما دونه، وإما بأكثر. القسم الاول: إذا أوصى بالثلث فما دونه، فله حالان. أحدهما: أن تكون الوصية بجزء واحد، فتصحح مسألة الميراث عائلة أو غير عائلة، وينظر في مخرج جزء الوصية، ويخرج منه جزء الوصية. ثم إن انقسم الباقي على مسألة الورثة، صحت المسألتان، وذلك كمن أوصى بربع ماله، وترك ثلاثة بنين فمخرج جزء الوصية أربعة، والباقي بعد إخراج الربع ينقسم على البنين، وإن لم ينقسم، فلك طريقان. أحدهما: أن تنظر في الباقي وفي مسألة الورثة، فإن تباينا، ضربت مسألة الورثة في مخرج الوصية، وإن توافقا، ضربت وفق مسألة الورثة في مخرج الوصية، فما بلغ صحت منه القسمة. ثم من له شئ من مخرج الوصية، بعد إخراج جزء الوصية أخذه مضروبا فيما ضربته في مخرج الوصية، ومن له شئ من مسألة الورثة، أخذه مضروبا فيما بقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية إن كان الباقي مع مسألة الورثة متباينين. وإن كانا متوافقين، ففي وفق الباقي. الطريق الثاني: أن تنسب جزء الوصية إلى الباقي من مخرجها بعد الجزء، وتزيد مثل تلك النسبة على مسألة الورثة، فما بلغ، فمنه القسمة. فإن كان فيه كسر، ضربته في مخرج الكسر، فما بلغ، صحت منه القسمة. مثاله: ثلاثة بنين، أوصى بثلث ماله، مسألة الورثة من ثلاثة، ومخرج(5/197)
الوصية أيضا ثلاثة، والباقي بعد جزء الوصية اثنان لا ينقسمان على ثلاثة. فعلى الطريق الاول: تضرب ثلاثة في مخرج الوصية، تبلغ تسعة منها القسمة، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في الثلاثة المضروبة في مخرج الوصية، ولكل ابن سهم من مسألة الورثة مضروب في الباقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية وهو اثنان. وعلى الطريق الثاني تقول: جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها، فتزيد على فسألة الورثة نصفها تكون أربعة ونصفا، تبسطها أنصافا تبلغ تسعة. أبوان وخمس بنات، وأوصى بخمس ماله، مسألة الورثة من ستة، وتصح من ثلاثين، ومخرج جزء الوصية خمسة، والباقي بعد إخراج جزء الوصية أربعة لا تصح على الثلاثين. فعلى الطريق الاول، هما متوافقان بالنصف، فتضرب نصف مسألة الورثة وهو خمسة عشر في مخرج الوصية، تبلغ خمسة وسبعين، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في خمسة عشر، ولكل واحد من الابوين خمسة في نصف الاربعة تكون عشرة، ولكل بنت أربعة في اثنين ثمانية. وعلى الثاني تقول: الجزء المخرج مثل ربع الباقي، فتزيد على الثلاثين ربعها وتبسطها أنصافا، تبلغ خمسة وسبعين. ابنان وبنتان، وأوصى بالثلث، مسألة الورثة من ستة، والوصية من ثلثه، والباقي بعد جزء الوصية لا ينقسم على ستة. فعلى الطريق الاول: يتوافقان بالنصف، فتضرب نصف الستة في مخرج الوصية، تبلغ تسعة، للموصى له سهم في ثلاثة، ولكل ابن سهمان في واحد. وعلى الثاني تقول: جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها، فتزيد على مسألة الورثة نصفها تكون تسعة. الحال الثاني: أن ثكون الوصية بجزءين فصاعدا، فيؤخذ مخرج الجزءين(5/198)
بالطريق المذكور في أصول مسائل الفرائض، ثم العمل على ما تبين في الحال الاول. مثاله: أبوان، وأوصى بثمن ماله لزيد، وبخمسة لعمرو، مسألة الورثة من ثلاثة، ومخرج الجزءين أربعون. لزيد خمسة، ولعمرو ثمانية، ويبقى سبعة وعشرون تصح على ثلاثة بنين. وأوصى بربع ماله لزيد، وبنصف سدسه لعمرو، مسألة الورثة ثلاثة، ومخرج الوصيتين اثنا عشر، ومجموع الجزءين أربعة، إذا أخرجناها، يبقى ثمانية لا تصح على ثلاثة. فعلى الطريق الاول: لا موافقة، فتضرب ثلاثة في اثني عشر، فتبلغ ستة وثلاثين منها تصح. وعلى الثاني: الخارج بالوصيتين، نصف الباقي من مخرجهما، فتزيد على مسألة الورثة نصفها، تبلغ أربعة ونصفا، تبسطها أنصافا تكون تسعة، لكن نصيب الموصى لهما من مخرج الوصيتين أربعة، وحصتهما من التسعة ثلاثة لا تنقسم على أربعة، فتضرب أربعة في تسعة، تبلغ ستة وثلاثين. ولو كانت البنون ستة، والوصيتان بحالهما. فعلى الطريق الاول، تبقى ثمانية لا تصح على ستة، لكن توافق بالنصف، فتضرب نصف الستة في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين. والطريق الثاني: كما سبق. القسم الثاني: إذا أوصى بأكثر من الثلث، فينظر إن كانت الوصية لشخص أو جماعة يشتركون فيه، إما بجزء، كالنصف، وإما بجزءين كالنصف والربع، فمدار المسألة على إجازة الورثة وردهم، وقد سبق بيان الحكم والحساب. وإن أوصى لشخص بجزء ولآخر بجزء، فإن أجاز الورثة، أعطي كل واحد ما سمي له، وقسم الباقي بين الورثة. وطريق القسمة ما سبق في القسم الاول. وإن ردوا الزيادة على الثلث، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الاجازة، وسواء زاد الجزء الواحد، كالنصف والثلث، أو لم يزد واحد منهما، كالربع والثلث. مثاله: أبوان وابنان، وأوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، وأجازوهما،(5/199)
فمسألة الورثة ستة، وكذا مخرج الوصيتين، والباقي بعد جزأي الوصيتين لا ينقسم على ستة. فعلى الطريق الاول: تضرب الستة في مخرج الوصيتين، تبلغ ستة وثلاثين. وعلى الثاني نقول: جزءا الوصيتين خمسة أمثال الباقي من مخرجهما، فيزاد على مسألة الورثة خمسة أمثالها، تبلغ ستة وثلاثين، منها تصح القسمة. وإن ردوا الوصيتين، قسمنا الثلث بينهما على خمسة، لان نصيبهما بتقدير الاجازة خمسة من ستة. ولذلك طريقان. أحدهما: أن ينظر إلى ما زاد من الوصايا على الثلث، وينقص بتلك النسبة من نصيب كل واحد من الموصى لهم، فنسبة ما زاد هنا ثلاثة أخماس، لان مجموع الوصية بخمسة من ستة، ولا خمس لمخرج الوصيتين، فتضرب مخرج الخمس في ستة، تبلغ ثلاثين، منها خمسة عشر للموصى له بالنصف، وعشرة للموصى له بالثلث، فينقص من كل واحد ثلاثة أخماسه، يبقى للاول ستة، وللثاني أربعة، والباقي عشرون للورثة. وهذه الانصباء متوافقة بالنصف، فترد للاختصار إلى أنصافها، وتقسم من خمسة عشر. الطريق الثاني: أنا نطلب مالا لثلثه خمس، فنضرب مخرج الثلث في مخرج الخمس، تبلغ خمسة عشر، للموصى له بالنصف ثلاثة، وللآخر اثنان، يبقى عشرة للورثة لا تنقسم على مسألتهم وهي ستة، لكن توافقها بالنصف، فنضرب نصف الستة في الخمسة عشر، تبلغ خمسة وأربعين، منها تصح القسمة. فرع هذا الذي ذكرناه، إذا لم تستغرق الوصية المال. فان استغرقت وأجيزت، قسم المال بين أصحاب الوصايا. وإن ردوا، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الاجازة. وإن زادت الوصايا على المال، بأن اوصى لزيد بماله كله، ولعمرو بثلثه، فإن أجازوا، فقد عالت إلى أربعة، لزيد ثلاثة، ولعمرو سهم. وإن ردوا، قسم الثلث بينهم على أربعة، وتكون قسمة الوصية من اثني عشر. ولو أوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، ولبكر بربعه، قسم المال بينهم على ثلاثة عشر سهما إن أجازوا، وإلا، قسم ثلثه على ثلاثة عشر. فرع أوصى لزيد بعبد قيمته مائة، ولعمرو بدار قيمتها ألف، ولبكر(5/200)
بخمسمائة، وكان ثلث ماله ثمانمائة، فقد أوصى بثلثي ماله. فإن أجازوا، فذاك، وإلا، فالزائد على الثلث مثل جميع الوصايا، فترد كل وصية إلى نصفها، ويخص كل واحد بنصف ما عين له. ولو أوصى لزيد بعشرة، ولعمرو بعشرة، ولبكر بخمسة، وثلثه عشرون، ولم يجيزوا، قسمت العشرون على خمسة، لكل واحد من الاولين ثمانية، ولبكر أربعة. ولو كانت بحالها وقال: قدموا بكرا على عمرو، قال ابن الحداد: لزيد ثمانية، ولعمرو سبعة، ولبكر خمسة. ولو قال: قدموا بكرا عليهما، أعطي خمسة، ودخل النقص عليهما بالسوية، فيكون لكل منهما سبعة ونصف. فرع أوصى لزيد بعبد، ولعمرو بما بقي من ثلث ماله، اعتبر ماله عند الموت. فإن خرج العبد من ثلثه، دفعناه إلى زيد، وأعطينا عمرا باقي الثلث إن بقي شئ، وإلا، بطلت وصية عمرو. وإن مات العبد قبل موت الموصي، لم يحسب من التركة، وينظر في باقي أمواله، فيحط من ثلثها قيمة العبد، ويدفع باقيه إلى عمرو. فإن لم يبق شئ، بطلت أيضا وصيته. وإن مات بعد موت الموصي، حسب من التركة، وحسبت قيمته من الثلث. فإن بقي شئ من الثلث، فهو لعمرو. ولو لم يكن له مال سوى العبد، فأوصى لزيد به، ولعمرو بثلثه، أو بثلث ماله، ولم يجر لفظ يقتضي الرجوع عن الوصية الاولى. فإن أجازوا، قسم العبد بينهما، لزيد ثلاثة أرباعه، ولعمرو ربعه. وإن لم يجيزوا، قسم الثلث كذلك. وإن أوصى لزيد بالعبد. وقيمته ألف، ولعمرو بثلث ماله، وله ألفان سوى العبد، فإن أجازوا، جعل العبد بينهما أرباعا كما ذكرنا، ولعمرو مع ربعه ثلث الالفين. وإذا كان العبد الذي هو ثلث المال أربعة، كان الالفان وهما ثلثاه ثمانية، لكن ليس للثمانية ثلث، فتضرب مخرج الثلث في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين، العبد منها اثنا عشر، تسعة منها لزيد، وثلاثة منها مع ثمانية من الباقي لعمرو، والباقي للورثة. وإن ردوا الوصية، قسم الثلث بينهما على عشرين، لان جملة سهام الوصايا عند الاجازة عشرون. وإذا كان العبد وهو ثلث المال عشرين، كان الجميع ستين، لزيد تسعة من العبد، ولعمرو ثلاثة منه وثمانية أسهم من الباقي، كما كان في حال الاجازة، يبقى للورثة ثمانية أسهم من العبد، وإثنان وثلاثون سهما من الباقي، وجميع ما ذكرناه فيما إذا أجاز جميع الورثة جميع الوصايا، أو رد جميعهم جميعها إلى(5/201)
الثلث. فلو أجازوا بعضها، أو أجاز بعضهم بعضها، وبعضهم كلها، أو أجاز بعضهم بعضها، وبعضهم بعضا آخر، أو أجاز بعضهم جميعها، ورد بعضهم جميعها، (أو رد بعضهم جميعها) وبعضهم بعضها، فالطريق في هذه الاحوال أن تصحح المسألة على تقدير الاجازة المطلقة وعلى تقدير الرد المطلق. فإن تماثلت المسألتان، اكتفيت بإحداهما. وإن تداخلتا، اكتفيت بالاكثر واستغنيت عن الضرب. وإن تباينتا، ضربت إحداهما في الاخرى وإن توافقتا، ضربت وفق إحداهما في الاخرى، ثم يقسم المال بينهما على تقديري الاجازة والرد من ذلك العدد، وينظر في الحاصل لكل مجيز على التقديرين، فيكون قدر التفاوت بينهما لمن أجاز له. مثاله: إبنان، وأوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، المسألة على تقدير الاجازة من اثني عشر، وعلى تقدير الرد من خمسة عشر، وهما متوافقان بالثلث، فتضرب ثلث إحداهما في الاخرى، تبلغ ستين، لزيد منها على تقدير الاجازة المطلقة ثلاثون، ولعمرو عشرون، ولكل ابن خمسة، ولزيد على تقدير الرد المطلق اثنا عشر، ولعمرو ثمانية، ولكل ابن عشرون، فالتفاوت في نصيب كل ابن خمسة عشر. فإن أجازا وصية زيد، فقد سامحه كل ابن بتسعة، فيتم له ثلاثون، ويبقى لكل ابن أحد عشر. وإن أجازا وصية عمرو، فقد سامحه كل ابن بستة، فيتم له عشرون، ولكل ابن أربعة عشر. وإن أجاز أحدهما الوصيتين وردهما الآخر، فقد سامح المجيز زيدا بتسعة، وعمرا بستة، فيكون لزيد أحد وعشرون، ولعمرو أربعة عشر، وللمجيز خمسة، وللراد عشرون. وإن أجاز أحدهما الوصيتين، وأجاز الآخر وصية زيد، تم لزيد ثلاثون. وإن أجاز الآخر وصية عمرو، تم له عشرون. وإن أجاز أحدهما وصية زيد، والآخر وصية عمرو، فهذا سامح زيدا بتسعة، وذاك سامح عمرا بستة، فيكون لزيد أحد وعشرون، ولمجيزه أحد عشر، ولعمرو أربعة عشر، ولمجيزه مثلها.
الطرف الثالث : في الدوريات من الوصايا. فصل في الوصية بمثل نصيب وارث، وبجزء شائع الجزء الشائع، قد يكون مضافا إلى ما يبقى من المال بعد النصيب، وقد يكون مضافا إلى جميع(5/202)
المال. فإن كان مضافا إلى جميع المال، نظر، إن لم تزد جملة المال الموصى به على الثلث، جعل الموصى له بالنصيب كأحد الورثة، فتصحح مسألة الورثة، ثم يؤخذ مخرج الوصية ويخرج منه جزء الوصية، وينظر هل ينقسم الباقي على مسألة الورثة ؟ إن انقسم، فذاك، وإلا، فطريق التصحيح ما سبق. وإن زادت على الثلث وأجاز الورثة، فكذلك الحكم والحساب. وإن لم يجيزوا، قسم الثلث على نسبة القسمة عند الاجازة. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بعشر المال، فمسألة الورثة وزيد من أربعة، ومخرج الجزء عشرة، يبقى منها بعد إخراج الجزء تسعة لا تنقسم على أربعة، ولا توافق، فتضرب أربعة في عشرة، تبلغ أربعين، لعمرو أربعة، ولزيد وكل ابن تسعة، وجملة الوصيتين ثلاثة عشر. وإن كان الجزء مضافا إلى ما تبقى من المال بعد النصيب، مثل أن ترك ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بسدس ما تبقى من المال بعد النصيب، فالمقصود في هذه المسألة ونظائرها، يعرف بطرق. منها: طريقة الجبر، ولها وجوه. أسهلها: أن تأخذ مالا وتسقط منه نصيبا لزيد، يبقى مال سوى نصيب، تسقط سدسه لعمرو، يبقى خمسة أسداس مال إلا خمسة أسداس نصيب تعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فتكون خمسة أسداس مال معادلة لثلاثة أنصباء وخمسة أسداس نصيب، تضرب ثلاثة وخمسة أسداس مال في أقل عدد له سدس وهو ستة، تكون ثلاثة وعشرين، النصيب من ذلك خمسة، يبقى ثمانية عشر، سدسها لعمرو، يبقى خمسة عشر، لكل خمسة. ومنها: أن تجعل المال كله دينارا وستة دراهم، فالوصية بالسدس، فتجعل الدينار نصيب زيد، ودرهما من الستة لعمرو، يبقى خمسة دراهم للبنين، لكل ابن درهم وثلثان، فعلمنا أن قيمة الدينار درهم وثلثان، وكنا جعلنا المال دينارا وستة دراهم، فهو إذن سبعة دراهم وثلثان، فتبسطها أثلاثا، فتبلغ ثلاثة وعشرين، وتسمى هذه: طريقة الدينار والدرهم. ومنها: أن تقول: مسألة الورثة من ثلاثة، فيكون لزيد سهم مثل أحدهم،(5/203)
فتزيد على كل واحد من سهام البنين مثل خمسه، لانه أوصى بسدسها، وسدس كل شئ مثل خمس الباقي بعد إخراج السدس، فيكون جميع المال أربعة أسهم وثلاثة أخماس، تبسطها أخماسا، تبلغ ثلاثة وعشرين، وتسمى هذه: طريقة القياس. ومنها: أن تقسم سهام الورثة وهي ثلاثة، وتضيف إليها سهما لزيد، تكون أربعة، تضربها في مخرج السدس، تبلغ أربعة وعشرين، تسقط منها الحاصل من ضرب الجزء الموصى به بعد النصيب في النصيب وهو واحد، يبقى ثلاثة وعشرون، وهو المال، فإذا أردت النصيب، أخذت سهما، فتضربه في مخرج السدس، تكون ستة، تسقط منها ما أسقطته من المال، يبقى خمسة، فهي النصيب، وهذه تسمى: طريقة الحشو، ويسمى هذا الذي يسقط: سهم الحشو. ويقال: كان محمد بن الحسن رحمه الله يعتمدها. ومنها: أن تأخذ سهام الورثة، وتضربها في مخرج السدس، تكون ثمانية عشر، تصرف سدسها إلى عمرو، يبقى خمسة عشر، لكل ابن خمسة. وإذا بان أن النصيب خمسة، فزد خمسة على ثمانية عشر، تكون ثلاثة وعشرين. ومنها: أن يقال: المال كله ستة ونصيب، النصيب لزيد، وسهم من الستة لعمرو، يبقى خمسة لا تصح على ثلاثة، فتضرب ثلاثة في ستة، تبلغ ثمانية عشر مع النصيب المجهول، فسدس الثمانية عشر لعمرو، والباقي بين البنين، لكل ابن خمسة. فعرفنا أن النصيب المجهول خمسة، والمال ثلاثة وعشرون. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث باقي المال بعد النصيب، استخراجها بطريق الخطائن أن يقدر المال أربعة، ليعلمنا أن هنا نصيبا وثلثا بعد النصيب، فتجعل النصيب واحدا، وتدفع ثلث الباقي إلى عمرو، يبقى الجنان، ونحن نحتاج إلى ثلاثة ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد نقص عن الواجب واحد، وهذا هو الخطأ الاول، ثم تجعل المال خمسة، وتجعل النصيب منها اثنين، وتدفع ثلث الباقي إلى عمرو، يبقى اثنان، ونحن نحتاج إلى ستة ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد نقص عن الواجب أربعة، وهذا هو الخطأ الثاني، والخطآن جميعا ناقصان، فتسقط أقلهما من أكثرهما، يبقى ثلاثة، فتحفظها، ثم تضرب المال الاول في الخطأ الثاني، فيكون(5/204)
ستة عشر، وتضرب المال الثاني في الخطأ الاول، يكون خمسة، تسقط الاقل من الاكثر، يبقى أحد عشر، تقسمها على الثلاثة المحفوظة، يخرج بالقسمة ثلاثة وثلثان، تبسطها أثلاثا، تكون أحد عشر، فهو المال، ثم تضرب النصيب الاول في الخطأ الثاني، يكون أربعة، وتضرب النصيب الثاني في الخطأ الاول، يكون اثنين، تسقط الاقل من الاكثر، يبقى اثنان، تقسمها على الثلاثة المحفوظة، يخرج بالقسمة ثلثان، إذا بسطا كانا اثنين، فهما النصيب، فتدفع اثنين من أحد عشر إلى زيد، وثلث الباقي ثلاثة إلى عمرو، يبقى ستة، لكل ابن سهمان، وهذا إذا أجاز الورثة، لان الوصيتين زائدتان على الثلث، وتسمى هذه الطريقة: الجامع الكبير من طرق الخطائن. وبطريقة الباب نقول: سهام البنين ثلاثة، وقد أوصى بثلثها، فيبقى لكل ابن ثلثا سهم، فبان أن النصيب الموصى به لزيد ثلثا سهم، ثم تضم الثلث المخرج إلى أنصبائهم، تبلغ جملة المال ثلاثة أسهم وثلثي سهم، تبسطها أثلاثا، تكون أحد عشر. وبطريقة المقادير تعطي الموصى له بمثل النصيب نصيبا من المال، يبقى منه مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، ويبقى ثلثا مقدار، تقسمها بين البنين، يحصل لكل ابن تسعا مقدار، فتعلم أن ما أخذه الموصى له بالنصيب تسعا مقدار، فالمال كله مقدار وتسعا مقدار، تبسطها أتساعا، يكون أحد عشر، وتخرج المسألة السابقة بهذه الطرق الثلاث خروج هذه المسألة بتلك الطرق الست.
فصل وقد تكون الوصية بجزء من جزء من المال يبقى بعد النصيب أو بعضه. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بمثل ما تبقى من ثلث المال بعد النصيب، تقدر ثلث المال عددا له ثلث، لقوله: بثلث الباقي من الثلث. وليكن ثلاثة، تزيد عليه واحدا للنصيب، فيكون أربعة. وإذا كان الثلث أربعة، فالثلثان ثمانية، والجملة اثنا عشر، تعطي زيدا سهما، وعمرا سهما، وهو ثلث الثلاثة الباقية من ثلث المال الباقي، يبقى سهمان، تضمهما إلى ثلثي المال، تكون عشرة، وكان ينبغي أن يكون ثلاثة، ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد زاد على ما ينبغي سبعة، وهو الخطأ الاول، ثم تقدر الثلث خمسة، وتجعل النصيب اثنين، وتعطي عمرا واحدا، يبقى سهمان، تزيدهما على ثلثي المال وهو عشرة على هذا التقدير، تبلغ اثني عشر، وكان ينبغي أن يكون ستة، ليكون لكل ابن(5/205)
سهمان، فزاد على ما ينبغي ستة، وهو الخطأ الثاني، ثم نقول: لما أخذنا أربعة، زاد على الواجب سبعة، ولما زدنا سهما نقص عن الخطأ سهم، فعلمنا أن كل سهم يزيد ينقص به من الخطأ سهم، وقد بقي من الخطأ ستة أسهم، فنزيد لها ستة أسهم، يكون أحد عشر، فهو ثلث المال، النصيب منها ثمانية، وجميع المال ثلاثة وثلاثون، ونسمي هذه الطريقة: الجامع الصغير من طرق الخطائن. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث بعد نصف النصيب، خذ ثلث مال، وأسقط منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى نصيب، أسقط منه ثلث الباقي بعد نصف النصيب، وهو تسع مال إلا سدس نصيب، يبقى تسعا مال إلا خمسة أسداس نصيب، زده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال، إلا خمسة أسداس نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، فأجبر وقابل، تعدل ثمانية أتساع مال، ثلاثة أنصباء وخمسة أسداس نصيب، فاضرب ثلاثة وخمسة أسداس في تسعة، تبلغ أربعة وثلاثين ونصفا، ابسطها أنصافا، تكون تسعة وستين، فهي المال، لزيد منها ستة عشر، ولعمرو خمسة.
فصل في الوصية بنصيب أحد الورثة مع الوصية بجزأين أحدهما من جميع المال، والآخر مما تبقى مثاله: بنت وأخ، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بربع المال، ولبكر بنصف الباقي بعد ذلك، فعلى طريق القياس، نعلم أنه إذا أخذ عمرو ربع المال، وزيد نصيبا، ينبغي أن يكون للباقي نصف، وأقل عدد له نصف اثنان، لبكر منهما سهم، يبقى سهم، لكل واحد من الوارثين نصف سهم، فعلمنا أن النصيب نصف سهم، فيكون الباقي من المال بعد الربع سهمين ونصف سهم، وذلك ثلاثة أرباع المال، نزيد عليه ثلاثة، وهو خمسة أسداس، يبلغ ثلاثة وسدسين، نبسطها أسداسا، تبلغ عشرين، لزيد ثلاثة ولعمرو خمسة، يبقى اثنا عشر، لبكر نصفها، ولكل واحد من الوارثين ثلاثة كالنصيب. ولو كانت المسألة بحالها، إلا أن وصية عمرو بخمس المال، ووصية بكر بثلث الباقي، فالمال خمسة، والنصيب واحد.
فصل فيما إذا كان الجزءان مع النصيب أحدهما بعد الآخر مثاله: أم، وعمان، أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بربع ما تبقى من المال بعد(5/206)
النصيب، ولبكر بثلث ما تبقى من المال بعد ذلك، ولخالد بنصف ما تبقى بعد ذلك، تأخذ مالا، وتلقى منه نصيبا، يبقى مال إلا نصيبا، تلقي من هذا الباقي ربعه، يبقى ثلاثة أرباع مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تلقي من الباقي ثلثه، يبقى نصف مال إلا نصف نصيب، تلقي من الباقي نصفه، يبقى ربع مال إلا ربع نصيب تعدل ثلاثة أنصباء، تجبر وتقابل، فربع مال يعدل ثلاثة أنصباء وربع نصيب، فتضربها في أربعة، تبلغ ثلاثة عشر، النصيب منه واحد، يبقى اثنا عشر، لعمرو ربعها، يبقى تسعة، لبكر ثلثها، يبقى ستة، لخالد نصفها، يبقى ثلاثة، لكل واحد من الورثة واحد كالنصيب.
فصل في الوصية بنصيبين مع الوصية بجزء بعد كل نصيب مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث، ولبكر بمثل نصيب أحدهم، ولخالد بنصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فخذ أحد أثلاث المال، وادفع منه نصيبا إلى زيد، يبقى منه مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى معنا ثلثا مقدار، ونأخذ ثلثا آخر وتدفع منه نصيبا إلى بكر، يبقى مقدار، تعطي منه خالدا نصفه، يبقى نصف مقدار، فتضم الباقي من الثلثين وهو مقدار وسدس مقدار إلى الثلث الثالث وهو نصيب، ومقدار يكون نصيبا ومقدارين وسدس مقدار، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهو ثلاثة، تسقط نصيبا بنصيب، يبقى مقداران وسدس مقدار في معادلة نصيبين، فالنصيب الواحد مقدار ونصف سدس مقدار، وكنا فرضنا كل ثلث نصيبا ومقدارا، فهو إذا مقداران ونصف سدس، تبسطها بالضرب في اثني عشر، تكون خمسة وعشرين، وجملة المال خمسة وسبعون، والنصيب ثلاثة عشر، فلزيد ثلاثة عشر، ولعمرو أربعة، ولبكر ثلاثة عشر، ولخالد ستة، ولكل ابن ثلاثة عشر كالنصيب.
فصل في الوصية بنصيب وبجزء شائع، على شرط أن لا يضام بعض الورثة، أي: لا يدخل النقص عليه مثاله: إبنان، وأوصى لزيد بربع المال، ولعمرو بنصيب أحد الابنين، على أن لا يضام الثاني بالوصيتين، هي من أربعة لذكره الربع، لزيد سهم، وللابن الذي شرط أن لا يضام سهمان، يبقى سهم لعمرو وللابن الآخر لا يصح عليهما، فتضرب اثنين في أربعة. مسألة: ثلاثة بنين، أحدهم بكر، وأوصى من ثلث ماله لزيد بنصيب(5/207)
أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث، وشرط أن لا يضام بكر، فخذ ثلث المال، وادفع إلى زيد منه نصيبا، يبقى مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى ثلثا مقدار تضمهما إلى الثلثين وهما نصيبان ومقداران، وذلك كله يعدل ثلث المال ونصيبين. أما ثلث المال، فهو الذي توفيه بكرا غير منقوص. وأما النصيبان، فهما نصيبا الابنين الآخرين، وذلك ثلاثة أنصباء ومقدار، فتسقط نصيبين بنصيبين، ومقدارا بمقدار، يبقى نصيب في معادلة مقدار وثلثين، فعرفنا أن النصيب مقدار وثلثان، وأن الثلث مقداران وثلثان، فنبسطها أثلاثا، فيكون ثمانية، فهي ثلث المال، والنصيب منها خمسة، وجملة المال أربعة وعشرون، لزيد خمسة، ولعمرو سهم، ولبكر ثمانية، ولكل واحد من الآخرين خمسة كالنصيب.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء من المال عنه مثاله: ثلاثة بنين، أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع جميع المال، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيبا، يبقى مال ينقص نصيجا، تزيد عليه ربع المال المستثنى، يبلغ مالا وربع مال إلا نصيبا، وذلك يعدل ثلاثة أنباء، وهي أنصباء الورثة، تجبر وتقابل، فإذا مال وربع يعدل أربعة أنصباء، تبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب خمسة، تدفع إلى الموصى له خمسة، وتسترجع منه ربع المال وهو أربعة، يبقى معنا خمسة عشر، لكل ابن خمسة كالنصيب. مسألة: ابن، وأوصى بمثل نصيبه إلا نصف المال، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيبا، ثم تسترجع من النصيب نصف مال، يحصل معنا مال ونصف سوى نصيب، يعدل نصيبا واحدا، تجبر وتقابل، فيكون مال ونصف يعدل نصيبين، تبسطهما أنصافا، وتقلب الاسم، فيكون المال أربعة، والنصيب ثلاثة، تدفع إلى الموصى له ثلاثة، وتسترجع منه اثنين، يبقى معه سهم، وهو مثل نصيب الابن ناقصا بنصف المال. مسألة: ابن، وأوصى بنصيب ابن رابع لو كان إلا عشر المال، نقول: لو كان البنون أربعة، قسم المال بينهم على أربعة، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبا، وتسترجع منه عشر المال، يكون معنا مال وعشر مال سوى نصيب، يعدل أربعة أنصباء، تجبر وتقابل، فإذا مال وعشر مال تقابل خمسة أنصباء، تبسطها أعشارا،(5/208)
وتقلب الاسم، فالمال خمسون، والنصيب أحد عشر، تدفع إلى الموصى له أحد عشر، وتسترجع منه عشر المال وهو خمسة، يبقى للموصى له ستة، ويأخذ الابن أربعة وأربعين، ولو كانوا أربعة لاخذ كل ابن أحد عشر كالنصيب.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء مما تبقى من المال فهذا، إما أن يكون مع تقييد الموصي الاستثناء بجزء مما تبقى من المال بعد النصيب، وإما مع التقييد بجزء مما تبقى من المال بعد الوصية، وإما مطلقا، فهذه ثلاثة أقسام. (القسم) الاول: مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع الباقي من المال بعد النصيب، تأخذ مالا وتسقط منه نصيبا، يبقى مال ناقص بنصيب، تزيد عليه ربعه وهو الذي يسترده من جملة النصيب، وربعه ربع مال إلا ربع نصيب، فيبلغ مالا وربع مال إلا نصيبا، وربع نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فإذا مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء وربع نصيب، تبسطها أرباعا وتقلب الاسم، فالمال سبعة عشر، والنصيب خمسة، تعطي الموصى له خمسة، يبقى اثنا عشر، تسترجع من الخمسة ربع الباقي وهو ثلاثة، يبقى مع الموصى له سهمان، ومع البنين خمسة عشر، لكل ابن خمسة. القسم الثاني: أن يقيد الاستثناج بجزء مما تبقى من المال بعد الوصية، فالجزء من باقي المال بعد الوصية، كالجزء الواقع تحته من باقي المال بعد النصيب، فعشر الباقي بعد الوصية كتسع الباقي بعد النصيب، وتسع الباقي بعد الوصية كثمن الباقي بعد النصيب، وعلى هذا القياس، حتى ينتهي إلى ثلث الباقي بعد الوصية، فهو كنصف الباقي بعد النصيب، وخرجوا صور هذا القسم بطريقين. أحدهما: البناء على القاعدة المذكورة. فإذا أوصى - وله ثلاثة بنين - بنصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصية، فهو كما لو أوصى بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى بعد النصيب، فتأخذ مالا، وتلقي منه نصيبا، يبقى مال ناقص بنصيب، تزيد ثلثه للاستثناء وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب، يبلغ مالا وثلث مال إلا(5/209)
نصيبا، وثلث نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فإذا مال وثلث مال يعدل أربعة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر، والنصيب أربعة، تعطي الموصى له أربعة، يبقى تسعة، تسترد من الاربعة ثلث التسعة الباقية، يبقى معه سهم، ويحصل للبنين اثنا عشر، ولكل ابن أربعة، فالذي أخذه الموصى له مثل النصيب إلا ثلث الباقي بعد النصيب، ومثل النصيب إلا ربع الباقي بعد الوصية، لان الباقي بعد الوصية اثنا عشر. الطريق الثاني: إنا نعلم أن باقي المال في الصورة المذكورة بعد الوصية أنصباء البنين، وهي ثلاثة، وربعها ثلاثة أرباع نصيب، فهو المستثنى من نصيب أحد البنين، يبقى ربع نصيب وهو الوصية، فتزيده على أنصباء البنين، تبلغ ثلاثة أنصباء وربع نصيب، نبسطها أرباعا بالضرب في أربعة، تكون ثلاثة عشر، والوصية سهم. القسم الثالث: أن يطلق فيقول: أوصيت له بمثل نصيب فلان إلا ربع ما تبقى من المال، ولم يقل: بعد النصيب، ولا بعد الوصية، ففيه وجهان لاصحابنا. أحدهما: يحمل على الباقي بعد النصيب، لان المذكور هو النصيب فانصرف الاستثناء إليه. والثاني وهو قول أكثرهم: يحمل على الباقي بعد الوصية، لان الباقي بعد الوصية أكثر من الباقي بعد النصيب، فيكون المستثنى أكثر، ويقل نصيب الموصى له، وقد تقرر تنزيل الوصايا على الاقل المتيقن، ثم طريق الحساب على الوجهين ما سبق.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء مما تبقى من جزء من المال هذا يجئ فيه الاقسام المذكورة في الفصل الذي قبله. والقسم الثالث فيه الوجهان. فإن صرح بذكر النصيب، فأوصى - وله ثلاثة بنين - بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فتأخذ ثلث مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى نصيب، تزيد على ثلثه وهو تسع مال إلا ثلث نصيب للاستثناء، تبلغ أربعة أتساع مال سوى نصيب وثلث نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فمال وتسع مال يعدل أربعة أنصباء وثلث نصيب، تبسطها أتساعا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة وثلاثون، والنصيب عشرة، تأخذ الثلث ثلاثة عشر، فتسقط(5/210)
منه نصيبا وهو عشرة، يبقى ثلاثة، تسترجع ثلثها بالاستثناء، يبقى تسعة، تسقطها من المال، يبقى ثلاثون، لكل ابن عشرة. مسألة: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من الثلث بعد ثلث النصيب، تأخذ ثلث مال، وتسقط منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى نصيب، ثم تسترجع من النصيب ربع الباقي من الثلث بعد ثلث النصيب، وهو نصف سدس مال إلا سدس نصيب، وتضمه إلى ما معك، تبلغ خمسة أجزاء من اثني عشر جزءا من مال إلا نصيبا، وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، تزيده على ثلثي المال، يبلغ مالا وجزءا من اثني عشر جزءا من مال إلا نصيبا، وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، تجبر وتقابل، فإذا مال وجزء من اثني عشر جزءا من مال، يعدل خمسة أنصباء وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، ثم ابسطها بأجزاء اثني عشر، واقلب الاسم، فالنصيب ثلاثة عشر، والمال أحد وستون، ولكن ليس لاحد وستين ثلث، فتضربها في ثلاثة، تبلغ مائة وثلاثة وثمانين، فهو المال، والنصيب تسعة وثلاثون، تأخذ ثلث المال وهو أحد وستون، تعزل منه تسعة وثلاثين للنصيب، ثم تسترجع منه اثني عشر، لان الباقي من الثلث بعد ثلث النصيب ثمانية وأربعون، وربعها اثنا عشر، فيبقى للموصى له سبعة وعشرون، تسقطها من المال، يبقى مائة وستة وخمسون، لكل ابن تسعة وثلاثون. فرع أوصى بمثل نصيب أح ورثته إلا ثلث ما تبقى، ولم يزد على هذا، فكأنه قال: إلا ثلث ما تبقى من المال بعد الوصية، لانه الاقل المتيقن. فإذا كان له ابنان والحالة هذه، فلهم سهم من تسعة، لان لكل واحد من الابنين والموصى له ثلاثة، ثم تسترجع منه بقدر ثلث الباقي وهو سهمان، فيبقى سهم. فرع وأما إن صرح بذكر الوصية والباقي من الجزء فقال - وله ثلاثة بنين -: أوصيت بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية، فطرق الحساب فيه على قياس ما سبق، لكن يستعمل بدل ثلث الباقي من الثلث بعد الوصية، نصف الباقي من الثلث بعد النصيب كما سبق في الفصل السابق، ويكون المال في الصورة المذكورة سبعة وعشرين، والنصيب سبعة. فإذا أخذنا ثلث المال، وعزلنا منه سبعة، بقي اثنان، نسترجع نصفهما من النصيب وهو واحد، يبقى مع الموصى له(5/211)
ستة، ومع البنين أحد وعشرون، مع كل ابن سبعة كالنصيب.
فصل في الوصية بجزء من المال وبالنصيب مع استثناء جزء من باقي المال الباقي من المال، قد يقيد بما بعد النصيب، وقد يقيد بما بعد الوصية، وقد يطلق كما سبق، فان جرى ذكر النصيب، بأن أوصى - وله ابنان - لزيد بربع المال، ولعمرو بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما تبقى من المال بعد النصيب، فخذ مالا، واجعل ربعه لزيد، يبقى ثلاثة أرباع مال، تعطي عمرا منها نصيبا، يبقى ثلاثة أرباع مال إلا نصيبا، تسترجع من النصيب مثل ثلث هذا الباقي وهو ربع مال إلا ثلث نصيب، تزيده على ما معك، يبلغ مالا إلا نصيبا وثلث نصيب، وذلك يعدل نصيبين، فتجبر وتقابل، فإذا مال يعدل ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال عشرة، والنصيب ثلاثة، تعطي زيدا ربع العشرة، يبقى سبعة ونصف، تعزل منها ثلاثة لعمرو، يبقى أربعة ونصف، تسترجع ثلثها من الثلاثة وهو واحد ونصف، فتضمه إلى ما معك، تبلغ ستة، لكل واحد ثلاثة كالنصيب، فان أردت إزالة الكسر، بسطت العشرة أيضا أنصافا وقلت: المال عشرون، والنصيب ستة. وإن جرى ذكر الوصية، بأن أوصى - وله ابنان - لزيد بربع المال، ولآخر بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما تبقى من المال بعد الوصية، فهو كقوله: إلا نصف ما تبقى من المال بعد النصيب كما سبق، فتأخذ مالا، وتجعل لزيد ربعه، يبقى ثلاثة أرباع مال، تعطي عمرا منها نصيبا، يبقى ثلاثة أرباع سوى نصيب، تسترجع منه نصف هذا الباقي، وهو ثلاثة أثمان مال سوى نصف نصيب، وتزيده على ما معك، يبلغ مالا وثمن مال إلا نصيبا ونصف نصيب، وذلك يعدل نصيبين، فإذا جبرت وقابلت، فمال وثمن مال يعدل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب تبسطها أثمانا، فالمال ثمانية وعشرون، والنصيب تسعة، تعطي زيدا ربع المال، يبقى أحد وعشرون، تفرز منها تسعة لعمرو، يبقى اثنا عشرة، تسترجع نصفها من تسعة عمرو، وتضمه إليها، تبلغ ثمانية عشر، لكل ابن تسعة كالنصيب. فصل في الوصية بجزء شائع من المال وبالنصيب مع استثناء جزء مما (يبقى) من جزء (من) المال مثاله: خمسة بنين، وأوصى لزيد بثمن ماله، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث بعد الثمن والنصيب، تأخذ ثلث مال، وتلقي منه(5/212)
ثمن جميع المال، يبقى خمسة من أربعة وعشرين جزءا من المال، تفرز منه نصيبا لعمرو، يبقى خمسة من أربعة وعشرين جزءا سوى نصيب، تسترجع من النصيب ثلث هذا الباقي، وليس للخمسة ثلث صحيح، فتضرب المال في ثلاثة، تكون اثنين وسبعين، ويكون معك خمسة عشر جزءا من اثنين وسبعين جزءا من المال سوى نصيب، تزيد ثلث هذا المبلغ عليه، فيصير عشرين جزءا من اثنين وسبعين جزءا سوى نصيب وثلث نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، فإذا جبرت وقابلت، فثمانية وستون تعدل ستة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها بأجزاء اثنين وسبعين، وتقلب الاسم، فإذا المال أربعمائة وستة وخمسون، والنصيب ثمانية وستون، تأخذ ثلث المال وهو مائة واثنان وخمسون، وتلقي منه ثمن المال، وهو سبعة وخمسون، يبقى خمسة وتسعون، تلقي منها نصيبا وهو ثمانية وستون، يبقى سبعة وعشرون، تسترجع من النصيب ثلثها، وتزيدها على السبعة والعشرين، تبلغ ستة وثلاثين، تزيدها على ثلثي المال، وهو ثلثمائة وأربعة أسهم، تبلغ ثلثمائة وأربعين، لكل ابن ثمانية وستون كالنصيب. فإن كان المسألة بحالها، إلا أنه أوصى لعمرو بثلث ما يبقى من الثلث بعد الثمن وبعد وصيته، فالحساب كما مضى، لكن تجعل بدل استثناء ثلث الباقي من الثلث بعد الوصية، نصف الباقي من الثلث بعد النصيب، وإذا عملتها، كان المال ثلاثمائة واثني عشر، والنصيب سبعة وأربعين، تأخذ ثلث المال، وهو مائة وأربعة، وتسقط منه ثمن المال، وهو تسعة وثلاثون، يبقى خمسة وستون، تسقط منه النصيب سبعة وأربعين، يبقى ثمانية عشر، تسترجع من النصيب نصفها تسعة، وتزيدها عليها، تصير سبعة وعشرين، تزيدها على ثلثي المال، وهو مائتان وثمانية، تبلغ مائتين وخمسة وثلاثين لكل ابن سبعة وسبعون.
فصل في الوصية بمثل نصيب وارث أو عدد من الورثة، إلا مثل نصيب وارث آخر أو عدد منهم هذه الوصية، إما أن تتجرد عن الوصية بجزء شائع من المال والوصية بجزء مما تبقى من المال، أو بجزء من جزء مما تبقى، وإما أن لا تتجرد. فالحالة الاولى لا حاجة فيها إلى الطرق الجبرية، بل تقام مسألة الورثة، وتؤخذ سهام من أوصى بمثل نصيبه، فينقص منها نصيب من استثنى مثل نصيبه، ويزاد ما بقي على مسألة الورثة، فمنه تصح.(5/213)
مثاله: زوجة وأخت وعم، وأوصى بمثل نصيب الاخت إلا مثل نصيب الزوجة، هي من أربعة، ونصيب الاخت سهمان، ينقص منها نصيب الزوجة وهو سهم، يبقى سهم، تزيده على الاربعة، يكون خمسة، واحد منها للموصى له، والباقي للورثة. الحالة الثانية: إذا لم تتجرد، وفيها صور. إحداها: أن يوصي مع ذلك بجزء شائع من المال. مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بربع ماله، ولعمرو بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام، فالطريق أن تنظر في مسألة الورثة وهي من ثلاثة، ثم تأخذ مالا، وتلقي ربعه لزيد، يبقى ثلاثة أرباع، تلقي منها نصيبين كنصيب الاب، وتسترجع نصفهما كنصيب الام، يبقى ثلاثة أرباع مال سوى نصيب يعدل ثلاثة أنصباء هي سهام الورثة، فتجبر وتقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل أربعة أنصباء، تبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة. فإذا أخذنا ستة عشر، وأسقطنا ربعها، بقي اثنا عشر، تسقط منها نصيبين وهما ستة، وتسترجع نصيبا وهو ثلاثة، يبقى للموصى له ثلاثة. فإذا أسقطنا الوصيتين من المال، بقي تسعة، للاب ستة، وللام ثلاثة. الصورة الثانية: أن يوصي مع ذلك بجزء مما تبقى من المال. مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام، ولعمرو ربع ما تبقى من المال، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبين، هما نصيب الابن من مسألة الورثة، فتسترجع نصيبا وهو نصيب الام، يبقى مال سوى نصيب، تعطي عمرا أربعة، وهو ربع مال إلا ربع نصيب، تلقي ثلاثة أرباع مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، هي سهام المسألة، فتجبر وتقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أرباع نصيب، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال خمسة عشر، والنصيب ثلاثة، تأخذ خمسة عشر، وتسقط منها نصيبين وهما ستة، وتسترجع نصيبا وهو ثلاثة، يبقى اثنا عشر، ربعها لعمرو، يبقى تسعة، ستة للاب، وثلاثة للام. الصورة الثالثة: أن يوصي بعد ذلك بجزء من جزء مما تبقى من المال. مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام، ولعمرو(5/214)
بربع ما تبقى من ثلثي المال، تأخذ ثلثي مال وتسقط منه نصيبين، وتسترجع منه نصيبا، يبقى ثلثا مال سوى نصي ب، تسقط ربعه لعمرو، وهو سدس مال إلا ربع نصيب، يبقى نصف مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، هي سهام المسألة، فتجبر وتقابل بخمسة أسداس مال، تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أرباع نصيب، تبسطها بأجزاء اثني عشر، وتقلب الاسم، فالمال خمسة وأربعون، والنصيب عشرة، تأخذ ثلثي المال وهو ثلاثون، وتسقط منها نصيبين وهما عشرون، وتسترجع نصيبا، يبقى معك عشرون، تسقط ربعها لعمرو، يبقى خمسة عشر، تزيدها على ثلث المال، يكون ثلاثين، للاب عشرون، وللام عشرة.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء نصيب وارث اخر منه وجزء شائع أيضا الجزء المستثنى مع النصيب، قد يكون من جميع المال، وقد يكون من جزء من الباقي. مثال الاول: أبوان، وأوصى بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام وإلا عشر جميع المال، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبين، وتسترجع نصيبا وعشر جميع المال، يبقى مال وعشر مال إلا نصيبا، يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فمال وعشر مال يعدل أربعة أنصباء، تبسطها أعشارا، وتقلب الاسم، فالمال أربعون، والنصيب أحد عشر، تأخذ أربعين، فتسقط منها نصيبين، وهما اثنان وعشرون، وتسترجع منها نصيبا وهو أحد عشر، وعشر جميع المال وهو أربعة، فيحصل للموصى له سبعة، وللاب اثنان وعشرون، وللام أحد عشر. مثال الثاني: المسألة بحالها، إلا أنه يستثنى مثل نصيب الام وعشر ما تبقى من المال بعد نصيب الام، فتأخذ مالا، وتلقي منه نصيب الام وهما سهمان من ثلاثة هي سهام المسألة، وتسترجع منه نصيبا، يبقى مال إلا نصيبا، تزيد عليه مثل عشره وهو عشر مال إلا عشر نصيب، تبلغ مالا وعشر مال إلا نصيبا وعشر نصيب تعدل ثلاثة أنصباء هي سهام المسألة. فتجبر وتقابل، وتبسطها أعشارا، وتقلب الاسم، فالمال أحد وأربعون، والنصيب أحد عشر، تأخذ أحدا وأربعين، وتسقط منها نصيبين وهما اثنان وعشرون، وتسترجع نصيبا، فيكون معك ثلاثون، وتسترجع عشر الثلاثين من ذهك النصيب وهو ثلاثة، وتزيده على ما معك، تبلغ ثلاثة وثلاثين، للاب اثنان(5/215)
وعشرون، وللام أحد عشر. مثال الثالث: المسألة بحالها، إلا أنه استثنى مثل نصيب الام وثمن ما تبقى من ثلثي المال بعد نصيب الام، فتأخذ ثلثي مال، وغسقط منه نصيبين، وتسترجع نصيبا، يبقى ثلثا مال سوى نصيب، تسترجع ثمن هذا المبلغ أيضا من النصيب وهو نصيب سدس مال إلا ثمن نصف، وتزيده على المبلغ، يكون ثلاثة أرباع مال إلا نصيبا وثمن نصيب، تزيده على ثلث مال، يبلغ مالا ونصف سدس مال إلا نصيبا وثمن نصيب، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي سهام المسألة، فتجبر وتقابل، فمال ونصف سدس مال يعدل أربعة أنصباء وثمن نصيب، فتبسطها بأجزاء أربعة وعشرين، وتقلب الاسم، فالمال تسعة وتسعون، والنصيب ستة وعشرون، تأخذ ثلثي المال وهو ستة وستون، وتسقط منها نصيبين وهما اثنان وخمسون، وتسترجع نصيبا، يبقى معك أربعون، تسترجع ثمنها من النصيب أيضا وهو خمسة، وتزيده على الاربعين، يكون خمسة وأربعين، تزيده على ثلث المال وهو ثلاثة وثلاثون، تبلغ ثمانية وسبعين، للاب بنصيبين اثنان وخمسون، وللام بنصيب ستة وعشرون.
فصل في الوصية بالتكملة والمراد بها : البقية التي يبلغ بها الشئ حدا آخر، وهي إما مجردة عن الوصية بغيرها والاستثناء منها، وإما غير مجردة. أما القسم الاول: فالوصية إما أن تكون بتكملة واحدة، وإما بتكملتين فصاعدا. مثال الاول: أربعة بنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فتأخذ مالا، وتصرف ثلث إلى ثلثه الموصى له، وتسترجع منه نصيبا، فيحصل معك ثلثا مال ونصيب، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، فتلقي نصيبا بنصيب، يبقى ثلثا مال في معادلة ثلاثة أنصباء، فتبسطهما أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة، والنصيب اثنان، والتفاوت بين الثلث والنصيب سهم، فهو التكملة، تدفعه إلى الموصى له، يبقى ثمانية، لكل ابن سهمان. وبطريق الدينار والدرهم، تجعل ثلث المال دينارا ودرهما، وتجعل الدينار نصيبا، والتكملة درهما، تدفعه إلى الموصى له، يبقى من المال ثلاثة دنانير ودرهمان، يأخذ ثلاثة بنين ثلاثة دنانير، يبقى درهمان يأخذهما الابن الرابع، فعلمنا أن قيمة الدينار درهمان، وأن ثلث المال ثلاثة(5/216)
دراهم، والنصيب درهمان. مثال التكملتين، أربعة بنين وبنت، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن، ولآخر بتكملة ربع ماله بنصيب البنت، فالوصية الاولى ثلث مال سوى نصيبين، والثانية ربع مال سوى نصيب، فتأخذ مالا، وتسقط منه الوصيتين، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال وثلاثة أنصباء، تعدل أنصباء الورثة وهي تسعة، تسقط ثلاثة أنصباء بثلاثة أنصباء، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال في معادلة ستة أنصباء الورثة وهي تسعة، تسقط ثلاثة أيضا بثلاثة أنصباء، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال في معادلة ستة أنصباء. ثم إن شئت بسطتها بأجزاء اثني عشر، وقلبت الاسم، فالمال اثنان وسبعون، والنصيب خمسة. وإن شئت قلت: إذا كانت خمسة من اثني عشر تعدل ستة، فالمال بتمامه يعدل أربعة عشر وخمسين، تبسطها أخماسا تبلغ اثنين وسبعين، تأخذ ثلث المال وهو أربعة وعشرون، وتسقط منه نصيبين وهما عشرة، يبقى أربعة عشر، فهي الوصية الاولى، وتأخذ ربعه وهو ثمانية عشر، تسقط منه نصيبا واحدا وهو خمسة، يبقى ثلاثة عشر، فهي الوصية الثانية، فتسقط الوصيتين من المال، يبقى خمسة وأربعون، لكل ابن عشرة، وللبنت خمسة. أما القسم الثاني، فيتصور على وجوه. منها الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء شائع من المال. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بربع ماله، ولعمرو بتكملة النصف بنصيب ابن، فتأخذ مالا، وتلقي منه ربعه لزيد، ثم تلقي نصفه لعمرو، وتسترجع منه نصيبا، يبقى معك ربع مال ونصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فتسقط نصيبا بنصيب، يبقى ربع مال في معادلة نصيبين، تبسطهما أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ثمانية، والنصيب واحد، تأخذ ثمانية، فتعزل ربعها لزيد، ثم تأخذ نصف الثمانية لعمرو، وتسترجع منه واحدا، يبقى معك ثلاثة، لكل ابن واحد. وبطريق القياس تقول: ربع المال ونصفه يستحقهما زيد وعمرو وأحد البنين، فتأخذ مالا له ربع ونصف وهو أربعة، فتسقط منه الربع والنصف، يبقى واحد تقسمه بين الابنين الآخرين، فلكل واحد منهما نصف، فتعلم أن النصيب نصف سهم، فتسقطه من الثلاثة التي أسقطتها من المال، يبقى اثنان ونصف، تسقط منها ربع جميع المال،(5/217)
يبقى واحد ونصف، فهو التكملة، تبسط الجميع أنصافا ليزول الكسر، فالنصيب واحد، والتكملة ثلاثة، والربع اثنان، والمال ثمانية. وبطريق الدينار والدرهم، تجعل نصف المال دينارا ودرهما، وتدفع الدرهم بالتكملة إلى عمرو، يبقى ديناران ودرهم، تسقط منها ربع المال وهو نصف دينار ونصف درهم، يبقى دينار ونصف دينار ونصف درهم، وذلك يعدل ثلاثة دنانير، تسقط الجنس بالجنس، يبقى دينار ونصف في معادلة نصف درهم، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالدينار واحد، والدرهم ثلاثة وهو التكملة. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء مما بقي من المال. مثاله: أربعة بنين، وأوصى لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن، ولعمرو بربع ما تبقى من المال، تأخذ مالا، وتدفع ثلثه إلى زيد، وتسترجع منه نصيبا، وتزيده على باقي المال، فيحصل معك ثلثا مال ونصيب، يخرج ربعه لعمرو وذلك سدس مال وربع نصيب، يبقى نصف مال وثلاثة أرباع نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، فتسقط ثلاثة أرباع نصيب بثلاثة أرباع نصيب، يبقى نصف مال في معادلة ثلاثة أنصباء وربع نصيب، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر، والنصيب سهمان، لكن ليس للثلاثة عشر ثلث، فتضربها في ثلاثة، تبلغ تسعة وثلاثين، فهي المال، والنصيب ستة، تأخذ ثلثها وهو ثلاثة عشر، تسقط منه نصيبا، يبقى سبعة، فهي التكملة، تدفعها إلى زيد، يبقى من المال اثنان وثلاثون، تدفع ربعها إلى عمرو وهو ثمانية، يبقى أربعة وعشرون للبنين، لكل ابن ستة. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء مما تبقى من جزء المال. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما بقي من الثلث، تأخذ ثلث مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ثلث مال إلا نصيبا تدفعه إلى زيد فإنه التكملة، يبقى من الثلث نصيب، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى ثلثا نصيب تضمهما إلى ثلثي المال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تسقط ثلثي نصيب بثلثي نصيب، يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلث نصيب. ثم إن شئت بسطتها أثلاثا، وقلبت الاسم، فالمال سبعة، والنصيب اثنان. وإن شئت قلت: إذا(5/218)
عادل ثلثا مال نصيبين وثلث نصيب، فالمال الكامل يعادل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب، تبسطها أنصافا، يكون سبعة، وليس لها ثلث صحيح، فتضربها في ثلاثة، تبلغ أحدا وعشرين، فهو المال، والنصيب ستة، تأخذ ثلث المال وهو سبعة، وتلقي منه النصيب، يبقى واحد فهو التكملة، وتدفع ثلث الستة إلى عمرو، يبقى أربعة، تضمها إلى ثلثي المال، يكون ثمانية عشر، لكل ابن ستة. قال إمام الحرمين: كذا ذكروه، لكن لو تجردت الوصية الاولى في هذه الصورة، فأوصى وله ثلاثة بنين بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فالوصية باطلة، لان نصيب كل ابن يستغرق الثلث، فلا تكملة، وحينئذ يمكن أن يقال: الوصية الاولى هنا باطلة، والثانية فرعها فتبطل أيضا، قال: ووجه ما ذكروه، أن الوصية الثانية تنقص النصيب عن الثلث، فتظهر بها التكملة، قال: ويجب أن تخرج المسألة وأخواتها على الوجهين، في أن العبرة باللفظ أو المعنى، كما إذا قال: بعتك بلا ثمن ونحوه ؟ قلت: الصحيح المختار صحة الوصيتين هنا قطعا، والفرق بين باب الوصية وغيرها من العقود ظاهر. والله أعلم. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بمثل النصيب. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة ثلث ماله، تأخذ ثلث مال، تدفع منه نصيبا إلى زيد، والباقي إلى عمرو، يبقى معك ثلثا مال تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة، والنصيب اثنان، تأخذ ثلث التسعة ثلاثة، تدفع منه اثنين إلى زيد، وسهما إلى عمرو وهو التكملة، يبقى ستة للبنين. فرع أوصى - وله ابنان - بمثل نصيب أحدهما لزيد، ولعمرو بتكملة الثلث، فالوصية الثانية باطلة، لانه لم يبق شئ من الثلث. وكذا لو أوصى - وله ثلاثة بنين - بمثل نصيب أحدهم لزيد، ولعمرو بتكملة الربع. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء من المال. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلا ثمن جميع المال.(5/219)
طريقه أن يقال: نصف مال نصيب وتكملة، والتكملة شئ وثمن جميع المال، تدفع الشئ إلى الموصى له، يبقى بعد النصف نصيب وثمن جميع المال، تضمهما إلى النصف الثاني، يحصل معك خمسة أثمان المال ونصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تسقط نصيبا بنصيب، يبقى خمسة أثمان المال تعدل نصيبين، فتبسطهما أثمانا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب خمسة، تأخذ نصف المال وهو ثمانية، تسقط منه النصيب خمسة، يبقى ثلاثة، تسقط منها ثمن جميع المال وهو اثنان، يبقى واحد وهو التكملة، تسقطه من جميع المال، يبقى خمسة عشر للبنين. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء مما تبقى من المال. ستة بنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلا ثمن ما تبقى من المال، تأخذ ثلث المال، وتسترجع منه نصيبا، يبقى ثلث مال إلا نصيبا، فهو التكملة، يبقى معك ثلثا مال ونصيب، تسترجع من التكملة ثمنه، وينتظم الحساب من أربعة وعشرين لذكر الثلث والثمن، فالذي معك ستة عشر ونصيب وثمن ذلك وهو اثنان وثمن نصيب، تزيده عليه، تبلغ ثمانية عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من مال ونصيبا وثمن نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ستة، تسقط المثل بالمثل، يبقى ثمانية عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من مال تعدل أربعة أنصباء وسبعة أثمان نصيب، تبسطها بأجزاء المال وهي أربعة وعشرون، وتقلب الاسم، فالمال مائة وسبعة عشر، والنصيب ثمانية عشر، تأخذ ثلث المال وهو تسعة وثلاثون، وتسقط منه نصيبا، يبقى أحد وعشرون وهو التكملة، فإذا أسقطناه من جميع المال، بقي ستة وتسعون ثمنها اثنا عشر، تسقطه من التكملة، يبقى تسعة، فهي التي يأخذها الموصى له، يبقى مائة وثمانية للبنين، لكل ابن ثمانية عشر. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء مما تبقى من جزء من المال. سبعة بنين، وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث، تأخذ ربع مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ربع مال سوى النصيب وهو التكملة، تلقيها من الثلث، يبقى نصف سدس مال ونصيب، تلقي ثلث ذلك من التكملة، وينتظم الحساب من ستة وثلاثين، فإنه أقل عدد لنصف سدسه ثلث، فإذا(5/220)
الذي معك من الثلث ثلاثة ونصيب، تسترجع ثلاثة من التكملة وهو واحد وثلث نصيب، يبقى للوصية ثمانية أجزاء من ستة وثلاثين جزءا من مال إلا نصيبا وثلث نصيب، تسقطها من المال، يبقى ثمانية وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال ونصيب وثلث نصيب، وذلك يعدل سبعة أنصباء، تسقط المثل بالمثل، يبقى ثمانية وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال في معادلة خمسة أنصباء وثلثي نصيب، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائتان وأربعة، والنصيب ثمانية وعشرون، تأخذ ربع المال وهو أحد وخمسون، وتسقط منه النصيب، يبقى ثلاثة وعشرون هي التكملة، تلقيها من ثلث المال وهو ثمانية وستون، يبقى خمسة وأربعون، تسترجع ثلثها وهو خمسة عشر من التكملة، يبقى ثمانية فهي الوصية، تسقطها من المال، يبقى مائة وستة وتسعون للبنين، لكل ابن ثمانية وعشرون. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء تكملة أخرى. ثلاثة بنين، وأوصى بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلا تكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، تأخذ نصف مال، وتسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة النصف، وتأخذ ثلث مال وتسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الثلث، تسقط تكملة الثلث من تكملة النصف، يبقى سدس مال بلا استثناء، فالوصية إذا بسدس المال، يبقى خمسة أسداس مال تعدل ثلاثة أنصباء، فتبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالمال ثمانية عشر، والنصيب خمسة، تأخذ نصف المال تسعة، وتسقط منه النصيب، يبقى أربعة فهي تكملة النصف، ثم تأخذ ثلثه وهو ستة، وتسقط منها نصيبا، يبقى واحد فهو تكملة الثلث، تسقط واحدا من أربعة، يبقى ثلاثة فهي الوصية، تسقطها من جميع المال، يبقى خمسة عشر للبنين، لكل ابن خمسة. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب وبجزء مما تبقى من المال. خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم، ولثالث بثلث ما تبقى بعد ذلك، تأخذ ربع مال، وتنقص منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الربع، تدفعه إلى عمرو، وتدفع النصيب إلى زيد، فانصرف الربع إلى الوصيتين، يبقى ثلاثة أرباع المال، تدفع منه واحدا إلى الثالث، يبقى ربعان يعدلان أنصباء البنين وهي خمسة، تبسطها أرباعا، وتقلب(5/221)
الاسم، فالمال عشرون، والنصيب اثنان، تأخذ ربع المال خمسة، تدفع منها اثنين إلى زيد، وثلاثة إلى عمرو، يبقى خمسة عشر، ثلثها خمسة للثالث، والباقي للبنين. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب وبجزء مما تبقى من المال. خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة الربع بالنصيب، ولثالث بثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصيتين، يحتاج إلى مال له ربع وثلث، والباقي من الثلث بعد إسقاط الربع ثلث، وأقله ستة وثلاثون، تأخذ ربعه وهو تسعة، فتصرفها إلى الوصية بالتكملة والنصيب، وإذا أسقطت تسعة من الثلث، يبقى ثلاثة، تصرف منها واحدا إلى الثالث، يبقى اثنان، تزيدهما على ثلثي المال، تبلغ ستة وعشرين تعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائة وثمانون، والنصيب ستة وعشرون، تأخذ ثلث المال وهو ستون، فتلقي منه ربعه وهو خمسة وأربعون بالوصيتين الاوليين ستة وعشرين بالوصية بالنصيب، والباقي بالوصية الاخرى، يبقى من الثلث خمسة عشر، نصرف ثلثها إلى الوصية الثالثة، يبقى عشرة، تزيدها على ثلثي المال، تبلغ مائة وثلاثين للبنين، لكل ابن ستة وعشرون. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب مستثنى منه جزء مما تبقى من المال. أربعة بنين، فأوصى لزيد بتكملة الثلث بنصيب أحدهم، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من المال، تأخذ ثلث المال، وتصرفه إليهما بالنصيب والتكملة، وتسترجع من النصيب خمس الباقي، واجعل المال خمسة عشر ليكون للباقي بعد الثلث خمس، فالثلث المخرج بالنصيب والتكملة إذا خمسة، تسترجع من النصيب خمس الباقي وهو اثنان، فالحاصل اثنا عشر جزءا من خمسة عشر جزءا من مال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، تبسطها بأجزاء خمسة عشر، وتقلب الاسم، فالمال ستون، والنصيب اثنا عشر، تأخذ ثلث المال وهو عشرون، تلقي منه النصيب اثني عشر، يبقى ثمانية هي التكملة، تدفعها إلى زيد، وتسترجع من النصيب خمس الباقي وهو ثمانية، يبقى لعمرو أربعة، فالوصيتان جميعا اثنا عشر، يبقى ثمانية وأربعون للبنين، لكل ابن اثنا عشر.(5/222)
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب مستثنى منه جزء مما تبقى من جزء من المال. خمسة بنين، وأوصى لزيد بتكملة الربع بنصيب أحدهم، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد ذلك، يحتاج إلى مال له ربع وثلث، وللباقي من الثلث بعد إسقاط الربع ثلث، وأقله ستة وثلاثون، تأخذ ربعه وهو تسعة، فتصرفها في الوصيتين، وتسترجع من النصيب ثلث ما تبقى من ثلث المال وهو واحد، وتزيده على الباقي من الثلث، تبلغ أربعة، تزيدها على ثلثي المال، تبلغ ثمانية وعشرين جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائة وثمانون، والنصيب ثمانية وعشرون، يبقى سبعة عشر فهي التكملة، ثم تلقي الربع من ثلث جميع المال وهو ستون، يبقى خمسة عشر، تسقطها ثلثها من النصيب، يبقى لعمرو ثلاثة وعشرون، والوصيتان معا أربعون، يبقى مائة وأربعون للبنين، لكل ابن ثمانية وعشرون.
فصل في الوصية بالنصيب مستثنى من التكملة ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا تكملة ثلث ماله بالنصيب، تجعل ثلث المال دينارا ودرهما، وتجعل النصيب دينارا، تدفعه إلى الموصى له، وتسترجع منه درهما، لان التكملة درهم، يبقى من الثلث درهمان، تزيدهما على الثلثين، تبلغ دينارين وأربعة دراهم تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة دنانير، تسقط المثل بالمثل، يبقى أربعة دراهم في معادلة دينار، فتقلب الاسم وتقول: الدينار أربعة، والدراهم واحد، فالثلث خمسة، والمال خمسة عشر، تأخذ ثلث المال خمسة، تدفع منه إلى الموصى له نصيبا وهو أربعة، ويسترجع واحد وهو التكملة، يبقى للموصى له ثلاثة، تسقطها من المال، يبقى اثنا عشر، لكل ابن أربعة.
فصل في الوصايا المتعرضة للجذور والكعاب الجذر: كل مضروب في نفسه، والحاصل من الضرب يسمى: مالا ومجذورا ومربعا. والكعب: كل ما ضرب في مثله ثم ضرب مبلغه فيه، والحاصل من الضربين يسمى مكعبا، فالواحد جذره وكعبه الواحد.(5/223)
والاعداد ضربان. أحدهما: ماله جذر صحيح ينطق به، كالاربعة، جذرها اثنان، والتسعة، جذرها ثلاثة، والمائة، جذرها عشرة. والثاني: ما ليس له جذر ينطق به، وإنما يستخرج جذره بالتقريب، كالعشرة والعشرين، ويقال له: الاصم. وكذلك من الاعداد ما له كعب ينطق به كالثمانية، كعبها اثنان، والسبعة والعشرين، كعبها ثلاثة. ومنها ما ليس له كعب ينطق به، كالعشرة والمائة، وإنما يستخرج كعبه بالتقريب، وقد يكون العدد منطوقا بجذره وكعبه كالاربعة والستين، جذرها ثمانية، وكعبها أربعة. وقد يكون أصم في الجذر دون الكعب، كالسبعة والعشرين. أو في كعب دون الجذر، كالاربعة والتسعة، أو فيهما، كالعشرة. إذا عرف ذلك، فتعرض الوصية للجذر والكعب بفرض من وجوه. منها: الوصية بجذر المال. قال الاستاذ أبو منصور: تفرض المسألة من عدد مجذور إذا أسقط منه جذره انقسم الباقي صحيحا على سهام الورثة. فإذا أوصى بجذر ماله وله ثلاثة بنين، فان جعلت المال تسعة، فللموصى له ثلاثة، والباقي للبنين، لكل ابن سهمان. وإن جعلته ستة عشر، فللموصى له أربعة، والباقي للبنين، لكل ابن أربعة. ولو أوصى بكعب ماله - والورثة هؤلاء - يجعل المال عددا مكعبا، فإذا أسقط منه كعبه انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر. فإن جعلت المال ثمانية، فاثنان للموصى له، والباقي للبنين. وإن جعلته سبعة وعشرين، فثلاثة للموصى له، والباقي للبنين. هذا كلام الاستاذ، وتعجب الامام من إرساله الكلام هكذا، لاستحالة أن يكون الامر في ذلك على التخيير، والفرض كيف شاء الفارض، فإن الاقدار تختلف باختلاف العدد المفروض. فإذا كان المال تسعة، فالجذر ثلاثة. وإذا كان ستة عشر، فالجذر أربعة. وفيه إشكال آخر، وهو أن كل عدد، مجذور، إلا أن من الاعداد ما ينطق بجذره، ومنها ما لا ينطق، كما سبق، وليس في اللفظ إلا جذر المال، فلم حمل على مجذور صحيح ؟ ولم شرط أن ينقسم الباقي صحيحا على الورثة ؟ فإذا كلام الاستاذ على ما ذكره الامام، محمول على ما إذا قيد الموصي وصيته بما يقتضي الحمل على عدد معين من الاعداد المجدورة. فإذا قال: نزلوا مالي على أول مجذور صحيح إذا طرح جذره انقسم(5/224)
الباقي على سهام ورثتي بلا كسر، تعين الحمل على الصورة المذكورة على تسعة، وكانت الوصية بثلث المال. وإن عين مرتبة أخرى، تعينت. قال الامام: فإن أطلق الوصية بالجذر، ولم يقيد بشئ من ذلك، لكن أراد بالجذر ما يريده الحساب، فان كان ماله مقدرا بكيل، أو وزن، أو ذرع، كالارض، أو عدد، كالجوز، نزل عليه. ثم إن كان جذره مما ينطق به، فذاك، وإلا، فالقدر المتيقن يسلم للموصى له، والقدر المشكوك فيه، يفصل أمره بالتراضي. وإن لم يكن المال مقدرا بشئ من ذلك، كعبد وجارية، قوم ودفع جذر القيمة إلى الموصى له. ومنها: الوصية بجذر النصيب. فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب أحدهم، قال الاستاذ: يجعل نصيب كل ابن عددا مجذورا، ثم يجمع أنصباء البنين، ويزاد عليها جذر نصيب أحدهم، فما بلغ صحت منه القسمة. فان جعلنا نصيب كل ابن واحدا، فأنصباؤهم ثلاثة، تزيد عليها واحدا، تبلغ أربعة تصح منها القسمة. وإن جعلنا النصيب أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، تزيد عليها اثنين، تبلغ أربعة عشر تصح منها القسمة. ولو أوصى بجذري نصيب أحدهم، وفرضنا النصيب أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، تزيد عليها جذري النصيب، تبلغ ستة عشر منها تصح القسمة. ولو أوصى بكعب نصيب أحدهم، جعلنا النصيب مكعبا، وجمعنا الانصباء، وزدنا عليها كعب نصيب. قال الامام: وليكن هذا الجواب فيما إذا تقيدت الوصية كما ذكرنا، أو فيما إذا قال السائل: كيف يصور عدد تصح منه الوصية والميراث ؟ فيجاب بأنه يمكن فيه وجوه. منها: كيت وكيت. أما إذا أطلق الوصية بجذر النصيب، فذكر فيه احتمالين. أظهرهما: أنه ينظر في حصة ابن من التركة، فيؤخذ جذره منطوقا به أو أصم، كما ذكرنا في جذر جميع المال، فيزاد على مسألة الورثة. والثاني: أنه ينظر في نصيب كل واحد من سهام المسألة، فيؤخذ جذره، ويزاد على مسألة الورثة. وعلى هذا، فنصيب كل ابن هنا واحد، فيزاد على السهام الثلاثة واحد، ويصير الحكم كما لو أوصى بنصيب أحدهم. ومنها: الوصية بجذر النصيب وجذر المال معا، فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب أحدهم لزيد، وأوصى لعمرو بجذر جميع المال، فالمفهوم من كلام(5/225)
الاستاذ أن يقال: إذا كانت وصية زيد جذر نصيب ابن، فنصيب كل ابن مال، ثم يجعل المال أموالا لها جذور صحيحة، فان شئت جعلتها أربعة أموال، فتكون وصية عمرو جذرين، كما أن جذر أربعة من العدد اثنان، فتكون الوصيتان ثلاثة أجذار، وتسقطها من المال، يبقى أربعة أموال إلا ثلاثة أجذار تعدل أنصجاء الورثة وهي ثلاثة أموال، فتجبر وتقابل، فأربعة أموال تعدل ثلاثة أموال وثلاثة أجذار، تسقط الجنس بالجنس، فمال يعدل ثلاثة أجذار، فالجذر ثلاثة، والمال تسعة، وتقدير الكلام: مال يعدل ثلاثة أجذاره، وحينئذ فالتركة ستة وثلاثون، لانها أربعة أموال، ونصيب كل ابن تسعة، يأخذ زيد جذر النصيب وهو ثلاثة، وعمرو جذر المال وهو ستة، يبقى سبعة وعشرون للبنين. قال الامام: وهذه المسألة وضعية، وطريق تطبيقها على الفقه على ما سبق. ومنها: الوصية بالجذر والنصيب. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بمثل نصيب أحدهم لزيد، ولعمرو بجذر المال، يقدر كأن البنين أربعة وأوصى بجذر المال وحده، وقد بان طريقه. ومنها: الوصية بالجزاء والنصيب مع استثناء الجذر منها. مثاله: أوصى وله ثلاثة بنين بثلث ماله إلا جذر جميع المال، تدفع إلى الموصى له ثلث المال، وتسترجع جذرا، فيكون معك ثلثا مال وجذر تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجعل المال عددا له ثلث صحيح، بشرط أن ينقسم ثلثاه مزيدا عليه جذره على ثلاثة، وليكن ذلك ستة وثلاثين، فتدفع ثلثها إلى الموصى له، وتسترجع منه جذر المال وهو ستة، يبقى عنده ستة، فقد أخذ ثلث المال إلا جذر المال، يبقى ثلاثون للبنين. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر جميع المال، فخذ مالا، وأسقط منه نصيبا، واسترجع من النصيب جذر المال، يبقى مال وجذر إلا نصيبا تعدل أنصباء البنين، فتجبر وتقابل، فمال وجذر تعدل أربعة أنصباء، فتجعل المال عددا مجذورا إذا زيد عليه جذره انقسم على أربعة، وليكن ستة عشر، إذا زيد عليه جذره كان عشرين، إذا قسم على أربعة، خرج من القسمة خمسة، فإذا نقصت من النصيب جذر المال، بقي واحد تدفعه إلى الموصى له، يبقى خمسة عشر للبنين. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم، فالنصيب عدد(5/226)
مجذور. فان جعلته أربعة، فالوصية اثنان، والانصباء اثنا عشر، وجملة المال أربعة عشر، إذا دفعت إلى الموصى له اثنين فقد أخذ مثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم، وإن جعلته تسعة، فالانصباء سبعة وعشرون، والوصية ستة. ومنها: الوصية بالجذور المضافة إلى الجذور. مثاله: ثلاثة بنين، أوصى لزيد بجذر نصيب أحدهم، ولعمرو بجذر وصية زيد، ولبكر بجذر وصية عمرو، فاجعل وصية بكر ما شئت من الاعداد، فان جعلته اثنين، فوصية عمرو أربعة، ووصية زيد ستة عشر، ونصيب كل ابن مائتان وستة وخمسون، وجملة المال سبعمائة وتسعون. ومنها: الوصية الجامعة بين الجذر والتكملة. مثاله: أوصى بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم، تجعل ثلث المال مالا وجذرا، وتدفع المال إلى الموصى له، يبقى جذره، تزيده على ثلثي المال، يبلغ مالين وثلاثة أجذار وذلك يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة أموال، فتسقط مالين بمالين، يبقى ثلاثة أجذار في معادلة مال، فالجذر ثلاثة، والمال تسعة، فثلث المال اثنا عشر، والوصية تسعة، تسقطها من المال، يبقى سبعة وعشرون للبنين، وقد أخذ الموصى له ثلث المال إلا جذر نصيب أحدهم.
فصل في الوصايا المتعرضة لمقدر من المال من درهم ودينار وغيرهما منها: الوصية بالنصيب وبدرهم. مثاله: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم وبدرهم، وقال الاستاذ: اجعل التركة أي عدد شئت بعد أن تكون بحيث إذا عزلت منها درهما وقسمت الباقي بين البنين والموصى له على خمسة كان النصيب الواحد مع الدرهم مثل ثلث التركة أو أقل. فان جعلت التركة أحد عشر درهما، فأسقط منها درهما، يبقى عشرة، لكل واحد سهمان. وإن جعلتها ثلاثة عشر، فأسقط درهما، واقسم الباقي بينهم، تخرج القسمة اثنان وخمسان، فترد على الخارج الدرهم المسقط، يكون ثلاثة وخمسين للموصى له. فإن أردت زوال الكسر، فأسقط الدرهم من ثلاثة عشر، واضرب الباقي بخمسة، تبلغ ستين، لكل ابن اثنا عشر، وللموصى له مثل ذلك(5/227)
بزيادة درهم. واستدرك الامام فقال: المدفوع إلى الموصى له يختلف باختلاف الاعداد المفروضة، والفتوى لا تحتمل التخيير بين القليل، فليحمل ما قاله الحساب على مثل ما سبق في الماضي. أما إذا أطلق الوصية، فتنزل على ما يوجد في التركة، تعزل منها درهما، ثم تقسم الباقي بين البنين والموصى له. ثم إن انحصرت الوصية في الثلث، نفذت، وإلا، فتعتبر الاجازة. وهذا الاستدراك لا بد منه في أكثر أنواع الفصل. ومنها: الوصية بالنصيب مع استثناء درهم. فإذا أوصى وله أربعة بنين بمثل نصيب أحدهم إلا درهما، فإن جعلت للموصى له درهمين، فاجعل لكل ابن ثلاثة، واجعل التركة أحدا وعشرين. وإن جعلت له ثلاثة، فاجعل لكل ابن أربعة، واجعل التركة خمسة عشر. ومنها: الوصية بجزء شائع وبدرهم. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله وبدرهم، فيخرج سدس التركة ودرهم، ويقسم الباقي بين الورثة. وبطريق الجبر، تأخذ مالا، وتسقط منه سدسه ودرهما، يبقى خمسة أسداس مال إلا درهما تعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فخمسة أسداس المال تعدل ثلاثة أنصباء ودرهما، فتكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها مثل خمسها، وتزيد على العديل خمسة، فمال يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس نصيب ودرهما وخمس درهم، فاضرب الانصباء الثلاثة وأخماس النصيب في عدد، يبلغ الحاصل منه مزيدا عليه الدرهم والخمس عددا صحيحا، وذلك بأن تضربها في ثلاثة، فيحصل عشرة دراهم وأربعة أخماس درهم، حذا زدت عليها الدرهم والخمس، بلغ اثني عشر درهما منها تصح القسمة، لصاحب السدس والدرهم ثلاثة، ولكل ابن ثلاثة. ومنها: الوصية بجزء شائع مع استثناء درهم. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله إلا درهما، فخذ مالا، وأسقط منه سدسه، واسترجع من السدس درهما، يحصل معك خمسة أسداس مال ودرهم، تعدل ثلاثة أنصباء، فتكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها خمسها، وتزيد الخمس على كل ما في المعادلة، فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة(5/228)
أخماس نصيب، فتضرب هذه الانصباء والاخماس في عدد إذا نقص من الحاصل من الضرب درهم وخمس كان الباقي عددا صحيحا وهو سبعة، فإذا ضربت سبعة في ثلاثة وثلاثة أخماس، حصل خمسة وعشرون وخمس، فإذا نقص منها درهم وخمس، بقي أربعة وعشرون منها تصح المسألة، للموصى له سدسها، يسترجع منه درهم، يبقى أحد وعشرون للبنين. ومنها: الوصية بالنصيب وبجزء وبدرهم أو دراهم، أو مع استثناء درهم أو دراهم. مثاله: خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم ودرهم، ولعمرو بثلث ما بقي من ثلثه ودرهم، تأخذ ثلث مال، وتسقط منه نصيبا ودرهما، يبقى ثلث مال إلا نصيبا ودرهما، تسقط لعمرو من هذا الباقي ثلثه ودرهما، يبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب وإلا درهما وثلثي درهم، تزيده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلا ثلثي نصيب، وإلا درهما وثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء، فتجبر وتقابل، فثمانية أتساع مال تعدل خمسة أنصباء وثلثي نصيب ودرهما وثلثي درهم، تكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها ثمنها، وتزيد على كل ما في المعادلة ثمنه، فمال يعدل ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب ودرهما وسبعة أثمان درهم، فتطلب عددا إذا ضرب في ستة وثلاثة أثمان يكون الحاصل منه مزيدا عليه درهم وسبعة أثمان عددا صحيحا، وهو ثلاثة إذا ضربتها بستة وثلاثة أثمان حصل تسعة وعشرون، إذا زيد عليه درهم وسبعة أثمان كان أحدا وعشرين، فمنه القسمة، والنصيب ثلاثة، تضرب الانصباء في الثلاثة، تأخذ ثلث المال وهو سبعة، فتدفع منها إلى زيد أربعة بالنصيب والدرهم، يبقى ثلاثة، تدفع ثلثها ودرهما إلى عمرو، يبقى درهم، تزيده على ثلثي المال، يكون خمسة عشر للبنين الخمسة. مسألة: ستة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بسدس مال إلا درهما، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيجا لوصية زيد، وسدسه إلا درهما لوصية عمرو، يبقى خمسة أسداس مال ودرهم إلا نصيبا تعدق ستة أنصباء، فتجبر وتقابل، وتكمل أجزاء المال بزيادة خمسها، وتزيد على ما في المعادلة خمسة، فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثمانية أنصباء وخمسي نصيب، فتضرب الانصباء الثمانية والخمسين في عدد إذا نقص مما يحصل من الضرب درهم وخم كان الباقي عددا صحيحا، وهو(5/229)
ثلاثة، إذا ضربتها في ثمانية وخمسين، حصل خمسة وعشرون وخمس درهم، إذا نقص منه درهم وخمس، بقي أربعة وعشرون منها القسمة، والنصيب ثلاثة، فتعطي عمرا السدس إلا درهما وهو ثلاثة، وزيدا ثلاثة، يبقى ثمانية عشر للبنين الستة. مسألة: ابنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بمل ما تبقى من النصف وبدرهم، والتركة عشرون درهما، تأخذ نصف التركة عشرة، وتسقط منه نصيبا، تسقط من هذا الباقي نصفه ودرهما لعمرو وهو ستة إلا نصف نصيب، يبقى من العشرة أربعة إلا نصف نصيب، تزيدها على نصف المال، تبلغ أربعة عشر درهما إلا نصف نصيب تعدل نصيبي الابن، تجبر وتقابل، فأربعة عشر تعدل نصيبين ونصف نصيب، تبسطها أنصافا، فالمال ثمانية وعشرون، والنصيب خمسة، تقسم المال على النصيب، يخرج من القسمة خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم، فهو النصيب، تأخذ عشرة، وتدفع إلى زيد منها خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم، يبقى أربعة دراهم وخمسان، تدفعها نصفها ودرهما آخر إلى عمرو، يبقى من العشرة درهم وخمس، تزيده على العشرة الاخرى، يكون أحد عشر وخمسا للابنين، لكل ابن خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم.
فصل في نوادر الفصول المتقدمة مسألة: ثلاثة بنين وبنت، أوصى لزيد بمثل نصيب البنت وثلث ما أوصى به لعمرو، ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين وربع ما أوصى به لزيد، فتجعل وصية زيد عددا له ربع يكون أربعة دنانير، ووصية عمرو عددا له ثلث، وليكن ثلاثة دراهم، وتعلم أنك إذا نقصت من وصية زيد ثلث وصية عمرو وهو درهم، بقي أربعة دنانير إلا درهما، وذلك نصيب البنت، لان جملة وصية زيد مثل نصيب البنت وثلث وصية عمرو، وإذا نقصت من وصية عمرو ربع وصية زيد وهو دينار، بقي ثلاثة دراهم إلا دينارا وهو نصيب الابن، وإذا بان أن نصيب البنت أربعة دنانير إلا درهما، ونصيب الابن ثلاثة دراهم إلا دينارا، قابلت بين الجملتين، وضعفت نصيب البنت ليعادل نصيب الابن، وضعفه ثمانية دنانير إلا درهمين تعدل ثلاثة دراهم إلا دينارا، فتجبر كل واحد من الاستثناءين وتقابل، فتسعة دنانير تقابل خمسة دراهم، فالدينار خمسة أسهم، والدرهم تسعة أسهم، وكانت(5/230)
وصية زيد أربعة دنانير، فهي إذا عشرون، ووصية عمرو ثلاثة دراهم، فهي إذا سبعة وعشرون، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون، لانه ثلاثة دراهم وهي سبعة وعشرون إلا دينارا، وهو خمسة، ونصيب البنت أحد عشر، لانه أربعة دنانير، وهو عشرون إلا درهما، وهو تسعة، فوصية زيد مثل نصيب البنت وهو أحد عشر، ومثل ثلث وصية عمرو وهو تسعة، ووصية عمرو مثل نصيب ابن وهو اثنان وعشرون، مثل ربع وصية زيد، وهو خمسة. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص من أحدهم بالوصية، فتقول: لو لم يكن وصية، لكان لكل ابن ثلث المال وقد انتقص منه بالوصية شئ، فثلث المال نصيب وشئ، والمال كله ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء، يعطى الموصى له نصيبا إلا شيئا، يبقى نصيبان وأربعة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء، تسقط نصيبين بنصيبين، يبقى نصيب يعدل أربعة أشياء، والتركة ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء، فهي إذا خمسة عشر سهما، والوصية نصيب إلا شيئا، وهي ثلاثة أسهم، يبقى اثنا عشر سهما للبنين، وقد أخذ الموصى له مثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص بالوصية وهو سهم من خمسة عشر، لانه لولا الوصية لكان لكل واحد منهم خمسة من خمسة عشر. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من ماله بعد الوصايا كلها، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من ماله بعد الوصايا، ولثالث بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما يبقى بعد الوصايا، فتعلم أن الباقي من المال بعد الوصايا كلها ثلاثة أنصباء، فوصية زيد نصيب إلا ربع ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أرباع نصيب، تبقى وصيته بربع نصيب، ووصية عمرو بنصيب إلا خمس ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أخماس نصيب، تبقى وصيته بخمسي نصيب، ووصية الثالث بنصيب إلا سدس ثلاثة أنصباء وهو نصف نصيب، فجملة الوصايا ربع نصيب وخمسا نصيب ونصف نصيب، فهي نصيب وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، فيبقى مال إلا نصيبا وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فمال يعدل أربعة أنصباء وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، فتبسطها بأجزاء عشرين، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة وثمانون، والنصيب عشرون، تلقي الوصايا كلها وهي ثلاثة وعشرون، يبقى ستون للبنين،(5/231)
ولزيد نصيب إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصايا وهو خمسة عشر، فله خمسة، ولعمرو نصيب إلا خمس ما تبقى بعد الوصايا وهو اثنا عشر، فله ثمانية، وللثالث نصيب إلا سدس ما تبقى بعد الوصايا وهو عشرة، فله عشرة. مسألة: خمسة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من ماله بعد الوصية، وإلا ثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية، فتجعل الوصية شيئا، والباقي أنصباء الورثة، فالمال شئ وثلاثة أنصباء، فتسقط الوصية، وتأخذ سدس الباقي وهو نصف نصيب، فتحفظه ثم تأخذ ثلث المال وهو نصيب وثلث شئ، فتسقط منه الوصية وهي شئ، يبقى نصف إلا ثلثي شئ، تأخذ ثلثه وهو ثلث نصيب إلا تسعي شئ وهو المستثنى من النصيب، فتضمه إلى نصف النصيب المحفوظ، يصير خمسة أسداس نصيب إلا تسعي شئ وهو المستثنى من النصيب، فتضمه إلى الوصية وهي شئ ليكمل النصيب، فيبلغ خمسة أسداس نصيب وسبعة أتساع شئ، وذلك يعدل نصيبا، تسقط خمسة أسداس نصيب بمثلها، يبقى سدس نصيب في معادلة سبعة أتساع شئ، فالنصيب الكامل يعدل أربعة أشياء وثلثي شئ، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالنصيب أربعة عشر، والشئ ثلاثة، والمال كله خمسة وأربعون، لانه ثلاثة أنصباء وشئ، تلقي الوصية من المال، يبقى اثنان وأربعون، تأخذ سدسها سبعة وتحفظها، ثم تلقي الوصية من ثلث المال أيضا وهو خمسة عشر، يبقى اثنا عشر، تأخذ ثلثها وهو أربعة، وتضمها إلى السبعة المحفوظة، تبلغ أحد عشر، تلقيها من النصيب، يبقى ثلاثة. مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وأوصى لزيد بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى به لعمرو، ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين إلا ربع ما أوصى به لزيد، فتجعل وصية زيد عددا له ربع، وليكن أربعة دنانير، ووصية عمرو عددا له ثلث، وليكن ثلاثة دراهم. فإذا أخذت ثلث وصية عمرو، وضممته إلى وصية زيد، صار أربعة دنانير ودرهما، وذلك مثل نصيب البنت، فنصيب كل ابن ضعفه وهو ثمانية دنانير ودرهمان. وإذا أسقطت من ذلك ربع وصيته زيد وهو دينار، بقي سبعة دنانير ودرهمان وهي وصية عمرو، وتقابل بها الدراهم التي جعلناها وصية أولا، فتسقط درهمين بمثلها، يبقى سبعة دنانير في مقابلة درهم واحد، فالدينار واحد، والدرهم سبعة، كانت وصية زيد أربعة دنانير، فهي إذا أربعة، وكانت وصية عمرو ثلاثة(5/232)
دراهم، فهي إذا أحد وعشرون، ونصيب البنت أربعة دنانير ودرهم، فهو أحد عشر، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون فما أخذه زيد مثل نصيب البنت إلا ثلث وصية عمرو، وما أخذه عمرو مثل نصيب ابن إلا ربع وصية زيد. مسألة: ابن وبنت، وأوصى بوصية إذا زدت عليها أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت. وإذا زدت عليها تسعة كانت مثل نصيب الابن، فاجعل نصيب البنت شيئا وأربعة دراهم، ونصيب الابن شيئا وتسعة دراهم، ثم تضعف نصيب البنت يصير شيئين وثمانية دراهم، وذلك يعدل نصيب الابن، فتسقط شيئا بشئ، وثمانية دراهم بثمانية، يبقى شئ يعدل درهما وهو الوصية. فإذا زدت درهما على أربعة، صارت خمسة وهي نصيب البنت، وإذا زدت درهما على تسعة، صارت عشرة وهي نصيب الابن، وجملة التركة ستة عشر. مسألة: إبنان وبنت، وأوصى لكل واحد من زيد وعمرو بوصية إذا زدت على وصية زيد أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت، وإذا زدت على وصية عمرو تسعة دراهم كانت مثل نصيب ابن، والوصيتان معا عشرون، كم كانت التركة ؟ وكم كانت الانصباء وكل وصية ؟ فاجعل نصيب البنت شيئا، يكون نصيب الابن شيئين، وتكون وصية زيد شيئا إلا أربعة دراهم، ووصية عمرو شيئين إلا تسعة، فالوصيتان ثلاثة أشياء إلا ثلاثة عشر درهما، وذلك يعدل عشرين درهما، فتجبر وتقابل، فثلاثة أشياء تعدل ثلاثة وثلاثين، فيكون الشئ أحد عشر، فهو نصيب البنت، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون. فإذا نقصت من أحد عشر أربعة، بقي سبعة، فهي وصية زيد، وإذا نقصت من اثنين وعشرين تسعة، بقي ثلاثة عشر، فهي وصية عمرو، فالوصيتان معا عشرون، والتركة خمسة وسبعون. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد وعمرو وبكر بوصايا هي مثل نصيب ابن، ووصية زيد وعمرو معا أكثر من وصية بكر بثلاثة دراهم، ووصية عمرو وبكر معا أكثر من وصية زيد بسبعة دراهم، ووصية زيد وبكر معا أكثر من وصية عمرو بإثني عشر درهما، كم التركة ؟ وكم كل وصية ؟ فاجعل نصيب كل ابن شيئا، تكون الوصايا كلها شيئا، تسقط منه فضل وصية زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة دراهم، يبقى شئ إلا ثلاثة دراهم، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا درهما ونصفا، فهو وصية(5/233)
بكر، ثم تسقط منه فضل وصية عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة، يبقى شئ إلا سبعة دراهم، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا ثلاثة دراهم ونصف درهم، فهو وصية زيد، ثم تسقط منه فضل وصية زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثني عشر، يبقى شئ إلا اثني عشر، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا ستة، فهي وصية عمرو، وجميعها عند الضم شئ ونصف شئ إلا أحد عشر درهما، وذلك يعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فشئ ونصف شئ يعدل شيئا وأحد عشر، تسقط الشئ بالشئ، فالنصف يعدل أحد عشر، والشئ الكامل يعدل اثنين وعشرين، فعرفت أن نصيب كل ابن اثنان وعشرون، وكذلك جميع الوصايا. فإذا أردت معرفة كل وصية، فأسقط من مبلغ الجميع فضل وصيتي زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة، تبقى تسعة عشر، تأخذ نصفها وهو تسعة ونصف، فهي وصية بكر، ثم أسقط منه فضل وصيتي عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة، يبقى خمسة عشر، تأخذ نصفها وهو سبعة ونصف، فهي وصية زيد، ثم أسقط منه فضل وصيتي زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثنا عشر، يبقى عشرة، تأخذ نصفها خمسة، فهي وصية عمرو، وجملتها اثنان وعشرون. ولما كانت الوصايا في هذه الصورة ثلاثا، وكانت كل اثنتين منها تفضل الثالثة بعدد، كانت كل مفضولة نصف الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل. ولو كانت الوصايا أربعا، وكل ثلاث تفضل الرابعة بعدد، كانت المفضولة ثلث الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل. ولو كانت خمسا، وكل أربع منها تفضل الخامسة بعدد، كانت المفضولة ربع الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل، وعلى هذا القياس. مسألة: إبنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بثلث ما تبقى من النصف وبدرهم، وترك ثلاثين درهما، فتجعل الوصيتين شيئا، وتلقيه من التركة، يبقى ثلاثون درهما إلا شيئا، لكل ابن خمسة عشر إلا نصف شئ، فهو النصيب، ثم تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر، فتسقط منه نصيبا وهو خمسة عشر إلا نصف شئ، يبقى نصف شئ، تأخذ لعمرو ثلاثة وهو سدس شئ، وتضم إليه درهما، فالوصيتان معا ستة عشر إلا ثلث شئ، وذلك يعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فستة عشر درهما تعدل شيئا(5/234)
وثلث شئ، فالشئ يعدل اثني عشر درهما، وهي تعدل جملة الوصيتين، يبقى ثمانية عشر للابنين، تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر درهما، تسقط منه نصيبا وهو تسعة، تدفعه إلى زيد، يبقى ستة، تأخذ ثلثها ودرهما لعمرو، يبقى ثلاثة، تزيدها على النصف الآخر، تصير ثمانية عشر، لكل ابن تسعة.
الطرف الرابع : في المسائل الدورية من سائر التصرفات الشرعية. ولنوردها على ترتيب أبوابها في الفقه. فمنها: البيع، وقد ذكرنا في تفريق الصفقة مسائل منه، منها: باع مريض قفيزا جيدا قيمته عشرون بقفيز قيمته عشرة، وذكرنا أن هذا البيع باطل في قول، فتبطل المحاباة التي في ضمنه. وفي قول: يصح البيع في بعض القفيز ببعض القفيز، واستخرجنا بالجبران ذلك البعض هو الثلثان. ولو باع كرا قيمته خمسون، بكر قيمته ثلاثون وله سواه عشرة دراهم، صح البيع في جميع الكر، لانه رجع إليه ثلاثون، وعنده عشرة، فيبقى لورثته أربعون، ولم يحاب إلا بعشرين. ولو كانت قيمة كر المريض خمسين، والذي يقابله خمسة عشر، وله عشرة، فتقول: صح البيع في شئ من الكر الجيد، وقابله من الثمن ثلاثة أعشار ذلك الشئ، فبقيت المحاباة وسبعة أعشار شئ، ومع الورثة عشر دراهم وهي عشرا كر، فيجتمع معهم كر وعشرا كر إلا سبعة أعشار شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شئ وأربعة أعشار شئ، لان المحاباة سبعة أعشار شئ، فتجبر وتقابل، فكر وعشرا كر تعدل شيئين وعشر شئ، تبسطها أعشارا، فيكون الكر أحدا وعشرين، والشئ اثني عشر، فيصح البيع في اثني عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من الكر، وذلك أربعة أسباعه بأربعة أسباع الكر الردئ، وهي بالقيمة ثلاثة أعشار المبيع من الجيد، فتجعل الكر عددا له سبع وعشر، وأقله سبعون، فيصح البيع في أربعة أسباعه وهي أربعون بثلاثة أعشار الاربعين وهي اثنا عشر، فبقيت المحاباة بثمانية وعشرين، ومع الورثة مما بطل البيع فيه ثلاثون وعشرا كر وهما أربعة عشر بأجزاء السبعين، فيجتمع معهم ستة وخمسون ضعف المحاباة، وبطريق النسبة والتقدير نقول: ثلثا الكر والعشرة المتروكة عشرون، والمحاباة بخمسة وثلاثين، والعشرون أربعة أسباع الخمسة والثلاثين، فيصح البيع في أربعة أسباع الكر.(5/235)
مسألة: باع كرا قيمته مائة بكر قيمته خمسون، وعليه عشرة دراهم دينا، فيحط العشرة من ماله، ويقدر كأنه لا يملك إلا تسعين، وثلثها ثلاثون، والمحاباة بخمسين، والثلاثون ثلاثة أخماس الخمسين، فيصح البيع في ثلاثة أخماس الجيد بثلاثة أخماس الردئ، فيخرج من ملكه ستون، ويعود إليه ثلاثون، ويبقى مما بطل فيه ثلاثون، وذلك ضعف المحاباة. فرع إذا كان على المريض دين وله مال سوى ما باع، فقابل الدين بالتركة، فإن تساويا، فكأنه لا دين ولا تركة، وإن زاد أحدهما، اعتبرنا الزائد على ما ذكرناه. فرع هذا المذكور هو في بيع الجنس بجنسه الربوي. فلو باع كر حنطة قيمته عشرون، بكر شعير قيمته عشرة، فإن قلنا: يصح البيع في بعض بقسطه من الثمن، فهو كبيع الحنطة الجيدة بالرديئة، فيصح البيع في ثلثي الحنطة بثلثي الشعير. وإن قلنا: يصح فيما يحتمله الثلث، وفيما يوازي الثمن بجميع الثمن، صح البيع في خمسة أسداس الحنطة بجميع الشعير، لانه يصح في قدر الثلث، وفيما يوازي الشعير بالقيمة وهو النصف، ولا بأس بالمفاضلة في الكيل.
فصل في بيع المريض بالمحاباة مع حدوث زيادة أو نقص أما الزيادة، فالاعتبار في القدر الذي يصح فيه البيع، بيوم البيع، وزيادة المشتري غير محسوبة عليه. والاعتبار في القدر الذي يبطل فيه البيع ويبقى للورثة، بيوم الموت، ولا فرق بين أن تكون الزيادة بمجرد ارتفاع السوق أو بصفة تزيد في القيمة. فإذا باع عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثم بلغت قيمته أربعين، وصححنا البيع في بعضه على ما بيناه في تفرى الصفقة، فإن صححناه في بعضه بكل الثمن، فللمشتري بالعشرة نصف العبد وهي قيمته يوم الشراء، يبقى نصف العبد وقيمته يوم الموت عشرون، يضمه إلى الثمن، يبلغ ثلاثين، فله من ذلك شئ بالمحاباة، وشئ يتبع المحاباة بسبب زيادة القيمة غير محسوب عليه، يبقى ثلاثون درهما إلا شيئين تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فثلاثون درهما تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع الثلاثين وهو سبعة دراهم ونصف، وهذا ما يجوز التبرع فيه وهو ثلاثة أثمان العبد يوم البيع، فيضم إلى النصف الذي ملكه المشتري بالثمن، فيحصل له بالثمن والتبرع(5/236)
سبعة أثمان العبد، يبقى للورثة ثمنه وهو خمسة يوم الموت، والثمن وهو عشرة، وهما ضعف المحاباة. وإن صححنا البيع في بعضه بقسطه من الثمن، فنقول: يصح البيع في شئ من العبد بنصف شئ من الثمن، فتكون المحاباة بنصف شئ، ويبطل البيع في عبد إلا شئ، وقيمته عند الموت أربعون درهما إلا شيئين. وإنما استثنى شيئين، لان الاستثناء يزيد بحسب زيادة المستثنى منه، فيضم إليه الثمن وهو نصف شئ، يبقى أربعون إلا شيئا ونصف شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شئ، فتجبر وتقابل، أربعون تعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا الاربعين، وهما ستة عشر، وهي أربعة أخماس العبد يوم البيع، فللمشتري أربعة أخماس العبد بأربعة أخماس الثمن وهي ثمانية، فتكون المحاباة بثمانية، وللورثة أربعة أخماس الثمن وهي ثمانية، وخمس العبد وقيمته يوم الموت ثمانية، فالمبلغ ستة عشر ضعف المحاباة، ولا اعتبار بالزيادة الحادثة بعد موت المرى ض، بل وجودها كعدمها. وأما النقص، فإما أن يحدث في يد المشتري، وإما في يد البائع المريض. القسم الاول: إذا حدث النقص في يد المشتري، فإما أن يحدث قبل موت البائع، وإما بعده. فالحالة الاولى: مثالها: أن يبيع عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثم تعود قيمته إلى عشرة، ثم يموت البائع، فإن صححنا البيع في بعض العبد بجميع الثمن، قلنا: ملك المشتري نصف العبد بالعشرة، ونضم نصفه الآخر يوم الموت وهو خمسة إلى الثمن، يبلغ خمسة عشر، للمشتري شئ من ذلك المحاباة، وذلك الشئ محسوب عليه بشيئين، لان النقص بالقسط محسوب على المتبرع عليه، فيبقى للورثة خمسة عشر إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب عليه من المحاباة وهو أربعة أشياء، فتجبر وتقابل، فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء، فالشئ ثلاثة، وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت. وإذا انضم إليها النصف الذي ملكه بالثمن وهو خمسة يوم الموت، كان المبلغ ثمانية وهي أربعة أخماس العبد يوم الموت، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهو ستة عشر بجميع الثمن وهو عشرة، يبقى التبرع بستة، وللورثة خمس العبد وهو درهمان، والثمن وهو عشرة، فالجملة اثنا عشر ضعف(5/237)
المحاباة. وإن صححنا البيع في بعضه بالقسط، قلنا: يصح البيع في شئ من العبد بنصف شئ من الثمن، ويبط في عبد ناقص بشئ، وقيمته يوم الموت عشرة إلا نصف شئ، فتضم الحاصل من الثمن وهو نصف شئ إليه، فيكون عشرة دراهم بلا استثناء، وهي تعدل ضعف المحاباة، وهي شئ، فالشئ عشرة دراهم، وهي نصف العبد يوم البيع، فيصح البيع في نصفه وهو عشرة بنصف الثمن وهو خمسة فالمحاباة بخمسة دراهم، وللورثة نصف العبد يوم الموت وهو خمسة، ونصف الثمن وهو خمسة، وجملتها ضعف المحاباة. وفقه هذه الحالة: أن ما صح فيه البيع، فحصته من النقص محسوبة على المشتري، لانه مضمون عليه بالقبض. وما بطل فيه البيع، فحصته من النقص غير مضمونة على المشتري، لانه أمانة في يده، لانه لم يتعد بإثبات اليد عليه، ولا قبضه لمنفعة نفسه. واستدرك إمام الحرمين فقال: إن كان النقص بانخفاض السوق، فهذا صحيح، لان نقص السوق لا يضمن باليد مع بقاء العين. فإن كان النقص في نفس العبد، فيحتمل أن يقال: إنه مضمون على المشتري، لانه مقبوض على حكم البيع. حتى لو برأ المريض، كان البيع لازما في الجميع. فعلى هذا، يصير المشتري غارما لقدر من النقصان مع الثمن، ويختلف القدر الخارج بالحساب. الحالة الثانية: أن يحدث النقص بعد موت البائع، فظاهر ما ذكره الاستاذ أبو منصور، أنه كما لم حدث قبل الموت، حتى يكون القدر المبيع هنا كالقدر المبيع فيما إذا حدث قبل موته. قال الامام: وهذا خطأ إن أراد هذا الظاهر، لان النظر في التركة وحساب الثلث والثلثين إلى حالة الموت، ولا معنى لاعتبار النقص بعده، كما لا تعتبر الزيادة. القسم الثاني: إذا حدث النقص في يد البائع، بأن باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة، ولم يسلمه حتى عادت قيمته إلى عشرة، ذكر الاستاذ: أنه يصح البيع في جميعه، لان التبرع إنما يتم بالتسليم، وقد بان قبل التسليم أنه لا تبرع. قال: وكذا لو عادت قيمته إلى خمسة عشر، لان التبرع يكون بخمسة، والثلث واف بها. واعترض الامام بأن التبرع الواقع في ضمن البيع لا يتوقف نفوذه وانتقال الملك فيه على التسليم، فوجب أن ينظر إلى وقت انتقال الملك، وأن لا يفرق بين النقص قبل القبض وبعده، وهذه الاعتراضات بينة.(5/238)
فرع الحادث في يد المشتري، إن كان بانخفاض السوق، لم يدفع خيار المشتري بتبعض الصفقة عليه. وإن كان لمعنى في نفس المبيع، فقد شبهوه بالعيب الحادث مع الاطلاع على العيب القديم.
فصل محاباة المشتري تعتبر من الثلث كمحاباة البائع. فإذا اشترى مريض عبدا قيمته عشرة بعشرين لا يملك غيره، فثلث ماله ستة وثلثان، والمحاباة عشرة، والستة والثلثان ثلثا العشرة، فيصح الشراء في ثلثي العبد وهو ستة وثلثان بثلثي الثمن وهو ثلاثة عشر وثلث، يبقى مع الورثة ثلث الثمن وهو ستة وثلثان، وثلثا العبد وهو ستة وثلثان، وذلك ضعف المحاباة. هذا إن أجاز البائع البيع، وله أن يفسخ ويسترد العبد لتبعض الصفقة عليه. ولو اشترى عبدا قيمته عشرة بعشرين، فزادت قيمة العبد في يده، أو في يد البائع، فصارت خمسة عشر، فقد زادت خمسة في تركته. فإن قلنا: يصح الشراء فبعض ما حابى فيه بجميع ما يقابله، فتضم الخمسة الزائدة إلى الثمن، فيصير جميع التركة خمسة وعشرين، وثلثها ثمانية وثلث، فيقال للبائع: ثلث ماله ثمانية وثلث، وقد حاباك بعشرة، فإما أن تفسخ البيع وتسترد العبد، وإما أن ترد ما زاد على الثلث وهو درهم وثلثان. فإن رد، فمع الورثة العبد، وقيمته يوم الموت خمسة عشر، ومعهم درهم وثلثان، والجملة ضعف المحاباة. وإن قلنا: يصح الشراء في بعضه ببعض ما يقابله، قلنا: يصح الشراء في شئ من العبد بشيئين من الثمن، فتكون المحاباة بشئ، يبقى عشرون درهما إلا شيئين، تضم إليها المشترى من العبد وكان شيئا، فصار شيئان ونصف شئ، تبلغ عشرين إلا نصف شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فالعشرون تعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ ثمانية وهي خمسا العشرين وأربعة أخماس العبد، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهي ثمانية بأربعة أخماس وهي ستة عشر، فتكون محاباة المشتري بثمانية، يبقى للورثة خمس الثمن وهي أربعة، وأربعة أخماس العبد وهي اثنا عشر يوم الموت، فالجملة ستة عشر ضعف المحاباة. ولو اشترى كما ذكرنا، ثم نقص العبد في يد المريض فعادت قيمته إلى خمسة، فإن قلنا بالاول من القولين، فقد كانت تركته عشرين، وصارت بالآخرة خمسة عشر، وثلثها خمسة، فيقال للبائع: إما أن ترد على الورثة خمسة ليكون معهم العبد وهو خمسة والدراهم الخمسة فيكون لهم ضعف الخمسة، وإما أن تفسخ(5/239)
البيع وترد الثمن بتمامه وتسترد العبد ناقصا ولا ضمان. وإن قلنا بالتقسيط، فقال الاستاذ أبو منصور: يضمن المشتري قسط ما بطل فيه البيع من النقصان، وينقص ذلك من التركة كدين يلزم قضاؤه. قال الامام: هذا رجوع إلى ما قدمناه أن المأخوذ على أنه مبيع يكون مضمونا عليه، ومناقض لما ذكر الاستاذ أن مالا يصح فيه البيع أمانة في يد المشتري، ثم حسابه أن يقال: صح الشراء في شئ من العبد بشيئين من الثمن، وبطل في عبد ناقص بشئ قيمته بالتراجع خمسة دراهم إلا نصف شئ، فينقص القدر الذي نقص من التركة، يبقى خمسة عشر درهما إلا شيئا ونصف شئ، تضم إليه الشئ المشترى من العبد وقد رجع إلى نصف، فيكون الحاصخمسة عشر درهما إلا شيئا تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فخمس عشر تعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث الخمسة عشر وهو نصف العبد، فيصح الشراء فنصف العبد بنصف الثمن، فتكون المحاباة بخمسة، يبقى للورثة نصف الثمن وهو عشرة، ونصف العبد وهو اثنان ونصف، تسقط من المبلغ قسط ما بطل العقد فيه من النقصان وهو اثنان ونصف، يبقى في أيديهم عشرة ضعف المحاباة. فرع اشترى مريض عبدا يساوي عشرة بعشرين، وله ثلاثون درهما، وقبض العبد وأعتقه، فالمحاباة بعشرة وهي ثلث ماله، قال ابن الحداد: إن كان ذلك قبل توفية الثمن على البائع، نفذ العتق وبطلت المحاباة، والبائع يأخذ قدر قيمة العبد بلا زيادة، لان المحاباة في الشراء كالهبة، فإذا لم تكن مقبوضة حتى جاء ما هو أقوى منها وهو العتق، أبطلها. وإن كان بعد توفية الثمن، بطل العتق، لان المحاباة المقبوضة استغرقت الثلث. قال الشيخ أبو علي: قد أكثر ابن الحداد التبجح بهذه المسألة، وهو غالظ فيها عند الاصحاب كلهم، وقالوا: لا فرق في المحاباة بين أن تكون مقبوضة أو لا تكون، لانها متعلقها بالمعاوضة، والمعاوضات تلزم بنفس العقد، ولهذا يتمكن الواهب من إبطال الهبة قبل القبض، ولا يتمكن من إبطال المحاباة، والحكم في الحالتين تصحيح المحاباة المتقدمة وإبطال العتق المتأخر. قال: وأما قوله: يأخذ البائع قيمة العبد بلا زيادة، فهذا لا يجوز أن يلزم ويكلف به، لانه لم يزل ملكه إلا بعشرين، لكن يخير بين ما ذكره وبين أن يفسخ البيع ويبطل العتق. فرع باع مريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر لاخيه يقفيز قيمته خمسة،(5/240)
فمات أخوه قبله، وخلف بنتا وأخاه البائع، ثم مات البائع ولا مال لهما سوى القفيزين، صح البيع في شئ من القفيز الجيد، ويرجع بالعوض ثلث شئ، يبقى معه قفيز ثلثي شئ، فالمحاباة بثلثي شئ، ويحصل مع المشتري شئ من القفيز الجيد، والباقي من قفيزه وهو قيمة القفيز الجيد ثلث قفيز إلا ثلث شئ، فهما معا ثلث قفيز وثلثا شئ، يرجع نصفه بالارث إلى البائع وهو سدس قفيز وثلث شئ، فتزيده على ما كان للبائع، فالمبلغ قفيز وسدس قفيز إلا ثلث شئ، وهذا يعدل ضعف المحاباة، وهو شئ وثلث شئ، فتجبر وتقابل، فقفيز وسدس قفيز تعدل شيئا وثلثا شئ، فتبسطهما أسداسا، وتقلب الاسم، فالقفيز عشرة، والشئ سبعة، فيصح البيع في سبعة أعشار الجيد، وهي عشرة ونصف، بسبعة أعشار الردئ، وهو ثلاثة ونصف، فتكون المحاباة بسبعة، يبقى مع البائع من قفيزه أربعة ونصف، وقد أخذ بالعوض ثلاثة دراهم ونصفا، فالمجموع ثمانية، وللمشتري من قفيزه درهم ونصف، ومن القفيز الجيد عشرة ونصف، تكون اثني عشر درهما، يرجع نصفه إلى البائع وهو ستة، يبلغ ما عنده أربعة عشر وهو ضعف المحاباة. ولو كان القفيز الردئ نصف قيمة الجيد، والجيد يساوي عشرين، صح البيع في الجميع، لانه تكون المحاباة بعشرة، فيبقى عنده عشرة، ويرجع إليه بالارث عشرة. فرع باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة، فاكتسب العبد عشرين في يد البائع أو في يد المشتري، ثم مات المريض، فإن ترك عشرة سوى ثمن العبد، نفذ البيع في جميع العبد، وكان الكسب للمشتري، وإن لم يملك شيئا آخر، بطل البيع في بعض العبد، لان المحاباة لم تخرج من الثلث. ثم حكى الامام عن الاستاذ، أن جميع الكسب للمشتري، لانه حصل في ملكه ثم عرض الفسخ والرد كاطلاع المشتري على عيب قديم، فإنه يرد ويبقى له الكسب، قال: وهذا زلل عظيم، بل الوجه القطع بأن الكسب يتبعض بتبعض العبد كما في العتق، وليس هذا فسخا وردا للبيع في بعض العبد، بل يتبين صحة البيع وحصول الملك للمشتري في بعض العبد دون بعضه، وهذا حق، لكن الاستاذ لم يقل هذا عن نفسه حتى يشنع عليه، وإنما نقله عن ابن سريج وأكثر الاصحاب، ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته. وعلى هذا، فحكمه التبعيض كالزيادة. ولو اشترى المريض عبدا قيمته عشرة بعشرين (فاكتسب)، فالكسب كالزيادة في القيمة، لكن التركة تزداد(5/241)
به، وحكم الزيادة ما سبق. فرع اشترى مريض عبدا بعشرة، وترك سواه بعشرين، وأوصى لزيد بعشرة، ثم وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة، فاختار إمساكه، جاز، وكأنه حاباه بخمسة، والمحاباة مقدمة على الوصية، وللموصى له باقي الثلث وهو خمسة. وإن وجد الورثة العبد معيبا وأمسكوه، فلزيد العشرة، وما نقص بالعيب كأنهم أتلفوه، لانهم لو شاؤوا لفسخوا أو استردوا الثمن. ولو اشترى عبدا بثلاثين فأعتقه، وخلف ستين درهما، ثم وجد الورثة به عيبا ينقصه خمسة دراهم، رجعوا على البائع بالارش. ولو وهبه وأقبضه، لم يرجعوا به، لانه ربما عاد إليهم فيردونه. هذا جواب الاستاذ، وفيه وجه مشروح في موضعه. ولو لم يخلف غير العبد وكان قد أعتقه، عتق منه خمساه وهو عشرة دراهم، ويرجع الورثة بالارش وهو خمسة على البائع، ولهم مع ذلك ثلاثة أخماس العبد وهي خمسة عشرة، فيكون عشرين ضعف المجاباة. قال الاستاذ: وللبائع أن يأخذ ثلاثة أخماس العبد، ويرد ثلاثة أخماس الثمن، ويغرم أرش خمسيه وهو درهمان. ولو كان قد وهبه وأقبضه بدل الاعتاق، فالخمسة الناقصة تحسب من الثلث، لان المريض هو الذي فوت الرجوع بالارش بما أنشأ من الهبة، وللموهوب له خمسه وهو خمسة، وللورثة أربعة أخماسه وهي عشرون. فرع ترك عبدا قيمته ثلاثون، وأوصى ببيعه لزيد بعشرة، فثلث ماله عشرة، وأوصى بالمحاباة بعشرين، فإن لم تجز الورثة، بيع منه على قول ثلثا العبد بجميع العشرة لتحصل له المحاباة بقدر الثلث، وللورثة ضعفه. وعلى قول التقسيط، يباع منه نصف العبد بنصف الثمن. ولو أوصى مع ذلك بثلث ماله لعمرو، فالثلث بينهما على ثلاثة، لزيد سهمان، ولعمرو سهم.
فصل ومن التصرفات الدورية السلم. فإذا أسلم المريض عشرة في قدر من الحنطة مؤجلا يساوي عشرة، ومات قبل حلول الاجل، فللوارث الخيار. فإن أجاز، فالسلم بحاله. وإن قالوا: لا نرضى بالاجل في محل حقنا وهو الثلثان، فلهم ذلك كما ذكرنا في بيع الاعيان بثمن مؤجل، وحينئذ فالمسلم إليه بالخيار، إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال بتمامه، وإن شاء رد ثلثي رأس المال وفسخ العقد في الثلثين وبقي الثلث عليه مؤجلا، وإن شاء عجل ثلثي ما عليه ويبقى الثلث عليه(5/242)
مؤجلا، وأيهما اختار سقط حق الورثة من الفسخ. ولو أسلم عشرة في قدر يساوي ثلاثين، فللورثة الخيار أيضا مع الغبطة بسبب الاجل، وللمسلم إليه الخيار كما ذكرنا، ويكفيه أن يجعل مما عليه ثلثي العشرة وذلك تسعا ما عليه من الحنطة، ويكون الباقي عليه إلى انقضاء الاجل. ولو أسلم الثلاثين في قدر يساوي عشرة، فللورثة الاعتراض هنا بسبب الاجل وبسبب التبرع. فإذا لم يجيزوا، فالمسلم إليه بالخيار، إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال، وإن شاء فسخه في الثلاثين ورد ثلثي رأس المال، ويكون الباقي عليه إلى أجله، فإن شاء عجل ما عليه مع ما زاد من المحاباة على الثلث، ولا يكفيه تعجيل ما عليه هنا، لانه لا يحصل للورثة ثلثا المال، ولو عجل نصف ما عليه مع نصف رأس المال وفسخ السلم في النصف، كفى. ولو أسلم مريض إلى رجلين ثلاثين درهما في قفيز من الحنطة قيمته عشرة إلى أجل، ولم يجز الورثة، واختار المسلم إليهما إمضاء السلم فيما يجوز فيه السلم، فإن قلنا: يصح العقد في بعض ما حابى فيه بقسطه، صح لهما السلم في نصف المسلم فيه، وقيمته خمسة دراهم، بنصف رأس المال وهو خمسة عشر، فتكون المحاباة بعشرة، وللورثة نصف المسلم فيه وهو خمسة، ونصف رأس المال وهو خمسة عشر، وذلك ضعف المحاباة. وإن قلنا: يصح العقد في بعض ما حابى به بجميع الثمن، فإذا أمضيا العقد، صح السلم في جميع القفيز بثلثي رأس المال، فيؤديان القفيز ويردان عشرة دراهم. فصل ومنها الضمان، والاقرار، والشفعة. وقد ذكرنا مثال الدور فيها في أبوابها. ومن صوره في الاقرار، قال زيد لعمرو: علي عشرة إلا نصف ما على بكر، وقال بكر لعمرو: علي عشرة إلا نصف ما على زيد، فعلى كل واحد من زيد وبكر عشرة إلا شيئا، تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة إلا نصف شئ، وذلك يعدل الشئ الناقص من العشرة، فخمسة إلا نصف شئ تعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فخمسة تعدل شيئا ونصفا، فالشئ ثلثا الخمسة وهو ثلاثة وثلث، فهي الشئ، تسقطها من العشرة، يبقى ستة وثلثان، فهي الواجب على كل واحد منمما. وو قال: كل واحد منهما عشرة إلا ربع ما على الآخر، قلنا: على كل واحد عشرة إلا شيئا، تأخذ ربع ما على أحدهما وهو درهمان ونصف إلا ربع شئ(5/243)
، وذلك يعدل الشئ الناقص، فتجبر وتقابل، فيقع درهمان ونصف في معادلة شئ وربع شئ، فالشئ درهمان تسقطهما من العشرة، يبقى ثمانية، فهي الواجب على كل واحد منهما. ولو قال: كل واحد عشرة ونصف ما على الآخر، قلنا: على كل واحد عشرة وشئ، تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة ونصف شئ، وذلك يعدل الشئ الزائد على العشرة، فتسقط نصف شئ بنصف شئ، يبقى نصف شئ في معادلة خمسة دراهم فالشئ عشرة دراهم، فعلى كل واحد عشرون. ولو قال: كل واحد عشرة وثلث ما على الآخر، فيزاد على العشرة نصفها، تبلغ خمسة عشر، فهي الواجب على كل منهما. ولو قال: وربع ما على الآخر، فيزاد على العشرة ثلثها، فعلى كل واحد ثلاثة عشر وثلث، وعلى هذا التنزيل. فصل ومنها الهبة، فإذا وهب مريض عبدا، ثم رجع العبد أو بعضه إلى الواهب بهبة أو غيرها، دارت المسألة، لان التركة تزيد بقدر الراجع. وإذا زادت، زاد الثلث. وإذا زاد الثلث، زاد الراجع فزادت التركة، فإذ وهب مريض لزيد عبدا، وأقبضه، ثم وهبه زيد للاول وهو مريض أيضا، وماتا ولا مال لهما سوى العبد، فبالجبر نقول: صحت هبة الاول في شئ من العبد، فبقي عبد إلا شيئا، وصحت هبة زيد في ثلث ذلك الشئ، فيرجع إلى الاول ثلث شئ، فيكون معه عبد إلا ثلثي شئ، وذلك يعدل ضعف ما صحت هبته فيه وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية، والشئ ثلاثة، فتصح هبة الاول في ثلاثة أثمان العبد، وتبطل في الباقي، وتصح هبة زيد في ثمن من الاثمان الثلاثة، فيبقى مع ورثة زيد ثمنان وهما ضعف هبته، ومع ورثة الاول ستة أثمان العبد وذلك ضعف هبته. وبطريق السهام، تطلب عددا له ثلث، ولثلثه ثلث بسبب الهبتين، وأقله تسعة، فتصح هبة الاول في ثلاثة، ويرجع من الثلاثة سهم وهو سهم الدور، تسقطه من التسعة، يبقى ثمانية، تصح الهبة فثلاثة منها كما سبق. ولو وهب زيد لمريض ثالث وأقبه، ثم وهب الثالث الاول، صحت هبة الاول في شئ من العبد، وهبة زيد في ثلث ذلك الشئ، وهبة الثالث في ثلث ثلثه وهو تسع، فيرجع(5/244)
إليه تسع ذلك الشئ، يبقى معه عبد إلا ثمانية أتساع شئ تعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثمانية أتساع شئ، فتبسطها أتساعا، وتقلب الاسم، ف العبد ستة وعشرون، والشئ تسعة، فتصح هبة الاول في تسعة أجزاء من ستة وعشرين جزءا من العبد، وهبة زيد في ثلاثة منها، يبقى مع ورثته ستة هي ضعف هبته، وهبة الثالث في واحد، يبقى مع ورثته سهمان، وينضم جزء إلى ما بقي مع ورثة الاول، تكون ثمانية عشر هي ضعف ما صحت فيه هبته. وبالسهام تطلب عددا له ثلث، ولثلثه ثلث، ولثلث ثلثه ثلث، وأقله سبعة وعشرون، يسقط منه سهم الدور، يبقى ستة وعشرون على ما ذكرنا. مسألة: كان للواهب تركة سوى العبد، بأن وهب لزيد عبدا قيمته مائة، وأقبضه، ثم وهبه زيد - وهو مريض أيضا - للاول، ثم ماتا وللاول خمسون سوى العبد، فبطريق الدينار والدرهم تقول: العبد دينا ودرهم، تصح هبة الاول في درهم، ويرجع إليه بهبة زيد ثلث درهم، يبقى معه من العبد دينار، ومما سواه نصف دينار ونصف درهم، فإنه مثل نصف العبد، ومما رجع إليه ثلث درهم، فالمبلغ دينار ونصف دينار وخمسة أسداس درهم، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو درهمان، تسقط خمسة أسداس بخمسة أسداس درهم، يبقى دينار ونصف دينار في معادلة درهم وسدس درهم، تبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالدرهم تسعة، والدينار سبعة، وكان العدد درهما ودينارا، فهو إذا ستة عشر، تصح الهبة في تسعة منها، ويرجع إليه بهبة زيد ثلاثة ومعه تركة مثل نصف العبد، فالمبلغ ثمانية عشر ضعف التسعة. ولو كان على الواهب الاول دين ولا تركة سوى العبد، فإن كان الدين مثل العبد أو أكثر، فالهبة باطلة. وإن كان أقل، بأن وهب عبدا قيمته مائة وعليه عشرون دينا، صحت هبة الاول في شئ، ويرجع إلية ثلث شئ، فيبقى عبد إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: أربعة أخماس عبد تعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما بأجزاء الثلث والخمس بأن تضربهما في خمسة عشر، وتقلب الاسم، فالعبد أربعون، والشئ اثنا عشر، تصح هبة الاول في اثني عشر من أربعين من العبد، ويعود إليه أربعة، يبقى اثنان وثلاثون، يقضى منها الدين وهو ثمانية أجزاء مثل خمس العبد، يبقى أربعة وعشرون ضعف الهبة. ولو كان للمريض الثاني تركة سوى العبد، بأن كان العبد مائة، وللثاني خمسون سواه، ووهب جميع(5/245)
ماله، فتصح هبة الاول في شئ من العبد ويكون مع الثاني نصف عبد وشئ، يرجع ثلثه إلى الاول وهو سدس عبد وثلث شئ، فيجتمع عنده عبد وسدس عبد إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد وسدس عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما أسداسا، وتقلب الاسم، فالعبد ستة عشر، والشئ سبعة، ومع الثاني نصف عبد وهو ثمانية مع الشئ وهو سبعة، فالمبلغ خمسة عشر، ويرجع إلى الاول من هبته خمسة، فيصير معه أربعة عشر ضعف الهبة. مسألة: وهب مريض عبدا قيمته مائة، فمات في يد المتهب، ثم مات الواهب ولا مال له، فعن ابن سريج وجهان. أحدهما: تصح الهبة في جميع العبد، لانه لم يبق شئ يورث، فتكون هبته كهبة الصحيح. وأصحهما: أنها باطلة، لانها في معنى الوصية. فإن أبطلناها، ففي وجوب الضمان على المتهب وجهان. أحدهما: نعم، لانه قبضه لنفسه فأشبه المستعير. وأصحهما: لا، بخلاف المستعير، فإنه قبض ليرد. فإن أوجبنا الضمان، قال الاستاذ: يضمن ثلثي قيمته لورثة الواهب، وقياس بطلان الهبة أن يضمن جميع القيمة. ولو اكتسب العبد في يد المتهب مائة، ثم مات، فإن صححنا الهبة في الجميع، فالكسب للمتهب. وإن أبطلناها في الجميع إذا لم يكن كسب، فهنا تصح الهبة في شئ من العبد، ويكون للمتهب شئ من الكسب غير محسوب عليه من الوصية، وللورثة باقي الكسب وهو مائة إلا شيئا تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة: مائة تعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث المائة، فتصح الهبة في ثلث العبد، وتبطل في ثلثه، ولورثة الواهب ثلثا كسبه، وذلك ضعف ما صحت فيه الهبة، ولم يحسب ثلثا العبد على ورثة الواهب، لانه تلف قبل موت الواهب، وحسبنا على المتهب ما تلف من وصيته، لانه تلف تحت يده. مسألة: وهب لاخيه مالا لا مال له سواه، فمات الاخ قبله وخلف بنتا وأخاه(5/246)
الواهب، ثم مات الواهب، فتصح الهبة في شئ من العبد، ويرجع بالميراث نصفه، فالباقي عبد إلا نصف شئ، وذلك يعدل شيئين، فتجبر وتقابل، فعبد يعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا العبد، فتصح الهبة في خمسيه، وتبطل في ثلاثة أخماسه، ويرجع بالميراث أحد الخمسين، فيحصل للورثة أربعة أخماسه وهي ضعف ما صحت فيه الهبة. مسألة: أخ وأخت مريضان، وهب كل للآخر عبدا لا يملك سواه وهما متساويا القيمة، ثم مات الاخ وخلف بنتين والاخت الواهبة، أو ماتت الاخت وخلفت زوجا والاخ الواهب، فإن ماتت الاخت أولا، صارت هبتها للاخ وصية للوارث. وأما هبة الاخ، فتصح في شئ، ويرجع إليه بالارث نصف شئ مع نصف العبد الذي كان لها، فيجتمع لورثته عبد ونصف عبد إلا نصف شئ، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد ونصف عبد تعدل شيئين ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد خمسة، والشئ ثلاثة، تصح الهبة في ثلاثة أخماس العبد، ويرجع إليه بالارث نصفها ونصف العبد الذي لها وهو أربعة أخماس، فيضم إلى الخمسين الباقيين له، يكون ستة أجزاء ضعف الهبة. وإن مات الاخ أولا، صارت هبته للاخت وصية لوارث، وتصح هبة الاخت في شئ من العبد، ويرجع إليها ثلثها مع ثلث العبد الذي كان له، فيجتمع لورثتها عبد وثلث عبد إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية، والشي أربعة وهي نصفها، تصح الهبة في نصف العبد، وينضم إليه ماله وهو عبد، فالمبلغ عبد ونصف يعود ثلثه إلى الاخت وهو نصف عبد، فيجتمع لورثتها عبد ضعف الهبة. ولو عمي موتهما ولم يرث أحدهما الآخر، صحت هبة كل واحد في نصف عبده. مسألة: وهب لزوجته مائة لا يملك غيرها، وأقبضها، فأوصت هي بثلث مالها، ثم ماتت قبل الزوج، صحت هبته في شئ من المائة، وصحت وصيتها في ثلث ذلك الشئ، ويرجع إلى الزوج بالارث نصف ذلك الباقي وهو ثلث شئ، فيحصل عند الزوج مائة إلا ثلثي شئ وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: مائة تعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمائة ثمانية، والشئ ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أثمان المائة، وتصح الوصية في ثمن، ويرجع بالارث(5/247)
ثمن إلى الزوج، فيحصل عند ورثت ستة أثمان وهو ضعف الهبة. مسألة: وهب مريض لمريض عبدا، وأقبضه، ثم وهبه الثاني للاول وأقبضه، ولا مال لهما غيره، ثم أعتقه الاول وماتا، قال ابن سريج: المسألة تصح من أربعة وعشرين، لورثة الواهب الاول ثلثاه، ولورثة الثاني ربعه، ويعتق منه باقي الثلث وهو نصف سدسه، قال الاستاذ: هذا خطأ عند حذاق الاصحاب، والعتق باطل، لانه قدم الهبة على العتق وهي تستغرق الثلث. وإذا بطل العتق، صحت هبة الاول في ثلاثة أثمان العبد، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثمنه، فيجتمع مع ورثته ستة أثمان وهي ضعف الهبة. وصوب الامام ابن سريج فقال: إذا اجتمع للاول ستة أثمانه، ثم أعتق، فتنفيذ العتق في تمام الثلث لا ينقص حق ورثته من الثلثين، ولا حق الموهوب له، فيتعين المصير إليه، وحينئذ لا بد من تعديل الثلث والثلثين ورعاية الاثمان، فتضرب ثلاثة في ثمانية، تبلغ أربعة وعشرين كما ذكره. فلو أعتقه قبل هبة الثاني، ثم وهبه الثاني، لغا العتق، إذ لم يصاد ف محلا، إلا أن يحتمل الوقف. فرع زيادة الموهوب ونقصه، كزيادة العبد المعتق ونقصه، لكن ما يحسب هناك للعبد المعتق أو عليه، يحسب هنا على ورثة الواهب، وسنوضحه في العتق إن شاء الله تعالى. مسألة: وهب مريض لاخيه عبدا، ثم وهبه المتهب نصفه وهو صحيح، ومات قبل المريض وخلف بنتا وأخاه الواهب، فقولان. أظهرهما عند الاستاذ: أن هبة الثاني تنحصر فيما ملكه بهبة الاول، وتصح في جميعه، وحسابه أن هبة المريض تصح في شئ، ويرجع إليه بهبة الثاني ذلك الشئ كله فمعه عبد يعدل شيئين، فالشئ نصف عبد، فتصح الهبة في نصف العبد، ثم يرجع إليه، فيكون لورثته عبد تام ضعف الهبة. والقول الثاني: أنها تشيع، لمصادفتها ما ملكه وغيره، فتصح في نصف ما ملك. وحسابه: أن هبة المريض تصح في شئ من العبد، ويرجع بهبة الثاني نصف ذلك الشئ، ثم يرجع بالارث نصف ما بقي وهما ثلاثة أرباع شئ، يبقى عبد إلا ربع شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وربع شئ، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ أربعة، فتصح الهبة في(5/248)
أربعة أتساع العبد، ويرجع إليه بالهبة تسعان، وبالارث تسع آخر، فيجتمع لورثته ثمانية أتساع ضعف الهبة. فرع فيما إذا وطئت الموهوبة وطئا يوجب المهر إن وطئها أجنبي بشبهة قبل موت الواهب، فالمهر كالكسب يقسم علما تصح فيه الهبة، وعلى ما لا تصح، فحصة ما تصح هبته لا تحسب على المتهب، وحصة ما لا تصح تحسب على ورثة الواهب. وإن وطئها الواهب في يد المتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت الهبة في شئ، ويستحق المتهب على الواهب مثل ذلك الشئ من المهر، فيقضى مما بقي، يبقى جارية إلا شيئين تعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع الجارية، تصح الهبة في ربع الجارية، ويثبت على الواهب مثل ربعها يقضى من الجارية، يبقى مع الورثة نصفها وهو ضعف الموهوب. وإن وطئها المتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت الهبة في شئ، وتبطل في جارية سوى شئ، وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا، فيحصل له جاريتان إلا شيئين يعدلان شيئين، فبعد الجبر: جاريتان تعدلان أربعة أشياء، فالشئ نصف جارية، فتصح الهبة في نصفها، ويستحق بالوطئ مثل نصفها، فيحصل للورثة جارية تامة وهي ضعف الموهوب. وإن كان مهرها نصف قيمتها، صحت الهبة في شئ، وبطلت في جارية سوى شئ، ويستحق الواهب على المتهب مثل نصف ما بطلت فيه الهبة، وهو نصف جارية إلا نصف شئ فيجتمع عند الواهب جارية ونصف إشيئا، ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية ونصف تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالجارية سبعة، والشئ ثلاثة، تصح الهبة في ثلاثة أسباع الجارية، وتبطل في أربعة أسباعها، ويغرم المتهب من مهرها مثل سبع قيمتها، فيجتمع مع ورثة الواهب ستة أسباعها ضعف الموهوب. وإن وطئها الواهب والمتهب ومهرها مثل قيم تها، صحت الهبة في شئ وثبت للمتهب على الواهب مثل ذلك الشئ، يبقى جارية إلا شيئين، وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت في الهبة وهو جارية إلا شيئا، فتضم إلى ما بقي للواهب، تبلغ جاريتين إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر: جاريتان تعدلان خمسة أشياء، فالشئ خمس الجاريتين وهو خمسا جارية، فتصح الهبة في خمسيها، ويثبت للمتهب على الواهب خمسان آخران، فالمبلغ أربعة أخماس، ثم يسترجع(5/249)
الواهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو ثلاثة أخماس، فيجتمع لورثته أربعة أخماس وهو ضعف الموهوب. ولو كان مهرها مثل نصف قيمتها، صحت الهبة في ثلاثة أثمانها، وبطلت في خمسة أثمانها، ويثبت للمتهب على الواهب ثمن ونصف ثمن، فيجتمع له أربعة أثمان ونصف ثمن، ثم يسترجع الواهب نصف ما بطلت فيه الهبة وهو ثمنان ونصف، فيجتمع لورثته ستة أثمان وهو ضعف الموهوب. فصل ومنها: الصداق والخلع، وقد سبق أن المريض إذ نكح بمهر المثل، جعل من رأس المال. وإن نكح بأكثر، فالزيادة من الثلث. فإكانت وارثة، فالتبرع على وارث، وذكرنا أنه إن ماتت الزوجة قبله وورثها الزوج، وقع الدور، فيتخرج على هذا مسائل. إحداها: أصدقها مائة، ومهر مثلها أربعون، فماتت قبله ولا مال لهما سوى الصداق، فلها أربعون من رأس المال، ولها شئ بالمحاباة، يبقى مع الزوج ستون إلا شيئا، ويرجع إليه بالارث نصف ما للمرأة وهو عشرون ونصف شئ، فالمبلغ ثمانون إلا نصف شئ يعدل شيئين ضعف المحاباة، فبعد الجبر تعدل ثمانون شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا الثمانين وهو اثنان وثلاثون، فلها اثنان وسبعون، أربعون مهر، والباقي محاباة، يبقى مع الزوج ثمانية وعشرون، ويرجع إليه بالارث ستة وثلاثون، فيجتمع لورثته أربعة وستون ضعف المحاباة. فإن كان لها ولد، فالراجع إليه بالارث ربع مالها وهو عشرة وربع شئ، فيحصل للزوج سبعون إلا ثلاثة أرباع شئ وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: تعدل سبعون شيئين وثلاثة أرباع شئ، تبسطهما أرباعا، فتكون الدراهم مائتين وثمانين، والاشياء أحد عشر، تقسم الدراهم على الاشياء، يخرج من القسمة خمسة وعشرون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، فهذا قدر المحاباة، فلها بالمهر والمحاباة خمسة وستون درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يرجع إلى الزوج ربع ذلك وهو ستة عشر درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، وذلك ضعف المحاباة. (المسألة) الثانية: أعتق مريض جارية ونكحها على مهر مسمى، نظر، إن لم يملك(5/250)
غيرها، فالنكاح باطل، لانه لا ينفذ عتق جميعها، والنكاح والملك لا يجتمعان. ثم إن لم يدخل بها، فلا مهر. وإن دخل، فهو وطئ شبهة، فلها من المهر بقسط ما عتق منها، ويقع فيه الدور. فإذا كانت قيمتها مائة، والمهر خمسين، عتق منها شئ ولها بالمهر نصف شئ، لان المهر نصف القيمة، يبقى جارية إلا شيئا ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فالشئ سبعا الجارية، فينفذ العتق في سبعيها، ويبطل في خمسة أسباعها، فيصرف سبع منها إلى مهر السبعين، يبقى للورثة أربعة أسباعها ضعف ما عتق، ثم السبع المصروف إلى المهر، إن رضيت به بدلا عما لها من المهر، فذاك، ويعتق عليها حين ملكته لا بالاعتاق الاول وإن أبت بيع سبعها في مهرها. هذا إذا لم يملك غيرها. فإن ملك، وكانت الجارية قدر الثلث، بأن خلف مائتين سواها، فإن لم يدخل بها، فلا مهر، لانها لو استحقت مهرا للحق التركة دين، فلا تخرج كلها من الثلث، ولبطل النكاح وسقط المهر، وإن دخل بها، قال الشيخ أبو علي: لها الخيار، فإن عفت عن مهرها، عتقت وصح النكاح، وإلا، فلها ذلك، ويتبين أن جميعها لم يعتق، وأن النكاح فاسد ولها مهرها ما عتق منها. فيقال: عتق شئ، ولها بالمهر نصف شئ، يبقى للورثة ثلثمائة إلا شيئا ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ثلثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فمائة تعدل شيئا وسدس شئ، تبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالشئ ستة، والمائة سبعة، فالشئ ستة أسباع الجارية. (المسألة) الثالثة: قد علم أن خلع المريض بأقل من مهر المثل، لا يعتبر من الثلث، وأن المريضة لو نكحت بأقل من مهر المثل جاز، ولا اعتراض للورثة إذا لم يكن الزوج وارثا، وأن المريضة لو اختلعت بأكثر من مهر المثل، اعتبرت الزيادة من الثلث. فإذا نكح مريض امرأة بمائة، ومهرها أربعون درهما، ثم خالعته في مرضها بمائة، وماتا من مرضهما ولا مال لهما إلا المائة، فاما أن يكون الخلع قبل الدخول، وإما بعده. الحالة الاولى: بعده، فللمرأة أربعون من رأس المال، وله شئ(5/251)
بالمحاباة، ثم يرجع إلى الزوج أربعون بالخلع، وله ثلث شئ بالمحاباة، فيحصل لورثة الزوج مائة إلا ثلثي شئ تعدل شيئين، فبعد الجبر: مائة تعدل شيئين وثلثي شئ، فالشئ ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم وهي المحاباة، فللمرأة بالمهر والمحاباة سبعة وسبعون درهما ونصف درهم، ثم يأخذ الزوج من ذلك أربعين درهما بعوض الخلع، وبالمحاباة ثلث الباقي وهو اثنا عشر ونصف، وكان بقي له اثنان وعشرون ونصف، فالمبلغ خمسة وسبعون ضعف المحاباة. هذا إذا جرى الخلع بمائة في ذمتها، فلو جرى بعين المائة التي أصدقها، فقد خالعها على مملوك وغير مملوك. قال الاستاذ تفريعا على أن المسمى يسقط ويرجع إلى مهر المثل: لها أربعون من رأس المال، وشئ بالمحاباة، وللزوج عليها أربعون بالخلع، ولا شئ له بالمحاباة، لان المسمى إذا بطل بطل ما في ضمنه من المحاباة، فيكون لورثة الزوج مائة إلا شيئا يعدل شيئين، فبعد الجبر يتبين أن المسمى ثلث المائة، فلها بالمهر والمحاباة ثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم، يأخذ الزوج من ذلك أربعين، يجتمع لورثته ستة وستون وثلثان ضعف المحاباة. الحالة الثانية: إذا جرى الخلع قبل الدخول، فيتشطر الصداق، والحاصل للمرأة نصف مهر المثل من رأس المال وهو عشرون درهما، وشئ بالمحاباة، للزوج من ذلك أربعون مهر المثل، يبقى شئ إلا عشرين درهما له ثلاثة بالمحاباة وهو ثلث شئ إلا ستة دراهم وثلثي درهم، يبقى لورثتها ثلثا شئ إلا ثلاثة عشر درهما وثلث درهم، فيجتمع لورثة الزوج مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلثي شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة شيئين، فبعد الجبر: مائة وثلاثة عشر وثلث تعدل شيئين وثلثي شئ، فالشئ ثلاثة أثمان هذا المبلغ وهي اثنان وأربعون درهما ونصف درهم وهي المحاباة، فللمرأة المحاباة ونصف المهر اثنان وستون درهما ونصف درهم يبقى للزوج سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم، ويأخذ مما صار لها بعوض الخلع أربعين، ويأخذ أيضا ثلث الباقي وهو سبعة دراهم ونصف، فالمبلغ خمسة وثمانون ضعف المحاباة. هذا كلام الاستاذ، واعترض الامام، بأن مهر المثل مع المحاباة الصداق، فوجب أن يرجع إلى الزوج نصف الجميع، وعلى هذا طريق الحساب أن يقال: لها من رأس المال أربعون، وبالمحاباة شئ، يبقى للزوج ستون إلا شيئا، ويرجع إليه نصف ما ملكته صداقا وهو عشرون ونصف شئ،(5/252)
فللزوج ثمانون إلا نصف شئ، ثم تأخذ مما بقي لها أربعين، يبقى نصف شئ إلا عشرين درهما، تأخذ بالمحاباة ثلث هذا الباقي وهو سدس شئ إلا ستة دراهم وثلثي درهم، فيجتمع لورثته مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلث شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر يتبين أن الشئ ثلاثة أسباع مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم، وهو ثمانية وأربعون درهما وأربعة أسباع درهم، يبقى للزوج أحد عشر درهما وثلاثة أسباع، ويرجع بالشطر أربعة وأربعون درهما وسبعان، ويأخذ من الشطر الآخر قدر مهر المثل وهو أربعون وثلث الباقي وهو درهم وثلاثة أسباع، فالمبلغ سبعة وتسعون درهما وسبع درهم، وذلك ضعف المحاباة، يبقى لورثة المرأة درهمان وستة أسباع درهم. وعلى قول الاستاذ، يبقى لهم خمسة عشر، ثم لا فرق في المسألة بين موته أولا وعكسه، وموتهما معا، لانقطاع الارث بالخلع، والدور إنما يقع في جانبه دونها، إذ لا يعود إليها شئ مما يخرج منها.
فصل ومنها الجنابات، فإذا جنى عبد على حر خطأ، وعفا المجني عليه ومدت لم يكن العفو وصية لقاتل، لان فائدته تعود إلى السيد، فإن أجاز الورثة، فذاك، وإلا، نفذ في الثلث، وانفك ثلث العبد عن تعلق أرش الجناية. وأشار الامام إلى وجه: أنه لا ينفك، كما أنه لا ينفك شئ من المرهون ما بقي شئ من الدين. والصحيح الاول. ثم السيد بالخيار بين أن يسلم ثلثيه للبيع، وبين أن يفديه. فإن سلمه، فلادور، بل يباع ويؤخى من ثمنه ثلثا الارش، أو ما تيسر. وإن فداه، فيفدي الثلثين بثلثي الارش، كم كان، أم بالاقل من ثلثي القيمة وثلثي الدية ؟ فيه قولان. فإن كان الفداء بثلثي القيمة، فلا دور، وإن كان بالدية، فيقع الدور، فيقطع بالحساب. مثاله: قيمة العبد ثلثمائة، وقومنا الابل فكانت ألفا ومائتين، فيصح العفو في شئ من العبد، ويبطل في عبد ناقص بشئ يفديه السيد بأربعة أمثاله، لان الدية أربعة أمثاله، وأربعة أمثاله أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل شيئين، فتجبر وتقابل، فأربعة أعبد تعدل ستة أشياء، فتقلب الاسم وتقول: العبد ستة، والشئ أربعة وهي ثلثا الستة، فيصح العفو في ثلثي العبد وهو مائتان، ويفدي السيد ثلثه بثلث الدية وهو أربعمائة،(5/253)
فيحصل لورثة العافي ضعف المائتين. هذا إذا لم يترك العافي سوى ما يستحقه من الدية. فإن ترك مالا، نظر، إن كانت القيمة أقل من الدية، وكان ما تركه ضعف القيمة، صح العفو في جميع العبد. وإن كان ما تركه دون ضعف القيمة، ضمت التركة إلى قيمة العبد، وصح العفو في ثلث الجملة من العبد. وإن كانت القيمة أكثر من الدية، جمع بين التركة والدية، وصح العفو فثلث الجملة من الدية. فروع أحدها: لو لم يترك سوى ما يستحق من الدية وعليه مائتان دينا، وسلمه للبيع، واختار الفداء، وقلنا: الفداء بأقل الامرين، سقط الدين من قيمة العبد، يبقى مائة للسيد، ثلثها وهو تسع العبد، فيصح العفو في تسعه، ويباع ثمانية أتساعه، أو يفديها السيد بثمانية أتساع قيمته، وهو مائتان وستة وستون درهما وثلثان، يقضى منها دينه، يبقى ستة وستون وثلثان ضعف ما صح فيه العفو. وإن قلنا بالدية، صح العفو في شئ، وفدى السيد الباقي بأربعة أمثاله وهي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، تحط منها قدر الدين وهو ثلثا عبد، يبقى ثلاثة أعبد وثلث عبد إلا أربعة أشياء تعدل شيئين، فتجبر وتقابل وتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية عشر، والشئ عشرة وهو خمسة أتساعها، فيصح العفو في خمسة أتساع العبد وهي مائة وستة وستون درهما وثلثان، ويفدي السيد باقيه وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم بأربعة أمثاله وهي خمسمائة وثلاثة وثلاثون، يقضى منها الدين، يبقى ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم ضعف ما صح العفو فيه. (الفرع) الثاني: جنى عبدان خطأ على حر، فعفا عنهما، ومات ولا مال له سوى الدية، فإن اختار السيدان تسليمهما أو اختارا الفداء، وقلنا: الفداء بأقل الامرين، صح العفو في ثلث كل عبد، وبيع ثلثاه، أو فدى سيده ثلثيه بثلثي القيمة. وإن قلنا: الفداء بالدية، وكانت قيمة كل عبد ثلثمائة، وقيمة الدية ألفا ومائتين، صح العفو في شئ من كل عبد، وفدى سيده باقيه بضعفه، لان نصف الدية هو الذي تعلق بكل عبد، ونصف الدية ضعف كل عبد، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل ضعف ما جاز العفو فيه وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر: أربعة أعبد تعدل ثمانية أشياء، فتقلب الاسم، وتجعل العبد ثمانية، والشئ أربعة وهو(5/254)
نصفها، فيصح العفو في نصف كل عبد، ويفدي كل سيد نصف عبده بعبد، فيحصل للورثة عبدان ضعف ما صح العفو فيه. (الفرع) الثالث: قتل عبد حرين خطأ، تعلقت برقبته الديتان. فإن سلمه سيده، بيع ووزع عليهما. وإن فداه وقلنا: الفداء بالقيمة، وزعت القيمة. وإن قلنا بالدية، فداه بالديتين. فإن عفا أحدهما في مرضه، قال ابن سريج: يدفع إلى ورثة العافي ثلثا نصفه، وإلى ورثة الذي لم يعف جميع النصف، كأن كل واحد متعلق بنصف منه، فينفذ عفو العافي في ثلث محل حقه. قال الاستاذ: هذا لا. يستقيم على أصل الشافعي رضي الله عنه، بل الديتان متعلقتان بجميع العبد، فإذا عفا أحدهما، سقط ثلث الدية، فورثته وورثة الآخر يتضاربون هؤلاء بثلثي دية مورثهم، وهؤلاء بكل دية مورثهم. فصل ومنها العتق، فإذا أعتق مريض عبدا، فاكتسب مالا قبل موت المعتق، وزع الكسب على ما يعتق وما يرق، وحصة العتق لا تحسب عليه، وحصة مارق تزاد في التركة، وإذا زادت التركة، زاد ما عتق، فتزيد حصته من الكسب، وإن زادت حصة ما عتق، نقصت التركة، فينقص ما عتق، فيزيد المال، فيزيد ما عتق، وهكذا تدور زيادته على نقصه، ونقصه على زيادته، فيقطع الدور بالطرق الحسابية، وفيه مسائل. مسألة: اكتسب العبد مثل قيمته، فيعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ غير محسوب عليه، يبقى للورثة عبدان إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبدان يعدلان أربعة أشياء، فتقلب الاسم، فالعبد أربعة، والشئ اثنان، والاثنان ضعف الاربعة، فعلمنا أنه يعتق من العبد نصفه، ويتبعه نصف الكسب غير محسوب عليه، يبقى للورثة نصف العبد ونصف الكسب، وذلك ضعف ما عتق. وبطريق السهام: تأخذ للعتق سهما، ولما يتبعه من الكسب سهما، وتأخذ للورثة ضعف ما أخذت للعتق وهو سهمان، يجتمع أربعة أسهم، ثم تأخذ الرقبة والكسب وهما مثلان، فتقسمهما على الاربعة، يخرج من القسمة نصف، فعلمنا أن الذي عتق نصف الرقبة. ولو اكتسب العبد - وقيمته تسعون - مثل قيمته ومثل نصفها، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف غير محسوب عليه، يبقى للورثة(5/255)
عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبدان ونصف يعدل أربعة أشياء ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ خمسة، فيعتق منه خمسة أتساعه وقيمتها خمسون، ويتبعها خمسة أتساع الكسب وهي خمسة وسبعون، يبقى للورثة أربعة أتساع العبد وهي أربعون وهي أربعة أتساع الكسب وهي ستون، وهما مائة ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة الثانية بحالها، وعلى السيد مثل قيمة العبد دينا، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف، يبقى عند الورثة عبدان ونصف عبد إلا شيئين ونصف شئ، تسقط منه عبد الدين، يبقى عبد ونصف إلا شيئين ونصف يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد ونصف تعدل أربعة أشياء ونصف شئ، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ ثلاثة، يعتق من العبد ثلاثة أتساعه، ويتبعه من الكسب ثلاثة أتساعه، يقضى الدين من الباقي، يبقى مع الورثة ضعف ما عتق. ولو كانت بحالها، إلا أنه لا دين على السيد، وله سوى العبد وكسبه تسعون، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف، يبقى مع الورثة عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شئ، ومعهم مثل قيمة العبد، فيجتمع معهم ثلاثة أعبد ونصف عبد إلا شيئين ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد ونصف عبد تعدل أربعة أشياء ونصف شئ، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ سبعة، فيعتق منه سبعة أتساعه وهو سبعون، ويتبعه من الكسب سبعة أتساعه وهو مائة وخمسة، يبقى للورثة تسعاه عشرون، وتسعا الكسب ثلاثون، ومعهم تسعون أيضا، فالمبلغ مائة وأربعون ضعف ما عتق. فرع متى ترك السيد ضعف قيمة العبد، عتق كله، وتبعه كسبه ولا دور. وإذا كان عليه دية، وله سوى العبد وكسبه مال، قوبل بذلك المال. فان تساويا، فكأن لا دين ولا ما، وإن زاد الدين، فكأن القدر هو الدين. وإن زاد المال، فكأن القدر الزائد هو المتروك. فرع الموهوب للعبد وأرش الجناية عليه، كالكسب. فرع قيمته تسعون، واكتسب بعد العتق تسعين، فاستقرضها السيد منه وأتلفها، ثم مات السيد، عتق منه شئ واستحق على السيد شيئا هو دين عليه،(5/256)
يبقى للورثة عبد إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق، فبعد الجبر: عبد يعدل أربعة أشياء، فتقلب الاسم، وتقول: عتق منه ربعه، ويتبعه ربعه كربع كسبه، يبقى للورثة نصفه وهو ضعف ما عتق، ثم ربع الكسب الذي هو دين، إن أداه الورثة من عندهم، جاز واستمر ملكهم على ثلاثة أرباعه، وملك هو ما سلموه إليه بربعه الحر، وإن تراضوا هم والعبد على أن تكون رقبته بدلا عن ربع الكسب، جاز وعتق ربعه على نفسه. قال ابن سريج: ويكون ولاهذا الربع لبيت المال. وقال غيره: لاولاء عليه. وإن أراد الورثة بيعه لغيره، وقال العبد: أخذه بدلا عن الدين، فقد ذكر الاستاذ، أنه أحق بنفسه من الاجانب. قال الامام: هذا محمول على الاولوية دون الاستحقاق. فرع مات العبد المعتق قبل موت السيد، فهل يموت حرا، أم رقيقا ؟ أم ثلثه حرا وثلثاه رقيقا ؟ فيه ثلاثة أوجه، قال الاستاذ: والصحيح هو الاول. فإن كان العبد اكتسب ضعف قيمته، ولم يخلف إلا السيد، مات حرا بلا خلاف، لان السيد يرث هنا بالولاء كسبه، فيحصل لورثته ضعف العبد. وإن كان الكسب مثل قيمته، فإن قلنا: لو لم يخلف كسبا لمات حرا، فهنا أولى، وإن قلنا: يموت رقيقا، فهنا لا يرث جميعه، لانه خلف شيئا، ولا يعتق جميعه، لان الكسب ليس ضعفه. فإن قلنا: من بعضه حر يورث، عتق نصفه، وكان جميع كسبه لسيده، نصفه بالملك، ونصفه بالارث بالولاء، فيحصل لورثته ضعف ما عتق. وإن قلنا: لا يورث، قال الامام: يعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يصرف ذلك الشئ إلى بيت بالمال، فيبقى عبد ناقص بشئ يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد يعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث العبد، فيعتق ثلثه، ويتبعه من الكسب ثلثه، يبقى للسيد ثلثا كسبه بالملك وهو ضعف ما عتق. ولو كان الكسب ضعف القيمة، وخلف العتيق مع السيد بنتا، فإن قلنا: لو لم يخلف بنتا لمات حرا، فكذا هنا، والكسب بين البنت والسيد سواء. وإن قلنا: يموت رقيقا. فإن قلنا: من بعضه حر يورث، عتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شيئان، ترث البنت أحدهما، والسيد الثاني، فيحصل لورثة السيد ضعف العبد إلا شيئا، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبدان يعدلان ثلاثة أشياء، والشئ ثلث العبدين، وهو ثلثا عبد، فيعتق من العبد ثلثاه، ويتبعه ثلثا الكسب، ثم يرجع أحدهما إلى السيد بالارث، فيحصل لورثة السيد ثلثا الكسب(5/257)
وهو ضعف ما عتق. وإن قلنا: من بعضه حر لا يورث، لم ترث البنت، لانها لو ورثت لما خرج جميعه الثلث، وإذا لم يعتق كله لا يورث، فيؤدي توريثها إلى منع توريثها، وهذه من الدوريات الحكمية، وإذا لم ترث، كأنه لم يخلف إلا السيد، فيموت حرا، وجميع الكسب للسيد كما سبق. ولو لم يمت العتيق، لكن كان له ابن حر، فمات قبل موت السيد، وترك أضعاف قيمة أبيه وليس له إلا أبوه وسيد أبيه، فلا يرث منه أبوه، لانه لو ورث لاستغرق ولم يحصل للسيد شئ، وحينئذ فلا يعتق جميعه، فلا يرث. وإذا لم يرث، حكم بحريته، وورث السيد مال ابنه بالولاء. ولو كانت تركة الابن مثل قيمة العتيق، عتق منه شئ، وثبت للسيد الولاء على الابن بقدر ما عتق، فيرث من تركته شيئا، ولا يرث أبوه، فيحصل لورثة السيد عبد إلا شيئا والشئ الذي ورثه السيد بالولاء، فيتم لهم عبد، لان تركته مثل العبد، وذلك يعدل شيئين، فالشئ نصف العبد، فيعتق نصفه، ويكون للورثة نصفه ونصف تركة ابنه وهما ضعف ما عتق منه. مسألة: من الاصول المقررة، أن المريض إذا أعتق عبيدا لامال له غيرهم معا، أقرع بينهم. وإن أعتقهم على الترتيب، بدئ بالاول فالاول. فإن زاد الاول على الثلث، عتق منه قدر الثلث. فلو أعتق عبدا فاكتسب مثل قيمته، ثم أعتق آخر، ولا مال له سواهما وهما متساويا القيمة، عتق من الاول شئ، وتبعه من كسبه شئ غير محسوب عليه، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشئ ثلاثة أرباع العبد، فيعتق من الاول ثلاثة أرباعه، ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه، يبقى عبد ونصف، وهما ضعف ما عتق. ولو اكتسب الثاني مثل القيمة دون الاول، عتق الاول، وبقي الثاني وكسبه للورثة. وإن اكتسب كل واحد قدر قيمته، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الثاني وكسبه للورثة. وإن اكتسب الاول مثل قيمتهما، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شيئان، يبقى للورثة أربعة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون الشئ خمس أربعة أعبد وهو أربعة أخماس عبد، يعتق من الاول أربعة أخماسه، ويتبعه أربعة أخماس كسبه، يبقى للورثة خمسه وخمس كسبه والعبد الآخر. وإن اكتسب الثاني مثل قيمتهما، عتق الاول، ومن الثاني شئ، ويتبعه من الكسب شيئان، يبقى للورثة من الثاني وكسبه ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان،(5/258)
لان الذي عتق عبد وشئ، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل عبدين وخمسة أشياء، تسقط عبدين بعبدين، يبقى عبد في معادلة خمسة أشياء، فالشئ خمس عبد، فالذي عتق من الثاني خمسه، وكذا الحكم لو اكتسب كل واحد منهما مثل قيمتهما. أما إذا أعتق العبدين معا، فيقرع بينهما، فمن خرجت قرعته، فكأن السيد قدمه. والحساب في الصور كما ذكرنا. ولو أعتق المريض ثلاثة أعبد معا لا يملك غيرهم، فاكتسب أحدهم قبل موته كقيمته، وقيمهم متساوية، أقرع بينهم بسهم عتق وسهمي رق، فإن خرج سهم العتق على المكتسب، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الآخران للورثة. وإن خرج لاحد الآخرين، عتق، ثم تعاد القرعة لاستكمال الثلث، فإن خرج للآخر، عتق ثلثه، وبقي ثلثاه مع المكتسب، وكسبه للورثة، ولا دور. وإن خرج سهم العتق والقرعة الثانية للمكتسب، دخل الدور، فتقول: يعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين، يعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل عبدين وأربعة أشياء، تسقط عبدين بعبدين، يبقى عبد في معادلة أربعة أشياء، فالشئ ربع العبد، فيعتق منه ربعه، ويتبعه ربع كسبه، يبقى للورثة ثلاثة أرباعه وثلاثة أرباع كسبه والعبد الآخر، وذلك عبدان ونصف وهو ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة بحالها، على السيد دين كقيمة أحدهم، أقرع بين العبيد بسهم دين وسهمي تركة، ولسهم الدين حالان. أحدهما: أن يخرج لاحد اللذين لم يكتسبا، فيباع في الدين، ثم يقرع بين الآخرين، لاعتاق الثلث بعد قضاء الدين بسهم عتق وسهم رق، فإن خرج سهم العتق للذي لم يكتسب، عتق، وبقي المكتسب وكسبه للورثة. وإن خرج للمكتسب، دخل الدور، فيعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين تعدل شيئين. فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع العبيد وهو ثلاثة أرباع عبد. الحال الثاني: أن يخرج سهم الدين للمكتسب، فيباع منه ومن كسبه بقدر الدين، والدين مثنصفهما، فيباع في الدين نصف رقبته ونصف كسبه، ثم يقرع بين باقيه وبين الآخرين بسهم عتق وسهمي رق. فإن خرج سهم العتق لاحد(5/259)
الآخرين، عتق، وبقي الآخر ونصف المكتسب وكسبه للورثة. وإن خرج للمكتسب، عتق نصفه الباقي، وتبعه الكسب غير محسوب، ثم تعاد القرعة بين الآخرين لاستكمال الثلث، فأيهما خر عليه، عتق ثلثه، فيكون جميع ما عتق خمسة أسداس عبد، يبقى للورثة عبد وثلثا عبد ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة بحالها، إلا أن قيمة أحدهم مائة، والثاني مائتين، والثالث ثلثمائة، وأكتسب كل عبد كقيمته، أقرع، فإن خرج سهم العتق على الاعلى، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الآخران وكسبهما للورثة، وذلك ضعف الاعلى، وإن خرج على الادنى، عتق، وتبعه كسبه، وتعاد القرعة لاستكمال الثلث. فإخرج العتق للاوسط، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الاعلى وكسبه للورثة، وذلك ضعف العتيقين، وإن خرج للاعلى، عتق منه شئ، وتبعه من كسبه مثله، يبقى للورثة باقيه وباقي كسبه والعبد الاوسط وكسبه، وجملة ذلك ألف إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق وهو مائتان وشيئان، فبعد الجبر: ألف تعدل مائتين وأربعة أشياء، تسقط مائتين بمائتين، يبقى ثمانمائة تعدل أربعة أشياء، فالشئ مائتان، وذلك ثلثا الاعلى، فيعتق منه ثلثاه، ويتبعه ثلثا كسبه، يبقى للورثة ثلثه وثلث كسبه والاوسط وكسبه، وذلك ستمائة ضعف الادنى وما عتق من الاعلى. وإن خرج على الاوسط، عتق، وتبعه كسبه، وتعاد القرعة، فإن خرج للادنى، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الاعلى وكسبه للورثة، وإن خرج للاعلى، عتق ثلثه، وتبعه ثلث كسبه، وباقيه مع الادنى للورثة. مسألة: إذا زادت قيمة العتيق قبل موت سيده، دارت المسألة، لان الزيادة كالكسب، فقسط ما عتق لا يحسب على العبد، وقسط مارق تزيد به التركة، وكذا نقصان القيمة يوزع، فقسط ما عتق يحسب على العبد كأنه قبضه وأتلفه وقسط مارق كأنه تلف من مال السيد. فإذا نقص المال، نقص ما يعتق واحتيج إلى الحساب. مثال الزيادة: أعتق عبدا قيمته مائة لا يملك غيرها، فصارت قيمته قبل موت سيده مائة وخمسين، تقول: عتق منه شئ، وذلك الشئ محسوب بثلثي شئ، يبقى مع الورثة عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب على العبد وهو شئ وثلث شئ، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثلث شئ، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد سبعة، والشئ ثلاثة، فيعتق ثلاثة أسباعه، وقيمتها يوم الموت(5/260)
أربعة وستون وسبعان، والمحسوب عليه منها قيمة يوم الاعتاق وهو اثنان وأربعون وستة أسباع، يبقى للورثة أربعة أسباع العبد، وقيمتها خمسة وثمانون وخمسة أسباع وهي ضعف المحسوب على العبد. ومثال النقص، قيمته مائة، صارت خمسين، يعتق منه شئ وهو محسوب عليه بشيئين، فالباقي وهو عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر: عبد يعدل خمسة أشياء، فالشئ خمس العبد، فيعتق خمسه، وقيمته يوم الموت عشرة، ويحسب عليه بعشرين، لان قيمته يوم الموت عشرون، يبقى للورثة أربعة أخماسه، وقيمتها أربعون ضعف المحاباة. فصل ومنها الكتابة، فإذا كاتب في مرضه عبدا لا يملك غيره، ولم يؤد شيئا من النجوم في حياة سيده، فثلثه مكاتب. فإذا أدى نجوم الثلث، عتق. وهل يزاد في الكتابة لكون التركة زادت بما أدى ؟ فيه خلاف مذكور في باب الكتابة، فإن زيدت، فطريق الحساب، أن الكتابة تصح في شئ من العبد، ويؤدي المكاتب عنه شيئا، والفرض فيما إذا كانت النجوم مثل القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة ومال الكتابة مثل عبد، وذلك يعدل ضعف ما صحت فيه الكتابة وهو شيئان، فالشئ نصف العبد، فإذا أدى نجوم النصف، عتق نصفه، واسترد من الورثة كسب سدسه، فيحصل للورثة نصف الرقبة ونصف النجوم، وذلك ضعف ما صحت فيه الكتابة. ولو كاتب في الصحة، ثم أعتقه في المرض، أو أبرأه عن النجوم، نظر، إن عجز نفسه، عتق ثلثه، ورق ثلثاه. وإن استدام الكتابة، فإن كانت النجوم مثل القيمة، فوجهان. أصحهما: يعتق ثلثه، وتبقى الكتابة في ثلثيه. والثاني: لا يعتق ثلثه حتى يسلم الثلثان للرثة، إما بالعجز، وإما بأداء نجوم الثلثين. وإن كان بين النجوم والقيمة تفاوت، فقد سبق أن المعتبر من الثلث أقل الامرين، فإن كانت النجوم أقل، عتق ثلثه، وسقط ثلث النجوم، ويبقى للورثة ثلثا النجوم إن أدى، وإلا، فثلثا الرقبة. وإن كانت الرقبة أقل، بأن كانت مائة، والنجوم مائتين، حصل الدور، فيقال: عتق شئ، وسقط من النجوم شيئان، يبقى للورثة من النجوم مائتا درهم إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فيعد الجبر: مائتان تعدلان أربعة أشياء، فالشئ ربع المائتين وهو نصف العبد، فعلمنا أن الذي عتق نصف العبد، وأنه يسقط نصف النجوم. قال الاستاذ: فإن عجل ما عليه من(5/261)
النجوم، عتق نصفه، وإن لم يؤد شيئا، لم يحكم بعتق شئ. ثم كلما أدى شيئا، حكم بعتق نصف ما أدى حتى يؤدي نصف الكتابة ويستوفي وصيته.
