"""""" صفحة رقم 469 """"""
قوله : ( مسنونة ) أي ما لم يأمر بها الإمام وإلا وجبت قياساً على غيرها .
قوله : ( لما مرّ ) أي من الاتباع ، وهو دليل للسنة لا للتأكيد ودليله المواظبة .
قوله : ( وينقسم أي الاستسقاء ) راجع للمعنى الشرعي لأنه المنقسم إلى ذلك وليس راجعاً لكلام المتن . وكان الأولى ذكره عند ذكر المعنى الشرعي . وكلها ثابتة بالأخبار الصحيحة .
قوله : ( ونفلها كما في البيان ) أي وغيره عن الأصحاب ، وذكره صاحب البهجة بقوله :
سنّ للاستسقاء إكثار الدعا
وبعد ما صلى ولو تطوّعا
وخالف أبو حنيفة في الصلاة فقال : إنها بدعة . وكأن أبا حنيفة لم تبلغه الأحاديث الصحيحة أنه كان يفعلها كما في الصحيحين وغيرهما ، ومن ثم خالفه صاحباه وأجمع الصحابة عليها فإن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وصلى عام الرمادة ولم ينكره أحد .
قوله : ( ونحو ذلك ) كخطبة العيدين .
قوله : ( وإنما تصلى لحاجة ) مرتبط بكلام المتن .
قوله : ( من انقطاع ) من تعليلة أي من أجل انقطاع الخ لا بيانية ؛ لأن الانقطاع ليس نفس الحاجة وإنما هو سببها كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( ولاستزادة ) عطف على لحاجة مع أنه من جملتها ، إلا أن يقال إنه من عطف الخاص على العام .
قوله : ( وشمل ما ذكر ) أي قوله لحاجة فإنه يشمل حاجة المستسقي وغيره .
قوله : ( عن طائفة ) أي لم يكونوا أهل بدعة أو بغي ، وإلا لم يسنّ لئلا يظن حسن طريقتهم اه ح ل .
قوله : ( من المسلمين ) ومثلهم أهل الذمة إذا سألونا عن السقيا لهم وفاء بذمتهم ، ولا يتوهم مع ذلك أن فعلنا ذلك لحسن حالهم لأن كفرهم محقق ع ش باختصار .(2/469)
"""""" صفحة رقم 470 """"""
قوله : ( وتكرر الصلاة ) أي ثانياً وثالثاً وأكثر كما في المجموع ، فإن الله تعالى يحب الملحّين في الدعاء ، والمرة الأولى آكد في الاستحباب ، ثم إذا عادوا من الغد أو بعده فيندب أن يكونوا صائمين . فإن قلت : هل يتوقف خروجهم ثانياً على صوم ثلاثة أيام قبله أو لا يتوقف على ذلك ؟ قلت : قال م ر : للشافعي في المسألة نصان ، فنص مرة على تقدم صوم الثلاث ومرة أخرى على عدم ذلك ، ولا خلاف لأنهما كما في المجموع منزلان على حالين : الأوّل على ما إذا اقتضى الحال التأخير فحينئذ يصومون والثاني : على خلافه ؛ وهذا هو الأصح وإن جمع بينهما بغير ذلك اه أج .
قوله : ( ودعاء ) أي بالزيادة حيث لم يتضرروا بها م ر .
قوله : ( وصلوا ) أي صلاة الاستسقاء ولا ينافيه قوله شكراً اه . أي لأن العبادة تفعل شكرا لله .
قوله : ( فيأمرهم الإمام ) أي ندباً أج . قال في المنهج وشرحه : ولو ترك الإمام الاستسقاء فعله الناس محافظة على السنة ، لكنهم لا يخرجون إلى الصحراء إذا كان الوالي بالبلد حتى يأذن لهم كما اقتضاه كلام الشافعي لخوف الفتنة اه . وأمر الإمام بها تأكيد لوجوبها الشرعي فلا يشكل أنها واجبة ولو من صغيرة وإن فعل ما يكفرها لأن هذا من أحكام الآخرة .
قوله : ( المتعلقة بحقوق الله ) لو سكت عن هذا لكان مستقيماً ؛ لأن الشروط الثلاثة عامة اه ق ل .
قوله : ( بشروطها الثلاثة ) وشرط صحتها صدورها قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها ، والحق أن من يوم الطلوع إلى يوم القيامة لا تقبل توبة أحد كما في حديث ابن عمر : ( فَمِنْ يَومئذٍ إلى يَومِ القِيامَةِ لاَ يَنْفَعُ نَفْسَاً إيمانُها لم تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) أخرجه الطبراني والحاكم ، وهو نص في موضع النزاع ؛ قاله الحافظ حج وهذا هو المعتمد اه عبد البر .
قوله : ( الندم ) وهو ركنها الأعظم ، لأنه الذي يطرد في كل توبة ولا يغني عنه غيره بخلاف الثلاثة الباقية ، أما عزم أن لا يعود فيغني عنه الندم لأنه يستلزمه كما عرف من تعريف شيخ الإسلام للندم حيث عرفه بأنه تحزن وتوجع لما فعله وتمني كونه لم يفعل . ولا يجب عندنا استدامة الندم في جميع الأزمنة بل يكفي استصحاب الندم حكماً ، وأما الإقلاع فإنما يتأتى إذا كانت المعصية باقية ، وأما ردّ المظالم فيسقط إن تعذر ذلك بموت المستحق ولا وارث له أو(2/470)
"""""" صفحة رقم 471 """"""
عدم معرفته مثلاً ؛ فالمطرد من أركان التوبة هو الندم لا غير ، وتحقق التوبة بما ذكر محله في التوبة باطناً أما في الظاهر لتقبل شهادته وتعود ولايته فلا بد في تحققها مع ذلك في المعصية القولية من القول ، كقوله في القذف : قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه ولا بد في الفعلية كالزنا من استبرائه سنة ، والمعتمد أنه لا بد من استبرائه سنة في القولية والفعلية . وعبارة ابن السبكي في جمع الجوامع مع شرحها للمحلي : وهي ، أي التوبة ، الندم على المعصية من حيث إنها معصية ، فالندم على شرب الخمر لإضراره بالبدن ليس بتوبة وتتحقق بالإقلاع عن المعصية وعزم أن لا يعود إليها ، وتدارك ممكن التدارك من الحق الناشىء كحق القذف فيتداركه بتمكين مستحقه من المقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يبرأ منه ، فإن لم يمكن تدارك الحق كأن لم يكن مستحقه موجوداً سقط هذا الشرط كما يسقط في توبة معصية لا ينشأ عنها حق لآدمي ، وكذا يسقط شرط الإقلاع في توبة معصية بعد الفراغ منها كشرب خمر ؛ فالمراد بتحقق التوبة بهذه الأمور أنها لا تخرج فيما يتحقق بها عنها لا أنه لا بد منها في كل توبة اه بحروفه . وقوله : وتتحقق بالإقلاع فيه بحث إذ قد توجد هذه الأمور ولا يوجد الندم ، فما معنى تحققها بهذه الأمور إلا أن يراد تحقق اعتبارها والاعتداد بها كما في الشقر في على جمع الجوامع .
قوله : ( والإقلاع ) أي الخروج من التلبس بها ، فلو تاب من الزنا وهو متلبس به لم يصح لعدم الإقلاع ، والإقلاع يتعلق بالحال والندم بالماضي والعزم بالمستقبل زي .
قوله : ( والعزم على أن لا يعود ) إليها أي إلى المعصية أي إن تيسر منه وإلا كمجبوب بعد زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالاتفاق وتصح من سكران حال سكره إن تأتي منه الشروط التي منها الندم كإسلامه كما في شرح م ر .
قوله : ( وبالتوبة من حقوق الآدميين ) اقتضى صنيعه أن كلام المتن على التوزيع أي بالتوبة من حقوق الله وبالخروج من المظالم في حقوق الآدميين ، مع أن التوبة بمعنى الندم وغيره مما تقدم معتبرة في حقوق الآدميين . ومما يقوّي الاعتراض عليه قوله مضافاً ذلك إلى الشروط الثلاثة .
قوله : ( وهي المبادرة ) لا يخفى أن هذه ليست هي التوبة ولا حقوق الآدميين ولا الشرط الرابع للتوبة ولا يصح رجوع اسم الإشارة بعده إليها ، فلو قال : ويأمرهم بالخروج من المظالم مضافاً الخ ، لو في بالمراد ق ل . وعبارة حج في شرح الزواجر : قال الزركشي : ثم رأيت في منهاج العابدين للغزالي أن الذنوب التي بين العباد إما في المال فيجب رده عند المكنة . فإن عجز لفقر استحلله فإن عجز عن استحلاله لغيبته أو موته وأمكن التصدق عنه فعله ، وإلا فليكثر من الحسنات ويرجع إلى الله تعالى ويتضرع إليه في أن يرضيه عنه يوم القيامة ؛ وإما في النفس فيمكنه أو وليه من القود ، فإن عجز رجع إلى الله تعالى في إرضائه عنه يوم القيامة ، وإما في(2/471)
"""""" صفحة رقم 472 """"""
العرض فإن اغتبته أو شتمته أو امتهنته فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك معه إن أمكنك بأن لم تخش زيادة غيظ وهياج فتنة في إظهار ذلك ، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله ليرضيه عنك ؛ وأما في حرمه فإن خنته في أهله أو ولده أو نحوه فلا وجه للاستحلال والإظهار لأنه يولد فتنة وغيظاً بل يتضرع إلى الله تعالى ليرضيه ويجعل له خيراً كثيراً في مقابلته ، فإن أمنت الفتنة والهياج وهو نادر فتستحل منه ؛ وإما في الدين فإن كفرته أو بدّعته أو ضللته فهو أصعب الأمر فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلت له ذلك ، وتستحل من صاحبك إن أمكنك وإلا فالابتهال إلى الله تعالى جداً والندم على ذلك ليرضيه عنك اه كلام الغزالي . وقضية ما ذكره في الحرم الشامل للزوجة والمحارم كما صرحوا به أن الزنا واللواط فيهما حق للآدمي ، فتتوقف التوبة منهما على استحلال أقارب المزني بها أو الملوط به وعلى استحلال زوج المزني بها . هذا إن لم يخف فتنة ، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائهم عنه . ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار أيّ عار . بالأقارب وتلطيخ فراش الزوج فوجب استحلالهم حيث لا عذر اه . والعمل الصالح ليس شرطاً في صحة التوبة ولا قبولها باتفاق الأئمة وخالف في ذلك ابن حزم الظاهري فشرط العمل الصالح مستدلاًّ بقوله تعالى : ) إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً } ) الفرقان : 70 و 71 ) وورد في الخبر : ( إِنَّ للَّه مَلَكاً له جَنَاحَانِ ، جَنَاحٌ بالمَغْرِبِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَجَنَاحٌ بِالمَشْرِقِ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مُكَلَّلَةٍ بالدر واليَاقُوتِ والمُرْجَانِ ، وَرَأْسُهُ تحت العَرْشِ وَقَدَمَاهُ فِي تُخُومِ الأَرْضِ السابعة يُنَادِي كل يَوْمٍ ولَيْلَةٍ : هَلْ مِنْ دَاعٍ فيُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْالَهُ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابُ عَلَيْهِ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَطْلَعَ الفَجْرُ ) اه .
قوله : ( والخروج من المظالم ) فيه تغيير العامل ومعناه لأنه معطوف على التوبة من عطف الجزء على الكل .
قوله : ( مضافاً الخ ) فيه أن الإقلاع شامل للخروج من المظالم تدبر .
قوله : ( الشروط الثلاثة ) ويزاد شرطان : أن لا تطلع الشمس من مغربها ، وعدم وصوله للغرغرة أو حالة يقطع بموته فيها . ففي حال الغرغرة وهي حالة النزع لا تقبل توبة ولا غيرها ، كما أن الشمس إذا طلعت من مغربها أغلق باب التوبة وامتنعت على من لم يكن تاب قبل ذلك ؛ وهو معنى قوله تعالى : ) يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } ) الأنعام : 158 ) هذا عند الأشاعرة ، وأما عند الماتريدية فإن اشتراط عدم الغرغرة في الكافر دون المؤمن العاصي عملاً بالاستصحاب في الموضعين .(2/472)
"""""" صفحة رقم 473 """"""
قوله : ( إلى صيام ثلاثة أيام ) ولو صام في هذه الأيام المأمور بها عن نذر عليه أو قضاء أو كفارة ومثله الاثنين والخميس اكتفي به ؛ لأن المقصود وجود صوم فيها كما أفتى به م ر ز ي . ولا يجوز فيها الفطر لمسافر سفر قصر لأنها لا تقضى ق ل ، بخلاف المريض ويجب فيها التبييت كما يأتي ولكن لا يجب قضاؤها ح ل . وهذا كله عند أمر الإمام بها ، ولو أمرهم بالصوم ثم سقوا قبل إتمامه قال م ر يلزمهم بقية الأيام ؛ ووجّهه سم بأن هنا الصوم كالشيء الواحد ، وأفتى الزيادي بأنه لو أمرهم بالصوم ثم رجع بأنه يجب الصوم ووافقه أهل عصره اه أ ج . فلا فرق بين أن يكون الرجوع قبل الشروع أو بعده ليلاً أو نهاراً ؛ لأنه صار واجباً عليهم بمجرد الأمر حتى يمتنع على الإمام الرجوع عنه . وعبارة م د على التحرير : ويجب عليهم الصوم بأمره فيجب فيه تبييت النية والتعيين ، وإذا لم يبيت النية ونوى نهاراً وقع نفلاً مطلقاً وأجزأ عن الصوم المأمور به ، فتبييت النية لدفع الحرمة ؛ وإذا لم ينو نهاراً لا يجب قضاؤه لو فات إذْ وجوبه ليس لعينه وإنما هو لعارض ، وهو أمر الإمام والقصد منه الفعل في الوقت لا مطلقاً ؛ نعم إن أمر الإمام بالقضاء وجب .
قوله : ( فوق ثلاث ) وأما إذا كان الهجران لله بأن كان لأمر ديني فإنه لا يحرم وإن زاد على الثلاث ، قال الشاعر :
ياها جرى فوق الثلاث بلا سَبَبْ
خالفت قول نبينا أَزْكَى العَرَبْ
هَجْرُ الفتى فوق الثلاث محرم
ما لم يكن فيه لمولانا غَضَبْاه .
قوله : ( ويصوم معهم ) أي ندباً عند م ر ووجوباً عند حج . وعبارة ق ل على التحرير : ولا يجب الصوم على الإمام الآمر به لبعد إيجاب الشخص شيئاً على نفسه . وخالف حج فيه والمعتمد عدم وجوبه مطلقاً سواء كان بصيغة الأمر منه أو الإخبار ؛ وإن قلنا المتكلم يدخل في عموم كلامه لأنا إنما أوجبنا الصوم على غيره بأمره بذلاً لطاعته . وهذا المعنى لا يتصور فيه ، إذْ لا يتصور بذل طاعة الشخص لنفسه اه . ولو أمر الإمام أولياء الصبيان المطيقين أن يأمروهم فالمتجه الوجوب سم أ ج .
قوله : ( لأن لكل هذه المذكورات أثراً الخ ) وأيضاً فالصوم له أثر في استقامة القلب . وقد قال الإمام القشيري في رسالته : اعلم أن الاستقامة توجب استدامة الكرامة ، قال الله تعالى : ) وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } ) الجن : 16 ) ولم يقل ( سقيناهم ) بل أسقيناهم إشارة إلى الدوام .(2/473)
"""""" صفحة رقم 474 """"""
قوله : ( بترك ذلك ) أي الاستغفار والتوبة قوله : ( والمظلوم ) وما أحسن ما قاله بعضهم :
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم آخره يأتيك بالندَمِ
نامت جفونك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ وللشيخ حسن البدري :
وسبعة لا يردّ الله دعوتهم
مظلوم والد ذو صوم وذو مَرَضِ
ودعوة لأخ بالغيب ثم نبي
لأمة ثم ذو حَجَ بذاك قُضِي قوله : ( وإذا أمرهم الإمام ) أو نائبه ، ويظهر أن منه القاضي العام الولاية لا نحو وإلى الشوكة ، وأن البلاد التي لا إمام فيها يعتبر ذو الشوكة المطاع فيها ، شوبري . وأمره بذلك يعم من حضر ومن لم يحضر وصححه م ر .
قوله : ( لزمهم امتثال أمره ) ولو مسافرين على المعتمد وظاهره ولو في النصف الثاني من شعبان لأنه لسبب أ ج . وحاصله أنه إذا أمر بواجب تأكد وجوبه ، وإن أمر بمندوب وجب ، وإن أمر بمباح فإن كان فيه مصلحة عامة كترك شرب الدخان وجب ، بخلاف ما إذا أمر بمحرم أو مكروه أو مباح لا مصلحة فيه عامة م د .
قوله : ( والقياس طرده ) أي تعميمه أي الإيجاب وشموله للجميع الخ . وهذا هو المعتمد .
قوله : ( تجب طاعة الإمام ) اعتمده م ر .
قوله : ( وقد قالوا الخ ) تأييد لقوله : وفي القياس نظر لأنه قياس مع الفارق ، فكان الأولى للأذرعي أن يقيس الصوم على الصلاة في الوجوب بأمر الإمام لأن كلاًّ منهما عبادة .(2/474)
"""""" صفحة رقم 475 """"""
قوله : ( في الجدب ) بالدال المهملة وهو القحط .
قوله : ( لا يجب امتثاله ) المعتمد وجوب جميع ما أمر به الإمام ما لم يكن محرّماً أو مكروهاً وعلى المعتمد من وجوب الصدقة بأمر الإمام فوجوبها على من تجب عليه زكاة الفطر لا مطلقاً ، والواجب في التصدّق أقل متموّل إن لم يعين الإمام قدراً وقد زاد على ما يجب في زكاة الفطر وإلا تعين إذا فضل ذلك القدر عن كفاية العمر الغالب اه ح ل .
قوله : ( شاملاً لذلك ) أي لوجوب الصدقة والعتق .
قوله : ( وجب فيه تبييت النية ) والتعيين ، وإذا لم يبيت نوى نهاراً صح صومه ووقع نفلاً وقام مقام الواجب ؛ لكنه يأثم بترك النية . وظاهره وإن كان الإمام حنفياً يرى الاكتفاء بالنية نهاراً اكتفاءً بعقيدة الفاعل مدابغي .
قوله : ( وإن اختار الأذرعي عدم الوجوب ) أي للتبييت ؛ وهو ضعيف .
قوله : ( عدم صحة صوم من لم ينو ليلاً ) فيه أن القائلين بوجوب النية ليلاً لا يقولون بعدم صحة صوم من لم ينو ليلاً حتى يحسن أن يكون هذا مقابلاً له وردّاً عليه . ولعل هذا هو نكتة إسناد هذا للأذرعي حيث قال الشارح : قال ويبعد الخ قوله : ( ثم يخرج بهم ) أي ويأمرهم الإمام بالخروج وحدهم إلى الصحراء .
قوله : ( تأسياً به الخ ) أقام أدلة ثلاثة : الأوّل : التأسي ، والثاني : قوله ولأن الناس ، والثالث : قوله ولأنا مأمورون الخ .
قوله : ( أنه لا فرق ) أي في خروجهم إلى الصحراء قوله : ( وغيرها ) من المدينة وبيت المقدس .
قوله : ( مكة وبيت المقدس ) أي فلا يخرجون منها إلى الصحراء بل يصلون فيهما ويخطب الإمام فيهما لفضلهما ، شيخنا ؛ وهو ضعيف .(2/475)
"""""" صفحة رقم 476 """"""
قوله : ( صياماً ) حال من الضمير في ثم يخرج بهم وياؤه مخففة أو مشدّدة . واقتصر ق ل على قوله بتشديد الياء التحتية أي لأن المخفف مصدر .
قوله : ( من إضافة الموصوف ) لأن بذلة بمعنى مبتذلة .
قوله : ( ما يلبس من الثياب ) أي التي لم تكن جديدة ، فقد قال القمولي : ولا يلبس الجديد من ثياب البذلة أ ج . وإنما لم تطلب الزينة هنا لأن القحط ونحوه إنما نشأ عن ذنب بخلاف بقية الصلوات ، واليأس من رحمة الله ذنب وقيل كبيرة . وقال ابن عباس : ( خرج رسول الله إلى الاستسقاء مبتذلاً متواضعاً حتى أتى المصلى فلم يزل في التضرع والدعاء والتكبير حتى صلى ركعتين كما يصلي العيد ) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، فعلم أنهم لا يتزينون ولا يتطيبون بالماء والسواك وقطع الروائح الكريهة . وفارق العيد بأنه يوم الزينة وهذا يوم مسألة اه خ ض .
قوله : ( وفي استكانة ) في بمعنى مع أو الظرفية مجازية ، كأنّ الاستكانة محيطة بهم ، ومثله يقال في قوله وفي تضرع .
قوله : ( ويراد به ) أي بما ذكر من الاستكانة .
قوله : ( لا حفاة ) فلو خرجوا حفاة مكشوفين الرؤوس لم يكره على الأوجه لما فيه من إظهار التواضع ، قاله الزيادي وأ ج واستبعده م ر في شرحه ، فالمعتمد الكراهة .
قوله : ( الصبيان ) ولو غير مميزين ، وهل مؤنة إخراجهم في مالهم أو في مال الوالي ؟ والذي يتجه أنهم إن كانوا يستسقون لأنفسهم ، فالمؤنة في مالهم لأنهم محتاجون وإن كانوا يستسقون لغيرهم فمؤنة إخراجهم في مال الولي المخرج لهم سم .(2/476)
"""""" صفحة رقم 477 """"""
قوله : ( وهل ترزقون الخ ) استفهام بمعنى النفي أي ما ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم .
قوله : ( لولا شباب الخ ) في شرح م ر إسقاط هذه الجملة والاقتصار على الجمل الثلاث بعدها ، فيمكن أن تكون رواية ويمكن أن يقال إن لفظ العباد في النظم شامل للشباب والشيوخ فحصلت المطابقة اه .
قوله : ( لولا عباد الخ ) ما ذكره في النظم لم يستوف ما في الحديث الذي ذكره إذ فيه أربعة وفي النظم ثلاثة ، ويمكن أن يقال إن لفظ العباد في النظم شامل للشباب والشيوخ فحصلت المطابقة أ ج ؛ لكن ينافيه قول الشارح : ( والمراد بالركع الخ ) لكن يناسبه التفسير الثاني .
قوله : ( ويسن إخراج البهائم ) لا يبعد الشمول لنحو الكلاب لأنها مسترزقة عليه فالعقور منها حيث تأخر قتله لأمر اقتضاه ، وإذا لم يخرج الناس لا يسن إخراج البهائم لأنها إنما تخرج تبعاً سم .
قوله : ( بنملة ) تاؤها للوحدة لا للتأنيث كتاء قملة واسمها حرملة أو طاخية وكانت قدر السخلة . وقوله بنملة أي مجتمع بنملة وإذا فجائية .
قوله : ( ورفعت يديها ) وهو المراد بقوائمها فيما مر .
قوله : ( لا غنى ) بالقصر لأنه ضد الفقر ، وأما رفع الصوت بالغناء فهو بالمد ، وقد قيل إن موسى عليه الصلاة والسلام استسقى لقومه فلم يسقوا فقال : يا رب بأيّ شيء منعتنا الغيث ؟(2/477)
"""""" صفحة رقم 478 """"""
فقال : يا موسى إن فيكم رجلاً عاصياً قد بارزني أربعين سنة . فطلع موسى على تلّ عال ونادى بأعلى صوته : أيها العاصي قد منعنا الغيث بسببك فاخرج فنظر العاصي يميناً وشمالاً فلم ير أحداً خرج فعلم أنه المطلوب ، فقال في نفسه : إن خرجت افتضحت وإن قعدت منعوا من أجلي إلهي قد تبت إليك فاقبلني فأرسل الله إليهم الغيث وسقوا حتى رووا . فتعجب موسى فقال : يا رب سقيتنا ولم يخرج أحد من بيننا ؟ فقال : يا موسى الذي منعتكم به قد تاب إليّ ورجع . فقال : يا رب دلني عليه فقال : يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماماً ؟ اه ذكره البرماوي . وقحط الناس في زمن عمر بن عبد العزيز فوفد عليه وفد فقام خطيبهم : فقال يا أمير المؤمنين أتيناك عن ضرورة قد يبست جلودنا على أجسادنا لفقد الطعام ، فإن كان هذا المال لله فالله غني عنه وإن كان لعباد الله فإنا إياهم ، وإن كان لك فتصدق علينا إن الله يجزي المتصدّقين فبكى عمر وأمر بكفايتهم من بيت المال ، ثم قال للخطيب : كما رفعت حاجتك إلينا فارفع إلى الله حاجتي فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم اصنع مع عمر كصنعه مع رعيته فما تمّ دعاءه حتى أمطرت السماء ووقعت برمة فانكسرت وخرجت منها ورقة مكتوب فيها : براءة من الله العزيز إلى عمر بن عبد العزيز من النار اه . وسئل ملك زال عنه ملكه : ما سبب ذلك ؟ فقال : لاغتراري بالدولة والقوم ورضاي برأيي وترك المشورة وتوليتي أصاغر العمال على أكابر الأعمال وتشاغلي عن قضاء حوائج الرعية اه .
قوله : ( والرقة ) لعل المراد رقة القلوب ، وفي نسخة : والرأفة بدل والرقة قوله : ( ولا يمنع ) أي الإمام وقوله أهل الذمة أي ولا أهل العهد ، لكن لا يختلطون بنا ولا يخرجون معنا في يومنا بل يخرجون في يوم آخر على ما اعتمده م ر خلافاً لابن حجر . لا يقال في خروجهم وحدهم مظنة مفسدة وهو مصادفة الإجابة فيظن ضعفاء المسلمين بهم خيراً ؛ لأنا نقول خروجهم معنا مفسدة محققة فقدمت على المفسدة المتوهمة ، قال ابن قاضي شهبة : وفيه نظر اه م ر .
قوله : ( وقد يجيبهم ) صريح في أن دعاء الكافر يجاب وهو المرجح ، وأما قوله تعالى : ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } ) غافر : 50 ) فالمراد به العبادة شوبري .
فرع : في استجابة دعاء الكافر خلاف ، قال الروياني في البحر : لا يجوز أن يؤمن على دعائه لأنه غير مقبول ، قال تعالى : ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } ) غافر : 50 ) وقال آخرون : إنه مستجاب وقد استجيبت دعوة إبليس في قوله : ) أنظرني إلى يوم يبعثون } ) الأعراف : 14 ) . وواضح أن الخلاف إنما هو في الاستجابة بمعنى إيتاء المسؤول ، وحينئذ(2/478)
"""""" صفحة رقم 479 """"""
الذي دلّ عليه صريح كلامهم وغيره أنه قد يعطى سؤاله استدراجاً ، ومنه ما وقع لإبليس . أما الاستجابة بمعنى الإثابة عليه فهي منفية جزماً ، وهذا محمل الآية المذكورة وهذا لا نزاع فيه اه ابن حجر في شرح الإيعاب . ولو قيل في وجه الحرمة : إن في التأمين على دعائه تعظيماً له وتغريراً له وللعامة بحسن طريقته لكان حسناً . ويحرم الدعاء للكافر بالمغفرة ، نعم إن أراد اللهم اغفر له إن أسلم أو أراد بالدعاء له بالمغفرة أن يحصل له سببها وهو الإسلام فلا يتجه إلا الجواز اه إطفيحي .
قوله : ( ويكره إخراجهم ) أي أمرهم بالخروج ويكره أيضاً خروجهم كما في الروضة .
قوله : ( لأن ذنوبهم ) أي الصبيان أقل أي ذنوبهم صورة ؛ لأن الصغير لا ذنب له .
قوله : ( والمحققون أنهم في الجنة ) أي استقلالاً على الراجح لا خدماً كما قيل ، والمراد بالخدم على القول به أنهم في مرتبة الخدم إذ الجنة لا خدمة فيها من بني آدم ، فلا يرد الولدان ؛ إذ هناك ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين اه أ ج . وظاهره كغيره أن هذا الخلاف جار في أطفال كفار هذه الأمة وغيرها ، وليس كذلك بل في أطفال كفار هذه الأمة فقط أما أطفال كفار غيرها ففي النار كما نقله شيخنا الشوبري عن معين الدين الصفوي .
قوله : ( وتحرير هذا ) أي هذا المقام على الصحيح .
قوله : ( وفي الآخرة مسلمون ) أي في حكمهم لما قالوه إن الإسلام خاص بهذه الأمة أ ج .
قوله : ( أن يستشفع ) أي يتوسل .
قوله : ( كما في خبر الذين أووا في الغار ) وهم الثلاثة الذين خرجوا يرتادون لأهلهم فبينما هم يمشون إذ أصابهم حر الشمس فأووا إلى الكهف فسقطت عليهم صخرة من الجبل فسدّت عليهم باب الغار فقال قائل منهم : اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يفرج عنا فقال واحد منهم : قد عملت حسنة من واحد ؛ كان لي أجراء يعملون عملاً استأجرت كل أحد منهم بأجرة(2/479)
"""""" صفحة رقم 480 """"""
معلومة فجاء ذات يوم وسط النهار رجل فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل في بقية يومه كما عمل رجل منهم في طول نهاره فرأيت أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لاجتهاده في عمله فقال رجل : أتعطي هذا مثل ما أعطيتني ؟ ولم يعمل إلا نصف النهار ، فقلت : يا عبد الله لم أنقصك من أجرتك شيئاً وإنما هو مالي أحكم فيه بما أشاء ، فغضب الرجل وذهب وترك أجرته ، فوضعت حقه في جانب من البيت . ثم مرّت بي بعد ذلك بقر فاشتريت له فصيلة بأجرته فبلغت ما شاء الله ) وفي رواية ( فصرت أزرع له بأجرته وأشتري له من ريع الزرع عجلة وعنزاً وسخلة وترعى في كلأ مباح ، فزادت ونمت . ثم مرّ بي بعد حين شيخ ضعيف لا أعرفه فقال إن لي عندك حقاً ، ثم ذكره حتى عرفته ، فقلت له : هذه البهائم حقك ، فقال : يا عبد الله لا تسخر بي إن لم تتصدق عليّ فأعطني حقي فقلت له : والله ما أسخر بك وإنما هي حقك وليس لي فيها شيء . فدفعت جميع ذلك له ؛ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء لوجهك فافرج عنا فانفرج منها ثلثها . وقال الآخر : قد عملت حسنة ، كان لي مال ورزق رزقني الله به فأصاب الناس شدة فجاءتني امرأة تطلب مني إحساناً ، فقلت لها : بشرط أن تمكنيني من نفسك فأبت وذهبت ، ثم رجعت ثانياً وطلبت مني إحساناً ، فقلت لها مثل ذلك ، فأبت وذهبت . فذكرت ذلك لزوجها فقال لها : مكّنيه من نفسك وأحيي أولادك لئلا يموتوا جوعاً فرجعت إليّ وأنشدتني بالله أن أعطيها ، فأبيت عليها إلا بالشرط المتقدم ؛ فسلمت نفسها إليّ ، فلما كشفت عورتها وقعدت منها مقعد الرجل من زوجته ارتعدت فقلت : ما شأنك ؟ فقالت : إني أخاف الله رب العالمين ، فقلت لها : خفت في الشدة ولم أخفه أنا في الرخاء ؟ فتركتها وأعطيتها ما يحق عليّ بما كشفتها . اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء لوجهك فافرج عنا فانفرج ثلثها الثاني وتبين لهم الضوء . ثم قال الآخر : قد علمت أني عملت حسنة ، كان لي أبوان شيخان كبيران وكان لي غنم فكنت أطعم أبويّ وأسقيهما ثم أرجع إلى غنمي ، فجاء غيث فحبسني فأتيت إلى أبويّ فوجدتهما قد ناما فشق عليّ أن أوقظهما وشق عليّ أن أترك غنمي ، فدمت واقفاً على رأسهما ومحلي على يدي حتى أيقظهما الصبح ، فسقيتهما . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء لوجهك فافرج عنا فانفرجت كلها فخرجوا ) . ولو أخبر معصوم بالقطع باستجابة دعاء شخص في الحال واضطرّ الناس للسقيا فهل يجب عليه الدعاء بالسقيا ؟ المعتمد أنه إن تعين طريقاً لدفع الضرر وجب عليه الدعاء اه شوبري .
قوله : ( وأن يستشفع بأهل الصلاح ) أي يتوسل بهم كما يدل عليه قوله : وإنا نتوسل إليك الخ والتوسل بهم بأن يخرجهم للاستسقاء لأجل دعائهم أخذاً من قوله ؛ لأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة كما قرره شيخنا العشماوي ، خصوصاً عمار المساجد لما ورد : ( إنّ الله إذا أرَادَ أنْ يُنْزِلَ بقَرْيَةٍ عَذَاباً نَظَرَ إلى أهْلِ المَسَاجِدِ فَصَرفَ عَنْها ) .(2/480)
"""""" صفحة رقم 481 """"""
قوله : ( لأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة ) قال عبد الله بن المبارك : قدمت المدينة في عام شديد القحط ، فخرج الناس يستسقون وخرجت معهم ، إذ أقبل علينا غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما ووضع الأخرى على عاتقه ، فجلس إلى جنبي فسمعته يقول : إلهي اختلفت الوجوه بكثرة الذنوب والمساوىء وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك ، فأسألك يا حليماً ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل مكان . قال ابن المبارك : فجئت إلى الفضيل رضي الله عنه فقال لي : أراك كئيباً فقلت : قد سبقنا إليه غيرنا وتولاه دوننا ؛ وقصصت عليه القصة ، فصاح الفضيل وخرّ مغشيّاً عليه اه أ ج .
قوله : ( كما استشفع عمر بالعباس ) وقد روى الطبراني وابن سعد : أن عبد المطلب استسقى بالنبي حين تتابعت عليهم سنون أهلكتهم ، فسمعوا قائلاً يقول : يا معشر قريش إن فيكم نبياً آن أوان خروجه به يأتيكم الحيا والخصب ، فاخرجوا إلى جبل أبي قبيس فتقدم عبد المطلب ومعه النبي فرفع يديه يدعو ويطلب الغوث أي الإجابة بوجه النبي أي متوسلاً به فسقوا . ولذلك يقول فيه عبد المطلب :
وأبيض يُسْتَسْقَى الغمامُ بوجهه
ثمال اليتامى عصمه للأرامل
قوله : ( قحطنا ) بفتح القاف والحاء ، وحكى الفراء كسر الحاء ، وقُحِطَ على صيغة المجهول ؛ ذكره شيخنا ح ف على ابن حجر على الهمزية .
قوله : ( وإنا نتوسل الخ ) وحكمة توسله به دون النبي مع أنه أعظم وسيلة حياً وميتاً الإشارة إلى رفعة قرابة رسول الله وقربهم من الله كما ذكره شيخنا ح ف في حاشيته على شرح الهمزية .
قوله : ( كصلاة العيدين ) يؤخذ منه أنها لا تزاد على ركعتين ، واعتمده شيخنا الزيادي اه عبد البر . قال الرحماني : ولو أحرم بها أكثر من ركعتين لم تنعقد اه . وفي بعض النسخ من شرح الرملي : أنه تجوز الزيادة على الركعتين ، لكن لم يعتمده ز ي لكونه في بعض النسخ ، وعبارة الشوبري : لكن تجوز الزيادة عليهما كما في شرح شيخنا ، وكلام الزيادي هو المعتمد لأنه أدرى بكلام الرملي من غيره فافهم .(2/481)
"""""" صفحة رقم 482 """"""
قوله : ( قياساً لا نصّاً ) يرجع لسبح والغاشية فقط ؛ لأن الحديث الوارد فيهما ضعيف . وعبارة م ر : ويقرأ في الأولى جهراً بسورة ( ق ) وفي الثانية ( اقتربت ) أو ( سبح والغاشية ) قياساً ولوروده بسند ضعيف ، وقيل : يقرأ في الثانية بدل ) اقتربت } ^ ) إنا أرسلنا نوحاً } ^ لاشتمالها على استغفار ونزول المطر اللائقين بالحال . ورده في المجموع باتفاق الأصحاب . على أن الأفضل أن يقرأ فيهما ما يقرأ في العيد اه .
قوله : ( ولا تؤقت بوقت عيد ) أي ولكن لا تؤقت ، فهو في معنى الاستدراك على قول المصنف كصلاة العيدين . وعبارة عبد البر على التحرير : وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقت صلاة الاستسقاء ، والراجح أنه لا وقت لها معين وأن أكثر أحكامها كالعيد ، لكنها تخالفه لأنها لا تختص بيوم معين ؛ وهل تصنع بالليل ؟ استنبط بعضهم من كونه جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد ، ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة اه كلامه ، وهو مرجوح . واعتمد خ ض نقلاً عن م ر أنه يجوز فعلها متى شاء ولو في وقت الكراهة على الأصح ؛ لأنها ذات سبب وهو الحاجة فدارت معه كصلاة الكسوف ، ووافقهم الشارح على ذلك .
قوله : ( ثم يخطب ) أي كالعيد في الأركان والشروط والسنن . ويندب أن يجلس أول ما يصعد المنبر ثم يقوم ليخطب شرح م ر . فعلم أنه لا يجب القيام فيهما ، نعم إن نذرهما وجب القيام اه خ ض .
قوله : ( وتجزىء الخطبتان قبلهما ) ولا يجزىء الاقتصار على خطبة واحدة على المعتمد كما ذكره المدابغي ، خلافاً للرحماني وغيره حيث قالوا : لا يجوز الاقتصار على واحدة إلا بالنذر ، فلا تكفي واحدة ، ولا يجب القيام فيهما إلا إذا نذرهما كما ذكره الشيخ .
قوله : ( ويبدل الخ ) ويبدل أيضاً ما يتعلق بالفطرة والأضحية بما يتعلق بالاستسقاء اه م د .
قوله : ( إنه كان غفاراً ) ولم يزل لأن كان في حق الله تعالى للدوام والاستمرار .
قوله : ( يرسل السماء ) أي المطر ، من إطلاق المحل على الحال ؛ قال م ر : ويجوز أن يراد به المطر مع السحاب . وقوله مدراراً مفعالاً صيغة مبالغة ، وهو حال أي حال كونه كثير(2/482)
"""""" صفحة رقم 483 """"""
الدرّ أي الماء ويقول ما قال آدم عليه السلام : ) ربنا ظلمنا أنفسنا } ) الأعراف : 23 ) الآية وكما قال موسى عليه السلام : ) رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي } ) القصص : 16 ) وكما قال يونس عليه السلام : ) لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ) الأنبياء : 87 ) اه .
قوله : ( ومن دعاء الكرب ) لأنه روي أنه يذكر عند الكرب وفيه أنه ذكر لا دعاء . وأجيب بأنه لما كان القصد منه طلب رفع الكرب سمي دعاء بهذا الاعتبار وإن كان مدلوله الثناء على الله كما أفاده شيخنا العشماوي ، ففيه دعاء ضمنا أو أنه سماه دعاء باعتبار أنه ورد فيه أدعية في بعض الروايات . وهذا كله طريقة الفقهاء ، وأما السادة الصوفية فعادتهم التسليم من غير دعاء للعزيز الحكيم ، قال قائلهم :
سلم له الأمر علّ تسلم
واصبر على الدهر إن تمادَى
لا تَخْشَ ناراً ذَكَتْ بليل
كم جمرة أصبحت رمادَا
قوله : ( ويجعل يمين ردائه ) كان الأولى عطفه بالفاء ق ل . وحكمة التحويل التفاؤل بتغيير الحال من الشدة إلى الرخاء فيغيروا بواطنهم بالتوبة وظواهرهم بتحويل أرديتهم وتنكيسها لقوله تعالى : ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ) الرعد : 11 ) وهذا التحويل خاص بالرجل إماماً أو غيره دون المرأة والخنثى ، وإن كان ظاهر كلام المصنف يشعر بتخصيصه بالإمام كالتنكيس ؛ ولهذا قال ق ل : والتحويل والتنكيس خاص بالرجل مطلقاً . وقد أشار الشارح بقوله فيما يأتي ويفعل الناس الخ إلى عدم اختصاص ما ذكر من التحويل والتنكيس بالإمام في كلام المصنف ، لكن يقيد كلام الشارح فيما يأتي بالذكور فقط . ويترك الرداء محولاً ومنكساً حتى تنزع الثياب كما في شرح المنهج . وحقيقة الرداء ما يوضع على الكتف ، والطيلسان ما يوضع على الرأس ويغطى به بعض الوجه ، والإزار ما يوضع في الوسط . وكان طول ردائه ستة أذرع وعرضه ثلاثة أذرع وشبراً ، وكان إزاره أربعة أذرع وعرضه ذراعين وشبراً . واختلف المحدّثون رضي الله عنهم في عمامته كيف كانت طولاً وعرضاً وصفة ، ثم رووا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كانت عمامته الشريفة في سفره بيضاء طولها سبعة أذرع وعرضها ذراع وإن العذبة من غير العمامة وفي الحضر(2/483)
"""""" صفحة رقم 484 """"""
كانت عمامته الشريفة سوداء من صوف طولها سبعة أذرع في عرض ذراع والعذبة من العمامة ؛ وفي الحديث قال : ( عَلَيْكُم بالعَمَائِمِ فإنَّها سِيَما الملائكة وتِيجَانُ العَرَبِ ، وأَرْخُوهَا من خَلْفِ ظُهُوركم إلى الجهة اليُسْرَى مِقْدَارَ أرِبَعَة أصَابِعَ ) كذا ذكره وليّ الله تعالى محيي الدين محمد المليجي الشافعي الشعراني في كتابة الذي سماه بالمتن . وفي شرح الشمائل للمناوي أن لبس النعل الأصفر يورث السرور بدليل : ) صفراء فاقع لونها } ) البقرة : 69 ) الخ . وكان يسمي ما يلبسه باسمه ، ولم يلبس السراويل مع كونه اتخذها وأمر باتخاذها اه كلامه .
قوله : ( وعليه خميصة ) هي كساء أسود معلم الطرفين يكون من خز أو صوف فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة كما في المصباح .
قوله : ( فلما ثقلت عليه ) أي لعذر قام به ، وإلا فقوّته لا تضاهَى ، أو أنه أظهر العجز هنا لكون المقام مقام تذلل وخشوع كما قرره شيخنا العزيزي ؛ وثقلها كان بسبب المطر .
قوله : ( على عاتقه الأيسر ) أي وبالعكس .
قوله : ( فليس فيه إلا التحويل ) المناسب فليس فيهما ق ل ؛ ويمكن أن الضمير راجع لما ذكر .
قوله : ( ويفعل الناس ) أي الذكور فقط كما تقدم ، وقوله مثله أي من التحويل والتنكيس .
قوله : ( ويرفع الحاضرون أيديهم ) أي من إمام وغيره .
قوله : ( مشيرين بظهور أكفهم إلى السماء ) ظاهره أنهم يفعلون ذلك حتى في قولهم اسقنا الغيث لكون المقصود به رفع البلاء كما يدل عليه قوله والحكمة الخ إطفيحي ؛ أي وإن كان في الظاهر طالباً لتحصيل الغيث ح ف ؛ لأن الاعتبار عند الشارح بقصد الداعي . وهو ظاهر كلام النووي . وعند شيخنا وغيره من المتأخرين أن العبرة بالصيغة فعند نحو اسقنا الغيث يجعل بطن كفيه إلى السماء ، وعند نحو ارفع عنا من البلاء يجعل ظهورهما إليها ق ل .
قوله : ( بخلاف القاصد حصول شيء ) فيجعل بطن كفيه إلى السماء ، فلو اجتمع طلب(2/484)
"""""" صفحة رقم 485 """"""
حصول شيء آخر في دعائه كأن كتب الأمرين في رقعة وقال : اللهم إني أسألك حصول ما في هذه ، فأيهما يراعى قال ابن قاسم : يراعى الرفع فيجعل ظهر كفيه إلى السماء اه أ ج ؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
قوله : ( ومن الاستغفار ) عطفه على قوله ويكثر من الدعاء يوهم عدم حصره مع أنه محصور بتسع مرات في الأولى وبسبع في الثانية ، بدليل أنه بدل التكبير في العيدين ؛ ويمكن حمله على ما زاد على ذلك من الدعاء حتى يكون أكثر دعائه استغفاراً . وإنما طلب ذلك كثيراً لحديث أبي داود والحاكم : ( مَنْ لاَزَمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ الله له مِنْ كُلَّ هَمّ فَرَجاً ومِنْ كُلَّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَرَزَقَةُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) سيما والقرآن العزيز مصرح بذلك ، قال تعالى : ) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً } ) نوح : 10 ) الآية .
قوله : ( اللهم ) مبني على ضم الهاء وليس مبنياً على ضم مقدر على الميم ؛ لأنها عوض عن حرف النداء وليست عوضاً عن حرف من الكلمة حتى يكون البناء مقدراً .
قوله : ( فمحله نصب ) صوابه منصوب لأنه معرب ، لكنهم قد يحكمون على ما كان إعرابه مقدراً بأنه في محل لعدم ظهور إعرابه فهنا كذلك اه ق ل . فقد صرح الأشموني وابن قاسم في باب الفاعل من شرح الخلاصة بأن الإعراب المحلي يكون في المعربات ، أي وذلك كما في فاعل نحو كفى بالله .
قوله : ( أي ضار ) أي ولا سقيا شيء ضار يهدم الخ .
قوله : ( ولو تضرروا الخ ) أشار بهذا إلى أن قوله اللهم على الظراب الخ ، لا يقال في أول الأمر أي قبل نزول المطر كما يوهمه كلام المصنف بل عند التضرر بكثرة المطر ؛ وكان الأولى تأخير ذلك عن الدعاء لأنه لا يقال في الخطبة بل عند التضرر بكثرة المطر كما أشار إليه الشارح .(2/485)
"""""" صفحة رقم 486 """"""
قوله : ( والآكام بالمد ) فأقل ما يصدق عليه آكام أحد وثمانون أكمة وأكم على سبعة وعشرين وإكام على تسع وأكم بفتحتين على ثلاثة ؛ لأن أقل الجمع ثلاثة ، ونظير ذلك جمع ثمرة على ثمر كشجرة وشجر وجمع ثمر بفتحتين على ثمار كجبل وجبال وجمع ثمار على ثمر ككتاب وكتب وجمع ثمر على أثمار كعنق وأعناق ؛ ذكر ذلك ابن هشام في شرح ( بانت سعاد ) قال : لا أعرف لهما أي الآكام وأثمار نظيراً في العربية . وقد ألغز بعضهم في ذلك فقال :
أفدني ما اسم مفرد جاء جمعه
وقد جاء جمع الجمع أيضاً مقررا
وجمعك جمع الجمع أيضاً محقق
ومن بعد هذا الجمع جمع تحررا
وهذي جموع أربع قد ترتبت
لها مفردات أربع كن محرّرا
واختصرها بعضهم فقال :
أفدني جموعاً أربعاً قد ترتبت
وكل غدا جمعاً لما هو قبله
وقلت مجيباً :
جوابك في الأثمار يبدو بلا خفا
كذلك آكام بمدّ تقررا
قوله : ( اسم للحفرة ) والمراد هنا ما هو أعم من ذلك اه ق ل . والمشهور في العرف أن الوادي المحل الواسع بين جبلين ونحوهما .
قوله : ( وهما في موضع نصب ) هو ظاهر في الأوّل ، فإنه منصوب بالياء لأنه ملحق بالمثنى ، وقال الرحماني : إنه جمع على صورة المثنى مفرده حول وحول الشيء ما يمكن تحوله إليه ، ونقل عن النووي أنه مثنى مفرده حوال ، وقوله : نصب على الظرفية أو المفعول في كلامه لفّ ونشر مرتب ، فالظرفية راجعة لقوله حوالينا والمفعولية لقوله علينا أي ولا تجعله واقعاً علينا ، فالجار والمجرور متعلق بالمفعول المقدر . وأو في كلام الشارح بمعنى الواو . وبهذا يندفع الاعتراض على الشارح . وقوله في موضع نصب غير ظاهر لأن حوالينا منصوب بالياء .
قوله : ( ولا يصلى لذلك ) أي لتضررهم بكثرة المطر ، أي لا يصلي جماعة بل فرادى بنية رفع المطر كما في شرح م ر قياساً على ندب ذلك للصواعق والزلازل والخسف .(2/486)
"""""" صفحة رقم 487 """"""
قوله : ( من المراعة ) وهي الخصب بكسر الخاء المعجمة وهو ضد الجدب بالدال المهملة .
قوله : ( وروي بالموحدة ) أي المكسورة مع ضم الميم في هذه والتي بعدها اه ق ل . أي مربعاً أي يكون سبباً في أكل الربيع .
قوله : ( من قولهم رتعت الماشية ) عبارة الشوبري : من أرتعت الماشية بالهمز ، وهي المناسبة لكلام ق ل .
قوله : ( والمعنى واحد ) فيه نظر ، فإن معناها مختلف وعبارة غيره : وكل صحيح مناسب هنا .
قوله : ( إذا سأل الخ ) وإذا كان كذلك كان شديد الوقع على الأرض فتفسيره بشديد الوقع على الأرض تفسير باللازم .
قوله : ( يسح ) بابه رَدَّ كما في المختار .
قوله : ( مطبقاً ) بضم الميم وإسكان الطاء وكسر الموحدة من أطبق .
قوله : ( إن بالعباد ) هو خبر إن مقدم وقوله ما من قوله ما لا نشكو اسمها ، وقوله من(2/487)
"""""" صفحة رقم 488 """"""
الجهد بيان لما مقدم عليها والتقدير : إن الذي لا نشكوه إلا إليك من الجهد وما بعده واقع بالعباد الخ كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( والبلاد ) عطف البلاد على العباد من عطف المحل على الحال ، ولعله احتراز من نحو أهل السماء اه ق ل .
قوله : ( والخلق ) لا حاجة إليه لأن لفظ العباد يغني عنه .
قوله : ( وأدرّ ) أي اجعل الضرع دارّاً باللبن ، والضرع الثدي .
قوله : ( أي نزل لبنها قبل النتاج ) والمراد إكثار لبنها مطلقاً .
قوله : ( الشيخ أبو حيان ) نسخة أبو حامد اه أ ج .
قوله : ( وذلك ) أي وحكمة ذلك أي تخصيص السماء والأرض بإنزال البركات منهما .
قوله : ( تجري مجرى الأب ) فالمطر بمنزلة النطفة والأرض بمنزلة رحم المرأة ، والمراد يجريان مجرى الأب والأم أي للخيرات الحاصلة منهما .(2/488)
"""""" صفحة رقم 489 """"""
قوله : ( أي المظلة ) هو الجرم المعهود وهو تفسير للسماء .
قوله : ( أو السحاب ) عطف على قوله المظلة ، وكذا قوله أو المطر كما في قوله :
إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابى
وغضابى بفتح الغين كندمان وندامى .
قوله : ( لأول مطر السنة ) ليس بقيد بل لكونه الآكد .
قوله : ( لا يشترط فيهما النية ) مثله في شرح م ر فهو المعتمد ، قال ح ل : فيه أنه إن كان المراد أنه يأتي في الوضوء بالكيفية المخصوصة فلا بد من نية معتبرة إلا أن يقال الغرض إمساس الماء لتلك الأعضاء فهو على صورة المتوضىء ، وعبارة بعضهم : ويسنّ أن يغتسل أو يتوضأ في ماء السيل لما رواه الشافعي أنه كان إذا سال السيل قال : ( اخْرُجُوا بنا إلى هَذَا الذَّي جَعَلَهُ الله طَهُوراً فنتَطَهَّرَ منه ونَحْمَدَ الله تعالى عَلَيْهِ ) وهو صادق بالغسل والوضوء . وتعبير النووي هنا في الروضة بأو يفيد استحباب أحدهما بالمنطوق وكليهما بمفهوم الأولى ، فهو أفضل كما جزم به النووي في المجموع ، فقال : ويستحب أن يتوضأ ويغتسل فإن لم يجمعهما فليتوضأ ؛ والمتجه كما في المهمات الجمع بينهما ثم الاقتصار على الغسل ثم على الوضوء ، ولا يشترط فيهما نية إلا إن صادف وقت وضوء أو غسل ؛ لأن الحكمة في ذلك كشف البدن ليناله أول مطر السنة وبركته . هذا ما قاله الشيخ الخطيب والشيخ م ر ، وخالفهما شيخنا ز ي وقال : لا بد من النية مطلقاً ؛ لأن كل عبادة لا بد لها من نية واعتمده وجزم به وقال : هذا هو المعتمد الذي أعتقده وأدين الله به ، وهو ظاهر إن كان مراده الوضوء والغسل الشرعيين ، فإن كان الغرض إمساس البدن بالماء فكلامه غير مسلم .
قوله : ( هي الحكمة في كشف البدن ) أي ولا يحتاج لنية .
قوله : ( سبحان الخ ) أي يقولها ثلاثاً كما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال :(2/489)
"""""" صفحة رقم 490 """"""
( كنا مع عمر في سفر فأصابنا رعد وبرق وبرد فقال لنا كعب : من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد الخ عوفي من ذلك . فقلنا فعوفينا ) اه . ومعنى يسبح الرعد بحمده ينزهه حال كونه متلبساً بحمده تعالى ، قال تعالى : ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده } ) الإسراء : 44 ) وقوله من خيفته أي من أجل خوفهم منه تعالى اه شرح العباب لابن حجر .
قوله : ( فالمسموع صوته الخ ) وحينئذ يكون كلام المتن محتاجاً لتقدير أي عند سماع صوته أو صوت سوقه فأطلقنا الرعد على ذلك مجازاً مرسلاً علاقته التعلق . وقول الشارح فأطلق ذلك على الرعد العبارة فيها قلب ، والتقدير : وإطلاق الرعد على ذلك أي الصوت المذكور مجاز كما عبر به م ر .
قوله : ( وروي الخ ) قول آخر غير ما سبق .
قوله : ( فالرعد نطقها ) أي صوته ، قال السيوطي في الإتقان : أخرج ابن أبي حاتم عن مسلم بن مسلم قال : بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه : وجه إنسان ووجه ثور ووجه نسر ووجه أسد ، فإذا مصع بذنبه أي حركه فذلك البرق أ ج .
قوله : ( والبرق ضحكها ) أي لمعانها قوله : ( أن لا يتبع بصره البرق ) قال تعالى : ) يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } ) النور : 43 ) .
قوله : ( سبوح قدوس ) قال في المصباح : وهو سبوح وقدوس بضم الأول أي منزه عن كل سوء وعيب ، قالوا : وليس في الكلام فعول بضم الفاء وتشديد العين إلا سبوح وقدوس وذرّوح وهو دويبة حمراء منقطة بسواد تطير وهي من ذات السموم ، وفتح الفاء في الثلاثة لغة على غير قياس الباب ، وكذلك ستّوق وهو الزيف ، وفلوّق وهو ضرب من الخوخ يتفلق عن نواه لكنه بالضم لا غير اه وذرّوح اسم للطائر الذي بعده وهو بضم الذال والراء المشددة .
قوله : ( اللهم صيباً ) أي اجعله صيباً .(2/490)
"""""" صفحة رقم 491 """"""
قوله : ( أي مطراً شديداً نافعاً ) الأولى أن يقول : أي مطراً نازلاً من علو إلى أسفل ؛ لأن الصيب معناه النازل من علو إلى أسفل كما قرره شيخنا ح ف . ويمكن أن تفسير الشارح تفسير مراد .
قوله : ( عند التقاء الصفوف ) أي في قتال الكفار لا غير كما قاله البرماوي .
قوله : ( وإقامة الصلاة ) هل المراد عند القيام لها أو عند ذكر الفاظ الإقامة ح ل .
قوله : ( وكره مطرنا بنوء كذا ) فقد قال صبيحة ليلة الحديبية لما صلى بهم : ( أَتَدْرُونَ ما قال رَبَّكُمْ ) ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( قال الله عز وجل : أصْبَحَ مِنْ عبادي مُؤْمِنٌ بي وكافرٌ ، فأمّا من قال مُطِرْنا برحمة الله وبِفَضْلِه فهو مُؤْمِنٌ بالله وكافر بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بنَجْمِ كذا ) وفي رواية ( بنَوْءِ كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكِبِ كافِرٌ بي ) وفي التقريب : والنوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق ؛ كانوا يعتقدون أنه لا بد عند ذلك من مطر أو ريح ، فمنهم من يجعله للطالع لأنه ناء أي نهض ، ومنهم من ينسبه للغارب ، فنفى النبي ذلك ونهى عنه . وهذا عند أئمتنا مكروه لا حرام لأن المراد بالإيمان شكر نعمة الله تعالى حيث نسبها إلى الله والكفر كفران النعمة حيث نسبها لغيره ، فإن اعتقد أن النجم هو الفاعل كان الكفر على حقيقته فهو ضدّ الإيمان . والأول إنما نهى عنه لأنه كان على أمر الجاهلية ، وإِلا فهذا التركيب لا يقتضي أن يكون نوء كذا فاعلاً ؛ ومن ثم لو قال مطرنا في نوء كذا أي وقت نوء كذا لم يكره . قال بعضهم : والأنواء ثمانية وعشرون نوءاً أي نجماً ، كان العرب يعتقدون أن من ذلك يحدث المطر أو الريح ؛ وفي الحديث : ( لو حَبَسَ الله القَطْرَ عَنْ الناس سَبْعَ سِنِينَ ثم أَرْسَلَهُ أَصْبَحَ طائِفَةٌ يَقُولُونَ مُطِرْنَا بنَوْءِ كذا ) . ونقل عن عمر رضي الله عنه أنه قال : مطرنا بنوء كذا ؛ ولعله لم يبلغه النهي عن ذلك حيث قال ذلك . قال العارف بالله تعالى ابن عطاء الله : لعل هذا يكون أيها المؤمن ناهياً لك عن التعرض إلى علم الكواكب واقتراناتها ومانعاً لك أن تدّعي وجود تأثيراتها . واعلم أن لله فيك قضاء لا بد أن ينفذه وحكماً لا بد أن يظهره ، فما فائدة التجسس على غيب علام الغيوب وقد نهانا سبحانه أن نتجسس على غيبه اه ذكره ح ل في السيرة .(2/491)
"""""" صفحة رقم 492 """"""
قوله : ( الريح من روح الله أي من رحمته ) انظر هذا مع تصريحهم بأن الريح المفردة تأتي بالعذاب والرياح المجموعة تأتي بالرحمة . وعبارة المناوي على الجامع : قال : ( اللهم إني أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ ما تَجِيءُ به الرِّياحُ وأَعُوذُ بك مِنْ شَرِّ ما تَجِيءُ به الرِّيحُ ) سأل الله خير المجموعة لأنها للرحمة وتعوّذ به من شر المفردة لأنها للعذاب على ما جاء به الأسلوب في كلام علام الغيوب . قال الزمخشري : عين الريح واو لقولهم أرواح ورويحة ، والعرب تقول : لا تفلح السحاب إِلا من رياح ، ويصدقه مجيء الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص العذاب اه بحروفه .
قوله : ( من روح الله ) لعل المراد في الجملة فلا يرد أنها تأتي بالعذاب أيضاً شوبري . وعبارة ق ل : وتأتي بالعذاب أي من حيث ما يظهر لنا وإِلا فهي رحمة من عند الله مطلقاً اه ومثله ع ش على م ر . روى الإمام الشافعي أن رجلاً شكا للنبي الفقر فقال له : لعلك تسب الريح وكان السبب في ذلك أنها لما كانت سبب المطر والمطر سبب الرزق فمن سبها منع الرزق بذلك اه دميري .
قوله : ( يقربني ) بالجزم في جواب الأمر أو بالرفع على الاستئناف ، ويبعدني كذلك . قوله : ( وأما الذي يبعدك ) فيه أن هذا يقربه من الناس لأنهم يقبلون عليه حينئذ ، ولذا رُوي ( ويقربني من الناس وأما الذي يقربك ) الخ ويمكن توجيه هذه النسخة أي التي في الشرح بأن ترك مسألتهم فيه إعراض عنهم بالكلية وهو يستلزم البعد عنهم فتأمل .
قوله : ( ثم روى ) أي الوراق .
( خاتمة ) : تفارق العيد الاستسقاء في أن العيد تختص بوقت بخلافها وصلاة العيد تقضي بخلافها ، ويقرأ في العيد ( ق ) و ( اقتربت ) ويقرأ في ثانية الاستسقاء سورة ) إنا أرسلنا نوحاً } ) نوح : 1 ) لأن صلاة الاستسقاء ليس فيها نص فيما يقرأ بعد الفاتحة ؛ لأن الشارح قاسها على العيد فيما تقدم حيث قال قياساً لا نصاً . ويفتتح خطبة العيد بالتكبير والاستسقاء بالاستغفار ، وفي خطبة الاستسقاء استدبار وتحويل بخلاف العيد ؛ ذكره المناوي في شرح التحرير .(2/492)
"""""" صفحة رقم 493 """"""
فصل : في كيفية صلاة الخوف
أي الخائف أو حالة الخوف أو في الخوف ، فهو مصدر بمعنى الخائف ، أو على حذف مضاف ، أو من الإضافة للظرف . وهي من خصائص هذه الأمة ، وتأخيرها لقلتها بالنسبة إلى ما قبلها وإِلا فالأنسب تقديمها لأنها تجري في الفرض والنفل غير المطلق والأداء والقضاء . والخوف فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته ، وسببه تفكر العبد في المخلوقات كتفكره في تقصيره وإهماله وقلة مراقبته لما يرد عليه ، وكتفكره فيما ذكر الله تعالى في كتابه من إهلاك مخالفه وما أعدّ له في الآخرة اه عبد البر . وقيل : الخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة ويستعمل في الأمور الدينية والدنيوية .
قوله : ( عنده ) أي الخوف وقوله عند غيره أي الأمن .
قوله : ( وإذا كنت فيهم الخ ) يحتمل أن تكون واردة في صلاة ذات الرقاع أو في بطن نخل ، فقوله فيها : ( فإذا سجدوا ) إن حمل على فرغوا من السجود ومن تمام ركعتهم كانت صلاة ذات الرقاع ، وإن حمل على صلوا أي فرغوا من الصلاة كانت بطن نخل وهو الذي ذكره الجلال ، وذكر الرشيدي أنها واردة في ذات الرقاع ولا تشمل شدة الخوف فهي دليل لها في الجملة كما قرره شيخنا ح ف . وحاصل الصلاة التي تفعل في الخوف أنها إن كانت فرضاً أو نفلاً مؤقتاً تشرع فيه الجماعة جاز في الأنواع الأربعة ، وإن كان نفلاً مؤقتاً لا تشرع فيه الجماعة جاز في الرابع وهو شدة الخوف ، وأما النفل المطلق فلا يفعل أصلاً ، وأما ذو السبب فيفعل منه الخسوف والكسوف في الرابع فقط ؛ وهذا كله في الأداء ، أما القضاء فإن كان فائتاً بعذر فلا يفعل إِلا إن خاف الموت وإن كان بغير عذر فعل في الأنواع كلها .
قوله : ( ثلاثة أضرب الخ ) إنما اقتصر على الثلاثة لأن الرابع وهو بطن نخل يجوز في الخوف والأمن .
قوله : ( ذكر الشافعي ) أي اختص به دون غيره من الأئمة ، لكن يحتاج بقية الأئمة للجواب عن قوله تعالى : ) فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } ) البقرة : 239 ) الدالّ على الرابع الذي(2/493)
"""""" صفحة رقم 494 """"""
لم يذكروه . وأخبرني بعض العلماء المالكية بأنهم يقولون بالرابع فرادى لا جماعة ، فيكون الذي انفرد به الشافعي صلاة شدة الخوف جماعة ؛ وقوله رابعها أي رابعها في كلام غير المصنف والشارح ، إذ الرابع في كلام الشارح صلاة بطن نخل ، وليس مراداً بالرابع بل المراد به صلاة شدة الخوف وهو ثالث في كلام المصنف . ولعل هذه العبارة سرت للشارح من شرح المنهج .
قوله : ( وجاء به القرآن ) أي صريحاً فلا ينافي أنه جاء بذات الرقاع أو بطن نخل لكونه ليس نصاً في أحدهما ، فاندفع اعتراض ق ل بقوله الأولى حذف قول الشارح بعد وبعضها في القرآن لأنه يخالف قوله ذكر الشافعي رابعها وجاء به القرآن لأنه يقتضي أنه لم يجىء بغيره .
قوله : ( واختار بقيتها ) أي لقلة أفعالها .
قوله : ( من ستة عشر ) تنازع فيه ذكر واختار فعلى هذا يكون الرابع المختار للشافعي من الستة عشر ، خلافاً لمن قال إنها سبعة عشر وأن الرابع زائد على الستة عشر .
قوله : ( أن يكون الخ ) أي الصلاة بالكيفية المذكورة في قوله أن يكون الخ وإِلا فقوله أن يكون الخ ليس صلاة انظر م ر .
قوله : ( وهو ) أي العدوّ قليل .
قوله : ( وفي المسلمين كثرة ) المراد بالكثرة أن يكون المسلمون مثلهم في العدد بأن يكونوا مائتين والكفار مائتين مثلاً ، فإذا صلى بطائفة وهي مائة يبقى مائة في مقابلة مائتي العدوّ ، وهذه أقل درجات الكثرة ، اه شرح م ر .
قوله : ( فيفرقهم الإمام ) ولو في أول الوقت وإن رجي زوال الخوف ، وقوله : الإمام ليس بقيد ، وكذا قوله فرقتين قال الشمس الشوبري : هل الخيرة في جعل إحدى الفرقتين تصلي معه الأولى والأخرى الثانية للإمام أو يقرع إذا حصل نزاع ؟ اه . قال شيخنا : الخيرة للإمام وإذا أمرهم بشيء وجب فإن لم يأمر بشيء فالخيرة للقوم ، فإن تنازعوا فينبغي أن يقرعوا ؛ والمراد بالإمام إمام الجيش فإن فوّضه لإمام الصلاة كان نائباً عنه اه أ ج . قوله : ( إلى حيث ) أي مكان منعطف ، وقوله لا يبلغهم سهام العدو أي فيه .(2/494)
"""""" صفحة رقم 495 """"""
قوله : ( جوازاً ) وعند ركوعها وجوباً لئلا يحصل السبق بركنين فعليين ، أي لو ركع واعتدل وهوي للسجود قبل نية المفارقة لأنه لا يحصل السبق بركنين إِلا عند الهويّ للسجود ، وحينئذ فكان وجوب نية المفارقة عند الاعتدال لا عند الركوع . والحاصل أن نية المفارقة لا بد منها لكن حكمها يختلف باختلاف المحالّ الثلاثة اه م د .
قوله : ( ويطيل الخ ) فإن لم يطل جاز ذلك وحينئذ تكون الطائفة الأخرى مسبوقة .
قوله : ( فيصلي بها بعد اقتدائها به ركعة ) هذا إن أدركت معه الركوع فإن لم تدرك معه الركوع وجلس الإمام للتشهد يقومون فيصلون الركعتين والإمام منتظر لهم ليسلم بهم كما لو صلى بأربع فرق صلاة رباعية ، فإن الفرقة الرابعة تأتي بثلاث ركعات والإمام منتظر لهم ، أو تصلي ركعة بعد جلوسه وركعة بعد سلامه ، أو يتعين عليهم عدم القيام إِلا أن يسلم الإمام فيقومون كالمسبوق في الأمن ؛ قال ابن قاسم : احتمالات ثلاث اه قال شيخنا : الأقرب الأول بعد أن توقف ، وقال : لم أر في ذلك شيئاً اه أ ج .
قوله : ( غطفان ) بالغين المعجمة والطاء المهملة المفتوحتين .
قوله : ( وسميت ) أي هذه البقعة .
قوله : ( لأن الصحابة ) هذا هو الأرجح لوروده في السير في تلك الغزوة ومن ثم قدّمه الشارح .
قوله : ( لفوا بأرجلهم الخرق ) والخرق تسمى رقاعاً ، فظهر وجه المناسبة .
قوله : ( وقيل باسم جبل ) فيه مسامحة إذ اسم الجبل جزء الاسم أي والاسم بتمامه ذات الرقاع ، فهو من الأعلام المركبة .(2/495)
"""""" صفحة رقم 496 """"""
قوله : ( لترقع صلاتهم ) لأن بعضها جماعة وبعضها فرادى وبعضها فيه الاقتداء حقيقي وبعضها فيه الاقتداء حكمي ، وقيل : لأنهم رفعوا فيها راياتهم .
قوله : ( فبفرقة ركعتين ) أي وتفارقه بعد التشهد الأول معه لأنه موضع تشهدهم ، قاله في شرح المهذب شرح م ر أ ج .
قوله : ( أفضل من عكسه ) لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أولى الفرقة الثانية ، أي زيادة التشهد عليهم وأنهم يتبعون الإمام في التشهد .
قوله : ( الجائز ) أشار بقوله الجائز إلى أن أفعل التفضيل ليس على بابه ، إذ صورة العكس مكروهة كما في شرح م ر أ ج .
وقوله ليس على بابه فيه نظر لأنه بالنظر للكراهة على بابه .
قوله : ( فبكل ركعتين ) أي فبكل فرقة ركعتين ، فلو صلى بفرقة ركعة وبالأخرى ثلاثاً أو عكسه صحت مع الكراهة وسجد الإمام والطائفة الثانية سجود السهو للمخالفة بالانتظار في غير محله . قال صاحب الشامل : وهذا يدل على أنه لو فرقهم أربع فرق سجدوا للسهو أيضاً للمخالفة ، وهو كما قال شرح م ر . وقوله سجدوا أي غير الفرقة الأولى اه أ ج .
قوله : ( صحت صلاة الجميع ) أي الفرق الأربع ، وتفارق كل فرقة من الثلاث الأول وتتم لنفسها وهو منتظر فراغها ومجيء الأخرى في القيام ، وينتظر الرابعة في تشهده ليسلم بها ؛ شرح المنهج . ويندب له ولهم غير الفرقة الأولى سجود السهو لمخالفته الوارد بالانتظار في غير محله ؛ لأن الإمام متى خالف الوارد ندب له سجود السهو وتطرق الخلل منه إلى المأمومين اه م د .
قوله : ( وسهو كل فرقة الخ ) حاصله أن سهو المأموم حال اقتدائه ولو حكماً محمول عنه ، وأن سهو الإمام يلحق من حضره أو تأخر عنه لا من فارقه قبله ق ل .
قوله : ( وكذا ثانية الثانية ) أي في الثنائية لانسحاب حكم القدوة عليهم ؛ لأنهم يتشهدون معه من غير نية جديدة فهم مقتدون به حكماً .(2/496)
"""""" صفحة رقم 497 """"""
قوله : ( وفينا كثرة ) قال شيخنا هذه الشروط الثلاثة لصحتها وجوازها فلا تصح مع فقد شرط منها ولا تتوقف على ضيق الوقت اه .
قوله : ( ولحقوه في الركعة الخ ) أي في القيام أو الركوع ؛ لأن حكمهم كالمسبوق ، فإن لحقوه في القيام أو في الركوع أدركوا الركعة ، وإن أدركوه في الاعتدال بطلت صلاتهم إن لم ينووا المفارقة قبل شروعه في الاعتدال .
قوله : ( بعسفان ) وكان في ألف وأربعمائة وخالد بن الوليد في مائتين من المشركين بعيداً منه في صحراء واسعة اه شوبري ؛ ثم أسلم خالد بعد ذلك رضي الله عنه .
قوله : ( لعسف السيول فيها ) أي لتسلط السيول عليها .
قوله : ( أو تحول بمكان آخر ) أي فيه .
قوله : ( وبعكس ذلك ) بأن يسجد الصف الثاني في الركعة الأولى والأول في الثانية الخ .
قولهم : ( إذا لم تكثر أفعالهم ) في التحول بأن لا يأتي كل بثلاث حركات متوالية . فإن قلت : الأفعال الكثيرة المتوالية مغتفرة في القتال فلم لم يغتفر هنا ذلك ؟ قلنا : هذا ليس بسبب القتال ولا ضرورة إليه لإمكان الحراسة من كل منهما في محله بخلاف ذلك اه م د .
قوله : ( والذي في خبر مسلم ) هذا أفضل الكيفيات أ ج وفي السيرة الحلبية : وصلاة(2/497)
"""""" صفحة رقم 498 """"""
عسفان على ما رواه مسلم ( أنه صفهم صفين وأنه أحرم بهم وركع واعتدل بهم جميعاً ، ثم لما سجد سجد معه الصف الأول سجدتيه وتخلف الصف الثاني في اعتداله للحراسة ، فلما قام وقام من معه سجد الصف الثاني ولحقه في القيام وتقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول ، ثم ركع واعتدل بهم جميعاً ، ثم سجد وسجد معه الصف الثاني الذي تقدم واستمر الصف الأول الذي تأخر على الحراسة في اعتداله ، فلما جلس للتشهد أتموا بقية صلاتهم وجلسوا معه للتشهد ، فتشهد وسلم بهم جميعاً ) . وعلى هذه الصلاة حمل أئمتنا ما جاء . ( فُرِضَتِ الصَّلاَةُ في الخَوْفِ رَكْعَة ) أي أنها ركعة مع الإمام ، ويضم إليها أخرى . ثم رأيت في الدر المنثور التصريح بأن هذه الصلاة هي صلاة عسفان ، عن أبي عباس الزرقي قال : ( كنا مع رسول الله بعسفان ، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة ، فصلى بنا النبي الظهر فقالوا : قد كانوا على حال غرّة ) الحديث . واشترط أئمتنا في هذه الصلاة وهي إذا كان العدو في جهة القبلة ولا ساتر أن يكون كل صف مقاوماً للعدو وأن كل واحد لاثنين وإِلا لم تصح الصلاة لما فيه من التغرير للمسلمين ؛ ولعل صلاته بالصفين كانت كذلك . وهذه الصلاة لم ينزل بها القرآن كصلاة بطن نخل ، فعلم أن القرآن لم ينزل إِلا بصلاة ذات الرقاع وبصلاة شدة الخوف ، ولم أقف على أنه صلى صلاة شدة الخوف وهو أن يلتحم القتال أو لم يأمنوا هجوم العدو اه .
قوله : ( بالسجود ) أي في حال سجودهم دون ركوعهم .
قوله : ( لأن الراكع تمكنه المشاهدة ) في نسخة : تمكنه بالمشاهدة أي تمكنه الحراسة بالمشاهدة .
قوله : ( بحيث لم يأمنوا ) بيان لشدة الخوف .
قوله : ( ولوا عنه ) كما في ذات الرقاع ، وقوله : أو انقسموا كما في عسفان .
قوله : ( والتحام الحرب ) قيل : معناه أن يصل سلاح أحد الفريقين للآخر ؛ والظاهر أن(2/498)
"""""" صفحة رقم 499 """"""
الواو بمعنى أو لأن هذا نوع آخر لشدة الخوف كما يدل عليه قوله فيما قبله وإن لم يلتحم القتال .
قوله : ( أو يقارب التصاقه ) أي التصاق اللحم .
قوله : ( كيف أمكنه ) والمعتمد أنه ما دام يرجو الأمن لا يفعلها ، فإن رجاه ولو بقدر ركعة في الوقت وجب التأخير ق ل و م ر ؛ فإن لم يرج الأمن فله فعلها أول الوقت قياساً على فاقد الطهورين . وأما باقي الأنواع فالظاهر فيها عدم اشتراط ذلك زي . وسوّى سم بين الجميع فيما ذكر من التفصيل .
قوله : ( أو راكباً ) ولو في الأثناء إن احتاج إليه ، ولو أمن الراكب نزل فوراً وجوباً وبني إن لم يستدبر القبلة اه زي .
قوله : ( بسبب العدو ) خرج ما إذا انحرف لجماح الدابة ففيه التفصيل الآتي .
قوله : ( في تفسير الآية ) أي في سياق تفسير الآية ، وإِلا فتفسير رجالاً أو ركباناً بذلك بعيد من اللفظ اه ح ل .
قوله : ( فلو انحرف عنها ) أي عن الجهة التي أمكنه التوجه إليها وإن لم تكن قبلة إذ هي بمنزلة القبلة له .
قوله : ( وطال الزمان ) فإن لم يطل فلا بطلان ، لكن يسجد للسهو على المعتمد اه أ ج .
قوله : ( أفضل من انفرادهم ) إِلا إن كان الانفراد هو الحزم أي الرأي السديد فهو أفضل اه ز ي .
قوله : ( المتوالية لحاجة القتال ) لو احتاج إلى خمس ضربات مثلاً فقصد الإتيان بست فهل(2/499)
"""""" صفحة رقم 500 """"""
تبطل بالشروع أو لا تبطل ؟ قال سم في حواشي التحفة : ظهر لي الآن الأول اه . قال شيخنا : والأقرب عدم البطلان . ويفرق بين هذه ومسألة الأفعال الثلاثة بأن ما هنا مطلوب لذاته بل ربما يكون واجباً ، بخلاف تلك فإنه منهي عن ذلك فاقتضى البطلان فيها دون هذه اه أج .
قوله : ( ولا يعذر في الصياح ) ومثله النطق بلا صياح كما في الأم اه أ ج .
قوله : ( لعدم الحاجة إليه ) فإن احتاج إليه كإنذار أحد ممن يراد الفتك به مثلاً فيحتمل اغتفاره وعدم القضاء ويحتمل وجوب القضاء لأنه نادر اه زي أ ج .
قوله : ( إذا دمي ) أي مثلاً فالمراد إذا تنجس ، وأما إذا لم يتنجس فتارة يسن حمله إذا كان لا يؤذي غيره ولا يظهر بتركه خطر وتارة يكره إذا آذى ، بل قال الإسنوي وغيره : إن غلب على ظنه ذلك حرم ؛ وتارة يجب إذا ظهر بتركه خطر ، فإن خلا عن ذلك كله كان حمله مباحاً .
قوله : ( أمسكه ) أي فيجب حمله وإن كان نجساً ، ويجب إبقاء بيضه وإن منعت السجود حيث انحصرت الوقاية في ذلك ؛ لأن في تركه حينئذ استسلاماً للعدو ، ويحمل السلاح ولو أدى لإيذاء غيره حفظاً لنفسه ، ولا نظر لضرر غيره أخذاً من مسألة الاضطرار حيث قدم نفسه ولم يجب دفعه لمضطر آخر تقديماً لنفسه ويجب القضاء اه أ ج . والمراد بالبيضة الطاسة التي توضع على رأسه .
قوله : ( ويقضي ) هذا هو المعتمد وما في المنهاج ضعيف شرح م ر أ ج .
قوله : ( وله حاضراً كان أو مسافراً الخ ) لما حمل كلامه على قتال الكفار احتاج لذلك .
قوله : ( مباح قتال ) من إضافة الصفة للموصوف ؛ أي قتال مباح أي جائز ، فشمل المندوب والواجب والمباح ؛ فالمراد بالمباح غير الحرام زي . ولا يضر وطؤه نجاسة ، لكن يجب عليه القضاء إن وطئها قصداً وكانت غير معفوّ عنها ح ل .
قوله : ( كقتال عادل لباغ ) بخلاف عكسه فلا يجوز لهم ذلك ، أي إذا لم يكن لهم تأويل فإن كان للبغاة تأويل جاز لهم اه زي .
قوله : ( لقاصد أخذه ) أو لمن أخذه كخطفه نعله ، وإذا زال عذره وهو في الصلاة استقبل(2/500)
"""""" صفحة رقم 501 """"""
القبلة فوراً وأتم صلاته موضعه كما قاله ق ل . وكذا إذا شردت دابته وخاف عليها الضياع . وعبارة عبد البر : ولو خطف نعله في الصلاة جاز له صلاة شدة الخوف إذا خاف ضياعه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعاً لابن العماد ، ويومىء برأسه ، ولا يضر وطؤه النجاسة كحامل سلاحه الملطخ بالدم للحاجة ويلزمه فعلها ثانياً على المعتمد . وفي الجيلي : لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشياً كهارب من حريق ؛ لأن المنع الشرعي كالحسي ، وإذا أحرم يطيل القراءة إلى أن يخرج من المغصوب وإن خرج الوقت لأن ذلك من جملة مسائل المدّ . وتقدم أنه حيث أحرم بالصلاة والوقت يسعها فله المد وإن خرج الوقت ؛ هذا ما اعتمده م ر خلافاً لابن حجر في شرح العباب . وقال الرحماني : والخارج من المغصوب يصلي ولو بالإيماء حال خروجه قيل ولا إعادة عليه اه . وأظنه كلام ابن حجر فراجعه .
قوله : ( إن خاف فوت الوقت ) بأن لم يدرك فيه ركعة شرح الروض ؛ ومحل ذلك إذا كان يرجو الأمن كما تقدم .
قوله : ( لمحرم ) خرج به مريد الإحرام فليس له ذلك بل يحرم عليه الإحرام إن ظن فوات الصلاة به . قوله : ( خاف فوت الحج ) وكذا العمرة إذا نذر فعلها في وقت معين وضاق ذلك الوقت عن الإتيان بها فيه لو صلى ماكثاً م ر . وخالف حج فقال : يصلي ثم يعتمر لأن أصل العمرة وقتها الأبد اه أ ج .
قوله : ( إن صلى العشاء ) ليس بقيد بل لو لم يمكنه تحصيل الوقوف إِلا بترك صلوات أيام وجب الترك اه زي . وعبارة ق ل : هو مثال ، وإِلا فلا يتقيد بصلاة ولا بأكثر ولا بأيام ولا بأشهر .
قوله : ( أن يصليها ) في تأويل مصدر اسم ليس مؤخر ، وقوله لمحرم خبرها مقدم .
قوله : ( حاصل ) أي موجود ؛ لأن الحج إلى الآن لم يوجد بخلاف إنقاذ النفس وردّ النعل والبعير النادّ لأنه يخاف فوت ما هو موجود ، بخلاف الحاج فإنه يروم تحصيل ما ليس بحاصل م د . وقوله لأن الحج الأولى أن يقول لأن عرفة لأن الكلام فيها .
قوله : ( ولو صلوا صلاة شدة الخوف ) هذا جار في الأنواع الأربعة ، لكن قوله قضوا يحتاج لتقييد بأن يقال قضى من اشتملت صلاته على مبطل احتمل في الخوف ولم يحتمل في الأمن ، كتطويل الاعتدال في صلاة عسفان والانفراد بركعة في صلاة ذات الرقاع مثلاً .(2/501)
"""""" صفحة رقم 502 """"""
قوله : ( ظنوه ) مثله الشك .
قوله : ( قضوا ) فلو بان عدوّاً يريد الصلح فلا قضاء اه أ ج .
قوله : ( الذي أسقطه المصنف ) لعله لعدم اختصاصه بالخوف .
قوله : ( نفلاً ) أي معادة ، ومع ذلك لا تجب عليه فيها نية الجماعة فهو مستثنى من وجوب نية الجماعة في المعادة شوبري ، وأقره أ ج . قال ع ش : وفي الاستثناء نظر إلا أن يكون منقولاً في كلام الأصحاب ، وإِلا فالقياس كما دل عليه كلامهم وجوب نية الجماعة .
قوله : ( فهي مندوبة فيه ) صريح كلامه أنها لا تندب في الأمن ، وهو يخالف ما في صلاة الجماعة أن الأصلية خلف المعادة من نوعها مندوبة كما قاله شيخنا م ر ق ل . ولا يخفى أن مبنى الإشكال على أن الضمير في قول الشارح وهي راجع لصلاة الإمام ، وليس كذلك بل إنما هو راجع لصلاة الطائفة الثانية خلفه ، فهي وإن جازت في الأمن من غير كراهة أي فهي مباحة فهي هنا مستحبة ؛ لأن كراهة الفرض خلف النفل في غير المعادة ح ل . وأيضاً ليس الإعادة هنا كثَمَّ لأنه هنا يأمر من صلى بعدم الإعادة ويعيد بغيره شوبري .
قوله : ( عند كثرة المسلمين ) فهي شروط للندب لا للجواز على المعتمد وكراهة اقتداء المفترض بالمتنفل محلها في الأمن زي ، أو أن محله في النفل المحض ح ف .
قوله : ( أن يسمع الخطبة عدد ) أي أن يسمع ثمانون فأكثر ويصلي منهم مع كل فرقة أربعون فأكثر ق ل .(2/502)
"""""" صفحة رقم 503 """"""
قوله : ( ولو حدث نقص ) الحاصل أن النقص في الفرقة الأولى يضر مطلقاً ، أي سواء كان في أولاهم أو في ثانيتهم ، والنقص في الثانية لا يضر مطلقاً أي سواء كان في أولاهم أو في ثانيتهم ؛ قرره الشبشيري . وعلى هذا فلا يشترط أن يسمع الخطبة من الفرقة الثانية أربعون إذ لا معنى لاشتراط سماع الأربعين مع جواز نقصهم عن الأربعين ولو عند التحرم على المعتمد ع ش على م ر ؛ أي لأنها تابعة لجمعة صحيحة .
قوله : ( من الصلاة ) أي من صلاة الإمام ، وقوله أو في الثانية أي من صلاة الإمام أيضاً ، فلا تبطل سواء حدث النقص في ثانية الثانية أو في أولاها اه مرحومي .
قوله : ( في كل صلاة جهرية ) أي كصلاة الصبح ، فتجهر الفرقة الأولى في ثانيتهم لانفرادهم دون الفرقة الثانية لاقتدائهم به حكماً .
فصل : فيما يجوز لبسه للمحارب الخ
قوله : ( للمحارب ) أشار بهذا إلى مناسبة هذا الفصل لما قبله ؛ قال في التحفة : ذكره هنا الأكثرون تبعاً للشافعي رضي الله عنه ، وكأنّ وجه مناسبته أن كثيراً من المقاتلين يحتاجون للبس الحرير والنجس للبرد والقتال ، وذكره جمع في العيد وهو مناسب اه أ ج .
قوله : ( وبدأ بهذا ) أي ما لا يجوز لأن أفراده مضبوطة ، بخلاف ما يحلّ فأفراده كثيرة غير مضبوطة . وضابط الفصل أنه مبني على ما يعدّ استعمالاً عرفاً سواء كان بمباشرة أو لا ؛ لأن ما لا ضابط له لغة ولا شرعاً يرجع فيه إلى العرف والاستعمال كذلك .
قوله : ( ويحرم على الرجال ) وهو صغيرة على المعتمد عند م ر خلافاً لحج ، وقال ق ل على التحرير : إنه من الصغائر مع عدم الإصرار ، والذي في حاشية ع ش أنه من الكبائر مطلقاً .
قوله : ( على الرجال ) ولو ذميين لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة ، ومع ذلك لا يمنع الذميّ من لبسه لأنه لم يلتزم حكماً فيه ، فكما لا يمنع من شرب الخمر لا يمنع من لبس الحرير ع ش على م ر .
قوله : ( في حال الاختيار ) خرج ما إذا اضطر أو احتيج إليه كما سيأتي .(2/503)
"""""" صفحة رقم 504 """"""
قوله : ( لبس الحرير ) وكذا اتخاذه من غير لبس إن كان لأجل استعماله ، أما إذا كان لأجل أن يؤجره أو يعيره لمن يحل له لبسه فيجوز . ولو عبر بالاستعمال بدل اللبس لاستغني عن قوله ومثل اللبس الخ ومثل الحرير المزعفر كله أو بعضه أي المصبوغ بالزعفران ، فإنه يحرم ؛ وأما المعصفر فمكروه بخلاف سائر المصبوغات من أحمر وأخضر ومخطط فإنها تحل من غير كراهة في شيء منها خ ض . وفي شرح م ر تقييد حرمة المزعفر بعضه بصحة إطلاق المزعفر عليه عرفاً ، قال : فإن صح إطلاقه عليه حرم وإِلا فلا اه م د .
قوله : ( وهو ما يحل الخ ) اعترضه ق ل بأن هذا هو الإبريسم فمقابل القز الإبريسم ، وأما الحرير فيعمهما وهو الأنسب بكلام المصنف ، فلو أبقى الشارح المتن على ظاهره لكان أولى ليشمل القسمين . ويجاب بأن هذا من باب الاستخدام ، فذكر الحرير أوّلاً بالمعنى الأعم وأعاد الضمير عليه ثانياً بمعنى آخر وهو الإبريسم .
قوله : ( وهو كمد اللون ) أي غير صاف .
قوله : ( سائر أنواع الاستعمال ) وليس منها المشي عليه فلا يحرم لأنه لمفارقته له حالاً لا يعدّ مستعملاً له عرفاً شرح م ر .
قوله : ( وتدثر ) أي تدفّ به .
قوله : ( وجلوس عليه ) أي بلا حائل ، فإن فرش عليه غيره ولو خفيفاً مهلهل النسج وجلس فوقه جاز كما يجوز جلوسه على مخدة محشوّة به وعلى نجاسة بينه وبينها حائل بحيث لا تلاقي شيئاً من بدن المصلي وثيابه ، وسواء اتخذ الحرير قصداً وبسط عليه شيئاً وجلس أو اتفق له في دعوة ونحوها فبسط عليه شيئاً فجلس عليه ، خلافاً لمن صوّر الحل بما إذا اتفق في دعوة ونحوها . أما إذا اتخذ له حصيراً من حرير فالوجه التحريم وإن بسط فوقها شيئاً لما فيه من السرف واتخاذ الحرير لا محالة اه . وبقي ما لو بسط على محل جلوسه وباقي الحرير ظاهر هل يحرم نظراً لعدم ستره كله أو لا يحرم كما لو صلى على محل طاهر من حصير واسع وباقيه نجس ؟ فيه نظر ، واستقرب ع ش الثاني اه أ ج .
قوله : ( وتستر به ) كالناموسية الآتية .
قوله : ( التي وجهها حرير ) هذا كله إذا بقي الحرير على أصله ولم يستهلك ، فإن استهلك لم يحرم الاستعمال ؛ ولذا قال م ر : والأوجه عدم حرمة استعمال ورق الحرير في الكتابة ونحوها . وعلله بقوله لأنه يشبه الاستحالة اه أ ج .(2/504)
"""""" صفحة رقم 505 """"""
قوله : ( فاحتياط ) المناسب فعلى الصحيح .
قوله : ( وأما ما سواه ) أي ما سوى اللبس من بقية الاستعمالات ، وفيه أن ما ذكره لا يدل على جميع أفراد السوي ؛ نعم ذكر م ر ما حاصله أن بقية الأفراد ذكرت في بعض الأخبار .
قوله : ( وأن تجلس عليه ) أي المذكور من الحرير والديباج .
قوله : ( وعلل الإمام ) فيه أن هذا يصلح حكمة لا علة ق ل ؛ لأن العلة تقارن المعلول وجوداً وعدماً ، فيقتضي أنه لو انتفى عن الرجال الشهامة كبعض الرجال لا يحرم أو وجدت في بعض النساء يحرم ، وليس كذلك فيهما فهو حكمة لا علة والحكمة لا يضر تخلفها .
قوله : ( خنوثة ) أي ليونة ونعومة .
قوله : ( بشهامة الرجال ) أي قوتهم .
قوله : ( أو مضرين ) أي ضرراً يبيح التيمم م ر .
قوله : ( إزالة للضرورة ) في بعض النسخ إزالة للضرر ، وهي أولى .
قوله : ( ويجوز أيضاً ) هذا من أفراد الضرورة كما يدل عليه عبارة المنهج .
قوله : ( لفجاءة ) بضم الفاء وفتح الجيم والمدّ وبفتح الفاء وسكون الجيم أي بغتتها ، أي مجيئها بلا استعداد لها ولا ميعاد .
قوله : ( يقوم مقامه ) أي في الجهاد بأن كان ضيق الكمين يصلح للقتال ولم يجد غيره كذلك أو لا يقوم مقامه في دفع السلاح كما في شرح المنهج . ومقامه بفتح الميم ، قال أهل اللغة : يقال قام الشيء مقام غيره بالفتح ، وأقمته مقام غيره بالضم .
( تنبيه ) : خطر بذهني أن يقال : هلا جوّزوا التزين بالحرير في الحروب غيظاً للكفار ولو وجد غيره كتحلية الآلة لأن باب الحرير أوسع ؟ والجواب أن التحلية غير مستقلة ولأنها في الآلة المنفصلة عن البدن بخلاف التزين بالحرير فيهما ، على أن ابن كج جوّز القباء وغيره مما يصلح للقتال من الحرير وإن وجد غيره اه عميرة .
قوله : ( لعبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن ) وللزبير بن العوّام .(2/505)
"""""" صفحة رقم 506 """"""
قوله : ( لذلك ) أي للجرب والقمل . قوله : ( ويستر عورته ) معطوف على جرب .
قوله : ( التختم بالذهب ) وكذا سائر أنواع الحلي ، وأما التختم بالفضة فيجوز حيث كان على عادة أمثاله قدراً ومحلاً وصفة .
قوله : ( أي استعمالهما ) جواب عما يقال حرام مفرد ولا يخبر به عن المثنى . وأشار به أيضاً إلى أن الذي يتصف بالحرمة فعل المكلف لا ذات الحرير والذهب ؛ لأنه لا تكليف إِلا بفعل . وأجيب أيضاً بأن حرام اسم مصدر وهو كالمصدر يستوي فيه المثنى وغيره أو أن المعنى حرام كل منهما .
قوله : ( حل لإناثهم ) محله في الذهب إذا كان حلياً ، بخلاف أواني الذهب فإنها تحرم عليهن .
قوله : ( واحترز بالتختم الخ ) فهو احتراز عن أمر خاص وإِلا فغير التختم مثله من غير المذكورات . وكان المناسب أن يقول واحترز بالذهب عن الفضة لجواز التختم بها حيث كان على الوجه المتقدم . ولا يضر نقش اسمه عليه ليختم به ، قرره ح ف .
قوله : ( عن اتخاذ أنف الخ ) والأصل في ذلك ( أن عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم الكُلاب ) بضم الكاف اسم لماء كانت الواقعة عنده في الجاهلية ( فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه فأمره النبي فاتخذ أنفاً من ذهب ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه . وقِيسَ بالأنف الأنملة والسن .
قوله : ( أو أنملة ) وأما الأنملتان فإن كانتا من أعلى الأصبع جاز اتخاذهما لوجود العمل بواسطة الأنملة السفلى وعليه يحمل كلام سم ؛ وإن كانتا من أسفل الأصبع امتنع ، وعليه يحمل كلام م ر في شرحه .
قوله : ( واستعماله بفرش ) سواء الحلية وغيرها فيحمل لها ذلك أي استعمال ذلك لبساً(2/506)
"""""" صفحة رقم 507 """"""
وفرشاً ؛ وهذا بالنسبة للحرير وما أكثره حرير ، أما المطرز أو المنسوج بذهب أو فضة فيحل لها لبسه ويمتنع عليها فرشه كما صرح به القونوي ؛ لأن الرافعي يحرم عليها فرش الحرير ، ولم يستدرك عليه النووي إِلا في الحرير ، فعلم من استدراكه عليه في الحرير أن المطرز بالذهب أو الفضة أو المنسوج بهما أو بأحدهما يحرم عليها فرشه والجلوس عليه ، كذا قرره شيخنا زي في درسه خ ض . والحاصل أن المنسوج المذكور والمموّه والمطرز بذهب أو فضة لا يحل للمرأة من استعمالها إِلا اللبس ؛ لأن علة الحل تزينها الداعي إلى الميل إليها ووطؤها المؤدي إلى كثرة النسل المطلوبة للشارع وذلك لا يوجد في غير اللبس من الفرش والتدثر ونحوهما ، وهذا هو المعتمد ، ومن ثم اقتصر في المنهج على اللبس فقال : ولامرأة لبس حليهما وما نسج بهما لا إن بالغت في سرف . وقوله : لا إن بالغت في سرف المعتمد : لا إن أسرفت ؛ فإنها إن أسرفت حرم وإن لم تبالغ في الإسراف كما صرح به مُحَشُّوه ، وما نقله ق ل عن شيخه من حرمة المموّه عليها مطلقاً ضعيف . والحاصل أن سائر أنواع الذهب والفضة يجوز استعماله للنساء إِلا في صورتين فقط ، الأولى : استعمال الأواني ، الثانية : إذا أخذت الحرير وزركشته بالذهب أو الفضة وفرشته تحتها أو تدثرت به فإنه يحرم عليها ذلك لما فيه من إضافة النقدين اه م د على التحرير .
قوله : ( من حرم عليه ) وهو الرجل والخنثى .
قوله : ( فإنه يحرم تغليباً ) وكذا إذا شك هل الأكثر حرير أو لا خلافاً لحج وعبارة م د . ولو شك في كثرة الحرير أو غيره أو استوائهما حرم كما جزم به في الأنوار كالتفسير فإنه يحرم حمله مع الحديث تعظيماً للقرآن في حالة الشك والاستواء ، ولا بد من تحقيق زيادة التفسير ولو بشيء يسير . ويفرق بينه وبين عدم حرمة المضبَّب إذا شك في كبر الضبة وصغرها بالعمل بالأصل فيهما ، إذ الأصل حل استعمال الإناء قبل تضبيبه والأصل تحريم الحرير لغير المرأة واستمراره ملابسة الملبوس لجميع البدن ، بخلاف الإناء ؛ وغلبة الظن كافية كاليقين ؛ ولذا قال : ولا يشترط اليقين أي بل يكفي غلبة الظن .
قوله : ( وللولي الخ ) المراد به من له ولاية التأديب فيشمل الأم والأخ الكبير فيجوز لهما إلباسه الحرير فيما يظهر ، وأما الخنجر المعروف والسكين المطليان بالنقد فيحرم إلباسهما له ، وأما الحياصة فتحل اه ع ش على م ر .
قوله : ( إلباس ما ذكر ) أي من الحرير والمنسوج والمموّه ، أي لافتراشه ودثاره ق ل . وله(2/507)
"""""" صفحة رقم 508 """"""
تزيينه بالحلي ولو من ذهب وإن لم يكن يوم عيد . واعتمد م ر أن ما جاز للمرأة جاز للصبي والمجنون ، فيجوز إلباس كل منهما نعلاً من ذهب حيث لا إسراف عادة سم على المنهج . والمراد بالصبي ولو مراهقاً لأنه غير مكلف ، قال الشريف الرحماني : وخرق الأنف لما يجعل فيه من نحو حلقة نقد حرام مطلقاً ، ولا عبرة باعتياد ذلك لبعض الناس في نسائهم وأذن الصبي كذلك ، ولا نظر لزينته بذلك دون الأنثى ، فيجوز خرق أذنها على المعتمد من إفتاءين للرملي متناقضين . وعبارة الرملي في شرح الزبد : وأما تثقيب آذان الصبية لتعليق الحلق فحرام لأنه جرح لم تدع إليه حاجة ، صرح به الغزالي في الإحياء وبالغ فيه مبالغة شديدة ، قال : إِلا أن ثبت فيه من جهة النقل رخصة ولم يبلغنا . وقوله : فحرام ضعيف ، وفي الرعاية في مذهب الإمام أحمد : يجوز تثقيب آذان الصبية للتزيين ويكره ثقب أذن الصبي اه بحروفه .
قوله : ( صبياً ) مفعول أول لقوله إلباس لأنه الفاعل في المعنى والهاء مفعول ثان .
قوله : ( ويحل ما طرز ) وهو ما ركب بالإبرة من الحرير الخالص كالشريط ؛ قال السبكي : والتطريز جعل الطراز مركباً على الثوب ، أما المطرز بالإبرة فالأقرب أنه كالمنسوج حتى يكون مع الثوب كالمركب من حرير وغيره لا كالمطرز ؛ وقوله أو رقع أي جعل رقعاً كالقطع القطيفة التي تجعلها القوّاسة على بشوتهم ، أما المشتغل بالإبرة فحكمه كالمنسوج ذكره م د . والحاصل عند شيخنا أن ما طرز أو رقع وإن تعدد لا بد أن لا يزيد ما طرز أو رقع به على الثوب وزناً ، ولا بد أن يكون كل طرز أو رقعة بقدر أربع أصابع ، فاعتبر فيه ما اعتبر في المنسوج وزيادة قدر أربع أصابع كما أفاده ح ل .
قوله : ( قدر أربع أصابع ) أي عرضاً وإن زاد طوله زي . وكتب بعضهم : قوله قدر أربع أصابع أي طولاً وعرضاً في الترقيع وعرضاً فقط في التطريز وإن زاد طولاً .
قوله : ( قدر عادة ) أي عادة أمثال اللابس من غير نظر إلى زيادة وزن بدليل الفرق الذي ذكره ، فإن خالف عادة أمثاله وجب قطع الزائد وإن باعه لمن هو عادته ، بخلاف ما لو اشتراه ممن عادته ذلك لأنه دوام ق ل .
( فرع ) : يحل خيط المفتاح والميزان والكوز والمنطقة والقنديل وليقة الدواة وتكة اللباس وخيط السبحة ، وفي شراريبها تردد . ونقل عن م ر حلّها . وقال ق ل بالحرمة . واستثنى بعضهم الشرّابة التي هي طرف الخيط عند المسماة بالمأذنة ، فقال : إنها تحل أيضاً بخلاف ما بين الحبات من الشراريب . ويحل خيط الخياطة والأزرار وخيط المصحف وكيسه لا كيس(2/508)
"""""" صفحة رقم 509 """"""
الدراهم ، ويحل غطاء الكوز كخيطه لا غطاء العمامة . ومن المحرّم ستر الجدران ومنه ما يفعل أيام الزينة إِلا لفاعلها بقدر ما يدفع الضرر عنه لأنهم مكرهون . وأما ستر الكعبة به فجائز باتفاق ، وكذا قبور الأنبياء والمرسلين على ما اعتمده م ر خلافاً للشهاب ق ل . وأما قبور الأولياء والصالحين فسترها به حرام على ما اعتمده م ر أيضاً وما نقله الرحماني من الخلاف في ذلك فضعيف . ويحرم إلباس الحرير للدواب لأنها لا تتقاعد ، أي لا تنقص عن ستر الجدران به . وإذا قيل بجواز ستر الكعبة باتِّفاق فهل يجوز الدخول بين ستر الكعبة وجدارها لنحو الدعاء ؟ قلنا : لا يبعد جواز ذلك لأنه ليس استعمالاً وهو دخول لحاجة . وهل يجوز الالتصاق بسترها من خارج في نحو الملتزم ؟ فيه نظر ، والظاهر الجواز قياساً على جواز الدخول بينه وبين الجدار ، وصرح به سم على ابن حجر . ويحرم زركشة أستار الكعبة من الفضة ومثلها في حرمة الزركشة بما ذكر ستور قبور سائر الأنبياء والمرسلين على المعتمد خلافاً للبلقيني . وإذا قلنا بحرمة ذلك فتحرم الفرجة عليه أيضاً كالفرجة على الزينة المحرّمة لكونها بنحو الحرير ، بخلاف المرور عليها لحاجة ؛ وامتناع ابن الرفعة من المرور أيام الزينة كان ورعاً كما قاله م ر . ولو أكره الناس على الزينة المحرمة لم يحرم عليهم ، وهل يجوز التفرج عليها حينئذ ؟ الذي يتجه المنع ؛ لأن ستر الجدران بالحرير حرام في نفسه ، وعدم حرمة وضعه لعذر الإكراه لا يخرجه عن الحرمة في نفسه ، وما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه لأنه رضا به كما قاله ابن قاسم على المنهج . قال ع ش : ويحرم القاووق إذا كانت بطانته وظهارته كل منهما حرير ولا بد من خياطة غطاء يعم بطانته وظهارته ، أما لو كان أحدهما حريراً فقط فالعبرة به في الخياطة عليه فهو مثل اللحاف ؛ ويحرم الكتابة على الحرير ولو نحو صداق ولو لامرأة أي حيث كانت الكتابة من الرجل ، أما لو كانت الكتابة من المرأة للصداق في الحرير فلا حرمة ولو للرجل كما نقله المدابغي عن العلامة البابلي وأقره . وعبارة سم على المنهج وبحث م ر أن كتابة اسمها على ثوبها الحرير إن احتاجت إليها في حفظه جاز فعلها للرجل وإِلا فلا ، ويحل لهما تحلية المصحف بالفضة ولها بالذهب أيضاً وكتابته كذلك . وقد سئل م ر عن الفرق بين جواز كتابة المصحف بالذهب حتى للرجال وحرمة تحليته بالذهب للرجل ؛ ولعل الفرق أن كتابته راجعة لنفس حروفه الدالة عليه بخلاف تحليته فالكتابة أدخل في التعلق به اه . وخرج بالمصحف كتب الحديث وغيرها والكعبة وقبور سائر الأنبياء والمرسلين فلا يحل فيها ذلك ؛ وكالتحلية التمويه فلا يحل ، والتحلية وضع قطع النقد الرقاق مسمرة على الشيء ، والتمويه إذابته والطلاء به ، ومن التمويه القصب الذي في أطراف الشاشات فإنه إن حصل منه شيء بالعرض على النار حرم وإِلا فلا يحرم زي .
( تنبيه ) : يعلم من هنا وما يأتي في زكاة النقد أن المحمل المشهور غير جائز ؛ ولا تحل الفرجة عليه ولا يصح الوقف عليه ، ومثله كسوة مقام إبراهيم ، وكذا الذهب الذي على(2/509)
"""""" صفحة رقم 510 """"""
الكسوة والبرقع ؛ فراجع ذلك وحرره اه ق ل على المحلى . وأول من كسا الكعبة عدنان بن داود ، وكانت قريش تشترك في كسوة الكعبة حتى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة فقال لقريش : أنا أكسو الكعبة سنة وحدي وجميع قريش سنة ؛ أي وقيل : كان يخرج نصف كسوة الكعبة في كل سنة . ففعل ذلك إلى أن مات فسمته قريش العدل لأنه عدل قريشاً وحده في كسوة الكعبة ، ويقال لبنيه بنو العدل . وكانت كسوتها لا تنزع ، فكان كلما تجدد كسوة تجعل فوق . واستمر ذلك إلى زمنه ، ثم كساها النبي الثياب اليمانية . وفي كلام بعضهم : أول من كسا الكعبة القباطي النبي ، وكساها أبو بكر وعمر وعثمان القباطي ، وكساها معاوية الديباج والقباطي والحبرات ، فكانت تكسي الديباج يوم عاشوراء والقباطي في آخر رمضان . وكساها المأمون الديباج الأحمر والديباج الأبيض والقباطي والقباطي نوع من الحرير فكانت تكسى الأحمر يوم التروية والقباطي يوم هلال رجب والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان . قال بعضهم : وهكذا كانت تكسى في زمن المتوكل العباسي ، ثم في زمن الناصر العباسي كسيت السواد من الحرير ، واستمر ذلك إلى الآن في كل سنة ؛ وكسوتها من غلة قريتين يقال لهما بيسوس وسندبيس من قرى القاهرة ، وقفهما على ذلك الملك الصالح إسم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; عيل بن الناصر محمد ابن قلاوون في سنة نيف وخمسين وسبعمائة . والآن زادت القرى على هاتين القريتين . والحاصل أن أول من كساها على الإطلاق تُبَّع الحميري على الراجح ، وذلك قبل الإسلام بتسعمائة سنة . وقيل : أول من كساها الديباج عبد الملك بن مروان ، وهو المراد بقول ابن إسحاق : أول من كساها الديباج الحجاج ، لأن الحجاج كان من أمراء عبد الملك . وقد سئل الإمام البلقيني : هل يجوز كسوة الكعبة بالحرير المنسوج بالذهب ويجوز إظهارها في دوران المحمل الشريف ؟ فأجاب بجواز ذلك ، قال : لما فيه من التعظيم لكسوتها الفاخرة التي ترجى بكسوتها الخلع السنية في الدنيا والآخرة . ويجوز إظهارها في دوران المحمل الشريف ، فإن في ذلك التفخيم المناسب للحال المنيف اه من السيرة الحلبية .
قوله : ( محل الحاجة ) أي لأنه يصون الثوب عن القطع ونحوه .
قوله : ( فإنه مجرد زينة ) قد يتصور فيه الحاجة كالرفو فيكون كالتطريف على الأقرب سم .
قوله : ( تتمة يحل استصباح الخ ) مناسبة هذا لما هنا من جهة حل الاستعمال تارة وعدمه أخرى .
قوله : ( بدهن نجس ) لا في مسجد مطلقاً ولا في مؤجر ومعار وموقوف إن لوّث ما لم(2/510)
"""""" صفحة رقم 511 """"""
تدع إليه ضرورة في المسجد وإلا جاز ، ويجوز تنجيس الموقوف أي البيت الموقوف بما جرت به العادة كتربية الدجاج ونحوه وملك الغير كالموقوف ق ل .
قوله : ( لأنه الخ ) دليل للمقيس عليه وهو المتنجس .
قوله : ( لا دهن نحو كلب ) فلا يحل الاستصباح به ولا الطلي لغلظ نجاسته ؛ نعم أفتى شيخنا م ر بجواز دهن كلب محترم بدهن كلب آخر حيث دعت له حاجة ولم يلزم منه تضمخ بنجاسة عيناً . قال شيخنا زي : ويؤخذ من التعليل المتقدم أنه لا يجوز الدبغ بروث الكلب ونحوه وإن أجزأ في الدبغ اه خ ض .
قوله : ( ويحل لبس شيء متنجس ) لا في مسجد فإنه لا يجوز لبسه فيه إلا لحاجة ؛ لأنه لا يجوز إدخال النجاسة المسجد لغير حاجة تنزيهاً له م د .
قوله : ( كجلد ميتة ) أي فلا يحل لبسه لآدمي ويحل لغيره إلا جلد نحو كلب ، فلا يحل إلباسه لنحو الكلب . وخرج باللبس الافتراش والتدثر فيحل مطلقاً اه ق ل .
قوله : ( لإقامة العبادة ) قضيته أن غير المميز من الآدميين يجوز إلباسه ذلك ، وكذا المميز في غير وقت إقامة العبادة . والمدعي أنه يحرم لبس النجس مطلقاً ، فلا ينتج هذا الدليل المدعي إلا أن يقال هو من شأنه التعبد ، واعتمده شيخنا اه ح ل مع زيادة . فلو أسقط قوله لإقامة العبادة لتم الدليل كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( إلا لضرورة ) قال في الأنوار : ولا يجوز استعمال جلد الشاة الميتة في اللبس إلا للضرورة ، ويجوز في الفرش وغيرها وإن لم تكن ضرورة . قال ابن حجر بعد نقله كلام الأنوار : وإن قال الزركشي المذهب المنصوص أنه لا ينتفع بشيء منها . ويحل تسميد الأرض بالزبل ودبغ الجلد بالنجس ولو من مغلظ مع الكراهة فيهما وطلي السفن والاستصباح بالدهن النجس من غير مغلظ في غير مسجد مطلقاً وغير موقوف ومؤجر ومعار إن لوث ، وإذا استصبح بالدهن النجس جاز إصلاح الفتيلة بيده وإن تنجس أصبعه وأمكن إصلاحها بعود ؛ لأن التنجس يجوز للحاجة ولا يشترط لجوازه الضرورة . وقضية حرمة استعمال نحو جلد الكلب والخنزير وشعرهما حرمة استعمال ما يقال له في العرف الشيتة لأنها من شعر الخنزير ؛ نعم إن توقف استعمال الكتان عليها ولم يوجد ما يقوم مقامها فهذا ضرورة مجوّزة لاستعمالها ؛ وعلى هذا لو تندى الكتان فهل يجوز استعمالها ويعفى عن ملاقاتها له حينئذ مع نداوته ؟ قال م ر : ينبغي(2/511)
"""""" صفحة رقم 512 """"""
الجواز إن توقف الاستعمال عليها . وأقول : ينبغي أن يقيد الجواز بما إذا لم يمكن تجفيف الكتان وعمله عليها جافاً سم على المنهج وعبد البر . ويحل مع الكراهة استعمال المشط من العاج في الرأس واللحية حيث لا رطوبة لشدة جفافه مع ظهور رونقه كما ذكره أج .
قوله : ( ولا يحرم استعمال النشا ) أي في ثوب يقتنيه . وعبارة ق ل : ويحل استعمال النشا في الثياب والدقاق في غسل الأيدي بقدر الحاجة اه .
قوله : ( وترك دق الثياب ) أي لمالكها لأنه يذهب قوتها ، أما لو كان ذلك للبيع فإنه من الغش المحرم فيجب إعلام المشتري به م د .
فائدة : قال ابن القيم : ما يفعل في زماننا من عمائم كالأبراج وأكمام كالأخراج فحرام باتفاق اه . ويحتمل أن يكون محله في غير المتصفين بالعلم وأرباب المناصب كالقضاة ونحوهم ، فإنّ ما صار شعاراً للعلماء يندب لهم لبسه ليعرفوا فيسألوا وليطاعوا فيما عنه زجروا ، ويحرم على غيرهم التشبه بهم فيه ليلحقوا بهم ، ويحرم على غير الصالح التزيي بزيهم حتى يظن صلاحه ، ومثله من تزيا بزي العالم وقد كثر في زماننا هذا ؛ ومنه يعلم تحريم لبس العمامة الخضراء لغير الشريف ، فقد جعلت العمامة الخضراء لأولاد فاطمة الزهراء ليمتازوا فلا يليق بغيرهم من بقية آله لبسها لأنه تزيا بزيهم فيوهم انتسابه للحسن أو الحسين مع انتفاء نسبه عنهما ويمنع من ذلك فاعلمه وتنبه له . قال ابن حجر في الصواعق : ولم تزل أنساب أهل البيت النبوي مضبوطة على تطاول الأيام وأحسابهم محفوظة عن أن يدعيهم الجهال واللئام ، ومن ثمّ وقع الاصطلاح على اختصاص الذرية الطاهرة بني فاطمة من بين ذوي الشرف كالعباسيين بلبس الأخضر إظهاراً لمزيد شرفه . وسببه أن المأمون أراد أن يجعل الخلافة فيهم فاتخذ لهم شعاراً أخضر وألبسهم ثياباً خضراً لكون السواد شعار العباسيين والبياض شعار سائر المسلمين في جمعهم ونحوها ؛ والأحمر مختلف في تحريمه ، والأصفر شعار اليهود في آخر الأمر . ثم انتهى عزمه وردّ الخلافة لبني العباس فبقي شعار الأشراف بني الزهراء ، لكنهم اختصروا الثياب إلى قطعة ثوب أخضر توضع على عمامتهم شعاراً لهم ، ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن ، ثم في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أمر السلطان الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ؛ وفي ذلك يقول بعضهم :
جعلوا لأبناء الرسول علامة
إن العلامة شأن من لم يُشْهَرِ
نور النبوة في كريم وجوههم
يغني الشريف عن الطراز الأخضرِ
وقد سئل بعض العلماء عن شخص أمه شريفة وأبوه غير شريف : هل هو شريف أم لا ؟(2/512)
"""""" صفحة رقم 513 """"""
وإذا قلتم إنه ليس شريفاً فهل له شرف على من ليست أمه شريفة ؟ وهل يجوز له أن يقول أنا من آل النبي أو من ذريته ؟ وما حكم لبس العمامة الخضراء للأشراف وغيرهم ؟ فأجاب : هذا الشخص ليس شريفاً ؛ لأن الشريف في عرف أهل مصر الآن لقب لكل من ينسب للحسن أو الحسين ، وأولاد بنات الإنسان لا ينسبون إليه لكن يعدّون من ذريته ، فله بهذا الاعتبار شرف من جهة أمه لأنه من ذريته ومن أقاربه ، ولبس العلامة الخضراء ليس له أصل في الشرع ولا في السنة وإنما حدث ذلك في زمن السلطان الأشرف شعبان ابن السلطان حسن بن محمد بن قلاوون ، ولا يمنع منها من أراد لبسها من غير الأشراف ؛ لكن الذي ينبغي اجتناب ذلك لأن فيه تدليساً لأنه صار شعاراً للأشراف فيوهم أنه منهم ، وقد قال : ( لَعَنَ الله الدَّاخِلَ فينا بغَيْرِ نَسَبٍ والخَارِجَ مِنَّا بِغير سَبَبٍ ) حشرنا الله في زمرة أهل البيت النبوي فإننا من محبيهم وخدمة جنابهم ، ومن أحب قوماً رجا أن يكون معهم بنص الحديث الصحيح اه .
قوله : ( وصقلها ) أي الأولى ترك صقلها ولبس خشن لغير غرض شرعي خلاف السنة كما اختاره في المجموع ، وقيل : مكروه ؛ ويسن لبس العذبة وأن تكون بين كتفيه للاتباع ولا يكره تركها ، إذ لم يصح في النهي عنه شيء ، ويحرم إطالتها طولاً فاحشاً وإنزال ثوبه وإزاره عن كعبيه للخيلاء للوعيد الشديد الوارد فيه ، فإن انتفت الخيلاء كره . ويسن في الكمّ كونه إلى الرسغ للاتباع ، وهو المفصل بين الكف والساعد ؛ وللمرأة ومثلها الخنثى فيما يظهر إرسال الثوب على الأرض إلى ذراع من غير زيادة عليه لما صح من النهي عن ذلك ، والأوجه أن الذراع يعتبر من الكفين ، وقيل : من الحد المستحب للرجال وهو أنصاف الساقين ، ورجحه جماعة ؛ وقيل : من أول ما يمس الأرض . وإفراط توسعة الثياب والأكمام بدعة وسرف وتضييع للمال ، نعم لو صار شعاراً للعلماء ندب لهم ذلك ليعرفوا فيسألوا اه شرح م ر أج . قوله : ( وينبغي طي الثياب الخ ) أي ولما قيل إن طيها يرد إليها أرواحها . ولا كراهة في لبس نحو قميص وقباء وفرجية ولو محلول الإزار ، إذ لم تَبْدُ عورته . ويكره بلا عذر المشي في نعل أو خف واحدة للنهي الصحيح عنهما ، بل يخلعهما أو يلبسهما ليعدل بين الرجلين ولئلا يختل مشيه . ويسن أن يبدأ بيمينه لبساً ويساره خلعاً وأن يخلع نحو نعليه إذا جلس وأن يجعلهما وراءه وبجنبه إلا لعذر كخوف عليهما ، وورد : ( امْشُوا حُفَاةً ) وفي آخر : ( أنه مشى حافياً ) . وقد يؤخذ منه ندب الحفاء في بعض الأحوال بقصد التواضع حيث أمن مؤذياً ومنجساً ولو احتمالاً . وينبغي أن لا يكون الحفاء مخلاًّ بمروءته كما هو مقرر في الشهادات ، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(2/513)
"""""" صفحة رقم 514 """"""
فصل : في الجنازة
أي بيان حقيقتها وحكمها وكيفيتها وما يطلب فيها وما لا يطلب وما يتعلق بذلك . وكان عليه أن يذكره بين الفرائض والمعاملات أو عند الجهاد لأنه من فروض الكفاية ، لكن لما كان أهمّ ما يفعل بالميت الصلاة ذكر عقبها .
قوله : ( لغتان ) وقيل بالفتح : اسم للميت في النعش ، وبالكسر : للنعش وعليه الميت . وهذا معنى قولهم : الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل . وعلى هذا إذا قال : أصلي على هذه الجنازة وأتي بالجيم مكسورة لم تصح ؛ لأن المكسور اسم للنعش ، كذا قاله القاضي في تعليقه . قال الأسنوي : والمتجه الصحة إذا أراد الميت ، وغايته أنه عبر بلفظ مجازي علاقته المجاورة . وعبارة العناني : ولو قال أصلى على الجنازة بكسر الجيم صحت إن لم يرد بها النعش اه . قلت : ومنه تعلم أنه لا منافاة بين كلام القاضي والإسنوي ، إذ كلام القاضي محمول على ما إذا لم يرد الميت وكلام الأسنوي على ما إذا أراد وحده أو أطلق ، بخلاف ما إذا أراد النعش وحده أو مع الميت فلا يصح ؛ أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فتغليباً للمبطل .
قوله : ( اسم للميت في النعش الخ ) لكن هذه المعاني قد هجرت وصارت الجنازة اسماً للميت مطلقاً ؛ ولذلك صحت النية المطلقة ق ل .
قوله : ( فإن لم الخ ) المناسب أن يذكر قبل هذا قوله وقيل اسم للنعش وعليه الميت الخ .
قوله : ( فهو سرير ونعش ) ولسان حاله يقول في كل يوم لابن آدم :
انظر إليّ بعقلك
أنا المهيا لنقلك
أنا سرير المنايا
كم سار مثلي بمثلك
قال الشاعر في المعنى :
وإذا حملت إلى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمولُ
وإذا وليت لأمر قوم مرة
فاعلم بأنك عنهم مسؤول
اه عبد البر .
قوله : ( من جنزه ) بابه ضرب فجنّ وجنز بمعنى ستر ؛ ولذا سميت به الجن لاستتارهم عنا كما ذكره الرحماني . وعبارة الأجهوري : قوله من جنزه أي على سائر التقادير كلها ، إذ الستر حاصل بكل حال لأن النعش ساتر للميت والميت مستور به اه مع زيادة .(2/514)
"""""" صفحة رقم 515 """"""
قوله : ( في الميت ) في سببية أو للتعليل أي بسببه ولأجله اه سم . فالظرفية ليست مرادة .
قوله : ( المسلم الخ ) خرج الكافر ففيه تفصيل ، فإن كان حربياً فلا يجب فيه شيء ومثله المرتد ؛ وإن كان ذميًّا أو معاهداً أو مؤمناً وجب الدفن والتكفين وجاز الغسل وحرمت عليه الصلاة . وقال خ ض : حاصل هذه المسألة أن الصلاة على الكافر حرام مطلقاً والغسل جائز مطلقاً ، والتكفين والدفن إن كان له ذمة أو عهد وجبا وإلا فلا اه .
قوله : ( غير الشهيد ) فيجب فيه اثنان ويحرم فيه اثنان . وقوله غير الشهيد أي وغير السقط .
قوله : ( على جهة فرض الكفاية ) أي إذا علم به جماعة ، فإن لم يعلم إلا واحد تعين عليه ، وكذا إذا كان عدم علمه عن تقصير بأن كان جاراً له فعلم أن تعلق الوجوب بمن علم به ولو حكماً كجار قصر في السؤال عنه ؛ ولهذا قال العلامة الشوبري : والمخاطب بهذه الأمور كل من علم بموته أو ظنه أو قصر لكونه بقربه ونسب في عدم البحث عنه إلى تقصير من أقاربه وغيرهم . والمحكوم عليه بأنه فرض كفاية هو الأفعال وأما الأعيان كثمن الماء وأجرة الغاسل والكفن فهي من تركته على ما يأتي وإلا فعلى من عليه نفقته .
قوله : ( إذا تيقن موته الخ ) والموت مفارقة الروح الجسد ، وقيل : عرض يضاد الحياة ، وقيل : عدم الحياة عما من شأنه الحياة ؛ وهذا هو الأحسن لدخول السقط وإخراج الجمادات ، لأن الأوّل يرد عليه السقط الذي لم تنفخ فيه الروح ، لأنه يقال عليه ميت مع أن روحه لم تدخل جسده حتى يقال فارقته . ويرد على الثاني الجمادات لأنه لا يقال عليها ميتة مع قيام العرض بها . والروح عند المتكلمين جسم لطيف مشتبك بالبدن كاشتباك الماء بالعود الأخضر والروح باق لا يفنى ، وأما قوله تعالى : ) الله يتوفى الأنفس حين موتها } ) الزمر : 42 ) ففيه تقدير ، أي حين موت أجسادها . واعلم أن الأرواح على خمسة أقسام : أرواح الأنبياء : وأرواح الشهداء ، وأرواح المطيعين ، وأرواح العصاة من المؤمنين ، وأرواح الكفار . فأما أرواح الأنبياء فتخرج من أجسادها وتصير على صورتها مثل المسك والكافور وتكون في الجنة تأكل وتتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش . وأرواح الشهداء إذا خرجت من أجسادها فإن الله يجعلها في أجواف طيور خضر تدور بها في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتشرب من مائها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ؛ هكذا قال رسول الله . أما أرواح المطيعين من المؤمنين فهي في رياض الجنة لا تأكل ولا تتنعم لكن تنظر في الجنة فقط . وأما أرواح العصاة من المؤمنين فبين السماء والأرض في الهواء . وأما أرواح الكفار فهي في أجواف طيور سود في سجّين ، وسجّين تحت الأرض السابعة ،(2/515)
"""""" صفحة رقم 516 """"""
وهي متصلة بأجسادها ، فتعذب أرواحها ، فيتألم بذلك الجسد كالشمس في السماء الرابعة ونورها في الأرض ؛ كما أن أرواح المؤمنين في عليين متنعمة ونورها متصل بالجسد اه عبد البر .
قوله : ( تعميم بدنه بالماء مرة ) حتى ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها نظير ما مر . في الحي ر م .
قوله : ( فلا يشترط تقدم إزالة النجاسة ) أي الحكمية .
قوله : ( خلافاً لما توهمه عبارة المنهاج ) . أجيب عنه بأنه محمول على ما إذا منعت النجاسة إيصال الماء إلى البدن .
قوله : ( ولا تجب نية الغاسل ) قال ابن حجر : وينبغي ندب نية الغسل خروجاً من الخلاف ؛ وكيفيتها أن ينوي نحو أداء الغسل عنه أو استباحة الصلاة عليه ، فلو يمم بدل الغسل فلا تجب نية التيمم أيضاً كما أنها لا تجب في أصله ، شيخنا : قال الشعراني في الميزان : قال أبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه : إنه لا تجب نية الغاسل ، وقال مالك بوجوبها . ووجه الأول أن المقصود من الغسل النظافة وهي حاصلة بلا نية ، ووجه الثاني أن الغاسل نائب عن الميت في هذه الطهارة ؛ ولو قلنا إن المغلب فيها النظافة فهي من جملة الأعمال الصالحة ، وقد قال : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّياتِ ) فلا يكون عمل صالح إلا بنية .
قوله : ( غسل كافر ) وإن كان حراماً عليه كالمرأة الأجنبية م د .
قوله : ( لا غرق ) بالرفع عطفاً على غسل أي لا يكفي غرق عن الغسل . وهذا خرج بقوله تعميم الذي هو فعل والغرق لا فعل فيه .
قوله : ( لأنا مأمورون ) أي معاشر المكلفين .
قوله : ( إلا بفعلنا ) أي جنس المكلفين ولو غير مميز كمجنون ، ويكفي غسل الجن وتغسيل الميت نفسه أو غيره كرامة لا تغسيل الملائكة فلا يكفي أي لعدم تكليفهم ؛ لأن المكلف هو الثقلان من الإنس والجن فلو شاهدنا الملائكة تغسله لم يسقط عنا بخلاف التكفين والدفن لأن المقصود منهما الستر والمواراة بخلاف الغسل فإن المقصود منه التعبد أي(2/516)
"""""" صفحة رقم 517 """"""
الطلب على وجه التكليف ؛ ولهذا ينبش للغسل لا للتكفين والصلاة كالغسل . ولا يرد على الاكتفاء بتغسيل الميت نفسه كرامة أن المخاطب غيره بذلك ؛ لأنا نقول إنما خوطب غيره لعجزه أي الميت فإذا أتي به خرقاً للعادة اكتفي به إذ المدار على وجوده من جنس المكلف ، وقد روي أن سيدتنا فاطمة لما علمت بنور الكشف أنها مقبوضة غسلت نفسها وتطيبت وتجمَّلت بأحسن ثيابها وقالت : فلا تغسلوني فإني مقبوضة الآن . وإن كان ذلك لا يسقط الفرض عنا لأن قولها لا تغسلوني مذهب صحابي لا يكون حجة على غيره . وحكي أن سيدنا عبد الله المنوفي غسل نفسه كرامة ، كما نقل عن سيدي أحمد البدوي نفعنا الله تعالى به . قال سم : ولو مات موتاً حقيقياً ثم جهز ثم أحيى حياة حقيقية ثم مات فالوجه الذي لا شك فيه أنه يجب له تجهيز آخر خلافاً لمن توهم .
قوله : ( والولي ) قيده الزركشي بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فكالأجنبي ، ومراده بالولي أقرب الورثة اه شرح م ر . وعليه فهل يقدم الابن على الأب أو الجد على العم أو يستويان لأن كلا منهما أدلى بواسطة واحدة ؟ الظاهر الأول ومن الأقرب هنا من أدلى بجهتين كالأخ الشقيق فيقدم على من أدلى بجهة ع ش .
قوله : ( وفي قميص ) أي ولما صح أنه لما أخذوا في غسله ناداهم منادٍ من قبل داخل البيت : لا تنزعوا عن رسول الله قميصه وادعاء الخصوصية يحتاج لدليل لأنه خلاف الأصل . ثم إن اتسع كمه فالأمر ظاهر وإلا فتق دخاريصه ، فإن فقد القميص وجب ستر عورته اه أج .
قوله : ( أو سخيف ) أي مهلهل النسج بحيث لا يمنع وصول الماء إليه لأن القوي يحبس الماء .
قوله : ( لأنه أستر له ) والأفضل أن يكون تحت ، سقف ويستحب أن يغطي وجهه بخرقة أول وضعه على المغتسل اه شرح م ر اه .
قوله : ( على مرتفع ) متعلق بقوله : يغسل في خلوة وكذا قوله بماء بارد .
قوله : ( بارد ) أي مالح لا عذب .
قوله : ( أو برد ) أي بالغاسل ، ويمكن رجوعه إليهما إذا فرض أن الماء يؤذيه لشدة برده اه زي ؛ لأن الميت يتأذى بما يتأذى به الحي ، ويكره بماء زمزم مراعاة للقول بنجاسة الميت .
قوله : ( مائلاً ) ليسهل خروج ما في بطنه أي لأن اعتداله قد يحبس ما في بطنه .(2/517)
"""""" صفحة رقم 518 """"""
قوله : ( ويضع ) أي الغاسل يمينه على كتفه أي الميت .
قوله : ( بمبالغة ) أي بتكرار لا بشدة اعتماد ق ل .
قوله : ( ما فيه ) أي بطن الميت ، لأن البطن مذكر ككل عضو مفرد كالرأس .
قوله : ( ثم يضجعه ) أي مستلقياً كما كان أوّلاً . واللام في قوله لقفاه بمعنى على .
قوله : ( ملفوفة ) أي وجوباً في غير الزوجين لجواز المس والنظر فيهما ق ل ، فيحرم في غير الزوجين مس ما بين سرة الميت وركبته وكذا النظر ، ويكره فيما عدا ذلك اه م د .
قوله : ( سوأتيه ) أي وباقي عورته ح ل . وسميا بذلك لأن الشخص يسوؤه كشفهما .
قوله : ( ويلف خرقة الخ ) بعد غسل يده بماء وأشنان أو نحوه إن تلوثت ؛ قال في المختار : لف الشيء من باب ردّ فهو بضم اللام في المضارع .
قوله : ( وينظف أسنانه ) بأصبعه السبابة من اليد اليسرى . ويؤيده أن المتوضىء يزيل ما في أنفه بيساره شرح م ر . وفارق الحي حيث يتسوّك باليمين للخلاف ، أي ليخالف الميت الحي ؛ ولأن القذر ثم لا يتصل باليد بخلافه هنا . ولا يفتح أسنانه لئلا يسبق الماء إلى جوفه فيسرع فساده . ولو تنجس فمه وكان يلزمه طهره وتوقف على فتح أسنانه اتجه فتحها وإن علم سبق الماء إلى جوفه ولا تكسر أسنانه لو توقفت إزالة النجاسة على كسرها لما قالوه فيمن مات غير مختون وتحت قلفته نجاسة توقفت إزالتها على قطع القلفة حيث قالوا لا تقطع ، ويدفن بلا صلاة عليه كما نقله المدابغي عن الأجهوري ؛ وعبارته على التحرير : ويحرم ختنه وإن عصى بتأخيره أو تعذر غسل ما تحت قلفته كما اقتضاه كلامهم ، وعليه فييمم عما تحتها ، ومحله ما لم يكن تحتها نجاسة تعذر إزالتها وإلا دفن بلا صلاة عليه م ر : وعند ابن حجر : يصلي عليه بعد التيمم .
قوله : ( ومنخريه ) بفتح الميم والخاء وكسرهما وضمهما وفتح الميم وكسر الخاء وهي أشهر ، شرح المنهج ؛ ويقال فيه منخور كعصفور ، ففيه خمس لغات نظمها بعضهم بقوله :
افتح لميم منخر وخائه
واكسرهما وضم أيضاً معلنا
وزد كمجلس وعصفور وقل
خمس بقاموس أتت فأتقنا
أما ما اشتهر من كسر الميم وفتح الخاء فقال ابن حجر لم نرها .(2/518)
"""""" صفحة رقم 519 """"""
قوله : ( ثم يوضئه كالحي ) ثلاثاً ثلاثاً بمضمضة واستنشاق ويميل رأسه فيهما لئلا يسبق الماء جوفه ، ومن ثم لم يندب فيهما مبالغة . ويتبع بعود لين ما تحت أظفاره إن لم يقلمها وظاهر أذنيه وصماخيه ، وينوى بالوضوء الوضوء المسنون كما في الغسل بأن يقول : نويت الوضوء المسنون ؛ قال المدابغي : فلا يصح يعني الوضوء بلا نية بخلاف الغسل . والحاصل أن الغسل واجب والنية فيه سنة والوضوء سنة والنية فيه واجبة .
قوله : ( ويسرح شعرهما ) والأوجه تقديم تسريح الرأس على اللحية تبعاً للغسل ، ونقله الزركشي عن بعضهم اه م ر اه أج .
قوله : ( بمشط ) بضم الميم وكسرها مع إسكان الشين وبضم الميم مع ضم الشين أيضاً اه أج . قوله : ( ويرد المنتتف من شعرهما إليه ) أي في الكفن ندباً وفي القبر وجوباً ، فدفنهما واجب وجعلهما في الكفن مع الميت مندوب اه م د .
قوله : ( ثم الأيسر ) أي من عنقه إلى قدمه ؛ ويحرم كبه على وجهه احتراماً له وإن جاز له حيًّا مع الكراهة لأنه حقه كما ذكره المدابغي .
قوله : ( مما يلي قفاه ) مقتضاه خروج القفا عن الغسل ، فالأولى أن يقول : من قفاه ، تأمل .
قوله : ( بنحو سدر ) هو ورق النبق .
قوله : ( من فرقه ) أي وسط رأسه لأنه يفرق فيه شعر الرأس .
قوله : ( بماء قراح ) أي خالص . وهذه الغسلة هي المعدودة والمعتبرة لأن غيرها متغير . والقراح بفتح القاف كما قاله الدميري ، وقال ابن حجر : بضم القاف وتخفيف الراء ؛ وهو الذي لم يخالطه سدر .
قوله : ( فهذه الأغسال ) أي من قوله ثم يغسل شقه الأيمن الخ لا ما يشمل غسل رأسه ولحيته ، فلا يندب تكراره كما في شرح الروض .
قوله : ( كذلك ) أي أولى كل منهما بسدر أو نحوه ، والثانية مزيلة له ، والثالثة بماء قراح فيه قليل كافور ؛ شرح المنهج .(2/519)
"""""" صفحة رقم 520 """"""
قوله : ( ولو خرج بعد الغسل نجس وجب إزالته ) أي إن كان قبل الصلاة وإلا فتندب ؛ لأنه آيل إلى الانفجار . وعند م ر وجوبه بعد الصلاة أيضاً ولم يرتضه شيخنا زي اه ق ل . ولو لم يمكن قطع الخارج من الميت بغسله صح غسله وصحت الصلاة عليه لأن غايته أنه كالحي السلس وهو تصح صلاته وكذا الصلاة عليه م ر سم على المنهج . وقوله كالحي السلس قضية التشبيه بالسلس وجوب حشو محل الدم بنحو قطنة وعصبة عقب الغسل والمبادرة بالصلاة عليه بعده ، حتى ولو أخر لا لمصلحة الصلاة وجبت إعادة ما ذكر . وينبغي أن من المصلحة كثرة المصلين كما في تأخير السلس لإجابة المؤذن وانتظار الجماعة اه ع ش على م ر .
قوله : ( إلا قدر الحاجة ) بأن يريد معرفة المغسول من غيره اه مرحومي .
قوله : ( أما العورة فيحرم النظر إليها ) أي في غير الزوجين كما مر ق ل .
قوله : ( وجهه ) أي وجه الميت أول وضعه على المغتسل ؛ وعبارة شرح المنهج : من أول وضعه على المغتسل . وهي تقتضي أنه يستدام تغطيته إلى آخر الغسل .
قوله : ( فإن رأى خيراً ) كاستنارة وجهه وطيب رائحته . وقوله : أو ضده كسواد وتغير رائحته وانقلاب صورته حرم ذكره لأنه غيبة لمن لا يتأتى الاستحلال منه . وفي صحيح مسلم : ( مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِم سَتَرَهُ اللَّه فِي الدُنيا وفي الآخِرَةِ ) وفي سنن أبي داود : ( اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ ) وفي المستدرك : ( مَنْ غَسَلَ مَيتاً وَكَتَمَ عَلَيهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِين سَيِّئَةً ) . وقوله إلا لمصلحة كأن كان الميت مبتدعاً مظهراً لبدعته ، فلا يجب ستره بل يجوز التحدث به لينزجر الناس عنها ؛ والخبر خرج مخرج الغالب ، وينبغي أن يحدث بذلك عن المشتهر ببدعته عند المطلعين عليها المائلين إليها لعلهم ينزجرون . قال : والوجه أن يقال إذا رأى من المبتدع أمارة خير يكتمها ولا يندب له ذكرها لئلا يغري ببدعته وضلالته بل لا يبعد إيجاب الكتمان عند ظن الإغراء بها والوقوع فيها بذلك ، فقول الشارح إلا لمصلحة عائد للأمرين اه م ر في الشرح .
قوله : ( ومن تعذر غسله ) لفقد ماء أو لغيره كاحتراق ولو غسل لتهرى شرح المنهج .
قوله : ( يمم ) وتندب النية في التيمم كالغسل ، وقيل : تجب ؛ لأنه طهارة ضعيفة فيتقوّى بها ، ويشترط أن لا يكون على بدنه نجاسة لأن شرطه تقدم إزالتها ؛ فإن كان عليه نجاسة وتعذرت إزالتها كالأقلف دفن بلا صلاة على ما اعتمده م ر . ويصح أن ييمم ويصلى عليه في(2/520)
"""""" صفحة رقم 521 """"""
هذه الحالة على المعتمد ابن حجر . ويجب غسل باقي بدنه ما عدا محل القلفة إن لم يمكن فسخها اه .
قوله : ( لنحو جنب ) كحائض .
قوله : ( أولى بالرجل ) أي الأفضل ذلك فيقدم حتى على الحليلة . والحاصل أن قوله والرجل أولى بالرجل أي وجوباً إن كان المعنى أولى من المرأة الأجنبية ، وندباً إن كان المراد أولى من المرأة المحرم ؛ وكذا يقال في قوله والمرأة أولى من المرأة أي وجوباً أو ندباً كما مر . وقوله أولى بالرجل أي الذكر الواضح الذي بلغ حد الشهوة أخذاً من كلامه بعد .
قوله : ( وله غسل حليلته ) وسيأتي أنه بعد المرأة الأجنبية . وهذا ، أعني قوله وله غسل حليلته ، مستثنى من قوله والمرأة أولى بالمرأة وقوله بعد ذلك ولزوجة مستثنى من الأول وهو قوله : والرجل أولى بالرجل فيكون على اللف والنشر المشوّش . ويشترط في الزوجة في الأول أن لا تكون معتدة عن شبهة .
قوله : ( غير رجعية ) أما الرجعية فكالأجنبية ؛ ولا حاجة إليه لأنه يستغني عن ذكره بقوله حليلته .
قوله : ( ولو نكح غيرها ) الأولى أن يقول : ولو نكح من يحرم جمعه معها كأختها ؛ لأن نكاح غيرها لا يخل بنكاحها ع ش .
قوله : ( وأمة ولو كتابية ) أي الأمة التي تحل له فخرجت المزوّجة والمعتدة والمستبرأة والوثنية والمجوسية فهو فيهنّ كالأجنبي . وليس للأمة تغسيل سيدها لانتقالها عنه إما بالعتق كأم الولد أو بالإرث كالقنة ، والزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث .
قوله : ( ولزوجة الخ ) لكن يشترط أن تكون حرة فإن كانت أمة فلا حق لها على الأوجه لبعدها عن الولايات شرح م ر .
قوله : ( غير رجعية ) أي وغير معتدة عن وطء شبهة وإن حل نظرها لتعلق الحق فيها بأجنبي . وشمل ذلك الزوجة المسلمة والذمية فتغسل زوجها أي الذمي ، أما المسلم فلا كما يعلم من قولهم الكافر لا يغسل مسلماً اه أج .
قوله : ( ولو نكحت غيره ) بأن ولدت عقب موته فلها أن تغسله لبقاء حقوق الزوجية ولأنه حق يثبت لها فلا يسقط كالإرث .
قوله : ( بلا مس منها له ) أي ندباً على المعتمد إيعاب . وقد وافق م ر على جواز كل من(2/521)
"""""" صفحة رقم 522 """"""
النظر والمس بلا شهوة ولو لما بين السرة والركبة ، ومنعهما بشهوة ولو لما فوقهما تأمل . وهذا راجع لقوله ولزوجة وقوله ولا منه لها راجع للأول ، وهو قوله وله غسل حليلته على اللف والنشر المشوّش ؛ قال شيخنا المدابغي : ومذهبنا أن الموت محرّم للنظر بشهوة في حق الزوجين دون النظر بغير شهوة ولو لجميع البدن فيجوز ، ومثله المس ولو لجميع البدن على المعتمد . ومحل جواز غسل الأمرد الجميل إذا لم يلزم على غسله مس وإلا فيحرم وإن أمن الفتنة ، إذ الخلاف في النظر ؛ أما المس فقد صرح م ر في باب النكاح بحرمة مس الأمرد مطلقاً اه أج .
قوله : ( أو السيد لها ) لئلا ينتقض وضوء الماس فقط إذ المغسول لا ينتقض وضوؤه مطلقاً اه أج .
قوله : ( فإن لم يحضر إلا أجنبي الخ ) راجع للأمرين الأولين على اللف والنشر المشوش ، أي لم يوجد في محل يجب السعي في طلب الماء إليه كما قاله ق ل .
قوله : ( في الميت المرأة ) ومثلها الأمرد الجميل إذا خشي الفتنة ، أي فييمم اه سم .
قوله : ( يمم الميت ) بلا مس ، إلحاقاً لفقد الغاسل بفقد الماء لتعذر الغسل شرعاً لتوقفه على النظر أو المس المحرم . ويؤخذ منه أنها لو كانت في ثياب سابغة وبحضرة نهر مثلاً وأمكن تعميمها به ليصل الماء إلى كل بدنها من غير مس ولا نظر وجب ، وهو ظاهر ، والأوجه كما قاله شيخ الإسلام أنه لا ييمم إلا بعد إزالة النجاسة خلافاً لما في التحفة من صحته وإن لم تزل ، وعبارة التحفة : وقضية المتن ككلامهم أنه ييمم وإن كان على بدنه خبث ، ويوجه بتعذر إزالته كما تقدم ، ومحل توقف صحة التيمم أي والصلاة على إزالة النجس إن أمكنت اه أج .
قوله : ( ومثله الخنثى الكبير ) أي فيغسله الفريقان . وهل له هو تغسيل الفريقين إذا لم يوجد إلا هو ؟ قال سم : نعم ؛ ويوجه ذلك بالقياس على عكسه اه . قال الناشري : إن الأجنبي إذا غسل الخنثى يتجه أن يقتصر على غسلة واحدة لأن الضرورة تقدر بقدرها .
قوله : ( ويغسل فوق ثوب ) قال حج على الإرشاد : وظاهره أن هذين الأمرين ، أي اللذين ذكرهما المجموع من قوله ويغسل الخ وقوله ويحتاط مندوبان ، المعتمد أنه يغسل في ثوب وجوباً .
قوله : ( فوق ثوب ) أي في ثوب .
قوله : ( والأولى بالرجل في غسله الخ ) وهذه أولوية ندب ، فلو تقدم الأبعد لم يحرم .(2/522)
"""""" صفحة رقم 523 """"""
قوله : ( الأولى بالصلاة عليه درجة ) أي جهة وفيه حوالة على مجهول لأن الأولى بالصلاة درجة لم يعلم . ويجاب بأنه اتكل على المعلم .
قوله : ( وهم رجال العصبة من النسب ) فيقدم الأب ثم أبوه وإن علا ، ثم الابن ثم ابنه وإن سفل ، ثم الأخ الشقيق ، ثم الأخ لأب ، ثم ابن الأخ الشقيق ، ثم ابن الأخ لأب ، ثم عم شقيق ، ثم عم لأب ، ثم ابن عم شقيق ، ثم لأب ح ل . ولا ينظر للأسنّ مع وجود الأفقه ولا للأقرب مع وجود الفقيه ح ل .
قوله : ( ثم ذوو الأرحام ) أي الأقرب فالأقرب ، فيقدم أبو الأم ، ثم الأخ للأم ، ثم بنو البنات كما في الذخائر وهو المعتمد ، ثم الخال ، ثم العم للأم . وجعلهم هنا وفي الصلاة : الأخ للأم من ذوي الأرحام ، مخالف لما في الإرث ح ل . وبعد ذوي الأرحام الرجال الأجانب ، ثم الزوجة أي الحرة ، ثم النساء المحارم كما في شرح المنهج .
قوله : ( صفة ) فإنا لا نقدم هنا بالصفة التي يقدم بها في الصلاة وهي السن والأقربية ح ل .
قوله : ( إذ الأفقه ) أي بهذا الباب أولى من الأسن والأقرب كالعم الأفقه مع الأخ الأسن منه ، فالعم مقدم هنا على الأخ والأخ مقدم في الصلاة عليه ؛ لأن دعاء الأسن أقرب إلى الإجابة .
قوله : ( والبعيد ) أي الأجنبي . وقوله الفقيه أي الأفقه ، وقوله أولى من الأقرب أي القريب ، فأفعل التفضيل ليس على بابه . وقوله غير الفقيه أي غير الأفقه ؛ لأن غير الفقيه لا حقّ له . وقوله عكس ما في الصلاة أي على الميت ، فإن الأسنّ والأقرب يقدمان في الصلاة على الأفقه . وأما في الغسل فيقدم الأفقه الصغير على الأسنّ غير الأفقه ، ويقدم الأفقه القريب على الأقرب الغير الأفقه والفرق بين الغسل والصلاة أن الغرض من الصلاة الدعاء ودعاء الأسن أقرب إلى الإجابة .
قوله : ( قراباتها ) فيقدمن حتى على الزوج كما في شرح المنهج . وقراباتها جمع قرابة وهي التعلق والارتباط بين الأقارب . وهذه لا حقّ لها فكان الأولى قريباتها جمع قريبة ؛ لأنها التي لها حق . قال الجوهري : لفظ قرابات من كلام العوام لأن القرابة مصدر لا يثنى ولا يجمع . وفيه أن محل كون المصدر لا يثنى ولا يجمع إذا كان للتوكيد ، قال ابن مالك :
وما لتوكيد فوحد أبدا
وثنّ واجمع غيره وأفردا(2/523)
"""""" صفحة رقم 524 """"""
قوله : ( ذات محرمية ) أي من النسب ح ل .
قوله : ( من لو قدرت ذكراً لم يحل ) كالبنت والأم والأخت بخلاف بنت العم ح ل .
قوله : ( فزوج ) حراً كان أو عبداً م ر أج ، أي فهو مقدم على المحارم لأن منظوره أكثر من منظورهم ، إذ يجوز له النظر لجميع بدنها بخلافهم فإنهم إنما يجوز لهم النظر لما عدا ما بين السرة والركبة . يرد عليه الأم والبنت والأخت والأجنبية ، فإنهنّ يقدمن عليه مع أن منظوره أكثر .
قوله : ( كترتيب صلاتهم ) قال في شرح المنهج : إلا ما مرّ من قوله إذ الأفقه أولى من الأسنّ الخ .
قوله : ( أقرع ) أي وجوباً إن كان عند حاكم وإلا فندباً لأجل قطع النزاع ، وإن كان لو تقدم أحدهما لم يحرم .
قوله : ( والكافر ) أي البعيد .
قوله : ( أحق بقريبه الكافر ) أي من قريبه المسلم ولو كان أقرب من الكافر أي في غسله وتكفينه ودفنه ، لقوله تعالى : ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ) الأنفال : 73 ) اه شرح المنهج ؛ فإن لم يكن له قريب كافر تولاه المسلم اط ف .
قوله : ( ولنحو أهل ميت الخ ) عبارة م ر : ويجوز لأهل الميت ونحوهم كأصدقائه تقبيل وجهه لخبر : ( أنه قبل وجه عثمان بن مظعون بعد موته ) ولما في البخاري : ( أن أبا بكر قبل وجه رسول الله بعد موته ) . وينبغي ندبه لأهله ونحوهم كما قاله السبكي ، وينبغي جوازه لغيرهم إذا كان صالحاً ، وأما غيره فينبغي أن يكره . والحاصل أنه إن كان صالحاً ندب تقبيله مطلقاً وإلا فيجوز بلا كراهة لنحو أهله وبها لغيرهم ؛ وهذا محله في غير من يحمله التقبيل على جزع أو سخط كما هو الغالب من أحوال النساء وإلا حرم ، وينبغي أن يكون مع اتحاد الجنس وانتفاء المروءة أو يكون ثم نحو محرمية .
قوله : ( تقبيل وجهه ) والأولى محل السجود ق ل .
قوله : ( ولا بأس بالإعلام بموته ) بل يستحب قصد كثرة المصلين .
قوله : ( بخلاف نعي الجاهلية ) هو بسكون العين وبكسرها مع تشديد الياء مصدر نعاه اه أج .
قوله : ( مآثره ) المآثر ما تتعلق بصفات نفس الميت والمفاخر ما تتعلق بنسبه ، والنعي مكروه . وفي المختار : مآثره جمع مأثرة بفتح الثاء وضمها : المكرمة ، لأنها تؤثر أي تذكر قرناً عن قرن .(2/524)
"""""" صفحة رقم 525 """"""
قوله : ( من حرير ) ويحرم الحرير والمزعفر في الرجل والخنثى ويكره المعصفر كله أو بعضه في حقهما أيضاً على المعتمد كما قاله زي . فقوله وكره لأنثى ليس بقيد بالنسبة للمعصفر . ومحل حرمة تكفين الرجل بالحرير إذا وجد غيره ، أما إذا لم يوجد غيره فإنه يجوز واستثني في المطلب قتيل المعركة إذا كان عليه حال الحرب ثوب حرير ، فالظاهر أنه يترك إذا لطخ بدمه . وهل الصبي كالبالغ أو يجري فيه الخلاف السابق في حياته ؟ والأوجه المنع ، وعبارة أج : فيجوز تكفين المرأة وغير المكلف من صبيّ ومجنون في الحرير والمزعفر والمعصفر مع الكراهة بخلاف الخنثى والبالغ فيمتنع تكفينهما في المزعفر والحرير مع وجود غيرهما إلا المعصفر ، ولا يجوز للمسلم تكفين قريبه الذمي فيما يمتنع تكفين المسلم فيه اه شرح م ر . ووقع في حاشية زي نقلاً عن الأذرعي منع تكفين الصبي في الحرير ، وهو مردود بما تقدم اه . والحاصل أنه يقدم الثوب غير الحرير ، فإن فقد فالحرير فالجلد فالحشيش فالتطيين حج ؛ قال سم : وقضيته وجوب تعميمه بنحو الطين لوجوب التعميم في الكفن ، وإذا كفن في الحرير اقتصر على ثوب لاندفاع الضرورة به كما قاله م ر اه أج . قال ع ش : وفيه وقفة ، والأقرب وجوب الثلاثة لأن الحرير يجوز في الحي لأدنى حاجة كالجرب والحكة ودفع القمل وما هنا أولى اه .
قوله : ( وكره مغالاة فيه ) لخبر : ( لا تُغَالُوا في الكَفَنِ فَإِنَّهُ يَبْلَى سَرِيعاً ) ومحل كراهة المغالاة إذا لم يكن بعض الورثة محجوراً عليه أو غائباً أو الميت مفلساً ، وإِلا حرمت ؛ قاله م ر . وانظر هذا مع قوله عليه الصلاة والسلام : ( حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ المَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ ) فإنه يقتضي أنه لا يبلى سريعاً ولا يسلب . وأجيب بأن المباهاة إما قبل البلاء أو بعد إعادتها كما قرره شيخنا العزيزي . ويكفن بالنجس بعد الصلاة عليه عارياً إن لم يوجد نحو طين . وستر التابوت كالتكفين كما قاله ق ل على الجلال ، وعبارة خ ض : وجمع ع ش بين مقتضاه من كونه يبلى وبين مقتضى خبر : ( حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُم يَتَزَاورُونَ فِي قُبُورِهِمْ ) من أن الكفن يستمر حال التزاور وبأنه يسلب سريعاً باعتبار الحالة التي نشاهدها كتغير الميت ، وإذا تزاوروا يكون على صورته التي يدفن بها ، وأمور الآخرة لا يقاس عليها ؛ وبهذا يجاب عن خبر أبي داود أيضاً : ( إِنَّ المَيْتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ التي يَمْوتُ فِيهَا ) قال في شرح الروض : أي قبل ما يحشر عرياناً حافياً جمعاً بين الأخبار اه . والحاصل أن الكفن يبلى في القبر كما تبلى الأجساد ، فإذا أعيدت الأجساد عادت الأكفان . وعند القيام من القبور والذهاب إلى المحشر يحصل التباهي بالأكفان ، فإذا وصلوا إلى المحشر تساقطت الأكفان وحُشِرُوا حفاة عراة غُرْلاً أي غير مختونين ثم عند السوق إلى الجنة يكسون بحلل الجنة ، وأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام اه . ولو كفنه أحد الورثة من التركة وأسرف عليه بغير إذنهم غرم حصة بقية(2/525)
"""""" صفحة رقم 526 """"""
الورثة ، فلو قال : أخرجوا الميت وخذوه لم يلزمهم ذلك ، وليس لهم نبش الميت إذا كان الكفن مرتفع القيمة ، وإن زاد في العدد فلهم النبش وإخراج الزائد ؛ قال الأذرعي : والظاهر أن المراد الزائد على الثلاث . فإن قلت : ما الفرق بين مرتفع القيمة والزيادة على الثلاث حتى جاز النبش في الثاني دون الأول ؟ قلت : الزيادة في الثاني متميزة في نفسها بخلاف الأولى فإنها تابعة وغير متميزة . واحترز بالمغالاة عن تحسينه في بياضه ونظافته وسبوغته فإنها مستحبة ، ونقل عن الشيخ سلطان وغيره أنه يجوز تكفين المرأة ودفنها في ثيابها المثمنة ولو بما يساوي ألوفاً من الذهب كالبشت المزركش بالذهب ، وفي صيغتها كذلك ؛ ولا يحرم من جهة إضاعة المال لأن محل الحرمة إذا لم تكن لغرض ، وهو هنا إكرام الميت . وقد ورد أن الموتى تتباهى بأكفانهم . وأيضاً في هذا تسكين للحزن ؛ لأن المرأة مثلاً إذا رأت متاع بنتها بعد موتها يشتد حزنها . ويشترط أن لا يكون في الورثة قاصر ، وأن تتفق الورثة على ذلك ، وأن لا يكون عليها دين مستغرق اه . وفيه أن الحليّ لا دخل له في الكفن .
قوله : ( وكره لأنثى الخ ) ويكره المعصفر للرجل أيضاً ، وكذا يكره أن يكون في الكفن شيء مما يخالف لون البياض ، ومنه صباغ طرفيه بالزعفران ونحوه اه ق ل .
قوله : ( إِلا رأس المحرم الخ ) استثناء من قوله : جميع البدن .
قوله : ( صحح ) أي النووي .
قوله : ( لا بالرق ) لانقطاع الرق بالموت .
قوله : ( وجمع ) أي ابن المقري بينهما ، أي ذكرهما في روضه بلا ترجيح بدليل قوله فقال الخ لا أنه جمع ، وقال : الخلاف لفظي ؛ فمعنى وجمع بينهما أي في العبارة لا في الحكم ، إذ لم يقع منه حمل في الحكم ؛ وحينئذٍ فيقرأ فحُمل مبنياً للمجهول لأن الحمل من غيره لا منه كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( يعم البدن ) هذا بالنظر لحق الميت ؛ وقوله فالواجب ستر العورة هذا بالنظر لمحض حق الله ، فهذا هو الجمع كما أفاده شيخنا اه .
قوله : ( فحمل الأول ) أي ساتر العورة لأنه أول في كلام الشارح حيث قال : واختلف في قدره هل هو ما يستر العورة الخ ، فمراده الأول في كلام الشارح .(2/526)
"""""" صفحة رقم 527 """"""
قوله : ( على أنه حق الله ) أي محض حقه .
قوله : ( ولا تنفذ وصيته بإسقاطه ) أي ما زاد على ساتر العورة على الأول ، أي على القول بأن الواجب ستر جميع البدن ، وكذا على الثاني أي القول بأن الواجب ستر العورة مراعاة للقول بأن الواجب ستر جميع البدن كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( على الأول ) أي في كلام ابن المقري ؛ فالأول والثاني هنا غيرهما فيما سبق .
قوله : ( أي مراعاة للخلاف ) يعني أن عدم نفوذها بإسقاط الزائد على العورة على القول بأن الواجب جميع البدن ظاهر وأما على القول بأن الواجب ستر العورة فكان مقتضاه صحة الوصية بإسقاط ما زاد لكن منعت صحتها مراعاة للقول الآخر وهو أن الواجب ستر جميع البدن . قال سم : والذي يتحصل من كلامهم أن هنا ثلاث واجبات : واجب لحق الله تعالى وهو ستر العورة ، وواجب لحق الميت وحق الله وهو ساتر البدن ، وواجب لحق الميت وهو ما زاد على ساتر كل البدن من الثوب الثاني والثالث ؛ وأن الواجب الأول لا يسقط بالإسقاط بوصية ولا منع وارث ولا غريم ، وأن الواجب الثاني كذلك نظراً لشائبة حق الله تعالى ؛ ولأن الاقتصار على ساتر العورة مكروه ؛ فالوصية به وصية بمكروه والوصية بالمكروه غير نافذة ؛ وأن الواجب الثالث يسقط بالإسقاط بالوصية ومنع الغريم ولا يسقط بمنع الوارث اه . فقد علم أن الثاني والثالث حق وجب للميت لا يجوز تركه إِلا إن أوصى بتركه أو منع الغرماء كما ذكره شيخنا .
قوله : ( ولو لم يوص ) شروع في فروع ستة .
قوله : ( وفي التتمة أنه ) أي جواز الثوب وقوله على الخلاف ، أي مبنيّ على الخلاف المتقدم في مسألة الاختلاف ، وهو المذكور في قوله : ولو قال بعضهم الخ فإنه قيل فيها : يكفن في ثلاثة ، وقيل : في ثوب ؛ والمعتمد أنه يكفن في ثلاثة ، فتكون هذه أي مسألة الاتفاق فيها خلاف . والمعتمد أنه يكفن في ثلاثة .
قوله : ( وهو ) أي كونه على الخلاف أقيس ، فيكون المعتمد في مسألة الاختلاف معتمداً هنا كما يدل لذلك قوله أي فيجب الخ .(2/527)
"""""" صفحة رقم 528 """"""
قوله : ( أجيب الورثة ) هو المعتمد ، فيكفن بواحد لما في ذلك من حق الله مع حق الميت ، فغلب حق الله فلا يسقط بإسقاط أحد .
قوله : ( ولو اتفقت الغرماء والورثة الخ ) أي ولا نظر لبقاء ذمته مرتهنة بالدين لأن رضاهم قد يقتضي فك ذمته ، قال شيخنا : ويظهر أخذاً من العلة أن الغرماء لو كانوا غائبين يكفن في ثوب واحد ولا عبرة بقول الورثة اه . قلت : وبالأولى إذا كان الغرماء محجوراً عليهم أو مفلسين اه أ ج .
قوله : ( جاز بلا خلاف ) فلو كان عليه دين مستغرق ولم يحصل من الغرماء منع ولا إذن كفن بواحد ، فإن زاد الوارث عليه ضمن الزائد كما ذكره م د .
قوله : ( وحاصله أن الكفن الخ ) الأولى أن يقال والحاصل أن ساتر العورة محض حق الله تعالى والزيادة عليه إلى ستر جميع البدن حق لله وللميت والثاني والثالث محض حق الميت ، ذكره شيخنا م د ومثله ح ل .
قوله : ( وبالنسبة للورثة ثلاثة ) أي سواء كان الورثة صغاراً أو مكلفين ، خلافاً لمن منع الثاني والثالث إذا خلف محجوراً عليه ؛ وإنما الممنوع الرابع والخامس إذا خلف من ذكر . والفرق أن الثلاثة واجبة والرابع والخامس خلاف الأولى اه أ ج .
قوله : ( فليس للوارث المنع منها ) وإن كان في الورثة محجور عليه على المعتمد خلافاً لق ل .
قوله : ( وفارق ) أي الوارث . وقوله الغريم حيث يجوز له المنع منهما والهاء في حقه للغريم ، وكذا في قوله له وقوله تعود إلى الميت وهي براءة ذمته .
قوله : ( فيهما ) أي في التعليلين المذكورين ؛ لأن حقه وهو الإرث متأخر عن الموت ، ولأنه لا نفع للميت بما يأخذه الوارث من المال .
قوله : ( وزوج ) وكالزوجة البائن الحامل شرح المنهج . وهل يؤخذ الثاني والثالث من تركتها إن كان لها تركة ؟ فيه تفصيل ، وهو أن الزوج إن كان موسراً بساتر العورة فقط كمل(2/528)
"""""" صفحة رقم 529 """"""
وأخذ ثان وثالث من تركتها ، وإن كان موسراً بما يستر جميع البدن اقتصر على الواحد ولا يؤخذ من تركتها شيء اه م د فتأمل وحرر الفرق . وعبارة ح ل . فإن أعسر عن تجهيز الزوجة الموسرة أو عن تمامه جهزت أو تمم تجهيزها من مالها . وعبارة زي والعناني : ولا يجب الثاني والثالث من مالها إذا كفنها الزوج في ثوب واحد على المعتمد اه . وقول م د إن كان موسراً بساتر العورة الخ فيه أن ساتر عورة المرأة يكون ساتراً لجميع بدنها فما معنى التكميل ، إِلا أن يراد العورة عند المحارم تأمل .
قوله : ( ويكون سابغاً ) أي ساتراً لجميع البدن .
قوله : ( وسنّ مغسول ) هكذا في المنهاج وفرعه وغيرهما وجرى عليه م ر وغيره ، فهو المعتمد خلافاً لما يوهمه صنيع المرحومي حيث قال : واعترض بأن المذهب نقلاً ودليلاً أولوية الجديد ومن ثم كفن فيه ، والظاهر أنه باتفاقهم أي الصحابة اه فأورد الاعتراض ولم يجب عنه ، وما دري أن شيخه المحقق الشوبري قال في حواشي المنهج : قولهم إنه للصديد يرد ما أورده أنه كفن في جديد بحضرة جمع من الصحابة ؛ لأنه لمعنى فيه وهو عدم البلى . لا يقال يرد الشهداء ؛ لأنا نقول هذه حكمة وهي لا يجب اطرادها اه خ ض .
قوله : ( وأن يبسط أحسن اللفائف ) أي ندباً أ ج .
قوله : ( والباقي فوقها ) أي فيبسط الأحسن أوّلاً والثانية ، أي وهي التي تلي الأولى في ذلك ، ثم الثالثة فوق الثانية ؛ وذلك لأن الحي يجعل أحسن ثيابه أعلاها فلهذا يبسط الأحسن أولاً لأنه الذي يعلو على كل الكفن ، وأما كونه أوسع فلا مكان لفه على الضيق بخلاف العكس أ ج .
قوله : ( وأن يذر ) أي بالمعجمة .
قوله : ( وعلى الميت ) أي غير المحرم أ ج .
قوله : ( حنوط ) نوع من الطيب ، وهو يشمل الكافور وذريرة القصب والصندل دميري ؛ وهو بفتح الحاء .
قوله : ( مستلقياً ) أي على ظهره ويجعل يداه على صدره ويمناه على يسراه أو يرسلان في جنبه أيهما فعل منهما فحسن ، أ ج .
قوله : ( وأن تشد ألياه ) أي بعد أن يدس بينهما قطن عليه حنوط ، شرح المنهج .(2/529)
"""""" صفحة رقم 530 """"""
قوله : ( على منافذه ) كعينيه ومنخريه وأذنيه ، وكذا على مساجده كجبهته شرح المنهج .
قوله : ( ويحل الشداد ) إِلا شداد الألية عميرة ؛ أي تفاؤلاً بحل الشدائد عنه ؛ ولأنه يكره أن يكون معه في القبر شيء معقود ، وسواء في ذلك الكبير والصغير أ ج .
قوله : ( ومحل تجهيز الميت تركته ) ويراعي فيه حاله سعة وضيقاً ، وإن كان مقتراً على نفسه في حياته حج ؛ فلو منع الأقارب من أخذه فينبغي أن يأخذه الحاكم قهراً ، فإن فقد الحاكم أو خيف انفجار الميت إذا رفع الأمر للحاكم فينبغي جواز أخذه من التركة للآحاد وإن كان في الورثة قاصر ؛ لأن ذلك حق متعلق بالتركة . ويجاب من قال من الورثة أكفنه من التركة لا من قال أكفنه من مالي دفعاً للمنة عنه ، ومن ثم لا يكفن فيما تبرع به أجنبي إِلا إن قبل جميع الورثة ؛ وليس لهم إبداله إن كان ممن يقصد تكفينه لصلاحه وعلمه فيتعين صرفه إليه ، فإن كفنوه في غيره ردوه لمالكه وإِلا بأن لم يقصد تكفينه فيه كان لهم أخذه وتكفينه من غيره اه أ ج .
قوله : ( وخادمها ) أي المملوك لها ، فإن كان مكتري لها لم يلزمه تجهيزه إِلا إن كان مكتري بالإنفاق عليه ، وحينئذ يقال لنا شخص تجب مؤنة تجهيزه وليس قريباً ولا زوجة ولا مملوكاً ح ل .
قوله : ( على زوج غني ) أي ولو بما يخصه من التركة . والمراد بالغني غنى الفطرة ، وهو من يملك زيادة على الكفن ما يكفي ممونه يوماً وليلة كما قاله ع ش . ولو امتنع من ذلك أو كان غائباً فجهز الزوجة الورثة من مالها أو غيره رجعوا عليه بما ذكر إن فعلوه بإذن حاكم يراه ، وإِلا فلا ؛ وقياس نظائره أنه لو لم يوجد حاكم كفى المجهز الإشهاد على أنه جهز من مال نفسه ليرجع به شرح م ر . ومثل غيبة الزوج غيبة القريب الذي يجب عليه نفقة الميت فكفنه شخص من مال نفسه . وخرج بالزوج ابنه ، فلا يلزمه تجهيز زوجة أبيه وإن لزمته نفقتها في الحياة كما قاله حج . ولو أوصت بذلك من مالها توقفت على إجازة الورثة لأنها وصية لوارث وهو الزوج حيث أسقطت الواجب عليه ؛ لأن ذلك من توابع ما يجب لها في الحياة ، والمفتي به عند المالكية أن الزوج لا يلزمه تجهيزها لأنه إنما كان ينفق في مقابلة الاستمتاع وقد زال ، فإن كانت فقيرة فعلى المسلمين والزوج كواحد منهم . والحاصل أن الزوجة التي تجب نفقتها مؤن تجهيزها على الزوج الموسر ولو كانت غنية عند الشافعية ، وعلى الزوج مطلقاً على المفتى به عند الحنفية ، ومن مالها على المشهور ولو كانت فقيرة عند المالكية ، وفي مالها مطلقاً عند الحنابلة كما في زين العابدين على الرحبية .(2/530)
"""""" صفحة رقم 531 """"""
قوله : ( في الجملة ) أي ولو في بعض الصور ، فيدخل المكاتب إذا مات فعلى سيده تجهيزه لوجوب نفقته عليه قبل الكتابة أو بعد انفساخها ، ويدخل الولد الكبير فإنه بالموت صار عاجزاً اه م د .
قوله : ( من قريب ) أصل أو فرع صغير أو كبير لعجزه بموته ؛ ولو مات من لزمه تجهيز غيره بعد موته وقبل تجهيزه وتركته لا تفي إِلا بتجهيز أحدهما فقط قدم الثاني على الأوجة لتبين عجزه عن تجهيز غيره ، وأفتى به الشهاب م ر كما ذكر ذلك ولده في شرحه . وأما المبعض إذا لم يكن مهايأة فالحكم واضح ، وإِلا فعلى ذي النوبة ؛ فلو لم يعلم موته في أيّ نوبة فينبغي أن يكون كلا مهايأة ، فعلى سيده بقدر ما فيه من الرق والباقي من تركته اه أ ج .
قوله : ( فعلى بيت المال ) فإن تعذر بيت المال فعلى مياسير المسلمين ، والمراد بهم من يملك زيادة على كفاية سنة لممونه . والفرق بين الزوج والمياسير أنهم في الأول عبروا فيه بالغنى وفي الثاني باليسار كما ذكره شيخنا .
فرع : يحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له عن صديد الموتى ، ومثله كل اسم معظم . واتخاذ الكفن مكروه إِلا من حلّ أو من أثر صالح ، وللوارث إبداله لأنه ينتقل له فلا يجب عليه تكفينه فيه ؛ كما يجوز له نزع ثياب الشهيد الملطخة بالدم وتكفينه في غيرها وإن كان فيها أثر العبادة الشاهدة له بالشهادة ، بخلاف القبر فإنه يستحب له اتخاذه . وعبارة شرح م ر : ولا يندب أن يعدّ لنفسه كفناً لئلا يحاسب على اتخاذه إِلا أن يكون من جهة حلّ وأثر ذي صلاح فحسن إعداده ، لكن لا يجب تكفينه فيه كما اقتضاه كلام أبي الطيب وغيره بل للورثة إبداله ؛ لكن قضية بناء القاضي حسين ذلك على ما لو قال اقضوا ديني من هذا المال الوجوب ، وكلام الرافعي يومىء إليه ، قال الزركشي : والمتجه الأول لأنه ينتقل للوارث فلا يجب عليه كثياب الشهيد الملطخة بالدم له نزعها وإبدالها ؛ والأوجه الوجوب في المبنيّ والمبنيّ عليه ، والفرق بينهما وبين ثياب الشهيد واضح إذ ليس فيها مخالفة أمر المورث بخلافه فيهما اه .
قوله : ( والثالث الصلاة عليه ) وشرعت بالمدينة لا بمكة في السنة الأولى من الهجرة . وذكر الفاكهاني في شرح الرسالة أن صلاة الجنازة من خصائص هذه الأمة ، لكن ذكر ما يخالفه في الشرح المذكور حيث قال : وروي أن آدم عليه السلام لما توفي أتي له بحنوط وكفن من الجنة ونزلت الملائكة فغسلته وكفنته في وتر من الثياب وحنطوه ، وتقدم ملك منهم فصلى عليه وصلت الملائكة خلفه ثم أقبروه وألحدوه ونصبوا اللبن عليه وابنه شيث عليه السلام الذي هو(2/531)
"""""" صفحة رقم 532 """"""
وصيه معهم ، فلما فرغوا قالوا له : هكذا فاصنع بولدك وإخوتك فإنها سنتكم هذا كلامه ، أي ويبعد أنه لم يفعل ذلك بعد القول المذكور له أي يبعد عدم الفعل بل فعل ؛ ويحتمل أن المراد بالصلاة مجرد الدعاء لا هذه الصلاة المعروفة المشتملة على التكبير لكن يبعده ما في العرائس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ( أن آدم لما مات قال ولده شيث لجبريل : صلّ عليه فقال له جبريل : أنت مقدم فصلِ على أبيك فصلى عليه وكبر ثلاثين تكبيرة ) . ومنه يعلم أن التكفين والغسل والصلاة والدفن من الشرائع القديمة ، بناء على أن المراد بالصلاة المشتملة على التكبير لا مجرد الدعاء ، وحينئذ لا يحسن القول بأن صلاة الجنازة من خصائص هذه الأمة إِلا أن يقال لا يلزم من كونها من الشرائع القديمة أن تكون معروفة لقريش ، إذ لو كانت كذلك لفعلوا ذلك ؛ وسيأتي عنهم أنهم لم يفعلوا ذلك . وأيضاً لو كانت معروفة لهم لصلى على خديجة ومن مات قبلها من المسلمين كالسكران ابن عم سودة أمّ المؤمنين رضي الله عنها الذي هو زوجها ، وسيأتي أنه لما قدم المدينة وجد البراء بن معرور قد مات فذهب هو وأصحابه فصلى على قبره وأنها أول صلاة صليت في المدينة في الإسلام . ومعرور معناه في الأصل مقصود . لا يقال يجوز أن يكون المراد بتلك الصلاة مجرد الدعاء ؛ لأنا نقول : قد جاء أنه كبر في صلاته أربعاً ، وقد روى هذه الصلاة تسعة من الصحابة ذكرهم السهيلي . وبما ذكر تعلم ما في كلام المدابغي في الحاشية من قوله وهي من خصائص هذه الأمة أي بهذه الكيفية ، وصلاة الملائكة على آدم دعاء فلا ترد اه .
قوله : ( شروط غيرها من الصلوات ) أي مما يتأتى مجيئه هنا ، بخلاف دخول الوقت الشرعي .
قوله : ( وتقدم ) بضم الدال والرفع عطفاً على شروط ويشترط أن لا يتقدم عليه حال كونه حاضراً ولو في قبر ، وأن لا يزيد ما بينهما في غير مسجد على ثلثمائة ذراع تقريباً تنزيلاً للميت منزلة الإمام كما في شرح المنهج . ويشترط أيضاً أن لا يوجد بينهما حائل كما تقدم . ومحل ذلك في الابتداء ، وأما في الدوام بأن رفعت الجنازة في أثناء الصلاة وزاد ما بينهما على ما ذكر أو حال حائل فلا يضر لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء كما قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( كالمكتوبة ) أي فإنه لا يشترط فيها الجماعة ، أي في الجملة ، فلا ينافي اشتراطها في بعضها كالجمعة في الركعة الأولى وفي المجموعة بالمطر تقديماً وفي المعادة .
قوله : ( ما من رجل ) ليس بقيد .(2/532)
"""""" صفحة رقم 533 """"""
قوله : ( أربعون رجلاً ) هذا يصدق بصلاتهم فرادى فلا يدل على سنّ الجماعة ولو سلم أن الجماعة تفهم منه ، فربما يدل على خصوص هذا العدد مع أن المدّعي أعم تأمل . قوله : ( ويكفي في إسقاط فرضها ذكر ولو صبياً ) ولو مع وجود غيره ؛ عبارة البرماوي : ويسقط الفرض بصلاة الصبي المميز مع وجود الرجال لأنه من جنسهم ، وفارق سقوط الفرض هنا عدم سقوطه به في رد السلام بأن السلام شرع في الأصل للإعلام بأن كلاً منهما سالم من الآخر وآمن منه ، وأمان الصبي لا يصح بخلاف صلاته فإن المقصود منها الدعاء وهو أقرب إلى الإجابة ، ولا يسقط الفرض بصلاة النساء مع ذكر ولو صبياً لأنه أكمل منهنّ اه . واعلم أن الصبي لا يكفي في أربعة من فروض الكفاية ، وهي : رد السلام والجماعة وإحياء الكعبة بالحج أو العمرة ، وما عدا ذلك يكفي فيه الصبي كالجنازة والجهاد والأمر بالمعروف وسائر فروض الكفاية ولو مع وجود الكاملين .
قوله : ( ولو صبياً مميزاً ) فلو حضر مع امرأة كان المتوجه على المرأة أمره بالصلاة ، كالولي يجب عليه أمره بالصلاة والخنثى فيما ذكر كالمرأة ؛ والقياس أن الخناثى لا بد من صلاة الجميع فلا يسقط الفرض بواحد لاحتمال أن يكون أنثى ومن لم يصل ذكر اه زي .
قوله : ( مع وجود الذكر ) أظهر في محل الإضمار للإيضاح ، والأوجه أن المراد بوجوده في محل الصلاة على الميت لا وجوده مطلقاً ولا في دون مسافة القصر شرح م ر . أما إذا لم يكن موجوداً فتلزمهنّ ويسقط بفعلهنّ ، وتسنّ لهنّ الجماعة كما بحثه زكريا وحج . ولو حضر رجل بعد صلاتهنّ لم تلزمه الإعادة ؛ ولو حضر بعد الشروع وقبل فراغها فهل تلزمه الإعادة أو لا ؟ محل تردد . ولا يبعد القول باللزوم اه شوبري مع زيادة .
قوله : ( ويجب تقديمها على الدفن ) فإن دفن قبلها أثم الدافنون وصلى على القبر شرح المنهج . ولا ينبش ؛ فوجوب تقديمها على الدفن ليس لأنه شرط صحة .
قوله : ( وتصح على قبر غير نبي الخ ) أي على صاحبه ، أي ولو بعد البلى والاندراس ، ويسقط بها الفرض على المعتمد . وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها ، وهو في المنبوشة مشكل للعلم بنجاسة ما تحت الميت ، فلعل المراد غير المنبوشة ع ش على م(2/533)
"""""" صفحة رقم 534 """"""
ر . وذكر ق ل خلافه حيث قال : نعم لا يضر اتصال نجاسة به في القبر لأنه كإنفجاره ، وهو لا يمنع صحة الصلاة عليه .
قوله : ( غير نبي ) أما على قبر النبي فلا تصح ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لَعَنَ الله اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مَسَاجِدَ ) شرح المنهج ؛ أي بصلاتهم إليها . ودلالة هذا على المدعي إنما هي بطريق القياس ؛ لأن اليهود والنصارى كانوا يصلون المكتوبة لقبور الأنبياء ، والمدعي هنا صلاة الجنازة فتقاس على المكتوبة التي ورد اللعن فيها . وقوله ( اتخذوا ) يشعر بالتكرر ، والمدعي هنا أعم . وقوله ( مساجد ) أي قبلاً يصلون إليها ؛ قال السيوطي : هدا في اليهود واضح لأن نبيهم موسى مات ، وفي النصارى مشكل لأن نبيهم عيسى لم تقبض روحه ؛ إِلا أن يقال إن لهم أنبياء بزعمهم كالحواريين ومريم أو المراد بالأنبياء ما يشمل الصلحاء .
قوله : ( عن البلد ) ليس بقيد بل المراد بالغائب من يشق عليه الحضور ولو في الطرف الآخر ق ل وسم .
قوله : ( ولو دون مسافة القصر ) أي ولو كان الميت في غير جهة القبلة والمصلي مستقبلها ، لكنها لا تسقط الفرض عن الحاضرين عند الميت إذا لم يعلموا بصلاة غيرهم مرحومي . ولو صلى على من مات في يومه أو سنته وطهر في أقطار الأرض جازت وإن لم يعرف عينهم ، بل يسن لأن الصلاة على الغائب جائزة وتعيينه غير شرط أو ينوي الصلاة على من تصح الصلاة عليه من أموات المسلمين . وينبغي أن يقول في الدعاء لهم : اللهم من كان منهم محسناً فزد في إحسانه ومن كان منهم مسيئاً فتجاوز عن سيئاته ، دون أن يقول اللهم إن كانوا محسنين الخ لأن الظاهر في الجميع أنهم ليسوا كلهم محسنين ولا مسيئين اه شرح م ر و ع ش عليه .
قوله : ( قالوا لأن غيره الخ ) يمكن أن وجه التبري أنه يرد على هذا التعليل صحتها من الصبي المميز والنساء مع الرجال وسقوط الفرض بفعلهم ، شوبري . وأجيب بأن معنى لا يتنفل بها أي لا يؤتي بها ابتداء على صورة النفلية ، أي من غير جنازة بأن يصليها بلا سبب ، أو المعنى : لا يطلب تكرارها ممن فعلها أوّلاً كما قرره شيخنا ح ف . وقال بعضهم : قوله قالوا لأن غيره الخ أي لأن غير من هو أهل لفرضها وقت الموت ، والغير هو الصبي والمجنون ؛ ووجه التبري أن التعليل المذكور لا يصح إِلا لو صلاها الصبي والمجنون في حال صباه أو(2/534)
"""""" صفحة رقم 535 """"""
جنونه ، والمدعي أنه متى كان وقت الموت صبياً مثلاً لم تصح صلاته سواء صلى حالة الصبا أو بعد البلوغ وهو بعد البلوغ غير متنفل .
قوله : ( لم يؤثر ) أي في الصحة ، أي لا يكون هذا مقتضياً للصحة .
قوله : ( بل لو زال ) أي المانع كالصبا والجنون بعد الغسل الخ .
قوله : ( فكذلك ) أي تصح ، فالمعتمد أنه يشترط أن يكون من أهل فرضها قبل الدفن بزمن يمكن فعلها فيه بأن يكون حينئذ مسلماً مكلفاً طاهراً من نحو حيض اه ق ل . فخرجت النساء ، إِلا أن يقال إنهنّ من أهل فرضها عند فقد الذكور كما قاله الشوبري ، فالأولى حذف قوله طاهراً لأن النساء يصدق عليهنّ أنهنّ من أهل فرضها عند فقد الذكور ولو في حالة الحيض .
قوله : ( والأولى بإمامة الخ ) هذه أولوية ندب ، فلو تقدم للإمامة غير من هي حقه ولو أجنبياً صحت الصلاة ولا يحرم ، ولو أناب من هو مستحق للتقدم غيره فنائبه مقدم على الأبعد ؛ شيخنا .
قوله : ( وإن أوصى ) أي الميت بها لغيرها ، أي لغير الأب ، فلا عبرة بوصيته ؛ ولكن الأولى تنفيذها وفاء لغرض الميت . وهذه الغاية تجري في الجميع كما صرح به في شرح المنهج .
قوله : ( فباقي العصبة ) أي من النسب والولاء .
قوله : ( فذو رحم ) والمراد به هنا ما يشمل الأخ للأم ، فيقدم منهم أبو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم ، شرح المنهج .
قوله : ( حر عدل ) أي قريب أخذاً من قوله أقرب منه .
قوله : ( فلا حق فيها ) تفريع على قوله والأولى بإمامة صلاة الميت الخ أي فعلم من اقتصاره على ما ذكر أنه لا حق فيها للزوج كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( للزوج ) أي غير القريب ، أما هو كابن العم فله حق فيها .(2/535)
"""""" صفحة رقم 536 """"""
قوله : ( ولا للمرأة ) أي مطلقاً من الأقارب والزوحة بدليل ما يأتي . ولك أن تخص المرأة بالأنثى من الأقارب وتعمم في الزوج أي الشامل للأنثى وتعمم في قوله مقدم على الأجانب أي من الذكور في الذكر والإناث في الأنثى ، وكلا المسلكين صحيح اه شوبري .
قوله : ( والمرأة تصلي ) أي إماماً أي الشاملة للمحرم تصلي بترتيب الذكر ، فيقدم الأصول ثم الفروع ثم الحواشي على ما مر ثم الزوجة ؛ يرشد إلى ذلك قوله بترتيب الذكر هكذا أفهم ولا تغتر بما يخالفه اه س ل .
قوله : ( وتقدم ) أي في الإمامة . وقوله بترتيب الذكر أي فتقدم الأم ثم أمهاتها ثم البنت ثم الأخت الشقيقة ثم الأخت للأب زي .
قوله : ( ويقدم العبد القريب ) هو محمول على ما إذا كانا بالغين أو صبيين بقرينة ما بعده ح ل .
قوله : ( أن لا يكون قاتلاً ) ولا فاسقاً ولا مبتدعاً ولا عدوّاً .
قوله : ( فلو استوى اثنان ) كابنين أو أخوين ؛ والتقدم في الأجانب بما يقدم به في سائر الصلوات ، قال في المجموع : فإن استويا في السنّ قدم الأفقه فالأقرأ فالأروع بالترتيب السابق في سائر الصلوات .
قوله : ( العدل ) أما غير العدل فلا حق له في الإمامة ، شرح المنهج .
قوله : ( لأن الغرض هنا الدعاء ) لا يقال الأقربية حاصلة مع كون الأسنّ مأموماً ؛ لأن الإمام ربما يعجله عما يفرغ وسعه فيه من الدعاء لقريبه بمجامع الخير ومهماته اه حج .
قوله : ( عند رأس ذكر الخ ) عبارة ع ش : وتوضع رأس الذكر لجهة يسار الإمام ويكون غالبه لجهة يمينه خلاف ما عليه عمل الناس الآن ، أما الأنثى والخنثى فيقف الإمام عند عجيزتهما ويكون رأسهما لجهة يمينه على ما عليه الناس الآن اه .
قوله : ( وعجز غيره ) ولو في القبر ، شوبري . وحكمة المخالفة المبالغة في ستر غير الذكر كما قاله في شرح المنهج .(2/536)
"""""" صفحة رقم 537 """"""
قوله : ( برضا أوليائها ) فإن لم ترض الأولياء هل يحرم أو يكره ؟ المفهوم من قوله ويجوز على جنائز الحرمة الخ حرر .
قوله : ( لأن الغرض منها الدعاء ) أي والجمع فيه ممكن . والأولى إفراد كل بصلاة إن أمكن ، وعلى الجمع إن حضرت دفعة أقرع بين الأولياء شرح المنهج ؛ أي ليؤم واحد منهم بالقوم .
قوله : ( الأسبق ) فإن حضروا معاً وتمحضوا ذكوراً أو إناثاً أو خناثى قدّم إليه أفضلهم بالورع ونحوه مما يرغب في الصلاة عليه ، لا بالحرية لانقطاع الرق بالموت كما في شرح المنهج .
قوله : ( وإن كان المتأخر أفضل ) ولو نبيًّا ح ف .
قوله : ( ومثلها الخنثى ) فيؤخر الخنثى للرجل والصبي ، وتؤخر المرأة للخنثى ، ولا يؤخر الصبي للرجل ق ل .
قوله : ( عن يمينه ) أي الإمام .
قوله : ( رأس كل ) وهو الأقرب إلى الإمام عند رجل الآخر وهو الأبعد عن الإمام ، لما علمت أن الخنثى تجعل رأسه عن يمين الإمام فيقف الإمام عند عجيزة الخنثى التي تليه ورأسها عن يمينه ؛ فالذي يوضع بعده يكون رجله عند رأس الموضوع قبله ليكون رأس كل عن يمين الإمام .
قوله : ( ولو وجد جزء ميت ) أي تحقق انفصاله منه حال موته أو في حياته ومات عقبه فخرج المنفصل من حي ولم يمت عقبه إذا وجد بعد موته فلا يصلي عليه ، ويسنّ مواراته بخرقة ودفنه اه م د . واستشكل ذلك بصلاتهم على يد عبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن بن عتاب بن أسيد وقد ألقاها طائر بمكة في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين وعرفوها بخاتمة مع أنه مشكوك في موته . ويجاب بأنهم عرفوا موته قبل ذلك واستفيض اه شرح حج .
قوله : ( وستر بخرقة ) هل يجب ثلاث خرق سابغة إذا أمكن ذلك من تركته كما في الجملة أم لا ؟ ويفرق بين الجزء والجملة كما هو قضية إطلاق هذه العبارة ، حرره اه سم على حج . قلت : الثاني هو الظاهر لاقتصارهم على الخرقة ، ومثل الغسل التيمم إن كان تيمم(2/537)
"""""" صفحة رقم 538 """"""
كالوجه واليد وإِلا فلا صلاة عليه أي إذا لم يكن محل تيمم وتعذر غسله فلا صلاة عليه كما قاله ح ل .
قوله : ( لكن لا يصلي على الشعرة الواحدة ) على المعتمد اه . أي ولا تغسل وتدفن وجوباً ويندب سترها بخرقة ، قال م د : بخلاف الظفر الواحد فيصلي عليه .
قوله : ( بقصد الجملة ) فيقول نويت أصلي على جملة ما انفصل منه هذا الجزء ح ل . قال ق ل على الجلال : أي وجوباً إن كانت بقيته غسلت ولم يصل عليها ، وندباً إن كانت صلى عليها . فإن لم تغسل البقية وجب الصلاة على العضو بنيته فقط ، فإن نوى الجملة لم تصح ، فإن شك في غسل البقية لم تجز نيته إِلا إذا علق اه حج . ونقله شيخنا م د . وقوله : إِلا إذا علق بأن يقول : نويت أصلي على جملة ما انفصل منه هذا الجزء إن كانت غسلت وإِلا فعلى هذا الجزء فقط ؛ وهذا تعليق بمقتضى الحال فلا يضر . ومحل قولهم إن التعليق ينافي النية فيما إذا كان تعليقاً بغير مقتضى الحال ، وعبارة م ر : قوله بقصد الجملة محله إذا لم يكن صلى على الجزء الغائب أما لو كان صلى عليه فتجوز الصلاة بقصد الجزء الحاضر فقط ، ومحله أيضاً إذا كان قد غسل باقيه وإِلا قصد الصلاة على الجزء الحاضر فقط .
قوله : ( وأقله حفرة الخ ) والضابط للدفن الشرعي ما يمنع الرائحة والسبع سواء كان فسقية أو غيرها ، خلافاً لمن منع الدفن في الفسقية اه شرح م ر .
قوله : ( ظهور رائحة ) وإن كان الميت في محل لا يدخله من يتأذى بالرائحة بل ، وإن لم تكن رائحة أصلاً كأن جف وعبر بظهور لوجود الرائحة في حدّ ذاتها ؛ والمقصود إنما هو منع ظهورها أي عمن عند القبر بحيث لا يتأذى بها تأذياً لا يحتمل عادة كما قاله الشوبري .
قوله : ( فتؤذي الحي ) بالنصب بأن مضمرة معطوف على ظهور ، وكذا قوله فيأكل الميت وتنتهك الخ على حدّ قوله :
ولبس عباءة وتقرّ عيني
قوله : ( نبش سبع ) وإن كان الميت في محل لا يصله السباع أصلاً اه ع ش على م ر .(2/538)
"""""" صفحة رقم 539 """"""
قوله : ( الثاني ) أي أنهما غير متلازمين ، كالفساقي التي لا تمنع الرائحة مع منعها السبع فلا يكتفي بها شرح م ر . قوله : ( واثنان لا يغسلان ) أي لا يفعل ذلك لتحريمه ، فلا يقال إن فيه تعليل الشيء بنفسه ؛ لأنه إذا كان المعنى لا يجوز غسلهما الخ كان فيه تعليل الشيء بنفسه ، وهذا بمنزلة الاستثناء من قوله ويلزم في الميت أربعة أشياء ، فكأنه قال إِلا الشهيد والسقط الخ ولكن كلامه يقتضي أن كلاًّ منهما يجب فيه اثنان ويحرم فيه اثنان مع أنه ظاهر في الشهيد ، وأما السقط فليس لنا سقط يجب فيه أمران ويحرم فيه أمران بل أحواله ثلاثة ستأتي إِلا أن يقال إن كلام المتن بالنظر للمجموع والمجموع يصدق بالبعض وهو الشهيد .
قوله : ( لتحريم ذلك في حقهما ) هو ظاهر بالنسبة للشهيد دون السقط لأنه لا يحرم غسله فمراده المجموع أو بالنظر للصلاة .
قوله : ( الشهيد ) أي المقتول فنجرده عن بعض معناه ع ش . وإنما احتيج إلى ذلك لأن حقيقة الشهيد من قتله الكفار في المعركة ، فيكون قول المصنف في معركة المشركين ضائعاً فبالتجريد تصير له فائدة . ويجاب بأنه إنما قال في معركة الكفار لإخراج شهيد الآخرة كالمبطون والغريق ولا حاجة إلى التجريد .
قوله : ( ولم يصل عليهم ) بكسر اللام وفتحها . فإن قلت : الأنبياء والمرسلون أفضل من الشهداء مع أنهم يغسلون ويصلى عليهم والحكمة الثانية موجودة فيهم وهي التعظيم ؟ قلت : يجاب بأن الشهادة فضيلة تنال بالاكتساب فرغب الشارع فيها ، ولا كذلك النبوة والرسالة ؛ لأنهما لا ينالان بالاكتساب كما قاله اللقاني :
ولم تكن نبوّة مكتسبة
قوله : ( وسمي شهيداً لشهادة الله الخ ) فشهيد فعيل بمعنى مفعول أي مشهود له . وقيل :(2/539)
"""""" صفحة رقم 540 """"""
لأن الملائكة يشهدونه فيقبضون روحه ، وعليه فيكون شهيد بمعنى اسم المفعول أيضاً . وقيل : لأنه يبعث وجرحه يتفجر يشهد له وعليه فيكون فعيل بمعنى ما قبله . وقيل : لأنه يشهد الجنة حال موته فيكون بمعنى فاعل .
قوله : ( وقيل غير ذلك ) قال : ( للشَّهيد عَشْرُ كَرَامَاتٍ : الأولى يغفر له بأول قطرة من دمه ، الثانية يرى مقعده في الجنة حال موته ، الثالثة يخلفه الله في أرضه ، الرابعة يحلى بتحلية الإيمان ، الخامسة يجار من عذاب القبر ، السادسة يأمن من الفزع الأكبر ، السابعة يوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، الثامنة يزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، التاسعة يشفع في سبعين من أقاربه وأهله العاشرة يحيا حياة طيبة قال تعالى : ) ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون } ^ ) ( آل عمران : 169 ) اه عبد البر الأجهوري . وقوله : ( يزوّج اثنتين وسبعين حورية ) ليس هذا خاصاً به ، فقد قال رسول الله : ( يُزوّجُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّة بِأرْبَعَةَ آلاَفِ بِكْرٍ وثَمَانِيَةِ آلافِ أَيِّمٍ أَي ثَيّب ومائة حَوْرَاء ، فَيَجْتَمِعْنَ فِي كل سَبْعَةِ أَيَامٍ فَيقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حَسَانٍ لَمْ تَسْمَع الخلائقُ بِمِثْلِهِنَّ نَحْنُ الخالداتُ فلا نَبِيدُ أي نهلك ونحنُ النَّاعِمَاتُ فلا نَبْأَسُ ونحنُ الرَّاضِيَاتُ فلا نَسْخَطُ ونحن المُقِيمَاتُ فلا نَظْعَنُ طُوبَى لمن كان لنا وكُنَّا له ) اه ذكره في الدرّ المنثور للسيوطي .
قوله : ( وهو من لم تبق فيه حياة مستقرة ) صادق بمن مات ؛ لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع فتصدق بأن لم تكن فيه حياة أصلاً أو فيه حياة غير مستقرة ، أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( قبل انقضاء الخ ) هو ظرف للنفي ، أي انتفى ذلك قبل الخ .
قوله : ( بسببها ) أي الحرب ، وهو متعلق بالنفي أيضاً .
قوله : ( سلاح مسلم خطأ ) وكذا عمداً إن استعان به الكفار علينا .
قوله : ( أو رمحته ) أي رفسته .
قوله : ( أو فجأة ) بالنصب اه م د .
قوله : ( أو في قتال بغاة ) ما لم يكن القاتل له كافراً استعان به البغاة علينا ، وإِلا فشهيد دون مقتول البغاة اه أ ج .(2/540)
"""""" صفحة رقم 541 """"""
قوله : ( كونه مباحاً ) أي مأذوناً فيه لأنه فرض كفاية . وخرج به قتال الذميين إذا لم يكن منهم ناقض للعهد فإنه حرام ، أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( أما الشهيد العاري الخ ) وهذا يقال له شهيد الآخرة فقط ، ومعنى كونه شهيد الآخرة أن له رتبة فيها زائدة على غيره لكن الظاهر أنها لا تبلغ رتبة شهيد المعركة . والحاصل أن الشهداء على ثلاثة أقسام : شهيد الدنيا والآخرة ، وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا . وشهيد الدنيا فقط ، وهو من قاتل لا لذلك بل للغنيمة ونحوها . وشهيد الآخرة فقط ، وهو كثير كما أشار إليه بقوله كالغريق الخ اه .
قوله : ( كالغريق ) أي ولو كان عاصياً بركوب البحر كأن ركب سفينة لا يسير مثلها في ذلك البحر لصغرها أو ثقلها ، والعصيان بالتعدي بالركوب في هذه الحالة لا ينافي حصول الشهادة . وعبارة ق ل : قوله : كالغريق ما لم يسير السفينة في وقت الغرق ، ولا يمنع من شهادته ركوبها لشرب الخمر إن لم يمت بشرق به .
قوله : ( والميت عشقاً ) ولو لأمرد إن عفّ وكتم ولو عن نظر محرّم . وعبارة أ ج : والميت عشقاً أي بشرط العفة والكتمان وإمكان إباحة المعشوق شرعاً وتعذر الوصول إليه ، وخرج عشق الأمرد لأنه لا يمكن إباحته فعشقه معصية فلا ينال به درجة الشهادة ؛ وينبغي حمله على عشق اختياري فلو كان اضطرارياً مع العفة والكتمان فالوجه حصول الشهادة ق ل . قال ع ش على م ر : معنى العفة أن لا يكون في نفسه إذا اختلى به يحصل بينهما فاحشة ، والكتمان أن لا يذكر ما به لأحد ولو لمحبوبه .
لطيفة : حُكي أن شخصاً نزل هو ومحبوبه يسبحان في البحر فغرق محبوبه ، فأشار إلى البحر وأنشد وقال :
يا ماء ما لك قد أتيت بضدّ ما
قد قيل فيك مخبراً بعجيب
الله أخبر أن فيك حياتنا
فلأيّ شيء مات فيك حبيبي
فلما قال ذلك أحياه الله تعالى وطلع له من البحر .
قوله : ( والميتة مطلقاً ) ولو من زنا على المعتمد زي .
قوله : ( غسل نجس ) غير معفوّ عنه ، ولا يجوز غسل المعفوّ عنه إن أدى إلى إزالة دم الشهادة على المعتمد م د .(2/541)
"""""" صفحة رقم 542 """"""
قوله : ( التي مات فيها ) ولو حريراً لبسه لأجل الحرب ، دون ما لبسه لقمل أو جرب .
قوله : ( وفروة ) أي وجبة محشوة .
قوله : ( بما يستر جميع بدنه ) بل يجب ثلاثة أَثواب إذا كفن من ماله ولا دين عليه كما مرّ .
قوله : ( صارخاً ) حال مؤكدة لعاملها .
والحاصل أن للسقط وهو النازل قبل ستة أشهر ثلاثة أحوال نظمها شيخنا ح ف فقال :
والسقط كالكبير في الوفاةِ
إن ظهرت أمارة الحياةِ
أو خفيت وخلقه قد ظهرا
فامنع صلاة وسواها اعتبرا
أو اختفى أيضاً ففيه لم يجبْ
شيء وستر ثم دفن قد ندبْ
قوله : ( كاختلاج ) هو التحرك لعضو من الأعضاء ، فعطف التحرك عليه من عطف العام . وفي المصباح : اختلج العضو اضطرب ، وفي شرح الروض : والجمع بين الاختلاج والتحرك تأكيد .
قوله : ( وظهر خلقه ) ولو قبل أربعة أشهر .
قوله : ( بلا صلاة عليه ) أي لا تجوز الصلاة عليه في هذه الحالة .
قوله : ( بأنه ) أي الغير أوسع اه .
قوله : ( فإن بلغها فكالكبير ) وإن لم تعلم حياته ولم يظهر خلقه كما اعتمده م ر ، وعبارته : وبه يعلم أن الولد النازل بعد تمام أشهره وهو ستة أشهر يجب فيه ما يجب في الكبير من صلاة وغيرها وإن نزل ميتاً ولم يعلم له سبق حياة إذ هو خارج من كلام المصنف كما أفتى به الوالد ، وهو داخل في قولهم يجب دفن الميت المسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه استثنوا منه ما(2/542)
"""""" صفحة رقم 543 """"""
استثنوا والاستثناء معيار العموم . قوله : ( ويغسل الميت الخ ) شروع في تفصيل قوله : ويلزم في الميت أربعة أشياء غسله الخ .
قوله : ( وتراً ) صفة مصدر محذوف ، أي غسلاً وتراً كما قرره سم .
قوله : ( سدر ) أي ورق سدر وهو شجر النبق ، فهو على حذف مضاف ، وهو اسم جنس جمعي واحده سدرة قال تعالى : ) عند سدرة المنتهى } ) النجم : 14 ) فالسدر في اللغة اسم لشجر النبق وفي العرف اسم لورقه واختير ورق السدر لاختصاصه ، أي السدر بمجموع أوصاف ثلاثة : ظل مديد وطعم لذيذ ورائحة ذكية .
قوله : ( أو خطمي ) بتثليث أوله اه م د وهو ورق يشبه ورق الخبيزا .
قوله : ( شيء من كافور ) التنكير فيه للتقليل ، أي شيء قليل من كافور بحيث لا يسلب الطهورية وإِلا ضرّ ؛ هذا كله إذا كان غير صلب فإن كان صلباً فلا يضر أصلاً لأنه مجاور .
قوله : ( للهوامّ ) جمع هامة بتشديد الميم والهوامّ دواب الأرض ، هذا هو المراد هنا والأصل أنها الدواب ذوات السموم ، وفي الحديث : ( أعوذُ بكلماتِ اللَّه التامَّاتِ مِنْ كلّ هَامَّةٍ وسَامَّةٍ ) م د .
قوله : ( في كل غسلة ) أي من غسلات الماء القراح .
قوله : ( في الأخيرة آكد ) ويكره تركه .
قوله : ( فلا يقرب طيباً ) لبقاء أثر الإحرام بعد الموت ، أي فيما إذا مات قبل التحلل الأول ، أما بعده فهو كغيره بخلاف المعتدة المحدة فلا يحرم فيها شيء كالتطيب بعد الموت ؛ ويفرق بينهما بأن الإحداد للتفجع على الزوج وقد انقطع ذلك بموتها وأما المحرم فلأن أثر الإحرام فيه باق بدليل الحديث : ( إِنَّ المُحْرِمَ يَأتي يَوْمَ القيامة مُلَبّياً ) ويعصي من فعل به ذلك ، بخلاف ما إذا مات بعد التحلل الأول فإنه لا يجب علينا إبقاء أثر الإحرام فيه ؛ لأنه لو كان حياً جاز له كل شيء من المحرمات التي تحرم على المحرم بالتحلل الأول ما عدا النساء فنحن كذلك إذ لا يظهر فرق بينهما . والمراد بقوله لا يقرب طيباً أي يحرم تطييبه وطرح الكافور في ماء غسله كما يمتنع فعله في كفنه ، فيحرم أن يقرب طيباً في ثلاثة أشياء : بدنه وماء غسله وكفنه ، ولا فدية على فاعله على المعتمد .(2/543)
"""""" صفحة رقم 544 """"""
قوله : ( البسوا ) بوزن اعلموا من باب علم يعلم فهو بكسر عين الماضي وفتح عين المضارع في لبس الثياب ونحوها وعكسه معناه الاختلاط . قال بعضهم :
لعين مضارع في لبس ثوب
أتى فتح وفي الماضي بكسر
وفي خلط الأمور أتى بعكس
لعينهما فخذه بغير عسر قوله : ( البياض ) أي ذا البياض .
قوله : ( هذا هو الأفضل ) أي الاقتصار على الثلاثة أفضل من الزيادة عليها ، فلا ينافي ما تقدم من وجوب الثلاثة من التركة حيث لم يوص بترك الثاني والثالث منها ، ولم يمنع منها الغرماء ح ل .
قوله : ( ويجوز رابع وخامس ) لكنهما خلاف الأولى ، والمراد أنه يجوز برضا الورثة المطلقين التصرف وإلا حرمت الزيادة ؛ وكذا يقال في الأنثى .
قوله : ( وعمامة ) إن لم يكن محرماً ، فلو أخر الشارح قوله إن لم يكن محرماً إلى هنا كان أولى اه م د .