فصل في مسائل يتولد الدور فيها من أصلين مسألة: أعتق مريض عبدا لا يملك غيره، ثم قتله السيد، فهل ينفذ العتق في جميعه إذ لا تركة، أم لا يعتق شئ منه لانه لا يبقى للورثة ضعف المحكوم بعتقه ؟ فيه خلاف سبق في نظائره. قال الاستاذ: قياس مذهب الشافعي رحمه الله هو الثاني، فإن ترك السيد مولا إذا قضيت الدية منه كان الباقي ضعف قيمته، فهو حر، وإن ترك من المال دون ذلك، عتق بعضه، ولزم السيد قسط ما عتق من الدية، ولا يرث السيد من ديته، لانه قاتل، بل إن كان له وارث أقرب من سيده، فهي له، وإلا، فلاقرب عصبات السيد. مثاله: قيمته مائة، وقيمة إبل الدية ثلثمائة، ولو ترك السيد ثلثمائة، فتقول: عتق شئ، وعلى السيد من الدية ثلاثة أمثاله، وباقي العبد الذي بطل العتق فيه قد أتلفه بالقتل، فلم يترك إلا ثلثمائة وهي مثل ثلاثة أعبد، يقضى منها ما وجب من الدية، ويبقى ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فثلاثة أعبد تعدل خمسة أشياء، فتقلب الاسم، فالعبد خمسة، والشئ ثلاثة، يعتق منه ثلاثة أخماسه وهو ستون، ويجب عليه ثلاثة أخماس الدية وهي مائة وثمانون، يبقى مائة وعشرون ضعف ما عتق. مسألة: أعتق المريض عبدا، فجنى العبد على أجنبي بقطع أو قتل، ولا مال للسيد غيره، فإن كان أرش الجناية مثل قيمته فأكثر، لم يعتق منه شئ، لان الارش دين، فيقدم على الوصية. وإن كان دونها، بأن كانت قيمته مائة، والارش خمسة وسبعين، عتق شئ، ورق الباقي، والارش يتوزع عليهما، فحصة ما عتق يتعلق بذمة العبد، وحصة مارق تؤدى منه إن أراد السيد التسليم والارش ثلاثة أرباع القيمة، فعلى السيد تسليم ثلاثة أرباع مارق وهو ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع شئ، يبقى مع ورثته ربع عبد إلا ربع شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ربع عبد يعدل شيئين وربع شئ، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ واحد، فيعتق منه سبعة، ويرق الباقي، فيسلم في الجناية ثلاثة أرباعه وهي ستة(5/262)
أتساع، يبقى مع الورثة تسعان ضعف ما عتق.
الطرف الخامس : في مسائل العين والدين. مقصوده، أن يخلف الميت عينا ودينا على بعض الورثة، أو على أجنبي، فنصيب الوارث بعض ما عليه بالارث، أو الاجنبي بعض ما عليه بوصية. وأول ما نقدمه أن الميت إذا لم يخلف إلا دينا على بعض الورثة، برئ من عليه من حصته، ولا تتوقف براءته على توفير حصة الباقين، لان الملك جالارث لا يتأخر، والانسان لا يستحق على نفسه شيئا. ولو خلف عينا ودينا على بعض الورثة، نظر، إن كان الدين من غير جنس العين، أو من غير نوعه، قسمت العين بين الورثة، فما أصاب من لا دين عليه، دفع إليه، وما أصاب المدين، دفع إليه إن كان مقرا مليئا. وإن كان جاحدا أو معسرا، فالآخر مستحق ظفر بغير جنس حقه. وحكمه مذكور في موضعه. وإن كان الدين من نوع العين، بأن خلف عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه الحائزين، قال الاستاذ: يأخذ من لا دين عليه العشرة نصفها إرثا، ونصفها قصاصا بما يصيبه من الدين. وفي كيفية القصاص الخلاف المعروف. قال الامام: هذا بعيد، والخلاف إنما هو في تقاص الدينين، لا في تقاص الدين والعين، بل المذهب أن الارث يثبت شائعا في العين والدين، وليس لمن لا دين عليه الاستبداد بالعشرة إن كان المدين مقرا مليئا، فإن تراضيا، أنشآ عقدا، وإن كان جاحدا أو معسرا، فله أن يأخذها على قصد التملك، لانه ظفر بجنس حقه المتعذر تحصيله. ولو خلف دينا وعينا، وأوصى بالدين لانسان وهو ثلث ماله أو أقل، فحقه منحصر فيه، فما نض دفع إليه. ولو أوصى بثلث الدين، فوجهان. أحدهما: أن ما نض منه يضم إلى العين. فإن كان مانض ثلث الجميع أو أقل، دفع إلى الموصى له. وأصحهما: أنه كلما نض منه شئ، دفع ثلثه إلى الموصله وثلثاه إلى الورثة، لان الوصية شائعة في الدين. إذا تقرر هذا، فالدين المخلف مع العين من جنسه ونوعه، إما أن يكون على وارث، وإما على أجنبي، وإما عليهما. أما
القسم الأول : على وارث، فنصيبه من جملة التركة، إما أن يكون مثل ما عليه من الدين، وإما أكثر، وإما أقل.(5/263)
الحالة الاولى: أن يكون مثله، فتصحح المسألة، ويطرح مما صحت منه نصيب المدين، وتقسم العين على سهام الباقين، ولا يدفع إلى المدين شئ، ولا يؤخذ منه شئ. مثاله: زوج وثلاثة بنين وترك خمسة دينا على ابن، وخمسة عشر عينا، فجملة التركة عشرون، نصيب كل ابن خمسة، وما على المدين مثل نصيبه، فتصحح المسألة من أربعة، ويطرح منها نصيب ابن، يبقى ثلاثة، تقسم العين عليها، نصيب كل واحد خمسة، ونصيب المدين يقع قصاصا، كذا أطلقوه. قال الامام: هذا محمول على ما إذا رضي المدين بذلك، أو كان جاحدا، أو معسرا. وعلى هذا ينزل الجواب المطلق في جميع هذه المسائل. الحالة الثانية: أن يكون نصيبه أكثر مما عليه، فتقسم التركة بينهم، فما أصا ب المدين، طرح منه ما عليه، ويعطى الباقي من العين. الثالثة: أن يكون نصيبه أقل، فيطرح من المسألة نصيبه، وتقسم العين على الباقي، فما خرج من القسمة، يضرب في نصيب المدين الذي طرح، فما بلغ، فهو الذي حيي من الدين، والمراد بهذه اللفظة أن ما يقع في مقابلة العين من الدين، كالمستوفى بالمقاصة، فكأنه حيي من الدين، ولولا المقاصة، فالدين على المفلس ميت فائت، ثم الباقي من الدين بعد الذي حيي يسقط منه شئ، ويبقى شئ يؤديه المدين إلى سائر الورثة. وطريق معرفة الساقط والباقي، أن تقسم كل التركة بين الورثة، فما أصاب المدين، طرح مما عليه من الدين، فما بقي، فهو الذي يؤديه المدين، فيقسمه سائر الورثة على ما بقي من سهام الفريضة بعد إسقاط نصيب المدين. مثاله: الدين في الصورة المذكورة ثمانية، والعين اثنا عشر، فسهام الفريضة أربعة، يطرح منها نصيب المديون، وتقسم العين على الباقي، يخرج من القسمة أربعة، تضربها في نصيب المدين وهو واحد، يكون أربعة، فذلك هو الذي حيي من الدين، يبقى منه أربعة، تأخذ منه نصيب المدين من التركة وهو خمسة، تطرحها مما عليه، يبقى ثلاثة، فالثلاثة هي التي تبقى من الدين، ويسقط واحد،(5/264)
وتلك الثلاثة مقسومة على سهامهم مما صحت منه المسألة وهي ثلاثة. هذا إذا لم يكن وصية، فإن كانت، بأخلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما، وأوصى بثلث ماله لزيد، فوجهان. أصحهما وينسب إلى ابن سريج وبه قطع الجمهور: أننا ننظر إلى الفريضة الجامعة للوصية والميراث وهي ثلاثة، للموصى له سهم، ولكل ابن سهم، فيأخذ المدين سهمه مما عليه، ويقتسم الابن الآخر وزيد العين نصفين، وقد حيي من الدين خمسة، يبقى خمسة، للمدين ثلاثة، يبقى ثلاثة وثلث، إذا أداها اقتسمها الابن الآخر وزيد نصفين. والوجه الثاني وينسب إلى أبي ثور: يأخذ الموصى له ثلث العين، والابن الذي لا دين عليه، يأخذ ثلثا إرثا، والثلث قصاصا، فيبرأ المدين من ثلثي الدين بالارث والمقاصة، يبقى عليه ثلث الدين، يأخذه الموصى له.
القسم الثاني : أن يكون الدين على أجنبي، فينظر، إن لم يكن وصية، اشتركت الورثة في العين والدين، وإن كانت، فاما أن يكون لغير المدين، وإما له، وإما لهما. فإن كانت لغيره، بأن خلف ابنين، وترك عشرة عينا وعشرة دينا على زيد، وأوصى لعمرو بثلث ماله، فالابنان وعمرو يقتسمون العين أثلاثا، وكلما حصل من الدين شئ اقتسموه كذلك. ولو قيد الوصية بثلث الدين، اقتسم الابنان العين. وأما الدين، فقد ذكرنا فيه وجهين. أحدهما: أن الحاصل منه الدين، يضم إلى العين ويدفع ثلث الدين مما حصل إلى زيد، ويسمى: وجه الحصر، لانه حصر حق الموصى له فيما يتنجز من الدين. وأصحهما: أن ما يحصل من الدين يدفع إلى زيد ثلثه، ويسمى: وجه الشيوع. وإن كانت الوصية للمدين، نظر فيما يستحقه بالوصية، أهو مثل الدين، أم أقل، أم أكثر ؟ ويقاس بما ذكرنا فيما إذا كان الدين على وارث. وإن كانت الوصية لهما، بأن أوصى - والصورة ما سبق - لعمرو بثلث العين، ولزيد بما عليه، ورد الابنان الوصيتين إلى الثلث، فيكون الثلث بينهما على أربعة، لعمرو سهم، ولزيد ثلاثة، فعلى قول ابن سريج: الفريضة الجامعة من اثني عشر، للوصيتين أربعة، وللابنين ثمانية، فيقتسم عمرو والابنان العين على قدر سهامهم وهي تسعة، لعمرو سهم وتسع، ولكل ابن أربعة وأربعة(5/265)
أتساع، ويبرأ زيد من ثلاثة أرباع الثلث وهي خمسة دراهم، يبقى عليه خمسة، كلما أدى شيئا كان بين عمرو والابنين على تسعة، فيحصل لعمرو خمسة أتساع درهم، فيتم له ربع الثلث وهو درهم وثلثان، وللابنين الباقي. ثم ليكن المصروف إلى عمرو عند خروج الدين من نفس العين إن كانت باقية. وعلى الوجه المنسوب إلى أبي ثور: لعمرو ربع الثلث وهو درهم وثلثان يأخذه من العين، والباقي من العين للابنين، فيبرأ الغريم من خمسة، يبقى عليه خمسة، إذا أداها اقتسمها الابنان. ولو خلف ابنين وعشرين درهما عينا وعشرة دينا على رجل، وأوصى للغريم بما عليه، ولزيد بعشرة من العين، ولم يجز الابنان ما زاد على الثلث، فيجعل الثلث بينهما نصفين. ثم عن ابن سريج رحمه الله وجهان. أصحهما: أن الفريضة الجامعة من ستة، للوصيتين اثنان، وللابنين أربعة، فلزيد من العشرين أربعة، ولكل ابن ثمانية، ويبرأ الغريم عن نصف الثلث وهو خمسة، يبقى عليه خمسة، إذا حصل منها شئ جعل بينهم أخماسا حتى يتم لزيد خمسة، ولكل ابن عشرة. والثاني: أنه يدفع إلى زيد من العين نصف وصيته وهو خمسة، ويبرأ الغريم من نصف ما عليه وهو خمسة، وللابنين باقي العين خمسة عشر، ويقتصان باقي الدين وهو خمسة. قال الامام: هذا الوجه على ضعفه يجري فيما سبق.
القسم الثالث : أن يكون الدين على وارث وأجنبي، بأن ترك ابنين وعشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما وعشرة دينا على أجنبي، وأوصى بثلث ماله، فعلى قياس ابن سريج والجمهور: الفريضة الجامعة من ثلاثة، يجعل سهم المدين ما عليه، ويقتسم الابن الآخر والموصى له العين نصفين، وما حصل مما على الاجنبي اقتسماه نصفين. وعلى الوجه الثاني: يأخذ الموصى له ثلث العين، والباقي للابن الذي لا دين عليه، ويبرأ الابن المدين مما عليه، وإذا حصل ما على الاجنبي، أخذ الموصى له ثلثيه، والابن الذي لا دين عليه ثلثه، وبالله التوفيق.
الباب الثالث : في الرجوع عن الوصية يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها، كمن أوصى بعبد ثم رجع عن نصفه، ويجوز الرجوع في كل تبرع معلق بالموت، كقوله: إذا مت فلفلان كذا، أو فادفعوا إليه، أو فاعتقوا عبدي، أو فهو وقف. وفي الرجوع عن التدبير صريحا خلاف يذكر(5/266)
في بابه إن شاء الله تعالى، ولا يصح الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض الموت.
فصل يحصل الرجوع بطرق، منها أن يقول: نقضت وصيتي، أو أبطلتها، أو رددتها، أو رفعتها، أو فسختها، أو رجعت عنها. ولو سئل عن الوصية فأنكرها، فهو رجوع. ولو قال: لا أدري، فليس برجوع. ولو قال: هو حرام على الموصى له، فرجوع على المذهب. ولو قال: هذا لوارثي بعد موتي، أو هو ميراث عني، فرجوع. ولو قال: هو تركتي، فليس برجوع على الاصح. ومنها إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو إعتاق، أو صداق، أو جعله أجرة، أو عوض خلع، فهو رجوع. والهبة مع الاقباض، رجوع، ودونه أيضا على الاصح. والرهن كالهبة. وقيل: ليس برجوع، لانه لا يزيل الملك، فأشبه الاستخدام. والكتابة رجوع، والتدبير رجوع على المذهب، وقيل: إن جعلناه وصية، فهو كما لو أوصى به لزيد ثم عمرو، فيكون نصفه مدبرا. ولو أوصى بالبيع أو غيره مما هو رجوع، فالصحيح المنصوص أنه رجوع وقيل: هو كما لو أوصى لزيد ثم عمرو. وذكر صاحب: المعتمد الوجهين، فيما لو أوصى بعبد لرجل، ثم أوصى بعتقه، ففي وجه: يعتق وتبطل الوصية الاولى. وفي وجه: يعتق نصفه، ويدفع إلى الموصى له نصفه. ولو أوصى بعتقه، ثم أوصى به لرجل، فالقياس أنه يصرف إلى الموصى له على الاول، وأن ينصف على الثاني، لكنه قال: أحدهما: يتعين العتق، وتبطل الوصية الثانية. والثاني: التنصيف، والتوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها،(5/267)
والاستيلاد رجوع. ولو أقر بأن العبد الموصى به مغصوب أو حر الاصل، أو قال: كنت أعتقته، قال الاستاذ أبو منصور: تبطل الوصية، وذكر أنه لو باعه ثم فسخ بخيار المجلس، فإن قلنا: الملك يزول بنفس العقد، حصل الرجوع. وإن قلنا: يحصل بانقطاع الخيار، فلا، ولك أن تقول: هو على كل حال أقوى من الرهن والهبة قبل القبض. فإذا كان الاصح فيهما حصول الرجوع، فهنا أولى، وتعليق العتق رجوع، قاله العبادي في الرقم، ويشبه أن يجئ فيه الخلاف فيما لا يزيل الملك. فرع أوصى بعين لزيد، ثم أوصى بها لعمرو، فوجهان. أحدهما: أنه رجوع عن الاولى، فتصح وصية عمرو، كما لو وهب لزيد مالا ثم وهبه قبل القبض لعمرو. والصحيح المنصوص أنليس برجوع، لاحتمال إرادة التشريك، فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة: أوصيت لكما، قال الاصحاب: ولو قال: أوصيت به لكما، فرد أحدهما، لم يكن للآخر إلا نصفه، لانه لم يوجب له إلا النصف. ولو أوصى به لزيد، ثم أوصى به لعمرو، فرد أحدهما، كان للآخر الجميع. ولو أوصى به لاحدهما، ثم أوصى بنصفه للآخر، فإن قبلاه، فثلثاه للاول، وثلثه للثاني. وإن رد الاول، فنصفه للثاني. وإن رد الثاني، فكله للاول.(5/268)
فرع قال: الذي أوصيت به لزيد، قد أوصيت به لعمرو، أو قال لعمرو: أوصيت لك بالعبد الذي أوصيت به لزيد، فهو رجوع على الصحيح، لاشعاره به. وقيل: ليس برجوع كالصورة السابقة. والفرق على الصحيح، أن هناك يجوز أنه نسي الوصية الاولى، فاستصحبناها بقدر الامكان، وهنا بخلافه. ولو أوصى ببيعه وصرف ثمنه إلى الفقراء، ثم قال: بيعوه واصرفوا ثمنه إلى الرقاب، جعل الثمن بين الجهتين، لان الوصيتين متفقتان على البيع، وأن الزحمة في الثمن. ولو أوصى له بدار، أو بخاتم، ثم أوصى بأبنية الدار، أو بفص الخاتم لآخر، فالدار والخاتم للاول، والابنية والفص بينهما تفريعا على الصحيح المنصوص. ولو أوصى له بدار، ثم أوصى لآخر بسكناها، أو بعبد، ثم أوصى بخدمته لآخر، نقل الاستاذ أبو منصور أن الرقبة للاول، والمنفعة للثاني، وكان يحتمل أن يشتركا في المنفعة كالابنية والفص. فرع هذا كله في الوصية بمعين، فإذا أوصى بثلث ماله، ثم تصرف في جميع ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرهما، لم يكن رجوعا. وكذلك لو هلك جميع ماله، لم تبطل الوصية، لان ثلث المال مطلقا لا يختص بما عنده من المال حال الوصية، بل المعتبر ما يملكه عند الموت زاد أم نقص أم تبدل. فرع التوسل إلى أمر يحصل به الرجوع، كالعرض على البيع والهبة والرهن، رجوع على الاصح. ويجري الوجهان في مجرد الايجاب في الرهن والهبة والبيع. فرع أوصى بحنطة فطحنها، أو جعلها سويقا، أو بذرها، أو بدقيق فعجنه، بطلت الوصية، وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين. أحدهما: زوال الاسم. والثاني: إشعاره باعراضه عن الوصية. ونسب الشيخ أبو حامد المعنى الاول إلى الشافعي رحمه الله، والثاني إلى أبي اسحاق. فلو حصلت هذه الاحوال بغير إذن الموصي، فقياس المعنى الاول بطلان الوصية، وقياس الثاني بقاؤها، ونقل بعضهم وجهين في بعضها، والباقي ملحق به، وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة(5/269)
فذبحها، أو بعجين فخبزه، لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق، فإن العجين يفسد لو ترك، فلعله قد إصلاحه وحفظه على الموصى له، وألحق العبادي في الرقم بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه، أو بيض فأحضنه دجاجة، ولك أن تقول: قياس المعنى الاول أن لا يكون الدبغ رجوعا، لبقاء الاسم، وكذا الاحضان إلى أن يتفرخ. ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا، فرجوع على الاصح كما لو ثرده. ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم ثم قدده. ولو طبخه أو شواه، فرجوع قطعا. ولو أوصى برطب فتمره، فوجهان. الاشبه أنه ليس برجوع، وكذا تقديد اللحم إذا تعرض للفساد. ولو أوصى بقطن فغزله، فرجوع، أو بغزل فنسجه، فرجوع على الصحيح. ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة، فرجوع على الاصح. فرع أوصى بدار فهدمها حتى بطل اسم الدار، فهو رجوع في الاخشاب والنقض، وكذا في العرصة على الاصح. ولو انهدمت بطلت الوصية في النقض على الصحيح، لزوال اسم الدار، وتبقى في العرصة على الصحيح، لانه لم يوجد منه فعل. وإن كان الانهدام بحيث لا يبطل اسم الدار بقيت الوصية فيما بقي بحاله. وفي المنفصل وجهان. وإذا قلنا في الانهدام: تبطل الوصية في النقض، فكان الانهدام بعد الموت وقبل القبول، فطريقان. أحدهما: تخريجه على أقوال الملك. وأصحهما: القطع بأنه للموصى له، لان الوصية تستقر بالموت وكان اسم الدار باقيا يومئذ. فرع أوصى بثوب فقطعه قميصا، أو صبغه، فرجوع على الاصح، وغسله ليس برجوع. ولو قصره وقلنا: القصارة أثر، فكالغسل. وإن قلنا: عين، فكالصبغ. ولو أوصى بثوب مقطوع فخاطه، فليس برجوع، واتخاذ الباب من الخشب الموصى به كاتخاذ القميص من الثوب. فرع أوصى بشئ، ثم نقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد، فليس برجوع على الاصح، ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا أشعر التبعيد بتغير(5/270)
القصد. فأما إذا أوصى صحيح البدن بدابة، ثم أركبها غلامه، أو حمل عليها إلى مكان بعيد، فلا إشعار. فرع أوصى بصاع حنطة بعينه، ثم خلطه بحنطة، فرجوع. قال أبو زيد: إن خلطه بأجود، فرجوع، وإلا، فلا. والاول هو الصحيح المنصوص. ولو أوصى بصاع من صبرة، ثم خلطها بمثلها، فليس برجوع، لان الموصى به كان مخلوطا شائعا، فلا تضر زيادة الخلط. وإن خلط بأجود، فرجوع، وبالاردإ، ليس برجوع على الاصح. ولو اختلطت بنفسها بالاجود، فعلى الخلاف الساب في نظائره. وإذا أبقينا الوصية، فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة، فتدخل في الوصية. ولو أوصى بصاع من حنطة، ولم يعين الصاع، ولا وصف الحنطة، فلا أثر للخلط، ويعطيه الوارث مما شاء من حنطة التركة. ولو وصفها وقال: من حنطتي الفلانية، فالوصف مرعي. فإن بطل بالخلط، بطلت الوصية. وإن قال: من مالي، حصله الوارث. فرع أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة، ثم أجر الموصى به سنة مثلا، فإن مات بعد انقضاء مدة الاجارة، فالوصية بحالها. وإن مات قبله، فوجهان. أصحهما: أنه إن انقضت مدة الاجارة قبل سنة من يوم الموت، كانت المنفعة بقية السنة للموصى له، وتبطل الوصية فيما مضى. وإن انقضت بعد سنة من يوم الموت، بطلت الوصية، لان المستحق للموصى له منفعة السنة الاولى، فإذا انصرفت إلى جهة، بطلت الوصية. والثاني: أنه يستأنف للموصى له سنة من يوم انقضاء الاجارة، فإن كان الموصي قيد وصيته بالسنة الاولى، وجب أنه لا يجئ الخلاف. ولو لم يسلم الوارث حتى انقضت سنة بلا عذر، فمقتضى الوجه الاول أنه يغرم قيمة المنفعة، ومقتضى الثاني تسليم سنة أخرى. فرع تزويج العبد والامة الموصى بهما، وإجارتهما، وختانهما، وتعليمهما، والاعارة، والاذن في التجارة، والاستخدام، وركوب الدابة، ولبس الثوب، ليس برجوع، ووطئ الجارية مع العزل، ليس برجوع، وكذا مع الانزال(5/271)
على الصحيح وقول الاكثرين. وقال ابن الحداد: رجوع. فرع أوصى بعرصة ثم زرعها، فليس برجوع كلبس الثوب. ولو بنى فيها أو غرس، فرجوع على الاصح. فإن لم نجعله رجوعا، فموضع البناء والغراس هل هو كالبياض المتخلل حتى يأخذه الموصى له إن زال البناء والغراس يوما ؟ أم تبطل الوصية فيه تبعا للبناء ؟ فيه وجهان. ومطلق عمارة الدار، ليس برجوع. فإن بطل الاسم، بأن جعلها خانا، فرجوع. وإن لم يبطل، ولكن أحد ث فيها بناء وبابا من عنده، فعلى الوجهين فيما لو بنى في الارض. فإن لم نجعله رجوعا، فالبناء الجديد لا يدخل في الوصية على الصحيح.
فصل أوصى بمائة معينة، ثم بمائة معينة، فله المائتان. وإن أطلق إحداهما، حملت المطلقة على المعينة، وكذا لو أطلقها، لم يكن له إلا مائة. ولو أوصى بخمسين، ثم بمائة، فله مائة. ولو أوصى بمائة، ثم بخمسين، فوجهان. أصحهما: ليس له إلا خمسون. والثاني: له مائة وخمسون.
الباب الرابع : في الأوصياء الوصاية مستحبة في رد المظالم، وقضاء الديون، وتنفيذ الوصايا، وأمور الاطفال. قلت: هي في رد المظالم وقضاء الديون التي يعجز عنها في الحال واجبة. والله أعلم. فإن لم يوص إلى أحد نصب القاضي من يقوم بها. وأغرب الاستاذ أبو منصور فحكى وجها، أنه إذا كان فالورثة رشيد، قام بهذه الامور وإن لم ينصبه القاضي. وللوصاية أركان وأحكام أما أركانها، فأربعة.
الركن الأول : الوصي، وله خمسة شروط، وهي: التكليف، والحرية، والاسلام، والعدالة، والكفاية في التصرفات. فالصبي والمجنون ومن بعضه(5/272)
رقيق، والمكاتب والمدبر وأم الولد، لا تصح الوصية إليهم. وفي مستولدته مدبره خلاف مبني على أن صفات الوصي تعتبر حالة الوصاية والموت، أم حالة الموت ؟ ولا ججوز وصاية مسلم إلى ذمي، ويجوز عكسه، وتجوز وصاية الذمي إلى الذمي على الاصح بشرط العدالة في دينه، ولا تجوز إلى فاسق ولا إلى عاجز عن التصرف لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما، هذا هو الصحيح. وربما دل كلام بعض الاصحاب على أن هذا الشرط الاخير غير معتبر. وتجوز الوصاية إلى أعمى على الاصح. وقيل: لا، فتكون الشروط ستة. وزاد الروياني وآخرون شرطا سابعا، وهوأن لا يكون الوصي عدوا للطفل الذي يفوض أمره إليه، وحصروا الشروط كلها بلفظ مختصر فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل. وكل ما اعتبر من الشروط، ففي وقت اعتباره ثلاثة أوجه. أصحها: يعتبر حاله عند الموت. والثاني: عند الوصاية والموت جميعا. والثالث: يعتبر في الحالتين وفيما بينهما. فرع لا يشترط في الوصي الذكورة، بل يجوز التفويض إلى المرأة، وإذا حصلت الشروط في أم الاطفال، فهي أولى من غيرها. وحكى الحناطي وجها، أنه لا تجوز الوصاية إليها، لانها ولاية، ومقتضاه الطرد في جميع النساء.(5/273)
فرع إذا تغير حال الوصي، فإن كان قبل موت الموصي، بني على أن الشروط متى تعتبر ؟ وإن تغير بعد موته، نظر، إفسق، إما بتعد في المال، وإما بسبب آخر، بطلت ولايته. وقيل: لا تبطل حتى يعزله الحاكم، والصحيح الاول، وبه قطع الجمهور، وفي معناه قيم القاضي. وفي بطلان ولاية القاضي بالفسق وجهان. أصحهما: البطلان. والثاني: لا، كالامام الاعظم. والاب، والجد، إذا فسقا، انتزع الحاكم مال الطفل منهما. ولا تبطل ولاية الامام الاعظم بالفسق، لتعلق المصالح الكلية بولايته، بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء إذا دعت إليها ضرورة، لكن لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة، استبدل. وفيه وجه، أنها تبطل أيضا، وبه قطع الماوردي في الاحكام السلطانية، والصحيح الاول. وإذا تاب الفاسق وصلحت حاله، فهل تعود ولايته ؟ أما الوصي والقيم، فلا تعود ولايتهما على الصحيح. والاب، والجد، تعود ولايتهما، والقاضي كالوصي. وإذا كان الوصي قد أتلف مالا، لم يبرأ عن ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم، ثم يرده الحاكم إليه إن ولاه. فإن كان أبا، قبض المضمون من نفسه لولده، وليس من التعدي أكل الاب والوصي مال الطفل لضرورة، لكن إذا وجب الضمان، فطريق البراءة ما ذكرنا. فرع تصرفات الوصي بعد الانعزال باطلة. قال القفال: لكن رد المغصوب والعواري والودائع وقضاء الديون من جنسها في التركة، لا ينقض، لان أخذ المستحق فيها كاف. فرع إذا جن الموصي، أو أغمي عليه، أقام الحاكم غيره مقامه. فإن أفاق، فهل يبقى على ولايته كالاب والجد والامام الاعظم إذا أفاقوا ؟ أم تبطل لانه(5/274)
يلي بالتفويض كالتوكيل بخلاف الاب وبخلاف الامام للمصلحة الكلية ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني، ويجريان في القاضي إذا أفاق. وإذا أفاق الامام الاعظم بعدما ولي غيره، فالولاية للثاني، إلا أن تثور فتنة، فهي للاول، ذكره البغوي. فرع لو اختلت كفاية الوصي، بأن ضعف عن الكتابة والحساب، أو ساء تدبيره لكبر أمرض، ضم القاضي إليه من يعينه ويرشده. ولو عرض ذلك لقيم القاضي، عزله، لانه الذي ولاه.
الركن الثاني : الموصي، فإن كانت الوصاية في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا، صحت من كل حر مكلف. وإن كانت في أمور الاطفال، اشترط مع ذلك أن يكون للموصي ولاية على الموصى في حقه من الصبيان والمجانين ابتداء من الشرع، لا بتفويض، وفيه مسائل. إحداها: أن الوصي هل يوصي ؟ فيه صور. إحداها: ليس للموصي في الوصاية المطلقة أن يوصي. الثانية: قال: أوصيت إليك إلى أن يبلغ ابني فلان، أو يقدم من سفره، فإذا بلغ أو قدم، فهو الوصي. أو قال: أوصيت إليك سنة وبعدها وصيي فلان، فالمذهب صحته، وبه قطع الجمهور، وتحتمل الوصية التعليق كما تحتمل الجهالات والاخطار. وحكى الحناطي وآخرون فيه خلافا كتعليق الوكالة، وبالمنع أجاب الروياني فقال: لو قال: إذا مت فقد أوصيت إليك، لا يجوز، بخلاف قوله: أوصيت إليك إذا مت. ولو قال: أوصيت إليك، فإذا حضرك الموت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه، أو فوصيك وصيي، فباطلة على الاظهر. وقيل: قطعا. وقيل: صحيحة قطعا. الثالثة: أوصى إلى زيد، وأذن له في الوصاية، نظر، إن لم يعين، بل قال:(5/275)
أوص بتركتي إلى من شئت، فأوصى بها إلشخص، صح على الظهر. وقيل: قطعا. وإن عين فقال: أوص بها إلى فلان، فكذلك. وقيل: تصح قطعا، لانه قطع اجتهاده، فصار كقوله: أوصيت بعده إلى فلان. فرع لو أطلق فقال: أوص إلى من شئت، أو إلى فلان، ولم يضف إلى نفسه، فهل يحمل على الوصاية عنه حتى يجئ فيه الخلاف ؟ أم يقطع بأنه لا يوصي عنه ؟ فيه وجهان حكاهما البغوي، وقال: الاصح الثاني. المسألة الثانية: لا يجوز نصب وصي على الاولاد البالغين العقلاء، لانه لا يلي أمرهم. وأما المجانين، فتجوز الوصاية في أمرهم كالصبيان، وله نصب الوصي لقضاء الدين والوصايا. وإذا نصبه لذلك، لم يتمكن من إلزام الورثة تسليم التركة لتباع في الدين، بل لهم إمساكها وقضاء الدين من مالهم. فلو امتنعوا من التسليم والقضاء من عندهم، ألزمهم أحد الامرين. هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء الدين. فإن قال: ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه، فينبغي أن لا يكون للورثة(5/276)
إمساكه، لان في أعيان الاموال أغراضا. ولو قال: بعه واقض الدين من ثمنه، فيجوز أن لا يكون لهم الامساك أيضا، لانه قد يكون أطيب. المسألة الثالثة: لا يجوز للاب نصب الوصي في حياة الجد على الصحيح، لان ولايته ثابتة شرعا كولاية التزويج. هذا في أمر الاطفال، فأما في قضاء الديون والوصايا، فله ذلك، ويكون الوصي أولى من الجد. ولو لم ينصب وصيا، فأبوه أولى بقضاء الدين وأمر الاطفال، والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا، كذا نقله البغوي وغيره. الرابعة: ليس لغير الاب والجد الوصاية في أمر الاطفال، ولا للام إلا على قول الاصطخري في أنها تلي فتوصي.
الركن الثالث : الموصى فيه، وهو التصرفات المالية المباحة، فيدخل فيه الوصاية بقضاء الديون، وتنفذ في الوصايا وأمور الاطفال، ولا تجوز في تزويج الاطفال، ولا في معصية، كبناء كنيسة وكتب التوراة. وذكر طائفة منهم الامام، أن الوصاية لا تجري في رد المغصوب والودائع، ولا في الوصية بعين لمعين، لانها مستحقة بأعيانها فيأخذها أصحابها، وإنما يوصي فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد، كالوصية للفقراء، وهذا الذي قالوه موضع توقف نقلا ومعني. أما النقل، فما سيأتي(5/277)
في بقية الباب وفي كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى حيث قالوا: إن أوصى إلى فاسق، ضمن. وأما المعنى، فلانه قد يخاف خيانة الوارث.
الركن الرابع : الصيغة، فلا بد في الوصاية من الايجاب، بأن يقول: أوصيت إليك، أو فوضت، أو أقمتك مقامي، ونحو ذلك، ويجوز فيها التوقيت كما سبق من جواز التعليق، وذلك كقوله: أوصيت إليك سنة، أو إلى أن يبلغ ابني فلان، أو أوصى إلى زوجته إلى أن تتزوج. وأما القبول، فالمذهب اشتراطه، وأشار بعضهم إلى خلاف فيه. وهل يقوم عمل الوصي مقام لفظ قبوله ؟ وجهان. وكل هذا مأخوذ من الوكالة، ولا يشترط القبول في حياة الموصي. فلو قيل في حياته، لم يعتد به على الاصح. كما لو أوصى بمال، يشترط القبول بعد الموت. وقيل: يعتد به، كما لو وكله بعمل يتأخر، يصح القبول في الحال. والرد في حياة الوصي على هذين الوجهين. فعلى الاول، لو رد في حياته، ثم قبل بعد موته، جاز، ولو رد بعد الموت، لغت الوصاية. فرع إن فصل فقال: أوصيت إليك في قضاء ديوني وتنفيذ وصاياتي والتصرف في أموال أطفالي والقيام بمصالحهم، أو ذكر بعض هذه الاعمال، فذاك، وإن اقتصر على قوله: أوصيت إليك، أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي، ولم يذكر التصرف، فثلاثة أوجه. أصحها: له التصرف والحفظ اعتمادا على العرف. والثاني: ليس له إلا الحفظ تنزيلا على الاقل. والثالث: لا تصح الوصاية حتى يبين ما فوضه إليه. ولو اقتصر على قوله: أوصيت إليك، فباطلة قطعا. فرع لو اعتقل لسانه، فأوصى بالاشارة المفهمة، أو قرئ عليه كتاب الوصاية، فأشار برأسه أن نعم، صحت الوصاية كالاخرس. فرع أوصى إليه في تصرف، يتعداه.(5/278)
فرع يجوز أن يوصي إلى اثنين فصاعدا، وأن يوصي إلى واحد وينصب عليه مشرفا، ولا يتصرف الوصي إلا بإذنه. ثم إذا أوصى إلى اثنين، إن كانت في رد الودائع أو الغصوب والعواري وتنفيذ الوصية المعينة وقضاء الدين الذي في التركة من جنسه، فلكل منهما الانفراد به، لان صاحب الحق مستقل في هذه الصور بالاخذ. هكذا نقل البغوي وغيره، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بجريان الوصاية في رد الغصوب والعواري، خلاف ما قالته تلك الطائفة. ثم وقوع المدفوع موقعه، وعدم الرد والنقص عند انفراد أحدهما، بين، لكن تجويز الانفراد ليس ببين، فإن تصرفهما في هذه الاموال مستفاد بالوصاية، فليكن بحسبها، ولتجئ فيه الاحوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في سائر التصرفات، وستجد في كلام الاصحاب ما هو كالصريح فيما ذكرتي. وإن كانت الوصاية في تفرقة الثلث وأمور الاطفال والتصرف في أموالهم، فلها أحوال. أحدها: أن يثبت الاستقلال لكل واحد فيقول: أوصيت إليكما، أو إلى كل منكما، أو يقول: كل واحد واحد منكما وصيي في كذا، قال أبو الفرج الزاز: أو يقول: أنتما وصياي في كذا، فلكل منهما الانفراد بالتصرف. وإذا مات أحدهما أو جن أو فسق، أو لم يقبل الوصاية، كان للآخر الانفراد. وإن ضعف نظر أحدهما، فللآخر الانفراد، وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النظر من يعينه. الثاني: أن يشترط اجتماعهما على التصرف، فليس لواحد منهما الانفراد. فإن انفرد، لم ينفذ البيع والشذاء والاعتاق، ويضمن ما أنفق. فإن مات أحدهما، أو جن، أو فسق، أو غاب، أو لم يقبل الوصية، نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرف مع الآخر. وهل له إثبات الاستبداد للآخر ؟ وجهان. أصحهما: له. ولو ماتا جميعا، فهل للحاكم نصب واحد ؟ أم لا بد من اثنين ؟ فيه الوجهان. قال إمام الحرمين: وليس المراد من اجتماعهما على التصرف تلفظهما بصيغ العقود معا، بل المراد صدوره عن رأيهما، ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما. الثالث: أن يطلق قوله: أوصيت إليكما، فهو كالتقييد بالاجتماع، لانه المتيقن.(5/279)
فصل قال: أوصيت إلى زيد، ثم قال: أوصيت إلى عمرو، لم يكن عزلا لزيد، ثم إن قبلا، فهما شريكان، وليس لاحدهما الانفراد بالتصرف على الصحيح، وبه قطع المتولي وقال البغوي: ينفرد، وهو ضعيف. ولو قبل أحدهما فقط، انفرد بالتصرف. ولو قال لعمرو: ما أوصيت به إلى زيد قد أوصيت به إليك، فهو رجوع. ولو قال لزيد: ضممت إليك عمرا، أو قال لعمرو: ضممتك إلى زيد، فإن قبل عمرو دون زيد لم ينفرد بالتصرف، بل يضم القاضي إليه أمينا، وينبغي أن يجئ في استقلاله الوجهان. وإن قبل زيد دون عمرو، فالذي ذكره الغزالي والمتولي، أنه ينفرد بالتصرف، وفيه نظر، وإن قبلا جميعا، فقال الغزالي: هما شريكان، ويشبه أن يقال: زيد وصيي، وعمرو مشرف. فرع أوصى إلى شخصين، فاختلفا في التصرف، نظر، إن كانا مستقلين، وقال كل واحد: أنا أتصرف، حكى الشيخ أبو حامد أنه يقسم فيتصرف كل واحد في نصفه، فإن كان مما لا ينقسم، ترك بينهما حتى يتصرفا فيه. وقال غيره: لا حاصل لهذا الاختلاف، ومن سبق نفذ تصرفه. وإن لم يكونا مستقلين، أمرهما الحا كم بما رآه مصلحة. فإن امتنع أحدهما، ضم القاضي إلى الآخر أمينا. وإن امتنعا، أقام مقامهما أمينين، ولا ينعزلان بالاختلاف، بل الآخران نائبان عنهما. وإن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء، عين القاضي من يراه. وإن اختلفا في الحفظ، قسم، ولكل واحد التصرف فيما في يده ويد صاحبه. وقيل: إن لم يكونا مستقلين، لم ينفرد أحدهما بحفظ شئ. والصحيح المنصوص الذي عليه الجمهور: أنه لا فرق. ثم إذا قسم، وتنازعا في عين النصف المحفوظ، أقرع على الاصح. وقيل: يعين القاضي. هذا إذا كان المتاع منقسما، وإلا فيحفظانه معا بجعله في بيت يقفلانه، أو برضاهما بنائب يحفظه من جهتهما، وإلا، فيتولى القاضي حفظه، وكذا لو كان منقسما وقلنا: لا ينقسم عند عدم الاستقلال. ثم ذكر البغوي، أن هذا التفصيل فيما إذا(5/280)
جعل إليهما التصرف واختلفا في الحفظ إلى التصرف. فأما إذا جعل الحفظ إلى اثنين، فلا ينفرد أحدهما بحال.
فصل في أحكام الوصاية فمنها الجواز، فللموصي الرجوع متى شاء، وللموصي عزل نفسه متى شاء. قلت: إلا أن يتعين عليه، أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره. والله أعلم. ومنها: أن الوصي يقضي الديون التي على الصبي من الغرامات والزكوات وكفارة القتل. وفي الكفارة وجه، لانها ليست على الفور، وينفق عليه وعلى من عليه نفقته، ولينفق بالمعروف، وهو ترك الاسراف والتقتير. فان أسرف، ضمن الزيادة، ويشتري له الخادم عند الحاجة إذا كان مثله يخدم. فرع إذا بلغ الصبي، ونازعه في أصل الانفاق، صدق الوصي بيمينه.(5/281)
ولو قال: أسرفت في الانفا، فإن كان بعد تعيينهما قدرا، نظر فيه، وصدق من يقتضي الحال تصديقه. وإن لم يعينا، فالمصدق الوصي على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى البغوي عن بعضهم فيه وجهين، وهذا على غرابته يجئ في أصل الانفاق. فرع ادعى أن الوصي خان في بيع ماله، فباعه بلا حاجة ولا غبطة، ففيه خلاف قدمناه في باب الحجر. والمذهب أن القول قول المدعي. فرع تنازعا في تاريخ موت أبيه، فقال: من خمس سنين، فقال الوصي: من ست، واتفقا على إنفاقه من يوم الموت لم يقبل قول الوصي على الاصح. فرع ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ، لا يقبل بغير بينة على الصحيح. فرع يقبل قول الوصي في التلف بالغصب والسرقة. فرع قيم الحاكم، كالوصي فيما ذكرناه، والمجنون بعد إفاقته كالصبي بعد بلوغه في كل ذلك. فصل إذا بلغ الصبي مجنونا أو سفيها، استمرت ولاية الصبي كما سبق في باب الحجر، ثم إن رأى أن يدفع إلى المبذر نفقة أسبوع أسبوع، فعل، فإن لم يثق به، دفعها إليه يوما يوما، ويكسوه كسوة مثله، فإن كان يخرقها، هدده، فإن لم يمتنع، اقتصر في البيت على إزار. وإذا خرج، كساه وجعل عليه رقيبا.
فصل ليس له تزويج الاطفال وإن ذكره الموصي، ولا بيع مال الصبي لنفسه ولا عكسه، ولا بيع مال صبي لصبي، وتجوز شهادة الوصي على الاطفال، ولا تجوز شهادته لهم بمال وإن كان وصيا في تفرقة الثلث فقط، لانه يثبت لنفسه ولاية، ويجوز لمن هو وصي في مال معين أن يشهد بغيره.
فصل في مسائل منثورة يجوز للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة(5/282)
بمباشرته لمثله، ولا يجوز أن يبيع شيئا من مال كبار الورثة بغير إذنهم. وإذا أوصى بثلث ماله وليس له إلا عبد، لم يبع الوصي إلا ثلثه. ولو كان الوصي والصبي شريكين، لم يستقل بالقسمة، سواء قلنا: هي بيع أو إفراز. وفي فتاوى القفال: ليس له خلط حنطته بحنطة الصبي، ولا دراهمه بدراهمه، وقول الله تعالى: * (وإن تخالطوهم) * محمول على ما لا بد منه للارفاق، وهو خلط الدقيق بالدقيق واللحم باللحم للطبخ ونحوه، ولا يلزم الوصي الاشهاد في بيع مال اليتيم على الاصح. وفي الجرجانيات لابي العباس الروياني وجهان في أن الولي لو فسق قبل انبرام البيع، هل يبطل البيع ؟ ووجهان في أن الوصاية هل تنعقد بلفظ الولاية، كقوله: وليتك كذا بعد موتي ؟ ويجوز للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يتصرف في البلد، ويجوز إلى من يسافر به إذا جوزنا المسافرة به عند أمن الطريق، وهو الاصح كما سبق في الحجر ولو أوصى إلى الله تعالى، وإلى زيد، فقياس ما سبق فيما إذا أوصى لله تعالى ولزيد مجئ وجهين. أحدهما: أن الوصاية إلى زيد. والثاني: إلى زيد والحاكم. ولو أوصى بشئ لرجل لم يذكره، وقال: قد سميته لوصيي، فللورثة أن لا يصدقوه. وفي شرح أدب القاضي لابي عاصم العبادي، أنه لو قال: سميته لوصيي زيد وعمرو، فعينا رجلا، استحقه. وإن اختلفا في التعيين، فهل تبطل الوصية، أم يحلف كل منهما مع شاهده ؟ قولان. وفي الزيادات لابي عاصم: أنه لو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال، فله أن يؤدي شيئا لتخليصه، والله يعلم المفسد من المصلح.(5/283)
وفي فتاوى القفال: أنه لو أوصى إلى رجل فقال: بع أرضي الفلانية، واشتر من ثمنها رقبة فاعتقها عني، وأحج عني، واشتر مائة رطل خبز فأطعمها الفقراء، فباع الارض بعشرة، وكان لا توجد رقبة إلا بعشرة، ولا يحج إلا بعشرة، ولا يباع الخبز بأقل من خمسة، فتوزع العشر عليها خمسة أسهم، ولا يحصل الاعتاق والحج بحصتهما، فيضم إلى حصة الخبز تمام الخمسة، فينفذ فيه الوصية، ويرد الباقي على الورثة، كما لو أوصى لكل واحد من زيد وعمرو بعشرة، وكان ثلاثة عشر، فرد أحدهما، دفعت العشرة إلى الآخر. ولو قال: اشتر من ثلثي رقبة فاعتقها، وأحج عني، واحتاج كل منهما إلى عشرة، فإن قلنا: يقدم العتق، صرفت العشرة إليه، وإلا، فينبغي أن يقرع بينهما ولا يوزع، إذ لو وزع، لم يحصل واحد منهما، وبالله التوفيق.(5/284)
كتاب الوديعة
هي المال الموضوع عند أجنبي ليحفظه. واستودعته الوديعة: استحفظته إياها. ومن أودع وديعة يعجز عن حفظها، حرم عليه قبولها، وإن كان قادرا،(5/285)
لكن لا يثق بأمانة نفسه، فهل يحرم قبولها، أم يكره ؟ وجهان. وإن قدر، ووثق بأمانة نفسه، استحب القبول. فإن لم يكن هناك غيره، فقد أطلق مطلقون أنه يتعين عليه القبول، وهو محمول على ما بينه السرخسي في الامالي، وهو أنه يجب أصل القبول دون أن يتلف منفعة نفسه وحرزه في الحفظ من غير عوض. فرع لا يصح إيداع الخمر ونحوها.
فصل الايداع، توكيل خاص، وأركانه، كأركانها أربعة: الحفظ، والعاقدان، والصيغة. فلا بد من صيغة من المودع دالة على الاستحفاظ، كقوله: استودعتك هذا المال، أو أودعتك، أو استحفظتك، أو أنبتك في حفظه، أو احفظه، أو هو وديعة عندك، أو ما في معناها. وفي اشتراط القبول باللفظ ثلاثة أوجه. أصحها: لا يشترط، بل يكفي القبض في العقار والمنقول. والثاني: يشترط. والثالث: يشترط إن كان بصيغة عقد، كأودعتك، ولا يشترط إن قال: احفظه، أو هو وديعة عندك. ولو قال: إذا جاء رأس الشهر، فقد أودعتك هذا، فقطع الروياني في الحلية بالجواز، والقياس تخريجه على الخلاف في تعليق الوكالة. ولو جاء بماله، ووضعه بين يدي غيره، ولم يتلفظ بشئ، لم يحصل الايداع. فلو قبضه الموضوع عنده، ضمنه. وكذا لو كان قد قال قبل ذلك: أريد أن أودعك، ثم جاء بالمال، فإن قال: هذا وديعتي عندك، أو احفظه، ووضعه بين(5/286)
يديه، فإن أخذه الموضوع عنده، تمت الوديعة إن لم يشترط القبول لفظا. وإن لم يأخذه، نظر، إن لم يتلفظ، لم يكن وديعة، حتى لو ذهب وتركه، فلا ضمان عليه، لكن يأثم إن كان ذهابه بعدما غاب المالك. وإن قال: قبلت، أو ضعه، فوضعه، كان إيداعا، كما لو قبضه بيده، كذا قال البغوي. وقال المتولي: لا يكون وديعة ما لم يقبضه. وفي فتاوى الغزالي: أنه إن كان الموضع في يده، فقال: ضعه، دخل المال في يده، لحصوله في الموضع الذي هو في يده. وإن لم يكن، بأن قال: انظر إلى متاعي في دكاني، فقال: نعم، لم يكن وديعة. وعلى الاول، لو ذهب الموضوع عنده وتركه، فإن كان المالك حاضرا بعد، فهو رد للوديعة. وإن غاب المالك، ضمنه.
فصل لا يصح الايداع إلا من جائز التصرف. فلو أودع صبي أو مجنون مالا، لم يقبله، فإن قبله، ضمنه، ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره. لكن لو خاف هلاكه في يده فأخذه على وجه الحسبة صونا له، لم يضمنه على الاصح. ولا يصح الايداع إلا عند جائز التصرف، فلو أودع مالا عند صبي، فتلف، لم يضمنه، إذ ليس عليه حفظه، فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ فتلف. وإن أتلفه الصبي، فقولان. ويقال: وجهان. أحدهما: لا ضمان، لان المالك سلطه عليه، فصار كما لو باعه أو أقرضه وأقبضه فأتلفه، فلا ضمان قطعا. وأظهرهما: يضمن، كما لو أتلف مال غيره من غير استحفاظ. ولا تسليط على(5/287)
الاتلاف هنا، بخلاف البيع والقرض. ولو أودع ماله عند عبد فتلف عنده، فلا ضمان. وإن أتلفه، فهل يتعلق الضمان برقبته كما لو أتلف ابتداء، أم بذمته كما لو باعه ؟ فيه الخلاف المذكور في الصبي. وإيداع السفيه والايداع عنده، كايداع الصبي والايداع عنده. فرع استنبطوه من الخلاف المذكور في الصبي والعبد أصلا في الباب وهو أن الوديعة عقد برأسه، أم إذن مجرد ؟ إن قلنا عقد، لم يصمنه الصبي، ولم يتعلق برقبة العبد. وإق قلنا: إذن، فبالعكس وخرجوا عليه ولد الجارية المودعة، ونتاج البهيمة. إن قلنا: عقد، فالولد وديعة كالام، وإلا، فليس بوديعة، بل أمانة شرعية في يده يجب ردها في الحال، حتى لو لم يؤد مع التمكن، ضمن على الاصح، كذا قاله البغوي. وقال المتولي: إن قلنا: عقد، لم يكن وديعة، بل أمانة، اعتبارا بعقد الرن والاجارة، وإلا، فهل يتعدى حكم الام إلى الولد كالاضحية، أم لا كالعارية ؟ وجهان، والموافق لاطلاق الجمهور كون الوديعة عقدا.(5/288)
فصل في أحكام الوديعة هي ثلاثة.
أحدها : الجواز من الجانبين، وتنفسخ بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه. ولو عزم المودع نفسه، فانعزاله وجهان، بناء على أن الوديعة إذن، أم عقد ؟ إن قلنا: إذن، فالعزل لغو، كما لو أذن للضيفان في أكل طعامه، فقال بعضهم: عزلت نفسي، يلغو قوله، وله الاكل بالاذن السابق. فعلى هذا، تبقى الوديعة بحالها. وإن قلنا: عقد، انفسخت وبقي المال في يده أمانة شرعية، كالريح تطير الثوب إلى داره، فعليه الرد عند التمكن وإن لم يطلب على الاصح. فإن لم يفعل، ضمن.
الحكم الثاني : أنها أمانة، فلا يضمن إلا عند التقصير، وأسباب التقصير تسعة. أحدها: أن يودعها المودع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك، فيضمن، سواء أودع عند عبده وزوجته وابنه، أو أجنبي. والكلام في تضمين المالك المودع الثاني قد سبق في بابي الرهن والغصب. وإن أودعها عند القاضي، فوجهان -(5/289)
سواء كان المالك حاضرا أو غائبا - أصحهما عند الجمهور: يضمن. فإن جوزنا الدفع إلى القاضي، لم يجب عليه القبول إن كان المالك حاضرا والدفع عليه متيسرا، وإن لم يكن كذلك، لزمه القبول على الاصح، لانه نائب الغائبين. وإذا حمل الغاصب المغصوب إلى القاضي، ففي وجوب القبول الوجهان، لكن هذا أولى بالمنع ليبقى مضمونا للمالك. ومن عليه دين لو حمله إلى القاضي، نظر، إن كان بحيث لا يجب على المالك قبوله، فالقاضي أولى، وإلا، فوجهان وأولى بالمنع وهو الاصح، لان الدين في الذمة لا يتعرض للتلف، وإذا تعين، تعرض له. وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا استحفظ غيره وأزال يده ونظره عن الوديعة. أما إذا استعان به في حملها إلى الحرز، فلا بأس، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها. قال القفال: وكذا لو كانت خزانته وخزانة ابنه واحدة فدفعها إلى ابنه ليضعها في الخزانة. وذكر الامام أن المودع إذا أراد الخروج لحاجاته، فاستحفظ من يثق به من متصليه، وكان يلاحظ المخزن في عوداته، فلا بأس. وإن فوض الحفظ إلى بعضهم، ولم يلاحظ الوديعة أصلا، ففيه تردد. وإن كان المخزن خارجا عن داره التي يأوي إليها، وكان لا يلاحظه، فالظاهر تضمينه. فرع هذا الذي ذكرناه، إذا لم يكن عذر. فإن كان، بأن أراد سفرا، فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله. فإن تعذر وصوله إليهما، دفعها إلى القاضي، وعليه قبولها. فإن لم يجد قاضيا، دفعها إلى أمين، ولا يكلف تأخير السفر. فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله، ضمن، ويجئ في هذا الخلاف السابق. وإن دفع إلى أمين مع القدرة على الحاكم، ضمن على المذهب. ولو دفن الوديعة عند سفره، ضمن إن دفنها في(5/290)
غير حرزه أو في حرزولم يعلم بها أمينا، أو أعلمه جيث لا يجوز الايداع عند الامين، أو حيث يجوز إأن الذي أعلمه لا يسكن الموضع. فإن سكنه، لم يضمن على الاصح. كذا فصله الجمهور، وجعل الامام في معنى السكنى، أن يراقبها من الجوانب، أو من فوق مراقبة الحارس. وقيل: إن الاعلام كالايداع سواء سكن الموضع، أم لا. ونقل صاحب المعتمد وغيره وجهين، في أن سبيل هذا الاعلام سبيل الاشهاد، أم الائتمان ؟ أصحهما: الثاني. فعلى الاول، لا بد من إعلام رجلين، أو رجل وامرأتين. وكما يجوز الايداع بعذر السفر كما تبين، فكذا سائر الاعذار، كما إذا وقع في البقعة حريق أو نهب أو غارة، أو خاف الغرق، وليكن في معناها إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزا ينقلها إليه. السبب الثاني: السفر بها، فإذا أودع حاضرا، لم يجز أن يسافر بها، فإن فعل، ضمن. وقيل: لا يضمن إذا كان الطريق امنا، أو سافر في البحر والغالب فيه السلامة، والصحيح الاول. ولو سافر بها لعذر، بأن جلا أهل البلد، أو وقع حريق، أو غارة، فلا ضمان بشرط أن يعجز عن ردها إلى المالك ووكيله والحاكم وعن ايداع أمين، ويلزمه السفر بها في هذه الحالة، وإلا، فهو مضيع. ولو عزم(5/291)
على السفر في وقت السلامة، وعجز عن المالك ووكيله، والحاكم، والامين، فسافر بها، لم يضمن على الاصح عند الجمهور، لئلا ينقطع عن مصالحه وينفر الناس عن قبول الودائع. وشرط الجواز، أن يكون الطريق امنا، وإلا، فيضمن وهذا ظاهر في مسألة الوجهين. فأما عند الحريق ونحوه، فكان يجوز أن يقال: إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر، فله السفر بها. قال في الرقم: وإذا كان الطريق آمنا، فحدث خوف، أقام. ولو هجم قطاع الطريق، فألقى المال في مضيعة إخفاء له فضاع، ضمن. فرع إذا أودع مسافرا، فسافر بالوديعة، أو منتجعا، فانتجع بها، فلا ضمان، لان المالك رضي حين أودعه. السبب الثالث: ترك الايصاء، فإذا مرض المودع مرضا مخوفا، أو حبس للقتل، لزمه أن يوصي بها. فإن سكت عنها، ضمن، لانه عرضها للفوات، إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه، والمراد بالوصية: الاعلام والامر بالرد من غير أن يخرجها من يده، وهو مخير في هذه الحالة بين الايداع والاقتصار على الاعلام والامر بالرد. ثم يشترط في الوصية بها أمور. أحدها: أن يعجز عن الرد إلى المالك أو وكيله، وحينئذ يودع عند الحاكم أو يوصي إليه. فإن عجز. فيودع عند أمين، أو يوصي إليه. كذا رتب الجمهور، كما إذا أراد السفر. وفي التهذيب: أنه يكفيه الوصية وإن أمكن الرد إلى المالك، لانه لا يدري متى يموت. الثاني: أن يوصي إلى أمين. فإذا أوصى إلى فاسق، كان كما لو لم يوص، فيضمن، ولا بأس بأن يوصي إلى بعض ورثته، وكذد الايداع حيث يجوز أن يودع أمينا.(5/292)
الثالث: أن يبين الوديعة ويميزها عن غيرها بإشارة إليها، أو ببيان جنسها وصفتها. فلو لم يبين الجنس، بل قال: عندي وديعة، فهو كما لو لم يوص. فرع لو ذكر الجنس فقال: عندي ثوب لفلان، نظر إن لم يوجد في تركته ثوب، فهل يضمن ؟ وجهان. أصحهما عند جماهير الاصحاب: يضمن، لتقصيره في البيان، فيضارب صاحب الوديعة بقيمتها مع الغرماء. وإن وجد في تركته أثواب، ضمن قطعا، لانه إذا لم يميز، فكأنه خلط الوديعة. وإن وجد ثوب واحد، ضمن أيضا على الاصح، ولا يدفع إليه الثوب الموجود. وقيل: يتعين الثوب الموجود، وبه قطع البغوي والمتولي. وفي أصل المسألة وجه: أنه إنما يضمن إذا قال: عندي ثوب لفلان وذكر معه ما يقتضي الضمان. فأما إذا اقتصر عليه، فلا ضمان. فرع قال الامام: إذا لم يوص أصلا، فادعى صاحب الوديعة أنه قصر، وقال الورثة: لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير، فالظاهر براءة الذمة.(5/293)
فرع جميع ما ذكرناه إذا تمكن من الايداع، أو الوصية، فإن لم يتمكن، بأن قتل غيلة، أو مات فجأة، فلا ضمان. فرع إذا مات ولم يذكر أن عنده وديعة، فوجد في تركته كيس مختوم، أو غير مختوم مكتوب عليه: وديعة فلان، أو وجد في جريدته: لفلان عندي كذا وديعة، لم يلزم الورثة التسليم بهذا لاحتمال أنه كتب هو أو غيره تلبيسا، أو اشترى الكيس وعليه الكتابة فلم يمحها، أو رد الوديعة بعد كتابتها في الجريدة ولم يمحها، وإنما يلزم التسليم، بإقراره أو إقرار المورث ووصية أو بينة. السبب الرابع: نقلها، فإذا أودعه في قرية، فنقل الوديعة إلى قرية أخرى، فإن كان بينهما مسافة القصر، ضمن، وكذا إن كان بينهما ما يسمى سفرا على الصحيح. وإن لم يسم سفرا، ضمن إن كان فيها خوف، أو كانت المنقول عنها أحرز، وإلا، فلا على الاصح. وحيث منعنا النقل، فذاك إذا لم يكن ضرورة. فإن وقعت ضرورة، فكما ذكرنا في المسافرة. وإذا أراد الانتقال بلا ضرورة، فالطريق ما سبق فيما إذا أراد السفر. والنقل من محلة إلى محلة، أو من دار إلى دار، كالنقل من قرية إلى قرية متصلتي العمارة، فإن كانت المنقول عنها أحرز، ضمن، وإلا، فلا. ولو نقل من بيت إلى بيت في دار واحدة، أو خان واحد، فلا ضمان. وإن كان الاول أحرز منهما، كان الثاني حرزا أيضا، قاله البغوي. وجميع مسائل الفصل فيما إذا أطلق الايداع، فأما إذا أمر بالحفظ في موضع(5/294)
معين، فسنذكره إن شاء الله تعالى. السبب الخامس: التقصير في دفع المهلكات، فيجب على المودع دفع المهلكات على المعتاد. فلو أودعه، فله أحوال. أحدها: أن يأمره بالعلف والسقي، فعليه رعاية المأمور. فإن امتنع حتى مضت مدة يموت مثلها في مثلها، فإن ماتت، ضمنها، وإلا، فقد دخلت في ضمانه. وإن نقصت، ضمن نصفها. وتختلف المد بإختلاف الحيوانات. وإن ماتت قبل مضي هذه المدة، لم يضمن إن لم يكن بها جوع وعطش سابق. وإن كان وهو عالم به، ضمن، وإلا، فلا على الاصح. فإن ضمناه، فيضمن الجميع، أم بالقسط ؟ وجهان، كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط. الثانية: أن ينهاه عن العلف والسقي، فيعصي إن ضيعها لحرمة الروح. والصحيح الذي قاله الجمهور، أنه لا ضمان، وضمنه الاصطخري. الثالثة: أن لا يأمره ينهاه، فيلزم القيام بهما، لانه التزم حفظها. ثم الكلام في أمرين. أحدهما: المودع لا يلزمه العلف من ماله، فإن دفع إليه المالك علفها، فذاك. ولو قال: اعلفها من مالك، فهو كقوله: اقض ديني. والاصح الرجوع عليه. فإن لم يذكر شيئا، راجع المالك أو وكيله ليستردها، أو يعطي علفها. فإن لم يظفر بهما، رفع الامر إلى الحاكم ليقترض عليه، أو يبيع جزءا منها، أو يؤجرها ويصرف الاجرة في مؤنتها. والقول فيه وفي تفاريعه، كما سبق في هرب الجمال وعلف الضالة ونفقة اللقيط ونحوها. الامر الثاني: إن علفها وسقاها في داره، أو اصطبله، حيث تعلف وتسقى دوابه. فقد وفى بالحفظ. وإن أخرجها من الموضع، فإن كان يفعل كذلك مع دوابه لضيق وغيره، فلا ضمان. وإن كان ليسقي دوابه فيه، فقد قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر: وإن أخرجها إلى غير داره وهو يسقي في داره، ضمن. وقال(5/295)
الاصطخري بظاهره وأطلق وجوب الضمان. وقالت طائفة. هذا إذا كان الموضع أحرز. فإن تساويا، فلا ضمان. وقال أبو إسحق واخرون: هذا إذا كان في الاخراج خوف. فإن لم يكن، لم يضمن، لاطراد العادة، وهذا هو الاصح. ثم إن تولى السقي والعلف بنفسه - أو أمر به صاحبه وغلامه وهو حاضر لم تزل يده - فذاك، وإن بعثها على يد صاحبه ليسقيها، أو أمره بعلفها وأخرجها من يده، فإن لم يكن صاحبها أمينا، ضمن، وإلا، فلا على الاصح، للعادة. قال في الوسيط: والوجهان فيمن يتولى بنفسه في العادة، فأما غيره، فلا يضمن قطعا. فرع إذا كان النهي عن العلف لعلة تقتضيه، كالقولنج، فعلفها قبل زوال العلة فماتت، ضمن. فرع العبد المودوع، كالبهيمة في الاحوال المذكورة. ولو أودعه نخيلا، فوجهان. أحدهما: سقيها كسقي الدابة. والثاني: لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره به. فرع ثياب الصوف التي يفسدها الدود، يجب على المودع نشرها وتعريضها للريح. بل يلزمه لبسها إذا لم يندفع إلا بأن تلبس وتعبق بها رائحة الآدمي، فإن لم يفعل ففسدت، ضمن، سواء أمره المالك أو سكت. فإن نهاه عنه، فامتنع حتى فسدت، كره ولا يضمن. وأشار في التتمة إلى أنه يجئ فيه وجه الاصطخري. ولو كان الثوب في صندوق مقفل، ففتح القفل ليخرجه وينشره، قال البغوي: لا يضمن على الاصح. هذا كله إذا علم المودع. فإن لم يعلم، بأن كان(5/296)
في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلمه المالك، فلا ضمان. السبب السادس: الانتفاع. فالتعدي باستعمال الوديعة والانتفاع بها، كلبس الثوب، وركوب الدابة، خيانة مضمنة. فإن كان هناك عذر، بأن لبس لدفع الدود كما سبق، أو ركب الدابة حيث يجوز إخراجها للسقي وكانت لا تنقاد إلا بالركوب، فلا ضمان. وإن انقادت من غير ركوب فركب، ضمن. ولو أخذ الدراهم ليصرفها إلى حاجته، أو الثوب ليلبسه، أو أخرج الدابة ليركبها، ثم لم يستعمل، ضمن، لان الاخراج على هذا القصد خيانة. ولو نوى الاخذ لنفسه فلم يأخذ، لم يضمن على الصحيح وقول الاكثرين، وضمنه ابن سريج. ويجري الخلاف، فيما لو نوى أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك. وقيل: يضمن هنا قطعا، لانه يصير ممسكا لنفسه، قاله القاضي أبو حامد والماوردي. ويجري الوجهان، فيما إذا كان الثوب في صندوق غير مقفل فرفع رأسه ليأخذ الثوب ويلبسه، ثم بدا له. ولو كالصندوق مقفلا والكيس مختوما، ففتح القفل وفض الختم ولم يأخذ ما فيه، فوجهان. أحد هما: لا يضمن ما فيه، وانما يضمن الختم الذي تصرف فيه. وأصحهما: يضمن ما فيه، لانه هتك الحرز. وعلى هذا، ففي ضمان الكيس والصندوق وجهان، لانه لم يقصد الخيانة في الظرف. ولو خرق الكيس نظر، إن كان الخرق تحت موضع الختم، فهو كفض الختم. وإن كاق فوقه، لم يضمن إلا نقصان الخرق. ولو أودعه شيئا مدفونا فنبشه، فهو كفض الختم. ولا يلتحق بالفض وفتح القفل حل الخيط الذي يشد به رأس الكيس، أو رزمة الثياب، لان القصد منه المنع من الانتشار، لا أن يكون مكتوما عنه. وعن الحاوي وجهان فيما إذا كانت عنده دراهم فوزنها - أودعها - أو ثياب فذرعها ليعرف طولها، أنه هل يضمن ؟ ويشبه أن يجئ هذا الخلاف في حل الشد. قلت: ليس هو مثله. والله أعلم.(5/297)
فرع إذا صارت الوديعة مضمونة على المودع بانتفاع أو إخراج من الحرز أو غيرهما من وجوه التقصير، ثم ترك الخيانة ور الوديعة إلى مكانها، لم يبرأ ولم تعد أمانته. فلو ردها إلى المالك ثم أودعه ثانيا، فلا شك في عود أمانته. فلو لم يردها، بل أحدث له المالك استئمانا فقال: أذنت لك في حفظها، أو أودعتكها، أو استأمنتك، أو أبرأتك من الضمان، فوجهان. ويجوز أن يقال: قولان. أصحهما: يصير أمينا ويبرأ. ولو قال في الابتداء: أودعتك، فإن خنت ثم تركت الخيانة، عدت أمينا لي، فخان ثم ترك الخيانة، قال المتولي: لا يعود أمينا بلا خلاف، لانه إسقاط ما لم يجب، وتعليق للوديعة. فرع قال: خذ هذه وديعة يوما، وغير وديعة يوما، فهو وديعة أبدا. ولو قال: وديعة يوما، وعارية يوما، فهو وديعة في اليوم الاول، وعارية في اليوم الثاني، ثم لا تعود وديعة أبدا، حكاه الروياني في كتابه البحر عن اتفاق الاصحاب. فصل إذا خلط الوديعة بمال نفسه، وفقد التمييز، ضمن، وإن خلطها بمال آخر للمالك، ضمن أيضا على الاصح، لانه خيانة. ولو أودعه دراهم فأنفق منها درهما، ثم رد مثله إلى موضعه، لا يبرأ من ضمانه، ولا يملكه المالك إلا بالدفع إليه، ثم إن كان المردود غير متميز عن الباقي، صار الجميع مضمونا، لخلطه الوديعة بمال نفسه. فإن تميز، فالباقي غير مضمون، وإن لم ينفق الدرهم المأخوذ، ورده بعينه، لم يبرأ من ضمان ذلك الدرهم، ولا يصير الباقي مضمونا عليه إن تميز ذلك الدرهم عن غيره، وإلا، فوجهان. ويقال: قولان. أحدهما: يصير الباقي مضمونا لخلطه المضمون بغيره. وأصحهما: لا، لان هذا الخلط كان حاصلا قبل الاخذ. فعلى هذا، لو كانت الجملة عشرة فتلفت، لم يلزمه إلا درهم، ولو تلفت خمسة، لزمه نصف درهم. هذا كله إذا لم يكن على الدراهم(5/298)
ختم ولا قفل، أو كان وقلنا: مجرد الفتح والفض لا يقتضي الضمان. أما إذا قلنا: يقتضيه وهو الاصح، فبالفض والفتح يضمن الجميع. فرع إذا أتلف بعض الوديعة، ولم يكن له اتصال بالباقي، كأحد الثوبين، لم يضمن إلا المتلف. وإن كان له اتصال، كتحريق الثوب، وقطع طرف العبد والبهيمة، نظر إن كان عاملا، فهو جان على الكل، فيضمن الجميع. وإن كان مخطئا، ضمن المتلف، ولا يضمن الباقي على الاصح. السبب السابع: المخالفة في الحفظ. فإذا أمره بحفظها على وجه مخصوص، فعدل إلى وجه آخر وتلفت، فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها، ضمن، وكانت المخالفة تقصيرا. وإن تلفت بسبب آخر، فلا ضمان. هذه جملة السبب، ولتفصيلها صور. إحداها: أودعه مالا في صندوق وقال: لا ترقد، فرقد عليه، نظر، إن خالف بالرقود، بأن انكسر رأس الصندوق بثقله، أو تلف ما فيه، ضمن، وإلا، فإن كان في بيت محرز، أو في صحراء فأخذه لص، فلا ضمان على الصحيح، لانه زاده خيرا. وإن كان في صحراء وأخذه لص من جان الصندوق، ضمن على الاصح. وإنما يظهر هذا، إذا سرق من جانب لو لم يرقد عليه لرقد هناك، وقد تعرض بعضهم لهذا القيد. ولو قال: لا تقفل عليه، فأقفل، أو لا تقفل إلا قفلا، فأقفل قفلين، أو لا تغلق باب البيت، فأغلقه، فلا ضمان على الصحيح. ولو أمره بدفنها في بيته وقال: لا تبن، فبنى، فهو كما لو قال: لا ترقد عليه، فرقد، ثم هو عند الاسترداد منقوص غير مغروم على المالك، كما لو نقل الوديعة عند الضرورة لا يرجع بالاجرة على المالك، لانه متطوع، نص عليه في عيون المسائل. (الصورة) الثانية: أودعه دراهم أو غيرها وقال: اربطها في كمك، فأمسكها، نقل المزني: أنه لا ضمان. ونقل الربيع: أنه يضمن. وللاصحاب ثلاثة طرق. أحدها: إطلاق قولين. والثاني: أنه إن لم يربطها في الكم واقتصر على الامساك، ضمن، وإن أمسك باليد بعد الربط، لم يضمن، والثالث وهو أصحها: إن تلفت(5/299)
بأخذ غاصب، فلا ضمان، لان اليد أحرز بالنسبة إليه. وإن سقطت بنوم أو نسيان، ضمن، لانها لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب، فالتلف حصل بالمخالفة. ولفظ النص في عيون المسائل مصرح بهذا التفصيل. ولو لم يربطها في الكم وجعلها في جيبه، لم يضمن، لانه أحرز، إلا إذا كان واسعا غير مزرور. وفي وجه ضعيف: يضمن، بالعكس يضمن قطعا. أما إذا امتثل فربطها في كمه، فلا يكلف معه الامساك باليد، ثم ينظر إن جعل الخيط الرابط خارج الكم فأخذها الطرار، ضمن، لان فيه إظهار الوديعة وتنبيه الطرار، لانه أسهل عليه في قطعه وحله. وإن ضاع بالاسترسال وانحلال العقدة، لم يضمن إذا كان قد احتاط في الربط، لانها إذا انحلت بقيت الدراهم في الكم. وإن جعل الخيط الرابط داخل الكم، انعكس الحكم. فإن أخذها الطرار، لم يضمن. وإن ضاعت بالاسترسال، ضمن، لان العقدة إذا انحلت تناثرت الدراهم، هكذا قاله الاصحاب، وهو مشكل، لان المأمور به مطلق الربط. فإذا أتى به، وجب أن لا ينظر إلى جهات التلف، بخلافما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف. فرع لو أودعه دراهم في سوق أو طريق، ولم يقل: اربطها في كمك، ولا امسكها في يدك، فربطها في الكم وأمسكها باليد، فقد بالغ في الحفظ. وكذا لو جعلها في جيبه وهو ضيق، أو واسع مزرور. فإن كان واسعا غير مزرور، ضمن، لسهولة تناولها باليد. ولو أمسكها بيده ولم يربطها، لم يضمن إن تلفت بأخذ غاصب، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم. فلو ربطها ولم يمسكها بيده، فقياس ما سبق أن ينظر إلى كيفية الربط وجهة التلف. ولو وضعها في الكم ولم يربطها فسقطت، فان كانت خفيفة لا يشعر بها، ضمن، لتفريطه في الاحراز، وإن كانت ثقيلة يشعر بها، لم يضمن، ذكره في المهذب وقياس هذا، يلزم طرده فيما سبق من صور الاسترسال كلها. ولو وضعها في كور عمامته ولم يشد، ضمن. فرع أودعه في سوق وقال: احفظها في بيتك، فينبغي أن يمضي إلى بيته ويحفظها فيه. فإن أخر من غير عذر، ضمن. وإن أودعه في البيت وقال:(5/300)
احفظها في البيت فربطها في الكم وخرج بها، صارت مضمونة عليه. وكذا لو لم يخرج بها وربطها في الكم مع إمكان إحرازها في الصندوق ونحوه، وإن كان ذلك لقفل تعذر فتحه ونحوه. لم يضمن. قال في المعتمد: وإن شدها في عضده وخرج بها، فإن كان الشد مما يلي الاضلاع، لم يضمن، لانه أحرز من البيت، وإن كان من الجانب الآخر، ضمن، لان البيت أحرز منه. وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال: احفظها في البيت، إشعار بأنه لو أودعه في البيت ولم يقل شيئا، يجوز له أن يخرج بها مربوطة، ويشبه أن يكون الرجوع إلى العادة. الصورة الثالثة: إذا عين للوديعة مكانا فقال: احفظها في هذا البيت أو في هذه الدار، فأما أن يقتصر عليه، وإما أن ينهاه مع ذلك عن النقل، فإن اقتصر عليه فنقلها إلى ما دونه في الحرز، ضمن على الصحيح وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها. وإن نقلها إلى بيت مثل الاول، لم يضمن، إلا أن يتلف بسبب النقل، كانهدام البيت المنقول إليه، فيضمن، لان التلف حصل بالمخالفة. والسرقة من المنقول إليه كالانهدام، قاله البغوي والمتولي. وفي كلام الغزالي ما يقتضي إلحاق السرقة والغصب بالموت، وكذا صرح به بعضهم. وإن نهاه فقال: احفظ في هذا البيت ولا تنقلها، فإن نقلها من غير ضرورة، ضمن، لصريح المخالفة من غير حاجة، سواء كان المنقول إليه أحرز أو لم يكن. قال الاصطخري: إن كان أحرز من الاول أو مثله، لم يضمن، والصحيح الاول. وإن نقل لضرورة غارة، أو غرق، أو حريق، أو غلبة لصوص، لم يضمن وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها. ولا بأس بكونه دون الاول إذا لم يجد أحرز منه. ولو ترك النقل والحالة هذه، ضمن على الاصح، لان الظاهر أنه أراد بالنهي تحصيل الاحتياط. ولو قال: لا تنقلها وإن حدثت ضرورة، فإن لم ينقلها، لم يضمن على الصحيح، كما لو قال: أتلف مالي، فأتلفه، لا يضمن، وإن نقل، لم يضمن على الاصح، لانه قصد الصيانة. وحيث قلنا: لا يجوز النقل إلا لضرورة، فاختلفا في وقوعها، فإن عرف هناك ما(5/301)
يدعيه المودع، صدق بيمينه، وإلا، طولب بالبينة، فإن لم تكن بينة، صدق المالك بيمينه. وحكى أبو الفرج الزاز وجها، أن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين، ثم ذكر الائمة أن جميع هذا فيما إذا كان البيت أو الدار المعينة للمودع. أما إذا كان للمالك، فليس للمودع إخراجها من ملكه بحال، إلا أن تقع ضرورة. الصورة الرابعة: إذا نقلها من ظرف إلى ظرف، كخريطة إلى خريطة، وصندوق إلى صندوق، فالمتلخص من كلام الاصحاب على اضطرابه، أنه إن لم يجر فتح قفل ولا فض ختم ولا خلط، ولم يعين المالك ظرفا، فلا ضمان لمجرد النقل، سواء كانت الصناديق للمودع أو للمالك. وإذا كانت للمالك، فحصولها في يد المودع قد يكون بجهة كونها وديعة أيضا. إما فارغة، وإما مشغولة بالوديعة، وقد تكون بجهة العارية. وإن جرى شئ من ذلك، فالفض والفتح والخلط، سبق أنها مضمنة. وإن عين ظرفا، نظر، إن كانت الظروف للمالك، فوجهان. أحدهما: يضمن. وأصحهما: لا، لانهما وديعتان، وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والاخرى في آخر. فعلى هذا إن نقل إلى ما دون الاول، ضمن، وإلا، فلا. وإن كانت الظروف للمودع، فهي كالبيوت بلا خلاف. الصورة الخامسة: قال: احفظ وديعتي في هذا البيت، ولا تدخل إليها أحدا، أو لا تستعن على حفظها بالحارسين، فخالف، فإن حصل التلف بسبب المخالفة، بأن سرقها الذين أدخلهم، أو الحارسون، ضمن. وإن سرق غيرهم أو وقع حريق، فلا ضمان. (الصورة) السادسة: أودعه خاتما وقال: اجعله في خنصرك، فجعله في بنصره، فهو أحرز، لكن لو انكسر لغلظها، أو جعله في الانملة العليا، ضمن. وإن قال: اجعله في البنصر، فجعله في الخنصر، فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر، فالذي فعله أحرز، ولا ضمان. وإن كان ينتهي إليه، ضمن. وإن(5/302)
أودعه الخاتم ولم يقل شيئا، فإن جعله في غير الخنصر، لم يضمن، الا أن غير الخنصر في حق المرأة كالخنصر. وإن جعله في الخنصر، ففيه احتمالان عن القاضي حسين وغيره. أحدهما: يضمن، لانه استعمال. والثاني: إن قصد الحفظ، لم يضمن. وإن قصد الاستعمال، ضمن وفي الرقم للعبادي: أنه إن جعل فصه إلى ظهر الكف، ضمن. وإلا، فلا. قلت: المختار أنه يضمن مطلقا، إلا إذا قصد الحفظ. والله أعلم. (الصورة) السابعة: أودعه وقال: لا تخبر بها، فخالف، فسرقها من أخبره، أو من أخبره من أخبره، ضمن. ولو تلفت بسبب آخر، لم يضمن. وقال العبادي: لو سأله رجل فقال: هل عندك لفلان وديعة ؟ فأخبره، ضمن، لان كتمها من حفظها. السبب الثامن: التضييع، لان المودع مأمور بحفظها في حرز مثلها بالتحرز عن أسباب التلف. فلو أخر إحرازها مع التمكن، أو جعلها في مضيعها، أو في غير حرز مثلها، ضمن. ولو جعلها في أحرز من حرز مثلها، ثم نقلها إلى حرز مثلها، فلا ضمان. ثم هنا صور. (الصورة) الاولى: إذا أعلم بالوديعة من يصادر المالك ويأخذ أمواله، ضمنها. بخلاف ما إذا أعلمه غير المودع، لانه لم يلتزم الحفظ. ولو أعلم المودع اللصوص بالوديعة، فسرقوها، إن عين الموضع، ضمن، وإلا، فلا. كذا فصله البغوي. (الصورة) الثانية: ضيع بالنسيان، ضمن على الاصح، ويؤيده نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل، أنه لو أودعه إناء من قوارير، فأخذه المودع بيده(5/303)
ليحرزه في منزله، فأصابه شئ من غير فعله فانكسر، لم يضمن، ولو أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصل إلى البيت أو بعدما وصله، فهو ضامن. والخطأ والنسيان يجريان مجرى واحدا، ولانهم قالوا: لو انتفع بوديعة ثم ادعى غلطا وقال: ظننته ملكي، لا يصدق مع أنه احتمال قريب، فدل على أن الغلط لا يدفع الضمان. (الصورة) الثالثة: إذا أخذ الظالم الوديعة قهرا، فلا ضمان على المودع، كما لو سرقت منه. وإن أكرهه حتى يسلمها بنفسه، فللمالك مطالبة الظالم بالضمان، ولا رجوع له إذا غرم، وله أيضا مطالبة المودع على الاصح، ثم يرجع على الظالم، وهما كالوجهين في أن المكره على إتلاف مال الغير، هل يطالب ؟ ومهما طالبه الظالم بالوديعة، لزمه دفعه بالانكار والاخفاء والامتناع ما قدر. فإن ترك الدفع مع القدرة، ضمن. وإن أنكر فحلفه، جاز له أن يحلف لمصلحة حفظ الوديعة، ثم تلزمه الكفارة على المذهب. وإن أكرهه على الحلف بطلاق أو عتاق، فحاصله التخيير بين الحلف وبين الاعتراف والتسليم. فإن اعترف وسلم، ضمن على المذهب، لانه فدى زوجته بالوديعة. وإن حلف بالطلاق، طلقت زوجته على المذهب، لانه فدى الوديعة بزوجته. السبب التاسع: الجحود. فإذا قال المودع: لا وديع لاحد عندي، إما ابتداء، وإما جوابا لسؤال غير المالك، فلا ضمان، سواء جرى ذلك بحضرة المالك أو في غيبته، لان إخفاءها أبلغ في حفظها. وإن طلبها المال ك فجحدها، فهو خائن ضامن. وإن لم يطلبها، بل قال: لي عندك وديعة، فسكت، ليضمن. وإن أنكر، لم يضمن أيضا على الاصح، لانه قد يكون في الاخفاء غرض صحيح(5/304)
، بخلاف ما بعد الطلب. فلو جحد ثم قال: كنت غلطت أو نسيت، لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك. فرع من أنكر وديعة ادعيت، صدق بيمينه. فلو أقام المدعي بينة بالابداع، أو اعترف بها المدعى عليه، طولب بها. فإن ادعى ردها أو تلفها قبل الجحود أو بعده، نظر في صيغة جحوده. فإن أنكر أصل الايداع، لم تقبل دعواه الرد، لتناقض كلامه وظهور خيانته. وأما في دعوى التلف، فيصدق، لكنه كالغاصب فيضمن. وهل يتمكن من تحليف المالك ؟ وهل تسمع بينته على ما يدعيه من الرد أو التلف ؟ وجهان. أصحهما: نعم، لاحتمال أنه نسي فصار كمن ادعى وقال: لا بينة لي، ثم جاء ببينة تسمع. فعلى هذا، لو قامت بينة بالرد أو الهلاك قبل الجحود، سقطت المطالبة. وإن قامت بالهلاك بعد الجحود، ضمن، لخيانته. وقد حكينا في ألفاظ المرابحة إذا قال: اشتريت بمائة، ثم قال: بمائة وخمسين، أن الاصحاب فرقوا بين أن لا يذكر وجها محتملا في الغلط، وبين أن يذكره، ولم يتعرضوا لمثله هنا، والتسوية بينهما متجهة. وإن كانت صيغة جحوده: لا يلزمني تسليم شئ إليك، أو مالك عندي وديعة أو شئ، صدق في دعوى الرد والتلف، لانها لا تناقض كلامه الاول. فإن اعترف بأنه كان باقيا يوم الجحود، لم يصدق في دعوى الرد إلا ببينة. وإن ادعى الهلاك، فكالغاصب إذا ادعاه. والمذهب أنه يصدق بيمينه ويضمن.
الحكم الثالث من أحكام الوديعة: ردها عند بقائها، فإذا كانت الوديعة باقية، لزم المودع ردها إذا طلبها المالك، وليس المراد أنه يجب عليه مباشرة الرد وتحمل مؤنته، بل ذلك على المالك، وإنما على المودع رفع اليد والتخلية بين المالك وماله، فإن أخر من غير عذر، دخلت الوديعة في ضمانه. وإن كان هناك عذر يعسر قطعه، بأن طالبه في جنح الليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في الوقت، أو كان مشغولا بصلاة أو قضاء الحاجة، أو في حمام أو على طعام فأخر حتى يفرغ، أو(5/305)
كان ملازما لغريم يخاف هربه، أو كان المطر واقعا والوديعة في البيتفأخر حتى ينقطع ويرجع إلى البيت، وما أشبه ذلك، فله التأخير قطعا. فلو تلفت الوديعة في تلك الحال، فقطع المتولي بأنه لا ضمان، لعدم تقصيره، وهذا مقتضى كلام البغوي أيضا. ولفظ الغزالي في الوسيط يشعر بتفصيل، وهو أنه إن كان التأخير لتعذر الوصول إلى الوديعة، فلا ضمان. وإن كان لعسر يلحقه، أو غرض يفوته، ضمن. قلت: الراجح أنه لا يضمن مطلقا، وصرح به كثيرون. والله أعلم. فرع قال المودع: لا أرد حتى تشهد أنك قبضتها، فهل له ذلك ؟ فله ثلاثة أوجه سبق ذكرها في كتاب الوكالة ووجه رابع، أنه إن كان المالك أشهد بالوديعة عند دفعها، فله ذلك، وإلا، فلا. فرع يشترط كون المردود عليه أهلا للقبض. فلو حجر عليه بسفه، أو كان نائما فوضعها في يده، لم يجز. فرع أودعه جماعة مالا، وذكر أنه مشترك بينهم، ثم جاء بعضهم يطلبه، لم يكن للمودع القسمة ولا تسليم الجميع، بل يرفع الامر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه. فرع قال له: ردها على فلان وكيلي، فطلب الوكيل فلم يرد، فهو كما لو طلب المالك فلم يرد، لكن له التأخير ليشهد المدفوع إليه على القبض، لانه لو أنكر، صدق بيمينه. وإن لم يطلب الوكيل، فإن لم يتمكن من الرد، لم تصر مضمونة، وإلا، فوجهان، لانه لما أمره بالدفع إلى وكيله، عزله، فيصير ما في يده كالامانة الشرعية، مثل الثوب تطيره الريح إلى داره. وفيها وجهان. أحدهما: تمتد إلى المطالبة. وأصحهما: تنتهي بالتمكن من الرد. قال ابن كج: ويجري الوجهان فيمن وجد ضالة وهو يعرف مالكها. وذكر إمام الحرمين في الاساليب، أنه لو قال: رد الوديعة على من قدرت عليه من وكلائي هؤلاء ولا تؤخر، فقدر على الرد على بعضهم، وأخر ليرد على غيره، فهو ضامن عاص بالتأخير، وأنه لو لم يقل: ولا تؤخر، يضمن بالتأخير، وفي العصيان وجهان. وإنه لو قال: ردها على من شئت(5/306)
منهم، فلم يرد على واحد ليرد على آخر، لا يعصي، وفي الضمان وجهان. فرع هل يجب على المودع الاشهاد عند الدفع إلى الوكيل ؟ وجهان جاريان فيما لو دفع إليه مالا ابتداء وأمره بايداعه، أصحهما عند البغوي: يجب، كما لو أمره بقضاء دينه يلزمه الاشهاد، وأصحهما عند الغزالي: لا، لان قول المودع مقبول في الرد والتلف، فلا يغني الاشهاد، لان الودائع حقها الاخفاء، بخلاف قضاء الدين. فإذا قلنا: يجب، فالحكم كما ذكرناه في كتاب الوكالة: أنه إن دفع في غيبة الموكل من غير إشهاد، ضمن. وإن دفع بحضرته، لم يضمن على الاصح.
فصل طالبه المالك بردها، فادعى التلف بسبب خفي كالسرقة، صدق بيمينه. وإن ادعاه بسبب ظاهر كالحريق والغارة والسيل، فإن لم يعرف ما ادعاه بتلك البقعة، لم يقبل قوله في الهلاك به. وإن عرف بالمشاهدة أو الاستفاضة، نظر، إن عرف عمومه، صدق بلا يمين. وإن لم يعرف عمومه، واحتمل أنه لم يصب الوديعة، صدق باليمين. وإن لم يذكر سبب التلف، صدق بيمينه، ولا يكلف بيان سببه. وإذا نكل المودع عن اليمين، حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق، وعد المتولي موت الحيوان والغصب من الاسباب الظاهرة. وفي التهذيب إلحاق الغصب والسرقة، وهو الاقرب. فصل إذا ادعى رد الوديعة على الذي ائتمنه وهو المالك، صدق بيمينه. فإن مات قبل الحلف، ناب عنه وارثه وانقطعت المطالبة بحلفه. وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه، لم يقبل إلا ببينة. وتفصيله بصور. إحداها: إذا مات المالك، لزم المودع الرد على ورثته. حتى لو تلف في يده(5/307)
بعد التمكن من الرد، ضمن على الاصح. فإن لم يجد الورثة، رد إلى الحاكم. وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة، أما إذ علموا، فلا يجب الرد إلا بعد طلبهم. ولو طالبه الوارث فقال: رددته على المالك، أو تلف في يدي في حياته، صدق بيمينه. وإن قال: رددته عليك، فأنكر، فالمصدق الوارث. وإن قال: تلف في يدي قبل تمكني من الرد، فهل المصدق الوارث كدعوى الرد ؟ أم المودع لان الاصل براءته ؟ وجهان. قلت: ينبغي أن يكون الثاني أصح. والله أعلم. (الصورة) الثانية: مات المودع، فعلى وارثه ردها. فإن تلفت في يده بعد التمكن، ضمن على الاصح. فإن كان المالك غائبا، سلمها إلى الحاكم. فلو تنازعا، فقال وارث المودع: رد عليك مورثي، أو تلفت في يده، قال المتولي: لم يقبل إلا ببينة. وقال البغوي: يصدق بيمينه، وهو الوجه، لان الاصل عدم حصولها في يده. ولو قال: رددتها عليك، فالمصدق المالك. ولو قال: تلفت في يدي قبل التمكن، فعلى الوجهين. (الصورة) الثالثة: لو قال من طيرت الريح ثوبا إلى داره: رددت على المالك، وادعاه الملتقط، لم يصدق إلا ببينة. (الصورة) الرابعة: إذا أراد المودع سفرا، فأودعها أمينا، فادعى الامين تلفها، صدق. وإن ادعى الرد المالك، لم يقبل، لانه لم يأتمنه. وإن ادعى الرد(5/308)
على المودع، صدق، لانه أمينه. كذا ذكره الغزالي والمتولي، وهذا ذهاب إلى أن للمودع إذا عاد من السفر أن يستردها، وبه صرح العبادي وغيره. وحكي عن الامام أن اللائق بمذهب الشافعي رحمه الله، منعه من الاسترداد، بخلاف المودع يسترد من الغاصب على وجه، لانه من الحفظ المأمور به. ولو كان المالك عين أمينا فقال: إذا سافرت فاجعلها عند فلان، ففعل، فالحكم بالعكس، إن ادعى الرد على المالك، صدق. وإن ادعاه على المودع الاول، لم يصدق. (الصورة) الخامسة: قال المودع للمالك: أودعتها عند وكيلك فلان بأمرك، فللمالك أحوال. أحدها: ينكر الاذن، فيصدق بيمينه. فإذا حلف، نظر إن كان فلان مقرا بالقبض والوديعة باقية، ردها على المالك. فإن غاب المدفوع إليه، فللمالك تغريم المودع. فإذا قدم، أخذها وردها على المالك واسترد البدل. وإن كانت تالفة، فللمالك تغريم أيهم شاء، وليس لمن غرم الرجوع على صاحبه لزعمه أن المالك ظالم بما أخذ. وإن كان فلان منكرا، صدق بيمينه، واختص الغرم بالمودع. (الحالة) الثانية: يعترف بالاذن وينكر الدفع، فوجهان. أحدهما: يصدق المودع وتجعل دعوى الرد على وكيل المالك كدعواه على المالك. وأصحهما: تصديق المالك، لانه يدعي الرد على من لم يأتمنه. ولو وافق فلان المودع وقال: تلفت في يدي، لم يقبل قوله على المالك، بل يحلف المالك ويغرم المودع. (الحالة) الثالثة: يعترف بالاذن والدفع معا، لكنه يقول: لم تشهد، والمدفوع إليه منكر، فيبنى على وجوب الاشهاد على الايداع. فإن لم نوجبه، فليس له تغريمه. وإن أوجبناه، فعلى الخلاف السابق في الوكالة في نظير هذه الصورة. ولو اتفقوا جميعا على الدفع إلى الامين، وادعى الامين ردها على المالك، أو تلفها في يده، صدق بيمينه. هذا إذا عين المالك الامين، أما لو قال: أودعها أمينا، ولم يعينه،(5/309)
فادعى الامين التلف، صدق. وإن ادعى الرد على المالك، فالمصدق المالك، لانه لم يأتمنه، كذا ذكروه. ولو قيل: أمين أمينه أمينه، كما تقول على رأي: وكيل وكيل وكيله، لم يبعد. قلت: بل هو بعيد، والفرق ظاهر.
فصل في يده مال، جاء رجلان ادعى كل أنه مودعه، فجوابه يفرض بصيغ. إحداها: أن يكذبهما ويقول: المال لي، فيحلف لكل أنه لا يلزمه تسليمه إليه. (الصيغة) الثانية: أن يقر لاحدهما بعينه، فيعطاه، وهل يحلف للآخر ؟ يبنى على أنه لو أقر لزيد بشئ، ثم أقر به لعمرو، هل يغرم لعمرو ؟ إن قلنا: لا، فلا. وإن قلنا: نعم، عرضت اليمين عليه. فإن حلف، سقطت دعوى الآخر. وإن نكل، حلف الآخر. ثم هل يوقف المال بينهما إلى أن يصطلحا، أم يقسم بينهما كما لو أقر لهما، أم يغرم المدعى عليه القيمة له ؟ فيه ثلاثة أوجه عن ابن سريج، قال ابن الصباغ: المذهب هو الثالث. (الصيغة) الثالثة: قال: هو لكما، فهو كمال في يد شخصين يتداعيانه. فإن حلف أحدهما، قضي له، ولا خصومة للآخر مع المودع، لنكوله. وإن نكلا أو حلفا، جعل بينهما، وحكم كل واحد منهما في النصف الآخر كالحكم في الجميع في حق غير المقر له، وقد بيناه. (الصيغة) الرابعة: قال: هو لاحدكما وقد نسيت عينه، فإن ضمنا المودع بالنسيان،(5/310)
فهو ضامن، وإلا، نظر، إن صدقاه، فلا خصومة لهما معه، وإنما الخصومة بينهما. فإن اصطلحا في شئ، فذاك، وإلا، فيجعل المال كأنه في أيديهما يتداعيانه، هذا هو الصحيح. وقيل: هو كمال في يد ثالث يتداعيانه، لانه لم يثبت لاحدهما يد. فعلى الاول، لو أقام كل واحد منهما بينة، أو حلفا أو نكلا، فهو بينهما. وإن أقام أحدهما بينة أو حلف، ونكل صاحبه، قضي له. وعلى الثاني، لو أقام كل بينة، فعلى الخلاف في تعارض البينتين. وإن نكلا أو حلفا، وقف المال بينهما. وسواء قلنا بالاول أم بالثاني، هل يترك المال في يد المدعى عليه إلى أن تنفصل خصومتهما، أم ينزع منه ؟ فيه قولان. أظهرهما: الثاني، وبه قطع البغوي وغيره. قال المتولي: والقولان فيما إذا طلب أحدهما الانتزاع والآخر الترك، أما إذا اتفقا على أحد الامرين، فيتبع الحاكم رأيهما. أما إذا كذباه في دعوى النسيان وادعيا علمه، فهو المصدق بيمينه، ويكفيه يمين واحدة على نفي العلم، لان المدعى شئ واحد وهو علمه. وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدعه الخصمان ؟ وجهان. ثم إذا حلف، فالحكم كما إذا صدقاه في النسيان. وقيل: ينتزع المال من يده هنا وإن لم ينتزع هناك، لانه خائن عندهما بدعوى النسيان، وإن نكل، ردت اليمين عليهما. فإن نكلا، فالمال مقسوم بينهما أو موقوف حتى يصطلحا على ما سبق. وإن حلف أحدهما فقط، قضي له. وإن حلفا، فقولان. ويقال: وجهان. أحدهما: يوقف حتى يصطلحا. وأظهرهما: يقسم، لانه في أيديهما. وعلى هذا، يغرم القيمة وتقسم بينهما أيضا، لان كل واحد منهما أثبت بيمين الرد كل العين، ولم يأخذ إلا نصفها. هذا هو الصحيح الاشهر فيما إذا نكل المودع. وقيل: لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا. وقيل: لا ترد اليمين عليهما بنكوله، بل يوقف بناء على أنهما لو حلفا وقف المال بينهما، فلا معنى لعرض اليمين. وإذا رددنا اليمين، فهل يقرع بينهما ؟ أم يبدأ الحاكم بمن رأى ؟ وجهان، أصحهما الثاني، حكاه السرخسي في الامالي. وإذا حلفا وقسم بينهما العين والقيمة، فإن لم ينازع أحدهما الآخر، فلا كلام. وإن نازعه وأقام أحدهما البينة أن جميع العين له، سلمناها إليه ورددنا القيمة إلى المودع. وإن لم يكن بينة، ونكل صاحبه عن(5/311)
اليمين فحلف واستحق العين، رد نصف القيمة الذي أخذه، ولا يرد الناكل ما أخذه، لانه استحقه بيمينه على المودع، ولم يعد إليه المبدل، ونكوله كان مع صاحبه، لا مع المودع. وصرح في الوسيط بأن الناكل لا يرد، سواء سلمت العين بالبينة أو باليمين. فرع ادعى اثنان غصب مال في يده، كل يقول: غصبته مني، فقال: غصبته من أحدكما ولا أعرفه، حلف لكل منهما على البت أنه لم يغصبه. فإذا حلف لاحدهما، تعين المغصوب للثاني، فلا يحلف له. (الحالة) الخامسة: قال: هو وديعة عندي ولا أدري أهو لكما، أم لاحدكما، أم لغير كما ؟ وادعيا علمه، فحلف على نفي علمه، ترك في يده حتى تقوم بينة، وليس لاحدهما تحليف الآخر، لانه لم يثبت لواحد منهما يد ولا استحقاق، بخلاف الصورة السابقة.
فصل في مسائل منثورة إحداها: تعدى في الوديعة، ثم بقيت في يده مدة، لزمه أجرة مثلها. (المسألة) الثانية: في فتاوى القفال، أنه لو ترك حماره في صحن خان وقال للخاني: احفظه كيلا يخرج، فكان الخاني ينظره، فخرج في بعض غفلاته، فلا ضمان، لانه لم يقصر في الحفظ المعتاد. (المسألة) الثالثة: المودع إذا وقع في خزانته حريق، فبادر إلى نقل الامتعة، وقدم أمتعته على الوديعة، فاحترقت الوديعة، لم يضمن، كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فأخذ في نقلها فاحترق ما تأخر نقله. (المسألة) الرابعة: لو ادعى ابن المالك موت أبيه، وعلم المودع بذلك، وطلب الوديعة، فله تحليف المودع على نفي العلم. فإن نكل، حلف المدعي.(5/312)
(المسألة) الخامسة: مات المالك وطلب الوارث الوديعة، فامتنع المودع ليفحص هل في التركة وصية ؟ فهو متعد ضامن. (المسألة) السادسة: من وجد لقطة وعلم مالكها فلم يخبره حتى تلفت، ضمن، وكذا قيم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يخبر الحاكم حتى تلف المال في يده، ضمن، وهذا كما قدمنا أنه يجب الرد عند التمكن أو هو هو. (المسألة) السابعة: من صور تعدي الامناء، أن لا يبيع قيم الصبي أوراق فرصاده حتى يمضي وقتها، فيلزمه الضمان، وليس من التعدي أن يؤخر لتوقع زيادة فيتفق رخص، وكذا قيم المسجد في أشجاره، وهذا شبيه بتعريض الثوب الذي يفسده الدود للريح، وهذه المسائل سوى الاولى في فتاوى القفال. (المسألة) الثامنة: بعث رسولا إلى حانوته، ودفع خاتمه معه علامة وقال: رده علي إذا قبضت المأمور بقبضه، فقبضه ولم يرد الخاتم، ووضعه في حرزه، فلا ضمان، ذكره العبادي في الزيادات كأن المعنى أنه ليس عليه الرد ولا مؤنته وإنما التخلية. (المسألة) التاسعة: في فتاوى القاضي حسين، أن الثياب في مسلخ الحمام إذا سرقت، والحمامي جالس في مكانه مستيقظ، فلا ضمان عليه. وإن نام أو قام من مكانه، ولا نائب له هناك، ضمن. ويجب على الحمامي الحفظ إذا استحفظ. وإن لم يستحفظ، حكى القاضي عن الاصحاب، أنه لا يجب عليه الحفظ، قال: وعندي يجب، للعادة. (المسألة) العاشرة: عن بعضهم: لو أودعه قبالة وقال له: لا تدفعها إلى زيد حتى(5/313)
يعطيك دينارا، فدفعها إليه قبل أن يعطيه، فعليه قيمة القبالة مكتوبة، الكاغد وأجرة الوراق. قلت: ومن مسائل الباب قال أصحابنا: لو أكرهه على قبول وديعة وحفظها، فأخذها، لم تكن مضمونة عليه كما لو قبضها مختارا وأولى. ولو تعين عليه قبول وديعة، فلم يقبلها، وتلفت، فهو عاص، ولا ضمان، لانه لم يلتزم الحفظ. والله أعلم.(5/314)
كتاب قسم الفئ والغنيمة
المال المأخوذ من الكفار، منقسم إلى ما يحصل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب، وإلى حاصل بذلك، ويسمى الأول: فيئا. والثاني: غنيمة. ثم ذكر(5/315)
المسعودي وطائفة أن اسم كل واحد من المالين يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر، فإذا جمع بينهما، افترقا، كاسمي الفقير والمسكين. وقال الشيخ أبو حاتم القزويني وغيره: اسم الفئ يشمل المالين، واسم الغنيمة لا يتناول الاول. وفي لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر ما يشعر به. وبيان قيمة المالين يقع في بابين.
الباب الأول : في الفئ فمنه ما جلا عنه الكفار خوفا من المسلمين إذا سمعوا خبرهم أو لضر أصابهم، وجزية أهل الذمة وما صولح عليه أهل بلد من الكفار، وعشور تجاراتهم المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الاسلام، ومال من مات أو قتل على الردة، ومال من مات من أهل الذمة عندنا، ولا وارث له، وكل ذلك مخمس على ما سنفصله إن شاء الله تعالى. هذا هو المذهب. وحكي عن القديم: أن مال المرتد لا يخمس. فقيل: يختص هذا القول بالمرتد، ويخمس ما سواه قطعا، لان المرتد يستصحب به حكم الاسلام، كما يؤمر بقضاء الصلوات وتلزمه الحدود. وقيل: ما تركوه خوفا من المسلمين يخمس قطعا، وفيما سواه يطرد القول القديم، وبهذا الطريق قال الاكثرون. ومنهم من طرد في جميع مال الفئ قولين. الجديد: يخمس كالغنيمة. والقديم: المنع، لانه لم يقاتل عليه، كما لو صولحوا على الضيافة، فإنه لا حق لاهل الخمس في مال الضيافة، بل يختص به الطارقون. قال البغوي: وحيث قلنا: لا يخمس، فحكم جميع المجل حكم الاخماس الاربعة على قولنا بالتخميس، وفي مصرفها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. قال الروياني في الحلية، لو صالحونا على مال عند القتال، فهو غنيمة.(5/316)
فصل مال الفئ يقسم خمسة أسهم، فأربعة يأتي بيان مصرفها، والخمس الآخر يقسم على خمسة أسهم متساوية. أحدها: السهم المضاف إلى الله عزوجل وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه، وما فضل جعله في السلاح عدة في سبيل الله تعالى وفي سائر المصالح. وأما بعده - صلى الله عليه وسلم -، فيصرف هذا السهم في مصالح المسلمين، كسد الثغور، وعمارة الحصون والقناطر والمساجد، وأرزاق القضاة والائمة، ويقدم الاهم فالاهم. ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض العلماء، أن هذا السهم يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى، فذكر أبو الفرج الزاز: أن بعض الاصحاب جعل هذا قولا للشافعي، لانه استحسنه. وحكى في الوسيط وجها: أن هذا السهم يصرف إلى الامام، لانه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذان النقلان شاذان مردودان. السهم الثاني: لذوي القربى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، يشترك فيه فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم، بشرط كون الانتساب بالآباء، فلا يعطى أولاد البنات. قلت: وحكى ابن المنذر وابن كج وجها في اختصاصه بفقرائهم، وهو شاذ متروك. والله أعلم. ولا يفضل أحد منهم على أحد إلا بالذكورة، فللذكر سهمان، وللانثى سهم. وقال المزني: يسوى بينهما. وقال القاضي حسين: المدلي بجهتين يفضل على المدلي بجهة. فرع يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفئ والغائب عنه على الصحيح. وقال أبو إسحق: ما حصل في إقليم، دفع إلى من فيه، لمشقة النقل. واحتجوا للصحيح بظاهر الآية، وبالقياس على الارث. وأما المشقة، فيأمر الامام أمناءه في كل أقليم بضبط من فيه، ولا يلزمه نقل ما في كل إقليم إلى جميع الاقاليم، بل الحاصل في كل إقليم يضبط، يفرق على ساكنيه. فإن لم يكن في بعضها شئ، أو لم يف بمن فيه، نقل قدر الحاجة. قال الامام: ولو كان الحاصل قدرا لو وزع(5/317)
لم يسد مسدا، قدم الاحوج، ولا يستوعب للضرورة. السهم الثالث: لليتامى. واليتيم: الصغير الذي لا أب له، قيل: ولا جد. ويشترط فيه الفقر على المشهور. وقيل: على الصحيح. السهم الرابع والخامس: المساكين وابن السبيل، وقد سبق بيانهما في الزكاة. فرع في تعميم اليتامى والمساكين وابن السبيل، وتخصيص الحاصل في كل إقليم وناحية بأهله، الخلاف في أهل القربى، حكاه الشيخ أبو حامد وغيره. فرع سبق في باب الوصية: أن عند الانفراد يدخل الفقراء في اسم المساكين، وعكسه، ولفظ المساكين هنا مفرد، فيدخل فيه الفقراء، وحينئذ مقتضى القول بوجوب تعميم مساكين الاقليم أو العالم تناول الفقراء أيضا، وهذا مقتضى كلام بعضهم. ومنهم من يقول: يجوز الصرف إلى الفقراء، لانهم أشد حاجة، وهذا لا يقتضي تناولهم. قلت: الصحيح الاول، وأنهما داخلان في الاسم. وممن صرح به القاضي أبو الطيب في تعليقه. والله أعلم. فرع يجوز أن يفاوت بين اليتامى، وكذا في المساكين وأبناء السبيل، لان هؤلاء يستحقون بالحاجة، فتراعى حاجاتهم، بخلاف ذوي القربى، فانهم يستحقون بالقرابة.(5/318)
فرع لا يشترط أن يكون هؤلاء الاصناف الثلاثة من المرتزقة على الصحيح المعروف. وعن القفال اختصاصه بيتامى المرتزقة، وذكر الماوردي مثله في المساكين وأبناء السبيل. فرع إذا فقد بعض الاصناف، وزع نصيبه على الباقين كالزكاة، إلا سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه للمصالح كما ذكرنا. فرع لا يجوز الصرف إلى كافر. فرع لا يجوز الاقتصار على إعطاء ثلاثة من اليتامى، ولا من المساكين، ولا من أبناء السبيل، كما قلنا في الزكاة إذا فرقها الامام. قلت: لا يجوز دفع شئ من سهم ذوي القربى إلى مواليهم، قال صاحب التلخيص: لو ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل، قبل بلا بينة، ولا يقبل اليتم والقرابة إلا ببينة. والله أعلم.
فصل وأما أربعة أخماس الفئ، ففي مصرفها ثلاثة أقوال، أظهرها: أنها للمرتزقة المرصدين للجهاد. والثاني: للمصالح. والثالث: أنها تقسم كما يقسم الخمس، فيقسم جميع الفئ على الخمسة الذين ذكرناهم، وهذا غريب. فعلى الثاني: نبدأ بالاهم فالاهم. وأهمها تعهد المرتزقة. وكذا حكم خمس الخمس. فالقولان الاولان متفقان على أن المصرف المرتزقة، وإنما يختلفان فيما فضل عنهم. فرع وللامام في القسمة على المرتزقة وظائف. إحداها: يضع ديوانا. قال في الشامل: وهو الدفتر الذي يثبت فيه الاسماء. فيحصي المرتزقة بأسمائهم، وينصب لكل قبيلة أو عدد يراه عريفا ليعرض(5/319)
عليه أحوالهم، ويجمعهم عند الحاجة ويثبت فيه قدر أرزاقهم. قلت: نصب العريف مستحب. والله أعلم. الثانية: يعطي كل شخص قدر حاجته، فيعرف حاله وعدد من في نفقته وقدر نفقتهم وكسوتهم وسائر مؤنتهم، ويراعي الزمان والمكان، وما يعرض من رخص وغلاء، وحال الشخص في مروءته وضدها، وعادة البلد في المطاعم، فيكفيه المؤونات ليتفرغ للجهاد، فيعطيه لاولاده الذين هم في نفقته أطفالا كانوا أو كبارا، وكلما زادت الحاجة بالكبر، زاد في حصته. وهل يدفع إليه ما يتعهد منه الاولاد ؟ أم يتولى الامام تعهدهم بنفسه ؟ أو بنائب له ؟ فيه قولان. أظهرهما: الاول. وحكى الحناطي وأبو الفرج الزاز وجها أنه لا يعطي الاولاد شيئا، لانهم لا يقاتلون، وهذا شاذ ضعيف وإذا كان له عبد يقتنيه للزينة أو للتجارة، لم يعط له. وإن كان يقاتل معه أو يحتاج إليه في الغزو لسياسة الدواب ونحوها، أعطي له، وكذا لو كان عبد يخدمه وهو ممن يخدم، بل لو لم يكن له عبد واحتاج إليه، أعطاه الامام عبدا، ولا يعطي إلا لعبد واحد. وفي الزوجات، يعطي للجماعة. وإذا نك جديدة، زاد في العطاء، لان نهايتهن أربع، والعبيد لا حصر لهم، وكأن هذا في عبيد الخدمة. فأما الذين يتعلق بهم مصلحة الجهاد، فينبغي أن يعطي لهم وإن كثروا. قلت: كذا هو منقول، وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به الكفاية. فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد، فيعطي لمن يحتاج إليه، ويختلف باختلاف الاشخاص. والله أعلم. والوجه الشاذ في الاولاد يجري في الزوجات والعبيد. فرع يعطى المرتزق مؤنة فرسه، بل يعطى الفرس إذا كان يقاتل فارسا ولا فرس له، ولا يعطى للدواب التي يتخذها زينة ونحوها.(5/320)
فرع يعطى كل منهم بقدر حاجتهم، ولا يفضل أحد منهم بشرف نسب أو سبق في الاسلام أو الهجرة وسائر الخصال المرضية، بل يستوون كالارث والغنيمة. وفي وجه: يفضل إذا اتسع المال. الثالثة: يستحب أن يقدم في الاعطاء وفي إثبات الاسم في الديوان قريشا على سائر الناس، وهم ولد النضر بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان. قال الاستاذ أبو منصور: هذا قول أكثر النسابين، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو أصح ما قيل. وقيل: هم ولد إلياس. وقيل: ولد مضر. وقيل: ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ثم يقدم من قريش الاقرب فالاقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو: محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن ملك بن النضر، بن كنانة، فيقدم بني هاشم، وبني المطلب على سائر قريش، ثم بني عبد شمس وبني نوفل أخوي هاشم، ويقدم منهما بني عبد شمس، لانه أخو هاشم لابويه، ونوفل أخوه لابيه، ثم بني عبد العزى وبني عبد الدار ابني قصي يقدم منهما بني عبد العزى، لانهم أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن خديجة رضي الله عنها بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، ثم بني زهرة بن كلاب أخي قصي، ثم بني تيم وبني مخزوم أخوي كلاب، ويقدم منهما بني تيم، لمكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم بني جمح وبني سهم، وهما من ولد هصيص بن كعب، وبني عدي ابن كعب - وهصيص وعدي أخوا مرة بن كعب - وقدم عمر رضي الله عنه من هؤلاء القبائل الثلاث بني جمح، وسوى بين بني سهم وبني عدي، كما يسوى بين بني هاشم وبني المطلب. قال الشافعي رحمه الله: وقدم المهدي أمير المؤمنين في زمانه بني عدي على بني جمح وبني سهم، لمكان عمر رضي الله عنه، والذي فعله عمر رضي الله عنه كان تواضعا منه. ثم يقدم بني عامر بن لؤي، ثم بني الحارث بن فهر. فإذا فرغ من قريش، بدأ بالانصار، ثم يعطي سائر العرب. هكذا رتب(5/321)
الاصحاب، وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله. وفي أمالي السرخسي: أن هذا محمول على الذين هم أبعد من الانصار، فأما سائر العرب الذين هم أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الانصار، فيقدمون عليهم. ومتى استوى اثنان في القرب، قدم أسنهما. فإن استويا في السن، فأقدمهما إسلاما وهجرة. قلت: قد عكس أقضى القضاة الماوردي هذا، فقال في الاحكام السلطانية: يقدم بالسابقة في الاسلام. فإن تقاربا فيه، قدم بالدين. فإن تقاربا فيه، قدم بالسن، فإن تقاربا، قدم بالشجاعة. فإن تقاربا فيه، فولي الامر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة، أو برأيه واجتهاده، وهذا الذي قاله هو المختار. والله أعلم. ثم بعد العرب، يعطى العجم. وفي المهذب والتهذيب: أن التقديم فيهم بالسن والفضائل، ولا يقدم بعضهم على بعض بالنسب، وفيه كلامان. أحدهما: أن العجم قد يعرف نسبهم، فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه القرب والبعد أيضا. الثاني: أنا قدمنا في صفة الائمة في الصلاة عن إمام الحرمين: أن الظاهر رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح، وسنذكر إن شاء الله تعالى، أن نسب العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه، فليكن كذلك هنا. قلت: قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم فقال: إن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب، جمعهم بالاجناس، كالترك، والهند، وبالبلدان. ثم إن كانت لهم سابقة في الاسلام، ترتبوا عليها، وإلا، فبالاقرب من ولي الامر. فإن تساووا، فبالسبق إلى طاعته. والله أعلم. قال الائمة: وجميع الترتيب المذكور في هذه الوظيفة، مستحب لا مستحق. الرابعة: لا يثبت في الديوان اسم صبي، ولا مجنون، ولا امرأة، ولا عبد،(5/322)
ولا ضعيف لا يصلح للغزو، كالاعمى، والزمن، وإنما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في عياله، يعطى لهم كما سبق، وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين للغزو، وإذا طرأ على المقاتل مرض أو جنون، فإن رجي زواله، أعطي ولم يسقط اسمه، وإلا أسقط اسمه. وفي إعطائه الخلاف الآتي في زوجة المقاتل بعد موته، وأولى بالاعطاء. قلت: ترك من شروط من يثبته في الديوان الاسلام، وذكر الماوردي في الاحكام السلطانية شرطا اخر، وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به. فإن اختل ذلك، لم يجز إثباته، لعجزه عما هو مرصد له. قال: ولا يجوز إثبات الاقطع، ويجوز إثبات الاعرج إن كان فارسا. وإن كان راجلا، فلا. ويجوز إثبات الاخرس والاصم. قال: وإذا كتبه في الديوان، فإن كان مشهور الاسم، لم يحسن تحليته. وإن كان مغمورا وصف وحلي، فيذكر سنه وقده ولونه وحلي وجهه، بحيث يتميز عن غيره. والله أعلم. فرع من مات من المرتزقة، هل ينقطع رزق زوجته وأولاده لزوال المتبوع ؟ أم يستمر ترغيبا للمجاهدين ؟ قولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: الثاني. فعلى هذا، ترزق الزوجة إلى أن تتزوج، والاولاد إلى أن يبلغوا ويستقلوا بالكسب، أو يرغبوا في الجهاد فيثبت اسمهم في الديوان. ومن بلغ منهم وهو أعمى أو زمن، رزق على هذا القول كما كان يرزق قبل البلوغ، هذا في ذكور الاولاد. وأما الاناث، فمقتضى كلامه في الوسيط أنهن يرزقن إلى أن يتزوجن. الخامسة: يفرق الارزاق في كل عام مرة، ويجعل له وقتا معلوما لا يختلف. وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهرة ونحوها، فعل. وإذا اقتصر في السنة على مرة، فيشبه أن يقال: يجتهد، فما اقتضته الحال وتمكن فيه من الاعطاء في أول السنة أو اخرها، فعله، وعلى هذا ينزل قوله في الوجيز: يفرق في أول كل سنة، وقول الآخرين: يفرق في آخر كل سنة. فرع إذا مات واحد من المرتزقة بعد جمع المال وانقضاء الحول، صرف نصيبه إلى ورثته ولا يسقط هذا الحق بالاعراض عنه على الظاهر، كذا قاله(5/323)
الامام. وإن مات بعد جمع المال وقبل تمام الحول، فقولان. ويقال: وجهان. أظهرهما: يصرف قسط ما مضى إلى ورثته كالاجرة. والثاني: لا شئ لهم، كالجعل في الجعالة، لا يستحق قبل تمام العمل. وإن مات قبل جمع المال وبعد الحول، فظاهر النص: أنه لا شئ للورثة، وبه قال القاضي أبو الطيب وآخرون، وبه قطع البغوي. وقال الشيخ أبو حامد: يصرف نصيبه مما سيحصل إلى ورثته. وإن مات قبل جمع المال وقبل انقضاء الحول، فإن قلنا: إذا مات بعد الحول لا يستحق، فهنا أولى، وإلا، ففي قسط ما مضى الخلاف فيما إذا مات قبل الحول وبعد جمع المال. هذا كله إذا كان العطاء مرة في السنة. فإن رأى الاعطاء في السنة مرتين فصاعدا، فالاعتبار بمضي المدة المضروبة.
فصل جميع ما ذكرناه في المنقولات من أموال الفئ. فأما الدور والارض، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: هي وقف للمسلمين تستغل وتقسم غلتها في كل عام كذلك أبدا. هذا نصه. فأما أربعة أخماس الفئ، فمن الاصحاب من يقول: الحكم بأنها وقف مفرع على أنها للمصالح، فأما إن جعلناها للمرتزقة، فتقسم بينهم كالمنقولات وكالغنيمة. والاصح جريان هذا الحكم، سواء قلنا: للمصالح أو للمرتزقة، لتبقى الرقبة مؤبدة، وينتفع بغلتها المستحق كل عام، بخلاف المنقولات، فإنها معرضة للهلاك، والغنيمة بعيدة عن نظر الامام واجتهاده، لتأكد حق الغانمين. فإذا قلنا بالوقف، فوجهان. أحدهما: المراد به التوقف عن قسمة الرقبة، دون الوقف الشرعي. وأصحهما: أن المراد الوقف الشرعي للمصلحة. فعلى هذا، وجهان. أحدهما: يصير وقفا بنفس الحصول، كما يرق النساء والصبيان بالاسر. وأصحهما: لا، لكن الامام يقفها. وإن رأى قسمتها أو بيعها وقسمة ثمنها، فله ذلك. وقول الشافعي رحمه الله: هي وقف، أي: تجعل وقفا. وأما(5/324)
خمسه، فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته، بل يوقف وتصرف غلته في المصالح، أو يباع ويصرف ثمنه إليها، والوقف أولى ويجئ الوجه السابق، أنه يصير وقفا بنفس الحصول. وسهم ذوي القربى، فيه الخلاف المذكور في الاخماس الاربعة، تفريعا على أنها للمرتزقة. وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، يرتب على سهم ذوي القربى. إن قلنا: إنه وقف، فهنا أولى، ولان ذوي القربى متعينون، وإلا، فالاصح أنه وقف. وقيل: لا. وإذا تأملت هذه الاختلافات في الاخماس الاربعة، ثم في الخمس، علمت أن المذهب أن الجميع وقف، وهو الموافق لنص الشافعي رضي الله عنه.
فصل إذا زادت الاخماس الاربعة على حاجات المرتزقة، فإن قلنا: إنها للمرتزقة، وهو الاظهر، صرف الفاضل إليهم أيضا على قدر مؤوناتهم. وفي جواز صرف شئ منه إلى إصلاح الحصون وإلى الكراع والسلاح ليكون عدة لهم، وجهان. أصحهما: نعم. فإن قلنا: إنها للمصالح، صرف الفاضل إلى باقي المصالح، كاصلاح الحصون والكراع والسلاح. وإن فضل شئ، ففي جواز صرفه إليهم وجهان. ويجوز صرفه إليهم عن كفاية السنة القابلة بلا خلاف.
فصل في مسائل منثورة إحداها: جاء رجل فطلب إثبات اسمه في الديوان، أجابه الامام إن وجد في المال سعة وفي الطالب أهلية، وإلا، فلا. (المسألة) الثانية: لا يحبس شئ من مال الفئ خوفا أن ينزل بالمسلمين نازلة، بل يفرغ الجميع في الوقت المعين. ثم إن نزلت نازلة، فعلى جميع المسلمين القيام بأمرها. فإن غشيهم العدو، فعلى جميعهم أن ينفروا. (المسألة) الثالثة: قال الشافعي رضي عنه: يرزق من مال الفئ الحكام وولاة(5/325)
الاحداث والصلاة، وكل من قام بأمر الفئ من وال وكاتب وجندي لا يستغني أهل الفئ عنهم. والمراد بالحكام: الذين يحكمون بين أهل الفئ في مغزاهم. وولاة الاحداث، قيل: هم الذين يعلمون أحداث أهل الفئ الفروسية والرمي، وقيل: هم الذين ينصبون في الاطراف لتولية القضاة وسعاة الصدقات وعزلهم وتجهيز الجيوش إلى الثغور وحفظ البلاد من أهل الفساد ونحوها من الاحداث. وولاة الصلاة: الذين يقيمون لهم الجمعات والجماعات، وكذلك يرزق عرفاء أهل الفئ. وإذا وجد من يتطوع بهذه الاعمال، لم يرزق عليها غيره. (المسألة) الرابعة: يجوز أن يكون عامل الفئ من ذوي القربى. قال الماوردي رحمه الله: عامل الفئ، إن ولي وضع أموال الفئ وتقديرها وتقريرها اشترط كونه مسلما حرا مجتهدا عارفا بالحساب والمساحة. وإن ولي جباية أمواله بعد تقريرها، سقط الشرط الثالث. وإن ولي جباية نوع خاص من الفئ، نظر، إن لم يستغن فيه عن استنابة، اشترط إسلامه وحريته واطلاعه بشرط ماولي من حساب ومساحة، لما فيه من معنى الولاية. وإن استغنى عن الاستنابة، جاز أن يكون عبدا، لانه كالرسول المأمور. وأما تولية الذمي، فإن كانت جباية من أهل الذمة كالجزية وعشر التجار، جازت. وإن كانت من المسلمين، ففي جوازها وجهان. قلت: الاصح المنع. والله أعلم. وإذا فسدت ولاية العامل، وقبض المال مع فسادها، برئ الدافع، لبقاء الاذن. فلو نهي عن القبض بعد فسادها لم يبرأ الدافع إليه إن علم النهي، وإن جهله، فوجهان، كالوكيل. قلت: قال الماوردي: إذا تأخر العطاء عن المثبتين في الديوان عند استحقاقهم، وكان المال حاصلا، فلهم المطالبة كالديون. وإن أعوز بيت المال، كانت أرزاقهم دينا على بيت المال، وليس لهم مطالبة ولي الامر به. قال: وإذا أراد ولي الامر إسقاط بعضهم لسبب، جاز، وبغير سبب، لا يجوز. وإذا أراد بعضهم إخراج نفسه من الديوان، جاز إن استغنى عنه، ولا يجوز مع الحاجة، إلا أن يكون(5/326)
معذورا. قال: وإذا جرد الجيش للقتال، فامتنعوا وهم أكفاء من حاربهم، سقطت أرزاقهم. وإن ضعفوا عنه، لم تسقط. وإذا جرد أحدهم لسفر، أعطي نفقة سفره إن لم يدخل في تقدير عطائه، ولم يعط إن دخل فيه. وإذا تلف سلاحه في الحرب، أعطي عوضه إن لم يدخل في تقدير عطائه، وإلا، فلا. والله أعلم.
الباب الثاني : في الغنيمة وقد ذكرنا، أنها المال الذي يأخذه المسلمون من الكفار بايجاف الخيل والركاب. قال البغوي: سواء ما أخذناه من أيديهم قهرا وما استولينا عليه بعدما هزمناهم في القتال وتركوه. وحل الغنيمة مختص بهذه الامة زادها الله شرفا، وكانت في أول الاسلام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - من لم يشهد بدرا، ثم نسخ ذلك، فجعل خمسها مقسوما خمسة أسهم كالفئ، قال الله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى والمساكين، وابن السبيل) * وجعل أربعة أخماسها للغانمين. ويعرض في أموال الغنيمة النفل والرضخ والسلب والقسمة، ويحصل بيانها في أربعة أطراف.(5/327)
الأول : النفل بفتح النون والفاء، وهو زيادة مال على سهم الغنيمة، يشرطه الامام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة في العدو، أو توقع ظفر، أو دفع شر، وذلك كالتقدم على طليعة، أو التهجم على قلعة، أو الدلالة عليها، وكحفظ مكمن، وتجسس حال وشبهها. وإنما ينفل إذا مست حاجة لكثرة العدو وقلة المسلمين، واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن، ولذلك نفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الغزوات دون بعض. ثم الكلام فيمن شرط له، وفي محل المشروط وقدره. أما الاول، فيجوز كونه شخصا معينا وجماعة، ويجوز أن يطلق فيقول: من فعل كذا فله كذا. وأما محله، فيجوز أن يشرط النفل من مال المصالح المرصدة ببيت المال، وحينئذ يشترط كونه معلوما، ويجوز أن يشرطه مما سيغنم ويؤخذ من الكفار في هذا القتال، وحينئذ يذكر جزءا كثلث أو ربع وغيرهما، ويحتمل الجهالة للحاجة. وإذا نفل من الغنيم، فمم ينفل ؟ فيه أوجه، ويقال: أقوال. أصحها: من خمس خمسها. والثاني: من أصلها. والثالث: من أربعة أخماسها. وأما قدره، فليس له حد مضبوط، فيجتهد الامام ويجعله بقدر العمل وخطره، وقد صح في كتاب الترمذي وغيره، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث، وفي رواية الترمذي القفول بدل الرجعة، وقيل: البدأة: السرية الاولى، والرجعة: الثانية. وقال الجمهور: البدأة: السرية(5/328)
التي يبعثها الامام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له، والرجعة: التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش إلى دار الاسلام. ونقص البدأة، لانهم مستريحون لم يطل بهم السفر، ولان الكفار في غفلة، ولان الامام من ورائهم يستظهرون به، والرجعة بخلافهم في كل ذلك. واختلفوا في المراد بالحديث بحسب اختلافهم في محل النفل، فقيل: المراد، ثلث خمس الخمس، أو ربعه. وقيل: ثلث الجميع، أو ربعه. وقيل: ثلث أربعة أخماسها، أو ربعها. وقيل: المراد: أنه يزاد نصيب كل شخص من الغنيمة مثل ثلثه أو ربعه، ويجوز الزيادة على الثلث، والنقص عن الربع بالاجتهاد. فرع إذا قال الامير: من أخذ شيئا فهو له، لم يصح شرطه على الاظهر. فرع من ظهر منه في الحرب مبارزة وحسن إقدام وأثر محمود، أعطي سهمه، وزيد من سهم المصالح ما يليق بالحال.
الطرف الثاني : في الرضخ. فالصبي، والعبد، والمرأة، والخنثى، والزمن، والذمي، لا يسهم لهم، لكن يرضخ لهم، وهذا الرضخ مستحق على المشهور. وفي قول: مستحب. ويجتهد الامام في قدره، ولا يبلغ به سهم راجل إن كان من يرضخ له راجلا. وإن كان فارسا، فوجهان بناء على أنه هل يجوز أن يبلغ تعزير الحر حد العبيد ؟ وبالمنع قطع الماوردي. وسواء حضر العبد بإذن سيده، والصبي بإذن وليه، والمرأة بإذن(5/329)
زوجها، أم بغير إذنهم. وإن حضر الذمي بغير إذن الامام، لم يستحق شيئا على الصحيح، بل يعزره الامام آن ذلك. وإن حضر بإذنه، فإن كان استأجره، فله الاجرة فقط، وإلا، فله الرضخ على الصحيح. وقيل: لا شئ له. وقيل: إن قاتل، استحق، وإلا، فلا. وإذا حضر نساء أهل الذمة بإذن الامام، فلهن الرضخ على الاصح. فرع يفاوت الامام بين أهل الرضخ بحسب نفعهم، فيرجح المقاتل ومن قتاله أكثر على غيره، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطاش على التي تحفظ الرجال، بخلاف سهم الغنيمة، فإنه يستوي فيه المقاتل وغيره، لانه منصوص عليه. والرضخ بالاجتهاد، كدية الحر وقيمة العبد. فرع في محل الرضخ للعبيد والصبيان والنساء، ثلاثة أقوال. أظهرها: من أربعة أخماس الغنيمة. والثاني: من أصلها. والثالث: من خمس الخمس، وأهل الذمة كالعبيد على المذهب. وقيل: يرضخ لهم من خمس الخمس قطعا. وحيث رضخنا من أصل الغنيمة يبدأ به كالسلب، ثم يقسم الباقي خمسا وأربعة أخماس. فرع إذا انفرد العبيد والنساء والصبيان بغزوة وغنموا، خمست. وفي الباقي أوجه. أصحها: يقسم بينهم كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل. والثاني: يقسم كالغنيمة، للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم. والثالث: يرضخ لهم منه، ويجعل الباقي لبيت المال. وخصص البغوي هذا الخلاف بالصبيان والنساء، وقطع في العبيد بكونه لسادتهم، وحكى أنه لو سبى مراهقون أو مجانين صغارا، حكم باسلامهم تبعا لهم. أما إذا كان مع أهل الرضخ واحد من أهل الكمال، فيرضخ لهم، والباقي لذلك الواحد. فرع لا يخمس ما أخذه الذميون من أهل الحرب، لان الخمس حق يجب على المسلمين كالزكاة.(5/330)
فرع من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره، رضخ له مع السهم، كذا ذكره المسعودي والبغوي، ومنهم من ينازع كلامه فيه. وقيل: يزاد من سهم المصالح ما يليق بالحال. فرع لو زال نقص أهل الرضخ، فعتق العبد، وأسلم الكافر، وبلغ الصبي قبل انقضاء دار الحرب، أسهم لهم. وإن كان بعد انقضائها، فقد أطلق الماوردي أنه ليس لهم إلا الرضخ، وينبغي أن يجئ فيما بين انقضاء الحرب وحيازة المال، الخلاف الآتي فيمن حضر في هذا الحال.
الطرف الثالث : في السلب. هو للقتال، والكلام في سبب استحقاقه ومستحقه ونفسه وكيفية إخراجه من الغنيمة. أما سبب استحقاقه، فقال في الوسيط في ضبطه: هو ركوب الغرر في قهر كافر مقبل على القتال بما يكفي شره بالكلية، وفيه قيود. أحدها: ركوب الغرر. فلو رمى من حصن أو من وراء الصف كافرا، وقتله، لم يستحق سلبه، وكذا لو رمى من صف المسلمين إلى صف الكفار، فقتل رجلا. (القيد) الثاني: إقبال الكافر على القتال، وليس المراد اشتغاله بالقتال حين قتله، لانهما لو تقاتلا زمانا ثم هر ب فقتله المسلم في إدباره، قال الاصحاب: استحق سلبه. ولا يشترط أيضا أن تكون مقاتلته مع قاتله، بل لو قصد كافر مسلما، فجاء مسلم آخر من ورائه فقتله، استحق سلبه، بل المرعي ما ذكره أصحابنا العراقيون، أن يقتله مقبلا أو مدبرا والحرب قائمة فأما إذا انهزم جيش الكفار فاتبعهم فقتل كافرا، فلا يستحق سلبه، لان بهزيمتهم اندفع شرهم، وما دامت الحرب قائمة فالشر متوقع، والمولي لا تؤمن كرته. ولو قتل كافرا وهو أسير في يده، أو نائم، أو مشغول بأكل أو نحوه، أو مثخن زائل الامتناع، لم يستحق سلبه. القيد الثالث: قهره بما يكفي شره بالكلية بقتل، أو إثخان، أو إزالة امتناع، بأن يعميه، أو يقطع يديه ورجليه. ولا يلحق به قطع يد أو رجل. فلو قطع يديه أو رجليه، أو(5/331)
يدا ورجلا، فهو إثخان على الاظهر، وهو رواية المزني، وبه قطع جماعة. ولو اشترك جماعة في قتله أو إثخانه، فالسلب لهم. وفي وجه: أنه لو وقع بين جماعة لا يرجى نجاته منهم، لم يختص قاتله بسلبه، لانه زال شره بالوقوع بينهم. قال أبو الفرج الزاز: لو أمسكه واحد وقتله آخر، فالسلب بينهما، لاندفاع شره بهما، وكأن هذا فيما إذا منعه الهرب ولم يضبطه. فأما الامساك الضابط، فإنه أسر، وقتل الاسير لا يستحق به السلب. ولو أثخنه، فقتله اخر، فالسلب للمثخن. ولو جرحه فلم يثخنه، فقتله آخر، فالسلب للثاني. ولو أسره، ففي استحقاقه سلبه قولان. أحدهما: لا، لانه لم يدفع كل شره. وأظهرهما: نعم، لانه أصعب من القتل وأبلغ في القهر، ولان الامام يتمكن فيه من القتل وغيره. ثم الامام يتخير في الاسير الذي ليس من الذرية بين القتل والاسترقاق والمن والفداء كما يأتي إن شاء الله تعالى. فإن ارقه، فهل لمن أسره رقبته ؟ أو فاداه، هل له مال الفداء ؟ اطرد فيه القولان. وقيل: وجهان. ويشبه أن يكون الاظهر هنا المنع، لان اسم السلب لا يقع عليه. فرع لو كان الكافر المقتول امرأة أو صبيا، إن كان لا يقاتل، لم يستحق سلبه، لان قتله حرام. وإن كان يقاتل، استحق سلبه على الاصح، والعبد كالصبي. وقيل: بالاستحقاق قطعا. فصل فأما استحقاق السلب، فكل من يستحق سهم الغنيمة، يستحق السلب. والمذهب أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه، ولا يستحقه الذمي على المذهب، وإذا قلنا: لا تستحق المرأة، فكان القاتل خنثى، وقف السلب حتى يتبين. وإذا حضر الذمي بغير إذن الامام، فلا سلب له قطعا، ولا سلب للمخذل(5/332)
قطعا. والتاجر إذا قلنا: لا سهم له، كالصبي. فصل وأما نفس السلب، فما عليه من ثياب بدنه والخف والرانين، وما عليه من الات الحرب، كالدرع والمغفر والسلاح، ومركوبه الذي يقاتل عليه، وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها، وكذا لو كان ممسكا عنانه وهو يقاتل راجلا. وفيما عليه من الزينة، كالطوق، والسوار، والمنطقة، والخاتم، والهميان، وما فيه من النفقة، فقولان. ويقال: وجهان. أحدهما: ليست سلبا، كثيابه وأمتعته المخلفة في خيمته. وأظهرهما: أنها سلب، لانها مسلوبة. والجنيبة التي تقاد بين يديه، فيها هذا الخلاف. وقيل بالمنع. والاصح، أنها سلب، صححه(5/333)
الروياني وغيره. قال أبو الفرج الزاز: فعلى هذا، لا يستحق إلا جنيبة واحدة، فعلى هذا يبقى النظر إذا قاد جنائب في أن السلب، أيتها، يرجع إلى تعيين الامام، أم يقرع ؟ قلت: تخصيص أبي الفرج بجنيبه فيه نظر. وإذا قيل به، فينبغي أن يختار القاتل جنيبة قتيله، فهذا هو المختار بل الصواب، بخلاف ما أبداه الرافعي. والله أعلم. والحقيبة المشدودة على فرسه، وما فيها من الدراهم والامتعة ليست سلبا على المذهب. وقيل: كالمنطقة. فصل وأما كيفية إخراج السلب، ففي تخميسه قولان. المشهور: لا يخمس. والثاني: يخمس، فيدفع خمسه لاهل الخمس، وباقيه للقاتل، ثم يقسم باقي الغنيمة. فرع لا فرق في استحقاق السلب، بين أن يقتل كافرا مبارزة، وبين أن(5/334)
ينعمر في صف العدو فيقتله، ولا بين أن يقول الامام: من قتل فله السلب وبين أن لا يقول. الطرف الرابع : في قسمة الغنيمة. من أحكام قسمتها ما يتعلق بهذا الموضع، ومنها ما يتعلق بكتاب السير. فمما يتعلق بهذا الباب، أنه إذا أراد الامام أو أمير الجيش القسمة، بدأ بالسلب فأعطاه للقاتل تفريعا على المشهور أن السلب لا يخمس، ثم يخرج المؤن اللازمة، كأجرة حمال وحافظ وغيرها، ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية، ويأخذ خمس رقاع، فيكتب على واحدة: لله تعالى أو للمصالح، وعلى أربع: لغانمين، ويدرجها في بنادق متساوية ويجففها، ويخرج لكل قسم رقعة، فما خرج عليه: سهم الله تعالى، جعله بين أهل الخمس على خمسة أسهم، ومنه يكون النفل على الاصح، ويقسم الباقي على الغانمين، ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس، لانهم حاضرون محصورون، ومنها يكون الرضخ على الاظهر. وسواء في القسمة، المنقول والعقار، لعموم الآية. ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب. قلت: هذه العبارة ناقصة، فالصواب أن يقال: يستحب قسمتها في دار الحرب، كما قاله أصحابنا، بل قد ذكر صاحب المهذب وغيره: أنه يكره تأخيرها إلى دار الاسلام من غير عذر. والله أعلم.
فصل فيمن يستحق السهم من شهد الوقعة بنية الجهاد، استحقه، قاتل أو لم يقاتل، إذا كان ممن يسهم له، ويتعلق بهذا الاصل صور. إحداها: من حضر قبل انقضاء القتال، استحق. وإن حضر بعد حيازة المال، فلا وإن حضر بعد انقضائه، وقبل حيازة المال، فقولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: لا يستحق. والثاني: بلى. وقيل: إن خيف رجعة الكفار، استحق. وإلا، فلا. ولو أقاموا على حصن وأشرفوا على فتحه، فلحق مدد قبل الفتح، شاركوهم. وإن فتحوا ودخلوا آمنين، ثم جاء المدد، لم يشاركوهم. (الصورة) الثانية: غاب في أثناء القتال منهزما ولم يعد حتى انقضى القتال، فلا حق(5/335)
له. وإن عاد قبل انقضائه، استحق من المحوز بعد عوده دون المحوز قبل عوده، كذا ذكره البغوي، وقياسه أن يقال فيمن حضر قبل انقضاء القتال: لا حق له في المحوز قبل حضوره. كذا نقله أبو الفرج الزاز عن بعض الاصحاب، وإن كنا أطلقناه في الصورة السابقة. قلت: هذا الذي نقله أبو الفرج متعين، وكلام من أطلقه محمول عليه. والله أعلم. وإن ولى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، استحق على تفصيل مذكور في كتاب السير ومن هرب ثم ادعى أنه كان متحرفا أو متحيزا، قال الغزالي: يصدق بيمينه. وقال البغوي: إن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال، لم يصدق، لان الظاهر خلافه. وإن عاد قبله، صدق بيمينه. فإن حلف، استحق من الجميع. وإن نكل، لم يستحق إلا من المحوز بعد عوده. قلت: الذي قاله البغوي أرجح. والله أعلم. (الصورة) الثالثة: مات بعضهم قبل الشروع في القتال، فلا حقله. ولو مات فرسه أو سرق أو عار أو خرج من يده ببيع أو هبة ونحوهما، لم يستحق سهم الفرس. وفيما إذا عار وجه ضعيف. ولو مات رجل بعد انقضاء الحرب وحيازة المال، انتقل حقه إلى ورثته. ولو مات فرسه في هذه الحال، استحق سهم الفرس. ولو مات الرجل بعد انقضاء الحرب وقبل الحيازة، انتقل حقه إلى ورثته على الاصح. ولو مات فرسه في هذا الحال، استحق سهم الفرس على الاصح. ولو مات في أثناء القتال، سقط حقه على المنصوص. ونص في موت الفرس في هذا الحال أنه يستحق سهم الفرس. وللاصحاب طرق. أصحها: تقرير النصين، لان الفارس متبوع، والفارس تابع. وقيل: قولان فيهما. وقيل: إن حيز المال بقتال جديد، فلا استحقاق فيهما. وإن أفضى ذلك القتال إلى الحيازة، استحق فيهما.(5/336)
(الصورة) الرابعة: إذا شهد الوقعة صحيحا، ثم مرض مرضا لا يمنع القتال، كالحمى الخفيفة والصداع، أو مرضا يرجى زواله، لم يبطل حقه. وإن كان غير ذلك، كالزمانة والفالج، ففي بطلان حقه قولان أو وجهان. أظهرهما: لا يبطل. ولو خرج في الحرب، استحق على المذهب. ثم الاكثرون أطلقوا القول في رجاء الزوال وعدمه. وحكي عن بعض أصحاب الامام أن المعتبر رجاء الزوال قبل انجلاء القتال. وإذا لم يستحق المريض، رضخ له. والمرض بعد انقضاء القتال وقبل حيازة المال، على الخلاف السابق. (الصورة) الخامسة: المخذل للجيش، يمنع الخروج مع الناس وحضور الصف. فإن حضر، لم يعط سهما ولا رضخا. ولا يلحق الفاسق بالمخذل على الصحيح، وقيل: يلحق، لانه لا يؤمن تخذيله. قلت: كذا قطع الجمهور، أن المخذل لا رضخ له. وقال الجرجاني في التحرير: إن حضر بإذن الامام، رضخ له. والله أعلم. فصل بعث الامام أو أمير الجيش سرية إلى دار الحرب وهو مقيم ببلده، فغنمت، لم يشاركها الامام ومن معه من الجيش. قلت: سواء كانت دار الحرب قريبة من الامام، أم لا. حتى لو بعث سرية، وقصد الخروج وراءها، فغنمت السرية قبل خروجه، لم يشاركها وإن قربت دار(5/337)
الحرب، لان الغنيمة للمجاهدين، وقبل الخروج ليسوا مجاهدين. والله أعلم. ولو بعث سريتين إلى جهتين، لم تشارك إحداهما الاخرى. فلو أو غلتا في ديار الكفار، والتقتا في موضع، اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع. ولو بعثهما إلى جهة واحدة، فإن أمر عليهما أميرا واحدا، أو كانت إحداهما قريبة من الاخرى، بحيث تكون كل واحدة عونا للاخرى، اشتركتا، وإلا، فلا. ولو دخل الامام أو الامير دار الحرب، وبعث سرية في ناحية، فغنمت، شاركهم جيش الامام. ولو غنم الجيش، شاركته السرية، لاستظهار كل بالآخر. ولو بعث سريتين إلى جهة، اشترك الجميع فيما يغنم كل منهم. ولو بعثهما إلى جهتين، فكذلك على الصحيح. وقيل: لا شركة بين السريتين هنا. ثم ذكر ابن كج والامام أن شرط الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة. وحد القرب: أن يبلغهم الغوث والمدد منهم إن احتاجوا، ولم يتعرض أكثر الاصحاب لهذا، واكتفوا باجتماعهم في دار الحرب. قلت: هذا المنقول عن الاكثرين، هو الاصح أو الصحيح. والله أعلم. فعلى الاول، لو كانت إحداهما قريبة، والاخرى بعيدة، اختصت القريبة بالمشاركة. فرع بعث الامام جاسوسا، فغنم الجيش قبل رجوعه، شاركهم على الاصح، وبه قال الداركي، لانه فارقهم لمصلحتهم، وخاطر بما هو أعظم من شهود الوقعة. فصل إذا شهد الاجير مع المستأجر الوقعة، نظر، إن كانت الاجارة لعمل في الذمة بغير تعيين مدة، كخياطة ثوب وبناء حائط، استحق السهم قطعا. وإن تعلقت بمدة معينة، بأن استأجره لسياسة الدواب وحفظ الامتعة شهرا، فنقل الغزالي والبغوي: أنه إن لم يقاتل، فلا سهم له، وإن قاتل فثلاثة أقوؤل. وأطلق المسعودي وآخرون الاقوال من غير فرق بين أن يقاتل، أو لا. وكذلك أطلقها الشافعي رضي الله عنه في المختصر. أظهرها: له السهم، لحضور الوقعة. والثاني: لا. وعلى هذين، يستحق الاجرة بمقتضى الاجارة. والثالث: يخير بين الاجرة والسهم. فإن اختار الاجرة، فلا سهم. وإن اختار السهم، فلا أجرة. قال صاحب(5/338)
الافصاح: هذا الثالث هو فيما إذا استأجر الامام لسقي الغزاة وحفظ دوابهم من سهم الغزاة من الصدقات، فيخيره الامام إما أجير آحاد الناس، فلا يجئ فيه هذا القول، لان الاجارة لازمة، إلا أن يكون الجاري بينهما صورة جعالة. وقال الاكثرون: يجري القول الثالث في كل أجير، كما أطلقه الشافعي رحمه الله، لان لزوم الاجارة لا يختلف. ثم على الثالث، إذا اختار السهم، ففيما يسقط من الاجرة وجهان. أحدهما: قسطها من وقت دخول دار الحرب. وأصحهما: من وقت شهود الوقعة. وأما وقت تخييره، فنقل في الشامل عن الاصحاب أنهم قالوا: يخير، إما قبل القتال، وإما بعده. فيقال قبله: إن أردت القتال، فاطرح الاجرة، وإن أردت الاجرة فاطرح الجهاد. ويقال بعده: إن كنت قصدت الجهاد، فلا أجرة لك، وإن كنت قصدت الاجرة، فخذها ولا سهم لك. والمراد أنه يحصل الغرض بكل واحد منهما، إلا أنه يخير في الحالتين جميعا. فرع إذا أسهمنا للاجير، فله السلب إذا قتل. وإن لم نسهم، فوجهان. وعلى هذا، يرضخ له على الصحيح كالعبد. وقيل: لا، لانه لم يسهم له، وهو من أهله، بخلاف العبد. فرع هذا المذكور في الاجير لغير الجهاد. فأما الاجير للجهاد، ففي صحة استئجار الذمي والمسلم كلام يأتي في السير إن شاء الله تعالى. فإن صحت الاجارة، فله الاجرة، ولا سهم ولا رضخ، وإلا، فلا أجرة. وفي سهم الغنيمة وجهان. أحدهما: يستحقه، لشهوده الوقعة. والثاني: المنع، وبه قطع البغوي، قاتل، أم لا، لانه أعرض عنه بالاجارة. فصل تجار العسكر وأهل الحرف، كالخياطين، والسراجين، والبزازين، والبقالين، وكل من خرج لغرض تجارة أو معاملة، إذا شهدوا الوقعة، ففي استحقاقهم السهم طرق. المذهب أنهم إن قاتلوا، استحقوا، وإلا، فلا، وهو ظاهر نصه في المختصر. وقيل: بالاستحقاق مطلقا، وهو الاصح عند الروياني، وبالمنع مطلقا. وإذا لم نسهم لهم، فلهم الرضخ على الاصح.(5/339)
فصل إذا أفلت أسير من الكفار، وشهد الوقعة مع المسلمين، فإن كان من هذا الجيش، استحق السهم، قاتل، أم لا ؟ وإن أسر من جيش آخر، فهل يستحق لشهوده الوقعة، أم لا لعدم قصده الجهاد ؟ قولان. ثم قيل بطرد القولين، قاتل، أم لا. والمذهب والمنصوص في المختصر أنهما إذا لم يقاتل، فإن قاتل، استحق قطعا. هذا إذا أفلت قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة. فإن أفلت بعد الحرب وقبل الحيازة، فعلى ما سبق في لحوق المدد. وإن أفلت بعد الحيازة، قال في الشامل: إن قلنا: تملك الغنيمة بالحيازة، فلا سهم له، وإلا، فهو كما لو أفلت قبل الحيازة ولم يقاتل. وإذا لم يسهم له، ففي الرضخ الخلاف السابق. فصل أسلم كافر، والتحق بجيش الاسلام، فشهد الوقعة، يسهم له إن قاتل قطعا، وكذا إن لم يقاتل على الصحيح، لانه قصد إعلاء كلمة الاسلام، وشهد الوقعة. وفي الرقم للعبادي: أنه لا يستحق. فصل سبق أن الغنيمة يبدأ منها بالسلب والمؤن، ثم يقسم الباقي خمسة أقسام، ويجعل أربعة أخماسها للغانمين، فيسوى بينهم في ذلك، ولا يفضل بعضهم إلا بشيئين. أحدهما: النقصان المقتضي للرضخ، تفريعا على الاظهر: أنه من أربعة أخماسها. والثاني: أن الفارس يفضل على الراجل، فيعطى الفارس ثلاثة أسهم، سهمين لفرسه، وسهما له، ويعطى الراجل سهما. ويتعلق بهذا الاصل مسائل. إحداها: راكب البعير، والفيل، والحمار، والبغل، لا يلحق بالفارس، لكن يعطى الراكب سهمه، ويرضخ لهذه الدواب، ويكون رضخ الفيل أكثر من رضخ البغل، ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار، ولا يبلغ رضخها سهم فرس، ويرضخ (المسألة) الثانية: سواء للصبي والذمي الفارسين أكثر مما يرضخ لو كانا راجلين في الخيل العتيق، وهو الذي أبواه عربيان، والبرذون، وهو(5/340)
الذي أبواه أعجميان، والهجين، وهو الذي أبوه عربي وأمه عجمية، والمقرف، وهو الذي أبوه عجمي وأمه عربية، لان الكر والفر يقع منها كلها، ولا يضر تفاوتها، كالرجال. وقي قول شاذ: لا يسهم للبرذون، بل يرضخ له. (المسألة) الثالثة: ليتعهد الامام الخيل إذا أراد دخول دار الحرب، فلا يدخل إلا فرسا شديدا، ولا يدخل حطما، وهو الكسير، ولا قحما، وهو الهرم، ولا ضرعا، وهو الصغير الضعيف، ولا أعجف رازحا. والاعجف: المهزول. والرازح: هو بين الهزال. قلت: القحم، بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة، والضرع، بفتح الضاد المعجمة وفتح الراء أيضا، والرازح، بالراء وبعد الالف زاي مكسورة ثم حاء مهملة، وضبطت هذه الالفاظ، لانها في كلام الشافعي فلو وكتب الاصحاب رحمهم الله، ورأيت من صحفها فأردت السلامة. والله أعلم أدخل بعضهم شيئا منها، نظر إن نهى الامام عن إدخاله وبلغه النهي، لم يسهم لفرسه، وإن لم ينه، أو لم يبلغه النهي، فقولان. أحدهما: يسهم له كالشيخ الضعيف. وأظهرهما: لا، لانه لا فائدة فيه، بل هو كل، بخلاف الشيخ فإنه ينتفع برأيه ودعائه. وقال الشيخ أبو إسحق: لا خلاف في المسألة، بل القول الاول محمول على ما إذا أمكن القتال عليه، والثاني إذا لم يمكن. (المسألة) الرابعة: من حضر بفرسين، لم يسهم إلا لواحد على المذهب، وبه قطع الجمهور. وحكى بعضهم قولا أنه يسهم لفرسين ولا يزاد. (المسألة) الخامسة: يسهم للفرس المستعار والمستأجر، فيكون السهم للمستعير والمستأجر. وحكي وجه: أنه للمعير. وأما الفرس المغصوب. فالمذهب أنه يسهم له، ويكون سهمه للغاصب. وقيل: للمغصوب منه. وقيل: لا يسهم له، لان(5/341)
إحضاره حرام، فهو كالمعدوم. (المسألة) السادسة: إذا كان القتال في ماء أو حصن وقد أحضر فرسه، أسهم لفرسه، لانه قد يحتاج إلى الركوب، نص عليه، وحمله ابن كج على ما إذا كانوا بالقرب من الساحل، واحتمل أنه يخرج ويركب. فإن لم يحتمل الحال الخروج، فلا معنى لاعطاء سهم الفرس. (المسألة) السابعة: حضر اثنان بفرس مشترك بينهما، فهل يعطى كل منهما سهم فرس، لان معه فرسا قد يركبه، أم يعطيان سهم فرس واحد مناصفة، أم لا يعطيان للفرس شيئا لانه لم يحضر واحد منهما بفرس تام ؟ فيه أوجه. قلت: لعل الاصح المناصفة. والله أعلم. ولو ركب اثنان فرسا، وشهدا الوقعة، فهل لهما سنة أسهم لانهما فارسان ؟ أم سهمان لانهما راجلان لتعذر الكر والفر ؟ أم أربعة أسهم، سهمان لهما وسهمان للفرس ؟ فيه ثلاثة أوجه، وبالله التوفيق. قلت: اختار ابن كج في التجريد وجها رابعا حسنا أنه إن كان فيه قوة الكر والفر مع ركوبهما، فأربعة أسهم، وإلا، فسهمان. ومن مسائل الباب: لو دخل دار الحرب راجلا، ثم حصل فرسا ببيع أو إعارة أو غيرهما، وحضر به الحرب، أسهم له. قال صاحب العدة: ولو حضر فارسا، فضاع فرسه، فأخذه رجل وقاتل عليه، فأسهم المقاتل له وللفرس، كان سهما الفرس لمالكه، لانه شهد الوقعة وفرسه حاضر ولم يوجد منه اختيار إزالة يد، فصار كما لو كان معه ولم يقاتل عليه، ويفارق المغصوب حيث قلنا: سهم الفرس للغاصب على المذهب، لان المالك لم يشهد الوقعة. ومنها: الاعمى، والزمن، ومقطوع اليدين والرجلين، المذهب: أنه لا يسهم لهم، لكن يرضخ. وحكى الجرجاني في استحقاقهم السهم قولين.(5/342)
ولو شرط الامام للجيش أن لا يخمس عليهم، فشرطه باطل، ويجب تخميس ما غنموا، وسواء شرط ذلك لضرورة، أم لا. وحكى ابن كج وجها أنه إن شرطه لضرورة، لم يخمس، وهذا شاذ باطل. ولو غزت طائفة بغير إذن الامام فغنمت، خمس على المذهب، وبه قطع الجمهور. وحكى ابن كج وجها: أنه لا يخمس، وهو باطل. ولو كان معه فرس فلم يركبه ولم يعلم به، قال ابن كج: لم يسهم له بلا خلاف. قال: ولو علم به ولم يركبه بحال، فلا سهم له. قال: وعندي يسهم له إذا كان يمكنه ركوبه ولم يحتج إليه. والله أعلم.(5/343)
كتاب النكاح
وفيه أبواب.