قوله : ( خمسة ) أي مبالغة في سترها . وحكمة كون الذكر يكفن في ثلاثة والمرأة في خمسة أن آدم وحواء لما خالفا وأكلا من الشجرة أمر الله تعالى بإخراجهما من الجنة ، فسقطت التيجان من رؤوسهما والحلل عن أجسادهما ، فمرّا على أشجار الجنة يريدان شجرة يستتران منها فلم يعطيا شيئاً ، فمرا على شجرة التين فأعطتهما ثمانية أوراق ثلاثة لآدم وخمسة لحواء ؛ فمن أجل ذلك كان للرجل ثلاثة أكفان وللمرأة خمسة إذا ماتا . ولما أعطتهما شجرة التين تلك الأوراق قال لها الرب جل وعلا : أيتها الشجرة كل أشجار الجنة لم يعطوا لهما شيئاً من أوراقها وأنت أعطيتهما تلك الأوراق فقالت : إلهي وسيدي أنت كريم تحب الكريم أنا أحببت أن أكون ممن أحببته ، فقال لها : أبشري فإني جعلتك أفضل شجرة في الجنة وخصصتك بثلاث : حرمتك على النار وجعلتك قوتاً لبني آدم وجعلت أكفان بني آدم عدد الأوراق التي أعطيتيها لآدم وحواء وسترتي بها عوراتهما ذكره البرماوي . وفي الفلك المشحون للسيوطي : قيل لما نزل آدم من الجنة نزل معه أربع ورقات من ورق التين كان قد ستر بها عورته ، فلما تاب الله عليه جاءه كل حيوان في الأرض يهنئه بقبول توبته ويتبركون به ، فسبق إليه منهم أربعة وهم الغزال وبقر البحر والنحل والدود ، فأطعم ورقة للغزال فصار منه المسك وأطعم ورقة لبقر البحر فصار منه العنبر وأطعم ورقة للنحل فصار منه العسل وأطعم ورقة للدود فصار منه الحرير ؛ فسبحان القادر على كل شيء لا إله إلا هو اه .(2/544)
"""""" صفحة رقم 545 """"""
قوله : ( إزار ) هو والمئزر ما يستر العورة .
قوله : ( وأما الواجب الخ ) مقابل قوله ويكفن في ثلاثة أثواب وقوله فقد تقدّم الكلام عليه ، أي من أنه ثوب يستر العورة أو جميع البدن أو ثلاثة أثواب كما أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( كنية غيرها ) أي في وقتها ، ويكفي فيها نية مطلق الفرض وإن لم يقل كفاية كما يكفي نية الفرض في إحدى الخمس وإن لم يقيدها بالعين . وعلم من كلامه تعين نية الفرضية كما في الصلوات الخمس ولو في صلاة امرأة مع رجال ولو في صلاة الصبي ، فيجب عليه نية الفرضية كما صرح به النووي في شرح المهذّب ، وهو المعتمد عند م ر ، ويحتاج إلى الفرق . فليحرر ، م د على التحرير ، وعبارته هنا : ويجب قرن النية بتكبيرة الإحرام ، وظاهره أنه يجب نية الفرضية حتى في الصبي ، وهو كذلك ، ويفرق بينها وبين المكتوبة بأن في صلاته هنا إسقاطاً عن المكلفين في الجملة والمرأة كالصبي .
قوله : ( الحاضر ) مقتضاه أنه لا بد في الغائب من تعيينه باسمه ونحوه ، وليس كذلك بل يكفي فيه أيضاً الصلاة على من صلى عليه الإمام اه ح ل . وعبارة ز ي : والمعتمد أنه لا بد في الغائب من تعيينه إلا إذا قال أصلي على من صلى عليه الإمام ، وكذا لو قال آخر النهار أصلي على من مات بأقطار الأرض وغسل فإنها تصح نظراً للعموم ؛ وقوله أو نحوه كاسم جنسه نحو رجل اه .
قوله : ( نوع تمييز ) مفعول مطلق .
قوله : ( على هذا الميت ) ولو كان الميت في صندوق مثلاً صحت الصلاة عليه على المعتمد من ترددّ لبعض اليمانيين اه ز ي .
فرع : قال م ر : إذا كان الميت في سحلية مسمرة عليه لا تصح الصلاة عليه ، كما لو كان المأموم في محل بينه وبين الإمام باب مسمر ؛ فإن لم تكن مسمرة ولو بعض ألواحها الذي يسع خروج الميت منه صحت الصلاة اه . فأوردت عليه أنها إذا لم تكن مسمرة كانت كالباب المردود بين الإمام والمأموم فيجب أن لا تصح الصلاة مع ذلك كما لا يصح الاقتداء مع ذلك إذا كان خارج المسجد ، بل قضية ذلك امتناع الصلاة على امرأة على تابوتها قبة . فتكلف في الجواب بأن من شأن الإمام الظهور ومن شأن الميت الستر اه . فليتأمل جداً سم على المنهج .(2/545)
"""""" صفحة رقم 546 """"""
وقول سم ما لم تكن مسمرة شمل ما لو كان بها شداد ولم تحلّ ، وهو ظاهر إن لم تكن السحلية على نجاسة أو يكن أسفلها نجساً ، وإلا وجب الحل . وقضيته أنه لو كان الميت في بيت مغلق عليه في غير مسجد وصلي عليه وهو خارج البيت الضرر وهو ظاهر للحيلولة بينهما ع ش على م ر .
قوله : ( ولم يشر إليه ) أي ولم يكن التعيين بالإشارة إليه ، فلا يرد أن الإشارة من جملة المعينات اه شيخنا .
قوله : ( لم تصح صلاته ) لأن هذا مما يعتبر التعرض له جملة .
قوله : ( فإن أشار إليه ) ولو إشارة قلبية ح ف .
قوله : ( ثم صلى على الباقي لم تصح ) فهي باطلة ، ومحله إذا لم يشر ؛ وإنما لم تصح لوجود الإبهام المطلق في كل من البعضين .
قوله : ( حتى يفرغ ) أي الإمام ثم يصلي الخ .
قوله : ( نية الاقتداء ) أو الائتمام أو الجماعة اه أ ج .
قوله : ( قيام قادر عليه ) ولو صبياً وامرأة مع رجال وإن وقعت لهما نفلاً ، رعاية لصورة الفرض ؛ فإن عجز عن القيام قعد ، فإن عجز عن القعود اضطجع ، فإن عجز عن الاضطجاع استلقى ، فإن عجز أومأ كما مرّ في غيرها . وعبارة م ر : شمل ذلك المرأة والصبي إذا صليا مع الرجال ، وهو الأوجه خلافاً للناشري اه . ويحرم على المرأة القطع ويمنع منه الصبي والعاجز عنه كالجالس والمضطجع والمستلقي تصح منه ويسقط بها الفرض ولو مع وجود القادر . فإن قيل : لم لم يشرع الركوع والسجود في صلاة الميت ؟ قيل : لأن الميت اعترض بين المصلى وبين الله ولو أمر بالركوع والسجود لتوهم الجاهل أنه للميت اه ابن العماد .
قوله : ( فلو زاد عليها ) سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً .(2/546)
"""""" صفحة رقم 547 """"""
قوله : ( لم تبطل ) أي سواء كان سهواً أو عمداً ولم يعتقد البطلان ولا نوى به الركنية . والمعتمد أنه لا يضر اعتقاد الركنية قياساً على تكرير الفاتحة بقصد الركنية كما قاله الشيخ سلطان . ولو والى رفع يديه في الزيادة فالوجه البطلان ؛ لأنه غير مطلوب بخلاف ما تقدم في العيد سم شوبري وعبارة أ ج : لم تبطل ، أي ما لم يعتقد البطلان بالزيادة وإلا بطلت اه .
قوله : ( لم يسن له متابعته ) بل يكره ، فلو تابعه في الزائد لم تبطل صلاته كما أفتى بذلك م ر وذكره خ ض وغيره فليحفظ . ولا تغفل عما تقدم من أن سجود السهو لا يدخل صلاة الجنازة اه م د . وعبارة أ ج : لم تسن له متابعته ، أي على الأصح ، وقيل : تسن . والخلاف في الاستحباب كما قاله السبكي ، خلافاً للإسنوي حيث قال : الخلاف في الوجوب اه .
قوله : ( وهو أفضل ) سواء كان الإمام ساهياً أو عامداً اه ق ل .
قوله : ( والركن الرابع ) صنيعه هنا في حل المتن غير حسن ؛ وذلك لأن المتن يفيد شيئين : ركنية الفاتحة وكون محلها بعد الأولى ، والشارح جعله مفيداً للثاني فقط حيث قال : والرابع قراءة الفاتحة ، وجعل كلام المتن مفيداً لكونها بعد الأولى فقط ، فكان عليه أن يقول : والركن الرابع يقرأ الفاتحة ، ثم يقول : وقوله بعد الأولى الخ ، وسيأتي له هذا الصنيع في الدعاء فتأمل .
قوله : ( أنها تجزىء في غير الأولى ) معتمد ، وقوله في غير الأولى ولو غير الرابعة كأن زاد خامسة وقرأها فيها سم وشوبري .
قوله : ( من الثانية ) أي مع الصلاة على النبي ، وقوله : والثالثة ، أي مع الدعاء للميت كما يأتي .
قوله : ( والرابعة ) أي ما لم يشرع فيها وإلا تعينت ، فليس له قطعها وتأخيرها إلى غيرها م ر شوبري .(2/547)
"""""" صفحة رقم 548 """"""
فرع : أدرك المأموم الأولى مع الإمام واستمر عمداً تاركاً لقراءة الفاتحة حتى كبر الإمام أخرى وهي الثانية ، فالوجه أنه لا يجوز له أن يكبر وإن قلنا بعدم تعينها بعد الأولى لأنه محلها الأصلي فتعينت فيه بإدراك قدرها ما لم يصرف عنها ، فحينئذ يجب عليه إما المفارقة وإما قراءتها ما لم يخف شروع الإمام في الثالثة ، فإن أتمها قبل شروعه في الثالثة مشى على نظم صلاته ، وإن خاف أن يشرع الإمام فيها قبل إتمامها فارقه وجوباً وأتمها ؛ نعم إن قصد بعد التكبيرة الأولى تأخير الفاتحة إلى ما بعد الأولى فالوجه أنه يجوز له ذلك بناء على عدم تعينها بعد الأولى سم .
قوله : ( وفي المجموع يجوز أن يجمع الخ ) فإن قلت : لِمَ لمْ تتعين الفاتحة في محلها الذي هو الأولى مع أن غيرها متعين في محله بل ربما يقال تعيينها في الأولى إما أو لويّ أو مساو لتعين الصلاة في الثانية والدعاء في الثالثة ، فما الفرق ؟ قلت : يفرق بأن القصد من الصلاة على الميت الشفاعة والدعاء للميت والصلاة على النبي وسيلة لقبولها ، فتعين محلهما الواردان فيه عن السلف والخلف إشعاراً بذلك ؛ بخلاف الفاتحة فلم يتعين لها محلّ إشعاراً بأنها دخيلة في هذه الصلاة ، ومن ثم لم تسن فيها السورة اه حج وشوبري ملخصاً . وعبارة م د على التحرير : قوله بعد التكبيرة الأولى ، وقال النووي : تجزىء بعد غيرها أيضاً ، وله على هذا جمعها مع ركن آخر وتأخيرها عن الرابعة ؛ نعم تتعين عقب الأولى للمسبوق . ولو عبر المصنف بعقب بدل بعد في الكل لكان أولى اه ق ل . وقوله نعم تتعين عقب الأولى للمسبوق ضعيف ، ففي حاشية سم على حج عند قول المنهاج ويكبر المسبوق ويقرأ الفاتحة وإن كان الإمام في غيرها ما نصه : قوله ويقرأ الفاتحة أي إن شاء وإن شاء أخرها لتكبيرة أخرى وقوله وإن كان إمامه في غيرها أي بأن أدرك الإمام بعد الثانية مثلاً اه بحروفه . وفي فتاوي م ر ما نصه : سئل رضي الله عنه فيمن تباطأ بإحرامه عن إحرام إمامه في صلاة الجنازة فلما أن كبر تكبيره التحرم كبر إمامه الثانية ، هل يكبر معه وجوباً وتسقط عنه الفاتحة رأساً أو يأتي بها في الثانية مع الصلاة على النبي لأن الأولى ليست الفاتحة متعينة فيها ؟ وإذا تركها في الأولى عمداً وأتي بها في الثانية فهل الأولى أن يقدمها على الصلاة على النبي أو يقدم الصلاة عليها ؟ فأجاب : يكبر معه وتسقط عنه القراءة ويتحملها الإمام وإن كان يجوز له تأخير قراءة الفاتحة لما بعد الأولى لسقوط محلها الأصلي ، ومتى أخرها لما بعد الأولى إلى الثانية فتقديم الفاتحة على الصلاة عليه أولى اه بحروفه . وظاهره سقوط الفاتحة عن المسبوق بتكبير الإمام عقب تكبيره وإن لم يقصد إيقاعها بعد الأولى نظراً لمحلها الفاضل ، ويؤيده ما علل به ؛(2/548)
"""""" صفحة رقم 549 """"""
وتلخص أن الفاتحة تجزىء بعد غير التكبيرة الأولى ولو بعد الرابعة وقبل السلام في غير المسبوق وفي المسبوق إذا أدرك مع الإمام ما يسع قراءة الفاتحة على المعتمد . وما ذكره ق ل من الاستدراك ضعيف فليتأمل . ثم قول ق ل ولو عبر بعقب الخ لا يظهر له فائدة مع ما في جواب م ر من أن الأفضل مراعاة الترتيب حيث أخر الفاتحة . ولو تخلف المأموم عن إمامه بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته ، إذ الاقتداء هنا إنما يظهر في التكبيرات وهو تخلف فاحش يشبه التخلف بركعة ، فإن كان ثم عذر كنسيان فلا تبطل ولو سلم الإمام على الراجح خلافاً للمصنف في شرح المنهج وخ ط وغيرهما حيث قالوا : تبطل بتكبيرتين اه . ولا شك أن التقدم كالتخلف ، بل أولى خلافاً للمصنف في شرح المنهج كما في خ ط على الغاية . ولا يجوز أن يقرأ بعضها في ركن وبعضها في ركن آخر كما يؤخذ من كلام المجموع ؛ لأن هذه الخصله لم تثبت .
فرع : وقع السؤال عن موافق شرع في قراءة الفاتحة في الأولى ، فهل يجوز له قطعها وتأخيرها إلى ما بعد غيرها ؟ أجاب ابن م ر بأنه لا يجوز لأنها تعينت بالشروع ، فقولهم الفاتحة لا تتعين في الأولى أي ما لم يشرع فيها ، فتأمل .
قوله : ( ولا يشترط الترتيب الخ ) كما إذا قرأ الفاتحة بعد التكبيرة الثانية ، فلا يشترط الترتيب بين قراءة الفاتحة والصلاة على النبي ؛ وكذا إذا قرأها بعد التكبيرة الثالثة .
قوله : ( يصلي على النبي ) وهذا من المواضع التي لا يكره فيها إفراد الصلاة عن السلام لعدم استحبابه على المعتمد اتباعاً للوارد ، ويستثني أيضاً من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر السلام عليه وقت زيارته فلا يكره إفراده عن الصلاة .
قوله : ( وأقلها الخ ) وأكملها ما في التشهد ، وهو : اللهم صل على محمد الخ .
قوله : ( والحمد لله ) فيقول : الحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد الخ .
قوله : ( بخصوصه ) أو في عموم غيره بقصده ، ولا بد أن يكون بأخروي كاللهم اغفر له(2/549)
"""""" صفحة رقم 550 """"""
أو اللهم ارحمه أو اللهم الطف به أو غفر الله له أو رحمه أو لطف به ، فلا يكفي الدعاء بدنيوي إلا أن يؤول إلى نفع أخروي كاللهم اقض عنه دينه .
قوله : ( واللهم اغفر له ) ولو غير مكلف ، إذ المغفرة لا تستلزم الذنب رحماني ؛ فيكفي في الصغير أن يدعي له بالأقل كاللهم اغفر له وبالأكمل الآتي في المتن .
قوله : ( وقول الأذرعي الخ ) الذي اعتمده ع ش استثناء الطفل من قولهم الميت يدعي له ، فعلى هذا يكون قول الأذرعي وهو المعتمد ولا عبرة بكلام الغزي ، وربما يرشح له تبرئة الشارح منه حيث قال : قال الغزي الخ .
قوله : ( باطل ) إن حمل على إخلاء التكبيرة الثالثة من الدعاء له أو لوالديه ، فهو باطل لأن الصلاة تبطل بذلك ، وإن حمل على أنه لا يتعين الدعاء للصغير بل يجوز أن يدعي له أو لوالديه فليس بباطل .
قوله : ( ويكفي ذلك ) أي يكفي الاتباع في إثبات الحكم ، فلا يتوقف على علة ولا حكمة .
قوله : ( وبقراءة ) زاد في المنهج : وبدعاء ليلاً أو نهاراً فلا يجهر إلا بالتكبيرات والسلام أي الإمام والمبلغ إن احتيج إليه لا غيرهما كما في شرح م ر ، فغيرهما يسرّ حتى بالتكبيرات والسلام .
قوله : ( وسورة ) ينبغي أن المأموم إذا فرغ من الفاتحة قبل إمامه تسن له السورة لأنها أولى من وقوفه ساكتاً ، قاله في الإيعاب ؛ قال الشيخ : أي ومن الدعاء للميت ، إذ الأولى ليست محل طلب الدعاء له ، تأمل شوبري .
قوله : ( فيقول ) أي ندباً حيث لم يخش تغير الميت ، وإلا وجب الاقتصار على الأركان ؛ تحفة شوبري وسيأتي .(2/550)
"""""" صفحة رقم 551 """"""
قوله : ( بعد قوله اللهم اغفر الخ ) فالأول عام في كل ميت والذي في المتن خاص بالبالغ ، والذي يأتي في الشرح خاص بالصبي ؛ وإن اقتصر على ما يأتي كفى في الصغير .
قوله : ( اللهم اغفر لحينا ) فإن قلت : ما الفرق بين العفو والمغفرة ؟ فالجواب أن بين مفهوميهما بحسب الوضع عموماً وخصوصاً ، فإن المغفرة من الغفر وهو الستر والعفو المحو ، ولا يلزم من الستر المحو وعكسه كأن يحاسبه بذنب على رؤوس الأشهاد ثم يعفو عنه أو يستره ويجازيه عليه ؛ أما بالنظر لكرم الله فهو إذا ستر عفا فبينهما عموم وخصوص مطلق ؛ ولذا يقال في مقام الملاطفة في الأكثر : عفا الله عنه ؛ ذكره الشبرخيتي على العشماوية .
قوله : ( وصغيرنا ) أي إذا بلغ واقترف الذنب ، أو المراد الصغير في الصفات شوبري ، أو المراد الصغير حقيقة ؛ والدعاء بالمغفرة لا يستلزم وجود ذنب بل قد يكون بزيادة درجات القرب كما يشير إليه استغفاره في اليوم والليلة مائة مرة ، ابن حجر في الدرّ المنضود عن ابن سيرين قوله : ( فأحيه على الإسلام ) لا يخفى مناسبة الإسلام للحياة والإيمان للوفاة ؛ لأن الإسلام كناية عن أعمال الجوارح وهي في الحياة ، والإيمان هو التصديق القلبي ؛ والمقصود أن يكون متلبساً به عند الوفاة ، أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( اللهم ) مقول القول ، وهذا استعطاف وتقدمة للدعاء وأوّله قوله : اللهم إن كان محسناً الخ ، وقوله : فيقول اللهم هذا عبدك الخ ، قضيته أنه لو اقتصر على قوله : اللهم اغفر لحينا الخ ، لم يكف وهو الموافق لما مر من أنه يجب الدعاء للميت بخصوصه وأنه لا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ؛ قاله ع ش على م ر .
قوله : ( عبدك ) مرفوع أو منصوب بارحم .
قوله : ( وابن عبديك ) يعني أباه وأمه ، قال م ر : فإن لم يكن له أب بأن كان ولد زنا فالقياس أن يقول : وابن أمتك .
قوله : ( بفتح الراء ) وكذا قوله بفتح السين مثله في شرح م ر . ولعله إنما اقتصر عليه لكونه الأفصح ، وإلا فيجوز في الروح الضم كما قرىء به في قوله تعالى : ) فروح وريحان } ) الواقعة : 89 ) وفي السعة الكسر . وقد نظم ذلك العلامة الدنوشري فقال :
وسعة بالفتح في الأوزان
والكسر محكيّ عن الصاغاني
ع ش على م ر .
قوله : ( نسيم الريح ) يظهر أنه من إضافة الأخص للأعم إذ النسيم نوع من الريح .(2/551)
"""""" صفحة رقم 552 """"""
قوله : ( ومحبوبه ) أي وخرج من عند محبوبه ، أي الميت ومحبوبه كل ما كان يحبه سواء كان من العقلاء أو غيرهم من حيوانات أو غيرها مثل المال والكتب والثياب وغير ذلك قوله : ( وأحبائه ) أي الذين يحبونه ولا يكونون إلا عقلاء .
قوله : ( إلى ظلمة القبر ) متعلق بخرج .
قوله : ( لكن اللفظ الخ ) عبارة حج : ( وما هو لاقيه ) أي من جزاء عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
قوله : ( كان يشهد ) في معنى التعليل لما قبله ، أي دعوناك له لأنه كان يشهد الخ ، شوبري .
قوله : ( وأنت أعلم به ) احتاج إليه ليبرأ من عهدة الجزم قبله اه ابن حجر .
قوله : ( نزل بك ) أي عندك .
قوله : ( ويذكر اللفظ ) أي الهاء من به قوله : ( لأنه عائد على الله ) فيه نظر إذ لا معنى لقوله وأنت يا ألله خير منزول بالله وأجيب بأن المعنى عائد على موصوف شامل .
قوله : ( وكثيراً ما يغلط ) ما زائدة لتأكيد معنى الكثرة ، وكثيراً منصوب على الظرفية .
قوله : ( في ذلك ) أي فيذكر مع المذكر ويؤنث مع المؤنث ، فإن تعمده وعرف معناه كفر ، قاله ز ي ؛ لأن معناه وأنت خير امرأة منزول بها فيقتضي أنه امرأة ؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه . وقال بعضهم ، واعترض رجوع الضمير لله : بل هو عائد على موصوف مقدر ، والتقدير : خير كريم منزول به ، أي تنزل بذلك الكريم الضيفان ، فإن قدرت ذلك المحذوف جمعاً كان الضمير ضمير جمع بأن يكون التقدير : خير كرماء منزول بهم ، أي بتلك الكرماء ، فالمدار على المقدر ؛ ولا ينظر للميت كما أفاده شيخنا العشماوي . وقال شيخنا ح ف : وهو متعين وما وقع في كلام الشارح والحواشي من رجوعه لله لا يظهر أصلاً ، ويجوز تقدير الموصوف مؤنثاً بأن يكون التقدير : وأنت خير ذات تنزل بها الضيفان .
قوله : ( وأصبح فقيراً ) أي صار شديد الفقر إلى رحمتك ، وإلا فهو فقير في حال الحياة أيضاً ؛ أفاده شيخنا العشماوي .(2/552)
"""""" صفحة رقم 553 """"""
قوله : ( وقد جئناك ) هل ذلك مخصوص بالإمام كالقنوت وأن غيره يقول جئتك شافعاً أو هو عام في الإمام وغيره فيقول المنفرد بلفظ الجمع ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني اتباعاً للوارد ؛ ولأنه ربما يشاركه في الصلاة عليه ملائكة . وقد يؤيد ذلك ما ذكروه من أنه حصر الذين صلوا عليه فإذا هم ثلاثون ألفاً ، يعني من الإنس ، ومن الملائكة ستون ألفاً ، لأن مع كل واحد ملكين اه برماوي .
قوله : ( إن كان محسناً ) وقوله إن كان مسيئاً هذا يقوله في غير الأنبياء ، ويأتي فيهم بما يناسب .
قوله : ( اللهم إن كان محسناً ) أي مطيعاً في الدنيا ؛ قال بعض العلماء ولو بالنطق بالشهادتين فقط .
قوله : ( لنفسه ) شمل إحسانه لها بالصلاة والصيام مثلاً . وقوله فزد أي ضاعف له في جزاء إحسانه أي طاعته ، وعليه فهو من إضافة المصدر لفاعله ، ويصح أن يكون من إضافة المصدر لمفعوله أي إحسانك إليه . وإنما قررناه بما ذكر لأن عمله انقطع بموته لحديث : ( إذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ به أوْ وَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو له ) .
قوله : ( ولقه ) يجوز كسر الهاء مع الاشباع ودونه وسكونها وكذا في قه م ر شوبري .
قوله : ( وجاف الأرض ) عبارة البرماوي : ليس المعنى أنه يكون مرتفعاً عن الأرض ، فهو كناية عن تخفيف ضمة القبر وهو أول ما يلقاه الميت من أهوال القبر ، فهي قبل السؤال . وقد صرحت الروايات والآثار بأن ضمة القبر عامة للصالح وغيره . وقد قال الشهاب ابن حجر : قد جاءت الأحاديث الكثيرة بضمة القبر وأنه لا ينجو منها صالح ولا غيره ، بل أخبر في سعد ابن معاذ سيد الأوس من الأنصار أنه اهتز لموته عرش الرحمن استبشاراً لقدوم روحه وإعلاماً بعظيم مرتبته وأنه لم ينج منها ، وأنه شيع جنازته سبعون ألف ملك ، وأنه لو كان أحد ينجو منها لنجا منها هذا العبد الصالح ؛ لكن الناس مختلفون فيها ، قيل : ضمة القبر التقاء جانبيه على جسد الميت ، قال الحكيم الترمذي : لا نعلم أن للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في القبر ضمة ولا سؤال لعصمتهم ، قيل : هي للمطيع حنوّ ولغيره ضمة سخط . ويرده ما ورد في سعد ابن معاذ أنه ضغط في قبره ضغطة شديدة بحيث اختلفت أضلاعه فيها ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل(2/553)
"""""" صفحة رقم 554 """"""
عن ذلك فقال : ( إنه كان يقصر في بعض الطهور من البول ) وأن الضمة المذكورة تكون لكل أحد حتى الأطفال ، لكن ذكر أن فاطمة بنت أسد سلمت من هذه الضمة . وأن من قرأ ) قل هو الله أحد } ) الاخلاص : 1 ) في مرضه الذي يموت فيه كذلك ، أي يسلم منها ، وكذا الأنبياء . وحكمتها أن الأرض أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة ، فلما ردوا إليها ضمتهم ضمة الوالدة التي غاب عنها ولدها ، ثم قدم عليها فمن كان مطيعاً لله ضمته برفق ورأفة ومن كان عاصياً ضمته بعنف سخطاً منها عليه .
قوله : ( الشامل الخ ) فيكون من ذكر العام بعد الخاص .
قوله : ( وأعيد بإطلاقه ) جواب عن التكرار ، والجواب من وجهين وهما قوله بإطلاقه واهتماماً بشأنه ؛ لأن عمومه يدفع التكرار أيضاً ، فقوله بإطلاقه أي بعمومه ، وقوله اهتماماً بشأنه فكل جواب مستقل ، والضمير المستتر في أعيد راجع للعذاب المأخوذ من قوله من عذابك ، وقوله بما تقدم أي بإضافته للقبر في قوله وعذابه وقوله إذ هو أي العذاب ، أي الأمن منه .
قوله : ( من هذه الشفاعة ) أي الصلاة المشتملة على الدعاء .
قوله : ( تبعثه ) أي تحييه من قبره .
قوله : ( مساقاً ) أشار به إلى أن قول المصنف إلى جنتك متعلق بمحذوف تقديره مساقاً .
قوله : ( جمع ذلك الخ ) قال الشيخ عميرة : يريد أنه لم يرد في حديث واحد هكذا سم اه ع ش على م ر .
قوله : ( ومحبوبها ) أي الدنيا ، أي المحبوب منها .
قوله : ( الجرّ ) وقوله فيها حال .
قوله : ( ويجوز رفعه ) أي على الابتداء خبره فيها .(2/554)
"""""" صفحة رقم 555 """"""
قوله : ( بقصد الشخص ) هل المراد أنه يلاحظ ذلك أو أنه وإن لم يلاحظ يحمل على الإرادة ؟ اه شوبري .
قوله : ( التعبير بالمملوك ونحوه ) كالمخلوق .
قوله : ( فالقياس أن يقول فيه الخ ) وكذلك عيسى عليه السلام رحماني .
قوله : ( ويجوز أن يأتي ) أي في هذه الصورة ، بدليل قوله بعد وأنه الخ فإنه عطف على مدخول القياس ، أي والقياس أنه الخ .
قوله : ( أي سابقاً ) تفسير لقوله فرطاً وقوله لمصالحهما أي من الشفاعة والحوض .
قوله : ( وسلفاً ) عطف عام على خاص ؛ لأن السلف مطلق السابق سواء كان مهيئاً للمصالح أم لا والفرط السابق المهيىء للمصالح كما أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( وذخراً ) شبه تقدمه لهما بشيء نفيس يكون أمامهما مدّخراً إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما ، وقوله واعتباراً أي يعتبران بموته وفقده حتى يحملهما ذلك على العمل الصالح ، شرح حج .
قوله : ( وعظة ) اسم مصدر بمعنى الوعظ ، أو اسم فاعل ، أي واعظاً ؛ والمراد به وبما بعده أعني اعتباراً غايتهما وهو الظفر بالمطلوب من الخير وثوابه ، فسقط التنظير في ذلك بأن الوعظ التذكير بالعواقب ، وهذا قد انقطع بالموت شرح م ر ، أي فلا يتأتى فيما إذا كان أبواه ميتين ؛ لكن سيأتي عن الزركشي أن هذا خاص بمن كان أبواه حيين تأمل .
قوله : ( وثقل به ) أي بثواب الصبر على فقده أو الرضا به ؛ ابن حجر : وهذا لا يتأتى في الكافرين اه .
قوله : ( وأفرغ الصبر ) لا يتأتى إلا في الحي .
قوله : ( ولا تفتنهما بعده ) وإتيان هذا في الميتين صحيح إذ الفتنة يكنى بها عن العذاب اه ابن حجر . وقد ورد في الصبر بموت الولد فضل كثير ، منه ما ذكره ابن حبان في صحيحه :(2/555)
"""""" صفحة رقم 556 """"""
( إذا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قال الله تعالى لملائكته : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدي ؟ فيقولون : نَعَمَ فيقول : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فؤادِهِ ؟ فيقولون : نعم فيقول : ماذا قَالَ ؟ فيقولون : حَمَدَكَ واسَتْرجَعَ فيقول الله تعالى : ابْنُوا لَعْبدِي بيتاً في الجنة وسَمّوهُ بَيتَ الحمد والاسْتِرْجَاع ) وورد : ( لا يُموتُ لأحَدٍ من المسلمين ثلاثةٌ مِنَ الوَلدِ فَتَمسهُ النار إِلا تَحِلَّةَ القَسَمِ ) أي ) وإنْ منكم إلا واردها } ) مريم : 71 ) الآية . والمختار أنه المرور على الصراط ، وقد ورد : ( إنّ الوَلَدَ يَشْفَعُ لأبويهِ ) ويوجه بأنه لما لم يكن عليه ذنب أشبه العلماء والشهداء فإن لهم حظاً في الشفاعة ، فليكن هذا أولى ؛ لكن صح : ( كُلُّ غُلامٍ مُرْتَهَنٌ بعَقيقَتِهِ ) الحديث ، وفسره أحمد وغيره بأن من لم يعق عنه لم يشفع لوالديه ، واستحسنه الخطابي ؛ فينبغي لمن يرجو شفاعة ولده أن يعق عنه ولو بعد موته . وعبر عن عدم الشفاعة بالارتهان لأن المرتهن محبوس غالباً عند راهنه فلا يشفع ، فشبه من لم يعق عنه بمرهون تعطل الانتفاع به اه ملخصاً من شرح العباب لابن حجر .
قوله : ( فالأحوط الخ ) فلو اقتصر على الوارد لم يكف لاحتمال بلوغه ، وإن دعا له بالرحمة كفى ، والأحوط الجمع بينهما .
قوله : ( كتبعية الصغير للسابي الخ ) جواب عما يقال الصغير الذي أبواه كافران كافر تحرم الصلاة عليه ، فأجاب بأنه مسلم حكماً تبعاً لسابيه .
قوله : ( ويقول في التكبيرة الرابعة ) أي بعدها ، وقوله ندباً أي لأنه لا يجب بعد الرابعة(2/556)
"""""" صفحة رقم 557 """"""
شيء ، فلو سلم عقبها جاز كما قرره شيخنا .
ح ف قوله : ( أن يطوّل الدعاء ) أي بقدر ما قبلها من التكبيرات الثلاث وما فيها من القراءة والصلاة والدعاء . ونقل بعضهم أنه يقرأ فيها قوله تعالى : ) الذين يحملون العرش ومن حوله } ) غافر : 7 ) إلى قوله ) العظيم } ) غافر : 9 ) قال البابلي : نعم وردت هذه في بعض الأحاديث اه برماوي .
قوله : ( وحمل الجنازة ) مبتدأ ، وقوله أفضل من التربيع خبر ، وقيل : التربيع أفضل ، بل حكي وجوبه ؛ وهذا إن أريد الاقتصار على أحدهما والأفضل الجمع بينهما بأن يحمل تارة بهيئة الحمل بين العمودين وتارة بهيئة التربيع أ ج . وليس في الحمل دناءة ولا سقوط مروءة بل هو برٌّ وإكرامٌ للميت فقد فعله بعض الصحابة والتابعين م ر .
قوله : ( ويحمل المؤخرتين رجلان ) أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر ، إذ لو توسطهما واحد كالمتقدمين لم ير ما بينهما .
قوله : ( بأن يتقدم رجلان ) أي ويضع أحد المتقدمين العمود الأيمن على عاتقه الأيسر والآخر العمود الأيسر على عاتقه الأيمن والمتأخران كذلك . قال ابن الصلاح : أما حملها على رأس اثنين فشيء لا يعرف ، وبقيت نحواً من ثلاثين سنة لم أجد ذلك منقولاً عن أحد من الأئمة إلى أن رأيته في الاستذكار للدارمي وهو غريب جداً شرح الدميري للمنهاج . واعلم أن الحمل في حد ذاته واجب وإنما الكلام في كيفيته ، فكونها بين العمودين أفضل من التربيع .
قوله : ( ولا يحملها ) أي ندباً أ ج ؛ فيكره للنساء حملها لضعفهنّ غالباً . وقد ينكشف منهن شيء ، فإن لم يوجد غيرهنّ تعين حملهن .
قوله : ( والمشي وبأمامها الخ ) روي أنه رأى ناساً ركبانا في الجنازة فقال : ( ألا تَسْتَحْيُونَ ؟ إِنّ الملائكة على أقْدَامِهِمْ وأنتم على ظُهُورِ الدوابّ ) . والحاصل أن من أراد أن يشيع(2/557)
"""""" صفحة رقم 558 """"""
الجنازة له أحوال : إما راكب أو ماش وإما أمامها أو خلفها وإما قريب أو بعيد . فما اجتمعت فيه الخصال الثلاث أفضل ، والماشي أمامها أو خلفها أفضل مطلقاً من الراكب ، والراكب قريباً أفضل من الراكب البعيد ، والأمام أفضل ويستحب أن يقول : الله أكبر ثلاثاً هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً . ورئي الإمام مالك في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي بكلمة كنت أقولها عند رؤية الجنازة وكان يقولها عثمان بن عفان رضي الله عنه : سبحان الحي الذي لا يموت . والحكمة في الماشي أمام الجنازة أن المشيع شافع ومن حق الشافع أن يكون أمام المشفوع له ؛ وأخذ الحنفية بحديث : ( أُمِرْنا باتّباع الجَنَائِزِ ) فقالوا إن المشي خلفها أفضل . وفي الفتاوى الخيرية أن الأحسن في زماننا المشي أمامها لما يتبعها من النساء . وأجاب الشافعية عن الحديث بأن الاتباع محمول على الأخذ في طريقها والسعي لأجلها . وعند المالكية ثلاثة أقوال : التقدم والتأخر وتقدم الماشي وتأخر الراكب ؛ وأما النساء فيتأخرن ، وقد ورد في الحديث : ( مَنْ شَيَّعَ جَنَازَةً إلى المَسْجِدِ فله قِيَراطٌ مِنَ الأجْرِ فإنْ وقَفَ حَتَّى تُدْفَنَ فله قِيَراطَانِ والقِيَراطُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ) .
فائدة : سئل أبو علي النجار عن وقوف الجنازة ورجوعها ؟ فقال : يحتمل من كثرة الملائكة بين يديها رجعت أو وقفت ومتى كثرت خلفها أسرعت ، ويحتمل أن تكون للوم النفس للجسد ولوم الجسد للنفس ؛ يختلف حالها ، تارة تتقدم وتارة تتأخر ، ويحتمل أن يكون بقاؤها في حال رجوعها ليتم أجل بقائها في الدنيا . وسئل عن خفة الجنازة وثقلها ؟ فقال : إذا خفت فصاحبها شهيد لأن الشهيد حي والحي أخف من الميت ) ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء } ) آل عمران : 169 ) الآية اه برماوي . وفيه أن الآية في شهداء المعركة والسؤال عام فليحرر اه ط ف .
قوله : ( وسنّ إسراع بها ) قال في الخصائص : واختص وأمته بالإسراع أي المشي بسرعة بالجنازة إسراعاً متوسطاً بين المشي المعتاد والخبب الذي هو العدو ؛ لأن ما فوق ذلك يؤدي إلى انقطاع من معها من الضعفاء أو مشقة الحامل لها أو انتشار أكفان الميت ونحو ذلك فيكره . وعن أبي هريرة مرفوعاً : ( أسْرِعُوا بالجَنَازَةِ فإنْ تَكُ صَالِحةً فخيرٌ تقدمونها إليه وإن تَكُ سِوَى ذلك فشرٌ تَضَعَوُنَهُ عَنْ رِقَابكم ) أي قريب رقابكم وهو الأكتاف .
تنبيه : من خصائصنا أيضاً تخمير وجه الميت ، لما رواه الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس رفعه : ( خَمَّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكم ولا تَتَشَبَّهُوا باليَهُودِ ) وفي رواية : ( بأهْلِ الكِتَابِ ) أي فإنهم لا يغطون وجه من مات منهم اه مناوي .
قوله : ( زيد ) أي وجوباً .(2/558)
"""""" صفحة رقم 559 """"""
قوله : ( كقبة ) وأول من جعل على نعشها قبة زينب بنت جحش زوجة النبي أي بعد فاطمة ، فلا يخالف ما سبق مما ظاهره أنه فعل بها ذلك . وفي كلام بعضهم أن زينب هذه أول من حمل على نعش ، وقيل : أول من حمل على نعش فاطمة ، كذا في السيرة الحلبية ؛ لكن ذكر بعضهم عن م ر أن أوّل من غطي نعشها في الإسلام كما قاله الشيخ عبد البر فاطمة بنت النبي ، ثم بعدها زينب بنت جحش ، وكانت بالحبشة لما هاجرت وأوصت به اه . قال بعضهم : ويستحب أن يقوم للجنازة ولو كافرة ، وعبارة المناوي على الخصائص : والراجح عند الشافعية ندب القيام للجنازة ، وبه قال مالك وأحمد ، وإن كان المختار عند النووي تبعاً لجمع من السلف من حيث الدليل الندب ؛ ولكن صحح في المجموع عدمه حيث قال : القيام لها إذا مرت والقيام إذا تبعها منسوخان على المذهب فلا يؤمر أحد بالقيام لها الآن سواء مرّت به أم تبعها إلى القبر . وجرى في الروضة على كراهة القيام لها . وقال بعضهم : هذا كله في القاعد إذا مرت به ، أما مشيعها فيستحب له أن لا يقعد حتى توضع ، لخبر مسلم عن أبي سعيد رفعه : ( إذا تَبِعْتُمُ الجنازَةَ فلا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ ) أي إذا مشيتم معها مشيعين لها فلا تجلسوا ندباً ( حتى تُوضَعَ بالأرْضِ ) كما في رواية لأبي داود عن أبي هريرة ، وتبعه الثوري ، ورجّحه البخاري ؛ وذلك لأن الميت كالمتبوع فلا يجلس التابع قبله ، ولأن المعقول من ندب الشارع حضور دفنه إكرام الميت وفي قعوده قبل دفنه إزراء به اه . وبذلك أخذ أبو حنيفة فقال : يكره القعود حتى توضع . وفي المحيط للحنفية : الأفضل أن لا يقعد حتى ينهال عليها التراب اه بحروفه .
فائدة : كره جماعة قول المنادي أمام الجنازة : استغفروا الله له فقد سمع ابن عمر رجلاً يقول ذلك فقال : لا غفر الله لك اه م ر .
قوله : ( وكره لغط ) أي رفع الصوت ولو بقرآن أو ذكر أو صلاة على النبي اه ق ل . وهذا باعتبار ما كان في الصدر الأول ، وإلا فالآن لا بأس بذلك لأنه شعار للميت لأن تركه مزر به ؛ ولو قيل بوجوبه لم يبعد كما نقله المدابغي .
قوله : ( بل المستحب التفكر في الموت ) أي أو القراءة سراً اه ق ل .
قوله : ( وإتباعها بنار الخ ) أي بلا حاجة ، أما بها كبخور لدفع النتن أو فتيلة لرؤية دفنه ليلاً فلا كراهة وفي المجموع : يندب البخور عند الميت في وقت موته إلى تمام دفنه اه م د .
قوله : ( في مجمرة ) بكسر الميم ، شوبري .(2/559)
"""""" صفحة رقم 560 """"""
قوله : ( كما في العيادة ) ضعيف ، والمعتمد أنه لا يعيده ففرق بين العيادة واتباع جنازته .
قوله : ( لا بعد فيه ) أي في الإلحاق .
قوله : ( ويجب علينا ) أي معاشر المسلمين سواء كان له مال أو لا . وقوله حيث لم يكن الخ متعلق بمحذوف تقديره : وندفع ذلك من عندنا حيث الخ .
قوله : ( إذ لا يتم الواجب إلا بذلك ) وعورض بأن الصلاة على الفريق الآخر محرّمة ولا يتم ترك المحرم إلا بترك الواجب . ويجاب بأن الصلاة في الحقيقة ليست على الفريق الآخر كما يدل عليه قوله بقصد الخ .
قوله : ( ويغتفر التردد في النية ) أي في الكيفية الثانية . أما الأولى فلا تردد فيها لأنه يقول : أصلي على من تصحّ الصلاة عليه ، فهو جازم بالنية وإنما اغتفر التردد في النية للضرورة . واعترض بأنه لا ضرورة له لإمكان الكيفية الأولى . وأجيب بأنها قد تشق بتأخير من غسل إلى فراغ غسل الباقين ، بل قد تتعين الثانية إن أدى التأخير إلى تغير ، وكذا تتعين الأولى لو تم غسل الجميع وكان الإفراد يؤدي إلى تغير المتأخرين اه حج س ل مع زيادة .
قوله : ( في المثال الأوّل ) وهو مسلم بكافر ، وأما المثال الثاني وهو الشهيد فلا يلزم ذلك ؛ لأن الشهيد يجوز الدعاء له .
قوله : ( وبثلاثة صفوف ) أي حيث كان المصلون ستة فأكثر كما في حج . وبحث الزركشي أن الصفوف الثلاثة في مرتبة واحدة في الفضيلة ، فللمسبوق أن يحرم مع أيها شاء ، ولو كان مع الإمام اثنان وقف واحد عن يمينه والآخر خلفهما ؛ نعم يتجه أن الأوّل بعد الثلاثة أولى لحصول الغرض بها أي بالثلاثة ، يعني أنه إذا كان الصفوف خمسة فأكثر فيكون الرابع أفضل من الخامس والخامس أفضل مما بعده ، وإنما لم يجعلوا الأوّل من الثلاثة أفضل محافظة على مقصود الشارع من الثلاثة اه س ل . وأقل الثلاثة من ستة أنفار واحد مع الإمام واثنان ثم اثنان ، ولا تكره المساواة للإمام حينئذ كما في بعض العبادات ، وتحصل الثلاثة صفوف بثلاثة . وبقي ما لو كان الحاضرون ثلاثة فقط بالإمام ، وينبغي أن يقف واحد خلف الإمام والآخر وراء(2/560)
"""""" صفحة رقم 561 """"""
من هو خلف الإمام ، ويحتمل أن يقف اثنان خلف الإمام فيكون الإمام صفاً والاثنان صفاً وسقط الصف الثالث لتعذره حج .
قوله : ( ولا تسنّ إعادتها ) أي ممن صلى عليه قبل ، أما من لم يصل عليه فيستحب له وتقع فرض كفاية م د . واعترض بأن هذه ليست إعادة .
قوله : ( وقعت نفلاً ) أي ولا يتقيد بمرة ولا بجماعة ، ويجب عليه فيها نية الفرضية سم .
قوله : ( تغير ) وشرط أن يرجي حضوره عن قرب .
قوله : ( كذلك ) أي حاضراً أو غائباً ، فالصور أربع .
قوله : ( حتى شرع إمامه في أخرى ) كأن شرع الإمام في الثالثة والمأموم في الأولى ، أو شرع الإمام في الرابعة والمأموم في الثانية ؛ ولا يتصوّر غير هذين ، ويظهر أن التقدم كالتأخر ق ل .
قوله : ( كنسيان ) أي للقراءة ، ويكون كلام الشارح غير ضعيف . ومثل نسيان القراءة بطء القراءة ، وأما إن حمل كلامه على نسيان الصلاة أو الاقتداء فلا تبطل ، ولو تخلف بالتكبيرات كلها فيكون كلام الشارح ضعيفاً .
قوله : ( فلا تبطل إلا بتخلفه بتكبيرتين ) الوجه عدم البطلان بالتأخر لعذر مطلقاً ، أي سواء كان التخلف بتكبيرتين أو أكثر ؛ لأنه لو نسي كونه في الصلاة فتأخر عن إمامه بجميع الركعات لم تبطل صلاته فهنا أولى اه حج ز ي . وقال الشوبري : قوله كنسيان أي للقراءة لا للصلاة أو الاقتداء ؛ لأن الوجه في هذين أنه لا يضر كما لو نسي في غيرها فإنه لا يضر ثم ولو بجميع الركعات اه ومثله ح ل . وحينئذ فكلام الشارح لا ضعف فيه ، وقرره شيخنا العشماوي أيضاً ، فقول المحشي : الوجه عدم البطلان الخ ، مبنّي على أن المراد بقول الشارح كنسيان نسيان الصلاة لا القراءة .
قوله : ( كالتخلف ) ضعيف في المقيس عليه دون المقيس .
قوله : ( ويكبر المسبوق ) المراد به من لم يوافق الإمام من أوّل الصلاة .(2/561)
"""""" صفحة رقم 562 """"""
قوله : ( ويقرأ الفاتحة ) أي إن شاء وإن شاء أخرها . لتكبيرة أخرى سم على حج ؛ لكن قال ز ي : والمعتمد أنه يقرؤها وجوباً لأن الخلاف إنما هو في الموافق .
قوله : ( ولا يضر رفعها قبل إتمامه ) وإن حوّلت عن القبلة ، بخلاف ابتداء عقد الصلاة لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة ؛ لأنه يحتمل في الدوام ما لا يحتمل في الابتداء . والحاصل أنه إذا أحرم على جنازة وهي سائرة صحت بشروط ثلاثة : أن تكون سائرة إلى جهة القبلة حالة التحرّم ، وأن لا يبعد عنها بأكثر من ثلثمائة ذراع إلى تمام الصلاة ، وأن لا يكون هناك حائل حالة التحرّم ؛ ولا تشترط المحاذاة على المعتمد ، أما إذا أحرم عليها وهي قارّة ثم رفعت فلا يشترط شيء من ذلك كما علم من كلام الشارح ، ذكره شيخنا م د . وقوله وأن لا يبعد أي في غير المسجد تنزيلاً للميت منزلة الإمام كما في شرح المنهج . وقوله وأن لا يكون هناك حائل عبارة ز ي : ولا يضر الحائل بينهما اه . ويمكن حمله على ما بعد التحرم .
قوله : ( الموعود بذكره ) أي عند قول المتن ودفنه قوله : ( ويدفن ) أي وجوباً ، وقوله في لحد أي ندباً .
قوله : ( أصله الميل ) ومنه : ) إِنّ الذين يلحدون في آياتنا } ) فصلت : 40 ) أي يميلون عما جاءت به من الحق قوله : ( قدر ما يسع ) نائب الفاعل .
قوله : ( الرخوة ) بتثليث الراء والكسر أفصح وأشهر ، هي التي تنهار ولا تتماسك حج .
قوله : ( مستقبل القبلة ) .
تنبيه : يجب فيمن مات في سفينة وتعذر دفنه في البرّ أن يوضع بعد الصلاة عليه بين لوحين مثلاً ويرمى في البحر وإن ثقل بحجر ليصل إلى القرار ، فهو أولى اه ق ل .
قوله : ( فلو وجه لغيرها ) ومنه الاستلقاء فيجب نبشه فيه أيضاً .(2/562)
"""""" صفحة رقم 563 """"""
تنبيه : يجب في كافرة ماتت حاملاً بمسلم وقد نفخت فيه الروح أن تستدبر القبلة ؛ لأن وجه الولد إلى ظهرها ، وأن تدفن بين مقابر المسلمين والكفار ق ل .
قوله : ( ويوضع الميت ) أي قبل دفنه .
قوله : ( عند مؤخر القبر ) هو واحد القبور في الكثرة وأقبر في القلة ، وهو الحفرة المعروفة ؛ وقال في القاموس : القبر مدفن الإنسان والجمع قبور . واختلف في أول من سنّ القبر ، فقيل : الغراب لما قتل قابيل أخاه هابيل ، وقيل : بنو إسرائيل ؛ وليس بشيء وفي التنزيل : ) ثم أماته فأقبر } ) عبس : 21 ) أي جعل له قبراً يوارى فيه إكراماً له ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض يأكله الطير والوحش اه برماوي .
قوله : ( عند أسفله ) خبر يصير مقدم ورجل اسمها مؤخر .
قوله : ( أي يدخل ) الأولى أن يقول : أي يؤخذ من النعش ويخرج ؛ لأن السلّ هو الإخراج لا الإدخال .
قوله : ( ويدخله ) أي ندباً ، وقوله فلا يدخله أي ندباً ؛ فإذا أدخله الإناث كان خلاف الأولى ، ومن عبر بالوجوب يحمل على ما إذا حصل إزراء بالميت بإدخال غير الرجال ع ش .
فائدة : النساء أحق بالأنثى في أربعة أحوال : حملها من محل موتها إلى المغتسل وحملها منه إلى وضعها في النعش وحملها لتسليمها لمن في القبر وحلّ شدادها بعد وضعها في القبر ق ل و ع ش .
قوله : ( درجة ) بخلافه صفة ، فالأفقه يقدم على الأسنّ كما في الغسل بخلاف الصلاة كما تقدم شوبري .
قوله : ( وإن لم يكن له حق في الصلاة ) أي لأن منظوره أكثر والمراد حيث وجد معه غير الأجانب ، وإلا كان له حق كما مر شوبري .
قوله : ( فخصيّ ) وهو الذي قطعت أنثياه .
قوله : ( لضعف شهوتهم ) ورتبوا كذلك لتفاوتهم فيها شرح المنهج ، إذ الممسوح أضعف منهما لأنه لم يبق له شيء من الآلتين والمجبوب أضعف من الخصي لجب ذكره .(2/563)
"""""" صفحة رقم 564 """"""
قوله : ( فأجنبي صالح ) الأفضل فالأفضل ، ثم النساء بعد الأجنبي كترتيبهنّ في الغسل ، والخناثى كالنساء ؛ كذا قال شيخنا اه ح ل . وعبارة المنهج : فخصي ، فعصبة ، فذو رحم ، فأجنبي صالح اه قال م ر : وقضية كلامهم أن الترتيب مستحب لا واجب اه .
قوله : ( عند الدفن ) لأنه ربما ينكشف من الميت شيء فيظهر ما يطلب إخفاؤه شرح المنهج .
قوله : ( ندباً ) مرتبط بقوله : ويقول .
قوله : ( باسم الله ) أي : أدخله باسم الله ومات على ملة رسول الله ، أو : أدفنه على ملة رسول الله ، كما قرره شيخنا العشماوي . قال شيخنا الحفني : وقد ورد أن من قيل له ذلك عند دفنه رفع الله عنه العذاب أربعين سنة ، وتسنّ زيادة الرحمن الرحيم كما في المناوي ؛ لأن الرحمة مناسبة للمقام .
قوله : ( أن يفضي بخده إلى الأرض ) وما أحسن قول بعضهم :
فكيف يهنو بعيش أو يلذّ به
من التراب على خديه مجعول
اه م د .
قوله : ( قامة وبسطة ) أي قدر قامة الرجل ورفع يديه مبسوطة فوق رأسه ق ل . وعبارة شرح المنهج : بأن يقوم رجل معتدل باسطاً يديه مرفوعتين ؛ قال الشوبري : وأشار حج إلى أنهما منصوبان خبراً ليكون المحذوفة ، أي وأن يكون التعميق قامة وبسطة ، ولا يتعين ذلك بل يجوز أن يكونا منصوبين بيعمق على حذف مضاف وإقامة هذا مقامه ، والتقدير : قدر قامة .
قوله : ( لهما ) أي للقامة والبسطة .
قوله : ( خلافاً للرافعي ) كلام الرافعي محمول على ذراع العمل وما قبله محمول على ذراع اليد فلا مخالفة ، مرحومي . وفيه نظر ، بل ينقص عنه ثمن ذراع لأن ذراع اليد أربعة ونصف إلا ثمناً وذراع العمل يزيد على ذراع اليد بربع ذراع .(2/564)
"""""" صفحة رقم 565 """"""
قوله : ( حتى لا ينكبّ ) راجع لقوله أن يسند وجهه ورجلاه إلى جدار القبر وقوله : ولا يستلقي راجع لقوله وظهره الخ . ولا يجب نبشه لو انكب أو استلقى بعد الدفن ، وكذا لو انهار القبر أو التراب عليه كذلك ، ويجوز نبشه وإصلاحه أو نقله إلى محل آخر . نعم لو انهار عليه التراب قبل تسوية القبر وقبل سده وجب إصلاحه اه برماوي .
مسألة عن الحكماء : وذكرها أبو داود الحكيم : أن الولد إذا دفن وانكب على وجهه فإن أمه لا تحبل ما دام منكباً على وجهه اه كنز البكري وقرره ح ف .
قوله : ( وأن يسد ) وقضية ندبه جواز إهالة التراب عليه بلا سدّ ، وبه صرح جمع ؛ لكن بحث آخرون وجوبه كما عليه الإجماع الفعلي فتحرم تلك الإهالة لما فيها من الإزراء . وإذا حرموا ما دون ذلك ككبه على وجهه فهذا أولى ، ويجري ما ذكر في تسقيف الشق شرح م ر . والقاعدة أنه إذا استدرك على حكم كان معتمده ما بعد الاستدراك اه . وقال زي : إن لزم على عدم السد إهالة التراب على الميت وجب وإلا ندب وعلى كل يحمل كلام جمع ، وإذا انهدم القبر تخير الولي بين ثلاثة أشياء : تركه وإصلاحه ونقله منه إلى غيره ، ووجهه أنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء . وألحق بانهدامه انهيار ترابه عقب دفنه ، ومعلوم أن الكلام حيث لم يخش عليه نحو سبع أو يظهر منه ريح وإلا وجب إصلاحه قطعاً اه شرح م ر .
قوله : ( وكره أن يجعل له فرش ) أي كما يكره تقبيل التابوت الذي يجعل فوق القبر ، وكذا تقبيل القبر واستلامه وأعتاب الأولياء عند الدخول لزيارتهم . نعم إن قصد بتقبيل أضرحتهم التبرك لا يكره كما أفتى به الوالد شرح م ر أج . وقال ق ل : نعم يحرم ذلك ، أي الفرش ، من مال محجور عليه كصبي ولو من التركة اه . والمراد بقوله وكره أن يجعل له فرش أي في حق غير النبي ، أما هو فلا كراهة ؛ قال في الخصائص وشرحها : وفرش له في قبره قطيفة كساء له خمل أي وبر وكانت حمراء فرشها له شقران مولاه بأمره عليه السلام . روى ابن سعد عن الحسن : ( افْرِشُوا لِي قَطِيفَتي فِي لَحْدِي فَإِنَّ الأَرض لم تُسَلَّطْ على أَجْسَادَ الأَنبياء ) قال وكيع : هذا للنبي خاصة ، وقال غيره : بل يشاركه فيها الأنبياء بدليل قوله ( فإن الأرض الخ ) فهو من خصوصياته على أمته ، ويكره لغيره من الأمة بالاتفاق . وإنما أمر المصطفى أن يفرش له ذلك إشارة إلى أنه كما فارق الأمة في بعض أحكام حياته فارقهم في بعض أحكام مماته التي منها ما أشار إليه بقوله : ( فإن الأرض ) أي بطنها ( لم تُسَلَّطْ على أكْلِ أجْسَادِ الأنبياء ) وحق لجسد عصمه الله عن البلى والتغير والاستحالة أن يفرش له في قبره ؛ لأن المعنى الذي يفرش للحي لأجله لم يزل عن المصطفى بالموت ، وليس الأمر في غيره على هذا النمط .(2/565)
"""""" صفحة رقم 566 """"""
ومنه يعلم أن هذا لا يعارض مذهب الشافعية في كراهة وضع فرش تحت الميت ؛ لأن كلامهم في غير الأنبياء ممن يتغير ويبلى ، وما في الاستيعاب من أنها أخرجت قبل إهالة التراب لم يثبت اه .
قوله : ( لأن في ذلك إضاعة مال ) وإنما لم يحرم لغرض وهو إكرام الميت ، قرره شيخنا العزيزي .
قوله : ( إلا حينئذ ) أي حين احتاج إليه .
قوله : ( ولا يكره دفنه ليلاً مطلقاً ) أي تحراه أو لا . وفي الخصائص : ودفن بالليل وذلك أن الدفن ليلاً في حق غيره مكروه تنزيهاً عند الحسن البصري تمسكاً بظاهر خبر ابن ماجة بسند فيه ضعف : ( لاَ تَدْفُنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ إِلاَّ أَنْ تُضْطَرُّوا ) أي بالدفن ليلاً لخوف انفجار الميت وتغيره وخلاف الأولى عند سائر العلماء . وتأولوا الخبر بأن النهي كان أو لا ثم رخص اه مناوي . قوله : ( فإن تحراه كره ) أي كراهة تنزيه كما اعتمده ع ش خلافاً للزيادي ، ومحله في غير حرم مكة كما في الصلاة ح ل ، وفي الشوبري : لا فرق بين حرم مكة وغيره . قوله : ( ولا يبني ) أي يكره في غير المسبلة والموقوفة ويحرم فيهما كما أشار لذلك الشارح ، إلا إن خيف نبشه أو تخرقة سيل له فلا يكره حينئذ . ولا فرق في عدم الكراهة لأجل ذلك بين المسبلة وغيرها كما صرح به الزركشي اه حج . ولو وجد بناء في أرض مسبلة ولم يعلم أصله ترك لاحتمال أنه وضع بحق قياساً على ما حرروه في الكنائس ومن البناء الأحجار التي جرت عادة الناس بتركيبها . نعم استثنى بعضهم قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ونحوهم ، برماوي . وعبارة الرحماني : نعم قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقبة الأحياء للزيارة والتبرك ، قال الحلبي : ولو في مسبلة ، وأفتى به ، وقال : أمر به الشيخ الزيادي مع ولايته . وكل ذلك لم يرتضه شيخنا الشوبري وقال : الحق خلافه . وقد أفتى العز بن عبد السلام بهدم ما في القرافة ، ويستثنى قبة الإمام لكونها في دار ابن عبد الحكم اه . ويظهر حمل ما أفتى به ابن عبد السلام على ما إذا عرف حال البناء في الوضع ، فإن جهل ترك حملاً على وضعه بحق كما في الكنائس التي نقرّ أهل الكنائس عليها في بلادنا وجهلنا حالها ، وكما في البناء الموجود على حافات الأنهار والشوارع اه . وعبارة شرح م ر : وصرح في المجموع بحرمة البناء في المسبلة ، قال الأذرعي : ويقرب إلحاق الموات بها لأن فيه تضييقاً على المسلمين بما لا مصلحة ولا غرض شرعي فيه بخلاف الأحياء اه .(2/566)
"""""" صفحة رقم 567 """"""
قوله : ( فإنه لا بأس به ) قضيته أنه مباح والمعتمد ندبه كما قاله شيخنا م د .
قوله : ( وتكره الكتابة عليه ) أي على القبر ولو لقرآن بخلاف كتابة القرآن على الكفن فحرام ؛ لأنه يعرضه للصديد . ومحل كراهة الكتابة على القبر ما لم يحتج إليها ، وإلا بأن احتيج إلى كتابة اسمه ونسبه ليعرف فيزار فلا يكره بشرط الاقتصار على قدر الحاجة لا سيما قبور الأولياء والعلماء والصالحين فإنها لا تعرف إلا بذلك عند تطاول السنين اه م ر .
قوله : ( مظلة ) بفتح الميم وكسر الظاء وتشديد اللام المفتوحة : من ظلّ يظلّ .
قوله : ( مسبلة ) وهي أعم من الموقوفة لصدق تعريفها بموات اعتادوا الدفن فيه ، فهذا يسمى مسبلاً لا موقوفاً شوبري .
قوله : ( وهدم ) إلا إن احتيج إلى البناء فيها لخوف نبش سارق أو سبع أو تخرقة سيل فلا يهدم إلا ما حرم وضعه ، والهادم له الحاكم أي يجب على الحاكم هدمه دون الآحاد م ر . وقال حج : وينبغي أن لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام .
قوله : ( أو غير ذلك ) ومنه ما اعتيد من جعل أربعة أحجار مربعة محيطة بالقبر كما في حج ، قال سم : إلا إذا كانت الأحجار المذكورة لحفظه من النبش والدفن عليه . ومن المحرم زرع شيء فيها وإن تيقن بلى من بها لأنه يجوز الانتفاع بها بغير الدفن فيقلع وجوباً ، وقول المتولي يجوز بعد البلى محمول على المملوكة اه حج أج .
قوله : ( أعطاه المقوقس ) وكان كافراً ، وهو اسم لكل من ملك مصر .
قوله : ( في الكتاب الأول ) أي التوراة والإِنجيل .
قوله : ( تربة الجنة ) أي أهل الجنة .
قوله : ( أن يرش ) أي عقب الدفن . ويؤخذ منه أن المطر لا يكفي بل لا بد من فعلنا لأداء(2/567)
"""""" صفحة رقم 568 """"""
السنة ، وهو المعتمد عند م ر خلافاً لحج بابلي . قوله : ( بماء ) طهور أي طاهر ؛ لأن النجس فيه إزراء بالميت فيحرم على المعتمد ، شوبري .
قوله : ( لأنه فعله بقبر ولده إبراهيم ) ومات إبراهيم ولد النبي سنة عشر من الهجرة . واختلف في سنه ، فقيل : سنة وعشرة أشهر وستة أيام ، وقيل ثمانية عشر شهراً . مات عند ظئره أم بردة ، ولعلها كانت مرضعته ، وغسلته وحملته بين يديها على سرير ، وفي رواية : غسله الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما ورسول الله على سرير ؛ وفي كلام ابن الأثير : قيل إن الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما غسل إبراهيم ونزل في قبره هو وأسامة ابن زيد وجلس رسول الله على شفير القبر ، قال الزبير : ورش على قبره ماء ، وعلم على قبره بعلامة ، وهو أول قبر رش عليه الماء ؛ وفيه أنه رش على قبر عثمان بن مظعون بالماء وهو سابق على سيدنا إبراهيم . وصلى عليه وكبر أربعاً ودفن بالبقيع ، ولقنه . قال الإمام السبكي : وهو غريب ؛ وقد احتج به بعض أئمتنا على استحباب تلقين الطفل ؛ قال المتولي من أئمتنا : والأصل في التلقين ما رُوي أن النبي لما دفن إبراهيم قال : ( قل الله ربي ورسول الله أبي والإسلام ديني ) فقيل له : يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا ؟ فأنزل الله تعالى : ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ) إبراهيم : 27 ) أي وفي رواية : ( أنه لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره وقال : ( يا بنيّ إن القَلْبَ يحزن والعينُ تَدْمَعُ ولا نقول ما يُسْخِطُ الرَّبَّ إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا بني قل الله ربي والإسلام ديني ورسول الله أبي ) . فبكت الصحابة رضي الله عنهم ومنهم عمر حتى ارتفع صوته ، فالتفت إليه النبي فقال : ( مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ ؟ ) فقال : يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج إلى تلقين مثلك تلقنه التوحيد في مثل هذا الوقت ، فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك ؟ فبكى النبي وبكت الصحابة معه ، ونزل جبريل بقوله تعالى : ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ) إبراهيم : 27 ) يريد بذلك وقت الموت ، أي وعند وجود الفتانين وعند السؤال في القبر ، فتلا النبي الآية فطابت الأنفس وسكنت القلوب وشكروا الله ) . وفيه أن هذا يقتضي أنه لم يلقن أحداً قبل ولده . وهذا الحديث استند إليه من يقول بأن الأطفال يسألون في القبر فيسن تلقينهم . وذهب جمع إلى أنهم لا يسألون وأن السؤال خاص بالمكلف ، وبه أفتى الحافظ ابن حجر فقال : الذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفاً ، يوافقه قول النووي في الروضة وشرح المهذب : التلقين إنما هو في حق الميت المكلف أما الصبي ونحوه فلا يلقن ، قال الزركشي : وهو مبني على أن غير المكلف لا يسأل في قبره . وذكر القرطبي رحمه الله أن الذي يقتضيه ظواهر الأخبار أن الأطفال يسألون وأن العقل يكمل لهم ، وذكر(2/568)
"""""" صفحة رقم 569 """"""
أن الأحاديث مصرحة بسؤال الكافر ، ويخالفه قولهم حكمة السؤال تمييز المؤمن من المنافق الذي كان يظهر الإسلام في الدنيا ، وأما الجاحد الكافر فلا يسأل ، قال الفاكهاني : إن الملائكة لا يسألون ، قال بعضهم : ووجهه ظاهر فإن الملائكة إنما يموتون عند النفخة الأولى ، أي فلم يبق منهم من يقع منه السؤال ، وأما عذاب القبر فعام للمسلم والكافر والمنافق فعلم الفرق بين فتنة القبر وعذابه وهو أن الفتنة تكون بامتحان الميت بالسؤال وأما العذاب فعام يكون ناشئاً عن عدم جواب السؤال ويكون عن غير ذلك . وفي بعض الآثار : يكرر السؤال في المجلس الواحد ثلاث مرات ، وفي بعضها : إن المؤمن يسأل سبعة أيام والمنافق أربعين يوماً أي قد يقع ذلك ، وفي بعض الآثار : أن فتّاني القبر أربعة : منكر ونكير يكونان للمنافق ، ومبشر وبشير يكونان للمؤمن . ونقل الحافظ السيوطي عن شيخه الجلال البلقيني أن السؤال يكون بالسريانية ، واستغربه وقال : لم أره لغيره . وفي كلام الحافظ السيوطي لم يثبت في التلقين حديث صحيح ولا حسن بل حديث ضعيف باتفاق المحدثين ، ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة . وآخر من أفتى بذلك العز بن عبد السلام . وإنما استحسنه ابن الصلاح وتبعه النووي نظراً إلى أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال ، وحينئذ فقول الإمام السبكي حديث تلقين النبي لابنه ليس له أصل ، أي صحيح أو حسن ح ل في السيرة . وعبارة ابن حجر في الفتاوى ونقلها ع ش على م ر : سئل نفع الله به بما لفظه ما محصل اختلاف الناس في الأطفال هل هم في الجنة خدام لأهلها ذكوراً وإناثاً وهل تتفاضل درجاتهم في الجنة ؟ فأجاب بقوله : أما أطفال المسلمين ففي الجنة قطعاً بل إجماعاً والخلاف فيه شاذ بل غلط وأما أطفال الكفار ففيهم أربعة أقوال : أحدها أنهم في الجنة وعليه المحققون لقوله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } ) الإسراء : 15 ) وقوله : ) ولا تزر وازرة وزر أخرى } ) الأنعام : 164 الاسراء : 15 وغيرهما ) الثاني : أنهم في النار تبعاً لآبائهم ، ونسبه النووي للأكثرين لكنه نوزع فيه . الثالث : الوقوف ، ويعبر عنه بأنهم تحت المشيئة . الرابع : أنهم يجمعون يوم القيامة وتؤجج لهم نار يقال ادخلوها ، فيدخلها من كان في علم الله شقياً ويمسك عنها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل الخ اه ملخصاً . وسئل العلامة الشوبري عن أطفال المسلمين : هل يعذبون بشيء من أنواع العذاب ؟ وهل ورد أنهم يسألون في(2/569)
"""""" صفحة رقم 570 """"""
قبورهم وأن القبر يضمهم ؟ وإذا قلتم بذلك فهل يتألمون به أم لا ؟ وهل قول القائل إن أطفال المسلمين معذبون مصيب فيه أم هو مخطىء ؟ وما الحكم في أطفال المشركين من هذه الأمة ؟ هل هم خدم لأهل الجنة أم هم في النار تبعاً لآبائهم أم غير هذا ؟ فأجاب : لا يعذبون بشيء من أنواع العذاب على شيء من المعاصي ، إذ لا تكليف عليهم والعذاب على ذلك خاص بالمكلفين ، ولا يسألون في قبورهم كما عليه جماعة ؛ وأفتى به شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر . وللحنفية والحنابلة والمالكية قول إن الطفل يسأل ، ورجحه جماعة من هؤلاء واستدل له بما لا يصح : أنه لقن ابنه إبراهيم ؛ ولا يؤيد ذلك ما رُوي عن أبي هريرة أنه كان يقول في صلاته على الطفل : ( اللهم أَجِرْهُ من عذاب القبر ) لأنه ليس المراد بعذاب القبر ما فيه عقوبة ولا السؤال بل مجرد ألم الهمّ والغم والوحشة والضغطة التي تعم الأطفال وغيرهم . وأخرج علي بن معين عن رجل قال : كنت عند عائشة فمرت جنازة صبي صغير ، فبكت ، فقلت لها : ما يبكيك ؟ قالت : هذا الصبي بكيت شفقة عليه من ضمة القبر . والقائل المذكور إن أراد بيعذبون بالنار أو على المعاصي فغير مصيب بل هو مخطىء أشد الخطأ لما تقرر . وأطفال المشركين اختلف العلماء فيهم على نحو عشرة أقوال ، الراجح أنهم في الجنة خدم لأهل الجنة اه ع ش على م ر .
قوله : ( بارداً ) والمعنى فيه التفاؤل بتبريد المضطجع وحفظ التراب .
قوله : ( وقال السبكي لا بأس بيسير منه الخ ) حاصله أنه إن قصد به حضور ملائكة الرحمة فلا كراهة مطلقاً . بل يستحب وإن لم يقصد ؛ فإن كان يسيراً كان مباحاً وإن كان كثيراً كره تنزيهاً م د .
قوله : ( ولعل هذا ) أي قصد حضور الملائكة .
قوله : ( من الشيء الرطب ) عمومه شامل لنحو عروق الجزر كورق الخس بالسين المهملة واللفت ؛ لأنه يخفف عن الميت ببركة تسبيحه أج .
قوله : ( ولا يجوز للغير ) أي لغير واضعه ، أما واضعه فيجوز له أخذه مطلقاً اه م د . وقوله مطلقاً أي سواء يبس أو لم ييبس ، لكن ظاهر هذا أنه يجوز له أخذه سواء كان قليلاً أو كثيراً ، وهو مخالف لما في حاشية سم على المنهج . وحاصله أنه إن كان الشيء الأخضر قليلاً كخوصة أو خوصتين مثلاً لا يجوز له أخذه وهو أخضر لأنه صار حقاً للميت فحرم أخذه ، أما إذا كان كثيراً فإنه يجوز الأخذ منه ؛ فيجوز لمن وضع خوصاً كثيراً مثلاً على قبر الأخذ منه ليضعه على قبر آخر وهكذا ، وهذا كله فيما إذا كان الخوص مثلاً أخضر لم ييبس وكان الآخذ له مالكه .
قوله : ( من على القبر ) على اسم بمعنى فوق فلذا جاز دخول من عليها ، وإلا فالحرف لا يجوز دخوله على الحرف كقوله :(2/570)
"""""" صفحة رقم 571 """"""
غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها
قوله : ( وهو الاستغفار ) أي من الملائكة ، وأما هو فيسبح سواء كان رطباً أو يابساً ؛ لكن تسبيح الرطب أكثر من اليابس ، ويصرح به ما ورد : ( إنّ الملائكة تَسْتَغْفِرُ لَهُ ) لكن ظاهر كلام الشارح أن الاستغفار من الجريد ، فيحرر .
قوله : ( أتعلم ) أي اجعلها علامة على قبر أخي . فهو من تعلم بمعنى جعل له علامة ، قرره شيخنا ح ف . وقال الشوبري : أتعلم أي أعلم من العلامة ، والذي في المجموع نُعْلَم بضم النون وسكون العين من الإعلام اه .
قوله : ( قبر أخي ) أي من الرضاع ، رضع معه على حليمة السعدية وهو ليس له أخ ولا أخت من النسب . وقد قال الواقدي : المعروف عندنا وعند أهل العلم أن آمنة وعبد الله لم يلدا غير رسول الله اه زرقاني ونقله م د .
قوله : ( لأدفن إليه من مات من أهلي ) قضيته ندب عظم الحجر ومثله نحوه ، ووجهه ظاهر فإن القصد بذلك معرفة قبر الميت على الدوام ، ولا يثبت كذلك إلا العظيم ؛ وذكر الماوردي ، استحبابه عند رجليه ، اه شرح م ر .
قوله : ( والدفن بالمقبرة أفضل ) وإنما دفن النبي في بيته لأن من خواصّ الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون وكذا الشهداء سم . ولو قال بعض الورثة : يدفن في ملكه ، وقال الباقون : في المقبرة : أجيب طالبها اه بابلي . وقوله إنهم يدفنون حيث يموتون أي حيث أمكن الدفن فيه ، فإن لم يمكن نقلوا كأن مات على سقف لا يتأنى الدفن فيه فالظاهر دفنهم تحت الموضع الذي ماتوا فيه بحيث يحاذيه كما في ع ش . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : لما قبض رسول الله اختلفوا في دفنه ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه : سمعت من رسول الله أشياء يقول : ( ما قَبَضَ اللَّه نبيًّا إلا في المَوْضِع الّذي يجب أن يُدْفَنَ فيه ) ادفنوه في موضع فراشه ؛ رواه الترمذي . وعن ابن مسعود أنه قال : ( لما دنا فراق رسول الله اجتمعت أصحابه عنده في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها ، ثم قلنا له فمن يغسلك يا رسول الله ؟ قال : ( رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بيتي ) قلنا : ففي أي شيء نكفنك فيه ؟ قال : ( في ثوبيّ هذين إن شئتم أو في حلَّة يَمَانِيةٍ ) قلنا : من يصلي عليك يا رسول الله منا ؟ قال : ( مهلاً مهلاً غَفَرَ اللَّه لكم إذا أَنْتُمْ غَسّلْتُموني وكَفَنْتُمونِي ضَعُونَي على سريري هذا على شفير لَحْدِي ثم اخْرُجُوا عني سَاعة(2/571)
"""""" صفحة رقم 572 """"""
فأول من يصلِّي عليّ ربي ثم خليلي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم جُنُودهم ثم ادْخُلُوا عليّ فَوْجاً ولَيبدأ بالصلاة على رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بيتي ثم نِسَاؤُهُمْ ثم أنتم ) وفي رواية : فقال عليّ : من يغسلك يا رسول الله ؟ فقال : ( أَنت يا عليّ تَغْسِلُنِي وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ الماءَ عليَّ وجبريل يأتيك بحَنُوطٍ من الجنة ) قال : ثم بعد موت رسول الله حوّل فراشه وحفر له ودفن في ذلك الموضع الذي توفاه الله فيه ، وكان دفنه ليلة الأربعاء من وسط الليل ومات يوم الاثنين .
قوله : ( لما فيها من الوحشة ) يستفاد منه أن الكراهة مقيدة بأمرين أن لا يكون بها سكن وأن يبيت وحده لا مع جماعة ، وإلا فلا كراهة لانتفاء الوحشة م د .
قوله : ( ويندب زيارة القبور ) .
فرع : روح المؤمن لها ارتباط بقبره لا تفارقه أبداً ، لكنها أشد ارتباطاً به من عصر الخميس إلى شمس السبت ؛ ولذلك اعتاد الناس الزيارة يوم الجمعة وفي عصر يوم الخميس . وأما زيارته لشهداء أحد يوم السبت فلضيق يوم الجمعة عما يطلب فيه من الأعمال مع بعدهم عن المدينة اه ق ل على المحلي . وقال : ( إِنَّ أَرْوَاحَ المؤمنين يأْتُونَ فِي كُلِ لَيْلَةٍ إِلى سَمَاءِ الدُّنْيا وَيَقِفُونَ بِحِذَاءِ بُيُوتِهِم ويُنَادِي كُلُّ واحد بِصَوْتٍ حَزِين ألْف مَرَّة يا أهْلِي وأَقَارِبي وَولدي يا مَنْ سَكَنُوا بُيُوتَنا وَلبِسُوا ثيابَنا واقْتَسَمُوا أَمْوَالنا هل منكم مِنْ أَحدٍ يَذْكُرُنَا وَيَتَفَكَّرُنَا فِي غُرْبَتنَا وَنَحْنُ فِي سَجْنٍ طَويلٍ وَحِصْنٍ شَدِيدٍ ؟ فارْحَمُونَا يَرْحَمُكُم اللَّه وَلاَ تَبْخَلُوا عَلَينا قَبْلَ أَنْ تَصِيروا مِثْلَنا . يَا عِبَادَ اللَّه إِنَّ الفَضْلَ الذي في أَيْدِيكُم كانَ في أيدينا وكُنَّا لا نُنْفِقُ منه في سَبِيلِ اللَّهِ وَحِسَابهُ ووَبَالُهُ عَلينا والمَنْفَعَةُ لغيرنا ؛ فَإِنْ لَمْ تَنْصَرِف أي الأرواح بشيء فَيَنْصَرِفُونَ بِالحَسْرَةِ والحِرْمَانِ ) اه من الجامع الكبير .
قوله : ( التي فيها المسلمون ) أما زيارة قبور الكفار فمباحة ، وقيل محرمة ؛ شرح المنهج . نعم إن كانت الزيارة بقصد الاعتبار وتذكر الموت كانت مندوبة مطلقاً إطفيحي . قوله : ( وكانت زيارتها منهياً عنها الخ ) فقوله : ) نهيتكم } ^ خطاب للرجال ، فلا يدخل فيه الإناث على المختار عند أصحابنا ، فلا يندب لهن زيارتها بل يكره كراهة تحريم إن اشتملت زيارتهن على تعديد وبكاء ونوح زيادة على عادتهن ، وإلا فكراهة تنزيه . ويستثني قبور الأنبياء ، فتسن لهنّ زيارتها ،(2/572)
"""""" صفحة رقم 573 """"""
وألحق بهم قبور الأولياء . ومعنى الحديث : ( إِني كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتَهَا لحدثان عَهْدَكُم بالكُفْرِ ) ، وأما الآن فحيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى فزوروها بشرط أن لا يقترن بذلك تمسيح بقبر أو تقبيله أو سجود عليه أو نحو ذلك ، فإنه دأب النصارى ؛ قاله الغزالي . قال السبكي : فعل ذلك بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال . وقد روى الحكيم عن أبي هريرة رفعه : ( مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَو أَحَدِهِمَا في كل جُمُعَةٍ مَرَّةً غَفَرَ الله له وكان بَارًّا بوَالدَيْهِ ) وفي رواية : ( مَنْ زار قَبْرَ وَالِدَيْهِ كل جمعة أو أحدهما فَقَرأَ عِنْدَهُ يس والقُرآن الحكيم غُفِرَ له بعدد ذلك آيةً وحَرْفاً ) وفي رواية : ( مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أو أحدهما يَوْمَ الجُمعة كان كحجَّةٍ ) . وروي : ( إِنّ الرَّجُلَ ليَمُوتُ والداه وهو عاقٌّ لهما فَيدَعُو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارّين ) . فأفادت هذه الأخبار أن من زار قبر أبويه كان بارًّا لهما غير عاق ولا مضيع حقهما . قال الإمام السبكي : والزيارة لأداء الحق كزيارة قبر الوالدين يُسنُّ شدُّ الرحال إليها تأدية لهذا الحق ، وكان ابن واسع يزور القبور يوم الجمعة ويقول : بلغني أن الموتى يعلمون بزوّارهم يوم الجمعة ويوماً بعده .
قوله : ( لطلب بكائهنّ ) الأولى أن يقول لبكائهن ويحذف لطلب . قوله : ( نعم يندب لهنّ زيارة قبر رسول الله ) قال في الخصائص : ولا يكره للنساء زيارة قبره عليه الصلاة والسلام كما يكره لهنّ زيارة سائر القبور أي باقيها ، بل يستحب لهنّ زيارة قبره عليه الصلاة والسلام لخبر : ( مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي في حَيَاتِي ) ومن ثم ذهب جمع من الصوفية إلى أن الهجرة إليه ميتاً كهي إليه حياً . وأخذ منه السبكي أنه يسنّ زيارته حتى للنساء وإن كانت زيارة القبور لهنّ مكروهة ، وأطال في إبطال ما زعمه ابن تيمية من حرمة السفر لزيارته حتى على الرجال اه مناوي على الخصائص .
قوله : ( والشهداء ) عطف خاص لأنهم من جملة الصلحاء ومثلهم العلماء .
قوله : ( السلام ) بدل من ما .
قوله : ( العافية ) أي من العذاب . قوله : ( دار ) بالنصب على الاختصاص وهو أفصح ، أو النداء وبالجر بدل من كم شوبري .(2/573)
"""""" صفحة رقم 574 """"""
قوله : ( للتبرك ) فاندفع ما يقال ما فائدة المشيئة مع أن اللحوق مقطوع به . وأجيب أيضاً بأن المشيئة للحوق في الوفاة على الإيمان أو للحوق في هذه البقعة حج .
قوله : ( ويقرأ عندهم ما تيسر ) وقد اشتهر أن من قرأ سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة ثم أهدى ثوابها لأهل مقبرة غفر له ذنوب بعددهم اه ق ل . وقد نقل الحافظ السيوطي أن جمهور السلف والأئمة الثلاثة على وصول ثواب القراءة للميت ، لكن ذكر القرافي أن مذهب مالك عدم الوصول . وفي المنهج وشرحه وحواشيه : وينفعه أي الميت من وارث وغيره صدقة ودعاء بالإجماع وغيره ، وأما قوله تعالى : ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ) النجم : 39 ) فعام مخصوص بذلك أي بالإجماع وغيره ، وقيل منسوخ ؛ والأولى أن يقال إنه شرع إبراهيم وموسى لقوله تعالى : ) أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } ) النجم : 36 ) الخ وشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا ، وكما ينتفع الميت بذلك ينتفع المتصدق والداعي ويحصل له أي الميت ثواب القراءة إذا نواه أو قرأ عنده أو دعا له عقبها اه . ثم إن محل الخلاف حيث لم يخرجه مخرج الدعاء ، كأن يقول : اللهم اجعل ثواب قراءتي لفلان ، وإلا كان له إجماعاً كما ذكره في المدخل وأما الصلاة فالراجح أنه ليس لأحد أن يجعل ثوابها أو جزءاً منها لغيره ، فلو جعل ذلك لم يحصل للمجعول له شيء . وعبارة الخازن عند قوله تعالى : ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ) النجم : 39 ) قال ابن عباس : هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى : ) ألحقنا بهم ذرّياتهم } ) الطور : 21 ) فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء ؛ وقيل : كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى ، فأما هذه الأمة فلها ما سعوا وما سعى لهم غيرهم ؛ لما روي عن ابن عباس : أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : ( نعم ولكِ أجْرٌ ) أخرجه مسلم ، وعنه : أن رجلاً قال لرسول الله : إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال : ( نعم ) اه .
قوله : ( كحاضر ) أي كحي حاضر ، وإلا فهو حاضر لكن ليس كحضور الحي .
قوله : ( لأن الدعاء ينفع الميت ) . والحاصل أنه إذا نوى ثواب قراءة له أو دعا عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل له مثل ثواب قراءته وحصل للقارىء أيضاً الثواب ، فلو سقط ثواب القارىء لسقط كأن غلب الباعث الدنيوي كقراءته بأجرة ، فينبغي أن لا يسقط مثله بالنسبة للميت ؛ ولو استؤجر للقراءة للميت ولم ينوه ولا دعا له بعدها ولا قرأ عند قبره لم يبرأ من واجب الإجارة . وهل يكفي نية القراءة في أولها وإن تخلل فيها سكوت ؟ ينبغي نعم إذا عدّ ما بعد الأول من توابعه ، سم على حج ع ش على م ر .(2/574)
"""""" صفحة رقم 575 """"""
قوله : ( ويستحب الإكثار من الزيارة ) ولا يكره المشي في المقبرة ولو بالنعل إلا في منبوشة رطبة فيحرم من غير نعل للتنجيس .
قوله : ( ولا بأس ) أي لا عذاب لأن البأس العذاب ، وقوله بالبكا الخ لأنه بكى على ولده إبراهيم قبل موته وقال : ( إن العَيْنَ تَدْمَعُ والقَلْبَ يَحْزَنُ ولا نقولُ إلا مَا يُرْضِي ربَّنَا ، وإنا بفراقك يا إبراهيمُ لَمَحْزُنوُنَ ) وبكى على قبر بنت له وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، شرح المنهج .
قوله : ( بالبكاء ) بالقصر والمد فهو بالقصر نزول الدموع وهذا لا بأس به ، وبالمد رفع الصوت وهذا أيضاً لا بأس به إذا كان من غير نوح ولا شق جيب ونحوه مما يدل على عدم الرضا .
قوله : ( والبكاء قبل الموت أولى من بعده ) أي أولى بالجواز لا أنه مطلوب . وعبارة م ر في شرحه : والبكا عليه بعد الموت مكروه ، كما نقله في الأذكار عن الشافعي والأصحاب لخبر : ( فإذا وَجَبَتْ فلا تبكينّ باكيةٌ ) قالوا : وما الوجوب يا رسول الله ؟ قال : ( الموت ) رواه الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة ؛ لكن نقل في المجموع عن الجمهور أنه خلاف الأولى ، وبحث السبكي أنه إن كان البكا لرقة على الميت وما يخشى عليه من عذاب الله وأهوال يوم القيامة لم يكره ولا يكون خلاف الأولى وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء فيكره أو يحرم ؛ قال الزركشي : هذا كله في البكاء بصوت ، أما مجرد دمع العين فلا منع منه ، واستثنى الروياني ما إذا غلبه البكاء فلا يدخل تحت النهي لأنه لا يملكه البشر ، وهو ظاهر . وفصل بعضهم في ذلك فقال : إن كان لمحبة ورقة كالبكا على الطفل فلا بأس به والصبر أجمل ، وإن كان لما فقد من علمه وصلاحه وبركته وشجاعته فيظهر استحبابه أو لما فاته من بره وقيامه بمصالحه فيظهر كراهته لتضمنه عدم الثقة بالله تعالى .
قوله : ( بالندب ) أي بتعديد محاسنه ، كأن يقول : واكهفاه واجملاه واسنداه .
قوله : ( لخبر النائحة إذا لم تتب الخ ) وجاء : ( تَخْرُجُ النائحةُ مِنْ قَبْرِهَا يوم القِيامة شَعْثَاءَ(2/575)
"""""" صفحة رقم 576 """"""
غَبْرَاءَ عليها جِلْبَابٌ مِنْ لَعْنَةٍ وَدِرْعٌ من جَرَبٍ واضعةً يَدَها على رأسها تقول وَيْلاَه ) وجاء : ( لاَ تُقْبِلُ الملائكةُ على نائحةٍ ) وجاء : ( ليس للنساء في اتْبَاعِ الجنائز أجْرٌ ) ح ل .
قوله : ( قطران ) بفتح القاف وكسر الطاء وسكونها . وخصه بالذكر لأنه أبلغ في اشتعال النار م ر . وهو ما يداوى به الإبل الجربى ، وهو أسود منتن تشعل فيه النار بسرعة تُطْلَى به جلود أهل النار ؛ فشبه طلاؤها به بالقميص بجامع الإحاطة فيجتمع عليها لذع القطران ونتن ريحه مع إسراع النار في جلدها كما في البيضاوي .
قوله : ( فوقه ) الصواب حذفه ، إذ المقصود أن الجرب محيط بجلدها كالدرع والقطران مطلىّ به كالقميص ، فالذي يكون فوق الآخر هو القطران المشبة بالسربال لا الجرب المشبه بالدرع ، فتأمل .
قوله : ( بإفراط في البكا ) الباء للمصاحبة ، أي مع إفراط في البكا أي جريان الدموع فهو بالقصر تأمل .
قوله : ( ليس منا ) محمول على الزجر والتغليظ أو على المستحلّ . وقال وليّ الله الكبير الشعراني : ليس منا أي على طريقتنا ، وعبارته في الميزان : قال سفيان الثوري : من الأدب إجراء الأحاديث التي خرجت مخرج الزجر والتنفير على ظاهرها من غير تأويل فإنها إذا أولت خرجت عن مراد الشارع كحديث : ( مَنْ غَشَّنَا فليس مِنَّا ) وحديث : ( ليس مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّر لَهُ ) وحديث : ( ليس مِنَّا من لَطَمَ الخُدُودَ وشَقَّ الجيوب ودعا بدَعْوَى الجاهلية ) فإن العالم إذا أولها بأن المراد ليس منا في تلك الخصلة فقط ، أي وهو منا في غيرها هان على الفاسق الوقوع فيها ؛ وقال : المخالفة في خصلة واحدة أمر سهل ، فكان أدب السلف بعدم التأويل أولى بالاتباع للشارع وإن كانت قواعد الشريعة تشهد أيضاً بذلك التأويل .
قوله : ( ودعا بدعوى الجاهلية ) كأن يقول واكهفاه واسنداه ، ولبعضهم :
إذا شئت أن تبكي فقيداً من الورى
وتندبه ندب النبيّ المكرّمِ
فلا تبكينْ إلا على فقد عالم
يبالغ في التعليم للمتعلمِ(2/576)
"""""" صفحة رقم 577 """"""
وفقد إمام عادل صان ملكه
بأنوار حكم الّله لا بالتحكمِ
وفقد ولي صالح حافظ الوفا
مطيع لربّ العالمين معظمِ
وفقد شجاع صادق في جهاده
قد انتشرت أعلامه للتقدمِ
وفقد سخيّ لا يمل من العطا
يفرج همّ العسر عن كل معدمِ
فهم خمسة يبكي عليهم وغيرهم
إلى حيث ألقت رحلها أمُّ قشعمِ
اه .
وقد قيل إن أم قشعم كانت ناقة مجنونة ألقت رحلها في النار .
قوله : ( الزي ) بكسر الزاي المعجمة أي الهيئة ، وأصله زوي بواو ثم ياء فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت ياء وأدغمت في الياء التي بعدها فصار كما تراه زي .
قوله : ( ولبس ) عطف تفسير أو خاص على عام الشمول تغيير الزي لنشر الشعر مثلاً ، ففي المختار : الزي اللباس والهيئة ومثله وضع نحو الطين والنجاسة على الرأس ودقّ الطار ونحو ذلك .
قوله : ( لقضاء الله ) وقد نظم العلامة الأجهوري المالكي الفرق بين القضاء والقدر فقال :
إِرادة الله مع التعلقِ
في أزل قضاؤه فَحقِّقِ
والقدر الإيجاد للأشيا على
وجه معين أراده علا
وبعضهم قد قال معنى الأوّلِ
العلم مع تعلق في الأَزَلِ
والقدر الإيجاد للأمورِ
على وفاق علمه المذكور
قوله : ) ولا تزر وازرة } ) الانعام : 164 الإسراء : 15 وغيرهما ) أي لا تحمل ذات وازرة وزر غيرها أج ، أي لا يعذب أحد بذنب غيره .
قوله : ( والأصح ) فيه نظر فراجعه وتأمله ق ل . ووجه النظر والتأمل أن المعتمد أنه إذا أوصى الميت بالبكاء والنوح عليه فإنه يعذب كما هو ظاهر كلامهم ، بل ذكر حج أن الميت يعذب بالبكاء وإن لم يوص حيث سكت عند الموت عن الوصية بعدم البكاء ؛ لأن سكوته حينئذ رضا به وإن كان خلاف المعتمد ، وحينئذ فلا وجه لقول الشارح : والأصح الخ .(2/577)
"""""" صفحة رقم 578 """"""
قوله : ( محمول على الكافر ) أي فيعذب الكافر بالنوح عليه إذا أوصى به ، بخلاف المسلم فإنه لا يعذب به ولو أوصى به على كلام الشيخ أبي حامد وهو ضعيف .
قوله : ( نفس المؤمن ) أي الذي قصر في الوفاء في حياته ولم يخلف تركة ، وإلا بأن لم يقصر أو خلف تركة فلا حبس ، ومحله في غير الأنبياء أما هم فلا حبس مطلقاً م د . على أنه لم يمت نبي وعليه دين . وما ورد من ( أنه مات ودرعه مرهون عند يهوديّ يقال له أبو الشحم على صيعان من شعير ) ، أجيب عنه بأنه افْتَكَّهُ قبل موته ، بدليل أنه لم يرد أن أحداً دفع له شيئاً بعد موته ؛ لكنه لم يأخذ الدرع من اليهوديّ قبل موته ، فتوهم بعضهم أنه باقٍ على الرهن وهذا هو الوجه . وما قيل إنه إنما استدان لأهله لا لنفسه لا يجدي نفعاً ، وإنما قدم اليهوديّ في الاستدانة على أصحابه لإفادة أحكام كثيرة ، منها : جواز الأكل من أموالهم ومعاملتهم وما قيل من أنه لو أخذ من أصحابه لأعطوه مجاناً أو أبرؤوه مردود ؛ لأن هذا من الصدقة المحرمة عليه تأمل ق ل .
قوله : ( وتجب المبادرة ) أي إن كان قد عصى بتأخيره لمطل أو غيره ، كضمان الغصب والسرقة شرح م ر .
قوله : ( وتنفيذ وصيته ) بالجر فهو معطوف على بقضاء الخ أي وتسنّ المبادرة أيضاً بتنفيذ .
قوله : ( عند المكنة ) أي التمكن بأن لم يكن خلف نقداً فيحصل التمكن بالبيع لتحصيل النقد ليدفع للموصي له كما قرره شيخنا العشماوي ، وفسر المحشيّ المكنة باليسار .
قوله : ( أو كان قد أوصى ) أي فيجب تنفيذها عند التمكن أيضاً كما في شرح م ر خلافاً لما يوهمه كلامه ، وعبارة الرشيدي : وقوله أو كان قد أوصى معطوف على قوله : عند طلب الموصى له أي وكذا إن لم يطلب وكان قد أوصى بتعجيلها .
قوله : ( لضر نزل به ) خرج الصحيح فلا يكره له تمني الموت مطلقاً ق ل .(2/578)
"""""" صفحة رقم 579 """"""
قوله : ( ويسن التداوي ) أي ويجوز الاعتماد على طب الكافر ووصفه ما لم يترتب على ذلك ترك عبادة أو نحوها مما لا يعتمد عليه فيه ، كأن قال : لا يحسن التداوي إلا بترك الغسل من الجنابة أو شرب الخمر اه م ر . فإن قلت : الرضا واجب فلعل التداوي خروج عن الرضا ؟ قلت : اعلم أن من جملة الرضا بقضاء الله تعالى التوصل إلى محبوباته بمباشرة ما جعله سبباً ، فليس من الرضا للعطشان أن لا يمد يده إلى الماء زاعماً رضاه بالعطش الذي قضاه الله تعالى وأن الله تعالى قد أمر بإزالة العطش بالماء ، وقال : ( ) وليأخذوا حذرهم } ) النساء : 102 ) فمعنى الرضا ترك الاعتراض على الله تعالى أي لا يترك الأسباب العادية . وقد سئل النبي عن العزائم والرقيا : هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال : ( لا ترد مِنْ قَدَر الله تعالى ) .
قوله : ( لخبر الخ ) هذا لا يقتضي السنّ ، وإنما فيه الأخبار بأن كل داء له دواء .
قوله : ( إلا الهرم ) هو بفتحتين : الكبر والشيخوخة .
قوله : ( فهو أفضل ) أي إن كان قادراً على الصبر ، وفعله مع أنه رأس المتوكلين بياناً للجواز ، فقد روى عروة عن عائشة رضي الله عنها ( كثرت أسقام رسول الله فكان يقوم أطباء العرب والعجم فيصنعون دواء فيعالجها به ) اه . وقد ثبت أن الله عز وجل وضع في أشياه خواص فمن أنكرها فهو كافر ومن قال لا فائدة بالطب فقد رد على الواضع والشارع فلا يلتفت إلى قوله ، وإنما يراد بالطب التسبب إلى دفع ضرر واجتلاب نفع كما يتسبب في دفع الحر واجتلاب البرد واكتساب الرزق .
قوله : ( وكذا إكراهه على الطعام ) لخبر : ( لاَ تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّه يُطْعِمُهُم وَيَسْقِيهمْ ) .
قوله : ( أن يستعد ) الاستعداد للشيء التهيؤ له وذلك لا يتحقق إلا بالمبادرة .
قوله : ( من ذكر الموت ) بأن يجعله نصب عينيه لا بلسانه فقط ، فإن جمع بينهما كان أولى .
قوله : ( وهاذم ) بالمعجمة ، وأما هادم بالمهملة فمعناه مزيل الشيء من أصله ق ل . ولا يصح قراءته في الحديث لأنه لم يرد أصلاً .(2/579)
"""""" صفحة رقم 580 """"""
قوله : ( قبل دفنه ) وأما بعد دفنه فسيأتي في شرح قوله ولا يدفن اثنان في قبر حيث قال : وأما نبشه بعد دفنه وقبل البلى عند أهل الخبرة بتلك الأرض للنقلة وغيرها كصلاة عليه وتكفين فحرام فكان الأولى أن يقدم ذاك على هذا كما فعل في المنهج ، وبعد دفنه يحرم من وجه آخر النبش والنقل فكان تقييده بالقبلية لتكون الحرمة من جهة النقل فقط . قوله : ( بقرب مكة ) قال شيخنا : ومراده بالقرب مسافة لا يتغير الميت فيها قبل وصوله ، قال الأذرعي : ومحل جواز نقله بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه لتوجه فرض ذلك على أهل موته فلا يسقط عنهم بجواز نقله ، قال شيخنا : وهو ظاهر ح ل . والمراد بمكة جميع الحرم كما في شرح م ر . قال الزركشي : ولا ينبغي التخصيص بالثلاثة بل لو كان بقرب مقابر أهل الصلاح والخبر فالحكم كذلك ؛ لأن الشخص يقصد الجار الحسن اه أج .
قوله : ( ويعزي ) التعزية لغة : التسلية ، وشرعاً : الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة ؛ شرح المنهج . وتحصل التعزية بالمكاتبات والمراسلات ، ويكره لأهل الميت رجالاً ونساء الجلوس لها أي بمكان تأتيهم فيه الناس لأنه بدعة ، قال الزركشي : والمكروه الجلوس لها اليوم واليومين كما هو المعتاد بخلاف الجلوس ساعة الإعلام ، وبه يعلم أن الوقوف لها عند القبر عقب الدفن لا بأس به وإن كرهه النخعيّ لأن فيه تخفيفاً على قاصديه ومن معه من المشيعين . وقال الأذرعي : الحق أن الجلوس لها على الوجه المتعارف في زماننا مكروه أو حرام اه شرح العباب .
قوله : ( أهله ) أي لأن الأجانب تعزي أهل الميت ، أما أقارب الميت فلا يعزي بعضهم بعضاً كما أفتى به الشهاب م ر سم على حج . وخالف في ذلك حج ، وعبارة البرماوي : قوله ويعزي أهله قال ابن حبان : وكذا كل من حصل له عليه وجد حتى الزوجة والصديق .
فرع : وقع السؤال في الدرس : هل تسن تعزية أهل الميت بعضهم بعضاً أو لا ؟ فرأيت في فتاوى الشهاب م ر أنه سئل عن ذلك ، فأجاب أنه يسن لأن كلاًّ منهم مصاب ، ثم رأيت أيضاً بخط بعض الفضلاء ما نصه : ويسن للأخ أن يعزي أخاه وتعبيرهم بالأهل جري على الغالب اه شيخنا .
فرع : قد عزى الخضر أهل بيت رسول الله بعد موته بقوله : إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفاً من كل هالك ودركاً من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والخضر نبي حي إلى آخر الدهر عند جماهير العلماء اه ق ل على الجلال .(2/580)
"""""" صفحة رقم 581 """"""
قوله : ( بمصيبة ) ولو غير الموت .
قوله : ( لا يعزيها أجنبي ) وإذا حصل ذلك حرم عليها الرد كرد السلام ، وكذلك تعزيتها له أيضاً كابتداء السلام س ل بالمعنى فيحرم عليها ابتداء وردّاً ويكره لغيرها ابتداءً وردّاً اه ق ل .
قوله : ( من ألحق بهم ) كالعبد والممسوح .
قوله : ( بكل من يحصل له عليه وجد ) أي حزن ، وهو شامل لنحو الهرة ، وشامل أيضاً لما ليس فيه روح كالمال كما اقتضاه إطلاقهم م ر .