الباب الأول : في خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النكاح وغيره.
قال الائمة: هي أربعة أضرب. أحدها: ما اختص به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الواجبات، والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات، فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض(5/344)
عليهم. قلت: قال إمام الحرمين هنا: قال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة بسبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث. والله أعلم. فمن ذلك، صلاة الضحى، ومنه الاضحية، والوتر، والتهجد،(5/345)
والسواك، والمشاورة على الصحيح في الخمسة. والارجح: أن الوتر غير التهجد. قلت: جمهور الاصحاب، على أن التهجد كان واجبا عليه - صلى الله عليه وسلم -. قال القفال: وهو أن يصلي في الليل وإن قل.(5/346)
وحكى الشيخ أبو حامد: أن الشافعي رحمه الله نص على أنه نسخ وجوبه في حقه - صلى الله عليه وسلم -، كما نسخ في حق غيره، وهذا هو الاصح أو الصحيح. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه. والله أعلم. وكان عليه - صلى الله عليه وسلم -، إذا رأى منكرا أن يغيره، لان الله تعالى وعده بالعصمة. قلت: قد يقال: هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف تمكن من إزالته، لزمه تغييره، ويجاب عنه بأن المراد أنه لا يسقط عنه للخوف، فإنه معصوم، بخلاف غيره. والله أعلم. وكان عليه - صلى الله عليه وسلم -، مصابرة العدو وإن كثر عددهم. وكان عليه - صلى الله عليه وسلم -، قضاء دين من مات من المسلمين معسرا. وقيل: كان يقضيه تكرما. وفي وجوب قضاء دين المعسر على الامام من مال المصالح، وجهان.(5/347)
وقيل: كان يجب عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة. وأما في النكاح، فأوجب الله سبحانه وتعالى عليه - صلى الله عليه وسلم - تخيير نسائه بين مفارقته واختياره. وحكى الحناطي وجها أن هذا التخيير كان مستحبا، والصحيح الاول. ولما خيرهن، اخترنه والدار الآخرة، فحرم الله تعالى عليه - صلى الله عليه وسلم - التزويج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، فقال تعالى: * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) * ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بترك التزويج عليهن، بقوله تعالى: * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) * وهل حرم عليه - صلى الله عليه وسلم - طلاقهن بعدما اخترنه ؟ فيه أوجه. أصحهما: لا، والثاني: نعم. والثالث: يحرم عقيب اختيارهن، ولا يحرم إن انفصل. ولو فرض أن واحدة منهن اختارت الدنيا، فهل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار ؟ وجهان. أصحهما: لا. وهل كان جوابهن مشروطا بالفور ؟ وجهان. أصحهما: لا. فإن قلنا بالفور، فهل كان يمتد بامتداد المجلس، أم المعتبر ما يعد جوابا في العرف ؟ وجهان. وهل كان قولها: اخترت نفسي، صريحا في الفراق ؟ فيه وجهان. وهل كان يحل له - صلى الله عليه وسلم - التزويج بها بعد الفراق ؟ وجهان. الضرب الثاني: ما اختص به من المحرمات، وهي قسمان. أحدهما: المحرمات في غير النكاح، فمنها الزكاة، وكذا الصدقة على الاظهر. وأما الاكل متكئا، وأكل الثوم والبصل والكراث، فكانت مكروهة له(5/348)
- صلى الله عليه وسلم - على الاصح. وقيل: محرمة. ومما عد من المحرمات، الخط والشعر، وإنما يتجه القول بتحريمها ممن يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحسنهما. وقد اختلف فيه، فقيل: كان يحسنهما لكنه يمتنع منهما، والاصح أنه كان لا يحسنهما. قلت: ولا يمتنع تحريمهما وإن لم يحسنهما. والمراد تحريم التوصل إليهما. والله أعلم. وكان يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم -، إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل،(5/349)
وقيل: كان مكروها لا محرما. والصحيح الاول. وقيل: بناء عليه أنه كان لا يبتدئ تطوعا إلا لزمه إتمامه. وكان يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - مد العين إلى ما متع به الناس، ويحرم عليه خائنة الاعين، وهي الايماء إلى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهره ويشعر به الحال. وقال صاحب التلخيص: ولم يكن له أن يخدع في الحرب، وخالفه الجمهور. وفي الجرجانيات ذكر وجهين، في أنه هل كان يجوز له أن يصلي على من عليه دين ؟ وهل كان يجوز أ يصلي مع وجود الضامن ؟ قلت: الصواب الجزم بجوازه مع الضامن، ثم نسخ التحريم، فكان - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده. والاحاديث الصحيحة مصرحة بما ذكرته. والله أعلم. القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح. فمنها: إمساك من كرهت نكاحه على الصحيح. وقيل: إنما كان يفارقها تكرما. ومنها: نكاح الكتابية على الاصح، وبه قال ابن سريج والقاضي أبو حامد(5/350)
والاصطخري. وقال أبو إسحق: ليس بحرام، ويجري الوجهان في التسري بالامة الكتابية ونكاح الامة المسلمة، لكن الاصح في التسري بالكتابية، الحل. وفي نكاح المسلمة، التحريم. قالوا: ولو قدر نكاح أمة، كان ولده منها حرا على الصحيح مع تجويزنا جريان الرق على العرب. وفي لزوم قيمة هذا الولد وجهان. قال أبو عاصم: نعم. وقال القاضي حسين: لا، بخلاف ولد المغرور بحرية أمه، لانه فوت الرق بظنه، وهنا الرق متعذر. وأما الامة الكتابية، فكان نكاحها محرما عليه على المذهب. وطرد الحناطي فيه الوجهين. الضرب الثالث: التخفيفات والمباحات. وما أبيح له - صلى الله عليه وسلم - دون غيره قسمان. أحدهما: متعلق بغير النكاح، فمنه الوصال في الصوم، واصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار: الصفي والصفية، والجمع: الصفايا. ومنه، خمس خمس الفئ والغنيمة، وأربعة أخماس الفئ، ودخول مكة بغير إحرام، نقله صاحب التلخيص وغيره. ومنه، أنه لا يورث ماله. ثم حكى الامام وجهين. أحدهما: أن ما تركه باق على ملكه، ينفق منه على أهله كما كان ينفق في حياته. قال: وهذا هو الصحيح. والثاني: أن سبيل ما خلفه سبيل الصدقات، وبهذا قطع أبو العباس الروياني في الجرجانيات. ثم حكى وجهين في أنه هل يصير وقفا على ورثته ؟ وأنه إذا صار وقفا، هل هو للواقف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما تركنا صدقة ؟ وجهان. قلت: كل هذا ضعيف، والصواب الجزم بأنه زال ملكه - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما تركه فهو صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة. وكيف يصح غير ما ذكرته مع قول - صلى الله عليه وسلم -:(5/351)
لا نورث ما تركناه فهو صدقة ؟ فهذا نص على زوال الملك. والله أعلم. وهذه الخصلة، عدها الغزالي من هذا الضرب، وعدها الاكثرون من الضرب الرابع. ومنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يقضي بعلمه، وفي غيره خلاف. وأن يحكم لنفسه ولولده على المذهب، وأن يشهد لنفسه ولولده، وأن يقبل شهادة من يشهد له، وأن يحمي الموات لنفسه، وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهمد إذا احتاج إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) *. قلت: ومثله ما ذكره الفوراني وابراهيم المروذي وغيرهما، أنه لو قصده ظالم، وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم. وكان لا ينتقض وضوؤه - صلى الله عليه وسلم - بالنوم مضطجعا، وحكى أبو العباس فيه وجها غريبا ضعيفا، وحكى وجهين فيانتقاض طهره باللمس. قلت: المذهب الجزم بانتقاضه باللمس. والله أعلم. وحكى أيضا صاحب التلخيص: أنه كان يحل له - صلى الله عليه وسلم - دخول المسجد جنبا، ولم يسلمه القفال له، بل قال: لا أظنه صحيحا. قلت: هذا الذي قاله صاحب التلخيص، قد يحتج له بما رواه الترمذي عن عطية عن أبي سعيد (الخدري) رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا علي لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الترمذي: قال ضرار بن صرد،(5/352)
معناه: لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك، وهذا التأويل الذي قاله ضرار، غير مقبول وقال إمام الحرمين: هذا الذي قاله صاحب التلخيص هو لا يدرى من أين قاله، وإلى أي أصل أسنده. قال: فالوجه: القطع بتخطئته، وهذا كلام من لم يعلم الحديث المذكور، لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين، لكن قد حسنه الترمذي، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما نقرر لاهل هذا الفن، فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص. واعلم أن معظم هذه المباحات، لم يفعلها - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت مباحة له. القسم الثاني: المتعلق بالنكاح، فمنه الزيادة على أربع نسوة. والاصح أنه لم يكن منحصرا في تسع، وقطع بعضهم بهذا، وينحصر طلاقه - صلى الله عليه وسلم - في الثلاث، وينعقد نكاحه - بلفظ الهبة - - صلى الله عليه وسلم - على الاصح فيهما. وإذا انعقد بلفظ الهبة، لم يجب مهر بالعقد ولا بالدخول، ويشترط لفظ النكاح من جهته - صلى الله عليه وسلم - على الاصح. قال الاصحاب: وينعقد نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بمعنى الهبة، حتى لا يجب المهر ابتداء ولا انتهاء، وفي المجرد للحناطي وغيره وجه غريب: أنه يجب المهر. ومنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - لو رغب في نكاح امرأة، فإن كانت خلية، لزمها الاجابة على الصحيح، ويحرم على(5/353)
غيره خطبتها. وإن كانت مزوجة، وجب على زوجها طلاقها لينكحها على الصحيح. ومنه انعقاد نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بغير ولي ولا شهود، وفي حال الاحرام على الاصح في الجميع. وفي وجوب القسم بين زوجاته، وجهان. قال الاصطخري: لا. والاصح عند الشيخ أبي حامد والعراقيين والبغوي: الوجوب، وأكثر هذه المسائل وأخواتها، تتخرج على أصل اختلف فيه الاصحاب، وهو أن النكاح في حقه - صلى الله عليه وسلم -، هل هو كالتسري في حقنا ؟ إن قلنا: نعم، لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق، وانعقد بالهبة ومعناها، وبلا ولي وشهود، وفي الاحرام، ولم يجب القسم، وإلا انعكس الحكم. وكان له - صلى الله عليه وسلم - تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها ولا إذن وليها، وتزوجها لنفسه، وتولي الطرفين بغير إذنها ولا إذن وليها. قال الحناطي: ويحتمل أنه إنما كان يحل بإذنها، وكان يحل له نكاح المعتدة على أحد الوجهين. قلت: هذا الوجه حكاه البغوي، وهو غلط لم يذكره جمهور الاصحاب، وغلطوا من ذكره. بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره. والله أعلم. وهل كان يلزمه نفقة زوجاته ؟ فيه وجهان بناء على المهر. قلت: الصحيح الوجوب. والله أعلم. وكانت المرأة تحل له - صلى الله عليه وسلم - بتزويج الله تعالى، لقوله في قصة زينب امرأة(5/354)
زيد: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * وقيل: بل نكحها بنفسه. ومعنى الآية: أحللنا لك نكاحها. وهل كان يحل له الجمع يبن امرأة وعمتها أو خالتها ؟ وجهان باء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ؟ ولم يكن يحل الجمع بينها وبين أختها وأمها وبنتها على المذهب. وحكى الحناطي فيه وجهين. وأعتق - صلى الله عليه وسلم - صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها. فقيل: معناه: أعتقها وشرط أن ينكحها، فلزمها الوفاء، بخلاف غيره. وقيل: جعل نفس العتق صداقا، وجاز ذلك، بخلاف غيره. قلت: وقيل: معناه: أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا في ما بعد، وهذا أصح. والله أعلم. الضرب الرابع: ما اختص به - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل والاكرام، فمنه أن زوجاته اللاتي توفي عنهن - رضي الله عنهن - محرمات على غيره أبدا، وفيمن فارقها في الحياة أوجه. قال ابن أبي هريرة: يحرم، وهو المنصوص في أحكام القرآن، لقول الله تعالى: * (وأزواجه أمهاتهم) *. والثاني، يحل. والثالث: يحرم الدخول بها فقط. قال الشيخ أبو حامد: هو الصحيح. قلت: الاول أرجح. والله أعلم. فإن حرمنا، ففي أمة يفارقها بالموت أو غيره بعد وطئها وجهان.(5/355)
ولو فرض أن بعض المخيرات اختارت الفراق، ففي حلها لغيره طريقان. قال العراقيون: فيها الاوجه، وقطع أبو يعقوب الابيوردي وآخرون بالحل، لتحصل فائدة التخيير، وهو التمكن من زينة الدنيا، وهذا اختيار الامام، والغزالي. ومنه، أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من ماتت تحته - صلى الله عليه وسلم -، ومن مات عنها وهي تحته، وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، لا في النظر والخلوة، ولا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم. وحكى أبو الفرج الزاز وجها أنه يطلق إسم الاخوة على بناتهن، وإسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن، لثبوت حرمة الامومة لهن، وهذا ظاهر لفظ المختصر. قلت: قال البغوي: كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء، روي ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وهذا جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم من أهل الاصول، أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال. وحكى الماوردي في تفسيره خلافا في كونهن أمهات المؤمنات، وهو خارج على مذهب من أذخلهن في خطاب الرجال. قال البغوي: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا للرجال والنساء جميعا. وقال الواحدي من أصحابنا: قال بعض أصحابنا: لا يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين، لقول الله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * قال: نص الشافعي على أنه يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين، أي: في الحرمة. ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه. والله أعلم. ومنه، تفضيل زوجاته على سائر النساء، وجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا،(5/356)
ولا يحل أن يسألهن أحد شيئا إلا من وراء حجاب، ويجوز أن يسأل غيرهن مشافهة. قلت: وأفضل زوجاته - صلى الله عليه وسلم -، خديجة، وعائشة رضي الله عنهما قال المتولي: واختلفوا أيتهما أفضل. والله أعلم. ومنه، في غير النكاح، أنه خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأمته خير الامم، وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع، وكتابه معجز محفوظ عن التحريف والتبديل، وأقيم بعده حجة على الناس، ومعجزات سائر الانبياء انقرضت، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الارض مسجدا، وترابها طهورا، وأحلت له الغنائم، ويشفع في أهل الكبائر. قلت: هذه العبارة ناقصة أو باطلة، فإن شفاعته - صلى الله عليه وسلم - التي اختص بها ليست الشفاعة في مطلق أهل الكبائر، فإن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة شفاعات خمسا. أولاهن: الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الانبياء،. كما ثبت في الحديث الصحيح، حديث الشفاعة. والثانية: في جماعة، فيدخلون الجنة بغير حساب. والثالثة: في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها. والرابعة: في ناس دخلوا النار، فيخرجون. والخامسة: في رفع درجات ناس في الجنة، وقد أوضحت ذلك (كله) في كتاب الايمان من أول شرح صحيح مسلم رحمه الله، والشفاعة المختصة به - صلى الله عليه وسلم -، هي الاولى والثانية، ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضا. والله أعلم.(5/357)
وبعث - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، وهو سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الارض، وأول شافع ومشفع، وأول من يقرع باب الجنة، وهو أكثر الانبياء أتباعا، وأمته معصومة لا تجتمع على ضلالة، وصفوفهم كصفوف الملائكة. وكان لا ينام قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه، وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما وإن لم يكن عذر، وفي حق غيره ثواب القاعد النصف. قلت: هذا قد قاله صاحب التلخيص، وتابعه البغوي، وأنكره القفال، وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، والمختار الاول، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يصلي جالسا، فقلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا: قال: أجل ولكني لست كأحدكم رواه مسلم في صحيحه. والله أعلم. ويخاطبه - صلى الله عليه وسلم - المصلي بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، ولا يخاطب سائر الناس، ولا يجوز لاحد رفع صوته فوق صوته، ولا أن يناديه من وراء(5/358)
الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول: يا محمد، بل يقول: يا رسول الله، يا نبي الله، ويجب على المصلي إذا دعاه، أن يجيبه، ولا تبطل صلاته. وحكى أبو العباس الروياني وجها أنه لا يجب، وتبطل به الصلاة، وكان يتبرك ويستشفى ببوله ودمه، ومن زنا بحضرته أو استهان به، كفر. قلت: في الزنا، نظر. والله أعلم. وأولاد بناته ينسبون إليه، وأولاد بنات غيره، لا ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها. قلت: كذا قال صاحب التلخيص وأنكره القفال وقال: لا اختصاص في انتساب أولاد البنات. والله أعلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: كل سبي ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سبيي ونسبي قيل: معناه: أن أمته ينتسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الانبياء لا ينسبون إليهم. وقيل: ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الانساب. وقال - صلى الله عليه وسلم - تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي وقال الشافعي رضي الله عنه: ليس لاحد أن يكتني بأبي القاسم، سواء كان اسمه محمدا، أم لا، ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين الاسم والكنية، وجوز الافراد، ويشبه أن يكون هذا أصح، لان الناس ما زالوا يكتنون به في جميع الاعصار من غير إنكار.(5/359)
قلت: هذا الذي تأوله الرافعي واستبدل به فيهما، ضعيف، وهذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب. أحدها: مذهب الشافعي، وهو ما ذكره. والثاني: مذهب مالك: أنه يجوز التكني بأبي القاسم لمن إسمه محمد ولغيره. والثالث: يجوز لمن إسمه محمد دون غيره. ومن جوز مطلقا، جعل النهي مختصا بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد يستدل له بما ثبت في الحديث من سبب النهي، وأن اليهود تكنوا به، وكانوا ينادون: يا أبا القاسم، فإذا التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: لم نعنك، إظهارا للايذاء، وقد زال ذلك المعنى، وهذا المذهب أقرب، وقد أوضحته مع ما يتعلق به في كتاب الاذكار وكتاب الاسماء. وما يتعلق بهذا الضرب، أن شعره - صلى الله عليه وسلم - طاهر على المذهب وإن نجسنا شعر غيره، وأن بوله ودمه وسائر فضلاته، طاهرة على أحد الوجهين كما سبق، وأن الهدية له حلال، بخلاف غيره من الحكام وولاة الامور من رعاياهم. وأعطي جوامع الكلم. ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، ما ذكره صاحب التلخيص والقفال قالا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، ولا تسقط عنه الصلاة ولا غيرها. وفاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتان بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، ثم واظب عليهما بعد العصر.(5/360)
وفي اختصاصه بهذه المداومة، وجهان. أصحهما: الاختصاص. ومنها: أنه لا يجوز الجنون على الانبياء، بخلاف الاغماء. واختلفوا في جواز الاحتلام، والاشهر امتناعه. ومنها، أنه من رآه - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقد رآه حقا. وأن الشيطان لا يتمثل في صورته، ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالاحكام، لعدم ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية، فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف، والنائم بخلافه.(5/361)
ومنها، أن الارض لا تأكل لحوم الانبياء، للحديث الصحيح في ذلك. ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. فالكذب عمدا عليه من الكبائر، ولا يكفر فاعله على الصحيح وقول الجمهور. وقال الشيخ أبو محمد: هو كفر. ولنختم الباب بكلامين. أحدهما: قال إمام الحرمين: قال المحققون: ذكر الاختلاف في مسائل الخصائص خبط غير مفيد، فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس إليه حاجة، وإنما يجري الخلاف فيا لا نجد بدا من إثبات حكم فيه، فإن الاقيسة لا مجال لها، والاحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، وما لا نص فيه، فتقدير اختيار فيه، هجوم على الغيب من غير فائدة. والكلام الثاني: قال الصيمري: منع أبو علي بن خيران الكلام في الخصائص، لانه أمر انقضى، فلا معنى للكلام فيه. وقال سائر أصحابنا: لا بأس به، وهو الصحيح، لما فيه من زيادة العلم، فهذا كلام الاصحاب، والصواب الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه. بل لو قيل بوجوبه، لم يكن بعيدا، لانه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به أخذا بأصل التأسي، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها، وأي فائدة أهم من هذه ؟ وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما لا فائد فيه اليوم، فقليل لا تخلو أبواب(5/362)
الفقه عن مثله للتدرب ومعرفة الادلة وتحقيق الشئ على ما هو عليه. والله أعلم.
الباب الثاني : في مقدمات النكاح وفيه فصول.
الفصل الأول : فيمن يستحب له النكاح. الناس ضربان، تائق إلى النكاح، وغيره. فالتائق، إن وجد أهبة النكاح، استحب له، سواء كان مقبلا على العبادة، أم لا. وإن لم يجدها، فالاولى أن لا يتزوج ويكسر شهوته بالصوم، فإن لم تنكسر به، لم يكسرها بالكافور ونحوه، بل يتزوج. وأما غير التائق، فإن لم يجد أهبة، أو كان به مرض أو عجز، بجب أو تعنين أو كبر، كره له النكاح لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة. وإن وجد الاهبة، ولم يكن به علة، لم يكره له النكاح، لكن التخلي للعبادة أفضل. فإن لم يكن مشتغلا بالعبادة، فوجهان حكاهما ابن القطان وغيره، وأصحهما: النكاح أفضل كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش. والثاني: تركه أفضل، ما فيه من الخطر بالقيام بواجبه. وحكي وجه: أن النكاح أفضل من التخلي للعبادة. وفي شرح مختصر الجويني وجه: أنه إن خاف الزنا، وجب عليه النكاح.(5/363)
وقال القاضي أبو سعد الهروي: ذهب بعض أصحابنا بالعراق، إلى أن النكاح فرض كفاية، حتى لو امتنع منه أهل قطر، أجبروا عليه. قلت: الوجه المحكي عن شرح الجويني، لا يحتم النكاح، بل يخير بينه وبين التسري، ومعناه ظاهر. والله أعلم.
الفصل الثاني : إذا أراد النكاح، فالبكر أولى من الثيب إذا لم يكن عذر،(5/364)
والولود أولى، والنسيبة أولى، والتي ليست بقرابة قريبة أولى، وذات الدين أولى. قلت: وبعد الدين، ذات الجمال والعقل أولى، وقرابته غير القريبة أولى من الاجنبية، والمستحب أن لا يزيد على امرأة من غير حاجة ظاهرة، ويستحب أن لا يتزوج من معها ولد من غيره لغير مصلحة، قاله المتولي. وإنما قيدت لغير المصلحة، لان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم سلمة رضي الله عنها ومعها ولد أبي سلمة رضي الله عنهم. قال أصحابنا: ويستحب أن يتزوج في شوال، للحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها (في ذلك). والمستحب، أن لا يتزوجها إلا بعد بلوغها، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وهذا إذا لم يكن حاجة أو مصلحة. والله أعلم. فرع إذا رغب في نكاحها، استحب أن ينظر إليها لئلا يندم. وفي وجه: لا يستحب هذا النظر، بل هو مباح. والصحيح الاول، للاحاديث. ويجوز تكرير هذا النظر ليتبين هيئتها، وسواء النظر بإذنها وبغير إذنها. فإن لم يتيسر النظر، بعث امرأة تتأملها وتصفها له، والمرأة أيضا تنظر إلى الرجل إذا أرادت(5/365)
تزوجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهرا وبطنا، ولا ينظر إلى غير ذلك. وحكى الحناطي وجهين في المفصل الذي بين الكف والمعصم. وفي شرح مختصر الجويني وجه: أنه ينظر إليها نظر الرجل إلى الرجل. والصحيح الاول. قال الامام: ويباح هذا النظر وإن خاف الفتنة لغرض التزوج، ووقت هذا النظر، بعد العزم على نكاحها، وقبل الخطبة، لئلا يتركها بعد الخطبة فيؤذيها، هذا هو الصحيح. وقيل: ينظر حين تأذن في عقد النكاح. وقيل: عند ركون كل واحد منهما إلى صاحبه، وذلك حين تحرم الخطبة على الخطبة. قلت: وإذا نظر فلم تعجبه، فليسكت، ولا يقل: لا أريدها، لانه إيذاء. والله أعلم.
الفصل الثالث : في أحكام النظر. جرت العادة بذكره هنا، وله حالان. أحدهما: آن لا تمس الحاجة إليه. والثاني: أن تمس. والحال الاول: أربعة أضرب، نظر الرجل إلى المرأة، وعكسه، والرجل إلى الرجل، والمرأة إلى المرأة. الضرب الاول: نظر الرجل إلى المرأة، فيحرم نظره إلى عورتها مطلقا، وإلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة. وإن لم يخف، فوجهان، قال أكثر الاصحاب لا سيما المتقدمون: لا يحرم، لقول الله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * وهو مفسر بالوجه والكفين، لكن يكره، قاله الشيخ أبو حامد وغيره. والثاني: يحرم، قاله الاصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد، والامام، وبه قطع صاحب المهذب والروياني، ووجهه الامام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك(5/366)
للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع، سد الباب فيه، والاعراض عن تفاصيل الاحوال، كالخلوة بالاجنبية. ثم المراد بالكف، اليد من رؤوس الاصابع إلى المعصم. وفي وجه: يختص الحكم بالراحة. وأما أخمصا القدمين، فعلى الخلاف السابق في ستر العورة. وصوتها ليس بعورة على الاصح، لكن يحرم الاصغاء إليه عند خوف الفتنة. وإذا قرع بابها، فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها. قلت: هذا الذي ذكره من تغليظ صوتها، كذا قاله أصحابنا. قال إبراهيم المروذي: طريقها أن تأخذ ظهر كفها بفيها وتجيب كذلك. والله أعلم. هذا كله إذا كان الناظر بالغا فحلا، والمنظور إليها حرة كبيرة أجنبية. ثم الكلام في ست صور. إحداها: الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء، لا حجاب منه. وفي المراهق وجهان. أحدهما: له النظر، كما له الدخول بلا استئذان إلا في الاوقات الثلاثة، فعلى هذا، نظره كنظر المحارم البالغين. وأصحهما: أن نظره كنظر البالغ إلى الاجنبية، لظهوره على العورات. ونزل الامام أمر الصبي ثلاث درجات. إحداها: أن لا يبلغ أن يحكي ما يرى. والثانية: يبلغه ولايكون فيه ثوران شهوة وتشوف. والثالثة: أن يكون فيه(5/367)
ذلك. فالاول حضوره كغيبته، ويجوز التكشف له من كل وجه. والثاني: كالمحرم. والثالث: كالبالغ. واعلم أن الصبي لا تكليف عليه، وإذا جعلناه كالبالغ، فمعناه يلزم المنظور إليها الاحتجاب منه، كما يلزمها الاحتجاب من المجنون قطعا. قلت: وإذا جعلنا الصبي كالبالغ، لزم الولي أن يمنعه النظر، كما يلزم أن يمنعه الزنا وسائر المحرمات. والله أعلم. الصورة الثانية: في الممسوح وجهان. قال الاكثرون: نظره إلى الاجنبية، كنظر الفحل إلى المحارم، وعليه يحمل قول الله تعالى: * (أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال) *. والثاني: أنه كالفحل مع الاجنبية، لانه يحل له نكاحها. قلت: والمختار في تفسير غير أولي الاربة أنه المغفل في عقله الذي لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن، كذا قاله ابن عباس وغيره. والله أعلم. وأما المجبوب الذي بقي أنثياه، والخصي الذي بقي ذكره، والعنين، والمخنث وهو المشبه بالنساء، والشيخ الهم، فكالفحل، كذا أطلق الاكثرون. وقال في الشامل: لا يحل للخصي النظر، إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته، وكذا المخنث. وأطلق أبو مخلد البصري المتأخر في الخصي والمخنث وجهين. قلت: هذا المذكور عن الشامل قاله شيخه القاضي أبو الطيب، وصرح بأن الشيخ الذي ذهبت شهوته، يجوز له ذلك، لقوله تعالى: * (أو التابعين غير أولي الاربة) *. والله أعلم.(5/368)
الصورة الثالثة: مملوك المرأة محرم لها على الاصح (عند الاكثرين). قلت: وهو المنصوص، وظاهر الكتاب والسنة وإن كان فيه نظر من حيث المعنى، قال القاضي حسين: فإن كاتبته، فليس بمحرم. والله أعلم. الصورة الرابعة: إذا كان المنظور إليها أمة، فثلاثة أوجه. أصحها فيما ذكره البغوي والروياني: يحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما سواه، لكن يكره. والثاني: يحرم ما لا يبدو حال المهنة دون غيره. والثالث: أنها كالحرة، وهذا غريب لا يكاد يوجد لغير الغزالي. قلت: قد صرح صاحب البيان وغيره، بأن الامة كالحرة وهو مقتضى إطلاق كثيرين، وهو أرجح دليلا. والله أعلم. الصورة الخامسة: في النظر إلى الصبية، وجهان. أحدهما: المنع. والاصح الجواز، ولا فرق بين عورتها وغيرها، لكن لا ينظر إلى الفرج. قلت: جزم الرافعي، بأنه لا ينظر إلى فرج الصغيرة. ونقل صاحب العدة الاتفاق على هذا، وليس كذلك، بل قطع القاضي حسين في تعليقه بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تشتهى، والصغير، وقطع به في الصغير إبرهيم المروذي. وذكر المتولي فيه وجهين، وقال: الصحيح الجواز، لتسامح الناس بذلك قديما وحديثا، وأن إباحة ذلك تبقى إلى بلوغه سن التمييز، ومصيره بحيث يمكنه ستر عورته عن الناس. والله أعلم.(5/369)
وأما العجوز، فألحقها الغزالي بالشابة، لان الشهوة لا تنضبط، وهي محل الوطئ. وقال الروياني: إذا بلغت مبلغا يؤمن الافتتان بالنظر إليها، جاز النظر إلى وجهها وكفيها، لقول الله تعالى: * (والقواعد من النساء) *. الصورة السادسة: المحرم لا ينظر إلى ما بين السرة والركبة، وله النظر إلى ما سواه على المذهب. وفي وجه: أنه يباح ما يبدو عند المهنة. وهل الثدي زمن الارضاع مما يبدو ؟ وجهان. وسواء المحرم بالنسب والمصاهرة والرضاع، وقيل: لا ينظر بالمصاهرة والرضاع إلا إلى البادي في المهنة. والصحيح الاول. قلت: ويجوز للمحرم الخلوة والمسافرة بها. والله أعلم. الضرب الثاني: نظر الرجل إلى الرجل، وهو جائز في جميع البدن، إلا ما بين السرة والركبة، لكن يحرم النظر إلى الامرد وغيره بالشهوة، وكذا النظر إلى المحارم وسائر المذكورات في الضرب السابق بالشهوة حرام قطعا. ولا يحرم النظر إلى الامرد بغير شهوة إن لم يخف فتنة، وإن خافها، حرم على الصحيح وقول الاكثرين. قلت: أطلق صاحب المهذب وغيره: أنه يحرم النظر إلى الامرد لغير حاجة، ونقله الداركي عن نص الشافعي رحمه الله. والله أعلم. الضرب الثالث: نظر المرأة إلى المرأة كالرجل إلى الرجل إلا في شيئين. أحدهما: حكى الامام وجها: أنها كالمحرم، وهو شاذ ضعيف. الثاني: في نظر الذمية إلى المسلمة وجهان. أصحهما عند الغزالي: كالمسلمة. وأصحهما عند البغوي: المنع. فعلى هذا، لا تدخل الذمية(5/370)
الحمام مع المسلمات، وما الذي تراه من المسلمة ؟ قال الامام: هي كالرجل الاجنبي. وقيل: ترى ما يبدو في المهنة، وهذا أشبه. قلت: ما صححه البغوي هو الاصح أو الصحيح، وسائر الكافرات كالذمية في هذا، ذكره صاحب البيان. والله أعلم. الضرب الرابع: نظر المرأة إلى الرجل، وفيه أوجه. أصحها: لها النظر إلى جميع بدنه إلا ما بين السرة والركبة. والثاني: لها نظر ما يبدو منه في المهنة فقط. والثالث: لا ترى منه إلا ما يرى منها. قلت: هذا الثالث، هو الاصح عند جماعة، وبه قطع صاحب المهذب وغيره، لقول الله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) * ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: أفعمياوان أنتما، أليس تبصرانه الحديث، وهو حديث حسن. والله أعلم.(5/371)
وأما نظرها إلى محرمها، فلا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب، وبه قطع المحققون. وقيل: هو كنظره إليها، ويحرم عليها النظر إلى الرجل عند خوف الفتنة قطعا. وحديث أفعمياوان، يحمل على هذا أو على الاحتياط. فرع ما لا يجوز النظر إليه متصلا كالذكر وساعد الحرة وشعر رأسها وشعر عانة الرجل وما أشبهها، يحرم النظر إليه بعد الانفصال على الاصح. وقيل: لا، وقال الامام احتمالا لنفسه: إن لم يتميز المبان من المرأة بصورته وشكله عما للرجل: كالقلامة، والشعر، والجلدة، لم يحرم. وإن تميز، حرم. قلت: ما ذكره الامام، ضعيف، إذ لا أثر للتمييز، مع العلم بأنه جزء يحرم نظره. وعلى الاصح: يحرم النظر إلى قلامة رجلها دون قلامة يدها، ويده ورجله. والله أعلم. وينبغي لمن حلق عانته، أن يواري الشعر، لئلا ينظر إليه أحد. وفي فتاوى البغوي: أنه لو أبين شعر الامة أو ظفرها، ثم عتقت، ينبغي أن يجوز النظر إليه وإن قلنا: إن المبان كالمتصل، لانه حين انفصل لم يكن عورة، والعتق لا يتعدى إلى المنفصل. فرع يجوز للزوج النظر إلى جميع بدن زوجته غير الفرج. وفي الفرج، وجهان. أحدهما: يحرم. وأصحهما: لا، لكن يكره. وباطن الفرج أشد كراهة، ويكره للانسان نظره إلى فرج نفسه بلا حاجة، ونظر السيد إلى أمته التي يجوز استمتاعه بها كنظر الزوج إلى زوجته، سواء كانت قنة، أو مدبرة، أو(5/372)
مستولدة، أو عرض مانع قريب الزوال كالحيض والرهن، فإن كان مرتدة، أو مجوسية، أو وثنية، أو مزوجة، أو مكاتبة، أو مشتركة بينه وبين غيره، حرم نظره إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما زاد على الصحيح. وزوجته المعتدة عن وطئ أجنبي بشبهة، كالمكاتبة. ونظر الزوجة إلى زوجها كنظره إليها. وقيل: يجوز نظرها إلى فرجه قطعا. قلت: ونظرها إلى سيدها كنظره إليها. والله أعلم. فرع حيث حرم النظر، حرم المس بطريق الاولى، لانه أبلغ لذة، فيحرم على الرجل دلك فخذ رجل بلا حائل. فإن كان ذلك فوق إزار، جاز إذا لم يخف فتنة. وقد يحرم المس دون النظر، فيحرم مس وجه الاجنبية وإن جاز النظر، ومس كل ما جاز النظر إليه من المحارم والاماء، بل لا يجوز للرجل مس بطن أمه ولا ظهرها، ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها، ولا أن يقبل وجهها، حكاه العبادي عن(5/373)
القفال. قال: وكذا لا يجوز للرجل أن يأمر ابنته أو أخته بغمز رجله. وعن القاضي حسين أنه كان يقول: العجائز اللاتي يكحلن الرجال يوم عاشوراء مرتكبات للحرام. فرع لا يجوز أن يضاجع الرجل الرجل، ولا المرأة المرأة وإن كان كل واحد في جانب من الفراش، وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين، وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخته وأخيه في المضجع. فرع يستحب مصافحة الرجل الرجل، والمرأة المرأة. قال البغوي: وتكره المعانقة والتقبيل، إلا تقبيل الولد شفقة. وقال أبو عبد الله الزبيري: لا بأس أن يقبل الرجل رأس الرجل وما بين عينيه، عند قدومه من سفره أو تباعد لقائه. قلت: المختار أن تقبيل يد غيره إن كان لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته، ونحو ذلك من الامور الدينية، فهو مستحب. وإن كان لغناه ودنياه وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فمكروه. وقال المتولي في باب صلاة الجمعة: لا يجوز. وتقبيل الصغار شفقة سنة، سواء ولده وولد غيره إذا لم يكن بشهوة. والسنة معانقة القادم من سفر وتقبيله. ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح، ويكره حني الظهر في كل حال لكل أحد، ولا بأس بالقيام لاهل الفضل، بل هو مستحب للاحترام، لا للرياء والحعظام، وقد ثبتت أحاديث صحيحة بكل ما ذكرته، وقد أوضحتها مبسوطة في كتاب السلام من كتاب الاذكار، وهو مما لا يستغني متدين عن مثله، وفي كتاب الترخيص في القيام. والله أعلم. فرع الخنثى المشكل فيه وجهان. أصحهما: الاخذ بالاشد، فيجعل مع(5/374)
النساء رجلا، ومع الرجال امرأة. والثاني: الجواز، قاله القفال، استصحابا لحكم الصغر. قلت: قطع الفوراني والمتولي بالثاني، وإبرهيم المروذي، ونقله المروذي عن القاضي. والله أعلم. الحال الثاني: إذا احتاج إلى النظر، وذلك في صور. منها: أن يريد نكاحها، فله النظر كما سبق. ومنها: أن يريد شراء جارية، وقد سبق في البيع. ومنها: إذا عامل امرأة ببيع أو غيره، أو تحمل شهادة عليها، جاز النظر إلى وجهها فقط ليعرفها. وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة، كلفت الكشف عن وجهها عند الاداء. فإن امتنعت، أمرت امرأة بكشفه. ومنها: يجوز النظر والمس للفصد والحجامة ومعالجة العلة، وليكن ذلك بحضور محرم أو زوج، ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا أن لا يكون هناك امرأة تعالج، وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل، أن لا يكون هناك رجل يعالج، كذا قاله أبو عبد الله الزبيري والروياني، وعن ابن القاص خلافه. قلت: الاول أصح، وبه قطع القاضي حسين والمتولي. قالا أيضا: ولا يكون ذميا مع وجود مسلم. والله أعلم.(5/375)
ثم أصل الحاجة كاف في النظر إلى الوجه واليدين، وفي النظر إلى سائر الاعضاء يعتبر تأكد الحاجة، وضبطه الامام فقال: ما يجوز الانتقال من الماء إلى التيمم وفاقا أو خلافا، كشدة الضنى وما في معناها، يجوز النظر بسببه، وفي النظر إلى السوأتين، يعتبر مزيد تأكد، قال الغزالي: وذلك بأن تكون الحاجة بحيث لا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة ويعذر في العادة. ومنها: يجوز للرجال النظر إلى فرج الزانيين لتحمل شهادة الزنا، وإلى فرج المرأة للشهادة على الولادة، وإلى ثدي المرضعة للشهادة على الرضاع، هذا هو الصحيح. وقال الاصطخري: لا يجوز كل ذلك. وقيل: يجوز في الزنا دون غيره. وقيل: عكسه.
الفصل الرابع : في الخطبة - بكسر الخاء -، قال الغزالي: هي مستحبة، ويمكن أن يحتج له بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما جرى عليه الناس، ولكن لا ذكر للاستحباب في كتب الاصحاب، وإنما ذكروا الجواز. ثم المرأة إن كانت خلية عن النكاح والعدة، جازت خطبتها تعريضا وتصريحا، وإن كان معتدة، حرم التصريح بخطبتها مطلقا. وأما التعريض، فيحرم في عدة الرجعية، ولا يحرم في عدة الوفاة. وقيل: إن كانت عدة الوفاة بالحمل، لم تخطب، خوفا من تكلف إلقاء ولدها. والصحيح الاول. والبائن بطلاق أو فسخ، يحل التعريض بخطبتها على الاظهر. والتي لا تحل لمن منه العدة بلعان أو رضاع أو طلاق الثلاث، كالمعتدة عن الوفاة. وقيل: كالفسخ. ثم سواء كانت العدة في هذه الصور بالاقراء أم بالاشهر. وقيل: إن كانت بالاقراء، حرم قطعا. والصحيح وبه قطع الجمهور: أن لا فرق. وفي المعتدة عن وطئ بشبهة، طريقان. المذهب: القطع بالجواز.(5/376)
والثاني: طرد الخلاف. والتصريح، كقوله: أريد نكاحك، أو إذا انقضت عدتك نكحتك. والتعريض بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها، كقوله: رب راغب فيك، من يجد مثلك ؟ أنت جميلة، إذا حللت فآذنيني، لا تبقين أيما، لست بمرغوب عنك، إن شاء الله لسائق إليك خيرا، ونحو ذلك، وحكم جواب المرأة في هذه الصور تصريحا وتعريضا حكم الخطبة. وجميع ما ذكرناه، فيما إذا خطبها غير صاحب العدة. فأما صاحبها الذي يحل له نكاحها، فله التصريح بخطبتها. فرع تحرم الخطبة على خطبة غيره بعد صريح الاجابة، إلا إذا أذن الغير أو ترك. وصريح الاجابة أن تقول: أجبتك إلى ذلك، أو تأذن لوليها (في) أن يزوجها(5/377)
إياه، وهي معتبرة الاذن. فلو لم تصرح بالاجابة، لكن وجد ما يشعر بها، كقولها: لا رغبة عنك، فقولان. القديم، تحريم الخطبة. والجديد، الجواز. ولو ردته، فللغر خطبتها قطعا. ولو لم يوجد إجابة ولا رد، فقيل: يجوز قطعا. وقيل بالقولين. والمعتبر، رد الولي وإجابته إن كانت مجبرة، وإلا فردها وإجابتها، وفي الامة رد السيد وإجابته، وفي المجنونة رد السلطان وإجابته. ثم المفهوم من إطلاق الاكثرين، أن سكوت الولي عن الجواب، فيه الخلاف المذكور، وخص بعضهم الخلاف بسكوتها وقال: سكوت الولي لا يمنع قطعا. وعن الداركي أن الخلاف في سكوت البكر، ولا يمنع سكوت الثيب بحال. فرع يجوز الهجوم على الخطبة لمن لم يدر أخطبت أم لا، ولم يدر أجيب. خاطبها أم رد، لان الاصل الاباحة. فرع سواء فيما ذكرناه الخاطب المسلم والذمي إذا كانت كتابية. وقيل: يختص المنع بالخطبة على خطبة المسلم. قلت: قال الصيمري: لو خطب خمس نسوة دفعة، فأذن، لم يحل لاحد خطبة واحدة منهن حتى يتركها الاول، أو يعقد على أربع فتحل الخامسة. وإن خطب كل واحدة وحدها، فأذن، حلت الخامسة دون غيرها. هذا كلامه، والمختار تحريم الجميع، إذ قد يرغب في الخامسة. قال أصحابنا: ويكره التعريض بالجماع للمخطوبة، ولا يكره التعريض والتصريح به لزوجته وأمته. والله أعلم. فرع يجوز الصدق في ذكر مساوئ الخاطب ليحذر، وكذا من أراد(5/378)
نصيحة غيره ليحترز عن مشاركته ونحوها، وليس هذا من الغيبة المحرمة. قلت: الغيبة تباح بستة أسباب قد أوضحتها بدلائلها وما يتعلق بها وطرق مخارجها في آخر كتاب الاذكار. أحدها: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه ممن ظلمه، فيقول: ظلمني فلان وفعل بي كذا. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك. الثالث: الاستفتاء. بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا، فهل له ذلك، أم لا ؟ وما طريقي في الخلاص (منه) ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك. وكذا قوله: زوجتي تفعل معي كذا، وزوجي يضربني ويقول لي كذا، فهذا جائز للحاجة. والاحوط أن يقول: ما تقول في رجل أو زوج أو والد من أمره كذا، ومع ذلك فالتعيين جائز، لحديث هند في الصحيحين: إن أبا سفيان شحيح... الحديث.(5/379)
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوه. منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالاجماع، بل واجب، صونا للشريعة. ومنها: الاخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته. ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا، أو عبدا سارقا، أو زانيا، أو شاربا، تذكره للمشتري - إذا لم يعلمه - نصيحة، لا بقصد الايذاء والافساد. ومنها: إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما، وخفت عليه ضرره، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة. ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو فسقه، فتذكره لمن عليه ولاية ليستبدل به، أو يعرف حاله فلا يعتبر به أو يلزمه الاستقامة. الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته، كالخمر، ومصادرة الناس، وجباية المكوس، وتولي الامور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر. السادس: التعريف، فإذا كان معروفا بلقب، كالاعمش والاعرج والازرق والقصير ونحوها، جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقصا، ولو أمكن التعريف بغيره، كان أولى. هذا مختصر ما تباح به الغيبة. والله أعلم. الفصل الخامس: في الخطبة، بضم الخاء. يستحب لمن يخطب امرأة أن يقدم بين يدي خطبته خطبة، فيحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويوصي بتقوى الله تعالى، ثم يقول: جئتكم راغبا في كريمتكم،(5/380)
ويخطب الولي كذلك، ثم يقول: لست بمرغوب عنك، أو نحو ذلك. وتستحب الخطبة أيضا عند العقد، ويحصل الاستحباب سواء خطب الول أو الزوج أو أجنبي. وإذا قال الولي: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، زوجتك، فقال الزوج: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، قبلت نكاحها، فوجهان. أحدهما: لا يصح النكاح، للفصل، والصحيح صحته، وبه قطع الجمهور، وقالوا: للنكاح خطبتان مسنونتان، إحداهما تتقدم العقد، والثانية تتخلله، وهي أن يقول الولي: بسم الله، والصلاة على رسول الله، أوصيكم بتقوى الله تعالى، زوجتك فلانة، ثم يقول الزوج مثل ذلك، ثم يقول: قبلت. ثم قال الاصحاب: موضع الوجهين إذا لم يطل الذكر بينهما، فإن طال، فالعقد باطل قطعا. ولو تخلل كلام يسير لا يتعلق به العقد ولا. يستحب فيه، بطل العقد على الاصح. واستحب الشافعي رحمه الله أن يقول الولي: زوجتكها على ما أمر الله العظيم، من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وهذا إن ذكراه قبل العقد، فذاك. وإن قيد الولي الايجاب به، وقبل الزوج مطلقا أو ذاكرا له، فوجهان. أحدهما: يبطل النكاح، واختاره الشيخ أبو محمد، لانه شرط الطلاق على أحد التقديرين. وأصحهما: الصحة، لان كل زوج مأخوذ به بمقتضى الشرع، فهو ذكر لمقتضى العقد. وفصل الامام فقال: إن أجرياه شرطا ملزما، فالوجه البطلجن. وإن قصدا الوعظ دون الالزام، لم يضر. وإن أطلقا، احتمل واحتمل، وقرينة الحال تقتضي الوعظ.(5/381)
فرع يستحب الدعاء لزوجين بعد العقد، فيقال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير. قلت: ويكره أن يقال: بالرفاء والبنين، لحديث ورد بالنهي عنه، ولانه من ألفاظ الجاهلية. ومما يتعلق بآداب العقد، أنه يستحب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين، وأن ينوي بالنكاح المقاصد الشرعية، كإقامة السنة، وصيانة دينه وغيرهما، ويستحب للولي عرض موليته على أهل الفضل والصلاح، لحديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين. والله أعلم.
الباب الثالث : في أركان النكاح وهي أربعة.
الركن الأول : الصيغة إيجابا وقبولا، فيقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، ويقول الزوج: تزوجت، أو نكحت، أو قبلت تزويجها أو نكاحها. أو يقول الزوج أولا: تزوجتها، أو نكحتها، فيقول الولي: زوجتك أو أنكحتك، ولا ينعقد بغير لفظ التزويج والانكاح. وفي انعقاده بمعنى اللفظين بالعجمية من العاقدين أو أحدهما أوجه. أصحها: الانعقاد. والثالث: إن لم يحسن العربية، انعقد، وإلا، فلا. وإذا صححناه، فذاك إذا فهم كل منهما كلام الآخر. فإن لم يفهم، فأخبره ثقة عن(5/382)
معنى لفظه، ففي الصحة وجهان. ولا يشترط اتفاق اللفظين منهما. فلو قال: زوجتك، فقال الزوج: نكحت، أو قال: أنكحتك، فقال: تزوجت، صح، ولا ينعقد بالكناية. فرع إذا قال: زوجتكها، فليقل: قبلت نكاحها أو تزويجها، أو قبلت هذا النكاح، فإن اقتصر على قبلت، لم ينعقد على الاظهر. وقيل: قطعا. وقيل: ينعقد قطعا. وإن قال: قبلت النكاح أو قبلتها، فخلاف مرتب، وأولى بالصحة. ولو قال: زوجني أو أنكحني، فقال الولي: قد فعلت ذلك، أو نعم، أو قال الولي: زوجتكها أو أنكحتكها، أقبلت ؟ فقال: نعم، أو قال: نعم، من غير قول الولي: أقبلت، فقيل بالمنع قطعا. وقيل بطرد الخلاف، وهو أقيس. وفي نظائر هذه الصور من البيع، ينعقد البيع. وكذا لو قال: بعتك كذا، فقال: قبلت، ينعقد على الصحيح. وحكى الحناطي فيه وجها. فرع إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر، لم يصح. وقيل: يصح في الغائب وليس بشئ، لانه كناية، ولا ينعقد بالكنايات.(5/383)
ولو خاطب غائبا بلسانه، فقال: زوجتك بنتي، ثم كتب، فبلغه الكتاب أو لم يبلغه، وبلغه الخبر، فقال: قبلت نكاحها، لم يصح على الصحيح. وإذا صححنا في المسألتين، فشرطه القبول في مجلس بلوغ الخبر، وأن يقع بحضرة شاهدي الايجاب. قلت: لا يكفي القبول في المجلس، بل يشترط الفور. والله أعلم. فرع إذا استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة، لم يكف الكتاب، بل يشترط اللفظ على المذهب، وحكى الحناطي وجهين، وليس للمكتوب إليه اعتماد الخط على الصحيح. فرع إذا قال (للولي): زوجني، قال الولي: زوجتك. فإن قال الزوج بعده: قبلت، صح النكاح قطعا، وإلا، فالمذهب والنص صحته أيضا. وقيل بطرد الخلاف السابق في البيع في مثله. والخلع، والصلح عن الدم، والاعتاق على مال، ينعقد بالاستيجاب والايجاب على المذهب، وبه قطع الجمهور. فإذا قالت: طلقني أو خالعني على ألف، فأجابها الزوج، طلقت ولزمها الالف، ولا حاجة إلى قبول بعده. وكذا لو قال العبد لسيده: أعتقني على كذا، فأجابه إليه، أو قال: من عليه القصاص: صالحني على كذا، فقال المستحق: صالحتك عليه. وقيل بطرد الطريقين في كل هذه العقود كالنكاح. وأما الكتابة فكالعتق، وقيل: كالنكاح. هذا كله إذا كانت صيغته: زوجني أو خالعني وأعتقني ونحوها. فلو قال الزوج: قل: زوجتكها، قال الشيخ أبو محمد: ليس هو باستيجاب، لانه استدعى اللفظ دون التزويج، فإذا تلفظ اقتضى القبول. ولو قال الولي أولا: تزوج ابنتي، فقال: تزوجت، فهو كما لو قال الزوج:(5/384)
زوجني، فقال الولي: زوجتك، هكذا قالوه. وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع، ويمكن أن يقال بمثله هنا. ولو قال: أتزوجني ابنتك ؟ فقال الولي: زوجتك، هكذا قالوه. وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع، ويمكن ان يقال بمثله هنا. ولو قال: أتزوجني ابنتك ؟ فقال الولي: زوجتك، لم ينعقد إلا أن يقول الخاطب بعده: تزوجت، وكذا لو قال الولي: أتتزوج بنتي، أو تزوجتها ؟ فقال: تزوجت، لا ينعقد، إلا أن يقول الولي بعده: زوجتك، لانه استفهام. ولو قال المتوسط للولي: زوجته ابنتك ؟ فقال: زوجت، ثم أقبل على الزوج فقال: قبلت نكاحها ؟ فقال: قبلته، صح على الاصح، لوجود الايجاب والقبول مترابطين، ومنعه القفال، لعدم التخاطب. فرع تشترط الموالاة بين الايجاب والقبول على ما سبق في البيع. ونقل القاضي أبو سعد الهروي: أن أصحابنا العراقيين اكتفوا بوقوع القبول في مجلس الايجاب. قلت: الصحيح، اشتراط القبول على الفور، فلا يضر الفصل اليسير، ويضر الطويل، وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول، فهذا هو المعروف في طريقتي العراق وخراسان. وما ادعاه الهروي عن العراقيين جملة لا يقبل، والمشاهدة تدفعه، والدليل يبطله، فلا اغترار به. والله أعلم. فرع إذا وجد أحد شقي العقد من أحد العاقدين، فلا بد من إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر، فلو رجع عنه، لغا العقد. وكذا لو أوجب ثم جن أو أغمي عليه، لغا إيجابه، وامتنع القبول. وكذا لو أذنت المرأة في تزويجها حيث يعتبر إذنها، ثم أغمي عليها قبل العقد، بطل إذنها.(5/385)
فصل النكاح لا يقبل التعليق، كقوله: إذا جاء رأس الشهر، فقد زوجتك. فلو أخبر بمولود، فقال لجليسه: إن كانت بنتا، فقد زوجتكها، أو قال: إن كانت بنتي طلقها زوجها، أو مات عنها وانقضت عدتها، فقد زوجتكها، أو لو كان تحته أربع نسوة، فقال له رجل: إن كانت ماتت إحداهن فقد زوجتك بنتي، أو قال: إن مات أبي وورثت هذه الجارية، فقد زوجتكها، وبان الامر كما قدر، لم يصح النكاح على المذهب، وبه قطع الاكثرون. وقيل: وجهان كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. قال البغوي: ولو بشر ببنت، فقال: إن صدق المخبر فقد زوجتكها، صح، ولا يكون ذلك تعليقا، بل هو تحقيق، كقوله: إن كنت زوجتي فأنت طالق، وتكون إن بمعنى إذ. قال: وكذا لو أخبر من له أربع نسوة بموت إحداهن، فقال لرجل: إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك، فقال ذلك الرجل: زوجتكها، صح، وهذا الذي قاله البغوي، يجب أن يكون مفروضا فيما إذا تيقن صدق المخبر، وإلا، فلفظ إن للتعليق. فرع قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، على أن يكون بضع كل(5/386)
واحدة صداقا للاخرى، فقبل الآخر، أو قال: زوجتك بنتي وتزوجت بنتك أو أختك، على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للاخرى، فقال المخاطب: تزوجت وزوجت على ما ذكرت، فهذا نكاح الشغار، وهو باطل، للحديث الصحيح، ولمعنى الاشتراك في البضع. وقال القفال: للتعليق والتوقف. ولو قال كل واحد: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، وقبل الآخر، ولم يجعلا البضع صداقا، فوجهان. أصحهما: الصحة، لانه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد، وذلك لا يفسد النكاح. فعلى هذا، يصح النكاحئن، ولكل واحدة مهر المثل. والثاني: لا يصح لمعنى التعليق والتوقف. وخص الامام الوجهين بما إذا كانت الصيغة هذه، ولم يذكرا مهرا، وقطع بالصحة فيما لو قال: زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك، وفيما قاله نظر. فعلى الوجه الاول، لو قال: زوجتك على أن تزوجني بنتك، وبضع بنتك صداق لبنتي، فقبل، صح الاول، وبطل الثاني. ولو قال: وبضع بنتي صداق لبنتك، بطل الاول، وصح الثاني، وهذا نظر إلى معنى التشريك. ولو سميا لهما أو لاحداهما مهرا مع جعل البضع صداقا، بأن قال: زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك بألف، وبضع كل واحدة صداق للاخرى، أو قال: على أن تزوجني بنتك، وبضع كل واحدة صداق للاخرى، أو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة وألف درهم صداقا للاخرى، فوجهان. أحدهما: وهو ظاهر نصه في المختصر: الصحة. وأصحهما: البطلان، وهو نصه في الاملاء. فرع قال: زوجتك بنتي بمتعة جاريتك، صح النكاح، وفسد الصداق. ولو قال: زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك، قال ابن الصباغ: صح النكاحان، لانه لا تشريك فيما يرد عليه عقد النكاح، ويفسد الصداق، ويجب لكل واحدة مهر المثل، ويجئ على معنى التعليق والتوقف أن يحكم ببطلان النكاحين.(5/387)
ولو طلق امرأته على أن يزوجه صاحبه بنته، ويكون بضع امرأته صداقا لها، وزوجه صاحبه على ذلك، فهل يبطل النكاح، أم يصح ويفسد الصداق ؟ وجهان حكاهما ابن كج عن ابن القطان. قلت: أفقههما: الثاني. والله أعلم. ولو طلق امرأته على أن يعتق صاحبه عبده، ويكون طلاق امرأته عوضا عن عتقه، قال الحناطي: يقع الطلاق ولا رجوع بالمهر على أحد. وفي عتق العبد وجهان. إن عتق، فلا رجوع بقيمته وقال ابن كج: عندي يقع الطلاق ويحصل العتق، ويرجع المطلق على المعتق بمهر امرأته، والمعتق على المطلق بقيمة عبده. فصل النكاح الموقت باطل، سواء قيده بمدة مجهولة أو معلومة، وهو نكاح المتعة. وإذا وطئ في نكاح المتعة جاهلا بفساده، فلا حد. وإن علم، فلا حد أيضا على المذهب. وحيث لا حد، يجب المهر والعدة، ويثبت النسب. ولو قال: نكحتها متعة، ولم يزد على هذا، حكى الحناطي في صحة النكاح وجهين. قلت: الاصح، البطلان. والله أعلم.
الركن الثاني : المنكوحة، ويشترط خلوها من موانع النكاح. والكلام في الموانع مبسوط في مواضعها، لا سيما باب الموانع، فيقتصر هنا على عد تراجمها. فمن الموانع أن تكون منكوحة أو معتدة عن غيره، أو مطلقته بالثلاث(5/388)
ما لم تحلل، أو ملاعنته، أو مرتدة، أو مجوسية، أو وثنية، أو زنديقة، أو كتابية دخلت في دينهم بعد مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعد تبديلهم على الاظهر، أو تكون أمة والناكح حر واجد طول حرة، أو غير خائف عنتا، أو يكون بعضها أو كلها ملكا للناكح، أو تكون محرما له، أو خامسة، أو يكون في نكاحه أختها وغيرها ممن لا يجمع بينها وبينها، أو تكون محرمة بحج أو عمرة، وثيبا صغيرة، أو تكون يتيمة لا جد لها. فصل يشترط في كل واحد من الزوجين أن يكون معينا. فلو قال: زوجتك إحدى بنتي، أو زوجت بنتي أحدكما، أو أحد ابنيك، لم يصح. ولو كان له بنت واحدة فقال: زوجتك بنتي، صح وإن لم يسمها. ولو كانت حاضرة فقال: زوجتك هذه، أو كانت في الدار فقال: زوجتك التي في الدار، وليس فيها غيرها، صح.(5/389)
ولو كان له بنت واحدة، فقال: زوجتك بنتي فلانة، وسماها بغير إسمها، صح النكاح على الاصح، لان البنتية صفة لازمة مميزة، فاعتبرت ولغا الاسم، كما لو أشار إليها وسماها بغير إسمها، فإنه يصح قطعا. وقد يمنع هذه الصورة القائل الآخر، والاصح الصحة فيهما، حتى لو قال: زوجتك هذا الغلام، وأشار إلى بنته، نقل الروياني عن الاصحاب صحة النكاح، تعويلا على الاشارة. ولو قال: بعتك داري هذه، وحددها وغلط في حدودها، صح البيع، بخلاف ما لو قال: بعتك الدار التي في المحلة الفلانية، وحددها وغلط، لان التعويل هنا على الاشارة. ولو قال: بعتك داري، ولم يقل: هذه، وحددها وغلط، ولم يكن له دار سواها، وجب أن يصح تفريعا على الاصح في قوله: زوجتك بنتي فلانة وغلط في اسمها. وأما إذا كان إسم بنته (الواحدة) فاطمة، فقال: زوجتك فاطمة، ولم يقل: بنتي، فلا يصح النكاح لكثرة الفواطم، لكن (لو) نواها، صح. كذا قال به العراقيون والبغوي، واعترض ابن الصباغ بأن الشهادة شرط، والشهود لا يطلعون على النية، وهذا قوي، ولهذا الاصل منعنا النكاح بالكنايات. ولو كان له بنتان فصاعدا، اشترط تمييز المنكوحة بإسم أو إشارة أو صفة، كقوله: فاطمة، أو هذه، أو الكبرى. قال المكتفون بالنية: أو بأن ينويا واحدة بعينها وإن لم يجر لفظ مميز. ولو قال: بنتي الكبرى وسماها بإسم الصغرى، صح النكاح على الكبرى على الوصف. ويجئ على قياس الوجه المذكور في الواحدة أن يبطل النكاح.(5/390)
وإذا لم يتعرض للكبر والصغر، بل قال: زوجتك بنتي فلانة، وذكر إسم الكبيرة وقصد تزويجه الصغيرة، أو بالعكس، وقصد الزوج التي قصدها الولي، صح النكاح على التي قصداها، ولغت التسمية. وفي الاعتماد على النية الاشكال السابق. ولو قال الزوج: قصدنا الكبيرة، فالنكاح في الظاهر منعقد على الكبيرة. وإن صدق الولي في أنه قصد الصغيرة، لم يصح، لانه قبل غير ما أوجب، هكذا ذكره العراقيون والبغوي المعتبرون للنية، وهذا يخالف مسألة منقولة، وهي أن زيدا خطب إلى قوم، وعمرا إلى آخرين، ثم جاء زيد إلى الآخرين، وعمرو إلى الاولين، وزوج كل فريق من جاءه، قال ابن القطان: وقعت في أيام أبي السائب ببغداد، فأفتى الفقهاء بصحة النكاحين، ومعلوم أن كل ولي أوجب لغير من قبل. قلت: ليست هذه المسألة مثلها، والفرق أظهر من أن يذكر. ومن فروع المسألة، زوج رجل رجلا إحدى بنتيه، فمات الاب، وادعت كل واحدة عليه أنها زوجته، أو ادعى هو على إحداهما، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الباب الثاني عشر. والله أعلم.
الركن الثالث : الشهادة، فلا ينعقد النكاح إلا بحضرة رجلين مسلمين مكلفين حرين عدلين سميعين بصيرين متيقظين عارفين لسان المتعاقدين. وقيل: يصح بالاعميين، وحكى أبو الحسن العبادي رحمه الله وجها أنه ينعقد بمن لا يعرف لسان المتعاقدين، لانه ينقله إلى الحاكم. وأما المغفل الذي لا يضبط، فلا ينعقد به، وينعقد بمن يحفظ وينسى عن قريب.(5/391)
وفي الاخرس وذي الحرفة الدنية، والصباغ، والصائغ، وجهان. وفي عدوي الزوجين أو أحدهما، أوجه. أصحها عند البغوي وهو المنصوص في الام: الانعقاد. والثالث: ينعقد بعدوي أحدهما دون عدويهما، واختاره العراقيون. وفي ابنيهما وابني أحدهما وابنه وابنها هذه الاوجه. وقيل: يختص الخلاف بهذه الصورة، وينعقد في العدوين قطعا، لان العداوة في تزول. وقيل: ينعقد بابنيها وعدويه دون ابنيه وعدويها، لانه محتاج إلى الاثبات دونها، ويجري الخلاف في جده وجدها، وأبيه مع جدها. وأما أبوها، فولي عاقد، فلا يكون شاهدا. ولو وكل، لم ينعقد بحضوره، لان الوكيل نائبه، وكذا لو وكل غير الاب وحضر مع شاهد آخر، لم ينعقد. قال البغوي في الفتاوى: لو كان لها إخوة، فزوج أحدهم، وحضر آخران منهم شاهدين، ففي صحة النكاح جوابان. وجه المنع: أن الشرع جعل المباشر نائبا عن الباقين فيما توجه عليهم. قلت: الراجح منهما، الصحة. قال أصحابنا: وينعقد بحضرة ابنيه مع ابنيها، أو عدويه مع عدويها بلا خلاف، لامكان إثبات شقته. والله أعلم.(5/392)
فرع ينعقد النكاح بشهادة المستورين على الصحيح. وقال الاصطخري: لا. والمستور: من عرفت عدالته ظاهرا، لا باطنا. وقال البغوي: لا ينعقد بمن لا تعرف عدالته ظاهرا، وهذا كأنه مصور فيمن لا يعرف إسلامه، وإلا، فظاهر من حال المسلم الاحتراز من أسباب الفسق. قلت: الحق، قول البغوي، وأن مراده من لا يعرف ظاهره بالعدالة، وقد صرح البغوي بهذا، وقاله شيخه القاضي حسين، ونقله إبرهيم المروذي عن القاضي ولم يذكر غيره. والله أعلم. ولا ينعقد بمن لا يظهر إسلامه وحريته، بأن يكون في موضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والاحرار بالعبيد ولا غالب. وتردد الشيخ أبو محمد في مستور الحرية، والصحيح الاول، بل لا يكتفى بظاهر الاسلام والحرية بالدار حتى يعرف حاله فيهما باطنا. هذا مقتضى كلام البغوي وغيره، وفرقوا بأن الحرية يسهل الوقوف عليها، بخلاف العدالة والفسق. ولو أخبر عدل بفسق المستور، فهل يزول الستر فلا ينعقد بحضوره، وإن زال فيسلك به مسلك الرواية ؟ أم يقال: هو شهادة فلا يقدح إلا قول من يجرح عند القاضي ؟ تردد فيهما الامام.(5/393)
قلت: لو ترافع الزوجان إلى حاكم، وأقرا بنكاح عقد بمستورين، واختصما في حق زوجته، كنفقة ونحوها، حكم بينهما، ولا ينظر في حال الشاهدين إلا أن يعلم فسقهما فلا يحكم. فإن جحد أحدهما النكاح، فأقام المدعي مستورين، لم يحكم بصحته ولا فساده، بل يتوقف حتى يعلم باطنهما، ذكره الشيخ أبو حامد وغيره. والله أعلم. فرع لو بان الشاهد فاسقا حال العقد، فالنكاح باطل على المذهب، كما لو بان كافرا أو عبدا، وإنما يتبين الفسق ببينة أو بتصادق الزوجين أنهما كانا فاسقين ولم نعلمهما، أو نسينا فسقهما. فأما لو قالا: علمنا (فسقهما) حينئذ، أو علمه أحدنا، فقال الامام: نتبين البطلان بلا خلاف، لانهما لم يكونا مستورين عند الزوجين، وعليهما التعويل، ولا اعتبار بقول الشاهدين: كنا فاسقين يومئذ، كما لا اعتبار بقولهما: كنا فاسقين بعد الحكم بشهادتهما، وكذا لو تقار الزوجان أن النكاح وقع في الاحرام أو العدة أو الردة، نتبين بطلانه، ولا مهر إلا إذا كان دخل بها، فيجب مهر المثل. فلو نكحها(5/394)
بعد ذلك، ملك ثلاث طلقات. ولو اعترف الزوج بشئ من ذلك وأنكرت، لم يقبل قوله عليها في المهر، فيجب نصف المسمى إن كان قبل الدخول، وكله إن كان بعده، ويفرق بينهما بقوله. وفي سبيل هذا التفريق خلاف. قال أصحاب القفال: هو طلقة بائنة، فلو نكحها يوما، عادت بطلقتين. قالوا: وهذا مأخوذ من نص الشافعي رضي الله عنه، أنه لو نكح أمة، ثم قال: نكحتها وأنا واجد طول حرة، بانت بطلقة. وعن الشيخ أبي حامد والعراقيين: أنها فرقة فسخ لا تنقص عدد الطلاق، كما لو أقر الزوج بالرضاع. وإلى هذا مال الامام، والغزالي، وهؤلاء أنكروا نصه في مسألة الامة، ولانكاره وجه ظاهر، لانه نص في عيون المسائل أنه إذا نكح أمة، ثم قال: نكحتها وأنا أجد طولا، فصدقه مولاها، فسخ النكاح بلا مهر، فإن كان دخل، فعليه مهر مثلها. وإن كذبه، فسخ النكاح بإقراره، ولم يصدق على المهر، دخل أم لم يدخل. هذا لفظه وهو يوافق قول العراقيين. قلت: الاصح أو الصحيح، قول العراقيين. وحكى العراقيون وجها: أنه يقبل قوله في المهر، فلا يلزمه. وعلى هذا قالوا: إن كان اعترافه قبل الدخول، فلا شئ عليه. وإن كان بعده، فعليه أقل الامرين من المسمى ومهر المثل، ولا خلاف أنها إذا ماتت لا يرثها. وإن مات قبلها، فإن قلنا: القول قوله ولم يكن حلف، فيحلف وارثه: لا يعلمه تزوجها بشهادة عدلين، ولا إرث لها. وإن قلنا: القول قولها، حلفت أنه عقد بعدلين وورثت.(5/395)
ولو قالت: عقدنا بفاسقين، فقال: بل بعدلين. فأيهما يقبل ؟ وجهان. الاصح: قوله. فإن مات، لم ترثه، وإن مات أو طلقها قبل الدخول، فلا مهر، لانكارها، وبعد الدخول لها أقل الامرين من المسمى ومهر المثل. والله أعلم. فرع إستتابة المستورين قبل القد، إحتياط واستظهار، وتوبة المعلن بالفسق حينئذ، هل تلحقه بالمستور ؟ فيه تردد للشيخ أبي محمد. والاصح: المنع. فإن ألحقنا فعاد إلى فجوره على قرب، قال الامام: فالظاهر أن تلك التوبة تكون ساقطة، قال: وفيه احتمال. فرع الاحتياط، الاشهاد على رضى المرأة حيث يشترط رضاها، لكنه ليس بشرط في صحة النكاح. قلت: ومن مسائل الفصل، أنه لا يشترط إحضار الشاهدين، بل إذا حضرا(5/396)
بأنفسهما، وسمعا الايجاب والقبول، صح وإن لم يسمعا الصداق. ولو عقد بشهادة خنثيين، ثم بانا رجلين، قال القاضي أبو الفتوح: احتمل أن يكون في انعقاده وجهان بناء على ما لو صلى رجل خلفه فبان رجلا. هذا كلامه. والانعقاد هنا هو الاصح، لان عدم جزم النية يؤثر في الصلاة. والله أعلم.
الركن الرابع : العاقدان، وهما الموجب، والقابل. فالقابل: هو الزوج ومن ينوب عنه. والموجب: هو الولي أو وكيله، ولا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا وقبولا. فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغير إذنه، ولا غيرها، لا بولاية ولا وكالة، (ولا يقبل النكاح لا بولاية ولا وكالة). ولو وكل بنته بأن توكل رجلا بتزويجها، فوكلت، نظر، إن قال: وكلي عن نفسك، لم يصح. وإن قال: وكلي عني، أو أطلق، فوجهان. فرع روى يونس بن عبد الاعلى، أن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا كان في الرفقة امرأة لا ولي لها، فولت أمرها رجلا حتى يزوجها، جاز، وليس هذا قولا في صحة النكاح بلا ولي، لان أبا عاصم العبادي حكى هذا النص في طبقات(5/397)
الفقهاء، ثم ذكر أن من أصحابنا من أنكره، ومنهم من قبله، وقال: إنه تحكيم، والمحكم قام مقام الحاكم. قلت: ذكر صاحب الحاوي فيما إذا كانت امرأة في موضع ليس فيه ولي ولا حاكم، ثلاثة أوجه. أحدها: لا تزوج. والثاني: تزوج نفسها للضرورة. والثالث: تولي أمرها رجلا يزوجها. وحكى الشاشي أن صاحب المهذب كان يقول في هذا: تحكم فقيها مجتهدا، وهذا الذي ذكره في التحكيم صحيح بناء على الاظهر في جواه في النكاح، ولكن شرط الحكم أن يكون صالحا للقضاء، وهذا يعتبر في مثل هذه الحال. فالذي نختاره، صحة النكاح إذا ولت أمرها عدلا وإن لم(5/398)
يكن مجتهدا، وهو ظاهر نصه الذي نقله يونس، وهو ثقة. والله أعلم. فرع إذا وطئ في نكاح بلا ولي، وجب مهر المثل، ولا حد سواء صدر ممن يعتقد تحريمه أو إباحته باجتهاد أو تقليد أو حسبان مجرد، لشبهة اختلاف العلماء، ولكن معتقد التحريم يعزر. وقال الاصطخري وأبو بكر الفارسي والصيرفي: يحد معتقد التحريم، ولا مهر، وهو ضعيف. ولو رفع النكاح بلا ولي إلى قاض يصححه، فحكم بصحته، ثم رفع إلينا، لم ننقض قضاءه على الصحيح. وقال الاصطخري: ننقضه، ولو طلق فيل، لم يقع، فلو طلق ثلاثا، لم يفتقر إلى محلل. وقال أبو إسحق: يقع ويفتقر إلى محلل احتياطا للابضاع، وهذا كوجهين ذكرهما أبو الحسن العبادي عن القفال، أنها إذا زوجت نفسها، هل للولي أن يزوجها قبل تفريق القاضي بينهما ؟ قال: وبالمنع أجاب القفال الشاشي، لانها في حكم الفراش، وهو تخريج ابن سريج. فرع إذا أقرت حرة مكلفة بالنكاح، فقولان. الجديد الاظهر: يقبل إقرارها مع تصديق الزوج بلا بينة، لان النكاح حقهما، فثبت بتصادقهما، كالبيع وغيره، ولا فرق على هذا بين البكر والثيب، ولا بين الغريبين والبلديين. والقديم: أنهما إن كانا غريبين، ثبت النكاح، وإلا، طولبا بالبينة، لسهولتها عليهما، وللاحتياط، فعلى الجديد: هل يكفي إطلاق الاقرار، أم يشترط أن يفصل فيقول: زوجني به وليي بحضرة شاهدين عدلين ورضاي ؟ إن كانت معتبرة الرضى، وجهان. أصحهما: الثاني. ثم إذا أقرت وكذبها الولي، فثلاثة أوجه. أصحها: يحكم بقولها، لانها تقر على نفسها، قاله ابن الحداد والشيخ أبو علي. والثاني: لا، لانها كالمقرة على الولي، قاله القفال، والثالث: يفرق بين العفيفة والفاسقة، قاله القاضي حسين. ولا فرق في هذا الخلاف بين أن تفصل الاقرار وتضيف التزويج إلى الولي فيكذبها، وبين أن تطلق إذا قبلنا الاقرار المطلق فقال الولي: لا ولي لك غيري، وما زوجتك. ويجري الخلاف أيضا في تكذيب الشاهدين إذا كانت قد عينتهما. والاصح: أنه لا يقدح تكذيبهما، لاحتمال النسيان والكذب. فإن قلنا: تكذيب الولي يمنع قبول إقرارها، فكان غائبا، لم ينتظر حضوره، بل تسلم إلى الزوج في(5/399)
الحال للضرورة، فإن عاد وكذبها، فهل يحال بينهما لزوال الضرورة، أم يستدام ؟ وجهان، رجح الغزالي الاول، وغيره الثاني. وإذا قلنا بالقديم، فجرى الاقرار في الغربة، ثم رجعا إلى الوطن، ففي الحوالة بينهما الوجهان. قال الامام: ولا شك أنه لو قضى قاض بالاقرار، لم ينقض. فرع أقر الولي بإنكاحها، إن كان له إنشاء النكاح المقر به عند الاقرار بغير رضاها، قبل إقراره، لقدرته على الانشاء. وحكى الحناطي وجها أنه لا يقبل حتى توافقه البالغة. والصحيح الاول. وإن لم يكن له الانشاء بغير رضاها، لكونه غير مجبر، أو الحال غير حال الاجبار، أو الزوج ليس بكف ء، لم يقبل إقراره. ولو قال وهي ثيب: كنت زوجتها في بكارتها، لم يقبل، واعتبر وقت الاقرار، كذا أطلقه الامام، وهو الظاهر. ويمكن جعله على الخلاف فيما لو أقر مريض لوارثه بهبة في الصحة. فرع أقرت لزوج، وأقر وليها المقبول إقراره لآخر، فهل المقبول إقراره، أم إقرارها ؟ فيه وجهان حكاهما أبو الحسن العبادي والحليمي عن القفال الشاشي والاودني. فرع قال الخاطب لولي المرأة: زوجت نفسي بنتك، فقبل، قال المتولي: يبنى انعقاد النكاح على أن كل واحد من الزوجين معقود عليه لان بقاءهما شرط لبقاء العقد كالعوضين في البيع، أم المعقود عليه المرأة فقط لان العوض من جهته المهر لا نفسه، ولانه لا حجر عليه في نكاح غيرها معها ؟ فيه خلاف. فعلى الثاني: لا ينعقد. وعلى الاول: وجهان. قال أبو عاصم وأبو سهل الابيوردي: ينعقد كما لو أضاف إليها، ومنعه القاضي حسين، لانه غير معهود. الباب الرابع : في بيان الأولياء وأحكامهم وفيه ثمانية أطراف.(5/400)
الطرف الأول : في أسباب الولاية، وهي أربعة. السبب الاول: الابوة، وفي معناها الجدودة، وهي أقوى الاسباب، لكمال الشفقة، فللاب تزويج البكر الصغيرة والكبيرة بغير إذنها، ويستحب استئذان البالغة. ولو أجبرها، صح النكاح. فلو كان بين الاب وبينها عداوة ظاهرة، قال ابن كج: ليس له إجبارها، وكذا نقله الحناطي عن ابن المرزبان، قال: ويحتمل جوازه. فأما الثيب، فلا يزوجها الاب إلا بإذنها في حال البلوغ، والجد كالاب في كل هذا، وحكى الحناطي قولا: أن الجد لا يجبر البكر البالغة، واختاره ابن القاص وأبو الطيب بن سلمة، والمشهور الاول. وسواء حصلت الثيوبة بوطئ محترم أو زنا. وحكي عن القديم: أن المصابة بالزنا كالبكر. والمذهب الاول، ولو زالت بكارتها بسقطة، أو أصبع، أو حدة الطمث، أو طول التعنيس، أو وطئت في دبرها، فبكر على الصحيح. ولو وطئت مجنونة، أو مكرهة، أو نائمة، فثيب على الصحيح. ولو خطب البكر رجل، فمنعها أبوها، فذهبت وزوجت نفسها به، ثم زوجها الاب غيره بغير إذنها، إن كان الاول لم يطأها، صح تزويج الاب، وإلا، فلا، لانها ثيب بوطئ شبهة. قلت: إنما يصح تزويج الاب، إذا لم يكن حكم بصحة نكاحها بنفسها حنفي ونحوه. والله أعلم. فرع إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كف ء، لزم الاب والجد إجابتها، فإن امتنع، زوجها السلطان. وفي وجه: لا تلزمه الاجابة، ولا يأثم(5/401)
بالامتناع، لان الغرض يحصل بتزويج السلطان، وهو ضعيف. ولو التمست صغيرة بلغت إمكان الشهوة، قال بعضهم: لزمه إجابتها. قلت: هذا ضعيف. والله أعلم. فرع عينت كفئا، وأراد الاب تزويجها بكف ء آخر، كان له ذلك على الاصح. قلت: قال الشافعي رضي الله عنه: أستحب للاب أن لا يزوج البكر حتى تبلغ ويستأذنها. قال الصيمري: فإن قاربت البلوغ، وأراد تزويجها، استحب أن يرسل إليها ثقات ينظرن ما في نفسها. قال الصيمري: ولو خلقت المرأة بلا بكارة، فهي بكر. ولو ادعت البكارة أو الثيوبة، فقطع الصيمري وصاحب الحاوي: بأن القول قولها، ولا يكشف حالها، لانها أعلم. قال صاحب الحاوي: ولا تسأل عن الوطئ، ولا يشترط أن يكون لها زوج. قال الشاشي: وفي هذا نظر، لانها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها، فله أن يسألها. فإن اتهمها، حلفها. والله أعلم. السبب الثاني: عصوبة من على حاشية النسب، كالاخ والعم وبنيهما، فلا تزوج بها الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا. وأما البالغة، فإن كانت ثيبا، فلهم تزويجها بإذنها الصريح. وإن زوجت بغير رضاها، لم ينعقد. وإن كانت بكرا، فلهم تزويجها إذا استأذنوها. وهل يكفي سكوتها، أم يشترط صريح نطقها ؟ وجهان. أصحهما: الاول. وحكي وجه: أنه لا حاجة للاستئذان أصلا، بل إذا عقد بين يديها ولم تنكر، كان رضى. والصحيح الاشتراط. وإذا اكتفينا بالسكوت، حصل الرضى، ضحكت، أم بكت، إلا إذا بكت مع الصياح وضرب الخد، فلا يكون رضى. وإذا أراد الاب تزويج البكر بغير كف ء، فاستأذنها، فهل يكفي السكوت ؟ فيه(5/402)
الوجهان. قلت: ونقل الرافعي في آخر كتاب النكاح عن فتاوى القاضي حسين الجزم بصحة النكاح إذا استأذنها ولي في تزويجها بغير كف ء فسكتت. قال صاحب البيان: قال أصحابنا المتأخرون: إذا استأذن الولي البكر في أن يزوجها بغير نقد البلد، أو بأقل من مهر المثل، لم يكن سكوتها إذنا في ذلك. والله أعلم. فرع قال: أزوجك بشخص ؟ فسكتت، قال بعض المتأخرين: الاليق بمذهبنا أنه لا يكون رضى، لان الرضا بالمجهول لا يتصور. ولك أن تقول: هذا يخرج على أنه يشترط تعيين الزوج في الاذن. والاصح أنه ليس بشرط، فلا يضر الجهل إذا اكتفينا بالسكوت. قلت: هذا الذي أورده الرافعي، هو الصواب. والله أعلم. فرع قال: أيجوز أن أزوجك ؟ فقالت: لم لا يجوز ؟ أو قال: أتأذنين ؟ فقالت: لم لا آذن ؟ حكى بعضهم: أنه ليس بإذن، ولك أن تقول: هذا مشعر برضاها، فهو أولى من سكوتها. قلت: المختار أنه إذن. والله أعلم. فرع قالت: وكلتك بتزويجي، فالذي لقيناهم من الائمة لا يعدونه إذنا، لان توكيل المرأة في النكاح باطل، لكن المسألة غير مسطورة، ويجوز أن يعتد به إذنا، كما إذا فسدت الوكالة، نفذ التصرف بالاذن. قلت: هذا عجب من الامام الرافعي، والمسألة منصوصة للشافعي. قال صاحب البيان: يجوز للمرأة أن تأذن لوليها غير المجبر بلفظ (الاذن)، ويجوز بلفظ الوكالة، نص عليه الشافعي رحمه الله، لان المعنى فيهما واحد، فهذا هو الصواب نقلا ودليلا. ولو أذنت له، ثم رجعت، لم يصح تزويجها، كالموكل إذا عزل الوكيل، فإن زوجها الولي بعد العزل قبل العلم، ففي صحته وجهان بناء على بيع الوكيل. والله أعلم. فرع في فتاوى البغوي: أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت(5/403)
لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الاذن، كما لو قال الولي للوكيل: زوج بنتي إذا فارقها زوجها أو انقضت عدتها. وفي هذا التوكيل وجه ضعيف: أنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة. وفيها أنه لو قيل للبكر: رضيت بما تفعله أمك ؟ وهي تعرف أنهم يعنون النكاح، فقالت: رضيت، لم يكن إذنا، لان الام لا تعقد، بخلاف ما لو قالت: رضيت بما يفعل الولي. ولو قالت: رضيت بالتزويج بمن تختاره أمي، جاز. ولو قالت: رضيت إن رضيت أمي، لا يجوز. ولو قالت: رضيت إن رضي وليي. فإن أرادت التعليق، لم يجز. وإن أرادت: إني رضيت بما يفعله الولي، كان إذنا. وفيها: لو أذنت في التزويج بألف، ثم قيل لها عند العقد: بخمسمائة، فسكتت وهي بكر، كان سكوتها إذنا في تزويجها بخمسمائة. ولو قيل ذلك لامها وهي حاضرة، فسكتت، لم يكن إذنا. السبب الثالث: الاعتاق، فالمعتق وعصبته يزوجون كالاخ. السبب الرابع: السلطنة، فيزوج السلطان بالولاية العامة البوالغ بإذنهن، ولا يزوج الصغار. ثم السلطان يزوج في مواضع. أحدها: عدم الولي الخاص. الثاني: عند غيبته. الثالث: عند إرادته تزوجها لنفسه. الرابع: عضله، فإذا عضلها وليها بقرابة أو إعتاق، واحدا كان، أو جماعة مستوين، زوجها السلطان. وهل تزويجه في هذا الحال بالولاية، أم النيابة عن الولي ؟ وجهان حكاهما الامام فيه وفي جميع صور تزويج السلطان مع وجود أهلية الولي الخاص. ثم إنما يحصل العضل إذا دعت البالغة العاقلة إلى تزويجها بكف ء فامتنع. فأما إذا دعت إلى غير كف ء، فله الامتناع، ولا يكون عضلا. وإذا حصلت(5/404)
الكفاءة، فليس له الامتناع لنقصان المهر، لانه محض حقها. ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوجها. قال البغوي: ولا يتحقق العضل حتى يمتنع بين يدي القاضي، وذلك بأن يحضر الخاطب والمرأة والولي، ويأمره القاضي بالتزويج فيقول: لا أفعل، أو يسكت، فحينئذ يزوجها القاضي. وكان هذا فيما إذا تيسر إحضاره عند القاضي. فأما إذا تعذر بتعزز أو توار، فيجب أن يجوز الاثبات بالبينة كسائر الحقوق. وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يدل عليه، وعند الحضور لا معنى للبينة، فإنه إن زوج، وإلا فعضل. فرع سيأتي خلاف في أن السيد يزوج أمته بالملك، أم بالولاية ؟ إن قلنا: بالولاية، صارت الاسباب خمسة.
الطرف الثاني : في ترتيب الأولياء، فتقدم جهة القرابة، ثم الولاء، ثم السلطنة. ويقدم من القرابة الاب، ثم أبوه، ثم أبوه، إلى حيث ينتهي، ثم الاخ من الابوين، أو من الاب، ثم ابنه وإن سفل، ثم العم من الابوين، أو من الاب، ثم ابنه وإن سفل، ثم سائر العصبات. والترتيب في التزويج، كالترتيب في الارث، إلا في مسائل. إحداها: الجد يقدم على الاخ هنا. المسألة الثانية: الاخ للابوين يقدم على الاخ للاب في الارث، وهنا قولان. أظهرهما وهو الجديد: يقدم أيضا. والقديم: يستويان، ويجري القولان في ابني الاخ والعمين وابني العم إذا كان أحدهما من الابوين والآخر من الاب. ولو كان ابنا عم أحدهما أخوها من الام، أو ابنا ابن عم أحدهما ابنها، فقال الامام: هما سواء. وطرد الجمهور القولين وقالوا: الجديد: يقدم الاخ والابن. ولو كان ابنا عم أحدهما من الابوين، والآخر من الاب، لكنه أخوها من الام، فالثاني هو الولي، لانه يدلي بالجد والام، والاول بالجد والجدة.(5/405)
ولو كان ابنا ابن عم أحدهما ابنها، والآخر أخوها من الام، فالابن هو المقدم، لانه أقرب. ولو كان ابنا معتق أحدهما ابنها، فهو المقدم، وبه قال ابن الحداد، لكنه ذكر في التفريع أنه لو أراد المعتق نكاح عتيقته وله ابن منها وابن من غيرها لانها تستحق الحرية بسببه، زوجه ابنه منها دون ابنه من غيرها، وهذا غلط عند جمهور الاصحاب، لان ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق، وإنما يزوجه السلطان، وإنما يزوج ابن المعتق بعد موته. وهذا كله على الجديد. وأما على القديم، فيسوى بينهما في الصور. قلت: ولو كان ابنا عم أحدهما معتق، فعلى القولين، أو ابنا عم أحدهما خال، فهما سواء بلا خلاف. والله أعلم. (المسألة) الثالثة: الابن لا يزوج بالبنوة، فإن شاركها في نسب كابن هو ابن ابن عمها، فله الولاية بذلك. وكذا إن كان معتقا أو قاضيا، أو تولدت قرابة من أنكحة المجوس، أو وطئ الشبهة، بأن كان ابنها أخاها، أو ابن أخيها، أو ابن عمها، ولا تمنعه البنوة التزويج بالجهة الاخرى. فصل وأما الولاء، فمن لا عصبة لها بنسب، وعليها ولاء، فينظر، إن أعتقها رجل، فولاية تزويجها له. فإن لم يكن بصفة الولاية، فلعصباته، ثم لمعتقه، ثم لعصبات معتقه، وهكذا على ترتيبهم في الارث. وترتيب عصبات المعتق في التزويج، كترتيب عصبات النسب، إلا في ثلاث مسائل. إحداها: جدها أولى من أخيها، وفي جد المعتق وأخيه قولان كارثهما بالولاء. أظهرهما: تقديم الاخ. والثاني: يستويان. ولو اجتمع جد المعتق وابن أخيه، فإن قدمنا الاخ على الجد، قدمنا ابنه، وإلا فيقدم الجد. وقد حكينا في الارث تفريعا على هذا القول وجها أنهما يستويان، فيجوز أن يطرد هنا. (المسألة) الثانية: ابن المرأة لا يزوجها، وابن المعتق يزوج، ويقدم على أبيه، لان التعصيب له.(5/406)
(المسألة) الثالثة: إذا اجتمع أخو المعتق. لابويه وأخوه لابيه، فالمذهب القطع بتقديم الاخ للابوين. وقيل بطرد القولين كالنسب. وقيل: يستويان قطعا. أما إذا كان المعتق إمرأة، فلا ولاية لها، لعدم أهليتها، فإن كانت حية، فوجهان. أحدهما قاله صاحب التلخيص: يزوجها السلطان. والصحيح أنه يزوجها من يزوج معتقها، فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها على ترتيب الاولياء، ولا يزوجها ابن المعتقة، ويشترط في تزويجها رضاها، ولا يشترط رضى المعتقة على الاصح، إذ لا ولاية لها. وقيل: يشترط، فإن عضلت، ناب السلطان عنها في الاذن، ويزوج الولي. فإن كانت المعتقة ميتة، زوجها من له الولاء من عصبات المعتقة، ويقدم الابن على الاب. وتعود الصور المذكورة في مفارقتهم عصبات النسب فيما إذا كان المعتق رجلا. وحكي وجه: أن الاب يقدم على الابن بعد موت المعتقة، ووجه: أن الابن يقدم على الاب في حياتها، وهما شاذان. فرع متى اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة، كالبنين والاخوة، فهم كالاخوة في النسب. فإذا زوجها أحدهم برضاها، صح، ولا يشترط رضى الآخرين. ولو أعتق الامة اثنان، اشترط رضاهما، فيوكلان، أو يوكل أحدهما الآخر، أو يباشران العقد معا. ولو أراد أحد المعتقين أن يتزوجها، اشترط موافقة السلطان للآخر. ولو مات أحدهما عن ابنين أو أخوين، كفى موافقة أحدهما للمعتق الآخر. ولو مات كل منهما عن ابنين، كفى موافقة أحد ابني هذا أحد ابني ذاك. ولو مات أحدهما ووارثه الآخر، استقل بتزويجها. فرع كان المعتق خنثى مشكلا، ينبغي أن يزوجها أبوه بإذنه، فيكون وليا أو وكيلا إن كان الخنثى ذكرا. فصل فيمن بعضها حر، خمسة أوجه. أصحها: يزوجها مالك البعض ومعه وليها القريب. فإن لم يكن، فمعتق بعضها، وإلا، فالسلطان. والثاني:(5/407)
يكون معه معتق البعض. والثالث: معه السلطان. والرابع: يستقل مالك البعض. والخامس: لا يجوز تزويجها أصلا، لضعف الملك والولاية بالتبعيض.
الطرف الثالث : في موانع الولاية، وهي خمسة. (المانع) الاول: الرق، فلا ولاية لرقيق، ويجوز أن يتوكل لغيره في قبول النكاح بإذن سيده قطعا، وبغير إذنه على الاصح، ولا يصح توكيله في الايجاب على الاصح عند الجمهور. وقد سبق هذا في الوكالة. (المانع) الثاني: ما يسلب النظر والبحث عن حال الزوج ز وفيه صور ست. إحداها: الصبا والجنون المطبق يمنعان الولاية وينقلانها إلى الابعد. وفي الجنون المنقطع وجهان. أصحهما: أنه كالمطبق، ويزوجها الابعد يوم جنونه، لبطلان أهليته. والثاني: لا يزيل ولايته كالاغماء، فعلى هذا ينتظر حتى يفيق على الصحيح. وقيل: يزوجها الحاكم كالغيبة، والخلاف جار في الثيب المنقطع جنونها. فعلى رأي: تزوج في حال جنونها. وعلى رأي: ينتظر إفاقتها لتأذن. ولو وكل هذا الولي في إفاقته، اشترط عقد وكيله قبل عود الجنون، وكذا إذا أذنت الثيب، يشترط تقدم العقد على عود الجنون. قال الامام: وإذا قصرت نوبة الافاقة جدا، لم تكن الحال حال تقطع، لان السكون اليسير لا بد منه مع إطباق الجنون. ولو أفا، وبقيت آثار خبل يحمل مثلها ممن لا يعتريه الجنون على حدة في الخلق، فهل تعود ولايته، أم يستدام حكم الجنون إلى أن يصفو من الخبل ؟ فيه وجهان. قلت: لعل الثاني أصح. والله أعلم.(5/408)
الصورة الثانية: إختلال النظر لهرم أو خبل جبلي أو عارض، يمنع الولاية وينقلها إلى الابعد، والحجر بالفلس لا يمنعها، وبالسفه يمنعها على المذهب. وقيل: وجهان. قلت: وحكى الشاشي في المفلس وجها. والله أعلم. الصورة الثالثة: الاغماء الذي لا يدوم غالبا، فهو كالنوم، ينتظر إفاقته، ولا يزوج غيره. وإن كان مما يدوم يوما أو يومين فأكثر، فوجهان. أحدهما: نقل الولاية إلى الابعد كالجنون. وأصحهما: المنع. فعلى هذا، قال البغوي وغيره: تنتظر إفاقته كالنائم. وقال الامام: ينبغي أن تعتبر مدته بالسفر. فإن كانت مدة يعتبر فيها إذن الولي الغائب، وقطع المسافة ذهابا ورجوعا، انتظرت إفاقته، وإلا، فيزوج الحاكم، ويرجع في معرفة مدته إلى أهل الخبرة. الصورة الرابعة: السكران الذي سقط تمييزه بالكلية كلامه لغو. فإن بقي له تمييز ونظر، فالمذهب أنه لا يزوج، وتنتظر إفاقته. الصورة الخامسة: الاسقام والآلام الشاغلة عن النظر ومعرفة المصلحة، تمنع الولاية وتنقلها إلى الابعد، نص عليه، وأخذ به الاصحاب. (الصورة) السادسة: للاعمى أن يتزوج قطعا، وله أن يزوج على الاصح. ويجري الخلاف في ولاية الاخرس الذي له كتابة أو إشارة مفهمج. وقيل: يزوج قطعا. فإن(5/409)
لم تكن مفهمة، فلا ولاية له. المانع الثالث: الفسق فيه سبع طرق. أشهرها: في ولاية الفاسق قولان، وقيل بالمنع قطعا. وقيل: يلي قطعا. وقيل: يلي المجبر فقط. وقيل: عكسه، لانه لا يستقل. وقيل: يلي غير الفاسق بشرب الخمر. وقيل: يلي المستتر بفسقه دون المعلن. وأما الراجح، فالظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه: منع ولاية الفاسق، وأفتى أكثر المتأخرين بأنه يلي، لا سيما الخراسانيون، واختاره الروياني. قلت: الذي رجحه الرافعي في المحرر: منع ولايته. واستفتي الغزالي فيه فقال: إن كان بحيث لو سلبناه الولاية لانتقلت إلى حاكم يرتكب ما يفسقه، ولي، وإلا، فلا. وهذا الذي قاله حسن، وينبغي أن يكون العمل به. والله أعلم. فرع قال القاضي حسين والشيخ أبو علي وغيرهما: ولاية الفاسق لمال ولده على الخلاف في ولاية النكاح بلا فرق. وقطع غيرهم بالمنع، وهو المذهب. فرع سبق أن الامام الاعظم لا ينعزل بالفسق على الصحيح، وحينئذ في تزويجه بناته وبنات غيره بالولاية العامة وجهان، تفريعا على أن الفاسق لا يلي. أحدهما: المنع كغيره، ويزوجهن من دونه من الولاة والحكام. وأصحهما: أنه يزوج، تفخيما لشأنه، ولهذا لم يحكم بانعزاله. فرع إذا تاب الفاسق، قال البغوي في هذا الباب: له التزويج في الحال، ولا يشترط مضي مدة الاستبراء. والقياس الظاهر وهو المذكور في الشهادات: اعتبار الاستبراء، لعود الولاية حيث يعتبر لقبول الشهادة، وسنفصله إن(5/410)
شاء الله تعالى. فرع للفاسق أن يتزوج لنفسه على المذهب، وبه قطع الجمهور. وفي تعليق الشيخ ملكداذ القزويني، عن القاضي أبي سعد وجه: أنه ليس له التزويج إذا قلنا: لا يلي. فرع إذا قلنا: الفاسق لا يلي، فالولاية للابعد على الصحيح، وبه قطع الجمهور. وحكى الحناطي وجها: أنها للسلطان. ثم الفسق إنما يتحقق بارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، وليس العضل من الكبائر، وإنما يفسق به إذا عضل مرات أقلها - فيما حكى بعضهم - ثلاث، وحينئذ فالولاية للابعد. فرع إذا قلنا: الفاسق لا يلي، ففي أصحاب الحرف الدنية وجهان. قلت: المذهب القطع بثبوت ولايتهم، قاله البغوي وغيره. والله أعلم. المانع الرابع: إختلاف الدين، فلا يزوج المسلمة قريبها الكافر، بل يزوجها الابعد من أولياء النسب أو الولاء، وإلا، فالسلطان. ولا يزوج الكافرة قريبها المسلم، بل يزوجها الابعد الكافر. فإن لم يكن،(5/411)
زوجها قاضي المسلمين بالولاية العامة، فإن لم يكن هناك قاض للمسلمين، فحكى الامام عن إشارة صاحب التقريب: أنه يجوز للمسلم قبول نكاحها من قاضيهم. والمذهب المنع. وهل يزوج اليهودي النصرانية ؟ يمكن أن يلحق بالارث، ويمكن أن يمنع. ثم الكافر إما يلي تزويج قريبته الكافرة إذا كان لا يرتكب محرما في دينه، فإن ارتكبه، فتزويجه إياها كتزويج المسلم الفاسق بنته. وعن الحليمي أن الكافر لا يلي التزويج، وأن المسلم إذا أراد تزوج ذمية، زوجه بها القاضي. والصحيح أنه يلي. فرع في فتاوى البغوي: أنه يجوز أن يوكل نصرانيا أو مجوسيا في قبول نكاح نصرانية، ولا يجوز في قبول نكاح مسلمة، ويجوز توكيل النصراني مسلما في قبول نكاح نصرانية، ولا يجوز في قبول نكاح مجوسية، لان المسلم لا يجوز له نكاحها (بحال)، بخلاف توكيل المعسر موسرا في تزويج أمة، فإنه جائز، لانه يستبيحها في الجملة. فرع المرتد لا ولاية له على مسلمة ولا مرتدة ولا غيرها من الكافرات. قلت: لا يزوج مسلم كافرة إلا السلطان والسيد على الاصح وإذا زوج أمة موليته، ولا يزوج كافر مسلمة إلا (أمته و) أم ولده على وجه، قاله الفوراني. والله أعلم. المانع الخامس: الاحرام. فإحرام أحد العاقدين أو المرأة يمنع إنعقاد النكاح. وقيل: إن كان العاقد الامام أو القاضي، فله التزويج، لقوة ولايتهما. والصحيح المنع.(5/412)
وفي تأثير الاحرام وجهان. أحدهما: سلب الولاية ونقلها إلى الابعد، كالجنون. وأصحهما: أنه مجرد الامتناع دون زوال الولاية، لبقاء الرشد والنظر، فعلى هذا، يزوجها السلطان كما لو غاب. وسواء الاحرام بالحج أو العمرة، والصحيح والفاسد، (وقيل: لا يمنع الفاسد)، وينعقد بشهادة المحرم على الصحيح، وخالف الاصطخري. وتصح الرجعة في الاحرام على الاصح. ومن فاته الحج، هل يصح نكاحه قبل التحلل بعمل عمرة ؟ فيه وجهان حكاهما الحناطي. قلت: الصحيح المنع، لانه محرم. والله أعلم. فرع إذا وكل حلال حلالا في التزويج، ثم أحرم أحدهما، أو المرأة،(5/413)
ففي انعزال الوكيل وجهان. أصحهما: لا ينعزل، فيزوج بعد التحلل بالوكالة السابقة، وليس للوكيل الحلال أن يزوج قبل تحلل الموكل. هذا هو المعروف في المذهب، ونقل الغزالي في الوجيز فيه وجها، ولم أره لغيره ولا له في الوسيط. ولو وكله في حال إحرام الوكيل أو الموكل أو المرأة، نظر، إن وكله ليعقد في الاحرام، لم يصح. وإن قال: لتزوج بعد التحلل، أو أطلق، صح، لان الاحرام يمنع الانعقاد دون الاذن. ومن ألحق الاحرام بالجنون، لم يصححه. ولو قال: إذا حصل التحلل فقد وكلتك، فهذا تعليق للوكالة، وقد سبق الخلاف فيه. وإذن المرأة في حال إحرامها على التفصيل المذكور في التوكيل. ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج، صح على الاصح، لانه سفير محض ليس إليه من العقد شئ. واعلم أن وكيل المصلي يزوج، بخلاف وكيل المحرم، لان عبارة المحرم غير صحيحة، وعبارة المصلي صحيحة. حتى لو زوجها في صلاته ناسيا، صح النكاح والصلاة. فصل إذا لم يكن الولي الاقرب حاضرا، نظر، إن كان مفقودا لا يعرف مكانه ولا موته وحياته، زوجها السلطان، لتعذر نكاحها من جهته. وإن انتهى الامر إلى غاية يحكم القاضي فيها بموته وقسم ماله بين ورثته - على ما سبق في الفرائض - انتقلت الولاية إلى الابعد. وإن عرف مكان الغائب، فإن كان على مسافة القصر، زوجها السلطان، ولا يزوجها الابعد. وقيل: يزوج الابعد. وعن القاضي أبي حامد: إن كان من الملوك وكبار الناس، اشترط مراجعته، وإن كان من التجار وأوساط الناس، فلا. والصحيح الاول. وإن كان دون مسافة القصر، فأوجه. أحدها: كالطويلة، وهو ظاهر نصه في المختصر. وأصحها: لا تزوج حتى يراجع فيحضر أو يوكل، نص عليه في الاملاء. والثالث: إن كان بحيث يتمكن المبتكر إليه من الرجوع إلى منزله قبل الليل، اشترطت مراجعته، وإلا، فلا.(5/414)
فرع عن الشافعي رضي الله عنه: أن السلطان لا يزوج من تدعي غيبة وليها حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي حاضر، وأنها خلية عن النكاح والعدة. فقيل: هذا واجب. وقيل: مستحب. قلت: الاصح أنه مستحب، وبه قطع إبرهيم المروذي، ذكره في آخر كتاب الطلاق. والله أعلم. فعلى هذا، لو ألحت في المطالبة، ورأى السلطان التأخير، فهل له ذلك ؟ وجهان، ولا يقبل في هذا إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها. وإن كان الولي الغائب ممن لا يزوج إلا بإذن، فقالت: ما أذنت له، فللقاضي تحليفها على نفي الاذن. قلت: قال الغزالي: وللقاضي تحليفها أن وليها لم يزوجها في الغيبة إن رأى ذلك. ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى، هل هي مستحبة، أم واجبة ؟ وجهان. والله أعلم. فرع إذا غاب الولي الاقرب الغيبة المعتبرة، فالاولى للقاضي أن يأذن للابعد أن يزوج، أو يستأذن ليزوج القاضي. فرع في فتاوى البغوي: أن القاضي إذا زوج من غاب وليها، ثم قدم وليها بعد العقد، بحيث يعلم أنه كان قريبا من البلد عند العقد، لم يصح النكاح.
الطرف الرابع : في تولي طرفي العقد، فيه مسائل. إحداها: هل يتولى الجد طرفي تزويج بنت ابنه الصغيرة أو الكبيرة بابن ابن آخر مولى عليه ؟ فيه وجهان. اختار ابن الحداد والقفال وابن الصباغ الجواز،(5/415)
وصاحب التلخيص وجماعة من المتأخرين المنع. قلت: قال الرافعي في المحرر: رجح المعتبرون الجواز. والله أعلم. فإن جوزنا، اشترط الاتيان بشقي الايجاب والقبول على الاصح. وقيل: يكفي أحدهما. وإن منعنا، فإن كانت بالغة، زوجها السلطان بإذنها، ويقبل الجد للابن. وإن كانت صغيرة، وجب الصبر إلى أن تبلغ فتأذن، أو يبلغ الصغير فيقبل، كذا حكاه الشيخ أبو علي وغيره. وذكر الامام تفريعا على المنع: أنه يرفع إلى السلطان ليتولى أحد الطرفين. قال: ثم يحتمل أن يتخير منهما، ويحتمل أن يقال: يأتي بما يستدعيه الولي، وهذا مفروض فيما إذا كانت الولاية بسبب الجنون، وإلا، فغير الاب والجد لا يزوج الصغير ولا الصغيرة. المسألة الثانية: للعم تزويج بنت أخيه بابنه البالغ، ولابن العم تزويجها بابنه على المذهب فيهما. هذا إذا أطلقت الاذن وجوزناه. فإن عينته في الاذن، جاز قطعا، لانتفاء التهمة. وإن زوجها بابنه الطفل، لم يصح على المذهب، لانه نكاح لم يحضره أربعة، وليس له قوة الجدودة. المسألة الثالثة: إذا كان الولي ممن يجوز له نكاحها، كابن العم، والمعتق، والقاضي، وأراد نكاحها، لم تجز تولية الطرفين، ولكن يزوج ابن العم من في(5/416)
درجته، فإن لم يكن، فالقاضي. وإن كان الراغب القاضي، زوجه وال فوقه، أو خرج إلى قاضي بلد آخر، أو يستخلف من يزوجه إن كان له الاستخلاف. وإن كان الراغب الامام الاعظم، زوجه بعض قضاته. هذا هو الصحيح. وفي الامام وجه مشهور: أنه يتولى الطرفين. وفي القاضي وابن العم وجه أبعد، ويجئ مثله في المعتق. وحكي الوجه في القاضي عن أبي يحيى البلخي. ولو أراد أحد هؤلاء تزويجها بابنه الصغير، فكنفسه. وحيث جوزنا لنفسه، فذلك إذا سمته في إذنها. فإن أطلقت، وجوزنا الاطلاق، فوجهان حكاهما الحناطي. وفي فتاوى البغوي: أنه لو أراد نكاح بنت عمه وهو وليها، وهو غائب عنها، زوجها به قاضي بلد المرأة، لا قاضي بلد الرجل. المسألة الرابعة: من منعناه تولي الطرفين، فوكل في أحدهما، أو وكل شخصين فيهما، لم يصح على الاصح، لان فعل الوكيل فعل الموكل. وقيل: يصح، لوجود العدد. وقيل: يجوز للجد، لتمام ولايته من الطرفين. ولو وكل الولي رجلا، ووكله الخاطب، أو وكله في تزويجه لنفسه، فتولى الطرفين، لم يصح على الصحيح. المسألة الخامسة: زوج أمته بعبده الصغير، وجوزنا له إجباره، فهو كتولي الجد طرفيه. المسألة السادسة: ابنا عم، أحدهما لاب، والآخر لابوين، أراد الاول نكاحها، يزوجه الثاني، وإن أراد الثاني وقلنا: هما سواء، زوجه الاول، وإلا، فالقاضي. المسألة السابعة: قالت لابن عمها أو معتقها: زوجني، أو زوجني من شئت،(5/417)
ليس للقاضي تزويجه بها بهذا الاذن، لان المفهوم منه التزويج بأجنبي. وإن قالت: زوجني نفسك، حكى البغوي عن بعض الاصحاب: أنه يجوز للقاضي تزويجه إياها. قال: وعند لا يجوز، لانها إنما أذنت له، لا للقاضي. قلت: الصواب الجواز، لان معناه: فوض إلى من يزوجك إياي. والله أعلم.
الطرف الخامس : في التوكيل، التوكيل بالتزويج جائز. فإن كان الولي مجبرا، فله التوكيل بغير إذنها على الصحيح. وقيل: يشترط إذنها، حكاه الحناطي والقاضي أبو حامد. فعلى هذا، إن كانت صغيرة، امتنع التوكيل. فعلى الصحيح: إذا وكل لا يشترط تعيين الزوج على الاظهر. ولو أذنت الثيب في النكاح أو البكر لغير الاب والجد، ففي اشتراط التعيين القولان. وقيل: لا يشترط قطعا، لان الولي يعتني بدفع العار عن النسب، بخلاف الوكيل. قال الامام: وظاهر كلام الاصحاب يقتضي طرد الخلاف وإن رضيت بترك الكفاءة، لكن القياس تخصيصه بمن لم ترض. فأما من أسقطت الكفاءة، فلا معنى لاشتراط التعيين فيها. وإذا جوزنا التوكيل المطلق، فعلى الوكيل رعاية النظر. فلو زوج لغير كف ء، لم يصح على الصحيح. وحكى ابن كج وجها: أنه يصح، ولها الخيار. فإن كانت صغيرة، خيرت عند البلوغ. ولو خطب كفآن، وأحدهما أشرف، فزوج الآخر، لم يصح. وإذا جوزنا الاذن المطلق، فقالت: زوجني ممن شئت، فهل له تزويجها غير كف ء ؟ وجهان، أصحهما عند الامام والسرخسي وغيرهما: نعم، كما لو قالت: زوجني ممن شئت كف ءا كان أو غيره. هذا كله إذا كان الولي مجبرا. فإن كان غير مجبر، لكونه غير(5/418)
الاب والجد، أو كانت ثيبا، ففيه صور. إحداها: قالت: زوجني ووكل، فله كل واحد منهما. الثانية: نهت عن التوكيل، لا يوكل. الثالثة: قالت: وكل بتزويجي واقتصرت عليه، فله التوكيل. وهل له أن يزوج بنفسه ؟ وجهان. أصحهما: نعم. الرابعة: قالت: أذنت لك في تزويجي، فله التوكيل على الاصح، لانه متصرف بالولاية. ولو وكل من غير مراجعتها واستئذانها بالكلية، لم يصح على الصحيح، لانه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ. والثاني: يصح. فعلى هذا، يستأذن الولي أو الوكيل للولي، ثم يزوج. ولا يجوز أن يستأذن لنفسه. ثم إذا وكل غير المجبر بعد إذن المرأة، فهل يشترط تعيين الزوج إن أطلقت الاذن ؟ وجهان كما في توكيل المجبر. قال الامام: وإذا عينت زوجا، سواء شرطنا تعيينها، أم لا، فليذكره الولي للوكيل. فإن لم يفعل وزوج الوكيل غيره، لم يصح. وكذا لو زوجه، لم يصح على الظاهر، لان التفويض المطلق - مع أن المطلوب معين - فاسد. وهذا كما لو قال الولي للوكيل: بع مال الطفل بالعين، فباع بالغبطة، لم يصح. فرع قالت: أذنت لك في تزويجي، ولا تزوجني بنفسك، قال الامام: قال الاصحاب: لا يصح هذا الاذن، لانها منعت الولي، وجعلت التفويض للاجنبي، فأشبه الاذن للاجنبي ابتداء. فرع في فتاوى البغوي: أنه إذا لم يكن ولي سوى الحاكم، فأمر قبل أن يستأذنها رجلا بتزويجها، فزوجها الرجل بإذنها، هل يصح النكاح ؟ يبنى على أن(5/419)
استنابة القاضي في شغل معين - كتحليف وسماع شهادة - يجري مجرى الاستخلاف، أم لا ؟ إن قلنا: نعم، جاز قبل استئذانها، وصح النكاح، وإلا، فلا يصح على الاصح، كتوكيل الولي قبل الاذن. فصل في بيان لفظ الوكيل في عقد النكاح فيقول وكيل الولي للزوج: زوجتك بنت فلان. فإن كان الوكيل للزوج، قال الولي: زوجت بنتي فلانا، فيقول وكيله: قبلت نكاحها له. فلو لم يقل: له، فعلى الخلاف السابق إذا قال الزوج: قبلت ولم يقل: نكاحها. ولو قال الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي لك، فقال: قبلت نكاحها لفلان، لم ينعقد. وإن قال: قبلت نكاحها، وقع العقد للوكيل، ولم ينصرف إلى الموكل بالنية. ولو جرى النكاح بين وكيلين، فقال وكيل الولي: زوجت فلانة فلانا، فقال وكيل الزوج: قبلت نكاحها لفلان، صح. وفي البيع يجوز أن يقول البائع لوكيل المشتري: بعتك، ويقول الوكيل: إشتريت وينوي موكله، فيقع العقد للموكل وإن لم يسمه. وفرقوا بينهما بوجهين. أحدهما: أن الزوجين كالثمن والمثمن، ولا بد من تسميتهما. الثاني: أن البيع يرد على المال، وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع، وهو لا يقبل النقل، ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالة، فأنكرها زيد، لم يصح العقد. ولو اشترى لزيد، فأنكرها، صح الشراء للوكيل. ولو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة منك لفلان، فقال وكيل الولي: زوجتها فلانا، جاز. ولو اقتصر على قوله: زوجتها، ولم يقل: فلانا، فعلى الخلاف السابق.(5/420)
استنابة القاضي في شغل معين - كتحليف وسماع شهادة - يجري مجرى الاستخلاف، أم لا ؟ إن قلنا: نعم، جاز قبل استئذانها، وصح النكاح، وإلا، فلا يصح على الاصح، كتوكيل الولي قبل الاذن. فصل في بيان لفظ الوكيل في عقد النكاح فيقول وكيل الولي للزوج: زوجتك بنت فلان. فإن كان الوكيل للزوج، قال الولي: زوجت بنتي فلانا، فيقول وكيله: قبلت نكاحها له. فلو لم يقل: له، فعلى الخلاف السابق إذا قال الزوج: قبلت ولم يقل: نكاحها. ولو قال الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي لك، فقال: قبلت نكاحها لفلان، لم ينعقد. وإن قال: قبلت نكاحها، وقع العقد للوكيل، ولم ينصرف إلى الموكل بالنية. ولو جرى النكاح بين وكيلين، فقال وكيل الولي: زوجت فلانة فلانا، فقال وكيل الزوج: قبلت نكاحها لفلان، صح. وفي البيع يجوز أن يقول البائع لوكيل المشتري: بعتك، ويقول الوكيل: إشتريت وينوي موكله، فيقع العقد للموكل وإن لم يسمه. وفرقوا بينهما بوجهين. أحدهما: أن الزوجين كالثمن والمثمن، ولا بد من تسميتهما. الثاني: أن البيع يرد على المال، وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع، وهو لا يقبل النقل، ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالة، فأنكرها زيد، لم يصح العقد. ولو اشترى لزيد، فأنكرها، صح الشراء للوكيل. ولو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة منك لفلان، فقال وكيل الولي: زوجتها فلانا، جاز. ولو اقتصر على قوله: زوجتها، ولم يقل: فلانا، فعلى الخلاف السابق.(5/421)
فرع قال: أقبل لي نكاح فلانة على عبدك هذا، ففعل، صح النكاح. وفي العبد وجهان. أحدهما: لا تملكه المرأة، بل على العبد مهر المثل. والثاني: تملكه. وهل هو قرض، أم هبة ؟ وجهان.
الطرف السادس : فيما يلزم الولي. فإن كان مجبرا، فقد ذكرنا أن عليه الاجابة إلى التزويج إذا طلبت. ويلزمه تزويج المجنونة والمجنون عند الحاجة بظهور أمارات التوقان، أو بتوقع الشفاء عند إشارة الاطباء، ولا يلزمه تزويج ولديه الصغير والصغيرة لعدم الحاجة. فلو ظهرت الغبطة في تزويجهما، ففي الوجوب احتمال للامام، كما إذا طلب ماله بزيادة، يجب البيع. والوجوب في الصغير أبعد، للزوم المؤن. أما غير المجبر، فإن تعين، كأخ واحد، لزمه الاجابة إذا طلبت كالمجبر، ويجئ فيه الخلاف المذكور هناك. وإن لم يتعين كإخوة، فطلبت من بعضهم، وجبت على الاصح. ولو عضل الواحد أو الجمع، زوج السلطان كما سبق. فصل إذا قبل الاب للصغير أو المجنون نكاحا بصداق من مال الابن، فإن كان عينا، فذاك، ولا تعلق له بالاب. وإن كاق دينا، فقولان. القديم: إن الاب يكون ضامنا للمهر بالعقد. والجديد: لا يكون ضامنا، إلا أن يضمن صريحا، كما لو اشترى لطفله شيئا. فإن كان الثمن عليه، لا على الاب، قال ابن كج: القولان فيما إذا أطلق. فإن شرطه على الابن، فعلى الابن قطعا. ثم قال العراقيون وعامة الاصحاب: القولان إذا لم يكن للابن مال. فإن كان، فالاب غير ضامن قطعا. وقيل بطرد القولين. فإن قلنا بالجديد، فتبرع بالاداء، لم يرجع، وكذا الاجنبي. وإن ضمن صريحا، وغرم، فقصد الرجوع هنا بمنزلة إذن المضمون عنه. فإن ضمن بقصد الرجوع، وغرم بقصد الرجوع، رجع، وإلا، فعلى الخلاف المذكور في الضمان بغير الاذن. وإن ضمن بشرط براءة الاصيل، قال القاضي حسين: إن لم نصحح الضمان بشرط براءة الاصيل، فهذا ضمان فاسد شرط في الصداق. وقد سبق ذكر قولين في أن شرط الضمان الفاسد أو الرهن الفاسد في عقد هل يفسد العقد ؟ وإن صححنا الضمان بشرط براءة الاصيل، فالشرط هنا فاسد، لانه لا دين في ذمة المعقود له. وإذا فسد الشرط، ففي فساد الضمان وجهان سبقا في الضمان. فإن قلنا بالقديم، فغرم، قال القاضي حسين(5/422)
والشيخ أبو علي: لا يرجع على الابن، لانه غرم بالشرع، كما لا ترجع العاقلة على الجاني. واعترض الامام فقال: المطالبة متوجهة على الابن، بخف الجاني. فعلى هذا، يرجع إن قصد الرجوع عند الاداء، وبهذا قطع البغوي. ولو شرط الاب أن لا يكون ضامنا، فعن القاضي: أنه يبطل العقد على القديم. قال الامام: وهذا وهم من الناقلين عنه، فإن النكاح لا يفسد بمثل ذلك، ولعله قال: يبطل الشرط ويلزم الضمان. فصل يجب على الولي حفظ مال الصبي وصونه عن أسباب التلف، وعليه استنماؤه قدر ما لا تأكل النفقة والمؤن المال إن أمكن ذلك، ولا تلزمه المبالغة في الاستنماء وطلب النهاية. وإذا طلب متاعه بأكثر من ثمنه، لزمه بيعه. ولو كان شئ يباع بأقل من ثمنه، وللطفل مال، لزمه شراؤه إذا لم يرغب فيه لنفسه، هكذا أطلقه الامام والغزالي في الطرفين، ويجب أن يتقيد ذلك بشرط الغبطة، بل بالاموال المعدة للتجارة. أما ما يحتاج إلى عينه، فلا سبيل إلى بيعه وإن ظهر طالب بالزيادة. وكذا العقار الذي يحصل منه كفايته. وكذا في طرف الشراء قد يؤخذ الشئ رخيصا، لكنه عرضة للتلف، ولا يتيسر بيعه لقلة الراغبين فيه، فيصير كلا على مالكه. قلت: هذا الذي قاله الرافعي، هو الصواب، ولا يغتر بما خالفه. والله أعلم. فرع إذا تضجر الاب بحفظ مال الطفل والتصرف فيه، رفع الامر إلى القاضي لينصب قيما بأجرة، وله أن ينصب بنفسه، ذكره الامام. ولو طلب من القاضي أن يثبت له أجرة على عمله، فالذي يوافق كلام الجمهور: أنه لا يجيبه إليه غنيا كان أو فقيرا، إلا أنه إذا كان فقيرا ينقطع عن كسبه، فله أن يأكل منه بالمعروف كما سبق في الحجر، وذكر الامام أن هذا هو الظاهر. قال: ويجوز أن يقال: يثبت له أجرة، لان له أن يستأجر، فجاز له طلبها لنفسه، وبهذا الاحتمال قطع الغزالي. وعلى هذا، لا بد من تقدير القاضي، وليس له الاستقلال به، وهذا إذا لم يكن هناك متبرع بالحفظ والعمل. فإن وجد متبرع، وطلب الاب الاجرة، فقد أشار الامام إلى وجهين أيضا. الصحيح: أنه لا يثبتها له، للاستغناء عنه. والثاني:(5/423)
يثبتها، لزيادة شفقته، كما تقدم الام في الرضاع على قول على المتبرعة.
الطرف السابع : في خصال الكفاءة. إحداها: التنقي من العيوب المثبتة للخيار، واستثنى البغوي منها التعنين وقال: لا يتحقق، فلا ينظر إليه. وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره: التسوية بين التعنين وغيره، وإطلاق الجمهور يوافقه. فمن به عيب، ليس كف ءا لسليمة منه، وكذا إن كان بها ذلك (العيب)، لكن ما به أفحش، أو أكثر، فليس بكف ء. فإن تساويا، أو كان ما بها أكثر، فوجهان بناء على ثبوت الخيار في هذه الحالة، ويجريان لو كان مجبوبا وهي رتقاء، وزاد الروياني على العيوب المثبتة للخيار العيوب المنفرة، كالعمى، والقطع، وتشوه الصورة. وقال: هي تمنع الكفاءة عندي، وبه قال بعض الاصحاب، واختاره الصيمري. الثانية: الحرية، فلا يكون رقيق كفئا لحرة أصلية ولا عتيقة، ولا عتيق لاصلية، ولا من مس الرق أحد آبائه لمن لم يمس أحدا من آبائها، ولا من مس أبا(5/424)
أقرب في نسبه لمن مس أبا أبعد من نسبها. ويشبه أن يكون الرق في الامهات مؤثرا، ولذلك تعلق به الولاء. قلت: المفهوم من كلام الاصحاب، أن الرق في الامهات لا يؤثر كما سيأتي في النسب إن شاء الله تعالى. وقد صرح بهذا صاحب البيان فقال: من ولدته رقيقة كف ء لمن ولدته عربية، لانه يتبع الاب في النسب. والله أعلم. الثالثة: النسب، فالعجمي ليس كف ءا للعربية، ولا غير القرشي للقرشية، ولا غير الهاشمي والمطلبي للهاشمية أو المطلبية. وبنو هاشم وبنو المطلب أكفاء. وحكي وجه: أن قريشا بعضهم أكفاء بعض، ويعتبر النسب في العجم كالعرب. وقال القفال والشيخ أبو عاصم: لا يعتبر، لانهم لا يعتنون بحفظها وتدوينها. والاول أصح. ومقتضاه الاعتبار فيمن سوى قريش من العرب أيضا، لكن ذكر ذاكرون أنهم أكفاء. قلت: مقتضى كلام الاكثرين، أن غير قريش من العرب بعضهم أكفاء بعض، كما صرح به هؤلاء الجماعة. وذكر الشيخ إبرهيم المروذي، أن غير كنانة ليسوا أكفاء لكنانة. ومما يتعلق بهذا ما حكاه في البيان عن الصيمري، أنه قال: موالي قريش أكفاء لقريش، وكذا موالي كل قبيلة أكفاء لها، (قال): وجمهور الاصحاب على أنهم ليسوا بأكفاء، وهو الصحيح. والله أعلم. فرع الاعتبار في النسب بالاب، فمن أبوه عجمي وأمه عربية، ليس بكف ء لمن أبوها عربي وأمها عجمية. الرابعة: الدين والصلاح، فمن أسلم بنفسه، ليس كف ءا لمن لها أبوان أو ثلاثة(5/425)
في الاسلام، وقيل: كف ء، وقيل: لا ينظر إلا إلى الاب الاول والثاني، فمن له أبوان في الاسلام، كف ء لمن لها عشرة آباء في الاسلام، والاول أصح. والفاسق ليس بكف ء للعفيفة، ولا تعتبر الشهرة، بل من لا يشهر بالصلاح كف ء للمشهورة به. وإذا لم يكن الفاسق كف ءا للعفيفة، فالمبتدع أولى أن لا يكون كف ءا للنسيبة، وقد نص عليه الروياني رحمه الله. الخامسة: الحرفة. فأصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء لغيرهم. فالكناس، والحجام، وقيم الحمام، والحارس، والراعي ونحوهم، لا يكافؤون بنت الخياط، والخياط لا يكافئ بنت تاجر أو بزاز، ولا المحترف بنت القاضي والعالم. وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع، لان في بعض البلاد التجارة أولى من الزراعة، وفي بعضها بالعكس. فرع الحرفة الدنية في الآباء، والاشتهار بالفسق، مما يعير به الولد، فيشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنية، أو مشهورا بفسق، مع من أبوها عدل، كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم. والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب، فإن مفاخر الآباء ومثالبهم، هي التي يدور عليها أمر النسب، وهذا يؤكد إعتبار النسب في العجم. ويقتضي أن لا تطلق الكفاءة بين غير قريش من العرب. السادسة: اليسار على وجه. والاصح: أنه غير معتبر. فإن اعتبرناه، فوجهان. أحدهما: أن المعتبر يسار بقدر المهر والنفقة، فإذا أيسر به، فهو كف ء لصاحبه الالوف. وأصحهما: لا يكفي ذلك، بل الناس أصناف، غني، وفقير،(5/426)
ومتوسط، وكل صنف خكفاء وإن اختلفت المراتب. وفي فتاوى القاضي حسين: أنه لو زوج بنته البكر بمهر مثلها رجلا معسرا بغير رضاها، لم يصح النكاح على المذهب، لانه بخس حقها، كتزويجها بغير كف ء. فرع ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة الجمال ونقيضه، لكن ذكر الروياني، أن الشيخ لا يكون كفئا للشابة على الاصح، وأن الجاهل ليس كف ءا للعالمة، وهذا فتح باب واسع. قلت: الصحيح خلاف ما قاله الروياني. قال أصحابنا: وليس البخل والكرم والطول والقصر معتبرا. قال الصيمري: واعتبر قوم البلد، فقالوا: ساكن مكة والمدينة والبصرة والكوفة، ليس كفئا لساكن الجبال، قال: وهذا ليس بشئ. والله أعلم. فرع مقتضى كلام الجمهور، أن خصال الكفاءة لا تقابل بعضها ببعض، وقد صرح به البغوي وأبو الفرج السرخسي، حتى لا تزوج سليمة من العيوب دنية بمعيب نسيب، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف، ولا عربية فاسقة بعجمي عفيف، ولا رقيقة عفيفة بحر فاسق، وتكفي صفة النقص في المنع. وفصل الامام فقال: السلامة من العيوب لا تقابل بسائر فضائل الزوج، وكذا الحرية، وكذا النسب. وفي انجبار دناءة نسبه بعفته الظاهرة، وجهان. أصحهما: المنع، قال: والتنقي من الحرف الدنية، يقابله الصلاح وفاقا. والصلاح إن اعتبرناه، يقابل بكل خصلة، والامة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف. فرع قال الامام والغزالي: لا اعتبار بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب وإن كان الناس قد يتفاخرون بهم، وهذا الذي قالاه، لا يساعده كلام النقلة. وقد قال المتولي: للعجم عرف في الكفاءة، فيعتبر عرفهم. واعلم أن صاحب الشامل نقل قولا عن كتاب البويطي: أن الكفاءة في(5/427)
الدين وحده، والمشهور ما سبق. فصل الكفاءة حق المرأة والولي واحدا كان أو جماعة مستوين في درجة. فإن زوجها بغير كف ء وليها المنفرد برضاها، أو أحد الاولياء برضاها ورضى الباقين، صح النكاح، فالكفاءة ليست شرطا للصحة. وإذا زوجها الولي الاقرب بغير كف ء برضاها، لم يكن للابعد الاعتراض. فلو كان الذي يلي أمرها السلطان، فهل له تزويجها بغير كف ء إذا طلبته ؟ قولان أو وجهان. أصحهما: المنع، لانه كالنائب، فلا يترك الحظ. ولو زوجها أحد الاولياء بغير كف ء برضاها دون رضى الباقين، لم يصح على المذهب. وفي قول: يصح، ولهم الخيار في فسخه. وقيل: يصح قطعا. وقيل: لا يصح قطعا. وإن زوجها أحدهم أو كلهم بغير رضاها، وكانت قد أذنت في التزويج مطلقا، وقلنا: لا يشترط تعيين الزوج، أو زوج الاب أو الجد البكر الصغيرة أو البالغة بغير كف ء بغير إذنها، لم يصح على المذهب. وقيل: يصح. وقيل: إن علم الولي عدم الكفاءة، فالنكاح باطل، وإلا، فصحيح. وإذا صححنا، فللمرأة الخيار إن كانت بالغة، وإن كانت صغيرة، فإذا بلغت، تخيرت. وحكى الامام وجها: أنها لا تتخير، وعليها الرضى بعقد الاب. وهل للولي الخيار في صغرها ؟ وجهان. ورواهما القاضي أبو الطيب قولين. أحدهما: نعم، كما لو اشترى للصغير معيبا. والثاني: لا، لانه خيار شهوة. وهذا الخلاف فيما ذكره الحناطي والبغوي ورآه الامام مخصوص بما إذا جهل الولي حال الزوج، فإن علم، فلا خيار له. وطرده ابن كج وآخرون في حالتي العلم والجهل، وقالوا: ليس هو عاقدا لنفسه حتى يؤاخذ بعلمه. فرع في فتاوى البغوي: أنها لو أقرت بنكاح لغير كف ء، فلا اعتراض للولي، لانه ليس بإنشاء عقد، ولا يقبل قوله: ما رضيت، كما لو أقرت بالنكاح وأنكر الولي، لا يقبل إنكاره، قال: ولو زوجت بوكالة، ثم أنكر الولي التوكيل والمرأة ساكتة، فالقول قول الولي. فلو أقرت بالنكاح، قبل قولها.(5/428)
فرع إذا زوج الاب ابنه الصغير بمن لا تكافئه، نظر، فإن كانت معيبة بعيب يثبت الخيار، ففي صحة النكاح الخلاف السابق في تزويج الصغيرة بغير كف ء. والمذهب: أنه يصح. وقيل: لا يصح إنكاحه الرتقاء والقرناء قطعا، لانه بذل مال في بضع لا ينفع، بخلا ف تزويج الصغيرة بمجبوب. وإن زوجه أمة، لم يصح، لانه لا يخاف العنت. وإن زوجه بمن لا تكافئه بجهة أخرى، صح على الاصح، إذ لا عار على الرجل في استفراش من دونه. فإن صححنا، فالتفريع كما سبق في الصغيرة. وإن زوجه عمياء، أو عجوزا، أو مفقودة بعض الاطراف، فوجهان. ويجب أن يكون في تزويج الصغيرة بالاعمى والاقطع والشيخ الهم الوجهان. وإن زوج المجنون أمة، جاز إن كان معسرا وخشي عليه العنت. وفي وجه: لا يجوز، لانه لا يخشى عليه وطئ يوجب حدا أو إثما، وهو ضعيف. وإن كان النقص بسبب آخر، فعلى ما ذكرنا في الصغيرة. فرع زوج بنته بخنثى قد بان رجلا، أو ابنه بخنثى قد بان إمرأة، فإن أثبتنا الخيار بهذا السبب، فالخنثى كالمجنون والمجنونة، وإلا، فكالاعمى. قلت: الخصي كالخنثى في هذا، قال البغوي: وكذا لو أذنت البالغة في التزويج مطلقا فزوجها بخصي أو خنثى. والله أعلم. فرع للسيد أن يزوج أمته برقيق ودنئ النسب، ولا يزوجها من به عيب يثبت الخيار، ولا من لا يكافئها بسبب آخر. فإن خالف، فهل يبطل النكاح، أم يصح ولها الخيار ؟ فيه مثل الخلاف السابق. وفي وجه ضعيف: يصح بلا خيار. ولو زوجها بمعيب برضاها، لم يكن لها الامتناع من تمكينه، وله بيعها ممن به بعض تلك العيوب. وهل لها الامتناع من تمكينه ؟ وجهان. قلت: قال المتولي: أصحهما: يلزمها التمكين. ومما يتعلق بالفصل، لو زوجها بعض الاولياء بكف ء بدون مهر المثل برضاها دون رضى بقية الاولياء، صح قطعا، إذ لا حق لهم في المهر، ولا عار. ولو طلبت التزويج برجل، وادعت كفاءته، وقال الولي: ليس بكف ء، رفع إلى القاضي، فإن ثبتت كفاءته، ألزمه تزويجها، فإن امتنع، زوجها القاضي به، وإن لم(5/429)
تثبت، لم يلزمه تزويجها به. قال البغوي: ولو زوجها واحد برضاها ورضى الباقين بغير كف ء، فاختلعت منه، ثم زوجها أحدهم به برضاها دون إذن الباقين، فقيل: يصح قطعا، لانهم رضوا به أولا. وقيل: على الخلاف، لانه عقد جديد. ولو امتنعوا، فلهم ذلك بلا خلاف. قال: ولو استأذن الاب البكر البالغة في التزويج بغير كف ء، فسكتت، فهل يصح قطعا، أم يكون على الخلاف ؟ فيه طريقان. والمذهب: الصحة. وقد سبقت المسألة في أول الباب. قال الشافعي رحمه الله في الاملاء: لو زوج أخته، فمات الزوج، فادعى وارثه أن الاخ زوجها بغير رضاها، وأنها لا ترث، فقالت: زوجني برضاي، فالقول قولها وترث، قال في الاملاء: وإن قال رجل: هذه زوجتي، فسكتت فمات، ورثته، وإن ماتت، لم يرثها، لان إقراره يقبل عليه دونها. ولو أقرت بزوجية رجل، فسكت فماتت، ورثها، وإن مات، لم ترثه. والله أعلم.
الطرف الثامن : في اجتماع الأولياء. فإذا اجتمعوا في درجة، كالاخوة والاعمام وبنيهم، استحب أن يزوجها أفضلهم بالفقه أو الورع، وأسنهم، برضى الباقين، لان هذا أجمع للمصلحة. ولو تعارضت هذه الخصال، قدم الافقه، ثم الاورع، ثم الاسن. ولو زوج غير الاسن والافضل برضاها بكف ء، صح، ولا اعتراض للباقين. ولو تنازعوا، وقال كل: أنا أزوج، نظر، إن تعدد الخاطب، فالتزويج ممن ترضاه المرأة، فإن رضيتهما جميعا، نظر القاضي في الاصلح وأمر بتزويجه، كذا ذكره البغوي وغيره. وإن اتحد الخاطب، وتزاحموا على العقد، أقرع بينهم، فمن خرجت قرعته، زوجها، فإن بادر غيره فزوجها، صح على الاصح. وقيل: لا يصح. فعلى هذا، هل يختص هذا الوجه بما إذا اقترعوا من غير ارتفاع إلى مجلس(5/430)
القاضي، أم يختص بقرعة ينشئها القاضي ؟ فيه تردد للامام. هذا كله إذا أذنت لكل واحد على الانفراد، أو قالت: أذنت في فلان، فمن شاء من أوليائي فليزوجني به. ولو قالت: زوجوني، اشترط اجتماعهم على الاصح. ولو قالت: رضيت أن أزوج، أو رضيت بفلان زوجا، فوجهان. أحدهما: ليس لاحد تزويجها، لانها لم تأذن لجميعهم إذنا عاما، ولا خاطبت واحدا، فصار كقولها: رضيت أن يباع مالي. وأصحهما: يصح، ولكل واحد تزويجها، لانهم متعينون شرعا، والشرط رضاها وقد وجد. فعلى هذا، لو عينت بعد ذلك واحدا، ففي انعزال الباقين وجهان. وقطع في الرقم بالانعزال، وقطع البغوي بخلافه. قلت: الاصح عدم الانعزال، وغلط الشاشي من قال بالانعزال. والله أعلم. فصل إذا أذنت لاحد الوليين أن يزوجها بزيد، وللآخر أن يزوجها بعمرو، وأطلقت الاذن، وصححناه، فزوج واحد زيدا، وآخر عمرا، أو وكل الولي المجبر رجلا، فزوجها الولي زيدا، والوكيل عمرا، أو وكل رجلين، فزوج أحدهما زيدا، والآخر عمرا، فللمسألة خمس صور. إحداها: أن يسبق أحد النكاحين ونعلمه، فهو الصحيح. والثاني باطل، سواء دخل الثاني، أم لا، وإنما يعلم السبق بالبينة أو التصادق. الثانية: أن يقعا معا، فباطلان. ولو اتحد الخاطب، وأوجب كل واحد من الوليين النكاح له معا، صح على الصحيح، ويتقوى كل واحد من الايجابين بالآخر، وحكى العبادي عن القاضي وغيره: أنه لا يصح، لانه ليس أحدهما أولى بالاعتبار، فتدافعا. الثالثة: إذا لم يعلم السبق والمعية، وأمكنا، فباطلان، لان الاصل عدم الصحة، كذا أطلقه الجمهور، ونقل الامام وغيره وجها: أنه لا بد من إنشاء فسخ، لاحتمال السبق. الرابعة: أن يسبق واحد معين، ثم يخفى، فيتوقف حتى يبين، ولا يجوز لواحد منهما الاستمتاع بها ولا لثالث نكاحها، إلا أن يطلقاها، أو يموتا، أو يطلق أحدهما، أو يموت الآخر.(5/431)
قلت: ولا بد من انقضاء عدتها بعد موت آخرهما. والله أعلم. وطرد بعضهم في هذه الصورة القولين المذكورين في الصورة الخامسة، وهو ضعيف. الخامسة: إذا علم سبق أحدهما، ولم يعلم عينه، فباطلان على المنصوص، وهو المذهب، كما لو احتمل السبق والمعية لتعذر الامضاء. وقيل: قولان، أحدهما هذا، والثاني مخرج من الجمعين في مثل هذه الصورة: أنه يتوقف كما في الصورة الرابعة. فعلى المذهب، هل يبطلان بلا فسخ ؟ أم لا بد من إنشاء فسخ ؟ فيه الخلاف السابق في الصورة الثالثة، فإن شرطنا الانشاء، ففيمن يفسخ أوجه. أصحها: الحاكم أو المحكم إن جوزنا التحكيم. والثاني: للمرأة الفسخ بغير مراجعة الحاكم. والثالث: للزوجين الفسخ أيضا. وحيث أبطلنا النكاحين، فلا مهر، إلا أن يوجد دخول، فيجب مهر المثل. وإذا أبطلنا عند احتمال السبق والمعية، وفيما إذا سبق أحدهما ولم يعلم، فهل يبطل ظاهرا وباطنا، أم ظاهرا فقط ؟ وجهان. فعلى الاول، لو ظهر وتعين السابق بعد، فلا زوجية. ولو نكحت ثالثا، فهي زوجة الثالث. وإن قلنا بالثاني، فالحكم بخلافه. قلت: ينبغي أن يقال: الاصح: أنه إن جرى فسخ من الحاكم، انفسخ أيضا باطنا، وإلا، فلا. والله أعلم. فرع إذا قلنا بالتوقف، فمات أحدهما، وقفنا من تركته ميراث زوجه. ولو ماتت، وقفنا ميراث زوج بينهما حتى يصطلحا أو يبين الحال، وفي وجوب نفقتها في مدة التوقف ومدة الحبس قبل الفسخ إذا قلنا به، وجهان. أحدهما: لا، لعدم التمكين، والاصل البراءة. والثاني: نعم، لصورة العقد وعدم النشوز مع حبسها. والاول أصح عند الامام. وبالثاني قطع ابن كج. فإن أوجبنا، وزعت عليهما. فإن تعين السابق، رجع الآخر عليه بما أنفق. قال أبو عاصم: ويحتمل أن يقال: إنما يرجع إذا أنفق بغير إذن الحاكم، وبهذا قطع ابن كج، وأما المهر، فلا يطالب به واحد منهما. فرع جميع ما سبق، هو فيما إذا تصادقوا في كيفية جريان العقد. أما إذا تنازعوا، وادعى كل زوج سبقه، وأنها زوجته، فينظر، إن لم يدعيا عليها، لم يعتبر(5/432)
قولهما، ولا تسمع دعوى أحدهما على الآخر، ولا يحلف أحدهما الآخر. هكذا قاله الجمهور. وقال الصيدلاني والعبادي في الرقم: يحلفان فلعله يظهر الحق. قال الامام: هذا لا مجال له إن زعما علم المرأة بالحال، بل تراجع هي. فإن اعترفا بأنها لم تعلم، فهو محتمل وينقدح في البداءة تخيير القاضي أو الاقراع. فإن حلفا أو نكلا، فهو كما لو اعترفا بالاشكال. وإن حلف أحدهما فقط، قضي له. وإن ادعيا على المرأة، فذاك ضربان. أحدهما: أن يدعيا علمها بالسبق. فإن كانت الصيغة: إنها تعلم سبق أحد النكاحين، لم تسمع الدعوى، للجهل. وإن قال كل واحد: هي تعلم أن نكاحي سابق، فقال صاحب التقريب والشيخ أبو محمد وغيرهما: يبنى على القولين في إقرار المرأة بالنكاح، هل يقبل ؟ فإن لم يقبل، لم تسمع الدعوى، إذ لا فائدة. وإن قلنا: تقبل وهو الاظفر، سمعت. وحينئذ، إما أن تنكر، وإما أن تقر. الحالة الاولى: أن تنكر العلم بالسبق، فتحلف عليه. وهل يكفي لهما يمين واحدة، أم يجب يمينان ؟ قال البغوي: يمينان. وقال القفال: إن حضرا وادعيا، حلفت يمينا، وهو مقتضى كلام ابن كج. وقال الامام: إن حضرا ورضيا بيمين، كفت. وإن حلفها أحدهما، ثم حضر الآخر، فهل له تحليفها ؟ وجهان، لان القضية واحدة، ونفي العلم بالسبق يشملهما. فإذا حلفت كما ينبغي، فقيل: لا تحالف بين الزوجين، وقد أفضى الامر إلى الاشكال، وضعفه الامام وقال: إنما حلفت على نفي العلم بالسبق، ولم تنكر جريان أحد العقدين على الصحة، فيبقى التداعي والتحالف بينهما. والذي أنكرناه ابتداء التحالف من غير ربط الدعوى بها، وبهذا قطع الغزالي. وإن نكلت هي، رددنا اليمين عليهما. فإن حلفا أو نكلا، جاء الاشكال، وإلا فيقضى للحالف، وإذا حلفا ونكلا، فلا شئ لهما عليها. وفي كتاب الحناطي وجه: أنهما إذا حلفا واندفع النكاحان، فلكل واحد عليها مهر المثل، وهو ضعيف. ويمينها - حلفت أو نكلت - تكون على البت دون نفي العلم، ولا حاجة إلى التعرض لعلمها. الحالة الثانية: أن تقر لاحدهما بالسبق، فيثبت النكاح (له). وفي سماع دعوى(5/433)
الثاني عليها وتحليفها قولان بناء على أنها لو أقرت للثاني بعد إقرارها للاول هل تغرم للثاني ؟ وفيه القولان السابقان في الاقرار لعمرو بدار أقر بها لزيد أولا. فإن قلنا: تغرم، سمعت الدعوى وحلفها، وإلا، فقولان بناء على أن يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه كإقرار المدعى عليه، أو كبينة يقيمها المدعي ؟ وفيه قولان. أظهرهما: كالاقرار. فعلى هذا، لا تسمع دعواها، لان غايتها أن تقر أو يحلف هو بعد نكولها، وهو كإقرارها، ولا فائدة فيه على هذا القول. وإن قلنا: كالبينة، فله أن يدعي ويحلفها. فإن حلفت، سقطت دعواه. وإن نكل، ردت اليمين عليه. فإن نكل، فكذلك. وإن حلف، بني على أن اليمين المردودة كالاقرار، أم كالبينة ؟ إن قلنا: كالاقرار، فوجهان. أحدهما: يندفع النكاحان، لتساويهما في أن مع كل واحد إقرارا. وحكي هذا عن نصه في القديم. وأصحهما: إستدامة النكاح للاول، ولا يرتفع بنكولها المحتمل للتورع، فيصير كما لو أقرت للاول، ثم للثاني. وإن قلنا: كالبينة. فقيل: يحكم بالنكاح للثاني، لان البينة تقدم على الاقرار. وبهذا قطع في المهذب. وقال الصيدلاني وآخرون: الصحيح إستدامة النكاح للاول، لان اليمين المردودة إنما تجعل كالبينة في حق الحالف والناكل، لا في حق غيرهما. وإذا اختصرت قلت: هل يندفع النكاحان، أم تسلم للاول، أم للااني ؟ فيه أوجه. إن سلمت للاول، غرمت للثاني، وحيث تغرم، نغرمها ما يغرم شهود الطلاق إذا رجعوا ؟ وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى. فرع لو كانت خرساء، أو خرست بعد التزويج، فأقرت بالاشارة بسبق أحدهما، لزمها الاقرار، وإلا، فلا يمين عليها، والحال حال الاشكال، حكي هذا عن نصه. فرع حلفت لاحدهما: لا تعلم سبقه، لا تكون مقرة للآخر، ولو قالت لاحدهما: لم يسبق، كانت مقرة للآخر، كذا قاله الامام والبغوي. والمراد إذا جرى ذلك بعد إقرارها بسبق أحدهما، وإلا، فيجوز أن يقعا معا، فلا تكون مقرة بسبق الآخر. الضرب الثاني: أن يدعيا عليها زوجية مطلقة، ولا يتعرضا لسبق، ولا لعلمها(5/434)
به، فهذا يبنى على أن دعوى النكاح هل يشترط فيها التفصيل وذكر الشروط ؟ وبيانه في كتاب الدعوى والبينات. فإن سمعنا دعوى النكاح مطلقة، أو فصلا القدر المحتاج إليه، ولم يتعرضا للسبق، لزمها الجواب الحازم، ولا يكفيها نفي العلم بالسابق، لكنها إذا لم تعلم، فلها الجواب الجازم والحلف أنها ليست زوجته، وهذا كما إذا ادعى على رجل أن أباه أتلف كذا، وطلب غرمه من التركة، حلف الوارث أنه لا يعلم أن أباه أتلف. ولو ادعى (أن) عليه تسليم كذا من التركة، حلف أنه لا يلزمه التسليم. وعدم العلم يجوز له الحلف الجازم. فرع هذا كله إذا كانت الدعوى على المرأة. فإن ادعيا على الولي، فإن لم يكن مجبرا، لم تسمع الدعوى، لان إقراره لا يقبل. وإن كان مجبرا، فوجهان. أحدهما: كذلك، لانه كالوكيل. وأصحهما: تسمع، لان إقراره مقبول، ومن قبل إقراره، توجهت عليه الدعوى واليمين، فعلى هذا إن كانت صغيرة، حلف الاب. وإن كانت كبيرة، فوجهان. أحدهما: لا يحلف، للقدرة على تحليفها. وأصحهما: يحلف. ثم إن حلف الاب، فللمدعي أن يحلف البنت أيضا. فإن نكلت، حلف اليمين المردودة، وثبت نكاحه. وفي التهذيب: أن المرأة إذا كانت بالغة، بكرا أو ثيبا، فالدعوى عليها.