قوله : ( تقريباً ) فلا يضر الزيادة بنحو نصف يوم مثلاً ح ل .
قوله : ( ومن القدوم لغائب ) أي قدوم المعزِّي أو المعزَّى اه شوبري .
قوله : ( ومثل الغائب المريض ) أي فإذا شفي أو خرج من الحبس عزي ثلاثة أيام .
قوله : ( أعظم الله أجرك ) لا يقال إن عظم الأجر يكون بسبب كثرة المصائب فيكون في ذلك دعاء على المعزى بفتح الزاي بكثرة مصائبه ؛ لأنا نقول ليس في ذلك دعاء بكثرة مصائبه إذ الأجر ليس مختصاً بنزول المصائب ، فقد قال الله تعالى : ) ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً } ) الطلاق : 5 ) اه م ر .
قوله : ( عزاءك ) بالمد أي صبرك .
قوله : ( وصبرك ) ولا يقال : وغفر لميّتك لأنه حرام زي .
قوله : ( وأخلف عليك ) نعم لو كان الميت ممن لا يخلف بدله كأب فليقل بدل أخلف عليك خلف عليك أي كان الله خليفة عليك ، شرح المنهج .(2/581)
"""""" صفحة رقم 582 """"""
قوله : ( غفر الله لميتك ) قدم هنا الدعاء للميت مع أن المخاطب أولى بالتقديم لشرف المسلم ح ل .
قوله : ( وهو الظاهر ) معتمد ، نعم لو كان فيها توقيره حرمت اه م ر .
قوله : ( ولا نقص ) بتخفيف القاف ونصب عدد على المفعولية أو رفعه على الفاعلية لأنه يستعمل لازماً ومتعدياً ، قال تعالى : ) ثم لم ينقصوكم شيئاً } ) التوبة : 4 ) .
قوله : ( بالفداء من النار ) لأن كل مؤمن له مقعد في الجنة ومقعد في النار فإن مات على الإيمان وضع كافر محل مقعده في النار .
قوله : ( قال في المجموع وهو ) أي قوله ولا نقص عددك ظاهره أنه دعاء بدوام الكفر ؛ لأنه دعاء بتكثير أهل الذمة ، ومن لازم كثرتهم امتداد بقائهم وامتداده مع الكفر فيه دوام له .
قوله : ( بأنه ليس فيه ما يقتضي الخ ) لأنه لا يلزم من كثرة العدد بقاؤهم على الكفر ؛ لأن قوله ولا نقص عددك يصدق بإسلامهم ، وظاهر أنه لا يسنّ تعزية مسلم بمرتد أو حربي بخلاف نحو محارب أو قاطع طريق وزان محصن وتارك الصلاة وإن قتل حدًّا ، وينبغي للمعزًي إجابة التعزية بنحو : جزاك الله خيراً ، ولعلهم حذفوه لوضوحه اه م ر .
قوله : ( ولا يدفن اثنان الخ ) قال شيخنا م ر : أي يحرم ذلك ولو مع اتحاد الجنس والمحرمية ، وقال شيخ الإسلام : يكره مطلقاً . وكلام الشارح لا يوافق واحداً منهما ق ل .
قوله : ( ابتداء ) وأما دواماً بأن يدفن ميت على ميت ، فإن كان بعد بلي الأول جاز وإِلا فلا كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( في قبر واحد ) ولو كان للقبر لحدان مثلاً ونبش للدفن في لحد آخر جاز إن لم(2/582)
"""""" صفحة رقم 583 """"""
يظهر للميت الأول رائحة كما في شرح م ر ، فإن حفر قبر فوجد فيه عظم ميت فإن كان قبل فراغ الحفر أعاده ولم يتم الحفر وإن ظهر ذلك بعد تمامه جعله في جانب محفور ودفن الميت بجانب آخر زي و ح ل .
قوله : ( واتحد الجنس ) أي أو اختلف وكان نحو محرمية كما يشير له كلامه ؛ والقول بالكراهة يشترط فيه اتحاد الجنس أو المحرمية أو الزوجية أو عدم بلوغ حدّ الشهوة كالرجل مع البنت الأجنبية الصغيرة جداً ، وأما الأجنبي مع الأجنبية الكبيرين فحرام باتفاق . وعبارة البرماوي : ولا يدفن اثنان في قبر أي لحد أو شق فيحرم عند م ر ولو مع محرمية كأم وابنها واتفاق جنس كأب وابنه ، ويكره عند شيخ الإسلام وإن اختلف الجنس واختلفت المحرمية ؛ لكن يجب أن يجعل بينهما ما يمنع التماسّ كتراب ونحوه وما اعتيد من الدفن في الفساقي المعروفة فحرام لما فيه من إدخال ميت على ميت آخر ، ويحرم جمع عظامهم لدفن غيرهم ، وكذا وضعه فوق عظامهم اه .
قوله : ( وحرم عند السرخسي ) لكن الحرمة ليست مقيدة باتحاد الجنس ولا بنحو محرمية بل هو حرام مطلقاً ، سواء اتحد الجنس أو اختلف ، وسواء كان هناك محرمية أو لا . قال في الروض وشرحه : وإن رجيت حياة جنين ميتة شقّ جوفها وجوباً قبل إدخالها القبر وفي القبر ندباً فيما يظهر لأنه أستر ، وأخرج منه ذلك لأن مصلحة إخراجه أعظم من مفسدة انتهاك حرمته .
قوله : ( وكذا في ثوب واحد ) لكن الحجز بينهما حينئذ واجب .
قوله : ( للاتباع في قتلى أحد ) أي لأنه كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، شرح المنهج ؛ أي وكان ذلك الوقت وقت عجز عن الثياب وحينئذ فبعض الثياب التي وجدت كان فيه سعة بحيث يسع اثنين يدرجان فيه ، ولا يلزم من ذلك تماسّ عورتيهما لإمكان أن يحجز بينهما بإذخر ونحوه ، شرح المشكاة شوبري . فقوله : وكذا في ثوب أي يجوز أن يجمع بين اثنين في ثوب للضرورة . قال الحلبي في السيرة : ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع في قبر واحد ، ودفن النعمان بن مالك وعبد بن الخشخاش في قبر واحد ، وربما دفنوا ثلاثة في قبر واحد ، وصار يقول : ( أَحْفِرُوا وأَوْسِعُوا وأَعْمِقُوا ) وكان يقول : ( انْظُرُوا(2/583)
"""""" صفحة رقم 584 """"""
أَكْثَرَ هؤلاء جمعاً أي حِفْظاً للقرآن فقَدِّمُوه في القَبْرِ ) أي اللحد ، واحتمل ناس من المدينة قتلاهم إلى المدينة فردهم ليدفنوا حيث قتلوا وبذلك استدل أئمتنا على حرمة نقل الميت قبل دفنه في محل موته إلى محل أبعد من مقبرته ، وفيه أنهم قالوا : إِلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس ؛ نص على ذلك إمامنا الشافعي رضي الله عنه وقد يجاب بأن هذا مخصوص بغير الشهيد ، أما هو فالأفضل دفنه بمحل موته ولو بقرب ما ذكر ؛ بحث ذلك بعض المتأخرين من أئمتنا وشهد له ما هنا اه .
قوله : ( وكذا الجدة ) أي تقدم على البنت .
قوله : ( وإن كان ) أي الابن وقوله وإن كانت أي البنت .
قوله : ( أما الابن ) مفهوم قوله من جنسه ، وهل يقدم الخنثى على أمه احتياطاً أو هي ؟ قال الشيخ : فيه نظر . أقول : وينبغي تقديمها لأن جهة تقديمها محققة بخلاف الخنثى شوبري .
قوله : ( على الصبي ) وإن كان أفضل منه .
قوله : ( ولا يجمع رجل وامرأة ) أي أجنبيان ، بدليل ما يأتي ؛ وهذا مقابل قوله سابقاً واتحد الجنس .
قوله : ( إِلا لضرورة ) أي متأكدة ، بخلاف الجمع بين الرجال فقط أو النساء فقط فإنه يجوز لمطلق الضرورة كما تقدم . وقوله : كما في الحياة أي فإنه يحرم جمعهما في مكان واحد .
قوله : ( وهذا هو الظاهر ) معتمد .(2/584)
"""""" صفحة رقم 585 """"""
قوله : ( ولو اتحد الجنس ) غاية .
قوله : ( وأما نبشه بعد دفنه ) أي ولو لغير الدفن عليه . وهذا مفهوم قوله ابتداء لكنه أعم من المفهوم ؛ لأن المفهوم ما إذا نبش بعد دفنه لأجل الدفن ففيه تفصيل ، فإن كان بعد بلى الأول جاز وإِلا فلا . وأما هذا فشامل للنبش للدفن عليه وغيره كنقله أو الصلاة عليه أو تكفينه ، كذا في بعض الحواشي .
قوله : ( وقبل البلى ) بكسر الباء مع القصر وبفتحها مع المد كما قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( إِلا لضرورة ) وقد مثلها الشارح بأحد أمور خمسة ، وقد نظمت ذلك فقلت :
ونبش ميت حرام إن وفي
بلا ضرورة كطهر انتفى
أو دفنه بغصب أو سقوط مال
أو بلع مال الغير أو الاستقبال
اه م د .
قوله : ( بشرطه ) وهو فقد الماء أو تهرّيه مثلاً . قوله : ( فاستدرك ) أي الواجب .
قوله : ( عند قربه ) أي الدفن .
قوله : ( إن لم يتغير ) المراد بالتغير النتن لا التقطع كما قاله بعضهم زي .
قوله : ( أو دفن في أرض ) معطوف على قوله بأن دفن بلا غسل ودفنه في المسجد كهو في المغصوب فينبش ويخرج مطلقاً فيما يظهر م ر .
قوله : ( وطالب بهما مالكهما ) فإن لم يطالب المالك حرم النبش كما جزم به ابن الأستاذ ، قال الزركشي : ما لم يكن محجوراً عليه أو ممن يحتاط له كالغائب ، وهو ظاهر م ر .
قوله : ( في الثوب ) وكذا في الأرض ، وعبارة سم : فلو لم يوجد كفن ولا أرض ، فبحث الأذرعي أنه لا يجوز النبش بل يدفع للمالك ثمن ذلك ويجبر عليه ؛ شوبري .
قوله : ( كالمغصوب ) أي فينبش لنزعه منه وإبداله بغيره .(2/585)
"""""" صفحة رقم 586 """"""
قوله : ( لأنه ) أي الحرير ، أي تحريمه حق الله ، أي وهو مبني على المسامحة بخلاف المغصوب فإنه حق الآدمي وهو مبني على المشاحة .
قوله : ( والفرق ) مبتدأ خبره لا يجدي ، أي ومن فرق بين الكفن والمال فقال لا ينبش للكفن إلا إذا طلبه مالكه لأنه ضروري ولا كذلك المال فينبش لإخراجه وإن لم يطلبه مالكه ففرقه لا يجدي ، أي لا يفيد .
قوله : ( ولو بلغ ) بكسر اللام من باب تعب كما في المصباح ، ومفتوح اللام من باب نفع كما فيه أيضاً . والمناسب أن يقول : أو بلغ ، ليكون معطوفاً على ما قبله .
قوله : ( ويوجه للقبلة ) أظهر موضع الإضمار .
قوله : ( بعد دفنه ) أي تمام الدفن .
قوله : ( ساعة ) أي قدر ذبح الجمل وتفرقة لحمه ، وهذا غير التلقين . والحاصل أن السؤال عام لكل مكلف ، ولم يسلم منه إِلا الأنبياء وشهداء المعركة وعمر بن الخطاب وإمام الحرمين وهارون الرشيد . وأما ضمة القبر فهي عامة لكل ميت وإن لم يكن مكلفاً ، ولم يسلم منها إِلا الأنبياء وفاطمة بنت أسد . وسؤال الملكين بالسرياني كما قاله الجلال السيوطي وهو أربع كلمات : الأولى أتره ، الثانية أترح ، الثالثة كاره ، الرابعة سالحين ؛ فمعنى الأولى : قم يا عبد الله إلى سؤال الملكين ، ومعنى الثانية : فيم كنت . ومعنى الثالثة : من ربك ما دينك ، ومعنى الرابعة : ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين . وقد ورد أن حفظ هذه الكلمات دليل على حسن الخاتمة ، ميداني . وقوله : في هذا الرجل الخ قد يقال هذه الإشارة لا تكون إِلا لحاضر . ويجاب بأنه إما أن يكشف عن الميت حتى يشاهد النبي عليه الصلاة والسلام أو أنه يمثل له النبي في زوايا القبر .(2/586)
"""""" صفحة رقم 587 """"""
فائدة : ذكر الناشري بسند متصل : أن من أخذ من تراب القبر حال الدفن في كفه شيئاً منه وقرأ : ) إنا أنزلناه في ليلة القدر } ) القدر : 1 ) سبع مرات ثم وضعه في كفنه لم يعذب ذلك الميت ؛ وهي فائدة جليلة اه علقمي . وقوله : في كفنه أي إن كان التراب طاهراً بأن لم ينبش القبر ، فإن كان نجساً وضع في جانب قبر الميت . ورُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله : ( مَنْ مَاتَ وكَتَبَ هذا الدّعاءَ وجُعِلَ في كَفَنِهِ خُصُوصاً إذا كان على صدره ودُفِنَ معه لا يُعَذَّبُ ذلك الميت في قبره ، وهو هَذَا : اللهم إني أسألكَ بعِزَّتك يا عزيزُ وبقُدْرَتك يا قديرُ وبِحِلْمِكَ يا حَلِيمُ وبِعَظَمَتِكَ يا عظيم وبرحمتك يا رحيم وبمنك يا منان أن تحفظني بإيماني قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً وحيًّا وميتاً وعلى كل حال ، إلهي هذا أوّلُ قُدُومي إِليك فأكْرِمْنِي فإِنَّ الضَّيفَ إذا نزل بقَوْمٍ يُكْرَمُ وأنت أوْلَى بالإكْرَامِ ، إلهي ما دمت حَيًّا أنت أحْسَنْتَ إِلَيّ الآن انْقَطَعَ حَيَاتي ولا تَمْنَعْ إِحْسَانَكَ عَنِّي بوفاتي الآن برحمتك يا أرْحَمَ الراحِمين يا دَلِيلَ المُتَحَرِّين لا إله إِلا الله هو الخالق العليم رَبّ الخلق والخلائق أجمعين اللهم اسْتَوْدَعْتُكَ ديني وإيمَاني فاحْفَظْهُمَا عَلَيَّ في حياتي وعِنْدَ وفاتي وبَعْدَ مَمَاتي ) اه من المصابيح .
قوله : ( ويسن تلقين الميت المكلف ) أي خوف الفتنة . قال في الإيعاب : والظاهر أن المراد بها هنا غير حقيقتها لاستحالتها ممن مات على الإسلام ، بل نحو التلجلج في الجواب أو عدم المبادرة إليه اه شوبري . وعبارة المرحومي : ويسن تلقين الميت لقوله تعالى : ) وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } ) الذاريات : 55 ) . وأحوج ما يكون العبد إلى التذكر في هذه الحالة ، وهو : يا عبد الله ابن أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إِلا الله وأن محمداً رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن القبر حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً . ويسنّ إعادة التلقين ثلاثاً ، ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن ، وإن ختموا القرآن كان أفضل ؛ شرح الروض اه .
قوله : ( المكلف ) ولو فيما مضي فيشمل من جنّ بعد بلوغه كما في م ر ، والمراد بالمكلف غير النبي وغير الشهيد .(2/587)
"""""" صفحة رقم 588 """"""
قوله : ( رأس القبر ) أي الذي رأس الميت تحته .
قوله : ( ممن لم يتقدمه تكليف ) كمن بلغ مجنوناً واستمر جنونه لموت ، ومثله شهيد المعركة والأنبياء لأنهم لا يسألون أيضاً ق ل . فالحاصل أن الذين لا يسألون أربعة .
قوله : ( لشغلهم بالحزن عنه ) أي عن الطعام أي تهيئته ، أو الضمير راجع للتهيئة وذكره لأنه اكتسب التذكير من المضاف إليه .
قوله : ( أما إصلاح أهل الميت ) نسخة اصطناع . قوله : ( غير مستحبة ) بل هو حرام إن كان عليه دين ولو قليلاً ؛ لأن التركة مرهونة به رهناً شرعياً وكذا إن كان في الورثة محجور عليه أو غائب . ومحل الحرمة فيما ذكر لو صنعوا من التركة ، أما لو صنعوا من مال أنفسهم فبدعة غير محرمة ؛ ومثل الوحشة المذكورة ما يعمل للمقرئين من الأطعمة وغيرها كالسبح والجمع فهو حرام أيضاً وكذا الكفارة المعروفة اه ق ل .
تم الجزء الثاني
ويليه الجزء الثالث ، وأوله :
( كتاب الزكاة(2/588)
"""""" صفحة رقم 2 """"""
الجزء الثالث
وأوله : كتاب الزكاة(3/2)
"""""" صفحة رقم 3 """"""
كتاب الزكاة
هي من الشرائع القديمة بدليل قول سيدنا عيسى عليه السلام : ) وأوصاني بالصلاة والزكاة } ) مريم : 31 ) وقيل : من خصوصيات هذه الأمة ، وجمع بأن الأول بالنظر للأصل ، والثاني بالنظر للكيفية والشروط الآتية . وقدم الزكاة على الصوم والحج مع أنهما أفضل منها مراعاة للحديث الناظر إلى كثرة أفراد من تلزمه عليهما ق ل على التحرير ؛ لأن بعض أفرادها وهو زكاة الفطر يلزم أفراداً كثيرة .
قوله : ( وهي لغة النموّ ) يعني أنها في اللغة لأحد معان خمسة : النموّ والبركة وزيادة الخير والتطهير والمدح ، وأدلتها ما ذكره . وانظر وجه ذكر الألفاظ الثلاثة أوّلاً ، أعني النموّ وما عطف عليه ، ثم أفرد المعنيين الآخرين وهما التطهير والمدح . ولعل وجه ذلك أن الثلاثة الأول لما كانت متقاربة المعنى أو متحدته جمعها إشارة لذلك بخلاف الأخيرين فإن كلاً منهما مغاير للآخر وللثلاثة قبله ، فتأمل .
قوله : ( أي تمدحوها ) أي لا تمدحوها على جهة الإعجاب وأما على جهة التحدث بالنعمة فحسن .
قوله : ( وسميت بذلك ) الأولى أن يقول وسمي أي القدر المخصوص بذلك أي بالزكاة وعبارة م ر : سمي بها ذلك لأن الخ . وبعد هذا فيقال : هذا لا يشمل زكاة الفطر إِلا أن يقدر ويقال أو عن بدن .
قوله : ( لأن المال ينمو الخ ) أشار بذلك إلى أن المعنى اللغوي موجود في الشرعي .
قوله : ( حتى تشهد له بصحة الإيمان ) لعل حتى تعليلية ، أي من أجل أنها تشهد الخ ، أو أنها للغاية أي استمر تطهيرها ومدحها منتهياً إلى أن تشهد الخ . وهل المراد الشهادة في الدنيا بمعنى أنها أمارة على الإيمان أو في الآخرة فتكون الشهادة حينئذ حقيقة ؟ ذكره م د .
قوله : ) وآتوا الزكاة } ) البقرة : 43 و 83 ) هذه الآية مجملة لم تتضح دلالتها لأنها لم تبين(3/3)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
المال الذي تجب فيه ولا القدر المخرج ، ولكن السنة بينت ذلك ؛ وقيل : عامة ، وقيل : مطلقة . والراجح هنا الأوّل ؛ لأن الزكاة على خلاف الأصل ، وهذا بخلاف قوله : ) وأحلّ الله البيع } ) البقرة : 275 ) فإن الراجح من هذه الأقوال أنها عامة أي كل بيع إِلا ما خرج بدليل لأن الأصل في البيع الحل .
قوله : ( صدقة ) من التصديق لأن دافعها يصدّق بوجوبها اه شبرخيتي .
قوله : ( بني الإسلام على خمس ) فيه أن الإسلام عبارة عن الخمس ، فيلزم بناء الشيء على نفسه . وأجيب بأن بني بمعنى تركب وعلى بمعنى من والتقدير ؛ تركب الإسلام من خمس على حد قوله تعالى : ) الذين إذا اكتالوا على الناس } ) المطففين : 2 ) أي منهم ، أو شبه الإسلام بقصر مشيد على دعائم خمس تشبيهاً مضمراً في النفس وطوى ذكر المشبه به وذكر شيئاً من خواصه وهو قوله بني فيكون تخييلاً .
قوله : ( ويكفر جاحدها ) عبارة العناني : ويكفر جاحدها على الإطلاق أو في القدر المجمع عليه دون المختلف فيه ؛ وهو الأقرب كوجوبها في مال الصبي ومال التجارة ، ومن جهلها عرّف فإن جحدها بعد ذلك كفر ويقاتل الممتنع من أدائها وتؤخذ منه وإن لم يقاتل قهراً . والحاصل أن الناس فيها ثلاثة أضرب : ضرب يعتقد وجوبها ويؤديها فيستحق الحمد ، وفيه نزل قوله تعالى : ) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ) التوبة : 103 ) الآية . وضرب يعتقد وجوبها ويمتنع من إخراجها ، فإن كان في قبضة الإمام أخذها من ماله قهراً وإِلا قاتله كما فعلت الصحابة رضي الله تعالى عنهم بمانع الزكاة . وضرب لا يعتقد وجوبها ، فإن كان ممن يخفى عليه ذلك لكونه قريب عهد بالإسلام عرّفه أي الوجوب وينهى عن العود وإِلا حكم بكفره اه .
قوله : ( في الزكاة المجمع الخ ) متعلق بيكفر .
قوله : ( كالرّكاز ) وكمال الصبي . ولبعضهم من الوافر :
أقول لشادن في الحسن أضحى
يصيد بلحظة قلب الكميّ
ملكت الحسن أجمع في نصاب
فأدّ زكاة منظرك البهيّ(3/4)
"""""" صفحة رقم 5 """"""
وذاك بأن تجود لمستهام
برشف من مقبلك الشهيّ
فقال أبو حنيفة لي إمام
يرى أن لا زكاة على الصبيّ
فإن تك شافعي الرأي أو من
يرى رأي الإمام المالكيّ
فلا تك طالباً مني زكاة
فإخراج الزكاة على الوليّ
ولبعضهم :
يا من تفرد في الورى بجماله
وبه الكواكب في السما تتباهى
إن الفقير يريد منك تعطفاً
بزكاة حسن قد منعت عطاها
لما طلبت زكاته فأجابني
ورد الخدود بأنه أدّاها
قوله : ( وفرضت في السنة الثانية ) واختلف في أي شهر منها ، والذي قاله شيخنا البابلي أن المشهور عن المحدثين أنها فرضت في شوّال من السنة المذكورة .
قوله : ( من أنواع المال ) الأولى من أجناس المال كما عبر به فيما بعد ، لكن سيأتي أنه ليس المراد بالجنس الجنس المنطقي بل ما دل على متعدد فأشبه النوع اه .
قوله : ( وهذه الأنواع ثمانية أصناف ) وترجع إلى ضربين ما يتعلق بالقيمة وهو زكاة التجارة وما يتعلق بالعين وهو ثلاثة أنواع : نبات وجوهر النقدين وحيوان زي .
قوله : ( أصناف ) فيه مسامحة ؛ لأن الإبل مثلاً ليس صنفاً من نوع بل هو نوع من جنس وهو الماشية ، ولم يذكر عروض التجارة مع أنها مذكورة في الإجمال إِلا أن يقال إنها داخلة في الذهب والفضة لأنها تقوّم بأحدهما .
قوله : ( من أجناس ) لعله أراد به اللغوي الشامل للنوع ليلائم ما مر .
قوله : ( الإنسية ) هذا قيد للبقر ، وكان الأنسب تقديمه على لفظ الغنم لأن الظباء إنما تسمى شياه البر لا غنم البر اه زي أ ج .
قوله : ( والذهب والفضة ) ومن ذلك عروض التجارة لأنها ترجع للقيمة وهي هما .
قوله : ( ومن ذلك ) من للتعليل أي من أجل ذلك ، وهذا فيه نظر لأنه لا يظهر إِلا لو كان كل زكاة من نوع من ذلك أي من الثمانية تدفع لصنف من الثمانية مع أنه ليس كذلك بل كل زكاة تدفع للثمانية .(3/5)
"""""" صفحة رقم 6 """"""
قوله : ( والأنعام ) عطف خاص على عام والنكتة فيه كون الكلام فيها . قال في شرح الروض : والنعم تذكر وتؤنث وجمعه أنعام ، وأنعام جمعه أناعم ؛ وسميت نَعَماً لكثرة نعم الله تعالى فيها على خلقه من النموّ وعموم الانتفاع بها اه .
قوله : ( من لفظه ) بل له واحد من معناه وهو بعير وجمل وناقة .
قوله : ( وهو اسم جنس ) أي جمعي بدليل قوله : واحده الخ .
قوله : ( اسم جنس ) والصحيح أنه اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ولا يصح كونه اسم جنس جمعي لعدم واحد له من لفظه .
قوله : ( فلا تجب في الخيل ) هو اسم جمع لأنه لا واحد له من لفظه .
قوله : ( ولا في المتولد من غنم وظباء ) وهذا من قاعدة المتولد بين زكويّ وغيره فلا زكاة فيه ، فقول م د هو من قاعدة يتبع الفرع الخ متعلق بقول الشارح ، والظاهر أنه يزكي زكاة أخفهما الخ .
قوله : ( زكاة أخفهما ) هو المعتمد أي من حيث العدد لا من حيث السن ، فالمتولد بين ضأن ومعز يجب فيه ماله سنتان اه ق ل . وقال سم : يكفي ماله سنة ، وقال في حاشيته على حج : المعتمد أنه يتبع أعلى السن .
قوله : ( لأنه المتيقن ) وإذا كان يزكي زكاة البقر فلا تجب في أقل من ثلاثين ولو كان على صورة الإبل .
قوله : ( لقول الصديق ) وهو عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة .(3/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
قوله : ( نعم المرتد تؤخذ منه ) وإن أخرج حال ردّته أجزأه كما لو أطعم عن الكفارة ، بخلاف الصوم لا يصح منه لأنه عمل بدني وتكفي نيته في الزكاة وإن كان شرطها الإسلام للضرورة وتكون للتمييز .
قوله : ( موقوف ) أي لزوم الأداء والإخراج ، وأما الوجوب فثابت لا وقف فيه .
قوله : ( لزمه أداؤها ) ولو أخرجها حال ردته أجزأته إن عاد إلى الإسلام ، فلو لم يعد إلى الإسلام رجع الإمام على الآخذ م ر .
قوله : ( وإِلا ) بأن مات مرتدًّا فلا تخرج الزكاة عنه لتبين أن المال ليس على ملكه بل هو فيء .
قوله : ( الحرية ) أي ولو بعضاً كما سيأتي .
قوله : ( أو مكاتباً ) ولو كتابة فاسدة ، فإن عجز المكاتب صار ما بيده لسيده وابتدىء حوله من حينئذ وإن عتق ابتدىء حوله من حين عتقه . قال في الروض وشرحه : ولا زكاة على السيد ولا مكاتبه في مال المكاتب ؛ لأنه ليس ملكاً للسيد والمكاتب ليس بحرّ وملكه ضعيف ، فإن زالت الكتابة لعجز أو عتق أو غيره انعقد حوله من حين زوالها اه .
قوله : ( الملك ) دخل الأنبياء لأنهم يملكون فتجب عليهم الزكاة ، خلافاً لمالك حيث قال : لا تجب عليهم الزكاة لأنهم لا ملك لهم مع الله ، وأن ما في أيديهم من ودائع الله لهم يبذلونها لمن يستحقها ؛ ولأن الزكاة طهرة وهم مبرؤون من الدنس أ ج ملخصاً .
قوله : ( كمال كتابة ) أي فلا يجب على السيد زكاة نجوم الكتابة قبل قبضها ، فاندفع قول م د إن مال الكتابة خارج بقيد الحرية فذكره تكرار اه ؛ لأن الخارج بقيد الحرية عدم وجوب الزكاة على المكاتب فيما بيده سواء نجوم الكتابة وغيرها ، والكلام هنا في السيد أي في عدم وجوب الزكاة عليه في النجوم قبل قبضها .(3/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
قوله : ( في مال محجور عليه ) وهو الصبي والمجنون والسفيه وتلزم النية الولي عن محجوره ، فلو دفع بلا نية لم يقع الموقع وعليه الضمان ولوليّ السفيه مع ذلك أن يفوض النية له كغيره شرح المنهج .
قوله : ( والمخاطب بالإخراج الخ ) ومحل وجوب ذلك عليه حيث كان ممن يعتقد وجوبها على المولى عليه ، فإن كان لا يراه كحنفي فلا وجوب والاحتياط له أن يحسب زكاته ، فإذا كمل أخبره بذلك ولا يخرجها فيغرّمه الحاكم شرح م ر .
قوله : ( ولا تجب في مال وقف ) لو قدمه على قوله وتجب في مال الخ لكان أولى لاشتراكهما في عدم وجوب الزكاة . وفي شرح م ر تفريع هذا على شرط آخر ، وعبارته : ويتعين وجود المالك فلا زكاة في مال وقف لجنين الخ .
قوله : ( لجنين ) أي ولو انفصل حياً كما قاله سم ، واللام في لجنين تعليلية أي لأجل جنين ، فيشمل التركة كلها حتى لو انفصل ميتاً لا تجب على الورثة لا في نصيبه ولا في نصيبهم لضعف ملكهم بمنعهم من التصرف كما قاله ع ش على م ر وقرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( إذ لا وثوق بوجوده ) أي شأنه ذلك ، فلو تيقن وجوده لا تجب أيضاً ؛ قال م ر في شرحه : فلو انفصل الجنين ميتاً ، قال الإسنوي : المتجه عدم لزومها بقية الورثة لضعف ملكهم اه . قال ع ش : قوله المتّجه عدم لزومها أي في جميع المال الموقوف للعلة المذكورة لا فيما يختص بالجنين لو كان حياً ، وهذا هو المعتمد . وقياس ما ذكر أنه لا زكاة على الورثة إذا تبين عدم الحمل للتردد بعد موت من له المال في عين من انتقل المال له ، ولكن نقل عن زي وجوب الزكاة فيما لو تبين أن لا حمل لحصول الملك للورثة بموت المورث اه . وهذه العلة بعينها موجودة فيما لو انفصل ميتاً اه بالحرف . وفي وجوبها في ذلك وقفة .
قوله : ( وتجب في مغصوب الخ ) ومنه المسروق ، والمراد بوجوبها في هذه المذكورات استقرارها في ذمته ولا يجب عليه إخراجها إِلا بحضورها أو القدرة عليها كما في المنهج ، قال م ر : والذي يظهر من كلامهم أن العبرة في المغصوب وفي نحو الغائب بمستحقي محل الوجوب لا التمكن اه ؛ أي فيخرج الزكاة لمستحق البلد التي كانوا فيها حالة وجوب الزكاة أي حالة حولان الحول وقوله وضال ، ومنه الواقع في بحر والمدفون المنسيّ محله ويتصوّر إسامة الضالة بأن يقصد مالكها إسامتها وتستمر سائمة وهي ضالة إلى آخر الحول ؛ لأنه لا يشترط قصد الإسامة في كل مرة كما قاله العناني .
قوله : ( ومجحود ) أي مودع جحده الوديع أو دين جحده من عليه .(3/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
قوله : ( وإن تعذر أخذه ) أي أخذ كل من الأربعة .
قوله : ( ومملوك بعقد قبل قبضه ) بأن باع شيئاً ولم يقبض الثمن حتى مضي الحول ، أو اشترى شيئاً ولم يقبضه حتى حال عليه الحول .
قوله : ( لأنها ملكت الخ ) تعليل للكل ولأنه يملك إسامة المالك لها قبل القبض . قوله : ( وعرض تجارة ) كأن قال : أسلمت إليك هذه الدنانير في مائة مقطع قماش أتجر فيها ، ونوى بها التجارة ؛ وكأن أقرض العروض لآخر فإنها تصير ديناً في ذمة المقترض ، فإذا مضى حول وجبت الزكاة في الصورتين كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة المرحومي : قوله وعرض تجارة خرج بذلك زكاة الماشية التي في الذمة فلا تجب فيها زكاة لأن شرط زكاتها السوم وما في الذمة لا يسام اه . قوله : ( لعموم الأدلة ) لأن قوله : ) وآتوا الزكاة } ) البقرة : 43 و 83 ) و ) خذ من أموالهم } ) التوبة : 103 ) شامل لمال التجارة ولما في ذمة المقترض . وعبارة شرح المنهج بعد هذا : بخلاف غير اللازم كمال كتابة ؛ لأن الملك غير تام فيه إذ للعبد إسقاطه متى شاء ، وبخلاف اللازم من ماشية ومعشر ؛ لأن شرط الزكاة في الماشية السوم وما في الذمة لا يسام وفي المعشر الزهوّ أي النموّ في ملكه ولم يوجد .
قوله : ( قدمت على الدين ) أي وإن تعلق بالعين قبل الموت كالمرهون ، ولا يشكل على ذلك قولهم : حقوق الله مبنية على المسامحة ، لأنه في الحدود ونحوها ، أو يقال الزكاة فيها جهتان حق الله وحق الآدمي .
قوله : ( كزكاة وحج ) أو كفارة ونذر .
قوله : ( إن كان النصاب ) أو بعضه شوبري ، وعبارة حج : إن تعلقت بالعين بأن بقي النصاب وإِلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها فيوزع عليهما .
قوله : ( فيستويان ) أي فيقسم بينهما بالقسط عند الإمكان وإِلا فيقدم الأهم فالأهم كما قاله(3/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
الشيخ س ل ، أي فإذا اشتد احتياج الفقراء قدمت الزكاة . وكتب بعضهم على قوله فيستويان : أي فيوزع عليهما فيدفع ما خص الزكاة لها وما خص الحج له ويجب الحج إن كفي الحج وإِلا فلا ؛ وهل يكون للورثة حينئذ أو يبقى فربما حصل له مال كمل به مال الحج ؟ فتدبر . وحاصل ذلك أن قوله : فيستويان أي في التعلق أي لا يقدم أحدهما على الآخر ، وبعد ذلك يوزع المال الموجود على قدرهما بالنسبة ؛ فإذا كان قدر الزكاة خمسة والحج أجرته عشرة فالمجموع خمسة عشر فالزكاة ثلث فيخصها الثلث والجمع الثلثان وبعد ذلك لا شيء يجب في الزكاة سوى ذلك ، وأما الحج فإن كان الذي خصه يوفي بأجرته فظاهر وإن كان لا يفي فيحفظ إلى أن يحصل ما يكمله ويحج به ولا يملكه الوارث ؛ هكذا قرره بعضهم .
قوله : ( ما لو اجتمعا على حي ) أي وضاق ماله عنهما .
قوله : ( إذا لم تتعلق الزكاة بالعين ) بأن تعلقت بالقيمة كعروض التجارة ، وقال سم : قوله قدم حق الآدمي لعل صورته إن كان النصاب تالفاً ، فإن كان النصاب باقياً قدمت كما يؤخذ من قوله السابق ولو حجر به اه .
قوله : ( وإِلا ) أي بأن تعلقت بالعين قدمت مطلقاً سواء كان محجوراً عليه أو لا .
قوله : ( بقدر الخ ) الأولى حذف الباء إلا أن يقال إنها باء التصوير أو التقدير ، ويتحقق بقدر معلوم ؛ وفي بعض النسخ : قدر أي وهو قدر الخ .
قوله : ( الحول ) سمي بذلك لتحوّله أي ذهابه ومجيء غيره كما في شرح م ر .
قوله : ( ولكن لنتاج الخ ) استدراك على قوله فلا تجب قبل تمامه . وصورة هذه أن يملك خمساً من الإبل فتنتج قبل الحول خمساً ، أو يملك مائة وعشرين ؛ فالواجب حينئذ شاة كالأربعين فإذا أنتجت واحدة فصار الملك لمائة وإحدى وعشرين وجب شاتان ، ولو كان النتاج(3/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
قبل الحول بشيء يسير ، فقوله نصاب قيد اه . لا يقال شرط وجوب الزكاة السوم في كلأ مباح فكيف وجبت في النتاج ؛ لأنا نقول إن النتاج لما أعطى حكم أمهاته في الحول فأولى في السوم ، فمحل اشتراطهما في غير ذلك التابع الذي لا تتصوّر إسامته كما في م ر وحج . ويجب في النتاج شاة صغيرة شوبري . ويشترط أن يكون النتاج من جنس النصاب وإِلا أفرد بحول كخمسين من الإبل نتجت خمسين عجلاً .
قوله : ( بسبب ملك النصاب ) بخلاف ما لو اختلف السبب كأن أوصى مالك الأمهات بالنتاج لآخر ومات فقبل الموصي له الوصية ثم أوصى بالنتاج للوارث فلا ضم لاختلاف سبب ملكهما أو ورثه الوارث من الموصي له ؛ كذا في شرح البهجة شوبري .
قوله : ( اعتدّ ) أي احسبها عليهم من جملة المال ع ش .
قوله : ( سنّ تحليفه ) فلو نكل ترك ولا يجوز تحليف الساعي ؛ لأنه وكيل ولا الفقراء لعدم تعينهم م ر .
قوله : ( السوم ) وهو إسامة مالكها أي مع علمه بأنها في ملكه لتخرج مسألة الإرث الآتية كما قرره شيخنا ، وهذا تفسير مراد وإِلا فالسوم الرعي في كلأ مباح اه . ومثل مالكها نائبه كالإمام في نحو الضالّ .
قوله : ( في كلأ مباح ) هو الحشيش الرطب ، وليس قيداً بل مثله الأوراق المتناثرة تحت الأشجار وغيرها ؛ بل الضابط أن لا ترعى في شيء مملوك اه ع ش على الغزي .
تنبيه : ظاهر سكوتهم عن الشرب أن شرب الماء مثلاً لا يقدح في وجوب الزكاة ، ويوجّه بأن الغالب أن لا كلفة وحاجة في الماء وأن كلفته يسيرة بخلاف العلف اه سم .
قوله : ( لا يعد مثلها كلفة ) كما لو كان على كل خمس من الإبل في كل عام درهم مثلاً ، قال المرحومي : والمعتمد في هذه أنها غير سائمة ، ولا تكون سائمة إِلا إذا كان الكلأ المملوك لا قيمة له أصلاً ؛ هذا مخالف لكلام الشارح فيكون قول الشارح أو مملوك الخ ضعيفاً على كلام المرحومي .(3/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
قوله : ( في مقابلة نمائها ) هو درّها ونسلها وصوفها ووبرها .
قوله : ( أما لو سامت الخ ) هي وما بعدها محترز قوله إِسامة المالك .
قوله : ( أو اعتلفت سائمة ) أي بنفسها من غير علف المالك لها كأن نسيها الراعي فمكثت مدة تعتلف ولم يشعر بها مالكها ، وإنما قال ذلك ليكون مقابلاً لقوله علفت لأن المراد علفها مالكها أو نائبه .
قوله : ( معظم الحول ) محترز كل الحول وقد تنازعه كل من اعتلفت وعلفت .
قوله : ( لا تعيش بدونه ) كأربعة أيام . واعترض بأن هذه يفهم منها ما قبلها بالأولى فلا حاجة لذكره . والجواب بأن الأول وقع في مركزه .
قوله : ( لكن بضرر بيِّن ) كثلاثة أيام ولو متفرقة كما اقتضاه إطلاقهم لانتفاء السوم مع كثرة المؤنة ؛ كذا في فتح الجواد والتحفة شوبري .
قوله : ( أو ورثها ) عطف على قوله سامت بأن كان يسومها الوارث جاهلاً بأنها ملكه ، وهذا خرج بقوله إسامة المالك مع ملاحظة المقدر كما تقدم وهو علم المالك بأنها في ملكه لاستحالة القصد إليها مع عدم العلم اه سم .
قوله : ( ولم يعلم ) أي وكان هو المسيم لها .
قوله : ( فلا زكاة ) أي في الصور الثمانية ، ويضم لها صورة جزّ الكلأ المباح وتقديمه لها فإنه كالعلف كما قاله ق ل وغيره .
قوله : ( لا ثلاثة ) أي بلا ضرر بينّ فلا ينافي أنها تعيش حينئذ لكن بضرر بينِّ ح ف .
قوله : ( وأما الأثمان ) جمع ثمن كجمل وأجمال .
قوله : ( والكنز هو الذي الخ ) هو تفسير مراد يدل عليه قوله تعالى : ) ولا ينفقونها في سبيل الله } ) التوبة : 34 ) وإِلا فالكنز لغة المال المكنوز ، فكأنه شبه المال الذي لم تؤد زكاته بالمال المدفون الذي لا ينتفع به حال دفنه اه ع ش على م ر .(3/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
قوله : ( تنبيه الخ ) غرضه بذلك الاعتراض على تفسير الأثمان بذلك بأنه غير مطابق للغة ؛ لأن الأثمان لغة المضروب منهما ، وهما أي الذهب والفضة يشملان المضروب وغيره . وبعد ذلك أجاب بأن غرض المتن بيان المعنى المراد هنا لا المعنى اللغوي ؛ لأن الحكم للمعنى العام لا الخاص والحكم هو وجوب الزكاة بالشروط الآتية . وحاصل الجواب أن المراد بالأثمان ما يشمل المضروب وغيره من إطلاق الخاص وإرادة العام .
قوله : ( وليس مراداً ) أي في اللغة فلا ينافي أنه مراد عند الفقهاء كما سيذكره ؛ لأن الزكاة كما تجب في المضروب تجب في غيره .
قوله : ( وحينئذ ) أي حين إذ كان الذهب والفضة شاملين للمضروب وغيره والأثمان خاصة بالمضروب .
قوله : ( فإطلاق المصنف ) أي في قوله الذهب والفضة فإنهما شاملان لغير المضروب .
قوله : ( لتفسير الأثمان ) أي لغة ، وقوله فإنه أي شمول المضروب وغيره ، وقوله لما تقدم وهو شمول المضروب وغيره .
قوله : ( بقصد الفرار ) بكسر الفاء ، قال تعالى : ) قل لن ينفعكم الفرار } ) الاحزاب : 16 ) وإنما كره بقصد الفرار هنا بقصد ترك القربة كما أشار إليه فتأمل .
قوله : ( لزينة وحاجة ) أي فإنه يكره ، وقوله : فقوي المنع فلذاكره .(3/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
قوله : ( وأما الزروع فتجب الزكاة فيها ) وإنما وجبت لأن القوت ضروري فأوجب الشارع فيه شيئاً لذوي الضرورات سم والدليل عليها من الكتاب قوله تعالى : ) أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } ) البقرة : 267 ) وقوله بثلاثة شرائط أي زائدة على الإسلام والحرية والملك التام ، وسكت عنها لظهورها ؛ والأولى حذف التاء لأن شرائط جمع شريطة بمعنى مشروطة . وأجيب بأن شرائط بمعنى شروط فأتى بالتاء نظراً للمعنى .
قوله : ( مما يزرعه ) أي من شأنه أن يزرعه الآدميون وإن نبت اتفاقاً ، فشمل ما لو سقط الحب بنفسه من السنابل ونبت فتدبر .
قوله : ( والباقلا ) قال يحيى بن شرف : قال النووي : فيه لغتان التشديد مع القصر ويكتب بالياء ، والتخفيف مع المد ويكتب بالألف أ ج .
قوله : ( كخوخ الخ ) المناسب كبزر الكتان ونحوه من الزروع ، أما الخوخ ونحوه فمن الثمار لا من الزروع ؛ ولو أخرج هذا بقول المتن : وأما الثمار الخ وقال هنا : وخرج بالقوت غيره كالكمون والشمر ، لكان أولى ؛ لأن الكلام في الزرع م د .
قوله : ( وبالاختيار ما يقتات في الجدب ) لم يتقدم ذكر الاختيار حتى يخرج به ما ذكر وقد يقال إنه ذكر باللازم لأن قوله يزرعه الآدميون قائم مقامه كما قال الشارح بعد ، وأبدل المصنف الخ شيخنا العشماوي . وقد يقال : لا يلزم من زرع الآدميين له كونه مقتاتاً اختياراً إِلا أن يقال اللزوم أغلبي .
قوله : ( وحب الغاسول ) أي والترمس .(3/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
قوله : ( يستثني الخ ) فإن هذا شأنه أن يستنبته الآدميون مع أنه لا زكاة فيه قال ق ل ولو جعل هذا وما بعده خارجاً بقيد الملك لكان مستقيماً ، وقال بعضهم : هذا الاستثناء صوريّ لأن عدم وجوب الزكاة هنا لعدم المالك المعين لا لكونه لم يزرعه الآدميون .
قوله : ( تجب فيه الزكاة ) المراد من جنس ما تجب فيه الزكاة ق ل .
قوله : ( من دار الحرب ) بخلاف ما إذا كان المالك غير حربي .
قوله : ( بأرضنا ) أي المباحة كالموات ، أما المملوكة فيملكه مالكها وتجب عليه زكاته أ ج و ع ش .
قوله : ( فإنه لا زكاة فيه ) ظاهره أن من قصد تملكه ملك جميعه ، فلينظر وجه ذلك . وهلا جعل غنيمة أو فيئاً ؟ سم . أقول : ينبغي أن يقال إِن كان هذا مما يعرض عنه ملكه من نبت في أرضه بلا قصد ، فإن نبت في موات ملكه من استولى عليه كالحطب ونحوه ، وإن كان مما لا يعرض عنه لكن تركوه خوفاً من دخولهم بلادنا فهو فيء ، وإن قصدوه فمنعوا بقتال فهو غنيمة لمن منعهم ع ش على م ر .
قوله : ( وغلة القرية ) صورة ذلك أن الغلة نبتت من حب مباح أو بذرها الناظر من مال الوقف ، أما لو استأجر شخص الأرض الموقوفة وزرعها ببزر من عند نفسه فيملك زرعها وتجب عليه زكاته .
قوله : ( إذ ليس لها مالك معين ) أي بالشخص كوقفت هذا على زيد أو على زيد إمام المسجد الفلاني أو مدرّسه أو خطيبه ، وقول القليوبي : إذ ليس لها مالك معين بأن لا يكون لها مالك أصلاً كالوقف على نحو المساجد ، أو كان لها مالك معين بالنوع كقوله : وقفت هذا على إمام الجامع الفلاني ، إذ لم يقصد إماماً بعينه ، فخرج الموقوف على معين فتجب الزكاة فيه كالمملوك م ر وأ ج .
قوله : ( ولو أخذ الإمام الخراج ) بأن كان الإمام لا يرى وجوب الزكاة فيما زرع في الأرض الخراجية كالحنفي والمأخوذ منه يرى وجوبها كما قرره شيخنا العشماوي . والمراد(3/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
بالإمام المجتهد الذي أداه اجتهاده إلى ذلك ، وليس للمصنف حاجة لذكر هذه المسألة كما قاله ق ل أي ؛ لأن الاجتهاد انقطع من زمن الشافعي إِلى الآن اه م د . وهذا مبني على جواز خلوّ الزمان عن المجتهد ، أما إذا لم يكن الإمام مجتهداً فالواجب علينا معاشر الشافعية الخراج وإخراج الزكاة وإن اكتفى الإمام بأحدهما عن الآخر حيث لم يكن مجتهداً ولا أداه اجتهاده إلى شيء .
قوله : ( بدلاً عن العشر ) أي العشر في الزكاة . وحاصله أن عندنا معاشر الشافعية يجب الخراج ويجب العشر والعشر هو الزكاة في المعشر فالأمران عندنا واجبان في الأرض الخراجية ، وعند الحنفية لا تجب الزكاة في الأرض الخراجية وإنما يجب الخراج فقط ، فعلى هذا القول لو أخذ الإمام الخراج على أن يكون بدلاً عن عشر الزكاة كان إلى آخر كلام الشارح كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( وإن نقص ) أي ما أخذه من الخراج بدلاً عن العشر .
قوله : ( وقدرها ) بالجر عطفاً على الأوسق وقوله من تبنها المراد به غلاف الحب .
قوله : ( لا قشر عليها ) كأنّ مراده بالقشر ما كان غلافاً لها فهو غير التبن ، وقوله لأن ذلك أي التبن والقشر بخلاف ما يؤكل قشره معه كالباقلا .
قوله : ( لأن ذلك ) أي ما ذكر من التبن والقشر .
قوله : ( فنصابه عشرة أوسق ) ليس بقيد كما أشار إليه بقوله غالباً بل المدار على ما يحصل منه النصاب خالصاً سواء كان أقلّ منها أو أكثر . وعبارة شرح المنهج : وقد يكون خالصها أي(3/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
العشرة أوسق من ذلك دون خمسة أوسق فلا زكاة فيها ، أو خالص ما دونها خمسة أوسق فهو نصاب . وهو ما احترزت عنه بزيادتي غالباً .
قوله : ( في النصاب ) متعلق باعتباره .
قوله : ( ويكمل في نصاب نوع الخ ) أي حيث كانا في عام واحد أخذاً من كلامه بعد ح ل .
قوله : ( بقسطه ) أي لانتفاء المشقة بخلاف المواشي فإنه يدفع نوعاً منها مع مراعاة قيمة الأنواع ، ولا يكلف بعضاً من كل للمشقة زي .
قوله : ( فإن عسر إخراجه ) أي القسط .
قوله : ( لا أعلاها ) أي لا يجب إخراجه فلو أخرج الأعلى أجزأ وزاد خيراً ع ش و ق ل .
قوله : ( ولا أدناها ) أي لا يجزىء الإخراج منه .
قوله : ( للجانبين ) أي جانب المالك وجانب الآخذ .
قوله : ( والسلت ) وهو الذي تسميه العامة شعير بنت النبي ع ش وق ل .
قوله : ( طبعاً ) أي وصفاً .
قوله : ( فلا يضم إلى غيره ) والقول الثاني أنه شعير فيضم إلى الشعير ، والقول الثالث أنه برّ فيضم إليه .
قوله : ( سمي الخ ) حكاه بقيل لعدم صحة ما ذكر فيه ق ل . والضمير المستتر في سمي عائد على العنب .
قوله : ( فكره ) المناسب ذكره عقب الحديث .(3/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
قوله : ( بما يشتق من الكرم ) وهو كريم .
قوله : ( أي كريم ) فهو من الوصف بالمصدر كرجل عدل .
قوله : ( في أيها أفضل ) أي في جواب هذا الاستفهام .
قوله : ( أن النخل أفضل ) وذكر له أدلة خمسة مجموع الأدلة خاص بالنخل وإن كان بعضها يوجد في العنب : الأول قوله : لورود الخ . الثاني : أنها خلقت من طين آدم . الثالث : أن النخل مقدّم على العنب : الرابع : أنه شبه النخلة بالمؤمن . الخامس : أنها الشجرة الطيبة . وهذا كله مما يدل على أفضلية النخل ؛ فلذلك فرّع عليه قوله فكانت أفضل وقوله أكرموا الخ وإكرامها أن يقلمها وينظفها من الجريد والكرناف والسعف والليف الزائد من غير إجحاف ويذرّها بالطلع ويسقيها عند احتياجها له وقطع ثمرها برفق ونحو ذلك من أنواع الإكرام . وهذا الحديث موضوع كما قاله ح ف وقيل ضعيف .
قوله : ( المطعمات ) بكسر العين ، أي التي تطعم ثمارها في المحل أي القحط والمجاعة .
قوله : ( وأنها ) أي ولأنها أفضل ، فهو معطوف على لورود وفيه أن هذا لا ينتج الأفضلية ؛ لأن العنب والرمان خلقا أيضاً من طينة آدم أي من فضل طينة آدم كما في الجامع الكبير والصغير للسيوطي .
قوله : ( والنخل مقدّم ) هذا يصلح دليلاً للأفضلية فيصح نسب النخل عطفاً على اسم أن أي ولأن النخل الخ .
قوله : ( وشبه الخ ) هذا أيضاً يصلح دليلاً للأفضلية تأمل . قوله : ( في جميع القرآن ) أي إذا اجتمعا ولم يكن بينهما فاصل ، فلا يرد قوله تعالى في سورة عبس : ) وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً } ) عبس : 28 ) فإنه قدم فيها العنب على النخل تأمل .
قوله : ( فإنها تشرب برأسها ) أي لأن الماء يصعد من جدرها إلى رأسها اه .
قوله : ( وهي الشجرة الطيبة ) الأولى أن يجعل هذا دليلاً للأفضلية بأن يقول : ولأنها الشجرة الطيبة كما يدل عليه قوله فكانت أفضل .
قوله : ( تحتاج الأنثى الخ ) هذا هو محل الاختصاص فهو تقييد للنفي العام قبله ، فلا ينافي(3/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
أن كل نوع من الأشجار بل سائر النبات فيه ذكر وأنثى . وانظر هل يدل له : ) ومن كل شيء خلقنا زوجين } ) الذاريات : 49 ) اه م د .
قوله : ( عين الدجال ) أي التي يبصر بها وأما الأخرى فهي ممسوخة .
قوله : ( بحبة العنب ) أي البارزة الخارجة عن بقية الحبات . ولو قيد الشارح بذلك لكان أولى ؛ ووجه الشبه خروج عينه وبروزها في وجهه . فقول الشارح لأنها أصل الخمر الخ غير مناسب اه ق ل .
قوله : ( وهي ) أي الخمرة . وحكي أن آدم عليه السلام لما غرس الكرمة جاء إبليس فذبح عليها طاوساً فشربت دمه ، فلما طلعت أوراقها ذبح عليها قرداً فشربت دمه ، فلما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسداً فشربت دمه ، فلما انتهت ثمرتها ذبح عليها خنزيراً فشربت دمه ؛ فكذا شارب الخمر تعتريه هذه الأوصاف الأربعة ؛ وذلك أنه أول ما يشربها تدبّ في أعضائه فيزهو لونه ويحسن كما يحسن الطاوس ، فإذا جاء مبادي السكر لعب وصفق ورقص كما يفعل القرد ، فإذا قوي السكر وجاءت الصورة الأسدية عبث وعربد وهذي بما لا فائدة فيه ثم يتنقص كما يتنقص الخنزير ويطلب النوم اه نسابة .
قوله : ( والخامس بدوّ الصلاح ) كان المناسب أن يذكر اشتداد الحب فيما تقدم كما ذكر بدوّ الصلاح هنا ؛ لأن كلاًّ منهما شرط للوجود .
قوله : ( يطلب فيها ) أي بسببها أو في أوانها ، فيكون كلامه على حذف مضاف . وقوله فعلامته أي بدوّ الصلاح .
قوله : ( وفي غير المتلوّن ) المراد بالمتلوّن الذي يحدث له لون بعد آخر كما تشعر به الصيغة فصح التمثيل بقوله كالعنب الأبيض ؛ لأن البياض لازم له من حين ظهوره فلا يقال له متلون كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( لا يصلح للأكل ) أي فلا يتعلق به الزكاة .(3/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
قوله : ( وهي ) أي لغة وكذا شرعاً بزيادة مع النية م د . وقد يقال تقليب المال لغرض الربح يلزم منه نية التجارة .
قوله : ( لغرض ) الإضافة بيانية . قوله : ( بلا ثواب ) أي عوض .
قوله : ( وهو أن ينوي الخ ) فإذا اشترى عَرَضاً للتجارة لا بد من نيتها في كل تصرف إلى أن يفرغ رأس مال التجارة ، وقوله ولا يجب تجديدها في كل تصرف أي بعد شرائه بجميع رأس مال التجارة لانسحاب حكم التجارة عليه ح ل وح ف . وقال ح ف : وأول الحول من أول الشراء .
قوله : ( وهو أن ينوي حال التملك التجارة ) وقال ح ل : تكفي النية في مجلس العقد ، ونقله الإِطفيحي عن شيخه .
قوله : ( فإن نواها ) أي القنية وهي الإمساك للانتفاع .
فصل : في بيان نصاب الإبل
قوله : ( وأول نصاب الإبل ) بدأ بالإبل لأنها أشرف أموال العرب ؛ وهذا العدد تعبدي لا يسأل عن حكمته بل يتلقى عن الشارع بالقبول .
قوله : ( ليس فيما دون خمس الخ ) وفي بعض النسخ : ( وليس فيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإبل ) والذود ما بين الثلاث إلى العشرة فإضافة الخمس إليه على معنى من .
قوله : ( وفيها شاة ) ويجب أن تكون سليمة وإن كانت إبله مهازيل ؛ لأن محل إجزاء(3/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
المعيب إذا كان من الجنس ح ف ؛ والصحيح أن الشاة المذكورة أصل ، وقيل : بدل ؛ لأن أصل الوجوب أن يكون من جنس المال زي .
قوله : ( وإن كان وجوبها على خلاف الأصل ) لأن الأصل الإخراج من الجنس .
قوله : ( وهو الخمس ) يحتمل أن يكون الخمس من كل بعير أي من الخمسة التي هي النصاب ، ويكون في مقابلة قوله البعير أي بجملته فيما قبله ، فهذا مضرّ بالمالك من جهة ضرر المشاركة ومن جهة كونه بعيراً وإن كان موزعاً أي من كل بعير خمسه ، ومضرّ بالفقراء من جهة ضرر المشاركة أيضاً ، وأما إخراج بعير بجملته فهو مضر بالمالك فقط . ويحتمل أن يكون الخمس من بعير فيكون مضرًّا بالفريقين من جهة ضرر المشاركة وإن كان أخف على المالك من بعير كامل .
قوله : ( يضرّ به ) أي بسبب ضرر المشاركة فأوجبنا الشاة بدلاً . ويضر بضم الياء إن كان متعدياً بالباء فإن تعدي بنفسه كان بفتح الياء ، كقوله : ضره يضره .
قوله : ( والشاة ) تاؤها للوحدة والألف واللام للجنس ، فيشمل الذكر والأنثى والواحد والمتعدّد والضأن والمعز .
قوله : ( أو أجذعت ) أي أسقطت ، ولا بد أن يكون الإجذاع بعد ستة أشهر فلا يعتبر إذا كان قبلها م د .
قوله : ( ونزل ذلك ) أي ما ذكر من السنة والإجذاع ، فيكون كلام الشارح على التوزيع أي بلوغ السنة ينزل منزلة البلوغ بالسنّ والإجذاع ينزل منزلة البلوغ بالاحتلام اه م د .
قوله : ( ولا يتعين غالب غنم البلد ) أي إذا غلب أحد النوعين من الضأن والمعز يكون غير متعين ، بل يجوز الإخراج من غير الأغلب .
قوله : ( ويجزىء الجذع الخ ) أي يجزىء الذكر من الشاة وإن كانت إبله إناثاً ؛ لأنه بدل لا(3/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
أصل ، بخلاف المخرج عن الغنم فلا يجزىء إلا أنثى إن كان غنمه إناثاً أو فيها إناث ، ذكره المدابغي . وقوله : لأنه بدل لا أصل وتقدم أن الصحيح أنه أصل .
قوله : ( لصدق اسم الشاة ) لأن التاء للوحدة .
قوله : ( ويجزىء بعير الزكاة ) ويقع كله فرضاً ؛ لأن كل ما لا يمكن تجزئته يقع كله فرضاً بخلاف ما يمكن تجزئته كمسح جميع الرأس وإطالة الركوع فإنه يقع قدر الواجب فرضاً والباقي نفلاً ح ف . وظاهر التعبير بالإجزاء أن الشاة أفضل منه ، وينبغي تفضيل البعير لكونه من الجنس . وأجاب شيخنا ح ف بأنه إنما عبر بالإجزاء لكون الشاة هي الأصل ، فربما يتوهم أن غيرها لا يجزىء . قال ع ش : ومحل أفضلية البعير إن كان أكثر قيمة منها أو مساوياً وإِلا فالشاة أفضل .
قوله : ( اعتبار كونه أنثى ) أي إذا كان في إبله إناث ح ل .
قوله : ( من الإبل ) صفة كاشفة .
قوله : ( وهي التي لها سنتان ) لم يقل فيها ويجزىء عنها بنتا مخاض كما ذكر نظير ذلك في الحقة والجذعة ، ويمكن الفرق بقول الشارح فيما سيأتي لأنهما يجزئان عما زاد فإن ذلك خاص ببنتي اللبون أو الحقتين بخلاف بنتي المخاض اه م د .
قوله : ( آن ) بالمدّ من الأوان أي قرب أوان ولادتها .
قوله : ( وقيل الخ ) انظر وجه مناسبة هذا التعليل للتسمية .(3/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
قوله : ( وهو آخر أسنان الزكاة ) خرجت الأضحية فإن آخر أسنانها الثنية وهي ما لها خمس سنين وطعنت في السادسة ؛ وينبني على ذلك أنه لا يعدل عن الجذعة إلى الثنية مع وجودها .
قوله : ( فيتغير الواجب فيها ) ففيها بنتا لبون وحقة .
قوله : ( مقطعاً ) أي مفرقاً .
قوله : ( تنبيه الخ ) غرضه الاعتراض على المتن يعني أن كلام المتن يوهم أنه بعد المائة والإحدى والعشرين إن زاد ولو واحدة يتغير الواجب ، ويقال في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، وليس كذلك بل ما يتغير إلا بزيادة تسع(3/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
على المائة والإحدى والعشرين فيقال : ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، وهكذا كلما زاد عشراً بعد ذلك ؛ فلذلك قال الشارح : ثم يستمر ذلك أي ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين فيتغير الواجب فيها وفي كل عشر بعدها الخ ؛ لكن كان الأولى أن يقول إلى تسعة وعشرين لأنه إذا تمت الثلاثون لا تستمر الثلاث بنات لبون بل يتغير الواجب .
قوله : ( لولا ما قدرته ) وهو قوله : ثم يستمر ذلك الخ .
قوله : ( أن استقامة الحساب ) أي استقامة يترتب عليها تغير الواجب . والأوضح أن يقول إن تغير الواجب يكون فيما بعد مائة وإحدى وعشرين ، ولو زاد أدنى زيادة وليس مراداً .
قوله : ( بذلك ) أي بأن في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة .
قوله : ( إنما تكون الخ ) أي يوهم كلام المتن تغير الواجب بالزيادة على مائة وإحدى وعشرين ولو بواحدة فأكثر إلى ما دون التسع ، وليس مراداً م د . هذا الإيهام بعيد من كلام المصنف .
قوله : ( بل يتغير الواجب بزيادة تسع الخ ) وعبارة المنهج بعد قوله وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وبتسع ثم كل عشر يتغير الواجب ، أي ويتغير الواجب بزيادة تسع على المائة والإحدى وعشرين ففيها حينئذ بنتا لبون وحقة ثم بعد المائة والثلاثين يتغير بزيادة عشرة عشرة كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فإن عدم بنت مخاض ) أي حال الإخراج على الأصح م ر ع ش ، أي وإن وجدها وقت الوجوب زي أي عدمها حساً أو شرعاً كما سيأتي .
قوله : ( كمعدومة ) أي فينتقل إلى ابن اللبون .
قوله : ( ولا يكلف ) أي حيث كانت إبله كلها مهازيل كما في شرح التحرير والمنهج ، فإذا كانت كراماً كلف كريمة .
قوله : ( أن يخرج بنت مخاض كريمة ) لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين بعثه عاملاً ( إيَّاكَ وكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ) .
قوله : ( لكن تمنع الكريمة عنده ابن لبون ) أي إجزاءه .
قوله : ( لا عن بنت لبون ) أي لأنه أعلى منها بدرجة فقط ، بخلافه عن بنت مخاض فإنه أعلى منها بدرجتين . ويفرق بينه وبين أخذ ابن اللبون عن بنت المخاض عند فقدها بأن زيادة السنّ في ابن اللبون المأخوذ عن بنت المخاض توجب اختصاصه لقوة وروده الماء والشجر ، والامتناع من صغار السباع بخلافها في الحق لا توجب اختصاصه عن بنت اللبون بهذه القوة بل هي موجودة فيهما ، فلا يلزم من جبر الزيادة ثمّ أي في أخذ ابن اللبون عن بنت المخاض جبرها هنا ؛ لأن زيادة السنّ جبرت الأنوثة اه شرح المنهج ملخصاً .
فصل : في بيان نصاب البقر
سمي بذلك لأنه يبقر الأرض أي يشقها بالحرث وهو شامل للعراب والجواميس من الذكور والإناث ، والثور خاص بالذكر .
قوله : ( تبيع ) أي ذكر ويكفي عنه أنثى أو مسنة بالأولى ، وتبيع بمعنى تابع كما يؤخذ من قوله لأنه يتبع أمه في المرعى ، ويجمع على أتبعة كرغيف وأرغفة .(3/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
قوله : ( مسنة ) أي أنثى فلا يكفي الذكر .
قوله : ( لها سنتان ) أي تحديداً ق ل . ولم يقل وطعنت في الثالثة اكتفاء بما سبق في نظيره .
قوله : ( بقرة ) تمييز وقوله مسنة مفعول آخذ .
قوله : ( والبقرة الخ ) أي لأن التاء للوحدة .
قوله : ( أجزأه على المذهب ) لأنهما يجزئان عن ستين فعما دونها أولى ، وإنما منع مقابل المذهب الإجزاء لعدم الأنوثة .
قوله : ( فقس ) الفاء زائدة لتحسين اللفظ .
قوله : ( وإذا اتفق في إبل الخ ) ولا يؤخذ ذلك في غير الإبل والبقر .
قوله : ( وجب فيهما ) أي الإبل والبقر ، وقوله الأغبط أي من حيث زيادة القيمة أو من حيث الدر والنسل .
قوله : ( إن وجدا ) أي فرضاها ، أي الزكاة أو المذكورات من الإبل والبقر . والحاصل أن للمزكي أحوالاً خمسة : الأوّل أن يوجد عنده كل الواجب بكل من الحسابين فيتعين الأغبط . الثاني : أن يوجد كل الواجب بأحد الحسابين فيتعين الموجود . الثالث : أن لا يوجد شيء عنده من الواجب فيحصل ما شاء . الرابع : أن يوجد عنده بعض كل من الواجب بالحسابين كثلاث حقاق وأربع بنات لبون فيكمل ما شاء منهما ويدفعه . الخامس : أن يوجد عنده بعض الواجب بأحد الحسابين فقط كحقتين أو ثلاث بنات لبون فكما تقدم في الرابع م د .(3/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
قوله : ( لأن كلاًّ منهما ) أي الفرضين وقوله فرضها أي الزكاة أو المذكورات من الإبل والبقر .
قوله : ( في تحصيله ) الأولى أن يقول في إخراجه ؛ لأن الفرض أنهما حاصلان عنده .
قوله : ( وأجزأه غير الأغبط ) أي يحسب من الزكاة بدليل قوله وجبر التفاوت ، فالإجزاء ليس على بابه الذي هو الكفاية في سقوط الطلب زي .
قوله : ( أو الساعي ) أو بمعنى الواو إذا وقعت في حيز نفي أو نهي ، فسقط اعتراض ق ل .
قوله : ( بنقد البلد ) التعبير به للغالب فيجزىء غيره حيث كان هو نقد البلد ع ش ، وجاز دفع النقد مع كونه من غير جنس الواجب وتمكنه من شراء جزئه لدفع ضرر المشاركة شرح المنهج .
قوله : ( أو جزء من الأغبط ) لا من المأخوذ فلو كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسين وقد أخذ الحقاق فالجبر بخمسين أو بخمسة أتساع بنت لبون لا بنصف حقة ؛ لأن التفاوت خمسون وقيمة كل بنت لبون تسعون ، شرح المنهج ؛ أي ونسبة الخمسين للتسعين خمسة أتساع لأن تسع التسعين عشرة .
قوله : ( بأن دلس ) أي أخفى الأغبط .
قوله : ( وإن ظن ) غاية . قوله : ( فلا يجزىء ) ويردّ الساعي ما أخذه إن كان باقياً وبدله إن كان تالفاً كما قاله م ر ويأخذ الأغبط .
قوله : ( وإن لم يوجد أو أحدهما ) فيه اعتبار نفي الحالين السابقين وهما وجودهما أو أحدهما في ماله وإن كان نفي أحدهما يلزمه نفيهما معاً ، وكلامه شامل لأحوال ثلاثة : عدم وجود شيء من أحدهما ، أو وجود بعض أحدهما ، أو وجود بعض كل منهما . وبها تتم الأحوال الخمسة أي بضم الحالين السابقين ، وهما وجودهما أو أحدهما في ماله لهذه الثلاثة . وأشار بقوله كلاًّ إلى تحصيل فرض كامل في الأحوال الثلاثة بجعل البعض الموجود عنده كالعدم ، وبقوله : أو بعضاً متمماً إلى تحصيل ما يكمل به بعض الفرض الذي عنده من أحدهما في الثانية أو من أحد البعضين في الثالثة ، وإذا لم يتم فله جعل ما عنده أصلاً ويصعد أو يهبط على ما يأتي ق ل . فإذا كان عنده ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فله أن يجعل الحقاق أصلاً(3/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
فيعطيها مع بنت لبون وجبران أو مع جذعة ويأخذ جبراناً ، وله أن يجعل بنات اللبون أصلاً فيعطيها مع بنت مخاض وجبران أو مع حقة ويأخذ جبراناً سم . وبه يتضح قول ق ل وإذا لم يتم الخ م د .
قوله : ( متمماً ) بفتح الميم صفة للبعض ، وقوله بشراء أو غيره متعلق بتحصيل .
قوله : ( لما في تعيين الأغبط ) أي عند عدم وجوده .
قوله : ( لمن عدم الخ ) ذكر للصعود والنزول ثلاثة قيود : عدم الواجب ، وأن يكون من إبل ، وأن تكون إبله سليمة . وهذا الثالث خاص بالصعود .
قوله : ( ولو جذعة ) ردّ به على القول الضعيف القائل بأنه لو وجب عليه جذعة وفقدها لا يجوز له إخراج ثنية عنها وهي مالها خمس سنين وطعنت في السادسة ويأخذ جبراناً لانتفاء كونها من أسنان الزكاة ، فأشبه ما لو أخرج عن بنت مخاض فصيلاً وردّ بأن الثنية أعلى منها بعام فجاز إخراجها عن الجذعة كالجذعة مع الحقة كما أشار إليه م ر إطفيحي ؛ وأيضاً الثنية اعتبرها الشارع في الجملة كالأضحية فلا يجوز الصعود لأعلى منها ولا يجوز النزول لغير سنّ الزكاة أصلاً ح ف .
قوله : ( في ماله ) متعلق بقوله عدم وقوله وإبله جملة حالية .
قوله : ( ويأخذ جبراناً ) . والحكمة في ذلك أن الزكاة تؤخذ عند المياه غالباً وليس هناك حاكم ولا مقوّم ، فضبط ذلك بقيمة شرعية كصاع المصرّاة والفطر ونحوهما اه زي .
قوله : ( سليمة ) خرج المعيبة فلا يصعد بالجبران ؛ لأن واجبها معيب والجبران للتفاوت بين السليمين وهو فوق التفاوت بين المعيبين بخلاف نزوله مع إعطاء الجبران فجائز لتبرعه بالزيادة شرح المنهج .
قوله : ( ويعطيه ) أي الساعي أي يعطي المالك الساعي .
قوله : ( والجبران شاتان ) ولو ذكرين .
قوله : ( درهماً نقرة ) أي فضة ؛ والدرهم النقرة يساوي نصف فضة وجديداً كما حرره م ر(3/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
الكبير ، أو يساوي نصف فضة وثلثاً لتناسب الدراهم المذكورة قيمة الشاتين ؛ لأن الكلام في شاة العرب وهي تساوي نحو أحد عشر نصف فضة بل أقل وليس المراد به الدرهم المشهور ، أفاده شيخنا ح ف .
قوله : ( وله صعود الخ ) كأن يعطي بدل بنت مخاض عدمها مع بنت اللبون حقة ويأخذ جبرانين ، أو يعطي بدل حقة عدمها مع بنت اللبون بنت مخاض ويدفع جبرانين .
قوله : ( فأكثر ) فيصعد من بنت المخاض إلى الثنية عند تعذر ما بينهما ز ي .
قوله : ( هذا ) أي الصعود والنزول .
قوله : ( في جهة المخرجة ) أي التي يريد إخراجها وجهتها هو ما بينها وبين الواجب الشرعي ، أي لا يصعد للحقة عن بنت المخاض إِلا إذا عدم بنت اللبون ولا ينزل لبنت المخاض عن الحقة إِلا إذا عدم بنت اللبون .
فصل : في نصاب الغنم
قوله : ( من الضأن ) الضأن جمع ضائن للذكر كركب وراكب وضائنة للأنثى ، والمعز جمع ماعز للذكر وماعزة للأنثى زي .
قوله : ( لها سنة ) أو أجذعت قبلها ويعتبر كونها أنثى إن كانت غنمه إناثاً أو فيها إناث ، وكذا فيما يأتي اه ق ل .
قوله : ( بفتح العين ) وكذا سكونها كما قرىء بهما في السبع .
قوله : ( في ذلك ) أي في العدد المذكور .(3/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
قوله : ( لزمته ) أي كالزكاة ويخير في إخراجها في كل من البلدين ، لأنا لو كلفناه أن ينقل نصفها إلى بلد ونصفها الآخر للبلد الأخرى لكان ذلك كلفة لا يتحملها المحسن .
قوله : ( في إخراج الزكاة ) أي زكاة الماشية .
قوله : ( وأرحبية ) نسبة إلى أرحب قبيلة من همدان ، والمهرية بسكون الهاء مع فتح الميم نسبة إلى مهرة بن حيدان أبو قبيلة ، ومنها المجيدية نسبة إلى محل الإبل يقال له مجيد وهي دون المهرية ؛ وهذه هي المسماة بالإبل العراب لكونها إبل العرب ، ويقابلها إبل البخاتي وهي إبل الترك ولها سنامان ع ش ز ي .
قوله : ( وعراب ) هي المسماة الآن بالبقر .
قوله : ( برعاية القيمة ) أي قيمة ما يجزىء من الضأن والمعز ؛ لأن ما يجزىء قد يتفاوت قيمته بأن تكون العنز المخرجة بقيمة نعجة إذا كانت الكل نعاجاً ، تأمل . وعبارة شرح المنهج بعد قوله برعاية القيمة : كأن تساوي ثنية المعز في القيمة جذعة الضأن لاتّحاد الجنس سواء اتحد نوع ماشيته أم اختلف ، فقوله هنا كالمنهج ففي ثلاثين عنزاً مثال للمختلف وترك المتفق لظهوره .
قوله : ( بقيمة ثلاثة أرباع الخ ) أي متلبس ذلك العنز أو النعجة بقيمة الخ ، فلو كانت قيمة عنز مجزئة ديناراً ونعجة مجزئة دينارين لزم عنز أو نعجة قيمتها دينار وربع ، وقوله وفي عكس ذلك أي المثال عكسه أي الواجب ، فالواجب فيه نعجة أو عنز بقيمة ثلاثة أرباع نعجة وربع عنز وهو ديناران إلا ربعاً ؛ شرح المنهج بزيادة .
قوله : ( ومعيب ) أسباب النقص في الزكاة كما في شرح م ر خمسة : المرض ، والعيب ، والذكورة ، والصغر ، ورداءة النوع .
قوله : ( وصغير ) أي الذي لم يبلغ سنّ الفرض زي . واستشكل وجوب الزكاة في الصغار(3/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
مع أن السوم الذي هو شرط وجوب الزكاة في الماشية لا يتصور فيها . وأجيب بفرض موت الأمهات قبيل آخر الحول بزمن لا تشرب الصغار فيه لبناً مملوكاً اه زي .
قوله : ( أو التبيع في البقر ) زاد في المنهج : أو النوع الأردأ عن الأجود بشرطه اه ، أي وهو مراعاة القيمة .
قوله : ( واتحد نوعاً ) فإن لم يتحد نوعاً فإن كان الاختلاف بغير رداءة النوع كالاختلاف في الذكورة والأنوثة والصغر أخرج الكامل أيضاً ، وإن كان برداءة النوع كالمعز والضأن والعراب والجواميس جاز إخراج الكامل والناقص كإخراج المعز عن الضأن لرعاية القيمة كما تقدم ، وحينئذ يكون في المفهوم تفصيل ؛ وهذا أولى من قول من قال إن قوله واتحد نوعاً ليس بقيد اه شيخنا .
قوله : ( أخرج كاملاً ) أي أنثى سليمة .
قوله : ( برعاية القيمة ) مثاله ست وثلاثون بعيراً نصفها صحاح قيمة كل واحد ديناران ونصفها مراض قيمة كل واحد دينار فيخرج صحيحة قيمتها دينار ونصف دينار وهكذا ، ويظهر أنه لو كان المراض قدر الوقص وجب كاملة كمائة وعشرين شاة فيها ثمانون مريضة ق ل .
قوله : ( وإن لم يوف الخ ) بأن كان الواجب متعدداً ولم يوجد عنده من الكامل إِلا البعض فيجب دفع الكامل ، ويتم بالناقص كما إذا كان عنده مائتان من الغنم ليس فيها صحيح إِلا واحد أخرجها مع مريضة برعاية القيمة شوبري ؛ ولذا قال في العباب : فإن كان الكامل دون الفرض كمائتي شاة فيها كاملة فقط أجزأته كاملة وناقصة بالقسط ، أي بحيث يكون نسبة قيمة المأخوذ إلى قيمة النصاب كنسبة المأخوذ إلى النصاب اه عناني . ففي هذا المثال إذا كانت قيمة المائتين مائتي دينار يجب أن تكون قيمة الشاتين المأخوذتين دينارين والديناران اللذان هما قيمة الشاتين خمس نصف العشر كما أن الشاتين نسبتهما إلى هذا العدد كهذه النسبة .
قوله : ( وهي الحديثة العهد الخ ) سميت بذلك لأنها تربي ولدها بلبنها ق ل .
قوله : ( أخذ الخيار منها ) ولو بغير رضا مالكها .
قوله : ( إِلا الحوامل ) ولو بغير مأكول لأن فيه أخذ حيوانين بحيوان ع ش .
قوله : ( فلا يؤخذ منها حامل ) أي بغير رضا مالكها فتجزىء برضا مالكها ، بخلاف الأضحية فلا تجزىء فيها الحامل ؛ لأن الحمل عيب هناك لرداءة لحمها م د .(3/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
قوله : ( كما لا يلزمه أن يتبع المراعي الخ ) حاصله أنا لا نضر المالك فنكلفه ردها إلى البلد ، ولا نضر الساعي فنكلفه أن يتبع المراعي م د .
قوله : ( وأفنيتهم ) عطف خاص وهو جمع فناء ، وهو الموضع الواسع أمام الدور ؛ وقيل : إن العطف مرادف .
قوله : ( وإلا ) أي وإِلا يكن ثقة ، أو قال : لا أعرف عددها .
قوله : ( وكان الواجب يختلف به ) كمائة وإحدى وعشرين .
فصل : في زكاة خلطة الأوصاف
قوله : ( والخليطان ) تثنية خليط فعيل بمعنى فاعل ، أي الخالطان أي الشخصان الخالطان يزكيان بالبناء للفاعل كزكاة الشخص الواحد . أو تثنية خليط فعيل بمعنى مفعول ، أي والمالان المخلوطان يزكيان بالبناء للمفعول كزكاة المال الواحد . وقول الشارح : من أهل الزكاة يقتضي الأول ، وقوله : أي كزكاة يقتضي الثاني م د وبعضه في أ ج .
قوله : ( أو في أقل منه ) أفاد أن الشركة فيما دون نصاب تؤثر إذا ملك أحدهما نصاباً ، كأن اشتركا في عشرين شاة مناصفة وانفرد أحدهما بثلاثين فيلزمه أربعة أخماس شاة والآخر خمس شاة ، شرح المنهج ؛ لأن مجموع المالين خمسون .
قوله : ( ولأحدهما نصاب ) أي بالمشترك . ولو قال ولأحدهما ما يكمل نصاباً لكان واضحاً بخلاف ما إذا لم يكن لأحدهما نصاب وإن بلغه مجموع المالين ، كأن انفرد كل منهما بتسعة عشر واشتركا في ثنتين ، صرح بذلك في شرح المنهج . وفي حاشية زي : لو ملك كل من اثنين أربعين فخلطا أربعين منهما عشرين بمثلها ثم خلط كل منهما العشرين الباقية له بعشرين لآخر لا يملك غيرها فالمجموع مائة وعشرون تجعل مالاً واحداً ، فعلى كل من(3/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
الأولين ثلث شاة وعلى كل من الأخيرين سدس شاة اه . قلت : ويوضح ذلك أن الأولين لكل واحد أربعون ولكل واحد من الأخيرين عشرون اه بحروفه .
قوله : ( ولو في غير ماشية ) راجع لقوله والخليطان وكأنه قال : الخليطان يزكيان زكاة الواحد سواء كان في ماشية أو غيرها ؛ وليس راجعاً لقوله ولأحدهما نصاب لأنه لا يصح .
قوله : ( كزكاة المال الخ ) وإن كان مال كل متميزاً كما أفاده شيخنا ح ف .
قوله : ( على واحد ) على بمعنى في . وقوله تصحيحاً متعلق بإبدال .
قوله : ( بأن تكون ) أي الفحول ، فهو راجع لقوله أو أكثر والتأنيث باعتبار معنى الأكثر وهو الفحول ، والتذكير في بعض النسخ بالنظر للفظ الأكثر .
قوله : ( تنزو ) أي تطرق . ويشترط اتحاد مكان الإنزاء كالحلب كما في شرح م ر .
قوله : ( إذا كان المشرب واحداً ) بأن لا تختص ماشية أحدهما بموضع .
قوله : ( يحلب اللبن ) من باب طلب يطلب طلباً بفتح اللام ، فكذا هنا ؛ تقول : حلب يحلب بالضم حلباً بالفتح .
قوله : ( والأصح أنه لا يشترط اتحاده ) ومثله الصوف واللبن فلا يشترط الخلط فيهما بل(3/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
يحرم خلط اللبن للربا ؛ لأن أحدهما قد يكون أكثر من الآخر . ولا يرد خلط المسافرين أزوادهم حيث اتفقوا على جواز ذلك وإن كان بعضهم أكولاً لاعتياد المسامحة به ، بخلاف ما نحن فيه اه حج أ ج .
قوله : ( إذا كان المال حوليًّا ) الأولى حذفه ؛ لأن الكلام الآن في الحولي وسيأتي غيره ، تأمل .
قوله : ( في أول المحرم ) هذا إن اتحدا في ابتداء الحول ، وإِلا فلو ملك زيد أربعين شاة غرة محرم وعمرو أربعين شاة غرة صفر فخلطاها حينئذ فالواجب على زيد عند تمام حوله الأول شاة ثم بعده لكل حول نصف شاة وعلى عمرو نصف شاة لكل حول ق ل .
قوله : ( وجب على كل منهما شاة ) أي لأن كلاًّ منهما صدق عليه أنه مضي عليه حول وهو مالك للنصاب ولا يكفيهما شاة واحدة لعدم تأثير الخلطة .
قوله : ( زمناً طويلاً ) المراد به ما يؤثر في علف السائمة كثلاثة أيام ، إطفيحي وق ل .
قوله : ( ضر ) معنى ضرره نفي الخلطة ق ل ، أي ارتفعت الخلطة وإن لم يؤثر ارتفاعها في الحول ، فمن كان نصيبه نصاب زكاة فتمام حوله من يوم ملكه لا من يوم ارتفاعها سم .
قوله : ( وأقرّاه ) أي أبقياه ورضيا به .
قوله : ( أو قصدا ذلك ) أي التفرق .
قوله : ( لأن خفة المؤنة الخ ) يشكل عليه السوم ، فإن هذا التعليل موجود فيه ؛ ومع ذلك(3/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
قالوا : لا بد من قصده ، إِلا أن يفرق بأن الخلطة ليست موجبة للزكاة بإطلاقها أي في جميع صورها ، بل الموجب النصاب مع الحول وغيره من الشروط ، بخلاف السوم فإنه موجب على خلاف الأصل فوجب قصده اه حج ببعض إيضاح .
قوله : ( خلطة الجوار ) بكسر الجيم أشهر من ضمها شرح المنهج .
قوله : ( وخلطة شيوع ) أي وتسمى خلطة الخ فهو منصوب عطفاً على خلطة الأعيان .
قوله : ( موضع تجفيف الثمار ) ما قاله المؤلف هنا هو ما صححه الجوهري ، وخالف الثعالبي فقال : الجرين للزبيب والبيدر للحنطة والمربد للتمر . وهو بكسر الميم وسكون الراء كما في شرح الروض أ ج .
قوله : ( والبيدر الخ ) قد هجر الآن اسم البيدر في غالب الأماكن ؛ واشتهر الجرين بذلك مع إسقاط التحتية ، أي فيقال الآن عند العامة : جُرن ، بضم الجيم . وصورة ذلك أن يكون لكل منهما زرع بجنب الآخر وأن لا يتميز الحرّاث والساقي والحصاد وأن يكون جرن كل بجنب الآخر وإن تميز جرن كل منهما ، وليس المراد أن يكون الجرن واحداً ؛ لأنها حينئذ خلطة شيوع ؛ فقول الشارح والجرين والبيدر بالجر عطف على الزرع .
تنبيه : حيث ثبتت الخلطة وأخذ الساعي قدر الواجب من مال أحدهما رجع على الآخر بقدر حصته مثلاً في المثلي وقيمة في المتقوّم ، وبذلك علم أنه تكفي نية أحدهما عن الآخر ؛ والقول في قيمة المأخوذ قول المرجوع عليه بيمينه كما قاله ق ل .
قوله : ( وفي النقد ) معطوف على قوله في الثمر . وذكر الحارس بعد ذكر الناطور من ذكر العام بعد الخاص أ ج . وفيه أن الناطور ذكر في الثمر والزرع ، وهذا في النقد وعرض التجارة .
قوله : ( الدكان ) بفتح الدال الحانوت .(3/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
قوله : ( ونحو ذلك ) أي نحو جميع ما تقدّم في الثمار والزروع والنقد وعروض التجارة ، بدليل الأمثلة الآتية ؛ أي وأن لا يتميز بنحو ذلك .
قوله : ( والمنادي ) أي الدلال .
قوله : ( والحراث وجداد النخل ) بالدال المهملة ، يقال : جدّ الشيء يجده من باب قتل قطعه ، مصباح . وقيل بالذال المعجمة أيضاً . وكان الأولى ذكر هذين في خلطة الثمر والزرع وكذا ما بعدهما اه ح ف .
قوله : ( والملقح ) بضم الميم وكسر القاف مشددة .
قوله : ( وما يسقي به ) أي والشيء الذي يسقي به كالدلو والثور ، ويعتبر أيضاً اتحاد الماء الذي يسقي منه كما في شرح المنهج والروض .
قوله : ( أو لكل واحد كيس الخ ) ومنه يؤخذ أنه لو كان عنده ودائع لا تبلغ كل واحدة نصاباً وبلغ مجموعها نصاباً وجعلها في صندوق عنده وحال الحول وجبت الزكاة فيها اه ق ل و ع ش .
فصل : في بيان نصاب الذهب والفضة
قوله : ( قبل الإجماع ) وأما بعد الإجماع فالدليل هو الإجماع لأنه قطعي .
قوله : ) والذين يكنزون الذهب الخ } ) التوبة : 35 ) وجه دلالة الآية على وجوب الزكاة أنه توعد على عدم الزكاة بالعذاب والوعيد على الشيء يقتضي النهي عنه ، فكأنه قال : لا تتركوا الزكاة والنهي عن الشيء أمر بضده ، فكأنه قال : أدوا الزكاة وهو أمر والأمر للوجوب .
قوله : ( والكنز هو الخ ) يدل عليه قوله : ) ولا ينفقونها في سبيل الله } ) التوبة : 34 ) فإنه تفسير لما قبله .(3/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
قوله : ( ما دق ) أي ما كان دقيقاً رفيعاً .
قوله : ( وفيما زاد ) معطوف على قوله وفيه أي ويجب فيما زاد ربع عشره ، لكن الواجب فيما زاد بحسابه لا يتقيد بقدر معين ، فقوله فبحسابه متعلق بمحذوف والفاء داخلة في جواب شرط مقدر تقديره : فإذا وجب فيما زاد فالواجب بحساب الزائد .
واعلم أن الذي تحرر أن النصاب في البنادقة والفنادقة سبعة وعشرون من كل منهما إلا ثلثاً ؛ لأن البندقيّ ثمانية عشر قيراطاً والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً والقيراط ثلاث شعيرات ، فكل ثلاث مثاقيل أربعة بنادقة ؛ والفندقلي كالبندقي في الوزن ، لكنه أي الفندقلي ليس سالماً من الغش والبندقي سالم من الغش . وفي المحابيب خمسة وثلاثون محبوباً كاملة . والدراهم المعروفة الآن كل عشرة منها سبعة مثاقيل فتكون الأواقي الخمس مائتي درهم . وقد كان في السابق درهم يقال له البغلي وكان ثمانية دوانق ، ودرهم يقال له الطبري أربعة دوانق ؛ فالدراهم مختلفة في الجاهلية ، ثم أخذ نصف كل منهما وهو ستة دوانق وجعل درهماً في زمن عمر وعبد الملك بن مروان وأجمع عليه المسلمون . قال الأذرعي كالسبكي : ويجب اعتقاد أنها كانت في زمنه ؛ لأنه لا يجوز الإجماع على غير ما كان في زمنه وزمن خلفائه الراشدين ، ويجب تأويل خلاف ذلك م ر . وأول من ضرب الدراهم في الإسلام الحجاج بأمر عبد الملك بن مروان وكتب عليها : ) قل هو الله أحد الله الصمد } ) الاخلاص : 1 و 2 ) أي على أحد وجهي الدراهم : ) الله أحد } ) الاخلاص : 1 ) وعلى وجهه الثاني : ) الله الصمد } ) الاخلاص : 2 ) . ولم توجد الدراهم الإسلامية إلا في زمن عبد الملك بن مروان ، وكانت الدراهم قبل ذلك رومية وكسروية ، وفي زمن الخليفة المستنصر بالله وهو السابع والثلاثون من خلفاء بني العباس ضرب الدراهم وسماها النقرة وكانت كل عشرة بدينار ، وذلك في سنة أربع وعشرين وستمائة كما في سيرة الحلبي .(3/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
قوله : ( بكسر الراء ) مع فتح الواو وكسرها ، ويقال فيه أيضاً : رقة ، بحذف الواو وتعويض الهاء عنها قوله : ( خمس أواق ) بقصر الهمزة بوزن جوار .
قوله : ( أربعون درهماً ) أي في عرف الشرع ، وقد حدث للناس عرف آخر فجعلوها عبارة عن اثني عشر درهماً وعند الطيبي عشر دراهم وخمسة أسباع درهم ، وبعضهم سمى هذه الأوقية أوقية الطيب .
قوله : ( أربعة عشر درهماً الخ ) وجه ذلك أن العشرة مثاقيل تبلغ سبعمائة وعشرين حبة حاصلة من ضرب عشرة في اثنين وسبعين مقدار المثقال ، والأربعة عشر درهماً تبلغ سبعمائة حبة وخمسة وثلاثة أخماس حاصلة من ضرب أربعة عشر في خمسين وخمسي حبة مقدار الدرهم ، يبقى من السبعمائة والعشرين أربعة عشر وخمسان وهي مقدار سبعي الدرهم ، تأمل .
قوله : ( وكانت ) أي الدراهم في الجاهلية الخ . وقوله مختلفة وإذا أردت معرفة أخذ الدراهم من المثاقيل فخذ عشرة دراهم من عشرة مثاقيل يفضل من كل مثقال ثلاثة أعشاره وهو ثلاثة أسباع الدرهم ، فإذا ضربت الثلاثة في عشرة تبلغ ثلاثين سبعاً ثمانية وعشرون منها بأربعة دراهم يفضل سبعان .
قوله : ( فالدرهم خمسون حبة ) وجهه أن الستة تضرب في ثمانية تبلغ ثمانية وأربعين ثم تضرب الستة أيضاً في الخمسين تبلغ اثني عشر خمساً عشرة منها بحبتين فتصير خمسين ويضم إلى ذلك الخمسان الباقيان تبلغ ما قاله
قوله : ( ومتى زيد الخ ) وجهه أن ثلاثة أسباع الدرهم إحدى وعشرون حبة وثلاثة أخماس حبة ، لأن تسعة وأربعين ثلاثة أسباعها أحد وعشرون ، لأنها قائمة من ضرب سبعة في سبعة ، يبقى حبة وخمسان ثلاثة أسباعها ثلاثة أخماس ، يضاف ذلك إلى الخمسين وخمسي الحبة يحصل اثنان وسبعون ثلاثة أعشارها أحد وعشرون وثلاثة أخماس ؛ شوبري .
قوله : ( عشرة أسباع ) أي أسباع درهم ، أي بالثلاثة أسباع التي زيدت على الدرهم حتى صار مثقالاً .(3/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
قوله : ( وفيها ربع العشر ) أي لكل عام كان النصاب فيه كاملاً ، بخلاف الحبوب تجب فيها زكاتها سنة فقط ولو بقيت سنين . والفرق أن الذهب والفضة معدان للنماء ، فما داما باقيين تجب زكاتهما بخلاف الحبوب فإنها معرّضة للفساد .
قوله : ( وما زاد الخ ) مبتدأ وقوله فبحسابه خبره ، وزيدت الفاء لأن المبتدأ أشبه الشرط في العموم . وهذا التركيب غير التركيب المتقدم في الذهب .
قوله : ( ضرر المشاركة ) أي مشاركة الفقراء في المواشي لو قلنا فيها وما زاد فبحسابه .
قوله : ( والمعنى في ذلك ) أي في وجوب الزكاة في الذهب والفضة دون غيرهما من الأموال كاللؤللؤ والياقوت .
قوله : ( وكلها تقضى بهما ) والحكمة في ذلك أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة وأُهبط إلى الأرض وأخرج من الجنة بكى عليه كل شيء فيها ما عدا الذهب والفضة ، فأوحى الله تعالى إليهما : قد جاورت بكما ولياً من أوليائي في الجنة فلما خرج منها بكى عليه كل شيء وأنتما لم تبكيا عليه ؟ فقالا : لا نبكي على من عصاك فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لأعزنكما ولأجعلنكما قيمة كل شيء ولا يشترى شيء إلا بكما اه من كتاب كشف الأسرار فيما خفي من الأفكار لابن العماد . ولا ينبغي ذكر هذه عند العوام لما فيها من نسبة العصيان لرسول الله آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، إذ لا يجوز ذكره إلا في مقام تفسير الآية كما ذكره السنوسي وغيره .
قوله : ( بخلاف غيرهما من الأموال ) كاللؤللؤ والياقوت .
قوله : ( فمن كنزهما ) أي لم يؤدّ زكاتهما . وقوله فقد أبطل الحكمة أي التي منها قضاء حوائج الفقراء مثلاً بلا مقابل ، فاندفع ما يقال إن إبطال الحكمة يحصل بعدم المعاملة بهما وإن أديت زكاتهما .
قوله : ( ونحوها ) نحو النعومة كاللين ونحو الخشونة اليبس .(3/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
قوله : ( أخذ من الوسط ) المراد بالوسط المتوسط ، أي ليس جيداً ولا رديئاً .
قوله : ( كما في المعشرات ) كالحنطة والفول ، سميت بذلك لأن فيها العشر نظراً للغالب من سقيها بلا مؤنة .
قوله : ( ولا يجزىء رديء ) فإن أخرجه لزمه استرداده إن كان باقياً ، فإن تلف عند الساعي أو الفقراء ضمن الزائد ، فلو أخرج رديئاً كأن أخرج خمسة معيبة عن مائتين جيدة فله استردادها كما لو عجل الزكاة فتلف ماله قبل الحول ، هذا إن بين ذلك عند الدفع وإلا فلا يستردها أي فيكمل لهم .
قوله : ( قالوا ) انظر وجه التبري مع أنه زاد خيراً بإخراج الأفضل .
قوله : ( فيسلم المخرج الخ ) هذا جواب عن سؤال تقديره : كيف يفرق المخرج الدينار الصحيح على الأصناف مع أنه لا يمكنه ولا يجوز له أن يصرفه بدراهم لأن واجبه الذهب فلا يجزىء عنه الدراهم ؟ فأجاب بأنه يسلمه لوكيلهم . والظاهر أن هذا يجري في الدينار المعيب أيضاً إذا كانت دنانيره كلها معيبة ، بل يجري في كل ما لا يمكن قسمته على الأصناف كالشاة والتبيع والمسنة ، فإنها تسلم لوكيلهم ؛ وانظر لم خصه بالدينار المذكور .
قوله : ( أو من غيرهم ) أي سواء كان الوكيل منهم أو من غيرهم . والظاهر أن المراد بالفقراء جميع الأصناف الثمانية ؛ لأن الجميع مستحقون .
قوله : ( سلم إليهم ) أي إلى وكيلهم نظير ما سبق .
قوله : ( بأن يبيعوه ) انظر ما وجه توقف هذا التفصيل وترتبه على قوله سلم إليهم ديناراً وهلا جاز التفصيل المذكور خصوصاً في الصورة الأخيرة قبل أن يسلم إليهم الدينار لأن غاية الأمر أنهم يتصرفون فيما لهم بيد الغير ولا ضرر في ذلك .
قوله : ( حتى يبلغ خالصه ) وهو سبعة وعشرون فند ، قلياً إلا ثلثاً .(3/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
قوله : ( وكان متطوّعاً بالنحاس ) محله فيمن يتصرف لنفسه ، وإلا فيتعين على الولي إخراج الخالص حفظاً للنحاس كما في شرح المنهج ؛ أي إن أمكن بلا سبك ، أو كانت مؤنته تنقص عن قيمة النحاس ، فإن لم يمكن إخراج الخالص إلا بسبك وكانت مؤنته قدر قيمة النحاس أو أكثر أخرج المغشوش م ر . قال سم : ومحله أيضاً أن لا يوجد خالص من غير المغشوش وإلا تعين اه . ولم يتكلم الشارح على حكم الخلطة بالفضة ، وانظره .
قوله : ( ويكره للإمام ضرب المغشوش ) الكلام فيما غشه مستهلك .
قوله : ( لخبر ) هذا يدل على التحريم .
قوله : ( ولئلا يغش الخ ) بفتح الياء وضم الغين ، بابه : ردّ يرد .
قوله : ( فإن علم معيارها ) أي الدراهم والدنانير المخلوطة .
قوله : ( صحت المعاملة بها ) أي حيث كان غشها مستهلكاً ، وسواء المعينة وما في الذمة كما قاله المرحومي .
قوله : ( كبيع الغالية ) أي قياساً عليه ، وهي نوع من أنواع الطيب مركب من كافور وعود وعنبر .
قوله : ( والمعجونات ) أي فإنها يصح بيعها ولو كانت أجزاؤها مجهولة .
قوله : ( ولو خالصة ) ما قبل الغاية ضعيف ؛ لأنه لا يجوز لغير الإمام ضرب المغشوش بل يحرم ويكره ضرب السالم . وأما الإمام فيكره له ضرب المغشوش إذا كان مستهلكاً ، ولا يكره ضرب السليم . وكان الأولى إذا كانت خالصة ، لأن مفهوم هذا الكلام أنه يجوز للغير ضرب المغشوش مع أنه حرام عليه ولو مستهلكاً .
قوله : ( لأنه ) أي ضرب الدراهم والدنانير ، وقوله : من شأن الإمام أي طريقته ، وقوله : افتياتاً أي تعدياً .
قوله : ( ولا تجب في الحلي المباح ) أي إن علمه ولم ينو كنزه ، فإن لم يعلمه بأن ورثه ولم يعلمه حتى مضي حول فتجب زكاته ، لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح ، وكذا لو نوى كنزه ؛ شرح المنهج ملخصاً . وعدم وجوبها في الحلي المباح مذهبنا وكذا عند مالك ورواية(3/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
مختارة عن أحمد . وأما عند أبي حنيفة فتجب الزكاة في الحلي مطلقاً ، أي سواء كان لرجل أو امرأة كما نقله م د على التحرير . والحلي بضم أوله وكسره مع كسر اللام وتشديد الياء واحده ( حَلْي ) بفتح الحاء وإسكان اللام ، وهو ما يتحلى أي يتزين به لبساً أو نحوه ، وأصله أي الحلي المشدد الياء ( حلوى ) على وزن فعول قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء في كلمة واحدة وأدغمت في الياء ثم كسرت اللام صيانة للياء ، ويجوز كسر الحاء لإتباع كسرة اللام اه . ونظير حُليّ جمع حَلْي ثُديّ جمع ثَدْي . وقوله المباح هلا قال المباحات لأجل المطابقة أجيب بأن عدم المطابقة أولى لأن حلي جمع كثرة والأفصح في وصفه عدم المطابقة ، لقوله :
وجمع كثرة لما لا يعقل
الأفصح الإِفراد فيه يافل وخرج بقوله المباح غيره وهو المحرّم كحليّ النساء اتخذه الرجل ليلبسه ، وبالعكس كما في السيف والمنطقة فتجب الزكاة فيه ؛ ومنه الدراهم والدنانير المثقوبة إذا جعلت في قلادة بناء على ما في الروضة وأصلها من تحريمها ، أما على ما في شرح المهذب من جوازها فلا زكاة فيها ، وقال بعضهم : يحتمل كراهتها ، وعليه ففيها الزكاة كسائر المكروهات ، وقال الإسنوي : تجب زكاتها وهو المعتمد .
قوله : ( كخلخال لامرأة ) أي للبسها بالفعل أو بالقوّة كأن تعددت أنواعه ، ومنه حليّ اتخذه رجل ليؤجره مثلاً لامرأة ق ل . وقوله ليؤجره الخ أي أو ليعيره لها أو اتخذه لا بقصد شيء كما في شرح المنهج ؛ ولذا قال ق ل : مثلاً اه .
قوله : ( ويزكي المحرم ) ومن المحرم ما يقع لنساء الأرياف من الفضة المثقوبة أو الذهب المخيطة على القماش فحرام كالدراهم المثقوبة المجعولة في القلادة كما مرّ ، وقياس ذلك حرمة ما جرت به العادة من ثقب دراهم وتعليقها على رؤوس الأولاد الصغار كما قاله ع ش على م ر .