الباب الخامس : في المولى عليه الاسباب المقتضية لنصب الولي خمسة: الصغر، والانوثة، والجنون، والسفه، والرق، وقد سبق حكم الاولين. السبب الثالث: الجنون. فإن كان المجنون كبيرا، لم يزوج لغير حاجة، ويزوج للحاجة، وذلك بأن تظهر رغبته فيهن بدورانه حولهن وتعلقه بهن ونحو ذلك. أو بأن يحتاج إلى من يخدمه ويتعهده، ولا يجد في محارمه من يحصل هذا، وتكون مؤنة النكاح أخف من ثمن جارية، أو بأن يتوقع شفاؤه بالنكاح. وإذا جاز تزويجه،(5/435)
تولاه الاب، ثم الجد، ثم السلطان، دون سائر العصبات، كولاية المال. وإن كان المجنون صغيرا، لم يصح تزويجه على الصحيح. وقيل: يزوجه الاب أو الجد، وطرد الشيخ أبو محمد الوجهين في الصغير العاقل الممسوح. ومتى جاز تزويج المجنون، لم يزوج إلا إمرأة واحدة، والمخبل كالمجنون في النكاح، وهو الذي في عقله خلل، وفي أعضائه استرخاء، ولا حاجة به إلى النكاح غالبا. ويجوز أن يزوج الصغير العاقل أربعا على الاصح. وقيل: لا يجوز أن يزيد على واحدة. قلت: وفي الابانة وجه: أنه لا يجوز تزويجه ء صلا، وزعم أنه الاصح، وهو غلط. ثم إنما يزوج الصغير العاقل الاب والجد، ولا يصح تزويج الوصي والقاضي، لعدم الحاجة وانتفاء كمال الشفقة، هذا هو الصواب الذي عليه في البويطي، وصرح به الجمهور. وقال في البيان: يجوز للوصي والحاكم كالاب، وليس بشئ. والله أعلم. فرع في المجنونة أوجه. الصحيح: أن الاب - والجد عند عدمه - يزوجانها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بكرا أم ثيبا. والثاني: لا يستقلان بتزويج الكبيرة الثيب، بل يشترط إذن السلطان بدلا عن إذنها. والثالث: لا يزوج الثيب الصغيرة كما لو كانت عاقلة، والفرق على الصحيح أن البلوغ غاية تنتظر. ثم لا يشترط في تزويجها ظهور الحاجة، بل يكفي ظهور المصلحة، بخلاف المجنون، لان نكاحها يفيد المهر والنفقة، ويغرم المجنون. وسواء التي بلغت مجنونة، ومن بلغت عاقلة ثم جنت، بناء على أن من بلغ(5/436)
عاقلا ثم جن، فولاية ماله لابيه، وهو الاصح. وإن قلنا: إنها للسلطان، فكذا التزويج. وأما المجنونة التي لا أب لها ولا جد، فإن كانت صغيرة، لم تزوج، إذ لا إجبار لغير الاب والجد، ولا حاجة لها في الحال. وإن كانت بالغة، ففيمن يزوجها وجهان. أحدهما: القريب كالاخ والعم، لكن لا ينفرد به، بل يشترط إذن السلطان مقام إذنها. فإن امتنع القريب، زوجها السلطان كما لو عضلها. وأصحهما: يزوجها السلطان كما يلي مالها، لكن يراجع أقاربها، لانهم أعرف بمصلحتها وتطييبا لقلوبهم، وهذه المراجعة واجبة، أم مستحبة ؟ وجهان. صحح البغوي الوجوب، وضعفه الامام. فإن أوجبنا المشاورة، فلم يشيروا بشئ، استقل السلطان. ويجري الوجهان في وجوب المشاورة في تزويج المجنون. ثم من ولي نكاحها من السلطان أو القريب، يزوج عند ظهور الحاجة بأن تظهر علامات غلبة شهوتها، أو يقول أهل الطب: يرجى بتزويجها الشفاء. أما إذا لم تظهر، وأراد التزويج لكفاية النفقة، أو لمصلحة أخرى، فهل يجوز كما يجوز للاب بمجرد المصلحة ؟ أم لا لان تزويجها يقع إجبارا وليس هو لغير الاب والجد ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. قال الامام: واتفق الاصحاب على الاكتفاء بالمصلحة في تزويج الاب والجد. فرع البالغ المنقطع جنونه، لا يصح تزويجه حتى يفيق فيأذن، ويشترط وقوع العقد في حال إفاقته. فلو عاد الجنون قبل العقد، بطل الاذن، كما تبطل الوكالة بالجنون، وهكذا الثيب المنقطع جنونها. وأما المغلوب على عقله بمرض، فتنتظر إفاقته، فإن لم تتوقع إفاقته، فكالمجنون. السبب الرابع: السفه. فالمحجور عليه لسفه، لا يستقل بالتزوج، بل يراجع الولي ليأذن أو يزوجه. فإن أذن له الولي فتزوج، جاز على الصحيح،(5/437)
وعن أبي الطيب ابن سلمة وغيره: أنه لا يجوز كالصبي. فعلى الصحيح، إن عين له إمرأة، لم يصح نكاح غيرها، ولينكحها بمهر المثل أو أقل. فإن زاد، فحكى ابن القطان قولا مخرجا: أن النكاح باطل. والمشهور صحته، لان خلل الصداق لا يفسد النكاح. فعلى هذا، تبطل الزيادة، ويجب مهر المثل. وقال ابن الصباغ: القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل. والفرق أن على التقدير الاول تستحق الزوجة مهر المثل من المعين، وعلى قوله يجب مهر المثل في الذمة. وإن قال له الولي: انكح إمرأة من بني فلان، فلينكح واحدة منهن بمهر المثل. ولو قدر المهر، ولم يعين المرأة، فقال: انكح بألف، فلينكح إمرأة بألف. فإن كان مهر مثلها ألفا فأكثر، فالنكاح صحيح بالمسمى. وإن كان أقل، صح النكاح بمهر المثل، وسقطت الزادة. وإن نكح بألفين، فإن كان مهر مثلها أكثر من ألف، لم يصح النكاح، لان الولي لم يأذن في أكثر من ألف. وفي الرد إلى ألف إضرار بها. وإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل، صح النكاح بمهر المثل، وسقطت الزيادة. وعن تخريج ابن خيران وابن القطان، أنه متى زاد على ما أذن به الولي، بطل النكاح بكل حال. ولو جمع الولي في الاذن بيق تعيين المرأة وتقدير المهر، فقال: انكح فلانة بألف، فإن كان مهر مثلها دون الالف، فالاذن باطل. وإن كان ألفا، فنكحها بألف أو أقل، صح النكاح بالمسمى. وإن زاد، سقطت الزيادة. وإن كان مهر مثلها أكثر من ألف، فإن نكح بألف، صح النكاح بالمسمى، وإن زاد، لم يصح النكاح، هكذا ذكره البغوي. أما إذا أطلق الولي الاذن، فقال: تزوج، فوجهان. أحدهما: (وهو) محكي عن أبوي علي: ابن خيران، والطبري. وعن الداركي، أنه يلغو الاذن، ولا بد من(5/438)
تعيين إمرأة، أو قبيلة، أو مهر. وأصحهما: يكفي الاطلاق كالعبد. فعلى هذا، لو تزوج بأكثر من مهر المثل، صح النكاح، وسقطت الزيادة. وإن تزوج بمهر المثل أو أقل، صح النكاح بالمسمى. لكن لو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله، فوجهان حكاهما ابن كج. اختيار الامام وبه قطع الغزالي: أنه لا يصح النكاح، بل يتقيد بموافقة المصلحة. ذكر ابن كج تفريعا على اعتبار الاذن المطلق وجهين فيما لو عين الولي إمرأة فعدل السفيه إلى غيرها (فنكحها) بمثل مهر المعينة، لانه لا غرض للولي في أعيان الزوجات. فرع قال: انكح من شئت بما شئت، ذكر بعضهم أنه يبطل الاذن، لانه رفع الحجر بالكلية. فرع قال ابن كج: الاذن للسفيه في النكاح، لا يفيده جواز التوكيل، لانه لم يرفع الحجر. فرع أما إذا قبل الولي النكاح للسفيه، ففي اشتراط إذن السفيه وجهان. أحدهما: لا، لانه فوض إليه رعاية مصلحته. فإذا عرف حاجته، زوجه كما يكسوه ويطعمه. وبهذا قال الشيخ أبو حامد والعراقيون. وأصحهما: نعم، لانه حر مكلف. وقد نص الشافعي رحمه الله في المختصر: أن السفيه يزوجه وليه، فربما استأنس به الاولون، وحمله الآخرون على أصل التزويج، ثم يراعى شرطه، ونقل الربيع: أنه لا يزوجه وليه، واتفقوا على أنه ليس اختلاف قول، بل حمل قوم رواية الربيع على القيم الذي لم يأذن له الحاكم في التزويج، وبعضهم على ما إذا لم(5/439)
يحتج السفيه إلى النكاح. ثم إذا قبل له الولي النكاح، فليقبل بمهر المثل أو أقل، فإن زاد، كان كما لو قبل الاب لابنه بأكثر من مهر المثل. ففي قول: يبطل النكاح. والاظهر: أنه يصح بمهر المثل. فرع لو نكح السفيه بغير إذن الولي، فنكاحه باطل، ويفرق بينهما. فإن كان دخل بها، فلا حد، للشبهة. وفي المهر أوجه. أصحها: لا يجب، كما لو اشترى شيئا فأتلفه. وفيه إشكال من جهة أن المهر حق المرأة، وقد تزوج ولا علم لها بحال الزوج. والثاني: يجب مهر المثل. والثالث: يجب أقل ما يتمول. قلت: وإذا لم نوجب شيئا، ففك الحجر، فلا شئ عليه على المذهب، كالصبي إذا وطئ ثم بلغ. وحكى الشاشي فيه وجهين. والله أعلم. فرع قال الاكثرون: يشترط في نكاح السفيه حاجته إليه، وإلا، فهو إتلاف ماله بلا فائدة، وبنوا على هذا أنه لا يزوجه إلا واحدة كالمجنون. قالوا: والحاجة بأن تغلب شهوته، أو احتاج إلى من يخدمه ولم تقم محرم بخدمته، وكانت مؤن الزوجة أخف من ثمن جارية ومؤنها، ولم يكتفوا في الحاجة بقول السفيه، لانه قد يقصد إتلاف المال، بل اعتبروا ظهور الامارات الدالة على غلبة الشهوة. وحكى الامام وجها أنه يجوز تزويجه بالمصلحة كالصبي، ولم يعتبر الامام والغزالي ظهور أمارات الشهوة، واكتفيا فيها بقول السفيه. فرع إذا طلب السفيه النكاح مع ظهور أمارة الحاجة إن اعتبرناه، أو دونه إن لم نعتبره، وجب على الولي إجابته. فإن امتنع فتزوج السفيه بنفسه، فقد أطلق الاصحاب في صحة النكاح وجهين. أصحهما عند المتولي: لا يصح. وقال الامام والغزالي: إذا امتنع الولي، فليراجع السفيه السلطان كالمرأة المعضولة. فإن خفت(5/440)
الحاجة، وتعذرت مراجعة السلطان، ففي استقلال السفيه حينئذ الوجهان. فرع يصح طلاق المحجور عليه، فإن كان مطلاقا، سري بجارية. فرع الكلام فيمن يلي أمر السفيه، سبق في الحجر. وذكر أبو الفرج الزاز: أنه إن بلغ رشيدا، ثم طرأ السفه، فنكاحه متعلق بالسلطان. وإن بلغ سفيها، فهل يفوض إلى السلطان، أم إلى الاب والجد ؟ وجهان. وأطلق ابن كج أنه يزوجه القاضي، وأنه إن جعله في حجر إنسان، زوجه الذي هو في حجره. وقال الامام: إن فوض إلى القيم التزويج، زوج، وإلا، فلا. قلت: الاصح أنه إن كان له أب أو جد، فالتزويج إليه، وإلا، فلا يجوز أن يزوجه إلا القاضي ومن فوض إليه القاضي تزويجه. وممن صرح بهذا التفصيل وجزم به، الشيخ أبو محمد في شرح المختصر. والله أعلم. فرع قال البغوي: إقرار السفيه بالنكاح لا يصح، لانه ليس ممن يباشره، وهذا قد يشكل بإقرار المرأة. فرع للمحجور عليه بفلس النكاح، وتكون مؤنه في كسبه، لا فيما في يده. السبب الخامس: الرق. فنكاح العبد بغير إذن سيده باطل، وبإذنه صحيح، سواء كان سيده رجلا أو إمرأة. ويجوز إذن سيده في إمرأة معينة، أو واحدة من القبيلة، أو البلدة، ويجوز مطلقا. وإذا قيد، فعدل العبد عن المأذون فيه، لم يصح نكاحه. وحكى الحناطي وجها أنه إن كان قدر مهرا، فنكح غير المعينة به، أو(5/441)
بأقل، صح، والصحيح الاول. وإذا أطلق الاذن، فله نكاح حرة أو أمة، وفي تلك البلدة أو غيرها، وللسيد منعه من الخروج إلى البلدة الاخرى. ولو قدر مهرا، فزاد، فالزيادة في ذمته، يطلب بها إذا عتق. ولو نكح بالمقدر إمرأة مهرها أقل، فقد ذكر الحناطي فيه ثلاثة إحتمالات. أصحها: صحة النكاح، ووجوب المسمى في الحال. والثاني: أن الزيادة على مهر مثلها، يطلب بها إذا عتق. والثالث: بطلان النكاح. ولو رجع عن الاذن ولم يعلم به العبد حتى نكح، فهو على الخلاف في الوكيل، كذا ذكره ابن كج. ولو طلق العبد بعدما نكح بإذن سيده، لم ينكح أخرى إلا بإذن جديد. ولو نكحها نكاحا فاسدا، فهل له نكاح أخرى ؟ فيه خلاف لبني على أن الاذن يتناول الفاسد، أم يختص بالصحيح، ولهذا أصل سيأتي إن شاء الله تعالى.
فصل هل للسيد إجبار العبد البالغ على النكاح ؟ قولان. القديم: نعم. والجديد: لا. فإن كان صغيرا، فالاصح أنه كالكبير. وقيل: يجبر قطعا، واختاره ابن كج. والكبير المجنون كالصغير، فإن جوزنا الاجبار، فللسيد أن يقبل النكاح للبالغ، وله أن يكرهه على القبول، ويصح، لانه إكراه بحق، كذا قاله البغوي. وقال المتولي: لا يصح قبوله كرها، ويقبل إقرار السيد على العبد بالنكاح كإقرار الاب على بنته. ويجوز أن يزوج أمته بعبده الصغير والكبير، ولا يجب مهر. وفي استحباب ذكره قولان. الجديد: استحبابه. وإذا طلب العبد النكاح، فليجبه السيد، ولا تجب الاجابة على الاظهر. فإن أوجبنا، فامتنع سيده، زوجه السلطان كالمعضولة. ولو نكح بنفسه، قال الامام: هو كما لو طلب السفيه وامتنع الولي فنكح بنفسه. والمدبر والمعلق عتقه كالقن. ومن بعضه حر لا يجبر ولا يستقل، وفي وجوب إجابته الخلاف. والمكاتب لا يستقل، ولا يجبره السيد. ولو نكح بإذن السيد، صح على المذهب. وقيل: قولان كتبرعه. فإن صححنا، ففي وجوب إجابته الخلاف كالقن، وأولى بالوجوب. والعبد المشترك، هل لسيديه(5/442)
إجباره وعليهما إجابته ؟ فيه الخلاف المذكور في الطرفين. ولو دعاه أحدهما إلى النكاح، وامتنع الآخر أو العبد، فلا إجبار. ولو طلب أحدهما مع العبد، وامتنع الآخر، فعن الشيخ أبي حامد: أنه كالمكاتب. وقال ابن الصباغ: لا تؤثر موافقة الآخر. فرع له إجبار أمته على النكاح، سواء الصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب، والعاقلة والمجنونة. وإن طلبته، لم يلزمه إجابتها إن كانت ممن يحل له وطؤها، وكذا إن لم يحل على الاصح، كالاخت. ولو ملك أختين، فوطئ إحداهما، لم يجبر على تزويج الاخرى قطعا، لان تحريمها عليه لعارض. والمدبرة والمعلق عتقها كالقنة، وكذا أم الولد على الصحيح. ومن بعضها حر، لا تجبر ولا يجبر سيدها (أيضا) على الاصح. والمكاتبة لا تجبر، ولا تنكح دون إذنه. وفي وجوب إجابتها وجهان. قلت: الاصح لا تجب. والله أعلم. وفي وجه: لا تزوج أصلا، لاختلال ملك المولى، وعدم استقلالها. فرع لا يزوج السيد أمة مكاتبه ولا عبده، ولا يزوجها المكاتب بغير إذن سيده، وبإذنه قولان كتبرعه. فرع إذا كان لعبده المأذون له في التجارة أمة، فإن لم يكن على العبد دين، جاز للسيد تزويجها بغير إذن العبد على الاصح. وقيل: لا، إلا أن يعد الحجر عليه، لاحتمال أن يحدث دين ولا يفي ما في يده به. وإن كان عليه دين، وزوجها بإذن العبد والغرماء، صح. وإن زوج بإذنه دونهم، أو بإذنهم دونه، لم(5/443)
يصح على الاصح. وبيع السيد ووطؤه وهبته هذه الجارية، كتزويجها في حالتي قيام الدين وعدمه. وإذا وطئ بغير إذن الغرماء، فهل عليه المهر ؟ وجهان. قلت: لعل أصحهما الوجوب، لان مهرها مما يتعلق به حق الغرماء، بخلاف وطئه المرهونة. والله أعلم. فإن أحبلها، فالولد حر، والجارية أم ولد إن كان موسرا. وإن كان معسرا، لم تصر أم ولد، بل تباع في الدين. فإن ملكها بعد، فالحكم كما سبق في المرهونة، وكذا الحكم في استيلاد الجارية الجانية وفي استيلاد الوارث جارية التركة إذا كان على المورث دين. وإذا لم نحكم باستيلاد في الحال، وجب قيمة ولد جارية العبد المأذون، وجارية التركة، ولا يجب في ولد الجانية والمرهونة، لان حق المجني عليه والمرتهن لا يتعلق بالولد. ولو أعتق عبد المأذون، وعلى المأذون دين، أو أعتق الوارث عبد التركة، وعلى المورث دين، قال البغوي: قيل في نفوذ العتق قولان، كإعتاق المرهون. والمذهب: أنه إن كان معسرا، لم ينفذ. وإن كان موسرا، نفذ كالاستيلاد، وعليه أقل الامرين من الدين وقيمة العبد، كإعتاق العبد الجاني. فرع تزويج من تعلق برقبتها مال، لا يجوز بغير إذن المجني عليه إن كان السيد معسرا. وإن كان موسرا، جاز على أحد الوجهين، وكان اختيارا للفداء. قلت: الجواز أصح. والله أعلم. فرع تزويج السيد أمته، هل هو بالملك، أم بالولاية ؟ وجهان. أصحهما: بالملك. ويتفرع عليهما صور. منها: إذا سلبنا الفاسق الولاية، زوجها إن قلنا بالملك، وإلا، فلا.(5/444)
ومنها: إذا كان لمسلم أمة كتابية، فله تزويجها على المذهب، وهو المنصوص، وإنما يتصور تزويجه إياها بعبد أو حر كتابي إذا حللناها لهما. ومنها: إذا كان للكافر أمة مسلمة، أو أم ولد، قال ابن الحداد: يزوجها بالملك، والاصح المنع. ولو كان لمسلم أمة مجوسية أو ذمية، فهل له تزويجها ؟ وجهان. صحح الشيخ أبو علي الجواز، وقطع البغوي بالمنع. وما ذكرناه من الخلاف في أن تزويج الامة باللك، أم بالولاية، لا يجري في تزويج العبد إلا إذا قلنا: للسيد إجباره. فلو كان للكافر عبد مسلم، ورأينا الاجبار، ففي إجباره إياه الخلاف في كونه يزوج أمته المسلمة. وإن لم نر الاجبار، لم يستقل العبد، ولكن يأذن له السيد ليسقط حقه فيستقل العبد حينئذ، كما تأذن المرأة لعبدها فيتزوج وإن كانت ليست أهلا للتزويج. ومنها: قال المتولي: للمكاتب تزويج أمته إن قلنا بالملك، وإلا، فلا.
فصل عبد الصبي والمجنون والسفيه، لا يزوجه وليهم على الصحيح. وقيل: يجوز، فقد تقتضيه مصلحة. ولو طلب عبدهم التزويج، فإن لم نجبر السيد الرشيد، لم يجز لوليهم الاجابة. وإن أجبرناه، فعلى وليهم الاجابة. وأما أمة الصبي والمجنون والسفيه، فيجوز لوليهم تزويجها على الاصح إذا ظهرت الغبطة. وقيل: لا. وقيل: تزوج أمة الصبية دون الصبي، فقد يحتاج إليها إذا بلغ. فإن جوزنا، قال الامام: يجوز تزويج أمة الثيب الصغيرة وإن لم يجز تزويجها، ولا يجوز للاب تزويج أمة البكر البالغة وإن كان يقهرها. وفيمن يزوج أمة الصغير والمجنون وجهان. أحدهما: ولي ماله نسيبا كان أو وصيا أو قيما كسائر التصرفات. وأصحهما: أنه ولي النكاح الذي يلي المال. وعلى هذا، غير(5/445)
الاب والجد لا يزوج أمة الصغير والصغيرة، والاب لا يزوج أمة الثيب الصغيرة، فإن كانت مجنونة، زوج. وإن كانت لسفيه، فلا بد من إذنه. فرع أمة المرأة، إن كانت مالكتها محجورا عليها، فقد سبق بيانها، وإلا، فيزوجها ولي المرأة تبعا لولايته عليها، وسواء الولي بالنسب وغيره، والامة العاقلة والمجنونة، الصغيرة والكبيرة، ولا حاجة إلى إذن الامة، ويشترط إذن مالكتها نطقا وإن كانت بكرا، إذ لا تستحي. فصل أعتق في مرضه أمة، قال ابن الحداد: لا يجوز لوليها الحر كالاب والاخ تزويجها حتى يبرأ أو يموت، وتخرج من ثلثه، لانها إنما تعتق كلها على هذين التقديرين، ووافقه على هذا جماعة، منهم ابن كج وقال ابن سريج وأبو زيد والاكثرون: يجوز لوليها تزويجها، لانها حرة في الظاهر، فعلى هذا النكاح صحيح ظاهرا. فإن تحققنا بعد ذلك نفوذ العتق، تحققنا مضي النكاح على الصحة، وإلا، فإن رد الورثة أو أجازوا، وقلنا: الاجازة عطية منهم، بان فساد النكاح، وإلا، بان صحته. ثم إن لم يكن للمعتق مال سواها، فالمسألة على ما ذكرنا. وإن كان له (مال) يفي ثلثه بقيمتها، فمقتضى كلام ابن الحداد وجماهير الناقلين، أنه كذلك. قال الامام: ويجوز أن يقال: على مقتضى قول ابن الحداد النكاح هاهنا محمول على الصحة، ويجوز خلافه، لضعف ملك المريض. قال الشيخ أبو علي: ومفهوم كلام ابن الحداد أنه إذا لم يكن لها ولي غير السيد، فزوجها، صح، لانها إن لم تخرج من الثلث، فهو ولي ما عتق بالولاء، ومالك ما لم يعتق. فإن زوجها السيد، ولها ولي مناسب، إن كان بإذنه، صح قطعا، وإلا، فلا قطعا.(5/446)
الباب السادس : في موانع نكاحها قد سبق في الركن الثاني من الباب الثالث، الاشارة إلى بيان الموانع. ومنها ما نتكلم في إيضاحه في غير الباب، ككونها ملاعنة، ومعظمها نبسط الكلام فيه هنا إن شاء الله تعالى، ويجمعها أربعة أجناس.
الجنس الأول : المحرمية، وهي الوصلة المحرمة للنكاح أبدا، ولها ثلاثة أسباب: القرابة، والرضاع، والمصاهرة. السبب الاول: القرابة، ويحرم منها سبع: الامهات، والبنات، والاخوات، والعمات، والخالات، وبنات الاخ، وبنات الاخت، ولا تحرم بنات الاعمام والعمات والاخوال والخالات، قربن أم بعدن، والمراد بالام: كل أنثى ولدتك، أو ولدت من ولدك، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أم بغيرها. وإن شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليها نسبك بالولادة بواسطة أم بغيرها. وبنتك: كل أنثى ولدتها، أو ولدت من ولدها، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أم بغيرها. وإن شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة، بواسطة أم بغيرها. وأختك: كل أنثى(5/447)
ولدهآ أبواك أو أحدهما. وبنت أخيك وبنت أختك منهما، كبنتك منك. وعمتك: كل أنثى هي أخت ذكر ولدك، بواسطة أو بغيرها، وقد تكون من جهة الام، كأخت أب الام. وخالتك: كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغيرها، وقد تكون من جهة الاب، كأخت أم الاب، وعبر الاصحاب عنهن بعبارتين. إحداهما: قال الاستاذ أبو إسحق: يحرم عليه أصوله، وفصوله، وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل بعده، أي بعد أول الاصول. فالاصول: الامهات. والفصول: البنات. وفصول أول الاصول: الاخوات وبنات الاخ والاخت. وأول فصل من كل أصل بعد الاصل الاول: العمات والخالات. الثانية: قال الاستاذ أبو منصور البغداذي: تحرم نساء القرابة، إلا من دخلت في إسم ولد العمومة جو ولد الخؤولة. وهذه العبارة أرجح، لا يجازها، ولان الاولى لا تنص على الاناث، لان لفظ الاصول والفصول يتناول الذكور والاناث، ولان اللائق بالضابط أن يكون أقصر من المضبوط، والاولى بخلافه. فرع زنا بإمرأة، فولدت بنتا، يجوز للزاني نكاح البنت، لكن يكره. وقيل: إن تيقن أنها من مائة، إن تصور تيقنه، حرمت عليه. وقيل: تحرم مطلقا. والصحيح: الحل مطلقا. والبنت التي نفاها باللعان، تحرم عليه إن كان دخل بأمها، وكذا إن لم يدخل (بها) على الاصح. قال المتولي: وعلى هذا، ففي وجوب القصاص بقتلها، والحد بقذفها، والقطع بسرقة مالها، وقبول شهادته لها الوجهان. قلت: وسواء طاوعته على الزنا أو أكرهها. والله أعلم.(5/448)
السبب الثاني: الرضاع، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فكل من أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو أرضعت من ولدك بواسطة أو غيرها، فهي أمك. وكذلك كل إمرأة ولدت المرضعة أو الفحل، وكل إمرأة ارتضعت بلبنك أو بلبن من ولدته، أو أرضعتها إمرأة ولدتها أنت، فهي بنتك. وكذلك بناتها من النسب والرضاع. وكل إمرأة أرضعتها أمك، أو ارتضعت بلبن أبيك، فهي أختك. وكذلك كل إمرأة ولدتها المرضعة أو الفحل وأخوات الفحل والمرضعة وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع، عماتك وخالاتك. وكذلك كل إمرأة أرضعتها واحدة من جداتك، أو ارتضعت بلبن جد لك من النسب والرضاع، وبنات أولاد المرضعة والفحل من النسب والرضاع، بنات أخيك وأختك. وكذلك كل أنثى أرضعتها أختك، أو ارتضعت بلبن أخيك، وبناتها وبنات أولادها من النسب والرضاع، بنات أخيك وأختك. وبنات كل ذكر أرضعته أمك، أو ارتضع لبن أبيك، وبنات أولاده من النسب والرضاع، بنات أخيك. وبنات كل إمرأة أرضعتها أمك، أو ارتضعت لبن أبيك، وبنات أولادها من النسب والرضاع، بنات أختك. فرع أربع نسوة يحرمن في النسب، وفي الرضاع قد يحرمن، وقد لا يحرمن. إحداهن: أم الاخ والاخت في النسب حرام، لانها أم، أو زوجة أب، وفي الرضاع إن كانت كذلك حرمت، وإلا، فلا، بأن أرضعت أجنبية أخاك أو أختك. الثانية: أم نافلتك في النسب، حرام لانها بنتك، أو زوجة إبنك، وفي الرضاع قد لا تكون بنتا ولا زوجة ابن، بأن أرضعت أجنبية نافلتك. الثالثة: جدة ولدك في النسب، حرام، لانها أمك، أو أم زوجتك، وفي(5/449)
الرضاع قد لا تكون كذلك، بأن أرضعت أجنبية ولدك، فإن أمها جدته، وليست بأمك، ولا بأم زوجتك. الرابعة: أخت ولدك حرام، لانها بنتك أو ربيبتك. وإذا أرضعت أجنبية ولدك، فبنتها أخته، وليست بنتك ولا ربيبتك، ولا تحرم أخت الاخ في النسب، ولا في الرضاع. وصورته في النسب: أن يكون لك أخت لام، وأخ لاب، فيجوز له نكاحها. وفي الرضاع: إمرأة أرضعتك وأرضعت صغيرة أجنبية منك، يجوز لاخيك نكاحها. وهذه الصور الاربع مستثناة من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. قلت: كذا قال جماعة من أصحابنا: تستثنى الصور الاربع. وقال المحققون: لا حاجة إلى استثنائها، لانها ليست داخلة في الضابط، ولهذا لم يستثنها الشافعي وجمهور الاصحاب رضي الله عنهم، ولا استثنيت في الحديث الصحيح يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لان أم الاخ لم تحرم لكونها أم أخ، وإنما حرمت لكونها أما أو حليلة أب، ولم يوجد ذلك في الصورة الاولى، وكذا القول في باقيهن. والله أعلم. السبب الثالث: المصاهرة، فيحرم بها على التأبيد أربع.(5/450)
إحداهن: أم زوجتك، وأم زوجتك منها كأمك منك، وسواء أمهات النسب والرضاع. الثانية: زوجة إبنك وابن إبنك وإن سفل بالنسب والرضاع، وقول الله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * المراد به أنه لا تحرم زوجة من تبناه. الثالثة: زوجة الاب والاجداد وإن علوا من قبل الاب والام جميعا، وتحرم زوجة الاب من الرضاع. الرابعة: بنت الزوجة، وبنت زوجتك منها كبنتك منك، سواء بنت النسب والرضاع، وتحرم الثلاث الاوليات بمجرد العقد، بشرط أن يكون صحيحا. فأما النكاح الفاسد، فلا يتعلق به حرمة المصاهرة، لانه لا يفيد حل المنكوحة، وحرمة غيرها فرع لحلها. وأما الرابعة، وهي بنت الزوجة، فلا تحرم إلا بالدخول بالزوجة. وحكى الشيخ أبو عاصم العبادي وابنه أبو الحسن عن أبي الحسن أحمد بن محمد الصابوني من أصحابنا: أن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالزوجة كالربيبة، وهو شاذ ضعيف.(5/451)
فرع لا تحرم بنت زوج الام، ولا أمه، ولا بنت زوج البنت، ولا أمه، ولا أم زوجة الاب، ولا بنتها، ولا أم زوجة الابن، ولا بنتها، ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب. فصل مجرد ملك اليمين، لا يثبت شيئا من هذه المحرمات، لكن الوطئ فيه يثبتها، حتى تحرم الموطوءة على ابن الواطئ وأبيه، وتحرم عليه أم الموطوءة وبنتها. والوطئ بشبهة النكاح الفاسد، والشراء الفاسد، ووطئ الجارية المشتركة، وجارية الابن، يثبت حرمة المصاهرة، كما يثبت النسب، ويوجب العدة. وحكي قول: أن وطئ الشبهة لا يثبت حرمة المصاهرة، كالزنا. والمشهور الذي قطع به الجمهور الاول، وذلك فيما إذا شملت الشبهة الواطئ (أو) الموطوءة. فإن اختصت الشبهة بأحدهما، والآخر زان، بأن وطئها يظنها زوجته وهي عالمة، أو يعلم وهي جاهلة أو نائمة أو مكرهة، أو مكنت البالغة العاقلة مجنونا أو مراهقا عالمة، فوجهان. أصحهما: الاعتبار بالرجل، فتثبت المصاهرة إذا اشتبه عليه، كما يثبت النسب والعدة، ولا يثبت إذا لم يشتبه عليه، كما لا يثبت النسب والعدة. والثاني: تثبت المصاهرة في أيهما كانت الشبهة، وعلى هذا وجهان. أحدهما: يختص بمن اختصت الشبهة به. فإن كان الاشتباه عليه، حرم عليه أمها وبنتها، ولا تحرم على أبيه وابنه. وإن كان الاشتباه عليها، حرمت على ابنه وأبيه، ولا تحرم عليه أمها وبنتها. والثاني: أنها تعم الطرفين كالنسب. فرع الوطئ في النكاح وملك اليمين، كما يوجب الحرمة، يوجب المحرمية، فيجوز للواطئ الخلوة والمسافرة بأم الموطوءة وبنتها، والنظر إليها، ولابنه الخلوة والمسافرة بالموطوءة والنظر. وفي وطئ الشبهة وجهان. ويقال:(5/452)
قولان. أصحهما عند الامام كذلك، لان الشبهة تثبت النسب والعدة، فكذا المحرمية. وأصحهما عند الجمهور: المنع، وحكوه عن نصه في الاملاء. فرع الزنا لا يثبت المصاهرة، فللزاني نكاح أم المزني بها وبنتها، ولابيه وإبنه نكاحها. ولو لاط بغلام، لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته. ولو ملك جارية محرمة عليه برضاع أو مصاهرة، فوطئها، فإن لم نوجب به الحد، ثبتت المصاهرة. وإن أوجبناه، فلا. فرع المفاخذة، والقبلة، والمس، هل هي كالوطئ فتثبت المصاهرة وتحرم الربيبة في النكاح ؟ فيه قولان. أظهرهما عند البغوي والروياني: نعم. وأظهرهما عند ابن أبي هريرة وابن القطان والامام وغيرهم: لا. والقولان فيما إذا جرى ذلك بشهوة. فأما المس بغير شهوة، فلا أثر له على المذهب، وبه قطع الجمهور. قال الامام: ومنهم من أطلق القولين في الملامسة. وأما النظر بشهوة، فلا يثبت المصاهرة على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقيل: قولان. وقيل: إن نظر إلى الفرج، فقولان، وإلا، فلا. فرع إذا استدخلت ماء زوجها أو أجنبي بشبهة، ثبتت المصاهرة والنسب والعدة، دون الاحصان والتحليل. وفي تقدير المهر ووجوبه للمفوضة وثبوت الرجعة والغسل والمهر في صورة الشبهة وجهان. أصحهما: المنع. ولو(5/453)
أنزل أجنبي بزنا، لم يثبت باستدخاله المصاهرة ولا النسب. وإن أنزل الزوج بالزنا، حكى البغوي أنه لا يثبت النسب ولا المصاهرة ولا العدة. وقال من عند نفسه: وجب أن تثبت هذه الاحكام كما لو وطئ زوجته يظن أنه يزني. فرع ما أثبت التحريم المؤبد إذا طرأ على النكاح، قطعه. فلو نكح إمرأة، فوطئها أبوه أو إبنه بشبهة، أو وطئ هو أمها أو بنتها بشبهة، إنفسخ نكاحها. وفي المولدات لابن الحداد فرعان يتعلقان بهذا الاصل. أحدهما: نكح امرأة ونكح ابنه ابنتها، ووطئ كل واحد منهما زوجة الآخر غالطا، إنفسخ النكاحان. وهذا تفريع على المشهور أن وطئ الشبهة كالوطئ في ملك، ويجب على كل واحد منهما مهر المثل للتي وطئها بالشبهة. ثم إن سبق وطئ الاب، فعليه لزوجته نصف المسمى، لانه الذي رفع نكاحها، فهو كما لو طلقها قبل الدخول. وهل يجب على الابن لزوجته نصف المسمى ؟ فيه أوجه. قال ابن الحداد: لا، إذ لا صنع له. وقال آخرون: نعم، إذ لا صنع لها. وقال الشيخ أبو علي: إن كانت زوجة الابن نائمة، أو صغيرة لا تعقل، أو مكرهة، وجب. وإن كانت عاقلة طاوعت الاب تظنه زوجها، فلا شئ لها. فإن أوجبنا، رجع الابن على أبيه، لانه فوت نكاحه. وهل يرجع بمهر المثل، أم بنصفه، أم بما غرم ؟ فيه ثلاثة أقوال نوضحها في كتاب الرضاع إن شاء الله تعالى. وأما إن سبق وطئ إلابن، فعليه لزوجته نصف المسمى. وهل يلزم الاب لزوجته نصف المسمى ؟ فيه الاوجه. فإن ألزمناه، رجع على الابن كما ذكرنا. ولو وقع الوطآن معا، فعلى كل واحد نصف ما سمى لزوجته. وهل يرجع على الآخر ؟ وجهان. قال القفال: يرجع كل واحد على صاحبه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد، ويهدر نصفه كالاصطدام، فإنها حرمت بفعلهما، وقال الشيخ أبو علي: لا يرجع بشئ.(5/454)
(الفرع) الثاني: نكح إمرأتين في عقد، فبانت إحداهما أم الاخرى، بطل النكاحان. ولا شئ لواحدة منهما، إلا أن يطأ، فيجب مهر المثل. ولو نكحهما في عقدين، ووطئ إحداهما، ثم بان الحال، نظر، إن سبق نكاح الام، فإن كانت هي الموطوءة، فنكاحها بحاله، والاخرى محرمة. وإن كانت البنت هي الموطوءة، فالنكاحان باطلان، لان البنت نكحها وعنده أمها، والام أم موطوءة بشبهة، وله أن يتزوج البنت متى شاء، لانها ربيبة لم يدخل بأمها، ويجب للبنت مهر المثل، وللام نصف المسمى. وإن سبق نكاح البنت، فإن كانت هي الموطوءة، فنكاحها بحاله، والام حرام أبدأ. وإن كانت الموطوءة الام، بطل النكاحان، وحرمتا أبدا، وللام مهر المثل، وللبنت نصف المسمى. وإن أشبهت الموطوءة، وعرفت التي سبق نكاحها، ثبت نكاح السابقة، لان الاصل إستمرار صحته، وليس له نكاح الثانية، لان الاولى إن كانت بنتا، فالثانية أم إمرأته محرمة أبدا. وإن كانت أما، فليس له نكاح البنت وأمها تحته. وإن ارتفع نكاح الام بطلاق أو غيره، لم يحل له واحدة منهما، لان إحداهما محرمة أبدا، فصار كإشتباه أخته بأجنبية. وإن اشتبه السابق من النكاحين، وعرفت الموطوءة، فغير الموطوءة محرمة أبدا، والموطوءة يوقف نكاحها، وتمنع من نكاح غيره. وإن طلبت الفسخ للاشتباه، فسخ كما في اشتباه الاوليين. وإن اشتبه السابق من النكاحين والموطوءة، وقف عنهما، لاحتمال سبق البنت والدخول بالام، وليس له نكاح واحدة منهما، لان إحداهما محرمة أبدا. ولو كانت المسألة بحالها، لكن وطئهما جميعا، بطل النكاحان، وحرمتا أبدا. ثم إن وطئ أولا التي نكحها أولا، فللاولى مهرها المسمى، وللثانية مهر المثل. وإن وطئ أولا التي نكحها آخرا، فلها مهر المثل، لانه لم ينعقد نكاحها، وللمنكوحة أولا جميع مهر) المثل ونصف المسمى.(5/455)
أما نصف المسمى، فلارتفاع نكاحها بسبب من الزوج. وأما جميع مهر المثل، فلانه وطئها بشبهة بعد ارتفاع النكاح. فصل إذا اختلطت محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة بأجنبيات، قال الاصحاب: إن كان الاختلاط بعدد لا ينحصر، كنسوة بلدة أو قرية كبيرة، فله نكاح واحدة منهن. قال الامام: هذا ظاهر إن عم الالتباس. فأما إذا أمكنه نكاح من لا يشك فيها، فيحتمل أن يقال: لا ينكح من المشكوك فيهن. والمذهب أنه لا حجر. فإن كان الاختلاط بعدد محصور، فليجتنبهن. فلو خالف ونكح واحدة منهن، لم يصح على الاصح. قال الامام: المحصور: ما عسر عده على آحاد الناس. وقال الغزالي: كل عدد لو اجتمعوا في صعيد لعسر على الناظر عددهم بمجرد النظر كالالف، فهو غير محصور، وإن سهل كالعشرة، والعشرين، فمحصور، وبين الطرفين أوساط يلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك، استفتي فيه القلب.
الجنس الثاني : ما يقتضي حرمة غير مؤبدة، ويتعلق بعدد، وهو ثلاثة أنواع. الاول: الجمع بين الاختين من النسب أو الرضاع، سواء الاختان من الابوين أو من أحدهما. فلو نكحهما، بطل نكاحهما. وإن نكحها مرتبا، بطلت الثانية. فإن وطئها جاهلا بالحكم، فعليها العدة ولها مهر المثل، وله وطئ الاولى وإن كانت الثانية في العدة، لكن المستحب أن لا يفعل. ولو طلق إمرأته طلاقا بائنا، فله نكاح أختها في عدتها، وإن كان رجعيا، لم تحل أختها حتى تنقضي عدتها. فلو ادعى أنها أخبرته بانقضاء العدة، والوقت محتمل، وقالت: لم تنقض، فوجهان. أصحهما وهو نصه في الاملاء: أن له نكاح أختها. ولو طلق الاولى، لم يقع. ولو وطئها، لزمه الحد، لزعمه انقضاء عدتها. وقال الحليمي والقفال: ليس له نكاح أختها، لان القول قولها في العدة. وعلى هذا، لو طلقها وقع. ولو وطئها، فلا حد، وتجب النفقة على الوجهين، لانه(5/456)
لا يقبل قوله في إسقاط حقها. ولو طلق زوجته الامة طلاقا رجعيا، ثم اشتراها، فله نكاح أختها في الحال، وكذا لو اشتراها قبل الطلاق، لان ذلك الفراش انقطع. فرع يحرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها وبنات أولاد أخيها، وكذا بين المرأة وبنت أختها وبنات أولاد أختها، سواء كانت العمومة والخؤولة من النسب أو الرضاع. وضبط تحريم الجمع بعبارات. إحداهن: يحرم الجمع بين كل إمرأتين بينهما قرابة أو رضاع ولو كانت إحداهما ذكرا لحرمت المناكحة بينهما. الثانية: يحرم بين كل إمرأتين بينهما قرابة أو رضاع يقتضي المحرمية. الثالثة: يحرم بين كل إمرأتين بينهما وصلة قرابة أو رضاع لو كانت تلك الوصلة بينك وبين إمرأة لحرمت عليك. وقصدوا بقيد القرابة والرضاع الاحتراز عن الجمع بين المرأة وأم زوجها وبنت زوجها، فإن هذا الجمع غير محرم وإن كان يحرم النكاح بينهما لو كان أحدهما ذكرا، لكنه ليس بقرابة ولا رضاع، بل مصاهرة، وليس فيها رحم يحذر قطعها، بخلاف الرضاع والقرابة. فرع يحرم الجمع بين المرأة وبنتها، لدخولهما في الضابط. فلو نكحهما معا، بطل نكاحهما. ولو نكحهما في عقدين، فالثانية باطلة. فإن كانت الثانية البنت، جاز أن ينكحها إن فارق الام قبل الدخول. فرع يجوز الجمع بين بنت الرجل وربيبته، وبين المرأة وربيبة زوجها من إمرأة أخرى، وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه، لانه لا تحرم المناكحة بتقدير ذكورة أحدهما. فصل كل امرأتين يحرم الجمع بينهما في النكاح، يحرم الجمع بينهما في الوطئ بملك اليمين، لكن يجوز الجمع بينهما في نفس الملك. فإذا اشترى أختين أو امرأة وعمتها أو خالتها معا، أو متعاقبتين، صح الشراء، وله وطئ أيتهما شاء.(5/457)
فإذا وطئ واحدة، حرم عليه وطئ الاخرى، لكن لا يجب به الحد، لان له طريقا إلى استباحتها، بخلاف ما لو وطئ أخته من الرضاع وهي ملكه، فإنه يحد على قول، لانه لا يستبيحها بحال، ثم الثانية ببقى حراما كما كانت، والاولى حلالا كما كانت، فلا يحرم الحرام الحلال، لكن يستحب أن لا يطأ الاولى حتى يستبرئ الثانية. وعن أبي منصور بن مهران أستاذ الاودني، أنه إذا أحبل الثانية، حلت، وحرمت الاولى، وهو غريب، ثم لا تزال غير الموطوءة محرمة عليه، حتى يحرم الموطوءة على نفسه، إما بإزالة ملك، كبيع كلها أو بعضها، أو هبة مع الاقباض، أو بالاعتاق، وإما بإزالة الحل بالتزويج أو الكتابة، ولا يكفي الحيض والاحرام والعدة عن وطئ شبهة، لانها أسباب عارضة لم تزل الملك ولا الاستحقاق، فكذا الردة لا تبيح الاخرى، وكذا الرهن على الاصح. ولو باع بشرط الخيار، فحيث يجوز للبائع الوطئ، لا تحل به الثانية، وحيث لا يجوز وجهان. قال الامام: الوجه عندي القطع بالحل، ولا يكفي إستبراء الاولى، لانه لا يزيل الفراش. وعن القاضي حسين، أن القياس الاكتفاء، لانه يدل على البراءة. وعن القاضي أبي حامد قال: غلط بعض أصحابنا فقال: إذا قال: حرمتها على نفسي، حرمت عليه، وحلت الاخرى. ثم إذا حرمها بالاسباب المؤثرة، فعاد الحل، بأن باعها، فردت عليه بعيب أو إقالة، أو زوجها فطلقت، أو كاتبها فعجزت، لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها، لحدوث الملك. فإذا استبرأها، فإن لم يكن وطئ الثانية بعد تحريم الاولى، فله الآن وطئ أيتهما شاء. وإن كان وطئها، لم يجز وطئ العائدة حتى تحرم الاخرى. فرع الوطئ في الدبر كالقبل، فتحرم الاخرى به. وفي اللمس والقبلة والنظر بشهوة مثل الخلاف السابق في حرمة المصاهرة. فرع ملك أختين إحداهما مجوسية، أو أخته برضاع، فوطئها بشبهة،(5/458)
جاز وطئ الاخرى، لان الاولى محرمة. ولو ملك أما وبنتها، ووطئ إحداهما، حرمت الاخرى أبدا، فلو وطئ الاخرى بعد ذلك جاهلا بالتحريم، حرمت الاولى أيضا أبدا. وإن كان عالما، ففي وجوب الحد قولان. إن قلنا: لا، حرمت الاولى أيضا أبدا، وإلا، فلا. فصل ملكها ولم يطأ، أو وطئ ثم نكح أختها أو عمتها، صح النكاح، وحلت المنكوحة، وحرمت المملوكة. ولو نكح إمرأة، ثم ملك أختها، فالمملوكة حرام، ويبقى حل المنكوحة. فصل إرتدت الزوجة بعد الدخول، يحرم نكاح أختها وأربع سواها قبل انقضاء العدة، كالرجعية. قال ابن الحداد: فلو قال لها: أنت طالق ثلاثا، فله في الحال نكاح أختها، لحصول البينونة، وكذا الحكم لو ارتدت فخالعها في الردة. ولو كان تحته صغيرة، وكبيرة مدخول بها، فارتدت الكبيرة، وأرضعت أمها في عدتها الصغيرة، وقف نكاح الصغيرة. فإن أصرت الكبيرة حتى انقضت العدة، ففي نكاح الصغيرة، بحاله. وإن أسلمت في العدة، بطل نكاح الصغيرة. وفي بطلان نكاح الكبيرة قولان نذكرهما إن شاء الله تعالى في نظير المسألة في الرضاع. قال الشيخ أبو علي: أظهرهما: لا يبطل كما لو نكح أختا على أخت لا تبطل الاولى. وكذا الحكم لو كانت المرضعة أخت الكبيرة. ثم على الزوج للصغيرة نصف المسمى، وللكبيرة تمامه، ويرجع الزوج على المرضعة بنصف مهر مثل الصغيرة على الاظهر، وبكله في قول، وبجميع مهر مثل الكبيرة على الاظهر إن أبطلنا نكاحها. النوع الثاني: في قدر العدد المباح، ولا يجوز للحر أن ينكح أكثر من أربع نسوة. فلو نكح خمسا في عقد، بطل نكاحهن، وإن نكحهن مرتبا، بطل الزيادة على الاربع الاوليات. ولو نكح خمسا في عقد فيهن أختان، بطل فيهما، وفي البواقي قولا تفريق الصفقة، والاظهر الصحة.(5/459)
ولو نكح سبعا فيهن أختان، بطل الجميع. ولو كان تحته أربع فأبانهن، فله نكاح أربع بدلهن وإن كن في العدة. ولو أبان واحدة، فله نكاح أخرى في عدة المبانة. ولو وطئ إمرأة بشبهة، فله نكاح أربع في عدتها. ولو كانت المفارقة رجعية، لم تجز. وأما العبد، فلا يجوز أن يزيد على إمرأتين. فرع لابن الحداد نكح ست نسوة، ثلاثا في عقد، وثنتين في عقد، وواحدة في عقد، ولم يعلم المتقدم، فنكاح الواحدة صحيح على كل تقدير، لانها لا تقع إلا أولة، أو ثالثة، أو رابعة، فإنها لو تأخرت عن العقدين، كان ثانيهما باطلا، فتقع هي صحيحة. وأما البواقي، فقال ابن الحداد: لا يثبت نكاحهن، لان كل واحد من عقديهما يحتمل كونه متأخرا باطلا، والاصل عدم الصحة. قال الشيخ أبو علي: ما ذكره ابن الحداد غلط عند عامة الاصحاب، بل يصح مع نكاح الواحدة، إما الثنتان، وإما الثلاث، وهو الذي سبق منهما، ولا نعرف عينه فيوقف، ويسأل الزوج، فإن ادعى سبق الثنتين وصدقتاه، ثبت نكاحهما. وإن ادعى سبق الثلاث، وصدقنه، فكذلك. وإن قال: لا أدري، أو لم يبين، فلهن طلب الفسخ. وإن رضين بالضرر، لم ينفسخ، وعلى الزوج نفقة الجميع مدة التوقف، فإن مات قبل البيان، اعتدت من لم يدخل بها عدة وفاة، ومن دخل بها بأقصى الاجلين من وفاة وأقراء، ويدفع إلى الفردة ربع ميراث النسوة، لاحتمال صحة نكاح ثلاث معها، ثم يحتمل أن يكون الصحيح معها نكاح الثلاث، فلا يستحق غير الربع المأخوذ، ويحتمل صحة نكاح الثنتين، فيستحق الثلث، فيوقف ما بين الثلث والربع، وهو نصف سدس بين الواحدة والثلاث، لا حق للثنتين فيه، ويوقف الثلثان بين نصيب النسوة، بين الثنتين والثلاث، لا حق للواحدة فيه. فإن أردن(5/460)
الصلح قبل البيان، فالصلح في نصف السدس بين الواحدة والثلاث، وفي الثلثين بين الثلاث والثنتين. وأما المهر، فللمفردة المسمى. وأما البواقي، فإن دخل بهن، قابلنا المسمى لاحدى الفرقتين ومهر المثل بالمسمى للفرقة الاخرى ومهر مثل الاولى، وأخذنا أكثر القدرين من التركة، ودفعنا إلى كل واحدة منهن الاقل من مسماها ومهر مثلها، ووقفنا الباقي. مثاله: سمى لكل واحدة مائة، ومهر مثل كل واحدة خمسون، فمسمى الثلاث ومهر مثل الثنتين أربعمائة، وهي أكثر من مسمى الثنتين ومهر مثل الثلاث، فنأخذ من التركة أربعمائة، وندفع إلى كل واحدة خمسين، ونقف الباقي وهو مائة وخمسون (منها) مائة بين النسوة الخمس، وخمسون بين الثلاث والورثة، فإن بان صحة نكاح الثنتين، فالمائة لهما، والخمسون للورثة. وإن بان صحة الثلاث، فالمائة والخمسون لهن. وإن لم يدخل بواحدة، أخذنا من التركة أكثر المسميين، ولا نعطي في الحال واحدة شيئا. والاكثر في المثال المذكور ثلثمائة، فنقف مائتين بين الثلاث والثنتين، ومائة بين الثلاث والورثة. وإن دخل بإحدى الفرقتين، أخذنا الاكثر من مسمى المدخول بهن فقط، ومن مهر مثلهن مع مسمى الفرقة الاخرى، وأعطي الموطوءات الاقل من المسمى ومهر مثلهن. ففي المثال المذكور، إن دخل بالثنتين، فمهر مثلهما مع مسمى الثلاث أربعمائة، وذلك أكثر من مسمى الثنتين، فنأخذ أربعمائة، ونعطي كل واحدة من الثنتين خمسين، ونقف مائة بينهما وبين الثلاث، ومائتين بين الثلاث والورثة. فإن بان صحة نكاح الثنتين، دفعنا المائة إليهما، والباقي للورثة. وإن بان صحة نكاح الثلاث، دفعناها مع المائتين إليهن، وإن دخل بالثلاث، فمهر مثلهن مع مسمى الثنتين ثلاثمائة وخمسون، وذلك أكثر من مسمى الثلاث، فنأخذ ثلاثمائة وخمسين، ونعطي كل واحدة من الثلث خمسين منها، ونقف الباقي وهو مائتان، منها مائة وخمسون بين الثنتين والثلاث، والباقي بين الثنتين والورثة. فإن بان صحة نكاح الثلاث، أعطيناهن مائة وخمسين، والباقي للورثة. وإن بان صحة نكاح الثنتين، أعطيناهما المائتين. قال الشيخ أبو علي: فإن كانت المسألة بحالها، ونكح أربعا أخر في عقد(5/461)
رابع، ولم يعرف الترتيب، لم يحكم بصحة نكاح الواحدة، لاحتمال وقوعه بعد الاربع. فإن مات قبل البيان، وقفنا ميراث زوجات، ولا نعطي واحدة منه شيئا. وأما المهر، فإن دخل بهن، أخذنا لكل واحدة الاكثر من مسماها ومهر مثلها، وأعطيناها أقلهما، ووقفنا الباقي بينها وبين الورثة. فإن لم يدخل بواحدة منهن، فيحتمل أن يكون الصحيح نكاح الاربع، ويحتمل أن تكون الواحدة مع الثلاث، أو مع الثنتين، فينظر مهر الاربع وحده، ومهر الواحدة مع الثلاث، ثم مع الثنتين، ويؤخذ أكثر المقادير الثلاثة، ويوقف. وإن دخل ببعضهن، أخذ للمدخول بها أكثر مهريها، وتعطى منه أقلهما، ويوقف الباقي بينها وبين الورثة، وأخذ لغير المدخول بها مسماها، فيوقف بينها وبين الورثة. النوع الثالث: إستيفاء عدد الطلاق. فإذا طلق الحر زوجته ثلاثا في نكاح أو أنكحة دفعة أو أكثر قبل الدخول أو بعده، لم يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتها منه، وإذا طلق العبد طلقتين، فكطلاق الحر ثلاثا. ولو عتق بعد ذلك، لم يؤثر، ويشترط أن يكون الوطئ في نكاح صحيح. وفي قول: يكفي الوطئ في نكاح فاسد. ومنهم من أنكره، ومنهم من طرده في وطئ الشبهة، والمذهب الاول. ويشترط تغييب جميع الحشفة في الفرج، وبه تتعلق أحكام الوطئ كلها. وقال البغوي: إن كانت بكرا، فأقله الاقتضاض بآلته. ومن قطعت حشفته، إن بقي من ذكره دون قدرها، لم يحل. وإن بقي قدرها فقط، أحل. وإن بقي أكثر من قدرها، كفى تغييب قدر حشفة هذا الشخص على الاصح. وقيل: يشترط تغييب جميع الباقي، سواء كان قوي الانتشار، أو ضعيفه فاستعان بأصبعه أو أصبعها، فإن لم يكن إنتشار أصلا، لتعنين أو شلل أو غيرهما، لم(5/462)
يحصل التحليل على الصحيح، وبه قطع جمهور الاصحاب في كتبهم، لعدم ذوق العسيلة، وحصله الشيخ أبو محمد والغزالي، لحصول الوطئ وأحكامه. واستدخال ذكر النائم وغيره يحلل، واستدخال الماء لا يحلل. قلت: ولو لف على ذكره خرقة وأولج، حلل على الصحيح. والله أعلم. فرع يحصل التحليل بكل زوج، حر مسلم، وعبد، ومجنون، وخصي، وذمي إذا كانت المطلقة ذمية، سواء كان المطلق مسلما أو ذميا، ويشترط وطئ الذمي في وقت لو ترافعوا إلينا لقررناهم على ذلك النكاح. قلت: لا يشترط في تحليل الذمية للمسلم وطئ ذمي، بل المجوسي والوثني يحللانها أيضا للمسلم، كما يحصنانها، صرح به إبراهيم المروذي. والله أعلم. والصبي الذي يتأتى منه الجماع، كالبالغ على المشهور. والطفل الذي لا يتأتى منه، لا يحلل على الصحيح، وعن القفال، أنه يحلل. قلت: هذا الوجه كالغلط المنابذ لقواعد الباب. ونقل الامام إتفاق الاصحاب أنه لا يحلل. والله أعلم. فرع إذا كانت المطلقة ثلاثا صغيرة، ووطئها زوج، حلت قطعا. وقيل في التي لا تشتهى الوجهان كتحليل الصبي. فرع لو وطئها في إحرامه أو إحرامها، أو الحيض، أو صوم رمضان، أو قبل التكفير عن ظهارها، أو ظانا أنها أجنبية، حلت، لانه وطئ زوج في نكاح صحيح. ولو وطئها وهي في عدة وطئ شبهة وقع بعد نكاحه، حلت على الاصح. ولو وطئها في حال ردته أو ردتها، وعاد إلى الاسلام، لم تحل، نص عليه، لاضطراب النكاح، بخلاف سائر أسباب التحريم. واعترض المزني بأنه إن دخل بها قبل الردة، فقد حلت، وإلا، فتبين بنفس الردة. قال الاصحاب: تتصور العدة بلا(5/463)
دخول، بأن يطأها في الدبر أو فيما دون الفرج فسبق الماء، أم تستدخل ماءه، فتجب العدة، ولا تحل بهذه الاسباب، وكذا بالخلوة على القديم. قلت: هذا الذي ذكره عن النص أنها لا تحل بالوطئ في الردة، هو الصواب، وبه قطع جماهير الاصحاب. وقال صاحب التلخيص: إن اجتمعا في الاسلام قبل انقضاء العدة، حلت للاول، لتابعه عليه القفال، وليس بشئ. ولو طلقها رجعيا، باستدخال الماء قبل الدخول، ثم وطئها في العدة (لم تحل للاول وإن راجعها في العدة)، نص عليه الشافعي والاصحاب، وقال إبرهيم المروذي: إذا قلنا: تحل بوطئ الشبهة، فهنا أولى، وإلا، فلا تحل. والله أعلم. فرع نكحها على أنه إذا وطئها بانت منه، أو نكحها إلى أن يطأها، أو على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما، فنكاح باطل، فإن شرط أنه إذا وطئها طلقها، فباطل أيضا على الاظهر. وفي قول: يصح العقد، ويبطل الشرط، ويجب مهر المثل. ولو تزوج بلا شرط، وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها، كره، وصح العقد، وحلت بوطئه. ولو نكحها على أن لا يطأها إلا مرة، أو على أن لا يطأها نهارا، فللشافعي رحمه الله في بطلان النكاح أو صحته دون الشرط نصان. وقيل: قولان. والمذهب أنهما على حالين. فالبطلان إذا شرطت الزوجة أن لا يطأها، والصحة إذا شرط الزوج أن لا يطأ، لانه حقه، فله تركه والتمكين عليها. ولو نكحها بشرط أن لا تحل له، فقال الامام: يجب أن تلحق بشرط ترك الوطئ. وقال الغزالي: ينبغي أن يفسد، للتناقض. قلت: قول الغزالي أصح. والله أعلم. وفي فتاوى القفال: أنه لو تزوج أمة على أن لا يملك الاستمتاع ببضعها، فكشرط أن لا يطأ. وإن تزوجها بشرط أن لا يملك بضعها، فإن أراد الاستمتاع، فكذلك. وإن أراد ملك العين، لم يضر. وجميع ما ذكرناه إذا شرطه في نفس العقد، ولو تواطأ في شئ من ذلك قبل العقد، وعقدا على ذلك القصد بلا شرط، فليس كالمشروط على الصحيح.(5/464)
فرع قال الائمة: أسلم طريق في الباب، وأدفعه للعار، أن تزوج بعبد صغير، وتستدخل حشفته، ثم تتملكه ببيع أو هبة ونحوهما، فينفسخ النكاح، ويحصل التحليل إن صححنا تحليل الصبي وجوزنا إجبار العبد الصغير على النكاح، وإلا، فلا. فرع إذا قالت المطلقة ثلاثا: نكحت زوجا آخر، فوطئني وفارقني، وانقضت عدتي منه، قبل قولها عند الاحتمال. وإن أنكر الزوج الثاني، وصدق في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر، فكذلك، لانها مؤتمنة في انقضاء العدة، والوطئ يعسر إقامة البينة عيله. ثم إن ظن صدقها، فله نكاحها بلا كراهة. وإن لم يظنه، استحب أن لا يتزوجها. وإن قال: هي كاذبة، لم يكن له نكاحها. فإن قال بعده: تبينت صدقها، فله نكاحها. قلت: قد حزم الفوراني بأنه إذا غلب على ظنه كذبها، لم تحل له. وتابعه الغزالي على هذا، وهو غلط عند الاصحاب، وقد نقل الامام إتفاق الاصحاب على أنها تحل وإن غلب على ظنه كذبها إذا كان الصدق ممكنا. قال: وهذا الذي قاله الفوراني غلط، وهو من عثرات الكتاب، ولعل الرافعي لم يحك هذا الوجه، لشدة ضعفه، ولقول الامام: إنه غلط. قال إبرهيم المروذي: ولو كذبها الزوج والولي والشهود، لم تحل على الاصح. والله أعلم. فرع طلق زوجته الامة، ثم اشتراها قبل وطئ زوج، لا يحل له وطؤها بملك اليمين على الصحيح، لظاهر القران. قلت: قال العلماء: الحكمة في اشتراط التحليل، التنفير من الطلاق(5/465)
الثلاث. والله أعلم.
الجنس الثالث من الموانع : رق المرأة، وهو ضربان. رقيقة يملكها، ورقيقة لا يملكها. الضرب الاول: مملوكته، فليس له نكاح من يملكها أو بعضها. ولو ملك بعض زوجته، إنفسخ نكاحه، وليس لها نكاح من تملك بعضه. ولو ملكت زوجها، إنفسخ نكاحها. الضرب الثاني: أمة غيره، فلا تحل للحر إلا بشروط. أحدها: أن لا يكون تحته حرة يتيسر الاستمتاع بها مسلمة أو كتابية. وفي وجه: لا يمنع كون الكتابية تحته. فإن لم يتيسر الاستمتاع، بأن كانت تحته صغيرة، أو هرمة، أو غائبة، أو مجنونة، أو مجذومة، أو برصاء، أو رتقاء، أو مضناة لا تحتمل الجماع، فوجهان. أحدهما: يصح نكاح الامة، وهذا أصح عند صاحب المهذب والقاضي حسين، وقطع به ابن الصباغ وجماعة من العراقيين. والثاني: المنع، وبه قطع الامام والغزالي والبغوي. فعلى هذا، لا يصح نكاح الامة حتى تبين منه الحرة. (الشرط) الثاني: أن لا يقدر على نكاح حرة لعدم الحرة، أو عدم صداقها. فلو قدر على نكاح حرة رتقاء، أو قرناء، أو مجنونة، أو مجذومة، أو رضيعة، أو معتدة من غيره، فله نكاح الامة على الاصح. ولو قدر على حرة كتابية، لم تحل الامة على الاصح، وقول الله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) * قيد بالمؤمنات، لانه الغالب، لا للاشتراط.(5/466)
ولو قدر على حرة غائبة، قال الاصحاب: إن كان يخاف العنت في مدة قطع المسافة، أو يلحقه مشقة ظاهرة بالخروج إليها، فله نكاح الامة، وإلا، فلا. قال الامام: المشقة المعتبرة، أن ينسب متحملها في طلب زوجه إلى الاسراف. ولو لم يجد إلا حرة لا ترضى إلا بأكثر من مهر مثلها، وهو واجده، فنقل البغوي: أنه لا ينكح أمة. ونقل المتولي جوازه. وقال الامام والغزالي: إن كانت زيادة يعد بذلها إسرافا، حلت الامة، وإلا، فلا. وفرقوا بينه وبين الماء في التيمم، بأن الحاجة إلى الماء تتكرر، وبأن هذا الناكح لا يعد مغبونا. قلت: قطع آخرون بموافقة المتولي، وهو الاصح. والله أعلم. ولو لم يقدر على مهر، ووجد حرة ترضى بمهر مؤجل، وهو يتوقع القدرة عليه عند المحل، أو وجد من يبيعه نسيئة ما يفي بصداقها، أو وجد من يستأجره بأجرة معجلة، أو رضيت حرة بأن ينكحها بلا مهر، حلت الامة على الاصح. ولو أقرض مهرها، لم يجب القبول على المذهب، لاحتمال المطالبة في الحال. وقيل بالوجهين. ولو رضيت حرة بدون مهر مثلها، وهو يجده، لم تحل الامة على المذهب، لان المنة فيه قليلة، إذ العادة المسامحة في المهور. ولو وهب له مال أو جارية، لم يلزمه القبول، وحلت الامة. ومن له مسكن وخادم، هل له نكاح الامة، أم عليه بيعهما وصرفهما إلى طول حرة ؟ وجهان حكاهما ابن كج.(5/467)
قلت: أصحهما الاول. والله أعلم. والمال الغائب لا يمنع نكاح الامة، كما لا يمنع ابن السبيل الزكاة. ومن هو معسر، وله ابن موسر، يجوز له نكاح الامة إن لم نوجب على الابن إعفافه. وإن أوجبناه، فوجهان، لانه مستغن بمال الابن. قلت: أصحهما: المنع، وبه قطع جماعة. والله أعلم. الشرط الثالث: خوف العنت، والمراد به هنا الزنا، قال الامام: ليس المراد بالخوف أن يغلب على ظنه الوقوع في الزنا، بل أن يتوقعه لا على الندور. وليس المراد بغير الخائف أن يعلم اجتنابه، بل غلبة الظن بالتقوى، والاجتناب ينافي الخوف، فمن غلبت عليه شهوته، وضعف تقواه، فهو خائف. ومن ضعفت شهوته، وهو يستبدع الزنا لدين أو مروءة أو حياء، فهو غير خائف. وإن غلبت شهوته، وقوي تقواه، ففيه إحتمالان للامام. أصحهما: لا يجوز نكاح الامة، وبه قطع الغزالي، لانه لا يخاف الوقوع في الزنا. والثاني: إن كان ترك الوقاع يجر ضررا أو مرضا، فله نكاح الامة. وأما المجبوب، فلا يتصور منه الزنا. قال الامام والمتولي: ليس له نكاح الامة. قال المتولي: فلو نكح حر أمة، فوجدته مجبوبا، وأرادت الفسخ، فقال الزوج: جب ذكري بعد النكاح. فإن كان قوله غير محتمل، بأن كان الموضع مندملا، وقد عقد النكاح أمس، فالنكاح باطل. وإن كان محتملا، فإن صدقنه، فذاك، وإن كذبته، فدعواها باطلة لان مقتضى قولها، بطلان النكاح من أصله. وقال الروياني في البحر: للخصي والمجبوب نكاح الامة عند خوف الوقوع في الفعل المأثوم(5/468)
به، لان العنت المشقة. فرع القادر على شراء أمة يتسراها، لا يحل له نكاح أمة على المذهب. ولو كان في ملكه أمة، لم ينكح أمة قطعا، وطرد الحناطي الخلاف فيه، فعلى المذهب لو كانت الامة التي يملكها غير مباحة، فإن وفت قيمتها بمهر حرة، أو ثمن أمة يتسراها، لم ينكح الامة، وإلا، فينكحها. الشرط الرابع: كون الامة المنكوحة مسلمة، ولا يشترط كونها لمسلم على الاصح، ويجوز للحر الكتابي نكاح الامة الكتابية على الاصح، ويقال: الاظهر، ولا يجوز نكاحها للعبد المسلم على المشهور. وأما نكاح العبد المسلم الامة المسلمة، فسيأتي إن شاء الله تعالى في باب (نكاح) المشرك. والعبد الكتابي، ينكح الامة الكتابية إن نكحها الحر الكتابي، وإلا، فوجهان. أصحهما: الجواز. قلت: ونكاح الحر المجوسي والوثني الامة المجوسية والوثنية، كالكتابي الامة الكتابية. والله أعلم. فرع للحر المسلم وطئ أمته الكتابية دون المجوسية والوثنية، كالنكاح في حرائرهم. فصل من استجمع شروط نكاح الامة، ليس له نكاح أمة صغيرة لا توطأ(5/469)
على الاصح، لانه لا يأمن بها العنت. ومن بعضها رقيق كالرقيقة، لا ينكحها حر إلا بالشروط. ولو قدر على نكاحها، فهل يباح له نكاح الرقيقة المحضة ؟ فيه تردد للامام، لان إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله. وحكي عن بعض الاصحاب أن من بعضه رقيق كالرقيق، فينكح الامة مع القدرة على الحرة، لانه كالرقيق في الولاية والنظر. فصل ولد الامة المنكوحة رقيق لمالكها، سواء كان زوجها الحر عربيا أو غيره، وفي القديم قول أن العرب لا يجري عليهم الرق، فيكون ولد العربي حرا، وهل على الزوج قيمته كالمغرور ؟ أم لا شئ عليه لان السيد رضي حين زوجها عربيا ؟ فيه قولان. فرع في فتاوى القاضي حسين: أنه لو زوج أمته بواجد طول حرة، فأولدها، فالاولاد أرقاء، لان شبهة النكاح كالنكاح الصحيح. فصل نكح الحر أمة بشروطه، ثم أيسر أو نكح حرة، لا ينفسح نكاح الامة. وقال المزني: ينفسخ. فصل جمع حر حرة وأمة في عقد، فإن كان ممن لا يحل له نكاح الامة، فنكاح الامة باطل، ونكاح الحرة صحيح على الاظهر. وإن كان ممن(5/470)
يحل له نكاح الامة، بأن وجد حرة تسمح بمهر مؤجل، أو بلا مهر، أو بدون مهر المثل، أو حرة كتابية، وقلنا: إن هذه المعاني لا تمنع نكاح الامة، بطل نكاح الامة قطعا، لاستغنائه عنه. وفي الحرة طريقان. أظهرهما عند الامام وبه قال صاحب التلخيص: أنه على القولين. وقال ابن الحداد وأبو زيد وآخرون: يبطل قطعا، لانه جمع بين إمرأتين يجوز إفراد كل منهما، ولا يجوز الجمع، فأشبه الاختين، ومن قال بالاول، فرق بأن الاختين ليس فيهما أقوى (والحرة أقوى). ولو جمع بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومحرم، أو خلية ومعتدة أو مزوجة، فهو كالجمع بين الحرة والامة لمن لا تحل له الامة. وإذا صححنا نكاح من تحل (له)، فقد سبق في تفريق الصفقة قول: أنها تستحق جميع المسمى، وأن المذهب أنها لا تستحق جميعه، بل تستحق مهر المثل في قول، وما يخص مهر مثلها من المسمى إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل الا خرى في قول. فإن قلنا: تستحق جميع المسمى، فللزوج الخيار في فسخ الصداق والرجوع إلى مهر المثل كما ذكرنا في باب التفريق. وإن قلنا: تستحق مهر المثل، فلا فسخ، إذ لا فائدة (فيه)، فإنه لو فسخ لرجع إليه. وإن قلنا: تستحق حصة مهر المثل من المسمى، قال الشيخ أبو علي: إن كان المسمى مما يمكن قسمته، كالحبوب، فلا خيار. وإن كان مما لا يمكن، كالعبد، فله الخيار، لتضرره بالتشقيص. فإن فسخ، فعليه مهر المثل. واعلم أن الجميع بين من يحل ومن لا يحل، يتصور بأن يكون المزوج وليهما، بأن زوج أمته وبنته، أو كان وكيلا لوليين، أو ولي إحداهما ووكيلا في الاخرى. وموضع الخلاف إذا قال: زوجتك هذه وهذه بكذا، فقال: قبلت نكاحهما بكذا. فأما إذا قال: زوجتك بنتي هذه، وزوجتك أمتي هذه، فقال: قبلت نكاح بنتك، وقبلت نكاح أمتك، أو اقتصر على قبول نكاح البنت، فنكاح البنت صحيح بلا خلاف، ولو فصل المزوج، وقال الزوج: قبلت نكاحهما، أو جمع المزوج، وفصل الزوج، فهل هو كما لو فصلا جميعا، أو كما جمعا جميعا ؟ وجهان. أصحهما: الاول.(5/471)
ولو جمع بين أختين وأمة وهو ممن يحل له نكاح الامة، فنكاح الاختين باطل، وفي الامة الخلاف. ولو قال: زوجتك بنتي، وبعتك هذا الزق من الخمر بكذا، فقبلهما، أو زوجتك بنتي وابني أو فرسي، أو وهذا الزق، صح نكاح البنت على المذهب، لان المضموم لا يقبل النكاح، فلغا. وقيل بطرد القولين. فإن صححنا، فلها مهر المثل إن قلنا فيمن جمع بين محللة ومحرمة: للمحللة مهر المثل. وإن قلنا هناك: لها حصة مهر المثل من المسمى، فقال البغوي: يجب لها هنا جميع المسمى، لتعذر التوزيع. قلت: ولو تزوج أمتين في عقد، بطل نكاحهما قطعا كالاختين. وجميع ما ذكرناه في نكاح أمة غيره، أردنا به غير أمة ولده، وأما أمة ولده، ففيها خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في الباب العاشر. والله أعلم.
الجنس الرابع من الموانع : الكفرة. الكفار ثلاثة أصناف. أحدها: الكتابيون، فيجوز للمسلم مناكحتهم، سواء كانت الكتابية ذمية أو حربية، لكن تكره الحربية، وكذا الذمية على الصحيح، لكن أخف من كراهة الحربية. والمراد بالكتابيين: اليهود والنصارى. فأما المتمسكون بكتب سائر الانبياء الاولين، كصحف شيث وإدريس وإبرهيم وزبور داود صلوات الله وسلامه(5/472)
عليهم، فلا تحل مناكحتهم على الصحيح. الصنف الثاني: من لا كتاب له ولا شبهة كتاب، كعبدة الاوثان والشمس والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية والمعتقدين مذهب الاباحة وكل مذهب كفر معتقده، فلا تحل مناكحتهم. الصنف الثالث: من لا كتاب لهم، مكن لهم شبهة كتاب وهم المجوس. وهل كان لهم كتاب ؟ فيه قولان. أشبههما: نعم، وعلى القولين لا [ تحل مناكحتهم، لانه لا كتاب بأيديهم، ولا نتيقنه من قبل، فنحتاط. وقال أبو إسحق وأبو عبيد ابن حربويه: يحل إن قلنا: كان لهم كتاب، وهذا ضعيف عند الاصحاب. فرع الكتابية كالمسلمة في النفقة والقسم والطلاق وعامة أحكام النكاح، لكن لا توارث بينها وبين المسلم، ولا تغسله إذا اعتبرنا نية الغاسل ولم نصحح نيتها. وإذا طهرت عن حيض أو نفاس، ألزمها الزوج الاغتسال. فإن امتنعت، أجبرناها عليه واستباحها وإن لم تنو، للضرورة، كما تجبر المسلمة المجنونة. وعن الحليمي تخريجا على الاجبار على الغسل، أن للسيد إجبار أمته المجوسية والوثنية على الاسلام، لان حل الاستمتاع يتوقف عليه. والصحيح خلافه، لان الرق أفادها الامان من القتل فلا تجبر كالمستأمنة، وليس كالغسل، فإنه لا يعظم الامر فيه. واختلف نص الشافعي رضي الله عنه في إجبار زوجته الكتابية على غسل الجنابة. وقال الجمهور: في إجبارها قولان. وقيل: الاجبار إذا طالت المدة وكانت النفس تعافها، وعدمه في غير هذا الحال. وأما المسلمة، فهي مجبرة على الغسل من الجنابة، كذا أطلقه البغوي. قلت: ليس هو على إطلاقه، بل هو فيما إذا طال بحيث حضر وقت صلاة،(5/473)
فأما إذا لم تحضر صلاة، ففي إجبارها القولان، وهما مشهوران حتى في التنبيه. والاظهر من القولين الاجبار. والله أعلم. وتجبر المسلمة أو الكتابية على التنظف، بالاستحداد، وقلم الاظفار، وإزالة شعر الابط والاوساخ إذا تفاحش شئ من ذلك بحيث نفر التواق، فإن كان لا يمنع أصل الاستمتاع، لكن يمنع كماله، فقولان كغسل الجنابة، ويجريان في منع الكتابية أكل الخنزير للاستقذار، وفي كل ما يمنع كمال الاستمتاع. والاظهر أن للزوج المنع منه. وله المنع من أكل ما يتأذى من رائحته كالثوم والكراث على الاظهر. وقيل: قطعا، وله المنع من شرب ما تسكر به. وفي القدر الذي لا يسكر القولان، ويجريان في منع المسلمة من هذا القدر من النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته. وقيل بمنعهما قطعا، لان ذلك القدر لا ينضبط ويختلف باختلاف الاشخاص. ومتى تنجس فمها أو عضو آخر، فله اجبارها على غسله بلا خلاف ليمكنه الاستمتاع به، وله منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه ولبس ما له رائحة كريهة. ويمنع الكتابية من البيع والكنائس، كما يمنع المسلمة من الجماعات والمساجد.
فصل في صفة الكتابية التي ينكحها المسلم وهي ضربان، إسرائيلية، وغيرها. الضرب الاول: التي ليست من بني إسرائيل، ولها أحوال. أحدها: أن تكون من قوم يعلم دخولهم في ذلك الدين قبل تحريفه ونسخه، فيحل نكاحها على الاظهر. وقيل: قطعا، وهؤلاء يقرون بالجزية قطعا. وفي حل ذبائحهم الخلاف كالمناكحة. الحال الثاني: أن يكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف وقبل النسخ. فإن تمسكوا بالحق منه، وتجنبوا المحرف منه، فكالحال الاول. وإن دخلوا في(5/474)
المحرف، لم تحل مناكحتهم على المذهب، ويقرون بالجزية على الاصح كالمجوس وأولى للشبهة. (الحال) الثالث: أن تكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف والنسخ، فلا تحل مناكحتهم قطعا. فالذين تهودوا أو تنصروا بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، لا يناكحون. وفي المتهودين بين نبينا وبين عيسى عليهما السلام وجهان. أصحهما: المنع، ومن جوز كأنه يزعم أنا لا نعلم كيفية نسخ شريعة عيسى لشريعة موسى صلى الله عليهما وسلم، وهل نسخت كلها أو بعضها، وهؤلاء لا يقرون بالجزية. الرابع: أن تكون من قوم لا يعلم متى دخلوا، فلا تحل مناكحتهم، ويقرون بالجزية، وبذلك حكمت الصحابة رضي الله أنهم في نصارى العرب. هكذا أطلقه عامة الاصحاب من المتقدمين والمتأخرين، وفيه شئ لا بد من معرفته وسنذكره في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني: الكتابية الاسرائيلية. والذي ذكره الاصحاب في طرقهم، جواز نكاحها على الاطلاق من غير نظر إلى آبائها أدخلوا في ذلك الدين قبل التحريف، أم بعده، وليس كذلك لان ليس كل إسرائيلية يلزم دخول آبائها قبل التحريف وإن أشعر به كلام جماعة من الائمة، وذلك أن إسرائيل هو يعقوب - صلى الله عليه وسلم -، وبينه وبين نزول التوراة زمان طويل، ولسنا نعلم أدخل كل بني إسرائيل على كثرتهم في زمان موسى - صلى الله عليه وسلم - أم بعده قبل التحريف، بل في القصص ما يدل على استمرار بعضهم على عبادة الاوثان والاديان الفاسدة، وبتقدير إستمرار هذا في اليهود، فلا يستمر في النصارى، لان بني إسرائيل بعد بعثة عيسى - صلى الله عليه وسلم - منهم من آمن به، ومنهم من صد عنه فأصر على دين موسى. ثم من المصرين من تنصر على تعاقب الزمان قبل التحريف وبعده، ولكن كأن الاصحاب اكتفوا بشرف النسب وجعلوه حابرا لنقص دخول الآباء في الدين بعد التحريف، حتى فارق حكمهن حكم غير الاسرائيليات إذا دخل آباؤهن بعد التحريف.(5/475)
وأما الدخول فيه بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلا تفارق فيه الاسرائيلية غيرها كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. وكلام الغزالي يقتضي النظر إلى حال الآباء في الاسرائيليات أيضا، حتى يكون نكاح الاسرائيلية التي دخل أول آبائها في ذلك الدين بعد التحريف على قولين، كغير الاسرائيلية التي دخل آباؤها فيه قبل التحريف، لكن كلام الاصحاب يخالفه، فاعرفه وانظر كيف يمكنك تنزيل كلامه على منقول الاصحاب. فرع الصابئون طائفة تعد من النصارى، والسامرة طائفة تعد من اليهود. فإن كانوا يخالفون اليهود والنصارى في أصل دينهم ولا يتأولون نص كتابهم، لم يناكحوا كالمجوس. وإن خالفوهم في الفروع دون الاصول وتأولوا نصوص كتابهم، جازت مناكحتهم. هذا هو المذهب، وهو نصه في المختصر، وقطع به الجمهور. قال الشيخ أبو علي: وأطلق بعض الاصحاب قولين في مناكحتهم. قال الامام: لا مجال للخلاف فيمن تكفرهم اليهود والنصارى، ويخرجونهم عنهم، لكن يمكن الخلاف فيمن جعلوه كالمبتدع فينا. وإذا شككنا في جماعة أيخالفونهم في الاصول أم الفروع ؟ لم نناكحهم. والصابئون - فيما نقل - فرقتان، فرقة توافق النصارى في أصول الدين، وفرقة تخالفهم، وهم الذين أفتى الاصطخري بقتلهم.
فصل في الانتقال من دين إلى دين هو ثلاثة أقسام.(5/476)
القسم الاول: من دين باطل إلى دين باطل، وهو ثلاثة أضرب. أحدها: الانتقال من دين يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه، كتهود نصراني وعكسه، فهل يقر على ما انتقل إليه بالجزية، أم لا يقبل منه إلا الاسلام أو الدين الذي انتقل منه ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الاول، ثم الثاني. قلت: الاصح، لا يقبل منه إلا الاسلام. والله أعلم. فعلى الاول، تحل ذبيحته. وإن كانت إمرأة، حل للمسلم نكاحها. وإن كانت منكوحة مسلم، استمر نكاحه. وإن قلنا: لا يقر، لم تحل ذبيحته ولا نكاحها. وإذا انتقلت منكوحة مسلم، فكردة المسلمة، فتتنجز الفرقة قبل الدخول وتقف على انقضاء العدة بعده. وإذا قلنا بالقول الثاني والثالث، وامتنع من الاسلام أو منه ومن الدين الذي انتقل منه، فقولان. أحدهما: يقتل كالمرتد، وأشبههما: يلحق بمأمنه كمن نبذ العهد. ثم هو حرب لنا، إن ظفرنا به قتلناه. ولو تمجس يهودي أو نصراني، ففي تقريره وعدمه وما يقبل منه الاقوال. وقيل: يمنع التقرير قطعا، لكونه دون دينه الاول. فإن لم نقره، وأبى الرجوع، ففي القتل والالحاق بالمأمن القولان. وعلى كل حال، لا تحل ذبيحته ولا نكاحها. وإن كانت منكوحة مسلم، تنجزت الفرقة إن كان قبل الدخول، وإلا، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة، أو عادت إلى دينها وقنعنا به، دام النكاح، وإلا، بان حصول الفرقة من وقت الانتقال. ولو تمجست كتابية تحت كتابي، فإن كانوا لا يجوزون نكاح المجوس، فكتمجسها تحت مسلم، وإلا، فنقرهما إذا أسلما. ولو تهود أو تنصر مجوسي، ففي التقرير الاقوال، فإن منعناه، فالتفريع كما سبق، ولا تحل ذبيحته ونكاحها بحال، لان الانتقال من باطل إلى باطل لا يفيد فضيلة. الضرب الثاني: إنتقال مما يقر عليه إلى ما لا يقر، كتوثن يهودي أو نصراني، فلا يقر قطعا. وهل يقنع بعوده إلى ما انتقل منه أو دين يقر أهله عليه، أم لا يقبل إلا الاسلام أو ما انتقل منه، أم لا يقبل إلا الاسلام ؟ فيه ثلاثة أقوال. وإن كان هذا(5/477)
الانتقال من كتابية تحت مسلم، انفسخ نكاحها إن لم يدخل. وإن دخل فعادت إلى ما يقبل قبل انقضاء العدة، استمر نكاحها، وإلا، تبين الفراق من وقت الانتقال. ولو توثن مجوسي، لم يقر، وفيما يقنع به الاقوال. الضرب الثالث: عكس الثاني، كتهود وثني وتنصره وتمجسه، فلا يقر، ولا يقبل منه إلا الاسلام قطعا كالمرتد، لانه كان لا يقر فلا يستفيده بباطل. وإذا تأملت حكم هذه الاضرب، علمت أن الانتقال من دين باطل إلى باطل، يبطل الفضيلة التي كانت في الاول، ولا يفيد فضيلة لم تكن في الاول، ولكن تبقى الفضيلة التي يشترك فيها الدينان إن قلنا بالتقرير. وعلمت أن كلامهم المطلق في الفصل السابق: أن من دخل في التهود والتنصر بعد النسخ والتبديل لا يناكح ولا يقر بالجزية، غير مستمر على إطلاقه، لان من تهود أو تنصر اليوم فقد دخل في ذلك الدين بعد النسخ والتبديل، وقد بينا الخلاف في مناكحته وتقريره بالجزية إذا كان الدخول من دين يقر أهله عليه، فإذا إطلاقهم هناك وجزمهم بالمنع محمول على ما إذا كان الدخول فيه من دين لا يقر أهله كالوثنية، وهذا هو البيان الذي سبق الوعد به. فرع إذا قبلنا رجوعه إلى غير الاسلام، في هذه الصورة لا نقول له: أسلم أو عد إلى ما كنت عليه، بل نأمره بالاسلام، لكن نتركه إذا عاد إلى غيره. القسم الثاني: الانتقال من دين حق إلى باطل، وهو ردة المسلم والعياذ بالله، فلا يقبل منه إلا الاسلام، فإن أبى قتل كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ولا يحل نكاح المرتد لاحد. وإذا ارتد الزوجان أو ! أحدهما قبل الدخول، تنجزت الفرقة، وبعده نقف على العدة. فإن جمعهما الاسلام قبل انقضائها، استمر النكاح، وإلا، بان حصول الفرقة من وقت الردة. وفي مدة التوقف، لا يحل الوطئ، فلو وطئ، فلا حد، وتجب العدة، وهما عدتان من شخص، فهو كوطئ مطلقته في عدته، واجتماعهما في الاسلام هنا كرجعته هناك، فيستمر النكاح إذا(5/478)
جمعهما الاسلام في الحالات التي يحكم فيها بثبوت الرجعة هناك. ولو طلقها في مدة التوقف، أو ظاهر منها، أو آلى، توقفنا. فإن جمعهما الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا صحتها، وإلا، فلا. وليس للزوج إذا ارتدت أن ينكح أختها في مدة التوقف، ولا أربعا سواها، ولا أن ينكح أمة. فإن طلقها ثلاثا في مدة التوقف، أو خالعها، جاز له ذلك، لانها إن لم تعد إلى الاسلام، فقد بانت بنفس الردة، وإلا، فبالطلاق (أو الخلع). القسم الثالث: الانتقال من دين باطل إلى حق، وهو باب نكاح المشرك الآتي إن شاء الله تعالى. فرع من أحد أبويه كتابي والآخر وثني، يقر بالجزية على المذهب. وأما مناكحته ومناكحة من أحد أبويه مجوسي والآخر يهودي أو نصراني أو ذبيحته، فإن كانت الام هي الكتابية، لم يحل قطعا، وكذا إن كان هو الاب على الاظهر، هذا في صغر المتولد منهما. فأما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي منهما، فقال الشافعي رضي الله عنه: تحل مناكحته وذبيحته. فمن الاصحاب من أثبت هذا قولا، ومنهم من قال: لا أثر لبلوغه، وحمل النص على ما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا، فبلغ واختار دين أحدهما. ولو تولد بين يهودي ومجوسية، فبلغ واختار التمجس، فعن القفال أنه يمكن منه، ويجري عليه حكم المجوس. وقال الامام: لا يمتنع أن يقال: إذا أثبتنا له حكم اليهود في الذبيحة والمناكحة أن نمنعه من التمجس إذا منعنا انتقال الكافر من دين إلى دين.
الباب السابع : في نكاح المشرك فيه أربعة أطراف. الطرف الاول: فيما يقر عليه الكافر من الانكحة الجارية في الكفر إذا أسلم. فإذا(5/479)
أسلم وتحته أربع كتابيات، أو أقل، استمر نكاحهن، لانه يجوز ابتداؤه في الاسلام، وسواء في ذلك اليهودي والمجوسي والوثني والحربي والذمي. وإن أسلم وتحته مجوسية أو وثنية أو غيرهما ممن لا يجوز نكاحها من الكافرات، وتخلفت هي، فإن كان قبل المسيس، تنجزت الفرقة. وإن كان بعده وأسلمت قبل انقضاء العدة، استمر النكاح، وإلا، تبينا حصول الفرقة من وقت إسلام الزوج. وإن أسلمت المرأة، وأصر الزوج على كفره، أي كفر كان، فالحكم كما لو أسلم وأصرت على التوثن. وإن أسلما معا، بقيا على النكاح. سواء فيه جميع أنواع الكفر وقبل المسيس وبعده، والاعتبار في الترتيب والمعية، بآخر كلمة الاسلام، لا بأولها. ولو نكح كافر لابنه الصغير صغيرة، فإسلام الابوين أو أحدهما قبل بلوغهما كإسلام الزوجين أو أحدهما. ولو نكح لطفله بالغة، وأسلم أبو الطفل والمرأة معا، قال البغوي: يبطل النكاح، لان إسلام الولد يحصل عقب إسلام الاب، فيقدم إسلامهما على إسلام الزوج، لكن ترتب إسلام الولد على إسلام الاب، لا يقتضي تقدما وتأخرا بالزمان، فلا يظهر تقدم إسلامها على إسلام الزوج: قال: وإن أسلمت عقب إسلام الاب، بطل النكاح أيضا، لان إسلام الولد يحصل حكما، وإسلامها يحصل بالقول، والحكمي يكون سابقا للقولي، فلا يتحقق إسلامهما معا. فرع حيث توقفنا في النكاح وانتظرنا الحال إلى انقضاء العدة، فطلق قبل انقضائها، فطلاقه موقوف. فإن اجتمعا على الاسلام في العدة، تبقنا وقوعه. ويعتد من وقت الطلاق، وإلا، فلا طلاق. وقيل: في الطلاق قولا وقف العقود. ففي(5/480)
قول: لا يقع وإن اجتمعا في الاسلام قبل انقضاء العدة. وطردا فيما إذا أعتق عبد أبيه على ظن حياته، فبان ميتا، كما لو باعه على ظن حياته فبان ميتا. والمذهب الاول، لان الطلاق والعتق يقبلان صريح التعليق، فقبولهما تقدير التعليق أولى، وكذا يتوقف في الظهار والايلاء. ولو قذفها ولم يجتمعا على إسلام في العدة، لم يلاعن، ويعزر إن كانت هي المتخلفة، ويحد إن كان هو المتخلف. وإن اجتمعا على الاسلام، فله أن يلاعن لدفع الحد أو التعزير. ولو سبق الزوج إلى الاسلام، والزوجة وثنية، فنكح في زمن التوقف أختها المسلمة أو أربعا سواها، لم يصح. وكذا لو طلقها رجعية في الشرك ثم أسلم ونكح في العدة أختها المسلمة أو أربعا سواها، لان زوال نكاحها غير متيقن، فلا ينكح من لا يجوز الجمع بينها وبينها. وقال المزني: يتوقف فيمن نكحها. فإن أسلمت المتخلفة قبل انقضاء العدة، بان بطلان نكاح الثانية، وإلا، بان صحته. وذكر بعض الاصحاب، أنه على قولي وقف العقود. فعلى قول: هو كما قال المزني. والمذهب هو الاول، وهو المنصوص، وبه قطع الجماهير. ولو أسلمت المرأة أولا، ونكح في تخلفه أختها الكافرة، ثم أسلم مع الثانية، فإن كان بعد انقضاء عدة السابقة، أقرت الثانية تحته. وإن أسلم قبل انقضاء عدتها، فله أن يختار من شاء منهما، كما لو أسلم وتحته أختان أسلمتا معه، وليس كالصورة السابقة، فإنه هناك مسلم عند نكاح الثانية، فلا ينكح الاخت على الاخت، وهنا وقع النكاحان في الشرك. فصل ما ذكرناه أولا، كلام جملي في مواضع استمرار النكاح بعد الاسلام وعدم استمراره. والمقصود الآن، بيان شرط الاستمرار. فإن لم يقترن شئ من مفسدات النكاح بالعقد الجاري في الشرك، ولا بحالة عروض الاسلام، فهو مقرر عليه. فإن كانوا يعتقدون فساد شئ من ذلك، لم نبال باعتقادهم، وأدمنا ما هو صحيح عندنا. وإن اقترن به مفسد، نظر، إن كان زائلا عند الاسلام، وكانت بحيث يجوز نكاحها حينئذ ابتداء، استمر عليه، إلا إذا اعتقدوا فساده وانقطاعه. وإن كان المفسد باقيا وقت الاسلام، بحيث لا يجوز ابتداء(5/481)
نكاحها، فلا تقرير، بل يندفع النكاح، ويتخرج على هذا الضابط مسائل. إحداها: عقدا بغير ولي وشهود، أو أجبر البكر غير الاب والجد، أو أجبرت الثيب، أو راجع في القرء الرابع وهم يعتقدون امتداد الرجعة إليه، فيقر عليه، إذ لا مفسد عند الاسلام، ونكاحها الآن جائز. ولو نكح أمه أو بنته، أو زوجة أبيه أو ابنه، أو مطلقته ثلاثا قبل التحليل، اندفع النكاح عند الاسلام، لانه لا يجوز ابتداؤه. (المسألة) الثانية: (نكح) معتدة غيره، فإن كانت العدة باقية عند الاسلام، اندفع النكاح، وإلا استمر. وخص صاحب الرقم هذا التفصيل بعدة النكاح، قال: وفي عدة الشبهة يقران وإن كانت المدة باقية، لان الاسلام لا يمنع دوام النكاح مع عدة الشبهة، ولم يتعرض الجمهور لهذا الفرق، وأطلقوا اعتبار التقرير بالابتداء. ولو كان نكحها بشرط الخيار لهما أو لاحدهما مدة مقدرة، فإن كانت المدة باقية عند الاسلام، اندفع النكاح، وإلا، استمر كالعدة، وسواء قارن بقية العدة أم مدة الخيار إسلامهما أو إسلام أحدهما، حتى لو أسلم أحدهما والعدة أو المدة باقية، ثم أسلم الآخر وقد انقضت، فلا تقرير، كذا قاله الصيدلاني، والامام، والغزالي، والبغوي، لان المفسد لاقى إسلام أحدهما فغلب الفساد. وعن القاضي حسين: أن المؤثر اقترانه بإسلامهما، فإن اقترن بإسلام أحدهما فقط، لم يندفع النكاح، لان وقت الامساك والاختيار هو حال اجتماعهما مسلمين، والاول أصح. المسألة الثالثة: النكاح المؤقت، إن اعتقدوه مؤبدا، أقروا عليه. وإن اعتقدوه مؤقتا، لم يقروا، سواء أسلما بعد تمام المدة أو قبلها، لان بعد المدة لا نكاح في اعتقادهم، وقبلها يعتقدونه مؤقتا، ومثله لا يجوز ابتداؤه. المسأل الرابعة: غصب حربي أو مستأمن إمرأة واتخذها زوجة وهم يعتقدون غصبها نكاحا، قال القفال: لا يقر، إذ لا عقد. والصحيح التقرير، إذ ليس فيه إلا إقامة(5/482)
الفعل مقام القول، فأشبه سائر وجوه الفساد. ولو غصب ذمي ذمية، لم يقر، لان على الامام دفع قهر بعضهم بعضا، بخلاف الحربي والمستأمن. فرع إذا أسلما، لم يبحث عن شرط نكاحهما في الابتداء، لانه أسلم خلائق فلم يسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شروط أنكحتهم، وأقرهم عليها. وأما في حال الاسلام، فالوجه: الاحتياط.
فصل قد سبق بيان ما إذا لم يقترن بالعقد الجاري في الشرك ولا بالإسلام مفسد، وما إذا اقترن بالعقد مفسد، وهذا الفصل لقسم ثالث، وهو أن لا يقترن بالعقد، لكن يطرأ مفسد ويقترن بالاسلام، وفيه مسائل بناها جماعة على أن الاختيار والامساك كابتداء العقد، أم كاستدامته ؟ قالوا: وفيه قولان مستنبطان. أظهرهما عند الاصحاب الاول.(5/483)
إحدى المسائل: إذا أسلم، ووطئت زوجته بشبهة ثم أسلمت، أو أسلمت ثم وطئت بشبهة، ثم أسلم قبل انقضاء العدة، استمر نكاحهما على المذهب والمنصوص وإن كان لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة، لان عدة الشبهة لا تقطع نكاح المسلم، فذا أولى. المسألة الثانية: أسلم وأحرم، ثم أسلمت في العدة، فعن النص جواز إمساكها في الاحرام، وكذا لو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ثم أسلمن وهو محرم، له اختيار (أربع) منهن، وللاصحاب طريقان. أحدهما: القطع بالمنع، كما لو أسلم وتحته أمة وهو موسر، لا يجوز إمساكها، وهؤلاء حملوا النص على ما إذا أسلما معا ثم أحرم الزوج، فله الاختيار، لانه ثبت قبل الاحرام. وممن روي عنه هذا التأويل، الانماطي، وابن سلمة. وعن القفال إنكار هذا النص، وقال: تفحصت كتب الشافعي، فلم أجده. والطريق الثاني وهو الصحيح: أن المسألة على قولين. أحدهما: المنع. وأظهرهما ومختار أكثر الاصحاب: الاخذ بظاهر النص، لان عروض الاحرام لا يؤثر كما في نكاح المسلم، ولان الامساك استدامة، فأشبه الرجعة. المسألة الثالثة: نكح في الكفر حرة وأمة، ثم أسلم وأسلمتا معه، فالمذهب أن الحرة تتعين للنكاح، ويندفع نكاح الامة. وسواء نكحهما معا أو مرتبا، وتندفع الامة أيضا باليسار المقارن للاسلام. وقيل: في اندفاعها في الصورتين قولان، بناء على الاصل المذكور. والحاصل للفتوى، أنه متى أسلم وتحته أمة وأسلمت معه، أو جمعهما الاسلام في العدة، فإن كان يحل له نكاح الامة أمسكها، وإن لم يحل ليسار أو أمن العنت، اندفع نكاحها. المسألة الرابعة: أسلمت بعد الدخول وارتدت، فإن لم يسلم الزوج حتى انقضت العدة، بانت باختلاف الدين أولا، وتكون العدة من يومئذ. وإن أسلم قبل انقضائها، سقط حكم تلك العدة من يومئذ، ونتوقف. فإن عادت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة من وقت ردتها، استمر النكاح، وإلا، انقطع من يوم الردة، وكذا لو(5/484)
أسلم الزوج بعد الدخول وارتد، إن لم تسلم المرأة إلى انقضاء العدة من وقت إسلامه، بانت، وإن أسلمت، توقفنا، فإن عاد الزوج إلى الاسلام قبل انقضاء العدة من وقت ردته، استمر النكاح، وإلا، حصلت الفرقة من يومئذ. قال الامام: وحكى القفال عن النص أنه يندفع النكاح في إسلام أحد الزوجين وارتداده، ولا يتوقف، والمشهور التوقف. وعلى هذا قال البغوي وغيره: الردة يفترق فيها حكم الابتداء والاستدامة، لان ابتداء نكاح المرتد باطل غير منعقد على التوقف، وفي الدوام توقفنا، فالتحقت الردة بالعدة للشبهة والاحرام. وإنما قيل بالتوقف في الردة، ولم نجوز الاختيار فيها بخلاف الاحرام والعدة، لان منافاة الردة للنكاح أشد، فإنها تقطعه، بخلافهما، ولهذا لا تجوز الرجعة في الردة، وتجوز في الاحرام على الاصح. ولو أسلم وتحته أكثر من أربع، وارتد، ثم أسلمت النسوة في العدة، أو أسلم وأسلمن معه، ثم ارتد قبل الاختيار، لم يجز أن يختار أربعا منهن في الردة. فإن عاد إلى الاسلام في العدة، فله الاختيار حينئذ. فرع قد بان بما ذكرنا، أن القاطع للنكاح عند الاسلام، منه ما يكون موجودا عند العقد واستمر كالعدة، ومنه ما يطرأ كما لو نكح حرة على أمة ثم أسلم، أو نكح أمة ثم أيسر وأسلم موسرا. ثم هل يشترط في الانقطاع أن يقارن المفسد إسلامهما، أو يكفي اقترانه بإسلام أحدهما ؟ فيه خلاف سبق. أما القسم الاول: فالاصح الاكتفاء. وأما الثاني: فقد ذكرنا أن المذهب أنه إذا أسلم ومعه حرة وأمة، اندفعت الامة، وكذا لو أسلمت الحرة المدخول بها معه أو بعده قبل انقضاء العدة ثم أسلمت الامة. ولو أصرت الامة حتى انقضت العدة، اندفعت باختلاف الدين. ولو ماتت الحرة بعد إسلامها، أو ارتدت، ثم أسلمت الامة، اندفعت الامة أيضا، وكفى اقتران إسلام الحرة بإسلامه. ولو أسلم وتحته أمة وهو موسر، ثم تلف ماله وأسلمت(5/485)
وهو معسر، فله إمساكها، وإنما يؤثر اليسار في الدفع إذا قارن إسلامهما جميعا. وقيل: يكفي اقتران اليسار بإسلامه، حكي هذا عن أبي يحيى البلخي، قال: وعكسه لو أسلم معسرا ثم أسلمت وهو موسر، فله إمساكها نظرا إلى وقت إسلامه. وعن ابن خيران: في اليسار الزائل قولان. وعن القاضي أبي حامد: أن في صورة الحرة والامة له إمساك الامة، فحصل خلاف في الصورتين. والمذهب في صورة الحرة والامة اندفاع الامة وإن ماتت الحرة. وفي صورة زوال اليسار عدم اندفاعها، واعتبار اقترانه بإسلامهما، لان وقت الاجتماع هو وقت جواز نكاح الامة.
فصل في الأنكحة الجارية في الشرك ثلاثة أوجه، كذا نقلها الاكثرون، وسماها الغزالي أقوالا، والصحيح أنها محكوم بصحتها، قال الله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) * * (وقالت امرأة فرعون) * ولانهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا، ولم نفرق بينهم، وإذا أسلموا أقررناهم، والفاسد لا ينقلب صحيحا ولا يقرر عليه. والثاني: أنها فاسدة، لعدم مراعاتهم الشروط، لكن لا نفرق لو ترافعوا، رعاية للعهد والذمة، ونقرهم بعد الاسلام تخفيفا.(5/486)
والثالث: لا نحكم بصحة ولا فساد، بل نتوقف إلى الاسلام، فما قرر عليه، بانت صحته، وما لا، ففساده. ومن الاصحاب من قطع بالصحة. وإذا ثبت الخلاف، فهل هو مخصوص بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الاسلام ؟ أم يجري في كل عقودهم ؟ مقتضى كلام المتولي وغيره: التخصيص. وقال الامام: من يحكم بفساد أنكحتهم، يلزمه أن لا يفرق بين ما عقدوه بشروطنا وغيره. والمصير إلى بطلان نكاح يعقد على وفق الشرائع كلها، مذهب لا يعتقده ذو حاصل. قلت: الصواب التخصيص، بل لم يصرح أحد بطرده في الجميع، وليس في كلام الامام إثبات نقل طرده، وانما ألزمه إلزاما لهم الانفصال عنه بأن الظاهر إخلالهم بالشروط، فإن تصور علمنا باجتماعها، حكمنا بالصحة قطعا. والله أعلم. ويبنى على الاصل المذكور مسألتان. إحداهما: طلق كافر زوجته ثلاثا ثم أسلما. فإن قلنا بالصحيح وهو صحة أنكحتهم، لا تحل إلا بمحلل، وهذا هو نصه في المختصر. وإن قلنا بالفساد، فالطلاق في الفاسد لا يحوج إلى محلل، فإذا قلنا بالصحيح، فنكحت هذه المطلقة زوجا في الشرك، ووطئها ثم طلقها، ثم أسلمت فتزوجها الاول بعد إسلامه، حلت، وكذا يحصل التحليل للمسلم بنكاح ذمي أو حربي كتابية طلقها المسلم ثلاثا. المسألة الثانية: التي يقرر نكاحها بعد الاسلام، لها المهر المسمى إن كان صحيحا. فإن كان خمرا ونحوها، فسيأتي حكم مهورهم الفاسدة إن شاء الله(5/487)
تعالى. ومن اندفع نكاحها بإسلام الزوج، إن لم تكن مدخولا بها، وصححنا أنكحتهم، فلها نصف المسمى إن كان صحيحا. وإن كان فاسدا، فنصف مهر المثل. وإن لم يسم شيئا، وجب المتعة. ومن اندفعت بإسلامها، فلا شئ لها على المشهور. وقيل: قولان. ثانيهما: وجوب نصف المهر، لانها محسنة بالاسلام، فهي في معنى من ينسب الفراق إلى تخلفه. وإن أفسدنا أنكحتهم، فلا مهر مطلقا، لان المهر لا يجب في الفاسد بلا دخول. وإن كانت مدخولا بها، وصححنا أنكحتهم، وجب المسمى إن كان صحيحا. وإن أفسدناها، فمهر المثل. ثم عن القفال، أن من صور الاندفاع من نكح محرما له ثم أسلم، وجعل وجوب نصف المهر على الخلاف. ورأى الامام القطع بأنه لا شئ للمحرم من المهر. قال: ولا نقول: انعقد العقد عليها ثم انفسخ بالاسلام، وإنما ذلك في الاخت المفارقة من الاختين وفي الزائدات على أربع. والموافق لا طلاق غير الامام موافقة القفال. فرع نكح مشرك أختين، فطلقهما ثلاثا ثلاثا، ثم أسلم وأسلمتا، قال الاصحاب: إن صححنا أنكحتهم، نفذ الطلاق فيهما، ولم ينكح واحدة منهما إلا بمحلل. وإن أفسدناها، فلا نكاح ولا طلاق، ولا حاجة إلى محلل فيهما. وإن توقفنا، فلو لم يكن طلاق، لاختار إحداهما وبان بذلك صحة نكاحها وفساد نكاح الاخرى، فإذا طلقهما، أمر بالاختيار لينفذ الطلاق في المنكوحة، ويحتاج إلى محلل لها دون الاخرى. ولو أسلم مع أختين، ثم طلق كل واحدة ثلاثا، فهنا يتخير قطعا، لانهم لما أسلموا اندفع نكاح واحدة، وإنما ينفذ الطلاق في المنكوحة. ولو أسلم قبلهما، أو أسلمتا قبله، تخير قطعا، لانه والحالة هذه لا يمسك إلا إحداهما، وينفسخ نكاح الاخرى من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم. ولو كان تحته أكثر من أربع، فطلقهن ثلاثا ثلاثا، ثم أسلموا، فعلى الصحيح ينفذ الطلاق فيهن كلهن، وعلى التوقف، يختار أربعا فينفذ فيهن دون الباقيات. قال الشيخ أبو علي: ولو كان عنده حرة وأمة، فطلقهما ثلاثا ثلاثا، ثم أسلموا، لم يجز له نكاح واحدة إلا بمحلل. ولو أسلموا، ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا،(5/488)
وقع الثلاث على الحرة، لانها متعينة، وتندفع الامة، ولا يحتاج فيها إلى محلل. وكذا لو أسلمتا ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلم أو أسلم فطلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلمتا، لان الاسلام لما جمع الجميع، بان اندفاع الامة من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم. فصل أصدق فاسدا كخمر أو خنزير، ثم أسلما بعد قبضه، فلا شئ. وإن أسلما قبل قبضه، وجب مهر المثل. وفي قول: لها مهر المثل وإن قبضته. وفي قول: لا شئ وإن لم تقبض، والمشهور الاول، وهو الفرق. وسواء كان المسمى خمرا معينة أو في الذمة. ولو أصدقها حرا مسلما استرقوه، ثم أسلما قبل قبضه أو بعده، لم نقره في يدها، بل نبطل ما جرى، ويجب مهر المثل. هكذا ذكروه، وقياس ما سبق، أن يخرج من يدها، ولا ترجع بشئ، كما تراق الخمرة المقبوضة. ولو قبضت بعض الفاسد، ثم أسلما، وجب من مهر المثل بقسط ما لم يقبض، ولا يجوز تسليم الباقي من الفاسد. وطريق التقسيط، أن ينظر، فإن سميا جنسا واحدا وليس فيه تعدد، كزق خمر قبضت نصفه ثم أسلما، وجب نصف مهر المثل. وإن تعدد المسمى كزقي خمر، قبضت أحدهما. فإن تساويا في القدر، فكذلك، وإلا، فهل يعتبر الكيل أو الوزن أو العدد ؟ أوجه. أصحها: الاول. وإن أصدقها خنزيرين، فهل يعتبر العدد أم قيمتهما بتقدير ماليتهما ؟ وجهان. أصحها: الثاني. وإن سميا جنسين فأكثر، كزقي خمر وكلبين وثلاثة خنازير، وقبضت إحدى الاجناس، فهل ينظر إلى الاجناس، فكل جنس بثلث، أم إلى الاعداد، فكل فرد سبع، أم إلى القيمة بتقدير المالية ؟ أوجه. أصحهما: الثالث. وحيث اعتبرنا تقويمها، فهل طريقه أن تقدر(5/489)
الخمر خلا، والكلب شاة، والخنزير بقرة، أم الكلب فهدا، لاشتراكهما في الاصطياد، والخنزير حيوانا يقاربه في الصورة والفائدة، أم تعتبر قيمتها عند من يجعل لها قيمة كتقدير الحر عبدا في الحكومة ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. ولو ترابى كافران، فباعه أو أقرضه درهما بدرهمين، ثم أسلما أو ترافعا إلينا قبله، فإن جرى تقابض، لم نتعرض لما جرى ولم يلزم الرد، وإن لم يجر، أبطلناه. وإن كان بعد قبض الدرهمين، سألنا المؤدي، أقصد أداءه عن الربح، أم عن رأس المال ؟ وقد ذكرنا تفصيله في أواخر كتاب الرهن. وجميع ما ذكرناه هو إذا تقابضا بتراض، فإن أجبرهم قاضيهم على القبض في الربا والصداق وثمن خمر تبايعوها ثم أسلموا، لم نوجب الرد على المذهب، فالاسلام يجب ما قبله. وإن ترافعوا إلينا في كفرهم، فكذلك على الاظهر، ويقال: الاصح. فرع نكحها مفوضة، ويعتقدون أن لا مهر للمفوضة بحال، ثم أسلم، فلا مهر وإن كان إسلامهما قبل الدخول، لانه استحق وطئا بلا مهر.
فصل إذا ترافع إلينا ذميان في نكاح أو غيره، إن كانا متفقي الملة، وجب الحكم بينهما على الاظهر عند الاكثرين، لقول الله تعالى: * (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) * ولانه يجب الذب عنهم كالمسلمين. والثاني: لا يجب، لكن لا(5/490)
نتركهم على النزاع، بل نحكم أو نردهم إلى حاكم ملتهم، ورجحه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. وقيل: يجب الحكم بينهم في حقوق الله تعالى، والقولان في غيرها لئلا تضيع، وقيل: عكسه، والاصح طردهما في الجميع. وإن كانا مختلفي الملة، كيهودي ونصراني، وجب الحكم على المذهب، لان كلا لا يرضى بملة صاحبه. وقيل بالقولين. ولو ترافع معاهدان، لم يجب الحكم قطعا، وإن اختلف ملتهما، لانهم لم يلتزموا حكمنا، ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض. وقيل: هما كالذميين. وقيل: إن اختلف ملتهما، وجب، والمذهب الاول. ولو ترافع ذمي ومعاهد، فكالذميين. وقيل: يجب قطعا. وإن ترافع مسلم وذمي أو معاهد، وجب قطعا. فرع قال الاصحاب على اختلاف طبقاتهم: إن قلنا: وجب الحكم بين الكافرين، فاستعدى خصم على خصم، وجب إعداؤه وإحضار خصمه ليحكم بينهما، ولزم المستعدى عليه الحضور. وإن قلنا: لا يجب الحكم، لم يجب الاعداء، ولا يلزمه الحضور، ولا يحضر قهرا. قال البغوي وغيره: ولو أقر ذمي بالزنا، أو سرقة مال مسلم أو ذمي، حد قهرا إن أوجبنا الحكم بينهم، وإلا، فلا يحد إلا برضاه، فاعتبر الاصحاب الرضى على قول عدم الوجوب، ولم يعتبروه على قول الوجوب. وأما قول الغزالي: لا يجب الحكم إلا إذا رضيا جميعا، فمردود مخالف لما عليه الاصحاب. فرع سواء أوجبنا الحكم بينهم، أم لا، إنما نحكم بحكم الاسلام. وإذا تحاكموا في أنكحتهم، فنقر ما نقره لو أسلموا، ونبطل ما لا نقره لو أسلموا.(5/491)
فإذا نكح بلا ولي وشهود، أو ثيبا بلا إذنها أو معتدة منقضية العدة عند الترافع وترافعا، حكمنا بالتقرير والنفقة. فلو كانت بعد في العدة، أبطلناه ولم نوجب نفقة. ولو نكح مجوسي محرما، وترافعا في النفقة، أبطلناه ولا نفقة. ولو طلبت مجوسية النفقة من الزوج المجوسي أو اليهودي، فوجهان، وكذا في تقريرهما على النكاح. أصحهما: التقرير والحكم بالنفقة، كما لو أسلما والتزما الاحكام. ووجه المنع، أنه لا يجوز نكاحها في الاسلام. ولو جاء كافر تحته أختان، وطلبوا فرض النفقة، قال الامام: فيه تردد، لانا نحكم بصحة نكاحهما، وإنما تندفع إحداهما بالاسلام. قال: والذي أدى القطع به المنع، لقيام المانع، وحيث لا نقرر في هذه الصور، فهل يعرض القاضي المرفوع إليه عنهما، أم يفرق بين الزوجين ؟ فيه وجهان. أصحهما عند الامام: الاعراض، وإنما يفرق إذا رضوا بحكمنا. ووجه التفريق، أنهم بالترافع أظهروا ما يخالف الاسلام، كما لو أظهروا الخمر. فرع إذا التمسوا من حاكم المسلمين ابتداء نكاح، أجاب إن كانت المرأة كتابية ولم يكن لها ولي كافر، ولا يزوج إلا بشهود مسلمين. فرع قال المتولي: لو لم يترافع إلينا المجوس، لكن علمنا فيهم من نكح محرما، فالمشهور أنه لا يتعرض لهم. وحكى الزبيري قولا، أن الامام إذا عرف ذلك، فرق بينهما كما لو عرف أن المجوسي نكح مسلمة أو مرتدة.
الطرف الثاني : فيما إذا أسلم وتحته عدد من النسوة، لا يجمع بينهن في الاسلام، وفيه صور.(5/492)
الصورة الاولى: أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة، وأسلمن معه أو تخلفن وهن كتابيات، اختار أربعا منهن، واندفع في نكاح الباقيات. وإن كن مجوسيات أو وثنيات وهن مدخول بهن، فتخلفن ثم أسلمن قبل انقضاء العدة من وقت إسلام الزوج، فكذلك الحكم، وسواء في هذا كله نكحهن معا أو مرتبا. وإذا نكحهن مرتبا، فله إمساك الاخريات ومفارقة الاوليات. وإذا أسلم على أكثر من أربع وهن غير مدخول بهن، وأسلمن معه أربع، تقرر نكاحهن، وارتفع نكاح الباقيات. ولو كان دخل بهن، فاجتمع إسلامه وإسلام أربع فقط في العدة، تعين للنكاح، حتى لو أسلم أربع من ثمان وانقضت عدتهن، أو متن في الاسلام ثم أسلم الزوج وأسلمت الباقيات في عدتهن، تعينت الاخريات. ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، وتخلفت الباقيات حتى انقضت عدتهن من وقت إسلام الزوج، أو متن على الشرك، تعينت الاوليات. ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، ثم أسلم الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج، اختار أربعا من الاوليات والاخريات كيف شاء. فإن ماتت الاوليات أو بعضهن، جاز له اختيار الميتات، ويرث منهم. فرع قبل كافر لابنه الصغير نكاح أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم وأسلمن، اندفع نكاح الزيادة على أربع، لكن لا يختار الصبي ولا الولي، لانه خيار شهوة، فيوقف حتى يبلغ، ونفقتهن في مال الصبي لحبسهن عليه، وكذا لو أسلم رجل وجن قبل الاختيار. الصورة الثانية: أسلم وتحته أم وبنتها، نكحهما معا أو مرتبا وأسلمتا، أو لم تسلما وهما كتابيتان، فإن كان دخل بهما، حرمتا أبدا. ولكل واحدة مسماها إن جرت تسمية صحيحة، وإلا، فمهر المثل. وإن لم يدخل بواحدة منهما، فهل تتعين البنت للنكاح ويندفع نكاح الام، أم يتخير إحداهما ؟ قولان.(5/493)
أظهرهما عند الاكثرين: الاول، وهما مبنيان عند الجمهور على صحة أنكحتهم. إن صححناها، تعينت البنت، وحرمت الام أبدا، وإلا، تخير. فإن اختار البنت، حرمت الام أبدا. وإن اختار الام، اندفعت البنت، لكن لا تحرم مؤبدا إلا بالدخول بأمها. وأما المهر، فقال ابن الحداد: إن خيرناه، فللمفارقة نصف المهر، لانه دفع نكاحها بإمساك الاخرى. وإن قلنا: تتعين البنت، فلا مهر للام، لاندفاع نكاحها بغير اختياره. وقال القفال وغيره: الحكم بالعكس، إن خيرناه، فلا مهر للمفارقة، لان التخيير يبنى على فساد نكاحهم، فالمفارقة كأنه لم ينكحها، حتى جوز الاصحاب لابنه وأبيه نكاحها تفريعا على هذا القول. وإذا لم يكن نكاح، فلا مهر. وإن عينا البنت، فللام نصف المهر، لصحة نكاحها واندفاعه بالاسلام. ومال الامام إلى أنه لا مهر على هذا القول أيضا، لانه صح نكاح البنت، فتصير الام محرما، وإيجاب المهر للمحرم بعيد، وقد سبق نظير هذا. وإن دخل بالبنت فقط، ثبت نكاحها، وحرمت الام أبدا، ولا مهر لها عند ابن الحداد، ولها نصفه عند القفال إن صححنا أنكحتهم. وإن دخل بالام فقط، حرمت البنت أبدا. وهل له إمساك الام ؟ يبنى على القولين إذا لم يدخل بواحدة. إن خيرناه، أمسكها، وإلا، فلا، ولها مهر المثل بالدخول. (الصورة) الثالثة: سبق أنه لو أسلم وتحته أمة، وأسلمت معه، فله إمساكها إن كان يحل له نكاح الامة، وإلا، فلا. فلو تخلفت، نظر، إن كان قبل الدخول، تنجزت الفرقة كتابية كانت أو غيرها، لان المسلم لا ينكح الامة الكتابية. وإن كان بعد الدخول، وجمعت العدة إسلامهما، فهو كما لو أسلمت معه. وإن كانت كتابية، وعتقت في العدة، فله إمساكها. وإن لم تسلم، ولا عتقت، أو كانت وثنية، ولم تسلم إلى انقضاء العدة، تبينا اندفاع النكاح من وقت إسلامه. وإن كان تحته إماء، فأسلم وأسلمن معه، اختار واحدة منهن إن كان ممن تحل له الامة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن، وإلا، فيندفع نكاحهن، سواء سبق إسلامه أو سبقنه. ولو أسلم وتحته ثلاث، فأسلمت معه واحدة وهو معسر خائف من العنت، ثم أسلمت الثانية في عدتها وهو موسر، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر خائف من العنت،(5/494)
فإن قلنا بالاصح: إن اليسار إنما يؤثر في اندفاع النكاح إذا اقترن بإسلامهما، اندفع نكاح الثانية، لفقد الشرط عند اجتماع إسلامه وإسلامها، ويخير بين الاولى والثالثة. وإن قلنا: يؤثر عند إسلامه فقط، لم تندفع الثانية، بل تدخل في التخيير. فرع أسلم وتحته إماء، وأسلمت معه إحداهن، فله أن يختارها، وله أن ينتظر الباقيات. فإن أصررن على الشرك، تبينا أنهن بن وقت إسلامه، وأن عدتهن انقضت. وإن أسلمن في العدة، نظر، إن كان اختار المسلمة أولا، كانت بينونتهن باختياره إياها. وإنه لم يكن اختارها، اختار إحداهن، واندفع الباقيات. وإن طلق المسلمة أولا، كان الطلاق متضمنا اختيارها. ثم إن أصر الباقيات حتى انقضت عدتهن، بان أنهن بن باختلاف الدين. وإن أسلمن في العدة، بان أنهن بن من وقت الطلاق فإنه وقت الاختيار. وإن فسخ نكاح المسلمة أولا، لم ينفذ، لانه إنما يفسخ الزائد، وليس في الحال زيادة، ثم إن أصررن، اندفعن باختلاف الدين، ولزم نكاح الاولى. وإن أسلمن في العدة، اختار من شاء من الجميع. وقيل: لا يجوز اختيار الاولى، بل نتبين نفوذ فسخه فيها، والصحيح الاول. الصورة الرابعة: أسلم وفي نكاحه حرة وأربع إماء مثلا، وأسلمن، نظر، إن أسلمت الحرة معه، أو كانت مدخولا بها وأسلمت قبل انقضاء عدتها، تعينت، واندفع الاماء، سواء أسلمن قبله وقبل الحرة أو بعدهما في العدة أو بينهما. وإذا تأخر إسلامهن، فإن أسلمن في العدة، بن من وقت اجتماع إسلام الزوج والحرة، وعدتهن من ذلك الوقت. وإن لم يسلمن حتى انقضت العدة، فبينونتهن باختلاف الدين. وإن لم يجتمع إسلام الحرة وإسلامه في العدة، بأن أسلم الزوج، وأصرت هي إلى انقضاء العدة، أو ماتت في العدة، أو أسلمن أولا وتخلف الزوج حتى انقضت عدتها أو ماتت، فالحكم كما لو لم يكن تحته حرة، فيختار واحدة من الاماء على التفصيل السابق، وفي مدة تخلف الحرة المدخول بها، لا يختار واحدة من الاماء، سواء أسلمن معه أو بعده في العدة حتى يئس منها بالموت أو انقضاء العدة. فإن اختار واحدة قبل اليأس، ثم ماتت الحرة، أو انقضت عدتها وهي مصرة، فالمذهب أنه يجب اختيار جديد، ولا يتبين صحة ذلك الاختيار. هذا كله إذا لم يطرأ عتق الاماء،(5/495)
فإن طرأ قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن بأن عتقن ثم أسلم وأسلمن، أو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم، أو أسلم وعتقن ثم أسلمن، التحقن بالحرائر الاصليات، حتى لو أسلمت الحرة ثم أسلمت الاماء المتخلفات بعد عتقهن، فهو كما لو أسلم على حرائر، فيختار من الجميع أربعا كيف شاء. وحكى ابن القطان وجها فيما إذا أسلم وتحته حرائر وإماء، فعتق الاماء ثم أسلمن، أنه لا يجوز إلا اختيار الحرائر الاصليات، وهذا ضعيف. ولو تخلفت الحرة، واجتمع إسلامه وإسلامهن وهن عتيقات، فله أن يختارهن. ثم إن أسلمت الحرة المتخلفة في العدة، بانت باختياره الاربع. وإن لم تسلم، بانت باختلاف الدين. وإن أخر الاختيار انتظارا لاسلام الحرة الاصلية المتخلفة، فقال الشيخ أبو حامد: هو جائز. قال ابن الصباغ: عندي أنه لا معنى لتأخير اختيار الجميع، لانه يلزمه نكاح ثلاث منهن لا محالة، فيختار ثلاثا. ثم إن أسلمت المتخلفة في العدة، اختارها أو الرابعة من العتيقات. وإن لم تسلم، لزمه نكاح الرابعة من العتيقات. ولو أسلم وليس في نكاحه إلا إماء، وتخلفن وعتقن ثم أسلمن في العدة، اختار منهن أربعا كالحرائر الاصليات. ولو أسلمن معه إلا واحدة، ثم أسلمت المتخلفة في العدة بعدما عتقت، تعينت للنكاح كالحرة الاصلية. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلم معه ثنتان، وتخلف ثنتان، فعتقت واحدة من المتقدمتين وأسلمت المتخلفتان على الرق، اندفعتا، لان تحت زوجهما عتيقة، ولا تندفع الرقيقة المتقدمة، لان عتق صاحبتها كان بعد اجتماع إسلامها وإسلام الزوت، فلا يؤثر في حقها، فيختار واحدة من المتقدمتين. ولو كان تحته إماء، فأسلم الزوج مع واحدة، ثم عتقت، ثم عتق(5/496)
الباقيات، ثم أسلمن، اختار أربعا منهن، لالتحاقهن بالاصليات، وليس له اختيار الاولى، لانها كانت رقيقة عند اجتماع الاسلامين. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلم معه اثنتان، ثم عتقتا وعتقت المتخلفتان، ثم(5/497)
أسلمتا، تعين إمساك الاخريين، واندفعت المتقدمتان. ولو أسلم الزوج وتخلفن، ثم عتقت اثنتان، ثم أسلمتا وأسلمت الاخريان، ثم عتقتا، تعين إمساك الاوليين، واندفعت المتأخرتان. والنظر في جميع ذلك إلى حالة اجتماع الاسلامين، لانه حالة إمكان الاختيار.
فصل عتق الامة تحت عبد، يثبت لها الخيار في فسخ النكاح كما سيأتي في الباب الآتي إن شاء الله تعالى. والغرض هنا بيان عتق المشركة مع إسلامها، فإذا نكح عبد كافر أمة، ثم أسلمتا وعتقت، نظر، إن عتقت بعد اجتماع الاسلامين، فهي كسائر الاماء يعتقن تحت العبيد، وليس هذا من صور الفصل، وإن عتقت قبل اجتماع الاسلامين وهي مدخول بها، فلها حالان. أحدهما: أن تسلم هي أولا وتعتق، ويتخلف الزوج، فليس لها الاجازة، سواء عتقت ثم أسلمت، أو أسلمت ثم عتقت، لانها معرضة للبينونة، ولا يبطل بهذه الاجازة حقها من الفسخ. وإن اختارت الفسخ في الحال، جاز، فإذا فسخت، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء مدة عدتها، فعدتها من وقت الفسخ، وتعتد عدة حرة، فإن لم تسلم حتى انقضت مدة عدتها، فعدتها من وقت إسلامها. ويلغو الفسخ بحصول الفرقة قبله، وتعتد عدة حرة إن عتقت ثم أسلمت. وإن أسلمت ثم عتقت، فهي أمة عتقت في أثناء عدتها، فهل تعتد عدة حرة، أم عدة أمة ؟ فيه طريقان، أقربهما إلى نص الشافعي رضي الله عنه وبه قطع في الشامل وغيره: أنها كالرجعية تعتق في أثناء العدة، والمذهب فيها الاقتصار على عدة أمة، وموضع بيانهما كتاب العدد. ولو أرادت تأخير الفسخ إلى أن تبين حال الزوج، جاز،(5/498)
ولا يبطل خيارها، كالرجعية إذا عتقت في العدة والزوج رقيق. ثم إن لم يسلم الزوج حتى انقضت مدة العدة، سقط الخيار، وعدتها من وقت إسلامها وهي عدة حرة إن عتقت ثم أسلمت، وإن أسلمت ثم عتقت، فهل هي عدة حرة، أم أمة ؟ فيه الطريقان. وإن أسلم الزوج، فلها الفسخ، وتعتد من وقت الفسخ عدة حرة. الحال الثاني: أسلم وتخلفت، فلها الخيار على الصحيح، لتضررها برقه. وقيل: لا خيار لها، لان خيار العتق من أحكام الاسلام، وهي كافرة، فلا يثبت لها. فإذا قلنا بالصحيح، فلها تأخير الفسخ والاجازة، ثم إن أسلمت قبل مضي العدة وفسخت، اعتدت من وقت الفسخ عدة حرة. وإن لم تسلم حتى انقضت، تبينا حصول الفرقة من وقت إسلام الزوج. وهل تعتد عدة حرة، أم أمة ؟ فيه الطريقان. وهنا أولى بإلحاقها بالامة، لانها بائن ليس بيد الزوج من أمرها شئ. ولو أجازت قبل أن تسلم، لم تصح إجازتها على الصحيح، لانها معرضة للبينونة. ولو فسخت، نفذ الفسخ على الصحيح وقول الاكثرين، كالحالة الاولى. وقيل: لا ينفذ، وبه قال ابن سلمة. وهو ظاهر نقل المزني، لكنه مؤول عند الجمهور. فرع أسلم الزوج الرقيق، هل لزوجته الكافرة خيار ؟ وجهان. أصحهما على ما قال الامام والمتولي: لا، لانها رضيت برقه ولم يحدث فيها عتق، والثاني: نعم، وهو ظاهر نصه، لان الرق نقص في الاسلام، وليس كبير نقص في الكفر. قال الداركي: الخلاف في أهل الحرب، أما الذمية مع الذمي، فلا خيار لها قطعا، لانها رضيت بأحكامنا. واعلم أن الوجهين جاريان سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، وسواء أسلمت أو لم تسلم إذا كانت كتابية، كذلك قال البغوي وغيره، وفي الوسيط ذكر الوجهين فيما إذا أسلمت الحرة، وليس هو بقيد، فاعلم ذلك.
فصل العبد الكافر، إذا أسلم وتحته أكثر من إمرأتين، فأسلمن معه أو(5/499)
بعده في العدة، إن دخل بهن، اختار ثنتين منهن، سواء كن حرائر أو إماء. فإن شاء، اختار حرتين، أو حرة وأمة. وإن سبقن بالاسلام، ثم أسلم في العدة، فكذلك. ولو طرأ عتقه، نظر، إن عتق بعد اجتماع الاسلامين، لم يؤثر عتقه في زيادة العدد، فلا يزيد على ثنتين. وإن عتق قبل الاسلامين، بأن عتق قبل إسلامه وإسلامهن، أو بينهما، تقدم إسلامه أو تأخر، فله حكم الاحرار، وللزوجات ثلاثة أحوال. أحدها: أن يتمحضن حرائر، فيختار أربعا منهن. ولو أسلم منهن ثنتان معه، ثم عتق ثم أسلم الباقيات، فليس له إلا اختيار ثنتين، إما الاوليين، وإما ثنتين من الباقيات، وإما واحدة منهما وواحدة منهن. ولو أسلمت معه واحدة، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، فله اختيار أربع، لانه لم يكمل بإسلام الواحدة عدد العبيد. وحكى ابن القطان وجها أنه لا يختار إلا ثنتين، وهو غريب ضعيف. الحال الثاني: أن يتمحضن إماء. فإن كن قد عتقن عند اجتماع الاسلامين، اختار منهن أربعا، وإلا، فلا يختار إلا واحدة بشرط الاعسار وخوف العنت. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلمت معه اثنتان، ثم عتق، ثم أسلمت المتخلفتان، لم يختر إلا اثنتين، لانه وجد كمال عدد العبيد قبل العتق، ويجوز اختيار الاوليين، لانه كان رقيقا عند اجتماع إسلامه وإسلامهما، ولا يجوز اختيار الاخريين على الصحيح، وجوزه القاضي حسين، ولا يجوز اختيار واحدة من الاوليين وواحدة من الاخريين على الاصح. ولو أن المتخلفتين عتقتا بعد عتقه ثم أسلمتا، فله اختيارهما، وله اختيار واحدة منهما، وواحدة من الاوليين لانهما حرتان عند اجتماع الاسلام، فصار كما لو كان تحته أربع حرائر، فأسلم معه ثنتان ثم عتق، ثم أسلمت الآخرتان، فإنه يختار ثنتين كيف شاء. ولو أسلمت معه واحدة من الاماء الاربع، ثم عتق، ثم أسلمت البواقي، قال المتولي: لا يختار إلا واحدة على الصحيح، وبهذا قطع البغوي، لكن قياس الاصل السابق جواز اختيار ثنتين، لانه لم يستوف عدد العبيد قبل العتق. فإذا قلنا: لا يختار إلا واحدة، تعينت الاولى، كذا قاله المتولي والبغوي. قال المتولي: وعلى(5/500)
بعده في العدة، إن دخل بهن، اختار ثنتين منهن، سواء كن حرائر أو إماء. فإن شاء، اختار حرتين، أو حرة وأمة. وإن سبقن بالاسلام، ثم أسلم في العدة، فكذلك. ولو طرأ عتقه، نظر، إن عتق بعد اجتماع الاسلامين، لم يؤثر عتقه في زيادة العدد، فلا يزيد على ثنتين. وإن عتق قبل الاسلامين، بأن عتق قبل إسلامه وإسلامهن، أو بينهما، تقدم إسلامه أو تأخر، فله حكم الاحرار، وللزوجات ثلاثة أحوال. أحدها: أن يتمحضن حرائر، فيختار أربعا منهن. ولو أسلم منهن ثنتان معه، ثم عتق ثم أسلم الباقيات، فليس له إلا اختيار ثنتين، إما الاوليين، وإما ثنتين من الباقيات، وإما واحدة منهما وواحدة منهن. ولو أسلمت معه واحدة، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، فله اختيار أربع، لانه لم يكمل بإسلام الواحدة عدد العبيد. وحكى ابن القطان وجها أنه لا يختار إلا ثنتين، وهو غريب ضعيف. الحال الثاني: أن يتمحضن إماء. فإن كن قد عتقن عند اجتماع الاسلامين، اختار منهن أربعا، وإلا، فلا يختار إلا واحدة بشرط الاعسار وخوف العنت. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلمت معه اثنتان، ثم عتق، ثم أسلمت المتخلفتان، لم يختر إلا اثنتين، لانه وجد كمال عدد العبيد قبل العتق، ويجوز اختيار الاوليين، لانه كان رقيقا عند اجتماع إسلامه وإسلامهما، ولا يجوز اختيار الاخريين على الصحيح، وجوزه القاضي حسين، ولا يجوز اختيار واحدة من الاوليين وواحدة من الاخريين على الاصح. ولو أن المتخلفتين عتقتا بعد عتقه ثم أسلمتا، فله اختيارهما، وله اختيار واحدة منهما، وواحدة من الاوليين لانهما حرتان عند اجتماع الاسلام، فصار كما لو كان تحته أربع حرائر، فأسلم معه ثنتان ثم عتق، ثم أسلمت الآخرتان، فإنه يختار ثنتين كيف شاء. ولو أسلمت معه واحدة من الاماء الاربع، ثم عتق، ثم أسلمت البواقي، قال المتولي: لا يختار إلا واحدة على الصحيح، وبهذا قطع البغوي، لكن قياس الاصل السابق جواز اختيار ثنتين، لانه لم يستوف عدد العبيد قبل العتق. فإذا قلنا: لا يختار إلا واحدة، تعينت الاولى، كذا قاله المتولي والبغوي. قال المتولي: وعلى(5/501)
فروع الفرع الاول: طلق واحدة منهن، أو أربعا، كان تعيينا للنكاح، لان المنكوحة هي التي تخاطب بالطلاق، فتندفع الاربع المطلقات بالطلاق، والباقيات بالفسخ بالشرع. ولو طلق أربعا غير معينات، أمر بالتعيين. فإذا عين، فالحكم ما ذكرنا، هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي التتمة وجه: أن الطلاق ليس تعيينا للنكاح. ولو آلى أو ظاهر من واحدة أو عدد، فوجهان. أحدهما: أنه تعيين لنكاحهن، وأصحهما: لا، لان الاجنبية تخاطب به، بل هو بها أليق. فعلى هذا، إن اختار من ظاهر منها، أو آلى للنكاح، صح الظهار والايلاء، ويكون ابتداء مدة الايلاء من وقت الاختيار، ويصير عائدا إن لم يفارقها في الحال. ولو قذف إحداهن، لزمه الحد إن كانت محصنة، ولا يسقط إلا بالبينة إن اختار غير المقذوفة، وإن اختارها، سقط بالبينة وباللعان. (الفرع) الثاني: قال: فسخت نكاح هذه، أو هؤلاء الاربع، أو قال: اخترت هذه للفسخ، أو هذه للفسخ من غير لفظ اخترت فإن أراد الطلاق، فهو اختيار للنكاح، وإن أراد الفراق، أو أطلق، فهو اختيار للفسخ. ولو قال لواحدة: فارقتك فالاصح أنه فسخ، وبه قال الشيخ أبو حامد، ورجحه ابن الصباغ والمتولي وغيرهما. وعن القاضي أبي الطيب أنه كقوله: طلقتك، لانه من صرائح الطلاق. الفرع الثالث: لو اختار الجميع للنكاح أو الفسخ، فهو لغو، ولو طلق الجميع، وقع على المنكوحات ويعينهن. الفرع الرابع: قال: إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو للفسخ، لم يصح،(5/502)
لان تعليق الاختيار باطل، فإنه إما كالابتداء، كالنكاح، وإما كالرجعة. وقيل: يصح تعليق الفسخ كالطلاق، وهو ضعيف. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فالصحيح جوازه، تغليبا لحكم الطلاق، ويحصل اختيارها ضمنا، فإنه يحتمل في الضمني ما لا يحتمل استقلالا. ولو قال: إن دخلت الدار فنكاحك مفسوخ، إن أراد الطلاق نفذ، وإلا لغا. ولو قال: كلما أسلمت واحدة فقد اخترتها للنكاح، لم يصح. ولو قال: فقد طلقتها، صح على الاصح. ولو قال: فقد فسخت نكاحها، إن أراد حله بلا طلاق، لم يجز، لان تعليق الفسخ لا يجوز، وإن أراد الطلاق، جاز. وإذا أسلمت واحدة، طلقت وحصل اختيارها ضمنا، وهكذا إلى تمام الاربع، وتندفع الباقيات، وفي وجه: لا يصح تفسير الفسخ بالطلاق، وهو ضعيف. (الفرع) الخامس: لا يكون الوطئ اختيارا للموطوءة على المذهب، لان الاختيار هنا كالابتداء، ولا يصح ابتداء النكاح بل استدامته إلا بالقول، فإن الرجعة لا تحصل بالوطئ. فلو وطئ الجميع وجعلناه اختيارا، كان مختارا للاوليات، وعليه المهر للباقيات، وإن لم نجعله اختيارا، اختار أربعا منهن وغرم المهر للباقيات. الفرع السادس: قال: حصرت المختارات في هؤلاء الست أو الخمس، انحصرن ويندفع نكاح الباقيات. فرع أسلم على ثمان وثنيات، فأسلم معه أربع، وتخلف أربع، فعين الاوليات للنكاح، صح التعيين. فإن أصرت المتخلفات، اندفعن من وقت إسلامه، وإن أسلمن في العدة، قال البغوي: تقع الفرقة باختيار الاوليات، وقال الامام: نتبين اندفاعهن باختلاف الدين، لكن نتبين تعيينهن من وقت تعيينه للاوليات. وهذا هو الموافق لاصول الباب. وإن طلق الاوليات، صح وتضمن اختيارهن، وينقطع نكاحهن بالطلاق، ونكاح الاخريات بالفسخ بالشرع.(5/503)
وإن قال: فسخت نكاحهن، فإن أراد به الطلاق، فكذلك، وإن أراد حله بلا طلاق، فهو لغو، لان الحل هكذا إنما يكون فيما زاد على أربع. فإن لم تسلم المتخلفات، تعين الاوليات، وإن أسلمن، اختار من الجميع أربعا، وللمسلمات أن يدعين: أنك إنما أردت طلاقنا، ويحلفنه، وللمتخلفات أيضا أن يدعين إرادة الطلاق وبينونتهن بالفسخ الشرعي ويحلفنه. وفي وجه: لا يلغو الفسخ، بل هو موقوف، إن أصررن حتى انقضت العدة، لغا، وإن أسلمن فيها، تبينا نفوذه في الاوليات، وتعين الاخريات للنكاح، والصحيح الاول. ولو عين المتخلفات للفسخ، صح، وتعينت الاوليات للزوجية. وإن عين المتخلفات للنكاح، لم يصح، لانهن وثنيات وقد لا يسلمن. وعلى وجه الوقف: ينعقد الاختيار موقوفا، فإن أسلمن، بانت صحته. ولو أسلم على ثمان وثنيات، فتخلفن، ثم أسلمن متعاقبات في عددهن، وهو يقول لكل من أسلمت: فسخت نكاحك، فإن أراد الطلاق، صار مختارا للاوليات، وإن أراد حله بلا طلاق، فهو على الصحيح لغو في الاربع الاوليات، نافذ في الاخريات، لان فسخ نكاحهن وقع وراء العدد الكامل فنفذ. وعلى وجه الوقف: إذا أسلمت الاخريات، تبينا نفوذ الفسخ في الاوليات. ولو أسلم معه من الثمان خمس، فقال: فسخت نكاحهن، فإن أراد الطلاق، صار مختارا لاربع منهن وبن بالطلاق، وعليه التعيين، وإن أراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة لا بعينها، فإذا أسلمت المتخلفات في العدة، اختار من الجميع أربعا. ولو قال: فسخت نكاح واحدة منكن، إن أراد الطلاق، صار مختارا لواحدة لا بعينها، فيعينها ويختار للنكاح من الباقيات ثلاثة. وإن أراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة فيعينها، ويختار من الباقيات أربعا. وإن انفسخ نكاح اثنتين منهن غير معينتين، وأراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة فيعينها، ويختار من الباقيات أربعا. فلو عين ثنتين، انفسخت واحدة منهما فيعينها، وله اختيار الاخرى مع ثلاث أخر. ولو اختار الخمس كلهن، تعينت المنكوحات فيهن، فيختار منهن أربعا.(5/504)
فصل أما حكم الاختيار، فإذا أسلم على أكثر من أربع، وأسلمن معه أو بعده في العدة، أو كن كتابيات، وقعت الفرقة بينه وبين الزيادة على أربع بالاسلام، ويجب عليه الاختيار والتعيين، وإن امتنع، حبس. فإن أصر ولم ينفع الحبس، عزر بما يراه القاضي من الضرب وغيره. وعن ابن أبي هريرة: أنه لا يضرب مع الحبس، بل يشدد عليه الحبس، فإن أصر، عزر ثانيا وثالثا إلى أن يختار. فإن جن أو أغمي عليه في الحبس، خلي حتى يفيق، ولا يختار الحاكم عن الممتنع، لانه خيار شهوة. قال الامام: وإذا حبس، لا يعزر على الفور، فلعله يؤخر ليفكر، وأقرب معتبر فيه مدة الاستتابة. واعتبر الروياني في الامهال الاستنظار فقال: ولو استمهل، أمهله الحاكم ثلاثة أيام ولا يزيد، ويلزمه نفقة جميعهن إلى أن يختار، لانهن في حبسه. فرع مات قبل التعيين، فإن لم يكن دخل بهن، فعلى كل واحدة أن تعتد بأربعة أشهر وعشر، وإن دخل بهن، فعدة الحامل بالحمل. وأما غير الحامل، فمن كانت من ذوات الاشهر، اعتدت بأربعة أشهر وعشر، وإن كانت من ذوات الاقراء، لزمها الاكثر من ثلاثة أقراء وأربعة أشهر وعشر. ثم الاشهر تعتبر من موته. وفي الاقراء وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: كذلك، لانا لا نتيقن شروعها في العدة قبل ذلك، وأصحهما: الاعتبار من وقت إسلامهما إن أسلما معا، وإلا، فمن إسلام سابق، لان الاقراء إنما تجب، لاحتمال أنها مفارقة بالانفساخ، وهو يحصل من يومئذ. فرع مات قبل التعيين، وقف لهن ربع ماله أو ثمنه، عائلا أو غير عائل بحسب الحال إلى أن يصطلحن، فيقسم بينهن بحسب اصطلاحهن بالتساوي أو التفاضل. وعن ابن سريج: أنه يوزع بينهن، لان البيان غير متوقع وهن معترفات بالاشكال، وبأنه لا ترجيح، ومال الامام إلى هذا الوجه. والصحيح الذي عليه الجمهور هو الاول، فإن كن ثمانيا وفيهن صغيرة، أو مجنونة، صالح عنها وليها، وليس له المصالحة على أقل من ثمن الموقوف، وله المصالحة على الثمن على الاصح. وقيل: لا يصالح على أقل من الربع. ثم المصالحة إذا اصطلحن كلهن، فلو طلب بعضهن شيئا بلا صلح، لم ندفع إلى المطالبة شيئا إلا باليقين. ففي ثمان(5/505)
نسوة، لو طلب أربع منهن، لم نعطهن، فإن طلب خمس، أعطيناهن ربع الموقوف، وإن طلب ست، فنصفه، وسبع، ثلاثة أرباعه، ولهن قسم ما أخذن والتصرف. وهل يشترط في الدفع أن يبرئن عن الباقي ؟ وجهان. أحدهما: اعم، ونسبه ابن كج إلى النص لتنقطع الخصومة، وأصحهما: لا. فعلى الاول، يعطى الباقي للثلاث، ويرتفع الوقف، وكأنهن اصطلحن على القسمة هكذا. هذا كله إذا علمنا استحقاق الزوجات الارث. أما إذا أسلم على ثمان كتابيات، فأسلم معه أربع، أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات، فأسلم معه الوثنيات، ومات قبل الاختيار، فوجهان، أصحهما وهو المنصوص: لا يوقف شئ للزوجات، بل يقسم كل التركة بين باقي الورثة، لان إستحقاق الزوجات غير معلوم، لاحتمال أنهن الكتابيات. والثاني: يوقف، لان إستحقاق سائر الورثة قدر نصيب الزوجا ت غير معلوم، واختاره ابن الصباغ، وهو قريب من القياس. قلت: المختار المقيس هو الاول، لان سبب الارث في سائر الورثة موجود وشككنا في المزاحم، والاصل عدمه، وإرث الزوجات لم نتحققه، والاصل عدمه. والله أعلم. ويجري الوجهان فيما لو كان تحته مسلمة وكتابية، فقال: إحداكما طالق، ومات قبل البيان. فرع مات ذمي عن أكثر من أربع نسوة، قال صاحب التلخيص: الربع أو الثمن لهن كلهن، وقال آخرون: لا يرث منهن إلا أربع، فيوقف بينهن حتى يصطلحن، ويجعل الترافع إلينا بمثابة إسلامهم. وبنى القفال الخلاف على صحة أنكحتهم. فإن صححناها، ورث الجميع، وإلا، لم يرث إلا أربع. ولو نكح مجوسي أمه أو بنته ومات، قال البغوي: منهم من بنى التوريث على هذا الخلاف، والمذهب القطع بالمنع، لانه ليس بنكاح في شئ من الاديان، ولا يتصور التقرير عليه في الاسلام. فرع المتعينات للفرقة للزيادة على أربع، هل تحسب عدتهن من وقت(5/506)
الاختيار، أم من وقت إسلام الزوجين إن أسلما معا، وإسلام السابق إن تعاقبا ؟ فيه وجهان، أصحهما: عند الجمهور الثاني، خلافا للبغوي.
الطرف الرابع : في النفقة والمهر. أما النفقة، فإن أسلم الزوجان معا، استمرت النفقة كما يستمر النكاح، وإن أسلما متعاقبين بعد الدخول - والصورة إذا كانت الزوجة مجوسية أو وثنية - فإن أسلم قبلها، فإن أصرت حتى انقضت عدتها، فلا نفقة، لانها ناشزة بالتخلف، وإن أسلمت في العدة، استحقتها من وقت الاسلام، ولا تستحقها لمدة التخلف على الجديد الاظهر. فعلى هذا، لو اختلفا، فقال: أسلمت اليوم، فقالت: بل من عشرة أيام، فالقول قوله، للاصل، وكذا إذا قلنا بالقديم، فقال: أسلمت بعد العدة فلا نفقة، وقالت: بل فيها، فالقول قوله. أما إذا أسلمت قبله، فإن أسلم قبل انقضاء العدة، فلها النفقة لمدة التخلف على المشهور، وقيل: الصحيح، لانها أدت فرضا مضيقا، فهو كصوم رمضان. وإن أصر حتى انقضت العدة، استحقت نفقة مدة العدة على الاصح عند الجمهور، وهو المنصوص في المختصر. ولو قال: أسلمت أولا، فلا نفقة لك، فادعت العكس، فمن المصدق بيمينه ؟ وجهان. أصحهما: هي، لان النفقة كانت واجبة وهو يدعي مسقطا. فرع إرتدت بعد الدخول، فلا نفقة لزمن الردة لنشوزها، سواء عادت إلى الاسلام في العدة، أم لا، ولا يجئ القول القديم. قلت: ذكر صاحب المهذب وآخرون طريقين، أحدهما: طرد القولين القديم والجديد. والله أعلم.(5/507)
وإن ارتد، فعليه نفقة مدة العدة، وإن ارتدا معا، قال البغوي: لا نفقة، ويشبه أن يجئ فيه خلاف، كتشطر المهر. فصل أما المهر، إذا أسلم أحدهما قبل الدخول أو بعده، فسبق بيانه عند ذكر الخلاف في صحة أنكحتهم. فلو قالت: سبقتني بالاسلام قبل الدخول، فعليك نصف المهر، فادعى العكس، صدقت بيمينها، لان الاصل بقاء نصف الصداق. ولو ادعى سبقها، فقالت: لا أدري أينا سبق، لم يتمكن من طلب المهر. فإن عادت وقالت: علمت أنه سبق، صدقت بيمينها وأخذت النصف. ولو اعترفا بالجهل بالسابق، فلا نكاح، لاتفاقهما على تعاقب الاسلام قبل الدخول. ثم إن كان ذلك قبل قبض المهر، لم تتمكن من طلبه، لاحتمال سبقها، وإن كان بعده، لم يتمكن هو من استرداد النصف، لاحتمال سبقه فيقر النصف في يدها، حتى يتبين الحال. ولو اختلفا في بقاء النكاح، فقال: أسلمنا معا، فالنكاح باق، وقالت: بل متعاقبين ولا نكاح، فقولان. أظهرهما: القول قوله، والثاني: قولها، لتعارض الاصل والظاهر. فإن قلنا: القول قولها، نظر، إن قالت: أسلمت قبلي، حلفت على البت أنها ما أسلمت وقت إسلامه، وإن قالت: أسلمت قبلك، حلفت على نفي العلم بإسلامه يوم إسلامها. ولو اختلفا على العكس، فقالت: أسلمنا معا، فقال: بل متعاقبين، فلا نكاح، لاعترافه، وهي تدعي نصف المهر. وفي المصدق منهما القولان. ولو قال: لا ندري أسلمنا معا أو متعاقبين، استمر النكاح.(5/508)
فرع أسلمت بعد الدخول، ثم أسلم هو وادعى أن إسلامه سبق انقضاء العدة، وادعت العكس، فهذا يتصور على أوجه. أحدها: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، كغرة رمضان، فادعى إسلامه في شعبان، وقالت: بل في خامس رمضان، فالقول قولها، لان الاصل بقاء كفره. والثاني: أن يتفقا على وقت إسلامه، كغرة رمضان، وقال: انقضت عدتك في خامس رمضان، وقالت: بل في شعبان، فالقول قوله بيمينه. الثالث: أن لا يتفقا على شئ، واقتصر على أن إسلامي سبق، واقتصرت على أن عدتي سبقت، فالنص أن القول قوله، ونص فيما إذا ارتد، ثم أسلم، وادعى أنه أسلم في العدة، وادعت انقضاءها قبل إسلامه، وفيما إذا قال: راجعتك في العدة، فقالت: بل بعدها، أن القول قولها. وللاصحاب طرق. أحدها: طرد قولين في المسائل الثلاث، هل القول قوله، أم قولها ؟ والثاني: أن النصين على حالين. فإن اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته، واختلفا في انقضاء العدة، فالقول قوله. وإن اتفقا على وقت انقضاء العدة، واختلفا في أنه أسلم أو راجع قبله، فالقول قولها. والطريق الثالث وهو الاصح وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق، ورجحه الشيخ أبو حامد والبغوي وغيرهما: أن من سبق بالدعوى، فالقول قوله، وعليه ينزل النص في المسائل الثلاث، لان المدعي أولا مقبول، فلا يرد بلجرد قول آخر. وزاد البغوي فيما إذا سبق دعواه فقال: إن ادعت بعد أن مضى بعد دعواه زمن، فهو المصدق. فإن اتصل كلامها بكلامه، فهي المصدقة. فرع نص الشافعي رضي الله عنه، أن الزوج لو أقام شاهدين على أنهما جميعا أسلما حين طلعت الشمس يوم كذا، أو حين غربت، قبلت شهادتهما واستمر النكاح. وإن شهدا أنهما أسلما مع طلوع الشمس، أو مع غروبها، لم يحكم بهذه الشهادة، لان حين طلوعها وغروبها يتناول حالة تمام الطلوع أو الغروب، وهي حالة واحدة. وقوله: مع الطلوع يصدق من حين يأخذ في الطلوع، فيجوز أن يكون إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص، وإسلام الآخر مقارنا بطلوع آخره.(5/509)
فرع نكحت في الكفر زوجين، ثم أسلموا، فإن ترتب النكاحان، فهي زوجة الاول، فإن مات الاول ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون جواز التزويج بزوجين، ففي جواز التقرير وجهان. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما التقرير. والله أعلم. وإن وقع النكاحان معا، لم تقر مع واحد منهما، سواء اعتقدوا جوازه، أم لا. وفيما إذا اعتقدوه وجه: أن المرأة تختار أحدهما، كما لو أسلم على أختين، وبالله التوفيق.