قوله : ( فيحرم عليهما ) لأنه من قبيل الأواني .
قوله : ( لجلاء ) بكسر الجيم والمدّ .
قوله : ( والسوار ) بكسر السين أكثر من ضمها ، شرح المنهج .
قوله : ( وفي حلي الرجال الخ ) كتحليته آلة حرب بالفضة بلا سرف ورمح فإنها تحل للرجل لأنها تغيظ الكفار لا للمرأة والخنثى كالمرأة .(3/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
قوله : ( بلا كراهة ) بخلاف ما كره استعماله لوجود سرف قليل ، مرحومي . وهذا على كلام الشارح ، وسيأتي أن المعتمد حرمة السرف مطلقاً وعلى كل تجب فيه الزكاة كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( وأمكن بلا صوغ ) بأن أمكن بإلحام ، شرح المنهج .
قوله : ( وقصد إصلاحه ) أي عند علمه بالانكسار ، فلو لم يعلم بالانكسار إلا بعد عام أو أكثر فقصد إصلاحه فلا زكاة أيضاً ؛ لأن القصد يبين أنه كان مرصداً له وبه صرح في الوسيط . فلو علم انكساره ولم يقصد إصلاحه حتى مضي عام وجبت زكاته ، فإن قصد بعده إصلاحه فالظاهر أنه لا وجوب في المستقبل اه بحروفه . فإن لم يقصد إصلاحه بل قصد جعله تبراً أو دراهم أو كنزه أو لم يقصد شيئاً أو أحوج انكساره إلى سبك وصوغ فيجب زكاته ، وينعقد حوله من حين انكساره ؛ لأنه غير مستعمل ولا معدّ للاستعمال ؛ شرح الروض .
قوله : ( وحيث أوجبنا الخ ) أي بأن كان محرماً أو مكروهاً ؛ فالأول كأن قصد الرجل استعماله وكأن أسرف في حلية آلة الحرب ، والثاني كأن أسرفت المرأة في حليها وكأن قصد الرجل إجارته لمن يستعمله بكراهة . ففرق بين سرف الرجل وسرف المرأة ، فالأول حرام والثاني مكروه .
قوله : ( فالعبرة بقيمته ) أي ووزنه وقوله لا بوزنه ، أي فقط كما يدل عليه قوله أو يخرج خمسة مصوغة قيمتها سبعة ونصف كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( قيمتها سبعة ونصف ) أي لأن السبعة والنصف ربع عشر الثلثمائة .
قوله : ( أو كان له إناء كذلك ) أي وزنه مائتا درهم وقيمته ثلثمائة ، وعبارة الشوبري على المنهج : ولو اختلف قيمة الحلي المحرم أو المكروه ووزنه كأن كانت قيمته ثلثمائة ووزنه مائتين اعتبرت القيمة أي إذا كان تحريمة عارضاً بأن صيغ لامرأة واستعمله الرجل وإلا اعتبر(3/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
الوزن فقط كالإناء اه . فلو كان آنية فلا أثر لزيادة القيمة لأن ارتفاع القيمة بالصنعة وهي محرمة اه ح ل . ونقله ع ش عن شرح الروض .
قوله : ( أو يكسره ) ويفرق بينه وبين الحلي المحرم حيث لا يجوز كسره كما سبق بأن الإناء محرم لعينه ولا كذلك الحلي ، لكن قد يقال في الكسر ضرر على المستحقين لأن الخمسة المكسورة لا تساوي قيمتها في حال اتصالها وهي سبعة ونصف .
قوله : ( ويخرج خمسة ) أي خمسة دراهم .
قوله : ( ويحرم على الرجل حلي الذهب ) نعم إن صدىء بحيث لا يتبين الذهب لم يحرم كما في شرح المنهج ، أي وكثر الصدأ بحيث يحصل منه شيء بعرضه على النار ؛ يقال : صدىء يصدأ بالهمز من باب تعب . ولا ينافي هذا قولهم : إن الذهب لا يصدأ ؛ لأنه محمول على الغالب أو على نوع منه أو على الخالص دون ما خالطه غيره فليتأمل .
قوله : ( إلا الأنف ) جملة المستثنى ثلاثة .
قوله : ( إذا جدع ) بالدال المهملة ، أي قطع .
قوله : ( لأن بعض الصحابة ) هو عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكُلاب بضم الكاف وتخفيف اللام اسم لمكان كانت الوقعة عنده في الجاهلية ، مرحومي .
قوله : ( أن يتخذه من ذهب ) فاتخذه .
قوله : ( وإلا الأنملة ) أي العليا لا السفلى ولا الأنملتين ؛ والأنملة بتثليث الهمزة والميم كما قال :
با أصبع ثلثن مع ميم أنملة
وثلث الهمز أيضاً وارو أصبوعا
قوله : ( فإنه يجوز اتخاذها ) أي إذا كان ما تحتها سليماً دون ما إذا كان أشل ، شرح الروض . وبخلاف السفلى والأصبع والأنملتين ، فقول الشارح وإلا الأنملة أي العليا ، وعبارة المدابغي على التحرير : وقيس بالأنف الأنملة والسنّ ، ولا يجوز ذلك في الأصبع واليد لأنهما لا يعملان فيكونان لمجرد الزينة فلا يتخذان من ذهب ولا فضة ، بخلاف الأنملة فإنه يمكن تحريكها ؛ وأما الأنملتان فإن كانتا من أعلى الأصبع جاز اتخاذهما لوجود العمل بواسطة الأنملة السفلى ، وعليه يحمل كلام ابن قاسم وإن كانتا من أسفل الأصبع امتنع ، وعليه يحمل كلام م ر في شرحه اه .(3/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
قوله : ( من الذهب ) وإن أمكن اتخاذها من الفضة الجائزة لذلك بالأولى ؛ لأنه لا يصدأ غالباً ولا يفسد المنبت ، شرح المنهج .
قوله : ( الخاتم ) وهو الذي يلبس في الأصبع سواء ختم به الكتب أو لا ، وأما ما يتخذ لختم الكتب من غير أن يصلح لأن يلبس فلا يجوز اتخاذه من ذهب ولا فضة .
قوله : ( بل لبسه سنة ) الأولى تقديمه على الحديث ويكون إضراباً انتقالياً عن قوله : ويحل الخ ؛ لأن الإضراب بعد الحديث غير مناسب لأن سنّ لبسه مأخوذ من الحديث .
قوله : ( لكن اليمين أفضل ) أي خنصرها .
قوله : ( فإن لبسها معاً جاز ) ولا زكاة أي إن جرت عادة أمثاله بها ، بخلاف ما إذا كان فقيها فإنه يحرم ، والمستحب أن يجعل فصه مما يلي بطن الكف . ولا يكره لبس خاتم الرصاص والنحاس والحديد على الأصح ، لقوله عليه الصلاة والسلام : الْتمِسْ ولو خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ اه دميري . قال الشيخ الزيادي : ويعتبر في صفة الخاتم وقدره وعدده أن يكون لائقاً به ليخرج بالأول ما لو اتخذ الفقيه خاتماً لا يليق به كالدبلة بلا خاتم معها أو كشتوان بخلاف العامي ، ويخرج بالثاني ما لو زاد على القدر اللائق به فإنه يحرم ، ويخرج بالثالث ما لو عدّد الفقيه خاتماً في أصابعه فإنه يمتنع عليه بخلاف العامي . ونقل عنه في غير الحاشية أن مثل الدبلة لبس الفقية الخاتم في غير خنصره كلبسه في نحو إبهامه فيحرم عليه بخلاف العامي ، وبه يعلم أن قول الشارح الآتي : ( ولو تختم الرجل في غير الخنصر جاز ) محمول على غير الفقيه مما جرت به عادة أمثاله .(3/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
قوله : ( ويحل للرجل ) وإن لم يكن مجاهداً .
قوله : ( حلية ) أي تحليتها ؛ والتحلية جعل عين النقد في محالّ متفرقة مع الأحكام حتى تصير كالجزء منها ولإمكان فصلها مع عدم ذهاب شيء من عينها فارقت التمويه السابق أول الكتاب أنه حرام ، حج .
قوله : ( آلات الحرب ) وإن كانت عند من لم يحارب ؛ لأن إغاظة الكفار ولو ممن بدارنا حاصلة مطلقاً ، وبه يفرق بين هذا وبين حرمة اقتناء كلب الصيد على من لم يصد به اه س ل . وخرج بذلك أوعيتها كالقراب وغمد السيف فلا يجوز تحليته ، وخرج بذلك أيضاً تحلية السكين الصغيرة التي ليست آلة حرب ونحوها فيحرم اه م د . وقوله كالقراب وغمد السيف عطف مرادف . وأما سكين المهنة أو المقلمة فيحرم على الرجل وغيره . وقوله تحليتهما كما يحرم عليه تحلية الدواة والمرآة م ر . وقوله أو المقلمة أي أو سكين المقلمة وهي المقشط .
قوله : ( والمنطقة ) بكسر الميم ما يشد به الوسط كالسبتة ، وتسمى الآن بالحياصة اه مرحومي . وجعلها من آلات الحرب لأنها تنفع فيه من حيث كونها تمنع وصول السهم للبدن ، فالمراد بالآلة ما ينفع في الحرب اه .
قوله : ( ولها لبس أنواع حلي الذهب ) وكالمرأة الطفل في ذلك ، شرح المنهج .
قوله : ( وكذا ما نسج ) أي لبس ما نسج بهما فخرج الفرش كالسجادة المنسوجة بهما فتحرم لأنها لا تدعو للجماع كالملبوس م ر .
قوله : ( المبالغة في السرف ) ليس بقيد ؛ لأن المعتمد أن مجرد السرف حرام ولو بدون مبالغة ، خلافاً لشيخ الإسلام القائل بالكراهة حينئذ كما قرره شيخنا العشماوي ، قال ق ل : وعلى كل يلزمها زكاة الجميع لا ما زاد وكذا آلة الحرب المذكورة .
قوله : ( مائتا دينار ) أي مجموع فردتيه ح ل . ويلزمها زكاة الجميع لا ما زاد فقط شرح م ر ؛ لأن المقتضي لإباحة الحلي لها التزين للرجال المحرك للشهوة الداعي إلى كثرة النسل ولا زينة في مثل ذلك بل تنفر منه النفس لاستبشاعه ؛ شرح المنهج .
قوله : ( تحلية الخ ) يؤخذ من تعبيرهم بالتحلية المارّ الفرق بينها وبين التمويه حرمة التمويه هنا بذهب أو فضة مطلقاً لما فيه من إضاعة المال . فإن قلت : العلة الإِكرام وهو حاصل بكل ؟(3/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
قلت : لكنه في التحلية لم يخلفه محذور بخلافه في التمويه لما فيه من إضاعة المال . فإن قلت : يؤيد الإِطلاق قول الغزالي : من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن ؟ قلت : يفرق بأنه يغتفر في حروف القرآن ما لا يغتفر في نحو ورقه وجلده على أنه لا يمكن إكرامها إلا بذلك اه حج شوبري .
قوله : ( المصحف ) ومثله التمائم وكذا جلده وكيسه وعلاقته وخيطه لا كرسيه . وخرج بالمصحف بقية الكتب ، فتحرم التحلية والتموية . والمراد بالمصحف ما فيه قرآن ولو للتبرك كما في س ل . والتفسير بالنسبة للتحلية كالمصحف إن حرم مسه ، وإلا فلا ؛ عناني على المنهج .
فرع : قد سئل م ر عن الفرق بين جواز كتابة المصحف بالذهب حتى للرجال وحرمة تحليته بالذهب للرجل . ولعله أن كتابته راجعة لنفس حروفه الدالة عليه بخلاف تحليته فالكتابة أدخل في التعلق ؛ سم على المنهج .
فصل : في بيان نصاب الزروع والثمار
قوله : ( وما يجب إخراجه ) وهو إما العشر وإما نصفه وإما ثلاثة أرباعه أو ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر إلى آخر ما يأتي .
قوله : ( سمي ) أي مدلوله وهو المقدار المعلوم .
قوله : ( لأنه يجمع ) أي والوسق الجمع .
قوله : ( لأن الوسق ستون صاعاً ) وذلك لأنك تضرب الخمسة عدة الأوسق في مقدارها من الصيعان وهو ستون تبلغ ثلثمائة ، ثم تضرب الثلثمائة في مقدار الصاع من الأمداد وهو أربعة تبلغ ألفاً ومائتين مدّاً ، ثم تضرب الألف والمائتين في مقدار المد وهو رطل وثلث ألف ومائتان في رطل بألف ومائتين رطلاً وألف ومائتان في ثلث بألف ومائتين ثلثا ومجموعها أربعمائة صحاح ؛ فجملة ذلك ألف وستمائة رطل .(3/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
قوله : ( لأنه الرطل الشرعي ) وجه كونه الرطل الشرعي أنه وقع التقدير به في زمن الصحابة رضي الله عنهم واستقر الأمر عليه .
قوله : ( تحديد ) أي خلافاً لما في شرح مسلم ورؤوس المسائل والمجموع من كتاب الطهارة أنه تقريب ، وعليه فيحتمل نقص رطل ، لكن قال البلقيني في الحواشي إن المشهور التحديد كما صححه الشيخان هنا ز ي أ ج .
قوله : ( استظهاراً ) أي استيفاء لجميع المقادير الشرعية الواجبة في باب الزكاة ، وليس المراد به الاحتياط لأنه يقتضي أنه يعتبر كل منهما . وليس كذلك ؛ لأن المعتبر هنا الكيل لا الوزن .
قوله : ( أو إذا وافق الكيل ) أي فهما جوابان ؛ ولذلك لو كمل بالكيل ونقص بالوزن وجبت زكاته لا عكسه ق ل .
قوله : ( فإنه ) أي النوع ، وقوله والرزين أي والمتوسط ، والرزين : الثقيل في الميزان .
قوله : ( ستة أرادب وربع أردب ) مقدار ذلك بالأرباع مائة وخمسون ربعاً وبالأقداح ستمائة لأن المائة بأربعمائة والخمسين بمائتين . وقوله خمسة أرادب ونصفاً وثلثاً مقدار ذلك بالأرباع مائة وأربعون ربعاً وبالأقداح خمسمائة وستون ، لأن المائة بأربعمائة والأربعين بمائة وستين . وقوله إلا سبعي مدّ وعلى هذا فمقدار النصاب بالأقداح خمسمائة وستون ، لأن مقدار النصاب بالصيعان ثلثمائة صاع وكل خمسة عشر صاعاً ستون مداً وهي ثمانية وعشرون قدحاً ؛ لأن كل خمسة عشر مداً سبعة أقداح ؛ لأن كل قدح بمدين وسبع مد بناء على جعل الصاع قدحين إلا سبعي مد . وبهذا علم أن كل تسعين صاعاً بمائة وثمانية وستين قدحاً ، فالمائتان والسبعون صاعاً بخمسمائة قدح وأربعة أقداح ، والثلاثون صاعاً تمام الثلثمائة بستة وخمسين ، فأضفها للخمسمائة والأربعة فتصير الجملة خمسمائة وستين قدحاً ومقدارها بالأرادب خمسة أرادب ونصف وثلث ؛ لأن كل أردب بستة وتسعين قدحاً . وعلم مما تقرر أن مقدار النصاب بالأمداد وهو ألف ومائتان يكون خمسمائة وستين قدحاً ؛ لأن كل مائة وعشرين مدّاً بستة وخمسين قدحاً كما أفاده شيخنا .(3/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
قوله : ( ونصفاً وثلثاً ) والتفاوت بينهما ويبتان ونصف ويبة .
قوله : ( قدحين إلا سبعي مدّ ) وجه ذلك أن القدحين أربعة أمداد وسُبُعا مد عند السبكي ، فهما أزيد من الصاع بسبعين . والحاصل أن القمولي والسبكي اتفقا على أن الصاع أربعة أمداد واختلفا في مقدار القدح ، فعند القمولي أن الصاع قدحان بجعل كل مدين قدحاً وعند السبكي قَدَحان إلا سبعي مدّ ، لأنه يجعل القدح مدين وسبع مدّ ، فالقدح عنده أزيد من القدح عند القمولي وكل خمسة عشر مدّاً بسبعة أقداح وكل خمسة عشر صاعاً ويبة ونصف وربع فثلاثون صاعاً ثلاث ويبات ونصف فثلثمائة صاع خمسة وثلاثون ويبة وهي خمسة أرادب ونصف وثلث ، فالنصاب على قوله خمسمائة وستون قدحاً وعلى الأول ستمائة شرح م ر مع زيادة . وقال بعض المحققين : النصاب الآن بالكيل المصري أربعة أرداب وويبة ؛ لأن الكيل الآن نقص عدده عما كان بسبب ما يكال به الآن حتى صارت الأربعة أرادب وويبة مقدار الستة أرادب والربع من الأرادب المقدرة نصاباً سابقاً ، فالتفاوت بينهما أردبان وكيلة .
قوله : ( ويضم ثمر العام الواحد ) وصورة المسألة أن يكون عنده أنواع من التمر أو الزبيب حصل من كل نوع دون خمسة أوسق ، فيضم بعض الأنواع إلى بعض ؛ أو كان له في بلاد أنواع من التمر أو الزبيب حصل منها مثل ذلك ز ي .
قوله : ( وبلاده حرارة وبرودة ) هذا من عطف العلة على المعلول ؛ وذلك لأن اختلاف أنواعه بسبب اختلاف بلاده حرارة وبرودة ؛ عزيزي .
قوله : ( والعبرة بالضم ) أي في الضم ، فالباء بمعنى ( في ) وقوله : هنا أي في الثمار ، احترز به عن الزروع فإن العبرة فيها بالحصاد كما سيأتي .
قوله : ( هنا ) أي في الثمار .
قوله ( بإطلاعهما ) أي ظهورهما وبروزهما .
قوله : ( إن أطلع ) أي ظهر وبرز .(3/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
قوله : ( قبل جداد الأول ) بفتح الجيم وكسرها مع إعجام الذال وإهمالها ، ففيه أربع لغات .
قوله : ( فلا يضم ) أي لأنه نادر ، والنادر يلحق بالأعم الأغلب وهو كون الثمر من عامين . فقوله لو أثمر نخل أي نخل واحد ، بأن كان الذي أثمر ثانياً هو الذي أثمر أوّلاً ، والذي قبل الاستدراك صورته أي نوعاً من النخل أي بعضاً أثمر أولاً وبعضاً آخر أثمر ثانياً .
قوله : ( وزرعا العام الخ ) العام ليس قيداً ، بل ولو كان زرعي عامين ولكن بين حصاديهما أقل من سنة فإنه يضم .
قوله : ( في الفصول ) بأن يكون ذرة زرعت في الصيف وأخرى في الخريف وأخرى في الربيع .
قوله : ( والعبرة بالضم هنا ) أي في الزروع .
قوله : ( اعتبار وقوع حصاديهما ) أي بالقوة لا بالفعل ، وكان الأولى أن يقول : باعتبار الخ .
قوله : ( في سنة واحدة ) بأن يكون بين حصاد الأول والثاني دون اثني عشر شهراً عربية . ولا عبرة بابتداء الزرع لأن الحصاد هو المقصود ، وعنده يستقر الوجوب ، ويكفي عن الحصاد زمن إمكانه على الأوجه اه حج وم ر .
قوله : ( عربية ) أي هلالية .
قوله : ( وفيها الخ ) خبر مقدم ، والعشر مبتدأ مؤخر . وقوله إن سقيت شرط جوابه محذوف تقديره : ففيها العشر ، لكن الشارح جعل العشر فاعلاً لفعل محذوف .
قوله : ( أو بماء السيح ) من عطف الخاص على العام . وفيه أنه لا يكون بأو ؛ ووجه الخصوص أنه ينزل الماء من السماء في حفرة فيملؤها ثم يجري منها للزرع والثمر .
قوله : ( أو شرب الخ ) عطف على قوله : إن سقيت .
قوله : ( العشر ) وقدره خمسة عشر ربعاً على كلام القمولي .(3/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
قوله : ( من نحو نهر ) كالساقية .
قوله : ( والمعنى فيه ) أي في وجوب العشر أو نصفه . وقوله كثرة المؤنة لف ونشر مشوش ، فالكثرة راجعة لنصف العشر والخفة للعشر .
قوله : ( كما في المعلوفة والسائمة ) التنظير في مطلق خفة المؤنة وكثرتها وإن كانت المعلوفة لا زكاة فيها أصلاً . فإن قلت : لم لم يؤثر ثقل المؤنة إسقاط الوجوب من أصله هنا وأثر في المعلوفة ؟ قلت : لأن القصد باقتناء الحيوان نماؤه لا عينه ، فلما علف لم يجب فيه الزكاة لكون العلف في نظير النماء ومن الزرع والثمر عينه فنظر إليها مطلقاً ، ثم تفاوتوا في قدر الواجب .
قوله : ( بماء السيل ) أي المطر المجتمع .
قوله : ( في حفرة ) وهي أن تحفر حفيرة يجري فيها الماء من السيل إلى أصول الشجر كما قاله الأزهري ، إطفيحي .
قوله : ( والقنوات ) أي الأنهار الصغيرة .
قوله : ( والسواقي ) المراد بها المساقي وهي الأنهار الكبيرة كالخلجان كما يفهم ذلك من التعليل ، وليس المراد بها ما يديره الحيوان لأن في المسقى بتلك نصف العشر .
قوله : ( من النهر ) أي من جنبه .
قوله : ( لأن مؤنة القنوات إنما تخرج الخ ) أي شأنها ذلك . وعبارة شرح الروض : ولا عبرة بمؤنة القنوات والساقية لأنها لعمارة الضيعة لا لنفس الزرع .(3/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
قوله : ( ونمائهما ) تفسير .
قوله : ( لا بأكثرهما ) أي المطر والنضح خلافاً للمدابغي من جعله الضمير للمدتين ، أي لا يعتبر بأكثرهما ؛ لأنه للرد على القائل بأنه إذا غلب أحدهما فهو المعتبر ترجيحاً للغلبة ، ويلغي الأقل عن الاعتبار فكأنه لم يوجد . وليس المراد لا تقسيط بأكثرهما كما يدل عليه ، أي على أنه ليس المراد الخ كلام المنهاج ؛ إذ الأكثر لا تقسيط فيه حتى ينفي .
قوله : ( ولا بعدد السقيات ) أي ولا يقسط بعدد الخ ؛ لأن هذا للرد على من يقول إن التقسيط بعدد السقيات كما يدل على ذلك متن المنهاج وعبارته وفيما سقي بهما سواء ثلاثة أرباعه ، فإن غلب أحدهما ففي قول يعتبر هو ؛ والأظهر أنه يقسط باعتبار عيش الزرع ونمائه ، وقيل بعدد السقيات .
قوله : ( من يوم الزرع مثلاً ) أي أو يوم الإطلاع في النخل أو ظهور العنب في الكرم إ ط ف .
قوله : ( وجب ثلاثة أرباع العشر ) ولو اعتبر عدد السقيات لوجب ثلثا العشر ؛ لأن السقية التي بالمطر يجب فيها ثلث العشر والسقيتان بغير المطر يجب فيهما ثلثا نصف العشر وثلثا نصف العشر ثلث كامل .
قوله : ( وكذا ) أي يجب ثلاثة أرباع العشر لو جهلنا المقدار الخ بأن شككنا هل انتفع بسقية المطر أربعة أشهر أو أقل أو أكثر وسقيتي النضح أربعة أشهر أو أقل أو أكثر فإنها تقسط باعتبار المدة بأن تجعل أربعة أشهر لسقيتي المطر وأربعة أشهر لسقيتي النضح كما أشار إليه بقوله أخذ بالاستواء أفاده شيخنا العشماوي . وقوله من نفع الخ يقتضي أن النفع معتبر في التقسيط مع أنه غير معتبر أيضاً كما قاله شيخنا ح ف وصرح به عميرة .
قوله : ( من نفع ) متعلق بالمقدار ، وقوله باعتبار المدة متعلق بنفع . وقوله أخذا بالاستواء أي بتساوي المدتين بجعل نصف المدة للسقية ونصفها للسقيتين كما قرره شيخنا العشماوي . قال في شرح الروض : لئلا يلزم التحكم لأن الأصل عدم زيادة كل منهما .
قوله : ( ثلاثة أرباع العشر ) أي نظراً لسقي السماء ، وقوله وربع نصف العشر أي نظراً لسقي النضح ، وربع نصف العشر هو ثمن العشر . قال ح ل : ولم يعبر بثمن العشر مع أنه أخصر محافظة على الإتيان بما تقتضيه النسبة .(3/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
قوله : ( حلفه ) فإن نكل عن اليمين لم يلزمه بالنكول شيء م د .
قوله : ( وحصرم ) بكسر الحاء المهملة وكسر الراء بوزن زبرج كما في القاموس .
قوله : ( وباشتداد حب ) قال في العباب وشرحه : وحيث اشتد الحب فينبغي أن يمتنع على المالك الأكل والتصرف فيه ، وحينئذ فينبغي اجتناب الفريك ونحوه من الفول حيث علم وجوب الزكاة في ذلك الزرع ؛ ويحرم على المالك أيضاً أجرة الحصادين منه والصدقة منه قبل إعطاء الزكاة ويعزر إن علم الحرمة وإلا فلا ، ويغرم بدل ما تصرف فيه اتفاقاً . ومع حرمته ينفذ تصرفه في غير قدر الزكاة . وكتب شيخنا العزيزي على قول شرح المنهج : وهو قبل ذلك بقل ومنه الفريك المعروف فإنه في هذه الحالة لا يصلح للادخار ، ولا تجب الزكاة باشتداد الحب إلا إذا صلح للادخار ، وحينئذ فيجوز الأكل من الفريك الذي يباع الآن ؛ وكذا الفول الأخضر بجواز الأكل منه قبل اشتداد حبه . وهذه دقيقة يغفل عنها . وعند الإمام أحمد أنه يجوز له التصرف بالأكل والإهداء ولا يحسب عليه .
قوله : ( وعناب ومشمش ) أي بالنسبة للتلون لا للزكاة ؛ لأنهما لا زكاة فيهما .
قوله : ( كالعنب الأبيض ) اعترض بأنه متلون . وأجيب بأن المراد بالمتلون الذي يحدث له لون بعد آخر ، وبياض هذا موجود فيه من حين ظهوره .
قوله : ( وجريان الماء فيه ) عطف لازم .
قوله : ( كظهوره ) أي كله .
قوله : ( وسن خرص الخ ) أي إن كان المالك موسراً ، وإلا فلا يجوز لما فيه من تسليطه على حق المستحقين شرح م ر . وقوله أي حزر كل أي تخمينه وتقديره ، وحكمته الرفق بالمالك والمستحقين . وعبارة بعضهم : أي بشرط أن يكون موسراً وإلا فلا يجوز الخرص ولا ينتقل الحق إلى الذمة ، لكن كيف يحتاج لهذا الشرط وهو له ثمر قد خرص عليه ؟ ويجاب بأنه قد يكون عليه دين مستغرق لذلك الثمر اه .
قوله : ( إذا بدا صلاحه ) نعم إن بدا صلاح نوع دون آخر ، فالأقيس جواز خرص الكل م(3/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
د . وكذا إذا بدا صلاح حبة من نوع أخذاً مما قالوه فيما لو بدا صلاح حبة في بستان حيث يجوز بيع الكل بلا شرط القطع ع ش على م ر .
قوله : ( وذلك ) أي سنّ الخرص .
قوله : ( تمراً ) حال من الحق . قال في الروض : ولو لم يتأتّ منه أي التمر تمر ولا زبيب أخرج منه رَطْباً بفتح الراء وإسكان الطاء لأنه وقت كماله ، فيقدر جفافه فيكمل به نصاب مع ما يجف من ذلك اه مع زيادة . وبهذا يعلم أن غالب ثمر قرى مصر كماله حال ترطبه لأنه لا يتتمر ولا يتزبب .
قوله : ( عالم به ) أي كونه عالماً به أي بالخرص ؛ لأنه اجتهاد والجاهل بشيء غير أهل للاجتهاد فيه .
قوله : ( أهل للشهادات ) بأن يكون مسلماً مكلفاً حرّاً ذكراً ناطقاً بصيراً عدل شهادة ، فلا يقبل الفاسق فيه ولا يكفي عدل الرواية كالمرأة . قال الرحماني : قلت : لو فقد الخارص وكان هو عارفاً فهل يتعاطى ذلك بنفسه أو لا لكونه متهماً فيه ؟ نظر ، ومثله ما لو احتاج للأكل من الزرع هل تنتفي الحرمة ويتعلق قدرها بما أكله بذمته ؟ ثم رأيت حج قال : وبحث بعضهم أن له ذلك وهو ضعيف لا يأتي على قواعدنا ، وله تحكيم عدلين يخرصان عليه ويضمنانه عند فقد الخارص من جهة الساعي ، ولا يكفي واحد . فقول المؤلف ولو واحداً محمول على من كان من قبل الحاكم اه . والحاصل أنه إذا كان الخارص من جهة الحاكم كفى واحد ، وإن كان من جهة المالك فلا بد من اثنين ؛ لأنه متهم اه م د على التحرير .
قوله : ( كلها ) احترز بقوله كلها عن المرأة لأنها أهل للشهادة في الجملة شوبري .
قوله : ( لمخرج ) أي بشرط يساره ، حتى لو ضمن وتبين كونه معسراً حال التضمين لم يصح ولم ينقل الحق إلى ذمته كما صرح به الأذرعي ، وهذا هو المعتمد ز ي .
قوله : ( وقبول للتضمين ) كأن يقول ضمنتك حق المستحقين من الرطب بكذا ، فيقبل أي فوراً كما قرره شيخنا ح ف . وعبارة م د على التحرير : أي يسن الخرص لنقل الحق ، أي بصيغة كضمنتك نصيب المستحقين رطباً بكذا تمراً ، ولا بد من القبول لفظاً والرضا ؛ فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول نفذ التصرف فيما عدا قدرها شائعاً ، رحماني . قال م ر في شرحه : وليس هذا التضمين على حقيقة الضمان ؛ لأنه لو تلف جميع الثمار بآفة سماوية أو سرقت من الشجر أو الجرين قبل الجفاف من غير تفريط فلا شيء عليه قطعاً لفوات الإمكان ، وإن تلف بعضها ؛ فإن كان الباقي نصاب زكاة أو دونه أخرج حصته بناء على أن التمكين شرط(3/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
للضمان لا للوجوب ، فإن تلف بتفريط كأن وضعه في غير حرز مثله ضمن ، وإنما لم يضمن في حالة عدم تقصيره مع تقدم التضمين لبناء أمر الزكاة على المساهلة ؛ لأنها أي الزكاة ثبتت من غير اختيار المالك فبقاء الحق مشروط بإمكان الأداء اه بحروفه .
قوله : ( فللمالك حينئذ ) أي حيث وجد الخرص والتضمين والقبول ، فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم ينفذ تصرفه في الجميع بل فيما عدا الواجب شائعاً لبقاء الحق في العين لا معيناً ، فلا يجوز له أكل شيء منه ، فالتمرة الواحدة له منها تسعة أعشار ولهم فيها عشر أ ج .
قوله : ( في الجميع ) أي في جميع ما خرص بيعاً وغيره لانقطاع التعلق عن العين ، شرح المنهج .
قوله : ( أو غلطه بما يبعد ) وهو الذي تحيل العادة وقوع الغلط فيه ح ف ، كأن قال الخارص : التمر عشرون وسقاً ، فادعى المالك غلطه بخمسة وادعى أنه خمسة عشر فقط فالخمسة يبعد غلطه فيها . وقوله ويحط في الثانية القدر المحتمل أي لا تجب الزكاة فيه ، والقدر المحتمل هو الذي لو اقتصر عليه قبل كواحد في مائة ، وقد مثله الرافعي بنصف العشر ، شرح حج ملخصاً .
قوله : ( بما يبعد ) كالربع والثلث .
قوله : ( ويحط في الثانية ) أي يحط من الأوسق القدر الذي يحتمل أن الخارص غلط فيه ، وهذا عند عدم البينة وإلا عمل بها .
قوله : ( وإن ادعى غلطه بالمحتمل ) أي وبيّن قدراً وإلا فلا تسمع دعواه ، شرح المنهج .
قوله : ( صدق ) أي المالك .
قوله : ( وإن ادعى تلف المخروص ) أي وكان ذلك قبل التمكن من الزكاة ليكون لهذه الدعوى فائدة وهي سقوط زكاة ما تلف من كل المال أو بعضه ، وأما إن كان بعد التمكن من الزكاة فلا معنى لهذه الدعوى لأنها استقرت في ذمته تلف أو بقي .
قوله : ( فكوديع ) فإن ادعى تلفه مطلقاً أو بسبب خفي كسرقة أو ظاهر كنهب في عرف دون عمومه صدق بيمينه أو عرف مع عمومه ، فكذلك إن اتهم وإلا صدق بلا يمين ؛ فإن لم يعرف الظاهر طولب ببينة به لإمكانها ثم يصدق بيمينه في التلف ، شرح المنهج . فإن قلت : إن الحق متعلق بذمته فمقتضاه الضمان وإن تلف المخروص من غير تقصير ؟ أجيب بأنه وإن كان في ذمته لكن لا يلزم بأدائه إلا إذا تمكن بأن جف ، فإن تلفت الثمرة بعد الخرص وقبل التمكن من الأداء من غير تقصير لم يضمن كما في الروض .(3/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
فصل : في زكاة العروض
والعروض جمع عرض بفتح العين وإسكان الراء : اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال ، ويطلق أيضاً على ما قابل الطول ، وبضم العين ما قابل النصل في السهام ، وبكسرها محل الذم والمدح من الإنسان ، وبفتح العين والراء معاً ما قابل الجوهر .
قوله : ( عند آخر الحول ) أي بعده لا بطرفيه ولا بجميعه ، لأن الاعتبار بالقيمة ويعسر مراعاتها كل وقت لاضطراب الأسعار انخفاضاً وارتفاعاً . واكتفى باعتبارها آخر الحول لأنه وقت الوجوب شرح المنهج . واعلم أن زكاة التجارة تجب بشروط ستة :
أحدها : أن يكون ملك ذلك المال بمعاوضة ولو غير محضة على الأصح ، فإن المعاوضة قسمان : محضة وهي ما تفسد بفساد مقابلها كالبيع والشراء بعوض اشترى بعينه أو نقد أو دين حال ومن المملوك بمعاوضة ما لو صالح عليه ولو عن دم وما أجربه نفسه أو ماله ؛ أو غير محضة وهي ما لا تفسد بفساد مقابلها كالنكاح ، ولذلك أطلق المؤلف في تعريف المعاوضة فشمل القسمين وصرح به ق ل والمناوي . ويؤخذ منه أنه لو خلف لورثته عروض التجارة لا زكاة عليهم فيها لأنها لم تملك بمعاوضة .
ثانيها : أن تقترن نية التجارة بحال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه ؛ وذلك لأن المملوك بالمعاوضة قد يقصد به التجارة وقد يقصد به غيرها فلا بد من نيّة مميزة وإن لم يجددها في كل تصرف بعد الشراء بجميع رأس المال ، أي إذا باع ما اقترنت به النية حال شرائه واشترى به سلعة فلا يحتاج لنية لانسحاب حكم التجارة عليه ، بخلاف ما لو اشترى عرضاً للتجارة ثم اشترى عرضاً آخر فلا بد لكل واحد من نية مقترنة به ، وهكذا إلى أن يفرغ رأس المال .
ثالثها : أن لا يقصد بالمال القنية وهي الإمساك للانتفاع ، أي وكذا ببعضه وإن لم يعينه ، ويرجع في تعيينه له فإن قصدها به انقطع الحول .
رابعها : مضيّ حول من الملك ؛ نعم إن ملكه بعين نقد نصاب أو دونه وفي ملكه باقية كأن اشتراه بعين عشرين مثقالاً أو بعين عشرة وفي ملكه عشرة أخرى بنى على نقد الحول ، بخلاف ما إذا اشتراه بنصاب في الذمة ثم نقده أي بعد مفارقة المجلس ؛ لأن الواقع في المجلس كالواقع في العقد فينقطع حوله ويبتدأ حول التجارة من حين الشراء . وفرق بين المسألتين بأن النقد لم يتعين صرفه للشراء في الثانية بخلاف الأولى .(3/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
خامسها : أن لا ينض جميعه ، أي مال التجارة ، من الجنس ناقصاً عن النصاب في أثناء الحول ، فإن نصّ كذلك ثم اشترى به سلعة للتجارة فابتداء الحول يكون من الشراء .
سادسها : أن تبلغ قيمته آخر الحول نصاباً ، وكذا إن بلغته دون نصاب ومعه ما يكمل به ، كما لو كان معه مائة درهم فابتاع بخمسين منها وبلغ مال التجارة آخر الحول مائة وخمسين فيضم لما عنده ويجب زكاة الجميع اه .
قوله : ( الغالب ) لو حذف الغالب لكان أولى .
قوله : ( أو دون نصاب ) والحاصل أنه تارة يملكه بنقد وتارة بنقدين وتارة بنقد وعرض وتارة بغير نقد أصلاً وتارة يملكه لا بشيء أصلاً .
قوله : ( فإنه يقوّم به ) أي بالنقد وإن أبطله السلطان . وقوله لأنه أي بالنقد ، وقوله فلو لم يبلغ به أي بما اشتريت به ، وقوله فبغالب نقد البلد أي بلد حولان الحول كما قاله الماوردي وهو الأصح خ ض على التحرير . ويدل له قوله : فلو حال الخ وعبارة الشوبري : أي نقد بلد الإخراج .
قوله : ( والباقي ) وهو ما قابل غير النقد ، ويعرف مقابله بتقويمه وقت الشراء وجمع قيمته مع النقد ونسبته من الجملة ، فلو كان اشترى بعشرة دراهم وبثوب قيمته خمسة فمقابله ثلث مال التجارة فيقوّم بغالب نقد البلد ، ولو اختلف جنس النقدين المتقوّم بهما لم يكمل أحدهما بالآخر ، ولا تجب زكاة ما لم يبلغ نصاباً منهما أو أحدهما فتأمل ق ل على التحرير .
قوله : ( فإن غلب نقدان ) راجع لقوله : فبغالب نقد البلد .
قوله : ( لتحقق الخ ) في التعبير بالتحقق نظر ؛ لأن التقويم تخمين قد يخطىء إلا أن يراد بالتحقق غلبة الظن ، ولو قال : لأن الوزن أضبط لكان أولى .
قوله : ( بأحد النقدين ) أي المقوّم بهما حتى يفارق ما بعده .
قوله : ( ما لو تم النصاب ) أي فلا زكاة فيه .(3/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
قوله : ( وإِن بلغ نصاباً ) مقابل قوله بأحدهما .
قوله : ( بكل منهما ) أي بكل من النقدين الغالبين على التساوي .
قوله : ( وإن صحح ) ضعيف .
قوله : ( ويضم ربح ) سواء حصل الربح بزيادة في نفس العرض كسمن الحيوان أم بارتفاع الأسواق ، شرح م ر . وإنما ضم الربح قياساً على النتاج مع الأمهات ولعسر المحافظة على حول كل زيادة مع اضطراب الأسواق في كل لحظة ارتفاعاً وانخفاضاً اه شرح حج .
قوله : ( إن لم ينض ) بأن لم ينضّ أصلاً أو نض بغير ما يقوم به أي بيع بغير ما يقوّم به ؛ لأن النض البيع ، فمنطوقه شامل لصورتين ، وتفسير النض بالبيع تفسير باللازم وإلا فمعناه أن يصير ناضّاً دراهم أو دنانير كما يؤخذ من قول الشارح : أما إذا نض الخ . ويلزم ذلك البيع . قال أبو عبيد : إنما يسمون النقد ناضّاً إذا تحوّل بعد أن كان متاعاً ؛ لأنه يقال ما نضّ بيدي منه شيء أي ما حصل كما في المصباح .
قوله : ( فصارت قيمته ) أو نض فيه بها وهي مما لا تقوم به كما في شرح المنهج ، وهذه هي الصورة الثانية من المنطوق .
قوله : ( أما إذا نضّ ) بأن بيع بما ذكره ، وتوجيه ذلك أنه إذا نض من الجنس فقد رجع رأس المال إلى أصله فيصير الربح مستقلاًّ ، وأما إذا لم ينض أو نض من غير الجنس فلم يرجع رأس المال إلى أصله فلا يصير الربح مستقلاًّ ، لارتباطه في هذه الحالة برأس المال ارتباط التابع بالمتبوع شوبري .
قوله : ( وأمسكه ) ليس بقيد ، إذ مثله ما لو اشترى به عرضاً كما في شرح المنهج .
قوله : ( ويفرد الربح بحول ) فإذا تم حوله زكاه . ولا يقال إن شرط وجوب الزكاة النصاب والربح ليس نصاباً كاملاً ؛ لأنا نقول إن الإخراج ليس عنه وحده بقطع النظر عما بيده بل المعتبر في وجوب الإخراج أن يضمها لما عنده كما قرره شيخنا العزيزي .(3/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
قوله : ( فلأنها ) أي القيمة متعلقة أي ربع العشر .
قوله : ( وأي نصاب ) أي ولو بضمه لما عنده كما يأتي ، وسواء استخرج بمعالجة أو بدونها خلافاً للقول المفصل بين ما استخرج بمعالجة ففيه ربع العشر ، وما استخرج بلا معالجة ففيه الخمس .
قوله : ( من معادن ) أي أمكنة الذهب الخ فمن للابتداء والإضافة حقيقية أو معادن هي الذهب ، فالإضافة بيانية ومن بيان لما ؛ لأن المعدن يطلق على المكان وعلى المستخرج سواء كان بكسر الدال أو فتحها . وقيل : إن المكان بالفتح والمستخرج بالكسر ، والمعادن جمع معدن من عدن بالمكان أقام به ، ومنه جنات عدن أي إقامة ح ل قال م ر ؛ سمي بذلك لعدونه أي إقامته .
قوله : ( من أرض مباحة أو مملوكة ) سكت عما استخرج من مسجد أو موقوف ، ويظهر أن المستخرج من المسجد إن كان موجوداً عند وقفه مسجداً فهو من أجزاء المسجد لا يجوز التصرف فيه ، وإن كان موجوداً بعد الوقفية فهو من ريع المسجد ، والمستخرج من الموقوف على شخص إن كان موجوداً عند الوقفية فهو من الوقف وإلا فهو من ريع الوقف فيكون مملوكاً للشخص ، ويأتي ذلك في الموقوف على مسجد .
قوله : ( ربع العشر ) ولا يجب عليه في المدة الماضية إن وجده في ملكه لعدم تحقق كونه ملكه من حين ملك الأرض ، لاحتمال أن يكون الموجود مما يخلق شيئاً فشيئاً ، والأصل عدم وجوبها شرح م ر .
قوله : ( إن اتحد المعدن ) أي المكان لا إن تعدد وإن تقارب م ر . وكذا يشترط ما ذكر في الركاز ، ابن حجر شوبري .
قوله : ( وتتابع العمل ) أو قطعه بعذر كما يأتي .
قوله : ( ولا يشترط بقاء الأوّل على ملكه ) كأن زال ملكه عنه بنحو بيع أو بالتلف فيضم(3/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
الثاني والثالث لما تلف وتخرج زكاة الجميع إن كمل النصاب ؛ فإن زال ملكه عن الأول بالبيع أو الهبة كأَن كان كلما أخرج شيئاً باعه أو وهبه إلى أن أخرج نصاباً تبين بطلان نحو البيع في قدر الزكاة ويلزمه الإخراج عنه وإن تلف وتعذر رده ع ش .
قوله : ( ولا يشترط في الضم اتصال النيل ) أي المنال . وهذا لا ينافي قوله سابقاً وتتابع العمل إذ لا يلزم من تتابع العمل اتصال النيل ، فقد تكون الأرض صلبة يكثر العمل فيها ولا يدرك المنال .
قوله : ( اتصال النيل ) أي اتصالاً حقيقياً ، وإلا فالاتصال العرفي لا بد منه ، وفي القاموس : النيل والنول ما نلته أي حصلته .
قوله : ( كإصلاح آلة ) أي وهرب أجير م ر .
قوله : ( وإن طال ) غاية للضم .
قوله : ( فإن قطع بلا عذر ) أو تعدّد المعدن . قوله : ( بإعراضه ) نعم يتسامح بما اعتيد للاستراحة فيه من مثل ذلك العمل ، وقد يطول وقد يقصر ، ولا يتسامح بأكثر منه .
قوله : ( لا يضم الأول إلى الثاني ) خرج بالثاني غيره مما يملكه فيضم إليه شرح المنهج . وعلم بذلك أنه لا يشترط كون المستخرج نصاباً ، فقول الشارح السابق أي وأي نصاب ليس بقيد بل إذا بلغ المستخرج نصاباً يضمه لما عنده فإنه يزكي .
قوله : ( في إكمال النصاب ) الأولى في إخراج الزكاة عنه كما قاله ق ل . والمراد بقوله في إكمال النصاب أي لأجل أن يزكى الجميع وإن ضم إليه ليزكي الثاني فقط كما صرح به في المنهاج . ويفهم من قوله ويضم الثاني إلى الأول لأنه يلزم من ضم الثاني للأول ضم الأول للثاني ا ط ف ملخصاً .
قوله : ( إن كان باقياً ) هذا لا يناقض قوله سابقاً ولا يشترط بقاء الأول على ملكه لأن ذاك مفروض فيما إذا تتابع العمل وهذا فيما إذا لم يتتابع العمل ؛ هذا ما ظهر .
قوله : ( وتجب في المائة والخمسين الخ ) وينعقد الحول على المائتين من وقت تمامهما(3/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
ولا يتمان إلا بعد استخراج المائة والخمسين إن أخرج الزكاة من غيرهما ، يعني أنه إذا كان عنده في الصندوق خمسون واستخرج مائة وخمسين وجبت زكاة المائة والخمسين وانعقد حول المائتين من حينئذ وما مضي على الخمسين من المدة لا يحسب كما لا يخفى ، والقياس انعقاده من حين الإخراج من غيرهما لا من حين تمامهما لملك المستحقين جزءاً من المستخرج فينقص مجموع المملوك عن النصاب فلا ينعقد حوله .
قوله : ( والمانع له الحاكم فقط ) عبارة م ر : قال في الروضة : وينقدح حينئذ جواز منعه لكل مسلم ؛ لأنه صاحب حق فيه ، وبه صرح الغزالي وهو المعتمد .
قوله : ( ويفارق ما أحياه ) فإنه لا يملكه مطلقاً قوله : ( بتأبد ضرره ) أي ضر ما أحياه .
قوله : ( حصول النيل ) أي المنال .
قوله : ( بالخاء المعجمة ) أو بالجيم كما في بعض النسخ ؛ ولعل اختياره الأول لأنه لا يلزم من الوجود الأخذ .
قوله : ( من الركاز ) من الركز وهو الخفاء ، قال تعالى : ) أو تسمع لهم ركزاً } ) مريم : 98 ) أي صوتاً خفياً ح ل .
قوله : ( وخالف المعدن ) أي من حيث قدر الواجب وإن وافقه في الإخراج فوراً .
قوله : ( من حيث إنه ) أي الركاز . وقوله لا مؤنة في تحصيله كأن أظهره السيل ، وقوله أو مؤنته قليلة أي إن لم يظهره السيل .
قوله : ( كالمعشرات ) فإن فيها العشر أو نصف العشر بخلاف غيرها ، فإن فيه ربع العشر كعروض التجارة والذهب والفضة ، أي فلما كانت المعشرات لا مؤنة فيها أو مؤنتها قليلة كثر واجبها على ما مؤنته كثيرة ، قرره شيخنا العشماوي .(3/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
قوله : ( فأشبه الواجب ) أي من حيث إنه يصرف إلى الأصناف الثمانية ، قال م ر : وبه اندفع قياسه على الفيء . قوله : ( قد علم ) أي من قوله وأي نصاب وأما قوله : ولا يشترط الخ فقد علم من السكوت عنه .
قوله : ( ما قبل الإسلام ) أي الناس الذين قبل الإسلام ، فما واقعة على من يعقل تشبيهاً لهم بغير العقلاء لعدم اهتدائهم كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( أي قبل مبعث النبي ) شمل ذلك ما لو كان الدافن من قوم موسى أو عيسى وغيرهما أج .
قوله : ( أن لا يعلم أن مالكه الخ ) لا يقال هذا لا حاجة إليه ، لأن موضوع المسألة أنه دفين جاهلي أي قبل المبعث ، وهذا بعده فلا حاجة لاشتراطه ؛ لأنا نقول يمكن أن يكون شخص دفنه قبل البعثة وهو جاهلي ثم بعث الرسول وبلغته الدعوة ولم يؤمن فهذا دفين جاهلي ، فإذا وجده شخص فلا يملكه لأنه ليس بركاز بل فيء كما قال الشارح ؛ أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( بل فيء ) خمسه لأهل الخمس وبقيته لمن وجده كما نقله م د عن سم . وهو مبني على أنه يصرف مصرف الغنيمة ، وهو ضعيف ، والصحيح أنه يصرف مصرف الفيء خمسه للخمسة المذكورين في قوله تعالى : ) ما أفاء الله على رسوله } ) الحشر : 7 ) الآية ، وذكر الله ورسوله فيها للتبرك . والأخماس الأربعة للمرتزقة أي المرصدين للجهاد .
قوله : ( وسيأتي ) سيأتي أنه لقطة ، فكان الأخصر أن يقول بدل قوله وإن شك : وكذا لو شك .(3/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
قوله : ( فلقطة ) أي يعرّفه الواجد له سنة ثم له أن يتملكه إن لم يظهر مالكه ، شرح المنهج .
قوله : ( من أي الضربين ) كان المناسب من أي الدفينين ، وذلك لأن التبر لا ضرب فيه ، وقد يقال : إن قوله لم يعلم سالبة تصدق بنفي الموضوع .
قوله : ( في موات ) وفي معنى الموات القبور والقلاع الجاهلية كما في المنهج .
قوله : ( فلقطة ) أي ما لم يعلم مالكه ، وإلا فيجب رده عليه .
قوله : ( وإن وجده في ملك شخص ) أي فلا يدخل في البيع م ر . والمراد بقوله شخص أي يملك من المسلمين أو الذميين ، أما لو وجده في ملك شخص حربي بدار الحرب فله حكم الفيء إلا إن دخل دارهم بأمانهم فيردّ على مالكه وجوباً ، وإن أخذ قهراً فهو غنيمة كما نقله الأجهوري عن الزيادي .
قوله : ( أو في موقوف عليه ) أي على شخص ، فإن كان موقوفاً على نحو مسجد أو جهة عامة صرف لجهة الوقف على الأوجه اه حج .
قوله : ( فيكون له ) أو لوارثة أج .
قوله : ( وإن لم يدّعه ) بل وإن نفاه زي وح ل . واستقر به ع ش خلافاً لمن خالف في النفي .
قوله : ( لأنه ملكه ) أي لأنه بالإحياء ملك ما في الأرض وبالبيع لم يزل ملكه ، فإنه مدفون منقول ، فإن كان المحيي أو من تلقى الملك عنه ميتاً فورثته قائمون مقامه ، شرح المنهج . وقوله : وبالبيع أي فيخرج خمسه الذي لزمه يوم ملكه وزكاة باقيه للسنين الماضية ، شرح حج وم ر .
قوله : ( ولو تنازع الركاز ) الظاهر أن المراد به هنا المال المدفون لا بقيد كونه دفين الجاهلية حتى يأتي فيه التنازع ، تأمل . وعبارة بعضهم : هذا مشكل ؛ لأنه إذا كان في ملك شخص فهو له فحينئذ يكون للبائع أو المؤجر أو المعير ، ولا يتأتى هذا النزاع . ويجاب بأن المراد بالركاز المعنى اللغوي وهو الشيء المدفون بأن يقول أحدهما : أنا دفنته ، ويقول الآخر : أنا دفنته ، أو قال البائع : ملكته بالإحياء اه شرح م ر .
قوله : ( صدق ذو اليد ) إن أمكن صدقه ولو على بعد ، فإن لم يمكن لكون مثل ذلك لا يمكن دفنه في مدة يده لم يصدق ؛ شرح المنهج .(3/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
فصل : في زكاة الفطر
وهو لفظ إسلامي لم يعرف في الجاهلية لأنها من خصوصيات هذه الأمة ، وهذا الفصل يشتمل على ستة أطراف : وقت الوجوب ، ووقت الأداء ، وصفة المؤدّى عنه ، وصفة المؤدي ، وقدر المخرج ، وجنسه .
قوله : ( سميت ) أي مدلولها الذي هو القدر المخرج .
قوله : ( لأن وجوبها بدخول الفطر ) الأولى أن يقول : لأن الفطر أحد جزأي سببها المركب من شيئين : إدراك جزء من رمضان وجزء من شوّال . وأجيب بأن الوجوب لما كان لا يتحقق إلا بإدراك الجزء الثاني أضيفت إليه .
قوله : ( كأنها من الفطرة الخ ) لا يلزم عليه اتحاد المأخوذ والمأخوذ منه لاختلافهما ؛ وذلك لأن الفطرة الأولى بمعنى القدر المخرج ، والتي في المأخوذ منه بمعنى الخلقة ، فلم يتحد المأخوذ والمأخوذ منه . والمناسبة بينهما الارتباط من جهة التطهير ، وهو أن هذا القدر يطهر الخلقة شيخنا العشماوي .
قوله : ( التي هي الخلقة ) والمعنى أنها وجبت على الخلقة تزكية للنفس ، أي تطهيراً لها وتنمية لعملها ، شرح م ر .
قوله : ( فطرة الله ) أي الزم فطرة الله أي خلقته التي فطر الناس عليها أي خلقهم عليها وهي قبولهم الحق وتمكنهم من إدراكه وقيل : الفطرة هي الإسلام ، وقيل : البداءة التي ابتدأهم بها من الحياة والموت والسعادة والشقاوة ، وقيل : الفقر والفاقة ، وقيل : العهد المأخوذ على آدم وذريته وقررهم بأنه الرب وأنهم الربيب وأخذ عليهم عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق وقال للحجر الأسود : افتح فاك ففتحه ، فألقمه ذلك الرق وقال له : اشهد يوم القيامة لمن وافاك بالوفاء وإنه ليأتي يوم القيامة مثل جبل أبي قبيس وله عينان ولسان وشفتان يشهد للمؤمنين بالوفاء وعلى الكافرين بالجحود ، وإنه ليشهد لمن استلمه أو قبله من أهل الدنيا اه برماوي على الغزي .
قوله : ( قال وكيع ) شيخ الشافعي ، ومن كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي(3/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
قوله : ( تجبر نقصان الصوم ) أي بالنسبة لمن يصوم . وأشار بقوله تجبر إلى الجامع بينهما .
قوله : ( والأصل في وجوبها الخ ) ولم يلتفت إلى خلاف ابن اللبان القائل بسنيتها ؛ لأنه خارق للإجماع وغير مشهور زي . والمشهور فرضها في السنة الثانية من الهجرة عام الصوم اه سم ، أي قبل العيد بيومين .
قوله : ( فرض رسول الله ) أي فوّض الله تعالى له فرضها أي لما في فرضها من المصلحة ، فإنها جابرة لخلل الصوم ، وسبب لقبوله . أو المراد فرضها الله تعالى على لسان نبيه ، أو المراد بلغ فرضها الخ . فاندفع الاعتراض بأن الذي فرض وأوجب في الحقيقة هو الله تعالى أو أن الله خيره في ذلك . وما ذكر من أنها واجبة بالسنة هو المعتمد . وقيل : وجبت بالكتاب ، وهو قوله تعالى : ) قد أفلح من تزكى } ) الأعلى : 14 ) الآية . وإنما حكاه بقيل لأنه لا يدل على وجوبها . وأيضاً لم يقل : قد أفلح من زكى . وأخذ الزكاة من تزكى بعيد ، قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز : هي زكاة الفطر والسنة بينت الكتاب ووجوبها مجمع عليه ، ولا نظر لمخالفة ابن اللبان حيث قال بعدم وجوبها ، ومع ذلك لو جحدها إنسان فلا يكفر لأنها وإن كانت مجمعاً عليها لكنها مما يخفى فلا يكفر جاحدها لخفائها .
قوله : ( صاعاً ) بدل أو حال وأو للتنويع لا للتخيير .
قوله : ( على كل الخ ) بدل بعض من قوله على الناس ع ش . وقال ح ل : على بمعنى عن وهو بيان للمخرج عنه ، وقوله على الناس بيان للمخرج وعمومه ليس مراداً ، والمعنى : فرض على الناس أن يؤدّوا عن كل حر الخ . وما ذكره ع ش أولى لأنه يفيد وجوبها على المؤديّ عنه ابتداء . قوله : ( بثلاثة شرائط بل بأربعة ) منها ثلاثة في المؤدّي وهو أحد أركانها الأربعة ، والثاني : النية ، والثالث : المؤدّى عنه ، والرابع : المال المؤدّي . والوجه أن الإسلام معتبر في المؤدّى عنه ، فقوله فلا فطرة على كافر أي عن نفسه ، لأنه يلزمه فطرة من تلزمه مؤنته إذا كان مسلماً . والشرط الرابع متعلق بزمن الوجوب ق ل .
قوله : ( لأنها طهرة ) الأولى ولأنها عطف علة على علة لأنه تعليل ثان .(3/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
قوله : ( أنه ليس مطالباً ) أي منا ، وإلا فهو مطالب من جهة الشارع . وقوله بإخراجها أي عن نفسه ، وإلا فهو مطالب بإخراجها عن رقيقه وقريبه المسلمين أي بطريق الحوالة لأنها تجب ابتداء على المؤدّى عنه ثم يتحملها عنه المؤدّي .
قوله : ( وأما فطرة المرتد ) أي التي وجبت في الردّة .
قوله : ( فموقوفة ) لكن إذا أخرجها هو في حال ردته أجزأته إن عاد إلى الإسلام وتكون نيته للتمييز .
قوله : ( ولو غربت الشمس ) يغني عنه قوله : وكذا العبد المرتد ، فلو أسقطه أو أتي بفاء التفريع لكان أولى كذا قيل ، والظاهر أنه لا يغني عنه لشموله القريب .
قوله : ( ومن تلزم الكافر ) ليس بقيد . وقوله وقريبه المسلم المراد به الأصل وإن علا والفرع وإن سفل ح ف .
قوله : ( وبغروب ) أي وبإدراك غروب الخ وأتي بالباء لتوهم ذكرها فيما قبله ، أي ولو كان الغروب تقديراً ليشمل أيام الدجال ، أو الباء في بغروب للتصوير أي مصوّر بغروب الخ .
قوله : ( كل الشمس ) قضيته أنه لو ولد بعد غروب جزء منها لا يتعلق به الوجوب وإن أدرك جزءاً من شوّال لعدم إدراكه كل الغروب . وليس كذلك ، بل تجب في هذا لإدراكه الجزءين . ويخالفه قول سم على المتن : قوله بغروب الشمس احترازاً عما يحدث بعده أو معه من ولد ونكاح وإسلام وملك رقيق وغنى ، فإنه لا يوجبها لعدم وجود ذلك وقت الوجوب ، ولو شك في الحدوث أقبل الغروب أو بعده فلا وجوب للشك اه م د . وقد يقال : لا مخالفة ؛ لأن قول سم أو معه معناه أنه حدث مع آخر جزء من الغروب ؛ لأنه لا يحصل الغروب إلا بمغيب آخر جزء من الشمس ، فالمعية لا تتحقق إلا بمقارنة الحدوث لآخر جزء ؛ ولو ادّعى بعد وقت الغروب أنه أعتق القنّ قبله عتق ولزمه فطرته لأنه يدّعي نقلها عنه والأصل بقاؤها ، ولو وقع بيع العبد مع الغروب فلا زكاة عنه على أحد ، ولو وقع الجزءان في زمن خيارهما فعلى من تم له الملك أو لأحدهما فعليه وإن لم يتم له الملك .
قوله : ( في الخبر ) بدل من قوله في الحديث .(3/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
قوله : ( ولا بد من إدراك جزء ) الأولى أن يقول ولا بد من إدراك جزء من ليلة شوّال ؛ لأن إدراك جزء من رمضان فهم من قول المتن بغروب الشمس فيكون مكرراً ، ومراده بقوله ولا بد الخ الاعتراض على المصنف ؛ لأن في كلامه قصوراً حيث اقتصر على أحد الجزءين مع أنه لا بد من كل منهما .
قوله : ( فيما إذا قال لعبده الخ ) وفي هذه الصورة لا زكاة على السيد لخروج العبد عن ملكه قبل إدراك الجزء الثاني ولا على العبد لأنه لم يدرك الجزءين وهو حر . وحاصل ما ذكره أربع صور ، وخالف حج في شرح العباب فجعلها على السيد في الأولى ولا تجب على واحد منهما في الثانية ؛ نعم قدم هو في شرحه الثانية على الأولى .
قوله : ( بليلة ويوم ) بأن كان يخدم أحدهما يوماً والآخر ليلة ، وكذا القريب كأن ينفق عليه واحد نهاراً والثاني ليلاً .
قوله : ( فهي عليهما ) أي في الصورتين الأخيرتين ؛ أما في الأولى فلا فطرة على أحد ، وأما في الثانية فهي على العتيق ، وإن كان ظاهر كلام الشارح يقتضي رجوعه للصور الأربع . وفيه من الإجمال مالا يخفى . وقوله على العتيق لأن الحرية حاصلة مع آخر جزء من رمضان كالجزء الأوّل من شوّال فقد تحققت الحرية مع سببي الوجوب سم على المنهج ، لكن يرد عليه أنه حينئذ معسر لا يملك شيئاً والمعسر لا زكاة عليه وما يقع له من الإرث أو الهبة أو نحوهما بعد الوجوب لا يوجب عليه الإخراج . وقال ع ش على م ر : ويمكن تصويره بما لو مات مورّثه مقارناً لغروب الشمس فيكون العتق وملك ما يصرفه في الزكاة متقارنين ، فيقدّر سبق ملكه على الحرية أو سبقهما معاً على غروب الشمس ؛ وانظر ما المانع من تصوير ما ذكر بالمكاتب كتابة فاسدة فإنه يملك بعد عتقه وفطرته على سيده ما دام في ملكه وتعليق عتقه بما ذكر صحيح ، فتأمل .
قوله : ( لأن وقت الوجوب قد حصل في نوبتهما ) المراد أن جزءاً من جزءيه وقع في نوبة أحدهما والجزء الثاني وقع في نوبة الآخر وفي الحقيقة وجوب الفطرة لا لأجل المهايأة لأنها لاغية وإنما هو للملكية أو القرابة .
قوله : ( في نوبتهما ) الأولى في نوبتيهما بالتثنية .
قوله : ( دون من ولد بعده ) وكذا من شك في أنه ولد قبله أو بعده ، ويؤخذ من كلامه أنه(3/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
لو خرج بعض الجنين قبل الغروب وباقيه بعده فلا وجوب ؛ لأنه جنين ، ما لم يتم انفصاله ، م ر وسم أج .
قوله : ( ويسنّ أن تخرج الخ ) الحاصل أن لها خمسة أوقات : وقت جواز ، ووقت وجوب ، ووقت فضيلة ، ووقت كراهة ، ووقت حرمة . فوقت الجواز أوّل الشهر والوجوب إذا غربت الشمس ، والفضيلة قبل الخروج لصلاة العيد والكراهة تأخيرها عن صلاته إلا لعذر من انتظار قريب أو أحوج والحرمة تأخيرها عن يوم العيد اه ا ط ف .
قوله : ( كغيبة ماله ) أي في دون مسافة القصر ؛ لأن ما كان في مسافة القصر يمنع وجوب الزكاة ح ل وحج . فلو أخرها بلا عذر عصى وصارت قضاءً فيقضيها وجوباً فوراً . قال في المجموع : وظاهر كلامهم أن زكاة المال المؤخرة عند التمكن تكون أداء ، والفرق أن الفطرة مؤقتة بزمن محدود كالصلاة ، وقوله أو المستحقين ينبغي أن يكون المراد أنهم في محل يحرم نقل الزكاة إليه ح ل .
قوله : ( وجود الفضل الخ ) ويعتبر الفضل عما ذكر وقت الوجوب فوجوده بعده لا يوجبها اتفاقاً ، وفارق الكفارة حيث تستقر في ذمته إذا عجز عنها بأن اليسار هنا شرط للوجوب وثم شرط للأداء ؛ وكأن حكمته أن هذه مواساة فخفف فيها بخلاف تلك . وبه يفرق أيضاً بين ما هنا ووجوب الصلاة بإدراك جزء من وقت أدائها أو أداء ما يجمع معها اه شوبري . ويؤخذ من هنا قاعدة ، وهي أن الحق المالي إذا وجب على شخص فإن تسبب في وجوبه عليه استقر في ذمته وإن كان معسراً وقت وجوبه كالكفارة ، وإن لم يتسبب في وجوبه فلا شيء عليه إذا كان معسراً وقت وجوبه وإن أيسر بعده كالفطرة اه م د . وليس من الفاضل ما يحتاج إليه في العيد مما جرت به العادة في العيد من كعك وسمك ونقل ، فلا تخرج من ثمنه إذا لم يزد عن الحاجة ؛ وهذا إذا هيأه وأعدّه قبل الغروب .
قوله : ( من تلزمه نفقته ) أي ولو بهيمة فمن مستعملة في العاقل وغيره .
قوله : ( من زوجية ) أي إذا كانت في طاعته بخلاف ما إذا لم تكن في طاعته فإنها عليها حينئذ وهي الناشزة ، ومثلها صغيرة لا تطيق الوطء كما قاله ق ل وغيره . ولو زوّج أمته بعبده لزمه فطرتهما قطعاً اه . وقوله من زوجية أي من ذي زوجية الخ ؛ لأن الزوجية وما بعدها(3/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
ليست هي العيال وإنما العيال الزوجة أو البعض الخ كما قرره شيخنا العشماوي . وتجب فطرة الرجعية والبائن الحامل كما في ح ل لوجوب نفقتهما .
قوله : ( أو بعضية ) المراد بها الأصول والفروع .
قوله : ( أن يكون فاضلاً ) أي إذا كان ذلك في ابتداء وجوب الفطرة ، أما إذا ثبتت في ذمته صارت ديناً فيباع فيها كذلك أي مسكنه وخادمه أخذاً مما يأتي .
قوله : ( وخادم ) أي ثمنه إن كان مملوكاً وأجرته إن كان حرًّا .
قوله : ( يحتاج إليهما ) أي مطلقاً لا في خصوص اليوم والليلة كالقوت ، بدليل إطلاقه فيهما وتقييده في القوت باليوم والليلة ح ل .
قوله : ( بجامع التطهير ) لأن كلاًّ منهما يطهر مخرجه .
قوله : ( نفيسين ) المراد أنهما غير لائقين به فيبيعهما ويبدلهما بلائق ويصرف الزائد للفطرة ، ولو ألفهما بخلاف الكفارة لا يباعان إذا ألفهما ؛ لأن الكفارة لها بدل .
قوله : ( فإنه يباع فيها مسكنه وخادمه ) أي ولو لائقين لا ملبسه اللائق ح ل .
قوله : ( التحقت بالديون ) الأولى أن يقول لأنها صارت من الديون ؛ لأنها حينئذ دين لا ملحقة به . ذكره شيخنا العشماوي ، إلا أن يقال المراد بالتحاقها بها كونها صارت منها .(3/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
قوله : ( ومثله في ذلك ) أي الاختصاص والاشتراك .
قوله : ( وعمن تلزمه نفقته ) من هنا خاصة بمن يعقل .
قوله : ( ضابط ذلك ) أي لزوم فطرة الغير المفهوم من قوله وعمن تلزمه الخ ولا يخفى أن في كل من المستثنى والمستثنى منه خللاً ، أما الأول فلأن العبد في الاستثناء الثاني لا تلزمه فطرة نفسه فلم يدخل في الضابط حتى يستثني ، وكذا عبد المسجد إذا كان مملوكاً له كما يأتي ؛ لا يصح أن يقال يلزم عبد المسجد فطرة نفسه ، نعم يقال يلزم الناظر فطرة نفسه ولم يلزمه فطرة هذا العبد من ريع المسجد مع أنه يلزمه نفقته من ذلك ، وأما الثاني فلأن الكافر لا تلزمه فطرة نفسه مع أنه يلزمه فطرة من عليه نفقته من المسلمين . وكان الأولى أن يقول : وضابط ذلك من لزمه نفقة شخص لزمه فطرته ، ثم يستثني ما ذكر ليندفع الخلل في المستثنى والمستثنى منه .
قوله : ( مسائل ) أي عشرة .
قوله : ( الكفار ) لا وجه لاستثناء هذه لعدم دخولها في الضابط ؛ لأنه قيد بقوله إذا كانوا مسلمين فالأولى أن يقول : وخرج بقيد الإسلام فطرة الرقيق الخ ، وكذا قوله ومنها لا يلزم العبد لا وجه لاستثنائه لأنه لم يدخل في قوله من لزمته فطرة نفسه لأنها لا تلزمه ، فكان الأحسن أن يقول : كل من لزمه نفقة شخص لزمته فطرته ثم يستثنى منها ؛ وهذه المستثنيات من منطوق القاعدة ، ويستثني من مفهومها المكاتب كتابة فاسدة فإن نفقته لا تلزم السيد وتلزمه فطرته ، وكذا الأمة إذا كانت مسلمة لزوجها فلا يلزم سيدها نفقتها ويلزمه فطرتها إذا كان زوجها معسراً أو عبداً .
قوله : ( لأنه ليس أهلاً ) هذا التعليل يشمل الكافر فكان الأولى التعليل بأنه لا يملك وإن ملكه سيده .
قوله : ( تجب نفقته ) أي على الإمام فهو داخل في الضابط ؛ لأن الإمام تلزمه فطرة نفسه ولا يلزمه فطرة هذا العبد الذي تلزمه نفقته .(3/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
قوله : ( فإن الفطرة على سيده ) كان الأولى : فلا فطرة على المكتري .
قوله : ( فنفقته عليه ) أي على العامل .
قوله : ( ومنها ما لو حج بالنفقة ) كأن أجره أن يحج عنه بالنفقة قبل العيد .
قوله : ( وإن وجبت نفقتهما ) وجوب نفقة عبد المسجد من ريعه ، وأما الموقوف عليه فإن نفقته في بيت المال ثم على أغنياء المسلمين ؛ لأن الملك فيه لله تعالى ، وكذا يقال في الموقوف على جهة أو معين كما يأتي . واستثناء عبد المسجد لأن ناظر المسجد تلزمه فطرة نفسه ولا تلزمه فطرة من تلزمه نفقته وهو عبد المسجد وإن كانت نفقته من ريع المسجد ؛ لأن الناظر ملزم بها تأمل .
قوله : ( ملكاً له ) أي للمسجد بأن وهب له أو أوصى له به ، فإن المسجد يملكه ولا يحتاج إلى قبول من الناظر . وفائدة كونه ملكاً للمسجد أنه يباع في مصالحه دون الموقوف عليه ، فإنه لا يجوز بيعه .
قوله : ( على جهة ) كالفقراء أو معين كرجل ومدرسة ، وعدّد المثال إشارة إلى أنه لا فرق في المعين بين كونه عاقلاً أو لا ، كذا بخط الميداني . وقيل : إن قوله كرجل ومدرسة لف ونشر مشوش .
قوله : ( ولو أعسر الزوج ) أي ولو عبداً ، فقول الشارح أو كان الخ من ذكر الخاص بعد العام ، وقوله لا الحرة أي لا يلزم الحرة ولو كانت غنية فلا فطرة لها في هذه الحالة .
قوله : ( فلا تلزمها ) أي بناء على الأصح أنها من باب الحوالة ، وأما لو جرينا على خلاف الأصح أنها من باب الضمان فإنها تجب على الزوجة إذا أعسر الزوج كما يرجع على الأصيل إذا أعسر الضامن ، وتجب فطرة الزوجة المطيعة وخادمها إن كان مملوكاً لها أولهما دون المؤجرة بالدراهم . قال شيخنا ع ش : ومثل ذلك ما يكثر وقوعه في مصرنا وقراها من استئجار شخص لرعي دوابه أو خدمة زرعه بشيء معين فإنه لا فطرة له لكونه مؤجراً إجارة صحيحة أو فاسدة ، بخلاف ما لو استخدمه بالنفقة والكسوة فإنه تجب فطرته . وأما التي صحبتها بالنفقة فلا(3/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
تجب فطرتها على ما في المجموع لأنها في معنى المستأجرة ، أي إذا كانت نفقتها مقدرة . وهذا هو المعتمد ، وإن اقتضى كلام الروضة وأصلها الوجوب ، أي إذا كانت نفقتها غير مقدرة لأنها تتبع النفقة ، وبه صرح جماعة ، ولو كانت الخادمة متزوجة بزوج غني فالقياس الوجوب على زوج الخادمة نظراً للأصل ، فإن أعسر وجبت على زوج المخدومة إذا كانت مستأجرة بنفقة غير مقدرة ، كذا بحث اه برماوي على المنهج . ولو كان الزوج موسراً فأخرجت عن نفسها بغير إذنه لا رجوع لها لأنها متبرعة ولأنها على الزوج كالحوالة على الصحيح ، والمحيل لو أدى بغير إذن المحال عليه لم يرجع عليه .
فرع : خادم الزوجة حيث وجبت فطرته يكون في أي مرتبة ؟ ينبغي أن يكون بعد الزوجة وقبل سائر من عداها حتى ولده الصغير وما بعده ؛ لأنها وجبت بسبب الزوجية المقدمة على سائر من عداها وفاقاً في ذلك لم ر اه سم على المنهج . ويجب على الزوج الإخراج عن زوجته الرجعية والبائن الحامل من دون الحائل م ر على البهجة . وقوله والبائن الحامل دون الحائل أي لأن النفقة واجبة لها دونها ، إذ وجود الحمل اقتضى وجوب النفقة فيقتضي وجوب الفطرة أيضاً . وقد يفرق بأن النفقة لها مدخل في نحو الحمل وزيادته ولا كذلك الفطرة ، إلا أن يقال على بعد : لو لم يجب إخراج فطرة الحامل على الغير لوجبت عليها وقد تخرج ما تحتاج إليه في اليوم الذي يلي يوم الفطرة ولا تجد ما تقتات به في ذلك اليوم فيحصل لها وهن في بدنها فيتعدى لحملها ، فأوجبنا الفطرة على الغير خلوصاً من ذلك اه ع ش على م ر .
فرع : قال الصيمري : فطرة ولد الزنا على أمه إذ لا أب له كما تلزمها نفقته ، وكذا من لا عنت فيه لذلك ؛ فإن اعترف به الزوج لم ترجع الأم عليه بما أدته من فطرته كما لا ترجع عليه بما غرمته من نفقته . وكأنّ وجهه أنه حال إخراج الفطرة والإنفاق كان منفياً عنه ظاهراً ولم يثبت نسبه إلا من حين استلحاقه ، ثم رأيته علل بأن ذلك منها على سبيل المواساة ؛ وقضيته أنه لو كان بإجبار حاكم رجعت وهو محتمل ، اه عب وشرحه .
قوله : ( لانتفاء يساره ) علة للثاني أي قوله ولا زوجها ، وأما هي فبناء على أن الزوج تحملها بعد أن وجبت عليها وقوله : والفرق أي بين الحرة والأمة حيث وجبت في هذه الحالة على سيد الأمة ولم تجب على الحرة ولو غنية .
قوله : ( لاستخدام الخ ) إن قلت فرض المسألة في أمة تجب على الزوج نفقتها بأن لم يستخدمها السيد فتجب حينئذ فطرتها على الزوج إن كان موسراً وعلى السيد إن كان معسراً ، وأما إذا كان السيد يستخدمها فالنفقة والفطرة واجبتان عليه سواء كان الزوج موسراً أو معسراً . وقول الشارح : لاستخدام الخ يقتضي أنه إذا كان السيد يستخدمها لا تجب عليه فطرتها إلا إذا كان الزوج معسراً . أجيب بأن معنى قوله لاستخدام السيد لها أن له أن يستخدمها ولا يمنعه منه(3/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
زوجها أي ولم يستخدمها بالفعل كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة المرحومي : لاستخدام الخ ، أي لأنه بسبيل من أن يستخدمها ، وإلا فوضع المسألة أنها مسلمة للزوج ليلاً ونهاراً حتى تجب نفقتها لأن الفطرة تابعة للنفقة اه . والحاصل أن الأمة إن كانت مسلمة للزوج ليلاً ونهاراً فعليه نفقتها ، ثم إن كان موسراً ففطرتها عليه أيضاً ، وإن كان معسراً فعلى السيد ، وإن كانت مسلمة ليلاً فقط ويستخدمها السيد نهاراً فليس على زوجها شيء ، تأمل م د .
قوله : ( ويزكي عن نفسه ) اقتصر على ذلك ليلاً . ثم قوله صاعاً من قوت بلده إذ زكاته عن غيره من غالب قوت بلد الغير كما سينبه عليه قريباً . فإن قلت : صريح المتن أن هذا راجع لزكاته عن نفسه وزكاته عمن تلزمه نفقته . قلت : في كلام المتن توزيع ، ولما كان في كلامه نوع إجمال بين الشارح المراد منه بما ذكره .
قوله : ( وفي غيره ) أي غير البلدي وهو البدوي .
قوله : ( لأن ذلك ) أي غالب قوت محله ، وانظر هذا علة لماذا . وعبارة م ر : ويختلف باختلاف الخ ، من غير جعله علة ، إذ لا يظهر كونه علة للغالب أو القوت إذ لا ينتج المطلوب .
قوله : ( ويجزىء القوت الأعلى الخ ) أي بخلاف زكاة المال ، فإنه لا يجزىء فيها إخراج الذهب عن الفضة مثلاً ، قال الرافعي : لأن الزكاة المالية متعلقة بالمال فأمر أن يواسي الفقراء بما واساه الله تعالى به والفطرة زكاة البدن فوقع النظر فيها لما هو غذاء البدن والأعلى يحصل هذا الغرض وزيادة زي مرحومي .
قوله : ( بزيادة الاقتيات ) أي بزيادة نفعه كما يدل عليه كلامه بعد ، وليس المراد بزيادة الاقتيات كثرته لئلا يلزم عليه أنه لو كثر الاقتيات بنحو الشعير كان أعلى من البرّ ؛ وليس كذلك ، وليس مراده بالأعلى الأعلى قيمة .
قوله : ( فالبرّ خير من التمر ) لكونه أنفع اقتياتاً .
قوله : ( والأرزّ ) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي في أشهر اللغات السبع . الثانية : كذلك ، إلا أن الهمزة فيها مضمومة أيضاً . الثالثة : ضمهما ، إلا أن الزاي مخففة . الرابعة : ضم(3/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
الهمزة وسكون الراء . الخامسة : حذف الهمزة وتشديد الزاي . السادسة : رنز بنون بين الراء والزاي . السابعة : فتح الهمزة وضم الراء مع تخفيف الزاي على وزن عضد ذكره م ر الكبير في حواشي الروض . قال البويطي تلميذ الشافعي : يستحب الإكثار من الصلاة على النبيّ عند أكل الأرز لأنه خلق من نوره ، لكن قوله خلق من نوره فيه نظر فإن حديثه لم يثبت . والعدس بفتح العين والدّال وبالسين المهملات رديء الغذاء عسر الهضم لأنه بارد يابس ، وما ذكره السيوطي في جامعه الصغير من قوله في حديث : ( وعليكم بالعَدَسِ فإنه قُدّسَ على لسان سَبْعين نَبِّياً ) رده المناوي في شرح الجامع بل قال بوضعه ، ثم قال : والحق أنه لم يقدّس ولا على لسان وليّ لله فراجعه . قال سيدي علي الأجهوري :
أخبار رزّ ثم باذنجان
عدس هريسة ذوو بطلان قال الشيخ عبد البرّ : لما حرث آدم وهو أول حارث في الأرض ، فلما مشى الثوران على الأرض بكيا على ما فاتهما من راحة الجنة وقطرت دموعهما على الأرض فنبت منها الحشيش الأخضر ، وبالا فنبت من بولهما الحمص ، وراثا فنبت من روثهما العدس ؛ ثم كسر جبريل تلك الحبوب حتى كثرت ثم بذر ونبت من ساعته .
قوله : ( فالشعير خير منه ) أي من الزبيب ، فعلم أن الأعلى البرّ فالشعير فالأرز فالتمر فالزبيب ويتردد النظر في بقية الحبوب كالذرة والفول والحمص ، قال شيخنا ح ف : وترتيبها في الأعلى كترتيبها الواقع في البيتين المشهورين ، أعني :
بالله سل شيخ ذي رمز حكى مثلاً
عن فور ترك زكاة الفطر لو جهلا
حروف أولها جاءت مرتبة
أسماء قوت زكاة الفطر إن عقلا قوله : ( أعلى منه ) مفعول يخرج المقدر .
قوله : ( أو أخرجه من نوعين ) هذا مفهوم قوله من جنسين .(3/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
قوله : ( لو كانوا يقتاتون الخ ) عبارة م ر : وعلم من عدم جواز تبعيض الصاع المخرج أنهم لو كانوا يقتاتون الخ .
قوله : ( تخير ) أي بين إخراج صاع من شعير أو صاع من قمح ، قال ع ش : قضيته أنه لا يجوز إخراج نصف من هذا ونصف من هذا ؛ لأنه لا يجوز أن يبعض الصاع من جنسين .
قوله : ( فإن لم يجد الخ ) راجع للصورتين كما يدل عليه كلام ع ش ، وقيل : إنه راجع للثانية . قوله : ( الواجب عليه ) أي الآن ويبقى الآخر في ذمته ، والواجب عليه نصف من الأكثر في الثانية ومن أحدهما في الأولى .
قوله : ( ولا يجزىء الآخر ) أي وإن كان أعلى فيجب إبداله من جنس الذي أخرجه .
قوله : ( فالعبرة بغالب الخ ) أي والعبرة أيضاً بفقراء محل المؤدي عنه ، فمن يخرج عن غيره لا يدفع هذا المخرج لفقراء محل نفسه بل لفقراء محل المؤدي عنه قوله : ( تجب أولاً عليه ) أي ولو غير مكلف . ولا يقدح في ذلك عدم صحة توجه الخطاب إليه ، إذ هو غير مستقر هنا م ر ؛ أي لأنه ينتقل عنه ، فمحل قولهم غير المكلف لا يخاطب أي خطاب استقرار . وأجاب سم بأن غير المكلف يخاطب خطاب إلزام لذمته لا خطاب تكليف ، أي فهو مخاطب هنا خطاب شغل ذمة ، بدليل وجوب الإخراج عليه إذا لم يخرج من تلزمه مؤنته ، أفاده شيخنا ح ف .
قوله : ( ثم يتحملها عنه المؤدي ) أي بطريق الضمان ، والصحيح أنه بطريق الحوالة لأنها لازمة له ولا يطالب بها المتحمل عنه شيخنا .
قوله : ( فإن لم يعرف ) مقابل لمحذوف تقديره : هذا إن عرف محله .
قوله : ( استثناء هذه ) أي من كون الصاع من قوت محل المؤدى عنه ، أي ويخرج من قوت محل المؤدي الذي هو السيد ويصرف لفقراء محله .
قوله : ( من قوت آخر محل الخ ) ويجب إرساله لأهل ذلك المحل ق ل . والمعتمد الاحتمال الثاني .(3/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
قوله : ( أو يخرج للحاكم ) أي بشرط أن يكون ما يخرجه من أعلى الأقوات أو من آخر محل عهد وصوله إليه ؛ لأن للحاكم النقل حينئذ ز ي وح ل . وهذا يفيد أنّ أو على بابها ، ونقل شيخنا عن شيخه عبد ربه أنها بمعنى الواو . وحاصل هذه المسألة أن فيها قولين ، القول الأول : يقول إن هذه مستثناة ، وعلى هذا يخرج من قوت السيد أو من أشرف الأقوات . والقول الثاني : أنها ليست مستثناة ، ويخرج من قوت آخر محل عهد وصوله إليه ؛ وهذا هو المعتمد . وقوله أو يخرج للحاكم أو بمعنى الواو راجع للقولين ، وبعضهم جعل أو في قوله أو يخرج للحاكم على حقيقتها وجعله قولاً ثالثاً وجعل ما قبله من القولين ضعيفاً .
قوله : ( خمسة أرطال الخ ) لأنه أربعة أمداد وكل مدّ رطل وثلث .
قوله : ( والأصل فيه الكيل ) أي الغالب فيه ذلك فلا يرد اللبن ونحوه ، وقال بعضهم : قوله والأصل فيه الكيل أي إن تأتى كيله ، وإلا فالعبرة فيه بالوزن كالجبن والأقط .
قوله : ( استظهاراً ) أي استيفاء لجميع التقادير لا الاحتياط كما يتبادر إلى الفهم ؛ لأنه يقتضي أنه لا بد من الوزن كما تقدم وليس كذلك .
قوله : ( بالصاع النبوي ) أي الذي أخرج به في عصره .
قوله : ( أو معياره ) بالرفع معطوف على الصاع المرفوع ، وقوله : فإن فقد أي كل منهما أخرج الخ .
قوله : ( أربع حفنات ) بفتح الحاء والفاء ، أي فتكون الحفنة مداً لأن الصاع أربعة أمداد ، والحفنات جمع حفنة والحفنة ملء الكفين ، يقال : حفن يحفن من باب ضرب يضرب إذا أخذ ملء كفيه ، والحفنات على وزن سجدات .
قوله : ( والغلت ) ليس بكلمة عربية إذ الذي في كتب اللغة أن الغلت معناه الغلط ، والمراد به هنا ما فيه من نحو تراب وطين .
قوله : ( وينبغي له أن يزيد ) الزيادة مندوبة ع ش على م ر .(3/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
قوله : ( إلا القمح ) أي لأنه الغالب في مصر .
قوله : ( الشاشي ) نسبة إلى الشاش اسم لمدينة من بلاد العجم اه مصباح .
قوله : ( ثمانية أرطال ) أي تقريباً .
قوله : ( ويضاف إليه من الماء ) عبارة حج : وهو يحمل نحو ثلاثة أرطال من الماء فيجيء منه نحو ثمانية أرطال اه ، وقال نحو ثمانية أرطال لأن المجموع ثمانية وثلث والثلث تحت النار .
قوله : ( نحو الثلث ) أي قدر ثلث الثمانية أرطال وهو رطلان وثلثان ، تضم لما ذكر تبلغ ثمانية . وليس المراد ثلث الخمسة والثلث ؛ لأنه لا يبلغ ما ذكر اه شيخنا . ووجد أيضاً مثله بخط أ ج .
قوله : ( وهو كفاية الفقير ) قال سم : هذه الحكمة لا تأتي على مذهب الشافعي من وجوب صرف الصاع للثمانية أصناف ، فلا يجوز صرفه لفقير واحد حتى يتأتى ما ذكر ، ولا تأتي أيضاً في صاع التمر والأقط والجبن واللبن ، اللهم إلا أن يجاب عن الأوّل بأنه قلد من يجوّز دفعها لواحد ، أو أنه بالنظر لما كان شأن النبي والصدر الأول من جمع الزكوات وتفرقتها . وفيه أن الإمام وإن جمعها لا يلزمه أن يدفع لكل فقير صاعاً ، وعن الثاني بأنه بالنظر لغالب الواجب وهو الحب تأمل اه بزيادة . وقوله لا يلزمه أن يدفع الخ قد يقال : يندب له ذلك إذا كان عنده زكوات كثيرة مراعاة لما ذكر .
قوله : ( جنس الصاع ) وجملته أربعة عشر جنساً يجمعه رمز : بالله سل الخ .
قوله : ( الأقط ) بفتح الهمزة وكسر القاف ويجوز تسكينها مع تثليث الهمزة ، حكاه ابن سيده وغيره دميري . وقوله لبن أي مائع ليخالف الأقط .(3/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
قوله : ( وإجزاء ) مبتدأ خبره لمن هو قوته .
قوله : ( المصل ) هو ما سال من اللبن إذا طبخ ثم عصر ، ويقال له مصالة أيضاً كما في القاموس ، ويسمى عند العامة بمش الحصير اه ح ف .
قوله : ( جوهره ) أي ذاته وقوله بخلاف الملح اليسير أي بخلاف ذي الملح بدليل قوله فيجزىء الخ .
قوله : ( زكاة موليه ) أي وهوالصغير والمجنون والسفيه . وقيد بالغني لأجل قوله وله وإلا لو لم يكن غنياً كان واجباً عليه .
قوله : ( بتمليكه ) أي فيجعل الدفع عنه بمنزلة التمليك .
قوله : ( كولد رشيد ) أي إذا لم تلزم نفقته وإلا وجبت عليه فطرته وكان له إخراجها من غير إذنه ، وكذا المملوك والزوجة .
قوله : ( لا من واجبه ) أي كل موسر .
قوله : ( كما وقع في المنهاج ) يمكن حمل كلام المنهاج على ما إذا كان الرقيق بمحل ليس فيه قوت مجزىء وكانت بلد السيد أقرب البلاد إليه ز ي أو كان قوت بلد الرقيق من جنس قوت بلد السيد فيأذن لرقيقه أن يخرج من قوته .
فصل : في قسم الصدقات
جمع صدقة ، تشمل الواجبة والمندوبة والمراد الواجبة . ولو قال في قسم الزكوات لكان أولى .
قوله : ( أي الزكوات ) احتاج له لأن الصدقة أعم رحماني .(3/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
قوله : ( وسميت ) أي الزكوات بذلك أي الصدقات .
قوله : ( وذكرها المصنف ) المناسب ذكره أي القسم ؛ لكنه أنث الضمير لاكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه .
قوله : ( وهو أنسب الخ ) لأن الكلام في الزكاة وذكرها بعد قسم الفيء والغنيمة له مناسبة ، وهي أن كلاً من الثلاثة مال يجمعه الإمام أو نائبه .
قوله : ( من أصنافها الثمانية ) وكذا زكاة الفطر .
قوله : ( إلى الأصناف الثمانية ) أي إن قسم الإمام الزكاة فإن قسم المالك فلا عامل اه مرحومي . وقد جمع بعضهم الثمانية في قوله :
صرفت زكاة الحسن لم لا بدأت بي
فإني أنا المحتاج لو كنت تعرف
فقير ومسكين وغاز وعامل
ورقّ سبيل غارم ومؤلف
اه شوبري :
قوله : ( وهم ) في تقديره تغيير إعراب المتن .
قوله : ( والمساكين ) جمع مسكين بكسر الميم ، وفي لغة بني أسد فتحها . وهو من السكون ، كأنّ العجز أسكنه أو لسكونه إلى الناس .
قوله : ( قد علم من الحصر ) أي حصر المبتدأ في الخبر ويسمى قصراً ، وهو من قصر الصفة وهي الصدقات على الموصوف ؛ فالمعنى عند الشافعي إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم ولا لبعضهم فقط ، بل يجب استيعابهم . والمعنى عند الإمام مالك وأبي حنيفة إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم ، وهذا يصدق بعدم استيعابهم ويجوز دفعها لصنف منهم ولا يجب التعميم ، وقال ابن حجر في شرح العباب : قال الأئمة الثلاثة وكثيرون : يجوز صرفها إلى شخص واحد من الأصناف . قال ابن عجيل اليمني : ثلاثة مسائل في الزكاة يفتى فيها على خلاف المذهب : نقل الزكاة ودفع زكاة واحد إلى واحد ودفعها إلى صنف واحد اه أ ج .(3/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
قوله : ( وأضاف في الآية الكريمة الخ ) فإن قلت : ما وجه الفصل بين الأولين من الأربعة الأخيرة وبين الأخيرين منها بلفظ في مع الاكتفاء بها في الأولى كما اكتفى باللام في الأولى من الأربعة الأول ؟ قلت : للإشارة إلى أن الأولين منهم وهم المكاتبون والغارمون إنما يأخذان لغيرهما والأخيرين يأخذان لأنفسهما اه أ ج . وعبارة ق ل على الغزي : وذكر في الآية الأربعة الأول بلام الملك لإطلاق ملكهم لما يأخذونه ، وفي البقية بفي الظرفية إشارة إلى أنه يسترد منهم ما أخذوه إن لم يصرف فيما هو له سواء بقي كله أو بعضه ، وأعاد في الظرفية في قوله وفي سبيل الله وابن السبيل إشارة إلى مخالفتهما لما قبلهما من حيث إن الأولين أخذ لغيرهما ، لأن المكاتب يأخذه لسيده والغارم للدائن وهما أي الغازي وابن السبيل أخذا لأنفسهما اه . وأتي بالواو دون أو لإفادة التشريك بينهم فيها ، فلا يجوز تخصيص بعض الأصناف الموجودين بها ، قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه وآخرون . وقال الأئمة الثلاثة وكثيرون : يجوز صرفها إلى صنف واحد من الأصناف . واحتج أصحابنا بالإجماع على أنه لو قال هذه الدار لزيد وعمرو وبكر قسمت بينهم فكذا هنا ، شرح عب . وإنما بدأ في الآية بالفقير لشدة حاجته .
قوله : ( بإطلاق الملك ) المراد أنهم يملكونه بمجرد الأخذ من غير شرط .
قوله : ( وتقييده ) أي أنهم لا يملكونه بمجرد الأخذ بل يشترط صرفه فيما أخذوه له .
قوله : ( بخلافه ) أي الملك ، وقوله في الأربعة أي الأربعة الأولى .
قوله : ( وأنا أذكرهم ) المناسب الإفراد لعود الضمير على التعريف ، وقال بعضهم : قوله وأنا أذكرهم أي التعريفات .
قوله : ( من لا مال له ) أي عنده ولا كسب بأن لا يكون له مال ولا كسب أصلاً أو كان له كسب لا يليق ، أو كان له مال أو كسب يليق ؛ لكن لا يقعان موقعاً من كفايته فكلامه شامل لثلاث صور .
قوله : ( لائق ) بالرفع صفة لمحل اسم لا قبل دخولها ؛ لأن محله رفع بالابتداء ، فاندفع ما يقال إن المناسب تنوين اسم لا لأنه موصوف فهو شبيه بالمضاف . ويجاب بأنه وصف بعد دخولها لا قبله ، وخرج غير اللائق لكونه حراماً أو يزري به . وعبارة م د على التحرير : قوله ولا كسب أي لائق به حلال يقع موقعاً أي يسد مسداً ، فخرج باللائق غيره فهو كالعدم ؛ وأفهم أن(3/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
أهل البيوت الذين لا يعتادون الكسب بأيديهم لهم أخذ الزكاة ، وهو المعتمد . وخرج بالحلال الحرام فلا أثر له . وأفتى ابن الصلاح بأن من في يده مال حرام وهو في سعة منه يحل له أخذ الزكاة إذا تعذر عليه وجه إحلاله اه . والكسوب غير فقير وإن لم يكتسب إن وجد من يستعمله وقدر عليه ولاق به حل له تعاطيه اه م ر . وذو المال الذي عليه قدره ديناً ولو حالاً غير فقير ، فلا يعطي من سهم الفقراء حتى يصرف ما معه في الدين ؛ والأولى أن يزاد في التعريف : ولم يكتف بنفقة من تلزمه نفقته اه ، أخذاً من قول الشارح بعد : ويمنع فقر الشخص الخ .
قوله : ( يقع جميعهما ) أي كل منهما على انفراده ، وقوله أو مجموعهما أي جملتهما ، فالمراد بالمجموع هنا الأمران بشرط اجتماعهما ، والمراد بالجميع كل منهما بدلاً عن الآخر .
قوله : ( من كفايته ) أي لبقية عمره الغالب وهو اثنان وستون سنة من ولادته اه ق ل . قال الشوبري : نعم يبقى النظر فيما لو كان عنده صغار ومماليك وحيوانات ، فهل نعتبرهم بالعمر الغالب إذ الأصل بقاؤهم وبقاء نفقتهم عليه أو بقدر ما يحتاجه بالنظر للأطفال ببلوغهم وإلى الأرقاء بما بقي من أعمارهم الغالبة وكذلك الحيوانات ؟ للنظر في ذلك مجال ، وكلامهم يومىء إلى الأول ، لكن الثاني أقوى مدركاً ، فإن تعذر العمل به تعين الأول حج اه .
قوله : ( وغيرها ) أي من أثاث البيت مثلاً كحصير ومخدة وغير ذلك .
قوله : ( ولا يملك ) أي إذا كان لا يكتسب ، وقوله أو لا يكتسب الخ أي إذا كان ممن يكتسب قوله : ( إلا درهمين أو ثلاثة ) زاد في شرح المنهج : ولو غير زمن ومتعفف عن المسألة ، لقوله تعالى : ) وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } ) الذاريات : 19 ) أي غير السائل .
قوله : ( أو أربعة ) بخلاف ما إذا كان خمسة فما فوق إلى دون العشرة فمسكين ، مرحومي .
قوله : ( أو ثمانية ) أي أو ستة أو خمسة ، والمراد النصف فما فوق أي دون ما يكفيه .
قوله : ( لا يكفيه العمر الغالب ) أي بقيته وهو اثنتان وستون سنة ق ل .
قوله : ( كفايته بنفقة ) أي واجبة ، وقوله قريب أي أصل أو فرع أو زوج ولو في عدة طلاق رجعي وبائن وهي حامل كما قاله الماوردي ، ولو سقطت نفقتها بنشوز لم تعط لقدرتها على(3/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
النفقة حالاً بالطاعة ، ومن ثم لو سافرت بلا إذن ومنعها أعطيت من سهم الفقراء والمساكين حيث لم تقدر على العود حالاً لعذرها وإلا فمن سهم ابن السبيل إذا عزمت على الرجوع لانتهاء المعصية . وخرج بما ذكر المكفي بنفقة متبوع فيجوز له الأخذ ، وأفهم قوله كفايته أن الكلام في زوج موسر ، أما معسر لا يكفي فتأخذ تمام كفايتها بالفقر ؛ ويؤخذ منه أن من لم يكفها ما وجب لها على الموسر لكونها أكولة تأخذ تمام كفايتها بالفقر ولو منه فيما يظهر ، وأنه لو غاب زوجها ولا مال له ولم تقدر على التوصل إليه وعجزت عن الاقتراض أخذت ؛ وهو ظاهر . كما يؤخذ من كلام الغزالي وفتاوى المصنف من أن الزوج أو المنفق لو أعسر أو غاب ولم يترك منفقاً ولا مالاً يمكن الوصول إليه أعطيت الزوجة أو القريب بالفقر والمسكنة ، ويسنّ لها أن تعطي زوجها من زكاتها ولو بالفقر وإن أنفقها عليها كما قاله الماوردي خلافاً للقاضي ، شرح م ر مع تصرف .
قوله : ( أو سيد ) لم يذكر هذا في المنهج وهو أولى لأنه لا حق في الزكاة لمن به رق غير المكاتب كما سيأتي ، والمكاتب نفقته في كسبه لا على السيد . وقولنا لا حقّ في الزكاة أي حتى تكون كفايته بنفقة سيده مانعة من أخذها .
قوله : ( كمكتسب ) تنظير ، وقوله واشتغاله معطوف على قوله كفايته أي ويمنع فقر الشخص ومسكنته اشتغاله الخ .
قوله : ( لا اشتغاله بعلم شرعي ) أي فلا يمنع فقره بل يعطي من الزكاة ، قيل : ومثلها وجوب نفقته على والده ، والمعتمد أنها لا تجب عليه نفقته حينئذ ، قال الشهاب م ر : والفرق بينها وبين الزكاة ظاهر ، كذا بخط شيخنا الشوبري مرحومي . وقوله ظاهر لعله مما علم من أن الفقير قد ثبت له حق في الزكاة ، لكن في حاشية ز ي وجوب النفقة كالزكاة إذا كان يتأتى منه العلم ، ونصها : مثله أي في وجوب الإنفاق عليه ما لو كان له كسب يليق به لكنه كان مشتغلاً بالعلم والكسب يمنعه كما قاله بعضهم قياساً على الزكاة أ ج . والعلم الشرعي الفقه والتفسير والحديث وآلاتها .
قوله : ( لأنه فرض كفاية ) فيه تلميح إلى أن الاشتغال بفروض الكفاية لا يمنع الفقر والمسكنة .
قوله : ( مسكنه ) وإن اعتاد السكنى بالأجرة ، بخلاف ما لو نزل في موقوف يستحقه على الأوجه فيهما ، لأن هذا كالملك بخلاف ذاك ، ابن حجر . وعبارة م د على التحرير : قوله(3/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
مسكنه أي الذي يحتاجه ولاق به ، فإن اعتاد المسكن بالأجرة أو في المدرسة ومعه ثمن مسكن أو له مسكن خرج عن اسم الفقر بما معه كما بحثه السبكي ، وإنما لم يبع المسكن هنا وبيع على المفلس لأن الزكاة حق الله فسومح فيها بخلاف حق الآدمي ، شرح عب .
قوله : ( وخادمه ) ولو لمروءته بأن اختلت مروءته بخدمة نفسه أو شقت عليه مشقة لا تحتمل عادة اه م ر .
قوله : ( وثيابه ) ولو للتجمل ؛ ويؤخذ منه صحة إفتاء بعضهم بأن حلي المرأة المحتاجة للتزين به عادة لايمنع فقرها ، اه ز ي .
قوله : ( وكتب ) وإن تعددت أنواعها ، فإن تعددت من نوع واحد بيع ما زاد على واحد منها إلا نحو مدرس واختلف حجمها ق ل . وعبارة شرح م ر : ولو تكررت عنده كتب من فن واحد بقيت كلها لمدرس والمبسوط لغيره فيبيع الموجز إلا أن يكون فيه ما ليس في المبسوط فيما يظهر أو نسخ من كتاب بقي له الأصح لا الأحسن اه . وأما المصحف فيباع مطلقاً ، لأنه تسهل مراجعة حفظته ، فلو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له سم على ابن حجر .
قوله : ( ولا مال له غائب ) أي أو حاضر وقد حيل بينه وبينه اه خ ض .