الباب الثامن : في مثبتات الخيار في النكاح أسبابه المتفق عليها أربعة: العيب، والغرور، والعتق، والتعنين. وقولنا: المتفق عليها احتراز مما إذا زوج الاب أو الجد بكرا بغير كف ء وصححنا النكاح، فلها الخيار. ولو زوج الصغير من لا تكافئه، وصححناه، فله الخيار إذا بلغ. ولو ظنها مسلمة، فكانت كتابية، فله الخيار على رأي. والتعنين أحد العيوب، إلا أنه يختص بأحكام، كضرب المدة وغيره، فبين الاصحاب في فصل العيوب أنه أحدها، وأفردوه بالذكر لاختصاصه بأحكام. السبب الاول: العيب، العيوب المثبتة للخيار ثلاثة أقسام. أحدها: يشترك فيه الرجال والنساء، وهو ثلاثة: البرص، ولا يلتحق به البهق. والثاني: الجذام، وهو علة صعبة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر، نسأل(5/510)
الله الكريم العافية، ويتصور ذلك في كل عضو، لكنه في الوجه أغلب. ثم حكى الامام عن شيخه، أن أوائل البرص والجذام لا يثبت الخيار، وإنما يثبت إذا استحكما. وإن استحكام الجذام إنما يحصل بالتقطع. وتردد الامام في هذا وقال: يجوز أن يكتفى باسوداد العضو، وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة. الثالث: الجنون منقطعا كان أو مطبقا، ولا يلحق به الاغماء بالمرض إلا أن يزول المرض ويبقى زوال العقل. قال الامام: ولم يتعرضوا في الجنون لاستحكامه، ولم يراجعوا أهل المعرفة أهو مرجو الزوال، أم لا ؟ ولو قيل به لكان قريبا. ومتى وجد أحد الزوجين بالآخر هذه العيوب، فله فسخ النكاح قل ذلك العيب أم كثر. ولو تنازعا في قرحة، هل هي جذام ؟ أو في بياض هل هو برص ؟ فالقول قول المنكر، وعلى المدعي البينة، ويشترط كون الشاهدين عالمين بالطب. القسم الثاني: مختص به وهو الجب والتعنين.(5/511)
الثالث: مختص بها وهو الرتق والقرن، فالرتق: انسداد محل الجماع باللحم، والقرن: عظم في الفرج يمنع الجماع، وقيل: لحم ينبت فيه، ويقول الفقهاء القرن بفتح الراء وهو في كتب اللغة بإسكانها. قلت: يجوز الفتح والاسكان، فالفتح على المصدر وهو هنا أحسن لانه أنسب لكون قرائنه مصادر وهي الرتق والبرص ونحوهما، وقد أوضحت هذه اللفظة أكمل إيضاح في تهذيب الاسماء واللغات ونقلت أقوال أهل اللغة فيها وحاصله، جواز الامرين وترجيح الفتح. والله أعلم. وليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع، فلو فعلت وأمكن الوطئ، فلا خيار كذا أطلقوه، ويمكن أن يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا علم عيب المبيع بعد زواله. فجملة هذه العيوب سبعة، يمكن في حق كل واحد من الزوجين خمسة، وما سواها من العيوب لا خيار فيه على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وقال زاهر(5/512)
السرخسي: الصنان والبخر إذا لم يقبلا العلاج يثبتان الخيار، وقال: كذا العذيوط والعذيوطة، يثبت به الخيار. والعذيوط، من يخرج عنه الغائط عند الجماع. وزاد القاضي حسين وغيره فأثبتوا الخيار بالاستحاضة، وبالعيوب التي تجتمع فتنفر تنفير البرص، وتكسر سورة التائق، كالقروح السيالة وما في معناه ويقال: إن الشيخ أبا عاصم حكاه قولا للشافعي رحمة الله عليه. أما إذا وجد أحدهما الآخر خنثى قد زال إشكاله، ففي ثبوت الخيار قولان. أظهرهما: المنع لانه لا يفوت مقصود النكاح، وموضع القولين إذا اختار الذكورة أو الانوثة بغير علامة، لانه قد يخرج بخلافه. فأما إذا اتضح بعلامة، فلا خيار، هذا هو الاصح. وقيل: القولان أيضا فيما إذا اتضح بعلامة مظنونة، فإن كان بقطيعة وهي الولادة، فلا خيار. وقيل: القولان مطلقا، وإن كانت العلامة قطعية لمعنى النفرة. ولا خيار بكونه أو كونها عقيما، ولا بكونها مفضاة، والافضاء: رفع ما بين مخرج البول، ومدخل الذكر. فصل إذا ظهر بكل واحد منهما عيب مثبت للخيار، فإن كانا من جنسين، فلكل واحد منهما الخيار إلا إذا كان مجبوبا وهي رتقاء، فهو كالجنس الواحد كذا ذكره الحناطي والشيخ أبو حامد والامام، وحكى البغوي طريقا آخر، أنه لا فسخ به قطعا، لانه لا طريق له إلى تحصيل الوطئ. وإن كانا من جنس، ثبت الخيار لكل واحد على الاصح. هذا في غير الجنون، أما إذا كانا مجنونين، فلا يمكن إثبات الخيار لواحد منهما في الحال، ثم الوجهان فيما إذا تساوى العيبان في القدر والفحش. فإن كان أحدهما أكثر وأفحش، فللآخر الخيار قطعا.(5/513)
فرع نكح أحدهما الآخر عالما بعيبه، فلا خيار. فلو ادعى المعيب علم الآخر، صدق المنكر بيمينه. وقيل: إن كان هذا الاختلاف بعد الدخول، صدق مدعي العلم. فرع جبت المرأة ذكر زوجها، فهل لها الخيار ؟ وجهان. أحدهما: لا، كما لو عيب المشتري المبيع قبل القبض، وأصحهما: نعم كما لو خرب المستأجر الدار المستأجرة فإن له الخيار، فإن المرأة بالجب لا تصير قابضة لحقها، والمستأجر لا يصير قابضا لحقه كالتخريب، والمشتري بالتعيب قابض حقه. فصل العيب المثبت للخيار إن كان مقارنا للعقد، فلكل واحد الفسخ بعيب صاحبه وإن حدث بعد العقد، فإن كان بها، فله الفسخ على الجديد الاظهر، وإن كان به، نظر إن كان قبل الدخول، فلها الفسخ، وإن كان بعده والعيب جنون أو جذام أو برص، فلها الخيار، كذا قاله الاصحاب في جميع الطرق. وحكى الغزالي فيه وجها لم أره لغيره. وإن حدث التعنين، فلا خيار، لانها عرفت قدرته وأخذت حظها، وإن حدث الجب، فلها الفسخ على الاصح، ويقال: الاظهر. فرع أولياء المرأة ليس لهم خيار الفسخ بعيب حدث به، وأما المقارن، فإن كان جبا أو تعنينا، فلا خيار لهم على الصحيح، وإن كان جنونا، فلهم الخيار. وإن رضيت هي، وكذا إن كان جذاما أو برصا على الاصح. ونقل الحناطي في العيب الحادث وجها، أن للاولياء إجبارها على الفسخ وهو شاذ ضعيف. وعلى هذا التفصيل يخرج حكم ابتداء التزويج، فإن دعت إلى تزويجها بمجبوب أو عنين، فعليهم الاجابة على الصحيح، فإن امتنعوا، كانوا عاضلين، وإن دعت إلى مجنون، فلهم الامتناع، وكذا المجذوم والابرص على الاصح. فصل في أحكام هذا الخيار فيه مسائل.(5/514)
إحداها: هذا الخيار على الفور كخيار العيب في البيع، هذا هو المذهب. وبه قطع الجمهور. وقيل: قولان آخران كخيار العتق. أحدهما: يمتد ثلاثة أيام. والثاني: يبقى إلى أن يوجد صريح الرضى بالمقام معه أو ما يدل عليه، حكاهما الشيخ أبو علي وهما ضعيفان. وهل ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ، أم لا بد من الرفع إلى الحاكم ؟ أما التعنين، فلا بد من الرفع، وفيما سواه وجهان. أصحهما: لا بد من الرفع لانه مجتهد فيه. قال البغوي: وعلى الوجهين لو أخر إلى أن يأتي إلى الحاكم ويفسخ بحضرته، جاز. ولو وطئها وظهر بها عيب، فقالت: وطئت عالما، فأنكر، أو كان العيب به، فقال: كنج عالمة فأنكرت، فالقول قول المنكر على الصحيح. وقال ابن القطان: قول الآخر، لان الاصل دوام النكاح. الثانية: الفسخ بعيب مقارن للعقد، إن كان قبل الدخول، سقط كل المهر ولا متعة، سواء كان العيب فيه أو فيها، لان شأن الفسخ تراد العوضين. وإن كان بعد الدخول، فثلاثة أوجه، الصحيح المنصوص، أنه يسقط المسمى ويجب مهر المثل، والثاني: يجب المسمى، والثالث: إن فسخ بعيبها، فمهر المثل، وإن فسخت بعيبه، فالمسمى. وأما الفسخ بعيب حادث بعد العقد، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده، فإن أوجبنا في المقارن المسمى، فهنا أولى، وإلا، فأوجه. أحدها: المسمى، والثاني: مهر المثل، وأصحها: إن حدث قبل الدخول، ثم دخل بها غير عالم بالحال، فمهر المثل كالمقارن، وإن حدث بعد الدخول، فالمسمى، لانه تقرر بالوطئ قبل الخلل.(5/515)
فرع إذا اطلع أحد الزوجين على عيب الآخر، ومات الآخر قبل الفسخ، فهل يفسخ بعد الموت ؟ وجهان حكاهما الحناطي، أصحهما يفسخ ويتقرر المسمى بالموت. ولو طلقها قبل الدخول ثم علم عيبها، لم يسقط حقها من النصف، لان الفرقة حصلت بالطلاق. الثالثة: إذا فسخ بعيبها بعد الدخول وغرم المهر، فهل يرجع به على من غره ؟ قولان. الجديد: الاظهر، لا. وموضع القولين إذا كان العيب مقارنا للعقد، وأما إذا فسخ بعيب حادث، فلا رجوع بالمهر مطلقا، إذ لا غرور. وقال المتولي: القولان إذا كان المغروم هو مهر المثل، أما إذا كان المسمى، فلا رجوع، والاصح ما ذكره البغوي وهو أنه لا فرق بين المسمى ومهر المثل، ثم إذا قلنا بالرجوع، فإن كان التغرير والتدليس منها دون الولي، فالرجوع عليها دونه. وصور المتولي التغرير منها، بأن خطب الزوج إليها، فلم يتعرض لعيبها، وطلبت من الولي تزويجها به وأظهرت له أن الزوج عرف حالها. وصورة الشيخ أبو الفرج الزاز، فيما إذا عقدت بنفسها، وحكم بصحته حاكم. ثم لفظ الرجوع الذي استعمله الاصحاب يشعر بالدفع إليها، ثم الاسترداد منها. لكن ذكر الشيخ أبو حامد والامام، أنه لا معنى للدفع إليها والاسترداد، ويعود معنى الرجوع إلى أنه لا يغرم لها. وهل يجب لها أقل ما يجوز صداقا لئلا يخلو النكاح عن مهر ؟ وجهان. ويقال: قولان. قلت: الاصح عند من قال بالرجوع، أنه لا يبقى لها شيئا، ويكفي في حرمة النكاح أنه وجب لها ثم استرد بالتغرير. والله أعلم. وإن كان التغرير من الولي، بأن خطب إليه فزوج وهو مجبر أو غيره بإذنها ولم يذكر للخاطب عيبها، فإن كان عالما بالعيب، رجع عليه بجميع ما غرم. وإن كان جاهلا، فوجهان لانه غير مقتصر، لكن ضمان المال لا يسقط بالجهل. فإن قلنا:(5/516)
لا رجوع إذا جهل، فذلك إذا لم يكن محرما كابن عم ومعتق وقاض، وحينئذ يكون الرجوع على المرأة. فأما المحرم، فلا يخفى عليه الحال غالبا، وإن خفي فلتقصيره، فيرجع عليه مع الجهل على الصحيح. فإذا قلنا: لا رجوع على الجاهل، فعلى الزوج إثبات العلم ببينة على إقرار الولي بالعلم. وإن غره أولياء الزوجة، فالرجوع عليهم، فإن جهل بعضهم وقلنا: لا رجوع على الجاهل، رجع على من علم. ولو وجد التغرير منها ومن الولي، فهل يكون الرجوع عليها فقط لقوة جانبها، أم عليهما نصفين ؟ فيه وجهان، وإن غرت الولي وغر الولي الزوج، رجع الزوج على الولي والولي عليها، ولم يتعرضوا لما إذا كانت جاهلة بعيبها، ولا يبعد مجئ الخلاف فيه. قلت: لا مجئ له لتقصيرها الظاهر، لا سيما وقد قطع الجمهور بأن الولي المحرم لا يعذر بجهله لتقصيره. والله أعلم. الرابعة: المفسوخ نكاحها بعد الدخول، لا نفقة لها في العدة ولا سكنى إذا كانت حائلا بلا خلاف، وإن كانت حاملا، فإن قلنا: نفقة المطلقة الحامل للحمل وجبت هنا، وإن قلنا بالاظهر. إنها للحال، لم تجب. وأما السكنى، لا تجب على المذهب وبه قطع الجمهور. وقيل بطرد القولين. وقال ابن سلمة: إن كان الفسخ بعيب حادث، وجبت، وإلا، فلا. وإذا لم نوجب السكنى فأراد أن يسكنها حفظا لمائه، فله ذلك وعليها الموافقة، قاله أبو الفرج السرخسي. فروع تتعلق بهذا السبب رضي أحد الزوجين بعيب صاحبه، فحدث إسمعيل به العيب عيب آخر، ثبت الخيار بالعيب الحادث على الصحيح. وإن ازداد(5/517)
الاول، فلا خيار على الصحيح، لان رضاه بالاول رضى إسمعيلا يتولد منه. ولو فسخ بعيب، فبان أن لا عيب، فهل يحكم ببطلان الفسخ وباستمرار النكاح ؟ وجهان حكاهما الحناطي. قلت: الصحيح، بطلان الفسخ لانه بغير حق. والله أعلم. ولو قال: علمت عيب صاحبي، ولم أعلم أن العيب يثبت الخيار، فقولان كنظيره في عتقها تحت عبد. وقيل: لا خيار هنا قطعا، لان الخيار بالعيب مشهور في جنس العقود. السبب الثاني: الغرور بالاشتراط. فإذا شرط في العقد إسلام المنكوحة، فبانت ذمية، أو شرط نسب أو حرية في أحد الزوجين فبان خلافه، فهل يصح النكاح أم يبطل ؟ قولان. أظهرهما: الصحة. والقولان فيما إذا اشترطت حريته فبان عبدا، هما إذا نكح بإذن السيد، وإلا، فلا يصح قطعا. وفيما إذا شرط حريتها فبانت أمة، هما إذا نكحت بإذن السيد وكان الزوج ممن يحل له الاماء، وإلا، فلا يصح قطعا. ويجري القولان في كل وصف شرط، فبان خلافه، سواء كان المشروط صفة كمال كالجمال، والنسب، والشباب، واليسار، والبكارة، أو صفة نقص كأضدادها، أو كان مما لا يتعلق به نقص ولا كمال، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور. وفي شرح مختصر الجويني أنهما إنما يجريان في النسب والحرية وما يتعلق بالكفاءة، فإذا قلنا ببطلان النكاح، فرق بينهما ولا شئ على الزوج إن لم يدخل بها، وإن دخل، فلا حد للشبهة وعليه مهر المثل، ولا سكنى لها في العدة، وكذا لا نفقة إن كانت حائلا. فإن كانت حاملا، فعلى القولين في أن النفقة للحمل أو للحامل ؟ إن قلنا: للحمل، وجبت، وإلا، فلا، وإذا قلنا بصحة النكاح، فإن بان(5/518)
الموصوف خيرا مما شرط، فلا خيار، وإن بان دونه، فقد أطلق الغزالي في ثبوت الخيار قولين. وأما سائر الاصحاب، فقالوا: إن شرط في الزوج نسب شريف فبان خلافه، نظر إن كان نسبه دون نسبها، فلها الخيار. وإن رضيت هي، فلاوليائها الخيار، وإن كان نسبه كنسبها أو فوقه، إلا أنه دون المشروط، فلا خيار لها على الاظهر، وقيل: لا خيار قطعا، ولا خيار للاولياء، لان الكفاءة حاصلة والشرط لا يؤثر في حقهم، وإن شرط في الزوجة نسب فبان خلافه، فطريقان، أصحهما: أنه كهي فيثبت له الخيار إن كانت دون نسبه، وإلا، ففيه القولان. والطريق الثاني: لا خيار له قطعا لقدرته على الطلاق وعدم العار عليه. وإن شرطت حريته فخرج عبدا، فإن كانت حرة، فلها ولوليها الخيار، وإن كانت أمة، ففي ثبوت الخيار وجهان. وقيل: يثبت قطعا. قال الامام والمتولي: وإذا أثبتناه، فهو للسيد دون الامة، فإن له أن يجبرها على نكاح عبد، بخلاف ما إذا خرج الزوج معيبا، فإن الخيار لها، لانه ليس للسيد إجبارها على نكاح معيب بأحد هذه العيوب. وإن شرط الزوج حرية الزوجة فخرجت أمة، فإن كان الزوج حرا، فله الخيار على المذهب، وإن كان عبدا، فلا خيار على المذهب، وإن كان المشروط صفة أخرى، فإن شرطت في الزوج فبان دون المشروط، فلها الخيار، وإن شرطت فيها، ففي ثبوت الخيار له قولان لتمكنه من الطلاق. قلت: الاظهر ثبوته. والله أعلم. فرع في فتاوى البغوي: تزوجها بشرط البكارة، فوجدت ثيبا، فقالت: كنت بكرا فزالت البكارة عندك، وقال: بل كنت ثيبا، فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، ولو قالت: كنت بكرا فافتضني فأنكر، فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، وقوله بيمينه لدفع كمال المهر. فصل إذا ظنت زيدا كفئا لها، وأذنت في تزويجها إياه، فبان غير كف ء، فلا خيار لها، كذا أطلق الغزالي، وينبغي أن يفصل فيقال: إن كان فوات الكفاءة لدناءة نسبه أو حرفته، أو فسقه، فلا خيار، وإن كان لعيبه، فيثبت الخيار، وإن كان لرقه، فليكن الحكم كما سنذكره إن شاء الله تعالى متصلا بهذا فيمن نكحها ظانا حريتها فبانت أمة، بل جانب المرأة أولى بإثبات الخيار.(5/519)
قلت: هذا الذي ذكره الغزالي ضعيف، وفي فتاوى صاحب الشامل لو تزوجت حرة برجل نكاحا مطلقا، فبان عبدا، فلها الخيار. وذكر غيره نحو هذا، والمختار ثبوت الخيار بالجميع، وقد أنكروا على الغزالي هذه المسألة. وقد ذكر الرافعي بعد هذا قبيل ذكر كتاب الصداق عن فتاوى القاضي حسين، أنها لو أذنت في تزويجها برجل ولم تعلم فسقه، فبان فاسقا، صح النكاح لوجود الاشارة إلى عينه. قال البغوي: لكن لها حق الفسخ كما لو أذنت في تزويجها رجلا ثم وجدته معيبا، وعجب من الامام الرافعي كيف قال هنا ما قال مع نقله هذا عن البغوي. والله أعلم. فرع نكح إمرأة يظنها مسلمة فخرجت كتابية، فالنص أن له الخيار، ولو ظنها حرة فخرجت أمة وهو ممن يحل له نكاح الامة، فالنص أنه لا خيار، وللاصحاب طريقان. أحدهما: العمل بظاهر النصين ولتقصير ولي الكافرة بترك العلامة، ولان الكفر منفر. وأصحهما: جعل الصورتين على قولين. أظهرهما: لا خيار فيهما كما لو اشترى عبدا يظنه كاتبا فأخلف ظنه. فصل الخلف في الشرط، إذا قلنا: لا يفسد العقد وأنه يثبت الخيار، فمن له الخيار ؟ إن أجاز العقد، كان للزوجة المهر المسمى، وإن فسخ، فإن كان قبل الدخول، لم يجب نصف المهر ولا المتعة، وإن كان بعد الدخول، فهل يجب مهر المثل أم المسمى أم أقلهما ؟ فيه أوجه، الصحيح المنصوص، الاول. وهل يرجع الزوج إسمعيل غرمه من المهر على من غره ؟ فيه التفصيل والخلاف السابقان في خيار العيب، وحكم النفقة والسكنى على ما تقدم. فرع قال الاصحاب: التغرير المؤثر هو الذي يكون مقرونا بالعقد على سبيل الشرط فلو سبق العقد، فالصحيح أنه لا يؤثر في صحة العقد ولا في الخيار. وقيل: يؤثر فيهما.(5/520)
وأما الرجوع بالمهر، إذا قضينا بالرجوع على الغار، فقال الغزالي: التغرير السابق كالمقارن، وحققه الامام فقال: لا يشترط في حصول التغرير دخول الشرط بين الايجاب والقبول، ولا صدوره من العاقد لكن يشترط اتصاله بالعقد. فلو قال: فلانة حرة في معرض الترغيب في النكاح، ثم زوجها على الاتصال بوكالة أو ولاية، فهو تغرير، ولو لم يقصد بقوله تحريض سامع، واتفق بعد أيام أنه زوجها لمن سمع كلامه، فليس ما جرى تغريرا، وإن ذكره لا في معرض التحريض، وجرى العقد على الاتصال أو ذكره في معرض التحريض، وجرى العقد بعد زمان فاصل، ففي كونه تغريرا تردد، ويشبه أن لا يعتبر الاتصال بالعقد على ما أطلقه الغزالي، لان تعلق الضمان أوسع بابا. فصل إذا غر بحرية أمة وصححنا النكاح، فأولاده الحاصلون منها قبل العلم برقها أحرار لظنه الحرية، سواء أجاز العقد أو فسخه، إذا خيرناه، وسواء كان المغرور حرا أو عبدا، لاستوائهما في الظن، ثم على المغرور قيمة الاولاد لسيد الامة على المشهور، لانه فوت رقهم بظنه. وفي قول حكاه الحناطي: لا شئ عليه، لانه معذور. فعلى المشهور إن كان المغرور حرا، فالقيمة مستقرة في ذمته، وإن كان عبدا، فهل تتعلق بذمته أم برقبته أم بكسبه ؟ فيه أقوال، أظهرها الاول، وتعتبر قيمة الاولاد يوم الولادة. وأما الاولاد الحاصلون بعد علمه برقها، فهم أرقاء، سواء كان المغرور عربيا أو غيره. وللشافعي قول: أن العرب لا يجري عليهم الرق، والمشهور أن لا فرق. ثم في الفصل مسائل. إحداها: في الرجوع بالمهر المغروم على الغار قولان كما سبق في العيب، وأما قيمة الاولاد، فيرجع بها على الغار على المذهب. وقيل: فيه القولان. وإذا قلنا بالرجوع، فإنما يرجع إذا غرم كالضامن. فقد سبق في الضامن وجه ضعيف أنه يرجع قبل غرمه، فيجئ مثله هنا. والصحيح، المنع. فعلى هذا لو كان المغرور عبدا وعلقنا القيمة بذمته، فإنما يرجع على الغار بعد عتقه، لانه حينئذ يغرم. أما إذا(5/521)
علقناها بكسبه أو إسمعيل، وغرم سيده من كسبه، أو من رقبته، فيرجع في الحال، وللمغرور مطالبة الغار بتحصيله، كما ذكرنا في باب الضمان. المسألة الثانية: إذا كان المغرور عبدا وقد دخل بالمنكوحة، فحيث يجب المسمى يتعلق كسبه، وحيث يجب مهر المثل، فهل يتعلق بذمته، أم برقبته، أم بكسبه ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الاول. المسألة الثالثة: لا يتصور الغرور بحرية الامة من السيد، لانه متى قال: زوجتك هذه الحرة، أو على أنها حرة، عتقت. وإنما يتصور من وكيل السيد في تزويجها، أو منها، أو منهما، ولا اعتبار بقول من ليس بعاقد ولا معقود عليه، فإن كان الغرور من الوكيل، رجع المغرور عليه بالقيمة إذا غرمها، وبالمهر إن أثبتنا الرجوع به. وإن كان الغرور من الامة المنكوحة، كان الرجوع عليها، لكن لا يرجع في الحال، بل يتعلق الغرم بذمتها، تطالب به إذا عتقت، ولا يتعلق بكسبها قطعا ولا برقبتها على الصحيح، وسواء كان الرجوع عليها أو على الوكيل، يرجع بكل المهر، لان المهر للسيد وقد أخذه. وإن كان الغرور منها ومن الوكيل، فالرجوع عليهما.(5/522)
وفي كيفيته وجهان. أصحهما: يرجع بالنصف على الوكيل في الحال، وبالنصف عليها إذا عتقت. والثاني: أنه له أن يرجع بالجميع على من شاء منهما، على الوكيل في الحال وعليها بعد العتق، فإن رجع - هكذا قال البغوي -: يرجع المأخوذ منه بالنصف على الآخر. وقال الحناطي وغيره: لا يرجع واحد منهما على الآخر، لان التغرير كامل من كل واحد منهما. ولو ذكرت للوكيل حريتها، ثم ذكرها الوكيل للزوج، رجع المغرور على الوكيل والوكيل عليها بعد العتق. وإن ذكرت للوكيل ثم ذكرت للزوج، فالرجوع عليها وإن ذكر الوكيل للزوج أيضا، لانها لما شافهت الزوج خرج الوكيل من الوسط، هكذا ذكره البغوي. وعلى هذا، فصورة تغريرهما أن يذكرا معا. المسألة الرابعة: لو خرجت التي غر بحريتها مدبرة أو مكاتبة، أو أم ولد أو معلقة بصفة، فالكلام في صحة النكاح، ثم في إثبات الخيار كما سبق، إذا كانت قنة، لكن إذا خرجت مكاتبة وفسخ النكاح، فلا مهر لها إذا كان الغرور منها، لان المهر للمكاتبة فلا معنى للغرم لها والاسترداد منها. وهل يجب أقل ما يجوز أن يكون مهرا ؟ فيه الخلاف السابق في العيب. والاولاد الحاصلون قبل علمه بالحال أحرار، وعلى المغرور قيمتهم. ولمن تكون القيمة ؟ يبنى على أن ولد المكاتبة قن للسيد أم مكاتب كالام ؟ وفيه قولان. وإذا قلنا: إنه مكاتب فقتله قاتل، فهل قيمته للسيد أم للمكاتبة تستعين به في الاداء ؟ فيه قولان فإذا قلنا: الولد للسيد، أو قلنا: هو مكاتب، وإذا قتل، فالقيمة للسيد، غرم المغرور قيمة الاولاد للسيد، ويرجع بها على الوكيل، وعليها إن غرت، ويأخذ من كسبها. فإن لم يكن كسب، ففي ذمتها إلى أن تعتق. وإن قلنا: إن القيمة لها، فإن كان الغرور منها، لم يغرم القيمة لها كالمهر، وإن كان من الوكيل، غرم لها ورجع على الوكيل. فرع إذا حكمنا ببطلان النكاح بخلف الشرط، فالرجوع بمهر المثل إذا غرمه الزوج بالوطئ والرجوع بقيمة الاولاد إذا غرمها على ما ذكرناه تفريعا على صحة النكاح.(5/523)
فرع ما ذكرناه من وجوب قيمة الولد، هو فيما إذا انفصل الجنين حيا. فلو انفصل ميتا، نظر إن انفصل بغير جناية، فلا شئ عليه، ويجئ فيه وجه سبق نظيره في وطئ الغاصب جاهلا بالتحريم. وإن انفصل بجناية، بأن ضرب بطنها فأجهضت، فله أحوال. أحدها: أن يكون الجاني أجنبيا، فيجب على عاقلته الغرة ويغرمه المغرور، لانه يغرم له فيغرمه. وقيل: لا يغرمه إذ لا قيمة للميت، والصحيح الاول، وضمانه عشر قيمة الام، لان الجنين الرقيق يغرم بهذا القدر. فإن كانت قيمة الغرة مثل عشر قيمة الام، أو أكثر، فالمستحق للسيد عشر القيمة، وإن كان العشر أكثر، فوجهان. أصحهما: يستحق العشر وهو اختيار القاضي حسين والامام وغيرهما، ونسبه البغوي إلى العراقيين، لانه قدر ما فوته. والثاني: ليس له إلا قدر الغرة، ويعبر عن هذا بأن الواجب أقل الامرين. فعلى الاول لا يتوقف تغريمه على حصول الغرة له. وعلى الثاني، يتوقف وينظر إلى ما يحصل له من الغرة، فإن كان يجوز ميراث الجنين، فذاك، وإلا، فيغرم أقل الامرين من حصته من الغرة والعشر، ولا يتصور أن يرث مع الاب المغرور إلا الجدة أم الام، ولا تسقط بالام لانها رقيقة. الثاني: أن يكون الجاني هو المغرور، فعلى عاقلته الغرة، ويلزم المغرور عشر قيمة الام إن قلنا في الحال الاول بالاصح: أنه يستحق العشر وتسلم الغرة للورثة، وإن قلنا بأقل الامرين، تعلق حق السيد بالغرة فيؤدي منها، وما فضل يكون للورثة. وعلى التقديرين، لا يرث المغرور منها شيئا، لانه قاتل ولا يحجب من بعده من العصبات. فإن كان المغرور عبدا، تعلقت الغرة برقبته. ثم إن اعتبرنا الغرة ولم نوجب زيادة عليها، فإذا حصلت الغرة، صرف إلى السيد منها عشر قيمة الام، فإن فضل شئ، فهو للورثة، وإن اعتبرنا التفويت، سلمت الغرة للورثة، وتعلق حق السيد بذمة المغرور. الثالث: أن يكون الجاني عبد المغرور، فإن اعتبرنا التفويت، فحق سيد الامة على المغرور، ولا تتعلق الغرة برقبته إن كان المغرور حائز ميراث الجنين، لانه(5/524)
لا يستحق على عبده شيئا، وإن كان معه جدة الجنين، تعلق نصيبها برقبته، وإن اعتبرنا أقل الامرين، تعلقت الغرة برقبته ليؤدي منها حق السيد. فإن فضل منها شئ، فعلى ما ذكرناه. الرابع: أن يكون الجاني سيد الامة، فعلى عاقلته الغرة. ثم إن اعتبرنا التفويت، سلمت الغرة للورثة وغرم المغرور للسيد عشر قيمة الام. قال الامام: ويجوز أن يقال: انفصاله بجناية السيد، كانفصاله بلا جناية، فلا يغرم المغرور شيئا، وإن اعتبرنا أقل الامرين، فإذا حصلت الغرة، صرف منها العشر إلى السيد. فإن فضل شئ فهو للورثة. قال الامام: إذا كانت الغرة قدر العشر أو أقل، وصرفناها إلى السيد، كان الحاصل إيجاب المال على عاقلة الجاني للجاني وهو مستبعد. فرع خيار الخلف هل هو على الفور ؟ فيه طريقان حكاهما ابن كج وغير، المذهب: نعم كخيار العيب، والثاني: على أقوال خيار العتق. قال البغوي: وإذا أثبتنا الفسخ، انفرد به من له الخيار، ولا يفتقر إلى الحاكم كخيار عيب المبيع، ولكن هذا مختلف فيه، فليكن كخيار عيب النكاح. السبب الثالث: العتق، فإذا عتقت أمة تحت حر، فلا خيار لها، وإن عتقت تحت عبد، فلها الخيار إن عتقت كلها، فإن أعتق بعضها، فلا خيار. وقال المزني: لها الخيار. ولو دبرت أو كوتبت أو علق عتقها بصفة، فلا خيار. ولو عتقت تحت مكاتب أو مدبر أو من بعضه رقيق، فلها الخيار. ولو عتق الزوج وتحته أمة، فلا خيار له على الصحيح أو المشهور. ولو عتقا معا، فلا خيار، ويثبت خيار العتق للصبية والمجنونة عند البلوغ والافاقة، ولا يقوم الولي مقامهما في الفسخ والاجازة. ولو عتق الزوج قبل أن تفسخ العتيقة، بطل خيارها على الاظهر المنصوص في المختصر.(5/525)
فروع الفرع الاول: طلقها رجعيا فعتقت في العدة، فلها الفسخ ليقطع سلطنة الرجعة. وقيل: الفسخ موقوف، إن راجعها، نفذ، وإلا، فلا. والصحيح الاول. وإذا فسخت هل تستأنف عدة، أم تكفي بقية العدة ؟ قولان كما لو طلق الرجعية. وإذا قلنا بالبناء، فتكمل عدة حر أو أمة ؟ فيه خلاف موضعه كتاب العدد. ولو أخرت الفسخ، فلها ذلك، ولا يبطل لها. ولو أجازت، لم تنفذ الاجازة، لانها محرمة جارية إلى بينونة، فالاجازة لا تلائم حالها. قال الامام: ولم يخرجوه على وقف العقود، لان شرط الوقف أن يكون مورد العقد (قابلا لمقصود العقد) وحكي عن الشيخ أبي محمد حكاية وجه في نفوذ إجازتها. ونقل الغزالي عن بعضهم تخريجا على وقف العقود، فإن راجعها، نفذت، وإلا، فلا. ولو ثبت لها العتق، فطلقها قبل أن تفسخ، فإن كان طلاقا رجعيا، بقي حقها في الفسخ والحكم كما لو أعتقت في العدة. وإن كان بائنا، فقولان. أحدهما: أن الطلاق موقوف، وإن فسخت، بان أنه لم يقع، وإلا بان وقوعه وهذا نصه في الام. وأظهرهما يقع وهو نصه في الاملاء لمصادفته النكاح، ويبطل، ومنهم من أنكر القول الاول. ولو طلق الزوج المعيب قبل فسخها، ففي وقوع الطلاق ووقفه هذا الخلاف. الفرع الثاني: إذا فسخت العتيقة قبل الدخول، فلا مهر، وليس للسيد منعها من الفسخ. وإن فسخت بعد الدخول، نظر، إن تقدم الدخول على العتق، وجب المسمى، وإن تأخر عنه وكانت جاهلة بالحال، وجب مهر المثل على المذهب. وقيل: المسمى، وقيل: خلاف فيهما. وأيهما أوجبناه، فهو للسيد، وكذا لو اختارت المقام معه، وجرى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة، فالمهر للسيد، لانه وجب بالعقد. وإن زوجها مفوضة، فإن دخل بها الزوج أو فرض لها قبل العتق فهو للسيد أيضا. وإن عتقت ثم دخل بها، أو فرض لها، فهل المهر للسيد(5/526)
أم لها ؟ قولان بناء على أن مهر المفوضة يجب بالعقد أم بالفرض أو الدخول. الفرع الثالث: خيار العتق على الفور على الاظهر، وفي قول: يمتد ثلاثة أيام، وفي قول: إلى أن يصرح بإسقاطه، أو تمكن من الوطئ طائعة. وفي وجه: تتقدر بالمجلس. فإن قلنا بالفور، فهو كما ذكرنا في الرد بالعيب في البيع وفي الشفعة. قال الامام تفريعا على القول الثاني: ابتداء الايام الثلاثة من وقت تخييرها، وذلك إذا علمت بالعتق وثبوت الخيار، ولا يحسب من وقت العتق. وذكر تفريعا على القوق الثالث، أنها لو مكنت ولم يصبها الزوج، لم يبطل حقها، لان التمكين من الوطئ لا يتحقق إلا عند حصول الوطئ، وأنلو أصابها الزوج قهرا، ففي سقوط الخيار تردد لتمكنها من الفسخ عند الوطئ، فإكان قبض على فمها، بقي حقها قطعا. وعلى هذا القول لو قال: أصبتها فأنكرت، فأيهما يصدق ؟ وجهان حكاهما ابن كج، لان الاصل بقاء النكاح وعدم الاصابة. وإذا اعتبرنا الفور، فتمكنت ولم تفسخ، أو مضت الايام الثلاثة، أو مكنت من الوطئ، إذا اعتبرنا ذلك، ثم ادعت الجهل بالعتق، صدقت بيمينها إن لم يكذبها ظاهر الحال. فإن كذبها، بأن كانت معه في بيته ويبعد خفاء العتق عليها، فالمصدق الزوج، هذا هو المذهب. وقيل: في المصدق قولان مطلقا. فإن ادعت الجهل بأن العتق يثبت الخيار، صدقت على الاظهر. ولو ادعت الجهل بأن الخيار على الفور، قال الغزالي: لا تعذر، ولم أر المسألة لغيره من الاصحاب، ولكن ذكرها العبادي في الرقم. وقال: إن كانت قديمة العهد بالاسلام وخالطت أهله، لم تعذر، وإن كانت حديثة العهد به أو لم تخالط أهله، فقولان. فرع هذا الفسخ لا يحتاج إلى مراجعة الحاكم، ولا إلى المرافعة إليه، لانه ثابت بالنص والاجماع، كالرد بالعيب والشفعة. قلت: وللزوج وطئ العتيقة ما لم تفسخ، وكذا لزوج الصغيرة والمجنونة، العتيقين وطؤهما ما لم تفسخا بعد البلوغ والافاقة. والله أعلم.(5/527)
السبب الرابع: التعنين، فالتعنين مثبت للخيار، وكذا الجب إن لم يبق ما يمكن الجماع به، كأن لا يبقى قدر الحشفة، فإن بقي دون قدر الحشفة، أو بقي قدرها فأكثر، فلا خيار بسبب الجب على المذهب. وعن ابن سلمة، أنه خرجه على قولين كالخصي. فعلى المذهب: لو عجز عن الجماع به، فهو كالسليم العاجز، فتضرب له المدة. وعن الشيخ أبي حامد، ثبوت الخيار في الحال، لان العيب متحقق، والظاهر دوام العجز، وفي معناه المرض المزمن الذي لا يتوقع زواله، ولا يمكن الجماع معه، كذا ذكره الشيخ أبو محمد وغيره. ولو وجدت زوجها خصيا موجوء الخصيتين أو مسلولهما، فلا خيار على الاظهر الجديد. وقيل: لا خيار قطعا. فرع العنة الطارئة لا تؤثر، لان القدرة تحققت بالوطئ، فالعجز بعارض. ولو كان له إمرأتان، فعن عن إحداهما دون الاخرى، ثبت الخيار للتي عن عنها، لفوات الاستمتاع. قال الاصحاب: وقد يتفق ذلك لانحباس الشهوة عن إمرأة معينة بسبب نفرة أو حياء، ويقدر على غيرها لميل أو أنس. فأما العجز المحقق لضعف في الدماغ أو القلب أو الكبد، أو لخلل في نفس الآلة، فإنه لا يختلف بالنسوة، وكذلك قد يفرض العجز عن القبل والقدرة على الدبر، فيثبت الخيار على الصحيح. وحكى الحناطي فيه وجها بعيدا، ولو عجز عن افتراع بكر وقدر على ثيب، فللبكر الخيار فصل إذا اعترفت بقدرته على الوطئ وقالت: إنه يمتنع منه، فلا خيار لها، وهل لها مطالبته بوطأة واحدة ؟ وهل يجبر هو عليها ؟ وجهان. أصحهما: لا، لانحقه، فلا يجبر عليه كسائر الوطآت. والثاني: نعم لمعنيين. أحدهما: استقرار المهر. والثاني: حصول الاستمتاع للتعفف. فإن قلنا: تجب الوطأة(5/528)
فكانت أمة، فالطلب للسيد على المعنى الاول، ولها على الثاني. ولو أبرأت الحرة عن مهرها، فلا مطالبة على المعنى الاول، وتطالب على الثاني، ولا يرهق إلى الوطئ بل يمهل ليستعد له على العادة. ولو كان به مرض أو عذر، أمهل إلى زواله. وإن أصر على الامتناع بلا عذر، حبس. قال الامام: ولا يبعد أن يخرج من الايلاء أن يطلق القاضي عليه، لكن لم يخرجوه. فرع تسقط مطالبة العنين بالفسخ، وغير العنين إذا أوجبنا وطأه بتغييب الحشفة، فإن أحكام الوطئ كلها منوطة به كالتحليل، والتحصين والحدود، والكفارة، والغسل، وفساد العبادة، وثبوت المصاهرة وغيرها. قال الامام: وسببه بعد الاتباع، أن الحشفة هي التي تحس تلك اللذة، قال: ويعني بتغيبها أن يشتمل الشفران وملتقاهما عليها. أما لو انقلب الشفران إلى الباطن وكانت الحشفة تلاقي ما انعكس من البشرة الظاهرة، ففيه تردد، لانها حصلت في حيز الباطن. وذكر البغوي، أن أقل ما يزول به حكم التعنين إن كانت بكرا أن يقتضها بآلة الاقتضاض. وإن كانت ثيبا، فأن تغيب الحشفة، وهذا يدل على الاقتضاض لا يحصل بتغيب الحشفة. ولوجب بعض ذكره فغيب من الباقي قدر الحشفة، فهو كتغيب الحشفة من السليم. وقيل: يعتبر تغيب جميع الباقي وهو ظاهر نصه في المختصر ورجحه بعضهم، والاول أصح وظاهر النص مؤول. فصل وجدته عنينا فرفعته إلى القاضي وادعت عنته، فإن أقر بها أو أقامت بينة على إقراره بها، ثبتت. وإن أنكر، حلف، فإن حلف، لم يطالب بتحقيق ما(5/529)
قاله بالوطئ، وامتنع الفسخ، ويعود ما سبق أنه هل يطالب بوطأة واحدة ؟ وإن نكل، فثلاثة أوجه. أصحها: ترد اليمين عليها، ولها أن تحلف إذا بان لها عنته بقرائن الاحوال وطول الممارسة. والثاني: يقضى عليه بالنكول، وتضرب المدة بغير يمين. والثالث: لا ترد عليها ولا يقضى بنكوله. وحكى أبو الفرج وجها أن تحليف الزوج لا يشرع أصلا بناء على أن اليمين لا ترد عليها وهو ضعيف، ثم ثبوت العنة لا يفيد الخيار في الحال، لكن القاضي يضرب للزوج مدة سنة يمهله فيها، وابتداؤها من وقت ضرب القاضي لا من وقت إقراره، لانه مختلف فيه، وإنما تضرب المدة إذا طلبت المرأة، لكن لو سكتت وحمل القاضي سكوتها على دهشة أو جهل، فلا بأس بتنبيهها ثم قولها: أنا طالبة حقي على موجب الشرع، كاف في ضرب المدة وإن جهلت تفصيل الحكم، وسواء في المدة الحر والعبد، فإذا تمت السنة ولم يصبها، لم ينفسخ النكاح، وليس لها فسخه، بل ترفعه ثانيا إلى القاضي. وعن الاصطخري، أن لها الفسخ بعد المدة، والصحيح الاول. وإذا رفعته إليه، فإن ادعى الاصابة في المدة، حلف، فإن نكل، ردت اليمين على المرأة، وفيه الخلاف السابق. وإذا حلفت، أو أقر أنه لم يصبها في المدة، فقد جاء وقت الفسخ، فإن استمهل ثلاثا، فهل يمهل ؟ فيه الخلاف المذكور في الايلاء. وفي استقلالها بالفسخ وجهان. أصحهما: الاستقلال كما يستقل بالفسخ من وجد بالمبيع تغيرا وأنكر البائع كونه عيبا، وأقام المشتري بينة عند القاضي. والثاني: أن الفسخ إلى القاضي، لانه محل نظر واجتهاد، أو يأمرها بالفسخ، وهذان الوجهان في الاستقلال بعد المرافعة، والوجهان السابقان في فصل العيوب مفروضان في الاستقلال دون المرافعة. وإذا قلنا: لها الفسخ بنفسها، فهل يكفي لنفوذ الفسخ إقرار الزوج، أم لا بد من قول القاضي: ثبتت العنة أو ثبت حق الفسخ فاختاري ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. ولو قالت: اخترت الفسخ، ولم يقل القاضي: نفذته، ثم رجعت، هل يصح الرجوع ويبطل الفسخ ؟ وجهان في مجموع ابن القطان. أصحهما: المنع. ويشبه أن يكون هذا الخلاف مفرعا على استقلالها بالفسخ، أما إذا(5/530)
فسخت بإذن، فإن الاذن السابق كالتنفيذ. فرع إنما تحسب (المدة) إذا لم تعتزل عنه. فإن اعتزلت أو مرضت، لم تحسب. ولو سافرت حبست على الاصح لئلا يدافع المطالبة بذلك. وإذا عرض ما يمنع الاحتساب في أثناء السنة وزال، فالقياس أن يستأنف السنة أو ينتظر مضي مثل ذلك الفصل في السنة الاخرى. فرع الفسخ بالعنة بعد ثبوتها، كالفسخ بسائر العيوب، والمذهب أنه على الفور، ويجئ فيه الخلاف السابق هناك. وإذا رضيت بالمقام معه بعد مضي المدة، يسقط حقها من الفسخ، ولا رجوع لها إليه. فإن فسخت في أثناء المدة، لم تنفذ. وإن أجازت ورضيت بالمقام معه في المدة، أو قبل ضرب المدة، فالاظهر أنه لغو، ويثبت لها الخيار بعد المدة. وإن رضيت بعد المدة ثم طلقها رجعيا ثم راجعها، لم يعد حق الفسخ، لانها رضيت بعنته في هذا النكاح، ويتصور الطلاق الرجعي بغير وطئ يزيل العنة، بأن يستدخل ماءه، أو يطأها في الدبر، فتجب العدة وحكم العنة باق. ولو بانت بانقضاء العدة، أو كان الطلاق بائنا، أو فسخت النكاح، ثم تزوجها ثانيا، ففي تجدد حق الفسخ قولان. أظهرهما: التجدد، لانه نكاح جديد، وتضرب المدة ثانيا.(5/531)
ولو نكح إمرأة ابتداء، وأعلمها أنه عنين، فقال صاحب الشامل وغيره: هو على القولين. وذكر البغوي، فيما إذا نكح إمرأة ابتداء وهي تعلم أنه حكم بعنته في حق إمرأة أخرى، طريقين. أحدهما: على القولين. والثاني: القطع بالثبوت، لانه قد يعجز عن إمرأة دون أخرى. ولو نكح إمرأة أو أصابها ثم أبانها ثم نكحها وعن عنها، فلها الخيار قطعا لانها نكحته غير عالمة فرع إذا ادعت إمرأة الصبي والمجنون العنة، لم تسمع دعواها ولم تضرب بعنته مدة، لان المدة والفسخ يعتمدان إقرار الزوج أو يمينها بعد نكوله، وقولهما ساقط. ونقل المزني أنه إن لم يجامعها الصبي، أجل، ولم يثبته عامة الاصحاب قولا وقالوا: غلط المزني. وإنما قال الشافعي في الام والقديم: إن لم يجامعها الخصي، أجل، وهذا المذكور في الخصي تفريع على أنه لا خيار بالاخصاء أو رضيت به ووجدته مع الاخصاء عنينا، وإلا، فالخيار في الخصي لا تأجيل فيه كالجب. وحكى الحناطي وجها أن المراهق الذي يتأتى منه الجماع، تسمع دعوى التعنين عليه وتضرب له المدة، وبه قال المزني وهو ضعيف. فرع جن الزوج في أثناء السنة، ومضت السنة وهو مجنون، فطلبت الفرقة، لم تجب إليها، لانه لا يصح إقراره. فرع مضت السنة فأمهلته شهرا أو سنة أخرى، فوجهان. أحدهما وبه قال ابن القطان وغيره: لها ذلك، ولها أن تعود إلى الفسخ متى شاءت، كما إذا أمهل بعد حلول الاجل لا يلزم الامهال، والصحيح بطلان حقها بهذا الامهال لانه على الفور. فرع إذا فسخت بالعنة، فلا مهر على المشهور، لانه فسخ قبل الدخول. وفي قول: يجب نصف المهر، وفي قول كله، حكاهما صاحب التقريب عن حكجية الاصطخري.(5/532)
فصل قال الاصحاب: إذا اختلف الزوجان في الوطئ، فالقول قول نافيه عملا بأصل العدم إلا في ثلاثة مواضع. إحداها: إذا ادعت عنته فقال: أصبتها، فالقول قوله بيمينه، سواء كان ذلك قبل المدة أم بعدها، وسواء كان خصيا أو مقطوع بعض الذكر، إذا كان الباقي بحيث يمكن الجماع به، أو، ادعت عجزه. وقيل: في الخصي والمقطوع، فالقول قولها بيمينها، لان ذلك يقوي جانبها، والصحيح الاول. ولو اختلفا في القدر الباقي، هل يمكن الجماع به ؟ قال الاكثرون: فالقول قولها. وقال صاحب الشامل: ينبغي أن يرى أهل الخبرة ليعرفوا قدره، ويخبروا عن الحال، كما لو ادعت أنه مجبوب فأنكر، قال المتولي: وهذا هو الاصح. ولو ادعت عجزه بعد مضي السنة، وادعى أنها امتنعت، فإن كان لاحدهما بينة، حكم بها، وإلا، فالقول قوله، لان الاصل(5/533)
دوام النكاح. فإذا حلف، ضرب القاضي المدة ثانيا وأسكنهما في جوار قوم ثقات يتفقدون حالهما. فإذا مضت المدة، اعتمد القاضي قول الثقات وجرى عليه، كذا ذكره المتولي. الثاني: إذا طالبته في الايلاء بالفيأة والطلاق فقال: وطئتها، فالقول قوله استدامة للنكاح. ولو قالت في هذين الموضعين: أنا بكر، فوجهان. أحدهما وهو ظاهر النص: إن شهد أربع نسوة ببكارتها، حكم بعدم الاصابة من غير تحليفها، فلو قال بعد شهادتهن: أصبتها ولم أبالغ، فعادت البكارة وطلب يمينها، سمعت دعواه وحلفت. وإن لم يدع شيئا، لم تحلف. والثاني وبه قال أبو علي في الافصاح وابن القطان وابن كج، والامام والغزالي وغيرهم: تحلف الزوجة مع البينة على قيام البكارة، لان البكارة وإن كانت موجودة، فاحتمال الزوال والعود قائم، وإن لم يدع الزوج، فلا بد من الاحتياط. ثم إذا حلفت بعد دعواه أو دونها (حلفت) على أنه لم يصبها، أو على أن بكارتها هي البكارة الاصلية، ولها حق الفسخ بعد يمينها. وإن نكلت، حلف الزوج وبطل الخيار. وإن نكل الزوج أيضا، فوجهان. أصحهما: لها الفسخ ويكون نكوله كحلفها، لان الظاهر أن بكارتها هي الاصلية. والثاني: المنع، لان ما قاله محتمل، والاصل دوام النكاح. الموضع الثالث: قالت، طلقني بعد الدخول فلي كل المهر، فقال: بل قبله فلك النصف، فالقول قوله للاصل، وعليها العدة مؤاخذة بقولها، ولا نفقة ولا سكنى، وللزوج نكاح بنتها وأختها وأربعا سواها في الحال. فلو أتت بولد لزمن محتمل، ثبت النسب وتقوى به جانبها، فيرجع إلى تصديقها، وتطالب الزوج بالنصف الثاني، ولا بد من يمينها على ما ذكره الامام والعبادي، لان ثبوت النسب لا يورث يقين الوطئ، ويمكن أن يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا ظهرت البكارة، وهذه الصورة هي محل الاستثناء من تصديق النافي. فإن لاعن الزوج ونفى الولد، فقد زال المرجح فتعود إلى تصديقه، ويستمر الامر على ما سبق.(5/534)
وحيث قلنا: القول قول نافي الاصابة، فذلك إذا لم يوافق على جريان خلوه، فإن وافق، فقولان. أظهرهما: أن الحكم كذلك، والثاني: تصديق المثبت. فعلى هذا: تضم هذه الصورة إلى مواضع الاستثناء من تصديق النافي وتصير أربعة، وبالله التوفيق. قلت: عجب قول الامام الرافعي رحمه الله: فيما إذا أتت بولد لزمن محتمل أنها المصدقة ويمكن أن يجئ فيه الخلاف، والمسألة مشهورة، ففي المهذب والتنبيه وغيرهما من الكتب المشهورة، في المسألة قولان، في أن القول قولها، أم قوله، لان النسب يثبت بالامكان، ولانه قد يولج بعض الحشفة أو يباشر فيما قارب الفرج فيدخل المني فيلحق النسب ولا وطئ. والله أعلم.
الباب التاسع : فيما يملك الزوج من الاستمتاع وفيه مسائل. إحداها: له جميع أنواع الاستمتاع، إلا النظر إلى الفرج، ففيه خلاف سبق في حكم النظر، وإلا الاتيان في الدبر، فإنه حرام، ويجوز التلذذ بما بين الاليتين، والايلاج في القبل من جهة الدبر. فرع الاتيان في الدبر كالاتيان في القبل في أكثر الاحكام، كإفساد العبادة ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة في الصوم والحج وغيرها، لكن لا يحصل به الاحصان ولا التحليل، ولا الفيأة في الايلاء، ولا يزول حكم التعنين، وفي هذين الاخيرين وجه ضعيف. ويثبت به النسب على الاصح، وإنما يظهر الوجهان فيما إذا أتى السيد أمته في دبرها، أو كان ذلك في نكا فاسد. فأما في النكاح الصحيح، فإمكان الوطئ كاف في ثبوت النسب، ويجب به مهر المثل في النكاح الفاسد قطعا، ويستقر به المسمى في النكاح الصحيح على المذهب. فإن قلنا: لا يستقر، فقال الحناطي: لها مهر المثل، فإن(5/535)
وطئها بعده، فلها المسمى وترد مهر المثل على الاصح. وفي وجه: لها المسمى ومهر المثل. وإن لم يطأها وطلقها، فقد وجب لها مهر المثل، وللزوج عندها المسمى. فإن كانا مجنس، جرت أقوال التقاص، وهذا كلام مظلم لا يهتدى إليه. قلت: الذي يقتضيه كلام الاصحاب، إنا إذا قلنا: لا يستقر المسمى، لا يجب أيضا مهر المثل، وهذا الذي ذكره الحناطي مظلم كما قال الرافعي، وعجب قوله: وإذا طلقها قبل الدخول، له عليها المسمى، وقد علم أن الطلاق قبل الدخول يشطر المسمى. والله أعلم. وتثبت به المصاهرة على الاصح، والعدة على الصحيح، ولا يشترط نطق المصابة في دبرها إذا استؤذنت في النكاح على الاصح. وإذا وطئ أمته أو زوجته في دبرها، فلا حد على الصحيح. قلت: قال أصحابنا: (حكم) الوطئ في الدبر كالقبل إلا في سبعة أحكام: التحليل، والتحصين، والخروج من الفيأة، والتعنين، وتغير إذن البكر(5/536)
والسادس، أن الدبر لا يحل بحال، والقبل يحل في الزوجة والمملوكة. والسابع: إذا جومعت الكبيرة في دبرها، فاغتسلت ثم خرج مني الرجل من دبرها، لم يجب غسل ثان، بخلاف القبل، فقد يجئ في بعض المسائل وجه ضعيف، ولكن المعتمد ما ذكرناه. والله أعلم. المسألة الثانية: العزل: هو أن يجامع، فإذا قارب الانزال، نزع فأنزل خارج الفرج، والاولى تركه على الاطلاق. وأطلق صاحب المهذب، كراهته، ولا يحرم في السرية بلا خلاف، صيانة للملك، ولا يحرم في الزوجة على المذهب، سواء الحرة والامة بالاذن وغيره. (وقيل: يحرم، وقيل: يحرم بغير إذن) وقيل: يحرم في الحرة. وأما المستولدة، ففيها خلاف مرتب على المنكوحة الحرة، وأولى بالجواز لانها غير راسخة في الفراش ولهذا لا يقسم لها. قال الامام: وحيث حرمنا، فذلك إذا نزع بقصد أن يقع الانزال خارجا تحرزا عن الولد، فأما إذا عن له أن ينزع لا على هذا القصد، فيجب القطع بأن لا يحرم. الثالثة: الاستنماء باليد حرام، ونقل ابن كج أنه توقف فيه في القديم. والمذهب الجزم بتحريمه، ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته، كما يستمتع بسائر بدنها، ذكره المتولي، ونقله الروياني. الرابعة: القول في تحريم الوطئ في الحيض والنفاس وتحريم سائر الاستمتاعات، كما سبق في باب الحيض. ونقل ابن كج عن أبي عبيد بن حربويه، أنه يجتنب الحائض في جميع بدنها. قلت: هذا الوجه غلط فاحش، يخالف الاحاديث الصحيحة المشهورة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: إصنعوا كل شئ سوى النكاح وأنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يباشر الحائض فوق الازار(5/537)
فقد خالف قائله إجماع المسلمين. والله أعلم. الخامسة: لا بأس أن يطوف على إمائه بغسل واحد، لكن يستحب أن يخلل بين كوطئين وضوء أو غسل الفرج، كما ذكرنا في كتاب الطهارة، ولا يتصور ذلك في الزوجات إلا بإذنهن. وأما حديث الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه بغسل واحد، فمحمول على إذنهن إن قلنا: كان القسم واجبا عليه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فهن كالاماء. السادسة: يكره أن يطأ وهناك أمته أو زوجته الاخرى، وأن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته أو أمته. قلت: ويسن ملاعبته الزوجة إيناسا وتلطفا ما لم يترتب عليه مفسده، للحديث الصحيح هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك. ويستحب ألا يعطلها، وأن لا يطيل عهدها بالجماع من غير عذر، وأن لا يترك ذلك عند قدومه من سفره،(5/538)
لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح فإذا قدمت فالكيس الكيس، أي: ابتغ الولد. والسنة أن يقول عند الجماع: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، للحديث الصحيح فيه، ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها، لا في البنيان ولا في الصحراء، ويحرم على الزوجة والامة تحريما غليظا أن تمتنع إذا طلبها للاستمتاع الجائز، ولا يحرم وطئ المرضع والحامل، ويكره أن تصف المرأة إمرأة أخرى لزوجها من غير حاجة للحديث الصحيح، في النهي عن ذلك.
الباب العاشر : في وطئ الاب جارية ابنه ونكاحه إياها ووجوب إعفافه فيه ثلاثة أطراف.
الطرف الأول : في وطئها، فيحرم على الاب وطئ جارية ابنه مع علم بالحال، فإن وطئها، نظر، أهي موطوءة الابن أم لا ؟ الحالة الاولى: أن لا تكون وفيه مسائل. المسألة الاولى: لا حد على الاب لشبهة الاعفاف. وعن الاصطخري تخريج قول في وجوب الحد، والمذهب الاول. وعلى هذا، فيعزر على الاصح، لحق الله تعالى. وقيل: لا يعزر. فعلى تخريج الاصطخري: هو كالزنا بأمة أجنبي. فإن أكرهها، وجب مهر المثل، وإن طاوعته، فوجهان. وعلى المذهب: هو كوطئ الشبهة، فعليه المهر للابن. فإن كان موسرا، أخذ منه. وإن كان معسرا ففي ذمته(5/539)
إلى أن يوسر. وقيل: إن كان معسرا، لم يثبت في ذمته. والصحيح الاول. المسألة الثانية: كما يسقط الحد ويجب المهر، تثبت المصاهرة فتحرم الجارية على الابن أبدا، وستمر ملكه عليها إذا لم يوجد على الاب إحبال، ولا شئ على الابن بتحريمها، لان مجرد الحل في ملك اليمين غير متقوم، وإنما المقصود الاعظم فيه المالية وهي باقية، وله تزويجها وتحصيل مهرها، بخلاف ما لو وطئ زوجة إبنه أو أبيه بالشبهة، فإنه يغرم المهر له، لانه فوت الملك والحل جميعا، ولان الحل هناك هو المقصود. (المسألة) الثالثة: إذا أحبلها بوطئه، فالولد نسيب حر، كما لو وطئ جارية أجنبي بشبهة. وهل تصير الجارية أم ولد للاب ؟ فيه أقوال. أظهرها: نعم. والثالث: إن كان الاب موسرا، فنعم، وإلا، فلا. وضعف الاصحاب هذا. فإن قلنا به، قال الامام: يجب أن تخرج الاقوال الثلاثة في تعجيل الاستيلاد، وتأخيره إلى أداء القيمة أو التوقف، كما في سراية العتق في نصيب الشريك. وإذا قلنا: لا يثبت اإستيلاد، فعلى الاب قيمة الولد باعتبار يوم الانفصال إن انفصل حيا، لان الرق اندفع بسببه. وإن انفصل ميتا، فلا شئ عليه، ولا يجوز للابن بيع الامة ما لم تضع، لانها حامل بحر، وهل على الاب قيمتها في الحال للحيلولة ثم تسترد عند الوضع ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لان يده مستمرة عليها ومنتفع بالاستخدام وغيره، بخلاف الآبق من يد الغاصب. وهكذا الحكم في الجارية المغرور بحريتها، والموطوءة بشبهة إذا أحبلتا، وإذا ملك الاب هذه الجارية يوما، هل تصير أم ولد ؟ فيه قولان معروفان. أما إذا قلنا بالاظهر: إنها تصير أم ولد، فيجب على الاب قيمتها مع المهر. فإن اختلفا في القيمة، فالقول قول الاب على المذهب، لانه غارم، وقيل: قولان. ومتى ينتقل الملك في الجارية إلى الاب ؟ فيه أربعة أوجه. أحدها: قبيل العلوق ليسقط ماؤه في ملكه صيانة له، وبهذا قطع البغوي. والثاني: مع العلوق،(5/540)
واختاره الامام. والثالث: عند الولادة. والرابع: عند أداء القيمة بعد الولادة. وفي وجوب قيمة الولد على الاب وجهان. أصحهما: المنع. قال الامام: لو فرض الانزال مع تغييب الحشفة، فقد اقترن موجب المهر بالعلوق، فينبغي أن ينزل المهر منزلة قيمة الولد. والذي أطلقه الاصحاب من لزوم المهر، محمول على ما إذا تأخر الانزال عن موجب المهر على ما هو الغالب. قال البغوي: لا ولاء على الولد إن أثبتنا الاستيلاد، وكذا إن لم يثبت على الاصح. المسألة الرابعة: إستولد الاب جارية مشتركة بين ابنه وأجنبي، فثبوت الاستيلاد في نصيب الابن على الاقوال السابقة، فإن أثبتناه وكان موسرا، سرى إلى نصب الشريك، فالولد حر، وعلى الاب كمال المهر، وكمال القيمة للابن والاجنبي. وإن كان معسرا، لم يثبت الاستيلاد في نصيب الشريك، ويكون نصف الولد حرا ونصفه رقيقا على الاظهر. وحكى أبو سعد الهروي وجها أن الاستيلاد لا يثبت في نصيب الشريك بحال، ولا يجعل حق الملك وشبهته كحقيقة الملك، ولو كان نصف الجارية للابن ونصفها حرا، اقتصر الاستيلاد على نصيب الابن لا محالة. (المسألة) الخامسة: لو كان الاب المستولد رقيقا، فلا حد عليه، ولا تصير أم ولد، لانه لا يملك، والولد نسيب. وفي حريته وجهان. أفتى القفال بالحرية كولد المغرور، وقيمته في ذمته إلى أن يعتق، والمهر يتعلق برقبته إن كانت مكرهة، وإن طاوعته، فهل يتعلق برقبته أم بذمته ؟ قولان كما لو وطئ العبد أجنبية بشبهة. ولو(5/541)
كان الاب المحبل مكاتبا، ففي ثبوت الاستيلاد وجهان، بناء على القولين في ثبوته إذ أولد جارية نفسه. ولو كان نصفه حرا ونصفه رقيقا، لم يثبت الاستيلاد، ويكون نصف الولد حرا، وفي نصفه الآخر وجهان. قال البغوي: إن قلنا: إنه حر أيضا، فعليه كمال قيمة الولد، نصفها في كسبه، ونصفها في ذمته. وإن قلنا: نصفه الآخر رقيق، فعليه قيمة نصفه في كسبه. فرع لا فرق في الاحكام المذكورة، بين الاب المسلم والذمي، وتجري الاقوال في ثبوت إستيلاد (الذمي وإن كان الكافر لا يشتري المسلم، لانه ملك قهري كالارث. فرع وطئ الاب جارية البنت والحفدة كجارية) الابن بلا فرق. (الحالة) الثانية: أن تكون الجارية موطوءة الابن، ووطئها الاب عالما بالحال، فلا حد عليه على الاصح أو الاظهر. والخلاف مبني على القولين في وجوب الحد على من وطئ جاريته المحرمة عليه برضاع أو نسب أو مصاهرة. الجديد الاظهر: لا حد. قال الروياني في التجربة: الخلاف فيما إذا لم يكن الابن استولدها، فإن كان، وجب الحد قطعا، كذا قاله الاصحاب، لانه لا يتصور أن يملكها بحال، بخلاف ما إذا كانت موطوءة غير مستولدة، فإن أوجبنا الحد على الاب، لم تحرم الجارية على الابن، ويجب(5/542)
المهر إن كانت مكرهة. وإن كانت طائعة، لم تجب على الاصح. وإن أولدها، لم تصر أم ولد له، ويكون الولد رقيقا غير نسيب. وعلى هذا القياس إذا وطئ الرجل جاريته المحرمة عليه برضاع وغير وأولدها، لا تصير أم ولد إن أوجبنا الحد. وقيل: يثبت النسب والاستيلاد هنا وفي جارية الابن وإن أوجبنا الحد فيهما، والصحيح الاول. ولو أولد أحد الشريكين الجارية المشتركة، ثبت النسب والاستيلاد، وإن قلنا بالقديم: إنه يجب الحد، لانه وطئ صادف ملكه حقيقة، وإنما أوجبنا الحد صيانة لملك الشريك. أما إذا قلنا: لا حد على الاب، فهو كما لو كان جاهلا يلزمه المهر، وتصير الجارية محرم عليهما أبدا. فإن أولدها، فإن كانت مستولدة الابن، لم تصر مستولدة له، لان أم الولد لا تقبل النقل، وإلا ففي مصيرها مستولدة للاب الاقوال الثلاثة السابقة في الحالة الاولى. فرع لو وطئ مكاتبه ابنه وأولدها ففي مصيرها مستولدة للاب وجهان. أحدهما: لا، لان المكاتبة لا تقبل النقل. والثاني: نعم، لانها تقبل الفسخ، بخلاف الاستيلاد وهذا أصح عند البغوي، وبالاول قطع القاضي أبو سعد الهروي. قال: وليس كما لو أولد مكاتبته، فإنه ينفذ الاستيلاد، لانه لا نقل، ولا يحتاج إلى فسخ الكتابة، بل يجتمع الاستيلاد والكتابة، ولا منافاة. فرع كانت جارية الابن منكوحة رجل، فأولدها الاب، ففي ثبوت الاستيلاد الاقوال الثلاثة، ويستمر النكاح وإن أثبتنا الاستيلاد، كما لو استولدها سيدها، ولا يجوز للزوج وطؤها في مدة الحمل(5/543)
. فصل لو وطئ الابن جارية الاب، فهو كوطئ الاجنبي. فإن كان بشبهة، نظر، إن ظنها أمته أو زوجته الحرة، فالولد حر وعليه قيمته للاب. وإن ظنها زوجته الرقيقة انعقد الولد رقيقا ثم عتق على الجد، ولا يجب على الابن قيمته. وإن وطئها عالما بالتحريم، فهو زنا يتعلق به الحد، لان الابن لا يستحق الاعفاف على الاب، فلا شبهة له، بخلاف العكس، ويلزم الابن المهر إن كانت مكرهة، وإلا، فلا على الاصح. ولو أتت بولد، فهو رقيق للاب، ولا يعتق عليه، إذ لا نسب.
الطرف الثاني : في نكاحه جارية الابن، للشافعي رضي الله عنه في جوازه نصان. قيل: هما قولان بناء على وجوب الاعفاف، إن لم نوجبه، جاز، وإلا، فلا. وقطع الجمهور بأنه لا يجوقطعا. قالوا: ونقل الجواز غلط، إنما قال الشافعي: يجوز ان يتزوج جارية أبيه، فصحف المزني، ومنهم من تأوله، على ما إذا كان الابن معسرا لا يجد مؤونة الاعفاف وكانت له جارية يحتاج إلى خدمتها، فيجوز أن يتزوجها الاب، أو كان الاب مع إعساره صحيح البدن، فإنا لا نوجب نفقته وإعفافه على قول، فيجوز أن يتزوجها. والصحيح في هاتين الصورتين، أنه يبنى جواز نكاحه جارية الابن، على أنه لو أولد جارية ابنه، هل تصير مستولدة له ؟ إن قلنا: لا، جاز، وإلا، فلا. وكذا الحكم إذا قلنا: لا يجب الاعفاف، هذا كله إذا كان الاب حرا. فلو كان رقيقا، فله نكاح جارية ابنه، لانه لا تجب نفقته، ولا إعفافه. وإذا استولد الرقيق جارية ابنه، لم تصر أم ولد له كما سبق. ولو نكح الاب جارية أجنبي، فملكها الابن، وكان الاب بحيث لا يجوز له نكاح الامة، لم ينفسخ نكاحه على الاصح. ويجري الوجهان فيما لو نكح جارية ابنه ثم عتق، هل ينفسخ ؟ إن قلنا: لا ينفسخ، أو جوزنا نكاح جارية ابنه ابتداء فأولدها، فقال الشيخ أبو حامد والعراقيون، والشيخ أبو علي والبغوي وغيرهم: لا تصير أم ولد له، لانه رضي برق ولده (حين) نكحها، ولان النكاح حاصل محقق، فيكون واطئا بالنكاح لا بشبهة الملك، بخلاف ما إذا لم يكن نكاح. وقال الشيخ أبو محمد، ومال إليه الامام: يثبت الاستيلاد وينفسخ النكاح.(5/544)
فرع لا يجوز للسيد نكاح جارية مكاتبه لشبهته (فيها). ولو أولد أمة مكاتبه، صارت أم ولد للسيد. ولو نكح أمة فملكها مكاتبة، انفسخ نكاحه على الاصح، لان تعلق السيد بملك المكاتب أشد من تعلق الاب. قلت: ويجوز نكاح جارية ابنه من الرضاع، ونكاح جارية أبيه وأمه قطعا، لعدم وجوب الاعفاف. والله أعلم.
الطرف الثالث : في إعفاف الأب. المشهور أنه يلزم الولد إعفاف الاب. وخرج ابن خيران قولا أنه لا يجب، كما لا يجب إعفاف الابن، ولا الاعفاف في بيت المال، ولا على المسلمين. التفريع على المشهور. فسبيل الاعفاف سبيل النفقة، فيجب للمعسر الزمن، وفي المعسر الصحيح قولان كالنفقة. وقيل: حيث تجب النفقة، فالاعفاف أولى، وإلا فقولان، لان النفقة إذا لم تجب على الولد، وجبت في بيت المال. وقيل: حيث لا نفقة، فلا إعفاف، وإلا، فقولان لان النفقة أهم، ولهذا يجوز للمضطر أكل طعام غيره، بخلاف الجماع. فرع حيث وجب الاعفاف، يستوي في لزومه الابن والبنت، ويثبت للاب والاجداد من جهتي الاب والام وإن علوا، ويثبت للكافر على الاصح. ولو اجتمع أصلان محتاجان، فإن وفى مال الولد بإعفافهما، وجب. فإن لم يف إلا بأحدهما، نظر، إن اختلفا في الدرجة، قدم الاقرب إن استويا في العصوبة أو عدمها. فإن كان للابعد عصوبة دون الاقرب، كأبي أبي أب، مع أبي أم، فالاول أولى على الاصح. وقيل: هما سواء. وإن لم يكن لواحد عصوبة، كأبي أم الاب، وأبي أبي الام، فسواء. وحيث استويا، يقرع بينهما على الصحيح. وقيل: يقدم القاضي باجتهاده. قلت: قال الامام: إن رأينا القرعة، لم يرفع الامر إلى القاضي، وإن قلنا: يجتهد القاضي، فأدى اجتهاده إلى شئ، فعل. فإن استويا في نظره، تعينت القرعة. والله أعلم. ولو اجتمع عدد ممن يجب عليهم الاعفاف، كالاولاد والاحفاد، فليكن حكمه(5/545)
كما سيأتي في النفقات إن شاء الله تعالى. فرع لا يجب إعفاف قادر على إعفاف نفسه بماله، وكذا الكسوب الذي يستغني بكسبه عن غيره، كذا قاله الشيخ أبو علي، وينبغي أن يجئ فيه الخلاف المذكور في النفقة. ولو وجد قدر النفقة، ولم يجد مؤونة الاعفاف، فهل يجب الاعفاف لحاجته إليه، أم لا لعدم وجوب النفقة ؟ وجهان. أصحهما: الاول. ولو سقط وجوب النفقة أياما لعارض، قال الامام: لا ينبغي أن يكون هنا خلاف في وجوب الاعفاف. ولو قدر على سرية ولم يقدر على مهر حرة، فالمتجه أن لا يجب إعفافه، لانة لا يتعين في إعفافه تزويجه حرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فرع شرط الاعفاف، الحاجة إلى النكاح، فإذا ظهرت الحاجة إلى قضاء الشهوة والرغبة في النكاح، صدق بغير يمين، لان تحليفه في هذا المقام لا يليق بحرمته، لكن لا يحل لطلب الاعفاف إلا إذا صدقت شهوته، بحيث يخاف العنت أو يضر به التعزب، أو يشق عليه الصبر.
فصل المراد بالاعفاف، أن يهيئ له مستمتعا، بأن يعطيه مهر حرة ينكحها، أو يقول: تزوج وأنا أعطي المهر، أو يباشر النكاح بإذن الاب ويعطي المهر، أو يملكه جارية تحل للاب، أو ثمن جارية. وسواء كانت الحرة المنكوحة مسلمة أو كتابية، وأومأ الروياني إلى وجه (أن) الكتابية لا تكفي وهو شاذ، وليس للاب (أن) يعين النكاح، ولا يرضى بالتسري، ولا إذا اتفقا على النكاح أن يعين رفيعة المهر لجمال أو شرف. ولو اتفقا على مهر مقدر، فتعيين المرأة إلى الاب، ولا يجوز أن يملكه أو يزوجه شوهاء، أو عجوزا، ثم على الولد أن ينفق علزوجة الاب أو أمته ويقوم بمؤوناتها. ولو أيسر الاب بعدما ملكه الولد جارية أو ثمنها، لم يكن له الرجوع، كما لو أعطاه نفقة فلم يأكلها حتى أيسر. ولو كان تحته صغيرة أو عجوز، أو رتقاء ولم تندفع حاجته، فالقياس وجوب الاعفاف، وأنه لا يجتمع عليه نفقتان. ولو ماتت(5/546)
الامة التي ملكه إياها، أو الحرة التي تزوجها، أو فسخت النكاح بعيبه، أو فسخ بعيبها، أو انفسخ بردة أو رضاع، بأن أرضعت التي نكحها صغيرة كانت زوجة له، وجب على الولد تجديد الاعفاف كما لو دفع إليه نفقة فسرقت منه. وقيل: لا يجب، والصحيح الاول. قلت: قال الامام: ولو فرض الاعفاف مرارا، أو بموت الزوجات، تجدد الامر بوجوب الاعفاف ما دامت الحاجة، ولا ينتهي ذلك، وإن كثر تكرار الاعفاف. الله أعلم. فلو طلقها أو خالعها، أو أعتق الامة، فإن كان لعذر من شقاق أو نشوز أو غيرهما، وجب التجديد على الاصح، وإلا فلا. وفي التتمة وجه، أنه إذا طلق، لزمه أن يزوجه مرة أخرى، أو يسريه. فإن طلق ثانيا، لم يزوجه بعد ذلك بل يسريه، ويسأل الحاكم الحجر عليه لئلا ينفذ إعتاقه. وإذا وجب التجديد، فإن كانت بائنة، لزم التجديد في الحال، وإن كانت رجعية، لم يجب إلا بعد انقضاء العدة. فرع إذا قلنا: لا يجب الاعفاف، فللاب المحتاج أن ينكح أمة. وإن أوجبناه، فوجهان. أحدهما: يجوز لانه غير مستطيع حرة وخائف العنت. وأصحهما: المنع، لانه مستغن بمال ولده. فإن قلنا بالاول، حصل الاعفاف بأن يزوجه أمة.
الباب الحادي عشر : في أحكام نكاح الامة والعبد فيه طرفان.
الطرف الأول : في نكاح الأمة وفيه مسائل. إحداها: إذا زوج أمته، لم يلزمه تسليمها إلى الزوج ليلا ونهارا، لكن يستخدمها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا.(5/547)
ولو أراد السيد أن يسلمها نهارا بدلا عن الليل، لم يكن له. ولو قال السيد: لا أخرجها من داري، ولكن أخلي لك بيتا لتدخله وتخلو بها، فقولان أظهر ما: ليس له ذلك، فإن الحياء والمروءة تمنعانه دخول دار غيره. وعلى هذا، فلا نفقة على الزوج كما لو قالت الحرة: أدخل بيتي ولا أخرج إلى بيتك. والثاني، للسيد ذلك لتدوم يده على ملكه مع تمكن الزوج من حقه. فعلى هذا يلزمه النفقة. فإن قلنا بالاول، وكانت محترفة، فقال الزوج: دعوها تحترف للسيد في يدي وبيتي، فليس له ذلك على الاصح. المسألة الثانية: للسيد أن يسافر بها، لانه مالك رقبتها، ولا يمنع الزوج من المسافرة معها، ولا يكلف أن يسافر بها وينفق عليها. وإذا لم يسافر معها، لم يكن عليه نفقتها. وأما الهر، فإن دخل بها، فقد استقر وعليه تسليمه، وإلا فلا. فإن كان سلمه، فله أن يسترده. قلت: وليس للزوج المسافرة بها منفردا إلا بإذن السيد. والله أعلم. (المسألة) الثالثة: ولو سامح السيد فسلمها ليلا ونهارا، فعلى الزوج تسليم المهر(5/548)
وتمام النفقة، وإن لم يسلمها إلا ليلا، فهل تجب جميع النفقة أم نصفها، أم لا يجب شئ ؟ فيه أوجه. أصحها عند جمهور العراقيين والبغوي: أنه لا يجب شئ، ويجري الوجهان الاخيران فيما إذا سلمت الحرة نفسها ليلا واشتغلت عن الزوج نهارا. قلت: الصحيح الجزم في الحرة بأنه لا يجب شئ في هذه الحال. والله أعلم. وأما المهر، فقال الشيخ أبو حامد: لا يجب تسليمه كالنفقة. وقال القاضي أبو الطيب: يجب. قال ابن الصباغ: لان التسليم الذي يتمكن معه (من) الوطئ قد حصل، وليس كالنفقة، فإنها لا تجب بتسليم واحد. قلت: الاصح الوجوب. والله أعلم. المسألة الرابعة: هلاك المنكوحة بعد الدخول، لا يسقط شيئا من المهر حرة كانت، أو أمة، سواء هلكت بموت أو قتل. فأما إذا هلكت قبل الدخول، فإن قتل السيد أمته المزوجة، فالنص في المختصر أن لا مهر. ونص في الام في الحرة إذا قتلت نفسها لا يسقط شئ من المهر. وللاصحاب طريقان. أحدهما: تقرير النصين. وأشهرهما: طرد قولين فيهما، ثم الحرة إذا ماتت أو قتلها الزوج، أو أجنبي، لم يسقط مهرها قطعا، وكذا لو قتلت نفسها على المذهب. وأما الامة، فإن قتلها سيدها، أو قتلت نفسها، سقط على المذهب وهو نصه. وإن ماتت أو(5/549)
قتلها الزوج أو أجنبي، لم يسقط على الصحيح. قال البغوي: إذا قلنا: قتل السيد أمته يسقط المهر فلو تزوج رجل أمة أبيه ثم وطئها الاب قبل أن يدخل بها الابن، وجب أن يسقط المهر لان قطع النكاح حصل من مستحق المهر قبل الدخول. المسألة الخامسة: لو باع الامة المزوجة، لم ينفسخ النكاح ويكون المهر للبائع إن سمي في العقد مهر صحيح أو فاسد، سواء دخل بها قبل البيع أو بعده، لانه وجب بالعقد وكان العقد في ملكه. ولطلقها الزوج بعد البيع قبل الدخول، كان نصف المهر للبائع، وإن كان زوجها مفوضة ثم جرى فرض أو دخول قبل البيع، فالمفروض أو مهر المثل للبائع أيضا. وإن جرى الفرض أو الدخول بعد البيع، فهل المفروض أو مهر المثل للبائع أم للمشتري ؟ فيه طريقان. أصحهما: على وجهين بناء، على أن الوجوب بالفرض والدخول، أم نتبين بهما الوجوب بالعقد ؟ وفيه قولان. أظهرهما الاول. وإن قلنا بالاول، فهو للمشتري، أو بالثاني، فللبائع. والطريق الثاني: أنه للبائع قطعا، لان العقد هو السبب وجرى في ملكه. ولو مات أحد الزوجين بعد البيع وقبل الفرض والدخول، وأوجبنا المهر، ففيمن يستحقه هذا الخلاف. ولو طلقها بعد البيع وقبل الفرض والدخول، فالمتعة للمشتري لانها تجب بالطلاق وهو في ملكه. ولو أعتق أمته المزوجة، فالمهر على هذا التفصيل، فحيث جعلناه للبائع، فهو هنا للمعتق، وحيث جعلناه للمشتري، فهو للمعتقة، وحيث قلنا: هو للبائع، أو المعتق، ولم يجر دخول، فليس له حبسها لدفع الصداق، لانها خرجت عن ملكه وتصرفه، وليس للمشتري ولا للعتيقة الحبس أيضا لانهما لا يملكان المهر.(5/550)
وحيث قلنا: المهر للمشتري، أو المعتقة فلهما الحبس لاستيفائه. ولو أعتقها وأوص لها بصداقها، فليس لها حبس نفسها لاستيفائه، لان استحقاقها بالوصية لا بالنكاح. ولو تزوج أمة ولده، ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث، فليس له حبسها، إذ لا ملك له فيها. فرع هذا الذي ذكرناه كله في النكاح الصحيح، أما إذا زوجها تزويجا فاسدا، ثم باعها ووطئها الزوج بعد البيع، فمهر المثل للمشتري، لانه وجب بالوطئ في ملكن، وإن وطئ قبل البيع فللبائع. السادسة: قد سبق أنه يجوزأن يزوج أمته بعبده، ولا مهر، لان السيد لا يثبت له دين على عبده، ولهذا لو أتلف ماله لم يقتض ضمانا في الحال ولا بعد العتق. قال الشيخ أبو علي: وهل نقو: وجب المهر لحرمة النكاح ثم سقط، أم لم يجب أصلا ؟ فيه وجهان. ولو أعتقها أو أحدهما، فلا مهر لا للسيد ولا للمعتقة وإن جرى الدخول بعد العتق، وكذا لو باعها ودخل الزوج بها في ملك المشتري، فلا مهر، لانه ملك بضعها أولا بلا مهر، وفيه احتمال للشيخ أبي علي على قولنا: لا يجب بالعقد أصلا.(5/551)
قال: ولا يجئ الاحتمال على قولنا: يج ب ثم يسقط، لانه كالمقبوض. فصل إذا قال لامته: أعتقتك على أن تنكحيني، أو على أن أنكحك، لم تعتق إلا بالقبول (على الاتصال). وسواء قال مع ذلك: وعتقك صداقك أو لم يقل. ولو قالت ابتداء أعتقني على أن أنكحك، فأجابها إليه، فكذلك، ثم لا يلزمها الوفاء، لان النكاح لا يصح التزامه في الذمة. وفي شرح مختصر الجويني وجه، عن أبي إسحق، أنه يلزمها الوفاء، وهو شاذ لاإلتفات إليه، والصواب الاول، ويلزمها قيمتها للسيد، لانه أعتقها على عوض لم يسلم، فصار كإعتاقها على خمر، وسواء في لزوم القيمة وفت بالنكاح المشروط أو لم تف. ولو رغبت في النكاح، فللسيد أن يمتنع ولا تسقط القيمة بذلك. ولو تراضيا على النكاح وأصدقها غير القيمة، فلها ما أصدقها وله عليها القيمة، وقد يقع التقاص. وإن أصدقها القيمة، فإن علماها عند العقد، صح الاصداق، وبرئت ذمتها. وإن جهلاها جميعا أو أحدهما، فوجهان. أصحهما: فساد الصداق كسائر المجهولات. فعلى هذا، لها مهر المثل وعليها القيمة. والثاني وبه قال ابن خيران: يصح، لان القيمة لم تثبت مقصودة، وكما لو أصدقها عبدا جهلا قيمته. ولو أتلفت إمرأة على رجل عبدا، فتزوجها بقيمته المجهولة، فسد الصداق قطعا، ورجعت إلى مهر المثل. قال الامام: ولو طرد الوجهان هنا لكان قياسا، ولو نكحها المعتق على أن يكون عتقها صداقها، فسد الصداق لان العتق قد تقرر فلا يكون صداقا لنكاح متأخر. وفي الرقم للعبادي وجه، أنه يصح، وكأنه بالشرط جعل رقبتها صداقا، والصحيح الاول. والمستولدة، والمدبرة، والمكاتبة، والمعتق بعضها، حكمهن في الاعتاق على أن ينكحنه حكم القنة. وحكى ابن القطان وجها، أنه لا قيمة على المستولدة لانها لا تباع. ولو قال لغيره: أعتق عبدك عني على أن أنكحك بنتي، فأجاب، أو قالت إمرأة: أعتقه على أن أنكحك، ففعل، عتق العبد، ولم يلزم الوفاء بالنكاح. وفي وجوب قيمة العبد، وجهان بناء على(5/552)
القولين فيما لو قال: أعتق عبدك عنك على ألف علي، هل يلزمه الالف أم لا ؟ أصحهما عند الشيخ أبي حامد والبغوي وغيرهما: أنه لا يلزمه، إذ لا يعود إليه نفع بعتقه. ولو قال لامتي: أعتقتك على أن تنكحي زيدا، فقبلت، ففي وجوب القيمة وجهان حكاهما الحناطي. فرع قالت لعبدها: أعتقك على أن تنكحني، ففي افتقار عتقه إلى قبوله وجهان. أحدهما: نعم. فإذا قبل، عتق ولزمه قيمته، ولا يلزمه الوفاء. وأصحهما: لا، بل يعتق بلا قبول ولا شئ عليه. فرع إذا لم يأمن السيد وفاءها بالنكاح ولم يرد العتق إن لم تنكحه، فهل لذلك طريق يثق به ؟ وجهان. أحدهما: نعم. قال ابن خيران: وطريقه أن يقول: إن كان في علم الله تعالى أن أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك، فأنت حرة. فإن رغبت وجرى النكاح بينهما، عتقت وحصل غرض السيد، وإلا استمر الرق. ونسب الامام هذا الوجه إلى صاحب التقريب، وعبارته في هذا التعليق: إن يسر الله تعالى بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم، فإذا مضى يوم ونكحته، انعقد النكاح وتبين حصول العتق قبله بيوم، وذكر اليوم جرى تمثيلا، ويكفي أن يقول: فأنت حرة قبل.(5/553)
والوجه الثاني وبه قال أكثر الاصحاب: لا يصح النكاح في هذه الصورة، ولا يحصل العتق لانه حال العتق شاك، هل هي حرة أو أمة كما إذا قال لامته: إن دخلت الدار فأنت حرة قبله بشهر، وأراد أن ينكحها في الحال، لا يصح.
الطرف الثاني : في نكاح العبد وفيه مسائل. إحداها: المهر والنفقة لازمان في نكاح العبد لزومهما في نكاح الحر. وبما يتعلقان ؟ نظر هل العبد محجور عليه أم مأذون له في التجارة ؟ فهما حالان. الاول: المحجور عليه، فينظر، أمكتسب هو أم لا ؟ إن كان مكتسبا تعلقا بكسبه، ويتعلقان بالكسب العام كالاصطياد والاحتطاب وما يحصله بصنعة وحرفة، وبالاكساب النادرة كالحاصلة بالوصية والهبة. وفي وجه: لا يتعلقان بالنادر. والصحيح الاول، وإنما يتعلقان بما كسب بعد النكاح. فإن كان المهر مؤجلا، لم يتعلقا إلا بما كسبه بعد حلول الاجل. وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة ؟ وجهان بناء على بيع المستأجر. إن جوزناه، جاز، وإلا، فلا لئلا يمنع البيع على السيد. قال المتولي: والوجهان في إجارة العين. فأما إذا التزم عملا في الذمة، فالمذهب جوازه، لانه دين في ذمته لا يمنع البيع. وطريق الصرف إلى المهر والنفقة، أن ينظر في الحاصل كل يوم فيؤدي منه النفقة إن وفى بها، فإن فضل شئ صرف إلى المهر، وهكذا كل يوم حتى يتم المهر، فإذا تم، صرف الفاضل عن النفقة إلى السيد، ولا يدخر للنفقة. وإن لم يكن مكتسبا، فهو في ذمة العبد، أم في رقبته، أم على السيد ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها الاول. وطرد القاضي أبو حامد القول الثاني في المكتسب.(5/554)
الحال الثاني: أن يكون مأذونا له في التجارة، فالمهر والنفقة يتعلقان بربح ما في يده، لانه كسبه، ويتعلقان برأس المال على الاصح. وفي الربح الذي يتعلقان به وجهان. أحدهما: الحاصل بعد النكاح فقط، كما في كسب غير المأذون له. وأصحهما: يتعلق به وبالحاصل قبل النكاح أيضا، هذا كله في المهر الذي تناوله الاذن. أما لو قدر السيد مهرا، فزاد العبد، فالزيادة لا تتعلق إلا بالذمة. المسألة الثانية: يجب على السيد تخلية العبد بالليل للاستمتاع، وله أن يستخدمه نهارا إذا تكفل بالمهر والنفقة، وإلا فعليه أن يخليه ليكتسب. فإن استخدمه ولم يلتزم شيئا، لزمه الغرم لما استخدمه. وفيما يغرمه وجهان. أصحهما: أقل الامرين من أجرة المثل وكمال المهر والنفقة. والثاني: كمال المهر والنفقة. وعلى الوجهين في المراد بالنفقة وجهان. الصحيح: نفقة مدة الاستخدام. والثاني: نفقة مدة النكاح ما امتدت، لانه ربما كان يكسب ما يفي بجميع ذلك. ولو استخدمه أجنبي، لم يلزمه إلا أجرة المثل، لانه لم يوجد منه إلا الاتلاف، ولم يسبق منه ما سبق من السيد، وهو الاذن المقتضي لالتزام مؤن النكاح. (المسألة) الثالثة: للسيد أن يسافر بالعبد وإن تضمن منعه من الاستمتاع، لانه مالك الرقبة، كما يسافر بالامة المزوجة، ثم للعبد أن يسافر بزوجته معه. قال البغوي: ويكون الكراء في كسبه. فإن لم تخرج الزوجة معه، أو كانت رقيقة فمنعها سيدها، سقطت نفقتها. وإن لم يطالبها الزوج بالخروج، فالنفقة بحالها، والسيد يتكفل بها، فإن لم يفعل، ففيما يغرمه في مدة السفر الخلاف السابق. هذا هو المنقول في الطرق، ونص عليه في المختصر. ونقل الامام عن العراقيين، أنه (ليس) للسيد استخدامه، ولا أن يسافر به ما بقيت عليه مؤنة من مؤن(5/555)
النكاح، وجعل المسألة ذات خلاف للاصحاب، ولا يكاد يتحقق فيها خلاف. فرع أكثر ما ذكرناه في هذه المسائل متفرع على القول الجديد، وهو أنه إذا أجرى النكاح بإذن السيد، لا يصير ضامنا بالاذن للمهر والنفقة، لانه لم يلتزمه تصريحا و (لا) تعريضا. وقال في القديم: يصير ضامنا بالاذن ملتزما المهر والنفقة. واتفق الاصحاب على أن الجديد هو الاظهر. فعلى الجديد: لو أذن بشرط الضمان لم يصر ضامنا أيضا، لانه لا وجوب عند الاذن. وإذا قلنا بالقديم، فهل يجب على السيد ابتداء، أم يلاقي العبد ثم يحمل عنه السيد ؟ وجهان حكاهما أبو الفرج الزاز. فعلى الاول: لا تتوجه المطالبة إلا على السيد. ولو أبرأت العبد، فهو لغو. وعلى الثاني: تتوجه المطالبة عليهما، ويصح إبراء العبد، ويبرأ به السيد. وصحح أبو الفرج الوجه الثاني، وقطع البغوي بالاول، وكلام الامام يقرب منه. فرع في فتاوى القاضي حسين، أنه لو زوج أمته عبده، فنفقة الامة على السيد كنفقة العبد. فلو أعتقها السيد وأولادها، سقطت نفقتهم عنه، وتعلقت نفقتها بكسب العبد، وعليها نفقة الاولاد إن كانت موسرة، وإلا ففي بيت المال. ولو أعتق العبد دونها، سقطت نفقتهما عنه، وكانت نفقة الامة على العتيق كحر تزوأمة غيره. المسألة الرابعة: هذا الذي سبق حكم المهر في النكاح الصحيح. وأما المهر في النكاح الفاسد، فله صورتان. إحداهما: إذا فسد نكاح العبد لجريانه بغير إذن سيده، فرق بينه وبين المرأة، فإن دخل بها قبل التفريق، فلا حد للشبهة، ويجب مهر المثل. وهل يتعلق بذمته لكونه وجب برضى مستحقه، أم برقبته لانه إتلاف ؟ فيه قولان. أظهرهما: الاول، ومنهم من قطع به. وإن جرى النكاح بغير إذن مستحق المهر، بأن نكح أمة بغير إذن سيدها ووطئها، فطريقان. أحدهما: القطع بتعلقه بالرقبة، وبه قال ابن الحداد، كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا. والثاني: طرد القولين، لان المهر وإن(5/556)
كان لغيرها فيمكنها إسقاطه في الجملة بإرضاع أو ردة. الثانية: أذن سيده في النكاح، فنكح نكاحا فاسدا ودخل بها قبل التفريق فهل يتعلق المهر بذمته، أم برقبته، أم بكسبه ؟ أقوال. أظهرها الاول. ولو نكح بالاذن صحيحا، لكن فسد المهر، قال الصيدلاني: تعلق مهر المثل بالكسب قطعا. ولو صرح بالاذن في نكاح فاسد ووجب مهر المثل، فقياس هذه الصور تعلقه بالكسب. فرع في فتاوى القاضي حسين أنه لو اختلف السيد والعبد في الاذن في النكاح، فقال السيد: ما أذنت، فالوجه أن تدعي المرأة على السيد أن كسب هذا العبد مستحق لي لمهري ونفقتي ليسمع القاضي البينة.
فصل سبق في باب موانع النكاح أنه متى ملك أحد الزوجين جزءا من الآخر، انفسخ النكاح. فلو كان لرجل عبد في نكاحه أمة، فأعطاه مالا وقال: اشترها لي، ففعل، صح واستمر النكاح، كما يجوز أن يزوج عبده بأمته. ولو ملكه المال فقال: اشترها لنفسك، ففعل، فإن قلنا: يملك العبد بتمليك السيد، انفسخ النكاح، وإلا، فالملك للسيد، والنكاح مستمر. ولو اشترى من بعضه حر زوجته، نظر، إن اشتراها بالكسب المشترك بينهما وبإذن سيده، ملك جزءا منها وانفسخ النكاح. وإن لم يأذن السيد، لم يصح في نصيبه، وفي نصيب العبد قولا تفريق الصفقة. إن صح فيه، انفسخ النكاح. (وإن اشتراها بخالص ماله، انفسخ النكاح) وإن اشتراها بخالص ماسيده من كسبه بإذنه، لم ينفسخ، وهكذا الحكم لو اشترت من بعضها حر زوجها.(5/557)
فرمتى ملكت زوجها بشراء أو هبة وغيرهما، نظر، إن كان قبل الدخول، فهل يسقط كل المهر، أم نصفه ؟ وجهان. وقيل: قولان. أصحهما: كله، ومنهم من قطع به. وإن كان بعد الدخول، لم يسقط شئ من المهر بالانفساخ. فإن كانت قبضته، لم ترد شيئا منه، وإلا فقد ملكت عبدا لها في ذمته دين، وفيه وجهان سبقا في كتاب الرهن وغيره. أحدهما: يسقط كما لا يثبت له على عبده دين ابتداء. وأصحهما: يبقى، لان الدوام أقوى من الابتداء. فإن قلنا: يسقط، برئت ذمة العبد من المهر، وللبائع الثمن عليها، وإن قلنا: يبقى، فلها مطالبة العبد إذا عتق، وللبائع الثمن عليها في الحال. فإن كان السيد البائع وضمن المهر، فلها عليه المهر بالضمان، وله عليها الثمن وقد يقع التقاص. أما إذا ملك زوجته بالشراء، فينظر، إن ملكها بعد المسيس، فعليه المهر للبائع مع الثمن. وإن ملكها قبله، فالمذهب وهو نصه: أنه يجب نصف المهر. وقيل: لا يجب شئ. ولو نكح جارية مورثه كأبيه، ثم ملك بالارث كلها أو بعضها، فإن كان بعد الدخول، لم يسقط المهر بالانفساخ لاستراره وهو تركه للميت. فإن احتيج إليه لقضاء دين وتنفيذ وصية، فعل، وإلا سقط إن كان الناكح حائزا، وإلا فلغيره من الورثة استيفاء نصيبه. وإن كان قبل الدخول، فوجهان. أحدهما قاله ابن الحداد: يسقط جميع المهر فيسترده، من التركة إن كان قبض. وأصحهما: لا يسقط إلا النصف. فعلى هذا: إن كان حائزا، سقط النصف الآخر لانه مستحقه، وإلا سقط نصيبه وللآخر نصيبه. ولو زوج رجل بنته بعبد بإذنها، ثم مات فورثت بعض زوجها، فإن كان بعد الدخول، فقسط ما ورثته من المهر دين لها على مملوكها، ولها المطالبة بالباقي من كسب ما ترث منه. وإن كان قبل الدخول، فعلى قول ابن الحداد: يسقط جميع المهر. وعلى الاصح: لا يسقط إلا النصف، وحكم النصف الباقي حكم الجميع بعد الدخول، وجميع ما ذكرناه إذا اشترت زوجها بغير الصداق. فلو اشترته بعين(5/558)
الصداق، فيقدم عليه مقدمتين. إحداهما: إذا نكح العبد نكاحا صحيحا وقلنا: لا يصير السيد ضامنا للمهر بالعقد. فلو ضمن عنه، جاز، لانه ضمان دين لازم. ثم إن كان العبد كسوبا، فللزوجة مطالبة العبد والسيد جميعا، وإلا، فلا يطالب السيد، وكذا الحكم لو طلقها بعد الدخول والمهر (غير) مقبوض. وإن طلقها قبل الدخول، سقط نصف المهر عنها، ومطالبتها بالنصف الآخر على التفصيل المذكور. فإن كانت قبضت المهر، ردت نصفه على السيد إن بقي الزوج على الرق عند الطلاق. فإن كان أعتقه، فعلى الزوج. الثانية: صورة البيع بعين الصداق، أن يلتزم السيد الصداق، إما بأصل العقد على القديم، وإما بالضمان اللاحق على الجديد، ويصرح المتبايعان بالاضافة إليه، بأن يقول سيد العبد لزوجته الحرة: بعتك زوجك بصداقك الذي يلزمني وهو كذا، فتشتري. أما إذا صرحا بالمغايرة أو طلقا، فهو بيع بغير الصداق. مثاله: كان الصداق ألفا، فقال: بعتك بألف غير الصداق، أو بألفين، أو أطلق فقال: بعتك بألف. ولو اختلف جنس الصداق، فلا شك في المغايرة. ولو دفع عينا إلى عبده ليجعلها صداق من ينكحها، ففعل، ثم باعها العبد بتلك العين، فهو بيع بالعين. إذا عرفت المقدمتين، فالبيع بعين الصداق، إما أن يجري قبل الدخول، وإما بعده. الحالة الاولى: أن يجري قبله. فإن قلنا بالاصح: إنه يسقط كل المهر، لم يصح البيع، بل يستمر النكاح، لانه لو صح البيع لملكت زوجها وانفسخ النكاح وسقط المهر، وعري البيع عن العوض وبطل، فتصحيحه يؤدي إلى بطلانه، هذا ما نص عليه الشافعي والاصحاب رحمهم الله تعالى. وقال الشيخ أبو علي: يجب عندي أن يصح البيع ويبطل النكاح، لان البيع وارتفاع النكاح لا يقعان معا، بل يكون الفسخ بعد البيع وحصول الملك حتى لا يحكم بانفساخ النكاح ما داما في المجلس، إن قلنا: إن الخيار يمنع حصول الملك للمشتري. وإذا كان الانفساخ عقيب البيع والملك، كان في زوال ملكها عن الصداق مع حصول ملكها في الرقبة، فلا يبطل الثمن بالانفساخ، بل أثر الانفساخ الرجوع إلى بدل الصداق، وهذا الذي(5/559)
قاله أبو علي، نقله المتولي وجها. وإن قلنا: إن تملكها الزوج قبل الدخول، يقتضي تنصيف المهر، بني على خلاف سنذكره في الحالة الثانية إن شاء الله تعالى، وهي إذا جرى بعد الدخول. فإن لم نصحح البيع هناك، فكذا هنا، وإلا بطل البيع هنا في نصف العبد، ويخرج في الباقي على تفريق الصفقة. فإن فرقنا، انفسخ النكاح. هذا قول الجمهور، وعلى قول الشيخ أبي علي: يصح البيع في جميعه لا محالة. الحالة الثانية: أن يجري البيع بعين الصداق بعد الدخول، فيبنى على الخلاف في أن من ملك عبدا له عليه دين، هل يسقط ذلك الدين ؟ إن قلنا بالاصح: إنه لا يسقط، صح البيع، وتصير مستوفية للمهر المستقر بالدخول، ولا شئ لواحد من المتبايعين على الآخر. وإن قلنا: يسقط وتبرأ ذمة العبد، فهل يصح البيع أم لا ؟ وجهان. أصحهما: الصحة، وبه قطع الشيخ أبو حامد، ونقله القفال عن شيوخ الاصحاب، إذ ليس هو كما قبل الدخول، فإن سقوط المهر هناك بانفساخ النكاح، بدليل أنه لو كان مقبوضا، وجب رده فلا يمكن جعله ثمنا، وهنا السقوط بحدوث الملك. وإذا جعل ثمنا، فكأنها استوفت الصداق قبل لزوم البيع، فليس لها بعدما ملكت الزوج صداق في رقبته حتى يسقط، وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترت زوجها وهي حرة. فأما إذا كانت أمة فاشترته بإذن سيدها، أو كانت مأذونا لها في التجارة فاشترته للتجارة، فيصح البيع ويستمر النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعدل، وسواء اشترت بعين الصداق أم بغيره، لان الملك للسيد، لكن إذا اشترته بعين الصداق، برئ السيد والعبد، لان الكفيل إذا أدى برئ الاصيل، ولا رجوع للسيد على العبد كما لو ضمن عنه دينا آخر أداه في رقه (وإن) اشترته بغير الصداق، ففي سقوط الصداق على العبد لكون سيدها ملكه وله عليه دين الوجهان المتكرران، فإن سقط، برئ سيده البائع عن الضمان لبراءة الاصيل، ويبقى الثمن بحكم الشراء، وإلا، فلسيد الامة على بائع العبد الصداق، وللبائع عليه الثمن، وقد يقع التقاص، فإذا تقاصا، برئت ذمة العبد عن حق المشتري لانه بالتقاص استوفى حقه من البائع.(5/560)
فصل في مسائل من الدور الحكمي عادة الاصحاب ذكر هذه المسائل هنا. والمسائل التي يقع فيها الدور نوعان. أحدهما: ينشأ الدور فيه من محض حكم الشرع، كما ذكرنا فيما إذا اشترت زوجها قبل الدخول بالصداق الذي ضمنه السيد، فإنه لو صح البيع ثبت الملك. وإذا ثبت الملك، انفسخ النكاح، وإذا انفسخ، سقط المهر المجعول ثمنا، وإذا سقط، فسد البيع، فهذه الاحكام المرتبة ولدت الدور. والثاني: ينشأ الدور فيه من لفظة يذكرها الشخص، كما في مسألة دور الطلاق، وعندها نذكر إن شاء الله تعالى أكثر مسائل الدور اللفظي. والذي نذكره هنا، خمس مسائل من الدور الحكمي. إحداها: أعتق أمته في مرض موته ونكحها على مهر سماه، نظر، إن لم يخرج من الثلث، فحكمه ما ذكرناه في المسائل الدورية في كتاب الوصايا وإن خرجت، نظر إن كانت قدر الثلث بلا مزيد، بأن كانت قيمتها مائة (و) له مائتان سواها، فالنكاح صحيح. ثم إن لم يجر دخول، فلا مهر لها لانه لو ثبت المهر لكان دينا على الميت، وحينئذ لا تخرج من الثلث، ويرقه بعضها، وحينئذ يبطل النكاح والمهر، فإثباته يؤدي إلى إسقاط، فيسقط. وإن جرى دخول، فقد ذكرنا حكمه في كتاب الوصايا وسواء دخل أم لا، فلا ترث بالزوجية، لان عتقها وصية، والوصية والارث لا يجتمعان. فلو أثبتنا الارث، لزم إبطال الوصية وهي العتق، وإذا بطل بطلت الزوجية وبطل الارث. وإن كانت الامة دون الثلث، فقد تمكنها المطالبة بالمهر لخروجها من الثلث بعد الدين، وهذا كله تفريع على أنه يجوز للمعتق في مرض الموت نكاحها، وهو الصحيح. وحكى الحناطي والشيخ أبو علي وجها أنه لا يجوز وهو كما حكيناه من قبل عن ابن الحداد، أن المعتقة في مرض الموت نكاحها لا يجوز لقرينها لاحتمال أن لا يخرج من الثلث عند الموت.(5/561)
المسألة الثانية: زوج أمته عبد غيره، وقبض الصداق وأتلفه بإنفاق وغيره، ثم أعتقها في مرض موته، أو أوصى بعتقها، فأعتقت وهي ثلث ماله، وكان ذلك قبل الدخول، فليس لها خيار العتق، لانها لو فسخت النكاح لوجب رد المهر من تركة السيد، وحينئذ لا يخرج كلها من الثلث. وإذا بقي الرق في البعض، لم يثبت الخيار، فإثبات الخيار يؤدي إلى إسقاطه، وكذا الحكم لو لم يتلف الصداق وكانت الامة ثلث ماله مع الصداق. ولو خرجت من الثلث دون الصداق، أو اتفق ذلك بعد الدخول، فلها الخيار. ولو كانت المسألة بحالها، إلا أن الاعتاق وجد من وارثه بعد موت السيد، نظر، إن كان الوارث معسرا، فلا خيار لها، لانها لو فسخت لزم رد المهر من تركة الميت. وإذا كان على الميت دين، لم ننفذ إعتاق الوارث المعسر على الصحيح. وإذا لم ينفذ الاعتاق، لم يثبت الخيار. وإن كان الوارث موسرا، فقد ذكرنا في كتاب الرهن خلافا في أن الوارث الموسر إذا أعتق عبد التركة وعلى الميت دين، هل ينفذ العتق في الحال، أم يتوقف نفوذه على وصول دين الغرماء ؟ فإن قلنا: ينفذ في الحال وهو الاصح، عتقت ولها الخيار. فإن فسخت، غرم الوارث لسيد العبد أقل الامرين من الصداق وقيمة الامة، كما لو مات وعليه دين وله عبد فأعتقه وارثه الموسر، يلزمه أقل الامرين من الدين وقيمة العبد. ولو كان على الميت دين، فالقيمة التي يغرمها الوارث يتضارب فيها سيد العبد والغرما. (المسألة) الثالثة: مات عن أخ وعبدين، والاخ هو الوارث في الظاهر، فأعتق الاخ العبدين، ثم ادعت إمرأة أنها زوجة الميت، وادعى ابنها أنه ابن الميت، فشهد المعتقان لهما، ثبتت الزوجية والنسب، ولا يرث الابن، إذ لو ورث لحجب الاخ وبطل إعتاقه وبطلت شهادتهما، وحينئذ تبطل الزوجية والنسب. وفيه وجه: أنه لا يثبت أيضا، والصحيح الاول.(5/562)
ولو شهدا بنسب بنت، نظر، إن كان الاخ معسرا يوم الاعتاق، لم ترث البنت، إذ لو ورثت لرق نصيبها وبطلت الشهادة. وإن كان موسرا، فإن عجلنا السراية بنفس الاعتاق، ورثت لكمال العتق يوم الشهادة. وإن قلنا: لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة، لم ترث لان توريثها يمنع كمال العتق يوم الشهادة. وحكم الزوجة في الارث حكم البنت، فينظر إلى إعسار الاخ ويساره كما ذكرنا. (المسألة) الرابعة: أوصى لرجل بابنه، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول، ووارثه أخوه، وقبل الوصية، وقسبق بيان هذه المسألة في آخر الباب الاول من كتاب الوصايا. (المسألة) الخامسة: اشترى في مرض الموت من يعتق عليه كابنه، عتق من الثلث ولا يرث، إذ لو ورث لكان العتق أو النسب إليه بالشراء وصية للوارث، فيبطل. وإذا امتنع العتق، امتنع الارث. وحكى الاستاذ أبو منصور وجها أنه يرث، ووجها أنه لا يصح الشراء، والصحيح الاول. ولو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض، كهبة وارث، فهل يرث ؟ وجهان بناء على أنه يعتق من الثلث أو من رأس المال، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الوصايا وبالتوريث قال ابن سريج، واختاره الشيخ أبو حامد. فرع ذكر الاستاذ أبو إسحاق الاسفراييني رحمه الله في مختصر جمعه في المسائل الدورية، أنه لو شهد اثنان بعتق عبد، وحكم الحاكم بشهادتهما، ثم جاء العبد مع آخر فشهدا بجرح الشاهدين، لم يقبل. وأنه لو أعتق عبدين في مرض موته هما ثلث ماله، فشهدا على انميت بوصية أو بإعتاق وعليه دين أو زكاة، لم يقبل ولو شهدا أنه نكح إمرأة على مهر، كذا حكى عن بعض الاصحاب أنه لا تقبل شهادتهما، قال: ويحتمل أن يقبل في النكاح ولا مهر، وأنه لو أعتق عبدين له فشهدا أنه كان محجورا عليه لسفه، لم تقبل شهادتهما. وأنه لو ادعى أنه ابن فلان(5/563)
وقد مات، ووارثه في الظاهر أخوه، فأنكر ونكل، فحلف المدعي، ثبت النسب ولا يرث، وهذا تفريع على أن اليمين المردودة مع النكول كالاقرار. أما إذا قلنا: إنها كالبينة، فيرث. وإنه لو ورث عبدين يعتقان عليه ثم مات وورثاه، أقر بدين على الميت الاول يستغرق تركته، لم يثبت الدين بإقرارهما. وأنه لو أعتق أمة في مرض موته وهي ثلث ماله فادعت أنه وطئها بشبهة، أو أنه استأجرها وعليه أجرتها، لم تسمع دعواها. وأنه لو ورث من زوجته عبدين وأعتقهما، ثم شهدا بالفرقة قبل الموت بردة أو طلاق، لم تقبل شهادتهما. وأنه لو كان في يد عبده مال، فأخذه واشترى به عبدين وأعتقهما فشهدا عليه بأنه أعتقه قبل ذلك، لم يقبل. وأنه لو مات ووارثه في الظاهر أخوه، فأعتق عبدا من التركة، وولي العتيق القضاء، فجاء مجهول وادعى أنه ابن الميت، وأقام شاهدين، لم يقبل هذا الحاكم شهادتهما، ولم يحكم بقولهما، هكذا ذكروه، وكان يجوز أن يقال: يحكم بشهادتهما ويثبت النسب دون الارث. كما لو أعتق الاخ في هذه الصورة عبدين وشهدا ببنوة المدعي، وحينئذ فلا يؤثر نسبه في العتق والقضاء. وأنه لو ورث عبدا من مورثه المقتول وأعتقه وولي العتيق القضاء، فجاء إليه الوارث وادعى على قاتله القصاص فقال (قتلته) وهو مرتد وأقام عليه شاهدين، لم يحكم هذا الحاكم بشهادتهما. ومن هذا القبيل، لو أعتق عبدين، فجاء رجل وادعى أنه كان غصب العبدين وشهدا له، لم تقبل شهادتهما. وفي التهذيب أنه لو ملك رجل أخاه ثم أقر في مرض موته أنه أعتقه في صحته، كان العتق نافذا وهل يرثه ؟ إن صححنا الاقرار للوارث، ورث، وإلا، فلا. فرع قال الغزالي في مجموعه غاية الغور في دراية الدور: المسائل الدائرة لا بد فيها من قطع الدور. وفي قطعه ثلاثة مسالك: تارة يقطع من أوله، وتارة من(5/564)
وسطه، وتارة من آخره، وذلك بحسب قوة بعض الاحكام وبعده عن الدفع، وضعف بعضها وقربه للدفع. مثال القطع من أوله: بيع العبد لزوجته الحرة قبل الدخول بصداقها الثابت في ذمة السيد، فإنا حكمنا بفساد البيع، وقطعنا الدور من أصله، لم نقل: يصح البيع، ولا ينفسخ النكاح، أو ينفسخ ولا يسقط الصداق، وسببه أن البيع اختياري، وحصول الانفساخ بالملك قهري، وكذا سقوط الصداق بالانفساخ، وما يختاره الانسان من التصرفات، يصح تارة ويفسد أخرى، وما يثبت قهرا يبعد دفعه بعد حصول سببه، فكان البيع أولى بالدفع من غيره. ومثال القطع من الوسط: المسألة الثانية من المسائل السابقة، فإنا لم نقطع الدور من أوله بأن نقول: لا يحصل العتق ولا من آخره، بأن نقول: لا يزيد المهر حتى لا تضيق التركة، ولكن قطعناه من وسطه فقلنا: لا يثبت الخيار، وسببه أن سقوط المهر عند الفسخ قهري يبعد دفعه، والخيار أولى بالدفع من العتق، لان العتق أقوى. ألا ترى أنه لا يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته بالاسقاط وبالتقصير. ومثال القطع من الآخر: المسألة الاولى من الخمس، فإنا لم نقطع الدور من الاول بأن نقول: لا يحصل العتق، ولا من آخر، بأن نقول: لا يزيد المهر وحتى لا تضيق التركة، ولكن قطعناه من وسط فقلنا: لا يثبت الخيار، وسببه أن سقوط المهر عند الفسح قهرى يبعد دفعه، والخيار أولى بالدفع من العتق، لان العتق أقرى. ألا ترى أأنه لا يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته بالاسقاط وبالتقصير. ومثال القطع من الآخر: المسألة الاولى من الخمس، فإنا لم نقطع الدور من الاول بأن نقول: لا يحصل العتق، ولا من الوسط بأن نقول: لا يصح غالنكاح، لكن قطعناه من الآخر فقلنا: ليس لها المهر. ويمكن أن يقال: سببه أن العتق له قوة السرعة والسراية، فلا يدفع، والنكاح أقوى من المه المسمى فيه، فإن ثبوت النكاح يستغني عن المهر بدليل المفوضة، والمسمى مهرا لا يثبت من غير ثبوت النكاح. وعد من هذا القسم الثالث، أما إذا قال لزوجته: إن انفسخ النكاح بيني وبينك فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم اشتراها، أو جرى رضاع أو ردة، فلا يقطع الدور من أوله بأن نقول: (لا ينفسخ النكاح، لكن يقطع من آخره، بأن نقول) ينفسخ ولا يقع الطلاق، وربما نعود إلى هذه المسألة في مسائل الطلاوالدور فيها لفظي. فصل لا يجوز للعبد التسري، لانه لا يملك، فإن ملكه سيده جارية وقلنا بالجديد: إنه لا يملك، لم يحل له وطؤها ولو أذن السيد، فلو استولدها، كان الولد ملكا للسيد. وإن قلنا بالقديم: إنه يملك، فقد ذكرنا في كتاب البيع أن المذهب(5/565)
أنه يتسرى بإذن السيد، ولا يتسرى بغير إذنه. لكن لو وط، لم يحد لشبهة الملك. ولو استولدها، فالولد ملك له، لكن لا يعتق عليه لضعفملكه، وتعلق حق السيد به. فإن عتق، عتق الولد أيضا، وحكم المدبر والمعلق عتقه بصفة حكم القن في هذا. ومن بعضه حر إذا اشترى جارية بما كسبه بحريته ملكها، لكن لا يطؤها بغير إذن السيد، لان بعضه مملوك والوطئ يقع بجميع بدنه، ولا يختص بالبعض الحر. ومال ابن الصباغ إلى أنه لا حاجة إلى إذن السيد، كما أنه يأكل كسبه ويتصرف فيه. فإن أذن السيد وقلنا: لا بد من إذنه، فعلى القديم: يجوز. وعلى الجديد: لا يجوز، لان ما فيه من الملك يمنع التسري، والمكاتب لا يتسرى بغير إذن السيد، وبإذنه قولان كتبرعاته.
الباب الثاني عشر : في اختلاف الزوجين في النكاح وفيه مسائل. المسألة الاولى: إذا ادعى زوجية إمرأة، سمعت دعواه عليها وإن كان العاقد هو الولي لان إقرارها مقبول، وفيه خلاف سبق في باب أحكام الاولياء. وأما المرأة، فإن ادعت المهر في النكاح، أو ادعت النكاح، وطلبت حقا من حقوقه، سمعت دعواها. وإن ادعت مجرد الزوجية، فوجهان، إن سمعت، أقامت البينة، فإن أنكر، فهل إنكاره طلاق ؟ فيه وجهان. إن قلنا: طلاق اندفع ما يدعيه، ولا معنى لاقامة البينة، وستأتي هذه المسألة مبسوطة في كتاب الدعاوى إن شاء الله تعالى. المسألة الثانية: زوج إحدى بنتيه بعينها، ثم تنازعا، فلتنازعهما حالان. أحدهما: تقول كل واحدة: أنا المزوجة، فمن صدقها الزوج، ثبت نكاحها، والاخرى تدعي أنها زوجته وهو منكر، فالمذهب أنه يحلف لها. وقيل: في تحليفه قولان. وينبغي أن يفصل، فإن ادعت زوجته وطلبت المهر، فالوجه التحليف. وإن ادعت مجرد الزوجية، ففيه الخلاف في المسألة الاولى. فإن قلنا:(5/566)
يحلف، فحلف، سقطت دعواها. وإن نكل، فحلفت، فهل اليمين المردود مع النكول كالبينة ؟ أم كالاقرار ؟ قولان مشهوران. إن قلنا: كالخينة، فوجهان. أحدهما: يثبت نكاح الثانية دون الاولى، كما لو أقامت بينة. قال الامام: وهذا القائل يقول: ينتفي نكاح الاولى، ويخكم بانقطاع نكاح الثانية لانكار الزوج. وأصحهما: استمرار نكاح الاولى، لان اليمين المردودة إنما تجعل كالبينة في حق المدعي والمدعى عليه، لا في حق غيرهما. وقد ثبت نكاح الاولى بتقارهما. وإن قلنا: كالاقرار، فوجهان. أحدهما: يبطل النكاحان والصحيح استمرار نكاح الاولى، كما لو أقر للاولى ثم أقر للثانية. وعلى هذا، فهل تستحق الثانية نصف المهر، أم لا تستحق شيئا ؟ قولان. أظهرهما: الاول. الحال الثاني: تقول كل واحدة: لست بالمزوجة، بل صاحبتي، فيقال للزوج: عين، فإذا عين، فقد أقر بأن الاخرى ليست زوجة له، فلا خصومة له معها، والقول قول الاخرى مع يمينها. فإن لم تحلف، حلف الزوج وثبت النكاح. وقيل: القول قول الزوج بيمينه لان إحداهما زوجة، وهو أعلم بمحل حقه. والصحيح الاول. واعلم أن المسألة من فروع ابن الحداد، وأنه قيدها فقال: إذا مات الاب، وكذا قيدها الغزالي. قال الشيخ أبو علي: هذا القيد فائدة فيه في الحالة الاولى، لانه لو كان حيا وعين إحداهما، لم يقبل قوله على الزوج، لكنه مفيد في الحالة الثانية، لانه إذا كان الاب حيا وهي مجبرة، راجعناه. فإن أقر بالنكاح على إحداهما، قبل قوله، ولا يضر الزوج إنكارها. قال الامام: ويظهر في القياس أن لا يقبل إقرارها ومعها مجبر حذرا من اختلاف الاقرارين، وإذا قبلنا إقرارها فاختلف إقرارها وإقرار الولي، فيجوز أن يقال: الحكم للسابق، ويجوز أن يقال: يبطلان جميعا، وقد ذكرنا وجهين في هذه المسألة في آخر الباب الثالث عن القفال الشاشي والاودني، أن المقبول إقراره أم إقرارها ؟ فحصل أربعة احتمالات. ولو زوج بنته من أحد ابني رجل، وادعت هي على أحدهما أنه الزوج، فإن جردت دعوى النكاح، فعلى ما سبق، وإن ادعت المهر، حلفته. فإن نكل، حلفت وأخذت نصف المهر، وإن ادعى كل واحد مهما أنها إمرأته، فأقرت لاحدهما، ثبت نكاحه، وهل للآخر تحليفها ؟ قولان على ما ذكرنا فيمن زوجها وليان بشخصين.(5/567)
المسألة الثالثة: شهدوا على رجل بنكاح إمرأة بمهر معلوم وهو منكر، فحكم بشهادتهم ثم رجعوا، هل يغرمون له ؟ وجهان. أصحهما: نعم، وإنما يغرمون ما فوتوا على الزوج وهو نصف المسمى. وإن قلنا: لا يغرمون، فذلك في قدر مهر المثل، فإن زاد المسمى على مهر المثل، فحكم الزيادة في الرجوع حكم شهود المال إذا رجعوا. ولو شهدوا على رجل بطلاق، ثم رجعوا، فهل يغرمون مهر المثل أم نصفه، أم غير ذلك ؟ فيه خلاف موضعه باب الرجوع عن الشهادة. وإذا ادعت أنها في نكاح رجل بمهر معلوم، وشهد له شاهدان، ثم ادعت الاصابة واستقرار المهر، فشهد على الاصابة أو على إقرار الزوج بها آخران، ثم ادعت أنه طلقها وشهد بذلك آخران، وحكم بمقتضى الشهادات وأخذ منه المهر، ثم رجع الشهود جميعا، فثلاثة أوجه. أحدها: لا غرم على أحد منهم، لان شهود النكاح والاصابة لم يوجد منهم إلا إثبات ملك واستمتاع بملك، وشهود الطلاق لم يفوتوا عليه شيئا في زعمه، فإنه ينكر النكاح، ولانه إن كان نكاح فقد فوته بزعمه بإنكاره قبل شهادتهم. والثاني: لا غرم على شهود النكاح والاصابة، ويغرم شهود الطلاق لانهم فوتوا ما ثبت بالاولين. فعلى هذا، في قدر غرمهم الخلاف الذي أحلناه على باب الرجوع عن الشهادة وبهذا الوجه قال ابن الحداد، ووافقه طائفة. والثالث: وهو أصحها: لا شئ على شهود الطلاق، لانه ينكر أصل النكاح، فكيف يطالبهم بضمان تفويته ؟ بل النكاح لا يثبت مع إنكاره، فلا ينبغي أن تسمع بينة الطلاق. وأما شهود النكاح والاصابة، فإن أرخوا شهادتهم، فشهد هؤلاء أنه نكحها في المحرم وأولئك أنه أصابها في صفر غرم الصنفان ما غرم الزوج بالسوية. وإن أطلق شهود الاصابة شهادتهم، فنصف الغرم على شهود النكاح، ولا شئ على شهود الاصابة، لجواز وقوعها في غير النكاح وكونها زنا، ولو شهدوا بالاصابة في النكاح، فقد ألحق ذلك بما إذا أرخت الشهادتان.(5/568)
وفي النهاية أنهم لو شهدوا بالنكاح ثم على الاصابة بعده، اشترك الصنفان في غرم نصف المهر، والنصف الآخر مختص بغرم شهود الاصابة، والصورتان متقاربتان، ولا يبعد التسوية بينهما في الحكم، ولم يقل أحد بتخصيص الغرم بشهود الاصابة. المسألة الرابعة: إذا زوجت برجل، ثم ادعت أن بينها وبينه محرمية، بأن قالت: هو أخي من الرضاع، أو كنت زوجة أبيه، أو ابنه، أو وطئني أحدهما بشبهة، نظر، أوقع التزويج برضاها أم لا ؟ الحالة الاولى: زوجت برضاها به بأن كانت ثيبا، أو زوجها أخ أو عم، أو زوجها المجبر برضاها، فلا يقبل دعواها والنكاح ماض على الصحة، لان إذنها فيه يتضمن حلها له، فلا يقبل نقيضه. لكن إن ذكرت عذرا كغلط أو نسيان، سمعت دعواها على المذهب فتحلفه. الحالة الثانية: زوجت بغير رضاها لكونها مجبرة، فوجهان. أصحهما وبه قال ابن الحداد ونقله الامام عن معظم الاصحاب: أنه يقبل قولها بيمينها، ويحكم باندفاع النكاح من أصله، لان قولها محتمل ولم تعترف بنقيضه، فصار كقولها في الابتداء: هو أخي لا يجوز تزويجها به. والثاني قاله الشيخ أبو زيد واختاره الغزالي، وحكي عن اختيار ابن سريج: لا يقبل قولها استدامة للنكاح الجاري على الصحة ظاهرا ولئلا تتخذه الفاسقات ذريعة إلى الفراق. واحتج الشيخ أبو علي للاول وهو الاصح عنده أيضا، فإن الشافعي رحمه الله نص على أنه لو باع الحاكم عبدا أو عقارا على مالكه الغائب بسبب اقتضاه، ثم جاء المالك وقال: كنت أعتقت العبد أو وقفت العقار أو بعته، صدق بيمينه، ونقض بيع القاضي، ورد اليمين على المشتري، بخلاف ما لو باعه بنفسه أو توكيله، ثم ادعى ذلك، فإنه لا يقبل لانه سبق منه نقيضه، ومقتضى حكايته أنه لا خلاف في صورة بيع(5/569)
الحاكم، لكن الامام حكى فيها قولين، ولو زوج بنته أو أمته ثم ادعى الاب أو السيد محرمية بينها وبين الزوج، لم يلتفت إلى قوله، لان النكاح حق الزوجين. قال الشيخ أبو علي: ولو قال بعد تزويجه أمته: كنت أعتقتها، حكم بعتقها، ولا يقبل قوله في النكاح، وكذا لو أجر العبد ثم قال: كنت أعتقته، ويغرم للعبد أجرة مثله، لانه أقر بإتلاف منافعه ظلما، كمن باع عبدا ثم قال: كنت غصبته لا يقبل قوله في البيع، ويغرم قيمته للمقر له. والخلاف في الحالة الثانية، في أنها هل تصدق بيمينها ؟ وأما دعواها، فتسمع بلا خلاف. ولو قامت بينة، حكم بها بلا خلاف. والكلام في الحالة الاولى، في رد الدعوى من أصلها، وأن الاذن والرضى بالتزويج إنما يؤثر إذا أذنت في تزويجها بشخص معين. أما إذا أذنت في النكاح مطلقا وقلنا: لا حاجة إلى تعيين الزوج، فزوجها الولي برجل، ثم ادعت محرمية، فالحكم كما إذا زوجت مجبرة، لانه ليس فيه اعتراف بجهالة. ولزوج الاخ البكر وهي ساكتة، اكتفي بصماتها على الاصح ثم ادعت محرمية، قال الامام: الذي ارتضاه العراقيون، أن دعواها مسموعة. قال: لكن لا تصدق بيمينها. المسألة الخامسة: إذا زوج أمته ثم قال: كنت مجنونا أو محجورا علي وقت تزويجها، وأنك) الزوج وقال: تزوجتها تزوجا صحيحا، فإن. لم يعهد السيد ما ادعاه ولا بينة، فالقول قول الزوج بيمينه، لان الظاهر صحة النكاح. وكذا لو قال: زوجتها وأنا محرم، أو قال: لم تكن ملكي يومئذ ثم ملكتها، وكذا الحكم لو باع عبدا ثم قال بعد البيع: بعته وأنا محجور علي، أو لم يكن ملكي ثم ملكته. وعن(5/570)
نصه في الاملاء أنه لو زوج أخته ومات الزوج، فادعى ورثته أن أخاها زوجها بغير إذنها وقالت: بل زوجني بإذني، فالقول قولها. ولك أن تقول: قد سبق ذكر وجهين فيما لو ادعى أحد المتعاقدين صحة البيع والآخر فساده، فليجئ ذلك الخلاف في هذه الصورة. قلت: لم يذكره الاصحاب في هذه الصورة، ولا يصح مجيئه لان الظاهر الغالب في الانكحة الاحتياط لها، وعقدها بشروطها وبحضرة الشهود وغيرهم، بخلاف البيع فإن وقوعه فاسد كثير. والله أعلم. ولو ادعت المنكوحة أنها زوجت بغير إذنها وهي معتبرة الاذن، ففي فتاوى البغوي أنه لا يقبل قولها بعد ما دخلت عليه وأقامت معه، كأنه جعل الدخول بمنزلة الرضى. أما إذا عهد للسيد المزوج جنون، أو حجر، أو قال: زوجتها وأنا صبي، فأيهما يصدق بيمينه ؟ قولان خرجهما الشيخ أبو زيد. أظهرهما عند الشيخ أبي علي وغيره: أن المصدق الزوج، لان الغال ب جريان العقد صحيحا، ولانه صح ظاهرا والاصل دوامه. ولو زوج أخته برضاها، ثم ادعت أنها كانت صغيرة يومئذ، ففي فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي، أن القول قولها بيمينها وإن أقرت يومئذ ببلوغها، كما لو أقر بمال ثم قال: كنت صغيرا يوم الاقرار، وهذا يمكن أن يكون تفريعا على أحد القولين ويمكن أن يفرق بأن الغالب من العقد الجاري بين مسلمين، صحته وهذه لم تعقد.(5/571)
ولو وكل الولي بتزويجها، ثم أحرم، وجرى العقد، فادعى الولي جريانه في الاحرام، وأنكر الزوج، فنص الشافعي رحمه الله، أن القول قول الزوج عملا بظاهر الصحة. ولم يحك الشيخ أبو علي خلافا في هذه الصورة. قال الامام: وسببه أن الاحرام طرأ والاصل استناد العقد إلى الحل، لكن الشيخ ألحق بمسألة الاحرام المنقولة عن النص، ما إذا وكل بقبول نكاح ثم أحرم الموكل وقبل الوكيل، ثم اختلف الزوجان، فقال الزوج: عقد قبل إحرامي (أو بعده) أو بعد تحللي، وقالت: بل في حال إحرامك، فالقول قول الزوج، فلم يفرق بين أن يدعي سبق الاحرام النكاح وعكسه. ومقتضى ما سبق في المسألة الرابعة، أن الولي إذا زوج ثم ادعى المحرمية بين الزوجين، لا يلتفت إلى دعواه أن لا يفرض النزاع في مسألة النص بين الولي والزوج، بل يفرض بين الزوجين. ولو زوج أمته، ثم ادعى أن الزوج كان واجدا للطول، وأنكر الزوج صدق الزوج. ولو زوج بنته ومات، فادعت أن أباها كان مجنونا يوم العقد، نظر، هل كان التزويج برضاها أم بغيره ؟ وحكمه ما سبق في المسألة الرابعة. فرع ادعى نكاح إمرأة وأقام بينة به، ثم ادعت أنها زوجة غيره وأقامت بينة به، قال ابن الحداد: يعمل ببينة الرجل، لان حقه في النكاح أقوى منها، فإن المتصرف إن شاء أمسكها، وإن شاء طلق، فقدمت بينته كصاحب اليد مع غيره، هذا قول ابن الحداد، وبه قال الجمهور. وقال الشيخ أبو علي: يحتمل أن ينظر في جواب من ادعت أنها زوجته، فإن أنكر فلا نكاح له، فيعمل ببينة الرجل. وإن سكت، فهما بينتان تعارضتا، ولم يتعرضوا في تصوير المسألة لدعواها المهر، أو حقا من حقوق النكاح، وقد سبق في سماع دعوى الزوجية المجردة خلاف. فإن سمعت وأنكر الزوج، ففي إقامة البينة أيضا خلاف. فإذا ادعت الزوجية المجردة،(5/572)
فإنما تقيم (هي) البينة تفريعا على سماع هذه الدعوى والبينة مع إنكاره. فرع في فتاوى البغوي أنه إذا كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما، فقال للمسلمة: ارتددت، وقال للذمية: أسلمت، فأنكرتا، ارتفع نكاحهما لزعمه. وذكر الامام الرافعي هنا مسائل منثورة من فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي، تتعلق بأبواب النكاح قدمتها أنا فوضعتها في مواضعها اللائقة بها، وبالله التوفيق.(5/573)
كتاب الصداق
هو اسم المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطئ، وله أسماء: الصداق، والصدقة والمهر، والاجر، والعقر، والعليقة. ويقال: أصدقها، ومهرها. ويقال في لغة قليلة: أمهرها. قال الاصحاب: ليس المهر ركنا في النكاح، بخلاف المبيع والثمن في البيع، لان المقصود الاعظم منه الاستمتاع وتوابعه، وهو قائم بالزوجين، فهما الركن، فيجوز إخلاء النكاح عن تسمية المهر، لكن المستحب تسميته، لانه(5/574)
أقطع للنزاع، ثم ليس للصداق حد مقدر، بل كل ما جاز أن يكون ثمنا أو مثمنا أو أجرة، جاز جعله صداقا. فإن انتهى في القلة إلى حد لا يتمول، فسدت التسمية. ويستحب أن لا ينقص عن عشرة دراهم، للخروج من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه، وأن لا يغالي في الصداق، والمستحب أن لا يزاد على صداق أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسمائة درهم. فصل يشتمل كتاب الصداق على ستة أبواب
الباب الأول : في أحكام الصداق الصحيح وهي ثلاثة.(5/575)
الحكم الأول : في أن الصداق في يد الزوج كيف يضمن ؟ فإذا أصدقها عينا، فهي مضمونة عليه إلى أن يسلمها. وفي كيف يضمانه قولان. أظهرهما وهو الجديد: ضمان العقد كالمبيع في يد البائع. والقديم: ضمان اليد كالمستعار والمستام، ويتفرع على القولين مسائل. (المسألة) الاولى: إذا باعت الصداق قبل قبضه، إن قلنا: ضمان يد، جاز وإلا، فلا. ولو كان الصداق دينا فاعتاضت عنه، جاز إن قلنا: ضمان يد، وإلا فقولان كالثمن. أظهرهما: الجواز، كذا ذكره الامام وغيره. وفي التتمة: لو أصدقها تعليم القرآن أو صنعة، لم يجز الاعتياض على قول ضمان العقد كالمسلم فيه. (المسألة) الثانية: تلف الصداق المعين في يده، فعلى ضمان العقد ينفسخ عقد الصداق، ويقدر عود الملك إليه قبيل التلف، حتى لو كان عبدا كان عليه مؤنة تجهيزه كالعبد المبيع يتلف قبل القبض ولها عليه مهر المثل. وإن قلنا: ضمان اليد، تلف على ملكها حتى لو كان عبدا، فعليها تجهيزه. ولا ينفسخ الصداق على هذا القول، بل بدل ما وجب على الزوج تسليمه يقوم مقامه، فيجب لها عليه مثل الصداق إن كان مثليا، وقيمته إن كان متقوما. ورجح الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجوب البدل، والجمهور رجحوا القول الاول وهو وجوب مهر المثل. فإذا أوجبنا القيمة، فهل يجب أقصى القيمة من يوم الصداق إلى يوم التلف لان التسليم كان مستحقا في كل وقت، أم يوم التلف فقط لانه لم يكن متعديا ؟ أم يوم الصداق ؟ أم الاقل من يوم الصداق إلى يوم التلف ؟ فيه أربعة أوجه. أصحهما: الاول. ولو طالبته بالتسليم فامتنع، تعين الوجه الاول على المذهب. وقيل: يجب أقصى القيم من وقت المطالبة إلى التلف، لانه يصير متعديا. ولو طالبها الزوج بالقبض فامتنعت، ففي بقاء الصداق مضمونا عليه وجهان، نقلهما أبو الفرج السرخسي، الصحيح الضمان، كما أن البائع لا يخرج عن عهدة المبيع بهذا القدر. هذا كله إذا(5/576)
تلف الصداق بنفسه. أما لو أتلف، فينظ، إن أتلفته الزوجة، صارت قابضة وبرئ الزوج، وقد ذكرنا في البيع وجها أن المشتري إذا أتلف المبيع في يد البائع، لم يصر قابضا بل يغرم القيمة للبائع، ويسترد الثمن. فعلى قياسه، تغرم له الصداق وتأخذ مهر المثل. وإن أتلفه أجنبي، فإن قلنا: إتلاف الاجنبي المبيع قبل القبض كآفة سماوية، فالحكم ما سبق، وإن قلنا: يوجب الخيار للمشتري وهو المذهب، فللمرأة الخيار، إن شاءت فسخت الصداق، وحينئذ تأخذ من الزوج مهر المثل إن قلنا بضمان العقد، ومثل الصداق أو قيمته إن قلنا بضمان اليد، ويأخذ الزوج الغرم من المتلف. وإن أجازت تأخذ من المتلف المثل أو القيمة، ولها أن تطالب الزوج بالغرم، فيرجع هو على المتلف إن قلنا بضمان اليد. وإن قلنا بضمان العقد، فلى س لها مطالبة الزوج، هكذا رتب الامام والبغوي وغيرهما، فأثبتوا لها الخيار على قولي ضمان العقد واليد، ثم فرعوا عليهما. وكان يجوز أن يقال: إنما يثبت لها الخيار على قول ضمان العقد. فأما على ضمان اليد، فلا خيار، وليس لها إلا طلب المثل أو القيمة، كما إذا أتلف أجنبي المستعار في يد المستعير. وإن أتلفه الزوج، فعلى الخلاف في أن إتلاف البائع المبيع قبل القبض كالآفة السماوية، أو كإتلاف الاجنبي ؟ والمذهب الاول. وقد بينا حكم الصداق على التقديرين. المسألة الثالثة: حدث في الصداق نقص في يد الزوج، فهو نقص جزء أو صفة، فنقص الجزء مثل أن أصدقها عبدين، فتلف أحدهما في يده، فينفسخ عقد الصداق فيه، ولا ينفسخ في الباقي على المذهب، لكن لها الخيار. فإن فسخت، رجعت إلى مهر المثل على قول ضمان العقد، وعلى ضمان اليد تأخذ قيمة العبدين. وإن أجازت في الباقي، رجعت للتالف إلى حصة قيمته من مهر المثل على قول ضمان(5/577)
العقد، وإلى قيمة التالف على ضمان اليد. وإن تلف أحد العبدين بإتلاف، نظر، إن أتلفته المرأة، جعلت قابضة لقسطه من الصداق. وإن أتلفه أجنبي، فلها الخيار. فإن فسخت أخذت الباقي، وقسط قيمة التالف من مهر المثل إن قلنا بضمان العقد، وقيمته إن قلنا بضمان اليد. وإن أجازت، أخذت من الاجنبي الضمان. وإن أتلفه الزوج، فهو كالتلف بآفة على المذهب. وأما نقص الصفة، فهو العيب، كعمي العبد أو نسيانه الحرفة ونحوهما، وللمرأة الخيار. وفي الوسيط أن أبا حفص بن الوكيل قال: لا خيار على قول ضمان العقد، والمذهب الاول. فإن فسخت الصداق، أخذت من الزوج مهر المثل على الاظهر، وبذل الصداق في القول الآخر. وإن أجازت، فعلى الاظهر: لا شئ لها كما لو رضي المشتري بعيب المبيع، وعلى ضمان اليد لها عليه أرش النقص. وإن اطلعت على عيب قديم، فلها الخيار، (فإن) فسخت رجعت إلى مهر المثل أو إلى قيمة العين سالمة. وإن أجازت وقلنا بضمان اليد، فلها الارش على المذهب، وفيه تردد القاضي حسين، لانها رضيت بالعين. وإن حصل التعييب بجناية، نظر، إن حصل بفعل الزوجة، جعلت قابضة لقدر النقص، وتأخذ الباقي ولا خيار. وإن هلك بعد التعييب في يد الزوج، فلها من مهر المثل حصة قيمة الباقي على الاظهر، وقيمة الباقي على القول الثاني. وإن حصل التعييب بفعل أجنبي، فلها الخيار، فإن فسخت، أخذت مهر المثل على الاظهر وقيمته سليما في الثاني، ويأخذ الزوج الغرم من الجاني. وإن أجازت، غرمت للجاني. وليس لها مطالبة الزوج إن قلنا بضمان العقد. وإن قلنا بضمان اليد، فلها مطالبته، فينظر إن لم يكن للجناية أرش مقدر، أو كان(5/578)
أرش النقص أكثر، رجعت على من شاءت منهما، والقرار على الجاني. وإن كان المقدر أقل، طالبت بالمقدر من شاءت منهما، والقرار على الجاني، وأخذت قيمة الارش من الزوج. وإن حصل التعييب بجناية الزوج، فعلى الخلاف في أن جناية البائع كآفة أو كجناية أجنبي ؟ إن قلنا بالاول، وقلنا بضمان اليد، فعليه ضمان ما نقص. فإن كان للجناية أرش مقدر، كقطع اليد، فعليه أكثر الامرين من نصف القيمة وأرش النقص. فرعان الاول: أصدقها دارا فانهدمت في يده ولم يتلف من النقص شئ، فالحاصل نقصان صفة. وإن تلف بعضه أو كله باحتراق أو غيره، فالحاصل هل هو نقصان نصفه كطرف العبد أم نقصان جزء كأحد العبدين ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وقد سبقا في البيع. الثاني: أصدقها نخلاثم جعل ثمره في قارورة، وصب عليه صقرا من ذلك النخل وهو بعد في يده، والصق: هو السائل من الرطب من غير أن يعرض على النار. فإما أن تكون الثمرة صداقا مع النخل، بأن أصدقها نخلة مطلعة. وإما أن لا تكون. الحالة الاولى: إذا كانت صداقا، ينظر إن لم يدخل الثمرة والصقر نقص لا بتقدير النزع من القارورة، ولا بتقدير الترك فيها، فتأخذهما المرأة ولا خيار لها، بل الزوج كفاها مؤنة الجداد. وإن حدث فيهما أو في أحدهما نقص، فهو إما نقص عين، وإما نقص صفة. أما نقص العين، فمثل أن صب عليها مكيلتين من الصقر فشرب الرطب مكيلة، فلا يجبر نقص عين الصقر بزيادة قيمة الرطب، ثم إن جعلنا الصداق مضمونا ضمان عقد، انفسخ الصداق في قدر ما ذهب من الصقر إن قلنا: جناية كالآفة وهو المذهب، ولا ينفسخ في الباقي، ولها الخيار. إن فسخت، رجعت إلى مهر المثل، وإن أجازت في الباقي أخذت بقدر ما ذهب من الصقر من مهر المثل. وإن قلنا: جناية كجناية الاجنبي، لم ينفسخ الصداق في شئ، ولها الخيار، إن فسخت، فلها مهر المثل، وإن أجازت، أخذت النخل والرطب، ومثل ما ذهب من الصقر. وإن قلنا بضمان اليد، تخيرت أيضا. فإن فسخت، فلها قيمة النخل مثل الصقر وقيمة الرطب أو مثله على الخلاف المذكور في كتاب الغصب أنه مثلي أو(5/579)
متقوم. وإن أرادت أخذ النخل ورد الثمرة، فعلى الخلاف في تفريق الصفقة. وإن أجازت، فلها ما بقي ومثل الذاهب من الصقر. وأما نقصان الصفة، فإذا نقصت قيمة الصقر والمكيلتان بحالهما، أو قيمة الرطب، فإن كان النقصان حاصلا، سواء ترك الرطب في القارورة أو نزع، فلها الخيار. فإن فسخت، فعلى قول ضمان العقد لها مهر المثل، وعلى ضمان اليد لها بدل النخل والرطب والصقر. وإن أجازت، فإن قلنا بضمان العقد وجعلنا جنايته كالآفة، أخذتها بلا أرش. وإن جعلناها كجناية الاجنبي، أو قلنا بضمان اليد، فعليه أرش النقصان وإن كان الرطب يتعيب لو نزع من القارورة. ولو ترك لا يتعيب، فلا يجبر الزوج على التبرع بالقارورة، لكن إن تبرع بها أجبرت المرأة على القبول إمضاء للعقد، ويسقط خيارها. وقيل: لا تجبر على القبول، والصحيح الاول. وهل يملك القارورة حتى لا يتمكن الزوج من الرجوع ؟ وإذا نزعت ما فيها لم يجب رد القارورة، أم لا تملك وإنما الغرض قطع الخصومة فيتمكن من الرجوع وإذا رجع يعود خيارها فيجب رد القارورة إذا نزعت ما فيها ؟ فيه وجهان كما ذكرنا في البيع في مسألة النعل والاحجار المدفونة. وإن كان الرطب لا يتعيب بالنزع، ويتعيب بالترك، فلها مطالبته بالنزع، ولا خيار. ولو تبرع هو بالقارورة، لم تجبر هي على القبول، لانه لا ضرورة إليه. الحالة الثانية: أن لا تكون الثمار صداقا بأن حدثت بعد الاصداق في يد الزوج. فإن لم يحدث نقص أو زادت القيمة، فالكل لها. وإن حدث نقص فيهما أو في أحدهما، فلا خيار لها، لان ما حدث فيه النقص ليس بصداق، ولها الارش. وحكى ابن كج وجها أن لها الخيار وهو غلط. وإن كان النقص بحيث لا يقف ويزداد إلى الفساد، فهل تأخذ الحاصل وأرش النقص، أم تتخير بينه وبين أن تطالبه بغرم الجميع ؟ فيه خلاف سبق في الغصب، فيما إذا بل الحنطة فعفنت. وفي العدة أنها على القول الاول، تأخذ أرش النقص في الحال، وكلما ازداد النقص، طالبت بالارش. ولو كان الرطب يتعيب بالنزع من القارورة، ولا يتعيب بالترك فتبرع الزوج بالقارورة لم تجبر على القبول، لانه لا حاجة إليه في إمضاء العقد(5/580)
هنا، هذا كله إذا كان الصقر من ثمرة النخلة، أما إذا كان الصقر للزوج والثمرة من الصداق، فالنظر هنا ك إلى نقصان الرطب وحده، إن نقص، فلها الخيار. وإن لم ينقص بالنزع، فلا خيار، فتأخذ المرأة الرطب والزوج الصقر، ولا شئ لما تشربه الرطب. وإن كان ينقص بالنزع، فلها الخيار. فإن تبرع الزوج بالصقر والقارورة، سقط الخيار ولزم القبول على الصحيح، ويجئ فيه ما سبق في التبرع بالقارورة. فرع إذا زاد الصداق في يد الزوج، إن كان زيادة متصلة، كالسمن والكبر، وتعلم الصنعة، فهي تابعة للاصل. وإن كانت منفصلة، كالثمرة والولد وكسب الرقيق، قال المتولي: إن قلنا بضمان اليد، فهي للمرأة، وإلا، فوجهان كالوجهين في زوائد المبيع قبل القبض. والصحيح أنها للمشتري في البيع وللمرأة هنا. فإن قلنا: للمرأة فهلكت في يده، أو زالت المتصلة بعد حصولها، ولا ضمان على الزوج إلا إذا قلنا بضمان اليد وقلنا: يضمن ضمان المغصوب، وإلا إذا طالبته بالتسليم فامتنع. وفي التهذيب وغيره ما يشعر بتخصيص الوجهين، في أن الزوائد لمن هي بما إذا هلك الاصل في يد الزوج وبقيت الزوائد أو ردت الاصل بعيب، أما إذا استمر العقد وقبضت الاصل، فالزوائد لها قطعا. المسألة الرابعة: المنافع الفائتة في يد الزوج غير مضمونة عليه إن قلنا بضمان(5/581)
العقد، وإن طالبته بالتسليم فامتنع. أما إذا قلنا بضمان اليد، فعليه أجرة المثل من وقت الامتناع. وأما المنافع التي استوفاها بركوب أو لبس، أو استخدام ونحوها، فلا يضمنها على قول ضمان العقد، إن قلنا: جناية البائع كآفة. وإن قلنا: هي كجناية أجنبي، أو قلنا بضمان اليد، ضمنها بأجرة المثل. فرع قال الاصحاب: القولان في ضمان العقد واليد، مبنيان على أن الصداق نحلة وعطية، أم عوض كالعوض في البيع ؟ وربما ردوا القولين إلى أن الغالب عليه شبه النحلة أم العوض ؟ ودليل النحلة قول الله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) *، ولان النكاح لا يفسد بفساده، ولا ينفسخ برده. ودليل العوض، أن قوله: زوجتك بكذا، كقوله: بعتك بكذا، أو لانها تتمكن من الرد بالعيب، ولانها تحبس نفسها لاستيفائه (و) لانه تثبت الشفعة فيه، وهذا أصح. وأجابوا عن الآية بجوابين. أحدهما: أنه يجوز أن يكون المراد بالنحلة: الدين، يقال: فلان ينتحل كذا، فالمعنى: آتوهن صدقاتهن تدينا. والثاني: يجوز أن يكون المعنى: عطية من عند الله تعالى لهن. وإنما لا يفسد النكاح بفساده، لانه ليس ركنا في النكاح، مع أنه حكي قول قديم أنه يفسد النكاح بفساد الصداق. فصل إذا فسد الصداق بأن أصدقها حرا، فقولان. أظهرهما: يجب مهر المثل. والثاني: قيمته بتقدير الرق، وينسب هذا إلى القديم. قال الشيخ أبو حامد والصيدلاني والقاضي حسين والبغوي وغيرهم: قولان فيما إذا قال: أصدقتك هذا العبد وهو عالم بحريته، أو جاهل. أما لو قال: أصدقتك هذا الحر، فالعبارة فاسدة، فيجب مهر المثل قطعا. وحكى المتولي طريقة أخرى، أنه لا فرق(5/582)
بين اللفظين في جريان القولين. ولو قال: أصدقتك هذا واقتصر عليه، فلا خلل في العبارة، ففيه القولان. ولو ذكر خمرا أو خنزيرا أو ميتة، فقيل: يجب مهر المثل قطعا. وقيل: على القولين. فعلى هذا يعود النظر في عبارته، إن قال: أصدقتك هذا الخمر أو الخنزير، فالعبارة فاسدة. وإن قال: هذا العصير أو النعجة، فهو موضع القولين، وعلى هذا على قول الرجوع إلى بدل الصداق، يقدر الخمر عصيرا ويجب مثله، وقد حكينا في نكاح المشرك، فيما إذا جرى قبضهم في خمر وجها أنها تقدر خلا، ولم يذكروا هناكتقدير العصير، والوجه التسوية بينهما. وحكينا وجها أنه تعتبر قيمة الخمر عن من يرى لها قيمة، فلا يبعد مجيئه هنا، بل ينبغي أن يرجح كما سبق في نكاح المشرك تفريق الصفقة، والخنزير يقدر بقرة، كذا قاله الامام والبغوي. وقد سبق مثله في كتاب نكاح المشرك وقال الغزالي: يقدر شاة، والميتة تقدر مذكاة، ثم الواجب فيها وفي الخنزير القيمة. هذا الاضطراب للاصحاب يزيد القول الاظهر القوة، وهو وجوب مهر المثل.
الحكم الثاني : تسليم الصداق. فلو أخر تسليمه بعذر أو بغيره، وطلب تسليم نفسها، فلها الامتناع (حتى يسلم جميع الصداق إن كان عينا أو دينا حالا، وإن كان مؤجلا، فليس لها الامتناع، فإن حل الاجل قبل تسليمها فليس لها الامتناع) أيضا على الاصح، وبه قطع الشيخ أبو حامد وأصحابه، والبغوي، والمتولي، وأكثر الاصحاب. وقيل: لها، وبه قال القاضي أبو الطيب، واختاره الحناطي والروياني، لانها تستحق الآن المطالبة. ولو كانت المرأة صغيرة أو مجنونة، فلوليها حبسها حتى تقبض الصداق الحال. فلو رأى المصلحة في التسليم، فله ذلك. ولو اختلف الزوجان، فقال: لا(5/583)
أسلم الصداق حتى تسلمي نفسك، وقالت: لا أسلمها حتى تسلمه، فثلاثة أقوال. أظهرها: يجبران، بأن يؤمر بوضع الصداق عند عدل، وتؤمر بالتمكين. فإذا مكنت، سلم العدل الصداق إليها. والثاني: لا يجبر واحد منهما، بل إن بادر أحدهما فسلم، أجبر الآخر. والثالث: يجبر الزوج أولا، فإذا سلم، سلمت. وذهبت طائفة كبيرة إلى إنكار هذا القول الثالث. ومن أثبته قال: موضعه ما إذا كانت متهيئة للاستمتاع. أما إذا كانت ممنوعة بحبس أو مرض، فلا يلزم تسليم الصداق. وإن كانت صغيرة لا تصلح للجماع، فهل يلزمه التسليم ؟ قولان. ولو سلمت مثل هذه الصغيرة إلى زوجها، هل عليه تسليم المهر ؟ قولان كالنفقة. أظهرهما: المنع. وقيل بالمنع قطعا، لان النفقة للحبس عليه وهو موجود، والمهر للاستمتاع وهو متعذر. وقيل بالايجاب قطعا، لان المهر في مقابلة بضع وهو مملوك في الحال، والنفقة للتمكين وهو مفقود. ويجري الخلاف في مطالبة الولي لو كان الزوج صغيرا، وإن كان الزوج صغيرا وهي كبيرة، فالاظهر أن لها طلب المهر كالنفقة. وإذا قلنا: يبدأ بالزوج أو يجبران، فقالت: سلم المهر لاسلم نفسي، لزمه النفقة من حينئذ. وإن قلنا: لا يجبر واحد منهما، فلا نفقة لها حتى تمكن. فرع إذا بادرت فمكنت، فلها طلب الصداق على الاقوال كلها، ثم إن لم يجر وطئ، فلها العود إلى الامتناع، ويكون الحكم كما قبل التمكين. وإن وطئ، فليس لها بعده الامتناع على الصحيح، كما لو تبرع البائع فسلم المبيع قبل قبض الثمن، فليس له أخذه وحبسه. ولو وطئها مكرهة، فلها الامتناع بعده على الاصح. ويجري الوجهان، فيما(5/584)
لو سلم الولي صغيرة أو مجنونة قبل قبض صداقها إذا بلغت أو أفاقت بعد الدخول، فلو بلغت أو أفاقت قبله، فلها الامتناع قطعا. ولو بادر الزوج فسلم الصداق، لزمها التمكين إذا طلبها. وكذا لو كان الصداق مؤجلا فإن امتنعت بلا عذر، فله الاسترداد وإن قلنا: يجبر أولا، لان الاجبار بشرط التمكين. وإن قلنا: لا يجبر، فليس له الاسترداد على الاصح، لانه تبرع بالمبادرة كمعجل الدين المؤجل. وقيل: له ذلك لعدم حصول الغرض. وقال القاضي حسين: إن كانت معذورة حين سلم، فزال العذر وامتنعت، استرد، لانه سلم راجيا التمكين، فيشبه هذا الخلاف وجهين ذكرا فيما لو سلم مهر صغيرة لا تصلح للجماع عالما بحالها أو جاهلا وقلنا بالاظهر: إنه لا يجب تسليم مهرها، هل له الاسترداد ؟ فرع إذا استمهلت بعد تسليم الصداق، أمهلت لتتهيأ بالتنظيف والاستحداد، وإزالة الاوساخ على ما يراه القاضي من يوم ويومين، وغاية المهلة ثلاثة. وظاهر كلام الغزالي في الوسيط، إثبات خلاف في أن المهلة بقدر ما تتهيأ، أم تقدر بثلاثة أيام ؟ والمذهب خلافه ثم المفهوم من كلام الاكثرين، أنه يجب الامهال إذا استمهلت في العدة، أنه ليس بواجب. وعن نصه في الاملاء قول: إنه لا إمهال أصلا. والمذهب الاول، ولا تمهل لتهيئة الجهاز، ولا لانتظار السمن ونحوهما، ولا بسبب الحيض والنفاس، بل تسلم لسائر الاستمتاعات كالرتقاء والقرناء. وإن كانت صغيرة لا تحتمل الجماع، أو كان بها مرض أو هزال تتضرر بالوطئ معه، أمهلت إلى زوال المانع. ويكره للولي تسليم هذه الصغيرة، ولا يجوز للزوج وطؤها إلى أن تصير محتملة. ولو قال الزوج: سلموا إلي الصغيرة أو المريضة ولا أقربها إلى أن يزول ما بها، قال البغوي: يجاب في المريضة دون الصغيرة، لان الاقارب أحق بالحضانة وفي الوسيط أنه لا يجاب في الصورتين، لانه ربما وطئ فتتضرران، بخلاف الحائض، فإنها لا تتضرر لو وطئ.(5/585)
وله أن يمتنع من تسلم الصغيرة، لانه نكح للاستمتاع لا للحضانة. وفي المريضة وجهان. قال في الشامل: الاقيس أنه ليس له الامتناع، كما ليس له أن يخرجها من داره إذا مرضت. وإذا تسلم المريضة، فعليه النفقة لا كالصغيرة، لان المرض عارض متوقع الزوال. ولو كانت المرأة نحيفة بالجبلة، فليس لها الامتناع بهذا العذر، لانه غير متوقع الزوال كالرتقاء. ثم إن خافت الافضاء لو وطئت لعبالة الزوج، فليس عليها التمكين من الوطئ. قال الائمة: وليس له الفسخ، بخلاف الرتق، لانه يمنع الوطئ مطلقا، والنحافة لا تمنع وطئ نحيف مثلها، وليس ذلك بعيب أيضا. ولو وطئ زوجته فأفضاها، فليس له العود إلى وطئها حتى تبرأ البرء الذي لو عاد لم يخدشها، هذا نص الشافعي رضي الله عنه. فإن اختلفا في حصول البرء، فأنكرته، قال الشافعي رحمه الله: القول قولها قال المتولي: المراد بالنص إذا ادعت بقاء ألم بعد الاندمال، لانه لا يعرف إلا منها. أما إذا ادعت بقاء الجرح، وأنكرت أصل الاندمال، فتعرض على أربع نسوة ثقات، ويعمل بقولهن. ومنهم من حمل النص على ما إذا لم يمض من الزمان ما يغلب فيه البرء، فإن مضى راجعنا النسوة. ومنهم من أطلق القول بمراجعتهن عند الاختلاف. وعلى هذا، فالنص على ما إذا لم يكن نسوة ثقات. فرع مسائل عن مجرد الحناطي اختلف الزوج وأبو الزوجة فقال أحدهما: هي صغيرة لا تحتمل الجماع، وقال الآخر: تحتمله. فهل القول قول منكر الاحتمال، أم تعرض على أربع نسوة، أو رجلين من المحارم ؟ وجهان. قلت: أصحهما: الثاني. والله أعلم. ولو قال الزوج: زوجتي حية فسلمها وقال: لا بل ماتت، فالقول قول(5/586)
الزوج. ولو تزوج رجل ببغداد إمرأة بالكوفة، وجرى العقد ببغداد، فالاعتبار بموضع العقد، فتسلم نفسها ببغداد، ولا نفقة لها قبل أن يحصل ببغداد. ولو خرج الزوج إلى الموصل وبعث إليها من يحملها من الكوفة إلى الموصل، فنفقتها من بغداد إلى الموصل على الزوج.
الحكم الثالث : التقرير، فالمهر الواجب بالنكاح أو بالفرض، يستقر بطريقين. أحدهما: الوطئ وإن كان حراما لوقوعه في الحيض أو الاحرام، لان وطئ الشبهة يوجب المهر ابتداء، فذا أولى بالتقرير، ويستقر بوطأة واحدة. الطريق الثاني: موت أحد الزوجين، والموت وإن أطلقوا أنه مقرر، فيستثنى منه إذا قتل السيد أمته المزوجة، فإنه يسقط مهرها على المذهب. ومنهم من ألحق بهذه الصورة غيرها كما ذكرناه في أول الباب الحادي عشر. فصل الخلوة لا تقرر المهر، ولا تؤثر فيه على الجديد وهو الاظهر. وعلى هذا، لو اتفقا على الخلوة وادعت الاصابة، لم يترجح جانبها، بل القول قوله بيمينه. وفي القديم، الخلوة مؤثرة، وفي أثرها قولان. أحدهما: أثرها تصديق المرأة إذا ادعت الاصابة، ولا يتقرر المهر بمجردها، سواء طال زمنها أم قصر. وأظهرهما: أنها كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة. وعلى هذا، تثبت الرجعة(5/587)
على الاصح. وهل يشترط على القديم في تقرر المهر بالخلوة أن لا يكون مانع شرعي كحيض وإحرام وصوم ؟ فيه وجهان. ويشترط أن لا يكون مانع حسي، كرتق أ وقرن فيها، أو جب أو عنة فيه قطعا. وإذا قلنا: مجرد الخلوة لا تقرر، ففي الوطئ فيما دون الفرج وجهان، كثبوت المصاهرة.
الباب الثاني : في الصداق الفاسد لفساده ستة أسباب.
السبب الأول : أن لا يكون المذكور مالا، بأن سميا خمرا، وقد اندرج هذا في الحكم الاول من الباب الاول. ولو أصدقها شيئا فخرج مغصوبا، فهل يجب مهر المثل، أم قيمة المغصوب ؟ قولان. أظهرهما الاول. ولو أصدقها عبدين، فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا، بطل الصداق فيه. وفي آخر، قولا تفريق الصفقة. فإن أبطلنا فيه أيضا، فهل لها مهر المثل أم قيمتهما ؟ فيه القولان وإن صححنا، فلها الخيار. فإن فسخت، فعلى القولين، وإن أجازت، فقولان. أحدهما: تأخذ الباقي ولا شئ لها غيره، وأظهرهما: تأخذ معه حصة المغصوب من مهر المثل إذا وزعناه على القيمتين على الاظهر، وعلى الثاني: تأخذ قيمته. فرع أصدقها عبدا أو ثوبا غير موصوف، فالتسمية فاسدة، ويجب مهر المثل قطعا. وإن وصف العبد والثوب، وجب المسمى، وحيث جرت تسمية فاسدة، وجب مهر المثل بالغا ما بلغ.
السبب الثاني : الشرط في النكاح، إن لم يتعلق به غرض، فهو لغو كما سبق في البيع، وإن تعلق به لكن لا يخالف مقتضى النكاح بأن شرط أن ينفق عليها أو يقسم لها، أو يتسرى، أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج(5/588)
إلا بإذنه، فهذا لا يؤثر في النكاح ولا في الصداق. وإن شرط مايخالف مقتضاه، فهو ضربان. أحدهما: ما لا يخل بالمقصود الاصلي من النكاح، فيفسد الشرط، سواء كان لها، بأن شرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، أو يطلقها، أو لا يسافر بها، أو أن تخرج متى شاءت، أو يطلق ضرتها. أو كان عليها، بأن شرط أن لا يقسم لها، أو يجمع بين ضراتها وبينها في مسكن، أو لا ينفق عليها. ثم فساد الشرط لا يفسد النكاح على المشهور. وفي وجه أو قول حكاه الحناطي: يبطل النكاح. وأما الصداق، فيفسد، ويجب مهر المثل سواء زاد على المسمى أم نقص أم ساواه، هذا هو المذهب. وعن ابن خيران: إن زاد والشرط لها، فالواجب المسمى، وكذا إن نقص والشرط عليها، ومنهم من جعل هذا قولا مخرجا. وحكى الحناطي وجها: أن الواجب في الشروط الفاسدة أقل الامرين من المسمى ومهر المثل. ووجها: أن الشرط لا يؤثر في الصداق، كما لا يؤثر في النكاح. الضرب الثاني: ما يخل بمقصود النكاح كشرطه أن يطلقها، أو لا يطأها، وقد سبق الكلام في الصورتين ففصل التحليل. فإن صححنا النكاح، أثر الشرط في الصداق كسائر الشروط الفاسدة. فرع نكحها على ألف إن لم يخرجها من البلد، وعلى ألفين إن أخرجها، وجب مهر المثل، وذكر الحناطي أنه لو نكحها على أن لا يرثها أو لا ترثه، أو لا يتوارثا، أو على أن النفقة على غير الزوج، بطل النكاح. وفي قول: يصح ويبطل الشرط، وأنه لو زوج أمته عبد غيره بشرط أن لا أولاد بين السيدين، صح(5/589)
النكاح وبطل الشرط، نص عليه في الاملاء. وفي قول: يبطل النكاح. فصل شرط الخيار في النكاح يبطل النكاح. ولو شرط الخيار في الصداق، فهل يبطل النكاح، أم يصح ويجب المسمى، أم يصح النكاح ويفسد المسمى ويجب مهر المثل ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الثالث. وإذا صححنا الصداق، ثبت الخيار على الاصح كما حكي عن نصه، أنه لو أصدقها عينا غائبة، صح ولها خيار الرؤية. فعلى هذا، إن أجازت فذاك، وإن فسخت، رجعت إلى مهر المثل. وإذا أثبتنا خيار الشرط، ففي خيار المجلس وجهان نقلهما الشيخ أبو الفرج. فصل نقل المزني في المختصر أنه لو نكحها بألف على أن لابنها ألفا، فسد الصداق، وأنه لو نكحها بألف على أن يعطي أباها ألفا، كان الصداق جائزا. وللاصحاب طرق. المذهب منها فساد الصداق في الصورتين، ووجوب مهر المثل فيهما. وعلى هذا، منهم من غلط المزني في نقله في الصورة الثانية، ومنهم من تأوله. والطريق الثاني: فساد الصداق في الاولى دون الثانية عملا بالنصين. والثالث: طرد قولين فيهما. ونسب العراقيون الصحة إلى القديم. وقيل: إن(5/590)
شرط الزوج، فسد، وإن شرطت، فلا، حكاه البغوي، وإذا صححنا، فالمهر في الصورتين ألفان.