تنبيه : علم مما تقرر أن المسكين أحسن حالاً من الفقير ؛ لأنه تعالى سمى مالكي السفينة مساكين ، فدل على أن المسكين من يملك ما مر ، وهو غالباً يحصل ما يقع موقعاً من الكفاية ؛ ولأنه تعوّذ من الفقر في حديث الصحيحين وسأل المسكنة في حديث الترمذي لكنه ضعيف ؛ قال البيهقي : وروي أنه استعاذ من المسكنة أيضاً . ثم حمل ذلك على أنه استعاذ من فتنة الفقر والمسكنة اللذين مرجع معناهما إلى القلة كما استعاذ من فتنة الفقر دون حال الفقر ومن فتنة الغنى دون حالة الغنى ؛ لأنه مات مكفيّاً بما أفاء الله عليه ؛ والمسكنة التي سألها إن صح حديثها معناها التواضع وأن لا يحشر في زمرة المتكبرين والأغنياء المترفهين اه ، ذكره في المجموع . ثم نقل عن خلائق من أهل اللغة أنهم قائلون بمثل مذهبنا من أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين ، خلافاً لمالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما حيث قالا : المسكين أسوأ حالاً من الفقير بدليل قوله تعالى : ) أو مسكيناً ذا متربة } ) البلد : 16 ) أي لاصقاً أنفه بالتراب ؛ لكن لا فائدة للخلاف هنا لأن عندهما يجوز الدفع إلى واحد بل في نحو الوصية لأحوج منهما ، شرح العباب . يعني أنّ ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى للأحوج من الفقير أو المسكين فتصرف الوصية للأول عندنا وللثاني عندهما اه .
قوله : ( العامل ) ولو كان غنياً ، وشرطه أهلية الشهادات وفقه زكاة إن لم يعين له ما يأخذ(3/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
ومن يؤخذ ، وإلا فلا يشترط الفقه ولا الحرية ولا الذكورة وأما الإسلام فلا بد منه . ويشترط فيه أيضاً أن لا يكون هاشمياً ولا مطلبياً ولا مولى لهما ولا مرتزقاً م د وسيأتي في الشرح بعد قول المصنف : ولا تصح لكافر نعم الكيال والحمال والحافظ ونحوهم يجوز كونهم كفاراً مستأجرين من سهم العامل لأن ذلك أجرة لا زكاة اه ، فلا منافاة .
قوله : ( كساع ) أشار بالكاف إلى أنه لا ينحصر فيما ذكر ؛ لأن منه الحاسب .
قوله : ( وحاشر ) أي جامع .
قوله : ( ذوي السهمان ) جمع سهم ، قال في الخلاصة :
وفعلا اسما وفعيلا وفعل
غير معلّ العين فعلان شمل
قوله : ( لا قاض ووال ) لأن عملهما عامّ .
قوله : ( جمع مؤلف ) وهو أربعة أقسام وكلهم مسلمون ؛ إما مؤلفة الكفار وهم من يرجي إسلامهم أو يخاف شرهم فلا يعطون من زكاة ولا من غيرها لأن الله تعالى أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف .
قوله : ( من التأليف ) وهو جمع القلوب .
قوله : ( ونيته ضعيفة ) أي في الإسلام نفسه أو في أهله . ويدل للأول قوله ليقوى إيمانه والمراد بالإسلام الإيمان بدليل تعليله كما قرره شيخنا العشماوي ، إذ الإيمان يزيد وينقص أي بالنسبة لغير الملائكة والأنبياء ، أما بالنسبة للملائكة فلا يزيد ولا ينقص ، وأما بالنسبة للأنبياء فيزيد ولا ينقص .
قوله : ( أو كاف ) معطوف على قوله له شرف أي ولكن كاف الخ ، أي ولكن هو كاف الخ ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فهذان القسمان ) الأولى بالواو لعدم تقدم شيء يتفرع عليه .
قوله : ( يبعث لذلك ) أي لكفاية شر من يليه من كفار أو مانعي زكاة .(3/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
قوله : ( نعم ) أي يجوز أن تكون المرأة من القسمين الأولين بخلاف القسمين الأخيرين ؛ لأنه يشترط فيهما الذكورة اه مرحومي .
قوله : ( وهم المكاتبون ) ظاهره ولو كانوا لبني هاشم وبني المطلب . ولا يقال إنه يلزم على ذلك أخذ بني هاشم وبني المطلب من الزكاة ، فإن ما يأخذه المكاتب يعطيه لسيده ؛ لأنا نقول ما يأخذه السادة من المكاتبين واقع عن جهة الدين لا عن جهة الزكاة وإن كان في أصله زكاة كما قرره شيخنا العزيزي وإنما فسر الرقاب بالمكاتبين لأن المعنى وفي تخليص الرقاب من الرق .
قوله : ( كتابة صحيحة ) أي في كله بخلاف مكاتب البعض فلا يعطى شيئاً كأن أوصى بكتابة عبد فعجز عنه الثلث اه ق ل على التحرير مع زيادة .
قوله : ( أو قبل حلول النجوم ) وإنما لم يشترط الحلول كما اشترط في الغارم ؛ لأن الحاجة إلى الخلاص من الرق أهم والغارم ينتظر له أي يمهل له ، فإن لم يوسر فلا حبس ولا ملازمة س ل .
قوله : ( إن لم يكن معهم ما يفي ) وإن كان كل منهم كسوباً كالغارم م د .
قوله : ( مع كونه ) أي المكاتب ملكه ، أي فلا يرد المدين إذا أعطاه الدائن من الزكاة ليدفعه عن الدين حيث يصح ؛ أي وإن لم يلزمه دفعه في الدين مع عود الفائدة إليه لأنه ليس ملكه بخلاف المكاتب ، شيخنا العشماوي .
قوله : ( الغارم ) من الغرم وهو اللزوم ، ومن ثم أطلق على الدائن أيضاً لتلازمهما ، مرحومي . ويطلق على الدوام ، قال تعالى : ) إن عذابها كان غراماً } ) الفرقان : 65 ) أي دواماً .
قوله : ( وهو ثلاثة ) أي إجمالاً ؛ لأن الأول تحته ثلاثة . والثاني : من تداين لإصلاح ذات البين . والثالث : من تداين للضمان قوله : ( من تداين لنفسه ) ومثله ما لو استدان لعمارة مسجد أو قرى ضيف اه . س ل قوله : ( وإن صرفه في معصية ) أي وعرف قصد الإباحة منهج ، لكن لا نصدقه فيه بل لا بد من بينة ولها أن تعتمد القرائن اه س ل قوله : ( أو في غير مباح ) معطوف على قوله في مباح .(3/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
قوله : ( وظن صدقه ) أي في توبته وإن قصرت المدة ، شرح المنهج .
قوله : ( أو صرفه في مباح ) معطوف على قوله وتاب .
قوله : ( وما لو لم يحتج ) محترز قوله مع الحاجة .
قوله : ( أي الحال ) تفسير لذات ، وقوله بين القوم تفسير للبين أي الحال الواقع بين القوم .
قوله : ( لم يظهر قاتله ) ليس بقيد .
قوله : ( في هذه المكرمة ) وهي الإصلاح إذ لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة .
قوله : ( فيعطي ) أي إن حل الدين على المعتمد س ل .
قوله : ( إن أعسر مع الأصيل ) أي وإن لم يكن متبرعاً بالضمان .
قوله : ( وكان متبرعاً ) بأن ضمن بلا إذن .
قوله : ( بخلاف ما إذا ضمن بالإذن ) أي وكان الأصيل موسراً ، أي فلا يعطى لأنه يطالب الأصيل بالأداء ويرجع عليه أي إذا أدى .
قوله : ( سبيل الله ) سبيل الله وضعاً الطريق الموصلة له تعالى ، ثم كثر استعماله في الجهاد لأنه سبب الشهادة الموصلة إلى الله تعالى ، ثم وضع على هؤلاء لأنهم جاهدوا لا في مقابل فكانوا أفضل من غيرهم شرح م ر .
قوله : ( ابن السبيل ) أي الشامل لبنت السبيل .
قوله : ( منشىء سفر من بلد الزكاة ) وإن لم تكن وطنه . وقدم اهتماماً به لوقوع الخلاف القوي فيه ، إذ إطلاقه عليه مجاز لدليل هو عندنا القياس على الثاني بجامع احتياج كل لأهبة السفر شرح م ر .
وقوله منشىء سفر ولو لنزهة .
قوله : ( من بلد الزكاة ) أو قريباً منها ، وقوله إن احتاج قيدان لإعطاء ابن السبيل .(3/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
قوله : ( من علم ) أي أو ظن ق ل .
قوله : ( عمل بعلمه ) فيصرف لمن علم استحقاقه وإن لم يطلبها منه دون غيره ، شرح المنهج .
قوله : ( بلا يمين ) أي ولا بينة لعسر إقامتها ، شرح المنهج .
قوله : ( فكذلك ) أي يصدق بلا يمين ولا بينة وإن اتهم ، شرح المنهج . وهلا جمع الثلاثة لكون حكمها واحداً ويمكن أن يقال إنه إنما فصل الأخيرين لأجل قوله إلا إن ادعى عيالاً الخ فإنه خاص بهما .
قوله : ( عيالاً ) جمع عَيِّل بالتشديد كجياد جمع جيد ع ش . وهم من تلزمه نفقتهم شرعاً .
قوله : ( كعامل ) أي فإنهم يكلفون بينة بالعمل والكتابة والغرم والشرف وكفاية الشر لسهولة إقامتها . فإن قلت : إذا قسم المالك فلا عامل أو الإمام فهو عالم به فكيف يتصوّر إقامة البينة في حق العامل ؟ وأجيب بأنه يتصور بأن يقيم بينة على عمله عند إمام بعد موت إمام قبله ، أو يقول للإمام أنا الذي جمعت الأموال مثلاً ويقيم بينة على ذلك تأمل م د .
قوله : ( فإن تخلفا ) أي بأن تمضي ثلاثة أيام ولم يترصدا للخروج ولم ينتظرا رفقة .
قوله : ( هنا ) احترز به عن الشهادة في غير ما هنا فإنه لا بد فيها من لفظ أشهد ولا بد من استشهاد ودعوى عند حاكم بخلافه هنا ، فيكفي إخبار عدلين أو عدل وامرأتين وإن عري عن لفظ شهادة ، أو استشهاد أو دعوى عند حاكم كما في شرح م ر .
قوله : ( استفاضة ) أي إشاعة من قوم يبعد تواطؤهم على الكذب .
قوله : ( ويعطي فقير ) ما تقدم في بيان الصفات المقتضية للاستحقاق والإعطاء ، وما هنا إلى آخر الفصل في قدر المعطي أي قدر ما يأخذه كل واحد ، فقوله ويعطي فقير ومسكين أي كل واحد من الفقراء على التفصيل الآتي ، فالكلام هنا في إعطاء الأفراد ، وما يأتي في قوله : ويجب تعميم الأصناف والتسوية في أصل القسمة بين الأصناف وكان الأولى تقديم الثاني على الأول لأن الإعطاء الأول من الأقسام الثمانية المساوية لكل قسم ، فيكون المعنى : ويعطى فقير أي كل فقير من أصل القسم الذي لهم من أصل القسمة .(3/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
قوله : ( كفاية عمر غالب ) أي إن قسم الإمام .
قوله : ( فيشتريان الخ ) عبارة المنهج وشرحه : فيشتريان به أي بما أعطياه عقاراً يستغلانه ، بأن يشتري كل منهما به عقاراً يستغله ويستغني به عن الزكاة . وأشار بقوله فيشتريان الخ إلى أنه ليس المراد بقوله ويعطي كفاية العمر الغالب أنه يعطى نقداً يكفيه العمر الغالب لتعذره ، بل المراد ما ذكر .
قوله : ( عقاراً ) إن قلت : إذا كان المراد ما ذكر بطل اعتبار العمر الغالب إذ العقار يمكث أكثر من العمر الغالب ؟ والجواب أن العقار مختلف القيمة ، فالمراد عقار يمكث بقية العمر الغالب حج ؛ أي إن لم يستوفه ، فإن استوفاه أعطي كفاية سنة بسنة .
قوله : ( وللإمام أن يشتري له ) أي للمذكور .
قوله : ( كما في الغازي ) أي فإن للإمام أن يشتري له ما يحتاجه في الغزو والمركوب الذي يتهيأ له وما يحمل زاده ومتاعه كما سيأتي .
قوله : ( فيعطي ما يشتري ) أي شيئاً ، وقوله ما يحسن مفعول يشتري وقوله ما يفي بدل من ما الأولى . وعبارة شرح المنهج : مما يحسن ، فهو بيان لما من قوله : ما يفي ربحه وتكون ما مفعول يشتري على كلامه .
قوله : ( وغارم لغير إصلاح ) أما هو فيعطي ما استدانه جميعاً إذا لم يدفعه من ماله ولو كان غنياً كما مر وقوله : أما هو أي الغارم لإصلاح ، أي لدفع تخاصم بين طائفتين في قتيل مثلاً ولو غير آدمي نحو كلب ، فيعطى ما لم يوف من ماله ق ل . فالقتيل ليس بقيد ، بل مثله المال المتلف ، وإن عرف القاتل في صورة القتل والمتلف في صورة الإتلاف فيعطي إن حل الدين على المعتمد كما قاله م ر . وقوله : ولو كان غنياً بشروط ثلاثة أن يستدين ويدفع ما استدانه في تسكين الفتنة ولم يوفّ من ماله ، فإن لم يستدن بل أعطى من ماله أو استدان ولم يدفع ما استدانه في تسكين الفتنة أو استدان ودفع ثم وفى من ماله فلا يعطى .
قوله : ( ما يوصله مقصده ) وأما مؤنة إيابه ففيها تفصيل إن قصد الإياب أعطيها وإلا فلا ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر ، أي التي هي ثلاثة أيام م د .
قوله : ( ولعياله ) متعلق بقوله حاجته وقوله : كابن سبيل راجع لقوله ويهيأ له .(3/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
قوله : ( فلا يسترد منه ) نعم إن فضل عنه شيء وكان له وقع ولم يقتر استردّ ، أما إذا كان يسيراً فلا يسترد مطلقاً أو كثيراً وقتر بخلاف ابن السبيل فإنه يسترد منه الفاضل مطلقاً ، ومثله المكاتب إذا عتق بغير ما أخذه ، والغارم إذا برىء أو استغنى بذلك أي بغير ما أخذه م د .
قوله : ( ما يراه ) كيف هذا مع أنه تجب التسوية بين الأصناف ؟ فمقتضى التسوية أنه يعطي المؤلفة مثل غيرهم لا باجتهاده ، ويمكن أن يكون كلام الشارح هنا في أفراد المؤلفة أي ويعطي كل فرد من أفراد المؤلفة ما يراه من سهمهم ، والحال أن سهمهم كسهم غيرهم فلا منافاة ؛ فقوله والمؤلفة أي وأفراد المؤلفة يعطي الإمام كل واحد منها ما يراه ، فكلامه على حذف مضاف . وقوله والعامل يعطى أجرة مثله أي يعطي كل فرد من أفراد العامل كالقاسم والحاشر أجرة مثله من سهمه ، فإن زاد عن أجرة مثله رد الباقي على بقية الأصناف أو نقص عنها كمل من رأس مال الزكاة ؛ كذا في الروض وقرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( صفتا استحقاق ) أي للزكاة ، فخرج من فيه صفتا استحقاق للفيء أي وإحداهما الغزو كغاز وهاشمي فيعطى بهما ، شرح المنهج .
قوله : ( كفقير وغارم ) الأولى حذف الواو لئلا يتوهم أن الغارم غير الفقير ، مع أن المقصود اجتماعهما في شخص واحد ؛ نعم إن أخذ بالغرم شيئاً أخذه غريمه وبقي فقيراً أخذ بالفقر ، فالممتنع كما أفاده الزركشي إنما هو الأخذ بهما دفعة أو مرتباً ولم يتصرف في المأخوذ أو لا كما أفاده الشيخ ، أما من زكاتين فيجوز أخذه من واحدة بصفة ومن الأخرى بصفة أخرى كغاز هاشمي ، أي قياساً على غاز هاشمي يأخذ بهما من الفيء كما مر اه شرح م ر .
قوله : ( يأخذ بإحداهما ) أي بخيرته .
قوله : ( ويجب تعميم الأصناف ) حتى في زكاة الفطر .
قوله : ( وجب الدفع ) أي إن كثرت الأموال وإلا قدّم الأحوج فالأحوج من كل صنف . وهو جواب الشرط الذي قدره الشارح . ووقع في نسخ كتابة الواو من وجب بقلم الحمرة ، وهو غير صواب لأن الواو جزء من وجب لا عاطفة فالصواب كتابتها بقلم السواد وكتابة الواو في ويجب تعميم الخ بقلم الحمرة اه شيخنا .(3/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
قوله : ( وتعميم من وجد ) هذا لا يغني عنه قول المتن : وإلى من يوجد منهم لأنه ليس نصّاً في التعميم ، وقوله من وجد منهم أي الأصناف .
قوله : ( ولا وفى الخ ) الموجود في المتن ، ولا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة من كل صنف ؛ فانظره مع الشارح لأنه حمل كلام المتن على عدم وفاء المال مع أنه إذا كان كذلك يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة والصواب حمل كلام المتن على ما إذا وفى بهم المال . وقوله لذكره أي كل صنف ، وقوله وهو أي الجمع المراد الخ .
قوله : ( وتجب التسوية بين الأصناف ) المعنى أن كل سهم لصنف يجب أن يكون مثل سهم البقية . قوله : ( غير العامل ) أما هو فيعطى أجرة مثله ؛ وإنما أخرجه لأن الكلام في قسمة المالك ، وإذا قسم فلا عامل وإذا لم يكن فلا يقال تسوية بينه وبين غيره ولا عدمها .
قوله : ( ولا تجب التسوية بين آحاد الخ ) أي ولو تساوت الحاجات .
قوله : ( فتجب التسوية ) والحاصل أنه يجب على الإمام أربعة أشياء : تعميم الأصناف إن وجدوا ، وتعميم آحاد كل صنف ، والتسوية بين الأصناف مطلقاً ، والتسوية بين آحاد كل صنف إن استوت الحاجات . ومثله المالك إن انحصروا ووفي بهم المال ، لكن بإسقاط العامل كما عرف .
قوله : ( ولا يجزئه نقل الخ ) نعم لو وقع تشقيص كعشرين شاة ببلد وعشرين بآخر فله إخراج شاة بأحدهما مع الكراهة ، شرح المنهج .
قوله : ( من بلد وجوبها ) أي وقت وجوبها ، والمراد بهم من فيها ذلك الوقت وإن لم يكونوا من أهلها دون غيرهم ؛ نعم لو انحصر مستحقوها لم يجز صرفها لمن فيها من غيرهم ، كذا قاله شيخنا ، وفيه بحث ق ل . وفي حاشية خ ض : خرج بالمالك الآخذ فيجزىء إعطاؤه وإن كان من غير أهل محل الزكاة حيث وقع الإعطاء في محل الزكاة شرح م ر ز ي .
قوله : ( إلى بلد آخر ) المراد إلى محل تقصر فيه الصلاة ، فالبلد ليس بقيد . فإذا خرج(3/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
مصري إلى خارج باب السور كباب النصر لحاجة آخر يوم من رمضان فغربت عليه الشمس هناك ثم دخل وجب إخراج فطرته لفقراء خارج باب النصر اه ح ل . وكتب الميداني : أي محل وجوبها بلداً أو قرية أو بادية بحراً أو براً ، حتى لو حال الحول والمال في البحر حرم نقلها إلى البرّ أو حال الحول والقفل مارّون فإنه يجب دفعها لمن فيهم . وقوله فإن عدمت الأصناف الخ محترز قوله مع وجود المستحقين قوله : ( أو فضل عنه شيء ) أي أو لم يعدم البعض لكن فضل عنه شيء .
قوله : ( رد نصيب البعض ) أي في الأولى ، وقوله أو الفاضل أي في الثانية .
وقوله : ( إن نقص نصيبهم عن كفايتهم ) فإن لم ينقص نقل ذلك إلى ذلك الصنف بأقرب بلد .
قوله : ( قوتلوا ) لأن أخذها فرض كفاية ، ولا يصح إبراؤهم رب المال منها إن قلنا تجب في العين وهو الأصح ؛ لأن الأعيان لا يبرأ منها م ر ؛ لأن الإبراء لا يكون إلا في الديون والزكاة أعيان .
قوله : ( فرع ) الفرع اصطلاحاً ما اندرج تحت أصل كلي ، وأما لغة فما بني على غيره ، مرحومي . وقوله ما اندرج الخ كقام زيد المندرج تحت قولنا : الفاعل مرفوع الذي هو الأصل الكلي ، وقوله ما بني على غيره كفروع الشجرة بالنسبة للشجرة ، وكان الأولى فروع لأنها ثلاثة : الأول : لو كان شخص الخ . والثاني : ولو قال شخص الخ . الثالث : ولو كان عليه دين الخ .
قوله : ( فلو دفع ) أي صاحب الدين إليه أي المدين شيئاً من الزكاة ، وشرط أي صاحب الدين الخ فهذا راجع للمسألة الأولى .
قوله : ( لم يجزه ) أي لم يجزه ما دفعه للمدين عن الزكاة .
قوله : ( ولا يصح قضاؤه بها ) أي بالزكاة لأنها باقية على ملك المالك .
قوله : ( ولو نوياه ) أي قضاء الدين ، وقوله بها أي بالزكاة .(3/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
قوله : ( فقال ) أي رب الدين .
قوله : ( كما لو كان وديعة ) أي إذا كان المال وديعة عند المستحق فملكه المالك إياه زكاة أجزأ ، أي قال المودع للوديع : خذ المال الذي عندك وديعة من زكاتي ؛ فإنه يجزىء ويفرق بين الوديعة والدين بتعلق ملكه بعينها بخلاف الدين م د .
قوله : ( وخمسة لا يجوز الخ ) ومثلهم الصبي والمجنون والسفيه لعدم صحة قبضهم ، فلا يصح إلا قبض الولي عنهم .
قوله : ( الغني بمال الخ ) .
فائدة : الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر ، خلافاً للبلقيني . ولا ينافيه دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم من أيام الآخرة أي بمقدار نصف يوم ؛ لأن الجنة لا أيام فيها لجواز اختصاص المفضول بمزية ليست في الفاضل اه برماوي . ونصف اليوم مقدار خمسمائة عام ، قال تعالى : ) وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدّون } ) الحج : 47 ) .
قوله : ( حاضر عنده ) أي لو وزع على العمر الغالب لخص كل يوم ما يكفيه ق ل .
قوله : ( إذ لا حق فيها الخ ) فيه تعليل الشيء بنفسه ، فهو كالمصادرة .
قوله : ( وبنو هاشم وبنو المطلب ) وإن لم يكن شريفاً كالعباسية والعلوية فلا يعطون وإن منعوا حقهم من خمس الخمس ح ل . والمراد بالعباسية المنسوبون للعباس عم النبيّ ، والمراد بالعلوية المنسوبون لعليّ بن أبي طالب من غير فاطمة كمحمد ابن الحنفية وأولاده ؛ والمشهور أن الأشراف من نسبوا للحسن أو الحسين فيكون آل البيت أعم من الأشراف . والراجح من مذهبنا حرمة الصدقتين عليه وحرمة صدقة الفرض دون النفل على آله . وقال النووي : لا تحل الصدقة لآل محمد لا فرضها ولا نفلها ، ولا لمواليهم إذ مولى القوم منهم واختلف علماء السلف : هل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تشارك النبي في ذلك ؟ فذهب الحسن إلى أن الأنبياء تشاركه في ذلك ، وذهب ابن عيينة إلى اختصاصه بذلك دونهم ؛ ذكره الحلبي في السيرة . قال م ر في شرحه : وكالزكاة كل واجب كنذر وكفارة بناء على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع على أوجه احتمالين ، كما يؤخذ ترجيح ذلك من إفتاء الوالد بأنه يحرم عليهم الأضحية الواجبة والجزء الواجب من أضحية التطوّع .
قوله : ( إنما هي أوساخ الناس ) أي لأن بقاءها في الأموال يدنسها كما يدنس الثوب(3/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
الوسخ . والأوساخ جمع وسخ ، وهو لغة ما يعلو الثوب وغيره من قلة التعهد قوله : ( إن لكم ) أي لكل واحد منكم في خمس الخمس ما يكفيه ، فاندفع ما يقال إن الحديث يقتضي أنهم لا يستحقونه بتمامه .
قوله : ( لمواليهم ) أي لعتقائهم ق ل .
قوله : ( لا يدفعها إليهم ) جملة مستأنفة تقييد لما استفيد من العطف من أنها لا تدفع لمن تلزم المزكى نفقته وظاهره مطلقاً لا باسم الفقراء ولا غيره ؛ فلذلك قيد بقوله باسم الفقراء الخ أما بغير ذلك فيجوز الدفع لهم ؛ ولو قال : بوصف الفقراء لكان أنسب .
قوله : ( ولا غازية ) أي ولا من القسمين الأخيرين من أقسام المؤلفة ، مرحومي .
قوله : ( ولا حاجة إلى تقييده الخ ) أي لأن المستغني بالنفقة لا يدفع إليه شيء من الزكاة سواء كان المزكي هو المنفق عليه أم لا .
قوله : ( نعم الكيال ) أي والوزان ، وينبغي أن يقيد بما إذا ميزوا بين أنصباء المستحقين لأنها إنما تكون من سهم العامل حينئذ ، فإن ميزوا الزكاة من المال فأجرتهم على المالك لا من سهم العامل كما في شرح المنهج . وإنما جاز في الحمال والكيال ومن ذكر معهما أن يكون(3/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
كافراً أو هاشمياً أو مطلبياً لأن ما يأخذه العامل أجرة لا زكاة لأن الاستئجار أخرجه عن كونه زكاة حقيقة كما ذكره الشارح ، ومثله خ ض . وقوله : لأن الاستئجار الخ فيه قصور إذ الاستئجار ليس بلازم ، وأولى من كلامه قوله ق ل : قوله نعم الخ أي لأن ما يأخذونه منها أجرة عملهم سواء وقعت إجارة أو لا فسومح في كونه من الزكاة .
قوله : ( أداء الزكاة ) أي زكاة المال ، فيحرم تأخيرها بعد التمكن وتقرير الأجرة ، أما زكاة الفطر فموسعة بليلة العيد ويومه .
قوله : ( وتنقية حب ) أي وتبر ومعدن .
قوله : ( كصلاة ) لف ونشر مرتب .
قوله : ( وبقدرة على غائب ) بأن سهل الوصول له . وقوله قارّ احترز به عن المال السائر في برّ أو بحر فلا تجب فيه حتى يصل إلى مالكه لأنه غائب فأشبه الدين المؤجل وهو لا زكاة فيه حتى يحل ، وهو على موسر كما في شرح المنهج . وقوله أو على استيفاء دين حالّ بأن كان على ملىء حاضر باذل أو على جاحد وبه حجة ، شرح المنهج ؛ أو تمكن من الظفر من جنسه أو غير جنسه شرح م ر .
قوله : ( وبزوال حجر فلس ) أي إذا كانت الزكاة متعلقة بالذمة ، وأما إذا كانت متعلقة بالعين فيخرجها حالاً ولا يتوقف على زوال الحجر س ل . فلو كان عنده أربعون شاة سائمة ومضى عليها حول فالزكاة حينئذ متعلقة بالعين فيجب إخراج الشاة عنها وإن لم يزل عنه الحجر .
قوله : ( وتقرير أجرة ) الأولى وتقررت أجرة بالعطف على تمكن ، إذ هذا قدر زائد على التمكن لا منه . ومعنى تقريرها أنه صار آمناً من سقوطها بأن مضت المنفعة وعبارة المنهج وتقررت أجرة ، وأشار في الشرح إلى أنه معطوف على تمكن ؛ قال في شرح : فلو أجره داراً أربع سنين بمائة دينار وقبضها لم يلزمه كل سنة إلا إخراج حصة ما تقرر منها فإن الملك فيها ضعيف لتعرضه للزوال بتلف العين المؤجرة اه . فيخرج عند تمام السنة الأولى زكاة خمس وعشرين لسنة وهي نصف وثمن ، وعند تمام السنة الثانية يخرج زكاة خمس وعشرين لسنة وهي نصف دينار وثمن كما مر وخمسة وعشرين لسنتين وهي نصفان وثمنان ؛ فجملة ما يخرجه في السنة الثانية دينار وسبعة أثمان دينار ، وعند تمام السنة الثالثة زكاة خمسين لسنة وهي نصفان(3/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
وثمنان وخمسة وعشرين لثلاث سنين ، وهي ثلاثة أنصاف وثلاثة أثمان . فجملة ما يخرجه في السنة الثالثة ثلاثة دنانير وثمن ، وعند تمام الرابعة زكاة خمسة وسبعين لسنة وهي ثلاثة أنصاف وثلاثة أثمان وزكاة خمسة وعشرين لأربع سنين وهي أربعة أنصاف دينار وأربعة أثمانه اه شرح المحرر وحواشيه . وهذا كله إذا أخرج الزكاة من غير الدنانير المذكورة ، فمجموع المخرج عن المائة في السنين الأربع عشرة دنانير ؛ لأن زكاة المائة كل سنة ديناران ونصف لأنها ربع عشرها .
قوله : ( بخلاف الصداق ) فإنه لي مستحقًّا في مقابلة المنافع ، بدليل تقرره بموت الزوجة قبل الدخول .
قوله : ( وضمن ) أي حق المستحقين أي بأن يدفع ما كان يدفعه عند وجود المال ، وهذا بعد التمكن أما قبله فلا ضمان ؛ وهذا في التلف أما إتلافه بعد الحول فيضمن مطلقاً تمكن أم لا ، بخلافه قبل الحول فلا ضرر فيه .
قوله : ( عن مال ظاهر ) وهو ماشية وزرع وركاز وثمر ، والباطن نقد ومعدن وعرض تجارة . وألحق به زكاة الفطر لأن موجبها اليسار ، وهو مما يخفي .
قوله : ( فيجب أداؤها له ) وإن كان جائزاً لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور ، ويبرأ بالدفع له وإن قال أنا آخذها منك وأصرفها في الفسق اه من شرح م ر .
قوله : ( وهو أفضل ) أي أداؤها للإمام ، وقوله تعالى : ) وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } ) البقرة : 271 ) محمول على التطوع ، ومن لم يعرف بالمال فإن إبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التهمة . وعن ابن عباس : ( صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً ، وصدقة الفرض علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً ) . وعبارة المرحومي : قوله : وهو أفضل أي إن كان عادلاً فيها اه . وأشار بذلك إلى أن المراد بالعدل والجور بالنسبة للزكاة سواء أجار في غيرها أو لا كما قاله الماوردي زيادي . وإنما كان دفعها للإمام بقيده لأنه أعرف بالمستحقين ، فإن كان جائراً فيها فتفريق المالك بنفسه أو وكيله أفضل اه .
قوله : ( ولا يجب في النية تعيين مال ) أي عند الإخراج ، فلو ملك من الدراهم نصاباً(3/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
حاضراً ونصاباً غائباً فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقاً ثم بان تلف الغائب فله جعل المخرج عن الحاضر ، فلو كان نوى المخرج عن الغائب لم يكن له صرفه إلى الحاضر ، فإن نوى مع ذلك أنه إن بان المنوي تالفاً فعن غيره فبان تالفاً وقع عن غيره ، شرح المنهج .
قوله : ( وتكفي النية الخ ) فلو دفعها بلا نية لم يقع الموقع وعليه الضمان ، وقوله وبعده حتى لو استقل المستحق بقبضها اعتدّ به أو دفعها من ليس أهلاً للزكاة كصبي وكافر اعتدّ به زي .
قوله : ( تعلق شركة ) وإنما جاز إخراجها من غيره لبناء أمرها على المساهلة والإرفاق ؛ والواجب إن كان من غير جنس المال كشاة واجبة في الإبل ملك المستحقون بقدر قيمتها من الإبل أو من جنسه كشاة من أربعين شاة ، فهل الواجب شاة مبهمة أو جزء من كل شاة ؟ وجهان ، أرجحهما الثاني ، شرح المنهج .
قوله : ( بطل في قدرها ) وإن أبقى في الثانية قدرها ؛ لأن حق المستحقين شائع ، فأي قدر باعه كان حقه وحقهم ، شرح المنهج .
قوله : ( أيضاً بطل في قدرها ) أي إن كان من الجنس ، فإن كان من غيره كشاة في خمسة أبعرة بطل في الجميع للجهل بقيمة الشاة لا في قدر القيمة فقط على المعتمد اه عناني . وقوله : في قدرها أي وهو جزء من كل شاة في مسألة الشياه مثلاً ، كما هو قضية ما قدمه من أن الأصح أن الواجب شائع لا مبهم ، ونقله في شرح العباب عن القمولي اه سم على حج . قال ابن حجر : فيرده المشتري على البائع ، قال سم : أي يردّ شاة في مسألة الأربعين بدليل سياق كلامه ، فإنه ظاهر في أن المراد أنه يرد قدرها متميزاً لا شائعاً . إذا تقرر ذلك فإن كان المراد أنه بعد ردّ المشتري قدرها متميزاً يصح البيع في جميع ما بقي بيده ففيه إشكال لأنه يلزم أنه يبطل البيع في جزء من كل شاة ، ثم إذا ردّ المشتري واحداً منها انقلب البيع صحيحاً في جميع كل واحدة ما عدا هذه الواحدة . وقد يجاب بالتزام ذلك ، ويوجه بأنه لما كانت شركة المستحق ضعيفة غير حقيقية ضعف الحكم ببطلان البيع في كل جزء وجاز أن يرتفع هذا الحكم برد المشتري واحدة إلى البائع ، أو بأن غاية البطلان بقاء ملك المستحق بجزء من كل شاة وهو ينقطع برد شاة لأنه في معنى الاستبدال ؛ لكن قياس أن الذي يبطل فيه البيع جزء من كل شاة مثلاً أن الذي يرده المشتري جزء من كل شاة .(3/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
قوله : ( بلا محاباة ) أي مراعاة ، والمراد بها المسامحة ، وهو من غير همز . فإن باعه بمحاباة فيبطل فيما قيمته قدر الزكاة من ذلك القدر ويصح في الباقي تفريقاً للصفقة ، ابن حجر . كأن باع ما يساوي أربعين مثقالاً بعشرين مثقالاً فيبطل البيع في ربع عشر المحابي به وهو ما يقابل نصف مثقال من العشرين الناقصة من ثمنه كما في شرح الروض ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( وأن يسم ) من الوسم بالمهملة أو المعجمة ، وهي الكي بالنار ، وهو جائز لحاجة بقول أهل الخبرة ، وكذا خصاء صغار المأكول كباره ولا غير المأكول .
قوله : ( نعم زكاة وفيء ) خرج نعم غيرها ، فوسمه مباح لا مندوب ولا مكروه ؛ قاله في المجموع . قال سم : محله إذا كان لحاجة وإلا حرم .
قوله : ( صدقة التطوّع سنة ) وقد يعرض ما يحرّمها كأن يعمل من آخذها أنه يصرفها في معصية ، شرح المنهج ، وهي أفضل من الفرض على المعتمد ، وأراد بالتطوع المعنى اللغوي وهو ما زاد على الفرض فلا ينافي قوله سنة وسقط الاعتراض بأن الإخبار بالسنة عن صدقة التطوع لا فائدة فيه اه م د . وعبارة س ل على المنهج : ودرهم الصدقة أفضل من درهم القرض ، لخبر ابن مسعود : ( ومَنح أَقْرَضَ مُسْلِماً دِرْهماً مَرَّتين كان له كأجر صَدَقَة مَرَّة ) ولا يعارضه ما روى ابن ماجه أن النبي قال : ( رَأَيْتُ مَكْتُوباً على بَابِ الجنَّة ليلة أُسْرِيَ بي : الصَّدَقَةُ بعَشْرِ أمثالها والقَرْضُ بثمانية عَشَرَ ؛ فقلت : يا جبريل ما بَالُ القَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقةِ ؟ قال : لأن السَّائل قد يَسْأَلُ وعنده ما يَكْفِيهِ والمُسْتَقْرِضُ لا يستقرض إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ ) لأن الخبر الأول أصح ، وانفرد بالثاني خالد بن زيد الشامي وهو ضعيف عند الأكثرين . على أنه يمكن أن يقال ؛ القرض أفضل من حيث الابتداء لما فيه من صون وجه من لم يعتد السؤال ، والصدقة من حيث الانتهاء لما فيها من عدم رد المقابل اه بحروفه . أو يقال : إن عشرة الصدقة أكبر من الثمانية عشر وإن كان الثمانية عشر أكثر عدداً كما قالوه في الخمسة والعشرين درجة والسبعة والعشرين في صلاة الجماعة .
قوله : ( ولنحو قريب ) سواء ألزمت الدافع نفقته أم لا ، شرح المنهج .(3/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
قوله : ( وتحرم بما يحتاجه ) أي إن لم يصبر على الإضافة وإلا فلا حرمة لقوله تعالى ) ويؤثرون على أنفسهم ولو كان به خصاصة } ^ .
قوله : ( وفصل كسوته ) بالصاد المهملة منصوب معطوف على الظرف .
قوله : ( ووفاء دينه ) معطوف على قوله لنفسه .
قوله : ( وإلا كره ) أي كراهة تنزيه على المعتمد .
قوله : ( ويحرم المنّ بالصدقة ) وهو تعداد النعم على المنعم عليه نعم إن كان لجلب مصلحة أو دفع مفسدة لم يطلب تركه كأن وجد من المنعم عليه سبا للمنعم فذكرها له ليكفره عن ذلك والمنّ من الله على عباده محمود ق ل .(3/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
كتاب الصيام
قدّمه على الحج نظرا لكثرة أفراد من يجب عليه بخلاف الحج فيكون الصوم أفضل من الحج وقيل الحج أفضل لأنه وظيفة العمر ويكفر الصغائر والكبائر وأتى به المصنف بالياء والشارح ذكره بالواو إشارة إلى أن الفعل وهو صام له مصدران بالياء والواو ومعناهما واحد لغة وشرعا والأول مصدر سماعي والثاني قياسي وأصله من الشرائع القديمة وأما بهذه الكيفية فمن خصوصيات هذه الأمة .
قوله : ( وسكوتا ) عطف تفسير .
قوله : ( إمساك عن المفطر ) أي إمساك المسلم المميز عن المفطر من أول النهار إلى آخره بالنية سالما من الحيض والنفاس والولادة جميع النهار ومن الإغماء والسكر في بعضه م ر مرحومي .
قوله : ( على وجه مخصوص ) أي من اجتماع الشروط والأركان وانتفاء الموانع .
قوله : ( مع النية ) الظاهر أنه لا حاجة إليها لأنها داخلة في قوله على وجه مخصوص ومن ثم لم يذكرها م ر ويمكن أن يراد بالوجه المخصوص ما عدا النية كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( كتب عليكم الصيام ) والمراد بالأيام المعدودات في الآية الشريفة أيام شهر رمضان وجمعها جمع قلة ليهونها وقوله ) كما كتب على الذين من قبلكم } ^ إن كان التشبيه في صوم رمضان كان من الشرائع القديمة لأنه قيل ما من أمة إلا وقد فرض عليها شهر رمضان إلا أنهم ضلوا عنه ، وإن كان التشبيه في مطلق الصوم كان أي صوم رمضان من خصوصيات هذه الأمة وقوله تعالى ) أياما معدودات } ^ منصوب بإضمار صوموا لدلالة الصيام عليه وليس منصوباً بالصيام المذكور في قوله ) كتب عليكم الصيام } ^ لوقوع الفصل بينهما والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله وليس منصوبا بتتقون بل مفعول تتقون محذوف تقديره تتقون المعاصي .
قوله : ( في السنة الثانية ) فصام تسع رمضانات ثمانية نواقص وواحد كامل على المعتمد والناقص كالكامل في الثواب المرتب على رمضان من غير نظر لأيامه أما ما يترتب على يوم الثلاثين من ثواب واجبة ومندوبه عند سحوره وفطوره فهو زياد يفوق الكامل بها الناقص .(3/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
قوله : ( وأركانه ثلاثة ) والمصنف مشى فيما سيأتي على أنها أربعة وهي الفرائض الآتية أج ولا ينافي عدّ الأخيرين فيما سيأتي من الفروض لأن الركن يقال له فرض كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( صائم ) عدّ الصائم هنا ركنا لعدم وجود صورة للصوم في الخارج كما في نحو البيع بخلاف نحو الصلاة ق ل .
قوله : ( رمضان ) ولا يكره على المعتمد إطلاق رمضان عليه من غير لفظ شهر وإنما سمي هذا الشهر بهذا الاسم لأنه مأخوذ من الرمض وهو شدة الحر لمجيئه غالبا في شدة الحر أو من الرمض وهو الإحراق لرمض الذنوب فيه أي إحراقها قوله : ( بأحد أمرين ) بل بأحد أمور أربعة والثالث ثبوت رمضان عند الحاكم بعدل شهادة في حق من لم يره كما سيأتي والرابع في ظن دخوله الاجتهاد فيمن اشتبه عليه رمضان كأن كان أسيراً أو محبوساً كما سيأتي أيضا .
قوله : ( بإكمال شعبان ) لو قال بكمال لكان أولى والعطف بأو بعد الثنية جائز استعمالا .
قوله : ( أو رؤية الهلال ) أي في حق من رآه وإن كان فاسقا .
قوله : ( ليلة الثلاثين ) فلا أثر لرؤيته نهارا فلو رؤى في نهار رمضان يوم الثلاثين ولو قبل الزوال لم نفطر ولا نمسك إن رؤى يوم الثلاثين من شعبان مرحومي والغاية لا تظهر إلا في الثانية .
قوله : ( لقوله ) دليل للأمرين .
قوله : ( صوموا لرؤيته الخ ) أي ليصم كل منكم ويفطر كل منكم فهو من باب الكلية أي الحكم على كل فرد فرد .
قوله : ( وأفطروا ) بهمزة القطع .
قوله : ( لرؤيته ) فيه استخدام لأن الضمير في الأول عائد على هلال رمضان وفي الثاني على هلال شوال أو الضمير الثاني راجع للمقيد وهو الهلال بدون قيده وهو رمضان .
قوله : ( فان غم عليكم ) أي استتر عنكم بالغمام ق ل والضمير عائد على هلال رمضان ومثل إذا غم هلال شوال فيكمل رمضان ثلاثين .
قوله : ( معلوم من الدين ) أي من أدلة الدين وقوله بالضرورة أي علما صار كالضروري في عدم خفائه على أحد .(3/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
قوله : ( فهو كافر ) أي مرتد .
قوله : ( صورة الصوم ) أي إن لم ينوه فان نواه حصل له حقيقته .
قوله : ( وتثبت رؤيته ) أي عند الحاكم فلا بد من حكمه كما في المحلي وحج بأن يقول حكمت بثبوت هلال رمضان أو ثبت عندي هلال رمضان وإلا لم يجب الصوم حج .
قوله : ( في حق من لم يره ) أما من رآه فلا يشترط فيه أن يكون عدلا بالنظر لنفسه كما قرره شيخنا العشماوي وكتب ق ل على قول الشارح وتثبت في رؤيته في حق من لم يره الخ أي ممن مطلعه موافق لمطلع محل الرؤية بأن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في البلدين في وقت واحد فان غرب شيء من ذلك أو طلع في أحد البلدين قبله في الآخر أو بعده لم يجب على من لم ير برؤية البلد الآخر حتى لو سافر من أحد البلدين إلى الآخر فوجدهم صائمين أو مفطرين لزمه موافقتهم سواء في أول الشهر أو آخره وهذا أمر مرجعه إلى طول البلاد وعرضها سواء قربت المسافة أو بعدت ولا نظر إلى مسافة القصر وعدمها . واعمل أنه متى حصلت الرؤية للبلد الشرقي لزم رؤيته في البلد الغربيّ دون عكسه كما في مكة المشرفة ومصر المحروسة فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر لا عكسه لأن رؤية الهلال من أفراد الغروب وما ذكر عن شيخنا م ر وعن السبكي وغيره مما يخالف هذا لا يعوّل عليه ولا يجوز الاعتماد عليه وقول بعضهم وأقل ما يحصل به اختلاف المطالع في مسافة القصر ونصفها وذلك أربعة وعشرون فرسخا غير مستقيم بل باطل وكذا قول شيخنا إنها تحديد اه .
قوله : ( بعدل شهادة ) وإن كان الرائي حديد البصر كما قاله ع ش على م ر وإن قال المنجمون إن الحساب القطعي قد دل على عدم إمكان الرؤية خلافا للقيلوبي القائل بأنها لا تقبل شهادته حينئذ وحده وإذا صمنا برؤية عدل ثلاثين يوما أفطرنا وإن لم نر الهلال بعدها ولم يكن غيم ولا يرد لزوم الإفطار بواحد لثبوت ذلك ضمنا شرح المنهج وقوله ولا يرد أي لأن شوال لا يثبت إلا باثنين اه وهذا على طريقته والمعتمد أن هلال شوال يثبت بعدل استقلالا لاشتماله على العبادة وهي فطر يوم العيد لوجوبه والإحرام بالحج لأن كل شهر اشتمل على عبادة يثبت بواحد بالنظر للعبادة وهي فطر يوم العيد لوجوبه والإحرام بالحج لأن كل شهر اشتمل على عبادة يثبت بواحد بالنظر للعبادة ولو رجع عن شهادته بعد شروعهم في الصوم أو بعد حكم الحاكم ولو قبل شروعهم لزمهم الصوم م ر وسم وصحح في المجموع أنه لا يشترط العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين وخرج بالعدل الفاسق وخرج بإضافته إلى شهادة عدل الرواية كعبد وامرأة .(3/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
قوله : ( أخبرت النبي ) أي بلفظ الشهادة يدل لذلك الحديث الذي بعده وعبارة الشوبري قوله ولما روي الترمذي الخ ساقه مع الأول ليبين به أن المراد بالإخبار الشهادة إذ الاخبار لا يجب به الصوم على العموم .
قوله : ( وهي شهادة حسبة ) أي فلا تحتاج إلى سبق دعوى .
قوله : ( موثوق به ) أي عند المخبر ح ل ولو كان فاسقا أو رقيقا .
قوله : ( إذا اعتقد صدقه ) ليس بقيد فالمدار على أحد أمرين كون المخبر موثوقا به أو اعتقاد صدقه وهذا أمر خامس لوجوب صوم رمضان زائد على الأربعة المتقدمة ويجب أيضا برؤية القناديل المعلقة على المنائر في البلاد المعتمدة كما يأتي كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( وإن لم يذكره ) أي الهلال أي رؤيته .
قوله : ( ويكفي في الشهادة الخ ) خلافا لابن أبي الدم فانه يقول لا بد أن يقول أشهد أن غدا من رمضان أو أن الشهر هلّ لأن قوله أشهد أني رأيت الهلال شهادة على فعل نفسه وهي لا تصح قرره شيخنا العشماوي . والجواب أنه اغتفر ذلك في قبولها احتياطا للصوم وعبارة ق ل أي لا بد من لفظ أشهد ولا يكفي أن يقول غدا من رمضان اه وعبارة م د ولا يكفي أن يقول أشهد أن غدا من رمضان اتفاقا لاحتمال اعتماد حسابه أو يكون حنفيا يرى إيجاب الصوم ليلة الغيم وهو ضعيف اه م د فطريق الشهادة عند ابن أبي الدم أنّ يشهد أنه رأى الليلة الهلال وأن غدا من رمضان .
قوله : ( وتوابعه ) عطف تلقيني على قوله في الصوم ، وضابطه أن يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقال ونحوها .
قوله : ( المعلقين بدخول رمضان ) أي المعلق نذرهما ، كإن دخل رمضان فللَّه عليّ الاعتكاف أو الإحرام بالعمرة .(3/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
قوله : ( كدين الخ ) وذلك لأن إخبار العدل يفيد الظن ونحو العصمة محقق فلا يزال إِلا بيقين ، وقوله هذا أي قوله لا في غير ذلك ، وقوله إن سبق التعليق أي سبق التعليق الشهادة .
قوله : ( ومحله ) أي محل قولنا لا في غير ذلك ، وقوله أيضاً أي كما أن محله إن سبق التعليق الشهادة ، فيكون قوله لا في غير ذلك مقيداً بأمرين .
قوله : ( عند الاشتباه ) أي اشتباه الشهور بعضها مع بعض ، كأن كان محبوساً وظن دخوله بالاجتهاد .
قوله : ( المعلقة بالمنائر ) بالهمزة ، والقاعدة أن الجمع يردّ الأشياء إلى أصولها ، فكان القياس أن يقول : مناور بالواو ؛ لأنه جمع منْورة بسكون النون نقلت حركة الواو للنون ثم قلبت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت منارة ؛ ولو طفئت بعد إيقادها لنحو شك في الرؤية ثم أعيدت لثبوتها وجب تجديد النية على من علم بطفئها دون غيره ، ق ل مع زيادة .
قوله : ( ولكن له أن يعمل ) بل يجب كما في م ر ؛ لأن ما جاز بعد امتناع يصدق بالواجب ، ويجب أيضاً على من صدقه كما في م ر .
قوله : ( كالصلاة ) أي فإنه إذا اعتقد دخول وقت الصلاة فإنه يعمل بذلك م د .
قوله : ( والحاسب ) وهو الميقاتي .
قوله : ( بتقدير سيره ) عبارة غيره : وتقدير سيره ، أي ويعتمد تقدير سيره وهي أنسب .
قوله : ( لفقد ضبط الرائي ) أي إن تحقق الرؤية ، فقوله لا للشك في الرؤية لا حاجة إليه بل هو مضر ق ل .(3/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
قوله : ( ولو فيما مضى ) فيشمل المرتد فيجب عليه الصوم بمعنى انعقاد سببه في حقه لوجوب القضاء عليه إن عاد للإسلام ق ل .
قوله : ( فلا يجب على الكافر الأصلي ) فلو قضاه بعد إسلامه لم ينعقد كما أفتى به م ر ؛ والكلام في غير اليوم الذي أسلم فيه ، أما هو فيستحب قضاؤه رعاية للخلاف القوي عندنا ، وبذلك صرح م ر في الفتاوى أ ج . ولا يجوز للمسلم إعانة الكافر على ما لا يحل عندنا كالأكل والشرب في نهار رمضان بضيافة أو غيرها ؛ لأنه إعانة على معصية ، شرح م ر . قال حج : وفيه نظر لأنه ليس مكلفاً به بالنسبة للأحكام الدنيوية ؛ لأنا نقره على تركه ولا نعامله بنقيض كفره ، إِلا أن يجاب بأن معنى إقراره عدم التعرض له لا معاونته كما يعلم مما يأتي في الجزية ، اه مرحومي .
قوله : ( إِلا إذا أثم بمزيل ) بأن تعدى به . قوله : ( فيجب ) المراد بالوجوب انعقاد السبب بدليل قوله ويلزمه قضاؤه .
قوله : ( لكبر أو مرض ) راجع لقوله حساً وقوله لا يرجى برؤه الصواب إسقاطه لأنه مضرّ ، إذ لا حاجة إليه كما قاله ق ل ؛ لأن الذي يرجى برؤه لا يجب عليه حالة المرض وإن وجب عليه القضاء إذا تمكن .
قوله : ( أو حيض ) راجع لقوله شرعاً وقوله أو نحوه أي النفاس .
قوله : ( سكت المصنف الخ ) وجعل هذه شروطاً للصحة مع أنها هي بعينها هي شروط الوجوب ، ففيه مسامحة ؛ إِلا أن يقال إن بينهما تخالفاً ؛ وذلك لأن الإسلام في شروط الوجوب معناه ولو حكما فدخل المرتد ، وأما في شروط الصحة فالمراد الإسلام بالفعل فيخرج المرتد . وزادت شروط الصحة بقوله : ووقت قابل فإنه شرط للصحة وليس شرطاً للوجوب .(3/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
قوله : ( وعقل ) أي تمييز سواء البالغ والرقيق وغيرهما ق ل . قوله : وأورد عليه النائم فإنه يصح صومه وإن استغرق النوم الوقت ، بخلاف الإغماء والسكر إذا أفاق لحظة من النهار ، أي فيصح الصوم . وأجيب عن الإيراد بأن المفهوم فيه تفصيل ، فلا يعترض عليه به ، لأن عدم التمييز إن كان لنوم صح مطلقاً ، وإن كان لإغماء أو سكر فيصح إذا أفاق لحظة من النهار ، وإن كان لجنون لم يصح مطلقاً اه زي وانظر هل يكفي الإفاقة مع طلوع الفجر أو مع الغروب ؟ وراجعه م د على التحرير .
قوله : ( ونقاء عن حيض ونفاس ) ولا يضر نوم اليوم كله ولا إغماء بعضه ولا سكر بعضه كما في المنهج . فالحاصل أن الردة والجنون والحيض والنفاس والولادة متى طرأ واحد منها في أثناء اليوم ولو لحظة ضر فيمنع الصحة ، وأن النوم لا يضر ولو استغرق اليوم ، وأن الإغماء والسكر إن استغرقا اليوم منعا الصحة وإِلا فلا . واعلم أن المغمى عليه إذا أفاق قضى الصوم مطلقاً أي سواء تعدى بإغمائه أو لا ، بخلاف الصلاة لا يجب عليه قضاؤها إلا إذا كان متعدياً بإغمائه ، ومثله في هذا التفصيل السكران اه طوخي . ويجب القضاء أيضاً على المتعدي بالجنون كما قاله ق ل .
قوله : ( ونفاس ) وولادة ولو بلا بلل على المعتمد ، ومنها أيضاً إلقاء العلقة والمضغة ، اه رحماني .
قوله : ( النية ) أي قبل الفجر ، فلو قارنها الفجر لم تصح ، وكذا لو شك حال النية هل طلع الفجر أو لا بخلاف ما لو شك بعدها هل طلع الفجر ؟ فتصح ولو شك بعد الغروب في نية الصوم لم يؤثر ، ولو شك هل كانت قبل الفجر أو لا أو شك نهاراً هل نوى ليلاً أو لا ، فإن تذكر فيهما ولو بعد زمن طويل أنها وقعت ليلاً أجزأ وإِلا فلا ق ل على الجلال . قال في الإيعاب : ويشترط في النية أن يحضر في ذهنه صفات الصوم مع ذاته ثم القصد إلى ذلك ، فلو خطر بباله الكلمات مع جهل معناها لم يصح ، ق ل وأقره م ر .
قوله : ( لم يكن نية ) أي إن لم يخطر بباله الصوم بصفاته الشرعية وإِلا كانت نية كما ذكره قريباً .(3/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
قوله : ( إن خطر بباله الصوم ) أي ذاته وهو الإمساك عن المفطرات جميع النهار ، فالمراد بذاته حقيقته . وقوله بالصفات أي ككونه عن رمضان أو عن كفارة .
قوله : ( لتضمن كل منها ) أي فيكفي القصد ضمناً والظاهر أن المخالف وهو الأذرعي لا يكتفي بالقصد الضمني بل لا بد عنده من القصد صريحاً ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فلا صيام له ) أي صحيح لا كامل خلافاً للحنفية ، فإنّ نفي الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال وقوله خلافاً للحنفية فإنهم يجوّزون النية في النهار في الفرض والنفل .
قوله : ( بما يناقض الصوم ) وهو الليل . قوله : ( كالصلاة ) أي جنسها ؛ لأن الكلام في صلاتين بدليل قوله يتخللهما وفي نسخة : كالصلاتين وهي واضحة لأن السلام لا يكون فاصلاً بالنسبة لصلاة واحدة بل لاثنين فأكثر .
قوله : ( وليس على أصلنا ) أي قاعدتنا .
قوله : ( ولا يشترط للتبييت الخ ) ولو نوى مع الغروب أو الفجر لم يكف كما هو قضية التبييت .
قوله : ( ولا يضر الأكل والجماع الخ ) نعم تضر الردة ليلاً أو نهاراً ، وكذا يضر رفض النية ليلاً لا نهاراً فلا بد من تجديدها بعد الإسلام ، والرفض ومنه أي الرفض ما لو نوى الانتقال من صوم إلى آخر كما لو نوى صوم قضاء عن رمضان ثم عنّ له أن يجعله عن كفارة مثلاً ، فإن ذلك يكون رفضاً للنية الأولى ق ل .
قوله : ( مناف للصوم ) منه ما لو توضأ وبالغ في المضمضة وسبق الماء جوفه ، أما إذا لم(3/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
يبالغ وسبق الماء فلا يضر . وعبارة شرح م ر : مناف للصوم ، أي على الأصح فيهما . ومقابل الأصح في الأول أنه يصح لو بعد الزوال ، والثاني يصح ولو حصل مناف للصوم اه .
قوله : ( تعيين النية ) أي المنويّ من حيث الجنس كنية الكفارة فيها وإن لم يعين نوعها ، ككونها عن ظهار أو يمين مثلاً ؛ وكذا في النذر ق ل على الغزي . وعدّه تعيين النيّة من الفروض فيه مسامحة ؛ لأن التعيين شرط للنية لا من فرائض الصوم . وعبارة متن المنهج : ويجب لفرضه تبييتها وتعيينه اه . وكذا عدّ معرفة طرفي النهار من الفروض مسامحة . ويمكن أن يراد بالفرض ما لا بد منه في الصوم بدليل عدّ الركن الذي هو النية من الفروض ، ويدل عليه قول الشارح الآتي : والرابع من الشروط ، حيث لم يقل من الفروض التي عبر بها المصنف تأمل .
قوله : ( غداً ) لا مدخل له في التعيين وإنما جاء من التبييت .
قوله : ( أطلقه الأصحاب ) أي عن التقييد بالراتب وغيره .
قوله : ( وينبغي الخ ) ضعيف ، والمعتمد أنه لا يشترط تعيين النية فيه بل يجوز الإطلاق .
قوله : ( أجيب ) أي عن القياس .
قوله : ( بل لو نوى بها غيرها ) ولو فرضاً ، وإن نفاها حصل ثوابها أيضاً ؛ فالتشبيه بالتحية في الجملة ق ل . المعتمد عدم حصول الثواب بل يسقط الطلب فقط .
قوله : ( حصل ) أي صومها .
قوله : ( وجود صومها ) عبارة شرح المنهج : وجود صوم فيها ، وهي أظهر .
قوله : ( والفرق بين صوم رمضان الخ ) أي من حيث عدم اشتراط نية الفرضية في الصوم واشتراطها في الصلاة .(3/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
قوله : ( بخلاف الصلاة ) أي فاحتيج لنية الفرضية فيها لتتميز عن المعادة ، وهذا الفرق على القول الضعيف القائل بعدم وجوب نية الفرضية في المعادة ، أما على الصحيح من وجوبها فلا يتأتى كما قرره شيخنا ح ف . وقال بعضهم : يتأتى أيضاً بأن المراد الفرض الحقيقي وفرض المعادة صوري .
قوله : ( ويتصور ذلك ) أي التنفل في الجمعة ، أي ويتصور الإعادة في الجمعة . ونبه عليها لخفاء إعادتها ، فكأنه قال : أما في غير الجمعة فظاهر وأما فيها فيتصوّر بكذا .
قوله : ( ولا يشترط تعيين السنة ) فالواجب أن يقول : نويت صوم رمضان أو الصوم من رمضان ، مرحومي . ولا يكفي أن يقول : نويت الصوم غداً على المعتمد ح ل . فلو عين السنة وأخطأ نظر إن لاحظ صوم الغد صحّ وإِلا فلا .
قوله : ( لأن المقصود منهما واحد ) وهو الاحتراز عن القضاء إذ غير فرض السنة لا يكون إِلا قضاء ، وهو علة للقياس لا لعدم الاشتراط .
قوله : ( ولو نوى ليلة الثلاثين الخ ) أشار به إلى أنه لا بد في النية من جزم أو ظن كما في م ر ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( أو مراهق ) قال شيخنا : ومثل ذلك الكافر ، بل الفاسق شامل له .
قوله : ( ولا أمارة ) أي من نحو ما ذكره بقوله بقول من يثق به ق ل .
قوله : ( صح صومه ) أي إن أبيح له الإقدام على صومه بأن كان له عادة وإِلا فلا ، لأنه من النصف الثاني وهو يوم شك أيضاً اه أ ج .
قوله : ( ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان الخ ) هذا مقابل قوله : ولو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد الخ ، فنية رمضان ليلة الثلاثين منه تجزىء مطلقاً إذا تبين أنه منه ، ونية رمضان ليلة الثلاثين من شعبان فيها تفصيل إذا تبين كونه منه ، فإن اعتقد ذلك بقول من يثق به صحت وإِلا فلا .(3/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
قوله : ( ولقوله ) أي لمفهوم ذلك ق ل . والواو للعطف على محذوف تقديره : للإجماع ولقوله الخ .
قوله : ( لما سيأتي ) أي أن الاستقاءة مفطرة لعينها .
قوله : ( والرابع من الشروط الخ ) المناسب أن يقول : من الفرائض وكأن الشارح حمل الفرض على ما لا بد منه فشمل الشرط كما تقدم .
قوله : ( معرفة طرفي النهار ) أي فلا بد من معرفة غروب الشمس وطلوع الفجر عند الإفطار والتسحر .
قوله : ( وكأنه أخذه الخ ) أي لأنه حيث لم يصح صومه إذا نوى بعد الفجر علم منه أنه لا بد أن يعلم أول النهار ، وقوله لو أكل معتقداً الخ يعلم منه أنه لا بد من معرفة آخر النهار ؛ قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فبان خلافه ) ليس قيداً بل أو لم يتبين شيء كما يأتي في الشرح ؛ لأن المراد أنه أفطر من غير اجتهاد ، وأما بالنظر لقول الشارح معتقداً إذا كان معناه أي عن اجتهاد فيكون قوله فبان خلافه قيداً ، فإن لم يتبين شيء صح صومه .
قوله : ( وحاصل ذلك ) أي حاصل قولهم الذي أخذ منه المصنف ما ذكر .
قوله : ( في الأولى ) أي مسألة التسحر ، والثانية : مسألة الإفطار .
قوله : ( صح صومهما ) أي المفطر والمتسحر بلا تحرّ .
قوله : ( صح صومه ) أي وإن سبق إلى جوفه منه شيء في الأولى أي مسئلة الطرح ، بخلافه في الثانية فيفطر إذا سبق شيء إلى جوفه كما في المرحومي ، لتقصيره بإمساكه .
قوله : ( طلوع الفجر ) منصوب على الظرفية ، أي كان الشخص في طلوع الفجر أي وقته(3/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
مجامعاً ، فنزع حالاً بأن قارن نزعه طلوع الفجر وقصد بالنزع ترك الجماع لا الالتذاذ ق ل . فلو استمر مجامعاً بطل صومه مطلقاً ، وأما الكفارة فإن علم بالفجر حال طلوعه فعليه الكفارة وإِلا فلا ، شوبري .
قوله : ( والذي يفطر به الصائم الخ ) هذه المبطلات مفاهيم ما تقدم من الإسلام والعقل والنقاء عن الحيض والنفاس والإمساك عن الأكل والشرب والجماع والقيء ، وقدم مفهوم الإمساك ؛ وإنما ذكرها المصنف وإن لم يكن من عادة المتون أخذ المحترزات لزيادة الإيضاح على المبتدي . وقد نظمها م د في قوله :
عشرة مفطرات الصوم
فهاكها إغماء كل اليوم
إنزاله مباشراً والردّهْ
والوطء والقيء إذا تعمدَهْ
ثم الجنون الحيض مع نفاسِ
وصول عين بطنه مع راسِ
قوله : ( ما وصل ) أي وصل من الظاهر بأن يأتي من خارج ، فخرج بذلك ما وصل من الباطن كالريق الآتي .
قوله : ( من عين ) بيان لما فخرج الريح والطعم ، والمراد بقوله من عين أي من أعيان الدنيا ، فإذا أكل من ثمار الجنة فلا يفطر شوبري وع ش . ومن العين الدخان المشهور فيفطر به لأنه كدخان الفتيلة ، برماوي .
قوله : ( وإن قلت ) أي أو لم تؤكل كحصاة .
قوله : ( إلى مطلق الجوف ) هذا ظاهر على النسخة التي ليس فيها أو الرأس ، أما النسخة التي فيها ذلك فيراد بالجوف خصوص البطن لا مطلقه وإِلا لتكرر مع قوله أو الرأس ، قال خ ض : حتى لو أدخل أصبعه في دبره أفطر ، وكذا لو فعل غيره به ذلك بإذنه ، فليستحفظ حالة الاستنجاء من رأس الأنملة فإنه لو دخل منها أدنى شيء أفطر ، قاله القاضي حسين . وقوله : حتى لو أدخل أصبعه في دبره أفطر هذا إن لم يتوقف خروج نحو الخارج إِلا بإدخال أصبعه ، وإِلا أدخله ولا فطر كما نقل عن المدابغي ، حرر .
قوله : ( من منفذ ) بفتح الفاء كالمخرج والمدخل ، عناني .(3/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
قوله : ( سواء كان يحيل الخ ) تعميم في الجوف ، وقوله يحيل الغذاء أي يغيره .
قوله : ( كباطن الحلق ) مثال لقوله أم لا وما بعده مثال لقوله يحيل فهو لف ونشر مشوّش ، وبقي مثال ما يحيل الدواء فقط كباطن الرأس أو الأذن الخ .
قوله : ( والأمعاء ) وهي المصارين جمع مَعىً بوزن رضا .
قوله : ( فلا يضر الخ ) محترز شيء مقدر ، أي من منفذ مفتوح انفتاحاً ظاهراً يحس .
قوله : ( وصول دهن ) ومنه دخان لا عين فيه كالبخور ، بخلاف ما فيه عين كالدخان المشهور الآن ق ل . وعبارة عبد البر : ومنه يؤخذ أن وصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى جوفه لا يضر وإن تعمد فتح فيه لذلك ؛ لأنه ليس عيناً ، أي في العرف ، وأما الدخان الحادث الآن المسمى بالنتن لعن الله من أحدثه فإنه من البدع القبيحة ، فقد أفتى شيخنا الزيادي أوّلاً بأنه لا يفطر لأنه إذ ذاك لم يكن يعرف حقيقته ، فلما رأى أثره بالبوصة التي يشرب بها رجع وأفتى بأنه يفطر اه م د .
قوله : ( مسامّ ) جمع سم بتثليث السين والفتح أفصح ، قال الجوهري : ومسام الجسد ثقبه شرح م ر ، أي التي تحت الشعر ، ومسامّ أصله مسامم كمحاسن جمع حسن كل منهما على غير قياس .
قوله : ( جوفه ) معمول لوصول .
قوله : ( اغتساله بالماء ) ولا يلزمه أن يميل أذنه ويضع فيها الماء للمشقة كما قاله م ر ، ولا يضر بلع ريقه أثر المضمضة وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه ، ابن عبد الحق ع ش .
قوله : ( ولا يضر وصول ريقه ) أي حيث كان طاهراً صرفاً بخلاف وصوله متنجساً أو مختلطاً بغيره أو بعد خروجه لأعلى لسانه ولو على حمرة الشفتين ، فالشروط ثلاثة . قال م ر في شرحه : ولو أخرج اللسان وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه لم يفطر ؛ لأن اللسان كيفما تقلب معدود من الفم .
قوله : ( من معدنه ) وهو منبعه تحت اللسان ، مرحومي ؛ لأنه يخرج من عين تحته ، وذلك المنبع عين نباعة تطري اللسان للتكلم وتبلّ الشيء الناشف ولولاها لوقف اللسان ونشف .
قوله : ( ذباب ) محترز قيد مقدر ، أي عين يسهل التحرز عنها ولا يشق .(3/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
قوله : ( أو غبار طريق ) قيده ابن قاسم بالطاهر واعتمده ، ومثله زي ، وقال سم على البهجة : إنه إن تعمد ضر في الغبار النجس وإِلا بأن كان طاهراً أو نجساً ولم يتعمد فلا ، لكن في شرح م ر الإطلاق .
قوله : ( لعسر التحرز عنه ) أي من شأنه ذلك حتى لو فتح فاه عمداً لأجل دخول نحو الذباب أو الغبار جوفه لم يفطر وإن كثر كما في شرح المنهج وح ل خلافاً لحج . ولو دخلت ذبابة جوفه أفطر بإخراجها مطلقاً لأنه كالقيء ، وجاز له إخراجها إن ضر بقاؤها مع القضاء ، حج و زي .
قوله : ( والتقطير الخ ) هذا داخل فيما وصل من عين إلى الجوف . وإنما أفرده بالذكر للخلاف فيه ، وعبارة متن المنهاج : والتقطير في باطن الأذن والإحليل مفطر في الأصح ، أي فالمعتمد الفطر بالتقطير المذكور . وعلى هذا فالمراد بالوصول وصول الشيء لما كان محيلاً أو طريقاً للإحالة كما في التقطير في باطن الأذن ، فإنه طريق للإحالة لا نفس الإحالة .
قوله : ( إن بالغ ) أو كان من رابعة يقيناً لأنها بدعة مكروهة ، نعم إن بالغ لإزالة نجاسة فمه فلا يضر سبق الماء حينئذ ، وأما سبق ماء غسل مطلوب بالانغماس فإن اعتاده أي السبق ضر وإلا فلا ق ل . وعبارة م ر : وخرج بما قررناه سبق ماء الغسل من حيض أو نفاس أو جنابة أو من غسل مسنون فلا يفطر به كما أفتى به الوالد ، ومنه يؤخذ أنه لو غسل أذنيه في غسل الجنابة ونحوه فسبق الماء إلى الجوف منهما لا يفطر ولا نظر إلى إمكان إمالة الرأس بحيث لا يدخل شيء لعسره ، وينبغي كما قاله الأذرعي أنه لو عرف من عادته أنه يصل الماء منه إلى جوفه أو دماغه بالانغماس ولا يمكنه التحرز عنه أنه يحرم عليه الانغماس ويفطر قطعاً ؛ نعم محله إذا تمكن من الغسل لا على تلك الحالة وإِلا فلا يفطر فيما يظهر ، وكذا لا يفطر بسبقه من غسل نجاسة بفيه وإن بالغ فيها ، وقيل : يفطر مطلقاً ؛ لأن وصول الماء إلى الجوف بفعله اه بحروفه .
قوله : ( لم يفطر إن عجز ) وكذا لا يبطل صومه من ماء وضعه في فمه لنحو تبرد أو دفع عطش فسبقه منه شيء إلى جوفه ولو لنحو عطاس ، بخلاف ما لو سبقه ماء غسل تبرده ق ل وم د .
قوله : ( ولو أوجر ) محترز قوله مختاراً وقوله كأن صب الكاف استقصائية .(3/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
قوله : ( لأن حكم اختياره ) أي الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار ، فالإضافة ليست بيانية .
قوله : ( وإن أكل ناسياً الخ ) محترز قوله عمداً . قوله : ( والثاني الحقنة ) من أفراد الأوّل ، فعطفها عطف خاص على عام . وجعلها الشارح ثانياً لضرورة العدد ، وكان الأحسن أن يعبر بالاحتقان لأن المفطر هو الفعل ووضع الآلة وحدها مفطر وإن لم ينزل الدواء إلى جوفه اه .
قوله : ( أو نحوه ) كالماء .
قوله : ( فيه تجوّز ) لم يجعله خطأ لإمكان تخصيص أحد السبيلين بالدبر لأن الحقنة لا تكون إِلا فيه ، على أنه لا حاجة إلى ذلك لأن مراد المصنف أنه لو فرض إمكان ذلك عقلاً لا وقوعاً . وعبر في العباب بقوله : وكحقنة بقبل أو دبر ، ولم يعترضها حج بشيء .
قوله : ( فالتقطير ) هذا داخل فيما وصل من عين إلى الجوف ، وإنما أفرده بالذكر للخلاف فيه كما يؤخذ من شرح المنهاج . وهو مفرع على قوله من أحد السبيلين فكأنه أراد بالحقنة ما يشمل التقطير .
قوله : ( في باطن الإحليل الخ ) وهو مخرج البول من الذكر واللبن من الثدي م ر .
قوله : ( دخول طرف أصبع ) ومثله غائط خرج منه ولم ينفصل ثم ضم دبره ودخل شيء منه إلى داخل دبره حيث تحقق دخول شيء منه بعد بروزه ؛ لأنه خرج من معدنه مع عدم حاجة إلى ضم دبره . وبه يفارق مقعدة المبسور ، أفتى بذلك شيخ مشايخنا العلامة منصور الطبلاوي . أ ج . وضابط الدخول المفطر أن يجاوز الداخل ما لا يجب غسله في الاستنجاء ، بخلاف ما يجب غسله في الاستنجاء فلا يفطر إذا أدخل أصبعه ليغسل الطيات التي فيه . ولو ابتلع طرف خيط مثلاً بالليل ثم أصبح صائماً فإن ابتلع باقيه أو نزعه أفطر ؛ لأن ابتلاعه أكل ونزعه استقاءة ، وإن تركه بطلت صلاته لاتصال الظاهر بالباطن المتنجس بما في باطنه ، فطريقه في صحة صومه وصلاته أن ينزع منه وهو غافل ، فإن لم يكن غافلاً وتمكن من دفع النازع له أفطر لأن النزع موافق لغرض النفس فهو منسوب إليه عند تمكنه من الدفع له ، وبهذا فارق من طعن بغير إذنه وتمكن من دفعه فإنه لا يفطر . فإن طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه أفطر فيهما . قال الزركشي : وقد لا يطلع عارف بهذا الطريق ويريد هو الخلاص لنفسه ، فطريقه أن يرفع أمره إلى الحاكم(3/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
ويجبره على نزعه ولا يفطر لأنه كالمكره ، فإن تعذر ذلك كله قلعه أو بلعه مراعاة للصلاة لأنها آكد وأعظم بدليل قتل تاركها دون تارك الصوم .
قوله : ( بأصبعه ) ولو بإدخال أصبعه معها إن اضطر إلى ذلك ح ل . ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته قياساً على مقعدة المبسور ، حج .
قوله : ( ومن استقى ) بالقصر ، أي تعمد القيء م د .
قوله : ( أو مكرهاً ) انظر هل مثله إكراه الشرع ، كما لو وجب القيء لتصرر قام به لم أر فيه شيئاً ، ثم رأيت في سم : لو احتاج إلى التقيؤ للتداوي بقول طبيب فهل يفطر به أو لا أو ينظر بين أن يجب للتضرر بحبسه فلا يفطر أو لا فيفطر ؟ قلت : يؤخذ من مسألة الذبابة إذا دخلت قهراً وضر بقاؤها حيث قالوا بالفطر إذا أخرجها أنه يفطر اه أ ج وإن كان يجوز له ذلك كما مر .
قوله : ( وكذا لو اقتلع ) مستثنى من القيء ، وقوله نخامة ويقال نخاعة .
قوله : ( فلو نزلت من دماغه ) ليس بقيد ، بل مثله ما لو طلعت من بطنه ؛ ولا يجب غسل ما وصلت إليه من حدّ الظاهر حيث حكمنا بنجاسته بل يعفى عنه م ر . وعليه فلا تبطل صلاته لو حصل ذلك فيها أ ج .
قوله : ( في حدّ الظاهر ) أي حدّ هو الظاهر فالإضافة بيانية ، فالمراد بالظاهر ما فوق مخرج الحاء إلى الشفة كما قاله ح ف ، والباطن هو مخرج الهمزة والهاء م د . وعبارة بعضهم : الأولى حذف حدّ ؛ لأن المراد بحده طرفه الذي يليه باطن وليس قيداً ، إذ المدار على حصولها في الظاهر ، لا فرق بين أوّله أو آخره أو وسطه وإنما يحتاج إلى زيادتها من يريد تحديده عبارة(3/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
حج . تنبيه : ذكر حدّ غير محتاج إليه في عبارته وإن أتى به شيخنا في مختصره بل هو موهم إِلا أن تجعل الإضافة بيانية ، وإنما يحتاج إليه من يريد تحديده ؛ وذكر الخلاف في الحد أهو المعجمة وعليه الرافعي وغيره أو المهملة وهو المعتمد كما تقرر ، فيدخل ما قبله ؛ ومنه المعجمة .
قوله : ( وكذا المهملة على الراجح ) فما فوق مخرج الحاء ظاهر بالنظر للنخامة وباطن بالنظر للريق .
قوله : ( وليمجها ) فلو كان في فرض صلاة ولم يقدر على مجها إلا بظهور حرفين أي فأكثر لم تبطل صلاته ، بل تتعين مراعاة لمصلحتها كالتنحنح لتعذر القراءة الواجبة كما أفتى به الوالد شرح م ر .
قوله : ( إن أمكن الخ ) فالحاصل أنها لا تفطر إلا بشرطين : وصولها إلى الظاهر والقدرة على مجها .
قوله : ( التجشؤ ) بالهمزة في آخره كالتبرؤ ، ويجوز تخفيفها بقلب الهمزة باء وقلب ضمة الشين كسرة كالتبري .
قوله : ( بإدخال حشفة الخ ) احترز بالإدخال عما لو نزلت عليه ولم يوجد منه فعل ولم ينزل لم يفسد صومه ، بخلاف ما إذا أنزل فإنه يفسد صومه كالإنزال بالمباشرة فيما دون الفرج أج عن زي . ومع ذلك لا كفارة عليه اه زي .
قوله : ( في الفرج ) أي الذي يجب الغسل بالإيلاج فيه متصلاً أو منفصلاً ق ل . وتفطر المرأة بإدخالها ذكراً مباناً وعكسه ، ولا شيء على صاحب الفرج المبان من ذكر أو أنثى خلافاً لما توهمه الأغبياء من طلبة العلم ق ل .
قوله : ( ولا بالإكراه عليه ) أي الوطء ما لم يكن زنا ، فإنه لا يباح بالإكراه فيفطر به كما قاله شيخنا عميرة سم ، وأقره أج ؛ واعتمد العلامة العزيزي الإطلاق ووجّهه بأن عدم الإِفطار لشبهة الإكراه على الوطء والحرمة من جهة الوطء .(3/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
قوله : ( والإنزال الخ ) . حاصل الإنزال أنه إن كان بالاستمناء ، أي بطلب خروج المني ، سواء كان بيده أو بيد زوجته أو بغيرهما بحائل أو لا يفطر مطلقاً . وأما إذا كان الإنزال باللمس من غير طلب الاستمناء ، أي خروج المني ، فتارة تكون مما تشتهيه الطبائع السليمة أو لا ، فإن كان لا تشتهيه الطباع السليمة كالأمرد الجميل والعضو المبان فلا يفطر بالإنزال مطلقاً سواء كان بشهوة أو لا ، بحائل أو لا . وأما إذا كان الإنزال بلمس ما يشتهي طبعاً فتارة يكون محرماً وتارة يكون غير محرم ، فإن كان محرماً وكان بشهوة وبدون حائل أفطر وإلا فلا ، وأما إذا كان غير محرّم كزوجته فيفطر الإنزال بلمسه مطلقاً بشهوة أو لا بشرط عدم الحائل . وأما إذا كان بحائل فلا فطر به مطلقاً بشهوة أو لا ؛ أفاده شيخنا ح ف .
قوله : ( بنحو لمس ) أي لما ينقض الوضوء مطلقاً ولما لا ينقض كمحرم إن كان بشهوة . كما في شرح م ر . والأمرد كالمحرم .
قوله : ( بلا حائل ) متعلق بلمس .
قوله : ( بخلاف ما لو كان بحائل ) محله إن لم يقصد إخراج المني وإلا أفطر مطلقاً ؛ لأن التفصيل بين الحائل وعدمه إنما هو فيما إذا قصد اللذة فقط ع ش وح ف .
وقوله بحائل أي ولو كان رقيقاً جداً .
قوله : ( أو نظر أو فكر ) ما لم يكن من عادته الإنزال بهما وإلا أفطر كما في م ر ، قال الأذرعي : ينبغي أنه لو أحس بانتقال المني وتهيئته للخروج بسبب استدامة النظر فاستدامه فإنه يفطر قطعاً شرح م ر . وعبارة م د على التحرير : نعم إن كانت عادته الإنزال بهما أو كررهما حتى أنزل أفطر على المعتمد اه ق ل .
قوله : ( كقبلة إن حركت شهوة ) هذا في حق غيره وإلا فمن خصائصه القبلة في الصوم مع وجود الشهوة ، فقد كان يقبل عائشة وهو صائم ويمصّ لسانها ، ولعله لم يبلع ريقه المختلط بريقها كما في ح ل في السيرة . قال في الخصائص : اختص بجواز القُبلة بضم القاف في الصوم المفروض مع قوة شهوته . روى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها : أنه كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها وفي رواية لأحمد والأربعة عنها : أنه كان يقبل وهو صائم وأخذ بظاهره أهل الظاهر ، فجعلوا القبلة سنة للصائم وقربة من القرب اقتداء به ؛ وكرهها آخرون وردوا على أولئك بأنه كان يملك إربه فليس كغيره ؛ وقد صرح الشيخان في خبرهما عنها ، ولفظه : كان يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملكَكُمْ لإرْبِهِ والجمهور على أنها تحرم لمن حركت شهوته وتباح لغيره ، وكيفما كان لا يفطر إلا بالإنزال . والقبلة خمسة أقسام : قبلة مودة(3/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
نحو قبلة الأصل لفرعه في الخد ، وقبلة رحمة وهي قبلة الفرع للأصل على الرأس ، وقبلة شفقة كقبلة الأخت للأخ على الجبهة . وقبلة تحية وهي قبلة المؤمنين فيما بينهم على اليد . وقبلة شهوة كقبلة الزوج لزوجته على الفم اه ميداني .
قوله : ( لا يدرك معناه ) والصحيح أنه أمر معقول المعنى ؛ وذلك لأن الحيض يضعف البدن والصوم يضعفه واجتماع مضعفين مضرّ ضرراً شديداً والشارع ناظر لحفظ الأبدان .
قوله : ( وسكت المصنف ) أي بناء على أن النسخة التي وقعت للشارح ليس فيها لفظ أو الرأس عقب الجوف فيما مر ، وإلا فلا سكوت . ولا حاجة لنسبة المصنف إلى نسيان أو سهو ولا لقوله والظاهر الخ ق ل .
قوله : ( لوضوح الفرق ) وهو أن الولادة نادرة بل فيها نوع اختيار من جهة سببها وهو الوطء ، ولا كذلك الاحتلام فإنه لا اختيار فيه بل فيه شائبة إكراه أج .
قوله : ( أشياء ) يلزم عليه حذف نائب الفاعل وهو لا يجوز لأنه كالفاعل عمدة لا يحذف إلا في مواضع ليس هذا منها ، فلو أبقى المتن على ظاهره وقال : ويستحب في الصوم ثلاثة أشياء ، على ما ذكره المصنف ، وإلا فهي كثيرة لكان أولى ؛ وأيضاً جعل ثلاثة خبر المبتدأ محذوف ، فيلزم عليه حذف المبتدأ من غير دليل يدل عليه .
قوله : ( إذا تحقق غروب الشمس ) خرج بتحقق الغروب ظنه باجتهاده فلا يسن تعجيل الفطر ، وظنه بلا اجتهاد وشكه فيحرم بهما اه مرحومي .
قوله : ( لا تزال ) أي تستمر أمتي بخير مدة تعجيلهم الفطر الخ ، ولخبر الترمذي وحسنه :(3/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
( قال الله تعالى : أحَبُّ عبادِي إليّ أعْجَلُهُمْ فِطْراً ) ولما صح أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعجل الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً ، وإنما كان الناس بخير ما عجلوه لأنهم لو أخروه لكانوا مخالفين السنة ، والخير ليس إلا في اتباعها .
وكلُّ خيرٍ في اتّباعِ مَنْ سَلَفْ
وكُلُّ شَرَ في ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ قوله : ( من مخالفة اليهود ) أي وكثير من المبتدعة كالشيعة ، فإنهم يؤخرون الفطر إلى ظهور النجم اه م ر .
قوله : ( إن قصد ذلك ) أي التأخير .
قوله : ( فعلى تمر ) ما لم يعارضه سنّ التعجيل بأن كان يلزم من الفطر على ما ذكر التأخير ، وإلا راعى التعجيل ح ف . وقول الأطباء إن التمر يضعف البصر محمول على كثيره دون قليله فإنه يقوّيه اه شرح العباب لابن حجر .
قوله : ( فإن لم يجد فعلى ماء ) ويقدم ماء زمزم على غيره ، وبعد الماء شيء حلو كزبيب وحلو ، ويقدم اللبن على العسل لأنه أفضل منه ، ويقدم العسل على غيره ؛ ولو لم يجد إلا الجماع أفطر عليه . وقول بعضهم : لا يسن الفطر عليه ، محمول على ما إذا وجد غيره اه ق ل .
قوله : ( حَسَا حسوات ) أي جرع جرعات ، قال في المصباح : حَسَا أي ملأ فمه من الماء ، وحسوات بفتح الحاء وضمها مع فتح السين والحسوة ملء الفم بالماء . قال م ر : قضيته أن السنة تثليث ما يفطر عليه من رطب وغيره وهو كذلك كما يقتضيه تصريح المصنف وغيره بتمر ، إذ هو اسم جنس جمعي . وتعبير جمع بتمرة محمول على أنه يحصل بها أصل السنة .
قوله : ( ويسنّ السحور ) السحور بضم السين الفعل ، أما بفتحها فما يتسحر به . فإن قلت : حكمة مشروعية الصوم خلوّ الجوف لإذلال النفس وكفها عن شهواتها والسحور ينافي ذلك ؟ قلت : لا ينافيه بل فيه إقامة السنة بنحو قليل مأكول ومشروب ، والمنافي إنما هو ما يفعله(3/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
المترفهون من أنواع ذلك وتحسينه والامتلاء منه اه علقمي . وفي العهود للشعراني : أخذ علينا العهود أن لا نشبع الشبع الكامل قط لا سيما في ليالي رمضان ، فإن الأولى النقص فيها عن مقدار ما كنا نأكله في غيرها ؛ وذلك لأنه شهر الجوع ، ومن شبع في عشائه وسحوره فكأنه لم يصم رمضان ، وحكمه حكم المفطر من حيث الأثر المشروع له الصوم وهو إضعاف الشهوة المضيقة لمجاري الشيطان في البدن وهذا الأمر بعيد على من شبع من اللحم والمرق اللهم إلا أن تكون امرأة مرضعة أو شخصاً يتعاطى في النهار الأعمال الشاقة فإن ذلك لا يضره إن شاء الله تعالى ، وقد قالوا : من أحكم الجوع في رمضان حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي ، لأن الصوم جنة على بدن الصائم ما لم يخرقه شيء فإذا خرقه دخل الشيطان له من الخرق اه .
قوله : ( بركة ) أي أجراً وثواباً ، فالمناسب أن يقرأ السُّحور بالضم لأن الأجر في الفعل .
قوله : ( وبقيلولة النهار ) القيلولة هي الراحة قبل الزوال ولو بلا نوم ، وقيل : هي النوم بعده ق ل . والمشهور أنها النوم قبل الزوال وبعده . وفي تذكرة الجلال السيوطي : النوم في أول النهار عيلولة ، وهو الفقر ، وعند الضحى فيلولة وهو الفتور ، وحين الزوال قيلولة وهي الزيادة في العقل ، وبعد الزوال حيلولة أي يحيل بينه وبين الصلاة ، وفي آخر النهار غيلولة أي يورث الهلاك . قال المناوي : اعلم أن كثرة النوم غير محمودة لكثر مفاسده الأخروية ، بل والدنيوية ، فإنه يورث الغفلة والشبهات وفساد المزاج الطبيعي والنفساني ويكثر البلغم والسوداء ويضعف المعدة وينتن الفم ويولد دون القرح ويضعف البصر والباه حتى لا يكون له داعية للجماع ، ويفسد الماء ويورث الأمراض المزمنة في الولد المتخلق من تلك النطفة حال تكوينه ، ويضعف الجسد . هذا في النوم في غير وقت العصر والصبح ، وأما فيهما فأعظم ضرراً لأنه لا يمكن استقصاء مفاسده في العقل والنفس . ومنها أنه يورث ضعف الحال بحكم الخاصية وعدم الإيمان بالبعث والنشور ؛ قال حج في شرح الهمزية : بخلاف الإغفاء وهو النوم الخفيف بحيث لا يستغرق الوقت ؛ لأن الاستغراق إنما يتولد عن نوم القلب وغفلته المتولد من الشبع المفرط اه ملخصاً من حاشية ابن القيمة على البيضاوي .
قوله : ( ما لم يقع في شك ) أي بسبب التأخير .(3/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
قوله : ( فإن شك الخ ) الأولى أن يقول : فإن أوقعه ذلك في شك ؛ لأنه مقابل قوله ما لم يقع في شك .
قوله : ( لم يسن التأخير ) أي حيث أوقع التأخير في شك ، وقوله تركه أي التأخير .
قوله : ( دع ما يريبك ) أي دع ما يوقعك في شك إلى ما لا يوقعك فيه ، أي وانتقل واعدل إلى ما لا يريبك ، فقوله إلى متعلق بمحذوف ويريبك بفتح الياء فيهما وماضيه راب .
قوله : ( لو صرح ) يفيد أن المصنف ذكر الحكم لا على جهة الصراحة . وتوجيه ذلك أنه صرح بسن تأخير السحور ، وهو يستلزم سن السحور لتوقف تحقق التأخير المسنون على وجوده مؤخراً اه م د . وفيه أنه لا يلزم من سن التأخير كون السحور نفسه سنة بل يصدق بالإباحة .
قوله : ( بكثير المأكول وقليله ) أي وكثير المشروب وقليله أخذاً من الحديث الذي بعده .
قوله : ( ولو بجرعة ماء ) بضم الجيم ، قال في المصباح : الجرعة من الماء كاللقمة من الطعام وهو ما يجرع مرة واحدة والجمع جرع مثل غرفة وغرف .
قوله : ( ترك الهجر ) أي ترك هجر الناس من الكلام بأن يكلمهم ، والهجر بالفتح مصدر هجر كضرب ومعناه ترك الكلام . وقد أضاف له المصنف لفظ ترك ، ونفي النفي إثبات ، وتفسير الهجر بالترك لا ينافي تفسيره بالهجران الذي هو الامتناع من الكلام ؛ لأن الامتناع من الكلام تركه فصار معناه التكلم . وهذا كله على فتح الهاء ، وأما بالضم فيكون اسم مصدر لأَهْجَر بمعنى أفحش ، والمعني : يسنّ ترك الكلام الفاحش . وعبارة م د : قوله ترك الهجران لو(3/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
حذف الشارح لفظ ترك الداخلة على الهجران لكان مستقيماً والمعنى ترك الامتناع من الكلام ؛ ويحصل ذلك الكلام والامتناع تفسير للهجران ؛ والمعنى على إثبات الترك ترك الامتناع من الكلام ، وذلك يحصل بالامتناع من الكلام بأن يسكت ، وهو خلاف المقصود الذي هو التكلم .
قوله : ( وهو الاسم ) أي اسم مصدر من الإِهجار الذي هو مصدر أهجر أي أفحش .
قوله : ( فليس مراد المصنف ) ليس كذلك بل هو مراده . وقال العلامة العبادي : بل هو أقعد مما ذكره في المنهاج ، والاعتراض مدفوع بما سيذكره اه ق ل . وعبارة شرح المنهج : ويسن من حيث الصوم ترك فحش ككذب وغيبة ، لخبر البخاري : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به فلَيْسَ لله حاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) ، أي فليس لله حاجة في ترك طعامه وشرابه ، أي في صيامه . فحذف الجار من أن يدع والتقدير في أن يدع ، وهو كناية أو مجاز عن عدم نظره تعالى له نظر العناية والرحمة والقبول والتفضل بالثواب ، أو لا يطلب الله تعالى أن يدع الخ . فأطلق الحاجة وأراد الطلب مجازاً ، علاقته اللزوم .
قوله : ( وبعضهم ) هو ابن قاسم الغزي ، فإنه شرح المتن والمنهاج أيضاً .
قوله : ( واعترض ) أي هذا البعض ، وهو الغزي على المصنف ، كما اعترض أي هذا البعض المذكور ، فإنه شرح الكتابين أي المنهاج وأبا شجاع .
قوله : ( بأن صون اللسان عن ذلك واجب ) أي في حد ذاته وإن كان مستحبًّا من حيث الصوم ، ويثاب عليه ثوابين : واجباً من حيث وجوب صون اللسان عن المحرمات ، ومندوباً من حيث الصوم .
قوله : ( يفطرن الصائم ) أي حقيقة ، وهو مذهب السيدة عائشة وكذا مذهب الإمام أحمد .(3/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
قوله : ( إلى آخره ) بقيته كما في بعض النسخ : ( والكذب والنظر إلى المحرمات والأيمان الفاجرة ) وفي بعض النسخ إبدال الثاني بقول الزور .
قوله : ( ومن هنا ) أي من أجل بطلان ثواب الصوم بما ذكر من أحد هذه الأشياء .
قوله : ( عنه ) أي عن الفحش .
قوله : ( بفتح العين ) أي المضغ ، وبكسرها المعلوك .
قوله : ( في وجه ) أي ضعيف ، ومحله إن لم ينفصل شيء من المعلوك وإلا أفطر قطعاً ق ل .
قوله : ( ويسنّ أن يغتسل من حدث أكبر ليلاً ) قال الشعراني في بعض كتبه : وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : من بات سكران أو جنباً بات للشيطان عروساً .
قوله : ( اللهم لك صمت ) ويسنّ أن يزيد على ذلك : ( وبك آمنت وبك وعليك توكلت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى ، يا واسع الفضل اغفر لي الحمد لله الذي هداني فصمت ورزقني فأفطرت ) اه والظمأ مهموز الآخر مقصور ، والمراد به العطش ، ولم يقل وذهب الجوع ؛ لأن أرض الحجاز حارة فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش ويقول هذا إن أفطر على غير ماء لأن المراد دخل وقت إذهاب الظمأ اه .
قوله : ( ومدارسته ) عطف خاص وحقيقة المدارسة أن يقرأ الثاني ما قرأه الأول ، فقول الشارح : ويقرأ عليه غيره أي ما قرأه أوّلاً ، وأما القراءة المشهورة الآن فهي إدارة لا مدارسة .(3/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
قوله : ( ينسلخ ) أي يفرغ .
قوله : ( فيعرض عليه الخ ) بتفح الياء بمعنى يلقي عليه وليس بضم الياء ، لأن معناه الترك وليس مراداً ، قال م د : كيف هذا مع أن الملائكة لم يعطوا فضيلة حفظ القرآن حتى جبريل النازل به فكيف كان يدارسه ؟ وأجيب بجوابين ، أحدهما : أن النبي كان يقرأ أولاً فيعيد جبريل ما سمعه من النبي ، والثاني : أن جبريل كان ينظر في اللوح المحفوظ حين يقرأ على النبي . قال بعضهم : وهذا أولى ، لأن القصد من قراءته عليه ما استقرّ عليه الأمر ، في العرضة الأخيرة هو المثبت في المصحف العثماني . قال الشاطبي :
وكل عام على جبريل يعرضه
وقيل آخر عام مرتين قرا وحكمة العرض لأجل أن يبين له الناسخ والمنسوخ . وقوله آخر عام أي من عمره . ومعنى كون الملائكة لم يعطوا فضيلة حفظ القرآن ، أي على الدوام بحيث يستقلون بقراءة المحفوظ كما يؤخذ من الجواب الأول ؛ أو لا حفظ لهم أصلاً كما يؤخذ من الجواب الثاني . وأما غير جبريل من بقية الملائكة فكانوا يحفظون الفاتحة لأنها كنسخة مستقلة . وقوله فيعرض عليه قال في المصباح : عرضت الكتاب عرضاً قرأته عن ظهر القلب .
قوله : ( الثلاثة بعد يوم النحر ) أي خلافاً للأئمة الثلاثة حيث ذهبوا إلى أنها اثنان اه برماوي .
قوله : ( بعد يوم النحر ) قيد به لدفع قول من قال إنها ثلاثة بيوم النحر .
قوله : ( ولو لمتمتع ) غاية للرد على القول القديم إنه يجوز للمتمتع العاجز عن الدم وصومها عن الثلاثة الواجبة في الحج ؛ والمتمتع هو الذي أتى بالعمرة قبل الإحرام بالحج .
قوله : ( ويكره صوم يوم الشك ) إن قلت : ما فائدة تنصيصهم على كراهة صوم يوم الشك(3/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
أو حرمته مع أنه من جملة النصف الثاني من شعبان وهو محرم ؟ أجيب بأن فائدته معرفة حقيقة يوم الشك حتى يرجع إليه لو علق به طلاقاً أو عتقاً ؛ وبيان أن صومه مكروه أو حرام لشيئين : كونه يوم الشك وكونه بعد النصف ، فيكون النهي فيه أعظم منه فيما قبله .
قوله : ( كراهة تنزيه ) ويدل على ذلك فصله عن الحرام ، وإلا لو كان مراده أنه حرام لقال : ويوم الشك عطفاً على ما قبله .
قوله : ( يمكن حمل كلام المصنف الخ ) عبر به لأن الكراهة متى أطلقت انصرفت إلى كراهة التنزيه .
قوله : ( يسرد ) في المختار سرد الصوم أدامه .
قوله : ( أو نذر ) أي متقدم لم يقصد إيقاعه فيه إذ نذر صوم يوم الشك والنصف الثاني وحده لا يصح أج . فصورة النذر أن ينذر صوم الاثنين مثلاً فيوافق يوم الشك .
قوله : ( كنظيره من الصلاة ) أي قياساً على نظيره من الصلاة ، أي المقضية والمنذورة . ومنه يؤخذ أنه لو تحرى فيه صوم قضاء لم ينعقد ق ل . ويعلم هذا أيضاً من قول أج : لم يقصد إيقاعه فيه .
قوله : ( لا تقدّموا ) بفتح التاء والدال المشدّدة ، والأصل : لا تتقدموا . ورجل بدل من الواو .
قوله : ( بالورد ) أي العادة ، وفي نسخة : بالوارد ، أي في الحديث .
قوله : ( الباقي ) كالقضاء والنذر . واعترض بأنه لا حاجة للقياس بعد قوله كنظيره الخ لأنه(3/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
قياس . وأجيب بأن ما تقدم قياس الصوم على الصلاة ، وهنا قياس صوم على صوم كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( مبني على جواز الخ ) قد يقال ليس مبنياً على ما ذكره الشارح ، إذا قوله أو يصله بما قبله أي حالة كون ذلك القبل جائزاً صومه كصوم يوم من النصف الأول ولو آخره كالخامس عشر واستمر إلى أن صام يوم الشك بلا فطر اه أج .
قوله : ( أو صامه عن قضاء ) معطوف على المنفي وهو قوله : يصله والأولى أو يصمه كما في حج لأنه منفي .
قوله : ( إلا بما قبل الخ ) لو حمل الشارح كلام المصنف على ذلك لكان أولى .
قوله : ( أو شهد ) معطوف على مقدر ، أي ولم يشهد بها أحد أو شهد الخ .
قوله : ( أو فسقة ) أو كفار نعم من اعتقد صدق من قال إنه رآه ممن ذكر وجب عليه الصوم وصح منه ووقع عن رمضان إن تبين أنه منه ، ومن ظن صدق من قال إنه رآه ممن ذكر جاز له الصوم بخلاف من لم يعتقد ولم يظن الصدق فإنه يحرم عليه الصوم فالأحكام ثلاثة اه م د على التحرير .
قوله : ( وظن صدقهم ) الأولى حذفه لأنه ليس قيداً في يوم الشك ، وإنما هو قيد في صحة تبييت النية وجواز الإقدام على الصوم كما سيأتي ، قرره شيخنا .(3/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
قوله : ( وإنما لم يصح صومه الخ ) في نظر ، بل إذا ظن صدقهم يصح صومه وليس يوم شك كما تقدم . ويجاب بأنه لما لم يثبت كونه من رمضان صار يوم شك فلم يصح صومه . والحاصل أن يوم الثلاثين تارة يحكم عليه بأنه يوم شك فيحرم صومه ، وتارة يحكم عليه بأنه من رمضان فيجب صومه على من اعتقد الصدق أو يجوز لمن ظن الصدق .
قوله : ( ممن ذكر ) أي في قوله يمدد ترد شهادتهم .
قوله : ( في طائفة ) أي مع طائفة .
قوله : ( في أثنائه ) أي الباب .
قوله : ( المعتقد ) المراد به الظان لئلا يتحد مع الأول ، وعبارة شرح المنهج : صحة نية الظانّ ووقوع الصوم عن رمضان إذا تبين كونه منه .
قوله : ( ما ذكر ) أي من الأحكام التي هي الوجوب والجواز والامتناع .
قوله : ( صحت النية ) أي مع جواز الصوم ؛ وهذا في الصورة الأولى ، فكلامه على اللف والنشر المرتب .
قوله : ( ووجب ) أي في مسألة الإعتقاد ، وأما مسألة الظن فيجوز ولا يجب ؛ وإذا انتفى الإعتقاد والظن امتنع صومه عن رمضان اه مرحومي . وقوله وهذان موضعان أي الظن والاعتقاد .
قوله : ( في موضع يجب ) أي صوم يوم الشك .
قوله : ( بل هو من شعبان ) أي فيحرم صومه لكونه بعد النصف لا لكونه يوم شك ، وأما يوم الشك فيحرم لسببين .