السبب الثالث : تفريق الصفقة. فإذا أصدقها عبداعلى أن ترد إليه مائة أو ألفان، وصورته أن يقول للولي: زوجني بنتك وملكني كذا من مالها بولاية أو وكالة بهذا العبد، فيجيبه (إليه) أو يقول الولي: زوجتك بنتي وملكتك كذا من مالها بهذا العبد، فيقبل الزوج، فهذا جمع بين عقدين مختلفي الحكم في صفقة، فإن بعض العبد صداق وبعضه مبيع. وفي صحة البيع والصداق قولان. أظهرهما: الصحة. ويصح النكاح قطعا إلا على القول الشاذ السابق أن النكاح يفسد بفساد الصداق. فإذا أبطلنا البيع والصداق، فلها مهر المثل. وإذا صححناهما، وزعنا العبد على مهر مثلها وعلى الثمن. فإذا كان مهر مثلها ألفا والثمن ألفا، والعبد يساوي ألفين، فنصفه مبيع ونصفه صداق. فإن طلقها قبل الدخول، رجع إليه نصف الصداق وهو ربع العبد. وإن فسخ النكاح بعيب ونحوه، رجع إليه جميع الصداق وهو نصف العبد. ولو تلف العبد قبل القبض، استردت الالف، ولها بدل الصداق وهو مهر المثل على الاظهر، ونصف قيمة العبد على الثاني. ولو وجد الزوج بالثمن الذي أخذه عيبا ورده، استرد المبيع وهو نصف العبد، ويبقى لها النصف الآخر. ولو وجدت العبد معيبا فردته، استردت الثمن، وترجع في الصداق إلى مهر المثل على الاظهر، ونصف القيمة على الثاني. ولو أرادت أن ترد أحد النصفين وحده، جاز على الاصح لتعدد العقد. والثاني: المنع لتضرر التبعيض. ولو قال: زوجتك بنتي أو جاريتي، وبعتك عبدها أو عبدي بكذا، ففي صحة البيع والصداق قولان ذكرناهما في تفريق الصفقة. فإن صححناهما، وزع(5/591)
العوض المذكور على مهر المثل وقيمة العبد، فما خص مهر المثل فهو صداق. وإذا وجد الزوج بالعبد عيبا، استرد الثمن وليس للمرأة رد الباقي والرجوع إلى مهر المثل، لان المسمى صحيح. وإن رد العبد بعيب، أو فسخ النكاح قبل الدخول بعيب، رجع إليه جميع العوض المذكور. وإن خرج العوض المعين مستحقا، رد العبد ورجعت للصداق إلى مهر المثل على الاظهر. وعلى الثاني: إلى حصة الصداق منه. فرع لبنته مائة درهم، فقال لرجل: زوجتك بنتي وملكتك هذه الدراهم بهاتين المائتين لك، فالبيع والصداق باطلان، نص عليه في الام لانه ربا، فإنه مسألة مد عجوة. فلو كان من أحد الطرفين دنانير، كان جمعا بين صداق وصرف، وفيه القولان. فصل جمع نسوة في عقد بصداق واحد، وهذا يتصور عند اتحاد الولي، بأن يكون له بنات بنين، أو إخوة، أو أعمام، أو معتقات. ويتصور مع تعدد الولي، بأن وكل أولياء نسوة رجلا، فالنكاح صحيح. وفي الصداق طريقان. أحدهما: القطع بفساده. وأصحهما: على قولين. أظهرهما: فساده. ويجري الطريقان فيما لو خالع نسوة على عوض واحد، هل يفسد العوض ؟ وأما البينونة، فتحصل قطعا. ونص الشافعي رضي الله عنه، أنه لو اشترى عبيدا لملاك صفقة من المالكين، أو وكيلهم، بطل البيع. ولو كانت عبيدابعوض واحد، صحت الكتابة. واختلفوا في البيع والكتابة، الذين قالوا في النكاح والخلع قولان، على أربع طرق. أحدها: طرد القولين فيهما. والثاني: يفسد البيع. وفي الكتابة قولان. والثالث: تصح الكتابة. وفي البيع قولان. والرابع: تصح الكتابة ويفسد البيع وإن أفردت. قلت: في البيع طريقان. أصحهما: طرد القولين، والثاني: القطع بالفساد، وبه قال الاصطخري. وفي الكتابة، طريقان. أصحهما: قولان.(5/592)
والثاني: القطع بالصحة. وإذا قلنا بصحة الصداق المسمى، وزع المسمى على نسبة مهور أمثالهن على المذهب. وفي وجه أو قول ضعيف: يوزع المسمى على عدد رؤوسهن. وإذا قلنا بفساد الصداق، ففيم يجب لهن قولان كما لو أصدقها خمرا. أظهرهما: يجب لكل واحدة منهن مهر مثلها. والثاني: يوزع المسمى على مهور أمثالهن، ولكل واحدة ما يقتضيه التوزيع، ويكون الحاصل لهن على هذا القول كالمسمى إذا قلنا بصحته. ولو زوج أمتيه بعبد على صداق واحد، صح الصداق، لان المستحق واحد كبيع عبدين بثمن. ولو كان له أربع بنات، ولآخر أربع بنين، فزوجهن بهم صفقة بمهر واحد بأن قال: زوجت بنتي فلانة ابنك فلانا، وفلانة فلانا بألف، ففيه طريقان حكاهما المتولي. أحدهما: في صحة الصداق القولان. والثاني: القطع ببطلانه لتعدد المعقود له من الجانبين.
السبب الرابع : أن يتضمن إثبات الصداق رفعه. نقدم عليه أن الاب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون، فإما أن يصدق من مال(5/593)
الابن، وإما من مال نفسه. فإن أصدق من مال الابن، فالكلام في أنه (هل) يصير ضامنا للصداق إذا كان دينا ؟ وهل يرجع إذا غرم على ما سبق في الطرف السادس من باب بيان الاولياء ؟ فإن تطوع وأداه من مال نفسه ثم بلغ الابن وطلقها قبل الدخول، فهل يرجع النصف إلى الاب أم إلى الابن ؟ فيه طريقان. أحدهما وبه قال الداركي: إنه على الوجهين فيما لو تبرع أجنبي على الزوج بأداء الصداق ثم طلق قبل الدخول، هل يعود النصف إلى الزوج لان الطلاق منه، أم إلى الاجنبي المتبرع ؟ والطريق الثاني وهو المذهب وبه قطع الجمهور: أنه يعود إلى الابن، وفرقوا بينه وبين الاجنبي، بأن الاب يتمكن من تمليك الابن فيكون موجبا قابلا قابضا مقبضا، فإذا حصل الملك، ثم صار للمرأة عاد إليه بالطلاق، والاجنبي بخلافه. فإن كان الابن بالغا، وأدى الاب عنه، فكالأجنبي. والاصح في صورة الاجنبي، عود النصف إلى الاجنبي، قاله الامام: فإذا قلنا: يعود إلى الابن الذي طلق، فإن كان ما أخذه بالطلاق بدل ما أخذته، فلا رجوع للاب، وإن كان عين المأخوذ، فقيل: لا رجوع قطعا. وقيل: على الوجهين فيمن وهب لابنه عينا فزال ملكه عنها ثم عاد، والمذهب المنع. فإن كان الابن بالغا، فقيل: كالصغير. وقيل بالمنع قطعا، لانه (ليس) للاب تمليكه، فالاداء عنه محض إسقاط. أما إذا أصدقها الاب من مال نفسه، فيجوز ويكون تبرعا منه على الابن. قال البغوي: سواء كان عينا أو دينا. ثم لو بلغ الصبي وطلقها قبل(5/594)
الدخول، عاد الخلاف فيمن يرجع إليه النصف. فإن قلنا بالمذهب وهو العود إلى الابن، فإن كان أصدقها عينا وبقيت بحالها فرجع النصف إليه، فهل للاب الرجوع ؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا زال ملك الابن عن الموهوب ثم عاد. وإن أصدقها دينا، قال البغوي: فلا رجوع فيما حصل، كما لو اشترى لابنه الصغير شيئا في الذمة ثم أداه من ماله ثم وجد الابن بالمبيع عيبا فرده، يسترد الثمن ولا يرجع الاب فيه، بخلاف ما لو خرج المبيع مستحقا يعود الثمن إلى الاب، لانه بان أنه لم يصح الاداء. ولو ارتدت المرأة قبل الدخول، فالقول فيمن يعود إليه كل الصداق وفي رجوع الاب فيه إذا عاد إلى الابن، كالقول في النصف عند الطلاق. إذا عرفت هذه المقدمة، فمن مفسدات الصداق أن يلزم من إثباته رفعه، وذلك إما أن يكون بتوسط تأثيره في رفع النكاح، وإما بغير هذا التوسط. مثال القسم الاول، أذن لعبده أن ينكح حرة ويجعل رقبته صداقا لها ففعل، لا يصح الصداق، لانه لو صح لملكت زوجها وانفسخ النكاح، وارتفع الصداق، ولا يصح أيضا النكاح لانه قارنه ما يضاده، وفي صحته احتمال لبعض الائمة. قلت: هذا الاحتمال، ذكره الامام والغزالي قالا: ولكن لا صائر إليه من الاصحاب، وقد جزم به صاحب الشام ذكره في آخر باب الشغار، ولكن(5/595)
الذي عليه الجمهور، الجزم ببطلان النكاح. والله أعلم. ولو أذن له في نكاح أمة، ويجعل رقبته صداقها، ففعل، صح النكاح والصداق، لان المهر للسيد لا لها. فلو طلقها قبل الدخول، بني على ما إذا باع السيد عبده بعدما نكح بإذنه ثم طلق العبد المنكوحة بعد أداء المهر وقبل الدخول، إلى من يعود النصف ؟ وفيه أوجه. أصحها: إلى المشتري، سواء أداه البائع من مال نفسه أو من كسب العبد، قبل البيع أو بعده، لان الملك في النصف إنما حصل بالطلاق، والطلاق في ملك المشتري، فأشبه سائر الاكساب. والثاني: يعود إلى البائع بكل حال. والثالث: إن أداه البائع من عنده أو أدى من كسب العبد قبل البيع، عاد إلى البائع، وإن أدى من كسبه بعد البيع، عاد إلى المشتري، ولو فسخ أحدهما النكاح بعيب، أو ارتدت، أو عتقت وفسخت، جرت الاوجه في أن كل الصداق إلى من يعود ؟ ولو أعتق العبد ثم طلق قبل الدخول، أو حدث شئ من الاسباب المذكورة، فحيث نقول بالعود إلى البائع، يعود هنا إلى المعتق، وحيث جعلناه للمشتري، يكون هنا للعتيق. فإن قلنا بالاصح وهو العود إلى المشتري، ففي المسألة التي كنا فيها تبقى رقبة العبد كلها لمالك الامة. وإن قلنا بالعود إلى البائع، فكذا هنا يعود النصف إلى السيد المصدق في صورة الطلاق، ولو ارتدت أو فسخت بعيب، عاد الكل إليه. ولو أعتق مالك الامة العبد ثم طلقها قبل الدخول، أو فسخت أو ارتدت، فعلى المعتق نصف قيمة العبد في صورة الطلاق، وجميعها في الفسخ (و) الردة، ويكون ذلك للزوج العتيق على الاصح، ولسيده الاول على الوجه الآخر. ولو قبل نكاح أمة لعبده الرضيع على قولنا: يجوز إجبار العبد الصغير على النكاح وجعله صداقها، فأرضعت الامة زوجها وانفسخ النكاح، فالعبد يبقى لمالك الامة على الاصح. وعلى الوجه الآخر: يعود إلى سيده الاول. ولو ارتضع الصغير بنفسه، فهو كالطلاق قبل الدخول. ولو باع مالك الامة العبد ثم طلق العبد قبل الدخول، وحصلت ردة، أو فسخت، فعلى الوجه المقابل للاصح: يجب عليه لسيد العبد الاول نصف قيمة العبد في صورة الطلاق، وجميع قيمته في سائر الصور. وأما على الوجه الاصح،(5/596)
فقد أطلق في التهذيب أنه لا شئ عليه. وقال الشيخ أبو علي: يرجع مشتري العبد عليه بنصف القيمة أو بجميعها، لان الصداق على هذا الوجه يكون أبدا لمن له العبد يوم الطلاق أو الفسخ، وهذا هو الصواب، وليتأول ما في التهذيب على أنه لا شئ عليه للسيد الاول. ولو باع الامة ثم طلق، أو فسخت، فعلى الاصح يبقى العبد له ولا شئ عليه، وعلى الآخر يعود نصفه أو كله مثال القسم الثاني: كانت أم ابنه الصغير في ملكه، بأن إلى السيد الاول استولد أمة غيره بنكاح، ثم ملكها هي وولدها، فيعتق عليه الولد دونها. فلو قبل لابنه نكاح إمرأة وأصدقها أمة، لم يصح الصداق، لان ما يجعله صداقا يدخل في ملك الابن أولا، ثم ينتقل إلى المرأة، ولو دخلت في ملكه، لعتقت عليه وامتنع انتقالها إلى الزوجة، فيصح النكاح ويفسد الصداق، ويجئ الخلاف في أن الواجب مهر المثل أم قيمتها ؟ هذا ما ذكره الاصحاب. وقد ذكرنا خلافا فيما إذا أصدق الاب من ماله عن الصغير، ثم بلغ وطلق قبل الدخول، لان النصف يرجع إلى الاب أو إلى الابن. فمن قال: إلى الاب، فقد ينازع في قولهم: لا يدخل في ملكها حتى يدخل في ملك الابن.
السبب الخامس : تفريط الولي في قدر المهر. فإذا قبل لابنه الصغير أو المجنون نكاحا بمهر المثل أو دونه، أو بعين من أمواله بقدر مهر المثل أو دونه، صح. وإن قبله بأكثر من مهر المثل، فالصداق فاسد. وكذا لو زوج بنته المجنونة أو البكر، أو الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها بأقل من مهر المثل، فسد الصداق. وفي النكاح في المسألتين قولان: أظهرهما: صحته كسائر الاسباب المفسدة، ويجب مهر المثل. وفيما إذا أصدقها عينا وجه أنه تصح التسمية في قدر مهر المثل. والقول الثاني: لا يصح النكاح، لانه ترك مصلحة المولى عليه، فصار كترك الكفاءة. ولو أصدق عن ابنه أكثر من مهر المثل من مال نفسه، ففيه احتمالان للامام. أحدهما: يفسد المسمى، لانه يتضمن دخوله في ملك الابن، ثم يكون متبرعا بالزيادة. والثاني: يصح وتستحق المرأة المسمى، لانه لا ضرر على الابن، بل إذا لم(5/597)
نصححه أضررنا به، فإنه مهر المثل في ماله، وبهذا الثاني قطع الغزالي والبغوي، ورجح المتولي والسرخسي في الامالي الاحتمال الاول، ويتأيد بأنه لو لزم الصبي كفارة قتل فأعتق الولي عنه عبدا لنفسه، لم يجز لانه يتضمن دخوله في ملكه وإعتاقه عنه، وإعتاق عبد الطفل لا يجوز. فصل إذا اتفقوا على مهر في السر وأعلنوا بأكثر من ذلك، فعن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في موضع: المهر مهر السر، وفي موضع: العلانية.(5/598)
وللاصحاب طريقان. أحدهما: إثبات قولين: وفي موضعهما وجهان: أحدهما: موضعهما إذا اتفقوا على ألف، واصطلحوا على أن يعبروا عن الالف في العلانية بألفين. أظهر القولين وجوب ألفين بجريان اللفظ الصريح بهما. والثاني: الواجب ألف عملا باصطلاحهما. والوجه الثاني: إثبات قولين مهما اتفقوا على ألف وجرى العقد بألفين وإن لم يتعرضوا للتعبير عن ألف بألفين اكتفاء بقصدهم. قال الامام: وعلى هذه القاعدة تجري الاحكام المتلقاة من الالفاظ. فلو قال الزوج لزوجته: إذا قلت: أنت طالق ثلاثا، لم أرد به الطلاق، وإنما غرضي أن تقومي وتقعدي، وأريد بالثلاث واحدة، فالمذهب أنه لا عبرة بذلك. وفي وجه: الاعتبار بما تواضعا عليه. ثم ما المعنى بما أطلقناه في الوجهين من الاتفاق في السر، أهو مجرد التراضي والتواعد ؟ أم المراد ما إذا جرى العقد بألف في السر ثم عقدوا بألفين في العلانية ؟ منهم من يشعر كلامه بالاول، ومقتضى كلام البغوي وغيره إثبات القولين وإن جرى العقدان. قال البغوي: وخرج بعضهم من هذا، أن المصطلح عليه قبل العقد كالمشروط في العقد، وقد سبق بيان هذا التخريج. والطريق الثاني وهو المذهب: تنزيل النصين على حالين، فحيث قال: المهر مهر السر، أراد إذا عقد في السر بألف، ثم أتوا بلفظ العقد في العلانية بألفين تحملا وهم متفقون على بقاء العقد الاول. وحيث قال: المهر مهر العلانية، أراد إذا تواعدوا أن يكون المهر ألفا، ولم يعقد في السر ثم عقدوا في العلانية، فالمهر مهر العلانية لانه العقد. ونقل الحناطي وغيره في المسألة نصا ثالثا، وهو أنه يجب مهر المثل ويفسد المسمى، وحملوه على ما إذا جرى العقد بألفين على أن يكتفى بألف، أو على أن لا يلزمه إلا أداء ألف. والمعتبر في المسألة توافق الولي والزوج، وقد يحتاج إلى مساعدة المرأة.
السبب السادس : مخالفة الآمر لا يشترط في إذن المرأة حيث يعتبر إذنها تقدير المهر، ولا ذكره. لكن لو قدرت فقالت: زوجني بألف مثلا، فزوجها الولي أو(5/599)
وكيله بخمسمائة، لم يصح النكاح، وألحق البغوي بهذه الصورة ما إذا زوجها الولي بلا مهر أو مطلقا. وقيل: في صحة النكاح في صورة الولي قولان. ولو قالت لوكيل الولي: زوجني ولم تتعرض للمهر، فزوجها بدون مهر المثل، فسد النكاح على المذهب. وقيل: قولان. أحدهما: يفسد. والثاني: يصح بمهر المثل. وذكر البغوي هذين الطريقين فيما لو وكل الولي بالتزويج مطلقا، فزوج الوكيل ونقص عن مهر المثل. وإذا قلنا: لا يصح نكاح الوكيل إذا نقص عن مهر المثل فلو أطلق التزويج ولم يتعرض للمهر، ففيه احتمالان للامام. أحدهما: لا يصح النكاح أيضا، لان الاطلاق يقتضي ذكر المهر عرفا. وأصحهما: يصح مهر المثل لان فعله مطابق للاذن. ولو أذنت للولي في التزويج مطلقا، فزوج بدون مهر المثل أو بلا مهر، فهل يبطل النكاح أم يصح بمهر المثل ؟ فيه القولان السابقان في السبب الخامس. أظهرهما: الصحة. وقيل: يفسد قطعا كالوكيل. ولو قالت للولي أو للوكيل: زوجني بما شاء الخاطب، فقال المأذون له للخاطب: زوجتكها بما شئت، فإن لم يعرف ما شاء الخاطب، فقد زوجها بمجهول، فيصح النكاح بمهر المثل. وإن عرف، فوجهان. أصحهما: صحة المسمى لعلمها به. والثاني: يصح النكاح بمهر المثل، وبه قال القاضي حسين لابهام اللفظ. قلت: هذا المذكور في هذا السبب، هو طريقة الخراسانيين. وأما العراقيون فقطعوا بصحة النكاح في كل هذه المسائل. قال صاحب البيان: إذا أذنت في التزويج، فزوجها وليها بلا مهر، أو بدون مهر المثل، أو بدون ما أذنت فيه أو بغير جنسه، أو زوج الاب البكر الصغيرة أو الكبيرة بلا مهر أو بأقل من مهر مثلها، أو وكل بعلا فزوجها بلا مهر، أو بأقل من مهر مثلها، فقال أصحابنا البغداديون: يصح النكاح في كل الصور بمهر المثل. وحكى الخراسانيون قولين في صحة النكاح في جميع ذلك. والله أعلم.(5/600)
فرع قال الولي للوكيل: زوجها من شاءت بكم شاءت، فزوجها برضاها بغير كف ء بدون مهر المثل، صح. ولو قال: زوجها بألف فزوجها بخمسمائة برضاها، قال المتولي: الصحيح صحة النكاح، لان المهر حقها. وقيل: لا يصح لانه باشر غير ما وكل فيه. فرع جاء رجل وقال: أنا وكيل فلان في قبول نكاح فلانة بكذا، فصدقه الولي والمرأة، وجرى النكاح، وضمن الوكيل الصداق، ثم إن فلانا أنكره وصدقناه باليمين، فهل يطالب الوكيل بشئ من الصداق ؟ وجهان. أحدهما: لا، لان مطالبة الاصل سقطت والضامن فرعه. وأصحهما وهو محكي عن نصه في الاملاء: أنه يطالب بنصف الصداق، لان المال ثابت عليهما بزعمه، فصار كما لو قال: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنة، فأنكر عمرو، يجوز لزيد مطالبة الضامن. فرع في فتاوى البغوي أنه إذا قال الولي للوكيل: لا تزوجها إلا بشرط أن ترهن بالصداق فلانا، أو يتكفله فلان، صح وعلى الوكيل الاشتراط. فإن أهمله، لم يصح النكاح. ولو قال: زوجها بكذا وخذ به كفيلا، فزوجها بلا شرط، صح النكاح لانه أمره بأمرين امتثل أحدهما. وإن قال: لا تزوجها إذا لم يتكفل فلان، ينبغي أن لا يصح التوكيل، لان الكفالة تتأخر عن النكاح، وقد منع العقد إلا بها، وأنه إذا قال للوكيل: زوجها بألف وجارية ولم يصف الجارية، فزوجها الوكيل بألف، لم يصح. ولو قال: زوجها بخمر أو خنزير أو مجهول، فزوجها بألف درهم، فإن كان ذلك نقد البلد وقدر مهر المثل، أو أكثر، صح النكاح والمسمى،(5/601)
وإلا، فلا.
الباب الثالث : في التفويض وحكم المفوضة التفويض: أن تجعل الامر إلى غيره. ويقال: إنه الاهمال. ومنه قوله: لا يصلح الناس فوضى... وسميت المرأة مفوضة لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر، أو لانها أمهلت المهر. ومفوضة بفتح الواو، لان الولي فوض أمرها إلى الزوج. وفي الباب طرفان. أحدهما: في صورة التفويض. والثاني: في حكمه. أما الاول: فالتفويض ضربان. تفويض مهر وتفويض بضع. فتفويض المهر أن تقول لوليها: زوجني على أن المهر ما شئت أو ما شئت أنا، أو ما شاء الخاطب، أو فلان، فإن زوجها على ما ذكرت من الابهام، فحكمه ما سبق في آخر الباب السابق. وإن زوجها بما عين المذكور مشيئته، صح المسمى وإن كان دون مهر المثل. وإن زوجها بلا مهر، فهل يبطل النكاح، أم يصح بمهر المثل ؟ فيه الخلاف السابق في آخر الباب السابق فيما إذا أطلقت الاذن وزوج الولي بدون مهر المثل، وليس النكاح في هذه الصور خاليا عن المهر، وليس هذا لتفويض بالتفويض الذي عقدنا له الباب. وأما تفويض البضع، فالمراد به: إخلاء النكاح عن المهر، وإنما يعتبر إذا صدر من مستحق المهر بأن تقول البالغة الرشيدة، ثيبا كانت أو بكرا: زوجني بلا مهر(5/602)
أو على أن لامهر، فيزوجها الولي وينفي المهر، أو يسكت عنه. ولو قالت: زوجني وسكتت عن المهر، فالذي ذكره الامام وغيره، أن هذا ليس بتفويض، لان النكاح يعقد غالبا بمهر، فيحمل الاذن على العادة، فكأنها قالت: زوجني بمهر، ويوافق هذا ما سبق. وفي بعض كتب العراقيين ما يقتضي كونه تفويضا. ومن التفويض الصحيح أن يقول سيد الامة: زوجتها بلا مهر، أو زوجها ساكتا عن المهر. ولو أذنت الحرة لوليها في التزويج، على أن لا مهر لها في الحال ولا عند الدخول ولا غيره، وزوجها الولي كذلك، فوجهان. أحدهما: بطلان النكاح. وأصحهما: صحته. وعلى هذا، هل هو تفويض فاسد فيجب مهر المثل، أم يلغى النفي في المستقبل ويكون تفويضا صحيحا ؟ وجهان، وبالاول قال أبو إسحق، لانه شرط فاسد، والشرط الفاسد في النكاح يوجب مهر المثل. ولو زوجها لولي ونفى المهر من غير أن ترضى هي بمهر المثل، فهو كما لو نقص عن مهر المثل. فإن(5/603)
كان مجبرا، فهل يبطل النكاح، أم يصح بمهر المثل ؟ قولان. وإن كان غير مجبر، فهل يبطل قطعا أم على القولين ؟ فيه طريقان، وقد سبق جميع هذا. فرع لا يصح تفويض المحجور عليها لسفه، ولا الصبية المميزة. وإذا قالت السفيهة: زوجني بلا مهر، استفاد به الولي الاذن في النكاح ولغا التفويض. فرع نكحها على أن لامهر لها ولا نفقة، أو على أن لا مهر لها وتعطي زوجها ألفا، فهذا أبلغ في التفويض. ولو قالت للولي: زوجني بلا مهر، فزوجها بمهر المثل من نقد البلد، صح المسمى. وإن زوجها بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد، لم يلزم المسمى، وكان كما لو نكحها تفويضا. الطرف الثاني: في حكم التفويض، وفيه مسائل. إحداها: هل تستحق المفوضة مهر المثل بنفس العقد، أم لا يجب بنفس العقد ؟ فيه قولان. أظهرهما: الثاني. فعلى هذا، إذا وطئها، وجب مهر المثل على الصحيح. وعن القاضي حسين تخريج وجه: أنه لا يجب، خرجه من وطئ المرتهن المرهونة بإذن الراهن، ظانا الاباحة، والجامع حصول الاذن من مالك البضع، وموضع هذا الوجه على ما ذكره أكثر من نقله ما إذا جددت إذنا في الوطئ وصرحت بنفي المهر. قال الامام: والقياس أن لا يشترط تجديد الاذن، قال: وقد رأيت في بعض المجموعات ما يدل عليه، وإذا قلنا بالصحيح وأوجبنا مهر المثل، فهل تعتبر حالة الوطئ، أم يجب أكثر مهر من يوم العقد إلى الوطئ ؟ فيه وجهان، أو قولان. أظهرهما: الثاني. الثانية: مات أحد الزوجين قبل الفرض والمسيس، فهل يجب مهر المثل أم لا يجب شئ ؟ فيه خلاف مبني على حديث بروع بنت واشق، أنها نكحت بلا مهر، فمات زوجه قبل أن يفرض لها، فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمهر نسائها والميراث، فقيل إن ثبت الحديث، وجب المهر، وإلا فقولان. وقيل: إن لم(5/604)
يثبت، فلا مهر، وإلا فقولان. وقيل: إن ثبت، وجب، وإلا، فلا، وهو ظاهر لفظ المختصر. وقيل: قولان وهو الاصح، وبه قال العراقيون والحليمي، واختلفوا في الاظهر منهما، فرجع صاحب التقريب والمتولي، الوجوب. ورجح العراقيون والامام والبغوي والروياني، أنه لا يجب. قلت: الراجح ترجيح الوجوب، والحديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولا اعتبار بما قيل في إسناخه، وقياسا على الدخول، فإن الموت مقرر كالدخول، ولا وجه للقول الآخر مع صحة الحديث. والله أعلم. فإن أوجبنا، فيجب مهر المثل باعتبار يوم العقد، أم يوم الموت، أم أكثرهما ؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها الحناطي. الثالثة: طلقها قبل الدخول، إن كان فرض لها، تشطر المفروض كالمسمى في العقد، وإن لم يكن فرض لها، فلا يشطر على المذهب، وبه قطع الاصحاب. وعن الشيخ أبي محمد والمتولي، خلاف مبني على أن المهر يجب بالعقد أم لا ؟ قال الامام: لا يعتد بهذا، ولا يلتحق بالوجوه الضعيفة.(5/605)
الرابعة: إذا قلنا: لا يجب المهر للمفوضة بالعقد، فلها مطالبة الزوج بفرض مهر قبل المسيس. وإن أوجبناه بالعقد، فمن قال: يشطر بالطلاق قبل المسيس، قال: ليس لها طلب الفرض، لكن لها طلب المهر نفسه، كما لو وطئها ووجب مهر المثل، تطالب به لا بالفرض. ومن قال: لا يتشطر. قال: لها طلب الفرض ليتقرر الشطر فلا يسقط بالطلاق، وهذا هو المذهب. ولها حبس نفسها للفرض، وهل لها حبس نفسها لتسليم المفروض ؟ قال البغوي والروياني: نعم كالمسمى: وحكى الامام عن الاصحاب المنع، وبه قطع الغزالي لانها سامحت بالمهر، فكيف تضايق في تقديمه. فرع الفرض يوجد من الزوج، أو القاضي، أو أجنبي. الضرب الاول: إذا فرض الزوج، نظر، إن لم ترض به المرأة، فكأنه لم يفرض وفيما علق عن الامام، أنه لا يشترط القبول منها، بل يكفي طلبها وإسعافه، وليكن هذا فيما إذا طلبت عينا أو مقدرا فأجابها، أما إذا أطلقت الطلب، فلا يلزم أن تكون راضية بما يعينه أو يقدره. أما إذا تراضيا على مهر، فينظر، إن جهلا قدر مهر المثل، أو جهله أحدهما، ففي صحة الفرض قولان. أظهرهما عند الجمهور: صحته وهو نصه في الاملاء والقديم. وإن كانا عالمين به، صح ما فرضاه. ويجوز إثبات الاجل في المفروض على الاصح، ويجوز أن يكون زائدا على مهر المثل إن كان من غير جنسه، وكذا إن كان منه على المذهب. الضرب الثاني: فرض القاضي وذلك إذا امتنع الزوج من الفرض، أو تنازعا في قدر المفروض، فيفرضه، ولا يفرض إلا من نقد البلد حالا. ولو رضيت بالاجل، لم يؤجل، بل تؤخر هي إن شاءت، ولا يزيد على مهر المثل ولا ينقص، كما في قيم المتلفات. ولكن الزيادة والنقص اليسير الذي يقع في محل(5/606)
الاجتهاد، لا اعتبار به، ويشترط علمه بقدر مهر المثل. قال الشيخ أبو الفرج: وإذا فرض، لم يتوقف لزومه على رضاهما، لانه حكم منه، وحكم القاضي لا يفتقر لزومه إلى رضى الخصمين. الضرب الثالث: فرض الاجنبي. فإذا فرض أجنبي للمفوضة مهرا يعطيه من مال نفسه برضاها، لم يصح على الاصح. فإن صححنا، طالبت الاجنبي بالمفروض، وسقطت المطالبة عن الزوج. وعلى هذا، لو طلقت قبل الدخول، فنصف المفروض يعود إلى الزوج أم إلى الاجنبي ؟ فيه الوجهان السابقان فيما إذا تبرع أجنبي بأداء المسمى ثم طلقت قبل المسيس ذكرناهما فيما لو أصدق عن ابنه. فرع أبرأت المفوضة عن المهر قبل الفرض والمسيس، فإن قلنا: يجب المهر بالعقد، صح الابراء إن كانت تعلم مهر المثل، فإن جهلته، ففي صحة الابراء عن المجهول قولان سبقا في الضمان. أظهرهما: المنع. فإن منعنا، فذلك فيما زاد على المتيقن. وفيما استيقنته وجهان من تفريق الصفقة. وإن قلنا: يجب المهر بالعقد، فهو إبراء عما لم يجب، وجرى سبب وجوبه. وفي صحته قولان كالقولين في ضمانه. أظهرهما: فساده، فحصل أن المذهب فساد إبرائها. ولو أسقطت حق الفرض، لم يسقط كإسقاط زوجة المولي، ولو أبرأت عن المتعة قبل الطلاق، فهو إبراء عما لم يجب. وإن أبرأت بعد، فإبراء عن مجهول. ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير، فأبرأته عن المسمى، فهو لغو، لان الواجب غيره. وإن أبرأته عن مهر المثل وهي عالمة به، صح. فرع لزوجته عليه مهر تيقن أنه لا ينقص عن ألف، واحتمل أن يزيد عليه إلى ألفين، ورغبا في البراءة، فينبغي أن تبرئه عن ألفين، ذكره البغوي. ولو قبضت ألفا، وأبرأته من ألف إلى ألفين، فإن بان أن مهرها ألف أو فوق الالف إلى ألفين،(5/607)
فالبراءة حاصلة، وإن بان فوق الالفين فعليه الزيادة، وحصلت البراءة من ألفين، والقول بحصول براءة حذا بان فوق ألف إلى ألفين، تفريع على أنه إذا قال: ضمنت من واحد إلى عشرة، أو أبرأت، صح الضمان والابراء، وهو الاصح. ولو دفع الزوج إليها ألفين، وحلل لها ما بين ألف وألفين، حل لها ذلك إن بان فوق ألف إلى ألفين. وإن بان دون ألف، فعليها رقدر التفاوت بين مهرها وبين الالف، لانه لم يدخل في التحليل، ويحصل الفرض مجهة الزوجة بلفظ التحليل والابراء، أو الاسقاط والعفو. وأما من جهة الزوج، فيشترط لفظ صالح لتمليك الاعيان. فإن تصرفت في المدفوع وصار دينا، جرت فيه الالفاظ. فرع قال لمن عليه ألف درهم: أبرأتك عن ألف درهم، ثم قال: لم أعلم وقت الابراء أنه كان لي عليه شئ، لا يقبل قوله في الظاهر. وفي الباطن وجهان. قال الاصطخري: لا يقبل أيضا لانه ورد على محل حقه. وقال غيره: يقبل، والخلاف مأخوذ مما إذا باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. فصل ذكرنا أن المفروض فرضا صحيحا، كالمسمى في العقد، حتى يتشطر بالطلاق قبل الدخول. فلو فرض فاسدا كخمر، لغا، ولم يؤثر في تشطر مهر المثل، بخلاف التسمية الفاسدة في العقد، فإنها تشطره. فرع نكح ذمي ذمية على أن لا مهر، وترافعا إلينا، حكمنا بحكمنا في المسلمين.
فصل في بيان مهر المثل ويحتاج إليه في مواضع. منها: المفوضة، وفي التفويض الفاسد، وفي التسمية الفاسدة، وفيما إذا نكح نسوة بمهر واحد وقلنا يوزع على مهور أمثالهن، وفي وطئ الشبهة والاكراه على الزنا، وفيه مسائل . إحداها: مهر المثل هو القدر الذي يرغب به في أمثالها، والركن الاعظم في(5/608)
الباب النسب، وينظر إلى نساء عصباتها، وهن المنتسبات إلى من تنسب هذه إليه كالاخت وبنت الاخت، والعمة وبنت العم، ولا ينظر إلى ذوات الارحام، ويراعى في نساء العصبة قرب الدرجة، وأقربهن الاخوات من الابوين، ثم من الاب، ثم بنات الاخوة من الابوين، ثم من الاب، ثم العمات كذلك، ثم بنات الاعمام. فإن تعذر اعتبار نساء العصبة، اعتبر بذوات الارحام كالجدات والخالات، وتقدم القربى فالقربى من الجهات، وكذا تقدم القربى فالقربى من الجهة الواحدة كالجدات. ولا يتعذر اعتبار نساء العصبة بموتهن، بل يعتبر بعد موتهن، وإنما يتعذر بفقدهن من الاصل، وقد يكون للجهل بمقدار مهورهن، أو لانهن لم ينكحن. فإن تعذرت ذوات الارحام، اعتبرت بمثلها من الاجنبيات، وكذا إن لم يكن نسبها معلوما، وتعتبر العربية بعربية مثلها، والامة بأمة مثلها، وينظر إلى شرف سيدها وخسته، ومهر المعتقة بمعتقة مثلها. وفي وجه: تعتبر المعتقة بنساء الموالي. الثانية: يعتبر مع ما ذكرناه البلد. فإذا كان نساء عصباتها ببلدتين هي في إحداهما، اعتبر بعصبات بلدها. فإن كن كلهن ببلدة أخرى، فالاعتبار بهن لا بأجنبيات بلدها، وتعتبر المشاركة في الصفا ت المرغبة، كالعفة، والجمال، والسن، والعقل، واليسار، والبكارة، والعلم، والفصاحة، والصراحة، وهي أن تكون شريفة الابوين، وسائر الصفات التي تختلف بها الاغراض. وفي وجه: لا اعتبار باليسار وهو بعيد، ومتى اختصت بصفة مرغبة، زيد في مهرها. وإن كان فيها نقص ليس في النسوة المعتبرات مثله، نقص من المهر بقدر ما يليق به. الثالثة: المعتبر غالب عادة النساء المعتبرات. فلو سامحت واحدة منهن، لم يلزم الباقيات المسامحة، إلا أن يكون لنقص دخل النسب وفترت الرغبات. الرابعة: مهر المثل يجب حالا من نقد البلد، كقيمة المتلفات. وإن رضيت(5/609)
بالتأجيل، لا يوجبه الحاكم مؤجلا، لكن لها أن تسامح بالانظار. فإن كانت النسوة المعتبرات ينكحن بمؤجل أو بصداق بمؤجل، لم يؤجل الحاكم أيضا لكن ينقص ما يليق بالاجل. وإن جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم، خففنا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرها. وكذا لي كن يخففن، إذا كان الزوج شريفا، خفف في حق الشريف دون غيره. وعن الشيخ أبي محمد: أنه لا يلزم التخفيف في حق العشيرة والشريف. وقيل: مهر المثل الواجب بالعقد يجوز أن يختلف دون الواجب بالاتلاف، والصحيح الاول. فرع تقادم العهد لا يسقط مهر المثل عندنا. فرع الوطئ في النكاح الفاسد، يوجب مهر المثل باعتبار يوم الوطئ كالوطئ بالشبهة، ولا يعتبر يوم العقد، إذ لا حرمة للعقد الفاسد. فرع إذا وطئ مرارا بشبهة واحدة، أو في نكاح فاسد، لم يجب إلا مهر واحد. ولو وطئ بشبهة، فزالت تلك الشبهة، ثم وطئ بشبهة أخرى، وجب مهران. ولو أكرهها على الزنا، وجب بكل وطأة مهر، لان الوجوب هنا بالاتلاف، وقد تعدد ولو وطئ الاب جارية الابن مرارا من غير إحبال، فقيل: يجب بكل وطئ مهر. والاصح أنه لا يجب إلا مهر واحد، لان شبهة الاعفاف تعم الوطآت، وخصص البغوي الوجهين بما إذا اتحد المجلس، وجزم بالتكرار عند اختلاف المجلس. ووطئ الشريك المشتركة، والسيد المكاتبة مرارا، كوطآت جارية الابن. وإذا وجب مهر واحد بوطآت، اعتبر أكمل الاحوال.
الباب الرابع : في تشطر الصداق بالطلاق قبل الدخول يشطر الصداق بين الزوجين، وفي الباب أطراف.
الطرف الأول : في موضع التشطر وكيفيته.
أما موضعه، فيتشطر الصداق قبل الدخول بالطلاق والخلع. وفيما إذا طلقت(5/610)
نفسها بتفويضه إليها، أو علق طلاقها بدخول الدار فدخلت، أو طلقها بعد مدة الايلاء بطلبها، وبكل فرقة تحصل لا بسبب من المرأة، بأن أسلم أو ارتد أو أرضعت أو أم الزوجة الزوج وهو صغير، أو أم الزوج أو إبنة الزوجة الصغيرة، أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة وهي تظنه زوجها، أو قذفها ولاعن. فأما إذا كان الفراق منها أو بسبب فيها، بأن أسلمت أو ارتدت، أو فسخت النكاح بعتق أو عيب، أو أرضعت زوجة(5/611)
أخرى له صغيرة، أو فسخ النكاح بعيبها، فيسقط جميع المهر، وشراؤها زوجها يسقط الجميع على الاصح، وشراؤه زوجته يشطر على الاصح. فرع إذا طلق المفوضة قبل الفرض والدخول، فالقول في التشطر سبق. وأما غير المفوضة، فكل صداق واجب ورد عليه الطلاق قبل الدخول شطره، سواء فيه المسمى الصحيح في العقد، والمفروض بعده، ومهر المثل إذا جرت تسمية فاسدة في العقد. فصل وأما كيفية التشطر، ففيها أوجه. الصحيح أنه يعود إليه نصف الصداق بنفس الفراق. والثاني: أن الفراق يثبت له خيار الرجوع في النصف، فإن شاء يملكه وإلا فيتركه كالشفعة. والثالث: لا يرجع إليه إلا بقضاء القاضي. وحكى العبادي، أن أبا الفضل القاشاني الزاهد، حكى الثالث قولا قديما. وأنكر جمهور الاصحاب كونه قولا أو وجها، فإذا قلنا: يثبت الملك بالاختيار، فطلقها على أن يسلم لها كل الصداق، وهذا إعراض منه ورضى بسقوط حقه، فيسلم لها جميعه. وعلى الصحيح يلغو قوله، ويتشطر المهر كما لو أعتق ونفى الولاء. ولو طلق ثم قال: أسقطت خياري، وقلنا: الطلاق يثبت الخيار، فقد أشار الغزالي إلى احتمالين. أحدهما: يسقط كخيار البيع. وأرجحهما: لا، كما لو أسقط الواهب خيار الرجوع، ولم يجر هذا التردد فيما لو طلق على أن يسلم لها كل الصداق. ويجوز أن يسوي بين الصورتين. ولو حدثت زيادة في الصداق بعد الطلاق، فعلى الوجه الاول: الصحيح نصفها للزوج، وعلى الثاني: إن حدثت قبل اختيار التملك، فالجميع للزوجة(5/612)
كالحادث قبل الطلاق، هذا إذا كانت الزيادة منفصلة، فإن كانت متصلة وقلنا بالاول، فالنصف بزيادته للزوج. وإن قلنا بالثاني، فوجهان. أصحهما: كذلك. والثاني: يمنع الرجوع إلا برضاها. وإن حدث نقص، فإن قلنا: يملك بالاختيار، فإن شاء أخذه ناقصا بلا أرش، وإن شاتركه وأخذ نصف قيمته صحيحا. وإن قلنا: يملك بنفس الطلاق، فإن وجد منها تعد، بأن طالبها برد النصف، فامتنعت، فله النصف مع أرش النقص وإن تلف الكوالحالة هذه، فعليها الضمان. وإن لم يوجد تعد، فوجهان. أحدهما وهو ظاهر النص وبه قال العراقيون والروياني: أنها تغرم أرش النقص. وإن تلف، غرمت البدل لانه مقبوض عن معاوضة كالمبيع في يد المشتري بعد الاقالة. وفي الام نص يشعر بأنه لا ضمان، وبه قال المراوزة، لانه في يدها بلا تعد، فأشبه الوديعة. فعلى الاول، لو قال الزوج: حدث النقص بعد الطلاق فعليك الضمان، وقالت: قبله ولا ضمان، فأيهما المصدق ؟ وجهان. أصحهما: المرأة، وبه قطع الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. ولو رجع كل الصداق إليه بردتها، أو فسخ وتلف في يدها، فمضمون عليها كالبيع ينفسخ بإقالة أو رد بعيب. قال الامام: وحكم النصف عند ردته كالطلاق. فرع إذا قلنا: يملك بالاختيار، فهل تملك الزوجة التصرف بعد الطلاق قبل الاختيار ؟ وجهان حكاهما الامام. قال: القياس أنها تملك كما قبل الطلاق، وكما يملك المتهب قبل رجوع الواهب. فرع إذا كان الصداق دينا، سقط نصفه بمجرد الطلاق على الصحيح، وعند الاختيار: على الثاني، ولو أدى الدين والمؤدى باق، فهل لها أن تدفع قدر النصف من موضع آخر لان العقد لم يتعلق بعينه ؟ أم يتعين حقه فيه لتعينه بالدفع ؟ وجهان. أصحهما الثاني.
الطرف الثاني : في تغير الصداق قبل الطلاق. إذا أصدقها عينا، ثم طلقها(5/613)
قبل الدخول، فإن كانت تالفة، رجع بنصف مثلها إن كانت مثلية، أو نصف قيمتها إن كانت متقومة. وإكانت باقية، فإن لم يحدث فيها تغير، رجع في نصفها كما سبق. وإن حدث تغيروهو مقصود الفصل، فهو نقص أو زيادة أو كلاهما، فهي ثلاثة أقسام. الاول: نقص محض وهو نوعان، نقص صفة ونقص جزء. النوع الاول: نقص الصفة كالعمى والعور، ونسيان الصنعة، وهو ضربان. حادث في يدها، وحادث في يده. الضرب الاول: أن يحدث في يدها، فالزوج بالخيار، إن شاء رجع إلى نصف قيمة الصداق سليما، وإن شاء قنع بنصف الناقص بلا أرش. هذا قول الاصحاب. قال الامام: ويحتمل أن يقول: يجب الارش، وجعل الغزالي هذا الاحتمال وجهان. الضرب الثاني: أن يحدث في يده قبل قبضها وأجازت، فله عند الطلاق نصفها ناقصا، ولا خيار له ولا أرش، لانه نقص وهو من ضمانه، لكن لو حدث النقص بجناية وأخذت الارش، فهل له نصف الارش، لانه بدل الفائت أم لا شئ له من الارش كزيادة منفصلة ؟ فيه وجهان. النوع الثاني: نقص جزء، بأن أصدقها عبدين وقبضهما، فتلف أصحهما: الاول أحدهما في يدها ثم طلقها، فثلاثة أقوال. أظهرها: يرجع إلى نصف الباقي ونصف قيمة التالف. والثاني: أنه يأخذ الباقي بحقه إن استوت قيمتهما. والثالث: يتخير بين أن يأخذ نصف الباقي ونصف قيمة التالف، وبين أن يأخذ نصف قيمة العبدين. القسم الثاني: زيادة محضة وهي صنفان، منفصلة ومتصلة. أما المنفصلة، كاللبن، والولد، والكسب، فيسلم للمرأة - سواء حصلت في يدها أو في يد الزوج، ويختص الرجوع بنصف الاصل. ثم في الشامل والتتمة: إن قولنا: يرجع بنصف الاصل ويبقى الولد لها، مفروض في غير الجواري، وليس له الرجوع في إسمعيل، لانه يتضمن التفريق بين الام والولد، بل يرجع إلى القيمة. فإن وافقته الزوجة ورضيت برجوعه إلى نصف الام، فهو كالتفريق بين الام والولد بالبيع.(5/614)
الصنف الثاني: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم صنعة، فلا يستقل الزوج بالرجوع إلى عين النصف، بل يخير الزوجة. فإن أبت، رجع إلى نصف القيمة بغير تلك الزيادة. وإن سمحت، أجبر على القبول ولم يكن له طلب القيمة. وحكى الحناطي وجها، أنه لا يجبر للمنة، والصحيح الاول. قال الاصحاب: لا تمنع الزيادة المتصلة الاستقلال بالرجوع إلا في هذا الموضع. فأما في سائر الاصول، كالمبيع في يد المفلس، والموهوب في يد الولد، والمردود بالعيب في البيع، فلا تمنع الزيادة المتصلة الرجوع، بل يستقلون بالرجوع معها، وفرقوا بأن الرجوع في هذه الصور بالفسخ، وهو رفع العقد من أصله أو حينه. فإن رفع من أصله، فكأنه لا عقد. وإن رفع من حينه، فالفسخ مشبه بالعقد، والزيادة تتبع الاصل في العقد، فكذا في الفسخ، وعود الشطر بالطلاق ليس فسخا، ولهذا لو سلم العبد الصداق من كسبه ثم عتق وطلق، عاد النصف إليه لالى السيد، وإلما هو ابتداء ملك يثبت فيما فرض صداقا. وفرق أبو إسحق بين الصداق وصورة الافلاس، بأن غريم المفلس لو منعناه الرجوع إلى العين، لم يتم له الثمن لمزاحمة الغرماء، وهنا إذا لم تسلم العين، سلمت القيمة بتمامها، فلا ضرر، حتى لو كانت محجورا عليها بفلس عند الطلاق ولو ترك العين لاحتاج إلى المضاربة، قال: يرجع إلى العين بزيادتها بغير رضاها. وعول الاكثرون على الفرق الاول، ومنعوا استقلاله بالرجوع وإن كانت محجورا عليها، واعتبروا في الرجوع حينئذ رضاها ورضى الغرماء. وحكى الامام وجها أن كونها محجورا عليها، يمنع الرجوع وإن لم تكن زيادة، لتعلق حق الغرماء قبل ثبوت الرجوع، والزوائد المنفصلة والمتصلة فيما سوى الطلاق من الاسباب المشطرة كهي في الطلاق. وأما ما يوجب عود جميع الصداق إلى الزوج، فينظر فيه، إن كان سببه عارضا كالرضاع وردتها، فكذلك الحكم. وفي ردتها وجه أن الزوج يستقل بالرجوع في الزوائد المتصلة. وإن كان السبب مقارنا كالفسخ بعيبه أو عيبها، فالذي قطع به(5/615)
الجمهور أنه يعود بزيادته إلى الزوج، ولا حاجة إلى رضاها كفسخ البيع بالعيب. وقال المتولي: إن قلنا في الفسخ بعد الدخول: يبقى المسمى لها، فهو كما لو كان السبب عارضا. وإن قلنا: يوجب مهر المثل، فهل يستند الفسخ إلى أصل العقد ويرفع أصله، أم لا ؟ فيه خلاف. إن قلنا: لا، فالحكم كما سبق، وإن قلنا: نعم، عاد الصداق إليه بزوائده المتصلة والمنفصلة. فرع إذا امتنع الرجوع إلى نصف عين الصداق، رجع بنصف قيمة الجملة بغير زيادة ولا نقص، ولا يقال: يرجع بقيمة النصف. ووقع في كلام الغزالي بقيمة النصف، وهو تساهل في العبارة، والصواب ما ذكرنا، لان التشقيص عيب. القسم الثالث: إذا تغير الصداق بالزيادة والنقص معا، إما بسبب واحد، بأن أصدقها عبدا صغيرا فكبر، فإنه نقص بسبب نقص القيمة، ولان الصغير يدخل على النساء، ولا يعرف الغوائل، ويقبل التأديب والرياضة، وفيه زيادة بقوته على الشدائد والاسفار، وحفظ ما يستحفظه. وكما إذا أصدقها شجرة فكبرت فقل ثمرها وزاد حطبها. وإما بسببين، بأن أصدقها عبدا فتعلم القرآن واعور، فيثبت لكل منهما الخيار، وللزوج أن لا يقبل العين لنقصها، ويعدل إلى نصف القيمة، ولها أن لا تبذلها لزيادتها وتدفع نصف القيمة. فإن اتفقا على رد العين، جاز، ولا شئ لاحدهما على الآخر. وليس الاعتبار بزيادة القيمة، بل كل ما حدث وفيه فائدة مقصودة، فهو زيادة من ذلك الوجه وإن نقصت القيمة كما ذكرنا في كبر العبد. فرع أصدقها جارية حائلا، فحبلت في يدها وطلقها قبل الدخول، فهو زيادة من وجه ونقص من وجه، للضعف في الحال، ولخطر الولادة. فإن لم يتفقا على نصف الجارية، فالمعدول إليه نصف قيمة الجارية، وليس لاحدهما إجبار الآخر. وحكى الحناطي وجها، أن الزوج يجبر إذا رضيت برجوعه إلى نصف الجارية حاملا بناء على أن الحمل لا يعرف، ومقتضى هذا أن تجبر هي أيضا إذا رغب الزوج في نصفها حاملا، والصحيح الاول. وأما الحمل في البهيمة،(5/616)
فكالجارية. وقيل: زيادة محضة، إذ لا خطر فيه، والاول أصح، لانه لا يحمل عليها حاملا ما يحمل حائلا، ولان لحم الحامل أردأ. فرع أصدقها أرضا فحرثتها، فإن كانت الارض معد للزراعة، فزيادة محضة. وإن كانت معدة للبناء، فنقص محض، فحينئذ إن أراد الرجوع إلى نصف عينها، مكن، وإن أبى، رجع إلى نصف القيمة بلا حراثة. وإن زرعتها، فنقص محض، فإن اتفقا على الرجوع إلى نصف العين وترك الزرع إلى الحصاد، فذاك. قال الامام: وعليه إبقاؤه بلا أجرة، لانها زرعت ملكها الخالص. وإن رغب فيها الزوج وامتنعت، أجبرت. وإن رغبت هي، فله الامتناع، ويأخذ نصف قيمة الارض. فإن قالت: خذ نصف الارض مع نصف الزرع، ففي إجباره طريقان. أحدهما: وجهان كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الثمار. والثاني: القط بالمنع، لان الزرع ليس من عين الصداق، بخلاف الثمرة، والمذهب المنع كيف كان. وإن طلقها بعد الحصاد، وبقي في الارض أثر العمارة، وكانت تصلح لما لا تصلح له قبل الزراعة، فهي زيادة محضة ولو غرستها، فكما لو زرعتها. لكن لو أراد أن يرجع في نصف الارض ويترك الغراس، ففيه وجه أنها لا تجبر، لان الغراس للتأبيد. وفي إبقائه في ملك الغير ضرر. ولو طلقها والارض مزروعة أو مغروسة، فبادرت بالقلع، نظر، إن بقي في الارض نقص لضعفها بهما وهو الغالب، فهو على خيرته، وإلا انحصر حقه في الارض. فصل أصدقها نخيلا حوائل، ثم طلقها وهي مطلعة، فليس له أخذ نصف الطلع قهرا، ولا نصف العين قهرا، لان الطلع كزيادة متصلة فيمنع الرجوع قهرا. فإن رضيت بأخذه نصف النخل والطلع، أجبر على المذهب. وقيل: وجهان كالثمرة المؤبرة، أما إذا طلقها وعليها ثمار مؤبرة، ففيها مسائل. إحداها: ليس له تكليفها قطع الثمرة ليرجع إلى نصف العين. فلو بادرت بقطعها، أو قالت: اقطعها ليرجع، فليس للزوج إلا الرجوع إلى نصف الشجر إذا لم يمتد زمن القطع ولم يحدث به نقص في الشجر بانكسار سعف وأغصان. الثانية: أراد الرجوع في نصف النخل وترك الثمار إلى الجداد فأبت،(5/617)
أجبرت على الاصح عند الجمهور، منهم العراقيون، وبه قطع البغوي، لان الاشجار في يدها كسائر الاموال المشتركة. ورجح المتولي منع الاجبار، وأشار إلى ترجيحه الامام والغزالي، لانها قد لا ترضى بيده ودخوله البستان. قال الامام: ولانه لا بد من تنمية الثمار بالسقي، ولا يمكن تكليفها السقي، لان نفعه غير مختص بالثمر، بل ينفع به الشجر أيضا، ولا يمكن تكليفها ترك السقي لتضرر الثمر والشجر. ولمن قال بالاول أن يقول: حكم السقي هنا حكمه فيما إذا اشترك اثنان في الشجر وانفرد أحدهما بالثمر في غير الصداق. الثالثة: أرادت رجوعه في نصف الشجر وترك ثمرها إلى الجداد، فله الامتناع وطلب القيمة، لان حقه في الشجر خالية، وليس لها تكليفه تأخير الرجوع إلى الجداد، لان حقه ناجز في العين أو القيمة. ولو قال: أؤخر الرجوع إلى الجداد، فلها الامتناع لان نصيبه يكون مضمونا عليها، كذا وجهوه، وهو تفريع على أن النصف الراجع إليه يكون مضمونا عليها، وفيه خلاف سبق. ولو قال: أرجع ويكون نصيبي وديعة عندك وقد أبرأتك عن ضمانه، فوجهان لهما التفات إلى حبراء الغاصب مع بقاء المغصوب في يده. وزاد من نظر إلى السقي، فقال: ليس لها أن تقول: ارجع واسق، لان فائدة السقي تعود إلى نصيبها من الشجر وإلى الثمار وهي خالصة لها، ولا أن تقول: ارجع ولا تسق، لانه يتضرر. ولو قالت: ارجع وأنا لا أسقي وإليك الخيرة في السقي وتركه، أو قال: ارجع ولا أسقي ولك الخيار في السقي وتركه، لم يلزم الآخر الاجابة، لانه إن ترك السقي تضرر، وإن سقى اختص بالمؤنة دون الفائدة. ولو قال الزوج: ارجع إلى النصف واسق والتزم المؤنة، أو قالت: ارجع وأنا أسقي، فهل يلزم الآخر الاجابة ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لا نوعد وقد لا يفي به. فإن قلنا بالاجابة، فبدا للملتزم وامتنع، تبينا أن الملك لم يرجع إلى الزوج، وكأنه موقوف على الوفاء بالوعد، وألحقوا بهذه الصورة ما إذا أصدقها جارية فولدت في يدها ولدا مملوكا ثم طلقها قبل الدخول، فقال: إرجع إلى نصف الجارية وأرضى أن ترضع الولد، ففيه(5/618)
الوجهان. قال الامام: ونص الشافعي رحمه الله يدل على أنه لا يجاب. ولو قال: أرجع وأمنعها الارضاع، لم تجب بلا خلاف. وفي هذه المسألة وراء الارضاع ومضي زمانه شئ آخر، وهو التفريق بين الام والولد. وقد ذكرنا ما ذكره صاحبا الشامل والتتمة فيه. الرابعة: وهبت له نصف الثمار ليشتركا في الثمر والشجر، فهل يجب القبول لان الثمر متصل كالسمن، أم لا، لان الثمرة المؤبرة كالمنفصلة ولا يجبر على قبول ملك الغير ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. الخامسة: تراضيا على الرجوع في نصف الشجر في الحال، أو على تأخير الرجوع إلى الجداد، مكنا منه. وإذا بدا لاحدهما في التأخير، مكن من الرجوع عنه. وقال المعللون بالسقي: إن رضيا بالرجوع في الحال على أن يسقي من شاء منهما متبرعا، أو على أن يتركا أو أحدهما السقي، فمن التزم السقي، فهو وعد لا يلزم الوفاء به، لكن إذا لم يف، تبينا أن الملك لم يعد إلى الزوج. ومن ترك السقي، لم يمكن من العود إليه. هذا حاصل المسألة، ولم أر تعرضا للسقي إلا للامام ومن نحا نحوه. فرع ظهور النور في سائر الاشجار كبدو الطلع في النخل، وانعقاد الثمار مع تناثر النور، كالتأبير في النخل. فرع أصدقها نخلة عليها ثمرة مؤبرة، وطلقها قبل الدخول، فله نصف الثمرة مع نصف النخلة، سواء جدت الثمرة أم لا. وإن أصدقها والثمرة مطلعة، وطلقها وهي بعد مطلعة، أخذ نصفها مع الطلع. ونقل المتولي وجها أنه إذا امتد الزمان بحيث يزداد في مثله الطلع، لا يجوز له الرجوع فيه، هذا لفظه. ولو قال:(5/619)
لم يجز له الرجوع بغير رضاها، لكان أحسن. فلو كانت مؤبرة عند الطلاق، فهل له في الثمرة حق ؟ فيه طريقان. أحدهما: على قولين كما إذا أصدقها جارية حاملا فولدت قبل الطلاق، والمذهب القطع بثبوت حقه في الثمرة لانها مشاهدة متيقنة، ويجوز إفرادها بالعقد بخلاف الحمل. فإن أثبتنا له حقا في الثمرة، لم يأخذ إلا برضاها لانها زادت. فإن لم ترض، أخذ نصف الشجر مع نصف قيمة الطلع. فرع أصدقها جارية حاملا فطلقها قبل الدخول، نظر، إن طلقها وهي بعد حامل، فله نصفها حاملا، ويجئ عند امتداد الزمان الوجه الذي حكاه المتولي في الفرع قبل هذا. وإن طلقها وقد ولدت، فالكلام في الام ثم الولد، أما الام، فلا يأخذ نصفها إن كان الولد رضيعا لئلا يتضرر، لكن يرجع إلى نصف القيمة وإن كان فطيما، فإن كان في زمن التفريق المحرم، فعلى ما تقدم، وإلا فله نصفها. وإن نقصت قيمتها بالولادة، نظر، إن ولدت في يد الزوج، فعلى ما سبق من حكم النقص في يد الزوج. وإن ولدت في يد الزوجة، فله الخيار، إن شاء أخذ نصفها ولا شئ له معه، وإن شاء رجع إلى نصف القيمة. وأما الولد، فهل للزوج حق في نصفه ؟ يبنى على أن له قسطا من الثمن في المبيع، وفيه قولان سبقا في مواضع. أظهرهما: نعم. فإن قلنا: لا، فلا حق له فيه، لانه حادث في ملكها، وإن قلنا: نعم، فوجهان. أحدهما: له فيه حق كما لو أصدقها عينين، لكن الولد زاد بالولادة، فلها الخيار. فإن رضيت برجوع الزوج في نصفه ونصف الام، أجبر على قبوله. وإن أبت، قال المتولي: لا يرجع في نصف الجارية للتفريق، لكن يرجع في نصف قيمتها ونصف قيمة الولد يوم انفصاله. قلت: الاول أصح. والله والثاني: لا حق له فيه لانه لا قيمة له قبل الانفصال أعلم . ولكانت الجارية المصدقة حائلا، وطلقها حاملا، فقد سبق حكمه. فإن ولدت، ثم طلقها، فالولد لها، والقول في الام كما سبق فيما إذا كانت حاملا يوم الاصداق وولدت وطلقها، وإن حبلت في يد الزوج وولدت في يدها، فهل النقص من ضمانه ولها الخيار، لان السبب وجد في يده، أم من ضمانها وله الخيار لان النقص حصل عندها ؟ وجهان.(5/620)
فرع أصدقها حليا فكسرته، أو انكسر في يدها وبطلت صنعته، ثم أعادت المنكسر حليا، ثم طلقها قبل الدخول، نظر، إن صاغته على هيئة أخرى، فالحاصل زيادة من وجه، ونقص من وجه، فإن اتفقا على الرجوع إلى نصفه، جاز. وإن أبى أحدهما، تعين نصف القيمة. وإن عادت الصنعة بحالها، فهل يرجع في نصف العين بغير رضاها، أم يعتبر رضاها ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قال ابن الحداد، ويجري الوجهان فيما لو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت، وفيما لو نسي العبد الصنعة ثم تعلمها. ولو طرأت على عين العبد غشاوة وكان لا يبصر شيئا، ثم زالت ثم طلقها، ففيما علق عن الامام، أن الزوج يرجع في نصف العبد بلا خلاف، كما لو حدث في يدها عيب فزال ثم طلقها. وإذا قلنا في الحلي: يعتبر رضاها ففيما يرجع به وجهان. أصحهما: نصف قيمة الحلي بهيأته التي كانت. والثاني: مثل نصفه بالوزن تبرا، وإلا نصف أجرته مثل الصنعة وهي قيمتها، فعلى الاول، فيما يقوم به وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: بغير جنسه، فالمذهب بفضة، وكذا العكس. والثاني: يقوم بنقد البلد وإن كان من جنسه، وبه قال محمد بن نصر المروزي. ويجري الوجهان في قيمة الصنعة، ففي وجه: يقوم بغير جنس الحلي، وفي وجه: بنقد البلد، وهو الاصح كما سبق في الغصب. ولو كانت المسألة بحالها في إناء مذهب وفضة، بني على جواز اتخاذه. وهل لصنعته قيمة ؟ إن قلنا: لا، فللزوج الرجوع في نصف العين، سواء عادت الصنعة الاولى أم غيرها، إذ لا زيادة. وإقلنا: نعم، فكالحلي. ولو غصب جارية مغنية فنسيت عنده الالحان، هل يرد معهما نقص من قيمتها بنسيان الالحان، أم لا، لانه محرم فلا عبرة بفواته ؟ وجهان. قلت: الاصح المنع. والله أعلم. ولو اشترى مغنية بألفين، وهي تساوي ألفا بلا غناء، ففي صحة البيع ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو علي. أحدها: البطلان، لانه بذل في مقابلة حرام، وبه أفتى المحمودي. والثاني قاله أبو زيد: إن قصد بالشراء الغناء، بطل، وإلا،(5/621)
فلا. والثالث: صحة البيع قاله الاودني، قال: وما سوى ذلك استحسان. قلت: واختار إمام الحرمين الصحة مطلقا، وهو الاصح. ولو بيعت بألف، فالبيع صحيح بلا خلاف. والله أعلم. فصل أصدق ذمي خمرا، ثم أسلما وترافعا إلينا، فقد سبق أنه إن كان ذلك بعد القبض، لم نحكم لها بشئ. وإكانت غير مقبوضة، حكمنا بوجوب مهر المثل. ولو صارت الخمرة المصدقة في يده خلا، ثم أسلما أو أحدهما، فوجهان. قال ابن الحداد: لا شئ لها إلا الخل. وأصحهما وبه قال القفال: لها مهر المثل، لان الخمر لا تصلح صداقا، ولا عبرة بذكرها إذا لم يتصل بها قبض قبل الاسلام. ولو أصدقها عصيرا، فتخمر في يده، ثم عاد خلا، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، لزمه قيمة العصير. ولو قبضت الذمية الخمر، ثم طلقها قبل الدخول، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، فلا رجوع للزوج لعدم المالية ومنع إمساك الخمر. ولو صارت خلا عندها، ثم طلقها قبل الدخول، فهل للزوالرجوع إلى نصفه لكون العين باقية وإنما تغيرت صفتها، أم لا ترجع بشئ لان حق الرجوع إنما يثبت إذا كان المقبوض مالا وهنا حدثت المالية في يدها فهو كزيادة منفصلة ؟ فيه وجهان. أصحهما: الاول، وبه قال ابن الحداد. فعلى هذا لو تلف الخل أو أتلفته، ثم طلقها، فوجهان. أصحهما وهو قول الخضري: يرجع بمثل نصف الخل. والثاني وبه قال ابن الحداد: لا يرجع بشئ، لان الرجوع فيه تعتبر قيمته يوم الاصداق والقبض، ولا قيمة لهذا يوم الاصداق والقبض. ولو أصدقها جلد ميتة، فقبضته ودبغته، ثم طلقها قبل الدخول، ففي رجوعه في نصفه وجهان مرتبان على تخلل الخمر، وأولى بعدم الرجوع، لان ماليته حدثت بفعلها ومع الترتيب، فالاصح الرجوع، وبه قال ابن الحداد. فعلى هذا: إن هلك الجلد عندها بعد الدباغ، قال ابن الحداد: لا يرجع. قال الشيخ أبو علي: ينبغي أن لا يرجع هنا بلا خلاف، بخلاف الخل لانه مثلي والجلد متقوم، والنظر في المتقوم إلى وقت الاصداق والاقباض، ولم يكن له(5/622)
قيمة حينئذ. ولو ارتدت وانفسخ النكاح قبل الدخول، فالقول في كل الخل وكل الجلد، كالقول في النصف عند الطلاق. فصل كل عمل جاز الاستئجار عليه، جاجعله صداقا، وذلك كتعليم القرآن والصنائع، وكالخياطة والخدمة والبناء وغير، وفيه مسائل. إحداها: يشترط في تعليم القرآن ليصح صداقا شرطان. أحدهما: العلم بالمشروط تعليمه بأحد طريقين. الاول: بيان القدر الذي يعلمه بأن يقول: كل القرآن أو السبع الاول أو الاخير. وحكي وجه شاذ: أنه لا يشترط تعيين السبع. فإن عين بالسور والآيات، فعلى ما ذكرناه في الاجارة، وذكرنا هناك الخلاف في اشتراط قراءة نافع وأبي عمرو وغيرهما. وقطع ابن كج هنا بعدم الاشتراط قال: فلو شرط حرف أبي عمرو، علمها بحرفه، فإن علمها بحرف الكسائي، فهل يستحق أجرة المثل، أم لا شئ له ؟ وجهان. وحكى قولين في أنها ترجع على الزوج بمهر المثل، أم بقدر التفاوت بين أجرة التعليم بالحرف المشروط والآخر ؟ فإن لم يكن تفاوت، لم يرجع بشئ ثم قال: ولا معنى لهذا الاختلاف، بل الواجب أن يقال: يعلمها بحرف أبي عمرو وهو متطوع بما علم. ثم العلم بهذا يشترط في حق الزوج، فإن لم يعرف أحدهما أو كلاهما قدر السور والاجزاء والآيات، قال أبو الفرج الزاز: الطريق التوكيل، وإلا فيرى المصحف، ويقال: تعلم من هذا الموضع إلى هذا، ولك أن تقول: لا يكفي هذا، إذ لا يعرف به صعوبته وسهولته. قلت: الصواب أنه لا تكفي الاشارة إذا لم يعلمها فيتعين التوكيل. والله أعلم. الطريق الثاني: تقديرها بالزمان، بأن يصدقها تعليم القرآن شهرا، ويعلمها فيه ما شاءت، كما يخيط الاجير للخياطة ما شاء المستأجر. فلو جمع الطريقين فقال: تعلمها في شهر سورة البقرة، فهو كقوله: استأجرتك لتخيط هذا الثوب اليوم، وفيه خلاف سبق في الاجارة.(5/623)
الشرط الثاني: أن يكون المعقود على تعليمه قدرا في تعليمه كلفة، فإن لم يكن، بأن شرط تعليم لحظة لطيفة، أو قدر يسير وإن كان آية، كقوله تعالى: * (ثم نظر) * لم يصح الاصداق وهو كبيع حبة حنطة. الثانية: أصدقها تعليم الفاتحة وهو متعين للتعليم، ففي صحة الاصداق وجهان، كنظيره في الاجارة. أصحهما: الصحة. ولو نكحها على أداء شهادة لها عنده، أو نكح كتابية على أن يلقنها كلمة الشهادة، لم يصح الصداق، قاله البغوي. الثالثة: إذا كان الزوج لا يحسن ما شرط تعليمه، فإن التزم التعليم في الذمة، جاز ثم يأمر بتعليمها أو يتعلم ويعلمه. وإن كان الشرط أن يعلمها بنفسه، فهل يصح ثم يتعلم ويعلمها، أم لا يصح لعجزه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ولو شرط أن يتعلم ثم يعلمها، لم يصح أيضا، لان العمل متعلق بعينه، والاعيان لا تقبل التأجيل. قال المتولي: فإن صححنا فأمهلته ليتعلم، فذاك، وإلا فهو معسر بالصداق. ولو أراد الزوج أن يقيم غيره يعلمها، جاز إن كان التزم في الذمة، وإلا فلا. ولو أرادت أن تقيم غيرها متعلما، فهل يجبر الزوج كالمستأجر للركوب يركب غيره، أم لا لاختلاف الناس في الفهم والحفظ ؟ وجهان. أصحهما عند الجمهور: الثاني، وخالفهم الامام، ومنهم من جعل الخلاف في جواز الابدال مع التراضي. ولو فرض عقد مجدد، فأبدلت منفعة بمنفعة، جاز قطعا. الرابعة: أصدقها تعليم ولدها، لم يصح الصداق كما لو شرط الصداق لولدها. وإن أصدقها تعليم غلامها، قال البغوي: لا يصح كالولد. وقال المتولي: يصح، وهذا أصح. ولو وجب عليها تعليم الولد أو ختان العبد، فشرطته صداقا، جاز. الخامسة: لو تعذر التعليم، بأن تعلمت من غيره، أو كانت بليدة لا تتعلم، أو لا تتعلم إلا بكلفة عظيمة ويذهب الوقت في تعليمها فوق العادة، أو ماتت أو مات(5/624)
الزوج والشرط أن يعلم بنفسه، ففي الواجب القولان السابقان فيما لو تلف الصداق قبل القبض. فعلى الاظهر: يجب مهر المثل، وعلى الآخر: أجرة التعليم. السادسة: قال: علمتك وأنكرت، فإذا لم تحسنه، صدقت، وإن أحسنته وادعت التعلم من غيره، فأيهما يصدق ؟ وجهان لتعارض الاصل والظاهر، أصحهما: هي. السابعة: أصدقها تعلم سورة، فعلمها ثم طلقها، إن كان بعد الدخول، فذاك، وإلا، فيرجع عليها بنصف أجرة التعليم، وإن طلقها قبل التعليم، فقد استحقت جميع التعليم إن دخل، وإلا، فتعليم النصف، وفيه وجهان. أحدهما: يعلمها وراء حجاب بغير خلوة. وأصحهما وهو المنصوص في المختصر: أنه قد تعذر التعليم، لانها قد صارت أجنبية، ولا تؤمن مفسدة. فعلى هذا: ترجع بمهر المثل على الاظهر إن دخل، وإلا فنصفه، وعلى الآخر: ترجع بأجرة التعليم أو نصفها. الثامنة: نكح كتابية على تعليم القرآن، فإن توقع إسلامها، صح الصداق، وإلا فسد، ومال جماعة إلى الجوامطلقا. ولو نكح مسلمة أو كتابية على تعليم التوراة والانجيل، لم يصح، لانه يجوز الاشتغال به لتبديله، والواجب في هذه الحالة مهر المثل قطعا، إذ لا قيمللمسمى. ولو نكح ذمي على تعليم التوراة والانجيل، ثم أسلما أو ترافعا بعد التعليم، لم نوجب شيئا آخر، وإن كان قبل التعليم، أوجبنا مهر المثل كما في الخمر.(5/625)
التاسعة: أصدقها تعليم فقه، أو أدب أو طب أو شعر ونحوها مما ليس بمحرم، صح الصداق. وإن كان محرما كالهجو والفحش، لم يصح. العاشرة: نكحه على أن يرد عبدها الآبق، أو جملها التائه وكان الموضع معلوما، صح. وإن كان مجهولا، فقولان. أحدهما: يصح كالجعالة. والمشهور: المنع، ويجب مهر المثل، بخلاف الجعالة، فإنها عقد جائز احتملت الجهالة فيها للحاجة فإن رده، فله أجرة مثل الرد، ولها مهر المثل. وإذا صح الصداق، فطلقها بعد رد العبد وقبل الدخول، استرد منها نصف أجرة المثل. وإن طلقها قبل الرد، فإن كان بعد الدخول، فعليه الرد. وإن كان قبله، فعليه الرد إلى نصف الطريق، ثم يسلمه إلى الحاكم. فإن لم يكن حاكم، أو لم يكن موضعا يمكن تركه فيه، ولم يتبرع بالرد إليها، قال المتولي: يؤمر برده إليها، وله عليها نصف أجرة المثل. ولو تعذر رده برد غيره، أو رجوعه بنفسه أو بموته، فقد فات الصداق قبل القبض، فترجع إلى مهر المثل على الاظهر، وعلى الآخر: إلى أجرة الرد. الحادية عشرة: نكحها على خياطة ثوب معلوم، جاز، وله أن يأمر بالخياطة إن التزم في الذمة، وإن نكح على أن يخيط بنفسه، فعجز بأن سقطت يده أو مات، ففيما عليه ؟ قولان. أظهرهم: مهر المثل. والثاني: أجرة الخياطة. ولو تلف ذلك الثوب، فوجهان. أصحهما: تلف الصداق فيعود القولان في مهر المثل والاجرة. والثاني: تأتي بثوب مثله ليخيطه. وإن طلقها بعد الخياطة قبل الدخول، فله عليها نصف أجرة المثل. وإن طلقها قبل الخياطة، فإن دخل بها، فعليه الخياطة، وإلا خاط نصفه. فإن تعذر الضبط، عاد القولان في أنه يجب مهر المثل أم الاجرة ؟ الثانية عشرة: قال المتولي: لو كان له عليها قصاص فنكحها، وجعل النزول عن القصاص صداقا، جاز. ولو جعل النزول عن الشفعة، أو حد القذف صداقا، لم يجز، لانه لا يقابل بمال، ولا يجوز جعل طلاق إمرأة صداقا لاخرى، ولا بضع أمته صداق المنكوحة.(5/626)
فصل إذا أثبتنا الخيار للمرأة بسبب زيادة الصداق، أوله بنقصه، أو لهما بهما، لم يملك الزوج النصف قبل أن يختار من له الخيار الرجوع إن كان الخيار لاحدهما، وقبل أن يتوافقا إن كان الخيار لهما وإن قلنا: الطلاق يشطر الصداق بنفسه، وليس لها الخيار على الفور، بل هو كخيار الرجوع على الهبة، لكن إذا توجهت مطالبة الزوج، لا تمكن هي من التأخير، بل تكلف اختيار أحدهما. وإذا طلب الزوج، فلا يعين في طلبه العين ولا القيمة، لان التعيين يناقض تفويض الامر إليها، لكن يطالبها بحقه عندها، فإن امتنعت، قال الامام: لا يقضي القاضي بحبسها لبذل العين أو القيمة، بل يحبس العين عنها إن كانت حاضرة، ويمنعها من التصرف فيها، لان تعلق حق الزوج بالصداق فوق تعلق حق المرتهن بالمرهون والغرماء بالتركة. فإن أصرت على الامتناع، فإن كان نصف القيمة الواجبة دون نصف العين للزيادة الحادثة، باع ما يفي بالواجب من القيمة. فإن لم يرغب في شراء البعض، باع الكل وصرف الفاضل عن القيمة الواجبة إليها. وإن كان نصف العين مثل نصف القيمة الواجبة، ولم تؤثر الزيادة في القيمة، ففيه احتمالان للامام. أصحهما وبه قطع الغزالي: تسلم نصف العين إليه، إذ لا فائدة في البيع، فإذا سلم إليه، أفاد قضاؤه ثبوت الملك له. والثاني: لا تسلم إليه العين، بل يبيعه، فلعله يجد من يشتريه بزيادة. فرع إذا وجب الرجوع إلى القيمة بهلاك الصداق، أو خروجه عن ملكها، أو زيادة فيه أو نقص، فالمعتبر الاقل من قيمة يوم الاصداق , ويوم القبض. لكن لو تلف الصداق في يدها بعد الطلاق، وقلنا: إنه مضمون عليها، اعتبرت قيمة يوم التلف، لانه تلف ملكه تحت يد مضمنة.
الطرف الثالث : في بيان حكم التشطر بعد تصرفها في الصداق، وفيه مسائل. إحداها: إذا زال ملكها عنه ببيع أو هبة مقبوضة، أو إعتاق، فليس للزوج نقص تصرفها لطلاقه قبل الدخول، بل زوال ملكها كالهلاك، ويرجع الزوج إلى(5/627)
نصف بدله وهو المثل إن كان مثليا، وإلا فالقيمة. وإن لم يزل الملك، بل تعلق به حق، فإن كان غير لازم، بأن أوصت به، أو وهبته، أو رهنته ولم يقبض، فللزوج الرجوع في نصفه. وفي الشامل وغير، نقل قول أنه لا يرجع في نصف الموهوب وإن لم يقبض، لئلا يبطل تصرفها في ملكها، وحق هذا أن يطرد في الرهن والوصية. وإن باعت بشرط الخيار وطلقها في مدته، فإن جعلنا الملك للبائع، فهو كالهبة قبل القبض، وإن جعلناه للمشتري، فلا رجوع في العين. وإن كان الحق لازما، بأن رهنته وأقبضته، فليس له الرجوع إلى نصفه. وإن أجرته، فقد نقص الصداق باستحقاق المستأجر منفعته، فإن شاء الزوج رجع إلى نصف القيمة في الحال، وإن شاء رجع إلى نصف العين مسلوبة المنفعة مدة الاجارة. فلو قال: أنا أصبر إلى انفكاك الرهن وانقضاء مدة الاجارة، نظر، إن قال: أتسلمه ثم أسلمه إلى المرتهن أو المستأجر، فليس لها الامتناع. وإن قال: لا أتسلمه وأصبر، فلها الامتناع، وتدفع إليه نصف القيمة لما عليها من خطر الضمان، هذا إن قلنا: الصداق في يدها مضمون بعد الطلاق وهو الاصح. وإن قلنا: لا ضمان أو أبرأها عن الضمان وصححنا الابراء، فهل عليها الاجابة، أم لا لانه قد يبدو له فيطالبها بالقيمة وتخلو يدها عنها ؟ وجهان، فإن لم نوجب الاجابة ولم نطالبها حتى انفك الرهن، وانقضت مدة الاجارة، فهل يتعلق حقه بالعين لزوال المانع، أم تتعين القيمة، لان المانع نقل حقه إليها ؟ وجهان. وتزويج جارية الصداق كالاجارة. ولو زال ملكها وعاد ثم طلقها، فهل يتعلق حقه بالعين أم بالقيمة ؟ وجهان سبقت نظائرهما في الفلس والهبة. أصحهما هنا عند الجمهور: التعلق بالعين، لان حقه يختص بالعين، بل يتعلق بالبدل، فالعين العائدة أولى من البدل، هذا إذا زال الملك بجهة لازمة، فإن زال بغير لا زم، بأن باع بالخيار، وقلنا: يزول الملك وفسخ البيع، ثم طلقها، فالخلاف مرتب في التعلق بالعين، وأولى بالثبوت. ولو كاتبت عند الصداق وعجز نفسه ثم طلقها، فعن القاضي حسين إجراؤه مجرى الزوال اللازم. وقال الامام: هذا أولى بالثبوت، لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ولا شك أن عروض الرهن وزواله قبل الطلاق لا يؤثر.(5/628)
المسألة الثانية: أصدقها عبدا فدبرته، ثم طلق قبل الدخول، فالمذهب أنه لا يرجع فيه وهو المنصوص في المختصر، وهو ظاهر نصه في الام أيضا سوى جعل التدبير وصية الام تعليقا بصفة، لان التدبير قربة يتعلق بها غرض لا يتقاعد عن الزيادة المتصلة التي لا تؤثر في القيمة. وقيل: في الرجوع قولان، إن قلنا: التدبير وصية، رجع، وإلا، فلا. وقيل: يرجع قطعا، وهو ضعيف. ثم قال أبو إسحق المروزي وغيره: الخلاف فيما إذا كانت موسرة تتمكن من أداء القيمة. فإن لم تكن، رجع إلى نصف العبد قطعا. ويتعلق بهذا الخلاف فروع. الفرع الاول: إن قلنا بالرجوع، فالمفهوم من كلام الجمهور أن الزوج يستقل به، ولا حاجة إلى تقدم رجوع المرأة. وقال الحناطي: يحتمل أن يقال: تجبر المرأة على الرجوع وإعطاء الزوج النصف. فإن امتنعت، قام الحاكم مقامها ففسخه. الثاني: لو رجعت عن التدبير بالقول وجوزناه ثم طلقها، وقلنا: التدبير يمنع الرجوع، فطريقان. أحدهما: القطع بتمكنه من الرجوع إلى نصفه، لان الملك لم يزل عنه. والثاني: أنه كما لو دبرته ثم باعته ثم ملكته ثم طلقها، فيعود الوجهان السابقان في عود الملك بعد زواله. أصحهما: التمكن، ومع هذا التمكن لو تركه وطلب نصف القيمة، أجيب إليها خوفا من أن يقضي قاض ببطلان الرجوع والبيع. ولو طلقها وهو مدبر، وقلنا: حق الزوج في القيمة، فرجعت عن التدبير باللفظ وجوزناه، أو بإزالة الملك عنه، ثم عاد إليها قبل أخذ القيمة، ففي الرجوع إلى نصف العبد وجهان يجريان فيما لو طلقها كالصداق ناقص، ثم زال نقصه قبل أخذ القيمة، وفيما إذا طلقها وملكها زائل عن الصداق ثم عاد قبل أخذ القيمة . الثالث: لو علقت عتق العبد على صفة، فهل يمنع الرجوع ؟ قيل: إن قلنا: التدبير يمنع، فالتعليق أولى، وإلا، فوجهان لقوة التعليق. وقيل: إن لم يمنع التدبير، فالتعليق أولى، وإلا فوجهان، لان التدبير قربة محضة، والتعليق يراد به(5/629)
منع أو حث، وبهذا قال الشيخ أبو محمد، وبالاول قطع البغوي وقال: المذهب منع الرجوع. ولو أوصت للعبد بعتقه، فهل هو كالتدبير في منع الرجوع ؟ وجهان. أصحهما: لا. الرابع: إذا جوزنا للزوج الرجوع في النصف، فرجع، بقي النصف الآخر مدبرا على الصحيح. وحكى الحناطي وجها، أنه ينتقض التدبير في جميعه. الخامس: إذا قلنا: التدبير يمنع التشطر، فهل يمنع رجوع البائع فيما لو باع عبدا بثوب وتقابضا، ثم دبره المشتري، ثم وجد البائع بالثوب عيبا ؟ وكذا هل يمنع رجوع الواهب ؟ فيه وجهان. أحدهما: نعم، وأصحهما: لا بل يرجع وينقض التدبير لقوة الفسخ، ولهذا الزيادة المتصلة تمنع التشطر دون الفسخ. المسألة الثالثة: سبق في كتاب الحج خلاف في أن المحرم هل يملك الصيد بالشراء والهبة ؟ وهل يزول ملكه إذا أحرم عن صيده ؟ وهل يملكه بالارث ؟ فلو أصدقها صيدا ثم أحرم، ثم ارتدت، عاد الصيد إلى ملكه على الصحيح، وفيه الوجه الضعيف المذكور في الارث، لانه لا اختيار له فيه. وإن طلقها قبل الدخول، بني على أن النصف يعود إليه بنفس الطلاق أم باختياره ؟ إن قلنا: باختياره فليس له الاختيار ما دام محرما، فإن فعل، كان كشرائه. وإن قلنا: بنفس الطلاق، ففي عود النصف إليه في الاحرام وجهان. أحدهما: لا. وينتقل إلى القيمة، لان المحرم لا يملك الصيد باختياره، والطلاق باختياره. وأصحهما: العود، لان الطلاق لا ينشأ لاجتلاب الملك، فأشبه الارث، ثم إذا عاد إليه الكل بالردة، لزمه إرساله، لان المحرم ممنوع من إمساك الصيد، كذا ذكر الشيخ أبو علي وغيره في هذه المسألة، وهو وجه ذكرناه في الحج، تفريعا على أن المحرم يرث الصيد، وحكينا عن بعضهم، أنه يزول ملكه بمجرد الارث، ولا فرق بين البابين. وإذا عاد النصف بالطلاق، وقلنا: يجب الارسال ولا يزول الملك، فلا يمكن إرسال النصف إلا بإرسال الكل، فخرج مخرجون وجوب الارسال على الاقوال في(5/630)
ازدحام حق الله تعالى وحق الآدمي. إن قدمنا حق الله تعالى، لزمه الارسال وغرم لها نصف القيمة، وإن قدمنا حق الآدمي، لم يجب الارسال. فإن تلف في يده أو يدها، فعليه نصف الجزاء. وإن سوينا، فالخيرة إليهما. فإن اختار الارسال، غرم لها النصف، وإلا بقي مشتركا بينهما وهو ضامن لنصف الجزاء، وهذا التخريج ضعيف، لان الخلاف في الازدحام على شئ واحد، كالتركة إذا ازدحم فيها دين وزكاة، ونصيب المرأة لا ازدحام فيه. وإذا تضمن إرسال المحرم فوات ملك غيره، وجب أن يمنع، وبهذا قطع الشيخ أبو علي، وعلى التخريج ينبغي أن يخص وجوب الارسال بالموسر كسراية العتق.
الطرف الرابع : فيما إذا وهبته الصداق ثم طلقها قبل الدخول، ونصدره بقاعدتين مستمدتين من قول الله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) *. ومعنى الآية، أن الطلاق قبل الدخول ينصف الصداق، إلا أن تعفو الزوجة وتتبرع بحقها، فيعود جميع الصداق إلى الزوج. وفيمن بيده عقدة النكاح، قولان. القديم: أنه الولي، والمعنى: إلا أن تعفو المرأة أو وليها إن لم تكن هي أهلا للعفو. والجديد: أنه الزوج، والمعنى: أن يعفو الزوج عن حقه فيخلص لها جميع الصداق. القاعدة الاولى: في ألفاظ التبرع. فالواجب عند الطلاق قبل الدخول، دين أو عين، والدين قد يكون في ذمته، وقد يكون في ذمتها بأن قبضته وتلف عندها، فينظر، إن تبرع مستحق الدين بإسقاطه، نفذ بلفظ العفو والابراء والاسقاط والترك. وحكى الحناطي وجهين في أن لفظ الترك، صريح أو كناية ؟ ولا حاجة في هذه الالفاظ إلى قبول من عليه على الصحيح، وينفذ أيضا بلفظ الهبة والتمليك، وفيهما وجه حكاه ابن كج. والصحيح الاول. وهل يفتقر اللفظان إلى القبول ؟ وجهان. أصحهما: لا، وبه قطع البغوي اعتمادا على حقيقة التصرف وهو الاسقاط. أما إذا(5/631)
تبرع من في ذمته بالنصف الآخر، فالطريق أن ينقل ويملكه ويقبله صاحبه ويقبضه، فإنه ابتداء هبة، ولا ينتظم لفظ العفو والابراء من جهته. لكن لو كان الصداق في ذمة الزوج، وقلنا: لا يشترط إلا باختياره، فقال: عفوت، سقط اختياره كعفوه عن الشفعة، ويبقى جميع الصداق لهفي ذمته. أما إذا كان الصداق عينا، فالتبرع فيها هبة. فإن كانت في يد المتبرع، اشترط الايجاب والقبول والقبض. وإن كانت في يد الآخر، فهو هبة لمن المال في يده، فتعتبر مدة إمكان القبض. وفي افتقاره إلى إذن جديد، في القبض بهذه الجهة خلاف سبق في كتاب الرهن. وإن كانت العين عند الطلاق في يد الزوج، فذلك قد يكون بعد قبضها، وقد يكون باستمرار يده السابقة قبل الاصداق. وعلى التقدير الثاني، يزيد النظر في أن تبرعها كهبة المبيع للبائع قبل القبض إذا قلنا: الصداق في يده مضمون ضمان العقود، ثم التبرع في العين ينفذ بلفظ الهبة والتمليك، ولا ينفذ بلفظ الابراء والاسقاط على المذهب. وحكى الحناطي فيهما وجهين. وينفذ بلفظ العفو على الاصح لظاهر القرآن، هذا في تبرعها وتبرعه إذا ملكناه بنصف الطلاق، فأما إذا قلنا: له خيار التملك، فيعتبر لفظ العفو في إسقاط الخيار ويبقى الجميع لها. القاعدة الثانية: هل للولي العفو عن صداقها ؟ قولان بناء على أن من هو الذي بيده عقدة النكاح ؟ الجديد: المنع، والقديم: الجواز بخمسة شروط. أن يكون أبا أو جدا، وأن تكون بكرا عاقلة صغيرة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون قبل الدخول، وأن يكون الصداق دينا، هذا هو المذهب تفريعا على القديم. وفي وجه: له العفو في الثيب والمجنونة والبالغة والمحجور عليها والرشيدة، وقبل الطلاق إذا رآه مصلحة، وعن العين أيضا. والصحيح الاول. ولو زوجها الاب ومات، ففي صحة عفو الجد وجهان، لان الصداق لم يثبت به لكنه ولي. ولو خلعها الولي على نصف الصداق وجوزنا العفو، صحت المخالعة، قاله المتولي(5/632)
وغيره. وفي الوسيط في صحة الخلع مع صحة العفو وجهان. والاول أشبه. فصل وهبت لزوجها الصداق المعين، فطلقها قبل الدخول، فقولان. أحدهما وهو القدى وأحد قولي الجديد والراجح (عند البغوي) أنه لا يرجع عليها بشئ. والثاني: وهو الاظهر عند الجمهور، منهم العراقيون، والامام، والروياني: يرجع بنصف بدله المثل (أ) والقيمة. وقيل: إن وهبته قبل القبض، لم يرجع قطعا. والمذهب طرد القولين، سواء قبضته أم لا. ولو كان الصداق دينا فأبرأته منه، لم يرجع على المذهب. ولو وهبت له الدين، فالمذهب أنه كالابراء. وقيل: كهبة العين. ولو قبضت منه الدين ثم وهبته له، ثم طلقها، فكهبة العين. وقيل: له الرجوع قطعبناء على أنه لا يتعين فيما دفع عن الدين لو طلقها وهو باق عندها. ولو وهبت الصداق، ثم ارتدت قبل الدخول، أو فسخ أحدهما بعيب، ففي الرجوع بالجميع مثل الخلاف في النصف إذا طلق. ولو باع عبدا بجارية، ووهب الجارية لبائعها، ثم وجد بائعها بالعبد (عيبا) فأراد رده بالعيب، ففي تمكنه منه ومن المطالبة بقيمة الجارية وجهان مأخوذان من هبة الصداق، ويجريان في تمكنه (من) طلب الارش لو رأى عيبا بعد هلاك العبد، أو حدث به عيب يمنع الرد. وفيما لو أبرأ المكاتب عن النجوم وعتق، هل (له) مطالبة السيد بالايتاء ؟ ولو وهب المشتري المبيع للبائع، ثم أفلس بالثمن، فللبائع المضاربة مع الغرماء بلا خلاف، لان الموهوب غير المستحق وهو الثمن. وفي الصورة السابقة، الموهوب هو المستحق، فالهبة تعجيل على قول. وطرد الحناطي الخلاف في مسألة الفلس. ولو ادعى عينا وأخذها ببينة ثم وهبها للمدعى عليه، ثم رجع الشهود وقلنا بتغريم شهود المال، فهل للمدعى عليه تغريم الشهود ؟ فيه طريقان. أحدهما: على وجهين أخذا من هبة الصداق. والثاني: القطع بالمنع،(5/633)
لان المدعى عليه لا يقول بحصول الملك بالهبة، بل يزعم دوام الملك السابق، وفي الصداق زال الملك حقيقة وعاد بالهبة. قلت: هذا الثاني هو الصحيح. والله أعلم. فرع وهبت الصداق للزوج، على أنه إن طلقها كان ذلك عن مستحقه بالطلاق، فوجهان. أحدهما: فساد الهبة ويبقى الصداق ملكلها. فإن طلق، تشطر. والثاني: يصح ولا رجوع بالطلاق، كما لو عجل الزكاة، وليكن الوجهان مبنيين على أن الهبة المطلقة هل تمنع الرجوع ؟ إن قلنا: تمنع، فهذا تصريح بمقتضاها، فيصح ولا رجوع، وإلا فتفسد بالشرط الفاسد. فرع وهبته نصف الصداق، فطلق قبل الدخول. فإن قلنا: هبة الكل لا تمنع الرجوع، فهنا أولى وإلى ماذا يرجع ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: إلى نصف الباقي وربع بدل الجملة. والثاني: إلى نصف الباقي. والثالث: يتخير، إن شاء أخذ بدل نصف الجملة، وإن شاء أخذ نصف الباقي وربع بدل الجملة. وإن قلنا: هبة الكل تمنع الرجوع، فهل يرجع بالنصف الباقي، أم بنصف الباقي، أم لا يرجع بشئ ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الثالث وهو نصه في المختصر، فحصل في المسألة خمسة أقوال. ولو كان الصداق دينا وأبرأته من نصفه ثم طلقها، قال المتولي: إن قلنا: لو أبرأت عن الجميع يرجع، فهنا يسقط عنه النصف الباقي. و (أيضا) إن قلنا: لا يرجع بشئ، فهنا وجهان. أحدهما: يحسب عليه. والثاني: يسقط عنه النصف الباقي. ولو أبرأ المشتري عن نصف الثمن، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا وأراد رده، فحكمه كما ذكرنا في الابراء عن نصف الصداق. ولو أبرأه عن عشر الثمن، واطلع على عيب قديم، وحدث عنده عيب، وأرش العيب القديم العشر، فالمذهب أنه يطالب بالارش. فصل خالعها قبل الدخول على غير الصداق، فله المسمى ولها نصف الصداق. وإن خالعها على جميع الصداق، فقد خالع على ماله ومالها، لعود(5/634)
النصف إليه بالخلع، فتقع البينونة وتبطل التسمية في نصيبه، وفي نصيبها قولا تفريق الصفقة. إن لم نصحح، بقي لها عليه نصف الصداق. وفيما له عليها قولان. أظهرهما: مهر المثل. والثاني: مثل الصداق أو قيمته. وإن صححنا التسمية في نصيبها، قال الامام وغيره: يثبت للزوج الخيار إن كان جاهلا بالتشطير والتفريق. فإن فسخ، عاد القولان في أن الرجوع بمهر المثل أم بدل المسمى. وإن جاز، فعلى القولين المذكورين في البيع، أن يجبر ما صح العقد فيه بكل الثمن، أم بالقسط إن قلنا: بالكل، فلا شئ له سوى النصف الذي صح الخلع فيه. وإن قلنا: بالقسط، رجع عليها بنصف مهر المثل على الاظهر، وعلى الآخر: بمثل نصف الصداق أو قيمته. وإخالعها على نصف الصداق، نظر، إن قال: بالنصف الباقي لك بعد الفراق، صح وبرئ عن جميع الصداق إن كان دينا، ويعود إليه الملك في جميعه إن كان عينا. وإن أطلق، فقولان بناء على أن تصرف أحد الشريكين في النصف المطلق من العين المشتركة نصفين، هل ينزل على النصف الذي له، أم يشيع أحدهما ينزل على نصيبهما ويكون كما لو قيد بنصفها ؟ وأظهرهما عند الاكثرين: يشيع لاطلاق اللفظ، وكأنه خالع على نصف نصيبها ونصف نصيبه، فيبطل في نصف نصيبه، وفي نصيبها القولان. إن لم يصح، بقي لها عليه نصف الصداق، وله عليها مهر المثل على الاظهر، ومثل نصف الصداق أو قيمته في الآخر. وإن صح في نصف نصيبها، فلها عليه ربع الصداق ويسقط الباقي بحكم التشطر وعوض الخلع، ثم أحد القولين أنه لا يستحق لعوض الخلع إلا الربع الذي صح الخلع فيه. وأظهرهما: أن له مع ذلك نصف مهر المثل على الاظهر، وربع مثل الصداق أو قيمته على قول. ومن الاصحاب من يقول: كل الصداق لها حتى يتفرقا، فيصح أن نجعله أو بعضه عوضا، ثم إذا تفرقا بالخلع، سقط النصف، فهو كما لو خالعها على عين وتلف نصفها قبل القبض، فيرجع بمهر المثل في قول، وبدل التالف في قول. فرع عن ابن شريج، خالعني على أن لا تبعة لك علي في(5/635)
المهر صح. ومعناه: على ما سلم (لي) من المهر.
الباب الخامس : في المتعة هي اسم للمال الذي يدفعه الرجل إلى امرأته لمفارقته إياها، والفرقة ضربان. فرقة تحصل بالموت، فلا توجب متعة بالاجماع، وفرقة تحصل في الحياة كالطلاق. فإن كان قبل الدخول، نظر، إن لم يشطر المهر، فلها المتعة، وإلا، فلا على المشهور. وإن كان بعد الدخول، فلها المتعة على الجديد الاظهر. وكل فرقة من الزوج لا بسبب فيها، أو من أجنبي، فكالطلاق، مثل أن ارتد أو أسلم أو لاعن، أو أسلم على أكثر من أربع نسوة وفارق بعضهن، أو وطئ أبوه أو ابنه زوجته بشبهة، أو أرضعت أمة أو بنته زوجته الصغيرة، والخلع كالطلاق على الصحيح. ولو فوض الطلاق إليها فطلقت فكتطليقه. ولو علق الطلاق بفعلها، ففعلت، أو إلى منها، ثم طلق بعد المدة بطلبها، فكالطلاق على الصحيح. قلت: ويجئ هذا الوجه في تطليقها. والله أعلم. ولو ارتدا معا، فلا متعة على الاصح. وكل فرقة منها أو لسبب فيها، لا متعة فيها، كردتها وإسلامها، وفسخها بإعساره، أو عتقها، أو تغرره، أو عيبه،(5/636)
أو فسخه بعيبها. ونقل المزني إثبات المتعة إذا فسخت بالتعيين، فجعله بعضهم قولا اخر، وأنكره الجمهور. ولو كانت ذمية صغيرة تحت ذمي، فأسلم أحد أبويها وانفسخ النكاح، فلا متعة كما لو أسلمت بنفسها. ولو اشترى زوجته، فلا متعة على الاظهر. وقال أبو إسحق: إن استدعاه الزوج، وجب، وإن استدعاه السيد، فلا. فرع يسوى في المتعة، المسلم، والذمي، والحر، والعبد، والحرة، والذمية، وهي في كسب العبد، ولسيد الامة كالمهر. فصل المستحب أن يمتعها ثلاثين درهما، نص عليه في المختصر. وفي القديم: ثوبا قيمته ثلاثون درهما. وفي نص آخر: يمتعها خادما، وإلا فمقنعة، وإلا فبقدر ثلاثين درهما، وليس هو اختلافا، بل نزلها الاصحاب على درجات الاستحباب وقالوا: أقل المستحب ثلاثون درهما. وفي نص آخر: يمتعها بخادم إن كان موسرا، وبمقنعة إن كان معسرا. وإن كان متوسطا، فبقدر ثلاثين درهما. وأما الواجب، فإن تراضيا بشئ، فذاك. وحكى الحناطي وجها: أنه ينبغي أن يحلل كل منهما صاحبه. فإن لم يفعلا، لم يبرأ الزوج، ولها رفع الامر إلى القاضي ليقدرها. والصحيح الاول. وإن تنازعا، فهل يكفي أقل ما يتمول، أم يقدره الحاكم باجتهاده ؟ وجهان. الصحيح الثاني. وهل يعتبر بحاله، أم بحالها، أبحالهما ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث، وهو ظاهر نصه في المختصر. وهل يجوز أن تزاد المتعة على نصف مهرها، أم يشترط أن لا تزيد، أم يشترط أن لا تبلغ نصفه ؟ فيه أوجه. أصحها: الاول، لاطلاق الآية، وبهذا قطع البغوي وغيره.(5/637)
الباب السادس : في النزاع في الصداق وفيه مسائل. الاولى: إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق أو صفته، كالصحة والتكسر، والاجل وقدره، تحالفا كالبيع، سواء اختلفا قبل الدخول أو بعده، أو بعد انقضاء الزوجية، أو اختلف وارثاهما أو أحدهم ووارث الآخر، ويحلف الزوجان على البت في النفي والاثبات، ويحلف الوارث في الاثبات على البت، وفي النفي على نفي العلم على الصحيح الذي عليه الجمهور. وقيل: يحلف فيه على البت، لان من قطع بأن النكاح جرى بخمسمائة، فهو قاطع بأنه ما جرى بألف. فإذا ثبت جريانه بخمسمائة، فلا معنى لقوله: لا أعلمه نكح بألف. وكيفية اليمين ومن يبدأ به، كما سبق في البيع. فإذا تحالفا، فسخ الصداق ورجعت إلى مهر المثل، وقد سبق في البيع وجه: أنه ينفسخ بنفس التحالف، فليجئ هنا مثله، وليكن القول فيمن يتولى الفسخ وفي الانفساخ باطنا على ما سبق في البيع. وقد صرح بجميع هذا الحناطي، وسواء في الرجوع إلى مهر المثل، زاد على ما تدعيه المرأة أم لا. وقال ابن خيران وابن الوكيل: إن كان مهر المثل زائدا فليس لها إلا ما ادعته، والصحيح الاول. هذا في الظاهر، أما في الباطن، فإن قلنا: لا ينفسخ، لم يخف ما يحل لها. الثانية: ادعت مسمى، فأنكر الزوج أصل التسمية، فوجهان. أحدهما: القول قوله بيمينه. وأصحهما: يتحالفان لان يقول: الواجب مهر المثل، وهي تدعي المسمى، فحاصله الاختلاف في قدر المهر، فيتحالفان. وإنما يحسن وضع المسألة إذا كان ما تدعيه أكثر من مهر المثل. ولو أنكرت تسمية مهر وادعاها(5/638)
الزوج، فهل القول قولها، أم يتحالفان ؟ القياس مجئ الوجهين. ولو ادعى أحدهما التفويض، والآخر التسمية، فإن أوجبنا المهر في التفويض بالعقد، فهو كما لو ادعى أحدهما السكوت، والآخر التسمية، وإلا فالاصل عدم التسمية من جانب، وعدم التفويض من جانب. ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر أنه لم يجر للمهر ذكر، فيشبه أن يكون القول قول الثاني. الثالثة: إذا حكمنا بالتحالف، فحلف أحدهما ونكل الآخر، حكمنا للحالف. ومن أقام بينة، حكمنا بها. ولو أقاما بينتين مختلفتين في قدر المهر، فوجهان. أحدهما: يحكم ببينة المرأة لاشتمالها على الزيادة. والثاني: يتعارضان إذا قلنا بالتساقط، فكأن لا بينة، فيتحالفان. وإن قلنا بالقرعة، فهل يحتاج من خرجت قرعته إلى اليمين ؟ وجهان. الرابعة: ادعت النكاح ومهر المثل، واعترف الزوج بالنكاح وأنكر المهر، أو سكت عنه ولم يدع التفويض ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر، حكى الغزالي فيه وجهين. أحدهما وينسب إلى القاضي حسين: يثبت لها المهر إذا حلفت، لان الظاهر معها، فإن النكاح يوجب مهر المثل إذا لم تكن تسمية صحيحة. وأصحهما عند الغزالي: أنه لا يثبت مهر مثلها بيمينها، بل يتحالفان، لانه قد ينكحها بأقل ما يتمول، وهذا الذي فرضه لا يكاد يتصور، فإن التحالف أن يحلف كل واحد على إثبات ما يزعمه، ونفي ما زعمه صاحبه. والمفروض من جهة الزوج، إنكار مطلق، فلا معنى للتحالف. ولم يذكر الروياني الخلاف هكذا، بل قال: قال مشايخ طبرستان: القول قول الزوج وعليها البينة، والحق أنه لا يسمع إنكاره لاعترافه بما يقتضي المهر، ولكن يكلف البيان. فإن ذكر قدرا وادعت زيادة، تحالفا. وإن أصر على الانكار، ردت اليمين عليها وقضي لها بها. قال الروياني: ورأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا، وهو القديم. ولو ادعت(5/639)
زوجية ومهرا مسمى يساوي مهر المثل، وقال الزوج: لا أدري، أو سكت، قال الامام: ظاهر ما ذكره القاضي، أن القول قولها لما سبق أن النكاح اقتضى مهر المثل. قال: والذي يقتضيه قياس المذهب، أن دعواها متوجهة بذلك القدر، ولا يسمع منه التردد، بل يحلف على نفي ما تدعيه. فإن نكل، ردت اليمين عليها وقضي بيمينها. ثم حكى عن القاضي على قياس الوجه المنسوب إليه، أنه لو قال: هذا ابني من فلانة، استحقت عليه مهر المثل إذا حلفت، لانه إقرار بالوطئ ظاهرا، لان استدخال الماء بعيد والوطئ المحرم (هو) الذي يحصل منه الولد النسيب ظاهرا، وهو يقتضي المهر. وقياس ظاهر المذهب، أنه يؤمر بالبيان إذا أنكر ما ادعته. فإن أصر على الانكار، ردت اليمين عليها. فرع قال المتولي: لو مات الزوج وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفا، فقال الوارث: لا أعلم كم سمى، لم يتحالفا، بل يحلف الوارث على نفي العلم. فإذا حلف، قضي لها بمهر المثل. قلت: هذا الذي ذكره المتولي، حكاه الامام عن القاضي حسين، ثم قال: هو مشكل على قياس المذهب، قال: والقياس أن يحكم بانقطاع الخصومة، يحلف الوارث، والقدر الثابت على قطع هو أقل ما يتمول، والمختار بل الصواب قول المتولي والقاضي، وقد نص عليه قبلهما القفال شيخ طريقة خراسان، وقد حكاه عنه الرافعي في الباب الثاني من الدعوى والبينات، ولم يذكر فيه خلافا، ولم أر لاحد من الاصحاب خلافا، ودليله أن تعذر معرفة المسمى، كعدمه من أصله، ولهذا نوجب مهر المثل في التحالف وإن كان هناك مسمى زائد أو ناقص. والله أعلم. الخامسة: اختلف الزوج وولي الصغيرة أو المجنونة، فقال الولي: زوجتكها بألفين، فقال: بل بألف. فوجهان. أصحهما عند الاصحاب: يتحالفان.(5/640)
والثاني: لا، فعلى هذا توقف إلى بلوغها فيتحالفان، ويجوز أن يحلف الزوج، ويوقف يمينها إلى بلوغها. وإذ قلنا: يحلف الولي، فذلك إذا ادعى زيادة عى مهر المثل والزوج معترف بمهر المثل. وأما إذا ادعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل، فلا تحالف، لانه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي. ولو ذكر الزوج قدرا يزيد على مهر المثل، وادعى الولي زيادة عليه، لم يتحالفا كيلا يرجع الواجب إلى مهر المثل، بل يأخذ الولي ما يقوله الزوج. ولو ادعى الولي مهر المثل أو أكثر، وذكر الزوج أكثر من ذلك، فهل يتحالفان، أم يؤخذ بما قاله الزوج ؟ وجهان حكاهما الحناطي، وهذا الخلاف المذكور في اختلاف الزوج وولي الصغيرة، يجري في اختلاف المرأة وولي الزوج الصغير، وفيما إذا اختلف وليا الزوجين الصغيرين. ولو بلغت الصغيرة قبل التحالف، حلفت هي ولا يحلف الولي. وادعى البغوي الاتفاق عليه. ولو اختلف ولي البكر البالغة وزوجها، فالصحيح أنها هي التي تحلف. وقيل: يحلف الولي لانه العاقد، قاله القاضي أبو الطيب وغيره. ومن قال بهذا، لا يسلم في الصغيرة إذا بلغت أن اليمين عليها. والخلاف في حلف الولي يجري في الوكيل في النكاح، وفي وكيل البائع مع المشتري، ووكيل المشتري مع البائع، وفي وكيليهما، ومنهم من رتب وقال: إن لم يحلف الولي، فالوكيل أولى، وإلا فوجهان لقوة الولاية. فرع إذا قلنا: يحلف الولي فنكل، فهل يقضى بيمين صاحبه، أم يوقف حتى تبلغ الصبية وتفيق المجنونة فلعلها تحلف ؟ فيه وجهان نقلهما الحناطي. فرع جميع ما ذكرنا في هذه المسألة، هو فيما يتعلق بإنشاء الولي، أما ما لا يتعلق به، بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل، فأنكر المدعى عليه ونكل، فهل يحلف اليمين المردودة إتماما للخصومة واستخلاصا لحق اصبي، أم لا لانه لا يتعلق بانشائه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وعلى هذا لا يقضى بالنكول، بل(5/641)
يتوقف حتى يبلغ الصبي. وفي وجه: لا تعرض اليمين على المدعى عليه، ويتوقف في أصل الخصومة. وأفتى الق فيما إذا ادعى الولي على رجل دينا ورثه الصبي وأقام بينة به، فقال الخصم: كنت قضيته، أو أبرأني مورثه، أنه لا يحلف الولي، بل يحلف الصبي إذا بلغ على نفي العلم بذلك. ولو أقر القيم بما قاله الخصم، انعزل وأقام القاضي غيره. ولو ادعى أن هذا القيم قبضه وأنكر، حلف. السادسة: ادعت على رجل أنه نكحها يوم الخميس بألف، ونكحها يوم السبت بألف، وطلبت الالفين، سمعت دعواها لامكان ثبوت الالفين بأن يطأها يوم الجمعة، ويخلعها ثم ينكحها يوم السبت، وإذا ثبت العقدان بالبينة، أو باقراره، أو بيمينها بعد نكوله، لزمه الالفان، ولا يحتاج إلى التعرض لتخلل الفرقة، ولا لحصول الاصل، لان كل عقد منهما ثبت مسماه والاصل بقاؤه. فإن ادعى أن العقد الثاني كان إظهارا للاول لا إنشاء، لم يقبل. وهل له تحليف المرأة على نفي ذلك ؟ وجهان حكاهما في العدة أصحهما: له. فإن ادعى على أنه لم يصبها في النكاح الاول، صدق بيمينه، ولا يطالب من المهر الاول إلا بالنصف، وتكون معه بطلقتين. ولو ادعى في النكاح الثاني الطلاق قبل الاصابة، صدق بيمين، وقنع منه(5/642)
بنصف المهر الثاني أيضا. ولو ادعى على رجل أنه اشترى منه كذا يوم الخميس بألف، ثم يوم الجمعة بألف، وطالبه بالثمنين، لزمه الثمنان إذا ثبت العقدان كما في المهرين. السابعة: رجل يملك أبوي حرة، فنكحها على أحدهما معينا، ثم اختلفا، فقال: أصدقتك أباك فقالت: بل أمي، فوجهان. أصحهما: يتحالفان. والثاني: يصدق الزوج بيمينه في أنه لم يصدقها أمها، وتحلف هي أنه لم يصدقها الاب، ولها مهر مثلها، ويعتق الاب بإقرار الزوج أنه أصدقها الاب لتضمنه الاقرار، لانه عتق عليها ولا غرم على المرأة، لانها لم تفوت عليه شيئا، فصار كما لو قال لرجل: بعتك أباك فأنكر، عتق عليه باقراره. إن قلنا بالتحالف فحلفا، عتق الاب بإقرار الزوج، ولها مهر مثلها، وليس عليها قيمة الاب، وولاؤه موقوف، لان الزوج يقول: هو لها، وهي تنكره. وإن حلفت دونه، عتق الابوان. أما الاب، فبإقراره، وأما الام، فلانا حكمنا بكونها صداقا، وليس عليها قيمة واحدة منهما. وإن حلف دونها، رقت الام، وعتق الاب، وولاؤه موقوف. وإن لم يحلف واحد منهما، عتق الاب، ولا تتمكن هي من طلب المهر، لان من ادعى شيئا ونكل عن اليمين بعد الرد، كان كمن لم يدع شيئا. ولو قال الزوج: أصدقتك أباك ونصف أمك وقالت: بل أصدقتني كليهما، تحالفا بلا خلاف، لان الاختلاف هنا في قدر الصداق. فإذا حلفا، فلها مهر المثل وتعتق، وعليها قيمته لاتفاقهما أنه عتق عليها بحكم الصداق، فلما تحالفا بطل الصداق، ولا سبيل إلى رد العتق فوجبت القيمة، كما لو اشترى عبدا فأعتقه، ثم اختلفا في الثمن وتحالفا. وأما(5/643)
الام، فيعتق عليها نصفها. فان كانت موسرة، عتق الباقي بالسراية وعليها قيمة ما يعتق منها، ويجئ التقاص. ولو حلف الزوج دونها، عتق الاب ونصف الام، ولا سراية إن كانت معسرة، ولا شئ لها ولا عليها، لانا حكمنا بيمينه أن الصداق هو الاب ونصف الام. ولو حلفت دونه، حكم بكونهما صداقا وعتقا، ولا شئ عليها. ولو قالت: أصدقتني الام ونصف الاب، فقال: لا بل الاب ونصف الام، تحالفا. فإذا حلفا، فلها مهر المثل، ويعتق من الاب نصفه لاتفاقهما، ونصفه باقرار الزوج وعليها قيمة ما اتفقا عليه. وأما الام، فيعتق نصفها باتفاقهما، ويسري إلى الباقي إن كانت موسرة، وعليها قيمة ما عتق منها. الثامنة: اختلفا في أداء المهر، فالقول قولها بيمينها، سواء اختلفا قبل الدخول أو بعده. فلو اتفقا على قبض مال، فقال: دفعته صداقا وقالت: بل هدية. فإن اتفقا على أنه تلفظ واختلفا، هل قال: خذي هذا صداقا أم قال: هدية ؟ فالقول قوله بيمينه. وإن اتفقا أنه لم يجر لفظ، واختلفا فيما نوى، فالقول قوله بيمينه أيضا. وقيل: بلا يمين، وسواء كان المقبوض من جنس الصداق أم غيره، طعاما أم غيره. فإذا حلف الزوج، فان كان المقبوض من جنس الصداق، وقع عنه، وإلا فان رضيا ببيعه بالصداق، فذاك، وإلا استرده وأدى الصداق. فان كان تالفا، فله البدل عليها وقد يقع في التقاص. ولو بعث إلى بيت من لا دين له عليه شيئا ثم قال: بعثته بعوض، وأنكر المبعوث إليه، فالقول قول المبعوث إليه. التاسعة: ادعى دفع الصداق إلى ولي الصغيرة والمجنونة، أو السفيهة، سمعت دعواه. وإن ادعى دفعه إلى ولي البالغة الراشدة، لم يسمع الدعوى عليها، إلا أن يدعي إذنها، وسواء البكر والثيب. وفي البكر وجه، (و) الخلاف مبني على أن الولي، هل يملك قبض مهر البكر الرشيدة ؟ والمذهب منعه. وفيه قول أو وجه. ومنهم من لم يثبته وقطع بالاول. وإذا قلنا بالمذهب، فاستأذنها فسكتت، لم(5/644)
يستفد بسكوتها الاذن في القبض، وقياس القول أو الوجه الضعيف، أن يستفيده وإن نهت عنه كتزويجها. العاشرة: وقع الاختلا ف في غير المنكوحة، فهو اختلاف في عقدين، القول في كل منهما قول النافي. وإن قال: نكحت هاتين بألف، فقالت إحداهما أو وليهما: بل نكحت هذه فقط بألف، فهذا اختلاف في قدر مهر المتفق على نكاحها. وأما الاخرى، فالقول قول المنكر.
فصل يتعلق بكتاب الصداق أصدقها جارية، ثم وطئ الجارية عالما بالحال، فإن كان بعد الدخول، فعليه الحد، ولا يقبل قوله: لم أعلم أنها ملكتها بالدخول، إلا أيكون قريب عهد بالاسلام. وإن كان قبل الدخول، فلا حد. وعللوه بشيئين. أحدهما: لا يبعد أن يخفى مثل هذه الاحكام عن العوام. والثاني: اختلاف العلماء، فإن مالكا رحمه الله تعالى قال: لا تملك قبل الدخول إلا نصف الصداق. فإن كان عالما بأنها تملك جميع الصداق بالعقد، فعلى التعليل الاول يحد. وعلى الثاني، لا وحيث قلنا: يحد، فأولدها، فالولد رقيق، وعليه المهر إن كانت مكرهة. وحيثقلنا: لا يحد، فالولد نسيب حر، وعليه قيمته يوم سقوطه. فصل خالع زوجته المدخول بها، ثم نكحها في العدة، وطلقها قبل الدخول في النكاح الثاني، يتشطر المهر عندنا. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: يحب جميعه، وبالله التوفيق.
باب الوليمة
هي عامة على ما قال الشافعي والاصحاب رحمهم الله تعالى، تقع على كل(5/645)
دعوة تتخذ بسرور حادث، من نكاح أو ختان أو غيرهما. لكن الاشهر استعمالها عند الاطلاق في النكاح، وتقيد في غيره، فيقال: وليمة الختان وغيره، ويقال لدعوة الختان: إعذار، ولدعوة الولادة: عقيقة، ولسلامة المرأة من الطلق: خرس. وقيل: الخرس لطعام الولادة، ولقدوم المسافر: نقيعة، ولاحداث البناء: وكيرة، ولما يتخذ للمصيبة: وضيمة، ولما يتخذ بلا سبب: مأدبة. قلت: الاعذار بالعين المهملة، وبالذال المعجمة. والخرس، بضم الخاء المعجمة، وبالسين المهملة، ويقال: بالصاد. المأدبة، بضم الدال وفتحها. والوضيمة، بكسر الضاد المعجمة. وقول الاصحاب: النقيعة لقدوم المسافر، ليس فيه بيان من يتخذها أهو القادم أو المقدوم عليهم ؟ وفيه خلاف لاهل اللغة. فنقل إلازهري عن الفراء، أنه القادم. وقال صاحب المحكم: هو طعام يصنع للقادم وهو الاظهر. والله أعلم. وفي وليمة العرس قولان، أو وجهان. أحدهما: أنها واجبة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: أولم ولو بشاة. وأصحهما: أنها مستحبة كالاضحية وسائر(5/646)
الولائم، والحديث على الاستحباب، وقطع القفال بالاستحباب، وأما سائر الولائم، فمستحبة، ليس بواجبة على المذهب وبه قطع الجمهور، ولا يتأكذ تأكد وليمة النكاح. قال المتولي: وخرج بعضهم في وجوب سائر الولائم قولا، لان الشافعي رحمه الله قال بعد ذكرها: ولا أرخص في تركها. فرع أقل الوليمة على ما ذكره ابن الصباغ وغيره، للمتمكن شاة وإن لم يتمكن، اقتصر على ما يقدر عليه. فرع وأما الاجابة إلى الدعوة، ففي وليمة العرس تجب الاجابة إن أوجبنا الوليمة، وكذا إن لم نوجبها على الاظهر. وقيل: على الاصح، صححه العراقيون والروياني وغيرهم، للاحاديث الصحيحة من دعي إلى وليمة فليأتها. والثاني: أنها مستحبة. وأما غير وليمة العرس، فالمذهب أن الاجابة فيها مستحبة. وقيل: بطرد الخلاف في الوجوب. وإذا أوجبنا الاجابة، فهي فرض عين على الاصح. وقيل: فرض كفاية. ثم إنما تجب الاجابة أو تستحب بشروط. منها: أن يعم عشيرته أو جيرانه، أو أهل حرفته، أغنياءهم وفقراءهم، دون ما إذا خص الاغنياء. ومنها: أن يخصه بالدعوة بنفسه، أو يبعث إليه شخصا. فأما إذا فتح باب داره وقال: ليحضر من أراد، أو بعث شخصا: ليحضر من شاء، أو قال لشخص: احضر وأحضر معك من شئت، فقال لغيره: احضر، فلا تجب الاجابة ولا تستحب. ومنها: أن لا يكون إحضاره لخوف منه، أو طمع في جاهه، أو ليعاونه على باطل، بل تكون للتقرب، أو التودد. ومنها، أن يدعوه مسلم. فإن دعاه ذمي(5/647)
فهل هو كالمسلم أم لا تجب قطعا ؟ طريقان. أصحهما: الثاني. ولا يكون الاستحباب في إجابته كالاستحباب في دعوة المسلم، لانه قد يرغب عن طعامه لنجاسته وتصرفه الفاسد، وتكره مخالطة الذمي وموادته. ومنها: أن يدعو في اليوم الاول. فلو أولم ثلاثة أيام، فالاجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا تجب قطعا، ولا يكون استحبابها كالاستحباب في اليوم الاول. فرع إذا اعتذر المدعو إلى صاحب الدعوة، فرضي بتخلفه، زال الوجوب وارتفعت كراهة التخلف. فرع دعاه جماعة، أجاب الاسبق، فإن جاءا معا، أجاب الاقرب رحما، ثم الاقرب دارا كالصدقة. ومنها: أن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره، ولا يليق به مجالسته. فإن كان، فهو معذور في التخلف. وأشار في الوسيط إلى وجه فيه. ومنها: أن لا يكون هناك منكر كشرب الخمر والملاهي. فان كان، نظر، إن كان الشخص ممن إذا حضر رفع المنكر، فليحضر إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، وإلا فوجهان. أحدهما: الاولى أن لا يحضر، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه، كما لو كان يضرب المنكر في جواره، فلا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت، وعلى هذا جرى العراقيون. والثاني وهو الصحيح: يحرم الحضور لانه كالرضى بالمنكر وإقراره. قلت: الوجه الاول غلط، ولا يثبت عن كل العراقيين، وإنما قاله بعضهم وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب التنبيه ونحوه ممن ذكره. والله أعلم. فإذا قلنا بالثاني، فلم يعلم حتى حضر، نهاهم، فان لم ينتهوا، فليخرج. وفي جواز القعود وجهان. قلت: أصحهما: التحريم. والله أعلم.(5/648)
فإن لم يمكنه الخروج، بأن كان في الليل ويخاف من الخروج، قعد كارها ولا يستمع. ولو كانوا يشربون النبيذ المختلف في إباحته، لم ينكره، لانه مجتهد فيه. فإن كان حاضره ممن يعتقد تحريمه، فكالمنكر المجمع على تحريمه. وقيل: لا. فرع ومن المنكرات، فرش الحرير وصور الحيوانات على السقوف والجدران، والثياب الملبوسة، والستور المعلقة، والوسائد الكبار المنصوبة، ولا بأس بما على الارض، والبساط الذي يداس، والمخاد التي يتكأ عليها، وليكن في معناها الطبق والخوان، والقصعة. ولا بأس بصور الاشجار، والشمس، والقمر. وفي وجه: يكره صورة الشجر. ولو كانت صور الحيوانات مقطوعة الرؤوس، فلا بأس به على الصحيح، ومنعه المتولي. وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أم مكروه ؟ وجهان. وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد، وبالكراهة قال(5/649)
صاحب التقريب والصيدلاني، ورجحه الامام والغزالي في الوسيط. ولو كانت الصورة في الممر دون موضع الجلوس، فلا بأس بالدخول والجلوس، ولا يترك إجابة الدعوة بهذا السبب. وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور، كذا قاله الاصحاب. فرع يحرم على المصور التصوير على الحيطان والسقوف، ولا يستحق أجرة. وفي نسج الثياب المصورة وجهان، جوزه أبو محمد لانها قد لا تلبس، ورجح المنع الامام والغزالي تمسكا بالحديث لعن الله المصورين. قلت: الصحيح التحريم، والحديث صحيح. والله أعلم. وطرد المتولي الوجهين في التصوير على الارض ونحوها، وكأن من قال بالمنع. قال: ليس له أن يصور، لكن إن اتفق يسامح به ولا يجب طمسه. قلت: الصحيح تحريم التصوير على الارض وغيرها. والله أعلم.
فصل الصوم ليس عذرا في ترك اجابة الدعوة. فإذا حضر الصائم، إن كان صوم فرض مضيق الوقت، حرم الفطر. وإن كان موسعا كالنذر المطلق وقضاء رمضان، فإن لم نجوز الخروج منه، حرم الفطر، وإلا (فقيل) هو كصوم النفل. وعن القاضي حسين كراهة الخروج منه، لان ذمته مشغولة. وإن كان صوم نفل، فإن لم يشق على صاحب الدعوة إمساكه، استحب اتمام صومه، وإن شق عليه، استحب الفطر. أما المفطر، ففي أكله وجهان. أحدهما: يجب وأقله لقمة، وأصحهما: أنه مستحب.
فصل دعاه من أكثر ماله حرام، كرهت إجابته كما تكره معاملته. فإن علم أن عين الطعام حرام، حرمت إجابته. فصل المرأة إذا دعت النساء، كما ذكرنا في الرجال. فإن دعت رجلا أو(5/650)
رجالا، وجبت الاجابة إذا لم يكن خلوة محرمة. قلت: قال إبرهيم المروزي: لو دعته أجنبية وليس هناك محرم له ولا لها، ولم يخل به بل جلست في بيت، وبعثت الطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر من دارها، لم يجبها مخافة الفتنة. والله أعلم.
فصل في مسائل تتعلق بالضيافة إحداها: للضيف أن يأكل إذا قدم إليه الطعام من غير أن يأذن صاحب الطعام لفظا، إلا إذا كان ينتظر حضور غيره، فلا يأكل حتى يحضر أو يأذن المضيف لفظا. وفي الوسيط أنه لا بد من لفظ وهو شاذ ضعيف، والصحيح الاكتفاء بقرينة التقديم، وللقرينة أثر ظاهر في مثل هذا الباب، وكذلك يجوز الشرب من الحباب الموضوعة على الطرق، وكان السلف يأكلون من بيوت إخوانهم للانبساط وهم غيب. وقال المتولي: تقديم الطعام، إنما يكفي إذا دعاه إلى بيته. فإن لم يسبق دعوة، فلا بد من الاذن لفظا، إلا إذا جعلنا المعاطاة بيعا، وقرينة التقديم لا تختلف لسبق الدعوة وعدمه. قلت: الصحيح بتقديم الطعام أنه يجوز الاكل بلا لفظ، سواء دعاه أم لا، بشرط أن لا يكون منتظرا غيره كما سبق. وأما الاكل من بيت الصديق وبستانه ونحوها في حال غيبته، فجائز بشرط أن يعلم من حاله أنه لا يكره ذلك منه. والله أعلم. الثانية: هل يملك الضيف ما يأكله ؟ وجهان. قال القفال: لا بل هو إتلاف بإذن المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يأكل. وقال الجمهور: نعم. وبم يملك ؟ فيه أوجه. قيل: بالوضع بين يديه، وقيل: بالاخذ، وقيل: بوضعه في الفم، وقيل: بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله. وضعف المتولي ما سوى الوجه الاخير. وعلى الاوجه ينبني التمكن من الرجوع. قلت: قال صاحب البيان: إذا قلنا: يملكه بالاخذ أو بالوضع في الفم، فهل للآخذ إباحته لغيره والتصرف فيه بغير ذلك ؟ وجهان. الصحيح (وقول الجمهور)(5/651)
لا يجوز كما لا يعير المستعار. وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب: يجوز أن يفعل ما يشاء من البيع والهبة وغيرهما، لانه ملكه. قال ابن الصباغ: هذا لا يجئ على أصلهما. والله أعلم. الثالثة: ليس للضيف التصرف في الطعام بما سوى الاكل، فلا يجوز أن يحمل معه منه شيئا، إلا إذا أخذ ما يعلم رضى المالك به، ويختلف ذلك بقدر المأخوذ وجنسه، وبحال المضيف والدعوة. فإن شك في وقوعه في محل المسامحة، فالصحيح التحريم، وليس للضيف إطعام السائل والهرة، ويجوز أن يلقم الاضياف بعضهم بعضا، إلا إذا فاوت بينهم في الطعام، فليس لمن خص بنوع أن يطعموا منه غيرهم، ويكره للمضيف أن يفعل ذلك. الرابعة: يحرم التطفل، واستثنى المتولي وغيره فقالوا: إذا كان في الدار ضيافة، جاز لمن بينه وبين صاحب الطعام انبساط أن يدخل ويأكل إذا علم أنه لا يشق عليه.
فصل في آداب الأكل منها: أن يقول أولا: باسم الله، فإن نسي قال إذا تذكر: بسم الله أوله وآخره، وأن يغسل يديه قبل الاكل وبعده، وأن يأكل بأصابعه الثلاث، وأن يدعو لصاحب الطعام إن كان ضيفا، ويقول: أكل طعامكم الابرار، وأفطر عندكم الصائمون. وصلت عليكم الملائكة. ويكره أن يأكل متكئا، وأن يأكل مما يلي آكليه، وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى الثريد ونحوه، ولا بأس بذلك في الفواكه، ويكره أن يعيب الطعام، وأن يقرن بين تمرتين(5/652)
ونحوهما، وأن يأكل بشماله، وأن يتنفس في الاناء، وأن ينفخ فيه. ولا يكره الشرب قائما، وحملوا النهي الوارد على حالة السير. قلت: هذا الذي قاله من تأويل النهي على حالة السير، قد قاله ابن قتيبة والمتولي، وقد تأوله آخرون بخلاف هذا. والمختار أن الشرب قائما بلا عذر خلاف الاولى، للاحاديث الصريحة بالنهي عنه في صحيح مسلم. وأما الحديثان الصحيحان عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قائما، فمحمولان على بيان الجواز جمعا بين الاحاديث. وقد اعترض على أحاديث النهي بأشياء باطلة، أوضحت جوابها في شرح صحيح مسلم. ويكره الشرب من فم القربة. ومن آداب الاكل: حمد الله تعالى في آخره. وكذلك في آخر الشرب فيقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مكفور ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا. ثبت ذلك في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقوله، وقد جاءت في هذا أذكار كثيرة في الصحيح وغيره، وقد جمعت مقاصدها في كتاب أذكار الطعام من كتاب الاذكار، وشرحت فيه هذه الالفاظ أحزن شرح وأوجزه، مع جمل مما يتعلق بالاطعمة. وقوله: ربنا، يجوز بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاختصاص أو(5/653)
النداء، وبالجر على البدل من قوله: الحمد لله. وإذا أكل جماعة، فمن الادب أن يتحدثوا على طعامهم بما لا إثم فيه، ويكره أن يتمخط ويبصق في حال أكلهم إلا لضرورة، ويكره أن يقرب فمه من القصعة بحيث يرجع من فمه إليها شئ. ويستحب أن يلعق القصعة، وأن يلعق أصابعه، وأن يأكل اللقمة الساقطة ما لم تتنجس ويتعذر تطهيرها، للاحاديث الصحيحة في ذلك. والاولى أن لا يأكل الشخص وحده، وأن لا يرتفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز على جلسائه بنوع إلا لحاجة، كدواء، ونحوه، وأن يمد الاكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الاكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام، كقطعة لحم وخبز لين، أو طيب ونحو ذلك، وقد سبق استحباب التسمية في أول الطعام، وهي مستحبة لكل آكل، حتى الحائض والنفساء. وينبغي أن يجهر بها جهرا يسمعه رفقته سماعا محققا، ليقتدى به فيها، وليتنبه غيره لها ويستحب لكل واحد من الجماعة، أن يسمي. فإن سمى واحد من الجمع، أجزأ عن الباقين، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وقد ذكرته في كتاب الاذكار وفي طبقات الفقهاء في ترجمة الشافعي، وهو شبيه برد السلام، وتشميت العاطس، فإنه يكفي قول أحد الجماعة. ومن ترك التسمية عامدا أو مكرها، أو لعارض آخر، ثم تمكن في أثناء أكله، سمى، كما لو نسيها، وسبق مثله في الوضوء، والتسمية في المشروب كالمأكول. ولا بأس بقوله: لا أشتهي هذا الطعام، أو ما اعتدت أكله، لحديث الضب. ويستحب لمن حضر وهو صائم ولم يأكل، أن يدعو لاهل الطعام، ويستحب الترحيب بالضيف وحمد الله تعالى على حصوله ضيفا عنده، وسروره به، وثناؤه عليه لجعله أهلا لتضييفه. ففي الصحيحين، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه. والله أعلم. فصل يجوز نثر الجوز واللوز والتمر والسكر ونحوها في الاملاكات. وهل يكره أم يستحب، أم لا يستحب ولا يكره، بل تركه أولى ؟ فيه أوجه. أصحها(5/654)
الثالث. والتقاط النثار جائز، لكن الاولى تركه، إلا إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته، ثم من التقط لم يؤخذ منه. وهل يملكه ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانه لم يوجد لفظ تمليك لمعين والثاني: يملك اعتبارا بالعادة، والائمة إلى هذا الوجه أميل، وهو مقتضى إطلاق أكثرهم. فعلى الاول، للناثر الاسترجاع. قال ابن كج: له الاسترجاع ما لم يخرج الملتقط من الدار، وعليه الغرم إن أتلفه. وإن قلنا: يملك فهل يخرج عن ملك الناثر بالنثر، أم بأخذ الملتقط، أم بإتلافه ؟ فيه أوجه. قلت: الاصح أنه يملك بالاخذ كسائر المباحات. والله أعلم. ومن وقع في حجره شئ من النثار، فإن بسطه لذلك، لم يؤخذ منه. فإن سقط منه بنفس الوقوع، لم يبطل حقه على الاصح، فيمنع غيره من أخذه. وإن لم يبسطه له، لم يملكه، لعدم القصد والفعل. فإن نفضه، فهو كما لو وقع على الارض أولا، وإلا فهو أولى به من غيره، وليس لغيره أن يأخذه. فلو أخذه غيره، ففي ملكه وجهان جاريان، فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره. وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما يحجره غيره. لكن الاصح أن المحيي يملك. وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع أكثر، لان المتحجر غير مالك فليس الاحياء تصرفا في ملك غيره، بخلاف هذه الصورة ولو سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه، أو قام فسقط، بطل اختصاصه،(5/655)
كما لو طار الفرخ، فإنه يجوز لغير صاحب الارض أخذه بلا خلاف. ثم اختصاص من وقع في حجره مخصوص بمن هو ممن يأخذه. أما من يعلم أنه لا يأخذه ولا يرغب فيه، فلا اختصاص له به، ويجوز لغيره أخذه من حجره، ذكره البغوي وغيره. ويكره أخذ النثار من الهواء بالملاءة والازر المربوطة برؤوس الخشب. فإن أخذ كذلك، استحقه ونثر الدراهم والدنانير، كنثر السكر ذكره المسعودي. قلت: ولو التقط النثار صبي ملكه، ولو التقطه عبد ملكه سيده، ذكره إبرهيم المروزي، والختان في هذا كاملاك. والله أعلم.(5/656)
كتاب عشرة النساء والقسم والشقاق فيه بابان.
الأول : في عشرتهن والقسم. النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة، كالطاعة وملازمة المسكن. وحقوقها عليه، كالمهر والنفقة، والكسوة، والمعاشرة بالمعروف. قال الله تعالى: * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * والمراد تماثلها فق وجوب الآداب. وقال تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * قال الشافعي رحمه الله: جماع المعروف بين الزوجين، الكف عن المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه من غير إظهار كراهته في تأديته. فأيهما مطل بتأخيره، فمطل الغني ظلم، قالا الاصحاب: أراد بالكف عن المكروه، الامتناع عما يكرهه صاحبه، وبإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه أن لا يحوجه في أداء الحق إلى كلفة ومؤنة. وبقوله من غير إظهار كراهة، أن يؤدي الحق راضيا طلق الوجه. ومن المعاشرة بالمعروف: القسم. وفائدته: العدل والتحرز عن الايذاء والايحاش بترجيح البعض، وقد يعرض ما يقتضي التفضيل. ويتضمن الباب خمسة أطراف. الاول: في استحقاق القسم. من له زوجة واحدة، ينبغي أن لا يعطلها، فيستحب أن يبيت عندها ويحصنها، وأدنى الدرجات أن (لا) يخلي أربع ليال عن(5/657)
ليلة، ولا يجب عليه المبيت بحال، لانه حقه فله تركه. ولو كان له مستولدات أو إماء، فلا قسم لهن، ويستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوي بينهن. ولو كان معهن نساء، فلا قسم بينهن وبين النساء. حتى لو بات عند المنكوحات أو عند الاماء، فلا قسم للاخريات. وإذا كان تحته زوجتان فأكثر، فالاعراض عن جملتهن كالاعراض عن الواحدة المنفردة. وحكى القاضي أبو حامد وجها أنه يلزمه القسم بينهن، ويحرم إعراضه عنهن، ويمكن أن يجئ مثله في الواحدة. ولو بات عند بعضهن، لزمه مثله للباقيات. وإذا سوى بينهن في الظاهر، لم يؤاخذ بزيادة ميل قلبه إلى بعضهن، ولا تجب التسوية في الجماع، لكن يستحب التسوية فيه وفي سائر الاستمتاعات. ولو قسم بينهن مدة وسوى ثم أعرض عنهن، جاز كالابتداء. فصل فيمن تستحق القسم فيه مسائل. إحداها: تستحقه المريضة، والرتقاء، والقرناء، والحائض، والنفساء، والمحرمة، والمؤلى منها، والمظاهر منها، والمراهقة، والمجنونة التي لا يخاف منها، لان المراد الانس. قال المتولي: والمعتدة عن وطئ شبهة لا قسم لها، لانه(5/658)
يحرم الخلوة بها. الثانية: إذا نشزت عن زوجها، بأن خرجت من مسكنه، أو أراد الدخول عليها فأغلقت الباب ومنعته، أو ادعت عليه الطلاق، أو منعت التمكين، فلا قسم لها كما لا نفقة. وإذا عادت إلى الطاعة، لم تستحق القضاء، وامتناع المجنونة كامتناع العاقلة، لكن لا تأثم. الثالثة: إن لم ينفرد بمسكن وطاف عليهن في مساكنهن، فذاك، وإن انفرد، فيتخير بين المضي إليهن ودعائهن إلى مسكنه في نوبتهن والاول أولى اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن دعاهن، لزمهن الاجابة. ومن امتنعت، فهي ناشزة. وهل له أن يدعو بعضهن إلى مسكنه ويمضي إلى مسكن بعضهن ؟ وجهان. وقال الحناطي: قولان. أصحهما: المنع، وبه قطع البغوي والسرخسي وغيرهما. فإن أقرع بينهن ليدعو من خرجت قرعتها إلى منزله، فينبغي القطع بالجواز، كالمسافرة(5/659)
ببعضهن بالقرعة. ثم الوجهان، إذا لم يكن التخصيص بعذر، فإن كان بأن كان مسكن إحداهما قريبا إليه، فمضى إليها ودعا الاخرى لتخف عنه مؤنة السير، لزمها الاجابة، وكذا لو كان تحته عجوز وشابة، فحضر بيت الشابة لكراهة خروجها ودعا العجوز، فلزمها الاجابة، فإن أبت، بطل حقها. وإذا كان يدعوهن إلى منزله، فمنع بعضهن شغل لها، بطل حقها. وإن منعها من الاجابة مرض، قال ابن كج: عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه. ولو أقام عنده واحدة منهن، ودعا الباقيات إلى بيتها، لم تلزمهن الاجابة لما فيه من المشقة. الرابعة: إن سافرت معه، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. وإن سافرت وحدها من غير إذنه، فهي ناشزة. وإن أذن، نظر، إن كان السفر لغرضه، بقي حقها فيقضيه من حق الباقيات. وإن كان لغرضها كحج وتجارة، سقط حقها على الجديد، فلا قضاء لها. وقيل بالسقوط قطعا، وفائدة الاذن دفع الاثم. فصل فيمن يستحق عليه القسم هو كل زوج عاقل، وإن كان مراهقا أو سفيها. فإن جاز المراهق، فالاثم على وليه، وإن جاز السفيه، فعلى نفسه، (و) أما المجنون، فإن كان لا يؤمن منه ضرر، فلا قسم، وإن أمن، فإن كان قسم لبعضهن ثم جن، فعلى الولي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن، كقضاء الديون. قال المتولي: وذلك إذا طلبن. فإن أردن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة، فلهن ذلك. وإن لم يكن عليه شئ من القسم، فإن رأى منه ميلا إلى النساء، وقال أهل الخبرة: ينفعه غشيانهن، لزم الولي أن يطوف به عليهن، أو يدعوهن إلى منزله، أو يطوف به على بعضهن، ويدعو بعضهن كما يرى. وإن لم ير منه ميلا، فليس عليه الطواف به. وحكى الفوراني وجها، أن حق القسم يبطل بالجنون، ولا يطالب الولي برعايته بحال، ولا يجري الوجه فيما إذا قيل: ينفعه الغشيا. ولو قيل: يضره، لزمه منعه عنهن.(5/660)
أما من به جنون منقطع، فان ضبط، كيوم ويوم، جعلت أيام الجنون كالغيبه، ويقسم في إفاقته. ولو أقام في الجنون عند واحدة، فلا قضاء ولا اعتداد به، كذا قاله البغوي وغيره، وفيه إشعار بأنه لا يقسم أيام جنونه. وحكى أبو الفرج وجها، أنه إذا أقام في الجنون عند واحدة، قضى للباقيات. وقال المتولي: يراعي القسم في أيام الافاقة، ويراعيه الولي في الجنون، ولكل واحدة نوبة من هذا، ونوبة من هذا، وهذا حسن. وإن لم تنضبط الافاقة، وقسم الولي لواحدة في الجنون، وأفاق في نوبة الاخرى، قال الغزالي: يقضي ما جرى في الجنون لنقصه.
الطرف الثاني : في مكان القسم وزمانه، فيه مسائل. إحداها: يحرم عليه أن يجمع بين زوجتين، أو زوجات في مسكن ولو ليلة واحدة إلا برضاهن. والمراد بالمسكن: ما يليق بامرأة من دار وحجرة بيت مفرد. فاللواتي تليق بكل واحدة منهن بيت أو دار أو حجرة، لا يجمع بينهن في دار واحدة ولا حجرة واحدة، لكن لو كان في الدار حجر مفردة المرافق، فله أن يسكنهن فيها. وكذا لو أسكن واحدة في العلو والاخرى في السفل والمرافق متميزة، واللواتي يليق بهن البيوت الفردة له أن يسكن كل واحدة منهن بيتا من خان واحد، أو دار واحدة، ولا يجمع بينهن في بيت إلا بالرضى. وإذا جمعهما في مسكن بالرضى، كره وطئ أحدهما بحضرة الاخرى. ولو طلب، لم تلزمها الاجابة، ولا تصير بالامتناع ناشزة.(5/661)
الثانية: عماد القسم الليل والنهار تابع، وله أن يرتب القسم على الليلة واليوم الذي قبلها، أو اليوم الذي بعدها، هذا حكم عامة الناس. وأما من يعمل ليلا ويسكن نهارا، كالاتوني والحارس، فعماد قسمه النهار، والليل تابع، وعماد قسم المسافر وقت نزوله ليلا كان أو نهارا قليلا أم كثيرا. الثالثة: من عماد قسمه الليل، يحرم عليه أن يدخل في نوبة واحدة على الاخرى ليلا وإن كان لحاجة كعيادة وغيرها. وقيل: يجوز للحاجة، وهو ضعيف، ويجوز الدخول للضرورة بلا خلاف. قال في الشامل: هي مثل أن تموت أو يكون منزولا بها. وقال الشيخ أبو حامد وغيره: هي كالمرض الشديد. قال الغزالي: هي كالمرض المخوف. قال: وكذا المرض الذي يحتمل كونه مخوفا، فيدخل لتبيين الحال. وفي وجه: لا يدخل حتى يتحقق أنه مخوف. ثم إذا دخل على الضرة لضرورة، أو مكث ساعة طويلة، قضى لصاحبة النوبة مثل ذلك في نوبة المدخول عليها، وإن لم تكن إلا لحظة يسيرة، فلا قضاء. ولو تعدى بالدخول، إن طال الزمان، قضى، وإلا، فلا، لكن يعصي. وعن القاضي حسين تقدير القدر المقتضي بثلث الليل. والصحيح أن لا يقدر. هذا إذا لم يجامع المدخول عليها، فإن جامعها، عصى. وفي القضاء أوجه. أحدها: أنه أفسد الليلة، فلا تحسب على صاحبة النوبة. والثاني: يقضي الجماع في نوبة التي جامعها. وأصحها: يقضي من نوبتها مثل تلك المدة، ولا يكلف الجماع. فإن فرض الجماع في لحظة يسيرة، فلا قضاء على هذا الوجه، ويبقى الوجهان الاولان. فرع وأما النهار، فلا تجب التسوية فيه بين النسوة في قدر إقامته في البيت، ولكن ينبغي أن تكون إقامته في بيت صاحبة النوبة إن أقام، ولا يدخل على غيرها إلا لحاجة، كعيادة، وتعرف خبر، وتسليم نفقة، ووضع متاع واحدة. وينبغي أن لا يطيل المقام، ولا يعتاد الدخول على واحدة في نوبة الاخريات، ولا في نوبة واحدة الدخول على غيرها. وإذا دخل على واحدة بغير حاجة، ففي التجريد للمحاملي: أنه يجب القضاء، وحكاه عن نصه في الاملاء. وإن دخل لحاجة، فلا قضاء. هذا هو الصحيح المعروف، وحكى الغزالي وجهين(5/662)
آخرين. أحدهما: أن النهار كالليل، ومقتضى هذا الاطلاق، أن لا يدخل إلا لضرورة، وأنه يقضي إذا دخل متعديا. وحكى ابن كج أن أبا إسحق حكى في وجوب القضاء قولا. والثاني: لا حجر بالنهار. ومقتضى هذا أن يدخل ويخرج كيف شاء بلا قضاء، ولا يجوز في دخول الحاجة أن يجامع. وفي سائر الاستمتاعات وجهان. أصحهما: الجواز. وفي كتاب ابن كج وجه أنه يجوز الجماع وهو شاذ. فرع من عماد قسمه النهار، فليله كنهار غيره، ونهاره كليل غيره في جميع ما ذكرنا. فرع نقل البغوي وغيره، أنها إذا مرضت، أو طرأ بها الطلق، فإن كان لها متعهد، لم يبت عندها إلا في نوبتها، ويراعي القسم. وإن لم يكن متعهد، بات عندها ليالي بحسب الحاجة ويقضي للباقيات إن برأت. وإن ماتت، تعذر القضاء. وفي القضاء لا يبيت عند كل واحدة من الاخريات جميع تلك الليالي ولاء، بل (لا) يزيد على ثلاث ليال، وهكذا يدور حتى يتم القضاء. ولو مرضت ثنتان ولا متعهد، فقد يقال: يقسم الليالي عليهما، ويسوي بينهما في التمريض، ويمكن أن يقال: يقرع بينهما كما يسافر جها بالقرعة. قلت: القسم أرجح. والله أعلم. فرع كان يعمل تارة بالليل، ويستريح بالنهار، وتارة عكسه، فهل يجوز أن يبدل الليل بالنهار، بأن يكون لواحدة ليلة تابعة ونهار متبوع، وللاخرى ليلة متبوعة ونهار تابع ؟ وجهان حكاهما الحناطي. قلت: الاصح المنع لتفاوت الغرض. والله أعلم. الرابعة: أقل نوب القسم، ليلة ليلة، ولا يجوز ببعض الليلة. وحكى ابن كج وجها، أنه يجوز أن يقسم لكل واحدة بعضا من ليلة. وحكى الامام وجها أنه يجوز أن يقسم لكل واحدة ليلة ونصفا، ولا يجوز لكل واحدة بعض ليلة. والصحيح المنع مطلقا. والافضل أن لا يزيد على ليلة اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليقرب عهده بهن كلهن. ولو قسم ليلتين ليلتين، أو ثلاثا ثلاثا، جاز، نص عليه. وفي وجه عن أبي(5/663)
إسحق: لا تجوز الزيادة على ليلة إلا برضاهن. والصحيح الاول. ولا تجوز الزيادة على ثلاثة إلا برضاهن على المذهب. وقيل: قولان أو وجهان. فإن جوزنا الزيادة، فوجهان. أحدهما عن صاحب التقريب: لا تجوز الزيادة على سبعة. والثاني عن الشيخ أبي محمد وغيره: تجوز الزيادة ما لم تبلغ أربعة أشهر مدة تربص المؤلي. الخامسة: إذا أراد الابتداء بالقسم، فوجهان. أحدهما: يبدأ بمن شاء. والصحيح يلزمه القرعة، فيبدأ بالقارعة. فإذا مضت نوبتها، أقرع بين الباقيات. ثم بين الآخرتين، فإذا تمت النوب، راعى الترتيب، ولا حاجة إلى إعادة القرعة. ولو بدأ بلا قرعة، فقد ظلم، ويقرع بين الثلاث. فإذا تمت النوب، أقرع للابتداء.
الطرف الثالث : في التساوي وبيان محل التفاضل. القسم المشروع للعدل، فيحرم التفضيل وإن ترجحت إحداهما بشرف وغيره، فتجب التسوية بين المسلمة والكتابية، ولا يجوز التفضيل إلا بشيئين. أحدهما: الحرية، فللحرة ضعف ما للامة، فدورهما أثلاث. فلو طرأ عتق الامة، فإما أن يكون الابتداء بالحرة، وإما بالامة. الحالة الاولى: بالحرة. فإما أن تعتق في نوبة الحرة، وإما في نوبتها. القسم الاول: في نوبة الحرة، وهو ضربان. أحدهما: أن يعتق في القدر المشترك بين الحرة والامة، بأن عتقت في الليلة الاولى من ليلتي الحرة، فيتم الليلة ويبيت الليلة الاخرى عند العتيقة ليسوي بينهما. الضرب الثاني: عتقت في الليلة الثانية، فلا يلزمه الخروج، بل له أن يبيت عند الحرة بقية الليل، لكن يبيت بعد ذلك عند العتيقة ليلتين. فلو خرج في الحال، وكان بقية الليلة في مسجد أو بيت صديق، لم يلزمه قضاء ما مضى من تلك الليلة. وإن خرج بقية الليلة إلى العتيقة، فقد أحسن. القسم الثاني: تعتق في نوبة نفسها، فإن عتقت قبل تمام ليلتها، كمل لها ليلتين لالتحاقها بالحرة، وحكى الحناطي وغيره وجها، أنها لا تستحق إلا ليلة، نظرا إلى الابتداء. وإن عتقت بعد تمام ليلتها، لم تستحق إكمال ليلتين، بل يقتصر(5/664)
في تلك النوبة على تلك الليلة، ثم يسوي بينهما. وهل العتق في يومها التالي ليلتها كعتقها في ليلتها ؟ حكي عن إمام الحرمين فيه وجهان. أصحهما وهو الموافق لكلام الجمهور: المنع لانه تابع. الحالة الثانية: بدأ بالامة فعتقت في نوبتها، صارت كالحرة فيسوي بينهما وإن عتقت بعد تمام نوبتها، فوجهان. أحدهما: يبيت عند الحرة ليلتين، ثم يسوي بعد ذلك، وبهذا قطع الامام، والمتولي، والغزالي، والسرخسي، ومنع البغوي تكميل الليلتين وقال: إن عتقت في الاولى من ليلتي الحرة، أتمها واقتصر عليها، وإن عتقت في الثانية، خرج من عندها في الحال. وعلى نحو هذا جرى الشيخ أبو حامد وأصحابه وصاحب المهذب. فرع ذكر ابن كج والشيخ أبو الفرج وغيرهما، أن الامة إنما تستحق القسم إذا استحقت النفقة وفي نص الشافعي رضي الله عنه إشارة إليه، وقد بينا في كتاب النكاح متى تجب نفقتها. فرع إسقاط حق القسم بهبته للزوج، أو لضرة الامة لا للسيد، لان معظم الحظ في القسم لها، كما أن خيار العيب لها لا له. فرع ذكر المتولي، أنه إذا قسم للحرة ليلتين، ثم سافر السيد بالامة، لم يسقط حقها من القسم، بل على الزوج قضاء ما فات عند التمكن، لان الفوات حصل بغير اختيارها فعذرت. السبب الثاني: تجدد النكاح، وهو يقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت عند الزفاف، وهي سبع ليال للبكر، وثلاث للثيب، للحديث الصحيح في ذلك، ولتزول الحشمة بينهما، وهذا التخصيص واجب على الزوج. وحكى الحناطي في وجوبه قولين. والمذهب الاول، حتى قال المتولي: لو خرج بعض تلك الليالي بعذر، أو أخرج، قضى عند التمكن. وتجب الموالاة بين السبع والثلاث، لان الحشمة لا تزول بالمفرق. فلو فرق، ففي الاحتساب به وجهان ذكرهما أبو الفرج الزاز. وظاهر كلام الجمهور المنع، وذكر الزاز تفريعا عليه، أنه يوفيها حقها متواليا، ويقضي ما فرق للاخريات، وسواء كانت ثيوبة الجديدة بنكاح أو زنا أو وطئ(5/665)
شبهة. ولو حصلت بمرض أو وثبة، فعلى الوجهين في استئذانها نطقا في النكاح. ولو كانت الجديدة أمة - ولا يتصور ذلك إلا في العبد، فإن له نكاح أمة على حرة - فوجهان. أصحهما: أنها كالحرة في استحقاق السبع والثلاث، لان المراد زوال الحشمة، والامة كالحرة فيه. والثاني: لها نصف ما للحرة كالقسم. وعلى هذا في صفه التنصيف وجهان. أحدهما: تجبر الكسر، فللبكر أربع، وللثيب ليلتان. وأصحهما وبه قطع البغوي: للبكر ثلاث ونصف، وللثيب ليلة ونصف، ثم الاعتبار بحال الزفاف. فلو نكحها وهي أمة، وزفت إليه وهي حرة، فلها حق الحرائر قطعا. وإن عتقت بعد الزفاف، فلها حق الاماء. قال البغوي: ويحتمل أن يقال: لها حق الحرائر إذا عتقت في المدة. فرع إذا وفى حق الزفاف من الثلاث أو السبع، لم يقض للباقيات، ويستحب أن يخير الثيب بين أن يقيم عندها ثلاثا بلا قضاء، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضيهن للباقيات، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة رضي الله عنها. فإن اختارت السبع فأجابها، قضى السبع للباقيات. وإن أقام بغير اختيارها، لم يقض إلا الاربع الزائدة، هذا هو المذهب، وبه قطع الاصحاب. وحكي في المهذب فيما إذا أقام سبعا، وجهين في أنه يقضي السبع، أو أربعا، هكذا أطلقه. فإن أراد: إذا التمسته، حصل وجه أنه لا قضاء على خلاف المذهب. وإن أراد: إذا لم تلتمسه، أو كلتا الحالتين، حصل وجه أنه يجب القضاء، وإن لم يختر على خلاف المذهب. ولو التسمت أربعا، أو خمسا، أو ستا، لم يقض إلا ما زاد على الثلاث. ولو التمست البكر عشرا، لم يجبر إجابتها. فإن أجابها، لم يقض إلا ما زاد على السبع. فرع لو وفى حق جديدة، ثم طلقها، ثم راجعها، فليس لها حق الزفاف، لانها باقية على النكاح الاول وقد وفى حقه. وإن أبانها ثم جدد نكاحها، فقولان أو وجهان. أظهرهما: تجدد الحق. ويجري الخلاف فيما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها.(5/666)
أما لو أبانها قبل توفية حقها ثم نكحها، فيلزمه التوفية بلا خلاف. ولو أقام عند البكر ثلاثا وافتضها، ثم أبانها ثم نكحها، فإن قلنا: يتجدد حق الزفاف، بات عندها ثلاث ليال لانه حق زفاف الثيب. وإن قلنا: لا يتجدد، بات أربعا تتميما للزفاف الاول. فرع نكح جديدتين، وفى لهما حق الزفاف، وكذا لو لم يكن في نكاحه غيرهما. ثم إن زفتا على الترتيب، أدى حق الاولى أولا. وإن زفتا معا وهو مكروه، أقرع بينهما للابتداء، فإذا خرجت قرعة إحداهما، قدم الجميع السبع أو الثلاث. وحكى ابن كج وجها أنه يقدمها بليلة ثم يبيت عند الاخرى ليلة، وهكذا يفعل إلى تمام المدة. وحكى البغوي في الفتاوى وجها، أنهما إذا كانتا بكرين أو ثيبين، فليس لهما حق الزفاف إن لم يكن في نكاحه غيرهما. فإن أراد أن يبيت عندهما، لزمه التسوية. وإن كانت إحداهما بكرا والاخرى ثيبا، خص البكر بأربع، ثم يسوي، وهذا ضعيف. فرع في فتاوى البغوي، أن حق الزفاف إنما يثبت إذا كان في نكاحه أخرى. فإن لم تكن، أو كانت وكان لا يبيت عندها، لم يثبت حق الزفاف للجديدة، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجته أو زوجاته ابتداء. فرع إذا كانت عنده نسوة فزفت إليه الجديدة بعدما سوى بينهن، فيوفيها حقها، ثم يستأنف القسم بين الجميع. وإن كان عنده زوجتان فزفت الجديدة بعدما قسم لاحداهما ليلة، وفي حق الزفاف، ثم يقسم للقديمة الاخرى ليلة، ويبيت عند الجديدة نصف ليلة، لانها تستحق ثلث القسم، ثم يخرج بقية الليلة إلى مسجد ونحوه، ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية. فرع ينبغي أن لا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الجماعات، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وإجابة الدعوات، وسائر أعمال البر التي كان يقوم بها. هذا في النهار، وأما في الليل، فقالوا: لا يخرج لان هذه مندوبات، والمقام عندها واجب. قالوا: وفي دوام القسم، يجب أن يسوي بينهن في الخروج إلى الجماعات وأعمال البر، بأن يخرج في ليلة الجميع، أو لا يخرج أصلا. فلو خرج في ليلة بعضهن فقط، فحرام.(5/667)
الطرف الرابع : في الظلم والقضاء، فيه مسائل. إحداها: تحته ثلاث نسوة، بات عند ثنتين عشرين ليلة، إما عشرا عند هذه ثم عشرا عند هذه، وإما ليلة ليله، فتستحق الثالثة عشر ليال متوالية لا يجوز تفريقها. فلو نكح جديدة عقبى العشرين، لم يجز تقديم العشر، لانه ظلم للجديدة، بل يوفيها أولا حق الزفاف، ثم يقسم بين الجديدة والمظلومة، ويجعل للمظلومة ليلتها وليلتي الآخرتين، فيبيت عند الجديدة ليلة، وعند المظلومة ثلاث ليال. فإذا دار هكذا ثلاث نوب، فقد وفاها تسعا وبقيت ليلة. فإن كان بدأ بالمظلومة، فإذا تمت التسع لها، بات عند الجديدة ليلتها لتمام القسم، ثم يبيت عند المظلومة ليلة لتمام العشر، ويبيت عند الجديدة بهذه الليلة ثلث ليلة ثم يخرج إلى موضع خال عن زوجاته، ثم يستأنف القسم بعد ذلك للاربع. وعن الشيخ أبي محمد، أنه لا يبيت ثلث الليلة عند الجديدة، ويعذر فيه، وليس بشئ، وإن كان بدأ بالجديدة، فإذا تمت التسع للمظلومة، بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج، ثم يبيت ليلة عند المظلومة، ثم يقسم بين كلهن بالسوية، والقسم بين الجديدة والمظلومة بالقرعة كغيرها. الثانية: تحته أربع، ثلاث حاضرات، وواحدة غائبة، فظلم واحدة من الحاضرات بالآخرتين، ثم حضرت الغائبة، فيقضي للمظلومة مع رعاية حق التي حضرت، فيقسم لها ليلة، وللمظلومة ثلاثا، وقد يحتاج آخرا إلى تبعيض ليلة كما سبق في المسألة الاولى، وكذا لو كان يقسم بين نسائه، فخرج في نوبة واحدة، لضرورة، بأن أخرجه السلطان، فيقضي لها من الليلة التي بعدها مثل ما خرج، والاولى أن يراعي الوقت، فيقضي لاولى الليل من أوله، ولآخرة من آخره، ويكون باقي الليل في موضع خال عنهن، ويستثنى ما إذا كان يخاف العسس أو اللصوص ونحو ذلك لو خرج، فيعذر في الاقامة، قاله المتولي. والاولى أن لا يستمتع بها فيما وراء زمان القضاء. فرع قال في الام: لو كان له أربع، فترك القسم لاحداهن أربعين ليلة، قسم لها عشرا. قال الاصحاب: صورته أن يبيت عند الثلاث عشرا عشرا، ويعطل عشر الرابعة، فلا يبيت عند واحدة فيها. أما إذا وزع الاربعين على الثلاث(5/668)
بالسوية، فحصة كل واحدة ثلاث عشرة ليلة وثلث، فيقسم للرابعة مثل ذلك. الثالثة: لو وهبت واحدة حقها من القسم، لم يلزم الزوج القبول، فله أن يبيت عندها في نوبتها. فإن رضي بالهبة، نظر، إن وهبت لمعينة، جاز ويبيت عند الموهوب له ليلتين. فإن كانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوب لها، بات ليلتين ولاء، وإلا فوجهان. أحدهما: أنه إذا انتهت النوبة إلى الموهوب لها، بات عندها ليلتين، لانه أسهل عليه والمقدار لا يختلف. وقياس هذا، أنه إذا كانت ليلة الواهبة أسبق، وبات فيها عند الموهوب لها، يجوز أن يقدم لها ليلتها ويبيتها متصلة بها، وأصحهما: لا تجوز الموالاة، بل يبيت الليلتين منفصلتين. ولو طلق الواهبة، لم يبت عند الموهوب لها بعد ذلك إلا ليلتها، ولا يشترط في هذه الهبة رضى الموهوب لها على الصحيح. وإن وهبت حقها للزوج، فهل له تخصيص واحدة بنوبة الواهبة ؟ وجهان. أحدهما: نعم، وبه قطع العراقيون والروياني وغيرهم، وإليه ميل الاكثرين. فعلى هذا، ينظر هل الليلتان متصلتان أم لا ؟ وحكمه ما سبق. والثاني: المنع، فتجعل الواهبة كالمعدومة، ويسوي بين الباقيات. ولو أبقى الدور بحاله، وبات ليلة الواهبة في كل دور عند واحدة من الباقيات، فلا تفضيل ولا ميل، فلا يبعد تجويزه. فإن جاز، فقياسه أن يجوز وضع الدور في الابتداء كذلك، بأن تجعل ليلة بين لياليهن دائرة بينهن. ولو وهبت حقها لجميع الضرات، أو أسقطت حقها مطلقا، وجبت التسوية فيه بين الباقيات بلا خلاف. فرع للواهبة أن ترجع في الهبة متى شاءت، ويعود حقها في المستقبل، لان المستقبل هبة لم تقبض. حتى لو رجعت في أثناء الليل، يخرج من عند الموهوب لها. وأما ما مضى، فلا يؤثر فيه الرجوع. وكذا ما فات قبل علم الزوج بالرجوع، لا يؤثر فيه الرجوع فلا يقضيه. وخرج في قضائه وجه من تصرف الوكيل بعد العزل قبل العلم. والمذهب الاول. وشبهه الغزالي، بما إذا أباحه ثمرة بستانه ثم رجع وتناول المباح له بعضها قبل العلم بالرجوع. وفي هذه الصورة طريقان محكيان فيما علق عن الامام، فعن الشيخ أبي محمد، في وجوب الغرم قولان، كمسألة الوكيل. وعن الصيدلاني القطع(5/669)
بالغرم ومال إليه الامام، لان الغرامات يستوي فيها العلم والجهل. فرع لا يجوز أن تأخذ عن حقها من القسم عوضا، لا من الزوج ولا من الضرة. فإن أخذت، لزمها رده، ويستحق القضاء على الصحيح، لانه لم يسلم لها العوض. وحكى ابن كج وجها أنه لا قضاء. فرع بات في نوبتها عند غيرها، وادعى أنها وهبتها وأنكرت، فالقول قولها وعليه البينة، ولا تقبل إلا شهادة رجلين. الرابعة: إذا ظلم واحدة، فقد سبق أنه يجب القضاء، وإنما يمكن إذا كانت المظلومة والمظلوم بسببها في نكاحه، فإن فارق المظلومة بطلاق أو غيره، فقد تعذر القضاء، وبقيت الظلامة في ذمته. قال المتولي: لو قسم لواحدة، فلما جاءت نوبة الاخرى، طلقها قبل توفية حقها، عصى، لانه منعها حقها بعد ثبوته، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيا. قلت: هذا النقل غير مختص بالمتولي، بل هو مشهور حتى في التنبيه. والله أعلم. ثم إذا عادت المظلومة إليه بنكاح أو رجعة، والتي ظلم بسببها في نكاحه، لزمه القضاء لتمكنه، وقيل: إن عادت بنكاح جديد، لم يستحق القضاء بناء على عدم عود الحنث. فلو لم تكن في نكاحه التي ظلم بسببها حين عادت المظلومة، بل نكح جديدات، فقد تعذر القضاء، لانه إنما يقضي من نوبة التي ظلم بسببها. ولو لم يفارق المظلومة وفارق التي ظلم بسببها، ثم عادت إلى نكاحه، أو فارقهما ثم عادتا، وجب القضاء، ولا يحسب من القضاء ما بات عندها في مفارقة الظالمة، ويجئ في عود النكاح الجديد الوجه السابق. فرع في نكاحه ثلاث، فبات عند ثنتين عشرين ليلة، ثم فارق إحداهما، يبيت عند المظلومة عشرا تسوية بينهما وبين الباقية - كذا ذكره البغوي، وقال المتولي: يقضي خمسا فقط، لانه إنما يقضي العشر من حقهما وقد بطل حق إحداهما. فرع تحته زوجتان، ظلم إحداهما، ثم نكح ثالثة، لم يتعذر(5/670)
القضاء، بل يقضي للمظلومة من نوبة المظلوم بسببها كما سبق.
الطرف الخامس : في المسافرة بهن. إذا أراد المسافرة ببعض زوجاته، أقرع بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعته، ولا يقضي مدة السفر، وإنما يسقط القضاء بشروط. أحدها: أن يقرع، فإن لم يقرع، لزمه القضاء للمخلفات. وهل يقضي جميع ما بين إنشاء السفر إلى رجوعه إليهن، أم تستثنى مدة الرجوع لخروجه عن المعصية، أم يسقط قضاء ما بعد العزم على الرجوع ؟ فيه أوجه. أصحها: الاول، وما ذكرناه من تحريم المسافرة ببعضهن بلا قرعة، سواء فيه كان يقسم لهن أم لا. وأشار الحناطي إلى خلاف في اختصاصه بمن كان يقسم، والمذهب الاول. وإذا خرجت القرعة لواحدة، لم يجز أن يسافر بغيرها، ويجوز أن يخلفها مع الباقيات. الشرط الثاني: أن لا يقصد بسفره النقلة، وأما سفر النقلة فلا يجوز أن يستصحب فيه بعضهن دون بعض، بقرعة ولا بغيرها. فلو فعل، قضى للمخلفات. وقيل: لا يقضي مدة السفر إن أقرع، والصحيح الاول. ولو نقل بعضهن بنفسه، وبعضهن بوكيله بلا قرعة، قضى لمن مع الوكيل، ويجوز ذلك بالقرعة، كذا ذكره البغوي. قلت: وفي القضاء في هذه الصورة وجهان في التنبيه وغيره، أصحهما: يجب لاشتراكهن في السفر. والله أعلم. وإذا أخذ في الرجوع إليهن بعد تخصيص واحدة بالنقل، ففي قضاء مدة الرجوع الوجهان، ولا يجوز أن يسافر سفر نقلة ويخلف نساءه، بل ينقلهن بنفسه أو بوكيله، أو يطلقهن لما في تخليفهن من الاضرار بهن، هكذا أطلقه الغزالي قال: وإنما لا يكلف في الحضر البيتوتة اكتفاء بداعيته. وفي ما علق عن الامام، أن ذلك أدب وليس بواجب. الشرط الثالث: أن يكون السفر طويلا. فإن كان قصيرا، فوجهان. أصحهما عند البغوي والمتولي وغيرهما: أنه كالطويل. والثاني: لا يجوز أن يستصحب(5/671)
بعضهن فيه بقرعة، ولو فعل قضى. الشرط الرابع: أن لا يعزم على الاقامة، فلا يقضي مدة السفر. وأما إذا صار مقيما، فينظر، إن انتهى إلى مقصده الذي نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فيه، أو نواها عند دخوله، قضى مدة إقامته، وفي مدة الرجوع وجهان. أصحهما: لا يقضي كمدة الذهاب. وإن لم ينو الاقامة وأقال، فقال الامام والغزالي: إن أقام يوما، لم يقضه، والاقرب ما ذكره البغوي: إن زاد مقامه في بلد على مقام المسافرين، وجب قضاء الزائد. ولو أقام لشغل ينتظره، ففي القضاء خلاف كالخلاف في الترخص. قال المتولي: إن قلنا: يترخص، لم يقض، وإلا فيقضي ما زاد على مدة المسافرين، والقياس في مدة الرجوع في هذه الحالة أن يقال: إن لم نوجب القضاء مدة هذه الاقامة، لم يقض مدة الرجوع، وإلا فعلى الوجهين السابقين، والمذهب من الخلاف في الترخص أنه إن كان يتوقع تنجيز شغله ساعة ساعة، ترخص ثمانية عشر يوما. وإن علم أنه لا ينجز في أربعة أيام لا يترخص أصلا. فرع قال الغزالي: شرط عدم القضاء، أن يكون سفرا طويلا مرخصا، وهذا يقتضي وجوب القضاء في سفر المعصية. فرع استصحب واحدة بقرعة، ثم عزم على الاقامة في بلد، وكتب إلى الباقيات يستحضرهن، ففي وجوب القضاء من وقت كتابته وجهان حكاهما البغوي. وفي فتاويه، أنه لو نوى المقام في بلد قبل وصوله مقصده، يقضي مدة مقامه فيه، وهل يقضي مدة ذهابه إلى المقصد بعد ذلك ؟ يحتمل أن يكون على الوجهين في مدة الرجوع، ويحتمل أن يقال: يقضي قطعا. وأنه إذا استصحب واحدة بلا قرعة قضي للباقيات جميع المدة وإن كان لا يبيت معها، إلا إذا تركها في بلد وفارقها، ويحتمل أن يقال: لا يقضي إلا ما بات عندها، ويحتمل أن يقال: يقضي وإن خلفها في بلد.(5/672)
وفيما علق عن الامام ذكر وجهين فيما لو استصحب واحد بقرعة في سفر نقلة وأوجبنا القضاء، هل يخرج من الظلم بتغير عزم النقلة، أم يستمر حكمه إلى أن يرجع إلى المخلفات. فصل إذا سافر بزوجتين بقرعة، عدل بينهما، فإن ظلم إحداهما، قضى لها بالسفر، فإن لم يتفق، قضى في الحضر من نوبة التي ظلمها بها. ولو استصحب واحدة بقرعة، وأخرى بلا قرعة، عدل بينهما أيضا. ثم إذا رجع، قضى للمخلفة من نوبة المستصحبة بلا قرعة، ولا تخص مدة السفر بمن استصحبها بالقرعة، إنما يكون كذلك إذا لم يكن معها غيرها. ولو كانت إحدى المستصحبتين جديدة لم يكن قضى حق زفافها، فيقضيه، ثم يسوي بينهما. ولو أراد تخليف إحداهما في بلد، فله ذلك ولكن تكون بالقرعة. ولو نكح في الطريق جديدة، قضى حق زفافها ثم يسوي بينهما وبين المستصحبات، ولا يلزم القضاء للمخلفات. ولو خرج وحده، ونكح في الطريق، فكذلك، ولا يقضي للمخلفات هذا في مدة السفر، فأما إذا نوى الاقامة في موضع أو أقام أياما، فيقضي في الصورتين ما وراء أيام الزفاف، وفي مدة الرجوع الوجهان. فرع تحته زوجتان، ثم نكح جديدتين وسافر بإحداهما بقرعة اندرج حق زفافها في أيام السفر. فإذا عاد، فهل يوفي حق الاخرى بسبع أو ثلاث ؟ وجهان أصحهما: نعم، لانه حق ثبت قبل السفر، فلا يسقط به، كما لو قسم لبعضهن وسافر، فإنه يقضي بعد الرجوع لمن لم يقسم. لها. والثاني: لا وبه قال ابن سريج، كما لو سافر بإحدى القديمتين، فإنه لا يقضي للاخرى، ولان حق الجديدة عقيب الزفاف وقد مضى. ولو نكح ثنتين وزفتا إليه معا، فسافر بإحداهما بقرعة، فالحكم كذلك، فلو كانتا بكرين فرجع بعد ثلاثة أيام، قال ابن كج: على الوجه الاول يتم لها السبع، ثم توفي الاخرى سبعا. وعلى قول ابن سريج: يتم لها السبع، ويبيت عند الاخرى أربعا، ويبطل ما جرى في السفر. ولو نكح جديدة على قديمة، وسافر قبل توفية الزفاف بإحداهما بقرعة، فإن سافر بالقديمة، وفى حق(5/673)
الجديدة إذا رجع، نص عليه. ويجئ فيه الوجه الآخر. وإن سافر بالجديدة، اندرج حق الزفاف في أيام السفر. فرع تحته نسوة وله إماء، هل له أن يسافر بأمة بلا قرعة ؟ وجهان حكاهما الحناطي، ونسب المنع إلى ابن أبي هريرة، والجواز إلى أبي إسحق، وهو قياس أصل القسم. قلت: الجواز هو الصحيح. والله أعلم. فرع في فتاوى البغوي، أنه لو سافر بإحدى زوجاته الثلاث بالقرعة، ثم نكح في السفر جديدة، ومنعها حق الزفاف ظلما، وبات عند القديمة سبعا، وعاد إلى البلد قبل أن يقضي للجديدة حق الزفاف، وفاها حق الزفاف، ثم يدور على المخلفات والجديدة، فيقضي لها من نوبة القديمة التي كانت معه، بأن يبيت عند كل واحدة من المخلفتين ليلة، وعند الجديدة ليلتين، وهكذا حتى يتم لها السبع، وكذا لو كان تحته ثلاث ونكح جديدة ولم يوفها حق الزفاف، بل بات عند واحدة من الثلاث عشرا ظلما، فعليه أن يوفي حق الجديدة ثم يدور عليها وعلى المظلومتين، حتى يتم لكل واحدة عشرا.
الباب الثاني : في الشقاق الوحشة والشقاق بين الزوجين قد يظهر سببه بأن تنشز أو يتعدى هو عليها، وقد لا يظهر ويشكل الحال في أن المتعدي أيهما أو كلاهما، فهذه ثلاثة أحوال. الاول: أن تتعدى هي. قال الله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) *(5/674)
والمراد بالوعظ، أن يقول: اتقي الله في الحق الواجب عليك، واحذري العقوبة، ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم، وأما الهجران، فهجرها في المضجع، وأما الهجران في الكلام، فممنوع. وفيما علق عن الامام، حكاية وجهين في أنه محرم أم مكروه ؟ قال: وعندي أنه لا يحرم ترك الكلام أبدا، لكن إذا كلم فعليه أن يجيب، وهو كابتداء السلام وجوابه، ولمن ذهب إلى التحريم أن يقول: لا منع من ترك الكلام بلا قصد، فأما بقصد الهجران، فحرام، كما أن الطيب ونحوه إذا تركه الانسان بلا قصد لا يأثم. ولو قصد بتركه الاحداد أثم، وحكي عن نص الشافعي، أنه لو هجرها بالكلام، لم يزد على ثلاثة أيام، فإن زاد أثم. قلت: الصواب، الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام، وعدم التحريم في الثلاثة، للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر، بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور، فلا تحريم. وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر(5/675)
النبي - صلى الله عليه وسلم - كعب بن مالك وصاحبيه، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضا. والله أعلم. وأما الضرب، فهو ضرب تأديب وتعزير، وقدره نذكره في بابه إن شاء الله تعالى. وينبغي أن لا يكون مدميا، ولا مبرحا، ولا على الوجه والمهالك. فإن أفضى إلى تلف، وجب الغرم، لانه تبين أنه إتلاف لا إصلاح، ثم الزوج وإن جاز له الضرب، فالاولى له العفو، بخلاف الولي، فإنه لا يترك ضرب التأديب للصبي، لان مصلحته للصبي، وفي الحديث، النهي عن ضرب النساء. وأشار الشافعي رحمه الله إلى تأويلين له. أحدهما: أنه منسوخ بالآية أو حديث آخر بضربهن. والثاني: حمل النهي على الكراهة، أو ترك الاولى، وقد يحمل النهي على الحال الذي لم يوجد فيه السبب المجوز للضرب. قلت: هذا التأويل الاخير هو المختار، فإن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وعلمنا التاريخ. والله أعلم. إذا عرفت هذا، فلتعدي المرأة ثلاث مراتب. إحداها: أن يوجد منها أمارات النشوز قولا أو فعلا، بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان لينا، أو يجد منها إعراضا وعبوسا بعد طلاقة ولطف، ففي هذه المرتبة، يعظها ولا يضربها ولا يهجرها. الثانية: أن يتحقق نشوزها، لكن لا يتكرر، ولا يظهر إصرارها عليه، فيعظها ويهجرها. وفي جواز الضرب قولان، رجح الشيخ أبو حامد والمحاملي المنع، وصاحبا المهذب والشامل الجواز. قلت: رجح الرافعي في المحرر المنع، والموافق لظاهر القرآن الجواز وهو المختار. والله أعلم.(5/676)
الثالثة: أن يتكرر وتصر عليه، فله الهجران والضرب بلا خلاف، هذه هي الطريقة المعتمدة في المراتب الثلاث. وحكى ابن كج قولا في جواز الهجران والضرب عند خوف النشوز، لظاهر الآية. وحكى الحناطي في حالة ظهور النشوز، ثلاثة أقوال. أحدها: له الوعظ والهجران والضرب. والثاني: يتخير بينها ولا يجمع. والثالث: يعظها. فإن لم تتعظ هجرها، فإن لم تنزجر ضربها. فرع فيما تصير به ناشزة فمنه الخروج من المسكن، والامتناع من مساكنته، ومنع الاستمتاع بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب، ولا أثر لامتناع الدلال، وليس من النشوز الشتم وبذاء اللسان، لكنها تأثم بايذائه، وتستحق التأديب، وهل يؤدبها الزوج، أم يرفع إلى القاضي ليؤدبها ؟ وجهان. ولو مكنت من الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات، فهل هو نشوز يسقط النفقة ؟ وجهان. قلت: أصحهما نعم. والاصح من الوجهين في تأديبها، أنه يؤدبها بنفسه، لان في رفعها إلى القاضي مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد، وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. والله أعلم. الحال الثاني: أن يتعدى الرجل، فينظر، إن منعها حقا كنفقة أو قسم، ألزمه الحاكم توفية حقها. ولو كان يسئ خلقه ويؤذيها ويضربها بلا سبب، ففي التتمة أن الحاكم ينهاه. فإن عاد، عزره. وفي الشامل وغيره، أنه يسكنهما بجنب ثقة ينظرهما، ويمنعه من التعدي، والنقلان متقاربان. وذكروا أنه لو كان التعدي منهما جميعا، فكذلك يفعل الحاكم، ولم يتعرضوا للحيلولة. وقال الغزالي: يحال بينهما حتى يعودا إلى العدل. قال: ولا يعتمد قوله في العدل، وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن. وإن كان لا يمنعها حقا، ولا يؤذيها بضرب ونحوه، لكن يكره صحبتها لمرض أو كبر، ولا يدعوها إلى فراشه، أو يهم بطلاقها، فلا شئ عليه ويستحب لها أن تسترضيه بترك بعض حقها من قسم أو نفقة، وكذا لو كانت هي تشكوه وتكره صحبته، فيحسن أن يبرها ويستميل قلبها بما تيسر له. الحال الثالث: إذا نسب كل واحد الآخر إلى التعدي، وسوء الخلق، وقبح السيرة، ولم يعرف الحاكم المتعدي منهما، يعرف حالهما من ثقه في جوارهما خبير(5/677)
بهما، فإن لم يكن أسكنهما بجنب ثقة يبحث عن حالهما وينهيها إليه. فإن علم الظالم، منعه، هكذا أطلقوه، وظاهره الاكتفاء بقول عدل، ولا يخلو عن احتمال. وإذا اشتد شقاقهما، وداما على السباب الفاحش والتضارب، بعث القاضي حكما من أهله وحكما من أهلها لينظرا في أمرهما ويصلحا بينهما، أو يفرقا إن عسر الاصلاح. وهل بعث الحكمين واجب ؟ قال البغوي: عليه بعثهما، وظاهره الوجوب، وحجته الآية. وقال الروياني: يستحب. قلت: الاصح أو الصحيح: الوجوب. والله أعلم. ثم المبعوثان، وكيلان للزوجين أم حاكمان موليان من جهة الحاكم ؟ فيه قولان. أظهرهما: وكيلان، فعلى هذا يوكل الزوج حكمه في التطليق عليه وقبول الخلع، والمرأة حكمها ببذل العوض وقبول الطلاق، ولا يجوز بعثهما إلا برضاهما. فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شئ، أدب القاضي الظالم، واستوفى حق المظلوم. وإذا قلنا: هما حكمان، لم يشترط رضى الزوجين في بعثهما. وإذا رأى حكم الزوج الطلاق، استقل به ولا يزيد على طلقة، لكن إن راجعها الزوج وداما على الشقاق، طلق ثانية وثالثة. وإن رأى الخلع ووافقه حكمها، تخالعا وإن لم يرض الزوجان. ولو رأى الحكمان أن تترك المرأة بعض حقها من قسم ونفقة، أو أن لا يتسرى أو لا ينكح عليها غيرها، لم يلزمه ذلك بلا خلاف. وإن كان لاحدهما على الآخر مال متعلق بالنكاح، أو غير متعلق، لم يجز للحكم استيفاؤه من غير رضى صاحبه بلا خلاف، ويشترط في المبعوثين التكليف قطعا، ويشترط العدالة والاسلام والحرية على المذهب، ويشترط الاهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما.(5/678)
وأشار الغزالي إلى خلاف فيه. ويشترط الذكورة إن قلنا: حكمان، وإن قلنا: وكيلان، قال الحناطي: لا يشترط في وكيلها، وفي وكيله وجهان، ولا يشترط فيهما الاجتهاد وإن قلنا: حكمان، ولا كونهما من أهل الزوجين، لكن أهلهما أولى. ولو كان القاضي من أهل أحدهما، فله أن يذهب بنفسه، وفيما علق عن الامام اشتراط كونهما من أهلهما، و (لا) يجوز الاقتصار على حكم واحد على الاصح، وبه قطع ابن كج، وينبغي أن يخلو حكمه به وحكمها بها، فيعرفا ما عندهما، وما فيه رغبتهما، فإذا اجتمعا، لم يخف أحدهما عن الآخر شيئا، وعملا ما رأياه صوابا. ولو اختلف رأي الحكمين، بعث آخرين حتى يجتمعا على شئ، ذكره الحناطي. ولو جن أحد الزوجين، أو أغمي عليه، لم يجز بعثهما بعده، وإن جن بعد استعلام الحكمين رأيه، لم يجز تنفيذ الامر. وقيل: إن قلنا: حاكمان، لم يؤثر جنون أحدهما، قاله ابن كج. وقيل: الاغماء لا يؤثر إن قلنا: وكيلان كالنوم، حكاه الحناطي، وهذا ينبغي أن يجئ في كل وكالة، والصحيح الاول. ولو غاب أحد الزوجين بعد بعث الحكمين، نفذ الامر إن قلنا: وكيلان، وإلا، فلا على الصحيح. فرع ذكر الحناطي، أنه لو رأى أحد الحكمين الاصلاح، والآخر التفريق ففرق، نفذ التفريق إن جوزنا الاقتصار على حكم واحد. فرع وكل رجلا فقال: إذا أخذت مالي منها فطلقها، أو خالعها، أو خذ مالي ثم طلقها، لم يجز تقديم الطلاق على أخذ المال. قال أبو الفرج الزاز: وكذا لو قال: خالعها على أن تأخذ مالي منها. ولو قال: خذ مالي وطلقها، فهل يشترط تقديم أخذ المال ؟ وجهان. أصحهما عند البغوي: نعم. ولو قال: طلقها ثم خذ، جاز تقديم أخذ المال، لانه زيادة خير وبالله التوفيق.(5/679)
كتاب الخلع
هو الفرقة بعوض يأخذه الزوج،(5/680)
وأصل الخلع مجمع على جوازه، وسواء في جوازه خالع على الصداق أو بعضه، أو مال آخر أقل من الصداق، أو أكثر، ويصح في حالتي الشقاق والوفاق، وخصه ابن المنذر بالشقاق، ثم لا كراهة فيه إن جرى في حال الشقاق، أو كانت تكره صحبته لسوء خلقه أو دينه، أو تحرجت من الاخلال ببعض حقوقه، أو ضربها تأديبا فافتدت. وألحق الشيخ أبو حامد به ما إذا منعها نفقة أو غيرها فافتدت لتتخلص منه. وإن كان الزوج يكره صحبتها، فأساء عشرتها، ومنعها بعض حقها حتى ضجرت وافتدت، كره الخلع وإن كان نافذا، ويأثم الزوج بفعله. وفي وجه، منعه حقها كالاكراه على الخلع بالضرب وما في معناه، وإذا أكرهها بالضرب ونحوه فاختلعت، فقالت مبتدئة: خالعني على كذا ففعل، لم يصح الخلع، ويكون الطلاق رجعيا إن لم يسم مالا. وإن سماه، لم يقع الطلاق، لانها لم تقبل مختارة، وفي التتمة وجه، أنه لا يقع الطلاق وإن لم يسم المال. ولو ابتدأ وقال: طلقتك على كذا وأكرهها بالضرب على القبول، لم يقع شئ، وإذا ادعت أنه أكرهها على بذل مال عوضا عن الطلاق وأقامت بينة، فالمال مردود إليها، والطلاق واقع، وله الرجعة، نص عليه. قال الاصحاب: موضع الرجعة ما إذا لم يعترف بالخلع، بل أنكر المال أو سكت. فأما إذا اعترف بالخلع وأنكر الاكراه، فالطلاق بائن بقوله، ولا رجعة. ولو(5/681)
زنت فمنعها بعض حقها فافتدت بمال، صح الخلع، وحل له أخذه. وعلى هذا حمل قول الله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * ومن جعل منع الحق كالاكراه بالضرب قال: لا يحل الاخذ. ولو أمسكها عنده وحبسها ليرثها فماتت، ورثها على المشهور. وحكى ابن كج والحناطي قولا أنه لا يرثها. فصل يشتمل هذا الكتاب على خمسة أبواب.
الأول : في حقيقة الخلع، فإن فارقها على عوض بلفظ الطلاق، فهو طلاق سواء فيه صريح الطلاق وكناياته. وإن لم يجز إلا لفظ الخلع، فقولان. الجديد، أنه طلاق ينقص به العدد، وإذا خالعها ثلاث مرات، لم ينكحها إلا بمحلل، والقديم: أنه فسخ لا ينقص به العدد. ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر، والجديد هو الاظهر عند جمهور الاصحاب. ورجح الشيخ أبو حامد، وأبو مخلد البصري القديم، فإن قلنا: فسخ، فلفظ الخلع صريح فيه، ولو قال: فسخت نكاحك بألف فقبلت، أو قال: فاديتك بألف فقالت: قبلت أو افتديت، فوجهان. أصحهما: أنه صريح. والثاني: كناية. فعلى هذا، في انعقاد الخلع بهما خلاف نذكره في أنه هل ينعقد بالكناية إذا جعلناه فسخا، ولو نوى بالخلع الطلاق والتفريع على أنه فسخ، فهل يكون طلاقا أم فسخا لكونه صريحا ؟ فيه وجهان، اختيار القاضي حسين الفسخ، وبه قطع المتولي والغزالي. ولو قال لزوجته: فسخت نكاحك ونوى الطلاق وهو متمكن من الفسخ بعيبها، فالصحيح أنه طلاق وبه قطع القاضي حسين. وقيل: فسخ. أما إذا قلنا: الخلع طلاق، فلفظ الفسخ كناية فيه، ولفظ الخلع فيه قولان. قال في الام: كناية وفي الاملاء: صريح. قال الروياني وغيره: الاول أظهر، واختار الامام والغزالي والبغوي الثاني، ولفظ المفاداة كلفظ الخلع على الاصح. وقيل: كناية قطعا. وإذا قلنا: لفظ الخلع صريح، فذاك إذا ذكر المال، فإن لم يذكره، فكناية على الاصح. وقيل: على القولين.(5/682)
وهل يقتضي الخلع المطلق الجاري بغير ذكر المال ثبوت المال ؟ وجهان. أصحهما عند الامام والغزالي والروياني: نعم للعرف، وكالخلع على خمر، والثاني: لا لعدم الالتزام، فإن أثبتنا المال، فإن جعلناه فسخا أو صريحا في الطلاق أو كناية ونوى، وجب مهر المثل وحصلت البينونة. وإن جعلناه كناية ولم ينو، لغا، وإن لم يثبت المال عند الطلاق، فإن جعلناه فسخا، لغا، لان الفسخ بالتراضي لا يكون إلا بعوض، هكذا حكاه الامام وغيره عن الاصحاب، وذكروا أن مساق كلامهم أنه لو نفى العوض في الخلع، لم يصح الخلع على قول الفسخ، قال الامام: والقياس الحق صحته بلا عوض. وإن جعلناه طلاقا إما صريحا وإما كناية ونوى، فهو طلاق رجعي، وفي افتقاره إلى قبولها وجهان. أصحهما: لا يفتقر، صححه الامام وقطع به البغوي لاستقلال الزوج بالطلاق الرجعي، والوجهان فيما إذا قال: خالعتك وأضمر التماس جوابها وانتظر قبولها. أما لو قال: خلعت أو خالعت، ولم يضمر التماس الجواب، فلا يفتقر إلى الجواب قطعا، كما لو قال: فارقتك. ولو نوى المال ولم يذكره وقلنا: مطلقه لا يقتضي مالا، فهل تؤثر النية في ثبوت المال ؟ وجهان يقربان من انعقاد البيع ونحوه بالكنايات. فإن قلنا: يؤثر، ثبت المال، ولا بد فيه من نيتها أيضا. وإن قلنا: لا تؤثر، فهل يقع الطلاق ويلغى منه المال، أم لا يقع، لانه نوى الطلاق على مال لا مطلقا ؟ وجهان. وفي فتاوى البغوي وجهان فيما لو اختلعت نفسها على بقية صداقها، فخالعها عليه، ولم يكن بقي لها شئ عليه، فهل تحصل البينونة بمهر(5/683)
المثل ؟ ورجح الحصول. فرع يصح الخلع بجميع كنايات الطلاق مع النية إن جعلناه طلاقا، وإن جعلناه فسخا، فهل للكنايات فيه مدخل ؟ وجهان. أصحهما: نعم. فإن نوى الطلاق، أو الفسخ، كان ما نوى. وإن نوى الخلع، عاد الخلاف في أنه فسخ أم طلاق ؟ ولو قال: خالعت نصفك أو يدك على كذا، أو خالعتك شهرا على كذا، نفذ إن جعلناه طلاقا، والقول في المال الواجب سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا ينفذ إن جعلناه فسخا. فرع ترجمة الخلع بسائر اللغات، كلفظة العربي، ولا يجئ فيه الخلاف السابق في النكاح. فرع لفظ البيع والشراء كناية في الخلع، سواء جعل فسخا أم طلاقا، وذلك بأن يقول: بعتك نفسك بكذا، فتقول: اشتريت أو قبلت، ولفظ الاقالة كناية أيضا فيه، وبيع الطلاق بالمهر من جهة الزوج، وبيع المهر بالطلاق من جهتها يعبر بهما عن الخلع، وليكونا كنايتين، كقوله: بعتك نفسك. وفي الزيادات لابي عاصم: إن بيع الطلاق مع ذكر العوض صريح. ورأى إسمعيل البوشنجي من أصحابنا، أن ينزل قوله: بعتك طلاقك بكذا منزلة قوله: ملكتك طلاقك بكذا، حتى إذا طلقت في المجلس، لزم المال ووقع الطلاق. وإن نويا مجرد بيع الطلاق وشرائه من غير إيقاع طلاق منها، وبغير نية طلاق منه، فهذا التصرف فاسد، والنكاح باق بحاله. وإسمعيل هذا إمام غواص متأخر لقيه من لقيناه. فرع قالت: طلقني على كذا فقال: خالعتك، فإن جعلنا الخلع فسخا، لم ينفذ لانه لم يجبها، وإن جعلناه صريحا في الطلاق، أو كناية ونوى، حصلت البينونة ولزم المال. وإن لم ينو، لم يقع شئ و. ولو قالت: خالعني على كذا فقالت: طلقتك عليه، فإن قلنا: الخلع فسخ، لم يقع عليه فرقة لانه لم يجبها. وقل: يقع الطلاق، لانه أعطاها فرقه أقوى مما طلبت، فكأنه زاد، كمن سألته طلقة فطلق طلقتين، والاول أصح. وعلى هذا قوله: طلقتك ابتداء كلام منه، فإن لم يسم المال، وقع طلاق رجعي، وإن سماه، لم يقع ما لم يقبل. وإن قلنا: الخلع طلاق، فإن جعلناه صريحا أو كناية ونوت، حصلت البينونة ولزم المال، ولا يضر(5/684)
اختلاف اللفظ، وإن جعلناه كناية ولم ينو، فقولها لغو. والزوج مبتدئ بالطلاق. ولو وكل رجلا في طلاقها فخالع، فإن قلنا: الخلع فسخ، لم ينفذ. وإن قلنا: طلاق، قال البوشنجي: الذي يجئ على أصلنا، أنه لا ينفذ أيضا، لانه يمنعه الرجعة إن كان بعد الدخول. قال: ولو وكله في الطلاق فطلق على مال، إن كان بحيث يتصور الرجعة، لم ينفذ، وإن لم يتصور بأن كان قبل الدخول، أو كان المملوك له الطلقة الثالثة، فذكر في نفوذه احتمالين لانه حصل غرضه مع فائدة، لكنه غير مفهوم بالتوكيل المطلق، وقد يتوقف في بعض ما ذكره حكما ودليلا. فرع تخالعا هازلين، نفذ إن قلنا: إنه طلاق، وإن قلنا: فسخ، فهو كبيع الهازل، وفيه خلاف سبق. فرع التعليق يمنع صحة الخلع إن قلنا: فسخ، وإن قلنا: طلاق، فلا. فرع فيما يلحق به الخلع من الاصول قال الاصحاب: إن جعلنا الخلع فسخا، فهو معاوضة محضة من الجانبين لا مدخل للتعليق فيه، بل هو كابتداء النكاح والبيع. فلو قال: خالعتك بمائة فقبلت بخمسين، أو قالت: خالعني بمائة فخالعها بخمسين، أو قالت: بخمسين فخالعها بمائة، لم يصح كالبيع. وإن جعلناه طلاقا، أو جرى لفظ الطلاق صريحا، نظر هل بدأ الزوج بالايقاع، أم بدأت بسؤاله ؟ القسم الاول: إن بدأ هو بطلاقها وذكر العوض، فهو معاوضة فيها شوب تعليق، لانه يأخذ مالا في مقابلة ما يزيله، والشوب فيه لكونه يترتب على قبول المال كترتب الطلاق المعلق بشرط، ثم تارة تغلب المعاوضة، وتارة التعليق، وتارة يراعى المعنيان، ويختلف ذلك بالصيغ المأتي بها. فإن أتى بصيغة المعاوضة وصورتها فقال: خالعتك بكذا، أو على كذا، أو طلقتك، أو أنت طالق على كذا، غلب معنى المعاوضة، ويثبت أحكامها، فيجوز له الرجوع قبل قبولها، ويلغو قبولها بعد رجوعه، ويشترط قبولها باللفظ من غير فصل كالبيع وسائر العقود.(5/685)
فلو تخلل زمن طويل، أو اشتغلت بكلام آخر ثم قبلت، لم ينفذ. ولو اختلف الايجاب والقبول، بأن قال: طلقتك بألف فقبلت بألفين، أو بخمس مائة، لم يصح. كالبيع، كذا ذكره البغوي وغيره. وفي الشامل، أنها إذا قبلت بألفين، صح ولا يلزمها الالف، لانه لم يوجب إلا ألفا. والصحيح الاول. ولو قال: طلقتك ثلاثا بألف، فقبلت واحدة بثلث الالف، لم يصح وإن قبلت واحدة بالالف، فثلاثة أوجه. أحدها: لا يقع شئ كالبيع، والثاني: يقع طلقة، لان الزوج هو المستقل بالطلاق، وأصحها: يقع الثلاث، صححه الشيخ أبو علي والغزالي، وبه قال القفال، لان قبولها إنما يحتاج إلى المال، وأصل الطلاق وعدده يستقل به الزوج. وإذا قلنا: يقع الثلاث أو واحدة، ففيما يستحقه الزوج عليها وجهان. أصحهما: الالف، وبه قال ابن الحداد، والشيخ أبو محمد، لان الايجاب والقبول تعلقا به. والثاني عن ابن سريج: أنه يجب مهر المثل لاختلاف الايجاب والقبول. وإن أتى الزوج بصيغة تعليق، نظر، إن قال: متى أعطيتني، أو متى ما، أو أي وقت، أو حين، أو زمان، غلب معنى التعليق وثبتت أحكامه، وجعل كالتعليق بسائر الاوصاف، حتى لا يحتاج إلى قبول باللفظ، ولا يشترط الاعطاء في المجلس، بل متى وجد الاعطاء طلقت، وليس للزوج الرجوع قبل الاعطاء، وإن قال: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني كذا فأنت طالق، فله بعض أحكام التعليق، فلا يحتاج إلى القبول لفظا، ولا رجوع للزوج قبل الاعطاء. وقيل: يجوز له الرجوع قبل الاعطاء، حكاه البغوي، وقطع به صاحب المهذب، ويقرب منه ما حكاه ابن كج عن ابن سلمة، أن الزوج بالخيار بين أن لا يقبل الالف الذي أحضرته، وبين أن يقبل. والصحيح الاول، وله بعض أحكام المعاوضة وهو اشتراط الاعطاء في المجلس. واختار صاحب المهذب إلحاق إذا بمتى، وألحقها الجمهور بأن كما ذكرنا. وحكي وجه، أن كلمة إن كمتى في أنه لا يشترط تعجيل الاعطاء وهو شاذ. ثم قال المتولي: اشتراط الاعطاء على الفور مخصوص بالزوجة الحرة فإن قال لزوجته الامة: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق،(5/686)
وقع الطلاق متى أعطته الالف وإن طال الزمان، لانها لا تقدر على الاعطاء في المجلس غالبا، بخلاف ما إذا قال: إن أعطيتني زق خمر فأنت طالق، فإنه يشترط الفور وإن لم تملك الخمر، لان يدها قد تشمل على خمر. قال: ولو أعطته الامة ألفا من كسبها، حصلت البينونة لوجود الصفة، وعليه رد المال إلى سيدها ويطالبها بمهر المثل إذا عتقت. فرع المراد بالمجلس الذي يشترط فيه الاعطاء مجلس التواجب وهو ما يحصل به الارتباط بين الايجاب والقبول، ولا نظر إلى مكان العقد. وفي وجه حكاه ابن كج وغيره، أنه يقع الطلاق إذا أعطته قبل تفرقهما وإن طالت المدة. والصحيح الاول. القسم الثاني: إذا بدأت بسؤال الطلاق فأجابها، فهو معاوضة فيها شوب جعالة. والصحيح لها الرجوع قبل أن يجيبها، لان هذا حكم المعاوضة والجعالة، وسواء أتت بصيغة تعليق كقولها: إن طلقتني أو متى طلقتني فلك كذا، أو قالت: طلقني على كذا، فهو معاوضة في الحالتين، ويشترط أن يطلقها في مجلس التواجب، سواء فيه صيغة المعاوضة والتعلق، وسواء علقت بأن أو بمتى. فلو طلقها بعد مدة طويلة، كان طلاقا مبتدأ. ولو قالت، طلقني ثلاثا على ألف فطلق واحدة على ثلث الالف، أو اقتصر على قوله: طلقتك واحدة، وقعت الواحدة واستحق ثلث الالف. كما لو قال: رد(5/687)
عبيدي ولك ألف، فرد أحدهم. وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه لا يقع شئ وغلط قائله. فرع قال لامرأتيه: خالعتكما أو طلقتكما، أو أنتما طالقان بألف، فقبلت إحداهما فقط، لم يقع شئ، وقيل: يصح في حق القائلة والصحيح الاول. ولو قال: طلقت إحداكما بألف ولم يعين فقالتا: قبلنا، لم يصح ذكره البغوي. ولو قال: خالعتك وضرتك بألف. فقالت: قبلت، صح الخلع، ولزمها الالف، لان الخطاب معها وحدها وهي مختلعة لنفسها، وقابلة لضرتها كالاجنبي. ولو قالتا له: طلقنا بألف فطلق إحداهما، طلقت دون الاخرى. وهل يلزمها مهر المثل أم حصتها من المسمى إذا وزع على مهر مثلهما، أم نصف المسمى ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها الاول، وتجري الاقوال في الواجب على كل واحدة إذا طلقهما. قال الشيخ أبو حامد: والخلاف مخصوص بصورة الاطلاق. أما لو قال: طلقتكما على ألف مناصفة، أو قالتا: طلقنا على ألف مناصفة، فهو مناصفه بلا خلاف. ولو قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك بخمس مائة، بانت واستحق خمسمائة على الصحيح، وقيل: لا تطلق تغليبا للمعاوضة، وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في أركان الخلع وهي خمسة.
الأول : الزوج، فيوجب ابتداء أو يجيب سؤالها، ويشترط أن يكون ممن ينفذ طلاقه، فلا يصح خلع الصبي والمجنون، ويصح خلع المحجور عليه بفلس أو سفه، سواء أذن الولي أم لا، وسواء كان العوض مهر المثل أو دونه، لان طلاقها مجانا نافذ، ولا يجوز للمختلع تسليم المال إلى السفيه، بل يسلمه إلى الولي، فإن سلمه إلى السفيه وكان الخلع على عين مال، أخذها الولي من يده. فإن تركها في يده حتى تلفت بعد علمه بالحال، ففي وجوب الضمان على الولي وجهان حكاهما(5/688)
الحناطي. وإن تلف في يد السفيه ولم يعلم الولي بالتسليم، رجع على المختلع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمة العين على القول الآخر. وإن كان الخلع على دين، رجع الولي على المختلع بالمسمى، لانه لم يجر قبض صحيح تبرأ به الذمة، ويسترد المختلع من السفيه ما سلمه إليه. فإن تلف في يد السفيه، فلا ضمان، لانه ضيع ماله بتسليمه إلى السفيه، كمن باعه شيئا وسلمه إليه وتلف عنده، هذا إذا كان التسليم إلى السفيه بغير إذن الولي، فإن كان بإذنه، ففي الاعتداد بقبضه وجهان عن الداركي، ورجح الحناطي الاعتداد. فرع يصح خلع العبد بغير إذن سيده وبدون مهر المثل، ويدخل المهر في ملك سيده قهرا كأكسابه، ولا يسلم المختلع المال إليه بل إلى السيد. فإن سلمه إليه فعلى ما سبق في السفيه، إلا أن ما يتلف في يد العبد يطالبه المختلع بضمانه إذا عتق، وما يتلف في يد السفيه لا يطالبه به، لا في الحال ولا بعد الرشد، وخلع المدبر والمعتق بعضه كالقن. فإن جرت مهايأة بين من بعضه حر وبين سيده، فليكن عوض الخلع من الاكساب النادرة، وليجئ فيه الخلاف. والمكاتب يسلم إليه عوض الخلع لصحة يده واستقلاله.
الركن الثاني : المختلع يشترط في قابل الخلع من الزوجة والأجنبي، أن يكون مطلق التصرف في المال، صحيح الالتزام. وللحجر أسباب. أحدها: الرق. فإن اختلعت الامة نفسها بغير إذن سيدها، نظر إن اختلعت(5/689)
بعين ماله، فقولان. أحدهما: يقع الطلاق رجعيا كالسفيهة والمشهور أنه يقع بائنا كالخلع على خمر، وهل المستحق عليها مهر المثل أم بدل العين ؟ قولان. أظهرهما: الاول. وإن اختلعت على دين، بانت. وهل عليها المسمى أم مهر المثل ؟ وجهان، أو قولان. أصحهما: الاول، وبه قطع العراقيون، واختاره القفال والشيخ أبو علي، ثم ما ثبت عليها باختلاعها يتعلق بذمتها تطالب به بعد العتق لا في الحال. أما إذا اختلعت بإذن سيدها، فأما أن يبين العوض، وإما أن يطلق. فإن بين، نظر، إن كان عينا من ماله، نفذ الخلع، واستحق الزوج تلك العين، وإن قدر دينا، بأن قال: اختلعي بألف ففعلت، تعلق الالف بكسبها كمهر زوجة العبد. وإن زادت على ما قدر، فالزيادة في ذمتها. وإن قال: اختلعي بما شئت، اختلعت بمهر المثل، وبالزيادة إن شاءت، وتعلق اجميع بكسبها، ذكره البغوي. وإن أطلق الاذن، اقتضى مهر المثل. فإن لم تزد عليه، ففي كسبها، وإلا فالزيادة في ذمتها، وما يتعلق بكسبها يتعلق بما في يدها من مال التجارة إن كانت مأذونا لها. وإن جرى الخلع بإذن السيد والعوض دين، ففي كون السيد ضامنا له الخلاف السابق في مهر زوجة العبد. فرع اختلاع المكاتبة بغير إذن سيدها، كاختلاع الامة بغير إذنه. وإن اختلعت بإذنه، فالمذهب والمنصوص هنا أنه كاختلاعها بغير إذن. وقيل: كاختلاع الامة بالاذن، ولا يكون السيد هنا ضامنا بلا خلاف.(5/690)
فرع اختلاع السيد أمته التي هي تحت حر، أو مكاتب على رقبتها، قال إسمعيل البوشنجي: تحصلت فيه بعد إمعان النظر على وجهين. أحدهما: تحصل الفرقة بمهر المثل. وأصحهما: لا يصح الخلع أصلا. السبب الثاني: الحجر بالسفه. فإذا قال لزوجته المحجور عليها لسفه: خالعتك أو طلقتك على ألف فقبلت، وقع الطلاق رجعيا، سواء فعلت ذلك بإذن الولي أم بغير إذنه، ولا يلزمها المال، وليس للولي صرف مالها في الخلع. فإن لم تقبل، لم يقع الطلاق، لان الصيغة تقتضي القبول، فأشبه الطلاق المعلق على صفة. ولو قال لها: طلقتك على ألف إن شئت فقالت على الاتصال: شئت وقع الطلاق رجعيا. ولو بدأت فقالت: طلقني على كذا فأجابها، وقع طلاق رجعي أيضا. فرع له زوجتان: رشيدة ومحجور عليها بسفه، فقال: طلقتكما على كذا، فقبلتا، طلقت الرشيدة بائنا، وعليها مهر المثل على الاظهر، وطلقت السفيهة رجعيا، وإن قبلت إحداهما، لم يقع عليهما شئ. ولو كانتا سفيهتين، فقال: طلقتكما على ألف فقبلتا، وقع الطلاق عليهما رجعيا. وإن قبلت إحداهما، لم يقع شئ. ولو بدأتا فقالتا: طلقنا بألف فطلقهما، وقع الطلاق على السفيهة رجعيا، وعلى الرشيدة بائنا. وإن أجاب السفيهة، وقع عليها رجعيا، وإن أجاب الرشيدة، وقع بائنا. وقوله: أنتما طالقان على ألف إن شئتما، كقوله: طلقتكما على ألف في جميع ذلك. السبب الثالث: الجنون والصغر، فقبول مجنونة وصغيرة لا تمييز لهما لغو.(5/691)
وقول الزوج لها: أنت طالق على كذا لغو. ولو قال ذلك لصغيرة مميزة فقبلت، فهل يقع طلاق رجعي أم لا يقع شئ ؟ وجهان. رجح الامام والغزالي المنع، والبغوي الوقوع. السبب الرابع: المرض. فإذا اختلعت في مرض موتها، نظر، إن كان بمهر المثل، نفذ ولم يعتبر من الثلث، وإن كان بأكثر، فالزيادة كالوصية للزوج، فيعتبر من الثلث ولا يكون كالوصية للوارث لخروجه بالخلع عن الارث. ولو اختلعت بعبد قيمته مائة، ومهر مثلها خمسون، فقد حابت بنصف العبد، فينظر، إن خرجت المحاباة من الثلث، فالعبد كله للزوج عوضا ووصية. وحكى الشيخ أبو حامد وجها، أنه بالخيار بين أن يأخذ العبد، وبين أن يفسخ العقد فيه ويرجع إلى مهر المثل، لانه دخل في العقد على أن يكون (العبد) كله عوضا. والصحيح الاول، إذ لا نقص ولا تشقيص. وإن لم يخرج من الثلث، بأن كان عليها دين مستغرق، لم تصح المحاباة، والزوج بالخيار، بين أن يمسك نصف العبد وهو قدر مهر المثل، ويرضى بالتشقيص، وبين أن يفسخ المسمى ويضارب الغرماء بمهر المثل. وإن كان لها وصايا أخر، فإن شاء الزوج، أخذ نصف العبد وضارب أصحاب الوصايا في النصف الآخر. وإن شاء فسخ المسمى وتقدم بمهر المثل على أصحاب الوصايا، ولا حق له في الوصية، لانها كانت في ضمن المعاوضة وقد ارتفعت بالفسخ. وإن لم يكن دين ولا وصية ولا شئ لها سوى ذلك العبد، فالزوج بالخيار، إن شاء أخذ ثلثي العبد، نصفه بمهر المثل، وسدسه بالوصية، وإن شاء فسخ وليس له إلا مهر المثل. فرع مرض الزوج لا يؤثر في الخلع، فيصح خلعه في مرض الموت بدون مهر المثل، لان البضع لا يبقى للوارث لو لم يخالع، كما لو أعتق مستولدته في مرض الموت، لا يعتبر من الثلث، ولانه لو طلق بلا عوض لم يعتبر قيمة البضع من الثلث.
الركن الثالث : المعوض وهو البضع، وشرطه أن يكون مملوكا للزوج. فأما البائنة بخلع وغيره، فلا يصح خلعها، ويصح خلع الرجعية على الاظهر لانها زوجة. والثاني: لا لعدم الحاجة إلى الافتداء. وقيل: يصح خلعها بالطلقة الثالثة(5/692)
دون الثانية لتحصل البينونة الكبرى. وإذا قلنا: لا يصح، فنقل الامام وغيره عن الاصحاب، أن الطلاق يقع رجعيا إذا قبلت كالسفيهة. فرع خالع مرتدة مدخولا بها، توقف، فإن عادت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا صحة الخلع ولزوم المال المسمى، وإلا تبينا بطلان الخلع لانقطاع النكاح بالردة، وكذا الحكم لو ارتد الزوج بعد الدخول، أو ارتدا معا، ثم جرى الخلع، وكذا لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين، ثم تخالعا، وأطلق المتولي أنه لا يصح الخلع بعد تبديل الدين لان الملك كالزائل.
الركن الرابع : العوض هو كالصداق، فيجوز قليلا وكثيرا، عينا ودينا، ويشترط أن يكون معلوما متمولا مع سائر شروط الاعواض، كالقدرة على التسليم واستقرار الملك وغيرهما، وتفصيله بصور. إحداها: لو خالع على مجهول كثوب غير معين، حصلت البينونة ورجع إلى مهر المثل، ومن المجهول حمل البهيمة والجارية، سواء قال: خالعتك بما في بطنها أو على حملها. ولو خالع بألف إلى أجل مجهول، أو خالع بشرط فاسد كشرط أن لا ينفق عليها وهي حامل، أو لا سكنى لها، أو لا عدة عليها، أو أن يطلق ضرتها، بانت بمهر المثل. وحكى المتولي وجها، أنه لا تحصل الفرقة في صورة الجهل وسائر صور فساد العوض، وكذا لو خالع ولم يذكر عوضا بناء على أن الخلع فسخ، والمذهب الاول. فرع خالعها على ما في كفها ولم يعلمه، أو علمه ولم نصحح بيع الغائب، بانت بمهر المثل، وإن علم وصححناه، وبانت بالمسمى. فإن لم يكن في كفها شئ، ففي الوسيط أنه يقع الطلاق رجعيا، والذي نقله غيره وقوعه بائنا بمهر المثل، ويشبه أن يكون الاول فيما إذا كان عالما بالحال، والثاني فيما إذا ظن في كفها شيئا. قلت: المعروف الذي أطلقه الجمهور، كأصحاب الشامل والتتمة(5/693)
والمستظهري والبيان وغيرهم، وقوعه بائنا بمهر المثل، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين. والله أعلم. الصورة الثانية: خالعها على ما ليس بمال كخمر أو حر، بانت. وهل يرجع عليها بمهر المثل، أم ببدل المذكور ؟ قولان. أظهرهما: الاول. ولو خالع على مغصوب، فكذلك، ويفرق بين أن يقول: خالعتك على هذا العبد فبان حرا، وبين قوله: خالعتك على هذا الحر في أصح الطريقين، كما سبق في الصداق حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية، لفساد الصيغة، وكذا يفرق بين قوله: خالعتك على هذا العبد فبان مستحقا، وبين قوله: خالعتك على هذا المغصوب حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية. وعن القاضي حسين وجه فيما إذا خالع على خمر أو مغصوب: وقع الطلاق رجعيا، لان المذكور ليس بمال، فلا يظهر طمعه في شئ، والصحيح الاول، وبه قطع الاصحاب. ولو خالع على دم، وقع الطلاق رجعيا، وعللوه بأنه لا يقصد بحال، فكأنه لم يطمع في شئ. والخلع على الميتة، كالخمر لا كالدم، لانها قد تقصد للضرورة وللجوارح. الصورة الثالثة: الخلع على مالا يقدر على تسليمه، ومالا يتم ملكه عليه، كالخلع على خمر في جريان القولين فيما يرجع به من مهر المثل والبدل. ولو خالع على عين فتلفت قبل القبض، أو خرجت مستحقة، أو معيبة فردها أو فاتت منها صفة مشروطة فردها، ففيم يرجع به القولان. ولو خالعها على ثوب في الذمة ووصفه كما ينبغي، فأعطته ثوبا بالصفة فبان معيبا، فله رده ويطالب بمثله سليما كما في السلم. وإن قال: إن أعطيتني ثوبا بصفة كذا فأنت طالق، فأعطته ثوبا بتلك الصفة،(5/694)
طلقت. فإن خرج معيبا فرده، عاد القولان في أنه يرجع بمهر المثل أم بقيمة ذلك الثوب سليما ؟ الرابعة: التوكيل بالخلع من الجانبين جائز. فأما وكيل الزوج، فإن قدر له مالا بأن قال: خالعها بمائة، فينبغي أن يخالع بالمائة فأكثر، ولا ينقص. فإن خالع بمائة وثوب، فهو كما لو قال: بع عبدي بمائة فباعه بمائة وثوب وقد سبق. وإن أطلق التوكيل في الخلع، فينبغي أن يخالع بمهر المثل وأكثر، ولا ينقص. وصورة إطلاق التوكيل أن يقول: وكلتك في خلع زوجتي، أو خالعها ولا يذكر مالا، ويكفي هذا في التصوير إن قلنا: إن مطلق الخلع يقتضي مالا، وإن قلنا: لا يقتضيه، اشترط أن يقول: خالعها بمال. فإن نقص الوكيل عن المائة في صورة التقدير، فالنص لا يقع الطلاق، وإن نقص عن مهر المثل في صورة الاطلاق، فالنص وقوعه. وللاصحاب فيه طرق، مجموعها خمسة أقوال. أظهرها: يقع الطلاق في صورة الاطلاق بمهر المثل، ولا خيار للزوج، ولا يقع في صورة التقدير عملا بالنصين، لتصريح المخالفة في صورة التقدير. والثاني: لا يقع فيهما كالمخالفة في البيع والثالث: يتحتم وقوع الطلاق بائنا فيهما، ويتخير الزوج بين المسمى ومهر المثل. والرابع: يتخير بين المسمى وبين ترك العوض، وجعل الطلاق رجعيا. والخامس: إن رضي بالمسمى، فذاك، وإلا فلا طلاق. وخلع الوكيل بغير نقد البلد، أو غير جنس المسمى، وبالمؤجل، كخلعه بدون المقدر أو دون مهر المثل، ففيه الخلاف المذكور. وأما وكيل الزوجة، فإما أن يقدر له العوض، وإما لا. الحالة الاولى: قدرت فقالت: اختلعني بمائة، فإن اختلعها بها أو بما دونها(5/695)
بالوكالة عنها، نفذ. والقول في أنه هل يطالبه الزوج يأتي في فصل خلع الاجنبي إن شاء الله تعالى. وإن اختلع بأكثر من مائة وأضا ف إليها فقال: اختلعها بكذا من مالها بوكالتها، فالمنصوص وقوع الطلاق بائنا. وخرج المزني قولا أنه لا يقع الطلاق. ونقل الحناطي قولا، أنه يقع ولا يلزمها ولا الوكيل شئ. والمشهور حصول البينونة. فعلى هذا، يلزمها مهر المثل على الاظهر، وهو نصه في الاملاء. ونص في الام، أنه يلزمها أكثر الامرين مما سمته هي، ومن أقل الامرين من مهر المثل، وما سماه الوكيل. فإن كان مهر المثل زائدا على ما سماه الوكيل، لم تجب الزيادة على ما سماه على هذا القول، وكذا لو كان ما سماه الوكيل أكثر من مهر المثل، لم تجب الزيادة. فلو سمت مائة وسمى الوكيل مائتين، ومهر المثل تسعون، فالواجب تسعون على القول الاول، ومائة على الثاني. ولو كان مهر المثل مائة وخمسين، فالواجب مائة وخمسون على القولين. ولو كان مهر المثل ثلاثمائة، لم يجب على القول الثاني إلا مائتان. وحكى قول ثالث، أنها بالخيار، إن شاءت أجازت بمسمى الوكيل، وإن شاءت ردت وعليها مهر المثل. وأما مطالبة الوكيل بما عليها، فقال الاصحاب: لا يطالب إلا أن يقول: إني ضامن فيطالب بما سمى، هذا هو المذهب، وبه قطع الاصحاب في طرقهم، وفي المختصر تعرض لمثله، وفي المجرد للحناطي قول شاذ، أنه لا أثر لهذا الضمان. وقال الامام: ينبغي أن يكون أثر الضمان في مطالبته بما تطالب به المرأة، ولا تطالب بزيادة عليه وهذا ضعيف. ثم إذا غرم الوكيل للزوج، قال البغوي: لا يرجع عليها إلا بما سمت، ويجئ فيه قول إنه يرجع بالواجب عليها وهو مهر المثل أو أكثر الامرين كما سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا اختلع ولم يضف إليها. أما إذا اختلع وأضاف إلى نفسه، فهو اختلاع أجنبي والمال عليه. ولو أطلق ولم يضف إليها ولا إليه، فان قلنا بالمشهور، فعلى الوكيل ما(5/696)
سماه، وفيما عليها منه قولان. أظهرهما: عليها ما سمت والباقي على الوكيل، فعلى هذا لو طالب الزوج الوكيل به، رجع على الزوجة بما سمت. والثاني: عليها أكثر الامرين مهر المثل وما سمت. فإن بقي شئ مما سمى فعلى الوكيل. وإن زاد مهر المثل على ما سمى الوكيل، لم تجب تلك الزيادة، لان الزوج رضي بما سمى الوكيل. ولو أضاف ما سمته إليها والزيادة إلى نفسه، ثبت المال كذلك. ولو خالف الوكيل في جنس العوض بأن قالت: خالع على دراهم، فخالع بدنانير أو ثوب، فوجهان. أحدهما عن القاضي حسين: ينصرف الاختلاع عنها فيلغو إن أضاف إليها، ويقع عن الوكيل إن أطلق. وأصحهما وبه قطع البغوي، تحصل البينونة، ثم ينظر، إن أضاف الخلع إلى مالها. ولم يقل: وأنا ضامن، فالرجوع عليها بمهر المثل على الاظهر، وبأكثر من مهر المثل وبدل ما سمت في القول الثاني. وإن قال: وأنا ضامن أو لم يضف العقد إليها، لم يرجع إلا ببدل ما سمت. الحالة الثانية: إذا أطلقت التوكيل، فمقتضاه الاختلاع بمهر المثل. فإن نقص عنه أو ذكر فيه أجلا، فقد زادها خيرا، وإن زاد على مهر المثل، فهو كما لو قدرت فزاد على المقدر، وحكمه ما سبق، لكن لا يجئ قول وجوب أكثر الامرين. فرع اختلعها وكيلها بخمر أو خنزير، بانت ولزمها مهر المثل، سواء أطلقت التوكيل، أو سمت الخمر والخنزير. وقال المزني: لا يصح التوكيل إذا سمت الخمر، ولا ينفذ معه خلع الوكيل. ولو خالع وكيل الزوج على خمر أو خنزير، وكان قد وكله بذلك، فقد طرد أبو الفرج الزاز فيه مذهبنا ومذهب المزني.
فرع في فتاوى البغوي قالت لوكيلها: اختلعني بطلقة على ألف، فاختلعها بثلاث طلقات على ألف، فإن أضاف إليها، لم يقع إلا طلقة، وإلا وقع الثلاث، وليس عليها إلا ثلث الالف، لانه لم تحصل مسألتها إلا بثلث الالف، وعلى الوكيل البقية. وفي هذا نظر، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنها لو قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا، وقع الثلاث واحدة منها بالالف، وفيها أنها لو قالت: اختلعني من زوجي بثلاث على ألف، فاختلعها واحدة على ألف، فإن أضاف إليها، لم يقع، وإلا وقع وعلى الوكيل ما سماه.(5/697)
وأن الرجل لو قال لوكيله: خالعها ثلاثا بألف، فخالع واحدة على ألف، وقع لانه زاد خيرا. وأنه لو وكله بتطليقها بألف، ووكل آخر بتطليقها بألفين، فأيهما سبق وقع الطلاق بما سمى. وإن أوجبا معا، فقالت: قبلت منكما، أو كانت وكلت وكيلين أيضا، فقبل وكيلاها من وكيله معا، لم يقع شئ، كما لو وكل رجلا ببيع عبده بألف، وآخر ببيعه بألفين فعقدا معا لا يصح البيع. وفي فتاوى القفال، أنه لو وكله بتطليق زوجته ثلاثا، فطلقها واحدة بألف، وقعت رجعية ولا يثبت المال، ومقتضى هذا أن يقال: لو طلقها ثلاثا بألف، لا يثبت المال أيضا، ولا يبعد أن يقال: يثبت المال وإن لم يتعرض الزوج له كما لو قال: خالعها بمائة فخالع بأكثر. الركن الخامس: الصيغة، ولا بد منها، ويشترط أن لا يتخلل بين الايجاب والقبول كلام أجنبي، فإن تخلل كلام كثير، بطل الارتباط بينهما، وإن تخلل كلام يسير، لم يضر على الصحيح. فصل سألت زوجها طلاقا بعوض، وارتدت عقب السؤال ثم أجابها، فينظر، إن كان قبل الدخول، تنجزت الفرقة بالردة فلا مال عليها ولا طلاق. وإن كان بعد الدخول، فالطلاق موقوف. فإن أصرت حتى انقضت العدة، فلا مال ولا طلاق. وإن أسلمت قبلها، تبينا وقوع الطلاق ولزمها المال، وحسبت العدة من وقت الطلاق. ولو قالت له امرأتاه: طلقنا بألف، ثم ارتدتا ثم أجابهما، فإن لم يكن دخل بهما، لغا الطلاق، وكذا لو كان دخل بهما وأصرتا حتى انقضت العدة. وإن أسلمتا قبلها، تبينا وقوع الطلاق عليهما. وهل العوض الواجب على كل واحدة مهر المثل، أم نصف المسمى، أم حصتها منه إذا وزع على مهر مثلهما ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الاول. وإن أصرت إحداهما وأسلمت الاخرى، لم يقع الطلاق على المصرة، ويقع على المسلمة، وفيما يلزمها الاقوال. وفي وجه يلزمها كل المسمى، حكاه الحناطي.(5/698)
ولو ارتدت إحداهما ثم أجابهما وكان قبل الدخول أو بعده وأصرت حتى انقضت العدة، طلقت المسلمة دون المرتدة. ولو ابتدأ الزوج فقال طلقتكما بألف، فارتدتا، ثم قبلتا، فإن لم يدخل بهما أو دخل وأصرتا، لغا الخلع. وإن دخل بهما وأسلمتا في العدة، طلقتا، وإن أسلمت إحداهما وأصرت الاخرى، لم تطلق واحدة منهما، كما لو قبلت إحداهما دون الاخرى، وقد سبق أنه إذا ابتدأ الزوج بالايجاب، فلا بد من قبولهما بخلاف ما إذا ابتدأتا. ولو خاطبهما كما ذكرنا وارتدت إحداهما ثم قبلتا، فإن كانت المرتدة غير مدخول بها، أو مدخولا بها وأصرت حتى انقضت العدة، فلا طلاق فيهما. وإن أسلمت في العدة، طلقتا. ولو ارتدتا بعد الدخول ثم قالتا: طلقنا بألف فأجابهما ثم أسلمتا، طلقتا. وحكى الحناطي خلافا، في أنه يقع رجعيا أم ببدل، وهذا الخلاف عجيب. قلت: الصواب وقوعه بائنا ببدل، كما أشار إليه الرافعي. والله أعلم. فصل قال الزوج: خالعتك بألف درهم، فقالت: قبلت الالف، ففي فتاوي القفال أنه يصح ويلزم الالف وإن لم تقل: اختلعت. وكذا لو قال الاجنبي: خالعت زوجتي بألف، فقال: قبلته. وإن أبا يعقوب غلط فقال في حق المرأة: يشترط قولها: اختلعت، ولا يشترط في الاجنبي. فصل قالت: طلقني على ألف، فقال: طلقتك، كفى وإن لم يسم المال، كذا أطلقوه، ويمكن جري خلاف فيه. ولو قال المتوسط لها: اختلعت نفسك منه بكذا ؟ فقالت: اختلعت، ثم قال للزوج وهو في المجلس: خالعتها ؟ فقال: خالعت، صح الخلع على المذهب، وبه قطع البغوي (قال البغوي:) ولو لم تسمع المرأة قول الزوج، وسمع السفير كلامهما، كفى، والاسماع ليس بشرط، ألا ترى أنه إذا خاطب أصم فأسمعه غير المخاطب وقبل، صح العقد. فصل إذا طلقها على عوض أو خالعها، فلا رجعة له، سواء كان العوض(5/699)
صحيحا، أو فاسدا، سواء قلنا: الخلع فسخ أو طلاق. فلو قال: خالعتك أو طلقتك بدينار على أن عليك الرجعة، فنقل الربيع والمزني، أنه يقع الطلاق رجعيا ولا مال. وجرج المزني ونقل الربيع قولا آخر أنه يلغو شرط الرجعة، وتحصل البينونة بمهر المثل. فقال ابن سلمة وابن الوكيل: في المسألة قولان، وبه قطع الامام والبغوي، ورجحا البينونة بمهر المثل، وذهب ابن سريج وأبو إسحق وجمهور الاصحاب إلى القطع بوقوعه رجعيا بلا مال. ولو خالعها بمائة على أنه متى شاء رد المائة، وكان له الرجعة، نص الشافعي رحمه الله أنه يفسد الشرط، وتحصل البينونة بمهر المثل، فقيل بطرد الخلاف. وقيل بالجزم بالمنصوص، لانه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت لا تعود. فصل لو وكل امرأة بطلاق زوجته أو خلعها، صح على الاصح، وقيل: لا، لانها لا تستقل. ولو وكلت الزوجة امرأة باختلاعها، جاز بلا خلاف، ويجوز أن يكون وكيل الزوجة والزوج ذميا، لانه قد يخالع المسلمة ويطلقها، ألا ترى أنها لو أسلمت وتخلف، فخالعها في العدة ثم أسلم، حكم بصحة الخلع، ويجوز أن يوكل الزوج بالخلع العبد والمكاتب، والسفيه المحجور عليه، ولا يشترط إذن السيد والولي، لانه لا يتعلق في الخلع عهدة توكيل الزوج، ولا يجوز أن يوكل المحجور عليه في القبض. فإن فعل وقبض، ففي التتمة أن المختلع يبرأ، ويكون الزوج مضيعا لماله. ولو وكلت المرأة في الاختلاع عبدا، جاز سواء أذن السيد أم لا. فإن كان الاختلاع على عين مالها، فذاك. وإن كان على مال في الذمة، نظر، إن أضافه إليها، فهي المطالبة. وإن لم يضف بل أطلق، فإن لم يأذن السيد في الوكالة، جاز للزوج مطالبته بالمال بعد العتق. وإذا غرم، رجع على الزوجة إذا قصد الرجوع. وإن أذن في الوكالة، تعلق المال بكسبه، كما لو اختلعت الامة بإذن السيد. وإذا أدى في كسبه، ثبت الرجوع على الموكلة. ولو وكلت في الاختلاع محجورا عليه لسفه، قال البغوي: لا يصح. وإن أذن الولي، فلو فعل وقع الطلاق(5/700)
صحيحا، أو فاسدا، سواء قلنا: الخلع فسخ أو طلاق. فلو قال: خالعتك أو طلقتك بدينار على أن عليك الرجعة، فنقل الربيع والمزني، أنه يقع الطلاق رجعيا ولا مال. وجرج المزني ونقل الربيع قولا آخر أنه يلغو شرط الرجعة، وتحصل البينونة بمهر المثل. فقال ابن سلمة وابن الوكيل: في المسألة قولان، وبه قطع الامام والبغوي، ورجحا البينونة بمهر المثل، وذهب ابن سريج وأبو إسحق وجمهور الاصحاب إلى القطع بوقوعه رجعيا بلا مال. ولو خالعها بمائة على أنه متى شاء رد المائة، وكان له الرجعة، نص الشافعي رحمه الله أنه يفسد الشرط، وتحصل البينونة بمهر المثل، فقيل بطرد الخلاف. وقيل بالجزم بالمنصوص، لانه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت لا تعود. فصل لو وكل امرأة بطلاق زوجته أو خلعها، صح على الاصح، وقيل: لا، لانها لا تستقل. ولو وكلت الزوجة امرأة باختلاعها، جاز بلا خلاف، ويجوز أن يكون وكيل الزوجة والزوج ذميا، لانه قد يخالع المسلمة ويطلقها، ألا ترى أنها لو أسلمت وتخلف، فخالعها في العدة ثم أسلم، حكم بصحة الخلع، ويجوز أن يوكل الزوج بالخلع العبد والمكاتب، والسفيه المحجور عليه، ولا يشترط إذن السيد والولي، لانه لا يتعلق في الخلع عهدة توكيل الزوج، ولا يجوز أن يوكل المحجور عليه في القبض. فإن فعل وقبض، ففي التتمة أن المختلع يبرأ، ويكون الزوج مضيعا لماله. ولو وكلت المرأة في الاختلاع عبدا، جاز سواء أذن السيد أم لا. فإن كان الاختلاع على عين مالها، فذاك. وإن كان على مال في الذمة، نظر، إن أضافه إليها، فهي المطالبة. وإن لم يضف بل أطلق، فإن لم يأذن السيد في الوكالة، جاز للزوج مطالبته بالمال بعد العتق. وإذا غرم، رجع على الزوجة إذا قصد الرجوع. وإن أذن في الوكالة، تعلق المال بكسبه، كما لو اختلعت الامة بإذن السيد. وإذا أدى في كسبه، ثبت الرجوع على الموكلة. ولو وكلت في الاختلاع محجورا عليه لسفه، قال البغوي: لا يصح. وإن أذن الولي، فلو فعل وقع الطلاق(5/701)
المبيع في يد البائع، يكون من ضمانه وإن تمكن المشتري من القبض، وهذا أصح عند الشيخ أبي حامد. ومقتضى كلام البغوي ترجيح الاول. قلت: الاصح الوجه الثاني. والله أعلم. ولو لم يأت بصبي آخر لعجزه، فقد قطع البغوي وغيره، بأن الحكم فيه (كما) إذا حكمنا بالانفساخ، والوجه أن يطرد فيه الخلاف، ولا فرق بين العجز وعدمه كما سبق في الاجارة فيما لو تلف الثوب المعين للخياطة وقلنا: لا تنفسخ الاجارة، فلم يأت المستأجر بثوب مثله حتى مضت مدة الاجارة، فإن في استقرار الاجرة وجهين، سواء امتنع من الابدال لعجزه أو مع القدرة. قلت: الصحيح، ما جزم به البغوي وموافقوه. والله أعلم. فرع لو أضاف إلى الارضاع والحضانة نفقته مدة، بأن خالعها على كفالة ولده عشر سنين، ترضعه منها سنتين، وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه، نظر، إن بين النفقة كل يوم من الطعام والادم كالزيت واللحم، وكسوته كل فصل أو سنة، وكان ذلك مما يجوز السلم فيه، ووصفه بالاوصاف المشروطة في السلم، ففي صحة الخلع بما سمى طريقان. أصحهما: القطع بالصحة، لان المقصود الكفالة، وهذه الامور تابعة. والثاني: على قولين - لانه جمع بين بيع وإجارة، ولانه سلم في أجناس -. أظهرهما: الصحة أيضا. فإن أبطلناه، فهل يرجع بمهر المثل أم ببدل الاشياء المذكورة ؟ قولان. أظهرهما: الاول، ومنهم من قطع به هنا، لانه لو رجع إلى بدل الاشياء لاثبتناها. وإن صححنا، فهو في الطعام والشراب، فيخير بين أن يستوفيه بنفسه ويصرفه إلى الولد، وبين أن يأمرها بالصرف إليه. قال ابن الصباغ: ينبغي أن يجئ فيه الخلاف المذكور، فيما إذا أذن الحاكم للملتقط في الانفاق على اللقيط من ماله، بشرط الرجوع. قلت: ليس هو مثله، بل يجوز هذا قطعا والفرق ظاهر. والله أعلم.(5/702)
ثم إن عاش الولد حتى استوفى المنفعة والعين، فذاك، فإن خرج زهيدا وفضل من المقدر شئ، فهو للزوج، وإن كان رغيبا واحتاج إلى زيادة، فهي على الزوج. وإن مات الولد، فله حالان. أحدهما: أن يموت قبل تمام مدة الارضاع، ففيه الخلاف السابق في انفساخ العقد، وجواز الابدال، فإن حكمنا بالانفساخ، ومنعنا الابدال، انفسخ فيما بقي من المدة، وفي انفساخه فيما مضى وفي الطعام والكسوة خلاف تفريق الصفقة. والاظهر عدم الانفساخ. وإذا قلنا: لا ينفسخ، استوفى الزوج الطعام والكسوة، ويرجع بما انفسخ العقد فيه من المدة إلى أجرة المثل في قول، وإلى حصته من مهر المثل على الاظهر، وبيان الحصة بأن يقوم الطعام والادم والكسوة، وما مضى من المدة، وما بقي، ويعرف نسبة قيمة الباقي من المدة من الجميع، فيجب من مهر المثل بتلك النسبة، وإذا قلنا: يتعدى الانفساخ إلى المدة الماضية والنفقة، رجع إلى مهر المثل على الاظهر، وإلى بدل الجميع على الثاني، وترجع الزوجة بأجرة ما مضى من مدة الارضاع، وقد يقع التقاص، هذا هو المذهب. وعن القاضي أبي الطيب، أن الواجب قسط ما سوى المدة الماضية من مهر المثل، وتسقط حصتها وتجعل منفعتها مستوفاة. الحال الثاني: أن يموت بعد ارتضاعه المدة بكمالها، فيبقى استحقاق النفقة والكسوة، وهل يتعجل الاستحقاق أم يبقى منجما كما كان ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ولو انقطع جنس بعض الاشياء المذكورة، ففيه القولان السابقان في انقطاع المسلم فيه. أحدهما: ينفسخ العقد. فعلى هذا ينفسخ في المنقطع، ولا ينفسخ في الاعيان المقبوضة على الاظهر، كما لو اشترى عبدين، فقبض أحدهما وتلف الآخر ولا في الحضانة والارضاع على المذهب، لبعد ما بينهما، فإن حكم بالانفساخ في الجميع غرم لها بدل ما استوفى من العين والمنفعة، وله عليها مهر المثل على الاظهر. وفي قول: بدل المسمى. وإن قلنا: لا ينفسخ إلا في المنقطع، رجع إلى حصته من مهر المثل على الاظهر، وإلى بدل المنقطع في(5/703)
قول. والقول الثاني في الاصل وهو الاظهر، أن انقطاع المسلم فيه لا يقتضي الانفساخ، لكن يثبت له خيار الفسخ، فله الفسخ في الجميع. وهل له الفسخ في المنقطع وحده ؟ فيه الخلاف السابق فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا وأراد إفراده بالرد، قال المتولي: وله الفسخ في الاعيان دون المنافع على المذهب لبعد ما بينهما جنسا وعقدا. وإذا أفرد المنقطع بالرد وجوزناه، ففيما يرجع به القولان. هذا كله إذا كان المذكور مما يجوز السلم فيه، ووصف بالصفات المشروطة في المسلم فيه، فإن لم توصف، أو كان مما لا يجوز السلم فيه كالثياب المخيطة، والمحشوة، والمطبوخ والمشوي من الطعام، فالمسمى فاسد، والرجوع إلى مهر المثل بلا خلاف. الباب الثالث : في بيان الألفاظ الملزمة ومقتضاها فيه أطراف.
الأول: في الالفاظ الملزمة وفيه مسائل. إحداها: صيغة المعاوضة ملزمة، فإذا قال: طلقتك، أو أنت طالق على ألف، فقبلت، صح الخلع ولزم الالف. ولو قال: أنت طالق وعليك ألف، أو لي عليك ألف، نظر، إن لم يسبقه استيجاب بل ابتدأ الزوج به، وقع الطلاق رجعيا قبلت أم لا، ولا مال، بخلاف قولها: طلقني ولك علي ألف فأجابها فإنه يقع بائنا بالالف، لان المتعلق بها من عقد الخلع الالتزام، فيحمل لفظها عليه، والزوج ينفرد بالطلاق. فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة، حمل على ما ينفرد به وصيغته خبر. فلو قال: أردت بقولي: وعليك ألف الالزام وقصدت ما يقصده القائل بقوله: طلقتك على ألف، لم يصدق. فإن وافقته، فوجهان. أحدهما: لا يؤثر توافقهما، لان اللفظ لا يصح للالزام. وأصحهما: يؤثر فتبين بالالف.(5/704)
فعلى الاول لا يحلف على نفي العلم إذا أنكرت، لانها لو صدقته لم تؤثر. وعلى الثاني، يحلف. ومقتضى الثاني انعقاد البيع بقوله: بعتك ولي عليك (كذا)، تفريعا على انعقاد البيع بالكناية، أما إذا سبق استيجاب، فإن لم تذكر عوضا بأن قالت: طلقني، فحكمه كما لو لم تطلب. وإن ذكرته مبهما بأن قالت: طلقني ببدل، فإن عين الزوج البدل في الجواب فقال: طلقتك وعليك ألف، فهو كما لو ابتدأ فقال: طلقتك على ألف. فإن قبلت، بانت بالالف، وإلا فلا طلاق. وإن أبهم الجواب فقال: طلقتك بالبدل، أو طلقتك، بانت بمهر المثل. وإن عينت البدل، فقالت: طلقني، فقال: طلقتك وعليك ألف، بانت بالالف وذكر المتولي أنه لو لم يسبق منها طلب، وشاع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب العوض وإلزامه، كان كقوله: طلقتك على ألف. ولو اختلفا، فقال الزوج: طلبت مني الطلاق ببدل، فقلت في جوابك: أنت طالق وعليك ألف، فقالت: بل ابتدأت فلا شئ لك، صدقت بيمينها في نفي العوض ولا رجعة له لقوله. المسألة الثانية: قال: أنت طالق أو طلقتك على أن لي عليك ألفا، فهو كقوله: أنت طالق على ألف. فإذا قبلت، بانت ولزمها المال، هذا هو الصواب المعتمد، وهو نصه في الام وفي عيون المسائل، وقطع به صاحب المهذب وسائر العراقيين. ومقتضاه انعقاد البيع بقوله: بعتك هذا على أن يكون لي عليك ألف، وأدنى درجاته أن يجعل كناية في البيع. وقال الغزالي: يقع الطلاق رجعيا ولا مال. قال: فإن فسر بالالزام، ففي قبوله وجهان. قال صاحب التقريب: لا، وغيره: نعم. الثالثة: قال: أنت طالق إن ضمنت لي ألفا، أو إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، فقالت في مجلس التواجب: ضمنت، طلقت ولزمها ألف. ولو قالت: متى ضمنت لي ألفا فأنت طالق، لم يعتبر المجلس بل متى ضمنت طلقت، وليس للزوج الرجوع قبل الضمان. ولو أعطته المال ولم تقل: ضمنت أو قال: شئت بدل ضمنت، لم تطلق. ولو ضمنت ألفين، طلقت لوجود(5/705)
الصفة المعلق عليها مع زيادة، بخلاف قوله: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت بألفين، لان تلك صيغة معاوضة فيشترط فيها توافق الايجاب والقبول. فرع قال الزوج لها: أمرك بيدك، أو جعلت أمر الطلاق إليك، فطلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا، فقالت: ضمنت وطلقت نفسي، أو قالت: طلقت وضمنت، بانت بالالف، ويكون الضمان والطلاق مقترنين، سواء قدمت لفظ الطلاق، أو الضمان، كما لو قال: طلقتك إن ضمنت لي ألفا، فقالت: ضمنت، يقع الطلاق ويثبت المال مقترنين، وإن تعاقب اللفظان، فلو ضمنت ولم تطلق، أو طلقت ولم تضمن، لم يقع الطلاق. وإذا جمعتهما، اشترط كون الضمان في المجلس قطعا، ويشترط كون التطليق في المجلس أيضا على المذهب، ولا يشترط إعطاء المال في المجلس قطعا. وهل المراد بالمجلس مجلس التواجب، أم مجلس القعود ؟ وجهان. أصحهما: الاول، وقد سبقا في أول الكتاب. ولا يخفى أن المراد بالضمان في هذه المسائل القبول والالتزام دون الضمان المفتقر إلى أصيل. الرابعة: سبق أنه إذا علق الطلاق بالاعطاء، لا يقع إلا بالاعطاء في المجلس على الصحيح، إلا إذا كان بصيغة متى وما في معناها، فلا تختص بالمجلس، وكل ذلك جار في قوله: إن أقبضتيني كذا، أو أديت إلي كذا. ولو قال: أنت طالق إن شئت، أو أنت طالق على ألف إن شئت، اشترط وجود مشيئتها في مجلس التواجب، بخلاف التعليق كسائر الصفات، لانه استدعاء لجوابها واستبانة رغبتها. وحكى الحناطي قولا أنه لا يشترط المجلس ويقع الطلاق متى شاءت، كسائر التعليق والمجلس مجلس التواجب على الصحيح كما سبق. وإذا قالت في المجلس: شئت وقبلت، فقد تم العقد فتطلق ويلزم المال، ولا يشترط تسليم المال في(5/706)
المجلس. وإن اقتصرت على قولها: شئت، أو قبلت، فثلاثة أوجه. أصحها عند الغزالي: يكفي، لان كلا منهما يشعر بالرضى والالتزام، وهذا مقتضى كلام الشيخ أبي حامد. والثاني: لا بد من الجمع بينهما، لانه لو اقتصر على قوله: أنت طالق (كان جوابها قبلت، ولو اقتصر على قوله: أنت طالق) إن شئت، كان جوابها شئت، فإذا جمعهما، اشترط جمعهما في الجواب. والثالث: يكفي قولها: شئت، ولا يكفي قولها: قبلت، لان القبول ليس مشيئة، ولهذا لو قال: أنت طالق إن شئت، فقالت: قبلت، لم تطلق، وبهذا قطع المتولي، واختاره الامام فيما حكى عنه المعلق. قلت: هذا الثالث، هو الاصح بل الصحيح. والله أعلم. فعلى الثالث: لا رجوع للزوج على قاعدة التعليقات، وعلى الثاني: في جواز رجوعه وجهان، لتردده بين التعليق والمعاوضة. ولو علق طلاقها بالمشيئة بصيغة متى طلقت متى شاءت، ولا يختص بالمجلس كسائر الصفات. ولو قالت: طلقني بألف درهم، فقال: أنت طالق على ألف إن شئت، فليس بجواب لها لما فيه من التعليق، فيتوقف على مشيئة مستأنفة. ولو نكر فقال: على ألف ونوى ما ذكرت، فكذلك الحكم. وإن نوى غير الدراهم، فقد نقل الحناطي أنه يقع طلاق رجعي ولا بدل، وخرج من عنده أنه لا طلاق حتى يتصل به القبول والمشيئة، كما لو ابتدأ به، وهذا هو القياس الحق. ولو لم ينو شيئا، فقد حكى وجهين في وقوعه رجعيا أو بائنا، ووجهين إن وقع بائنا في أن الواجب مهر المثل أم المسمى ؟ ومقتضى جعله مبتدءا أن لا يقع الطلاق إلا أن يتصل به قبول ومشيئة. الخامسة: في حقيقة الاعطاء المعلق عليه. فإن سلمت المال إليه فقبضه،(5/707)
فذاك، وإن وضعته بين يديه، كفى ووقع الطلاق وإن امتنع من قبضه على الصحيح، لانها أعطته وهو يفوت حقه. وقيل: لا يكفي الوضع، فلا يقع به الطلاق، وهو ضعيف غريب. فإذا أعطته، دخل في ملكه على الصحيح. وقيل: لا بل يرده، ويرجع بمهر المثل، ويجري هذا الوجه في قوله: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، فقالت: ضمنت، لان لزوم المال بمجرد قولها بعيد، كدخوله في ملكه بمجرد الاعطاء. وإذا قال: متى أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فبعثته على يد وكيلها، فقبضه الزوج، لم تطلق، لانها لم تعط هي، وكذا لو أعطته عن الالف عوضا، أو كان لها عليه ألف درهم فتقاصا، لم تطلق. ولو حضرت وقالت لوكيلها الحافظ لمالها: سلم إليه، فسلمه، طلقت وكان تمكينها الزوج من المال المقصود إعطاء، قاله المتولي. ولو علق الطلاق بالاقباض فقال: إن أقبضتني كذا فأنت طالق، فوجهان. أصحهما وبه قطع المتولي: أنه تعليق محض، لان الاقباض لا يقتضي التمليك، بخلاف الاعطاء. فعلى هذا، لا يملك المقبوض وليس له مهر المثل، بل يقع الطلاق رجعيا. ولا يختص الاقباض بالمجلس كسائر التعليقات. والثاني: أن الاقباض كالاعطاء على ما ذكرنا فيه. ولو قالت: إن قبضت منك كذا، فهو كقوله: إن أقبضتني، ويعتبر في القبض الاخذ باليد، ولا يكفي الوضع بين يديه، لانه لا يسمى قبضا، ولو بعثته مع وكيلها، لم يكف. ولو قبض منها مكرهة، طلقت لوجود الصفة. وفي التعليق بالاعطاء، لو أخذ منها كرها، لم تطلق لانها لم تعطه. وذكر المتولي، أن ما ذكرناه في التعليق بالاقباض مفروض فيما إذا لم يسبق منه كلام يدل على الاعتياض بأن يقول: إن أقبضتني كذا وجعلته لي أو لاصرفه في حاجتي وما أشبه ذلك. قلت: هذا الذي ذكره المتولي، متعين. والله أعلم.(5/708)
والاداء والدفع والتسليم، كالاقباض. فرع قال: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فأعطت ألفين، طلقت، لان وقوع الطلاق هنا بحكم التعليق، وإعطاء الالفين يشتمل على إعطاء الالف، وكذا لو قال: إن ضمنت لي ألفا فضمنت ألفين، ويلغو ضمان الزيادة على ألف. وإذا قبض زيادة على القدر المعلق به، كانت أمانة عنده، ويخالف هذا قوله: خالعتك بألف فقالت: قبلت بألفين، فإنها لا تطلق لعدم موافقة الايجاب. السادسة: في بيان ما ينزل عليه الدرهم. إذا علق الطلاق باعطائه، وما يقبل تفسيره، وقد سبق في الزكاة والاقرار قدر الدرهم الاسلامي، واسم الدرهم هنا يقع على ذلك القدر من الفضة الخالصة المضروبة، سواء كان نوعه جيدا، أو رديئا، لسواد أو خشونة أو غيرهما. فإذا قال: إن أعطيتني ألف درهم، فأنت طالق، طلقت بأي نوع أعطته. لكن إذا كان في البلد نقد غالب، فأتت بغيره، طولبت به، لان المعاملات تنزل على النقد الغالب، والخلع فيما يتعلق بالمال كسائر المعاملات. وفي قول: يرجع بمهر المثل، والمشهور الاول. فإن قلنا بالرجوع إلى مهر المثل، فالمعطى غير مملوك، وإن قلنا بالرجوع إلى الغالب، فالمعطى مملوك للزوج، وله رده والمطالبة بالغالب. وذكر في الوسيط: أنه لا يملكه ويجب الابدال، والصحيح الاول. ثم العادة الغالبة، إنما تؤثر في المعاملات، لكثرة وقوعها ورغبة الناس فيما يروج هناك، ولا تؤثر في الاقرار والتعليق، بل يبقى اللفظ على عمومه فيهما. أما في التعليق، فلقلة وقوعه، وأما في الاقرار، فلانه إخبار عن وجوب سابق، وربما تقدم الوجوب على الضرب الغالب، أو وجوب في بقعة أخرى. ولو قال: طلقتك على ألف، فهذا ليس بتعليق، فينزل على الغالب على قاعدة المعاملات. فرع لو كان الغالب في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن أو زائدته، لم ينزل الاقرار والتعليق عليها، لان الغلبة لا تؤثر فيهما، واللفظ صريح في الوازنة، وفي تنزيل البيع والمعاملات عليها وجهان. أحدهما: المنع، لان اللفظ صريح في القدر المذكور، والعرف لا يغير المسمى وإن كان يخص بعض الانواع. وأصحهما: التنزيل عليهما، لانها التي تقصد في مثل هذه البلدة. وفي قبول تفسير(5/709)
المقر بالناقص خلاف وتفصيل سبق في الاقرار. ولو فسر المعلق بالدراهم المعتادة، فإن كانت زائدة، قبل على المذهب، وإن كانت ناقصة، قبل قطعا، لانه توسيع لباب الطلاق. فرع لو أتت بدراهم مغشوشة، فإن كان الغالب في البلد المغشوشة، فقد أطلق الغزالي أنه لا ينزل اللفظ عليها، فلا يقع الطلاق إلا إذا أعطته الخالصة، لكن تسترد ما أعطته وتعطيه مغشوشة. ومن قال بهذا قال: التفسير بالمغشوشة كالتفسير بالناقصة. فإن قلنا: التفسير بهما، فهل تراجعه ليعبر عن مقصوده، أم تأخذ بالظاهر إلا أن يفسر ؟ فيه احتمالان في البسيط. قلت: أفقههما: الثاني. والله أعلم. وقطع المتولي والبغوي، بأن اللفظ ينزل على المغشوشة، ويقع الطلاق إذا أعطت مغشوشة، وهل تسلم له الدراهم بذلك ؟ قال المتولي: يبنى على جواز المعاملة بالمغشوشة. إن لم نجوزها، رد الدراهم ولزمها مهر المثل، وإلا سلمت له الدراهم، ويشبه أن يكون ما ذكره الغزالي أصح. أما إذا كان الغالب في البلد الدراهم الخالصة، فلا تطلق إلا إذا أعطت ما تبلغ نقرته ألفا. وفي وجه لا يقع الطلاق وإن بلغته، كما لو أعطته سبيكة. فإن قلنا بالصحيح وهو الوقوع، فهل يملك الزوج المدفوع إليه ؟ وجهان. أحدهما: لا، لان المعاملة تنزل على الغالب. والثاني: (نعم)، لان قبضها اعتبر في وقوع الطلاق، وكذا في إفادة الملك، لكن له الرد بسبب العيب. فإذا رد، رجع إلى مهر المثل على الاظهر، وإلى ألف خالصة في قول. ولك أن تقول: ينبغي أن لا يملك الغش نفسه في هذه الصورة، لانه إذا بلغت الفضة الخالصة ألفا، بقي الغش شيئا آخر مضموما، فلا يملكه كما لو ضمت إلى الالف ثوبا. قلت: ظاهر كلام القائل بالملك، أنه لا ينظر إلى الغش لحقارته في جنب الفضة، ويكون تابعا كما سبق في مسألة نعل الدابة. والله أعلم.(5/710)
وأما المعاملة بالدراهم المغشوشة، فذكرناها في كتابي الزكاة والبيع، والاصح الجواز. السابعة: قال: إن أعطيتني عبدا أو ثوبا فأنت طالق، ووصفه بما يعتبر في السلم، فأتت به بالصفة، طلقت، وملكه الزوج كما قلنا في الدراهم، وإن أعطته على غير تلك الصفة، لم تطلق ولا يملكه. فلو كان بالصفة لكنه معيب، فله الخيار. فإن رده، رجع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمته سليما في قول، وليس له المطالبة بسليم بالصفة، وفي كتاب الحناطي وجه أنه لا يرد العبد، بل يأخذ أرش العيب وهو ضعيف. أما إذا قال: إن أعطيتني عبدا ولم يصف، فأعطته عبدا لها، طلقت لوجود الصفة ولا يملكه، لان الملك فيه يكون معاوضة، والمجهول لا يكون عوضا، فيجب مهر المثل قطعا. وحكى ابن كج والحناطي وجها، أنه يقع الطلاق رجعيا، ولا شئ عليها، وإنما يلزمها العوض إذا ابتدأت فسألت طلاقا بعوض، فقال في جوابها: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطت، والصحيح الاول، وسواء إن أعطت سليما أو معيبا، أو قنا أو مدبرا أو معلقا عتقه على صفة، لوقوع اسم العبد عليه، وإمكان نقله وتمليكه. فإن أعطته مكاتبا، لم تطلق. وكذا لو قال لاجنبي: إن أعطيتني أمة، فامرأتي طالق، فأعطاه أم ولده. وأشير في المكاتب إلى وجه. ولو وصف العبد ولم يستوعب صفاته، فهو كعدم الوصف في أن الرجوع إلى مهر المثل، لكن لو أعطته عبدا بغير الصفة، لم تطلق مثل أن يقول: إن أعطيتني عبدا تركيا، فأعطته هنديا. ولو أتت بعبد مغصوب، أو مشترك لها ولغيرها، أو قال: إن أعطيتني ألف درهم، فأتت بدراهم مغصوبة، فوجهان. أحدهما: يقع الطلاق ويرجع بمهر المثل. وأصحهما: لا يقع لانه لا يسمى إعطاء، وطرد الخلاف في العبد المرهون والمستأجر. قلت: يجري الخلاف في المستأجر إذا لم يجوز بيعه، وإلا فهو كغيره. والله أعلم. ولو قال: إن أعطيتن هذا العبد المغصوب فأعطته، وقع الطلاق بائنا على المذهب، ويرجع بمهر المثل. وقيل: لا يقع، وقيل: يقع رجعيا. ولو قال: إن أعطيتني زق خمر أو خنزيرا، فأنت طالق، فقد سبق أنها إذا أتت به، بانت ووجب(5/711)
مهر المثل. فإن أتت بخمر مغصوبة، بأن كانت محترمة أو لذمي، فإن قلنا في العبد المغصوب: يقع الطلاق، فهنا أولى، وإلا فوجهان. أصحهما: الوقوع، لان الاعطاء هنا مضاف إلى ما يتأتى تملكه. والثاني، المنع ويحمل على ما يختص به يدا، كما حمل لفظ العبد على ما اختصت به ملكا. ولو قال: إن أعطيتني هذا الحر، فثلاثة أوجه. أصحها: يقع الطلاق بائنا بمهر المثل. والثاني: لا يقع. والثالث: يقع رجعيا، لانه لا يملك بحال، فالزوج لم يطمع بشئ. ولو قال: إن أعطيتني هذا العبد أو الثوب فأنت طالق، فأعطته، طلقت وملكه، فإن خرج مستحقا أو مكاتبا، فوجهان. أحدهما: لا يقع الطلاق. وأصحهما: وقوعه للاشارة، ويرجع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمته في قول. وإن وجده معيبا، فله رده، وفيما يرجع به القولان. أظهرهما: مهر المثل. والثاني: قيمته سليما. وقيل: ليس له الرد بل يرجع بالارش، والصحيح الاول. قال البغوي: ولو قال لزوجته الامة: إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق، فأعطته، لم تطلق لانها لم تملكه فإن قال: هذا الثوب فأعطته طلقت، وفيما يرجع به اقولان. وهذا تفريع منه على المذهب في الثوب المطلق والمعين، ولا يخفى مما تقدم أن الاعطاء في جميع صور المسألة ينبغي أن يقع في المجلس. الثامنة: قال: إن أعطيتني هذا الثوب وهو هروي، فأنت طالق، فأعطته وبان مرويا، لم تطلق. وإن قال: إن أعطيتني هذا الثوب الهروي فبان مرويا أو بالعكس، طلقت على الاصح، لانها ليست صيغة شرط بل أخشج في الوصف. ولو خالعها على ثوب هروي ووصفه كما ينبغي، فأعطته ثوبا بالصفة، فبان مرويا، رده وطالبها بهروي بالصفة. ولو خالعها على ثوب بعينه على أنه هروي فبان مرويا، وقعت البينونة وملكه الزوج، وإخلاف الصفة كعيب، لله خيار الخلف. وقيل: إن لم تنقص قيمته عن الهروي، فلا خيار لان الجنس واحد ولا نقص، والصحيح الاول. فان رد، رجع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمة هروي في الثاني. فإن وجد به عيبا بعد تلفه أو تعيبه في يده وتعذر الرد، رجع بقدر النقص من مهر المثل(5/712)
على الاظهر، وبقدر ما نقص من القيمة في الثاني، وليس له هنا طلب هروي لانه معين هنا بالعقد. قال أبو الفرج السرخسي: وهذا على قولنا: إن اختلاف الصفة ليس كاختلاف العين وهو الاظهر، كما سبق في النكاح. فإن قلنا: هو كاختلاف العين، فالعوض فاسد فليس له إمساكه، ويرجع بمهر المثل على الاظهر، أو قيمة الثوب مرويا على قول. ولو خالعها على ثوب معين، على أنه كتان فخرج قطنا أو بالعكس، فوجهان. أحدهما وبه قطع البغوي: أنه كاختلاف الصفة، فيكون حكمه ما سبق في خروجه مرويا. وأصحهما وبه قطع الشيخ أبو حامد وسائر العراقيين: أن العوض فاسد وتقع البينونة بمهر المثل على الاظهر، وبقيمة ثوب كتان في قول، وليس له إمساكه، وهؤلاء قالوا: لو باعه على أنه كتان فبان قطنا، بطل البيع. ولو قالت: خالعني على هذا الثوب فانه هروي، فخالعها عليه فبان مرويا، فهو كما لو قال: خالعتك عليه على أنه هروي، لانها غرته. قال المتولي: لو قالت: هذا الثوب هروي فقال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق، فأعطته فبان مرويا، بني على المتواطئ عليه قبل العقد، كالمشروط فيه أم لا ؟ إن قلنا، نعم، لم يقع الطلاق، وإلا وقع، وليس له إلا ذلك الثوب. ولو قال: خالعتك على هذا الثوب وهو هروي فبان خلافه، فلا رد لانه لا تغرير من جهتهما، ولا اشتراط منه، وكذا لو قال: خالعتك على هذا الثوب الهروي، كذا ذكره البغوي. فإن قيل: قوله: وهو هروي أفاد الاشتراط في قوله: إن أعطيتني هذا الثوب وهو هروي، حتى لم يقع الطلاق إذا لم يكن هرويا، فلم لم يفد الاشتراط في قوله: خالعتك على هذا الثوب وهو هروي، حتى يتمكن من الرد إذا لم يكن هرويا كما لو قال: خالعتك عليه على أنه هروي ؟ فالجواب أن قوله: وهو هروي دخل هناك على كلام غير مستقل، لان قوله: إن أعطيتني هذا الثوب غير مستقل، فيتقيبما دخل عليه وتمامه بالفراغ من قوله: فأنت طالق. وأما قوله: خالعتك على هذا الثوب، فكلام مستقل، فجعل قوله بعده: وهو(5/713)
هروي جملة مستقلة، ولم يتقيد بها الاول، وبالله التوفيق.
الباب الرابع : في سؤال المرأة الطلاق بمال، باختلاع الاجنبي فيه أطراف.
الأول : في ألفاظها وفيه مسائل. الاولى: إذا قالت: طلقني بكذا، أو على كذا، , جو على أن علي كذا، أو على أن أعطيك كذا، أو أن أضمن لك، أو إن طلقتني، أو إذا طلقتني، أو متى طلقتني، فلك علي كذا، فهذه كلها صيغ صحيحة في الالتزام، ويختص الجواب في المجلس بلا خلاف، في متى وغيرها، بخلاف قول الرجل: متى أعطيتني، وقد سبق الفرق. الثانية: قالت: إن طلقتني فابرأ من صداقي، أو فقد أبرأتك، فقال: طلقتك، وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ من الصداق، لان الابراء لا يصح تعليقه، وطلاق الزوج طمعا في البراءة من غير لفظ، صحيح في الالتزام لا يوجب عوضا، وهذا تفريع على الجديد الاظهر أن تعليق الابراء لا يصح، وكان لا يبعد أن يقال: طلق طمعا في عوض، ورغبت هي في الطلاق بالبراءة فيكون فاسدا كالخمر.(5/714)
الثالثة: قالت: طلقني ولك علي ألف، فقال طلقتك، بانت ولزمها الالف، لانها صيغة التزام. وقيل: لا يثبت العوض، بل إن اقتصر على قوله: طلقتك، وقع رجعيا، وإن قال: طلقتك على ألف، احتاج إلى قبولها، والصحيح الاول. قال المتولي: ويقرب من هذا قولها: طلقني وأضمن لك ألفا. ولو قالت: وأعطيك ألفا، فالاصح أنه إذا طلقها مطلقا، وقع رجعيا، لان لفظ الضمان يشعر بالالتزام، بخلاف الاعطاء ولم يطردوا الوجه المذكور هنا في الجعالة، بل لو قال: رد عبدي ولك علي كذا، فرده، لزم المال بلا خلاف، ولو قال المشتري: بعني هذا ولك علي كذا، فقال: بعت، فوجهان: أحدهما: ينعقد كالاختلاع والجعالة، وهذا هو المذكور في فتاوي القفال، والثاني: لا، لانه يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع، كالتعليق، وفيما علق عن الامام، أن هذا أصح. ويشبه أن يكون الوجهان في أنه هل هو صريح ؟ فأما كونه كناية، فينبغي أن يكون متفقا عليه. الرابعة: قالت: طلقني على ألف، أو أتت بصيغة أخرى صريحة في الالتزام، فإن أجابها وأعاد ذكر المال، فذاك، وإن اقتصر على قوله: طلقتك، كفى وانصرف إلى السؤال على الصحيح، وقيل: يقع الطلاق رجعيا ولا مال. ولو قال: قصدت الابتداء دون الجواب، قبل وكان رجعيا، فإن اتهمته، حلفته. الخامسة: اللفظ الدائر بين الزوجين، إن كان صريحا منهما، فذاك، وإن كان لفظهما كناية، بأن قالت: أبني، قال: أبنتك، فإن نويا الطلاق، نفذ ولزم المال إن ذكرا مالا. وإن لم ينو الزوج، فلا فرقة، وإن نوى دونها، نظر، إن جرى ذكر المال في السؤال والجواب، لم يقع الطلاق، لانه ربط الطلاق بالمال وهي لم(5/715)
تسأل الفراق، ولم تلتزم المال في مقابلته، وإن لم يجر ذكر المال في الطرفين وقع طلاق رجعي، وإن ذكر هو المال دونها، فلا طلاق، لانها لم تسأل فرقة، وهو إنشاء فرقة على مال، ولم يتصل به قبول. وإن ذكرت هي المال، فقالت: أبني على ألف، فقال: ابنتك، فلا طلاق على الاصح، كما لو ذكر المال. وقيل: يقع رجعيا كما لو قال: قصدت الابتداء دون الجواب، فإنه يقع رجعيا قطعا. أما إذا كان لفظ أحدهما صريحا والآخر كناية، فالكناية مع النية كالصريح، ودون النية لغو. وعن ابن خيران، أنها لو قالت: طلقني فقال: أبنتك ونوى، لم يقع، لان الصريح أقوى، فالمأتي به غير المسؤول، والصحيح الاول.
الطرف الثاني : في سؤالها عددا، فيه مسائل. إحداها: قالت: طلقني ثلاثا بألف، أو على ألف، أو ولك علي ألف، أو إن طلقتني ثلاثا، فلك علي ألف، فطلقها واحدة، ففيه أربعة أوجه. الصحيح أنه يقع طلقة بثلث الالف، والثاني: لا يقع طلاق. والثالث: يقع طلقة بمهر المثل، والرابع: طلقة بثلث مهر المثل. حكى الحناطي الاخيرين. فعلى الصحيح لو طلقها طلقتين، استحثلثي الالف. وإن طلق طلقة ونصفا، فهل يستحق ثلثي الالف، أم نصفه ؟ وجهان. قلت: الثاني أرجح. والله أعلم. ولو قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلاطلقة، فطلقها تلك الطلقة، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يستحق جميع الالف، لانه حصل بتلك الطلقة مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى. وللاصحاب أوجه. أصحها عند القفال والشيخ أبي علي وكبار الاصحاب وأكثرهم: وجوب جميع الالف، كما نص عليه، سواء علمت أنه لم يبق إلا طلقة أم ظنت بقاء الثلاث، والثاني: لا يستحق إلا ثلث الالف في الحالين وهو قول المزني وابن خيران، والثالث: إن علمت استحق الالف، وإلا فثلثه، قاله ابن سريج وأبو إسحق. والرابع: يستحق مهر المثل، قاله صاحب التلخيص. والخامس: لا يستحق شيئا، لانه لم يطلق كما سألت، حكاهما الحناطي.(5/716)
ولو سألت الثلاث بألف ولا يملك إلا طلقتين، فطلقها واحدة، فله ثلث الالف على الاصح المنصوص، وكذا على الثاني، وله النصف على الثالث إن علمت، وإلا فالثلث. وإن طلقها الطلقتين، فعلى النص له الالف، وعلى الثاني ثلثاه، وعلى الثالث إن علمت، فالالف، وإلا فثلثاه، وزاد الحناطي وجها رابعا، وهو الرجوع بمهر المثل، وخامسا: وهو ثلثا مهر المثل، وسادسا: وهو أنه لا شئ له. ولو قالت: طلقني عشرا بألف، فإن كان يملك الثلاث، فالاصح الاشهر الجاري على قياس النص، أنه يستحق بالواحدة عشر الالف، وبالثنتين عشريه، وبالثلاث جميع الالف. وقيل: إن كان التوزيع على الثلاث والزيادة لغو، فيستحق بالواحدة الثلث، وبالطلقتين الثلثين، وطرد الوجهان على قياس قول المزني. فعلى الاشهر تستحق بالثلاث ثلاثة أعشار الالف. وعلى الثاني تستحق الجميع توزيعا على العدد الشرعي. وعلى قول من فرق بين العلم والجهل، تستحق بالثلاث الجميع، وبالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثين، لحصول العلم بأن الطلاق لا يزيد على ثلاث وأن الزيادة لغو. فإن ظنت أنه يملك عشرا، بأن كانت قريبة عهد بالاسلام، فالقياس عود الوجهين في أنه يجب ثلاثة أعشار الالف أم الجميع ؟ ولو لم يملك إلا طلقتين فسألته عشرا، فعلى قياس النص، إن طلقها واحدة، استحق عشرالالف أو الثلث. وإن طلق ثنتين، فتمام الالف. وعلى قياس المزني، المستحق العشر أو العشران على الاشهر، والثلث أو الثلثان على الوجه الآخر. وعلى قول الفارق إن علمت، فله بالواحدة النصف، وبالثنتين الجميع. وإن ظنت أنه يملك الثلاث، فبالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثان. قال الاصحاب: والضابط على النص، أن الزوج إن ملك العدد المسؤول كله فأجابها، فله المسمى، وإن أجابها ببعضه، فله قسطه بالتوزيع. وإن ملك بعض المسؤول، فإن تلفظ بالمسؤول أو حصل مقصودها بما أوقع، فله المسمى، وإلا فيوزع المسمى على العدد المسؤول على الاشهر. وعلى قول المزني، التوزيع على المسؤول أبدا، وكذا الحكم على الوجه الفارق إن جهلت. فإن علمت، فالتوزيع على المملوك دون المسؤول، فلو ملك الثلاث فسألته ستا بألف، فعلى النص وقول المزني: له بالواحدة السدس، بالثنتين الثلث. فإن طلق ثلاثا، فعلى النص: له الجميع، وعند المزني: له النصف وعلى(5/717)
الوجه: له بالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثان، وبالثلاث الجميع. المسألة الثانية: قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو يملك الثلاث فقال: أنت طالق واحدة بألف وثنتين مجانا، فنقل الفوراني والصيدلاني والقاضي حسين وغيرهم، أن الاولى تقع بثلث الالف، لانها لم ترض بواحدة إلا بثلث الالف كالجعالة، ولا يقع الاخريان لانها بانت بالاولى. وقال الامام: القياس الحق، أن لا تجعل كلامه جوابا لها، لانها سألت كل واحدة بثلث الالف وهو لم يرض إلا بالالف، وإذا لم يوافق كلامه سؤالها، كان مبتدئا، فإذا لم تقبل، لا تقع الطلقة، كما لو قالت: طلقني واحدة بثلث ألف، فقال: طلقتك واحدة بألف، لا يقع. وإذا لم تقع الواحدة، وقع الاخريان رجعيتين، وتابعه الغزالي وغيره على ما قال، وهو حسن متجه، والاول بعيد، وأبعد منه ما في التهذيب، أنه تقع الواحدة بالالف، ولا تقع الاخريان، ولعله غلط من الناسخ. ولو سألته الثلاث بألف، فقال: طلقتك واحدة بثلث الالف، وثنتين مجانا، فقد وافق كلامه ما اقتضاه السؤال من التوزيع، وزال الاشكال، فتبين بالاولى، ولا تقع الاخريان، ونقل الائمة: إن أمكن تأويله على هذه الصورة فليفعل. ولو قال: طلقتك ثنتين بألف وواحدة مجانا، فعلى الاول: تقع الثنتان بثلثي الالف، وعلى الثاني: لا يقعان. ولو قال: طلقتك واحدة مجانا وثنتين بثلثي الالف، أو ثنتين مجانا وواحدة بثلث الالف، وقع ما أوقعه مجانا، ويبنى ما بعده على مخالفة الرجعية إن كانت مدخولا بها، والجديد صحته. فعلى هذا: تقع الثنتان بثلثي الالف، وعلى القديم: يقعان بلا عوض لما سبق أن خلع الرجعية على هذا كالسفيهة، وإن لم تكن مدخولا بها، بانت بما أوقعه مجانا، فلا يقع ما بعده. ولو قال: طلقتك واحدة مجانا وثنتين بالالف، ففي التهذيب أنه إن كان بعد الدخول، وقعت الاولى مجانا والثنتان بثلثي الالف، ولا يستحق تمام الالف وإن حصل غرضها، لان ذلك إنما يكون إذا وقع المملوك من الطلاق في مقابل المال، وهنا أوقع بعض المملوك مجانا. وأعلم أن الاشكال الذي ذكره الامام يعود هنا، لانها لم ترض بالطلقتين إلا بثلثي الالف وقد أوقعهما بألف، فوجب أن يجعل كلاما مبتدءا. فأما إذا لم يتصل به(5/718)
قبول، لغا. وفي التهذيب أيضا أنه لو قال: طلقتك ثلاثا، واحدة بألف، وقع الثلاث واستحق ثلث الالف، ويعود فيه الاشكال. المسألة الثالثة: قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق ثلاثا، وقع الثلاث واستحق الالف. وهل الالف في مقابلة الثلاث أم الواحدة ؟ وجهان. ظاهر النص: ثانيهما، ولا يتعلق بالخلاف فائدة حكمية. ولو قال: بعني هذا العبد بألف، فقال: بعتكه مع هذين العبدين بألف، فالبيع باطل على الصحيح، لانه معاوضة محضة بخلاف الخلع فإنه كالجعالة. وقيل: يصح البيع في الجميع، وقيل: يصح في العبد المسؤول خاصة. ولو أعاد في الجواب ذكر الالف. فقا: طلقتك ثلاثا بألف، فهل يقع الثلاث بألف، أم الثلاث بثلث الالف، أم واحدة بثلث الالف ولا يقع الاخريان أم لا يقع شئ أصلا ؟ فيه أربعة أوجه. أصحها: الاول. وينبغي أن تطرد هذه الاوجه فيما إذا لم يعد ذكر الالف. ولو قالت: طلقني(5/719)
واحدة بألف، فقال: أنت طالق طلقتين، فقياس ما تقدم أنه تقع الطلقتان ويستحق الالف، وفيه احتمال للامام، إذ لم تحصل البينونة الكبرى، فلا يستحق شيئا لانه خالف ولم تحصل البينونة الكبرى. الرابعة: قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك، أو أنت طالق بخمسمائة، فهل يقع الطلاق بخمسمائة أم بألف ويلغى قوله: بخمسمائة لانها بانت بقوله: طلقتك واستحق الالف، أم لا يقع طلاق للمخالفة كما لو خالفت في قبولها ؟ فيه ثلاثة أوجه. أصحها: الاول، وبه قال ابن الحداد. ولو قال: بعني عبدك بألف، فقال: بعتك بخمسمائة، لم ينعقد البيع على الاصح، لانه معاوضة محضة. وقيل: يصح بخمسمائة. الخامسة: قالت: طلقني على كذا درهما، فطلقها على دنانير، كان مبتدئا بكلامه، فينظر، أيتصل به قبول أم لا ؟ ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق وطالق، سئل، فإن قال: أردت مقابلة الاولى بالالف، وقعت الاولى بالالف ولم تقع الاخريان. وإن قال: أردت الثانية بالالف، وقعت الاولى رجعية، ويجئ في الثانية القولان في خلع الرجعية، فإن صححناه، لغت الثالثة، وإلا، فلا. وإن قال: أردت الثالثة، وقعت الاوليان بلا عوض، وفي الثالثة الخلاف. وإن قال: أردت مقابلة الجميع بالالف، وقعت الاولى بثلث الالف، ولغت الاخريان، وإن لم يكن له نية، قال البغوي: بانت الاولى بالالف، لانه جواب لقولها، ولغت الاخريان. وذكر صاحب المهذب مثل هذا التفصيل فيما إذا ابتدأ فقال: أنت طالق وطالق وطالق بألف، وليشترط فيه مطابقة القبول للايجاب. ولو قال في جوابها: أنت طالق طالق طالق واحدة بألف، انقطع احتمال مقابلة الجميع بالالف، والباقي كما ذكرناه. هذا إذا كانت مدخولا بها، فإذا لم تكن، وأراد مقابلة غير الاولى بالالف، بانت الاولى، ولغا ما بعدها. ولو قالت له وهو لا يملك إلا طلقة: طلقني طلقتين بألف، فقال: طلقتك طلقتين، الاولى منهما بألف، والثانية مجانا، استحق(5/720)
الالف. وإن قال: الثانية منهما بألف، وقعت الاولى بلا عوض ولغت الثانية. وإن قال: إحداهما بألف، أو اقتصر على قوله: طلقتك طلقتين، سئل، فإن قال: أردت الاولى والثانية، فعلى ما ذكرنا، وإن قال: لم أنو شيئا، ففي استحقاقه المال وجهان، أصحهما: نعم لمطابقة الجواب السؤال. ولو أعاد ذكر المال، فقال: طلقتك طلقتين بألف، فهل يستحق خمسمائة عملا بالتوزيع، أم ألفا لحصول البينونة الكبرى ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قال أبو زيد. فرع لو لم يملك إلا طلقة، فقالت: طلقني ثلاثا بألف طلقة، أحرم بها في الحال، وطلقتين يقعان علي إذا نكحتني بعد زوج، أو تكونان في ذمتك تنجزهما حينئذ، فطلقها ثلاثا، وقعت الواحدة، ولغا كلامهما في الآخرتين. ثم النص في المختصر: أن للزوج مهر المثل، وللاصحاب طريقان. أحدهما: هذا، وأصحهما على قولي تفريق الصفقة للجمع بين مملوك وغيره، فإن أبطلنا، فله مهر المثل، وإن صححنا، فلها الخيار في العوض لتبعيض مقصودها، فإن فسخت، فله مهر المثل، وإن أجازت، فهل يجيز بكل الالف، أم بثلثه عملا بالتقسيط ؟ قولان كالبيع، ومنهم مق قطع هنا بالتقسيط، لان المشتري بالفسخ يدفع العقد من كل وجه، والطلاق هنا لا مدفع له، فيبعد إلزامها بواحدة ما التزمته للثلاث. السادسة: قالت: طلقني نصف طلقة بألف، أو طلق نصفي، أو يدي، أو رجلي بألف، فأجابها بذلك، أو قال ابتداء: طلقتك نصف طلقة، أو طلقت نصفك بألف، فقبلت، فلا يخفى أن الطلاق يقع مكملا، وكذا لو كان ذلك بلفظ الخلع وجعلناه طلاقا. ثم الواجب في هذه الصور، مهر المثل على الصحيح لفساد صيغة المعاوضة. ولهذا لو قال: بعتك هذا نصف بيعة، أو بعته لنصفك أو ليدك، لم يصح البيع. وإذا فسدت الصيغة، تعين مهر المثل، وإنما يجئ الخلاف في الرجوع إلى مهر المثل وبدل المسمى إذا كان الفساد في المسمى. وحكى الامام وجها واختاره:(5/721)
أنه يجب المسمى، لان الشرع كمل ذلك المبعض فصار كتكميلها.
الطرف الثالث : في تعليقها بزمان وفيه مسائل. الاولى: قالت: طلقني غدا ولك علي ألف، أو إن طلقتني غدا فلك علي ألف، أو قالت: خذ هذا الالف على أن تطلقني غدا فأخذه، لم يصح، ولم يلزم الطلاق، لانه سلم في الطلاق والطلاق لا يثبت في الذمة. ثم إن طلقها في الغد أو قبله، وقع الطلاق بائنا ولزمها المال، لانه إن طلق في الغد، فقد حصل مقصودها. وإن طلق قبله، فقد زادها كما لو سألت طلقة فطلق ثلاثا. فلو قال: أردت الابتداء، صدق بيمينه وله الرجعة، وفي المال الواجب طريقان. المذهب والمنصوص: مهر المثل. والثاني: قولان. ثانيهما: المسمى. وهل يفرق بين أن يطلقها عالما ببطلان ما جرى، وبين تطليقها جاهلا ببطلانه ؟ قال القاضي حسين والبغوي: يفرق ولا يلزمها شئ إذا طلقها عالما، بل يقع رجعيا، وضعفه الامام، واستشهد بالجلع على الخمر وسائر الاعواض الفاسدة، فإنه لا فرق في ثبوت المال بين العلم والجهل. وإن طلقها بعد مضي الغد، نفذ رجعيا، لانه خالف قولها، فكان مبتدئا، فإن ذكر مالا، اشترط في وقوعه القبول. الثانية: قالت: لك ألف إن طلقتني في هذا الشهر ولم تؤخر تطليقي عنه، أو قالت: خذ هذا الالف على أن تطلقني في هذا الشهر متى شئت، فهو باطل وأولى بالبطلان من مسألة الغد، فإن طلقها بعد الشهر كان مبتدئا، وإن طلقها في الشهر، وقع الطلاق بائنا. وفي المال الواجب الطريقان. ولا يشترط وقوع الطلاق في المجلس، وقد ذكرنا في الباب الاول، وفي الطرف الاول من هذا الباب، أنها إذا قالت: متى طلقتني فلك ألف يشترط التطليق في المجلس. وللاصحاب طريقان حكاهما الامام، أحدهما: طرد القولين فيهما، والمذهب: الفرق، لان كلمة متى ظاهر في جواز التأخر، لكن قرينة العوض خصتها بالمجلس عملا بقاعدة المعاوضات، وهنا صرحت بجواز التأخير، فضعفت القرينة عن مقاومة الصريح على طريقة التسوية: هي اشتراط المجلس وعدمه، والمسمى صحيح في تلك الصورة بلا خلاف.(5/722)
الثالثة: قالت: طلقني بألف طلاقا يمتد تحريمه إلى شهر، ثم أكون في نكاحك حلالا لك، فطلقها كذلك، وقع الطلاق مؤبدا، وفي قدر المال الواجب الطريقان، وطريقة القطع هنا أظهر، لان الشرط هنا لا يمكن الوفاء به، وفساد الشرط يوجب الجهل بالعوض، فيتعين مهر المثل. الرابعة: علق طلاقها بصفة وذكر عوضا فقال: طلقتك إذا جاء غد، أو رأس الشهر أو دخلت الدار على ألف، فقبلت، أو سألته، فقالت: علق طلاقي برأس الشهر، أو بدخول الدار على ألف فعلق، فالصحيح وقوع الطلاق عند وجود المعلق عليه على مقتضى التعليق. وقيل: لا يقع لان المعاوضة لا تقبل التعليق، فيمتنع ثبوت المال. وإذا لم يثبت، لم تطلق لارتباطه، فإن قلنا بالصحيح، اشترط القبول على الاتصال، قال القفال: ويحتمل أنها تخير بين القبول في الحال، أو عند وجود الصفة، والمعروف الاول. ثم الواجب المسمى أم مهر المثل ؟ وجهان. وقيل: قولان، أصحهما عند الجمهور: الاول، ويجري الخلاف فيما إذا قالت: إذا جاء رأس الشهر وطلقتني، فلك ألف فطلقها عند رأس الشهر إجابة لها. وقيل: إن ابتدأ الزوج بالتعليق، وجب المسمى، وإن ابتدأت بالسؤال، فمهر المثل. وإذا أثبتنا المسمى، فمتى يجب ويلزم تسليمه ؟ فيه أوجه. أصحها: في الحال، واختاره ابن الصباغ، لان الاعواض المطلقة يلزم تسليمها في الحال، والمعوض تأخر بالتراضي. فإن تعذر تسليم المعوض، بأن فارقها قبل وجود المعلق عليه، لزم رد العوض كما لو تعذر تسليم المسلم فيه. والثاني: يجب في الحال، لكن لا يلزم تسليمه إلا عند وجود المعلق عليه لتأخر المعوض. والثالث: لا يجب إلا عند البينونة، ولا شك أنه لا رجوع لها قبل القبول. فأما إذا قالت: طلقني غدا ولك ألف، أو إن طلقتني غدا، فلك ألف، وهما الصورتان السابقتان في المسألة الاولى، فلها الرجوع قبل التطليق، لان الجواب به(5/723)
يحصل وما يستحقه الزوج هناك يستحقه عند التطليق.
الطرف الرابع : في اختلاع الأجنبي، فيه مسائل. الاولى: يصح الخلع من الزوج مع الاجنبي، ويلزم الاجنبي المال، هذا إذا قلنا: الخلع طلاق. قال الاصحاب: فإن قلنا: هو فسخ، لم يصح لان الزوج لا ينفرد به بلا سبب، ولا يجئ هذا الخلاف إذا سأله الاجنبي الطلاق فأجابه، لان الفرقة الحاصلة عند استعمال الطلاق طلاق بلا خلاف. الثانية: الخلع مع الاجنبي، كهو مع الزوجة في الالفاظ والاحكام، وهو من جانب الزوج معاوضة فيها معنى التعليق، ومن جانب الاجنبي معاوضة فيها ثبوت جعالة. فلو قال الاجنبي: طلقت امرأتي وعليك كذا، طلقت رجعيا ولا مال، ولو قال الاجنبي: طلقها وعلي ألف، أو لك ألف فطلق، وقع بائنا ولزمه المال. ولو اختلعها عبد، كان المال في ذمته كما لو اختلعت أمة نفسها. ولو اختلعها سفيه، وقع رجعيا كما لو اختلعت سفيهة نفسها. الثالثة: لو وكلت الزوجة من يخلعها، فله أن يختلعها استقلالا وبالوكالة. فإن صرح بالاستقلال، فذاك، وإن صرح بالوكالة، فالزوج يطالب الزوجة بالمال، وإن لم يصرح ونوى الوكالة، فالخلع لها لكن تتعلق به العهدة فيطالب، ثم يرجع عليها. وإن لم يصرح ولا نوى شيئا أصلا، فالخلع لها، لان منفعته لها بخلاف نظيره من الوكالة في الشراء. ويجوز أن يوكل الاجنبي الزوجة لتختلع عنه، وحينئذ تتخير الزوجة بين أن تختلع استقلالا أو بالوكالة. وقول الزوجة لاجنبي: سل زوجي تطليقي على ألف، توكيل، سواء قالت: علي أم لا. وقول الاجنبي لها: سلي زوجك يطلقك على كذا، إن لم يقل: علي، فليس بتوكيل. فلو اختلعت، فالمال عليها. وإن قال: علي، كان توكيلا. فإن أضافت إليه أو نوته، فالمال على الاجنبي. وقول الاجنبي للاجنبي: سل فلانا يطلق زوجته على ألف، كقوله للزوجة، فيفرق بين قوله: علي وعدمه. ولو اختلع الاجنبي، وأضاف إليها مصرحا بالوكالة، ثم بان كذبه، لم تطلق، لانه مربوط بالمال وهو لم يلتزم في نفسه، فأشبه إذا خاطبها ولم تقبل.(5/724)
فرع قال لرجل: بع عبدك لفلان بكذا وعلي ألف، فباعه، لم يستحق على القائل شيئا على الصحيح، وهو قول الجمهور. قال القاضي أبو الطيب، وقال الداركي: يحتمل أن يستحق الالف كالتماس الطلاق والعتق. ولو قال: بعه عندك بألف في مالي، لم يستحق على القائل شيئا. الرابعة: أبو الزوجة في اختلاعها كالاجنبي، فإن اختلع بمال نفسه، فذاك، صغيرة كانت أو بالغة، وإن اختلع بمالها وصرح بالنيابة أو الولاية، لم يقع الطلاق كما لو بان كذب مدعي الوكالة في الاختلاع. وإن اختلع بمالها مصرحا بالاستقلال، فهو كالاختلاع بمغصوب، فيقع الطلاق بمهر المثل على الاظهر، وببدل المسمى في قول. ولو اختلع بعبد أو غيره، وذكر أنه من مالها ولم يتعرض لنيابة ولا استقلال، وقع الطلاق رجعيا كمخالعة السفيهة، صغيرة كانت الزوجة أم كبيرة، بكرا أم ثيبا. وكذا لو قال للاجنبي: خالعها على عبدها هذا، أو صداقها، وذكرا في تشبيهه بالسفيهة أنه أهل للقبول، لكنه محجور عليه في مالها، ولكن هذا ينتقض بالمغصوب، ولهذا خرج القاضي حسين هنا وجها أنه يقع الطلاق بائنا، ويعود القولان في قدر المال الواجب. والمذهب الفرق، لان الاجنبي متبرع بما يبذله لا يحصل له فائدة إذا أضاف إلى مالها، فقد صرح بترك التبرع بخلاف اختلاعها نفسها بمغصوب. وبنى البغوي على هذا الفرق، أنه لو قال الاجنبي: طلقها على هذ المغصوب، أو على هذا الخمر، أو على عبد زيد هذا، فطلق، وقع رجعيا ولا مال، بخلاف ما إذا التمست المرأة هكذا. ولو اختلع الاب أو الاجنبي بعبدها ولم يذكر أنه من مالها، فإن لم يعلم الزوج كونه عبدها، فكالمغصوب، فيقع بمهر المثل على الاظهر، وإن علم، فالاصح أنه كالذي لم يعلم. وقيل: المعلوم كالمذكور فيقع رجعيا، هذا كله إذا اختلع الاب بغير صداقها، فإن اختلع به أو على أن الزوج برئ من صداقها، أو قال: طلقها وأنت برئ من صداقها أو على أنك برئ من صداقها، فالمنصوص أن يقع الطلاق رجعيا، ولا يبرأ عن صداقها، ولا(5/725)
شئ على الاب. وحكى الامام وغيره تخريجه على عفو الاب عن صداق الصغيرة، وإن جوزناه، صح الخلع، وإلا فالصحيح وقوعه رجعيا كما نص عليه كاختلاع السفيهة. وقيل: لا يقع الطلاق أصلا كالوكيل الكاذب. فإذا صححنا عفو الولي، فشرطه كونه قبل الدخول، وحينئذ يتشطر المهر فيكون العوض أحد الشطرين. ولو اختلعا بالبراءة عن صداقها وضمن له الدرك، فالذي أطلقه الجمهور من العراقيين وغيرهم، أنه لا يبرأ ويقع الطلاق بائنا، لانه التزم المال في نفسه، فأشبه الاختلاع بمغصوب. فعلى هذا، هل الواجب عليه مهر المثل أم بدل الصداق ؟ فيه القولان المعروفان. أظهرهما: الاول. وهكذا الحكم فيما إذا قال الاب أو الاجنبي: طلقها على عبدها هذا وعلي ضمانه. فعلى الاظهر: يلزم مهر المثل. وعلى الثاني: قيمة العبد. والذي قدمناه أنه لا يلزمه شئ، هو فيما إذا لم يتلفظ بالضمان. وحكى الامام، أنه لا أثر لهذا الضمان ويقع الطلاق رجعيا كما لو قال: طلقها وأنت برئ من الصداق. ووجها أنه (إن) قال: طلقها وأنا ضامن براءتك، لغا ووقع رجعيا إذ لا فائدة فيه. وإن قال: وأنا ضامن للصداق، إن طولبت به أديته عنك، وقع بائنا لانه صرح بالمقصود، إلا أنه التزام فاسد واختار الامام الغزالي هذا. ولفظ الضمان هنا، كهو في قوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه. والمراد به الالتزام دون الضمان المشهور. ولو التمس الطلاق على أنه برئ، وضمن الدرك، فقال الزوج في جوابه: إن برئت من صداقها، فهي طالق، لم تطلق لان الصفة المعلق عليها لم توجد.
الباب الخامس : في الاختلاف فيه مسائل. الاولى: قالت: خالعني على كذا، فأنكر الزوج، صدق بيمينه. ولو كان له زوجتان تسميان باسم واحد، فقال: خالعت فلانة بكذا، فقبلت إحداهما، فقال الزوج: أردت الاخرى، وقالت القائلة: بل أردتني، فهو المصدق ولا فرقة.(5/726)
ولو قال: طلقتك بألف، فقالت: بلا عوض، صدقت بيمينها في نفي العوض، ولا يقبل قوله في سقوط سكناها ونفقتها، وتحصل البينونة بقوله. ولو قال: خالعتك بالعوض الذي سألت، فأنكرت أصل السؤال، فكذلك الحكم. وإن قالت: طلقتني بعد طول الفصل، وقال: بل في الحال، فهي المصدقة في نفي المال أيضا. ولو قال: طلقتك بعد طول الفصل ولم تقبلي فلي الرجعة، وقالت: بل طلقتني متصلا بسؤالي، فلا رجعة لك، فالمصدق الزوج.
الثانية : اتفقا على الخلع واختلفا في جنس العوض أو قدره أو صفته في الصحة والتكسر والاجل، ولا بينة، تحالفا وحصلت البينونة، وإنما أثر التحالف في العوض. والقول في أنه هل تنفسخ التسمية، أم تفسخ إن أصرا على النزاع، وفي كيفية اليمين ومن يبدأ به على ما تقدم في البيع وفي الرجوع بعد الفسخ أو الانفساخ إلى مهر كتحالفهما في الصداق ؟ وقيل: يرجع بأقل الامرين من مهر المثل وما ادعاه. وقيل: بأكثر الامرين من مهر المثل والمسمى الذي ادعته، والصحيح الاول. ولو أقام كل واحد بينة بدعواه، فهل تتساقطان، أم يقرع ؟ قولان(5/727)
حكاهما الحناطي. وعلى التقديرين، هل يحلف ؟ وجهان. وعن ابن سريج، أنه يعمل بأكثر البينتين. قلت: الاظهر، أنهما يسقطان ولا ترجيح بالكثرة. والله أعلم. ولو خالع أجنبيا واختلفا، تحالفا وعلى الاجنبي مهر المثل. الثالثة: سبق أنه لو خالعها على ألف درهم، وفي البلد نقد غالب نزل عليه فلو لم يكن، بطلت التسمية ووجب مهر المثل، فإن نويا نوعا، فالصحيح الاكتفاء بالنية ولزوم ذلك النوع. وقيل: تفسد التسمية ويجب مهر المثل كنظيره في البيع، والفرق أنه يحتمل هنا ما لا يحتمل في البيع. ولو قال: خالعتك على ألف ولم يذكر جنسا، فالصحيح أنه كإبهام النوع، فإن نويا جنسا، تعين. وقيل: يتعين هنا مهر المثل لكثرة الاختلاف في الاجناس. ولو قال: خالعتك على ألف شئ فقبلت، ونويا شيئا معينا، قال القاضي حسين: التسمية فاسدة لشدة الاجمال، فيرجع إلى مهر المثل، ويمكن أن ينازعه غيره. ثم قال الشيخ أبو محمد: إنما يؤثر التعيين بالنية إذا تواطا قبل العقد على ما يقصدانه ولا أثر للتوافق بلا مواطأة، ولم يعتبر آخرون ذلك، بل اعتبروا مجرد التوافق. قلت: هذا الثاني، هو الاصح. وقول الشيخ أبي محمد هنا ضعيف. والله أعلم. وإذا عرفت هذه المقدمة، فلو تخالعا بألف درهم وأطلقا، فقال الزوج: أردنا بالدراهم النقرة، فقالت: بل أردنا بها الفلوس أو على ألف، فقال: أردنا الدنانير أو الدراهم فقالت: أردنا الفلوس، فالصحيح أنهما يتحالفان. وقيل: يجب مهر المثل بلا تحالف. فلو توافقا على أنه أراد النقرة، وادعت أنها أرادت الفلوس وقال: بل أردت النقرة أيضا، حصلت البينونة لانتظام الصيغة ومؤاخذة لها، وتصدق هي بيمينها. فإذا حلفت، فلا شئ عليها، لانها نفت بيمينها النقرة، ونفى هو الفلوس.(5/728)
ولو توافقا أنها أرادت الفلوس، وقال هو: أنا أردت النقرة، ولا فرقة للمخالفة، فقالت: بل أردت الفلوس أيضا وبنت منك، حصلت البينونة ظاهرا لاتفاق اللفظين. وهل للزوج مهر المثل ؟ وجهان، قال القاضي حسين: نعم للبينونة ظاهرا، والذي اختاره الغزالي: لا، لانكاره البينونة وعوضها. قلت: هذا الثاني هو الاصح، واختاره أيضا الامام. قال الامام: فإن قيل: لو صدقها بعد ذلك في اتفاق النية، قلنا: إذ ذاك يطالبها بالمسمى المعين لا بمهر المثل. والله أعلم. وفي معنى هذه الصورة ما إذا اتفقا على أنه أراد الدراهم، وزعم أنها أرادت الفلوس، ولا فرقة، فقالت: أردت الدراهم وبنت، فالفرقة حاصلة، ويعود الوجهان في ثبوت شئ للزوج، وبالثبوت قطع البغوي، وقال: لا تحصل الفرقة باطنا إن كان صادقا. ولو قال: أردت النقرة ولم يتعرض لجانبها، وقالت: أردت(5/729)
الفلوس ولم تتعرض لجانبه، حصلت الفرقة. ثم عن القاضي حسين أنهما يتحالفان. وفي البسيط أن الوجه وجوب مهر المثل، لانه لا يدعي عليها معينا حتى تحلف. قلت: الاصح، وجوب مهر المثل بلا تحالف. وقد نقل الامام الاتفاق عليه، وجعل مخالفة القاضي في التحالف في غير هذه الصورة. والله أعلم. ولو قال أحد المتخالعين: أطلقنا الدراهم. وقال الآخر: عينا نوعا تحالفا. الرابعة: قالت: سألتك ثلاث تطليقات بألف فأجبتني، فقال: بل سألت واحدة بألف فأجبتك، فالالف متفق عليه، لكن اختلفا في المعوض فيتحالفان، فإذا تحالفا، فعليها مهر المثل. والقول في عدد الطلاق الواقع قوله بيمينه. قال الحناطي: ولو أقام كل واحدة بينة على قوله، فإن اتفق تاريخ البينتين، تحالفا وإلا فالاسبق تاريخا مقدمة. ولو قال: طلقتك وحدك بألف، فقالت: بل طلقتني وضرتي، تحالفا وعليها مهر المثل. ولو قالت: سألتك واحدة بألف، فأجبتني فقال: بل طلقتك ثلاثا بألف، وقع الثلاث ووجب الالف، ولا معنى لهذا الاختلاف. ولو قالت: سألتك ثلاثا بألف فطلقتني طلقة، فلك الثلث فقال: بل ثلاثا فلي الالف، فإن لم يطل الفصل، طلقت ثلاثا ولزمها الالف، وإن طال ولم يمكن جعله جوابا، طلقت ثلاثا بإقراره وتحالفا للعوض، وعليها مهر المثل، هكذا نص عليه في روحية الربيع. وفيما نقله أبو بكر الفارسي في عيون المسائل واختلف الاصحاب، فأخذت طائفة بالنص، وقال البغوي: يتحالفان وله مهر المثل، ولم يفرق بين طول الفصل وعدمه. وقال آخرون: النص مشكل في حالتي الاتصال والانفصال. قال الامام: ينبغي أن يقال في حالة الاتصال، إن قال الزوج: ما طلقتك من قبل، والآن أطلقك ثلاثا على ألف، تقع الثلاث ويجب الالف، لان الوقت وقت الجواب. وإن قال: طلقتك من قبل ثلاثا تعذر، جعل هذا إنشاء، لانها بانت قبله، فيقع الثلاث بإقراره، ولا يلزمها إلا ثلث الالف كما لو قال: إن رددت أعبدي الثلاثة، فلك الالف، فقال: رددتهم وقال: ما رددت إلا واحدا. وأما في حال الانفصال، فيحكم بوقوع الثلاث بإقراره وعليها ثلث الالف، ولا معنى للتحالف، لان التحالف عند الاختلاف في صفة العقد أو العوض، (وهما)(5/730)
هنا متفقان على أن المسؤول ثلاث، وأن العوض ألف، وللزوج أن يحلفها على نفي العلم أنه ما طلقها ثلاثا، وهذا صحيح وليتأول النص عليه بحسب الامكان. فرع قال الحناطي: قالت: طلقتني ثلاثا بألف فقال: بل طلقتك واحدة بألفين وأقام كل واحد بينة بقوله، واتفقا أنه لم يطلق إلا مرة، تحالفا وله مهر المثل. الخامسة: تخالعا بألف فطالبها به، فقالت: ضمنه زيد، لم ينفعها هذا الجواب لان الضمان لا يقطع الطلب عنها، وكذا لو قالت: قبلت الخلع على أن يزن زيد عني الالف، وهي في الصورتين مقرة بالالف. ولو قالت: قبلت الخلع بألف لي في ذمة زيد، ففيه خلاف مبني على بيع الدين، وحاصله أربعة أوجه. أصحهما: التحالف بناء على صحة بيع الدين، والثاني: يجب مهر المثل بلا تحالف، بناء على منعه، والثالث: تصدق هي بيمينها، والرابع: هو بيمينه، نقلهما المتولي بناء على منعه، وهما الوجهان في الاختلاف في صحة العقد وفساده. فرع قال: خالعتك، فقالت: اختلعني أجنبي لنفسه بماله، بانت باعترافه ولا شئ عليها، ولا على الاجنبي. ولو قالت: اختلعت بوكالة زيد وأضفت إليه، فهل يتحالفان أم تصدق هي أم هو ؟ فيه أوجه، أصحهما: الاول. ولو قالت: لم أضف ولكن نويت الاختلاع لزيد، فإن قلنا: تتوجه المطالبة على الوكيل، لم ينقطع طلب الزوج بقولها، وكذا لو أنكر أصل الوكالة. وإن قلنا: لا يطالب، فهل يتحالفان، أم تصدق هي، أم هو ؟ فيه الاوجه. السادسة: طلقها بألف وأرضعت بنتها زوجة أخرى له صغيرة واختلف المتخالعان، فقال الزوج: سبق الخلع فعليك المال، وقالت: بل سبق الارضاع، فانفسخ النكاح والخلع لغو، نظر إن اتفقا على جريان الارضاع يوم الجمعة مثلا وادعى تقدم الخلع، وادعت تأخره، فالقول قولها بيمينها، وإن اتفقا على جريان الخلع يوم الجمعة، وادعى تأخر الارضاع، وادعت تقدمه، فالقول قوله بيمينه، لان الاصل استمرار النكاح، ولان اشتغالهما بالخلع يدل ظاهرا على بقاء النكاح، كما لو تخالعا، ثم ادعت أنه طلقها قبل الخلع ثلاثا، أو ادعت إقراره بفساد النكاح فأنكر، فإنه يصدق بيمينه وتستمر صحة الخلع.(5/731)
السابعة: تخالعا ثم قال هو: كنت مكرهة، فلي الرجعة فأنكرت الاكراه، لم يقبل قوله في الظاهر، وعليه رد المال لاعترافه. ولو ادعت الاكراه، فأنكر، صدق بيمينه، ولزمها المال. فلو أقامت بينة بالاكراه، لزمه رد المال ولا رجعة لاعترافه بالبينونة، فلو لم يصرح بالانكار، أو سكت، أو كانت الخصومة مع وكيله، فله الرجعة، إذ أقامت البينة.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بالخلع ليس له خلع زوجة ولده الطفل، والخلع على غير الصداق قبل قبضه، لا يسقط حقها منه، وبعد قبضه وقبل الدخول لا يسقط حق الزوج من نصفه عندنا. ولو خالع حاملا بنفقة عدتها، بانت بمهر المثل. وفي فتاوى القفال: لو خالعها بمهرها بعد أن أبرأته منه، فإن جهلت الحال، فهل يلزمها مهر المثل أم بدل المسمى ؟ فيه القولان. وإن علمت، نظر إن جرى بلفظ الطلاق، كقوله: طلقتك على صداقك، فهل يقع بائنا ويعود الخلاف فيما يلزمها، أم يقع رجعيا ؟ وجهان. وإن جرى بلفظ الخلع، فإن أوجبنا المال في لفظ الطلاق، فهنا أولى، وإلا فوجهان بناء على أن لفظ الخلع هل يقتضي ثبوت مال ؟ وفي فتاوى القاضي حسين، أنه لو خالعها على مالها في ذمته وعلى ألف آخر في ذمتها، وعلى أن ينفق على ولده كل يوم كذا إلى مدة كذا، فهو فاسد لشرط الانفاق، وتبين بمهر المثل. وأنه لو خالعها بألف وعلى حضانة ولده الصغير سنة، فتزوجت في أثناء السنة، لم يكن للزوج انتزاع الولد منها بتزوجها، لان الاجارة عقد لازم، وأنها لو قالت: إن طلقتني أبرأتك عن الصداق، أو فأنت برئ منه فطلق، لا يحصل الابراء، لان تعليقه باطل ويلزمها مهر المثل، لانه لم يطلق مجانا. فلو قالت: أبرأتك عن صداقي فطلقني، برئ الزوج وله الخيار، إن شاء طلق، وإن شاء لم يطلق. وفي فتاوى البغوي، لو خالعها على ثوب هروي وقبلت، ثم أعطته مرويا فرضيه وأراد إمساكه، ينظر إن وصفه بالصفات المعتبرة بني على جواز أخذ الزبيب الابيض عن الاسود. إن جوزنا فكذا هنا، وإلا فلا يجوز الامساك هنا بلا معاقدة. فإن تعاقدا، فقالت: جعلته بدلا عما علي وقبله الزوج، بني على أن الصداق مضمون ضمان اليد، أم العقد، إن قلنا بالاول، جاز، أو بالثاني، فقولان كالاستبدال عن الثمن في الذمة. وإن لم يصفه، فالواجب مهر المثل، فلا يجوز إمساكه إلا بمعاقدة، وأنها لو قالت: اختلعت نفسي بالصداق(5/732)
الذي في ذمتك وأنكر وحلف، فلا رجوع لها عليه بالصداق ولو كان له على رجل دين، فقال: اشتريت منك دارك به وقبضته وأنكر الرجل، يجوز له المطالبة بالدين، والفرق أن الخلع يقتضي اليأس من الصداق وسقوطه بالكلية، لان ذمة الزوج إذا برئت منه لا يتصور اشتغالها به. وفي صورة البيع لا يحصل اليأس عن الدين، لاحتمال تلف الدار قبل القبض، أو خروجها مستحقة، أو ردها بعيب، وإن الزوج لو قال: خالعتك وأنكرت وحلفت ثم وطئها، فعليه الحد في الظاهر، ولا حد عليها، لانها تزعم أنها في نكاحه. وأما الباطن، فإن صدق، حد، وإن كذب، فلا. وقيل: دعواه تكون طلاقا ظاهرا وباطنا، فعليهما الحد، وأنها لو قالت: اختلعت بثلاث طلقات على ما لي عليك من الحق، فقال: خالعتك بطلقة، وقعت طلقة بمهر المثل، ويحتمل أن يجب ثلث مهر المثل. فصل لابن الحداد قال: أنت طالق اثنتين، احداهما بألف، فالمقابلة بالالف لا تقع إلا بقبولها. وفي الاخرى وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: لا يقع إلا بالقبول، لانه علق الطلقتين بالقبول، ولانها تابعة للاخرى، وأصحهما عند الشيخ أبي علي: يقع بلا قبول لخلوها عن العوض، ولانه لو قال: أنت طالق طلقتين، إحداهما بألف، والاخرى بغير شئ وقعت الواحدة بلا قبول، فكذا هذا. قال الامام: ولا يبعد طرد الوجهين هنا، فإن قلنا بالاول، فإذا قبلت، وقعت الطلقتان ولزمها الالف. وهل الالف في مقابلة إحداهما فقط، أم في مقابلتهما الدين، لاحتمال تلف الدار قبل القبض، أو خروجها مستحقة، أو ردها بعيب، وإن الزوج لو قال: خالعتك وأنكرت وحلفت ثم وطئها، فعليه الحد في الظاهر، ولا حد عليها، لانها تزعم أنها في نكاحه. وأما الباطن، فإن صدق، حد، وإن كذب، فلا. وقيل: دعواه تكون طلاقا ظاهرا وباطنا، فعليهما الحد، وأنها لو قالت: اختلعت بثلاث طلقات على ما لي عليك من الحق، فقال: خالعتك بطلقة، وقعت طلقة بمهر المثل، ويحتمل أن يجب ثلث مهر المثل. فصل لابن الحداد قال: أنت طالق اثنتين، احداهما بألف، فالمقابلة بالالف لا تقع إلا بقبولها. وفي الاخرى وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: لا يقع إلا بالقبول، لانه علق الطلقتين بالقبول، ولانها تابعة للاخرى، وأصحهما عند الشيخ أبي علي: يقع بلا قبول لخلوها عن العوض، ولانه لو قال: أنت طالق طلقتين، إحداهما بألف، والاخرى بغير شئ وقعت الواحدة بلا قبول، فكذا هذا. قال الامام: ولا يبعد طرد الوجهين هنا، فإن قلنا بالاول، فإذا قبلت، وقعت الطلقتان ولزمها الالف. وهل الالف في مقابلة إحداهما فقط، أم في مقابلتهما معا وإحداهما تابعة ؟ فيه احتمالان ذكرا ووجه. الثاني: أنه لو اختص المال باحداهما، لما توقفت الاخرى على القبول، ولا قرنت طلقتان بائنة ورجعية، وذلك بعيد. وإن قلنا بالوجه الثاني، فإن كانت غير مدخول بها، وقعت الواحدة عند تمام لفظه وبانت، فلا تقع الاخرى، ولو قبلت.(5/733)
وإن كانت مدخولا بها، فالواقعة رجعية، فإذا قبلت، فهو مخالعة وفيها القولان. فإن جوزناها، وقعت الثانية بالالف، وإلا، ففيه احتمالان للشيخ أبي علي. أحدهما: لا يقع الطلاق لانه إنما وقع بشرط قبولها، وإذا لم يلزم المال، فلا معنى للقبول، وأصحهما: يقع وإن لم يلزم المال بمخالعة المحجور عليها. وبالله التوفيق.
انتهى الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: " كتاب الطلاق "(5/734)
روضة الطالبين
محيى الدين النووي ج 6(6/)
روضة الطالبين للامام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي المتوفى سنة 676 ومعه المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي منتقى الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع للحافظ جلال الدين السيوطي تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود الشيخ على محمد معوض الجزء السادس دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(6/1)
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان يطلب من: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان صرب: 9424 / 11 تلكس: 41245 هائف: 366135 - 810073(6/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق فيه ستة أبواب.
الأول : في الطلاق السني والبدعي وغيرهما، وفيه طرفان.
الأول : في بيان البدعي والسني. لم يزل العلماء قديما وحديثا يصفون الطلاق بالبدعة والسنة. وفي معناهما اصطلاحان.(6/3)
أحدهما: السني ما لا يحرم إيقاعه، والبدعي: ما يحرم. وعلى هذا فلا قسم سواهما. والثاني: وهو المتداول، أن السني طلاق مدخول بها ليست بحامل، ولا صغيرة ولا آيسة. والبدعي: طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس، أو طهر جامعها فيه ولم يبن حملها، وعلى هذا يستمر ما اشتهر في المذهب: أن غير الممسوسة لا سنة ولا بدعة في طلاقها، وكذا من في معناها. وعلى هذا، الطلاق سني وبدعي وغيرهما. ثم ذكر الاصحاب أن ما لا يحرم من الطلاق: واجب ومستحب ومكروه. فالواجب في حق المؤلي، إذا مضت المدة، يؤمر أن يفي أو يطلق، وعند الشقاق إذا رأى الحكمان التفريق وجب. وأما المستحب، فهو إذا كان يقصر في حقها لبغض أو غيره، أو كانت غير عفيفة. وأما المكروه، فهو الطلاق عند سلامة الحال. وأما المحرم، فلتحريمه سببان. أحدهما: إيقاعه في الحيض إذا كانت ممسوسة، تعتد بالاقراء فطلقها بلا عوض. فإن خالع الحائض، أو طلقها بعوض، فليس بحرام. ولو سألت الطلاق ورضيت به بلا عوض في الحيض، أو اختلعها أجنبي في(6/4)
الحيض، فحرام على الاصح. ولو طولب المؤلي بالطلاق، فطلق في الحيض، فقال الامام والغزالي وغيرهما: ليس بحرام لانها طالبة راضية، وكان يمكن أن يقال: حرام لانه أحوجها بالايذاء إلى الطلب وهو غير ملجأ إلى الطلاق لتمكنه من الفيئة. ولو طلق القاضي عليه، إذا قلنا به، فلا شك أنه ليس بحرام في الحيض. ولو رأى الحكمان في صورة الشقاق الطلاق، فطلقا في الحيض، ففي شرح مختصر الجويني أنه ليس بحرام، للحاجة إلى قطع الشر (1).(6/5)
فرع إذا طلق في الحيض طلاقا محرما، استحب له أن يراجعها، فإن راجع، فهل له تطليقها في الطهر التالي لتلك الحيضة ؟ وجهان. أصحهما: المنع، وبه قطع المتولي لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وكأن الوجهين في أنه: هل يتأدى به الاستحباب بتمامه. فأما أصل الاباحة والاستحباب، فينبغي أن يحصل بلا خلاف لاندفاع ضرر تطويل العدة. قلت: قد صرح الامام وغيره، بأن الوجهين في الاستحباب. قال الامام: قال الجمهور: يستحب أن لا يطلقها فيه، وقال بعضهم لا بأس به. وأما قول الغزالي في الوسيط: هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر ؟ فيه وجهان، فشاذ أو مؤول، فلا يعتبر بطاهره. والله أعلم. وهل يستحب أن يجامعها في ذلك الطهر ؟ وجهان. أحدهما: نعم ليظهر مقصود الرجعة. وأصحهما: الاكتفاء بإمكان الاستمتاع. قال الامام: والمراجعة وإن كانت مستحبة، فلا نقول تركها مكروه. قلت: في هذا نظر، وينبغي أن يقال: تركها الكروه للحديث الصحيح الوارد فيها، ولدفع الايذاء. والله أعلم. فرع طلقها في الطهر، ثم طلقها أخرى في الحيض، بني على أن الرجعية تستأنف العدة إذا طلقت، أم تبني ؟ إن قلنا: تستأنف، فبدعي وإلا فوجهان لعدم التطويل ولو طلقها في الحيض بدعيا، ثم طلقها أخرى في تلك الحيضة أو في أخرى، ففي كون الثانية بدعية الوجهان. فرع الطلاق في النفاس بدعي كالحيض، لان المعنى المحرم شامل. فرع قال: أنت طالق مع آخر حيضك، أو آخر جزء من أجزاء حيضك، فالاصح(6/6)
أنه سني لاستعقابه الشروع في العدة. ولو قال: أنت طالق مع آخر جزء من الطهر ولم يطأها، فالمذهب والمنصوص أنه بدعي. ولو قال في الصورتين بدل مع: في آخر جزء من كذا، فقال الجمهور في كمع على ما تقدم. وقال المتولي: إن قال في آخر جزء من الحيض، فبدعي قطعا، أو في آخر جزء من الطهر، فسني قطعا. فرع تعليق الطلاق بالدخول وسائر الصفات، ليس ببدعي، وإن كان في الحيض ولكن إن وجدت الصفة في الطهر، نفذ سنيا، وإن وجدت في الحيض، نفذ بدعيا فتستحب المراجعة، ويمكن أن يقال: إن وجدت الصفة باختياره، أثم بايقاعه في الحيض. وعن القفال، أن نفس التعليق بدعة، لانه لا يدري الحال وقت الوقوع، فلتحترز عما قد يضرها ولا ضرورة إليه. قلت: قوله أولا: وإن وجدت في الحيض نفذ بدعيا، معناه يسمى بدعيا وترتب عليه أحكام البدعي، إلا أنه لا إثم فيه باتفاق الاصحاب في كل الطرق، إلا ما حكاه عن القفال: وقد أطنب الامام في تغليط القفال في هذا وقال: هذا في حكم الهجوم على ما اتفق عليه الاولون، فلم يحرم أحد تعليق الطلاق. والله أعلم. ولو قال لذات الاقراء: أنت طالق إن دخلت الدار، أو إن قدم فلان للسنة، أو إذا جاء رأس الشهر، فأنت طالق للسنة، فإن وجد الشرط وهي في حال السنة، طلقت. وإن وجد وهي في حال البدعة، لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة، فحينئذ تطلق، لان الطلاق معلق بأمرين، فاشترط حصولهما، وكذا لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق للبدعة، فإن دخلت في حال البدعة طلقت، وإن دخلت في حال السنة، لم تطلق حتى ينتهي إلى البدعة. ولو قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة كغير الممسوسة: أنت طالق إن دخلت ا لدار، وإن قدم فلان للسنة، فصارت ذات سنة وبدعة، ثم وجد الشرط المعلق عليه، فإن وجد في حال السنة، طلقت، وإن وجد في حال البدعة، لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة. ولو وجد الشرط قبل أن يتغير حالها. طلقت لانه(6/7)
لا سنة في طلاقها. فرع إذا علق طلاقها بما يتعلق باختيارها، ففعلته مختارة، يحتمل أن يقال: هو كما لو طلقها بسؤالها. السبب الثاني: أن يجامعها في طهر وهي ممن تحبل ولم يظهر حملها، فيحرم طلاقها في ذلك الطهر، واستدخالها ماءه كالوطئ، وكذا وطؤها في الدبر على الاصح. ولو وطئها في الحيض فطهرت، ثم طلقها في ذلك الطهر، حرم على الاصح لاحتمال العلوق. وأما إذا ظهر بها الحمل، فلا يحرم طلاقها بحال. ولو خالعها أو طلقها على مال في الطهر الذي جامعها فيه، قبل ظهور الحبل، لم يحرم على الصحيح، كمخالعتها في الحيض. وقيل: يحرم، لان التحريم هنا رعاية لحق الولد، فلا يؤثر فيه رضاها، وهناك لضررها بطول العدة، وتستحب المراجعة هنا كما في السبب الاول. ثم إن راجعها ووطئها في بقية الطهر، ثم حاضت وطهرت، فله أن يطلقها، وإن لم يراجعها حتى انقضى ذلك الطهر، ثم راجعها، أو راجعها ولم يطأها، استحب أن لا يطلق في الطهر الثاني، لئلا تكون الرجعة للطلاق. وحكى الحناطي وجها أنه لا تستحب الرجعة هنا، ولا يتأكد استحبابها تأكده في طلاق الحائض.
فصل الآيسة والصغيرة والتي ظهر حملها وغير الممسوسة لا بدعة في طلاقهن، ولا سنة إذ ليس فيه تطويل عدة، ولا ندم بسبب ولد. فلو كانت الحامل ترى الدم وقلنا: هو حيض، فطلقها فيه، لم يحرم على الصحيح. وقال أبو إسحاق: يحرم. وقد اشتهر في كلام الاصحاب أن الاربع المذكورات لا بدعة في طلاقهن، ولا سنة، وذلك للعبارات السابقة في تفسير السني والبدعي. وربما أفهم كلامهم، أنهم يعنون بذلك أنهن لا يجتمع لهن حالتا سنة وبدعة، بل لا يكون طلاقهن إلا سنيا، وهذا يستمر على تفسير السني بالجائز، والبدعي بالمحرم، وقد يغني عن التفاسير الطويلة. فرع نكح حاملا من الزنى ووطئها ثم طلقها، قال ابن الحداد وغيره: يكون(6/8)
الطلاق بدعيا، لان العدة تكون بعد وضع الحمل وانقضاء النفاس. ولو وطئت منكوحة بشبهة فحبلت، فطلقها زوجها وهي طاهر، فهو حرام لانها لا تشرع عقبه في العدة، وكذا لو لم تحبل، فشرعت في عدة الشبهة فطلقها، وقدمنا عدة الشبهة. وقيل: لا يحرم لانه لم يوجد منه إضرار. ورجح المتولي التحريم، إذا حبلت، وعدمه إذا لم تحبل، والاصح، التحريم مطلقا. فرع طلقها في طهر لم يجامعها فيه ثم راجعها، فله أن يطلقها، وحكى القاضي حسين وجها ضعيفا: أنه يحرم طلاقها كيلا تكون الرجعة للطلاق، وهذا سبب ثالث للطلاق على هذا الوجه. فرع لا تنقسم الفسوخ إلى سنة وبدعة، لانها شرعت لدفع مضار نادرة، فلا يليق بها تكليف مراقبة الاوقات. قلت: ومما يتعلق بهذا، لو أعتق أم ولده، أو أمته الموطوءة في الحيض، لا يكون بدعيا، وإن طال زمن الاستبراء، لان مصلحة تنجيز العتق أعظم، ذكره(6/9)
إبرهيم المروزي. ولو قسم لاحدى زوجتيه، ثم طلق الاخرى قبل قسمها، أثم وهذا سبب آخر لتحريم الطلاق، وسبقت المسألة في كتاب القسم. والله أعلم.