قوله : ( الفطر بين الصومين ) أي تعاطي المفطر الخ ، وإلا ففي الليل يحكم على الشخص(3/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
بأنه مفطر وإن لم يتعاط مفطراً ؛ لأن الليل ليس محلاًّ للصوم فيصدق على الشخص فيه أنه مفطر وإن لم يتناول شيئاً من المفطرات حقيقة . وشمل تعاطي المفطر ما كان على جهل أو نسيان ، أي إذا تعاطى مفطراً ناسياً أو جاهلاً كفي فيخرج من الحرمة . قال في الخصائص : واختص بجواز الوصال له في الصوم لخبر الشيخين عن أبي هريرة مرفوعاً : ( إِيّاكم والوِصَالَ ) قيل : فإنك تواصل . قال : ( فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ في ذلك مِثْلِي إِنّي أَبِيتُ عند رَبِّي يُطْعِمني ويَسْقِيني فاكلفوا ) بضم فسكون أي الزموا ( مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ ) . وأن يجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر ليلاً ، فإنه حرام يوجب الفسق والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها ، فإنكم لستم في ذلك مثلي أي على صفتي ومنزلتي من ربي ، فإني أبيت أي أنا عند ربي دائماً أبداً ؛ فهي عندية تشريف ، يطعمني ربي ويسقيني حقيقة بأن يطعم من طعام الجنة وهو لا يفطر ، أو مجازاً عما يغذيه الله به من المعارف ويفيضه على قلبه من لذة مناجاته وقرّة عينه بقربه . وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثراً من غذاء الأجسام والأشباح ؛ فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق ، فبالنظر للأول الذي يفاض عليه به من المبدإ الأول مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وعطش وجوع وفتور وبالنظر للثاني به يفيضون ويلحقهم ذلك ظاهراً لموافقة الجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم ، فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم ربانية تتلذذ بلذة المناجاة ، فلا منافاة بين ما ذكر هنا وبين ربطه الحجر على بطنه من شدّة الجوع لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها ، فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز البشرية من جوع ولا غيره . فهاك هذا الجمع عفواً صفحاً فقلما تراه مجموعاً في كتاب وقلّ من تعرضّ له من الأنجاب .
وقوله : ( فاكلفوا ) بين به حكمة النهي ، وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوّة في أمر الله والخضوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة ، وشدّة الجوع تنافيه وتحول بين المكلف وبينه ثم الجمهور ؛ على أن الوصال للمصطفى مباح ، وقال الإمام : قربة وخصوصية به على كل أمته لا على كل فرد فرد ، فقد اشتهر عن كثير من الأكابر الوصال ، قال في المطامح : أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوماً متوالية . قال في المطلب : فإن قلت إن كثيراً ممن اشتهر صلاحهم ممن لا يحصى نقل عنهم الوصال وذلك مع القول ثم ينافي حالهم السنيّ وقدرهم العليّ ؟ قلت : المنهي عنه من ذلك وغيره ما يدخل تحت القدرة ، ولعل وصال هؤلاء جاء من غير قصد إليه بل اتفق ترك تناول المفطر لغفلة عنه إما بغير سبب أو بسبب وهو تعلقه واشتغاله بالمعارف الربانية والاستغراق فيها والالتذاذ بها بحيث ألهته عن كل شيء ، فهي في حقه قائمة مقام الطعام(3/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
والشراب في حق كثير من الناس ، والإنسان شاهد في الخارج عند اشتغال القلب بما يسر أو يحزن الغفلة عن الطعام والشراب . وقد فسر بمثل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( يُطْعمني ربي ويَسْقِيني ) وعلى هذا تكون الخصوصية لرسول الله على كل أمته لا على أحد أفرادها ، والنهي توجه للمجموع لأنه مشروع اه مناوي على الخصائص .
قوله : ( إذا الوصال في الصوم حرام ) وهو تتابع الصوم فرضاً أو نفلاً من غير فطر ليلاً ، وقيل : صوم السنة من غير أن يفطر الأيام المنهية ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنه ، وموجب النهي أمران : الضعف والملل والعجز عن المواظبة على بقية العبادات . والنهي للتحريم عند الشافعية والتنزيه عند مالك والحنابلة ، فالفطر مطلوب عند تحقق الغروب لأن تأخير الفطر إذا كان ممنوعاً فتركه بالكلية أشد منعاً . وكان الوصال مباحاً لمن قبلنا ، لكن تحريمه إنما هو علينا لا على المصطفى ، فإن له الوصال فهو من خصوصيات أمته على غيرها اه . وعبارة المرحومي : تنبيه : قد اشتهر عن كثير من الصلحاء الوصال ففعله من غير قصد إليه بل لغفلة أو استغراق في المعارف .
قوله : ( للنهي عنه ) وما أحسن ما قاله بعضهم :
بليت به فقيها ذا جدال
يجادل بالدليل وبالدلالِ
طلبت وصاله والوصل عذب
فقال نَهَى النبي عن الوصال
أي ففيه الدليل بحسب الظاهر والدلال بحسب التورية .
قوله : ( ثم شرع فيما تجب به الكفارة ) أي العظمى لأنها المرادة من هذا اللفظ عند الإطلاق وغيرها ، يقال له فدية غالباً ق ل . ومن غير الغالب قول المتن الآتي : وإن خافتا على أولادهما أفطرتا وعليهما القضاء والكفارة .
قوله : ( ومن وطىء ) جملة الشروط أحد عشر : الأول قوله : وطىء . الثاني : قوله : جميع الحشفة . الثالث : قوله : عامداً . والرابع : قوله مختاراً . والخامس : قوله : عالماً . والسادس : قوله : في الفرج . والسابع : قوله : في نهار رمضان . والثامن : قوله : وهو مكلف . والتاسع : قوله : صائم . والعاشر : قوله : أثم بالوطء . والحادي عشر : قوله : بسبب الصوم . وقد أخذ(3/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
الشارح محترز الجميع ، ولا بد أن يكون أفسد بوطئه يوماً من رمضان يقيناً فتكون الشروط اثني عشر ؛ ويزاد عليها إفساد صوم يوم كامل ليخرج ما إذا مات أو جنّ في أثنائه ، فإذا اشتبه رمضان بغيره فاجتهد وصام فإذا وطىء ولو في جميع أيامه لا كفارة عليه شرح م ر . وخرج بإفساد اليوم ما لو وطىء بلا عذر ثم جنّ أو مات في اليوم ؛ لأنه بان أنه لم يفسد صوم يوم شرح المنهج . قال م د : وحاصل ما ذكر في هذا المقام من الشروط أحد عشر شرطاً : الأول : أنها على الفاعل ، أعني الواطىء ، فخرج المرأة الموطوءة والرجل الموطوء . الثاني : أن يكون فعله مفسداً ، فخرج الناسي والجاهل والمكره ولو على الزنا وإن كان يفطر به لأن الزنا لا يباح بالإكراه . الثالث : أن يكون ما أفسده صوماً ، فخرج نحو الصلاة . الرابع : أن يكون صوم نفسه ، فخرج المفطر إذا جامع زوجته الصائمة . الخامس : أن يكون الإفساد بالوطء ، فخرج الإفساد بغيره . السادس : أن ينفرد الوطء ، فخرج ما إذا أفسده بالوطء وغيره معاً . السابع : أن يستمر على الأهلية كل اليوم ، ويعبر عنه بأن يفسد يوماً كاملاً ، فيخرج ما إذا جنّ أو مات بعد الجماع فتسقط عنه الكفارة . الثامن : أن يكون من أداء رمضان يقيناً ، فخرج النذر والقضاء ومن وطىء في رمضان إذا صامه بالاجتهاد ولم يتحقق أنه منه أو صام يوم الشك حيث جاز فبان أنه من رمضان . التاسع : أن يأثم به ، فخرج الصبي . العاشر : أن يكون إثمه به لأجل الصوم ، فخرج الصائم المسافر الواطىء زنا أو لم ينو ترخصاً بالإفطار لأنه لم يأثم به للصوم بل للزنا أو لعدم نية الترخص . الحادي عشر : عدم الشبهة ، فخرج من ظن بقاء الليل أو شك فيه أو في دخوله فبان نهاراً فلا كفارة ، وكذا من أكل ناسياً فظن أنه أفطر فوطىء عامداً فيفطر ولا كفارة عليه فإن الكفارة كالحد تدرأ بالشبهة . وقوله : ومن وطىء وإن انفرد بالرؤية أو بحسابه أو بخبر من يوثق به ولو صبياً أو فاسقاً واعتقد صدقه لما مر أنه يلزمه الصوم كالرائي . وقد نظم بعضهم ذلك فقال :
كفارة الجماع عندهم على
مفسد صومه ليوم كملا
من رمضان في الأداء إن أثم
للصوم بالوطء وشبهة عدم
قوله : ( عالماً بالتحريم ) أي وبكونه صائماً وبكونه من رمضان .
قوله : ( في الفرج ولو دبراً ) لأن الدبر مثل القبل في سائر أحكامه ، إلا في صور منظومة في قوله :
والدبر مثل القبل في الإتيان
لا الحلّ والتحليل والإحصان
وفيئة الإيلا ونفي العنّة
والأذن نطقاً وافتراش القنة
ومدة الزفاف واختيار
ردّ بعيب بعد وطء الشاري(3/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
تصدق في الحيض نفي الرَّجْمِ
إذا زنى المفعول فاحفظ نَظْمِي
ولا يثبت به النسب في وطء أمته وفي وطء الشبهة على ما صححه في الروضة في اللعان ولا يجب به الاستبراء على الراجح ، اه شوبري .
قوله : ( ولو دبراً ) ولو دبر نفسه فتجب به الكفارة أيضاً ، وكذا باقي الأحكام من إيجاب غسل وفساد حج وحدّ كما نص عليه البلقيني ونقله عنه أج . وخالف بعضهم في الحدّ لأن الإنسان لا يشتهي دبر نفسه ، والحدّ منوط بكون الفرج مشتهىً طبعاً . وقوله وحدّ ضعيف اه .
قوله : ( من آدمي ) حيّ أو ميت أو فرج مبان حيث بقي اسمه وإن لم ينزل ق ل . والذي في ع ش أن الوطء فيه لا يفسد الصوم ولا كفارة ، وقرره ح ف .
قوله : ( ولو قبل تمام الغروب ) غاية للتعميم ولو طلع الفجر وهو مجامع فاستدام عالماً بطلوعه فإن الأصح في المجموع عدم انعقاد صومه وتجب عليه الكفارة . وفي شرح م ر : ولا يرد على الضابط من طلع الفجر عليه مجامعاً فاستدام حيث تجب الكفارة مع انتفاء إفساد الصوم ، إذ الإفساد فرع الانعقاد لأنه في معنى ما يفسد فكأنه انعقد ثم فسد اه .
قوله : ( آثم ) بالمد بصيغة اسم الفاعل .
قوله : ( لإفساد صومهما ) أي الواطىء والموطوءة ، وهو تعليل لاشتراكهما في وجوب القضاء .
قوله : ( دونها ) أي الموطوءة ، وكذا الموطوء الذكر كما يأتي . وهذا خارج بضمير صومه .
قوله : ( لنقصان صومها ) هذه العلة لا تجري في الرجل الموطوء ، إلا أن يقال إنها مبنية على الغالب . وقال بعضهم : هذه العلة بالنسبة للحائض .
قوله : ( أو نحوه ) كالنفاس والولادة .
قوله : ( حتى تتعلق بها ) أي بالمرأة ، وفي نسخة به أي بصومها .
قوله : ( ولأنها ) أي الكفارة ، وهو معطوف على قوله لنقصان الخ .
قوله : ( واللواط ) أي وحكم اللواط .(3/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
قوله : ( في الحد ) أي الضابط ؛ لأن قوله بتغييب جميع الحشفة شامل لذلك .
قوله : ( والمباشرة الخ ) أي بغير وطء لئلا يتكرر مع ما يأتي .
قوله : ( لعدم فطره به ) أي إذا لم ينزل .
قوله : ( النسيان ) هو خارج بقيد الآثم فلا حاجة إليه ، وقد يقال : لا مانع من أن يخرج الشيء الواحد بقيدين أو أكثر . قوله : ( لما ذكر ) أي لأنه لم يفسد صومه بالإكراه .
قوله : ( نعم لو علم التحريم ) لا محل لهذا الاستدراك فكان الأولى : وخرج بجهل التحريم جهله وجوب الكفارة .
قوله : ( وبنهار رمضان ) الأولى وبصوم رمضان ، إذ نهار رمضان قد لا يكون صائماً فيه إلا أن يقال ذكره رعاية للمتن . وعبارة م ر وحج : ولا بإفساد غير رمضان من نذر أو قضاء أو كفارة ؛ لأن النص ورد في رمضان وهو أفضل الشهور ومخصوص بفضائل لم يشاركه فيها غيره فلا يصح قياس غيره عليه . وقد احترز عن ذلك بقوله من رمضان . قوله : ( فلا قضاء عليه ) أي واجب ويسنّ .
قوله : ( وبالصائم الخ ) لو قال وبالصائم من ليس صائماً لكان أولى وأخصر ق ل ، أي لأنه يشمل من كان مفطراً أول النهار .
قوله : ( ما لو وطىء ) أي وطأً مباحاً .
قوله : ( ولو بغير نية الترخص ) قال شيخنا م د : هذه الغاية غير مستقيمة اه . ووجه عدم استقامتها أنه إذا لم ينو الترخص يكون آثماً بسبب عدم نية الترخص ، مع أن هذا خارج بالآثم فلا ينتفي الإثم إلا إذا نوى الترخص ، وإن كانت الكفارة منتفية على كل حال ؛ فكان الأولى حذف هذه الغاية بأن يقول : بنية الترخص . وقال بعضهم : إنها للرد على قول ضعيف حكاه في(3/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
المنهاج ، وهو أن نية الترخص للمسافر لا بد منها ، فإذا لم ينو الترخص لزمته الكفارة فتأمل . ويجاب عن كلامه بأن مراد الشارح الآثم لأجل الصوم وإذا لم ينو الترخص يكون إثمه لعدم نية الترخص لا للصوم ، وعلى هذا تكون الغاية ظاهرة ويكون كلام المحشي غير ظاهر .
قوله : ( أو ظن باجتهاد دخوله ) أي الليل . وتقييده بالاجتهاد لأجل تعليله بعدم الإثم ، وإلا فهو ليس بقيد لأن مثله ما لو ظن دخوله بلا اجتهاد لوجود الشبهة وهي ظن دخول الليل . وبها يخرج أيضاً ما ذكره بقوله ولا كفارة على من جامع الخ بدليل ما علل به ، وكذا يخرج بها ما ذكره بقوله كما لو جامع على ظن بقاء الليل . ويمكن إخراج هذه بقيد الآثم ، ق ل ملخصاً .
قوله : ( فبان جماعه نهاراً ) أي في الثلاثة الأخيرة ، وقوله لم تلزمه كفارة أي في الصور الخمس .
قوله : ( مترخصاً ) ليس بقيد ، حتى لو لم ينو الترخص فلا كفارة فتعبيرهم بالترخص جري على الغالب كما في شرح م ر أج . وإنما قيد الشارح بمترخصا لأجل قوله وإثمه بسبب الزنا لأنه إذا لم ينو الترخص فإثمه بسبب الزنا والفطر بلا نية الترخص . وعبارة المنهج وشرحه : ولا على مسافر وطىء زنا أو لم ينو ترخصاً ، أي أو وطىء وطأ مباحاً لكن لم ينو ترخصاً لأنه لم يأثم به للصوم بل للزنا أو للصوم مع عدم نية الترخص ؛ ولأن الإفطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة اه بحروفه .
قوله : ( قيد في الروضة ) أي بالنسبة للفطر كما يدل عليه قوله : فإنها تفطر الخ فاندفع ما يقال : لا حاجة لهذا ، لما مر أن المرأة لا كفارة عليها . وقوله بالتام أي لأنه قال من أفسد صومه في يوم من رمضان بجماع تام آثم به بسبب الصوم لزمته الكفارة .
قوله : ( احترازاً من المرأة ) أي احترازاً من جماع المرأة ، فإنه غير تام فلا كفارة عليها فإنها تفطر بدخول شيء من الذكر فلم يأت الجماع التام إلا وقد أفطرت . وقال بعضهم : قوله احترازاً من المرأة الأولى إسقاطه ؛ لأن المرأة تفطر بدخول بعض الحشفة ولا كفارة على الرجل في هذه ، وإنما يحتاج لهذا القيد على قول ضعيف هو أن المرأة يجب عليها كفارة كالرجل ، فيقيد الجماع بالتام لإخراج ما ذكر ، والمصنف لم يتعرض لهذا أصلاً .(3/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
قوله : ( وزيفوه ) أي هذا التقييد ، أي ضعفوا التقييد بأن أبطلوه وأظهروا فساده ، وقد علم مما ذكر ، أي من قوله إذ الفساد الخ أنه لا يتصور فطر المرأة بالجماع لأنها تفطر بدخول بعض الحشفة وهو لا يسمى جماعاً . وعبارة شرح البهجة : وزيفوه بخروج هذه الصورة بالجماع ، إذا الفساد فيها بغيره وبأنه يتصور فساد صومها بالجماع بأن يولج فيها نائمة أو ناسية أو مكرهة ثم تستيقظ أو تتذكر وتقدر على الدفع وتستديم ، ففساده فيها بالجماع لأن استدامة الجماع جماع مع أنه لا كفارة عليها لأنه لم يؤمر بها في الخبر إلا الرجل المواقع . وقوله بالجماع أي لأن الجماع لا يصدق إلا بتغييب الحشفة فأكثر .
قوله : ( بخروج ذلك ) أي فطر المرأة .
قوله : ( إذ الفساد فيه ) أي في صوم المرأة ؛ وقوله بغيره أي بغير الجماع .
قوله : ( في يوم واحد ) ويأثم بكل مرة لحرمة الوقت .
قوله : ( وحدوث السفر الخ ) نعم إن سافر لبلد مطلعهم مخالف فرآهم مفطرين لزمه الفطر معهم وسقطت عنه الكفارة ، وهذا خارج بصوم يوم في الضابط السابق ق ل . وحيث سقطت الكفارة ثم عاد لمحله الذي وجبت عليه فيه فإنه لا يعود الوجوب ؛ لأن الساقط لا يعود ، هكذا نقل عن تقرير زي وهو ظاهر .
قوله : ( لا يسقط الكفارة ) وإنما يسقطها أحد أمور ثلاثة : طروّ الموت أثناء النهار ، وطروّ الجنون وإن تعدى بسببه كأن ألقى نفسه من شاهق جبل فجنّ بسببه ، وانتقاله إلى بلد رآهم فيه معيدين مطلعهم مخالف لمطلع بلده الذي وجبت عليه فيه الكفارة ع ش . وقال س ل : لا تسقط الكفارة إذا تعدى بالجنون ، وكذا لو جامع في بلده يوماً لا يجب عليه صومه كيوم عيد وانتقل إلى بلد يخالف بلده في المطلع فرآهم صياماً فلا كفارة أيضاً .
قوله : ( وكذا حدوث المرض ) ومثله الإغماء والردة وإن مات عقبهما .(3/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
قوله : ( عتق رقبة ) من إطلاق الجزء على الكل . ولما كان الملك كالغل في الرقبة والعتق يزيله عبر عنه بهذا العضو الذي هو محل الغل .
قوله : ( مرتبة ) والحكمة في ترتيب هذه الكفارة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية ، فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه . وقد صح : ( مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ الله بكلّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ ) وأما الصيام فإنه كالمقاصة بجنس الجناية ؛ وكونه شهرين لأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء ، فلما أفسد منه يوماً كان كمن أفسد الشهر كله من حيث إنه كعبادة واحدة بالنوع وكلف شهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده . وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأن مقابل كل يوم إطعام مسكينين مدين تغليظاً عليه بسبب المعصية اه قسطلاني على البخاري .
قوله : ( فإن لم يجدها ) أي حسّاً بأن لم يجدها أصلاً ، أو شرعاً بأن لم يجد ثمنها أو وجدها تباع بأكثر من ثمنها .
قوله : ( فصيام شهرين متتابعين ) فإن تكلف العتق أجزأه ، ولو بان بعد صومهما أن له مالاً ورثه ولم يكن عالماً به لم يعتدّ بصومه أي عن الكفارة ، فلا ينافي أنه يقع له نفلاً فيما يظهر اعتباراً بما في نفس الأمر . وسئل الزيادي عن حكمة صوم شهرين متتابعين في كفارة القتل والظهار ووقاع رمضان إذا عجز عن العتق ، وعن حكمة عدم صوم شهرين متتابعين إذا عجز عن الرقبة في كفارة الحلف بالله تعالى ، فأجاب بأن القتل من حيث هو لما كان من الكبائر وكذلك الظهار والوقاع في نهار رمضان من الكبائر أيضاً غلظ عليه بصوم شهرين ، ولا كذلك الحلف بالله تعالى فإنه في الجملة ليس من الكبائر . وأيضاً لما كان الحلف بالله أكثر وقوعاً من القتل ونحوه خفف فيه ما لم يخفف في غيره اه .
قوله : ( فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ) .
فرع : وقع السؤال في الدرس عن دفع الكفارة للجن : هل يجزىء ذلك أم لا ؟ والجواب عنه أن الظاهر عدم إجزاء دفعها لهم ، بل قد يقال أيضاً مثل الكفارة النذر والزكاة أخذاً من قوله : ( فِي الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ تُؤْخَدُ مِنْ أَغْنِيَائهم فَتُرَدّ على فُقَرَائِهِمْ ) إذ الظاهر منه فقراء بني آدم وإن احتمل فقراء المسلمين الصادقي بالجن . وقد يؤيد عدم الإجزاء أنه جعل لمؤمنهم طعام خاص وهو العظم ولم يجعل لهم شيء مما يتناوله الآدميون ؛ على أنا لا نميز بين فقرائهم وأغنيائهم حتى نعلم المستحق من غيره ، ولا نظر لإمكان معرفة ذلك البعض للخواص النادرة لأنا لا نعولّ على الأمور النادرة ع ش على م ر .(3/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
قوله : ( عن أبي هريرة ) أخرج الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن أبي رافع قال : قلت لأبي هريرة : لم كنيت بأبي هريرة ؟ قال : كنت أرعى غنم أهلي ، وكانت لي هرة صغيرة فكنت أجعلها بالليل في شجرة وإذا كان بالنهار ذهبت بها معي ، فكنيت بها فكنوني أبا هريرة . وروى ابن عبد البر عن أبي هريرة أنه قال : ( كنت أحمل يوماً هرة في كمي ، فرآني النبي فقال : ( مَا هَذِهِ ؟ ) قلت : هرة ، فقال : ( يا أَبا هريرة ) وكان يكنى قبلها أبا الأسود ) ورُوي عنه أنه قال : ( كان اسمي في الجاهلية عبد شمس فسماني رسول الله عبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن ) ذكره الشبرخيتي على الأربعين .
قوله : ( رجل ) اسمه سلمة بن صخر البياضي وقيل : سلمان . وإبهامه لا يضر في الحديث إذ لا يتعلق به غرض ، رحماني . وقال القسطلاني : اختلف في اسم الأعرابي ، قيل : هو سلمة بن صخر ، وفي التمهيد أن المجامع في رمضان سلمان بن صخر ، وأظنه وهماً من الرواة ؛ أي لأن ذلك إنما هو المظاهر وأما المجامع فأعرابي ، فهما واقعتان ، فإن قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائماً ، وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلاً ، فافترقا ، واجتماعهما كونهما من بني بياضة .
قوله : ( فقال هلكت ) يفيد أنه عالم بالحرمة دون الكفارة ، وجوابه يدل له لأن الجاهل لا يفطر ولا تلزمه كفارة تأمل ق ل .
قوله : ( ما تعتق ) بضم التاء من أعتق .
قوله : ( رقبة ) بالنصب على البدل من ما الموصوفة الواقعة على الرقبة ، وهي مفعول تجد كما قاله النووي والقرطبي ، ومفعول تعتق محذوف تقديره : تعتقها ، ولا يتعين بل يجوز كونها مفعول تعتق وعائد ما محذوف والتقدير : هل تجد شيئاً أو مالاً تعتق به ؟ وهذا أرجح ليوافق قوله بعده : ( فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ) فإن ( ستين ) مفعول تطعم قطعاً ولا يصح أن يكون بدلاً من ما اه سيوطي . وقرر شيخنا العشماوي ما نصه : قوله ما تعتق موصول حرفي وتجد بمعنى تستطيع ، أي هل تستطيع إعتاق الخ ، وكذا يقال في قوله الآتي فهل تجد ما تطعم ستين لأن جعلها موصولاً اسمياً يلزم عليه حذف العائد المجرور بدون شرطه اه .
قوله : ( فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) على سبيل الهدية ؛ لأن صدقة التطوّع لا تحل له عليه الصلاة والسلام كالفرض .(3/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
قوله : ( فقال تصدق ) أي كفر به .
قوله : ( ما بين لا بتيها ) ما نافية حجازية ، وأهل بالرفع اسمها ، وأحوج بالنصب خبرها ، وبين ظرف لأحوج اه ؛ قال في الخلاصة :
وسبق حرف جر أو ظرف كما
بي أنت معنياً أجاز العلما
ويصح أن تكون ما نافية مهملة ، وبين خبر مقدم ، وأهل بيت مبتدأ مؤخر ، وأحوج بالرفع صفة أهل أو منصوب على الحالية ، ولابتيها تثنية لابة ، وضميرها للمدينة الشريفة وهما الحرتان من جانبيها المحدود بهما حرمها الشريف . وما قيل من أن لابتيها جبلاها رده ق ل . والحرة أرض ذات حجارة سود .
قوله : ( أحوج ) فيه بناء أفعل التفضيل من فعل غير ثلاثي وهو احتاج .
قوله : ( فضحك النبي ) أي تعجباً من حال السائل في كونه جاء هالكاً متلهفاً ثم انتقل لطلب الطعام لنفسه وأهله ، أو تعجباً من رحمته به وإطعامه الطعام بعد أن كان أمره أن يتصدق به . فالتعجب إما من حاله أو حال السائل ، كل محتمل . والضحك غير التبسم ، وقد جاء أنه كان ضحكه التبسم ، ويجوز أن يكون الغالب من ضحكه التبسم . وأما قوله تعالى : ) فتبسم ضاحكاً } ) النمل : 19 ) فحال مقدرة ، والقول بأنه حال مؤكدة وهم . وعبارة ح ل في السيرة : جلّ أي معظم ضحكه التبسم . وكون معظم ضحكه ذلك ضحكه لا ينافي أنه ضحك غير مرة حتى بدت نواجذه . وكان إذا جرى أي غلب به الضحك وضع يده على فيه . وكان دائم البشر ضحوك السنّ ، أي أكثر أحواله ذلك حسبما رآه هذا المخبر ؛ فلا ينافي أنه كان متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة ، فإنه بحسب ما كان عند ذلك المخبر . وفي كلام ابن القيم : قد صانه الله تعالى عن الحزن في الدنيا وأسبابها ونهاه عن الحزن على الكفار ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فمن أين يأتيه الحزن ؟ بل كان دائم البشر ضحوك السنّ ؛ كذا قال . وفي كلام أبي العباس بن تيمية : ليس المراد الحزن الذي هو الألم على فوات مطلوب أو حصول مكروه فإن ذلك منهيّ عنه ، وإنما المراد الاهتمام والتيقظ لما يستقبله من الأمور وهذا مشترك بين القلب والعين اه . وفي المناوي على الخصائص : تنبيه : كان المصطفى لا يضحك إلا تبسماً ، قال في الكشاف : وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
قوله : ( حتى بدت أنيابه ) عبارة حج في شرح الهمزية : حتى بدت نواجذه ، بالجيم والذال : الأضراس ، وهي لا تكاد تظهر إلا عند المبالغة في الضحك . وهذا من غير الغالب ، والغالب تبسمه ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ قال البوصيري :(3/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
سيد ضحكه التبسم والمش
ي الهوينا ونومه الإغفاء وعبارة مراقي الفلاح لبعض السادة الحنفية : أن القهقهة هي ما يكون مسموعاً لجيرانه ، والضحك هو ما سمعه هو دون جيرانه ، والتبسم ما لا صوت فيه ولو بدت به الأسنان
قوله : ( فأطعمه أهلك ) أي واستقرت الكفارة في ذمته .
قوله : ( وكان فيه قدر الخ ) الأولى حذف قوله قدر ، إلا أن تكون الإضافة بيانية .
قوله : ( ندب عتقها ) وينقلب صومه نفلاً وكذا يقال فيما بعده . فإن قلت : ما الفرق بين ما هنا وبين القدرة على الماء في أثناء التيمم بلا مانع ؟ قلت : كل خصلة هنا أصل ، ولو قدر على الكل رتب .
قوله : ( استقرت الكفارة في ذمته ) أي مرتبة على الراجح .
قوله : ( فدلّ على أنها ثابتة في الذمة ) أي لو لم يكفر بما دفعه له النبي ، وقوله في الذمة أي عند العجز .
قوله : ( المالية ) أما البدنية كالصلاة ، فإنه يأتي بها على حسب حاله .
قوله : ( لأمره ) هذا يخالف ما قدمه من أنه دفعه له ليكفر به ، نعم يناسب ما سيأتي من أنه صرفه له صدقة لا ليكفر به .
قوله : ( بعد ) أي بعد قدرته .
قوله : ( بعين معجمة ) أي مضمومة .(3/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
قوله : ( صرفه له صدقة ) أي صدقة على عياله ، أي واستقرت الكفارة في ذمته .
قوله : ( أجوبة ) أولاها أن النبي كفر عنه بالعرق ودفعه له ليطعمه لأهله عن الكفارة ، وقد علم أنهم كانوا ستين مسكيناً ، وكان ذلك إعلاماً بأنه يجوز للإنسان أن يأكل هو وعياله من كفارته إذا لم تكن من ماله بأن كفر غيره عنه ولو بإذنه ق ل . فإن قيل : فلم شرعت الكفارة في الجماع في نهار رمضان ؟ فالجواب إنما شرعت لكون المجامع خالف أمر ربه وقدم شهوته على رضا ربه عليه وتعرّض بذلك لنزول البلاء عليه فكانت الكفارة مانعة من وصول العقوبة إليه ، وكذلك القول في سائر الكفارات من ظهار وقتل ونحوهما من الجنايات على الدين ، وأيضاً فإن الصائم قد تخلق باسم صفة الحق تعالى من عدم الأكل والشرب فلا يليق به النكاح الذي تنزه الباري جل وعلا عنه ، اه ذكره الشعراني في الميزان .
قوله : ( ومن مات ) أي بعد البلوغ من ذكر أو أنثى حر أو رقيق ، وإن كان قول المتن من تركته لا يناسب إلا الحر . والتعميم يستفاد من التعبير بعلى في قول المصنف : وعليه صيام .
قوله : ( مسلماً ) قيد به ؛ لأن القول القديم والجديد الآتيين يجريان فيه . وأما المرتد فيجري فيه القول الجديد الذي جرى عليه المصنف ، وإذا نظر للمتن في حدّ ذاته لا يحتاج لهذا القيد لأنه إذا مات مرتداً يطعم عنه أيضاً كما يأتي شيخنا .
قوله : ( في القوت ) هو شرح على المنهاج للأذرعي شيخنا .
قوله : ( بأن استمر مرضه ) أي المرجوّ برؤه وحينئذ فلا منافاة بين ما هنا وما يأتي من أن المريض يفطر ويطعم عن كل يوم مداً إذ ذاك في مريض غير مرجوّ برؤه فهو مخاطب بالفدية ابتداء ، وأما المريض المذكور هنا فهو مخاطب بالصوم ابتداء ؛ وإنما جاز له الفطر لعجزه فإذا مات قبل التمكن منه فلا تدارك عنه . والحاصل أن الصور أربعة ؛ لأنه إما أن يفوت بعذر أو غير عذر ، وعلى كل إما أن يتمكن من القضاء أو لا ؛ والتدارك في ثلاثة إذا فات بغير عذر مطلقاً ، وكذا بعذر وتمكن من القضاء ولم يقض ؛ فهذه الثلاثة يحتملها كلام المتن . والرابعة : إذا فات بعذر ولم يتمكن من قضائه فلا تدارك عنه ، والشارح جعل كلام المتن مفروضاً فيما إذا فات بعذر وتمكن وجعل حكم ما إذا فات بغير عذر مستفاداً من خارج ، ففيه مسامحة .(3/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
قوله : ( وسواء استمر ) أي المرض أو السفر .
قوله : ( أم حصل الموت ) بأن شفي في أثناء رمضان فصام الباقي منه ثم مات عقبه ق ل .
قوله : ( ولو بعد زوال العذر ) المطويّ تحت الغاية ما لو حصل الموت قبل زوال العذر وصريح الغاية ما إذا حصل زوال العذر ثم حصل الموت بعده في رمضان ، وحينئذ لا حاجة لهذه الغاية لأن ما أفادته هو عين الصورتين قبلها في التعميم .
قوله : ( ويتدارك عنه ) سواء أمكنه القضاء أم لا .
قوله : ( بالفدية ) أي أو بالصوم كما يأتي ق ل .
قوله : ( وإن مات بعد التمكن من القضاء الخ ) هذا تقييد لكلام المصنف ، فإنه مطلق ، وهو مقابل قوله قبل إمكان القضاء قال ق ل : لو قال ومن وجب التدارك عنه أطعم عنه وليه الخ لكان مستقيماً اه ؛ لأن قول الشارح لا يشمل غير المعذور ، أي من فاته بلا عذر ومات قبل التمكن ، بخلاف القول المذكور .
قوله : ( أطعم الخ ) في نسخة أطعم عنه بالبناء للمجهول ، فيشمل غير الولي لأنه من باب قضاء دين الغير بغير إذنه ، فقوله وليه ليس قيداً بل مثله الأجنبي .
قوله : ( من تركته ) فإن لم يكن له تركة لم يلزم الولي إطعام ولا صوم ، بل يسنّ له ذلك كما في م ر . وعبارة ق ل : صريح هذا أن الكلام في الحر ، وهو غير قيد كما مر أي لأن الرقيق يندب لسيده أن يطعم عنه ؛ ويمكن أن يجاب بأنه إنما قيد بالتركة لأجل لزوم الإطعام .
قوله : ( فليطعم عنه الخ ) فيه إقامة الجار والمجرور مع وجود المفعول به ، وهو مذهب الكوفيين .
قوله : ( وفي القديم يجوز لوليه ) معتمد فهو من جملة المسائل التي يعوّل على القديم فيها .(3/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
قوله : ( فلا بد من التدارك ) أي إذا خلف تركة ، وإلا فلا يلزمه شيء .
قوله : ( وليس للجديد حجة ) أي في تعيين الإطعام ، أي حجة صحيحة ، فلا ينافي ما يأتي من أن الحديث في ذلك ضعيف .
قوله : ( بالإطعام ) أي بتعينه .
قوله : ( كل قريب ) أي بالغ ولو رقيقاً .
قوله : ( ولا ولي مال ) كالأب والجد .
قوله : ( وهذا يبطل احتمال ) لأن البنت ليست عاصبة ولا ولية مال لكنها وارثة . والدليل على عدم اشتراط الإرث حديث آخر ، ففي شرح م ر : ومما يبطل اشتراط الإرث خبر أحمد وأبي داود : أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً ، فلم تصم حتى ماتت ، فجاءت قريبة لها إلى النبي فذكرت له ذلك فقال لها : ( صُومِي عَنْهَا ) فعدم استفصاله عن إرثها وعدمه يدل على العموم اه م ر ع ش .
قوله : ( فإن تنازعوا ) بأن قال كلّ : لا أصوم ، كما يدل عليه ما بعده ؛ لأنه إن قال كلّ منهم : أنا أصوم ، صام الجميع ولا يقسم على قدر مواريثهم . وقوله بأن قال كل لا أصوم في كون هذا تنازعاً مسامحة ، إلا أن يقال هو تنازع في عدم الصوم ، فإن قال بعضهم : نطعم ، وقال بعضهم : نصوم ؛ قدّم الأول لأنه اتفق عليه القول القديم والجديد .
قوله : ( أنه يقسم على قدر مواريثهم ) أي حصصهم من الإرث ويكمل المنكسر ، فإذا مات وخلف ابناً وبنتاً وعليه رمضان صام الابن عشرين والبنت عشرة ، وإذا خلف عشرة أولاد وعليه صوم يوم صام كل ولد يوماً ؛ لأن كل واحد يخصه عشرة .(3/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
قوله : ( قياساً على الحج ) أي النفل ، أما الحج الفرض فلا تتوقف صحته من الأجنبي على إذن كوفاء الدين م د . قال سم : وكأنّ الفرقِ بينه وبين الصوم أن الحج أوسع باباً من الصوم ، ولهذا صح مع المعضوب الاستنابة فيه بخلاف الصوم ، وكأنه لم يتمحض عبادة بدنية ، وقال المرحومي : ويفرق بينهما بأن الحج أشبه الديون فأعطي حكمها بخلاف الصوم اه .
قوله : ( ومذهب الحسن البصري ) وهو من كبار التابعين ، أي وهو موافق لقواعد الشافعي فهو مذهب له أيضاً .
قوله : ( بالإذن ) لا حاجة إليه إلا في الأجنبي .
قوله : ( ويتعين الإطعام ) أي في الصوم الذي فاته قبل الردة ، وإلا فماله فيء فلا صوم عنه ولا إطعام حينئذ .
قوله : ( ولو مات المسلم وعليه صلاة الخ ) عبارة التنوير وشرحه من كتب الحنفية : ولو مات وعليه صلوات فائتة وأوصى بالكفارة يعطى لكل صلاة نصف صاع من برّ كالفطرة ، وكذا حكم الوتر والصوم ، ويعطى من ثلث ماله ؛ ولو لم يترك مالاً استقرض من وارثه نصف صاع مثلاً ويدفعه لفقير ثم يدفعه الفقير للوارث ثم وثم حتى يتم ما عليه ، ولو قضاها ورثته بأمره لم يجز بخلاف الحج لأنه يقبل النيابة ، ولو أدى للفقير أقل من نصف صاع لم يجز ، ولو أعطاه الكل جاز ، ولو فدى عن صلاته في مرضه لا يصح بخلاف الصوم .
قوله : ( لم يفعل ذلك عنه ) وفي كل من الصلاة والاعتكاف قول كالصوم ، وفي الصلاة وجه آخر وهو أنه يطعم عنه بكل صلاة مدّ ؛ قال بعض مشايخنا : وهذا من عمل الشخص لنفسه فيجوز تقليده اه ق ل على المحلي . وقيل إن السبكي صلى عن قريبه بعد موته .
قوله : ( وما لو نذر ) أي ويستثنى ما لو نذر الخ . قوله : ( أن يعتكف صائماً ) أي أو يصوم معتكفاً .
قوله : ( إن قلنا لا يفرد الصوم ) أي في هذه الصورة .
قوله : ( وهو الأصح ) معتمد ، ويكفيه عن الاعتكاف لحظة ما لم يكن نذر أن يعتكف جميع اليوم .(3/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
قوله : ( والعجوز ) وهي المرأة المسنة ، قال ابن السكيت : ولا يؤنث بالهاء ، وقال ابن الأنباري : سمع تأنيثه ؛ مناوي على الشمائل .
قوله : ( لا يرجى برؤه ) ومثله من يأكل الأفيون ؛ لأنه لا يطيق الصوم ، وهذا من العلم الذي يجب كتمه اه عبد البر .
قوله : ( مشقة شديدة ) أي تبيح التيمم م ر .
قوله : ( عن كل يوم مدًّا ) فالمعذور مخاطب بالمدّ ابتداء ، فلو تكلف وصام لم يجب عليه المد . واعترض بأنه حيث كان مخاطباً بالمد ابتداء كان القياس أن لا يجوز الصوم وأجيب بأنه مخاطب بالمد ابتداء حيث لم يرد الصوم ، ولو أخرج المدّ ثم قدر بعد الفطر على الصوم لم يلزمه القضاء . فإن قيل : فما الفرق بينه وبين المعضوب حيث يلزمه الحج بالقدرة عليه بعد الإتيان به ؟ أجيب بأن المعذور هنا مخاطب بالمد ابتداء فأجزأ عنه ، والمعضوب مخاطب بالحج ؛ وإنما جازت له الإنابة للضرورة وقد بان عدمها ح ل . وقال ق ل : وفارق ما لو برىء المعضوب بعد الحج عنه حيث يتبين عدم وقوع الحج عنه بأن الحج ليس له وقت معين .
قوله : ( فإن كلمة لا مقدّرة ) فإن قلت : أيّ قرينة دلت على أن الأمر كذلك ؟ قلت : يمكن أن تكون قرينة دلت حالة النزول على ذلك كما قرره شيخنا العزيزي .
قوله : ( تنبيه ) التنبيه لغة الإيقاظ ، يقال : نبهته تنبيهاً أي أيقظته إيقاظاً ، واصطلاحاً : عنوان البحث السابق إجمالاً اه مرحومي .
قوله : ( وفائدته ) أي الوجوب على الفقير .
قوله : ( وقول ) مبتدأ ، وقوله مردود خبر .
قوله : ( عكسه ) أي عكس الاستقرار ، وعكسه عدم الاستقرار ؛ وهو ضعيف .
قوله : ( بأن حق الله المالي ) أي الذي تسبب فيه كما هنا ، فإنه تسبب بالفطر .(3/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
قوله : ( ثبت في ذمته ) أي إذا كانت بسبب منه ، والسبب منه هنا الفطر وإن كان مضطراً إليه اه م د .
قوله : ( الثاني ) وينبني على الخلاف أنه إذا شفي يقضي على الأول ولا يقضي على الثاني ، سواء كان الشفاء بعد إخراج الفدية أو قبله لسقوط الصوم عنه وعدم مخاطبته به شرح م ر ملخصاً .
قوله : ( فلا فدية عليه ) لأنه لا مال له ولسيده الفداء عنه ولقريبه أن يصوم عنه أو يطعم ، وليس لسيده الصوم عنه لأنه أجنبي كما مر ق ل .
قوله : ( والحامل والمرضع ) أي غير المتحيرة ، أما هي فلا تجب عليها فدية للشك ، أي إن أفطرت ستة عشر يوماً فأقل ، فإن أفطرت أكثر من ذلك وجبت الفدية لما زاد ؛ لأنها أي الستة عشراً أكثر ما يحتمل فساده بالحيض ، حتى لو أفطرت كل رمضان لزمها مع القضاء فدية أربعة عشر يوماً ؛ نبه عليه الجلال البلقيني شرح م ر . وشمل قوله الحامل ولو بغير آدمي ، حيث كان معصوماً والمرضع كذلك ولو رقيقة فيهما ، لكن تستقر الكفارة في ذمتها . وفي شرح شيخنا م ر : الأوجه عدم الوجوب على الرقيقة بعد عتقها اه ق ل . وهذا ، أعني قوله والشيخ الخ مفهوم ما تقدم في شروط الوجوب في قوله وإطاقة للصوم أي قدرة حساً وشرعاً ، فالعاجز حساً كما هنا لا يجب عليه الصوم بل هو مخاطب بالفدية ابتداء ، وقيل بدلاً وكذا قوله والحامل الخ من مفهوم ما تقدم ، فإن الحامل والمرضع كل منهما عاجز شرعاً وإن كانا قادرين حسّاً .
فائدة : يباح الفطر في رمضان لستة : للمسافر ، والمريض ، والشيخ الهرم ، والحامل ، والعطشان ، والمرضعة ، ونظمها بعضهم فقال :
إذا ما صمت في رمضان صمه
سوى ستّ وفيهن القضاء
فسين ثم ميم ثم شين
وحاء ثم عين ثم راء
فالسين للمسافر ، والميم للمريض ، والشين للشيخ الهرم ، والحاء للحامل ، والعين للعطشان ، والراء للمرضعة .
قوله : ( ولو مع الولد ) إن قلت : هو في معنى فطر ارتفق به شخصان ؟ قلت : نعم لكن(3/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
وجد مانع من وجوب الفدية وهو خوفها على نفسها ومقتض لوجوبها وهو خوفها على الولد ، فغلب المانع كما هو القاعدة اه حج بالمعنى . فقول الشارح فيما سيأتي : فهو فطر ارتفق به شخصان أي مع عدم المانع من وجوب الفدية ، فلا ترد هذه الصورة لوجود المانع الشرعي فيها .
قوله : ( أي وجب عليهما الإفطار ) محله في المرضع إذا تعينت بأن لم يوجد مرضعة مفطرة غيرها أو صائمة لا يضرها الصوم وإلا جاز لها الفطر مع الإرضاع والصوم مع ترك الإرضاع ق ل . ثم محل هذا القيد ، أعني إذا تعينت الخ في المستأجرة إذا غلب على ظنها احتياجها إلى الإفطار قبل الإجارة ، وإلا بأن لم يغلب على ظنها الاحتياج إلى الإفطار إلا بعد الإجارة فقد تعينت بالعقد فيجب عليها الإفطار وإن وجد غيرها ، وإلا فالإجارة للإرضاع لا تكون إلا إجارة عين ولا يجوز إبدال المستوفي منه اه مر أج ، أي فلا يجوز أن تنيب غيرها في الإرضاع وتصوم .
قوله : ( على أنفسهما ) جمع بمعنى المثنى .
وكذا قوله أولادهما .
قوله : ( ارتفق ) أي انتفع به .
قوله : ( على ما سيأتي ) أي فيما إذا خافتا على أولادهما فقط .
قوله : ( أجيب بأن الآية الخ ) . هذا الجواب يدل على أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما داخلان في عموم : ) ومن كان مريضاً } ) البقرة : 185 ) وما تقدم من قوله : ووجب عليهما القضاء بلا فدية كالمريض يقتضي أن حكمهما ثابت بطريق القياس ، إلا أن يقال هو تنظير لا قياس . وكتب بعضهم ما نصه : قوله أجيب بأن الآية الخ فيه نظر ؛ لأن الآية ساكتة عن الفدية إثباتاً ونفياً ومصرحة بالقضاء فقط ، وقوله : فيما إذا خافتا الخ ، فيه نظر ؛ لأن الآية إنما هي في المريض والمسافر لا في الحامل والمرضع ، ويمكن أن يقال إن المراد بالمريض في الآية حقيقة وهو ظاهر أو حكماً ومعنى وهو الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فهما حينئذ في معنى المريض والمريض لا فدية عليه ، فصارت الآية شاملة لهما فصح الجواب المذكور .
قوله : ( خوفاً على أنفسهما ) أي لأن الخوف على النفس في معنى المرض .(3/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
قوله : ( على أولادهما ) أي حقيقة أو مجازاً ، إذ الحامل لا تسمى ذات ولد لأن الذي في بطنها يسمى جنيناً لا ولداً ، فتسميته ولداً باعتبار ما يؤول إليه أمره بعد الانفصال .
قوله : ( فيهلك الولد ) ولو كان الولد حربياً تبعاً لأبويه على الأوجه ؛ لأنه محترم لحرمة قتله حينئذ ، خلافاً لما يقتضيه كلام الزركشي ، والهلاك ليس بقيد بل المدار على حصول ضرر به ع ش .
قوله : ( والكفارة ) لأنه فطر ارتفق به شخصان . والمراد بقوله والكفارة أي الصغرى وهي الفدية ، أي لتفويت فضيلة الوقت كما سيذكره .
قوله : ( أو مريضتين ) أي وقصدتا الفطر لأجل الولد ونحوه ، قال م ر في شرحه : نعم إن أفطرتا لأجل السفر أو المرض فلا فدية عليهما ، وكذا إن أطلقتا في الأصح أج .
قوله : ( نسخ حكمه ) أي بقوله تعالى : ) فمن تطوّع خيراً } ) البقرة : 184 ) فإن ذلك يدل على عدم الوجوب أي عدم وجوب الفدية ويدل على وجوب الصوم على من سواهما . فإن قلت : لم لا كان ذلك تخصيصاً لأنه إخراج بعض أفراد العام ؟ قلت : إنه يشترط في التخصيص بقاء جمع يقرب من مدخول العام وهو هنا ليس كذلك شوبري ؛ أي لأنه بقي هنا اثنان فقط وهما الحامل والمرضع .
قوله : ( إلا في حقهما ) فيه أن قول ابن عباس رضي الله عنهما بعدم نسخها في حقهما ونسخها في حق غيرهما ينافيه قراءته : ) يطوّقونه } ) البقرة : 184 ) بتشديد الواو ، ويمكن أن يكون له قولان . فإن قلت : الآية ليس فيها تعرّض لقضائهما ؟ أجيب بأن القضاء ثبت بالسنة .
قوله : ( غير منسوخ ) تفسير لقوله محكم .
قوله : ( بما مر ) أي بتقدير لا أو المعنى : يطيقونه في الصغر وعجزوا عنه في الكبر .
قوله : ( من أفطر لإنقاذ الخ ) أي فيقال : إن أفطر خوفاً على المشرف وحده وجب القضاء(3/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
والفدية ، وإن أفطر خوفاً على نفسه ولو مع المشرف وجب القضاء فقط ق ل . فكان الأولى للشارح أن لا يقيد بقوله : في إيجاب الفدية .
قوله : ( مشرف على الهلاك ) أي أو إتلاف منفعته . قوله : ( ارتفق به شخصان ) أي فوجب به أمران كالجماع ، لما حصل به مقصود الرجل والمرأة وجب به أمران القضاء والكفارة .
قوله : ( وهو ) أي الارتفاق ، أي الانتفاع .
قوله : ( بل هو جائز ) وتارة يجب الفطر بأن كان المال لمحجور عليه ، ولا تجب الفدية .
قوله : ( وإن نظر بعضهم في البهيمة ) أي وقال : إنها مال ، فلا فدية فيها ؛ وهو ضعيف .
قوله : ( لأنهم ) تعليل لوجوب الإفطار في الحيوان كالآدمي .
قوله : ( بل يلزمه القضاء فقط ) لعدم ورود الفدية فيه . وفارق لزومها للحامل والمرضع بما مر وبأن الفدية غير معتبرة بالأثم . بل إنما هي حكم استأثر الله بها ، ألا ترى أن الردة في شهر رمضان أفحش من الوطء مع أنه لا كفارة فيه م د . وفيه أنه لا جامع بينهما حتى يحتاج للفرق بينهما . وقوله استأثر الله بها أي لأن الحكمة تارة تكون ظاهرة كالمشقة المشتمل عليها السفر ، وتارة تكون غير ظاهرة كما هنا .
قوله : ( ومن أخر قضاء رمضان ) مقيد بقيدين ، الأول : كونه قضاء رمضان ، الثاني : قوله مع إمكان القضاء فأخذ الشارح محترز الثاني بقوله أما من لم يمكنه الخ . وأخذ محترز الأول فيما يأتي بقوله : ولا شيء على الهرم والزمن الخ والمراد أخره عامداً عالماً بحرمة التأخير ، بخلاف الناسي والجاهل وإن كان مخالطاً للعلماء لخفاء ذلك . والمراد بالجاهل الجاهل بحرمة التأخير لا بالفدية ، فلا يعذر لجهله بها نظير ما مر فيما لو علم حرمة التنحنح وجهل البطلان به كما قاله العلامة زي .
قوله : ( مع إمكانه ) بأن كن صحيحاً مقيماً زمناً يسع قضاء ما عليه ، فإن وسع بعضه لزمه بقدر ذلك البعض لا ما زاد .(3/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
قوله : ( حتى دخل رمضان ) بمنع الصرف ؛ لأنه علم لما بين شعبان وشوال من كل سنة فيكون علم جنس . وقوله آخر بدل لا صفة ، فلا بد في الوجوب من دخوله وإن أيس من القضاء ، كمن عليه عشرة أيام فأخر حتى بقي لرمضان خمسة أيام مثلاً فلا تلزمه الفدية عن الخمسة المأيوس منها ، أي قبل دخول رمضان ، فإن دخل وجبت وحيث علمت أن الكلام في الوجوب علمت أنه لا منافاة بين هذا وما سيأتي من جواز تعجيل فدية التأخير قبل دخول رمضان الثاني كما سينبه عليه الشارح ق ل وم ر .
قوله : ( لزمه ) أي إن كان حرًّا ، أما القن فلا فدية عليه ولو بعد عتقه على الأوجه م ر . وهذا ، أي قوله وإن أيس الخ محله في الحي كما في م ر ، ويدل له قول الشارح الآتي : ولو أخر قضاء رمضان ، إلى قوله : فمات ؛ فإن كلامه فيما يأتي في الميت وما هنا في الحي . أما من مات وقد أيس من القضاء ولو قبل دخول رمضان فإنه يخرج عنه لما أيس من قضائه قبل رمضان ، ففي المثال المذكور يخرج لتأخير القضاء أمداد الخمسة الأيام المأيوس من قضائها .
قوله : ( لاستمرار عذره ) كأن استمر مسافراً أو مريضاً أو المرأة حاملاً أو مرضعاً إلى قابل ، فلا شيء عليه بالتأخير ما دام العذر باقياً ، وإن استمر سنين ؛ شرح م ر . وفي ذكر ق ل الإعسار والرقّ نظر ؛ لأن الكلام في تأخير القضاء لا في تأخير إخراج المد . فليراجع .
قوله : ( فلا فدية عليه بهذا التأخير ) وإن استمر سنين ؛ لأن تأخير الأداء بالعذر جائز فتأخير القضاء به أولى .
قوله : ( للتأخير ) أي وإن صام .
قوله : ( لأصل الصوم ) فإن تكلف وصام فلا فدية .
قوله : ( ويتكرر المدّ ) أي في التأخير .
وقوله بتكرر السنين أي إن تمكن في كل سنة ولم يصم اه مرحومي ؛ أي إذا أخر القضاء في كل سنة عمداً ، فإن كان نسياناً لم تلزمه كفارة اه م د . وكان الأولى أن يقدم الشارح هذا على الفائدة لتعلقه بما قبلها .(3/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
قوله : ( حتى دخل رمضان آخر ) ليس بقيد ، ولم يقيد به في المنهاج . قال م ر : وعلم منه أنه متى تحقق الفوات وجبت الفدية ولو لم يدخل رمضان ، فلو كان عليه عشرة أيام فمات لبواقي خمس من شعبان لزمه خمسة عشر مدًّا عشرة لأجل الصوم وخمسة للتأخير ؛ لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة . وقضية ذلك لزوم الفدية حالاً عما لا يسعه ، وهو ما صوّبه الزركشي . وفرق بين صورة الميت والحي بأن الأزمنة المستقبلة يقدّر حضورها بالموت كما يحل الأجل به ، وهذا مفقود في الحي إذ لا ضرورة إلى تعجيل الزمن المستقبل في حقه اه بالحرف .
قوله : ( ووجب فدية للتأخير ) ولا يجزىء الصوم عن مد التأخير ؛ لأن المد ليس بدلاً عن الصوم ق ل .
قوله : ( والكفارة ) أي الفدية . فأل للعهد ؛ لأن المراد الكفارة المذكورة هنا في الحامل والمرضع .
قوله : ( أن يخرج ) بالبناء للمفعول ، ولا تتعدد بتعدد الأولاد لأنها بدل عن الصوم بخلاف العقيقة لأنها فداء عن كل واحدة .
قوله : ( دون بقية الأصناف ) أي فلا يعطون بتلك الأوصاف غير الفقر والمسكنة فلا ينافي أنهم يعطون بالفقر والمسكنة ، وهذا أولى من اعتراض ق ل اه م د .
قوله : ( أسوأ حالاً منه ) فيقاس عليه بالأولى .
قوله : ( ولا يجب الجمع بينهما ) أي فيجوز ، بل هو الأفضل .
قوله : ( إلى شخصين ) محله إذا كان المد لازماً لشخص واحد ، أما إذا لزم أكثر من(3/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
شخص كأن مات وعليه يوم واحد وخلف ولدين فإنه يجوز لكل واحد منهما أن يدفع واجبه لمن أراد من الفقراء أو المساكين .
قوله : ( فلا ينقص ) أي الواحد عنها .
قوله : ( ولا يلزم منه ) أي من إيجاب الله تعالى صرف الفدية لواحد .
قوله : ( نوجبه ) أي نوجب إخراجه ، وإلا فهو مستقر في ذمة الفقير كما مرّ .
قوله : ( على قوته ) أي عن قوت يوم وليلة كما نقل عن القفال ، وعبارة حج : قال القفال : ويعتبر فضلها عما يعتبر في الفطرة .
قوله : ( ليؤخر الخ ) متعلق بقوله تعجيل .
قوله : ( المحرم ) ليس بقيد ، فلو أطلق الحنث لكان أولى سواء كان جائزاً أو واجباً ، أو محرّماً كأن حلف لا يدخل الدار أو لا يصلي الفرض أو لا يشرب الخمر ، فإن حنثه بشربه حرام ومع ذلك يجوز تقديم الكفارة إذا أراد الحنث بالشرب ، وحينئذ فالجامع بين ما هنا وما في الحنث حرمة السبب ، فهنا يجوز التعجيل للفدية ويحرم تأخير القضاء وفي اليمين يجوز تعجيل الكفارة مع حرمة الحنث بشرب الخمر مثلاً اه م د . ولعله قيد بالمحرم ليجتمعا في تمام التشبيه ليكون السبب حراماً فيهما .
قوله : ( ولا شيء على الهرم ) محترز قوله : قضاء رمضان .
قوله : ( وليس لهم ) أي للهرم والزمن ومن اشتدت مشقة الصوم عليه .
قوله : ( تعجيل فدية يومين ) ولا فدية يوم غير الذي هو فيه .
قوله : ( فإنه جائز ) ولو في أول ليلته ، بل هو مندوب ق ل .(3/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
قوله : ( والمريض الخ ) هذا من جملة مفهوم ما تقدم في شروط الوجوب ؛ لأنهما عاجزان شرعاً وإن كانا قادرين حسًّا .
قوله : ( وإن تعدى بسببه ) كأن فعل ما نشأ عنه المرض ، وسواء كان المرض سابقاً على الصوم أو بالعكس . وقوله والمسافر أي إذا كان السفر سابقاً على الصوم بأن سافر قبل الفجر ، بخلاف ما إذا سبق الصوم ثم سافر في أثناء النهار فلا يجوز الفطر في هذا النهار إلا بمشقة شديدة . قوله : ( بنية الترخص ) شرط في جواز الفطر .
قوله : ( ولا بد في فطر المريض ) أي في جواز فطره على طريقة شيخنا م ر . وهو ظاهر كلام الشارح . وقال شيخنا زي : إن المرض الذي يبيح التيمم يوجب الفطر وما دونه حيث لا يحتمل عادة يجوّزه ق ل .
وقوله يوجب الفطر ضعيف ، والمعتمد أنه يجوّزه .
قوله : ( من مشقة ) أي غير خوف الهلاك وذهاب منفعة العضو الآتيين كبطء البرء ، إذ هذا في جواز الفطر ؛ وما سيأتي في قوله : فإن خاف الخ في وجوب الفطر ، فتلخص من هذا أن فطر المريض تارة يكون جائزاً وتارة يكون واجباً ، بدليل قوله بعد وجب كما قرره شيخنا العشماوي ، فاندفع ما في المحشيّ .
قوله : ( يحم ) بالبناء للمفعول . ومما جرّب لها أن يكتب في ورقة : بسم الله ابراسوما ) ونزعنا ما في صدورهم من غل } ) الأعراف : 43 ) ) الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً } ) الأنفال : 46 ) ) ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } ) البقرة : 178 ) ) يريد الله أن يخفف عنكم } ) الأنفال : 66 ) ) وخلق الإنسان ضعيفاً } ) الأنفال : 66 ) لا شفاء إلا شفاؤك يا أللَّه شفاء لا يغادره سقم ويبخر بها ، فإنه يبرأ .
قوله : ( وقت الشروع ) أي وقت صحة النية ق ل . وعبارة الروض : قبيل الفجر اه . فالمراد به قبيل الفجر الذي هو وقت النية .(3/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
قوله : ( حكم المريض ) أي في جواز الفطر أو وجوبه . وهذا يجري في نحو الحصادين ، فيجب عليهم تبييت النية في رمضان ، ثم إن لحقتهم مشقة شديدة تبيح التيمم أفطروا وإلا فلا .
فائدة : الذين يجب عليهم الإمساك من أفطر تعدّياً بالأكل أو غيره أو ارتد ثم أسلم أو جامع أو نسي النية ليلاً أو أصبح يوم الشك مفطراً ثم ثبت أنه من رمضان ، وأما الصبي إذا بلغ مفطراً أو المجنون إذا أفاق أو الكافر الأصلي إذا أسلم أو الحائض أو النفساء أو المريض أو المسافر أو الحامل أو المرضع فهؤلاء لا يجب عليهم الإمساك ؛ ولكن يستحب الإمساك والإمساك من خواص رمضان .
قوله : ( السفر المذكور ) أي الطويل المباح .
قوله : ( فيجوز له الفطر ) هذا كلام مجمل ، ثم فصله بكونه تارة يكون الفطر أفضل أو الصوم أو وجوب الفطر وحرمة الصوم الخ .
قوله : ( الصوم أفضل ) أي إن لم يتضرر . وقوله : أما إذا تضرر مقابل لهذا المقدر .
قوله : ( ظلل عليه ) بالبناء للفاعل ، أي صنع له مظلة . ويحتمل البناء للمفعول . فلتراجع الرواية .
قوله : ( أن تصوموا الخ ) ورُوي : ( لَيسَ مِنْ البِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ ) وبأم بدل أل .
قوله : ( وكان سفر حجّ ) هذا القيد ليس موجوداً في شرح الروض ، وقيد الشارح بهما لفضلهما .
قوله : ( عن صوم التطوع ) وصوم التطوع ثلاثة أقسام : قسم يتكرر بتكرر السنة كصوم يوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء . وقسم يتكرر بتكرر الأسبوع وهو الاثنين والخميس ، وقسم يتكرر بتكرر الشهور كالأيام البيض كما يعلم من كلامه .
قوله : ( لما في الصحيحين الخ ) وورد : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْم فإِنَّهُ لِي وَأَنا أَجْزِي به ) والصحيح تعلق الغرماء به ، أي أصلاً وتضعيفاً كسائر الأعمال . بخلاف الإيمان فلا يتعلقون به . ويدلك على أن الصوم يتعلقون به حديث : ( أَتَدْرُونَ مَنِ المُفْلِسُ ) الخ . وحينئذ فتخصيصه بكونه له لأنه أبعد عن الرياء من غيره . وقد اختلفوا في معناه على أقوال تزيد على خمسين قولاً ، شرح م ر : وما قيل إن التضعيف في الصوم وغيره لا يؤخذ ؛ لأنه محض فضل الله ، وإنما الذي يؤخذ الأصل وهي الحسنة الأولى لا غير يردّ لعموم خبر : ( يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ(3/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
الظَّالِم حَتَّى إذا لم يَبْقَ له حَسَنَةٌ وُضِعَ عليه مِنْ سَيِّئَاتِ المَظْلُومِ ) فإذا وضع عليه سيئته فأولى أخذ جميع حسناته الأصل وغيره ؛ لأن الكل صار له ومحض الفضل جار في الأصل أيضاً كما هو معتقد أهل النسة اه حج . وعبارة عبد البر : نصها في الحديث القدسي ، وهو قوله فيما يرويه عن ربه عز وجل : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامِ فَهُوَ لِي وأنا أَجْزِي بِه ) فإضافته تعالى إليه إضافة تشريف وتكريم كما قال تعالى : ) ناقة الله } ) الأعراف : 73 ، هود : 64 ) مع أن العالم كله لله . وقيل : لأنه لم يعبد غيره به ، فلم تعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداتهم بالصيام وإن كانوا يعظمونهم بصورة الصلاة والسجود وغيرهما . وقيل : لأن الصيام بعيد عن الرياء لخفائه ، بخلاف الصلاة والحج والغزو وغير ذلك من العبادات الظاهرات . قال في فتح الباري : معنى النفي في قولهم ( لا رياء في الصوم ) أنه لا يدخله الرياء بفعله وإن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم قد يدخله الرياء من هذه الحيثية ، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار بخلاف الأعمال فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها ، وعن شدّاد بن أوس مرفوعاً : ( مَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ ) رواه البيهقي ، وقيل : لأن الاستغناء عن الطعام وغيره في الشهوات من صفات الرب تعالى . فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه . وقال القرطبي : معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق ، كأنه يقول إن الصائم تقرّب إليّ بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي وهي الصمدانية ؛ لأن الصمد معناه الذي لا يأكل ولا يشرب ، أو لكون ذلك من صفات الملائكة ، أو لأنه تعالى هو المنفرد ، بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته بخلاف غيره من العبادات ، فقد أظهر سبحانه وتعالى بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها ؛ ولذا قال في بقية الحديث : ( وأنا أجزي به ) وقد علم بأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة العطاء .
قوله : ( في سبيل الله ) أي في الجهاد زي . وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوت به حق ولا يختلّ قتاله به ، وقال السيوطي : أي في طاعة الله .(3/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
قوله : ( سبعين خريفاً ) أي عاماً ، فهو مجاز . وخص الخريف لأنه أعدل فصول السنة .
قوله : ( صوم يوم الاثنين ) وهو أفضل من الخميس فصومه أفضل من صوم الخميس ، سمي به لأنه ثاني الأسبوع بناء على أن أوله الأحد ؛ ونقل عن الأكثرين ، لكن الذي نقله السهيلي عن كافة العلماء أنه السبت ، شرح م ر . وعبارة م د على التحرير : ويتجه تفضيل الاثنين على الخميس بولادته فيه ووفاته وبتقديمه في كلام الفقهاء هنا وفي دخول القاضي البلد .
تنبيه : قد يوجد للصوم سببان ، كوقوع عرفة وعاشوراء يوم اثنين أو خميس ، وكوقوعهما في ستة شوّال فيتأكد صوم ما له سببان رعاية لكل منهما ، فإن نواهما حصلا كالصدقة على القريب صدقة وصلة ، وكذا لو نوى أحدهما فيما يظهر . واستشكل استعمال الاثنين بالياء والنون مع تصريحهم بأن المثنى والملحق به يلزم الألف إذا جعل علماً وأعرب بالحركة . وأجيب بأن عائشة رضي الله عنها من أهل اللسان فيستدل بنطقها به على أنه لغة .
قوله : ( تعرض ) أي على الله والملائكة ترفع تلك الأعمال في كل يوم وليلة ، وترفع جملة أعمال العام في ليلة النصف من شعبان كما في شرح م ر ، وكذا تعرض جملة أعمال العام ليلة القدر . وفائدة تكرير ذلك إظهار شرف العاملين بين الملائكة ، شرح حج .
قوله : ( الأعمال ) أي أعمال الأسبوع .
قوله : ( وأنا صائم ) أي قريب من زمن الصوم ؛ لأن العرض بعد الغروب كما قرره شيخنا ح ف . وفائدة العرض إظهار العدل وإقامة الحجة إذ لا يخفى على الله شيء .
قوله : ( يوم عرفة ) وهو أفضل الأيام لأن صومه يكفر سنتين ، وأما خبر : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْم الجُمُعَةِ ) فمحمول على غير يوم عرفة بقرينة ما ذكر ، وأفتى الوالد بأن عشر رمضان أفضل من عشر ذي الحجة لأن رمضان سيد الشهور شرح م ر .
وأفضل الشهور بالإطلاق
شهر الصيام فهو ذو السباق
فشهر ربنا هو المحرّم
فرجب فالحجة المعظم(3/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
فقعدة فبعده شعبان
وكل ذا جاء به البيان ويسنّ صوم الثمانية قبله أي قبل يوم عرفة سواء في ذلك الحاج وغيره ، قال م ر : وقد عمت البلوى كثيراً بثبوت هلال الحجة يوم الجمعة مثلاً ثم يتحدث الناس برؤيته ليلة الخميس وظن صدقهم ولم يثبت ، فهل يندب صوم السبت لكونه يوم عرفة على تقدير كمال ذي القعدة أو يحرم لاحتمال كونه يوم العيد ؟ وقد أفتى الوالد بالثاني ، لأن دفع مفسدة الحرام مقدمة على تحصيل المندوب سواء كان له عادة أم لا ، لأن يوم العيد على احتماله غير قابل للصوم ؛ شيخنا ح ف . فيكون كيوم الشك أو يحرم صومه مطلقاً حتى لسبب . والظاهر الثاني أخذاً من العلة .
تذنيب : قولهم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح هل هذا على سبيل الوجوب أو الأولى ؟ قلت : رأينا في بعض التاليف لأكابر الشافعية ما نصه : وتحريره أن يقال : المفاسد على قسمين مظنونة الوقوع ومتوهمته ، فالأولى يجب رعايتها على جلب المصالح والثانية الأولى رعايتها لا وجوبها اه أ ج مع زيادة .
قول : ( لغير الحاج ) أما الحاج فخلاف الأولى إن كان يصل عرفة نهاراً ، فإن كان يصلها ليلاً أي ليلة التاسع فلا كراهة ولا خلاف الأولى ؛ وورد في بعض الأحاديث أن الوحوش في البادية كانت تصوم يوم عرفة حتى إن بعضهم أخذ لحماً وذهب به إلى البادية ورماه لنحو الوحوش فأقبلت عليه ولم تأكل وصارت تنظر إلى الشمس وتنظر إلى اللحم حتى إذا غربت الشمس أقبلت إليه من كل ناحية ع ش على م ر .
قوله : ( أحتسب على الله ) أي أرجو من الله ورجاؤه محقق فعلى بمعنى من وعبارة المصباح : احتسب الأجر على الله ادّخره عنده لا يرجو ثواب الدنيا اه ع ش .
قوله : ( السنة التي قبله ) المراد بالسنة التي قبل يوم عرفة السنة التي تتم بفراغ شهره ، وبالسنة التي بعده السنة التي أولها المحرم الذي يلي الشهر المذكور ؛ إذ الخطاب الشرعي محمول على عرف الشرع شرح م ر . فإن لم يكن له ذنوب فزيادة في الحسنات . وقال الماوردي : التكفير يطلق بمعنى الغفران وبمعنى العصمة ، فيحمل الأول على السنة الماضية والثاني على المستقبلة . وقيل : المراد به في المستقبلة أنه إذا وقع كان مغفوراً ، قال بعضهم : يؤخذ من تكفير السنة المستقبلة أنه لا يموت فيها لأن التكفير لا يكون بعد الموت فراجعه ق ل على الجلال . وقد راجعته فوجدته كما ذكر ، فقد قال المدابغي على التحرير ما نصه : فائدة : قال ابن عباس رضي الله عنه : وهذه بشرى بحياة سنة مستقبلة لمن صامه ، إذ هو ( صلى الله عليه وسلم ) بشر(3/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
بكفارتها فدل لصائمه على الحياة فيها ، إذ هو ( صلى الله عليه وسلم ) لا ينطق عن الهوى إن هو إِلا وحيٌ يوحى .
قوله : ( يكفر السنة التي قبله ) وفارق عرفة بأنه من خواص هذه الأمة بخلاف عاشوراء لمشاركة موسى لنا فيه ق ل . وهذا أولى من قول بعضهم : إن صوم عرفة محمدي وصوم عاشوراء موسوي لأنه يرد عليه أن صوم عاشوراء محمدي أيضاً لأنه صامه بوحي لا تبعاً لموسى إذْ شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره . وأجيب بأنه إنما نسب لموسى لأنه أول من صامه ، قال في المجموع : إن هذه الأحاديث محمولة على الصغائر ، قال القاضي عياض : هذا المذكور في الأحاديث من تكفير الصغائر فقط هو مذهب أهل السنة فإن الكبائر لا يكفرها إِلا التوبة أو رحمة الله . فإن قيل : إذا كفر الوضوء كما ورد فماذا تكفر الصلاة ؟ وإذا كفرت فماذا تكفر الجمعتان ورمضان وكذلك صوم عرفة كفارة سنتين وعاشوراء كفارة سنة ؟ وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ؟ فالجواب ما قاله العلماء من أن كلاًّ من هذه صالح للتكفير ، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتب له بها حسنات ورفعت له بها درجات ، وإن صادفت كبيرة أو كبائر فقط رجونا أن يخفف من الكبائر اه كلام المجموع .
قوله : ( إلى قابل ) بالتنوين ، تقديره : إلى عام قابل .
قوله : ( لأصومنّ التاسع ) أي مع عاشوراء . وأفتى البارزي بأن من صام عاشوراء مثلاً عن قضاء أو نذر حصل له ثواب يوم عاشوراء ، وهو المعتمد كما في شرح م ر .
قوله : ( وصوم ستة من شوّال ) أي وجود صوم ستة أيام من شوّال وإن لم يعلم بها أو نفاها ، أو صامها عن نذر أو نفل آخر أو قضاء عن رمضان أو غيره ؛ نعم لو صام شوالاً قضاء عن رمضان وقصد تأخيرها عنه لم تحصل معه فيصومها من القعدة ، ويندب موالاتها ليوم العيد وتتابعها وتفوت بفوات شوال ق ل . والأولى حذف التاء إذ إثبات التاء مع حذف المعدود لغة ، والأفصح حذفها كما في الحديث اه أ ج . وفيه نظر ؛ لأن إثبات التاء هو الأفصح وإن كان المعدود محذوفاً لأن الأفصح أن يكون كالمذكور .(3/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
قوله : ( من صام رمضان ) أي في كل سنة وأتبعه ستًّا من شوال كذلك ، أما لو صام ستًّا من شوال في بعض السنين دون بعض فالسنة التي صام الست فيها يكون صومها كسنة والتي لم يصم فيها تكون كعشرة أشهر ، اه ع ش على شرح م ر .
قوله : ( ثم أتبعه ستًّا من شوال ) قضيته أن من لم يصم رمضان لعذر لا يسنّ له صيام ستة شوال ؛ وهو قضية كلام كثير قال أبو زرعة : وليس كذلك بل يحصل أصل سنة الصوم وإن لم يحصل له الثواب المذكور لترتّبه في الخبر على صيام رمضان . وعبارة ق ل : قوله ثم أتبعه الخ يفيد أن من أفطر رمضان لم يصمها وأنها لا تحصل قبل قضائه ، وقد يقال التبعية تشمل التقديرية لأنه إذا صام رمضان بعدها وقع عما قبلها تقديراً ، أو التبعية تشمل المتأخرة كما في نفل الفرائض التابع لها اه . فيسن صومها وإن أفطر رمضان ، أي بعذر ؛ فإن تعدى بفطره حرم عليه صومها لما فيه من تأخير القضاء الفوري وتفوت بفوات شوال ولا تقضى ، نعم قال شيخنا م ر : من صام شهر شوال عن رمضان وقصد تأخيرها إلى القعدة قضاها فيه وإِلا دخلت في صوم شوال اه ق ل .
قوله : ( كصيام الدهر ) أي فرضاً ، أي ثوابه كثواب الفرض وإِلا لم يكن لخصوصية رمضان وستة من شوال معنى ، إذ من صام شهراً غير رمضان مع ستة من غيره يحصل له ثواب الدهر أي السنة ، لأن الشهر بعشرة أشهر والستة أيام بشهرين لأن كل يوم بعشرة لأن الحسنة بعشرة أمثالها . وحاصله أن من صامها مع رمضان كل سنة يكون كصيام الدهر فرضاً بلا مضاعفة ، ومن صام شهراً وستة غيرها كذلك يكون كصيامه نفلاً بلا مضاعفة ؛ شرح حج .
قوله : ( عقب العيد ) الأولى : وعقب العيد ؛ لأن ذلك سنة أخرى ق ل .
قوله : ( ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم ) أي بلا سبب بأن كان نفلاً مطلقاً ، قال النووي : إنما نهي عن صيامه مفرداً لأنه يوم عبادة وتبكير وذكر وغسل واجتماع ، فيسن فطره معاونة عليها ولا يقدح فيه زوال الكراهة بصوم يوم قبله أو بعده ؛ لأن ما يحصل بسببه من الفتور في تلك الأعمال يجبره الصوم قبله أو بعده . وفي خبر رواه أحمد تعليل منع صومه بأنه يوم عيد ، ولا يقدح فيه أنّ يوم العيد لا يصام مع ما قبله وما بعده ؛ لأن يوم الجمعة لما أشبه العيد أخذ(3/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
من شبهه النهي عن تحري صومه وبصومه مع ما قبله أو بعده ينتفي التحري ، أما لو صام يوماً قبله أو يوماً بعده أو وافق عادة له انتفت الكراهة لما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة : ( لاَ يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجمعةِ إِلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ يَوْماً بَعْدَهُ ) وخبر البيهقي والحاكم : ( إِنّ يَوْمَ الجمعةِ يَوْمَ عِيدٍ وذِكْرٍ فلا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ ولَكِن اجْعَلُوهُ يَوْمَ فِطْرٍ وذِكْرٍ إِلاَّ أَنْ تَخْلِطُوهُ بأيَّامٍ ) اه مناوي على الخصائص .
قوله : ( لا تصوموا يوم السبت ) أي وحده ، فإن صامه مع الأحد لم يكره لأن المجموع لم يعظمه أحد . وبهذا اندفع اعتراض بعضهم بأن ضم المكروه للمكروه لا يخرجه عن الكراهة .
قوله : ( فيما افترض عليكم ) أي من قضاء أو نذر أو كفارة فلا يكره الإفراد فيها ق ل .
قوله : ( واجب ) كنفقة الزوجة وقوله أو مستحب كالقيام بحقوقها المستحبة . ومستحب معطوف على مكروه ، أي ومع استحبابه فصوم يوم وفطر يوم أفضل منه اه مرحومي . وسئل الشهاب م ر عمن يصوم يوماً ويفطر يوماً فوافق يوم فطره يوماً مما يطلب صومه كيوم الاثنين أو الخميس هل فطره أفضل أم صومه ولا يخرج بذلك عن صوم يوم وفطر يوم ؟ فأجاب بأن الأفضل صومه ولا يخرج به عما ذكر اه م د .
قوله : ( لغيره ) أي غير من لم يخف فوت حق ولا ضرراً .
قوله : ( ويحرم صوم المرأة الخ ) هذا حيث جاز التمتع بها وإِلا فلا ، كأن قام به مانع من الوطء كإحرام أو اعتكاف ، وحيث لم يقم بها مانع كالرتق والقرن .
قوله : ( إِلا بإذنه ) وعلمها برضاه كإذنه . كما في شرح م ر . ومحله في الصوم المتكرر في السنة كالاثنين والخميس ، بخلاف صوم يوم عرفة وعاشوراء لأنهما نادران في السنة مرة .
قوله : ( وزوجها شاهد ) أي حاضر .
قوله : ( بصوم تطوّع ) ومثله فرض الكفاية إِلا الحج والعمرة والجهاد وصلاة الجنازة منفرداً ، وأما غسل الميت بعد الشروع فيه ، فإن قام غيره مقامه فيه جاز قطعه وإِلا فلا .(3/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
قوله : ( فله قطعهما ) ويكره إن لم يكن بعذر ، وإلا كأن شقّ الصوم على المضيف فلا كراهة . ويترتب على الكراهة عدم الثواب على الماضي ، ويترتب على عدمها وجوب الثواب .
قوله : ( أمير نفسه ) بالراء وبالنون روايتان .
قوله : ( إن شاء صام ) أي أتم صومه فلا يرد أن فرض الكلام أنه صائم . وأما قوله : ( ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) فمحمول على الفرض .
قوله : ( بصوم واجب ) ولو قضاء لأجل قوله سواء كان قضاؤه الخ .
قوله : ( حرم عليه قطعه ) أي الواجب ، وعلى هذا حمل قوله : ( ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) فهو خاص بالفرض بخلاف قطع غيره فيجوز كما مر .
قوله : ( ثم باقي الأشهر ) لم يذكر الأفضل من ذي القعدة وما بعدها . وحاصله أن يقال : أفضل الأشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم ، وأفضلها المحرم ثم رجب ثم الحجة لوقوع الحج فيه ولاشتماله على يوم عرفة ثم القعدة ثم شعبان زي أ ج . وبعضهم قدّم القعدة على الحجة ، لكن المعتمد تقديم الحجة وأنه أفضل من ذي القعدة لوقوع الحج فيه ولاشتماله على يوم عرفة ؛ والأفصح فتح قاف القعدة وكسر حاء الحجة . وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
وفتح قاف قعدة قد صححوا
وكسر حاء حجة قد رجحوا كما علمت ، والله أعلم .
فصل : في الاعتكاف
ذكره عقب الصيام لأنه من توابعه ، ولأن المقصود من كل منهما واحد وهو كف النفس(3/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
عن شهواتها ، ولأن الذي يبطل الصوم قد يبطل الاعتكاف ، ولأنه يسنّ للمعتكف الصيام .
قوله : ( اللبث ) أي لزوم الشيء ولو شرّاً كما عبر به حج ، وقوله والحبس أي حبس النفس على الشيء فهو غير اللبث . وسمي الاعتكاف الشرعي بذلك لملازمته المسجد ولبثه ، يقال عكف يعكُفُ بضم الكاف في المضارع .
قوله : ( اللبث في المسجد ) أي حقيقة أو حكماً فيشمل التردد ، وأما المرور بلا تردد فلا يكفي ؛ فلو دخل المسجد قاصداً الجلوس في محل منه اشترط لصحة الاعتكاف تأخير النية إلى موضع جلوسه أو مكثه عقب دخوله قدراً يسمى عكوفاً لتكون النية مقارنة للاعتكاف ، بخلاف ما لو نوى حال دخوله وهو سائر لعدم مقارنة النية للاعتكاف ؛ كذا بحث . أقول : وينبغي الصحة مطلقاً ، أي سواء كان ماكثاً أو سائراً مع التردد لتحريمهم ذلك على الجنب حيث جعلوه بمنزلة اللبث ، بخلافه مع المرور بأن يدخل من باب ويخرج من آخر وهو المسمى بالعبور فلا تصح النية حينئذ ع ش على م ر بزيادة .
قوله : ( في المسجد ) وهو ما وقفه الواقف مسجداً لا رباطاً ولا مدرسة كما أفتى به ابن عبد السلام زي .
فائدة : أفتى شيخنا زي بأنه لو سمر حصيراً أو فروة أو سجادة أو بنى مصطبة ووقفها مسجداً صح ذلك وأجري عليها أحكام المساجد ، فيصح الاعتكاف عليها ويحرم على الجنب ؛ ونحوه المكث عليها ونحو ذلك اه عبد البر . ولو زال تسمير هذا ثبتت المسجدية بعد زواله وفي ق ل . نعم إن جعل في الأرض المحتكرة بلاطاً مثلاً ووقفه مسجداً صح عليه الاعتكاف اه .
قوله : ( من شخص مخصوص ) أي مسلم مميز خال من الموانع .
قوله : ) ولا تباشروهنّ } ) البقرة : 187 ) المراد بالمباشرة الوطء كما في البيضاوي .
قوله : ( في المساجد ) قيد لصحة الاعتكاف ، وإِلا فالمعتكف ممنوع من الجماع حتى خارج المسجد إذا كان حكم الاعتكاف منسحباً عليه كأن خرج من الاعتكاف المنذور المقيد بالمدة والتتابع للتبرز مثلاً ، ومن في المسجد تحرم عليه المباشرة بشهوة ولو غير معتكف ؛ فذكر المساجد ليس إِلا لبيان شرط الاعتكاف لا لإخراج الصورتين المذكورتين م د . وعبارة ح ل : قوله : ) ولا تباشروهنّ } ) البقرة : 187 ) الآية ، دليل على اشتراط المسجدية للاعتكاف ؛ لأنه لا جائز أن يكون شرطاً في منع مباشرة المعتكف لأنها ممنوعة عليه خارجه لنحو قضاء الحاجة كما سيأتي ، وغير المعتكف ممنوع من المباشرة فيه فليس ذكرها إِلا لاشتراط صحة الاعتكاف اه . وقوله لأنها ممنوعة عليه خارجه يمكن شمول الآية لهذه الصورة بأن يراد(3/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
بقوله : ) وأنتم عاكفون في المساجد } ) البقرة : 187 ) حقيقة أو حكماً والمباشرة فيها أو خارجها .
قوله : ( اعتكف العشر الأوسط ) أي في بعض السنين . وقوله الأوسط اعترضه في المصباح بأن العشر جمع والأوسط مفرد ولا يتبع الجمع بمفرد ، قال : ويمكن حمله على غلط النساخ بإسقاط الألف من الأواسط . وقوله ثم اعتكف أي في سنة أخرى ، وفي رواية : أنه اعتكف الأول أيضاً م ر . وذكر اعتكاف أزواجه أي في غير رمضان لدفع توهم اختصاصه برمضان وبالذكر . وفيه أيضاً دليل لجواز اعتكاف المفطر لأن يوم العيد لا يجوز صومه إجماعاً ، فتأمل .
قوله : ( من الشرائع القديمة ) أي بمعناه اللغوي ، وهو مطلق اللبث في المسجد أما هو بالهيئة المخصوصة فمن خصائصنا ق ل .
قوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم ) أي أمرناهما بذلك .
قوله : ( أن طهرا ) أي بأن طهرا ، فحذف حرف الجر . ويجوز أن تكون مفسرة لتضمن العهد معنى القول ، يريد : طهراه عما لا يليق به من الأدناس والأنجاس والأوثان المعلقة حول الكعبة ومن القذر ؛ لما قيل إن غنم سيدنا إسماعيل كانت تبيت في الحجر . وقوله للطائفين أي حوله ، والعاكفين أي المقيمين عنده أو المعتكفين فيه كما في البيضاوي .
قوله : ( سنة ) أشار بقوله سنة إلى حكمه ، وبقوله مستحبة في كل وقت إلى زمانه رداً على من منعه ليلاً ولغير الصائم ق ل . وقوله مستحبة تأكيد أو تأسيس إن أريد بالسنة الطريقة . وقد جعل الشارح قول المصنف مستحبة تأسيساً بالنظر للمتعلق به لأنه خير من التأكيد الذي هو ظاهر كلامه .
قوله : ( في كل وقت ) أي حتى أوقات الكراهة وإن تحرّاها ع ش . ويجب بالنذر ويحرم على الزوجة والرقيق بغير إذن مع الصحة ، ويكره لذات الهيئة مع الإذن فتعتريه الأحكام ما عدا الإباحة أي يجب بالنذر ، ويحرم من المرأة بلا إذن زوجها أو سيدها ، ويكره لها بالإذن إن كانت ذات هيئة ويسنّ فيما عدا ذلك وهو الأصل فيه ، ومثل المرأة الخنثى اه .
قوله : ( ولإطلاق الأدلة ) أي السابقة والآتية .(3/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
قوله : ( فواق ناقة ) بضم الفاء وآخره قاف ، أي قدر زمن حلبها ق ل . وحكي عن الجوهري فتح الفاء . وقال بعضهم : هو ما بين الحلبتين بأن تحلب ثم تترك لفصيلها ليدرّ اللبن ثم يعود لحلبها اه أج . وفي الحديث : ( العيَادَةُ قَدْرُ فَوَاقِ نَاقَةٍ ) أي عيادة المريض . وقوله تعالى : ) ما لها من فواق } ) ص : 15 ) أي انتظار وراحة ولا إفاقة ، وقيل : من الرجوع إلى الدنيا كما في التقريب .
قوله : ( نسمة ) النسمة للواحد من الأشخاص ومراده هنا الرقيق اه ق ل .
قوله : ( لطلب ليلة القدر ) وتسميتها بذلك لشرفها ولتقدير الأمور فيها ، لقوله تعالى : ) فيها يفرق كل أمر حكيم } ) الدخان : 4 ) وذكر الألف إما للتكثير ، أو لما رُوِي ( أنه عليه الصلاة والسلام ذكر إسرائيلياً لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المؤمنون وتقاصرت إليهم أعمالهم فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي ) اه بيضاوي . وقوله لشرفها على أن القدر بمعنى العظمة والشرف من قولهم : لفلان قدر أي شرف ومنزلة ، ثم إن شرفها يحتمل أن يكون راجعاً للفاعل فيها على معنى أن من أتى فيها بالطاعة صار ذا قدر وشرف ، ويحتمل أن يرجع إلى نفس العمل اه زاده أو راجع لها نفسها أو للمنزل فيها كما قاله الشهاب . قال ق ل : وظاهر كلام الشارح أنه علة للأفضلية في العشر الأواخر ، وهو يقتضي عدم تخصيصها أي ليلة القدر بمفرد من مفرداته أي العشر . وذكر بعضهم أن قوله لطلب الخ تعليل لمحذوف ، أي : وقالوا في حكمته لطلب الخ . وتعليل الأفضلية محذوف ، والتقدير : أفضل لمواظبته على ذلك .
قوله : ( فيحييها بالصلاة ) هذه هي الطريقة العليا ، وأما الطريقة الدنيا فهي أن يصلي العشاء في جماعة ويصلي الصبح كذلك . وترك الشارح الطريقة الوسطى وهي أن يحيي معظم ليلها بالذكر الخ ، ففيها ثلاث كيفيات ذكر الشارح اثنتين وترك واحدة .
قوله : ( أفضل ليالي السنة ) أي في حق هذه الأمة ، وهو لا ينافي كون ليلة المعراج أفضل الليالي مطلقاً في حقه . والمراد بها خصوص الليلة التي عرج به فيها إلى السماء لا نظيرتها من كل عام . وما أحسن قول بعضهم :
أولاك رؤيته في ليلة فضلت
ليالي القدر فيها الربّ رضاكا
قوله : ( ألف شهر ) وهي ثلاث وثمانون سنة وثلث سنة ، ولم يعبر بذلك لأن ما في التنزيل أخصر كما لا يخفى م د .(3/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
قوله : ( ليس فيها الخ ) وإِلا لزم تفضيل الشيء على نفسه بمراتب . قال ق ل : ظاهر كلامهم أن الألف شهر كاملة وأنها تبدل ليلة القدر بليلة غيرها ويحتمل نقصها منها ، ولعل المراد بالشهور العربية لأنها المنصرف إليها الاسم شرعاً وعرفاً .
قوله : ( إيماناً ) أي تصديقاً بأنها حق وطاعة ، واحتساباً أي إرادة وجه الله لا لرياء ؛ شوبري . ونصبهما على المفعول لأجله أو على الحال بتأويلهما باسم الفاعل .
قوله : ( من ذنبه ) أي من الصغائر أو الأعم دون التبعات ، أما التبعات فلا يكفرها إِلا الاستحلال من مستحقها إن كان موجوداً أهلاً للاستحلال منها ، فإن لم يكن أهلاً أو لم يكن موجوداً فوارثه والنكتة في وقوع الجزاء ماضياً مع أنه في المستقبل أنه محقق الوقوع فضلاً من الله على عباده اه زي .
قوله : ( وأنها تلزم ) لو قال : وتلزم ، لكان أخصر وأولى ق ل . وقال بعضهم : قوله وأنها معطوف على الضمير المجرور بعلى بدون إعادة الخافض ، والتقدير : والجمهور عليه وعلى أنها الخ .
قوله : ( ليلة بعينها ) أي من العشر الأخير ، يعني أن الليلة التي وجدت فيها في بعثة النبي لا تنتقل عنها إلى ليلة غيرها من حين مشروعيتها إلى الآن . قوله : ( جمعاً بين الأحاديث ) لا يخفى ما في هذا الجمع لمن تأمله ق ل ؛ لأن هذا لا يصلح أن يكون جمعاً بين هذا القول وما قبله ؛ لأن البعض يدل على أنها منتقلة والبعض الآخر يدل على أنها تلزم ليلة بعينها . ومبنى الإشكال على أن المراد بالأحاديث الأحاديث الدالة على هذا القول والذي قبله ، فإن أريد الأحاديث الدالة على أنها ليلة الحادي والعشرين والدالة على أنها ليلة الثالث والعشرين والدالة على أنها ليلة الخامس والعشرين مثلاً كان الجمع صحيحاً تأمل .
قوله : ( والمذهب الأول ) أي أنها تلزم ليلة بعينها . قوله : ( وظاهر هذا ) أي كلام المتولي .(3/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
قوله : ( فقد أدرك الخ ) أي أحياها لكن بشرط أن يعزم على صلاة الصبح جماعة ، وهذا أقل ما يحصل به الإحياء .
قوله : ( وميل الشافعي ) أي اختياره . وهذا يخالف ما تقدم من أن المعتمد أنها تلزم ليلة بعينها ، ويمكن أن مراده أنها تلزم هذه أو هذه ولا تنتقل عنهما . وذكروا لها ضابطاً ، وهو أنه إن هلّ رمضان بالجمعة فهي ليلة التاسع والعشرين وإن هلّ بالسبت فهي ليلة الحادي والعشرين وإن هلّ بالأحد فهي ليلة السابع والعشرين وإذا هلّ بالاثنين فهي ليلة التاسع والعشرين وإن هل بالثلاثاء فهي ليلة الخامس والعشرين وإن هلّ بالأربعاء فهي ليلة السابع والشعرين وإن هلّ بالخميس فهي ليلة الحادي والعشرين . ونظمها بعضهم فقال :
وإنا جميعاً إن نصم يوم جمعة
ففي تاسع العشرين خذ ليلة القدر
وإن كان يوم السبت أول صومنا
فحادي وعشرين اعتمده بلا عذر
وإن هلّ يوم الصوم في أحد ففي
سابع العشرين ما رمت فاستقري
وإن هلّ بالاثنين فاعلم بأنه
يوافيك نيل الوصول في تاسع العشري
ويوم الثلاثاء إن بدا الشهر فاعتمد
على خامس العشرين تحظى بها قادر
في الأربعاء إن هلّ يامن يرومها
فدونك فاطلب وصلها سابع العشر
ويوم الخميس إن بدا الشهر فاجتهد
توافيك بعد العشر في ليلة الوتر وعن ابن عباس : إن أرجاها ليلة السابع والعشرين ، وهو قول عمر بن الخطاب اه برماوي .
قوله : ( ومن علاماتها الخ ) وفائدة معرفة علاماتها بعد فوتها أنه يسنّ اجتهاده في يومها كاجتهاده فيها كما يأتي . وأيضاً يستفاد بعلاماتها معرفتها في باقي الأعوام بناء على أنها لا تنتقل ق ل على الجلال .
قوله : ( طلقة ) بفتح المهملة وكسر اللام ، وقوله : لا حارة ولا باردة تفسير لطلقة .
قوله : ( ليس فيها كثير شعاع ) أي شعاع كثير لأنها تستر الملائكة بأجنحتها شعاعها فيضعف ، أي ويستمر إلى أن ترتفع في رأي العين ؛ مناوي ع ش .(3/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
قوله : ( وأن يجتهد في يومها ) أي بالقراءة والذكر والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادة .
قوله : ( وهي باقية الخ ) وأما من قال إنها رفعت فالمراد أنه رفع علم عينها ، ولو علق قبل دخول العشر الأواخر من رمضان طلاقاً مثلاً بليلة القدر كقوله : أنت طالق ليلة القدر ، طلقت بأول آخر ليلة منها أي من ليالي العشر الأواخر ؛ لأنه مضت به ليلة القدر في إحدى ليالي العشر ، أو علقه في أثناء العشر طلقت بأول آخر ليلة من سنة تمضي عليه لأنه قد مرت به ليلة القدر اه زاد حج : ولو رآها بعد التعليق أو أخبره من اعتقد صدقه أنه رآها في سنة التعليق كليلة الثالث أو الخامس أوالسابع والعشرين فينبغي الوقوع ، اه رحماني .
قوله : ( أن يكتمها ) أي لأنها كرامة ، وينبغي كتم الكرامات ؛ قال ق ل : وهي لحظة صغيرة على صورة البرق الخاطف وتفضل جميع الليلة لأجلها ، وكذا نزول الملائكة فيها في جميع الليل صعوداً وهبوطاً بين الله تعالى وعباده لقضاء حوائجهم وإطلاع الربّ فيها جميعها كذلك ، بخلاف غيرها فإنه في الثلث الأخير وغير ذلك . قوله : ( وله ) أي لتحققه وصحته وجوازه ق ل .
قوله : ( أي ركنان ) هذا لمراعاة التثنية في كلام المصنف ؛ لأن المذكور فيه على ما قرره الشارح ثلاثة أركان ، ولم يذكر الرابع وهو المعتكف نظراً إلى الأصل من أن الفاعل لا يعدّ ركناً وإنما عده غيره وتبعه الشارح هنا ركناً كالصوم ونحوه لعدم وجود صورة له محسوسة في الخارج أي مشاهدة بدونه ق ل .
قوله : ( كغيره من العبادات ) أي كنظيره من العبادات كما في عبارة غيره ، فيكون راجعاً لقوله النية ويحتمل رجوعه لقوله بالقلب .
قوله : ( وإن أطلق الاعتكاف ) أي عن التقييد بمدة ، وسواء كان منذوراً أو لا لكنه في المنذور يقع بعضه واجباً عن النذر وبعضه غير واجب عنه لأنه يمكن تجزيه . وحاصله أن المراتب ثلاثة : إما أن يطلق ، أو يقيد بمدة غير متتابعة ، أو متتابعة . وكل منها إما منذور أو لا .
قوله : ( كفته نيته ) ويكفيه لحظة في النذر ، فلو زاد عليها وقع قدر لحظة منه فرضاً والباقي مندوباً قياساً على الركوع إذا طوّله ، كذا قيل ؛ واعتمد ع ش وقوع الكل واجباً هنا ، وفرق بينه وبين الركوع بأن الشارع جعل لأقل الركوع قدراً معلوماً ولم يجعل ذلك لأقل الاعتكاف ، قرره شيخنا ح ف .(3/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
قوله : ( بلا عزم عود ) وهو في زمن خروجه غير معتكف لا حقيقة ولا حكماً ح ل .
قوله : ( جدد ) أي إن أراد الاعتكاف .
قوله : ( لتبرز ) أي قضاء حاجة .
قوله : ( فإن عزم على العود ) أي للاعتكاف سواء أعاد إلى ذلك المسجد أم لغيره ، قال الشوبري : فلو دخل بعد عزمه وخروجه مسجداً آخر صار معتكفاً فيه اه . قال أج : فإن جامع بعد خروجه لم يجب تجديد النية إذا عاد لأنه غير مناف للنية ، قياساً على الصائم إذا نوى ليلاً ثم جامع فإنه لا يجب عليه تجديد النية ، بخلاف من خرج لعذر لا يقطع التتابع ولم يطل زمنه كأن خرج لنحو تبرز ، فإنه إذا جامع خارج المسجد يبطل اعتكافه لأنه معتكف حقيقة بخلاف من خرج عازماً على العود فإن زمن الخروج لا اعتكاف فيه أصلاً ؛ هذا ما بحث ع ش . وقوله لم يجب تجديد النية إذا عاد رده سم في حواشي التحفة وفرق بينه وبين الصوم بأن الجماع مناف للاعتكاف مطلقاً بخلاف الصوم فلا ينافيه إِلا نهاراً .
قوله : ( ولو قيد بمدة ) أي غير متتابعة ، أخذاً مما بعده .
قوله : ( جدد النية ) أي إن لم يعزم على العودُ إِلا فلا حاجة لتجديدها كما مر فاحفظه م د وح ف .
قوله : ( لقطعه الاعتكاف ) أي لا يكون زمنه محسوباً من زمن الاعتكاف ح ل وح ف .
قوله : ( وإن طال الزمن ) أي المحتاج إليه في التبرز .
قوله : ( كالمستثنى عند النية ) فكأنه قال نويت اعتكاف هذا اليوم إِلا أني أخرج فيه للتبرز .
قوله : ( لا يقطع التتابع ) كأكل وقضاء حاجة ومرض وحيض ، بخلاف القاطع كعيادة المريض فيستأنف النية اه زي .
قوله : ( فلا يلزمه تجديد ) لشمول النية جميع المدّة مع كونه معتكفاً حكماً في زمن الخروج كما قرره شيخنا .
قوله : ( بل يكفي التردد ) فالشرط إما السكون أو التردد بخلاف مجرد المرور فلا يكفي قال المناوي في أحكام المساجد : ويندب للمار أن ينويه أي الاعتكاف ويقف وقفة تزيد على(3/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
أقل طمأنينة الصلاة ، فإن نواه ولم يقف أو وقف قدرها أو دونها لم يصح على الأصح اه . وفي حاشية السيد الرحماني على التحرير : قال شيخنا : ولا بد من إيقاعها حال الاستقرار فلا يكفي حال المرور حتى يستقر .
قوله : ( فيه ) أي المسجد المعلوم .
قوله : ( في المسجد ) ولو ظناً بالاجتهاد أي فيما إذا اشتبه عليه موضعان : أحدهما مسجد بيقين ومن المسجد رحبته القديمة وروشن متصل بجداره وهواؤه وغصن شجرة أصلها فيه مطلقاً ، أي وإن كان الغصن خارجه كما قال ق ل وع ش ، بخلاف ما يأتي في وقوف عرفة ورحبته ما حوط عليه لأجله وإن لم يعلم دخولها في وقفه سواء أفصل بينهما طريق عند حدوثه أو شك فيه أم لا . وأما حريمه فهو ما هيىء لإلقاء نحو قماماته وليس له حكمه اه رحماني . وليس لنا عبادة يتوقف فعلها على المسجدية إِلا هذه الثلاثة ، أعني الاعتكاف والطواف والتحية ومثلها المنذورة فيه ؛ إِلا أن الطواف يتوقف على مسجد مخصوص وهو المسجد الحرام اه .
قوله : ( لكثرة الجماعة الخ ) أي شأنه ذلك .
قوله : ( من خلاف من أوجبه ) أي الجامع وهم جماعة من الصحابة وغيرهم كما في شرح م ر .
قوله : ( وجب الجامع ) أي لأجل الجمعة ، فلو اعتكف في غيره صح الاعتكاف وإن أثم بترك الجمعة كما لو نذر الجماعة فصلى منفرداً فإن صلاته لأجل الجمعة ، تصح وإن أثم بترك الجماعة .
قوله : ( مسجد مكة ) المراد به الكعبة والمسجد حولها على المعتمد ، حتى لو نذر اعتكافاً فيها أجزأه المسجد حولها خلافاً للإسنوي . والمراد بالمسجد حولها جميع المسجد وإن اتسع ، وإدخال الكعبة في المسجد غير ظاهر لبناء الملائكة لها قبل آدم وحدوث المسجد بعدها ، ونذر الاعتكاف فيها غير منعقد لأنها ليست من المسجد . وقوله أو المدينة المراد به ما كان في زمنه دون ما زيد عليه لاختصاص المضاعفة بغير الزيادة اه أ ج .