فصل لا بدعة في جمع الطلقات الثلاث، لكن الافضل تفريقهن على الاقراء، أو الاشهر إن لم تكن ذات أقراء، لتتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم، فإن أراد أن يزيد في قرء على طلقة، فرق على الايام. وقيل: التفريق سنة، وإن لم يكن الجمع بدعة، والصحيح المنع. قلت: ولو كانت حاملا وأراد تطليقها ثلاثا، فوجهان حكاهما في البيان أحدهما: يطلقها في كل شهر طلقة. والثاني، وبه قال الشيخ أبو علي: يطلقها في الحال طلقة ويراجع، فإذا طهرت من النفاس، طلقها ثانية، ثم إذا طهرت من الحيض طلقها ثالثة. والله أعلم.
الطرف الثاني : في إضافة الطلاق إلى السنة والبدعة، تنجيزا أو تعليقا، وفيه مسائل. الاولى: قال لحائض أو نفساء: أنت طالق للبدعة طلقت في الحال، وإن قال للسنة، لم تطلق حتى تشرع في الطهر، ولا يتوقف على الاغتسال، ولو وطئها في آخر الحيض واستدام حتى انقطع الحيض، لم تطلق لاقتران الطهر بالجماع، وكذا لو لم يستدم إذا قلنا بالاصح أنه إذا وطئ في الحيض ثم طلق في الطهر يكون بدعيا. الثانية: قال لطاهر: أنت طالق للسنة، فإن لم يكن جامعها في ذلك الطهر، طلقت في الحال، وإن جامعها فيه، لم يقع حتى تحيض ثم تطهر. وإن قال لها: أنت طالق للبدعة، فإن كان جامعها في ذلك الطهر، طلقت في الحال، وإلا فعند الحيض. قال المتولي: ويحكم بوقوع الطلاق بظهور أول الدم. فإن انقطع لدون يوم وليلة، بان أنها لم تطلق ويشبه أن يجئ فيه الخلاف المذكور، فيما إذا قال: إن حضت فأنت طالق، أنها هل تطلق برؤية الدم أم بمضي يوم وليلة ؟ ولو جامعها قبل الحيض، فبتغييب الحشفة تطلق، فعليه النزع، فإن نزع وعاد، فهو كابتداء الوطئ بعد الطلاق، وإن استدام، فإن كان الطلاق رجعيا، فلا حد وإن كان ثلاثا، فلا حد أيضا، لان أوله مباح. وقيل: إن كان عالما بالتحريم، حد، وهل يجب(6/10)
المهر ؟ حكمه حكم من قال: إن وطئتك فأنت طالق فغيب الحشفة ثم استدام، وقد ذكرنا هذه الصورة في كتاب الصوم، وبينا أن المذهب فيها أنه لا مهر، لان النكاح تناول جميع الوطآت، وادعى صاحب العدة أن المذهب هنا الوجوب. فرع اللام في قوله: أنت طالق للسنة أو للبدعة، تحمل على التوقيت، فلا تطلق إلا في حال السنة أو البدعة، لانهما حالتان منتظرتان تتعاقبان تعاقب الايام والليالي وتتكرران تكرر الشهور، فأشبه قوله: أنت طالق لرمضان معناه: إذا جاء رمضان، أنت طالق، وأما اللام الداخلة على ما لا يتكرر مجيئه وذهابه، فللتعليل، كقوله: أنت طالق لفلان، أو لرضى فلان، فتطلق في الحال، رضي أم سخط. والمعنى: فعلت هذا لترضى، وقال ابن خيران: إنما يقع في الحال إذا نوى التعليل، فإن لم تكن له نية، لم تطلق حتى يرضى، والاول هو الصحيح المنصوص، ونزل ذلك منزلة قول السيد: أنت حر لوجه الله تعالى. وحيث يحمل على التعليل، فلو قال: أردت التوقيت، قبل باطنا، ولا يقبل ظاهرا على الاصح. ولو قال: أنت طالق بقدوم زيد أو برضاه، فهو تعليق، كقوله: إن قدم أو رضي، وحيث حملنا قوله للسنة أو للبدعة على الحالة المنتظرة، فقال: أردت الايقاع في الحال، قبل، لانه غير متهم.(6/11)
فرع قوله: أنت طالق لا للسنة، كقوله: للبدعة، وقوله: لا للبدعة، كقوله للسنة، وقوله: سنة الطلاق، أو طلقة سنية، كقوله للسنة، وقوله: بدعة الطلاق، أو طلقة بدعية، كقوله للبدعة. فرع قال: إن كان يقع عليك في هذا الوقت طلاق السنة، فأنت طالق، فإن كانت في حال السنة، طلقت، وإلا فلا تطلق، لا في الحال، ولا إذا صارت في حال السنة، لعدم الشرط، وكذا لو قال: أنت طالق للسنة إن قدم فلان وأنت طاهر، فإن قدم وهي طاهر، طلقت للسنة، وإلا فلا تطلق لا في الحال، ولا إذا طهرت. فرع جميع ما ذكرنا، إن كانت المخاطبة بالسنة والبدعة، ذات سنة وبدعة، فأما إذا قال لصغيرة ممسوسة، أو لصغيرة أو كبيرة غير ممسوسة: أنت طالق للسنة، فيقع في الحال، واللام هنا للتعليل، لعدم تعاقب الحال كقوله: لرضى زيد. ولو قال: للبدعة، وقع في الحال على الصحيح، لما ذكرنا. وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه يحمل على التوقيت، وينتظر زمن البدعة، بأن تحيض الصغيرة، ويدخل بالكبيرة أو تحيض. وعن ابن الوكيل، أن الطلاق لا يقع مطلقا لتعليقه بما لا يتصور، كقوله: إن صعدت السماء، وهذا يطرد في قوله: للسنة. ولو صرح بالوقت فقال: أنت طالق لوقت السنة، أو لوقت البدعة، قال في البسيط: إن لم ينو شيئا، فالظاهر وقوع الطلاق في الحال، وإن قال: أردت التوقيت بمنتظر، فيحتمل أن يقبل لتصريحه بالوقت ولا نقل فيه. فرع قال: أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة، وقع في الحال، سواء كانت ذات سنة وبدعة، أم لا، لانها إن لم تكن، فحالها ما ذكر، وإن كانت، فالوصفان(6/12)
متنافيان فسقطا، وكذا لو قال: طلقة سنية بدعية. فرع قال لذات سنة وبدعة في حال البدعة: أنت طالق طلاقا سنيا، أو في حال السنة أنت طالق طلاقا بدعيا، ونوى الوقوع في الحال، قال المتولي: لا يقع في الحال، لان النية إنما تعمل فيما يحتمله اللفظ، لافيما يخالف صريحا، وإذا تنافيا، لغت النية، وعمل باللفظ لانه أقوى. ولو قال: أنت طالق الآن سنيا وهو في زمن بدعة، طلقت في الحال عملا بالاشارة إلى الوقت، ويلغو اللفظ. المسألة الثالثة: قال لذات الاقراء: أنت طالق ثلاثا، بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة، فإن لم ينو شيئا، فالصحيح المنصوص، أنه يقع في الحال طلقتان، فإذا صارت في الحالة الاخرى، وقعت الثالثة، لان التبعيض يقتضي التشطير، ثم يسري كما لو قال: هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو، يحمل على التشطير إذا لم تكن بينة. وقيل: تقع في الحال طلقة، واختاره المزني ومن قال به لا يكاد يسلم مسألة الاقرار، ويقول: هو مجمل يرجع إليه فيه. ونقل الحناطي وجها ثالثا أنه يقع في ا لحال الثلاث. أما إذا قال: أردت إيقاع بعض من كل طلقة في الحال، فتقع الثلاث في الحال، وإن قال: أردت في الحال طلقتين أو طلقة ونصفا، وقع طلقتان في الحال قطعا، وتقع الثالثة في الحالة الاخرى. وإن قال: أردت في الحال(6/13)
طلقة، وفي المستقبل طلقتين، دين فيه قطعا، وتقبل أيضا في الظاهر على الصحيح المنصوص، وقال ابن أبي هريرة: لا تقبل. وفائدة هذا الخلاف، أنه لو ندم فأراد أن يخالعها حتى تصير إلى الحالة الاخرى وهي بائن، فتنحل اليمين، ثم يتزوجها. وقلنا: الخلع طلاق، فإن قلنا: الواقع في الحال طلقة، أمكنه ذلك، وإلا فلا. ولو قال: أنت طالق ثلاثا، بعضهن للسنة واقتصر عليه، وكانت في حال السنة، قال ابن الصباغ: تجئ على الصحيح المنصوص، أنه لا يقع في الحال إلا طلقة، لان البعض ليس عبارة عن النصف، وإنما حملناه في الصورة الاولى على التشطير لاضافته البعضين في الحالين. ولو قال: أنت طالق خمسا، بعضهن للسنة، وبعضهن للبدعة، ولم ينو شيئا، بنى على الخلاف المعروف، في أن الزيادة الملفوظ بها تلغى أم تعتبر ؟ إن قلنا بالاول، وقع في الحال طلقتان، وفي الثاني، طلقة تفريعا على المنصوص، وإن قلنا بالثاني وهو الاصح، وقع الثلاث في الحال بالتشطير والتكميل. ولو قال: أنت طالق طلقتين: طلقة للسنة وطلقة للبدعة، أو أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة، وقع في الحال طلقة، وفي الاستقبال الاخرى. ولو قال: طلقتين للسنة والبدعة، فهل يقع في الحال طلقة، وفي الاستقبال الاخرى، أم يقعان في الحال ؟. أصحهما. الثاني كما لو قال: ثلاثا للسنة وللبدعة، فإنه يقع الثلاث في الحال. فرع قال لمن لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة لبعضهن للبدعة، أو طلقة للسنة، وطلقة للبدعة، وقع الجميع في الحال. المسألة الرابعة: إذا وصف الطلاق بصفة مدح، كقوله: أنت طالق أجمل الطلاق أو أفضله، أو أحسنه، أو أعدله، أو أكمله، أو أتمه، أو أجوده، أو خير الطلاق، وأنت طالق للطاعة ولم ينو شيئا، فهو كقوله: طالق للسنة، فلا يقع إن كان الحال بدعة حتى ينتهي إلى حال السنة. وإن نوى شيئا، نظر إن نوى ما يقتضيه(6/14)
الاطلاق، فذاك. وإن قال: أردت طلاق البدعة، لانه في حقها أحسن من جهة سوء خلقها، فأن كانت في حال بدعة، قبل لانه غلظ على نفسه. وإن كانت في حال سنة، دين ولا يقبل ظاهرا، وقد يجئ خلاف في الظاهر. وإن وصف الطلاق بصفة ذم كقوله: أقبح الطلاق، أو أسمجه، أو أفضحه، أو أفظعه، أو أردأه، أو أفحشه، أو أنتنه، أو شر الطلاق ونحو ذلك، فهو كقوله: للبدعة، فلا يقع إن كانت في حال سنة حتى ينتهي إلى البدعة. وإن قال: أردت قبحه لحسن عشرتها، أو أردت أن أقبح أحوالها أن تبين مني، وقع في الحال، لانه غلظ على نفسه. وإن قال: أردت أن طلاق مثل هذه السنة أقبح، فقصدت الطلاق في حال السنة دين، ولم يقبل ظاهرا. ولو قال: أنت طالق للجرح، أو طلاق الجرح فهو كقوله للبدعة. ولو خاطب بهذه الالفاظ من لا سنة لها ولا بدعة فهو كما لو قال لها: للسنة أو للبدعة، كما سبق. ولو جمع صفتي الذم والمدح، فقال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة، أو سنية بدعية، أو للجرح والعدل، والمخاطبة ذات أقراء، وقعت في الحال. قال السرخسي في الامالي: فإن فسر كل صفة بمعنى، فقال: أردت كونها حسنة من حيث الوقت،(6/15)
وقبيحة من حيث العدد حتى تقع الثلاث أو بالعكس، قبل منه. وإن تأخر الوقوع، لان ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخير الوقوع. المسألة الخامسة: قال: أنت طالق ثلاثا في كل قرء طلقة، أو أنت طالق في كل قرء طلقة، فلها ثلاثة أحوال. أحدها: أن تكون حائلا من ذوات الاقراء، وهي إما غير ممسوسة، وإما ممسوسة، فإن كانت غير ممسوسة، نظر إن كانت حائضا، لم تطلق على الصحيح وقال الشيخ أو حامد: تقع طلقة في الحال، لانها مخاطبة بالعدة، فحيضها كطهرها، وإن كانت طاهرا طلقت في الحال واحدة وبانت، فلا تلحقها الثانية والثالثة فإن جدد نكاحها قبل الطهر الثاني، ففي وقوع الثانية والثالثة قولا عود اليمين والحنث. وإن جدد النكاح بعد الطهرين، لم يقع شئ لانحلال اليمين، وإن كانت ممسوسة، وقع في كل قرء طلقة، سواء جامعها فيه أم لا، وتكون الطلقة سنية إن لم يجامعها فيه، وبدعية إن جامعها، وتشرع في العدة بالطلقة الاولى. وهل يجب استئناف العدة للثانية والثالثة ؟ قولان مذكوران في العدة أظهرهما الوجوب. الحال الثاني: أن تكون حاملا فإن كانت لا ترى الدم، وقعت في الحال طلقة. قال المتولي: فلو لم تحض قط وبلغت بالحمل مثلا، ففي وقوع الطلاق عليها وجهان، أو قولان بناء على أن القرء هو الطهر بين دمين أو الانتقال من نقاء إلى دم، إن قلنا بالاول، لم تطلق حتى تضع وتطهر من نفاسها، وإن قلنا بالثاني وهو الاظهر، وقع. وإذا وقعت الطلقة، فإن راجعها قبل الوضع، وقعت أخرى إذا(6/16)
طهرت من النفاس، وعليها استئناف العدة سواء وطئها بعد الرجعة أم لا، بلا خلاف. وإن لم يراجعها، انقضت عدتها بالوضع بأن جدد نكاحها قبل تمام الاقراء، عاد قولا عود الحنث. وإن كانت ترى الدم على الحمل، فإن قلنا: إنه ليس بحيض، فهو كما لو لم تره، فتطلق في الحال. وحكى الحناطي وجها، أنها لا تطلق. إن وافق قوله وقت الدم حتى تطهر، وإن جعلناه حيضا ووافق قوله النقاء، طلقت في الحال طلقة، وإن وافق الدم، فوجهان. أحدهما، وهو قول الشيخ أبي حامد، وصححه العراقيون: تطلق أيضا، لان مدة الحمل كالقرء الواحد. والثاني وهو الاصح وبه قطع القاضي أبو الطيب والحناطي، ورجحه المتولي وغيره: لا تطلق حتى تطهر. وإذا وقعت طلقة في الحيض أو الطهر، فهل يتكرر في الطهر الثاني والثالث ؟ وجهان: أصحهما: لا، وبه قطع بعضهم، لان القرء ما دل على البراءة. الحال الثالث: أن تكون صغيرة، فيبنى على القرء طهر يحتوشه دمان، أم هو الانتقال من نقاء إلى حيض ؟ إن قلنا بالاول، لم تطلق حتى تحيض وتطهر، ولا يؤمر الزوج باجتنابها في الحال، وإن قلنا بالثاني، فالذي أطلقه العراقيون والبغوي وغيرهم، أنه يقع في الحال طلقة. وقال المتولي والسرخسي: يؤمر باجتنابها لان الظاهر أنها ترى الدم، فأن رأته، تبينا وقوع الطلاق يوم اللفظ، وإن ماتت قبل رؤية الدم، ماتت على النكاح فعلى الاول، لو لم تحض ولم يراجعها حتى مضت ثلاثة أشهر، حصلت البينونة، فإن نكحها بعد ذلك، ورأت الدم، عاد الخلاف في عود الحنث، وإن رأت الدم قبل مضي ثلاثة أشهر، تكرر الطلاق بتكرر الاطهار. وعن صاحب التقريب وجه غريب، أن الاقراء في الصغيرة تحمل على الاشهر، والآيسة التي انقطع حيضها كالصغيرة، ففي وقوع الطلاق عليها، الخلاف. قال السرخسي: إن قلنا: القرء: هو الانتقال، وقع في الحال وإلا، فلا، فإن حاضت بعد، تبينا الوقوع، والاصح عند الاصحاب، الوقوع في الصغيرة والآيسة. فرع قال: أنت طالق في كل قرء طلقة للسنة، فهو كما لو لم يقل للسنة في أكثر(6/17)
الاحكام والاحوال، لكن ذات الاقرباء إذا كانت طاهرا، أو كان جامعها في ذلك الطهر، يتأخر وقوع الطلاق إلى أن تحيض ثم تطهر. فرع: قال: أنت طالق في كل طهر طلقة وكانت حاملا لا ترى دما، أو تراه ولم نجعله حيضا، وقع في الحال طلقة سواء كانت ترى الذي في ذلك الحال أم لا، ولا يتكرر بتكرر الانقطاعات، وإن كانت ترى الدم وجعلناه حيضا، فإن كانت في حال رؤية الدم، لم تطلق حتى تطهر، وإلا وقع في الحال وتكرر بتكرر الاطهار. المسألة السادسة: قال: أنت طالق ثلاثا للسنة، ثم قال: نويت تفريقها على الاقراء لم يقبل في الظاهر. قال المتولي: إلا أن يكون ممن يعتقد بتحريم جمع الثلاث في قرء، فيقبل في الظاهر. وحكى الحناطي وجها في القبول مطلقا، والصحيح المنصوص، وهو الاول. ولو قال: أنت طالق ثلاثا ولم يقل للسنة، ثم فسر بالتفريق على الاقراء، لم يقبل ظاهرا، وهل يدين في الصورتين ؟ وجهان، الصحيح المنصوص، نعم. ومعنى التديين مع نفي القبول ظاهرا، أن يقال للمرأة: أنت بائن منه بثلاث في ظاهر الحكم، وليس له تمكينه إلا إذا غلب على ظنك صدقة بقرينة، ويقال للزوج: لا نمكنك من تتبعها، ولك أن تتبعها، والطلب فيما بينك وبين الله تعالى إن كنت صادقا، وتحل لك إذا راجعتها. وعلى هذا القياس حكم بالقبول ظاهرا وباطنا، فيما إذا قال لصغيرة: أنت طالق للسنة، ثم قال: أردت إذا حاضت وطهرت، وفيما إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت أن دخلت الدار، أو إذا جاء رأس الشهر. وألحق القفال والغزالي بهذه الصورة ما إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن شاء الله تعالى.(6/18)
قال وكذلك كلما أحوج إلى تقييد الملفوظ به بقيد زائد. والصحيح الموجود في كتب الاصحاب، أنه لا يدين في قوله: أردت إن شاء الله تعالى، ويدين في قوله: أردت عن وثاق، أو أن دخلت الدار أو إن شاء زيد. وفرقوا بين قوله: أردت إن شاء الله تعالى، وبين سائر الصور بأن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم الطلاق جملة، فلا بد فيه من اللفظ والتعليق بالدخول، ومشيئة زيد، لا يرفعه، لكن يخصصه بحال دون حال. وقوله: من وثاق، تأويل وصرف للفظ من معنى إلى معنى، فكيف فيه النية، وإن كانت ضعيفة، وشبهوه بالنسخ، لما كان رفعا للحكم، لم يجز إلا باللفظ، والتخصيص يجوز بالقياس. وأما إذا أتى بلفظ عام، وقال: أردت بعض الافراد الداخلة تحته، ففيه تفصيل، فإن قلنا: كل امرأة لي، فهي طالق، وعزل بعضهن بالنية، لم يقبل ظاهرا عند الاكثرين، وقال ابن الوكيل وغيره: يقبل ظاهرا سواء كانت قرينة تصدقه - بأن خاصمته، وقالت: تزوجت علي، فقال: كل امرأة لي طالق، ثم قال: أردت غير المخاصمة -. أم لم تكن قرينة. والاصح عند القفال والمعتبرين، أنه لا يقبل ظاهرا بغير قرينة ويقبل بها، واختاره الروياني، وعن القاضي حسين، أنه إن قال: كل امرأة لي طالق، عزل بعضهن بالنية، لا يقبل، وإن قال: نسائي طوالق، وقال: عزلت واحدة، قبل. وعلى هذا، لو عزل اثنتين، ففي القبول وجهان، ويجري الخلاف في القبول ظاهرا فيما لو قال: إن أكلت خبزا أو تمرا، فأنت طالق، ثم فسر بنوع خاص، وطردهما الغزالي وغيره فيما إذا كان يحل وثاقا عنها، فقال: أنت طالق، ثم قال: أردت الاطلاق عن الوثاق، وقال: الاصح بالقبول. ولو قال: إن كلمت زيدا، فأنت طالق، ثم قال: أردت التكليم شهرا، فيقبل. كذا حكي عن نص الشافعي رحمه الله، والمراد على ما نقل الغزالي، القبول باطنا فلا تطلق إذا كلم بعد شهر.(6/19)
فرع في ضبط ما يدين فيه، وما يقبل ظاهرا قال القاضي حسين: لما يدعيه الشخص من النية مع ما أطلقه من اللفظ، أربع مراتب. إحداها: أن يرفع ما صرح به، بأن قال: أنت طالق، ثم قال: أردت طلاقا لا يقع عليك، أو لم أرد إيقاع الطلاق، فلا تؤثر دعواه ظاهرا، ولا يدين باطنا. الثانية: أن يكون ما يدعيه مقيدا لما تلفظ به مطلقا، بأن قال: أنت طالق، ثم قال: أردت عند دخول الدار، فلا يقبل ظاهرا، وفي التديين الخلاف. الثالثة: أن يرجع ما يدعيه إلى تخصيص عموم، فيدين، وفي القبول، ظاهر الخلاف. الرابعة: أن يكون اللفظ محتملا للطلاق من غير شيوع وظهور، وفي هذه المرتبة تقع الكنايات ويعمل فيها بالنية. وضبط لاصحاب بضبط آخر، فقالوا: ينظر في التفسير بخلاف ظاهر اللفظ، إن كان لو وصل باللفظ، لا ينظم، لم يقبل ولم يدين، وإلا فلا يقبل ظاهرا ويدين. مثال الاول، قال: أردت طلاقا لا يقع. مثال الثاني: أردت طلاقا عن وثاق، أو إن دخلت الدار، واستثنوا من هذا نية التعليق بمشيئة الله تعالى، فقالوا: لا يدين فيه على المذهب. فرع قال: أنت طالق ثلاثا ثم قال: أردت إلا واحدة، أو قال: أربعكن طوالق، ثم قال: نويت بقلبي إلا فلانة، لم يدين على الاصح، لانه نص في العدد. ولو(6/20)
قال: فلانة وفلانة وفلانة طوالق، ثم قال: استثنيت بقلبي فلانة، لم يدين قطعا لانه رفع لما نص عليه، لا تخصيص عموم، ذكره القاضي أبو الطيب. المسألة السابعة: قال لممسوسة: كلما ولدت فأنت طالق للسنة، فولدت ولدا وبقي آخر في بطنها، وقع بولادة الاول طلقة، لان الاصل في هذا أن الموصوف بالسنة والبدعة إذا علق بأمر اعتبرت الصفة عند ذلك الامر، فإن وجدت وقع وإلا فلا حتى يوجد كما سبق في قوله: أنت طالق للسنة إذا قدم زيد أنه إن قدم في حال سنة طلقت، وإلا فلا تطلق حتى يجئ قال السنة، وكأنه يخاطبها عند وجود المعلق عليه بقوله: أنت طالق للسنة، وإذا كان كذلك، فكأنه عند ولادة أحد الولدين: قال: أنت طالق للسنة وهي في هذه الحال حامل بآخر. ولو قال لحامل: أنت طالق للسنة، وقع في الحال، ثم إذا ولدت الثاني انقضت عدتها. وهل يقع طلقة أخرى، لانه يقارن انقضاء العدة ؟ فيه خلاف يأتي في نظائره إن شاء الله تعالى، الاصح: المنع. ولو ولدت ولدا ولم يكن في بطنها آخر، فإنما تطلق إذا طهرت من النفاس، طلقتين لانها ولدت ولدين، و كلما تقتضي التكرار. ولو قال: كلما ولدت ولدين، فأنت طالق، فولدت ولدين معا أو متعاقبين وفي بطنها ثالث، طلقت. ولو ولدت ولدا فطلقها، ثم ولدت آخر، فإن كان رجعيا وقعت أخرى بولادة الثاني، راجعها أم لا هكذا ذكروه. ويشبه أن يقال: إن راجعها فكذلك الحكم، وإلا فهذا طلاق يقارن لنقضاء العدة، وإن كان الطلاق بائنا فنكحها، ثم ولدت آخر، ففي وقوع أخرى قولا عود الحنث. المسألة الثامنة: نجح كاملا من الزنى، وقال: أنت طالق للسنة، فإن كان دخل بها، لم تطلق حتى تصنع، وتطهر من النفاس، لان الحمل كالعدم وإلا طلقت في الحال كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق للسنة، هذا إذا كانت لا ترى دما أو تراه ولم نجعله حيضا، فإن رأته وجعلناه حيضا، فإن قال لها ذلك في حال رؤية الدم، لم تطلق حتى تطهر كالحامل إذا قال لها: أنت طالق للسنة وهي حائض بخلاف الحامل من الزوج حيث يقع طلاقها في الحال، وإن كانت ترى الدم، وجعلناه أيضا حيضا على الصحيح، لان الحامل من الزوج لا سنة ولا بدعة في طلاقها،(6/21)
وهذه كالحامل إذ لا حرمة لحملها. المسألة التاسعة: قال: أنت طالق للسنة أو للبدعة لا تطلق حتى تنتقل من الحالة التي هي فيها إلى الحالة الاخرى، لان اليقين حينئذ يحصل كما لو قال: أنت طالق اليوم أو غدا لا تطلق حتى يجئ الغد. المسألة العاشرة: قال: أنت طالق طلقة حسنة في دخول الدار أو طلقة سنية قال إسمعيل البوشنجي: مقتضى المذهب أن تطلق إن دخلت الدار طلقة سنية حتى لو كانت حائضل لم تطلق. ولو كانت طاهرا لم يجامعها في ذلك الطهر، طلقت في الحال، وإن كان جامعها فيه، لم تطلق حتى تحيض وتطهر. المسألة الحادية عشرة: قال لها وهي طاهر: أنت طالق للسنة، ثم اختلفا فقال: جامعتك في هذا الطهر، فلم يقع طلاق في الحال، وقالت: لم تجامعني وقد وقع، قال إسمعيل البوشنجي: مقتضى المذهب، أن القول قوله، لان الاصل بقاء النكاح، وكما لو قال المؤلي والعنين: وطئت. فرع قال: أنت طالق كالثلج، أو كالنار، طلقت في الحال، ولغا التشبيه، وقال أبو حنيفة: إن قصد التشبيه بالثلج في البياض، والنار بالاضاءة، طلقت سنيا، وإن قصد التشبيه بالثلج في البرودة، وبالنار في الحرارة والاحراق، طلقت في زمن البدعة وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في أركان الطلاق هي خمسة:
الأول : المطلق وشرطه التكليف، فلا يقع طلاق صبي ولا مجنون، لا تنجيزا ولا تعليقا. فلو قال مراهق: إذا بلغت، فإنت طالق، فبلغ، أو قال مجنون: إذا أفقت، فأنت طالق، ثم أفاق، أو قالا: أنت طالق غدا فبلغ وأفاق قبل الغد فلا طلاق. قلت: هكذا اقتصر الغزالي وغيره في شرط المطلق على كونه مكلفا، وقد يورد(6/22)
عليه السكران، فإنه يقع طلاقه على المذهب، وليس مكلفا كما قاله أصحابنا وغيرهم في كتب الاصول، ولكن مراد أهل الاصول، إنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد. والله أعلم.
الركن الثاني : اللفظ وفيه ثلاثة أطراف: أحدها في اللفظ الذي يقع به الطلاق، والثاني، في الافعال القائمة مقامه. والثالث في تفويض الطلاق إلى الزوجة وأحكام تفويضه.
أما الأول، فاللفظ صريح، وهو ما لا يتوقف وقوع الطلاق به على نية، وكناية وهو ما توقف على نية، أما الصريح، فلفظ الطلاق والسراح(6/23)
والفراق وحكى أبو الحسن العبادي، أن أبا عبد الرحمن القزاز نقل قولا قديما أن السراح والفراق كنايتان، والمشهور الاول، فقوله: أنت طالق، أو مطلقة، أو يا طالق أو يا مطلقة، صريح. وقيل: يا مطلقة وانت مطلقة كناية، والصحيح الاول. وأما المشتق من الاطلاق كقوله: أنت مطلقة بإسكان الطاء أو يا مطلقة، فليس بصريح على الصحيح لعدم اشتهاره، وإن الاطلاق كان والتطليق متقاربين. وفي قوله: أنت طلاق، أو الطلاق، أو طلقة وجهان: أصحهما أنه كناية. ولو قال: أنت نصف طلقة، فكناية. قال البغوي: ولو قال: أنت كل طلقة أو نصف طالق، فصريح، كقوله: نصفك طالق. ونقل العبادي خلافا في قوله: أنت نصف طلقة، ويجوز أن يجئ هذا الخلاف في قوله نصف طالق. ولو قال: أنت والطلاق أو أنت وطلقة، فكناية، أي: قرنت بينك وبينها. وإذا قلنا بالمشهور في لفظيي السراح والفراق، فقوله: فارقتك وسرحتك صريحان، وفي الاسم منهما وهو مفارقة ومسرحة وجهان، سواء الوصف، كقوله أنت مسرحة أو مفارقة، والنداء كقوله: يا مسرحة أو يا مفارقة، أصحهما صريحان أيضا، وقوله: أنت السراح، أو أنت الفراق على الوجهين في: أنت الطلاق.(6/24)
فرع قال: أردت بقولي: طالق، إطلاقها من الوثاق، وبالفراق المفارقة في المنزل، وبالسراح إلى منزل أهلها، أو قال: أردت خطاب غيرها فسبق لساني إليها، دين ولم يقبل ظاهرا، فلو صرح، فقال: أنت طالق من وثاق، أو سرحتك إلى موضع كذا، أو فارقتك في المنزل، خرج عن كونه صريحا وصار كناية. قال المتولي: وهذا في ظاهر الحكم، وأما بينه وبين الله تعالى، فانما لا يقع الطلاق إذا كان على عزم أن يأتي بهذه الزيادة من أول كلامه، فأما إذا قال: أنت طالق، ثم بدا له فوصل به هذه الزيادة، فالطلاق واقع في الباطن. ولو لم يكن عازما على هذه الزيادة أولا ثم نواها في أثناء الكلام، فوجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى في الاستثناء وغيره، وكذلك التديين إذا لم يتلفظ بالزيادة، وقال: نويتها، إنما يدين إذا كان ناويا من أول الكلام، فإن حدثت بعد الفراغ من الكلام، فلا، وإن حدثت في إثنائه، فعلى الوجهين. فرع قوله: أوقعت عليك طلاقي، صريح ذكره الروياني. ولو قال: لك طلقة، أو وضعت عليك طلقة، فوجهان. فرع ذكر الاصحاب أن صريح الطلاق ثلاثة: الطلاق، والسراح، والفراق، وأهملوا ذكر شيئين هنا أحدهما: لفظ الخلع، وفي كونه صريحا في الطلاق خلاف سبق، والثاني: قوله الحلال علي حرام، وفي كونه صريحا خلاف نذكره إن شاء الله تعالى قريبا. فرع ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات، صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات، كشهرة العربية عند أهلها، وقيل: وجهان. ثانيهما: أنها كناية، وترجمة السراح والفراق فيها الخلاف، لكن(6/25)
الاصح هنا أنها كناية قاله الامام والروياني، لان ترجمتهما بعيدة عن الاستعمال. فرع إذا اشتهر في الطلاق لفظ سوى الالفاظ الثلاثة الصريحة، كحلال الله علي حرام، أو أنت علي حرام، أو الحلال أو الحل علي حرام، ففي التحاقه بالصريح أوجه، أصحها: نعم لحصول التفاهم، وغلبة الاستعمال، وبهذا قطع البغوي، وعليه تنطبق فتاوى القفال، والقاضي حسين والمتأخرين. والثاني: لا، ورجحه المتولي. والثالث، حكاه الامام عن القفال: أنه إن نوى شيئا آخر من طعام أو غيره، فلا طلاق. وإذا ادعاه، صدق، وإن لم ينو شيئا، فإن كان فقيها يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية، لم يقع، وإن كان عاميا سألناه عما يفهم إذا سمعه من غيره، فإن قال: يسبق إلى فهمي منه الطلاق، حمل على ما يفهم، والذي حكاه المتولي عن القفال، أنه إن نوى غير الزوجة، فذاك، وإلا فيقع الطلاق للعرف. قلت: الارحج الذي قطع به العراقيون والمتقدمون، أنه كناية مطلقا 2 (212). والله أعلم. وأما البلاد التي لا يشتهر فيها هذا اللفظ للطلاق، فهو كناية في حق أهلها بلا خلاف. وفي فتاوى القاضي حسين، أنه لو كان له امرأتان، فقال: حلال الله علي حرام إن دخلت الدار فدخل، تطلق كل واحدة منهما طلقة، ويوافقه ما ذكره البغوي في الفتاوى أنه لو قال: حلال الله علي حرام وله أربع نسوة، طلقن كلهن إلا أن يريد بعضهن، لكن ذكر بعده أنه لو قال: إن فعلت كذا، فحلال الله علي حرام وله امرأتان ففعل، طلقت إحداهما، لانه اليقين، ويؤمر بالتعيين قال: ويحتمل غيره فحصل تردد. قلت: الظاهر المختار الجاري على القواعد، أنه إذا لم ينوهما، لا تطلق إلا إحداهما، أو إحداهن، لان الاسم يصدق عليه، فلا يلزمه زيادة، وقد صرح بهذا جماعة من المتأخرين، وهذا إذا نوى ب: حلال الله علي حرام الطلاق، وجعلناه صريحا فيه. والله أعلم.(6/26)
فصل وأما الكناية، فيقع بها الطلاق مع النية بالاجماع، ولا يقع بلا نية وهي كثيرة، كقوله: أنت خلية وبرية، وبتة وبتلة، وبائن وحرام، وحرة، وأنت واحدة، واعتدي واستبرئي رحمك، والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا أنده سربك، أي: لا أزجر إبلك، ومعناه: لا أهتم بشأنك، واغربي واعزبي، واخرجي واذهبي، وسافري وتجنبي، وتجردي وتقنعي، وتستري، والزمي الطريق، وبيني وأبعدي وودعيني ودعيني، وبرئت منك، ولا حاجة لي فيك، وأنت وشأنك، وأنت مطلقة ومنطلقة، وتجرعي وذوقي، وتزودي وما أشبه ذلك. وفي قوله: اشربي، وجهان: الاصح المنصوص، كناية. وقال أبو(6/27)
إسحاق: ليس كناية، بل هو لغو، وكلي، كاشربي كناية على المذهب، وقيل: ليس كناية قطعا. وفي قوله: أغناك الله، وقوله: قومي، وجهان، أصحهما: ليس كناية. أما الالفاظ التي لا تحتمل الطلاق إلا على تقدير متعسف، فلا أثر لها، فلا يقع بها طلاق وإن نوى، وذلك كقوله: بارك الله فيك، وأحسن الله جزاءك، وما أحسن وجهك، وتعالي واقربي واغزلي واسقيني، وأطعميني وزوديني، واقعدي وما أشبه ذلك، وحكي وجه في: اقعدي وأحسن الله جزاءك، وزوديني ونحوها، أنها كناية وهو ضعيف. فرع قال لزوجته: أنت حرة أو معتقة، أو أعتقتك ونوى الطلاق، طلقت. ولو قال لعبده: طلقتك ونوى العتق، عتق. وللمناسبة والمشاركة بين الملكين يصلح كل واحدة منهما كناية في الآخر، وكما أن صريح كل واحد منهما كناية في الآخر، فكناياتها مشتركة مؤثرة في العقدين جميعا بالنية، لكن لو قال للعبد: اعتد أو استبرئ رحمك ونوى العتق، لم ينفذ لاستحالته في حقه، ولو قال ذلك لامته ونوى العتق، أو لزوجته قبل الدخول ونوى العتق، نفذ على الاصح، والظهار والطلاق ليس أحدهما كناية في الآخر. ولو قال لامته: أنت علي كظهر أمي ونوى العتق عتقت على الصحيح، وقيل: لا لانه لا يزيل الملك، بخلاف الطلاق. فصل قال لزوجته: أنت علي حرام، أو محرمة، أو حرمتك، بأن نوى الطلاق، نفذ رجعيا، فإن نوى عددا وقع ما نوى. وحكى الحناطي وجها أنه لا يكون طلاقا إذا قلنا: إنه صريح في اقتضاء الكفارة، كما سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا وهذا وإن كان غريبا، ففيه وفاء بالقاعدة المعروفة: أن اللفظ الصريح إذا وجد نفاذا في موضوعه، لا ينصرف إلى غيره بالنية، وإن نوى الظهار، فهو. ظهار وإن نواهما معا، فهل يكون ظهارا أم طلاقا أم تخير فما اختاره منهما ثبت ؟ فيه أوجه، أصحها الثالث، وبه قال ابن الحداد، وأكثر الاصحاب، ولا ينعقد الاثنان معا قطعا. ولو نوى أحدهما قبل الآخر، قال ابن الحداد: إن أراد الظهار ثم أراد الطلاق، صحا جميعا، وإن أراد الطلاق أولا، فإذا كان بائنا، فلا معنى للظهار بعده وإن كان رجعيا(6/28)
كان الظهار موقوفا، فإن راجعها، فهو صحيح والرجعة عود وإلا فهو لغو، قال الشيخ أبو علي هذا التفصيل فاسد عندي، لان اللفظ الواحد إذا لم يجز أن يراد به التصرفان لم يختلف الحكم بارادتهما معا، أو متعاقبين، وإن نوى تحريم عينها أو فرجها أو وطئها، لم تحرم عليه، ويلزمه كفارة يمين، كما لو قال ذلك لامته. وفي وقت وجوب الكفارة وجهان، أحدهما: لا يجب إلا عند الوطئ، ويكون هذا اللفظ مع نية التحريم، كاليمين على ترك الوطئ، وعلى هذا الوجه يكون مؤليا بقوله: أنت علي حرام لوجوب الكفارة بالوطئ كقوله: والله لا أطؤك. والثاني وهو الصحيح: أن الكفارة تجب في الحال وإن لم يطأ، وهي ككفارة اليمين وليست كفارة يمين، لان اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله تعالى وصفاته فعلى هذا لو قال: أردت الحلف على ترك الوطئ لم يقبل على الصحيح لما ذكرناه، وقيل: يقبل وينعقد يمينا، فعلى هذا هل يصير لفظ التحريم يمينا بالنية في غير الزوجات، والاماء كالطعام واللباس وغيرهما، أم يختص بالابضاع ؟ وجهان. قلت: أصحهما يختص. والله أعلم. وإن أطلق قوله: أنت علي حرام ولم ينو شيئا، فقولان أظهرهما: وجوب الكفارة وقوله: أنت علي حرام، صريح في لزوم الكفارة، والثاني: لا شئ عليه وهذا اللفظ كناية في لزوم الكفارة، وهذا التفصيل مستمر فيمن قال: أنت علي حرام في بلاد لم يشتهر فيها لفظ الحرام في الطلاق، وفيمن قاله في بلاد اشتهر فيها للطلاق إذا قلنا: إن الشيوع والاشتهار لا يجعله صريحا، فأما إذا قلنا: إنه يصير به صريحا فمقتضى ما في التهذيب، أنه يتعين للطلاق ولا تفصيل، وقال الامام: لا يمنع ذلك صرف النية إلى التحريم الموجب للكفارة، كما أنا وإن جعلناه صريحا في الكفارة عند الاطلاق يجوز صرفه بالنية إلى الطلاق قال: وإذا أطلق وجعلناه(6/29)
صريحا في الكفارة، بني على أن الصرائح تؤخذ من الشيوع فقط، أم منه ومن ورود الشرع به ؟ إن قلنا بالاول حمل على الغالب في الاستعمال وإن قلنا بالثاني فهل يثبت الطلاق لقوته، أم يتدافعان ؟ فيه رأيان. فرع قول الغزالي في الوسيط: إن نوى التحريم كان يمينا، هذا غلط، بل الصواب ما اتفق عليه جميع الاصحاب أنه ليس بيمين، لكن فيه كفارة يمين. فرع قال لامته: أنت علي حرام، أو حرمتك، فإن نوى العتق عتقت، وإن نوى طلاقا أو ظهارا، فهو لغو، قال ابن الصباغ: وعندي أن نية الظهار كنية التحريم. وإن نوى تحريم عينها، لم تحرم ويلزمه كفارة يمين، وإن أطلق ولم ينو شيئا لزمته الكفارة على الاظهر. وقيل: قطعا. ولو قال ذلك لامته التي هي اخته ونوى تحريم عينها، أو لم ينو شيئا، لم تلزمه الكفارة، لانه صدق في وصفها، وإنما تجب الكفارة لوصفه الحلال بالحرمة. ولو كانت الامة معتدة، أو مرتدة، أوژ مجوسية، أو مزوجة، أو كانت الزوجة محرمة، أو معتدة عن شبهة، ففي وجوب الكفارة وجهان، لانها محل لاستباحة في الجملة. ولو كانت حائضا أو نفساء أو صائمة، وجبت على المذهب، لانها عوارض. ولو خاطب به الرجعية، فلا كفارة على المذهب، ونقل الحناطي فيه خلافا. فرع قال: هذا الثوب، أو العبد، أو الطعام حرام علي، فهو لغو لا يتعلق به كفارة ولا غيرها. فرع قال: كل ما أملكه حرام علي وله زوجات وإماء، ونوى تحريمهن، أو أطلق وجعلناه صريحا، أو قال لاربع زوجات أنتن علي حرام، فهل تتعدد الكفارة، أم تكفي كفارة واحدة عن جميع ذلك ؟ فيه خلاف المذهب الاكتفاء في الجميع وقيل: تتعدد بالاشخاص، وقيل: للزوجات كفارة والاماء أخرى، وقيل: وللمال أخرى حكاه الحناطي.(6/30)
فرع: قال لزوجته: أنت علي حرام، أنت علي حرام ونوى التحريم، أو جعلناه صريحا فإن قال ذلك في مجلس، أو قاله في مجالس ونوى التأكيد، فعليه كفارة واحدة وإن قاله في مجالس ونوى الاستئناف، تعددت الكفارة على الاصح. وقيل: عليه كفارة فقط، وإن أطلق، فقولان. فرع قال: أنت حرام ولم يقل: علي، قال البغوي: هو كناية بلا خلاف، ولو قال: أنت علي كالميتة، والدم، والخمر، أو الخنزير وقال: أردت الطلاق، أو الظهار نفذ، وإن نوى التحريم، لزمته الكفارة. وإن أطلق، فظاهر النص أنه كالحرام فيكون على الخلاف. وعلى هذا جرى الامام، والذي ذكره البغوي وغيره أنه لا شئ عليه، قال الحناطي: الخلاف هنا مرتب على لفظ الحرام، وهنا أولى بأن لا يكون صريحا، وحكى قولا شاذا أنه لا كفارة وإن نوى التحريم. قال الشيخ أبو حامد: ولو قال أردت أنها حرام علي، فإن جعلناه صريحا، وجبت الكفارة وإلا فلا لانه ليس للكناية كناية، وتبعه على هذا جماعة، ولا يكاد يتحقق هذا التصوير، ولو قال: أردت أنها كالميتة في الاستقذار، صدق ولا شئ عليه. فرع قال اسماعيل البوشنجي: إنما يقع الطلاق بقوله: أنت حرام علي إذا نوى حقيقة الطلاق، وقصد إيقاعه بهذا اللفظ، أما إذا لم ينو كذلك، فلا يقع وإن اعتقد قوله: أنت علي حرام موقعا، وظن أنه قد وقع طلاقه. فرع قال: متى قلت لامرأتي: أنت علي حرام، فإني أريد به الطلاق ثم قال لها بعد مدة: أنت علي حرام، فهل يحمل على الطلاق، أم يكون كما لو ابتدأ به ؟ وجهان خرجهما أبو العباس الروياني. قلت: أصحهما الثاني. والله أعلم. فرع تكرر في كلام الاصحاب في المسألة، أن قوله: أنت علي حرام صريح في الكفارة، أم كناية، وفي الحقيقة ليس لزوم الكفارة معنى اللفظة حتى يقال: صريح فيه، أم كناية، وإنما هو حكم رتبه الشرع على التلفظ به. واختلفوا في أنه يتوقف على نية التحريم أم لا ؟ فتوسعوا باطلاق لفظ الصريح والكناية.(6/31)
فصل الكناية لا تعمل بنفسها، بل لابد فيها من نية الطلاق، وتقترن النية باللفظ فلو تقدمت، ثم تلفظ بلا نية، أو فرغ من اللفظ ثم نوى، لم تطلق، فلو اقترنت بأول اللفظ دون آخره، أو عكسه، طلقت على الاصح، ولا تلتحق الكناية بالصريح بسؤال المرأة الطلاق، ولا بقرينة الغضب واللجاج، ومتى تلفظ بكناية وقال: ما نويت صدق بيمينه، فإن نكل، حلفت، وحكم بوقوع الطلاق، وربما اعتمدت قرائن يجوز الحلف بمثلها. فصل في مسائل منثورة متعلقة بالصريح والكناية في الزيادات لابي عاصم العبادي، أنه لو قال: بعتك طلاقك، فقالت: اشتريت ولم يذكرا عوضا، لا يحصل فرقة إذا لم يكن نية، وقيل: تقع طلقة بمهر المثل، وأنه لو قال: لم يبق بيني وبينك شئ ونوى الطلاق، لم تطلق، وفي هذا توقف. قلت: الصواب الجزم بالطلاق، لانه لفظ صالح ومعه نية. والله أعلم. وأنه لو قال: برئت من نكاحك ونوى، طلقت، وأنه لو قال: برئت من طلاقك ونوى، لم تطلق، ولو قال: برئت إليك من طلاقك، قال اسماعيل البوشنجي: هو كناية، أي: تبرأت منك بوساطة إيقاع الطلاق عليك. ولو قال: أبرأتك، أو عفوت عنك، فكناية، لاشعاره بالاسقاط، وله عليها حقوق النكاح، وتسقط بالطلاق وأنه لو قال: طلقك الله، أو قال لامته: أعتقك الله، طلقت وعتقت، وهذا يشعر بأنهما صريحان، ورأى البوشنجي أنهما كنايتان لاحتماله الانشاء والدعاء. وقول مستحق الدين للغريم: أبرأك الله، كقول الزوج: طلقك الله. ولو قال: أنت طال وترك القاف، طلقت حملا على الترخيم. قال(6/32)
البوشنجي: ينبغي أن لا يقع وإن نوى، فإن قال: يا طال، ونوى، وقع، لان الترخيم إنما يكون في النداء، فأما في غير النداء، فلا يقع إلا نادرا في الشعر، وانه إذا قال: الطلاق لازم لي، أو واجب علي، طلقت للعرف. ولو قال: فرض علي، لم تطلق لعدم العرف فيه. ورأى البوشنجي أن جميع هذه الالفاظ كناية، لانه لو قال: طلاقك علي، واقتصر عليه ونوى، وقع، فوصفه بواجب أو فرض يزيده تأكيدا. وحكى صاحب العدة الخلاف فقال: لو قال طلاقك لازم لي، فوجهان. قال أكثر الاصحاب: هو صريح. ولو قال: لست بزوجة لي، فالصحيح أنه كناية. وقيل: لغو. وفي فتاوى القفال أنه لو قال: اذهبي إلى بيت أبوي ونوى الطلاق، إن نواه بقوله: اذهبي، وقع، وإن نواه بمجموع اللفظين، لم يقع، لان قوله: إلى بيت أبوي لا يحتمل الطلاق، بل هو لاستدراك مقتضى قوله: اذهبي. وأنه لو قال لها: أنت طالقان أو طوالق، لم يقع إلا طلقة. وانه لو قال: كل امرأة لي طالق إلا عمرة، ولا امرأة له سواها، طلقت، لان الاستثناء مستغرق فبطل. ولو قال: النساء طوالق إلا عمرة، ولا زوجة له سواها، لم تطلق. وإن كانت إمرأته في نسوة، فقال: طلقت هؤلاء إلا هذه، وأشار إلى زوجته، لم تطلق. وأنه لو قال(6/33)
لامرأته يا بنتي، وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن، كما لو قاله لعبده أو أمته. قلت: المختار في هذا أنه لا يقع به فرقة إذا لم يكن له نية، لانه انما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة. والله أعلم. وأنه لو كانت له زوجة تنسب إلى زوج أمها، فقال: بنت فلان طالق، لم تطلق، لانها ليست بنته حقيقة، ولغيره في هذا احتمال. قلت: ينبغي أن يقال: إن نواها طلقت، ولا يضر الغلط في نسبها، كنظيره في النكاح وإلا فلا، ومراد القفال بقوله: لم تطلق، أي: في الظاهر، وأما الباطن، فيتعين أن يكون كما ذكرته. والله أعلم. وأنه لو قال: نساء المسلمين طوالق، لم تطلق امرأته. وعن غيره: أنها تطلق، وبنى الخلاف على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ؟ قلت: الاصح عند أصحابنا في الاصول: أنه لا يدخل، وكذا هنا: الاصح أنها لا تطلق. والله أعلم.(6/34)
وأنه لو قال: بانت مني امرأتي، أو حرمت علي، لم يكن إقرارا بالطلاق، لانه كناية، وأنه لو قال: أنت بائن ثم قال بعد مدة: أنت طالق، ثلاثا، وقال: أردت بالبائن الطلاق، فلم يقع على الثلاث لمصادفتها البينونة، لم يقبل منه، لانه متهم، وأنه لو قال: بطلاقك لا أكلم فلانا فكلمه، لم تطلق، لان الطلاق لا يحلف به. وأنه لو قالت له زوجته واسمها فاطمة: طلقني، فقال: طلقت فاطمة، ثم قال: نويت فاطمة أخرى، طلقت، ولا يقبل قوله لدلالة الحال، بخلاف ما لو قال ابتداء: طلقت فاطمة، ثم قال: نويت أخرى. وقد يشكل هذا بما سبق، أن السؤال لا يلحق الكناية بالصريح. وأنه لو قال: طلقت ولم يزد عليه، لا يقع(6/35)
الطلاق، وإن نوى، لانه لم يجر للمرأة ذكر ولا دلالة، فهو كما لو قال: امرأتي ونوى الطلاق، وأنه لو قال لولي امرأته: زوجها، كان إقرارا بالفراق. ولو قال لها: انكحي، لم يكن إقرارا، لانها لا تقدر أن تنكح، ولكن المفهوم منه ما يفهم من قول الله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) *. قلت: الصواب أنه كناية إذا خاطبها به، بخلاف الولي، لانه صريح فيه. والله أعلم. ومما نقل من معلقات القاضي شريح الروياني من أصحابنا المتأخرين، ما حكاه عن جده أبي العباس الروياني وغيره، أنه لو قال: أحللتك ونوى طلاقها، هل هو كناية ؟ وجهان. قلت: الاصح أنه كناية. والله أعلم. وأنه لو قال: أنت بائن وطالق، يرجع إلى نيته في بائن، ولا يجعل قوله: وطالق تفسيرا له. وأنه لو كرر كناية، كقوله: اعتدي اعتدي اعتدي، ونوى الطلاق، فإن نوى التأكيد وقعت واحدة، وإن نوى الاستئناف، فثلاث، وإن لم ينو، فقولان. ولو كانت الالفاظ مختلفة، ونوى بها الطلاق، وقع بكل لفظة طلقة. وأن القفال قطع بأنه لو قال: طلقت، ونوى امرأته، لم تطلق لعدم الاشارة والاسم. ولو قيل له: ما تصنع بهذه الزوجة ؟ طلقها، فقال: طلقت، أو قال لامرأته: طلقي نفسك، فقالت: طلقت، وقع الطلاق، لانه يترتب على السؤال والتقويض، وأنه لو قال: أنت بطلقة، ونوى، لم تطلق. وأنه لو كان له زوجتان، إحداهما فاطمة بنت محمد، والاخرى فاطمة بنت رجل سماه أبواه أيضا محمدا، إلا أنه(6/36)
اشتهر في الناس بزيد، وبه يدعونه، فقال الزوج: زوجتي فاطمة بنت محمد طالق، وقال: أردت بنت الذي يدعونه زيدا، قال جدي: يقبل لان الاعتبار بتسمية أبويه، وقد يكون للرجل اسمان، وأكثر، وقيل: الاعتبار بالاسم المشهور في الناس، لانه أبلغ في التعريف. وأنه لو قال: امرأتي هذه محرمة علي لا تحل لي أبدا، قال جدي: لا تطلق، لان التحريم قد يكون بغير الطلاق، وقد يظن التحريم المؤبد باليمين على ترك الجماع، وقيل: يحكم عليه بالبينونة لمقتضى هذا اللفظ، وأنه لو قيل لرجل اسمه زيد: يا زيد، فقال: امرأة زيد طالق، قال جدي: تطلق امرأته. وقال غيره: لا تطلق حتى يريد نفسه لجواز إرادة زيد اخر. وليجئ هذا الوجه، فيما إذا قال: فاطمة طالق واسم زوجته فاطمة، ويشبه أن يكون هو الاصح ليكون قاصدا تطليق زوجته، وأنه لو قيل: طلقت امرأتك، فقال: اعلم أن الامر على ما تقوله، فهل يكون هذا إقرارا بالطلاق ؟ وجهان حكاهما جدي، أصحهما ليس باقرار لانه أمره أن يعلم، ولم يحصل هذا العلم، وأنها لو ادعت أنه طلقها ثلاثا، فأنكر، ثم قال لفقيه: اكتب لها ثلاثا، قال جدي: يحتمل كونه كناية، ويحتمل أن لا يكون، وأنه لو قال: امرأتي التي في هذه الدار طالق، ولم تكن امرأته فيها، لا يقع الطلاق، وأنه لو قال: رددت عليك الطلقات الثلاث، ونوى،(6/37)
وقع الثلاث. وأنه لو قال: امرأته طالق، وعنى نفسه، قال جدي: يحتمل وقوع الطلاق، ويحتمل عدمه. قلت: الوقوع أرجح. والله أعلم. وأنه لو قال لابنه: قل لامك أنت طالق، قال جدي: إن أراد التوكيل، فإذا قاله لها الابن، طلقت، ويحتمل أن يقع ويكون الابن مخبرا لها بالحال. وأنه لو قال: كل امرأة في السكة طالق، وزوجته في السكة، طلقت على الاصح. وأنه لو وكل في طلاقها، فقال الوكيل: طلقت من يقع الطلاق عليها بلفظي، هل تطلق التي وكله في طلاقها ؟ أو طلقها ولم ينو عند الطلاق أن يطلق لموكله، ففي الوقوع وجهان. في فتاوي القاضي حسين، أنه لو قيل له: فعلت كذا، فأنكر، فقيل له: إن كنت فعلته فامرأتك طالق، قال نعم، لم تطلق، لانه لم يوقعه. قال البغوي: ينبغي أن يكون على القولين، فيمن قيل له: طلقتها ؟ قال: نعم. وفي المستدرك للامام اسماعيل البوشنجي، أنه لو قال لزوجته: وهبتك لاهلك، أو لابيك أو للازواج أو للاجانب، ونوى الطلاق، طلقت، كقوله: الحقي بأهلك. وأنه لو قال لامرأته: أنت كذا ونوى الطلاق، لم تطلق. وكذا لو علق بصفة، فقال: إن لم أدخل الدار، فأنت كذا، ونوى، لم تطلق لانه لا إشعار له بالفرقة، فأشبه إذا قال: إن لم أدخل الدار فأنت كما أضمر، ونوى الطلاق، فانها لا تطلق، وأنه لو قال: أربع طرق عليك مفتوحة، فخذي أيها شئت، أو لم يقل: خذي أيها شئت، أو قال: فتحت عليك طريقك، فكناية. وقال أبو بكر الشاشي: إذا لم يقل: خذي أيها شئت، فليس كناية، ووافق في قوله: فتحت عليك طريقك أنه كناية. وأنه لو قال: خذي طلاقك، فقالت: أخذت، لم تطلق ما لم توجد نية الايقاع من الزوج بقوله: خذي أو من المرأة إن حمل قوله على تفويض الطلاق إليها.(6/38)
وفي الاقناع لاقضى القضاة الماوردي، أن قوله: لعل الله يسوق إليك خيرا كناية، وذكر هو وغيره أن قوله: بارك الله لك، كناية، بخلاف قوله: بارك الله فيك. وفي فتاوى الغزالي: إذا كتب الشروطي إقرار رجل بالطلاق، فقال له الشهود: نشهد عليك بما في هذا الكتاب ؟ فقال: اشهدوا، لا يقع الطلاق بينه وبين الله تعالى، بل لو قال: اشهدوا على أني طلقتها أمس وهو كاذب، لم يقع فيما بينه وبين الله تعالى. وفي التتمة أنه لو قال لواحدة من نسائه: أنت طالق مائة طلقة، فقالت: تكفيني ثلاث، فقال: الباقي على صواحبك، لا يقع على صواحبها طلاق، لانه لم يخاطبهن، وإنما رد عليها شيئا لاغيا، فإن نوى به الطلاق، كان طلاقا وكان التقدير: أنت طالق بثلاث، وهن طوالق بالباقي وأنه لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وأنت يا أم أولادي، قال أبو عاصم العبادي: لا تطلق، وهو كما قال غيره: لو قال لزوجته: نساء العالمين طوالق وأنت يا فاطمة، لا تطلق، لانه عطف على نسوة لم يطلقن، وأنه لو قال له رجل: فعلت كذا فأنكر، فقال الرجل: الحل عليك حرام، والنية نيتي أنك ما فعلت، فقال: الحل علي حرام، والنية نيتك ما فعلته، لغا قوله: النية نيتك، ويكون الحكم كما لو تلفظ بهذا اللفظ ابتداء ولو قال له لما أنكر: امرأتك طالق إن كنت كاذبا، فقال: طالق وقال: ما أردت طلاق امرأتي يقبل، لانه لم توجد إشارة إليها ولا تسمية، وإن لم يدع إرادة غيرها، حكم بوقوع الطلاق وبالله التوفيق.(6/39)
فرع قال: أنت طالق ثلاثا أو لا، باسكان الواو، لا يقع شئ. قال المتولي: كما لو قال: هل أنت طالق ؟ ولو قال: أنت طالق أولا بتشديد الواو وهو يعرف العربية، طلقت.
الطرف الثاني : في الافعال القائمة مقام اللفظ: الاشارة والكتب يدلان على الطلاق، فأما الاشارة، فمعتبرة من الاخرس في وقوع الطلاق، وتقوم إشارته مقام عبارة الناطق في جميع العقود والحلول والاقارير والدعاوي، لكن في شهادته خلاف. وإذا أشار في صلاته بطلاق أو بيع أو غيرهما، صح العقد قطعا ولا تبطل صلاته على الصحيح، ثم منهم من أدار الحكم على إشارته المفهومة، وأوقع ا لطلاق بها، نوى أم لم ينو، وكذا فصل البغوي. وقال الامام وآخرون: إشارته منقسمة إلى صريحة مغنية عن النية، وهي التي يفهم منها الطلاق كل واقف عليها، وإلى كناية مفتقرة إلى النية، وهي التي يفهم الطلاق بها المخصوص بالفطنة والذكاء. ولو بالغ في الاشارة، ثم ادعى أنه لم يرد الطلاق وأفهم هذه الدعوى. قال الامام: هو كما لو فسر اللفظة الشائعة في الطلاق بغيره. فرع سواء في اعتبار إشارة الاخرس، قدر على الكتابة أم لا، هكذا قاله الامام ويوافقه إطلاق الجمهور. وقال المتولي: إنما تعتبر إشارته إذا لم يقدر على كتابة مفهمة. فالكتابة هي المعتبرة، لانها أضبط، وينبغي أن يكتب مع ذلك: إني قصدت الطلاق. فرع إذا كتب الاخرس الطلاق، فثلاثة أوجه. الصحيح أنه كناية، فيقع الطلاق إذا نوى، وإن لم يشر معها، والثاني: لا بد من الاشارة، والثالث: هو صريح، قاله الشيخ أبو محمد. فصل القادر على النطق، إشارته بالطلاق ليست صريحة، وإن أفهم بها كل أحد، وليست كناية أيضا على الاصح. ولو قال لاحدى زوجتيه: أنت طالق وهذه، ففي افتقار طلاق الثانية إلى نية، وجهان. ولو قال: امرأتي طالق، وأشار إلى إحدهما، ثم قال: أردت الاخرى، فوجهان. أحداهما: يقبل. والثاني: لا يقبل، بل تطلقان جميعا.(6/40)
فصل إذا كتب القادر بطلاق زوجته، نظر، إن قرأ ما كتبه وتلفظ به في حال الكتابة، أو بعدها، طلقت، وإن لم يتلفظ، نظر، إن لم ينو إيقاع الطلاق، لم تطلق على الصحيح، وقيل: تطلق وتكون الكتابة صريحا، وليس بشئ. وإن نوى، ففيه أقوال وأوجه وطرق، مختصرها ثلاثة أقوال. أظهرها: تطلق مطلقا، والثاني: لا، والثالث: تطلق إن كانت غائبة عن المجلس، وإلا فلا. وهذا الخلاف جار في سائر التصرفات التي لا تفتقر إلى قبول كالاعتاق والابراء، والعفو عن القصاص وغيرها بلا فرق. وأما ما يحتاج إلى قبول، فهو نكاح وغيره، أما غيره كالبيع والهبة والاجارة، ففي انعقادها بالكتب خلاف مرتب على الطلاق، وما في معناه، إن لم يعتبر الكتب هناك، فهنا أولى، وإلا فوجهان، للخلاف في انعقاد هذه التصرفات بالكنايات، ولان القبول فيها شرط فيتأخر عن الايجاب، والاشبه الانعقاد. ومن قال به، جعل تمام الايجاب بوصول الكتاب، حتى يشترط اتصال القبول به. وفي وجه: لا يشترط ذلك، بل يراعى التواصل اللائق بين الكتابين، وقد أشرنا إلى هذا كله في أول البيع، وذكرنا عن بعضهم، أن المشتري لو قبل بالقول، كان أقوى من أن يكتب، وكذا ذكره الامام. وأما النكاح، ففيه خلاف مرتب، والمذهب منعه بسبب الشهادة، فلا اطلاع للشهود على النية. ولو قالا بعد المكاتبة: نوينا، كان شهادة على إقرارهما لا على نفس العقد، ومن جوز اعتمد الحاجة. وإذا قلنا: ينعقد البيع والنكاح بالمكاتبة، فذلك في حال الغيبة، فأما عند الحضور، فخلاف مرتب. وحيث حكمنا بانعقاد النكاح بالمكاتبة يكتب: زوجتك بنتي، ويحضر الكتاب عدلان، ولا يشترط أن يحضرهما، ولا أن يقول: اشهدا. فإذا بلغه، فيقبل لفظا. أو يكتب القبول، ويحضر القبول شاهدا الايجاب، فإن شهده آخران، فوجهان. أصحهما: المنع، ومن جوزه، احتمله كما احتمل الفصل بين الايجاب والقبول. ثم إذا قبل لفظا أو كتابة، يشترط كونه على الفور، وفيه وجه ضعيف سبق. فرع كتب إليه: وكلتك في بيع كذا من مالي، أو إعتاق عبدي، فإن قلنا:(6/41)
الوكالة لا تفتقر إلى القبول، فهو ككتب الطلاق، وإلا فكالبيع ونحوه. فرع كتب: زوجتي طالق، أو يا فلانة أنت طالق. أو كل زوجة لي فهي طالق، فإن قرأ ما كتبه، فقد ذكرنا أنها تطلق. فلو قال: لم أنو الطلاق، وإنما قصدت قراءة ما كتبته وحكايته، ففي قبوله ظاهرا وجهان مشبهان بالوجهين فيما لو حل الوثاق، وقال: أنت طالق. وفائدة الخلاف، إنما تظهر إذا لم يجعل الكتب صريحا ولا كناية، أو قلنا: كناية، وأنكر اقتران النية. فرع إذا أوقعنا الطلاق بالمكاتبة، نظر في صورة المكتوب، إن كتب: أما بعد، فأنت طالق، طلقت في الحال، سواء وصلها الكتاب أم ضاع. وإن كتب: إذا قرأت كتابي، فأنت طالق، لم يقع بمجرد البلوغ، بل عند القراءة. فإن كانت تحسن القراءة، طلقت إذا قرأته، قال الامام: والمعتبر أن تطلع على ما فيه. واتفق علماؤنا على أنها إذا طالعته وفهمت ما فيه، طلقت، وإن لم تتلفظ بشئ. فلو قرأه غيرها عليها، فهل يقع الطلاق لان المقصود اطلاعها، أم لا لعدم قراءتها مع الامكان ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قطع البغوي. وإن كانت لا تحسن القراءة، طلقت إذا قرأه عليها شخص على الصحيح. وقيل: لا تطلق أصلا. ولو كان الزوج لا يعلم، أهي قارئة أم لا، فيجوز أن ينعقد التعليق على قراءتها بنفسها، نظرا إلى حقيقته، ويجوز أن ينعقد على الفهم والاطلاع، لانه القدر المشترك بين الناس، والاول أقرب. أما إذا كتب: إذا أتاك كتابي، أو بلغك، أو وصل إليك كتابي فأنت طالق، فلا يقع الطلاق قبل أن يأتيها فإن انمحى جميع المكتوب، فبلغها القرطاس بحيث لا يمكن قراءته، لم تطلق كما لو ضاع. وقيل: تطلق، إذ يقال: أتى كتابه وقد انمحى، والصحيح الاول. وإن بقي أثر، وأمكنت قراءته، طلقت، كما لو وصل بحاله، وإن وصلها بعض الكتاب دون بعضه، فخرم الكتاب أربعة أقسام. أحدها: موضع الطلاق، فإن كان هو الضائع، أو انمحى ما فيه، فثلاثة أوجه. أصحها: لا تطلق، والثاني: تطلق، والثالث: إن قال: إذا جاءك كتابي،(6/42)
وقع وإن قال: إذا جاءك كتابي هذا أو الكتاب، فلا. الثاني: موضع سائر مقاصد الكتاب، ومنه ما يعتذر به عن الطلاق ويوبخها عليه من الافعال الملجئة إلى الطلاق، فإن كان الخلل فيه بالتخرق والانمحاء، وبقي موضع الطلاق وغيره، ففيه الاوجه الثلاثة، والوقوع هنا أولى، وبه قال أبو إسحاق، لوصول المقصود، ويحسن الاعتماد على الوجه الثالث في الصورتين. الثالث: موضع السوابق واللواحق، كالتسمية، وصدر الكتاب، والحمد والصلاة. فإذا كان الخلل فيه والمقاصد باقية، ففيه الاوجه، لكن الاصح هنا، الوقوع. قال الامام: وكنت أود أن يفرق في هذه الصور الثلاث بين أن يبقى معظم الكتاب، أم يختل ؟ فإن للمعظم أثرا في بقاء الاسم وعدمه. قلت: هذا الذي أشار إليه الامام، هو وجه ذكره في المستظهري لكنه لم يطرده فيما إذا انمحى موضع الطلاق، لم يقع عنده. وعند سائر العراقيين قطعا، ولفظه: وقيل: إن وجد أكثر الكتاب، طلقت. والله أعلم. الرابع: البياض في أول الكتاب وآخره. المذهب: أنه لا عبرة. بزواله وقيل: يطرد الخلاف. أما إذا كتب: إذا بلغك كتابي فأنت طالق، فإن بلغ موضع الطلاق وقع بلا تفصيل ولا خلاف، وإن بلغ ما سواه وبطل موضع الطلاق، لم تطلق. فرع كتب: إذا بلغك كتابي، فأنت طالق، وكتب أيضا: إذا وصل إليك طلاقي فأنت طالق فبلغها، وقعت طلقتان للصفتين. ولو كان التعليق بقراءتها، فقرأت بعضه دون بعض، فعلى ما ذكرناه في وصول بعضه دون بعض. فرع كتب كتابه ونوى، فككتب الصريح. ولو أمر الزوج أجنبيا، فكتب ونوى الزوج، لم تطلق كما لو قال للاجنبي: قل لزوجتي: أنت بائن ونوى الزوج، لا تطلق. فرع كتب: إذا بلغك نصف كتابي هذا فأنت طالق، فبلغها كله، فهل يقع(6/43)
لاشتمال الكل على النصف، أم لا لان النصف في مثل هذا يراد به المنفرد ؟ وجهان. قلت: الاصح الوقوع. والله أعلم. فرع الكتب على الكاغد، والرق، واللوح، والنقر في الحجر والخشب، سواء في الحكم، ولا عبرة برسم الحروف على الماء والهواء، لانها لا تثبت. قال الامام: ولا يمتنع أن يلحق هذا بالاشارة المفهمة، ولك أن تمنعه، لان هذا إشارة إلى الحروف لا إلى معنى الطلاق وهو الابعاد. قلت: ولو خط على الارض وأفهم، فكالخط على الورق، ذكره الامام والمتولي وغيرهما، وقد سبق في كتاب البيع. والله أعلم. فرع قالت: أتاني كتاب الطلاق، فأنكر أنه كتبه، أو أنه نوى، صدق، فلو شهد شهود أنه خطه، لم تطلق بمجرد ذلك، بل يحتاج مع ذلك إلى إثبات قراءته أو نيته. فرع كتب: أنت طالق ثم استمد فكتب: إذا أتاك كتابي، فإن احتاج إلى الاستمداد، لم تطلق حتى يبلغها الكتاب، وإلا طلقت في الحال. فرع حرك لسانه بكلمة الطلاق، ولم يرفع صوته قدرا يسمع نفسه. قال المتولي: حكى الزجاجي، أن المزني نقل فيه قولين. أحدهما: تطلق، لانه أقوى من الكتب مع النية. والثاني: لا لانه ليس بكلام، ولهذا يشترط في قراءة الصلاة أن يسمع نفسه. قلت: الاظهر: الثاني، لانه في حكم النية المجردة، بخلاف الكتب، فإن المعتمد في وقوع الطلاق به حصول الافهام ولم يحصل هنا. والله أعلم. الطرف الثالث : في التفويض يجوز أن يفوض إلى زوجته طلاق نفسها،(6/44)
فإذا فوض فقال: طلقي نفسك إن شئت، فهل هو تمليك للطلاق، أم توكيل به ؟ قولان. أظهرهما: تمليك وهو الجديد، فعلى هذا، تطليقها يتضمن القبول، ولا يجوز لها تأخيره، فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الايجاب ثم طلقت، لم يقع. وقال ابن القاص وغيره: لا يضر التأخير ما داما في المجلس، وقال ابن المنذر: لها أن تطلق متى شاءت، ولا يختص بالمجلس، والصحيح الاول، وبه قال الاكثرون. ولو قال: طلقي نفسك بألف، أو على ألف إن شئت فطلقت، وقع بائنا، وهذا تمليك بعوض. وإذا لم يجر عوض، فهو كالهبة. قال القفال: ولو قال: طلقي نفسك، فقالت: كيف يكون تطليقي لنفسي، ثم قال: طلقت، وقع الطلاق ولم يكن هذا القدر قاطعا، وهذا تفريع على أن الكلام اليسير لا يضر تخلله. أما إذا قلنا: التفويض توكيل، ففي اشتراط قبولها الخلاف المذكور في سائر الوكالات، ويجئ الوجه الفارق بين صيغة الامر بأن يقول: طلقي نفسك. وصيغة العقد، كقوله: وكلتك في طلاق نفسك. وهل يجوز تأخير التطليق على هذا القول ؟ وجهان. أصحهما: نعم، فتطلق متى شاءت كتوكيل الاجنبي. والثاني وبه قال القاضي حسين البغوي: لا، وطرده القاضي فيما لو قال: وكلتك في طلاق نفسك. أما إذا قال: طلقي نفسك متى شئت، فيجوز التأخير قطعا، وللزوج أن يرجع فيه قبل أن تطلق نفسها إن جعلناه توكيلا، وكذا إن جعلناه تمليكا على الصحيح، ومنعه ابن خيران. ولو قال: إذا جاء رأس الشهر، فطلقي نفسك، فإن قلنا: تمليك، لغا، وليس لها التطليق إذا جاء رأس الشهر.. وإن قلنا: توكيل، جاز كتوكيل،(6/45)
الاجنبي. وعلى هذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر، فطلقي نفسك، إن ضمنت لي ألفا، أو قال: طلقي نفسك ان ضمنت لي ألفا بعد شهر، فإذا طلقت نفسها على ألف بعد مضي الشهر، طلقت ولزمها الالف. قال اسماعيل البوشنجي: لو قال لاجنبي: إذا جاء رأس الشهر، فأمر امرأتي بيدك، فإن كان قصده بذلك إطلاق الطلاق له بعد انقضاء الشهر، فله التطليق بعد أي وقت شاء، إلا أن يطرأ منع، وإن أراد تقييد الامر برأس الشهر، تقيد الطلاق به، وليس له التطليق بعده، ولو قال: إذا مضى هذا الشهر فأمرها بيدك، فمقتضاه إطلاق الاذن بعده، فيطلقها بعده متى شاء ولو قال: أمرها بيدك إلى شهر أو شهرا، فله أن يطلقها إلى شهر، وليس له تطليقها بعده. وهذه الاحكام في حق الزوجة، كهي في حق الاجنبي إذا جعلنا التفويض إليها توكيلا. فرع قال: طلقي نفسك، فقالت: طلقت نفسي أو أنا طالق إذا قدم زيد، لم يقع الطلاق إذا قدم، لانه لم يملكها التعليق، وكذا حكم الاجنبي، وفيها وجه حكاه الحناطي. ولو قال لها: علقي طلاقك، ففعلت، أو قاله لاجنبي، ففعل، لم يصح، لان تعليق الطلاق يجري مجرى الايمان، فلا يدخله نيابة، وقيل: يصح، وقيل: إن علق على صفة توجد لا محالة، كطلوع الشمس، ورأس الشهر، صح لان مثل هذا التعليق ليس بيمين، وإن كانت محتملة الوجود كدخول الدار، لم يصح، لانه يمين، والصحيح هو الاول، وبه قطع البغوي. فرع تفويض الاعتاق إلى العبد، كتفويض التطليق إلى الزوجة في الاحكام المذكورة.
فصل كما يجوز التفويض بصريح الطلاق، ويعتد من المفوض إليها بالصريح، كذلك يجوز التفويض بالكنايات مع النية، ويعتد منها بالكناية مع النية، ولا يشترط توافق لفظيهما، إلا أن يقيد التفويض. فإذا قال: أبيني نفسك، أو بتي، فقالت: آبنت، أو بتت، ونويا، طلقت.(6/46)
وإن لم ينو أحدهما، لم تطلق. ولو قال: طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي، أو أنا خلية أو برية، ونوت، طلقت على الصحيح. وقال ابن خيران، وأبو عبيد بن خربويه: لا تطلق. ولو قال: طلقي نفسك، فقالت للزوج: طلقتك، ففيه هذا الخلاف، ويجري الخلاف في عكسه بأن يقول: أبيني نفسك، أو فوضت إليك أمرك، أو ملكتك نفسك، أو أمرك بيدك وينوي، فتقول: طلقت نفسي، قال القاضي حسين وغيره: ويجري فيما لو قال لاجنبي: طلقها، فقال: أبنتها، ونوى، أو قال: أبنها ونوى، فقال: طلقتها. ولو قال لها: أبيني نفسك ونوى، فقالت: أنا خلية ونوت، فإن قلنا بالصحيح، طلقت، وعلى قول ابن خيران، وجهان. أصحهما: تطلق، لان الاعتماد هنا على النية، واللفظ غير مستقل، بخلاف اختلاف الصريح والكناية. ولو قال: طلقي نفسك بصريح الطلاق، أو قال: بكناية الطلاق، فعدل عن المأذون فيه إلى غيره، لم تطلق بلا خلاف. ولو قال: طلقي نفسك، فقالت: سرحت نفسي، طلقت بلا خلاف لاشتراكهما في الصراحة. فرع قال لها: اختاري نفسك ونوى تفويض الطلاق، فقالت: اخترت نفسي، أو اخترت ونوت، وقعت طلقة. ولو قال: اختاري ولم يقل: نفسك، ونوى تفويض الطلاق، فقالت: اخترت، ففي التهذيب أنه لا يقع الطلاق حتى تقول: اخترت نفسي، وأشعر كلامه بأنه لا يقع وإن نوت، لانه ليس في كلامه ولا كلامها ما يشعر بالفراق، بخلاف قوله: اختاري نفسك، فإنه يشعر، فانصرف كلامها إليه وقال إسمعيل البوشنجي: إذا قالت: اخترت، ثم قالت بعد ذلك: أردت: اخترت نفسي وكذبها الزوج، فالقول قولها، ويقع الطلاق. ولو قالت: اخترت نفسي ونوت، وقعت طلقة، وتكون رجعية إن كانت محلا للرجعة. ولو قالت: اخترت زوجي أو النكاح لم تطلق. ولو قالت: اخترت الازواج، أو اخترت أبوي، أو أخي، أو عمي، طلقت على الاصح سواء قال: اختاري نفسك أو اختاري فقط. فرع متى كان التفويض وتطليقها أو أحدهما بكناية فتنازعا في النية، فالقول قول(6/47)
الناوي، سواء أثبتها أم نفاها. وقال الاصطخري: إذا ادعت أنها نوت فأنكر صدق، لان الاصل بقاء النكاح، والصحيح الاول، لان النية لا تعرف إلا من الناوي. ولو اختلفا في أصل التخيير، فأنكره الزوج، أو قال: خيرتك فلم تختاري في وقت الاختيار، وقالت: اخترت، فالقول قوله للاصل. قال ابن كج: ولو جعل أمرها إلى وكيل، فقال لها الوكيل: أمرك بيدك وزعم أنه نوى الطلاق، وصدقته المرأة، وكذبه الزوج، فالقول قول الوكيل على الصحيح، لانه أمينه. وقيل: القول قول الزوج للاصل. ولو توافق الزوجان على تكذيبه، لم يقبل قول الوكيل. فرع القول في اشتراط الفور في قبولها إذا فوض بكناية، على ما ذكرناه إذا فوض بصريح. فرع قال: اختاري من ثلاث طلقات ما شئت، أو طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو اثنتين، ولا تملك الثلاث. فرع خير صبية، فاختارت، لم تطلق. فرع قال المتولي: لو قال ثلاث مرات: اختاري وقال: أردت واحدة، لم يقع إلا واحدة. فرع ذكر إسمعيل البوشنجي أنه إذا قال: اختاري نفسك، أو طلقي نفسك، فقالت: أختار أو أطلق، فمطلقة للاستقبال، فلا يقع في الحال شئ. فإن قال: أردت الانشاء، وقع في الحال. قلت: هذا كما قال، ولا يخالف هذا قول النحويين، أن الفعل المضارع إذا تجرد، فالحال أولى به، لانه ليس صريحا في الحال، وعارضه أصل بقاء النكاح. والله أعلم. فرع ذكر إسمعيل البوشنجي أنه لو خيرها وهي لا تعلم، فاختارت اتفاقا، خرج(6/48)
على الخلاف فيما لو باع مال أبيه على أنه حي فكان ميتا، والطلاق أولى بالنفوذ. وأنه لو قال لرجل: أمر امرأتي بيد الله تعالى وبيدك، يسأل، فإن قال: أردت أنه لا يستقل بالطلاق، قبل قوله ولم يكن له أن يطلق، وإن قال: أردت أن الامور كلها بيد الله تعالى، والذي أثبته الله لي جعلته في يدك، قبل واستقل ذلك الرجل. وأنه لو قال: كل أمر لي عليك قد جعلته بيدك، فعندي أن هذا ليس بتفويض صريح، وأنه ليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا ما لم ينو هو الثلاث. وأنه لو قال لها: اختاري اليوم وغدا وبعد غد، فالمضاف إلى الزمن المستقبل ينبغي أن يكون على الخلاف، في أن التفويض عليك أم توكيل ؟ إن قلنا: تمليك، لم يحتمل التراخي كالبيع، وإلا فهو كتوكيله بالبيع اليوم وغدا وبعد غد، فعلى هذا، له الرد في بعض الايام دون بعض.
فصل قال: طلقي نفسك ونوى الثلاث، فقالت: طلقت نفسي ونوت الثلاث، وقع الثلاث. وإن لم تنو هي العدد، فهل يقع واحدة أم الثلاث ؟ وجهان. أصحهما: واحدة. ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فقالت: طلقت أو طلقت نفسي ولم تلفظ بالعدد ولا نوته، وقع الثلاث، لان قولها هنا جواب لكلامه، فهو كالمعاد في الجواب، بخلاف ما إذا لم يتلفظ هو بالثلاث ونوتها، لان المنوي لا يمكن تقدير عوده في الجواب، فإن التخاطب باللفظ لا بالنية. وفيه احتمال للامام، أنه لا يقع إلا واحدة. ولو فوض بكناية ونوى عددا وطلقت هي بالكناية ونوت العدد، وقع ما نوياه. فلو نوى أحدهما عددا، والآخر عددا آخر، وقع الاقل. ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة أو ثنتين، وقع ما أوقعته. ثم إن أوقعت واحدة فراجعها في الحال. قال البغوي في الفتاوى: لها أن تطلق ثانية وثالثة، لانه لا فرق بين أن تطلق الثلاث دفعة، وبين قولها: طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة، فلا يقدح تخلل الرجعة بين الطلقتين. ولو قال: طلقي واحدة، فقالت: طلقت ثلاثا أو ثنتين، وقعت واحدة، والحكم في الطرفين في توكيل الاجنبي كما ذكرنا. قلت: وحكى صاحب المهذب وغيره وجها في الوكيل: إذا زاد أو نقص، لا يقع شئ لانه متصرف بالاذن ولم يؤذن في هذا. والله أعلم.(6/49)
ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا إن شئت، فطلقت واحدة، أو قال: واحدة إن شئت، فطلقت ثلاثا، وقعت واحدة كما لو لم يقل: إن شئت. ولو قدم ذكر المشيئة على العدد فقال: طلقي نفسك إن شئت ثلاثا، فطلقت واحدة، أو قال: طلقي إن شئت واحدة، فطلقت ثلاثا. قال صاحب التلخيص وسائر الاصحاب: لا يقع، لان مشيئة ذلك العدد صارت شرطا في أصل الطلاق، وبالله التوفيق. الركن الثالث: القصد إلى الطلاق: فيشترط أن يكون قاصدا لحروف الطلاق بمعنى الطلاق، ولا يكفي القصد إلى حروف الطلاق من غير قصد معناه، ويختل القصد بثلاثة أسباب. الاول: أن لا يقصد اللفظ، كالنائم تجري كلمة الطلاق على لسانه. ولو استيقظ نائم، وقد جرى على لسانه لفظ الطلاق فقال: أجزت ذلك الطلاق أو أوقعته، فهو لغو. فرع من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته، وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى، لم يقع طلاقه، لكن لا تقبل دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه. فإذا قال: طلقتك، ثم قال: سبق لساني وإنما أردت: طلبتك، فنص الشافعي رحمه الله تعالى، أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه. وحكى الروياني عن صاحب الحاوي وغيره: أن هذا فيما إذا كان الزوج متهما. فأما إن ظنت صدقه بأمارة، فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه. وأن من سمع ذلك منه إذا عرف الحال، يجوز أن يقبل قوله ولا يشهد عليه. قال الروياني: وهذا هو الاختيار. ولو كانت زوجته تسمى طالقا، وعبده يسمى حرا، فقال لها: يا طالق، وله: يا حر، فإن قصد النداء، فلا طلاق ولا عتق. وإن قصد الطلاق والعتق، حصلا. وإن أطلق ولم ينو شيئا، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان. أصحهما: على النداء وبه(6/50)
قطع البغوي. ولو كان حروف اسم امرأته تقارب حروف طالق، كطالع وطالب، وطارق، فقال: يا طالق، ثم قال: أردت أن أقول: يا طارق، أو يا طالع فالتف الحرف بلساني، قبل قوله في الظاهر لظهور القرينة. ومن صور سبق اللسان، ما إذا طهرت من الحيض أو ظن طهرها، فأراد أن يقول: أنت الآن طاهرة، فسبق لسانه، فقال: أنت الآن طالقة. فرع المبرسم والمغمى عليه كالنائم. فرع الحاكي لطلاق غيره، كقوله: قال فلان: زوجتي طالق. والفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره وتدريسه وتكراره، لا طلاق عليه. فرع قال: أنت طالق عن العمل. قال البوشنجي: لا يقع الطلاق لا ظاهرا ولا باطنا.
فصل الطلاق والعتق ينفذان من الهازل ظاهرا وباطنا، فلا تديين فيهما، وينفذ أيضا النكاح والبيع وسائر التصرفات مع الهزل على الاصح. وصورة الهزل أن يلاعبها بالطلاق بأن تقول في معرض الدلال والاستهزاء: طلقني، فقال: طلقتك، فتطلق، لانه خاطبها قاصدا مختارا، ولم يصرف اللفظ إلى تأويل، فلم تدين، بخلاف من قال: أردت طالق من وثاق.
فصل خاطب زوجته بالطلاق في ظلمة أو حجاب ونحوهما وهو يظنها أجنبية، تطلق عند الاصحاب، وفيه احتمال للامام. وحكى الغزالي في البسيط أن بعض الوعاظ طلب من الحاضرين شيئا فلم(6/51)
يعطوه، فقال متضجرا منهم: طلقتكم ثلاثا، وكانت زوجته فيهم وهو لا يعلم، فأفتى إمام الحرمين بوقوع الطلاق. قال: وفي القلب منه شئ. ولك أن تقول: ينبغي أن لا تطلق، لان قوله: طلقتكم لفظ عام وهو يقبل الاستثناء بالنية، كما لو حلف لا يسلم على زيد، فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه، لم يحنث. وإذا لم يعلم أن زوجته في القوم، كان مقصوده غيرها. قلت: هذا الذي قاله إمام الحرمين والرافعي، كلاهما عجب منهما، أما العجب من الرافعي، فلان هذه المسألة ليست كمسألة السلام على زيد، لانه هناك علم به واستثناه، وهنا لم يعلم بها ولم يستثنها، واللفظ يقتضي الجميع إلا ما(6/52)
أخرجه ولم يخرجها. وأما العجب من الامام، فلانه تقدم في أول الركن أنه يشترط قصد لفظ الطلاق بمعنى الطلاق، ولا يكفي قصد لفظه من غير قصد معناه، ومعلوم أن هذا الواعظ لم يقصد معنى الطلاق، وأيضا فقد علم أن مذهب أصحابنا أو جمهورهم، أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل. وقوله: طلقتكم خطاب رجال، فلا تدخل امرأته فيه بغير دليل، فينبغي أن لا تطلق لما ذكرته، لا لما ذكره الرافعي، فهذا ما تقتضيه الادلة. والله أعلم. فرع نسي أن له زوجة، أو زوجه أبوه في صغره، أو وكيله في كبره وهو لا يدري فقال: زوجتي طالق، أو خاطبها بالطلاق، طلقت، نص عليه الشافعي رحمة الله عليه. وهذا في الظاهر. وفي نفوذه باطنا وجهان بناهما المتولي على الابراء عن المجهول. إن قلنا: لا يصح، لم تطلق باطنا. فرع إذا لقن كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها، فقالها وهو لا يعرفها، لم يقع طلاقه. قال المتولي: هذا إذا لم يكن له مع أهل ذلك اللسان اختلاط. فإن كان لم يصدق في الحكم ويدين باطنا. وإذا لم يقع الطلاق فقال: أردت بهذه اللفظة معناها بالعربية، لم يقع على الاصح. ولو قال: لم أعلم أن معناها قطع النكاح، ولكن نويت بها الطلاق، وقصدت قطع النكاح، لم يقع الطلاق، كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها، وقال: أردت الطلاق. السبب الثاني: الاكراه. التصرفات القولية المحمول عليها بالاكراه بغير حق، باطلة سواء الردة والبيع، وسائر المعاملات والنكاح، والطلاق والاعتاق وغيرها، وأما ما حمل عليه بحق، فهو صحيح، فيحصل من هذا أن إسلام المرتد(6/53)
والحربي مع الاكراه، صحيح، لانه بحق، ولا يصح إسلام الذمي مكرها على الاصح، والمؤلي بعد مضي المدة إذا أطلق بإكراه القاضي، نفذ لانه بحق، أو لانه ليس بحقيقة إكراه، فإنه لا يتعين الطلاق. قال المتولي: هذا في الطلقة الواحدة، وأما إذا أكرهه الامام على ثلاث طلقات فتلفظ بها، فإن قلنا: لا ينعزل بالفسق، وقعت واحدة ولغت الزيادة. وإن قلنا: ينعزل، لم يقع شئ كما لو أكرهه غيره، وثبت التحريم بالرضاع مع الاكراه، وفي امتناع القصاص وحد الزنا في حق الرجل بالاكراه خلاف في موضعه.
فصل إنما يندفع الطلاق بالاكراه، إذا لم يظهر ما يدل على اختياره. فإن ظهر بأن خالف المكره، وأتى بغير ما حمله عليه، حكم بوقوع الطلاق، ولذلك صور منها أن يكرهه على طلقة فيطلق ثلاثا، أو على ثلاث، فيطلق واحدة، أو على طلاق زوجتين، فيطلق إحداهما، أو على أن يطلق بصريح، فطلق بكناية أو بصريح آخر، أو بالعكس، أو على تنجيز الطلاق فعلقه، أو بالعكس، فلا عبرة بالاكراه في كل هذه الصور، ويقع ما أتى به. ولو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه، فطلق واحدة بعينها، وقع على المذهب لانه مختار في تعيينها وحكى المتولي فيه خلافا، ولو أكرهه على طلاق زوجة فطلق زوجتين، نظر إن قال له: طلق زوجتك حفصة، فقال لها ولضرتها عمرة: طلقتكما، طلقتا، لانه عدل عن كلمة الاكراه. وإن قال: طلقت حفصة وعمرة، أو: وطلقت عمرة، أو حفصة طالق وعمرة طالق، طلقت عمرة ولم تطلق حفصة، هكذا فصله البغوي والمتولي وغيرهما، ولم يفصل الامام بين العبارتين، بل أطلق عن الاصحاب الحكم بوقوع الطلاق على الضرتين. قال: وفيه احتمال، إذ لا يبعد أن يكون مختارا في طلاق عمرة. فرع الاكراه على تعليق الطلاق، يمنع انعقاده، كما يمنع نفوذ التنجيز.(6/54)
فرع إن ورى المكره بأن قال: أردت بقولي: طلقت فاطمة غير زوجتي، أو نوى الطلاق من وثاق، أو قال في نفسه: إن شاء الله تعالى، لم يقع الطلاق. وإذا ادعى التورية، صدق ظاهرا في كل ما كان يدين فيه عند الطواعية. وإن ترك التورية، نظر إن كان غبيا لا يحسن التورية، لم يقع طلاقه أيضا، وإن كان عالما وأصابته دهشة بالاكراه وسل السيف، فكذلك. وإن لم تصبه دهشة، فوجهان. أحدهما: يقع طلاقه، وهو اختيار القفال والغزالي، لاشعاره بالاختيار، وأصحهما: لا، لانه مجبر على اللفظ. ولا نية تشعر بالاختيار. ولو قصد المكره إيقاع الطلاق، فوجهان. أحدهما: لا يقع، لان اللفظ ساقط بالاكراره، والنية لا تعمل وحدها. وأصحهما: يقع لقصده بلفظه. وعلى هذا، فصريح لفظ الطلاق عند الاكراه، كناية، إن نوى وقع، وإلا فلا. فرع قال: طلق زوجتي وإلا قتلتك، فطلقها وقع على الصحيح، لانه أبلغ في الاذن، وقيل: لا يقع لسقوط حكم اللفظ بالاكراه. كما لو قال لمجنون: طلقها فطلق. فرع الوكيل في الطلاق إذا أكره على الطلاق. قال أبو العباس الروياني: يحتمل أن يقال: يقع لحصول اختيار المالك، ويحتمل أن لا يقع، لانه المباشر. قال: وهذا أصح.
فصل في بيان الاكراه يشترط فيه كون المكره غالبا قادرا على تحقيق ما هدده به، بولاية، أو تغلب، وفرط هجوم، وكون المكره مغلوبا عاجزا عن الدفع بفرار أو مقاومة، أو استعانة بغيره، ويشترط أن يغلب على ظنه أنه إن امتنع مما أكرهه عليه، أوقع به المكروه. وقال أبو إسحق المروزي: لا إكراه إلا بأن ينال بالضرب. والصحيح الذي قطع به الجمهور، عدم اشتراط تنجيز الضرب وغيره بل يكفي التوعد. وفيما يكون التخويف به إكراها، سبعة أوجه. أحدها: القتل فقط. حكاه الحناطي والامام.(6/55)
والثاني: القتل، أو قطع طرف، أو ضرب يخاف منه الهلاك، قاله أبو إسحاق. والثالث: قاله ابن أبي هريرة وكثيرون: أنه يلحق بما سبق أيضا الضرب الشديد، والحبس، وأخذ المال، وإتلافه، وبهذا قال أبو علي في الافصاح وزاد عليه فقال: لو توعده بنوع استخفاف، وكان الرجل وجيها يغض ذلك منه، فهو إكراه. قال هؤلاء: فالضرب والحبس والاستخفاف، يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم. والتخويف بالقتل والقطع وأخذ المال، لا يختلف. وقال الماسرجسي: يختلف بأخذ المال، فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم منه إكراها قال الروياني: هذا هو الاختيار، فهذه الاوجه هي الموجودة للمتقدمين من العراقيين وغيرهم. وأصحها: الثالث، وصححه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما. والرابع: أن الاكراه لا يحصل إلا إذا خوفه بما يسلب الاختيار، ويجعله كالهارب من الاسد الذي يتخطى النار والشوك، ولا يبالي، فعلى هذا الحبس ليس بإكراه. وكذا التخويف بالايلام الشديد. قال الامام: لكن لو فوتح به، احتمل جعله إكراها. والخامس: لا يشترط سقوط الاختيار، بل إذا أكرهه على فعل يؤثر العاقل الاقدام عليه حذرا مما تهدده به، حصل الاكراه. فعلى هذا، ينظر فيما طلبه منه وما هدده به، فقد يكون الشئ إكراها في مطلوب دون مطلوب، وفي شخص دون شخص. فإن كان الاكراه على الطلاق، حصل بالقطع وبالتخويف بالحبس الطويل، وبتخويف ذوي المروءة بالصفع في الملا، وتسويد الوجه والطوف به في السوق. وقيل: لا يكون التخويف بالحبس وما بعده إكراها، وطرد هذا الخلاف في التخويف بقتل الولد والوالد، والصحيح في الجميع، أنه إكراه. والاصح أن التخويف بإتلاف المال ليس إكراها على هذا الوجه، وإن كان الاكراه على قتل فالتخويف بالحبس، وقتل الولد، وإتلاف المال ليس إكراها. وإن كان الاكراه على(6/56)
إتلاف مال، فالتخويف بجميع ذلك إكراها. وقيل: لا يكون التخويف بإتلاف المال إكراه في إتلاف المال. الوجه السادس: أن الاكراه إنما يحصل بالتخويف بعقوبة تتعلق ببدن المكره، بحيث لو حققها تعلق به قصاص، فيخرج عنه ما لا يتعلق ببدنه، كأخذ المال وقتل الوالد والولد، والزوجة، والضرب الخفيف، والحبس المؤبد، إلا أن يخوفه بحبس في قعر بئر يغلب منه الموت. واختار القاضي حسين هذا. الوجه السابع: لا يحصل الاكراه إلا بعقوبة شديدة تتعلق ببدنه، فيدخل فيه القتل والقطع، والضرب الشديد، والتجويع والتعطيش، والحبس الطويل، ويخرج ما خرج عن الوجه السادس، ويخرج عنه التخويف بالاستخفاف بإلقاء العمامة والصفع، وما يخل بالجاه. واستبعد الامام من هذا الوجه، دخول الحبس وخروج قتل الولد، وأما التخويف بالنفي عن البلد، فإن كان فيه تفريق بينه وبين أهله، فكالحبس الدائم، وإلا فوجهان. أصحهما: إكراه، لان مفارقة الوطن شديدة، ولهذا جعلت عقوبة للزاني، وجعل البغوي التخويف باللواط، كالتخويف بإتلاف المال، وتسويد الوجه. وقال: لا يكون ذلك إكراها على القتل والقطع. وفي كونه إكراها في الطلاق والعتاق وإتلاف المال، وجهان. قلت: الاصح من هذا الخلاف المنتشر، هو الوجه الخامس، لكن في بعض تفصيله المذكور نظر. فالاختيار أن يقال: الاكراه. والله أعلم. فرع لا يحصل الاكراه بالتخويف بعقوبة اجلة كقوله: لاقتلنك غدا، ولا بأن يقول: طلق امرأتك وإلا قتلت نفسي، أو كفرت، أو أبطلت صومي أو صلاتي. ولا بأن يقول مستحق القصاص: طلق امرأتك، وإلا اقتصصت منك. فرع لو أخذه السلطان الظالم بسبب غيره وطالبه به فقال: لا أعرف موضعه، أو طالبه بماله فقال: لا شئ له عندي، فلم يخله حتى يحلف بالطلاق فحلف به كاذبا، وقع طلاقه ذكره القفال وغيره، لانه لم يكرهه على الطلاق، وإنما توصل بالحلف إلى ترك المطالبة، بخلاف ما إذا قال له اللصوص: لا نخليك حتى تحلف أن لا تذكر ما جرى، فحلف، لا يقع طلاقه إذا ذكره، لانهم أكرهوه على الحلف بالطلاق هنا.(6/57)
فرع تلفظ بطلاق ثم قال: كنت مكرها وأنكرت، لم يقبل قوله إلا أن يكون محبوسا، أو كان هناك قرينة أخرى. ولو قال: طلقت وأنا صبي، أو نائم، فقال أبو العباس الروياني: يصدق بيمينه. قال: ولو طلق في المرض، وقال: كنت مغشيا علي، لم يقبل إلا ببينة على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت. قلت: هذا الذي قاله في النائم، فيه نظر. والله أعلم.(6/58)
السبب الثالث: اختلال العقل: فمن طلق وهو زائل العقل بسبب غير متعد فيه، كجنون أو إغماء، أو أوجر خمرا، أو أكره على شربها، أو لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر، أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي ونحو ذلك، لم يقع طلاقه. ولو تعدى بشرب الخمر فسكر، أو بشرب دواء يجنن لغير غرض صحيح فزال عقله فطلق، وقع طلاقه على المذهب المنصوص في كتب الشافعي رحمه الله. وحكي قول قديم، فأثبته الاكثرون، ومنعه الشيخ أبو حامد. وممن قال: لا يقع: المزني، وابن سريج، وأبو سهل الصعلوكي، وابنه سهل، وأبو طاهر الزيادي وقيل: لا يقع في شرب الدواء المذكور. وإن وقع في السكر. واختلفوا في محل الخلاف، فالصحيح أن القولين جاريان في أقواله وأفعاله كلها، ما له وما عليه. وقيل: إنهما في أقواله كلها، كالطلاق والعتاق، والاسلام والردة، والبيع والشراء وغيرها. وأما أفعاله، كالقتل والقطع وغيرهما، فكأفعال الصاحي قطعا لقوة الافعال. وقيل: هما في الطلاق والعتاق والجنايات، ولا يصح بيعه وشراؤه قطعا، لان العلم شرط في المعاملات. وقيل: هما فيما هو له كالنكاح والاسلام، أما ما عليه كالطلاق والاقرار والضمان، أو له وعليه، كالبيع والاجارة، فيصح قطعا تغليظا عليه. فرع اختلفت العبارات في حد السكران، فعن الشافعي رحمه الله: أنه الذي اختل كلامه المنظوم. وانكشف سره المكتوم. وعن المزني: أنه الذي لا يفرق بين الارض والسماء، وبين أمه وامرأته. وقيل: الذي يفصح بما كان يحتشم منه. وقيل: الذي يتمايل في مشيته ويهذي في كلامه. وقيل: الذي لا يعلم ما يقول. وعن ابن سريج وهو الاقرب: أن الرجوع فيه إلى العادة. فإذا انتهى تغيره إلى حاله يقع عليه اسم السكر، فهو المراد بالسكران. ولم يرض الامام هذه العبارات. قال: ولكن شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال. إحداها: هزة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمرة فيه ولم تستول بعد عليه، ولا يزول العقل في هذه الحالة، وربما احتد.(6/59)
والثانية: نهاية السكر، وهو أن يصير طافحا، ويسقط كالمغشي عليه، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك. والثالثة: حالة متوسطة بينهما. وهي أن تختلط أحواله، فلا تنتظم أقواله وأفعاله، ويبقى تمييز وفهم كلام، فهذه الثالثة سكر. وفي نفود الطلاق فيها الخلاف المذكور. وأما الحالة الاولى، فينفذ طلاقه فيها بلا خلاف، لبقاء العقل وانتظام القصد والكلام. وأما الحالة الثانية، فالاصح عند الامام والغزالي، أنه لا ينفذ طلاقه إذ لا قصد له، ولفظه كلفظ النائم، ومن الاصحاب من جعله على الخلاف، لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة، وهذا أوفق لاطلاق الاكثرين. الركن الرابع: المحل وهو المرأة. فإن أضاف إلى كلها فقال: طلقتك، فذاك. وكذا لو قال: جسمك، أو جسدك، أو شخصك، أو نفسك، أو جثتك، أو ذاتك طالق، طلقت. ولو أضاف إلى بعضها شائعا، طلقت أيضا، سواء أبهم فقال: بعضك أو جزءك طالق، أو نص على جزء معلوم كالنصف والربع، واحتجوا لذلك بالاجماع وبالقياس على العتق، فقد ورد فيه من أعتق شقصا... ولو أضاف إلى عوض معين، طلقت سواء كان عضوا باطنا كالكبد والقلب والطحال، أو ظاهرا كاليد، سواء كان مما يفصل في الحياة كالشعر والظفر، أم لا كالاصبع، والاصبع الزائدة كالاصلية. وحكى الحناطي قولا ضعيفا في الشعر، كما لا ينقض الوضوء، ولا شك في اطراده في السن والظفر. قلت: بينهما فرق ظاهر، فإن اتصال السن آكد من الشعر. وأما اشتراكهما في نقض الوضوء وعدمه، فلعدم الاحساس، ولانهما جزءان، فأشبها اليد. والله أعلم. وإن أضاف إلى فضلات البدن كالريق، والعرق، والمخاط، والبول، أو إلى الاخلاط كالبلغم، والمرتين لم تطلق على الصحيح. وحكى الحناطي والامام وجها: وإن أضاف إلى اللبن والمني، لم تطلق على الاصح، لانهما متهيئان للخروج كالبول.(6/60)
ولو قال: جنينك طالق، لم تطلق على المذهب. ونقل الامام فيه الاتفاق، وحكى أبو الفرج الزاز فيه وجهين، وأبعد منه وجهان حكاهما الحناطي في قوله: الماء أو الطعام الذي في جوفك طالق. ولو أضاف إلى الشحم، طلقت على الاصح، وإلى الدم، تطلق على المذهب. ولو أضاف إلى معنى قائم بالذات، كالسمن والحسن، والقبح والملاحة، والسمع والبصر، والكلام والضحك، والبكاء والغم، والفرح، والحركة والسكون، لم تطلق. وحكى الحناطي وجها في الحسن والحركة، والسكون والسمع والبصر والكلام، وهذا شاذ ضعيف، ثم الوجه التسوية بينهما وبين سائر الصفات. ولو قال: ظلك، أو طريقك، أو صحبتك، أو نفسك بفتح الفاء، أو اسمك طالق، لم تطلق. قال المتولي: إلا أن يريد بالاسم ذاتها ووجودها، فتطلق. ولو قال: روحك طالق، طلقت على المذهب. وحكى أبو الفرج الزاز فيه خلافا مبنيا على أن الروح جسم أو عرض. ولو قال: حياتك طالق، فقال جماعة، منهم الامام والغزالي: تطلق. وقال البغوي: إن أراد الروح، طلقت، وهذا فيه إشعار بأنه (إن) أراد المعنى القائم بالحي، لا تطلق كسائر المعاني، وبهذا قطع أبو الفرج الزاز، ويشبه أن يكون الاصح عدم الوقوع. فرع إذا أضاف الطلاق إلى جزء أو عضو معين، ففي كيفية وقوع الطلاق وجهان. أحدهما: يقع على المضاف إليه، ثم يسري إلى باقي البدن، كما يسري العتق. والثاني: يجعل المضاف إليه عبارة عن الجملة، لانه لا يتصور الطلاق في المضاف إليه وحده، بخلاف العتق، ولانه لو قال: أنت طالق نصف طلقة، جعل ذلك عبارة(6/61)
عن طلقة. ولا يقال: يقع نصف طلقة ثم يسري، ويشبه أن يكون الاول هو الاصح. وتظهر فائدة الخلاف في صور. منها: إذا قال: إن دخلت الدار فيمينك طالق، فقطعت يمينها، ثم دخلت، إن قلنا بالثاني، طلقت، وإلا، فلا. ولو قال لمن لا يمين لها: يمينك طالق، فطريقان. أحدهما: التخريج على هذا الخلاف. وأصحهما: القطع بعدم الطلاق. وبه قال القاضي حسين، والامام، لانه وإن جعل البعض عبارة عن الكل، فلا بد من وجود المضاف إليه لتنتظم الاضافة. فإذا لم يكن، لغت الاضافة، كما لو قال لها: لحيتك أو ذكرك طالق. قال الامام: وهذا يجب أن يكون متفقا عليه. ومنها: قال المتولي: القول بعدم الطلاق في قوله: حسنك أو بياضك طالق مبني على القول بالسراية، لانه لا يمكن وقوع الطلاق على الصفات. أما إذا جعلنا البعض عبارة عن الجملة، فيجعل الصفة عبارة عن الموصوف. قلت: هذا الذي قاله ضعيف، مخالف للدليل ولاطلاق الاصحاب. والله أعلم. ومنها: لو قال لامته: يدك أم ولدي، أو قال لطفل التقطه: يدك ابني، قال المتولي: إن جعلنا البعض عبارة عن الجملة، كان إقرارا بالاستيلاد أو النسب، وإلا فلا. فرع لو أضاف العتق إلى يد عبده أو رأسه، ففيه الوجهان. وإن أضافه إلى جزء شائع، قال الامام: المذهب تقدم السراية، لان العبد يمكن تبعيض العتق فيه، ووقوعه عليه بخلاف الطلاق. وقيل: فيه الوجهان، لان إعتاقه بعض عبده غير متصور.(6/62)
: يتصور فيما إذا أعتق عبده المرهون وهو موسر بقيمة بعضه وقلنا بالاظهر: إنه ينفذ، عتق الموسر. والله أعلم. فرع لو أشار إلى عضو مبان، ووصفه بالطلاق، لم تطلق. ولو فصلت أذنها ثم ألصقت فالتحمت، أو سقطت شعرة ثم ثبتت في موضع آخر ونمت، فأضاف الطلاق إليها، لم تطلق المرأة على الاصح. قلت: قوله: في موضع آخر اتبع فيه الغزالي وليس هو شرطا، فلو ثبتت في موضعها، كان كذلك، ثم إن مسألة الشعرة قل أن توجد في غير الوسيط بخلاف مسألة الاذن، فإنها مشهورة بالوجهين، لكن أنكر إمام الحرمين تصورها في العادة، ولا امتناع في ذلك. والله أعلم.
فصل قال لزوجته: أنا منك طالق، ونوى إيقاع الطلاق عليها، طلقت. وإن لم ينو إيقاعه عليها، فالصحيح الذي قطع به الجمهور: أنها لا تطلق، وقيل: تطلق قاله أبو إسحق، واختاره القاضي حسين. فعلى هذا، لا بد من نية أصل الطلاق لان اللفظ كناية لكونه أضيف إلى غير محله. وأما على الاول، فمتى نوى إيقاعه(6/63)
عليها، كان ناويا أصل الطلاق. ولو جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على نية أصل الطلاق، فالمذهب أنه لا يقع قطعا. وقيل: على الوجهين. ولو قال: أنا منك بائن، فلا بد من نية أصل الطلاق. وفي نية الاضافة إليها، الوجهان. وإذا نواها، وقع، وهكذا حكم سائر الكنايات، كقوله: أنا منك خلي أو بري. ولو قال: استبرئ رحمي منك، أو أنا معتد منك، أو مستبرئ رحمي ونوى تطليقها، لم تطلق على الاصح. فرع قال لعبده: أنا منك حر، أو أعتقت نفسي منك ونوى إعتاق العبد، لم يعتق على الاصح، بخلاف الزوجية، فإنها تشمل الجانبين، والرق مختص بالعبد. فرع قال لزوجته: طلقي نفسك، فقالت: طلقتك أو أنت طالق، فهو كقوله لها: أنا منك طالق، وكذا إذا قال لعبده: أعتق نفسك، فقال: أعتقتك أو أنت حر، فهو كقول السيد: أنا منك حر. الركن الخامس الولاية على المحل: فلو قال لمطلقته الرجعية في عدتها: أنت طالق: طلقت. والمختلعة لا يلحقها طلاقه، لا في عدتها ولا بعدها، ولو قال لاجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق، فنكح، لم يقع الطلاق على المذهب، وبه قطع الجمهور، وهو الموجود في كتب الشافعي رحمه الله تعالى. وقيل: في الوقوع قولان، حكاهما الحناطي والسرخسي وغيرهما، وتعليق العتق بالملك، كتعليق الطلاق بالنكاح بلا فرق. ولو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد وهو لاجنبي، فهو لغو. ولو قال: لله علي أن أعتقه إن ملكته، فوجهان لانه التزام في الذمة، لكن متعلق بملك غيره. وأجرى الوجهان في قوله: إذا ملكت عبد فلان، فقد أوصيت به لزيد. ولو أرسل الوصية وهو لا يملك شيئا، صحت على الصحيح كالنذر. وحكى الشيخ أبو علي وجها، أنها لا تصح.(6/64)
فرع لو علق العبد الطلقة الثالثة إما مطلقا بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فعتق، ثم دخلت الدار، وإما مقيد بحالة ملك الثالثة بأن قال: إذا عتقت فأنت طالق ثلاثا، ففي صحة تعليق الثالثة وجهان. أصحهما: الصحة وبه قطع البغوي، ويحكم بموجبه لانه يملك أصل النكاح، وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية، وقد وجد كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة، ويملك تعليقه. ويجري الوجهان في قوله لامته: إذا ولدت فولدك حر وكانت حائلا عند التعليق. فإن كانت حاملا حينئذ، عتق قطعا.
فصل علق طلاقها بصفة كدخول الدار، ثم أبانها قبل الدخول أو بعده بعوض أو بالثلاث، ووجدت الصفة في حال البينونة ثم نكحها، ثم وجدت الصفة ثانيا، أو ارتد قبل الدخول، ثم وجدت الصفة، ثم أسلم ونكحها، فوجدت الصفة ثانيا، لم تطلق على المذهب وبه قطع الاصحاب. وقال الاصطخري: فيه قولان. كما لو لم توجد الصفة حال البينونة، ولو علق عتق عبده بصفة، ثم أزال ملكه ثم وجدت الصفة، ثم اشتراه، لم يؤثر وجود الصفة بعد ذلك على المذهب، هذا إذا لم يكن التعليق بصيغة كلما فإن كان بها كقوله: كلما دخلت فأنت طالق: فإذا وجدت الصفة في البينونة، ثم جدد نكاحها، ففي عود الصفة القولان. أما إذا لم توجد الصفة حال البينونة، ثم وجدت بعدما جدد نكاحها، ففي وقوع الطلاق ثلاثة أقوال. أظهرها: لا يقع. والثاني: يقع والثالث: إن كانت البينونة بما دون الثلاث، وقع وإلا فلا. وتجري الاقوال في عود الايلاء والظهار. فإذا قلنا بالاول وكانت الصفة مما لا يمكن إيقاعه في البينونة كقوله: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا، تخلص منها إذا أبانها ثم نكحها، ولا يقع الطلاق بالوطئ في النكاح الثاني، وبه أجاب القاضي الروياني، ويوضحه أنه لو قال: إذا بنت مني ونكحتك، ودخلت الدار فأنت طالق، أو قال: إن دخلت الدار بعدما بنت مني ونكحتك فأنت طالق، فالمذهب وبه قال القفال والمعتبرون: لا تطلق بالدخول بعد البينونة، وغلطوا من خرجه على الخلاف، وعلى هذا القياس. فلو قال: إن دخلت الدار قبل أن أبينك فأنت طالق، وإن دخلتها بعدما أبنتك ونكحتك، فأنت طالق، صح التعليق الاول، وبطل الثاني. ولو علق على صفة ثم طلقها رجعية فراجعها،(6/65)
ثم وجدت الصفة، طلقت بلا خلاف لانه ليس نكاحا مجددا ولم تحدث حالة تمنع وقوع الطلاق. ولو علق عتق عبد بصفة، ثم أزال ملكه ببيع أو غيره، ثم ملكه، ثم وجدت الصفة، ففي نفوذ العتق الخلاف في عود اليمين. ثم قيل: هو كالابانة بالثلاث، لان العائد ملك جديد من كل وجه لا تعلق له بالاول، كالنكاح بعد الثلاث. وقيل: هو كالابانة بما دون الثلاث وبه قطع البغوي، لانه لم يتخلل بين التعليق والصفة حالة تمنع ملكه كما لو لم يتخلل هناك حالة تمنع نكاحه، وإنما يكون كالابانة بالثلاث إذا علق ذمي عتق عبده الذمي، ثم أعتقه فنقض العهد، والتحق بدار الحرب، ثم سبي واسترق، فملكه سيده الاول، لانه تخلل حالة يمتنع فيها الملك وهي حالة الحرب. فرع الخلاف في وقوع الطلاق في النكاح الثاني، يعبر عنه بالخلاف في عود الحنث وبالخلاف في عود اليمين، لان على قول لا يتناول اليمين النكاح الثاني، ولا يحصل الحنث فيه. وعلى قول يتناوله ويحصل الحنث. فرع لا يقع الطلاق في النكاح الفاسد.
فصل إذا راجع الرجعية أو بانت منه هي أو غيرها بطلقة أو طلقتين، ثم جدد نكاحها قبل أن تنكح غيره، أو بعد نكاح ووطئ الزوج الثاني، عادت إليه بما بقي من الطلقات الثلاث. ولو بانت بالثلاث فنكحها آخر ووطئها وفارقها، فنكحها الاول، عادت إليه بالثلاث، لانه لا يمكن بناء الثاني على الاول، لاستغراق الاول. فرع الحر يملك ثلاث طلقات على زوجته الحرة والامة، والعبد لا يملك إلا طلقتين على الحرة والامة، والمدبر والمكاتب ومن بعضه حر، كالقن. ومتى طلق الحر أو العبد جميع ما يملك، لم تحل له المطلقة حتى ينكح زوجا آخر، ويطأها ويفارقها كما سبق. فرع طلق ذمي زوجته طلقة، ثم نقض العهد فسبي واسترق، ونكح بإذن سيده تلك المرأة المطلقة، ملك عليها طلقة فقط. ولو كان طلقها طلقتين وأراد نكاحها بعد الاسترقاق، فوجهان. أصحهما وبه قال ابن الحداد: تحل له ويملك(6/66)
عليها طلقة، لانها لم تحرم عليه بالطلقتين، فطريان الرق لا يرفع الحل الثابت. وقيل: لا تحل له لانه رقيق وقد طلق طلقتين. ولو طلق العبد طلقة ثم عتق فراجعها، أو جدد نكاحها بعد البينونة، ملك عليها طلقتين أخريين، لانه عتق قبل استيفاء عدد الرقيق. ولو طلقها طلقتين، ثم عتق، لم تحل له على الصحيح. طلق العبد زوجته طلقتين، وأعتقه سيده، فقد ذكرنا أنه إن عتق أولا، فله رجعتها وتجديد نكاحها. وإن طلق أولا، فلا تحل له إلا بمحلل. فلو أشكل السابق واعترف الزوجان بالاشكال، قال ابن الحداد والاكثرون: ليس له رجعتها ولا نكاحها إلا بمحلل. وقيل: تحل رجعتها والتجديد إن بانت، ولا يفتقر إلى محلل لان الاصل أن لا تحريم. ولو اختلفا في السابق، نظر إن اتفقا على وقت الطلاق كيوم الجمعة، وقال: عتقت يوم الخميس، وقالت: بل يوم السبت، فالقول قولها. وإن اتفقا أن العتق يوم الجمعة وقالت: طلقت يوم السبت فقال: بل يوم الخميس، فالقول قوله. وإن لم يتفقا على وقت أحدهما وقال: طلقتك بعد العتق، وقالت: قبله واقتصر عليه، فالقول قوله لانه أعرف بوقت الطلاق. فرع سبق في التحليل لو قالت المطلقة ثلاثا: نكحني زوج وأصابني وانقضت عدتي منه ولم يظن، صدقها لان الاولى أن لا ينكحها. وهل يجب عليه البحث عن الحال ؟ قال أبو إسحق: لا يجب لكن يستحب. وقال الروياني: أنا أقول: يجب في هذا الزمان.
فصل طلاق المريض في الوقوع كطلاق الصحيح. ثم إن كان رجعيا، بقي التوارث بينهما ما لم تنقض عدتها. فإن مات أحدهما قبل انقضاء عدتها ورثه الآخر، وبعد انقضائها، لا يرثه. ولو طلقها في مرض موته طلاقا بائنا، ففي كونه قاطعا للميراث قولان. الجديد: يقطع وهو الاظهر. والقديم، لا يقطع، وحجة الجديد انقطاع الزوجية، ولانها لو ماتت لم يرثها بالاتفاق. فإن قلنا بالجديد، فلا إشكال ولا تفريع لوضوح أحكامه. وأما القديم، فيتفرع عليه مسائل. منها: هل(6/67)
ترث ما لم تنقض عدتها، أم ما لم تتزوج، أم أبدا ؟ فيه أقوال. فإن طلق قبل الدخول سقط القول الاول، وجرى الآخران. ولو أبان في مرضه أربع نسوة، ونكح أربعا، ثم مات، فهل يكون الارث للاوليات لسبقهن، أم للاخريات لانهن الزوجات، أم يشترك الثمان ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. وقال الامام: وسبب الخلاف ما في توريث الزيادة على الاربع من الاستبعاد. فلو أبان امرأته ونكح أخرى، فلا وجه إلا توريثهما. ولو أبان واحدة ونكح أربعا أو بالعكس، جرى الخلاف، وإنما ترث المبتوتة على القديم إذا طلقها لا بسؤالها، فإن طلقها بسؤالها، أو اختلعت، أو قال: أنت طالق إن شئت، فشاءت، لم ترث على الصحيح. وقال ابن أبي هريرة: ترث وإن طلق بسؤالها. ولو سألته فلم تطلق في الحال، ثم طلقها أو سألته رجعيا فأبانها، ورثت لانه فار. ولو علق طلاقها في المرض بمضي مدة، أو فعل نفسه، أو أجنبي، فهو فار وفي الاجنبي وجه. وإن علق بفعلها، فإن لم يكن لها منه بد، كالنوم والقيام والقعود والاكل ولشرب والطهارة، والصلاة والصوم المفروضين، ففار. قلت: وهذا في الاكل الذي يحتاج إليه. فإن أكلت متلذذة، أكلا يضرها فليس بفار. قاله الامام. والله أعلم. وإن كان لها منه بد، ففار إن لم تعلم التعليق، وإلا فلا. ولو علمت ثم نسيت، ففيه احتمالان للامام، والاشبه أنه فار. وإن علق طلاقها في الصحة بصفة لا توجد إلا في المرض كقوله: إذا مرضت مرض الموت، أو وقعت في النزع فأنت طالق، ففار: وإن احتمل وجودها في المرض وقبله، كقوله: إذا جاء غد، أو قدم زيد، فأنت طالق، فجاء أو قدم وهو مريض، فليس بفار على الاظهر. ولو فسخ النكاح بعينها أو لاعنها، فليس بفار. وقيل: إن كان القذف في المرض، ففار.(6/68)
قلت: وقيل: إن الفاسخ فار. والله أعلم. ولو طلق العبد امرأته، أو الحر زوجته الامة، أو المسلم ذمية، ثم عتق العبد أو الامة، أو أسلمت الذمية في العدة، فلا إرث لانها لم تكن وارثة يوم الطلاق، فلا تهمة. وكذا لو أبانها في مرضه بعدما ارتد، أو ارتدت ثم جمعهما الاسلام في العدة، لانها لم تكن وارثة يومئذ. ولو ارتدت بعدما أبانها في المرض، ثم عادت إلى الاسلام، فهو فار للتهمة. ولو قال لزوجته الامة: أنت طالق غدا، فعتقت قبل الغد، أو طلقها وهو لا يعلم أنها عتقت، فليس بفار، وكذا لو ارتد في المرض قبل الدخول أو بعده وأصر إلى انقضاء العدة، ثم عاد إلى الاسلام ومات، لم يكن فارا على الصحيح، لانه لا يقصد بتبديل الدين حرمانها الارث، وفيه وجه ضعيف. وقيل بطرده فيما لو ارتدت هي حتى تجعل فارة، فيرثها الزوج. ولو أبان مسلمة في المرض، وارتدت وعادت إلى الاسلام في العدة، ورثت لانها بصفة الوارثين يومي الطلاق والموت، وكذا لو عادت بعد العدة، إن قلنا: المبتوتة ترث بعد انقضاء العدة. ولو طلق الامة في المرض، وعتقت واختلفا فقالت: طلقني بعد العتق فارث وقال الوارث: بل قبله فلا إرث، فالقول قول الوارث بيمينه، لان الاصل بقاء الرق. ولو أرضعت زوجها الصغير في المرض موتها، فقيل: تجعل فارة فيرثها الزوج، والصحيح خلافه. ولو أقر في مرض، بأنه أبانها في الصحة، لم يجعل فارا ويصدق فيما قاله، وتحسب العدة من يومئذ، وفيه وجه للتهمة، والصحيح الاول. ولو طلق إحدى امرأتيه، ثم مرض مرض الموت فقال: عنيت هذه، قبل قوله، ولم ترث. وإن كان قد أبهم، فعين في المرض واحدة، قال إسمعيل البوشنجي: يخرج على أن التعيين إيقاع للطلاق في المعينة، أم بيان لمحل الطلاق الواقع ؟ إن قلنا: بالثاني، لم ترث. وإلا فعلى قولي توريث المبتوتة.(6/69)
قلت: إنما ترث المبتوتة على القديم إذا أنشأ تنجيز طلاق زوجته الوارثة بغير رضاها في مرض مخوف، واتصل به الموت ومات بسببه. فإن برأ من ذلك المرض، ثم مات، لم ترث قطعا. ولو مات بسبب آخر، أو قتل: في ذلك المرض، فقطع صاحب المهذب وغيره، بأنها لا ترث على القديم. وقال صاحب الشامل: والتتمة: ترث. والله أعلم.
الباب الثالث : في تعدد الطلاق فيه أطراف.
الأول : في نية العدد. فإذا قال: طلقتك، أو أنت طالق ونوى طلقتين، أو ثلاثا، وقع ما نوى وكذا حكم الكناية. قلت: وسواء في هذا المدخول بها وغيرها. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق واحدة بالنصب، ونوى طلقتين، أو ثلاثا، فثلاثة أوجه. أصحها: يقع ما نوى صححه البغوي وغيره. والثاني: لا يقع إلا واحدة وصححه الغزالي. والثالث قاله القفال: إن بسط نية الثلاث على جميع اللفظ، لم تقع الثلاث. وإن نوى الثلاث بقوله: أنت طالق، وقع الثلاث ولغا ذكر واحدة. وإن قال: أردت طلقة ملفقة من أجزاء ثلاث طلقات: وقع الثلاث قطعا. وحكى الامام طرد وجه فيه، لبعد اللفظ والفهم، والمذهب الاول. ولو قال: أنت طالق واحدة بالرفع، فهو مبني على ما إذا قال: أنت واحدة، بحذف لفظ الطلاق، ونوى الثلاث، وفيه وجهان. أصحهما: وقوع ما نواه. والثاني: تقع واحدة فقط. فرع قال البغوي: ولو قال: أنت بائن باثنتين أو ثلاث، ونوى الطلاق، وقع. ثم إن نوى طلقتين أو ثلاثا فذاك، وإن لم ينو شيئا، وقع الملفوظ به لان ما أتى به صريح في العدد كناية في الطلاق. فإذا نوى أصل الطلاق، وقع العدد المصرح به. وإن نوى واحدة، فوجهان. أحدهما: يقع ما صرح به من طلقتين أو ثلاث.(6/70)
والثاني: لا يقع إلا واحدة. فرع أراد أن يقول لها: أنت طالق ثلاثا فماتت قبل تمام قوله: أنت طالق، لم يقع الطلاق، وإن ماتت بعد تمامه قبل قوله: ثلاثا، فهل يقع الثلاث أم واحدة، أم لا يقع شئ ؟ ثلاثة أوجه: قال البغوي: أصحها الاول وهو اختيار المزني. وقال اسماعيل البوشنجي: الذي تقتضيه الفتوى، أنه إن نوى الثلاث بقوله: أنت طالق وكان قصده أن يحققه باللفظ، وقع الثلاث وإلا فواحدة، وهكذا قال المتولي في تعبيره عن الوجه الاول. وردتها وإسلامها، إذا لم تكن مدخولا بها قبل قوله: ثلاثا، كموتها، وكذا لو أخذ شخص على فمه ومنعه أن يقول: ثلاثا. ولو قال: أنت طالق على عزم الاقتصار عليه، فماتت فقال: ثلاثا، قال الامام: لا شك أن الثلاث لا تقع، وتقع الواحدة على الصحيح. فرع اختلفوا في قوله: أنت طالق ثلاثا، كيف سبيله ؟ فقيل: قوله: ثلاثا منصوب بالتفسير والتمييز. قال الامام: هذا جهل بالعربية، وإنما هو صفة لمصدر محذوف، أي: طالق طلاقا ثلاثا. كقوله: ضربت زيدا شديدا، أي: ضربا شديدا.(6/71)
فصل قال: أنت طالق مل ء البيت أو البلد أو السماء أو الارض، أو مثل الجبل، أو أعظم من الجبل، أو أكبر الطلاق بالباء الموحدة، أو أعظمه، أو أشده، أو أطوله، أو أعرضه، أو طلقة كبيرة، أو عظيمة، لم يقع باللفظ إلا طلقة رجعية. ولو قال: أنت طالق كل الطلاق أو أكثره، وقع الثلاث. ولو قال: عدد التراب، قال الامام: تقع واحدة. وقال البغوي: عندي يقع الثلاث كما لو قال: عدد أنواع التراب. ولو قال: أنت طالق وزن درهم، أو درهمين، أو ثلاثة، أو أحد عشر درهما. ولم ينو عددا لم يقع إلا طلقة. ولو قال: يا مائة طالق، أو أنت مائة طالق، نقل البغوي، والمتولي: أنه يقع الثلاث لانه في العرف كقوله: أنت طالق مائة. ولو قال: أنت كمائة طالق فهل تقع واحدة أم ثلاث ؟ وجهان. ولو قال: أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة ولم ينو عددا، لم يقع إلا واحدة كما قاله المتولي. فرع قال: أنت طالق إن لم، أو أنت طالق إن، قال اسماعيل البوشنجي: ينظر إن قصد الاستثناء أو التعليق، فلم يتمه، فلا أرى أن يقع طلاقه، ويصدق إذا فسر به للقرينة الظاهرة، وإن لم يقصد الاستثناء ولا التعليق، وقع لانه لو أتى بالاستثناء بلا نية، لم يقع، فهنا أولى.
الطرف الثاني : في التكرار فيه مسائل: احداها: قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق، نظر إن سكت بينهما سكتة فوق سكتة التنفس ونحوه، وقع طلقتان، فإن قال: أردت التأكيد، لم يقبل ظاهرا ويدين، وإن لم يسكت وقصد التأكيد قبل ولم يقع إلا طلقة، وإن قصد الاستئناف، وقع طلقتان، وكذا إن أطلق على الاظهر. ولو قال: أنت طالق طالق، فقال القاضي حسين: يقع عند الاطلاق طلقة قطعا وقال الجمهور: لا فرق بين(6/72)
اللفظين. ولو كرر اللفظة ثلاثا، وأراد بالآخرتين تأكيد الاولى لم يقع إلا واحدة وإن أراد الاستئناف، وقع الثلاث وإن أطلق فكذا على الاظهر. ولو قال: قصدت بالثالثة تأكيد الثانية، وبالثانية تأكيد الاولى، وبالثالثة الاستئناف، وقع طلقتان. ولو قصد بالثالثة تأكيد الاولى، وقع الثلاث على الاصح، وقيل: طلقتان، ولا يقدح هذا الفصل اليسير. وإن قصد بالثانية الاستئناف، ولم يقصد بالثالثة شيئا أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئا، وقع الثلاث على الاظهر، وفي قول طلقتان. ولو قال: أنت مطلقة، أنت مسرحة، أنت مفارقة، فهو كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق على الاصح. وقيل: تقع هنا الثلاث قطعا، حكاه الحناطي. ولو قال: أنت طالق، وطالق، وطالق، وقال: قصدت بالثاني تأكيد الاول، لم يقبل في الظاهر، ويجوز أن يقصد بالثالث تأكيد الثاني لتساويهما، ويجوز أن يقصد به الاستئناف، وإن أطلق، فعلى القولين. ولو قال: قصدت بالثالث تأكيد الاول، لم يقبل. ولو قال: أنت طالق وأنت طالق، أو أنت طالق بل طالق، أو أنت طالق ثم طالق، أو أنت طالق بل طالق بل طالق. فهو كقوله: طالق وطالق وطالق. ولو قال: أنت طالق، فطالق، فطالق، أو أنت طالق، ثم طالق ثم طالق، فهو كقوله: طالق وطالق وطالق. ولو قال: أنت طالق وطالق فطالق، أو أنت طالق، ثم طالق، بل طالق، أو أنت طالق، فطالق ثم طالق، تعين الثلاث ولا مدخل للتأكيد لاختلاف الالفاظ. ونص في الاملاء، أنه لو قال: طالق وطالق، لا بل طالق. وقال: شككت في الثانية، فاستدركت بقولي: لا بل طالق لاحقق إيقاع الثانية قبل ولم يقع إلا طلقتان، فجعل الاصحاب المسألة على قولين: أحدهما هذا، والثاني وهو المشهور وظاهر نصه في المختصر: لا يقبل ويقع الثلاث كسائر الالفاظ المتغايرة. ولو قال: أنت طالق وطالق، بل طالق من غير لفظ لا، فالمذهب وقوع الثلاث قطعا كما سبق وقيل بطرد القولين.(6/73)
فرع قال لها قبل الدخول: أنت طالق طالق، أو أنت طالق وطالق، أو طالق فطالق، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو أنت طالق بل طالق وطالق.. لم يقع إلا طلقة لانها تبين بها، فلا يقع ما بعدها. وحكي وجه وقول قديم أنه كما لو قال ذلك لمدخول بها على ما سبق، لانه كلام واحد فأشبه قوله لها: أنت طالق ثلاثا، والمذهب الاول، لان قوله: ثلاثا، بيان للاول بخلاف هذه الالفاظ. فرع قال لمدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق، أو قال: أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار، فدخلت، وقع الثلاث، وإن قاله لغير المدخول بها، فثلاثة أوجه، أصحها: تقع الثلاث أيضا إذا دخلت. والثاني: لا يقع إلا واحدة. والثالث: إن قدم الجزاء فقال: أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار. وقع الثلاث. وإن عكس فواحدة. وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار، فأنت طالق إن دخلت الدار، فأنت طالق، فدخلت، فإن قصد التأكيد، وقع طلقة. وإن قصد الاستئناف، وقع الثلاث. وإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ قال البغوي: فيه قولان بناء على ما لو حنث في أيمان بفعل واحد، هل تتعدد الكفارة ؟ وقال المتولي: يحمل على التأكيد إذا لم يحصل فصل، أو حصل واتحد المجلس. فإن اختلف فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان. وإذا حمل على التأكيد، فيقع عند الدخول طلقة أم يتعدد ؟ وجهان بناء على تعدد الكفارة وعدمه. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة، وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين، قال ابن الحداد والاصحاب: تطلق بالدخول ثلاثا سواء كان مدخولا بها أم غيرها لان الجميع يقع دفعة. قال البغوي: وكذا في الصور المتقدمة لا فرق بين المدخول بها وغيرها، لان على تقدير التعدد يقع الجميع حال الدخول. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم طالق، لم يقع بالدخول في غير المدخول بها إلا طلقة لان ثم للتراخي. قال المتولي: وكذا لو أخر الشرط فقال: أنت طالق، ثم طالق إن دخلت الدار. المسألة الثانية: قال: أنت طالق طلقة فطلقة، أو طالق فطالق، وقع طلقتان(6/74)
على المذهب. وقيل: قولان. ولو قال: طلقة بل طلقتين، وقع الثلاث فإن كانت غير مدخول بها، بانت بالاولى ولم تقع الزيادة في الصورتين. المسألة الثالثة: قال لمدخول بها: أنت طالق طلقة معها طلقة، أو مع طلقة، وقع طلقتان. وهل يقعان معا بتمام الكلام، أم متعاقبين ؟ وجهان. أصحهما: الاول. فإن قال ذلك لغير المدخول بها، طلقت على الاول طلقتين، وعلى الثاني طلقة. ولو قال: طلقة تحت طلقة، أو تحتها طلقة، أو فوق طلقة، أو فوقها طلقة، فقال الامام والغزالي: حكمها حكم مع، وقال المتولي كلاما يقتضي الجزم بأن غير المدخول بها لا يقع عليها إلا طلقة، لان وصف الطلاق بالفوقية والتحتية محال، فيلغو ويصير كقوله: طالق طالق، وفي المدخول بها وجه أنه لا يقع إلا واحدة، كما لا يلزم في الاقرار إلا درهم، واختاره ابن كج والحناطي. ولو قال لمدخول بها: أنت طالق طلقة قبل طلقة، أو بعدها طلقة، وقع طلقتان. إحداهما بعد الاخرى. ولو كانت غير مدخول بها، وقعت واحدة وبانت. ولو قال لمدخول بها: أنت طالق طلقة بعد طلقة، أو قبلها طلقة، وقع طلقتان متعاقبتان على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي كتاب ابن كج وجه أنه لا يقع إلا واحدة، لاحتمال أن يكون المعنى: قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة، قال: وهذا عند الاطلاق، ولو قال: أردت ذلك، صدق بيمينه لا محالة. فإذا قلنا بالصحيح، ففي كيفية تعاقبهما وجهان. أحدهما: تقع أولا المنجزة، ثم المضمنة، ويلغو قوله: قبلها، كما لو قال: أنت طالق أمس، يقع في الحال، ويلغو قوله: أمس. وأصحهما: تقع أولا المضمنة، ثم المنجزة، لان المعنى يقتضي ذلك، وليس المراد أن المضمنة تقع قبل تمام اللفظ، بل يقعان بعد تمام اللفظ، فتقع المضمنة عقب اللفظ، ثم المنجزة في لحظة عقبها. فإن قال ذلك لغير المدخول بها، فأوجه. أصحها: يقع واحدة. والثاني: لا يقع شئ، والثالث: يقع طلقتان، ويلغو قوله: قبلها، ويصير كأنه قال: طلقتين وهو ضعيف، ولو قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة، قبلها طلقة وبعدها طلقة، طلقت ثلاثا. ولو قال: قبلها وبعدها طلقة، وقع الثلاث على الصحيح. وقيل: طلقتان، ويلغو قوله: قبلها.(6/75)
ولو خاطب غير المدخول بها بأحد هذين اللفظين، فهل يقع واحدة أم لا يقع شئ ؟ وجهان. أصحهما: الاول. ومتى قال: أردت بقولي: بعدها طلقة، أي سأطلقها بعد هذا طلقة، لم يقبل ظاهرا ويدين، ولو قال: أردت بقولي: قبلها أن زوجا آخر طلقها في نكاح اخر، فعلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فيما إذا قال: أنت طالق في الشهر الماضي، وفسر بهذا. المسألة الرابعة: قال لمدخول بها: أنت طالق وطالق، وقع طلقتان على الترتيب. ولو قال: أنت طالق ثلاثا، فالصحيح وقوع ثلاث عند فراغه من قوله: ثلاثا. وقيل: ثنتين بالفراغ (من) وقوع الثلاث بقوله: أنت طالق. قال الامام: وقياس من قال: يقع طلقة، إذا أراد بقوله: أنت طالق ثلاثا، فماتت قبل قوله: ثلاثا: أن يقع هنا طلقة بقوله: أنت طالق، ويتم الثلاث بقوله: ثلاثا، لكنه ضعيف، لانه لا خلاف أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث، وذلك يدل على أنها لا تقع مرتبة. المسألة الخامسة: قال لغير المدخول بها: أنت طالق خمسا، أو قال: إحدى عشرة، وقع الثلاث، ولو قال لها: واحدة ومائة، لم يقع إلا واحدة. ولو قال: إحدى وعشرين، فهل يقع الثلاث أم واحدة ؟ وجهان لترددها بين الصورتين. قلت: الاصح، أنه تقع واحدة لانه معطوف كقوله: واحدة ومائة، بخلاف إحدى عشرة، فإنه مركب فهو بمعنى المفرد. والله أعلم. ولو قال: طلقة ونصفا، لم يقع إلا واحدة. فرع قال: أنت طالق واحدة، بل ثنتين أو ثلاثا، فإن كانت مدخولا بها، وقع ثلاث، وإلا فواحدة. ولو قال: ثنتين بل واحدة، طلقت المدخول بها ثلاثا، وغيرها طلقتين. ولو قال: أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار، فوجهان. أصحهما وبه قال ابن الحداد: يقع واحدة بقوله: أنت طالق، ويتعلق طلقتان بدخول الدار. والثاني: يتعلق الثلاث بالدخول إلا أن يقول: أردت تخصيص الشرط بقولي: بل ثلاثا. فإن(6/76)
قاله لغير مدخول بها، فعلى الوجه الاول تبين بالواحدة الواقعة في الحال، فإن نكحها بعد ذلك ودخلت، فقيل فيه قولا عود الحنث، والمذهب، أنه لا يقع قطعا، لانها إذا بانت كان التعليق بالدخول واقعا في حال البينونة، فيلغو. وعلى الوجه الثاني يتعلق الثلاث بالدخول، فإذا دخلت، فعلى الوجهين السابقين، فيما إذا قال لغير المدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق، فعلى وجه: لا يقع إلا واحدة، وعلى الاصح: يقع الثلاث. ولو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقتين، بل ثلاثا إن دخلت الدار، فعلى قول ابن الحداد: يقع طلقتان في الحال، ولا يصح تعليق الثالثة. وعلى الثاني تتعلق الثلاث بالدخول، فإذا دخلت، ففي وجه يقع طلقة، وعلى الاصح ثلاث. فرع قال: أنت طالق تطليقة، قبلها كل تطليقة، أو بعدها كل تطليقة، قال إسمعيل البوشنجي: قياس المذهب أن يقال: إن كانت مدخولا بها، وقع الثلاث مع ترتيب بين الواحدة وباقي الثلاث، وإلا، فوجهان. أصحهما: يقع واحدة. والثاني: لا شئ. فرع عن أبي العباس الروياني لو قال: أنت طالق كألف، فإن نوى عددا، وقع، وإلا فواحدة، وأنه لو قال: أنت طالق حتى تتم ثلاث، فهل تقع ثلاث، أم تعتبر نيته، فإن لم ينو، فواحدة ؟ فيه وجهان، ويقرب منه ما إذا قال: أنت طالق حتى أكمل ثلاثا، أو أوقع عليك ثلاثا، وأنه لو قال: أنت طالق ألوانا من الطلاق، تعتبر نيته، فإن لم ينو، فواحدة. وأنه لو قال: يا مطلقة: أنت طالق، وكان طلقها قبل ذلك، فقال: أردت تلك الطلقة، فهل يقبل أم يقع أخرى ؟ وجهان. ذكر اسماعيل البوشنجي: أنه لو قالت له: طلقني وطلقني وطلقني، أو طلقني طلقني طلقني، أو قالت: طلقني ثلاثا، فقال: طلقتك، أو قد طلقتك، أو أنت طالق. فإن نوى عددا، وقع، وإلا فواحدة، وأنه لو طلقها واحدة رجعية ثم قال: جعلتها ثلاثا، فهو لغو لا يقع به شئ.
الطرف الثالث : في الحساب، وهو ثلاثة أنواع. الاول: في حساب الضرب، فإذا قال لها: أنت طالق واحدة في واحدة، أو(6/77)
طلقة في طلقة، سئل عن مراده، فإن قال: أردت طلقة مع طلقة، وقع طلقتان، وإن قال: أردت به الظرف أو الحساب، أو لم أرد شيئا، وقعت واحدة. وإن قال: أنت طالق طلقة في طلقتين، أو واحدة في اثنتين، وأراد مع اثنتين، وقع الثلاث، وإن أراد الحساب وهو يعلمه، وقع طلقتان، وإن جهله وقال: أردت ما يزيده الحساب، فطلقة على الاصح، وقال الصيرفي: طلقتان. وأجرى الوجهان في قوله: طلقتك مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد. وكذا لو نوى عدد طلاق زيد ولم يتلفظ، وإن أطلق ولم ينو الحساب، فإن لم يعرفه، فطلقة، وكذا إن عرفه على الاظهر. وفي قول: طلقتان. وفي قول غريب ضعيف حكاه الشيخ أبو محمد وغيره: يقع ثلاث طلقات لتلفظه بهن، ويجئ هذا القول فيمن لا يعرف الحساب ولم ينو شيئا، ولو قال: أنت طالق واحدة في ثلاث، فإن قصد الحساب، وقع الثلاث إن عرفه، وإلا فعلى الوجهين، وإن لم يقصد شيئا، فعلى التفصيل والخلاف المذكورين. وإن قال: أنت طالق ثنتين في ثنتين، فإن قصد الحساب وهو يعرفه، وقع الثلاث، وإن لم يقصد شيئا، فهل يقع ثنتان، أم ثلاث ؟ فيه الخلاف. ولو قال: أنت طالق نصف طلقة في نصف طلقة، وقعت طلقة، سواء أراد الحساب أم الظرف أم المعية، أم لم يقصد شيئا. ولو قال: واحدة في نصف، فكذلك إلا أن يريد المعية، فيقع طلقتان، ولو قال: واحدة وربعا، أو نصفا في واحدة وربع، وقع طلقتان إلا أن يريد المعية، فتقع ثلاث. فرع قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث، فهل يقع الثلاث، أم ثنتان، أم واحدة ؟ فيه أوجه، أصحها عند البغوي: الاول، ولو قال: ما بين الواحدة والثلاث، وقعت طلقة على المذهب، ويجئ فيه خلاف سبق في نظيره من الاقرار. النوع الثاني: في تجزئة الطلاق اعلم أن الطلاق لا يتبعض، بل ذكر بعضه كذكر كله لقوته، سواء أبهم بأن قال: أنت طالق بعض طلقة، أو جزءا، أو سهما من طلقة، أو بين فقال: نصف طلقة أو ربع طلقة، قال الامام: وقوع الطلاق هنا(6/78)
على سبيل التعبير بالبعض عن الكل، ولا يتخيل هنا السراية المذكورة في قوله: بعضك طالق، لكن لا يظهر بينهما فرق محقق. وفي كلام الشيخ أبي حامد وغيره، أنه يجوز أن يكون ذلك بطريق السراية، ويجوز أن يلغى قوله: نصف طلقة، ويعمل قوله: أنت طالق. فرع إذا زاد في الاجزاء فقال: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة، أو أربعة أثلاث طلقة، وقع طلقتان على الاصح، وقيل: طلقة. وقيل: ثلاث طلقات، حكاه الحناطي. وعلى هذا القياس، قوله: خمسة أرباع طلقة، أو نصف وثلثي طلقة. قلت: هذا الخلاف فيما إذا زادت الاجزاء على طلقة، ولم يجاوز طلقتين، فإن جاوزت كقوله: خمسة أنصاف طلقة، أو سبعة أثلاث طلقة وأشباهه، كان الخلاف في أنه يقع طلقة أم ثلاث. والله أعلم. فرع ولو قال: لفلان علي ثلاثة أنصاف درهم، فهل يلزمه درهم أو درهم ونصف ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. قال: انت طالق نصفي طلقة، لم يقع إلا طلقة، إلا أن يريد نصفا من طلقة، ونصفا من أخرى وكذا لو قال: ربعي طلقة، أو ثلثي طلقة، وأشار في الوسيط إلى الخلاف في هذه الصورة فقال: الصحيح أنه يقع طلقة، والكتب ساكتة عن الخلاف، لكنه جار على ما نقله الحناطي. قلت: قد حكى الوجه الذي أشار إليه في الوسيط عن شرح المفتاح. والله أعلم. ولو قال: نصف طلقتين، أو ثلث طلقتين، وقع طلقة على الاصح، وقيل: طلقتان، فعلى هذا لو قال: أردت طلقة، دين، وفي قبوله ظاهرا وجهان. ولو قال: علي نصف درهمين، قال الشيخ أبو علي: لا يلزم إلا درهم بإجماع الاصحاب لعدم التكميل. ولو قال: ثلث درهمين، فعليه ثلثا درهم بالاتفاق. ولو قال: نصفي طلقتين(6/79)
أو ثلثي طلقتين. وقع طلقتان. ولو قال: ثلاثة أنصاف طلقتين، فهل يقع طلقتان أم ثلاث ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قال ابن الحداد، ونقله الشيخ أبو علي عن الاكثرين. ولو قال: له علي ثلاثة أنصاف درهمين، ففيما يلزمه الوجهان. ولو قال: ثلاثة أنصاف الطلاق، قال المتولي: يقع ثلاث طلقات، وينصرف الالف واللام إلى الجنس، وحكى الحناطي وجهين، أحدهما: يقع ثلاث، والثاني: طلقة. فرع قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ثلث وربع وسدس طلقة، لا يقع إلا طلقة، ولو كرر لفظة الطلقة فقال: ثلث طلقة، وربع طلقة، وسدس طلقة، طلقت ثلاثا على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقال الغزالي: فيه وجهان. أحدهما: هذا، والثاني: لا يقع إلا واحدة، هكذا أطلقه الغزالي، وإنما نقل الامام هذا الوجه، فيما إذا نوى صرف هذه الاجزاء إلى طلقة وفسر كلامه به. ولو لم يدخل الواو، فقال: أنت طالق ثلث طلقة، ربع طلقة، سدس طلقة، لم يقع إلا طلقة لانه إذا لم يدخل الواو، كان الجميع بمنزلة كلمة واحدة، ولهذا لو قال: أنت طالق طالق، لم تقع إلا واحدة، ولو قال: طالق وطالق، وقع طلقتان. لو زادت الاجزاء ولم يدخل الواو، فقال: أنت طالق نصف طلقة، ثلث طلقة، ربع طلقة، ففي أمالي أبي الفرج: أنه على الوجهين في قوله: ثلاثة أنصاف طلقة. ولو لم تتغاير الاجزاء وتكررت الواو فقال: أنت طالق نصف طلقة، ونصف طلقة، ونصف طلقة، وقع طلقتان، ويرجع في اللفظ الثالث إليه، أقصد التأكيد أم الاستئناف كما لو قال: طالق وطالق وطالق. ولو قال: أنت نصف طلقة، أو ثلث طلقة، فهو كقوله: أنت الطلاق. ولو قال: أنت طالق نصف ثلث سدس، ولم يقل: طلقة، وقع طلقة بقوله: أنت طالق. فرع في فتاوى القفال، لو قال: طلقتك واحدة أو ثنتين على سبيل(6/80)
الانشاء، فيختار ما شاء من واحدة، أو اثنتين كما لو قال: أعتقت هذا أو هذين. النوع الثالث: في التشريك، فإذا قال لاربع نسوة: أوقعت عليكن طلقة، وقع على كل واحدة طلقة (فقط) ولو قال: طلقتين أو ثلاثا أو أربعا، وقع على كل واحدة طلقة فقط، إلا أن يريد توزيع كل طلقة عليهن، فيقع في طلقتين، على كل واحدة طلقتان، وفي ثلاث وأربع، ثلاث. قلت: هذا الذي ذكره هو المنصوص في الام، وبه قطع الجمهور، وقال أبو علي الطبري: يحمل على التوزيع وإن لم ينوه. والله أعلم. ولو قال: أوقعت عليكن خمس طلقات، طلقت كل واحدة طلقتين، إلا أن يريد التوزيع، وكذلك في الست، والسبع، والثمان. وإن أوقع تسعا، طلقت كل واحدة ثلاثا. وإن قال: أوقعت بينكن طلقة، طلقت كل واحدة طلقة. فإن قال: أردت بعضهن دون بعض، دين ولا يقبل ظاهرا على الاصح، وقطع به جماعة. قال الامام والبغوي وغيرهما: الوجهان مخصوصان بقوله: أوقعت بينكن. أما قوله: عليكن، فلا يقبل تفسيره هذا قطعا، بل يعمهن الطلاق. وأعلم أنا قدمنا في قوله: نسائي طوالق عن ابن الوكيل وغيره، أنه يقبل تخصيصه بعضهن، وذلك الوجه يجئ هنا لا محالة، فكان قول الامام وغيره تفريعا على الصحيح هناك. وإذا قلنا: لا يقبل في قوله: بينكن، فذلك إذا أخرج بعضهن عن الطلاق، وعطل بعض الطلاق، فأما إذا فضل بعضهن كقوله: أوقعت بينكن ثلاث طلقات، ثم قال: أردت طلقتين على هذه، وتوزيع الثالثة على الباقيات، فيقبل على الاصح المنصوص، وبه قطع الشيخ أبو علي. والثاني حكاه ابن القطان: يشترط استواؤهن، وحكي وجه، أنه يقبل تفسيره وإن تعطل بعض الطلاق حتى لو قال: أوقعت بينكن أربع طلقات، ثم خصصها بامرأة قبل، وهذا ضعيف. وحيث قلنا: لا يقبل، فذلك في نفي الطلاق عمن نفاه عنها أما إثباته على من أثبته عليها، فيثبت قطعا مؤاخذة له. ولو قال: أوقعت بينكن خمس طلقات، لبعضكن أكثر مما لبعض، فيصدق(6/81)
في التفصيل بلا خلاف، وفي تصديقه في إخراج بعضهن الخلاف. ولو قال: أوقعت عليكن نصف طلقة، أو ثلثها، وقع على كل واحدة طلقة. ولو قال: أوقعت بينكن ثلث طلقة، وخمس طلقة، وسدس طلقة، بني على الخلاف السابق فيما إذا خاطب به واحدة. فإن قلنا: لا يقع به إلا واحدة، فكذا هنا، فتطلق كل واحدة طلقة، وإن قلنا بالمذهب: وهو وقوع الثلاث، طلقت كل واحدة ثلاثا، لان تغاير الاجزاء وعطفها، يشعر بقسمة كل جزء بينهن. وقال الامام: ويحتمل أن تجعل كما لو قال: أوقعت بينكن ثلاث طلقات، فتطلق كل واحدة طلقة. ولو قال: أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة، فيجوز أن يقال: هو كقوله: ثلاث طلقات، تطلق كل واحدة طلقة، ويجوز أن يقال: تطلق كل واحدة ثلاثا لاشعاره بقسمة كل طلقة. فرع طلق إحدى امرأتيه ثم قال للاخرى: أشركتك معها، أو جعلتك شريكتها، أو أنت كهي، أو مثلها، ونوى طلاقها، طلقت وإلا فلا، وكذا لو طلق رجل امرأته فقال آخر لامرأته: أشركتك معها، أو أنت كهي، ونوى، طلقت. ولو كان تحته أربع، فقال لثلاث منهن: أوقعت عليكن أو بينكن طلقة، فطلقن واحدة واحدة، ثم قال للرابعة: أشركتك معهن ونوى الطلاق، نظر إن أراد طلقة واحدة لتكون كواحدة منهن، طلقت طلقة، وإن أراد أنها تشارك كل واحدة طلقتها، طلقت ثلاثا. وإن أطلق نية الطلاق ولم ينو واحدة ولا عددا، فوجهان: أصحهما وبه قال الشيخ أبو علي: تطلق واحدة، وقال القفال: طلقتين، لان التشريك يقتضي أن يكون عليها نصف ما عليهن وهو طلقة ونصف، فتكمل. ولو قيل على هذا التوجيه: تطلق ثلاثا مثلهن، لم يكن بأبعد منه، ولو طلق اثنتين ثم قال للاخريين: أشركتكما معهما ونوى الطلاق، فإن نوى كون كل منهما كواحدة من الاوليين، طلقت كل واحدة منهما طلقة، وإن نوى كون كل واحدة كالاوليين معا في الطلاق أو أن تشارك كل واحدة منهما كل واحدة من الاوليين في طلقتيهما، طلقتا طلقتين طلقتين. وإن أطلق، طلقت كل واحدة طلقة على قولي القفال وأبي علي جميعا، لان القفال يشركهما فيجعل لهما نصف ما للاوليين، وهو طلقة فتقسم وتكمل. فرع قال: أنت طالق عشرا، فقالت: تكفيني ثلاث، فقال: الباقي(6/82)
لضرتك، لا يقع على الضرة شئ، لان الزيادة على الثلاث لغو. ولو قالت: تكفيني واحدة فقال: الباقي لضرتك، وقع عليها ثلاث، وعلى الضرة طلقتان إذا نوى، ذكره البغوي، ولو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا ثم قال للثانية: أشركتك معها، قال الشاشي: يقع على الثانية طلقة، وتردد البوشنجي في طلقة أم ثلاث.
الباب الرابع : في الاستثناء
الاستثناء صحيح معهود، وفي القرآن والسنة موجود، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين، طلقت طلقة. ويشترط لصحته شيئان، أحدهما: أن يكون متصلا باللفظ، فإن انفصل، فهو لغو، وسكتة التنفس والعي لا تمنع الاتصال. قال الامام: والاتصال المشروط هنا أبلغ مما يشترط بين الايجاب والقبول، لانه(6/83)
يحتمل بين كلام الشخصين ما لا يحتمل بين كلام شخص واحد، ولذلك لا ينقطع الايجاب والقبول بتخلل كلام يسير على الاصح، وينقطع الاستثناء بذلك على الصحيح. وهل يشترط اقتران الاستثناء بأول اللفظ ؟ وجهان. أحدهما: لا، بل لو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى، حكم بصحة الاستثناء، وحكى الشيخ أبو محمد هذا الوجه عن الاستاذ أبي اسحاق، وأصحهما وادعى أبو بكر الفارسي الاجماع عليه: أنه لا يعمل بالاستثناء حتى يتصل بأول الكلام. قلت: الاصح، وجه ثالث، وهو صحة الاستثناء بشرط وجود النية قبل فراغ اليمين وإن لم يقارن أولها. والله أعلم. ثم ما ذكرناه من اتصال اللفظ واقتران القصد بأول الكلام، يجري في الاستثناء ب إلا وأخواتها، وفي التعليق بمشيئة الله تعالى، وفي سائر التعليقات الشرط الثاني، أن لا يكون الاستثناء مستغرقا، فإن استغرق، فهو باطل ويقع الجميع.
فصل الاستثناء ضربان. أحدهما: استثناء ب " إلا " وأخواتها، والثاني: تعليق الطلاق والعتاق، وغيرهما بمشيئة الله تعالى، قال الامام: ولا يبعد عن اللغة تسمية كل تعليق استثناء، لان قول القائل: أنت طالق، يقتضي وقوع الطلاق بغير(6/84)
قيد، فإذا علقه بشرط، فقد ثناه عن مقتضى اطلاقه، كما أن قوله: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة، يثني اللفظ عن مقتضاه، إلا أنه اشتهر في عرف أهل الشرع تسمية التعليق بمشيئة الله تعالى خاصة استثناء. الضرب الاول: فيه مسائل. إحداها: قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، فالاستثناء باطل لاستغراقه. الثانية: إذا عطف بعض العدد على بعض في المستثنى أو المستثنى منه أو فيهما، فهل يجمع بينهما، أم لا ؟ وجهان، أصحهما: لا يجمع، وبه قال ابن الحداد، ولهذا لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق، لا يقع إلا واحدة، ولا ينزل منزلة: أنت طالق طلقتين، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين وواحدة، أو إلا اثنتين وإلا واحدة، فعلى الجمع يكون الاستثناء مستغرقا فيقع الثلاث، وعلى الفصل، يختص البطلان بالواحدة التي وقع بها الاستغراق، فتقع طلقة. ولو قال: إلا واحدة واثنتين، فعلى الجمع يقع ثلاث، وعلى الفصل يختص البطلان بالثنتين، فيقع طلقتان. ولو قال: أنت طالق طلقتين وواحدة إلا واحدة، فعلى الجمع تكون الواحدة مستثناة، فيقع طلقتان، وعلى الفصل، لا يجمع فتكون الواحدة مستثناة من واحدة، فيقع ا لثلاث. وقيل: تقع الثلاث هنا قطعا. ولو قال: أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة، صح الاستثناء على الوجهين. ولو قال: ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة، فعلى الجمع، يقع الثلاث، وعلى الفصل، يقع استثناء اثنتين دون الثالثة. ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة، وواحدة إلا واحدة، أو أنت طالق طلقة، وطلقة، وطلقة إلا طلقة، فعلى الجمع يقع طلقتان. كأنه قال: ثلاثا إلا واحدة، وعلى الفصل، يقع ثلاث، لانه استثنى واحدة من واحدة، ولو قال: واحدة، وواحدة، وواحدة، إلا واحدة وواحدة وواحدة وقع الثلاث على الوجهين. ولو قال: واحدة، بل واحدة، ثم واحدة إلا واحدة، فالاستثناء باطل، ولا(6/85)