قوله : ( لا تشدّ الرحال ) أي لأجل الصلاة ، فالحديث وارد في المساجد بالنسبة للصلاة(3/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
لأن المساجد غير المساجد الثلاثة متماثلة في الفضل بالنسبة للصلاة ، فلا معنى للرحيل إلى مسجد آخر ليصلي فيه ، وإذا كان الكلام بالنسبة للصلاة فلا ينافي أنه ينبغي شدّ الرحال لغير هذه الثلاثة لأجل الزيارة كشدّها لزيارة سيدي أحمد البدوي ؛ لأن الشدّ للمكين وهو الولي لا للمكان ، لأن الولي إذا لم يكن في هذا المكان لما ذهب أحد من الناس إليه بقصد زيارة ، خلافاً لبعض الخوارج حيث تمسكوا بظاهر الحديث على عدم سن زيارة الأولياء بعد موتهم ، قرره شيخنا ح ف . وقوله لأجل الصلاة والاعتكاف كالصلاة ، فصح الاستدلال ، ولا يضاعف غيرهما كما ذكره ق ل . ولا نافية وتشد مضارع مجهول ، وهو خبر أريد به النهي ، وهو أبلغ . والرحال جمع رحل وهو للجمال كالسروج للخيل لا جمع راحلة كما توهم ، قال في الخلاصة :
فعل وفعلة فعال لهما
لأن راحلة تجمع على رواحل كضاربة وضوارب وفاطمة وفواطم ومعناه لا ينبغي شد الرحال على الرواحل إِلا للمساجد الثلاثة .
فائدة : الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة في مسجد المدينة وبمائتين في الأقصى وبمائة ألف في غير الثلاثة ، والصلاة في مسجد المدينة بصلاتين في الأقصى وبألف في غيرها أي الثلاثة ، والصلاة في الأقصى بخمسمائة صلاة في غيرها أي الثلاثة ق ل . ومثل الصلاة الاعتكاف ، أي فهو في المسجد الحرام مضاعف كالصلاة وما عداهما لا يتضاعف . ونظم بعضهم ذلك بقوله :
مائة ألف ركعة بركعة
في المسجد المكيّ قد صليت
في مسجد الهادي بألف أثبت
في المسجد الأقصى بخمسمائة
وهذا التضعيف يرجع إلى الثواب ، وإِلا فلو كان عليه صلاتان فصلى بمسجد مكة أو المدينة واحدة لم تجز عنهما كما قاله المناوي على الخصائص .
قوله : ( لمزيد فضله عليهما ) قال عليه الصلاة والسلام : ( صَلاَةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فيما سِوَاه إِلا المسْجِد الحَرَام ) أي والأقصى ( وصَلاةٌ في المَسْجِد الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مائة صلاةٍ في مَسْجِدِي ) رواه الإمام أحمد . وقوله ( إِلا المسجد الحرام ) أي وإِلا الأقصى لأن مسجد المدينة أفضل منه بصلاتين فقط ، والصلاة في الأقصى بخمسمائة في غيره سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة ؛ فيؤخذ من هذا أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة(3/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
ألف صلاة في غير المدنيّ والأقصى ومن مائة صلاة في مسجده ومن مائتي صلاة في الأقصى كما في ق ل وقرره ح ف .
قوله : ( وحرمة مكث ) هذه حرمة لذات المكث ، وخرج بها الحرمة لخارج كاعتكاف امرأة بغير إذن حليلها ورقيق بغير إذن سيده ومن به جراحة نضاحة يتنجس منها المسجد ونحو ذلك فهو صحيح ؛ نعم لا حرمة على مكاتب لم يفت باعتكافه كسب ولا على زوجة في غير زمن تمتع بأن يكون الزوج محرماً أو معتكفاً كما قاله ق ل ؛ لكن المعتمد فيمن به جراحة نضاحة عدم صحة اعتكافه لأنه كالحائض م د . ونفي الحرمة عن الزوجة المذكورة إذا كان الخروج بغير إذن زوجها مشكل ، وعبارة م ر : وقضية ما تقرر عدم صحة اعتكاف كل من حرم عليه المكث في المسجد كذي جرح وقروح واستحاضة ونحوها حيث لم يمكن حفظ المسجد من ذلك ، وهو كذلك وإن قال الأذرعي إنه موضع نظر اه وفي م د على التحرير . ويصح من المميز والعبد والمرأة وإن كره لذوات الهيئة ، وحرم بغير إذن سيد في الرقيق ذكراً أو أنثى وزوج . نعم إن لم تفت به منفعة كأن حضرا المسجد بإذنهما فنوياه جاز كما نبه عليه الزركشي . وللمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده في الأصح ، لكن إن عجز عن مؤنته فلسيده منعه . وعبارة م ر : للمكاتب أن يعتكف بلا إذن إن أمكن كسبه في المسجد أو كان لا يخلّ به أي بكسبه بأن يعتكف ليلاً ، والمبعض كالقنّ إن لم تكن مهايأة فإن كانت فهو في نوبته كالحر وفي نوبة سيده كالقنّ اه .
قوله : ( ولو غير مقيد بمدة ) هذا التعميم غير مستقيم ق ل ؛ لأن مراد المصنف بيان ما يقطع التتابع وما لا يقطعه ، فكلامه مقيد بالمدة والتتابع ؛ لأن المطلق ، أعني الذي لم يقيد بمدة له الخروج منه مطلقاً لأنه يكفي فيه لحظة والمقيد بمدة من غير تتابع ، كذلك يجوز له الخروج منه مطلقاً كأن نذر اعتكاف ثلاثين يوماً ، وأما إذا نذر شهراً معيناً فهو كالمشروط تتابعه كما في شرح المنهج خلافاً لما في المحشي . وأجاب المرحومي نقلاً عن شيخه ع ش عن التعميم بأن المراد أنه لا يخرج عن الاعتكاف المطلق ، أعني الذي لم يقيد بمدة ولا تتابع مع قصد بقائه على اعتكافه ؛ لأنه ينقطع بخروجه .(3/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
قوله : ( من بول ) وإن كثر خروجه لذلك ، ولا يشترط أن يصل إلى حد الضرورة اه م ر . وعبارة ق ل : قوله من بول الخ قيد الحاجة بذلك لأنه المعهود ، ومنها ما شرط في نذره الخروج له من عارض مقصود مباح غير مناف للاعتكاف كصلاة جنازة وعيادة مريض ، ويجري مثل ذلك في الصوم والصلاة .
قوله : ( وغائط ) أي وريح .
قوله : ( وما في معناهما ) يحتمل أنه جعله من تفسير الحاجة فيشمل الأكل والشرب ونحوهما . ويحتمل أنه زائد على معنى حاجة الإنسان وأن حاجة الإنسان هي البول والغائط ؛ لأن ذلك هو الحاجة المعهودة ، ويكون أشار بقوله وما في معناهما إلى أن حاجة الإنسان ليست قيداً .
قوله : ( ولا له دار ) أي أو فحش ولا له دار أخرى الخ .
قوله : ( أو فحش ولم يجد ) كان الأقعد أن يقدم ذلك على قوله ولا له دار أخرى ويكون نظم العبارة : أو فحش ولم يجد مكاناً لائقاً به ولا له دار أخرى أقرب . فالحاصل أن الدار الفاحشة مغتفرة بشرط نفي أمرين .
قوله : ( كسقاية المسجد ) أي إن كان يحتشم من ذلك . والمراد بالسقاية هنا المحل المعدّ لقضاء الحاجة فيه ، وهو ما فيه الميضأة بكسر الميم مهموز مقصور لا موضع الاستقاء أي الشرب ، وهذا اصطلاح الفقهاء وإِلا ففي المصباح : السقاية بالكسر الموضع الذي يتخذ لسقي الناس .
قوله : ( لاغتنائه بالأقرب ) أي واحتمال أن يأتيه البول ، وقوله واحتمال الخ في الثانية أي ولاغتنائه باللائق ، فقد حذف من كل ما أثبته في الآخر فهو احتباك .
قوله : ( لذلك ) أي لقضاء الحاجة .
قوله : ( منه ) أي من التبرز .
قوله : ( بخلاف ما لو خرج له ) أي للوضوء .(3/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
قوله : ( فلا يجوز ) بمعنى أنه ينقطع به التتابع .
قوله : ( أكثر الوقت ) أي المنذور من غير نظر لكل يوم بيومه ، وذلك لا يعرف إِلا بمضيّ المدة بتمامها كما قاله زي وع ش ، فإذا كانت المدة المنذورة شهراً وكان يخرج كل يوم للتبرز لداره فلما مضت المدة وجمعت الأزمنة التي كان يخرج فيها كل يوم للتبرز فوجدت ستة عشر يوماً فأكثر كان هذا فحشاً وإن كانت خمسة عشر فأقل كان هذا غير فحش فلا يضر ؛ قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( في التبرز إلى الدار ) عبارة شرح المنهج : في التردد إلى الدار ؛ وهي أولى .
قوله : ( ولو عاد مريضاً ) صنيعه يقتضي أن الخروج ابتداء لعيادة المريض يقطع التتابع ، ومثله الخروج للصلاة على الجنازة ، ابن شرف على التحرير ، وهو كذلك .
قوله : ( فإن طال ) بأن زاد على قدر صلاة الجنازة ، أي أقل مجزىء منها ، أما قدرها فمحتمل لجميع الأغراض ، مرحومي وح ل وح ف .
قوله : ( بأن كانت لا تخلو عنه غالباً ) بأن كانت أكثر من خمسة عشر يوماً . ويوجه بأنه متى زاد زمن الاعتكاف على أقل الطهر كانت معرضة لطروق الحيض فعذرت لأجل ذلك ، وإن كانت تحيض وتطهر غالب الحيض والطهر ؛ لأن ذلك الغالب قد يختلف اه شرح م ر ملخصاً . ويجب العود فوراً بعد فراغ كل عذر لا يقطع التتابع وإِلا بطل التتابع ق ل .
قوله : ( أو جنابة ) أي غير مفطرة كما يأتي ، كأن حصلت باحتلام أو نظر أو فكر . أما المفطرة فتقطع التتابع .
قوله : ( حينئذ ) أي حين الحيض والنفاس والجنابة .
قوله : ( أو عذر مرض الخ ) الإضافة بيانية ، فإذا لم يخرج من المسجد حسب زمن المرض أو الإغماء دون الجنون لأن المجنون ليس أهلاً للعبادة .(3/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
قوله : ( راتب ) وكذا نائبه .
قوله : ( إلى منارة ) بفتح الميم وجمعها مناور وهو القياس لأنها من النور ، ويجوز منائر بالهمز تشبيهاً للأصلي بالزائد كما همزوا مصائب مع أن أصله مصاوب ، وما نقل عن سيبويه أن ذلك غلط يتعين تأويله فقد قرىء معائش بالهمز شرح عب . وقوله وهو القياس لأن حرف المد إذا وقع ثالثاً في المفرد وكان أصلياً يصحح ولا يبدل همزاً ، بخلاف ما إذا كان زائداً فإنه يبدل همزاً . قال ابن مالك :
والمد زيد ثالثاً في الواحد
همزا يرى في مثل كالقلائد ومنارة أصلها منورة بوزن مفعلة نقلت حركة الواو إلى النون ، ثم قيل تحركت الواو سابقاً وانفتح ما قبلها الآن فقلبت ألفاً فصار منارة ، ومثلها معيشة فيقال : مناور ومعايش ، بالواو في الأول وبالياء في الثاني . وأما قراءة معائش بالهمز فشاذة اه م د .
قوله : ( منفصلة عن المسجد ) بأن لا يكون بابها فيه ولا في رحبته شرح م ر . أما منارة المسجد المتصلة به إن كان بابها فيه أو في رحبته فلا يضر صعودها ولو لغير الأذان وإن خرجت عن سمت بناء المسجد وتربيعه ، إذ هي في حكم المسجد كمنارة مبنية فيه مالت إلى الشارع ، فيصح الاعتكاف فيها وإن كان المعتكف في هواء الشارع ، اه عبد البر .
قوله : ( للأذان ) ومثل الأذان ما اعتيد الآن من التسبيح أواخر الليل من طلوع الأولى والثانية كما قاله ق ل ، بخلاف ما يفعل يوم الجمعة قبل الزوال من قراءة العشور والسلام فلا يعذر في الخروج له اه عبد البر على التحرير ، وانظر الفرق .
قوله : ( لأنها مبنية له ) هذا جري على الغالب ، إذ إضافة المنارة إليه للاختصاص ؛ حتى لو بنيت له ثم خرب المسجد فجدد مسجد قريب منها واعتيد الأذان عليها فحكمها حكم المبنية له شرح م ر .
قوله : ( وقد اعتاد الراتب الخ ) أي المؤذن صعوده ، يؤخذ منه أنه يقطع التتابع بخروجه للأذان أول مرة . وظاهره أنهما جزءان من العلة ، وجعل في شرح المنهج هذين العلتين شرطين ، فالشروط سبعة : أن تكون المنارة مختصة بالمسجد ، وأن تكون منفصلة عنه ، وأن تكون قريبة منه ، وأن يكون المؤذن راتباً ، وأن يكون قد ألف صعودها للأذان ، وأن يكون قد ألف الناس صوته ، وأن يخرج للأذان اه .
قوله : ( وألف الناس صوته ) أي اعتادوه وإن لم توجد حقيقة الأنس المعروف اه إطفيحي .(3/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
قوله : ( فيعذر فيه ) وبحث الأذرعي امتناع الخروج للمنارة فيما إذا حصل الشعار بالأذان يظهر السطح لعدم الحاجة إليها وكالمنارة محل بقرب المسجد اعتيد الأذان عليه ويحصل به الإعلام عالياً كان أو غير عال ، شرح م ر .
قوله : ( كزمن حيض ) أي لا تخلو عنه المدة كما سبق .
قوله : ( بخلاف ما يطول زمنه ) هذا تقدم ، وإنما أعاده لاشتماله على زيادة وهي المرض والعدة .
قوله : ( وعدة ) أي وخروج المرأة المعتكفة لأجل قضائها عدة لوجوبه أي القضاء عليها في مسكنها ، فإن لم تخرج عصت وصح اعتكافها . ويوجه بأن الحرمة لأمر خارج لا لذات الاعتكاف ، والمراد بقوله وعدة أي لم تكن باختيارها ، فإن كانت باختيارها أبطلت الاعتكاف كأن قال لها : إن شئت فأنت طالق ، فقالت وهي معتكفة : شئت .
قوله : ( ويبطل بالوطء الخ ) حاصل ما يبطله تسعة الوطء والإنزال والسكر المتعدي به والردّة والحيض ، أي إذا كانت مدة الاعتكاف تخلو عنه كخمسة عشر يوماً فأقل والنفاس على ما تقدم والخروج من غير عذر والخروج لاستيفاء عقوبة ثبتت بإقراره وكذا الخروج لاستيفاء حق ما طل به والخروج لعدة باختيارها ، فمتى طرأ واحد من هذه على الاعتكاف المنذور المقيد بالمدة والتتابع أبطله وخرج منه ووجب الاستئناف وإن أثيب على ما مضي في غير الردة وإن كان مقيداً بمدة من غير تتابع ؛ فمعنى بطلانه أن زمن ذلك لا يحسب من الاعتكاف فإذا زال ذلك جدد النية وبنى على ما مضي وإن كان مطلقاً ؛ فمعنى بطلانه أنه انقطع استمراره ودوامه ولا بناء ولا تجديد نية وما مضي معتدّ به وحصل به الاعتكاف . ونظمها م د بقوله :
وطء وإنزال وسكر رده
حيض نفاس لاعتكاف مفسده
خروجه من مسجد وما عذر
كذاك لاستيفا عقوبة المقر
وبخروجه اعتكافه بطل
بأخذ حق يا فتى به مطل
والحاصل أن الطارىء على الاعتكاف المتتابع إما أن يقطع تتابعه أو لا ، والذي لا يقطع(3/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
تتابعه إما أن يحسب من المدة ولا يقضي أو لا ، فالذي يقطعه هذه التسعة المذكورة والذي لا يقطعه ويقضي كالجنابة غير المفطرة إن بادر بالطهر والمرض والجنون والحيض الذي لا تخلو عنه المدة غالباً والعدة التي بغير اختيارها والذي لا يقضي الإغماء والتبرز والأكل وغسل الجنابة وأذان الراتب . واعلم أن الوطء والمباشرة بشهوة حرام في المسجد مطلقاً ولو من غير معتكف ، وكذا خارجه في الاعتكاف الواجب دون المستحب لجواز قطعه . ولا يبطل اعتكافه بغيبة أو شتم أو أكل حرام ، نعم يبطل ثوابه كما في الأنوار . ولو نوى الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه لم يبطل كالصوم ؛ م د ملخصاً .
قوله : ( ذاكر ) بالجر صفة لعالم ، وبالنصب حال منه ؛ لأنه وإن كان نكرة تخصص بالعمل في قوله بتحريمه ، اه م د .
قوله : ( أم خارجه ) أي عند خروجه لعذر لا ينقطع فيه التتابع ق ل ؛ لأن حكم الاعتكاف منسحب عليه .
قوله : ( وأما المباشرة بشهوة ) أي لما ينقض لمسه الوضوء ، فلا يبطل بلمس غيره ولو بشهوة وإن أنزل كالصوم اه ق ل . والذي في شرح م ر : أنه إذا لمس ما لا ينقض لمسه كالمحرم بشهوة وأنزل بطل اه ، وإطلاق الشارح يوافقه .
قوله : ( وإِلا فلا تبطله لما مر ) هو قوله لأنه يفطر بالوطء بلا إنزال ، فبالإنزال مع نوع شهوة أولى .
قوله : ( فإنه لا يبطل ) محله إن لم تكن عادته الإنزال بهما كما في الصوم أ ج .
قوله : ( أو نحوه ) كالشفقة .
قوله : ( والاستمناء ) أي وإن لم يكن بمباشرة ، وقوله كالمباشرة أي بشهوة ، فإن أنزل بطل الصوم وإِلا فلا .
قوله : ( ولو جامع الخ ) المناسب أن يقول : وخرج بقيد العامد العالم ما لو جامع الخ .
قوله : ( تركه ) أي المذكور من التطيب وما بعده .(3/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
قوله : ( كرهت ) كالمعاوضة بلا حاجة وإن قلّت ، أي إن اتخذه حانوتاً بلا إزراء فإن أزرى حرم . وبهذا يجمع بين الكلامين زي وقوله لحرمته أي المسجد . ويسن لمن رأى من يبيع في المسجد أن يقول له : لا أربح الله تجارتك اه شيخنا .
قوله : ( ويغسل يديه فيه ) أي في المسجد أي إن كانت أرضه ترابية تشرب الماء وإِلا حرم للتقذير .
قوله : ( في طست ) بفتح الطاء المهملة وبعدها سين مهملة أو معجمة ، ويقال فيه طس وطسة بفتح الطاء وكسرها ، نص على ذلك صاحب القاموس . وهي مؤنثة ويجوز تذكيرها ، قال الزجاجي : التأنيث أكثر في كلام العرب ؛ وقد جرى الشارح عليه حيث قال : أو نحوها .
قوله : ( ويجوز نضحه ) أي رشه أي ما لم يحصل منه تقذير ، وإِلا حرم .
قوله : ( لاتفاقهم على جواز الوضوء فيه ) قال م ر : يحمل قول من قال بالحرمة على ما إذا أدى لاستقذار المسجد والجواز على خلافه .
قوله : ( إذا لم تكن بفعله ) قيد في الغاية فقط فإنه يعفى عن الكثير إذا لم يكن بفعله ، فإن كان بفعله عفي عن قليله فقط . قال م ر في شرحه : ويحرم أيضاً إدخال نجاسة فيه من غير حاجة ، فإن كانت فلا بدليل جواز إدخال النعل المتنجس فيه مع أمن التلوث .
قوله : ( أوف بنذرك ) اعترض بأن شرط الناذر الإسلام وعمر لم يكن إذ ذاك أسلم .(3/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
وأجيب باحتمال أن إسلام الناذر لم يكن شرطاً للنذر في أول الإسلام كما أجيب بمثله في صحة إسلام عليّ حال صباه وبأنه على حذف مضاف أي أوف بمثل نذرك اه م د .
قوله : ( لم يكن يخرج لذلك ) أي للعيادة .
قوله : ( الأجانب ) أي غير الأصدقاء وغير الجيران بدليل ما بعده ، فاندفع قول ق ل : مقتضى كلامه بل صريحه أن الأصدقاء والجيران ليسوا من الأجانب ؛ وهو غير مستقيم . والجار يشمل المسلم والكافر ، فهل هو كذلك ؟ وما المراد به ؟ فراجعه اه .
قوله : ( وهذا هو الظاهر ) وهو المعتمد ، فالخروج من الاعتكاف في هذا مندوب وفيما قبله غير مندوب ؛ والوجه أن يقال : يراعى ما هو أكثر ثواباً منهما اه ق ل .(3/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
كتاب الحج
أي والعمرة ؛ لأن المصنف ترجم شيء وزاد عليه ولا يعد عيباً ع ش . وأعماله كلها تعبدية ، وقد يذكر لها بعض حكم . واختص وجوده بأفضل البلاد ق ل . وهو آخر أركان الإسلام ، وأخّره عن الصوم نظراً للقول بأن الصوم أفضل ولكثرة أفراد من يجب عليه الصوم واقتداء بالحديث . وأركان الإسلام تنقسم ثلاثة أقسام : بدني محض كالشهادتين والصلاة والصوم ، وماليّ محض كالزكاة ، ومركب منهما وهو الحج . واعترض بأن المال خارج عن الحج لأن الحج كله أعمال . واعترض أيضاً كون الزكاة مالياً محضاً لأنها تحتاج للنية . والحج يكفر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن مات في حجه أو بعده وقبل تمكنه من أدائها كما قاله زي ، قال ع ش : وتكفيره لما ذكر إنما هو لإثم الإقدام لا لسقوط حقوق الآدميين ، بمعنى أنه إذا غصب مالاً أو قتل نفساً ظلماً وعدواناً غفر له إثم الإقدام على ما ذكر ووجب عليه القود ورد المغصوب إن تمكن ، وإِلا فأمره إِلى الله تعالى في الآخرة ، ومثله سائر حقوق الآدميين . وهو بعيد مخالف لكلام زي ، وكلام الزيادي هو المشهور . وسئل م ر عن مرتكب الكبائر الذي لم يتب منها إذا حج : هل يسقط وصف الفسق وأثره كردّ الشهادة أو يتوقف ذلك على توبة ؟ فأجاب بأنه يتوقف على التوبة مما فسق به اه . وعبارة الرحماني : ولو قلنا بتكفير الصغائر والكبائر إنما هو بالنسبة لأمور الآخرة حتى لو أراد شهادة بعده فلا بد من التوبة والاستبراء سنة اه . قال ابن العماد في كشف الأسرار : وحكمة تركب الحج من الحاء والجيم إشارة إلى أن الحاء من الحلم والجيم من الجرم ، فكأنّ العبد يقول : يا رب جئتك بجرمي أي ذنبي لتغفره بحلمك اه . وللحج فضائل لا تحصى : منها خبر : ( مَنْ جَاءَ حَاجًّا يريدُ وَجْهَ الله تعالى فَقَدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وما تَأَخَّر ويُشَفَّعُ فيمن دَعَا له ) وخبر ( مَنْ قَضَى نُسُكَهُ وَسَلِمَ الناسُ من لسانه ويَدِهِ غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تأخّر ) وروى ابن حبان عن ابن عمر أن النبي قال : ( إِن الحاجُّ حين يخرُجُ مِنْ بَيْته لم يَخْطُ خُطْوَةً إِلا كَتَبَ الله له بها حَسَنَةً وحَطَّ عنه بها خَطِيئَةً ، فإذا وقَفُوا بعَرَفَاتِ باهَى الله بهم ملائكته يقول : انْظُرُوا إلى عبادي أتَوْني شُعْثاً غُبْراً ، أَشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ ذُنُوبهم وإِن كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجَ ، وإِذا رَمَى الجِمَارَ لم يَدْرِ أَحَدٌ ماله حتَى يتوفَّاهُ الله تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ ، وإِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ فله بكل شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ القيامة ، فإذا قَضَى آخِرَ طَوَافه بالبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُهُ ) اه .
قوله : ( قصد الكعبة الخ ) أي مع فعل أفعال الحج ع ش . فاندفع ما يقال إن كلامه يقتضي(3/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
أن الحج الشرعي قصد الكعبة للنسك الآتي وإن لم يأت القاصد بالأركان . وعبارة م ر بعد قوله قصد الكعبة الخ : واعترضه ابن الرفعة بأنه نفس الأفعال ، واستدل بخبر : ( الحَجُّ عَرَفَةُ ) ومعلوم أن الموافق للغالب الأول وهو قصد الكعبة الخ ، من أن المعنى الشرعي يكون مشتملاً على المعنى اللغوي وزيادة ولا دلالة له في الخبر ؛ لأن معناه معظم المقصود منه عرفة ، لكن يؤيده قولهم أركان الحج خمسة أو ستة . ويجاب بأن هذه أركان للمقصود لا للقصد الذي هو الحج ، فتسميتها أركان الحج على سبيل المجاز أي أركان المقصود منه وهو الأفعال . ووقع السؤال عما يقع كثيراً في مخاطبات الناس بعضهم لبعض من قولهم لمن لم يحج يا حاج فلان تعظيماً له هل هو حرام أو لا ؟ والجواب عنه أن الظاهر الحرمة لأنه كذب ، فإن معنى يا حاج ، يا من أتي بالنسك على الوجه المخصوص . نعم إن أراد بيا حاج المعنى اللغوي وقصد به معنى صحيحاً كأن أراد بيا حاج يا قاصد التوجه إلى كذا كالجماعة أو غيرها فلا حرمة ، ع ش على م ر .
قوله : ( ولله على الناس حج البيت ) لم يستدل بها أي وحدها على وجوبه للاختلاف في الإعراب ، فقيل حج مبتدأ ولله خبره ، ومن فاعل بالمصدر . وردّ بأن معناه : ولله على جميع الناس أن يحج المستطيع منهم ، وليس كذلك إذ الإنسان ، لا يجب عليه فعل غيره إذ ليس في وسعه . وقيل من مبتدأ والخبر محذوف تقديره : من استطاع منهم فعليه ذلك . وقيل شرطية ، وجوابها محذوف تقديره : فليحج . والراجح أن من بدل بعض من الناس مخصص والرابط محذوف تقديره : منهم لكن يلزم عليه الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي وهو حج الواقع مبتدأ . وأجيب بأن حقه التقديم لأنه مبتدأ اه رحماني م د . وقوله حج البيت حج البيت عبارة عن أركان الحج ، وخص البيت لأنه المقصود والطواف به أفضل الأركان وغيره تبع له .
قوله : ( حج البيت ) فإن قلت : لم قصر الحج على البيت فقط مع أنه يزيد على ذلك كالوقوف والسعي ؟ وأيضاً ورد الحَجُّ عَرَفَةُ ؟ فالجواب أن البيت هو المقصود بالذات لشرفه على غيره ، وغيره إنما هو مقصود تبعاً له ، وأما قوله الحج عرفة فمعناه أن معظم توابع هذا المقصود بالذات إنما هو عرفة . ويندب للحاج الدعاء لغيره بالمغفرة وإن لم يسأل ولغيره سؤال الدعاء منه بها وذكر أنه أي الدعاء يمتد أربعين يوماً من قدومه ، ق ل على المحلي .
قوله : ( بني الإسلام على خمس ) أي من خمس فعلى بمعنى من . وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام ، فكيف يكون الإسلام مبنياً عليها والمبني لا بد أن يكون غير المبنى عليه ؟ ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه اه ذكره الشمني على المغني .
قوله : ( حجوا ) أي ائتوا بالحج وقوله قبل أن لا تحجوا ، أي قبل أن تمنعوا من الحج .(3/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
وقوله أن تقعد تفسير لقوله أن لا تحجوا . وقوله الأودية جمع واد وهو ما بين الجبلين ، والمراد هنا ما هو أعم . وقوله السبيل أي المرور في الطريق .
قوله : ( وهو من الشرائع القديمة ) ينبغي أن يكون هذا بمعناه اللغوي ، أما بهذه الهيئة المخصوصة فمن خصائص هذه الأمة كما يدل له ما بعده ق ل . وقال بعضهم : قوله وهو من الشرائع القديمة أي بالنظر للمعنى الذي يذكر بعد وهو الطواف بالبيت ، وعبارة الإطفيحي على المنهج : والحج من الشرائع القديمة ، أي فليس من خصوصيات هذه الأمة ، بل القول بذلك غريب بل وجب على غيرها أيضاً لما ورد : ( مَا مِنْ نبيَ إِلا وَحَجَّ ) لأن الغالب أن ما وجب على الأنبياء يجب على أممهم خلافاً لما استثنى من الأنبياء هوداً وصالحاً كصاحب المواهب ، فهي مقالة لم يتابع عليها . ودخل في عموم الأنبياء عيسى ولعل حكمةً استثنائه هوداً وصالحاً على القول به اشتغالهما بأمر قومهما .
قوله : ( أن الملائكة كانوا يطوفون ) هذا لا يدل على أن الحج من الشرائع القديمة ، وإنما يدل على أن الطواف من الشرائع القديمة اه م ر ، إِلا أن يقال محل الاستدلال قوله : لما حج آدم .
قوله : ( إن أول من حج ) أي من البشر ، فلا ينافي قول جبريل المارّ . وفيه أنه لا يدل على كونهم يحجون بل يطوفون .
قوله : ( وأنه حج أربعين سنة من الهند ماشياً ) على رجليه ، قيل لمجاهد : أفلا كان يركب ؟ قال : وأي شيء كان يحمله ؟ وقوله بعد إبراهيم ليس قيداً أخذاً مما قبله ، أو المراد بعد طلبه لقوله : ) وأذن في الناس بالحج } ) الحج : 27 ) ق ل . وقوله طلبه أي لخفائه بسبب الطوفان فعند ذلك أرسل الله سحابة بقدر البيت فبنى عليها كما قرره شيخنا . وقوله بعد إبراهيم لعله استند في ذلك لظاهر قوله تعالى : ) وأذن في الناس بالحج } ) الحج : 27 ) الخ ، وإِلا فالحديث المتقدم وهو قوله : ( ما مِنْ نَبيَ إِلا وحَجَّ ) شامل لما قبل إبراهيم ع ش . وذكر بعض الأفاضل ما نصه : وأما سبب بناء الخليل صلوات الله وسلامه عليه ، فعن مجاهد أن موضع البيت قد خفي ودرس من الغرق أيام الطوفان فصار موضعه أكمة حمراء(3/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
مدرة لا تعلوها السيول ، غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هناك ولا يعينونه ؛ وكان المظلوم يأتيه من أقطار الأرض ويدعو عنده فقلّ من دعا هناك إِلا استجيب له . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن الناس كانوا يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوّأه الله لخليله إبراهيم عليه السلام وأعلمه مكانه . ويروى أنه لما بوّأ الله تعالى لخليله مكان البيت وأمره ببنائه أقبل من الشأم وسنه يومئذ مائة سنة وسن ابنه اسماعيل ستة وثلاثون ، وأرسل الله معه السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان وفي رواية : كأنها غمامة في وسطها من أعلى كهيئة الرأس تتكلم وكانت بمقدار البيت فلما انتهى الخليل إلى مكة وقفت في موضع البيت ونادت : يا إبراهيم اْبنِ على مقدار ظلي لا تزد ولا تنقص وفي الرواية الأخرى أنها تطوّقت بالأساس كأنها حية . ثم إن الخليل لما انتهى في البناء إلى موضع الحجر الأسود طلب من إسماعيل حجراً يضعه ليكون علماً على بدء الطواف ، فجاءه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود من جبل أبي قبيس لأن الله تعالى استودعه إياه لما غرقت الأرض ؛ وفي رواية أن الحجر نفسه نادى الخليل من أبي قبيس : ها أنا ذا فرقي إليه فأخذه فوضعه في موضعه ، وقيل : إن الجبل ناداه فقال له : يا إبراهيم لك عندي أمانة فخذها وجعل الخليل طول البيت في السماء تسعة أذرع بتقديم التاء ، ولعله بمقدار ما بني وإِلا فطوله الآن سبعة وعشرون ذراعاً ، ويمكن أن تكون أذرع سيدنا إبراهيم عليه السلام طويلة ، وعرضه على أساس آدم من الركن الأسود إلى الركن الشامي اثنان وثلاثون ذراعاً ، ومن الشامي إلى الغربي اثنان وعشرون ذراعاً ، ومن الغربي إلى اليماني أحد وثلاثون ذراعاً ، ومن اليماني إلى الأسود عشرون . وجعل بابه بالأرض غير مبوّب لنا ، حتى كان تبع الحميري هو الذي جعل له باباً وغلقاً فارسياً . ولما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أوحى الله تعالى إليه أن أذن في الناس بالحج فقال : يا رب وما يبلغ صوتي ؟ فقال : أذن وعليّ البلاغ فنادى إبراهيم عليه السلام على المقام بأعلى صوته : يا أيها الناس إِن الله كتب عليكم الحج فحجوا فسمعه من في السماء ومن في الأرض حتى من في الأصلاب والأرحام ، فمن أجاب مرة حج مرة ، ومن أجاب مرتين حج مرتين ، ومن أجاب ثلاثاً حج ثلاثاً ، ومن أجاب أكثر من ذلك حج بعدده . وقد نظم بعضهم جملة من بنى البيت فقال :
بنى بيت رب العرش عشر فخذهم
ملائكة الله الكرام وآدمُ
فشيثٌ فإبراهيم ثم عمالق
قصيّ قريش قبل هذين جرهمُ
وعبد الإله بن الزبير بنى كذا
بناء لحجاج وهذا متممُ
وقوله ( بناء الحجاج ) أي بجانب الحجر فقط بأمر عبد الملك بن مروان ، وبعض البناء كان ترميماً .(3/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
قوله : ( أن الصحيح أنه لم يجب إِلا على هذه الأمة ) قال م ر بعد نقل ذلك : لكن قال جمع إنه غريب بل وجب على غيرها أيضاً اه أ ج ، فسقط قول ق ل ؛ ولم يرد ما يناقض تلك الدعوة .
قوله : ( والمشهور أنه بعدها ) هو المعتمد لأن سائر العبادات شرعت بعد الهجرة إِلا الصلاة كما ذكره م د قال ح ل في السيرة ، وفي كلام ابن الأثير : كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر . وفي كلام ابن الجوزي حج صلى الله عليه قبل النبوة وبعدها حججاً لا يعلم عددها وكانت تطوعاً .
قوله : ( أن الحج على التراخي ) وذهب مالك وأحمد إلى أنه على الفور ، وأما أبو حنيفة فليس له نص في ذلك ؛ وإنما اختلف فيه صاحباه فذهب محمد إلى أنه على التراخي كالشافعي وأبو يوسف إلى أنه على الفور كمالك وأحمد اه إطفيحي . واعلم أنه حيث تحقق الوجوب بأن اجتمعت شرائطه المذكورة فهو على التراخي ؛ لكن يسن تعجيله خروجاً من خلاف من أوجب الفور ، لكن لو مات قبل أدائه تبين عصيانه من السنة الأخيرة من سني الإمكان حتى لو شهد شهادة ولم يحكم بها حتى مات لم يحكم بها كما لو بان فسقه وإن استشكل بأنه فسق مختلف فيه ، فلو كان حكم بها فينبغي أن يقال : إن كان الحكم بها قبل آخر سني الإمكان لم ينقض أو بعده نقض لتبين فسقه عند الشهادة . وهل المراد بالسنة الأخيرة أولها أو آخرها أو غير ذلك ؟ فيه نظر ، ويتجه أن المراد بها زمن إمكان الحج على عادة بلده وكموته فيما ذكر عضبه ، فيتبين بعده فسقه في آخر سني الإمكان وفيما بعدها إلى أن يحج عنه ويجب عليه الاستنابة فوراً ؛ ويستثني من كونه على التراخي ما لو خشي الغضب بشهادة عدلين أو الموت كما قاله الروياني وغيره ، أو هلاك ماله ؛ سم مع بعض تصرف .
قوله : ( وقيل في السنة السادسة ) وجمع بينهما بأن الفرض وقع سنة خمس والطلب إنما توجه سنة ست أ ج ، أي دليل الفرض نزل سنة خمس وتوجه الطلب سنة ست .
قوله : ( ولا يجب بأصل الشرع إِلا مرة واحدة ) فإن قلت : فلأيّ شيء لم تجب العمرة والحج إِلا مرة واحدة في العمر ؟ ولم لم يتكرر كالصلوات والصوم والزكاة والطهارة ؟ فالجواب : إنما فعل الحق ذلك رحمة بخلقه من حيث إن رحمته سبقت غضبه ، فخفف فيهما(3/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
لعظم المشقة في فعلهما غالباً ، لا سيما من أتي من مسيرة سنة ؛ بخلاف الطهارة والصلاة والصوم وغيرها . وإنما قال بعض الأئمة باستحباب العمرة لا وجوبها لأنها داخلة في أفعال الحج فكانت كالنوافل مع الفرائض ، ثم إن في ذلك بشارة عظيمة لنا بغفران ذنوبنا السابقة واللاحقة إذا حججنا مرة واحدة في العمر ولولا هذه المغفرة لكرر الحق تعالى علينا الحج كل سنة مثلاً ليغفر لنا ذنوب كل سنة بذلك الحج ، فافهم ؛ ذكره العلامة الشعراني . وقول الشارح : ولا يجب أي عيناً ، وإلا فهو فرض كفاية كل عام . والحاصل أن النسك إما فرض عين على من لم يحج بشرطه ، أو فرض كفاية لإحياء الكعبة ، أو تطوع ويتصوّر في الأرقاء والصبيان ؛ إذ فرض الكفاية لا يتوجه إليهم شرح م ر .
قوله : ( لم يحج بعد فرض الحج الخ ) وهذا أدل دليل على عدم الفورية أ ج . فإن قلت : قد يكون تأخيره إنما كان لعذر الخلافة واشتغاله بأمرها ؟ قلت : قال م ر في شرحه : كان مع النبي صلى اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; تعالى عليه وسلم مياسير لا عذر لهم .
قوله : ( حجة الوداع ) ويقال لها حجة البلاغ وحجة الإسلام ؛ لأنه ودع الناس فيها ولم يحج بعدها ، ولأنه ذكر لهم ما يحل وما يحرم وقال لهم : ( هل بَلّغْتُ ؟ ) قالوا : نعم . ولأنه لم يحج من المدينة غيرها وكانت في السنة العاشرة من الهجرة .
قوله : ( لعامنا ) أي هذا فقط .
قوله : ( الآمر ) بالمدّ والرفع صفة لحديث .
قوله : ( لقوله ) فيه أنه لا يدل على ما ذكر لأنه لا يصدق بكون الثلاثة متوالية .
قوله : ( داين ربه ) أي جعل لنفسه ديناً على ربه . والمراد أنه ادخر ثواباً عند ربه زائداً على ما أعدّ له فكان كالدين .
قوله : ( حرم الله شعره وبشره على النار ) أي إن استمر على توبته ، ومع كونه كذلك فالصلاة أفضل منه خلافاً للقاضي حسين حيث قال : إنه أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن ؛ ولأنا دعينا إليه ونحن في أصلاب الآباء كالإيمان الذي هو أفضل العبادات اه م د .
قوله : ( وقد يجب أكثر من مرة ) مفهوم قوله بأصل الشرع .
قوله : ( وقضاء عند إفساد التطوع ) وأما عند إفساد حجة الإسلام فالواجب هو بدل ما أفسده ، فكأنه ما وجب إِلا مرة .(3/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
قوله : ( والعمرة ) سميت عمرة لأنها تفعل في العمر كله مرة م ر .
قوله : ( فرض ) أي استقلالاً .
قوله : ( في الأظهر ) ومقابله أنها تدخل في الحج كالوضوء فإنه يدخل في الغسل . وردّ بأنهما أصلان فلا يغني الحج عنها وإن اشتمل عليها ، وإنما أغني الغسل عن الوضوء لأن الوضوء بدل عن الغسل لأن الغسل كان واجباً لكل صلاة ؛ قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) إنما أتي بلفظ لله مع أن كل الأعمال من حج وغيره لله ، إشارة إلى أنه يطلب فيهما إخلاص النية ، وذلك لأن الغالب فيهما الرياء والسمعة ، ومن الرياء فيه ذكر مواضعه وما يقع فيه وذلك يقع كثيراً من الناس . قال الدميري : يستحب لقاصد الحج أن يكون خليًّا من التجارة في الطريق ، فإن خرج بقصد التجارة والحج صح حجه لكن ثوابه دون ثواب الخلي عن التجارة اه . والمعتمد أنه إن غلب الباعث الأخروي أثيب بقدره ، وإِلا فلا يثاب أصلاً . ثم قال الدميري : ويجب عليه تصحيح النية فيهما ، وهو أن يريد بذلك وجه الله . روى الخطيب البغدادي عن أنس قال : قال رسول الله ( يَأْتِي على النَّاسِ زَمَانٌ يحجُّ أغنياؤهُم للنّزْهَةِ وَأَوْسَاطُهُمْ للتّجَارَةِ وَأَغْلَبُهُمْ للرِّيَاءِ والسُّمْعَةِ وفُقَرَاؤُهُمْ للمَسْأَلَةِ ) ولهذا كان عمر يقول : الوفد كثير والحاجّ قليل . وعن أبي هريرة أن النبي قال : ( إِذا كان يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ للحاجّ المُخْلِصِ ، فإذا كان لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ غَفَرَ اللَّه تعالى للتّجَّارِ ، فإذا كان يَوْمَ مِنًى غَفَرَ الله للحَمَّالين ، فإذا كان عِنْدَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ غَفَرَ اللَّه للسُّؤّالِ ) ويستحب أن يحرص على مال حلال لينفقه في سفره فإن الله طيب لا يقبل إِلا طيباً ؛ وفي الخبر : ( مَنْ حَجَّ بمال حَرَامٍ إذا لَبَّى قيل له لا لَبَّيْكَ ولا سَعْدَيْكَ وحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ ) . ومن حج بمال مغصوب أجزأه الحج وإن كان عاصياً بالغصب ، وقال أحمد : لا يجزئه اه م د على التحرير .
قوله : ( أي ائتوا بهما تامين ) لما كان ظاهر الآية يوهم أن الشروع ليس واجباً ، وأن الإتمام واجب فقط ؛ دفع هذا الإيهام بقوله أي ائتوا بهما تامين أي حال كونهما تامين ، فالمراد بالإتمام ابتداء الفرض وإكماله . ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي : وأقيموا الحج بالقاف اه م د على التحرير .
قوله : ( وأن تعتمر ) بفتح الهمزة ، أي واعتمارك خير لك .(3/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
قوله : ( اتفق الحفاظ ) قال في المجموع أيضاً ، ولا تغتر بقول الترمذي فيه حسن صحيح شرح م ر ، بل قيل إنه كذب عنه . والحفاظ جمع حافظ وهو من حفظ مائة ألف حديث .
قوله : ( وشرائط وجوب الحج سبعة ) فيه نظر ؛ لأن المعدود في كلامه ثمانية . وأيضاً جعل الزاد والراحلة وما بعدهما شروطاً للوجوب مع أنها شروط للاستطاعة . ويجاب عن الأول بأنه عدّ الزاد والراحلة واحداً ؛ وعن الثاني بأنه تجوّز وجعل شرط الشرط شرطاً . والحاصل أن شروط الوجوب في الحقيقة خمسة : الأربعة الأول والاستطاعة ؛ وقول المتن ووجوب الزاد الخ في الحقيقة شروط للشرط الخامس وهو الاستطاعة ، فتأمل .
قوله : ( بل ثمانية ) والثامن أن يثبت على الراحلة .
قوله : ( أما المرتد بعد الاستطاعة ) وكذا لو استطاع في حال ردته ق ل . وقرر شيخنا العزيزي ما نصه : وأما لو استطاع في الردة فإن النسك يستقر في ذمته باستطاعته في الردّة ، فإذا مات مات عاصياً بعصيان آخر غير عصيان الردة ولا يقضى عنه ؛ لأن القضاء عن الميت شرطه أن يكون الميت أهلاً للمباشرة بنفسه .
قوله : ( فإن أسلم معسراً ) خرج ما لو مات مرتدًّا فلا يجوز أن يحج عنه مطلقاً ؛ لأنه عبادة بدنية ولا يمكن وقوعها عنه ، وبذلك فارق نحو الزكاة ق ل .
قوله : ( ومات قبل التمكن ) ليس قيداً ، بل بعده بالأولى .
قوله : ( فلا يمضي ) أي إذا أسلم أما إذا بقي على ردته فلا يتصوّر منه ذلك ، فقوله فلا يمضي في فاسده أي لا في حال الردة ، وهو ظاهر ؛ ولا إذا أسلم لبطلان إحرامه ، وقوله في فاسده الثواب في باطله لأن الكلام في باطله .
قوله : ( البلوغ ) لقوله : ( أيُ صَبِيَ حَجَّ وبَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى ) ويكتب للصبي ثواب ما عمله أو عمله له وليه من الطاعات ، ولا يكتب عليه معصية إجماعاً ؛ برماوي .(3/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
قوله : ( ومجنون ) أي لم يستطع قبل جنونه وإن جنّ بعد إحرامه .
قوله : ( على من فيه رق ) ومنه المبعض وإن استطاع ببعضه الحر أو كانت مهايأة ق ل لنقصه بالرق ، بدليل أنه لا تجب عليه الجمعة وإن وقعت في نوبته .
قوله : ( لأن منافعه ) فيه أن المبعض إذا كان بينه وبين سيده مهايأة ووقع الحج في نوبته لا تكون منافعه مستحقة لسيده ، إِلا أن يقال إنها مستحقة له بالقوة ؛ لأن للسيد فسخ المهايأة لكون عقدها جائزاً .
قوله : ( والخامس الاستطاعة ) جعل المصنف الشرط الخامس للوجوب وجود الزاد والراحلة معاً ، والشارح عدل عن ذلك وجعل الشرط هو الاستطاعة وأن وجود الزاد والراحلة شرطان للاستطاعة ، وعبر عنهما بشروط بلفظ الجمع ؛ وهذا غير مستقيم فلو أبقى كلام المصنف على ما هو عليه أو جعل تخلية الطريق وما بعده من شروط الاستطاعة كما في المنهاج وغيره ويكون المصنف تجوّز في عدّ شرط الشرط شرطاً لكان أولى ق ل . والحاصل أن على الشارح مسامحة من وجوه : الأول أنه ذكر الاستطاعة والمصنف لم يذكرها . والثاني : أنه جعل الزاد والراحلة شرطين للاستطاعة والمصنف جعلهما شرطين للوجوب . والثالث : قال : ولها شروط ، ولم يذكر إِلا اثنين . والرابع : أنه جعل الزاد والراحلة شرطين للاستطاعة وجعل تخلية الطريق وإمكان المسير شرطين للوجوب كالمتن مع أنهما شرطان للاستطاعة أيضاً . ويجاب عن الأول بأنه لم يزد الاستطاعة بل هي مأخوذة من ذكر الزاد وما بعده ، فكأن المتن ذكرها بالقوة . وعن الثاني بأن عذره موافقة الواقع من أنهما شرطان للاستطاعة لا للوجوب فخالف المتن لذلك . وعن الثالث بأن مراده ولها شروط أي في الواقع فصح الجمع . وعن الرابع بأن عذره في ذلك تصحيح العدد للمتن إذ لو جعلهما شروطاً للاستطاعة كاللذين قبلهما لزم كون الشروط خمسة بالنظر للاستطاعة أو أربعة بغيرها ، وكان الأظهر للشارح أن يقول : وبقي خامس وهو الاستطاعة ولها شروط سبعة ذكر الماتن منها أربعة أحدها وجود الخ ؛ وذكر الشارح ثلاثة ثم بعد ذلك يقول وبقي أي من شروط الاستطاعة خامس وسادس وسابع والسابع في الحقيقة هو الثامن لشروط الوجوب كما سيذكره الشارح ، فتأمل . وفي بعض النسخ كتابة الاستطاعة متناً بقلم الحمرة ، وهي غير مناسبة لكلام الشارح ؛ فكان الأولى للشارح أن يجعل تخلية الطريق وإمكان المسير من شروط الاستطاعة لا من شروط الوجوب . وقوله الاستطاعة ويعتبر فيها وجود شروطها في حق كل إنسان من وقت خروج أهل حج بلده إلى عودهم إليه فمتى أعسر(3/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
في جزء من ذلك فلا استطاعة ق ل . وهذا في الحي ، أما من مات بعد الاستطاعة وبعد مضي أعمال الحج وإن لم يعش إلى عودهم إلى البلد فإنه يحجّ من تركته . وعبارة م ر : فمن مات غير مرتدّ وفي ذمته حج واجب مستقر ولو بنحو نذر بأن تمكن بعد قدرته على فعله بنفسه أو غيره وذلك بعد انتصاف ليلة النحر ومضيّ إمكان الرمي والطواف والسعي إن دخل الحاج بعد الوقوف ثم مات أثم ولو شابًّا وإن لم ترجع القافلة ووجب الإحجاج عنه من تركته اه .
وقوله وذلك أي التمكن ، وقوله بعد انتصاف متعلق بأن يموت المقدر ، وجملة قوله ثم مات معطوف على قوله تمكن ، وقوله وذلك الخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لبيان التمكن ، وقوله إن دخل قيد في السعي ، وقوله إن دخل الحاج أي أهل بلده ، فإن كان عادتهم الدخول قبل الوقوف فلا يعتبر مضي زمن لأنه يفعل بعد طواف القدوم غالباً .
قوله : ( كما يعلم ذلك من كلامه ) أي من قوله وجود الزاد والراحلة ففي كلامه تجوز حيث عدّ شرط الشرط شرطاً .
قوله : ( فلا يجبان على غير مستطيع ) صريح كلامه كسائر كلامهم أنه لا عبرة بقدرة ولي على الوصول إلى مكة وعرفة في لحظة كرامة ، وإنما العبرة بالأمر العادي فلا يخاطب ذلك الولي بالوجوب إِلا إن قدر كالعادة أي بالزاد والراحلة كغيره اه . شرح حج على المنهاج ، ومثله سم في شرح المتن ؛ ونقل في حاشيته على المنهج عن شيخه الطبلاوي اختيار الوجوب ، والأقرب ما قاله ابن حجر كما ذكره ع ش على م ر . قال سم : تنبيه : قياس ما أفتى به شيخنا الشهاب م ر من أنه يجب على المدين النزول عن وظائفه بعوض إذا أمكنه ذلك لغرض وفاء الدين وجوب الحج على من بيده وظائف أمكنه النزول عنها بما يكفيه للحج بعد مؤنة عياله ذهاباً وإياباً وإن لم يكن له إِلا هي ، ولو أمكنه الحج بموقوف لمن يحج وجب ؛ والظاهر أن محله حيث لا تلحقه منه مشقة في تحصيله من نحو ناظر الوقف وإِلا فلا وجوب م ر . وفي فتاوى السيوطي : رجل لا مال له وله وظائف فهل يلزمه النزول عنها بمال ليحج ؟ الجواب : لا يلزمه ذلك ، وليس هو مثل بيع الضيعة المعدة للنفقة ؛ لأن ذلك معاوضة مالية والنزول عن الوظائف إن صححناه مثل التبرعات اه . لكن استقرب ع ش ما قاله الشهاب م ر دون ما أفتى به السيوطي . ومثل الوظائف الجوامك والمحلات الموقوفة عليه إذا انحصر الوقف فيه وكان له ولاية لإيجاره ، فيكلف إيجاره مدة تفي بمؤن الحج حيث لم يكن في شرط الواقف ما يمنع صحة الإجارة وظاهره في النزول عن الوظائف ولو تعطلت الشعائر بنزوله عنها ، وهو ظاهر لأنه لا يلزمه تصحيح عبادة غيره اها ط ف مع زيادة .
قوله : ( استطاعة مباشرة ) ويقال لها استطاعة بالنفس .(3/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
قوله : ( ولها شروط ) أي أمور لا تتحقق الاستطاعة إِلا بها ، ففي العبارة مسامحة إذ تقتضي أن الاستطاعة تتحقق وتوجد خارجاً بدون ذلك ؛ لأن المشروط يتحقق بدون شرطه والاستطاعة لا توجد إِلا بها .
قوله : ( وجود الزاد ) أي وجود ما يصرفه في الزاد بأن يكون قادراً على ثمنه ، فهذا شرط لوجود الزاد من حيث الثمن الذي يحصله كما سيأتي بعد قوله وإمكان السير من قوله ويشترط وجود ماء وزاد بمحالّ الخ شرط لوجوبه من حيث المحل ، فلا تكرار في كلام الشارح كما قرره شيخنا العشماوي . فالمراد بالوجود فيما يأتي مقابل العدم حتى لو لم يجدها بالمحال المذكورة ووجد الثمن لا يلزمه الحج .
قوله : ( وأوعيته ) بالجر عطفاً على الزاد . وقوله وكلفة معطوف على الزاد ؛ ولعله من عطف العام ، وانظر ما المراد بها ق ل ، ولعل المراد بها المؤنة .
قوله : ( حتى السفرة ) في عطفها على الأوعية بحتى المقتضي أنه يقال لها وعاء نظر ، فراجعه ق ل . ويمكن أنها وعاء حكماً لأنها تفرش لأجل وضع الطعام عليها .
قوله : ( أهل ) المراد بهم من تلزمه نفقتهم . والواو في وعشيرة بمعنى أو .
قوله : ( لم يكلف ) جواب لو . وقوله ولو كان الخ غاية لعدم التكليف . وقوله كفاية أيام أي ولو جميع أيام سفره . وقوله وإن قصر سفره بأن كان بينه وبين مكة دون مرحلتين . وقوله في يوم مراده في اليوم الأول من أيام سفره ولا عبرة فيما بعده ق ل ؛ أي على المعتمد . فعليه لو كان يكسب في اليوم الثاني دون الأول كفاية يوم لا يجب عليه الحج ، ولا عبرة بكسبه في الحضر أيضاً لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب اه أ ج .
قوله : ( وقدر في المجموع الخ ) وجه اعتبار ما بعد زوال السابع أنه حينئذ يأخذ في أسباب توجهه من الغد إلى منى ، والثالث عشر أنه قد يريد الأفضل وهو إقامته بمعنى ثلاث ليال ؛ زي .
قوله : ( زوال الخ ) قضية تحديدها بالزوالين أنها ستة ، لكن اعتبر بعضهم فيها تمام(3/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
الطرفين أي أول نهار السابع وأوّل نهار الثالث عشر تغليباً ، فعدها سبعة . وظاهر أن ما ذكر فيمن بمكة ، أما غيره فينبغي أن يعتبر في حقه مع الأيام المذكورة قدر المسافة التي بينه وبين مكة ذهاباً وإياباً سم عن شرح المهذب . ويظهر في العمرة الاكتفاء بما يسع أفعالها غالباً وهو نحو ثلثي يوم شرح م ر . وقال زي : وهو نصف يوم مع مؤنة سفره .
قوله : ( من لم ينفر الخ ) أما هو فإنها في حقه خمسة أيام ما بين زوال سابع ذي الحجة وثاني عشرة .
قوله : ( وإِلا ) أي كأن كان له كسب . وقوله منع أي الحج ، أي حرم عليه أو المعنى منع منه ، فالضمير للشخص .
قوله : ( بناء على تحريم المسألة للمكتسب ) أي لمن يقدر على الكسب ولم يكتسب بالفعل كما بحثه الأذرعي ، وهو الراجح ق ل . وذكر بعضهم أنه ضعيف ، والمعتمد أنها لا تحرم .
قوله : ( وجود الراحلة ) وهي الناقة التي تصلح لأن ترحل . وأرادوا بها هنا كل ما يصلح للركوب بالنسبة لطريقه الذي يسلكه ولو نحو بغل وحمار وإن لم يلق به ركوبه وبقر على ما صرحوا به من جواز ركوبه زي .
وقوله : ( وإن لم يلق الخ ) قد يتوقف فيه ، إِلا أن يقال الحج لا بدل له بخلاف الجمعة ، ويفرق بين ذلك وبين المعادل الآتي حيث اشترطت فيه اللياقة بأن يترتب عليه الضرر بمجالسته بخلاف الدابة ع ش على م ر . وقال ق ل على التحرير : المراد بالراحلة المركوب ولو آدمياً حيث لاق به ركوبه اه . والمراد بوجودها القدرة عليها بشراء أو نحوه .
قوله : ( بثمن الخ ) على اللف والنشر المرتب . وقوله أو أجرة مثل لا بزيادة ، وإن قلّت وقدر عليها .
قوله : ( لمن بينه وبين مكة الخ ) سواء كان رجلاً أو امرأة أو خنثى قدر على المشي أم لا .
قوله : ( يندب للقادر ) رجلاً أو امرأة م ر .
قوله : ( دون مرحلتين ) أي ولو كان بينه وبين عرفة مرحلتان كما اقتضاه كلامهم . ومقتضاه أيضاً لو قرب من عرفة وبعد من مكة لم يعتبر ، زي .(3/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
قوله : ( يلزمه الحج ) وإن كان من ذوي الهيئات أو كان امرأة على ما قاله سم ، وهو ضعيف ؛ والمعتمد أنه لا يلزمها لأن شأنها الضعف .
قوله : ( فإن لحقه بالراحلة مشقة ) أي الذكر ، أما الأنثى والخنثى فيشترط في حقهما وجود المحمل مطلقاً وأن لم يتضررا ؛ لأنه أستر لهما كما في شرح المنهج . فهذا التفصيل إنما هو في الرجل وإن كان كلام الشارح خلاف ذلك . وقد يجاب عن الشارح بأن قوله في حق الرجل متعلق بمحذوف تقديره ومحل اشتراط المحمل في حق الرجل إذا تضرر . وقوله ولأنه الخ تعليل لمحذوف تقديره : وأما المرأة والخنثى فيعتبر في حقهما المحمل مطلقاً وإن لم يتضررا لأنه أستر الخ . ففي كلام الشارح حينئذ ضعف ، فتأمل .
قوله : ( مشقة شديدة ) وهي في هذا الباب ما يبيح التيمم اه م ر . أو يحصل به ضرر لا يحتمل عادة ، شرح حج .
قوله : ( محمل ) بوزن مسجد أو منبر فهو بفتح الميم الأولى وكسر الثانية أو بالعكس .
قوله : ( وهو الخشبة ) أل للجنس فتصدق بالمتعدد . وعبارة م ر : وهو خشب أو نحوه يجعل في جانب البعير للركوب فيه . قال ق ل : وهو المعروف بالشقدف .
قوله : ( واشترط شريك ) أي وجوده ، ويشترط أن لا يكون الشريك فاسقاً ولا مشهوراً بنحو جنون أو خلاعة ولا شديد العداوة له فيما يظهر أخذاً مما يأتي في الوليمة ، بل أولى ؛ لأن المشقة هنا أعظم لطول مصاحبته . واشترط أن لا يكون به نحو برص وأن يوافقه على الركوب بين المحملين إذا نزل لقضاء حاجته . زي .
قوله : ( وإن وجد مؤنة المحمل ) غاية .
قوله : ( أو كانت العادة جارية في مثله بالمعادلة ) في شرح شيخنا كحج أنه إن سهلت المعادلة بالأثقال من زاد وغيره بحيث لم يخش ميلاً ورأى من يمسكها له لو مالت عند نزوله لنحو قضاء حاجة اكتفى بذلك ، وإِلا فالأقرب تعين الشريك اه ق ل .(3/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
قوله : ( فاضلين ) بصيغة الجمع لأنه ذكر أربعة ، ولو قال فاضلات أو فاضلة لكان صحيحاً ؛ ولعله غلب الشريك لكونه من العقلاء على غيره ق ل .
قوله : ( عن دينه ) سواء كان لآدمي أم لله كنذر وكفارة . وقوله حالاًّ كان أو مؤجلاً أي ولو أمهل به ، وبه قال المحقق المحلي لأنه إذا صرف ما معه إلى الحج فقد يحل الأجل ولا يجد ما يقضى به ، وقد تخترق المنية فتبقى ذمته مرهونة . قال شيخنا ع ش : ويؤخذ من قوله لأنه إذا صرف الخ أنه لو كان له جهة يرجو الوفاء منها عند حلوله وجب عليه الحج ، وهو ظاهر .
اه ا ط ف .
قوله : ( مدّة ذهابه وإيابه ) لأنه إذا لم تفضل عند ذلك كان مضيعاً لهم فلا يجوز له السفر بدون دفع ذلك لهم ، فقد قال : ( كَفَى بالمرء إِثْماً أن يضيعَ مَنْ يَقُوتُهُ ) إِلا أن ما هنا مخالف لما ذكروه في الجهاد نقلاً عن البلقيني من أن المتجه أنه إذا ترك لهم نفقة يوم الخروج جاز سفره لأنها تجب يوماً بيوم ، وفي كلام زي أن عدم الجواز فيما بينه وبين الله تعالى أما في ظاهر الشرع فلا يكلف بدفعها حالاً لأنها تجب يوماً بيوم أو فصلاً بفصل اه . وعليه فما هنا محمول على عدم الجواز باطناً ، وما في الجهاد عن البلقيني محمول على الجواز ظاهراً ع ش .
قوله : ( المستغرق لحاجته ) أي بأن كان بقدر الحاجة ، فخرج ما زاد على حاجته فيباع الزائد ويحج بثمنه .
قوله : ( مال تجارته ) أي وثمن ضيعته التي يستغلها وإن بطلت تجارته ومستغلاته كما يلزمه صرفها في دينه . وفارق المسكن والخادم بأنه . يحتاج إليهما في الحال ، وما نحن فيه يتخذه ذخيرة في المستقبل ؛ شرح الروض ، ولو استغنى بسكنى الربط وجب بيع مسكنه . ولا يلزم بيع آلة محترف ولا كتب فقيه ولا بهائم زرّاع ونحو ذلك ، والأفضل لخائف العنت تقديم النكاح لأن الحاجة إليه ناجزة . والحج على التراخي ، وقد صرح كثيرون من العراقيين وغيرهم بوجوبه ، وصححه في أصل الروضة وهو المعتمد . وعليه فلو مات لم يكن عاصياً ، فإن لم يخش العنت فتقديم الحج أولى ، وإذا قدم النكاح على الحج ومات كان عاصياً ؛ برماوي .
قوله : ( أمنه ) أي أمن فيه لائق بالسفر وإن لم يلق بالحضر .
قوله : ( بحسب ما يليق به ) أي بالطريق ، ويشير بذلك إلى أن أمن السفر دون أمن الحضر .(3/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
قوله : ( أو ماله ) أي الذي يحتاج لاستصحابه معه لا ما معه من مال تجارة أمن عليه في بلده ، زي .
قوله : ( سبعاً ) مفعول ( خاف ) .
قوله : ( أو رصدياً ) بالمهملات مفتوح الأولين ، وهو من يقف في الطريق يرصد من يمر بها ليأخذ ماله وما معه ولو بغير قتله وإن قلّ المال الذي يطلبه ، وليس من ذلك المال الذي يأخذه الخفير أجرة الخفارة ق ل مع زيادة . وقوله ولو بغير قتله به فارق العدوّ ، نعم إن كان ما يأخذه الرصدي من السلطان أو نائبه بأن جعله له وجب الحج .
قوله : ( لم يجب النسك ) بل ولا يستحب ، بل ربما حرم إذا غلب على ظنه الضرر .
قوله : ( قضي من تركته ) أي إن لم يحج ومات . وهذا يقتضي أنه كان يجب عليه مع خوفه ، وهو ضعيف ، والمعتمد أنه لا فرق بين الخوف العام والخاص فيشترط عدم كل منهما بالأمن العام والخاص اه م د .
قوله : ( ويجب ركوب البحر ) أي على الرجل ، وكذا على المرأة إن وجدت لها محلاًّ تنعزل فيه عن الرجال . وخرج بالبحر أي الملح الأنهار العظيمة كسيحون والنيل فيجب ركوبها قطعاً ؛ لأن المقام فيها لا يطول والخوف لا يعظم ، خلافاً للأذرعي حيث قال : محله إذا كان يقطعه عرضاً وإِلا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر . ويردّ بأن البر فيها قريب يسهل الوصول إليه ، زي .
قوله : ( أو استوى الأمران ) أي استواء عرفياً لا حقيقياً ، فالمراد الاستواء وما قاربه ، فلا يلزم ركوبه فيما إذا كان يغرق فيه تسعة ويسلم عشرة كما ذكره حج .
قوله : ( قد بقي عليه ) الصواب حذف عليه لأنه لا معنى لها ، مرحومي .
قوله : ( وهذا ) أي عدّ إمكان المسير من شروط الوجوب .
قوله : ( وإن اعترضه ابن الصلاح بأنه ) أي إمكان المسير يشترط لاستقراره ، أي الحج في(3/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
ذمته ليجب قضاؤه من تركته لو مات قبل الحج لا لوجوبه أي الحج ، أي ليس شرطاً لأصل الوجوب . قال سم : وظاهر كلام ابن الصلاح أنه لا فرق في الوجوب إذا لم يبق زمن يمكن فيه السفر بين أن يقطع بعدم الوصول فيه أو لا ؛ لكن قال السبكي : وأوهمت عبارة ابن الصلاح أن من استطاع الحج قبل عرفة بيوم بينه وبين مكة شهر ومات تلك السنة وجب عليه الحج ثم سقط ، ولا يقوله أحد . وردّ بأن السرخسي والسنجي قالاه .
قوله : ( لاستقراره ) فإن لم يبق زمن يسع السير بعد وجود الاستطاعة بأن لم يستطع إِلا بعد ذهاب الحاج فابن الصلاح يقول في هذه الحالة : إنه وجب عليه ، لكن لم يستقر وجوبه عليه ؛ بمعنى أنه إذا مات في هذه السنة لا يجب قضاؤه من تركته وإن كان يوصف بالإيجاب ويجوز الاستئجار عنه قطعاً كما قال ح ل . وعلى كلام غير ابن الصلاح لم يجب الحج من أصله في هذه الحالة ، وعليه فلا يوصف بالوجوب ويجوز الاستئجار عنه على الأصح ؛ لأنه نفل أي والنفل في جواز الاستئجار عنه خلاف الأصح الجواز .
قوله : ( فقد صوب ) مفرع على محذوف تقديره : واعتراضه غير صحيح فقد الخ .
قوله : ( أيضاً ) أي كما أن النووي صوبه .
قوله : ( أو كانوا الخ ) أي أو لم يؤخروا الخروج لكن كانوا يسيرون الخ ، فهو مغاير لما قبله ؛ وهذا محترز قوله السير المعتاد .
قوله : ( بخلافها ) أي الوحشة في التيمم بأن كان يلزم على تخلفه لتحصيل ماء الوضوء الوحشة .
قوله : ( بمشقة ) أي تبيح التيمم أو يحصل بها ضرر لا يحتمل عادة حج .(3/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
قوله : ( ويشترط وجود ماء ) أي وجود ذلك بالفعل ، فالمراد هنا حصول ذلك بالفعل وفيما مر القدرة على ثمنه فلا تكرار .
قوله : ( بثمن مثل ) نعم تغتفر الزيادة اليسيرة ، ولا يجري فيه الخلاف وهو القدر اللائق به في شراء ماء الطهارة ؛ لأن لها بدلاً بخلاف الحج م ر .
قوله : ( كل مرحلة ) ضعيف ، والمعتمد أنه يعتبر وجود العلف في المحالّ المعتاد حملها منها نظير ما قبله كالبنادر .
قوله : ( زوج ) ولو غير ثقة وكذا المحرم ؛ لكن يشترط أن يكون لكل منهما غيرة تمنعه من رضاه بالزنا بها . وهذا هو الشرط السابع من شروط الاستطاعة .
قوله : ( أو نسوة ) أي اثنتان فأكثر ق ل ، أي متصفات بالعدالة ولو إماء . ويتجه الاكتفاء بالمراهقات لكن بشرط كونهنّ ذوات فطنة ، ولا فرق في النسوة بين الأجانب والمحارم لكن لا يشترط في المحارم العدالة لأن لهنّ الغيرة عليها وإن كنّ غير عدول . قال م د : وكالمرأة في جميع ما ذكر الخنثى ، وإنما اكتفي في حقه بالنسوة الثقات وإن احتمل أنه رجل لجواز خلوة الرجل بامرأتين وإن وقع في موضع من شرح المهذب ما يخالفه ، وينبغي أن يكون الأمرد الجميل كذلك أي كالمرأة في جميع ما ذكر وأن لا يكتفي فيه بمثله وإن كثر لحرمة نظر كل إلى الآخر والخلوة به ، بل لا بد فيه من محرم أو سيد اه . وقوله لحرمة نظر كل الخ أي ولا كذلك المرأة ؛ ولأن المرأة تستحي بحضرة مثلها ما لم يستحيه الذكر بحضرة مثله ، ومن ثمّ يحرم فيما يظهر الخلوة بأمردين أو أكثر اه أ ج لا بامرأتين .
قوله : ( يومين ) ليس بقيد .
قوله : ( لفرضها ) خرج به النفل ، فلا يجوز لها الخروج له مع النسوة وإن كثرن وكذا لسائر الأسفار غير الواجبة . قال ابن قاسم : ينبغي أن يكون المراد بفرض الحج هنا حجة الإسلام والنذر والقضاء وأنه لا فرق في جواز خروجها مع الواحدة بين أن تكون مستطيعة أو لا بخلاف التطوع وإن كان يقع فرض كفاية ، فلو أحرمت به مع محرم فمات قبل إتمامه أتمته مع فقده كما قاله الروياني .
قوله : ( من ذكر ) أي غير عبدها لأنه لا يلزمها أجرة له .(3/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
قوله : ( ويلزمها ) مكرر مع ما قبله .
قوله : ( كقائد أعمى ) فإنه لا يلزمه الحج إلا إذا وجد قائداً لائقاً به وقدر على أجرته كما في الجمعة ، بل أولى .
قوله : ( شخصاً له ) لو قدم له على شخص لكان أظهر .
قوله : ( ولو بلا إذن ) ويفرق بينه وبين توقف الصوم عنه على إذن القريب بأن هذا أشبه بالديون ، فأعطي حكمها بخلاف الصوم .
قوله : ( وعن معضوب ) من العضب وهو القطع ، كأنه قطع عن كمال الحركة . ويقال بصاد مهملة كأنه قطع عصبه كما في شرح م ر . فلو استأجر من يحج عنه فحج عنه ثم شفي لم يجزه ولم يقع عنه فلا يستحق الأجير أجره كما رجحاه هنا ، وهذا هو المعتمد ؛ شرح م ر ؛ أي ويقع نفلاً للأجير ، ولو حضر مكة أو عرفة في سنة حج الأجير لم يقع عنه لتعين مباشرته بنفسه ويلزمه للأجير الأجرة . وفرق بينه وبين ما إذا شفي بعد حج الأجير بأنه لا تقصير منه في حق الأجير بالشفاء ، بخلاف الحضور فإنه بعد أن ورّط الأجير مقصر به فلزمته أجرته ، سم عن شرح العباب . وقوله ويقع نفلاً لعل مراده بالنفل عدم كونه فرض عين ، وإلا فهو لا يكون نفلاً إلا من الصبي والرقيق أو يصوّر بما إذا كان الأجير أحدهما .
قوله : ( مرحلتان ) أما لو كان دون مرحلتين أو كان بمكة لزمه الحج بنفسه لقلة المشقة ، إلا إن أنهاه الضنى إلى حالة لا يحتمل الحركة معها بحال فتجور الإنابة حينئذ ، م ر ملخصاً .
قوله : ( بأجرة ) متعلق بالإنابة المتقدمة .
قوله : ( عما مر في النوع الأول ) أي من ملبس ومسكن وخادم ودينه ومؤنة يوم الاستئجار كما في م ر . وهذا بالنسبة للمعضوب لا للميت .(3/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
قوله : ( وكون بعضه غير ماش ) شرط لوجوب إنابته مجاناً كما في م ر ، أي بخلاف الأجنبي . وعبارة م ر : ولو لم يجد المعضوب سوى أجرة ماش والسفر طويل لزمه استئجاره وإن لم يكن أي المعضوب مكلفاً بالمشي لو فعله لنفسه إذ لا مشقة عليه في مشي غيره ما لم يكن أصلاً أو فرعاً ، فلا يلزمه كما يؤخذ مما يأتي في المطيع .
قوله : ( للأجرة ) متعلق بمحذوف ، أي يدفعه للأجرة .
قوله : ( يستنكف ) أي يمتنع .
قوله : ( فلوليّ مال ) ووليّ المال هو الأب والجد والحاكم والوصي والقيم . وخرج به غير وليّ المال كالأخ والعم والأم ، فلا يحرم عمن ذكر شارح م ر . وأجابوا عن ذكر الأم في الحديث باحتمال أنها وصية أوّ أن وليه أذن لها أن تحرم عنه ، أو أن الحاصل لها أجر الحمل والنفقة والتربية لا الإحرام إذا ليس في الخبر أنها أحرمت عنه اه س ل .
قوله : ( ولو بمأذونه ) كأن أذن الولي للأجنبي أن يحرم عنه ؛ وإذا ارتكب الصبي محظوراً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه مطلقاً ، وإذا فعل الولي أو غيره به ذلك فعليه الفدية ق ل .
قوله : ( عن صغير ) أي مسلم ذكر أو أنثى ولو رقيقاً مع سيده ق ل .
قوله : ( بالروحاء ) اسم لواد بقرب المدينة الشريفة على نحو خمسة وثلاثين ميلاً منها ق ل .
قوله : ( ففزعت ) بفاء مفتوحة فزاي معجمة مكسورة فمهملة ، أي أسرعت . ولعلها كانت وصية حتى تكون وليّ مال وعلم النبي بذلك ، أو كان المحرم عنه وليّ غيرها . والواقع منها مجرد الاستفتاء ويكون لها الأجر على الاستفتاء لا على الإحرام .
قوله : ( بعضد صبي ) أي غير مميز كما هو الغالب فيمن يؤخذ بعضده اه ح ل .
قوله : ( من محفتها ) بكسر الميم اه مصباح . وهي التي توضع على الراحلة عرضاً كالتي يضعها المغاربة والصعايدة ، والهودج ما يضعه أهل مكة ونحوه ما على الجمل المغطى بها .(3/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
قوله : ( ولك أجر ) أي ثواب بإحرامها عنه بإذن ، وأما ثواب الأعمال فهي له ق ل . وصفة إحرامه أن ينوي جعله محرماً فيصير من أحرم عنه محرماً بذلك ، ولا يشترط حضوره ومواجهته ويطوف الولي بغير المميز ، ويصلي عنه ركعتي الطواف ويسعى به ويحضره المواقف ، ولا يكفي حضور الولي بدونه . ويناوله الأحجار فيرميها إن قدر وإلا رمى عنه من لا رمي عليه ، شرح المنهج . وعبارة م ر : وصورة إحرامه عن غير المميز من طفل أو مجنون أن يقول الولي : أحرمت عن هذا أو فلان أو جعلته محرماً ، سواء كان الولي محرماً أو أحرم بعده ، بخلاف الأفعال كالرمي فلا بد أن يرمي الولي عن نفسه قبل أن يرمي عن غير المميز . وقوله : ويطوف الولي بغير المميز بشرط طهارتهما وجعل البيت عن يسارهما ، ويشترط في طوافه وسعيه عنه تقدّم طوافه وسعيه عن نفسه ويرمي عنه الولي بعد رميه عن نفسه بفراغه من الجمرات الثلاث . ويمتنع الإحرام عن المغمى عليه لأن له أمداً ينتظر ، فإن زاد على ثلاثة أيام فكالمجنون .
قوله : ( إن كملا بعده ) فإن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزأهما وأعاد السعي ، منهج . وقوله وأجزأهما الخ ولا بد في الإجزاء من إعادة ما فعلاه من الطواف قبل البلوغ والعتق كما هو ظاهر سم .
قوله : ( وأركان الحج ) التغاير بين المتضايفين بالإجمال والتفصيل ، أي فالحج مجمل والأركان مفصلة ؛ لأنه سيأتي بيانها فاندفع ما يقال إن الحج نفس الأركان فيلزم عليه إضافة(3/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
الشيء إلى نفسه . قال الشهاب العبادي في حواشي التحفة : هل يأتي فيمن لم يميز الفروض من السنن ما تقرر في نحو الصلاة حتى لو اعتقد بفرض معين نفلاً لم يصح ؟ أو يفرق بأن النسك شديد التعلق ؛ ولهذا لو نوى به النفل وقع عن نسك الإسلام وقد يتجه الفرق فيصح مطلقاً وإن لم يميز واعتقد بفرض معين نفلاً ؟ فليتأمل .
قوله : ( الإحرام مع النية ) هذه العبارة مقلوبة ، أي النية مع الإحرام ، أي النية المصاحبة للإحرام أي الدخول في النسك والشروع في أعماله كما أشار إلى ذلك الشارح بتفسيره . فالمراد بالإحرام هنا الدخول في النسك ، وهو الذي يفسده الجماع وتبطله الردة . ويطلق الإحرام على نية الدخول في النسك ، وبهذا المعنى يعدّ ركناً ح ل . والمراد هنا الأول ؛ لأنه لو أريد به الثاني لكان المعنى نية الدخول في النسك مع النية ، والمراد الثاني في قوله أركان العمرة الإحرام . وسمي إحراماً لأنه يقتضي دخول الحرم ، أو لأن به تحرم الأنواع الآتية ح ل . ولو شك في نية الإحرام بعد أن أتى بجميع أفعال الحج هل كان نوى أو لا فالقياس عدم صحته كما في الصلاة ، وفرق بعض الناس بأن قضاء الحج يشق لا أثر له بل هو وهم اه سم على حج . أقول : وقد يقال الأقرب عدم القضاء قياساً على ما لو شك في النية بعد فراغ الصوم ، ويفرق بينه وبين الصلاة بأنهم توسعوا في نية الحج ما لم يتوسعوا في نية الصلاة فقالوا : لو أحرم بالحج في رمضان عالماً بذلك انعقد عمرة ، بخلاف ما لو نوى الظهر قبل دخول وقته عالماً بذلك لم ينعقد فرضاً ولا نفلاً ، وقالوا : لو نوى الحج ظانّاً بقاء رمضان ثم تبين له أنه أحرم في شوّال اعتدّ بنيته عملاً بما في نفس الأمر ، وقالوا : لو علم أنه أحرم وتردّد في وقت إحرامه هل هو قبل شوّال أو فيه اعتدّ بنيته ويبرأ من الحج إذا أتى بأعماله اه ع ش .
قوله : ( الوقوف بعرفة ) أي بأي جزء منها بأرضها أو على متصل بها في هوائها ، كأن وقف على غصن في هوائها وأصله في أرضها فلا يكفي كونه طائراً في هوائها ، أو على غصن شجرة أصلها فيه دون الغصن أو عكسه ، أو على قطعة نقلت منها إلى غيرها ، ق ل على التحرير والشارح . وصرح ابن شرف بأنه يكفي الوقوف على القطعة المنقولة منها إلى غيرها . وصرح الشوبري وسم على حج بصحة الوقوف على غصن شجرة فيه وأصلها خارجة قياساً على الاعتكاف ، وهو ضعيف فلا يجزىء إلا إذا كان الأصل فيها والغصن في هوائها . قال الزيادي : قال ( أفْضَلُ الأيْامِ يَوْمُ عَرَفَةَ ، وإذا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فهو أَفْضَلُ مِنْ سَبُعِينَ حّجَةً في غَيْرِ يَوْمِ الجمعَة ) أخرجه رزين . وعن النبي : ( إذا كَانَ يَوْم جُمُعَةِ غَفَرَ الله لجميع أهْلِ المَوْقِفِ ) . قال الشيخ عز الدين بن جماعة : سئل والدي عن وقفة الجمعة هل لها مزية على غيرها ؟ فأجاب بأن لها مزية على غيرها من خمسة أوجه : الأول والثاني : ما ذكرناه من(3/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
الحديثين . الثالث : العمل يشرف بشرف الأزمنة كما يشرف بشرف الأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع فوجب أن يكون العمل فيه أفضل . الرابع : في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه وليست في غير يوم الجمعة ، وهي من حين جلوس الخطيب على المنبر إلى آخر الصلاة . الخامس : موافقة النبي ، فإن وقفته في حجة الوداع كانت يوم الجمعة وإنما يختار الله له الأفضل . قال والدي : أما من حيث إسقاط الفرض فلا مزية لها على غيرها . وسأله بعض الطلبة فقال : قد جاء إن الله يغفر لجميع أهل الموقف فما وجه تخصيص ذلك بيوم الجمعة في الحديث ؟ يعني المتقدم . فأجابه بأنه يحتمل أن الله يغفر في يوم الجمعة بغير واسطة وفي غير يوم الجمعة يهب قوماً اه . قال بعضهم : الحكمة بوقوف جبل عرفات ما فيه من المعاني البديعة الصفات ، فإن فيه تشبيهاً وتذكيراً بالوقوف بين يدى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة حفاة عراة مكشوفين الرؤوس واقفين على أقدام الحسرة والندامة يضجون بالبكاء والعويل ويدعون مولاهم في الليل الطويل دعاء عبد ذليل . وقال ابن العطار تلميذ النووي في مناسكه : وإنما اختصت عرفات بموضع الوقوف لأن الله جعلها كالميدان على فناء حرمه ، قال المحب الطبري في قوله تعالى : ) وإذا أخذ ربك من بني آدم } ) الأعراف : 172 ) الآية ، كان ذلك بعرفات ، وعن ابن عباس أن النبي قال : ( أخَذَ الّلهُ الميثاقَ مِنْ ظَهْر آدَمَ عليه السلام بنَعْمَانَ ، يعني عرفة ، فأَخْرَجَ من صُلْبِهِ كُلَّ ذريَّةٍ ذَرَأَهَا فَنُشَرَهُمْ بين يديه كالذَّرِّ ثم كلّمهم . فتلا قوله تعالى : ) ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } ) الأعراف : 172 ) ) أخرجه ابن الجوزي في مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن . قال : وهذا يدل على أنه أي جبل عرفات أول وطن والنفس أبداً تنازع أي تميل إلى الوطن . فإن قلت : فلم كان الوقوف بعرفة . أول أركان الحج بعد الإحرام للآتي من طريق مصر دون الطواف أو السعي مثلاً ؟ فالجواب : إنما كان أول الأركان الوقوف اقتداء بأبينا آدم عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه جاء من بلاد الهند بعد هبوطه من الجنة على رأس جبل الياقوت إلى مكة ، فكان أول ما لاقاه من مناسك الحج الوقوف بعرفة لأنها الباب الأول للملك ولله المثل الأعلى ، ويليه مزدلفة وهي كالباب الثاني لازدلافها وقربها من مكة . قإن قلت : فلم سومح الحج المصري وغيره بالدخول إلى مكة قبل الوقوف ؟ فالجواب : إنما سامحهم الحق تعالى بالدخول رحمة بالخلق لما عندهم من شدة التشوّق إلى رؤية بيت ربهم الخاص ، فكان حكمهم حكم من هاجر إلى دار سيده فمكث بين يديه لينظر ما يأمره به السيد من الأعمال ، فلما قال له اذهب إلى عرفات التي منها سعي آدم عليه الصلاة والسلام ما وسعه إلا امتثال أمر ربه في ذلك كما ذكره القطب الشعراني في الميزان . وسميت عرفة لأن آدم وحواء تعارفا فيها حين هبطا من الجنة ونزل بالهند ونزلت بجدة ، وقيل : إن جبريل لما عرّف إبراهيم مناسك الحج وبلغ الشعب الأوسط الذي هو موقف الإمام قال له : أعرفت ؟ قال : نعم ، فسميت(3/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
عرفات . وقيل : إنما سميت بذلك من قولهم : عرّفت المكان ، إذا طيبته ؛ ومنه قوله تعالى : ) الجنة عرّفها لهم } ) محمد : 6 ) عبد البر .
قوله : ( الحج عرفة ) جملة معرّفة الطرفين فتفيد الحصر ، أي الحج منحصر في عرفة أي في الوقوف لا بتجاوزه إلى غيره ؛ وليس كذلك . ويجاب بأنه على حذف مضاف أي أنها معظمه ، وخصت بالذكر مع أن الطواف أفضل منها كما يأتي لكونه يفوت الحج بفواتها دونه اه .
قوله : ( الطواف ) وهو أفضل الأركان ثم الوقوف ثم السعي ثم الحلق ، أما النية فهي وسيلة للعبادة وإن كانت ركناً ؛ شرح الروض . وسئل الإمام البلقيني عن الحكمة في أن ربنا سبحانه وتعالى ينزل على بيته الحرام في كل يوم ومائة وعشرين رحمة من ذلك للطائفين ستون وللمصلين أربعون وللناظرين للبيت عشرون . فأجاب : الطائفون يجمعون بين ثلاث : طواف وصلاة ونظر ، فصار لهم بذلك ستون ؛ والمصلون فاتهم الطواف فصار لهم أربعون ، والناظرون فاتهم الصلاة والطواف فصار لهم عشرون ، اه أ ج .
قوله : ( لقوله تعالى الخ ) هذا لا يدل على أنه ركن ، فينبغي أن يزاد في الدليل مع عدم جبره بالدم ، وكذا يقال في دليل السعي اه .
قوله : ( والسعي ) وله شروط سبعة : كونه بعد طواف صحيح أي طواف قدوم أو إفاضة ، ولا يتأتى بعد طواف الوداع ، وقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة ، وكونه سبعاً ، وكونه من بطن الوادي ؛ والترتيب بأن يبدأ بالصفا في الأوتار وبالمروة في الأشفاع وأن لا يكون منكوساً ولا معترضاً كالطواف وعدم الصارف عنه كما يفعله جهلة العوام من المسابقة . وقد نظمها م د فقال :
شروط سعي سبعة وقوعه
بعد طواف صح ثم قطعه
مسافة سبعا ببطن الوادي
مع فقد صارف عن المراد
وليس منكوساً ولا معترضا
والبدء بالصفا كما قد فرضا
قوله : ( اسعوا ) بفتح العين أصله : اسعيوا .(3/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
قوله : ( مع عدم جبره بدم ) إنما قال ذلك ليخرج رمي جمرة العقبة يوم النحر ، فإنه وإن توقف التحلل عليه إلا أنه يجبر بدم ، شيخنا عشماوي .
قوله : ( ترتيب المعظم ) محل ترتيب المعظم إن لم يكن سعي بعد طواف القدوم ، فإن كان سعي بعده فليس فيها ترتيب المعظم ؛ لأن السعي حينئذ مقدم على الوقوف نعم النية مقدمة على الجميع والوقوف مقدم على الخلق والطواف .
قوله : ( بأن يقدم الإحرام ) المراد به هنا نية الدخول في النسك .
قوله : ( الوقوف ) أي ويقدم الوقوف .
قوله : ( والحلق ) أي وعلى الحلق ، ويجوز تقديم الحلق على الطواف كما قاله الشارح في مناسكه .
قوله : ( والطواف ) أي ويقدم الطواف على السعي إن لم يفعل ، أي السعي .
قوله : ( على ما ذكرناه ) الظاهر أنه متعلق بمحذوف ، أي : مشتملاً على ما ذكرناه من تقديم الإحرام على جميع الأركان ، إلى آخر ما ذكره فتأمل .
قوله : ( فلو أحرم الخ ) المناسب : ولو أحرم كما في م ر ، إذ لا يظهر تفريعه على ما قبله . ويجاب بأنه تفريع على محذوف تقديره بأن ينوي حجّاً واحداً أو عمرة واحدة .
قوله : ( انعقدت واحدة ) فاعل .
قوله : ( فإن أحرم وأطلق ) أي قال : نويت الإحرام ، فقط . وقال بعضهم : فيه صورتان : هذه ، والثانية أن يقولْ : نويت الإحرام بالنسك .(3/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
قوله : ( فإن كان ) أي الإطلاق المفهوم من أطلق .
قوله : ( من النسكين ) أي أحدهما ، بدليل قوله أو كليهما .
قوله : ( إن صلح الوقت لهما ) شرط لقوله صرفه الخ والفرض أنه كان نوى الإحرام المطلق في أشهر الحج ؛ لأنه لا يلزم من صلاحية الوقت لهما عند الإحرام صلاحيته عند الصرف .
قوله : ( ثم بعد النية ) أي نية الصرف .
قوله : ( بما شاء ) أي بعمل ما شاءه أي أراده بالنية الصارفة .
قوله : ( قبل النية ) أي نية الصرف ، ولو عبر به لكان أولى .
قوله : ( بأن فات وقت الحج ) أي عند الصرف والحال أنه كان أحرم في وقت يتأتى له فيه صرفه للحج كما هو فرض الكلام ، بدليل قوله بعد : فإن كان في غير أشهره .
قوله : ( وإن كان ) أي الإحرام المطلق ، وهذا مقابل قوله : فإن كان في أشهر الحج الخ .
قوله : ( فلا يصرفه إلى الحج في أشهره ) أي لو فرض أنه صابر الإحرام إلى أشهر الحج وصرفه إليه لا يصح لانعقاده والحالة ما ذكر عمرة م د .
قوله : ( وتلبية ) بالرفع عطفاً على النطق ، والأولى التعبير بالفاء للترتيب .
قوله : ( ويسنّ الغسل ) ولو لحائض .
قوله : ( وللوقوف بعرفة ) ووقت غسله من الفجر ، ولكن تقريبه من وقوفه أفضل كتقريبه من ذهابه في غسل الجمعة .
قوله : ( غداة النحر ) ظرف للوقوف بمزدلفة . وما ذكره في ندب الغسل ضعيف ، وإنما يسن للوقوف بالمشعر الحرام ؛ ولعله مراد الشارح ق ل ، ففي قوله وبمزدلفة مسامحة ، إذا الوقوف غداة النحر إنما هو بالمشعر الحرام ، فلعله سماه مزدلفة لمجاز المجاورة ، أو لكون بعضه منها . وعبارة بعضهم : قوله وبمزلفة غداة النحر المراد منه الوقوف بالمشعر الحرام ، وهو يسن له الغسل إن لم يغتسل للعيد ، فسقط ما للمحشي .(3/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
قوله : ( وفي أيام التشريق ) أي بعد الزوال م ر .
قوله : ( فإن عجز عن الغسل تيمم ) أي لأن الغسل يراد للقربة والنظافة ، فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر ؛ ولأنه ينوب عن الغسل الواجب فعن المندوب أولى شرح م ر . قال السيوطي : فائدة : لم أمرك بالماء والتراب ؟ قيل : لأن أصل آدم عليه السلام من التراب والماء لأن التراب عجن بالماء وإنهما أوسع شيء في الأرض وجوداً فأمرك بالتطهير بهما لئلا تعتذر بفقدانهما ، فالآن ليس لك عذر اه .
قوله : ( ولا يسنّ تطييب ثوبه ) أي إزاره وردائه .
قوله : ( خضب يدي امرأة ) أي غير محدّة كما سيأتي في العدد . ويسنّ الخضب لغير المحرمة أيضاً إن كانت خلية وإلا كره ، ولا يسن لها نقش وتسويد وتطريف وتحمير وجنة بل يحرم واحد من هذه على خلية ومن لم يأذن لها حليلها . وقوله على خلية أي ولو غير شابة ، شرح حج . وخرج الرجل والخنثى ، فلا يسن لهما الخضب بل يحرم كما في المنهج .
قوله : ( بشيء منه ) أي من الخضاب الذي هو الحناء ؛ وذلك لأنها تكشفهما فيرونهما فالمقصود تغيير اللون الأصلي . وسميت حناء لأنها حنت على آدم حين ستر عورته بورق أشجار الجنة فصارت تطير من على بدنه إلا ورق الحناء فاستمر على بدنه .
قوله : ( في غير وقت الكراهة ) أما في وقتها فلا يصلي لتأخير السبب ما لم يحرم بالحرم المكي .
قوله : ( في دوام إحرامه ) خرج ابتداؤه ، فلا يسن الرفع بل يسمع نفسه فقط ؛ منهج .
قوله : ( ويرفع ) الظاهر أنه بالنصب عطفاً على إكثار على حدّ :
ولبس عباءة وتقرّ عينى
قوله : ( الذكر ) بخلاف المرأة والخنثى فيكره لهما الرفع . وفرق بينه وبين أذانهما حيث حرم فيه ذلك بالإصغاء إلى الأذان واشتغال كل أحد بتلبيته عن سماع تلبية غيره ، منهج .
قوله : ( لبيك الخ ) أي أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة وإجابة بعد إجابة ، وهو(3/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
مثنى ، أي على صورته ، أريد به التكثير ، وسقطت نونه للإضافة ، شرح المنهج . وقوله وإجابة بعد إجابة أي لدعوة إبراهيم ، لما قال الله له : ) وأذن في الناس بالحج } ) الحج : 27 ) الخ ، فقال : يا أيها الناس حجوا . وقوله : وسقطت نونه للإضافة ، وأصله لبين لك بكسر النون حذفت نونه للإضافة ، واللام للتخفيف والعامل فيه محذوف أي : ألبي لبين لك ، ولبيك الثانية تأكيد ، وكذا الثالثة . وسنّ وقفة لطيفة على الثالثة وعلى لبيك بعد لا شريك لك ووقفة على الملك وقبل لا شريك لك . ولا يتكلم أثناء تلبية ، نعم يندب رد السلام وإن كره التسليم عليه . ويتجه جوازها بالعجمية ولو لمن قدر على العربية ، وقد يجب الكلام في أثنائها لعارض كإنقاذ نحو أعمى يقع في مهلك اه ز ي وم ر ويكره . وقيل : يحرم عند السادة المالكية الإجابة بقوله لبيك في غير الحاج جواباً لمن خاطبه ، وينبغي أن يقيد ذلك في غير إجابة النبي ، ويحرم أن يجيب بها كافراً لما في ذلك من التعظيم اه خ ض . وليحذر الملبّي في حال تلبيته من أمور يفعلها بعض الغافلين من الضحك واللعب ، وليكن مقبلاً على ما هو بصدده من سكينة ووقار ، وليشعر نفسه أنه يجيب الباري ؛ فإن أقبل على الله بقلبه أقبل عليه وإن أعرض أعرض الله عنه .
قوله : ( اللهم ) منادَي مبنيّ على ضمه الهاء لعلميته ، والميم زائدة بدل حرف النداء أو مقدرة على الميم ؛ لأن البناء كالإعراب محله الآخر ؛ رحماني .
قوله : ( إن الحمد ) يجوز كسر همزة إن استئنافاً وفتحها تعليلاً ، والكسر أجود لأنه أبعد عن إيهام التعليل من الفتح لاستحقاقه تعالى التلبية وجد حمد أم لا ، ولصيرورة الكلام جملتين . قال م ر : ويسن بعد لفظ الملك سكتة لطيفة لئلا يتوهم أنه منفي بالنفي الذي بعده .
قوله : ( والنعمة ) بالنصب عطفاً على الحمد ، وبالرفع مبتدأ خبره محذوف ، أو خبره لك وخبر إن محذوف اه م د
قوله : ( لبيك إن العيش ) أي إن كان محرماً ، فإن كان حلالاً لم يذكر التلبية بل يقول : اللهم إن العيش الخ ، لما جاء عنه في حفر الخندق ؛ ومعناه إن الحياة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة ، شرح المنهج وحج . ومن كلام بعضهم :
لا ترغبنّ إلى الثياب الفاخِرَهْ
واذكر عظامك حين تمسى ناخرَهْ
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل
لبيك إن العيش عيش الآخِرَهْ(3/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
قوله : ( وإن لم تكن بطريقه ) كأهل الطائف واليمن . وفي سيرة ح ل : وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخل رسول الله يوم الفتح من كدَاءٍ بفتح الكاف والمد والتنوين من أعلى مكة ) وهذا هو المعروف ، خلافاً لمن قال إنه دخل من أسفل مكة وهي ثنية كُدَا بضم الكاف والقصر والتنوين ، وعند الخروج منها خرج من هذه . وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب دخول مكة في الأولى والخروج من الثانية . واختصت العليا بالدخول والسفلي بالخروج ؛ لأن الداخل يقصد محلاً عالي المقدار ، والخارج عكسه ؛ وقضيته التسوية في ذلك بين المحرم وغيره كما في شرح المنهج .
قوله : ( اللهم زد هذا البيت تشريفاً ) أي ترفعاً وعلوّاً وتعظيماً ، أي تبجيلاً وتكريماً ، أي تفضيلاً ومهابة ، أي توقيراً وإجلالاً . وقوله وبراً البرّ هو الاتساع في الإحسان والزيادة فيه . وقوله فحينا ربنا بالسلام أي سلمنا بتحيتك من جميع الآفات ؛ ويدعو بعد ذلك بما أحب من المهمات وأهمها المغفرة وأن يدعو واقفاً . والبيت كان الداخل من الثنية العليا يراه من رأس الردم والآن لا يرى إلا من باب المسجد ، فالسنة الوقوف فيه لا في رأس الردم لذلك بل لكونه موقف الأخيار شرح م ر . ورأس الردم هو المشهور الآن بالمدعي . وكأنّ حكمة تقديم التعظيم على التكريم في البيت ، وعكسه في قاصده أن المقصود بالذات في البيت إظهار عظمته في النفوس حتى تخضع لشرفه وتقوم بحقوقه ، ثم كرامته بإكرام زائريه بإعطائهم ما طلبوه وإنجازهم ما أملوه ، وفي زائره وجود كرامته عند الله تعالى بإسباغ رضاه عليه وعفوه عما جناه واقترفه ، ثم عظمته بين أبناء جنسه بظهور تقواه وهدايته ؛ ويرشد إلى هذا ختم دعاء البيت بالمهابة الناشئة عن تلك العظمة إذ هي التوقير والإجلال ودعاء الزائر بالبر الناشىء عن ذلك التكريم إذ هو الاتساع في الإحسان ، فتأمل حج ع ش على م ر .
قوله : ( تشريفاً ) التشريف العلو . ولما كان لا يلزم من جعله عالياً رفيعاً أن يعظم ويبجل قيل وتعظيماً ولا يلزم من أن يعظم أي في نفسه أن يفضل على غيره من بقية البيوت ؛ قيل : وتكريماً أي تفضيلاً ، ولا يلزم من أن يفضل على غيره أن يهاب قيل ومهابة ، فليتأمل ق ل . والتعظيم : التبجيل ، والتكريم : التفضيل ، والمهابة : التوقير والبر الإحسان .
قوله : ( أنت السلام ) أي ذو سلامة من النقائص في الذات والصفات تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .(3/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
قوله : ( ومنك السلام ) أي السلامة من الآفات ، فحينا ربنا أي يا ربنا بالسلام أي بالسلامة من الآفات ؛ فالثاني والثالث بمعنى واحد .
فائدة : ورد أن الله تعالى وعد البيت بأن يحجه في كل عام ستمائة ألف فإن نقصوا كملوا بملائكة ، وأن الكعبة تحشر يوم القيامة كالعروس المزفوف فكل من حجها يتعلق بأستارها ويسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها ، ق ل على الجلال .
قوله : ( ويدخل المسجد ) الأَوْلى : فيدخل ، كما في المنهج .
قوله : ( من باب بنى شيبة ) المسمى بباب السلام ؛ لأن البيوت تؤتى من أبوابها . وشيبة اسم رجل مفتاح الكعبة في يد ولده ، وهو ابن عثمان بن طلحة .
قوله : ( قبل الوقوف ) أو بعده وقبل انتصاف الليل ؛ لأن طواف الإفاضة يدخل بنصف الليل ، ولا يطلب طواف القدوم حينئذ ع ش على م ر .
قوله : ( بأنواعه ) أي طواف الإفاضة وطواف القدوم وطواف الوداع والطواف المنذور وطواف التحلل . والمراد بواجباته شروطه ، ولو عبر بها لكان أولى .
قوله : ( فلو زالا الخ ) فإن كان فاقداً للستر جاز الطواف مطلقاً ، وإن كان به نجاسة أو كان فاقد الطهورين لم يجز مطلقاً ، وإن كان فاقداً للماء جاز الطواف مطلقاً بالتيمم ؛ ولا تجب الإعادة في طواف الركن إلا إذا كان بمحل يغلب فيه وجود الماء . وهذا هو حاصل المعتمد كما قرره شيخنا السجيني . ومن الحدث الحيض ، فيمتنع أن تطوف حتى تطهر ، فإن رحل الحاج وخافت من التخلف فلها الرحيل بلا طواف . ولا يحرم عليها محرمات الإحرام ويستمر في ذمتها ، فإذا قدرت عليه ولو بعد سنين طافت بلا نية لأن إحرامها باق بالنسبة له ق ل . وعبارة شرح م ر : وسيأتي أن من حاضت قبل طواف الركن ولم يمكنها الإقامة حتى تطهر لها أن ترحل ، فإذا وصلت إلى محل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة جاز لها حينئذ أن تتحلل بذبح فحلق أو تقصير مع نية التحلل كالمحصر ، وتحل حينئذ من إحرامها ويبقي الطواف في(3/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
ذمتها إلى أن تعود ؛ والأقرب أنه على التراخي وأنها تحتاج عند فعله إلى إحرام لخروجها من الحج بالتحلل . وقوله إنها تحتاج عند فعله إلى إحرام أي للإتيان بالطواف دون ما فعلته قبل كالوقوف اه ع ش .
قوله : ( وبني ) وإن تعمد وطال الفصل لعدم اشتراط الولاء . والأولى الاستئناف ، فلو أغمي عليه أو جنّ استأنف وإن قصر الزمن . والفرق بين الحدث وبين الإغماء والجنون أن الحدث لا يخرج به عن أهلية العبادة ، وأما الإغماء والجنون فإنه يخرج بهما عنها اه عتاني .
قوله : ( جعل البيت عن يساره ) فيجب كونه خارجاً بكل بدنه عنه ، فلو مسّ البيت مثلاً أو أدخل جزء منه في هواء الشاذروان أو هواء غيره من أجزاء البيت لم يصح بعض طوفته كما قاله م ر في شرحه . قال ابن العطار في مناسكه : لفعله عليه السلام وقوله : ( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ ) وذلك لمخالفة المشركين ، فإن العرب كانوا يطوفون بالبيت ويجعلونه عن يمينهم ، رواه الأزرقي اه . وقوله لفعله عليه السلام الخ بهذا يجاب عما يقال : هلاّ جعل البيت عن اليمين موافقة للقاعدة المشهورة وهي ما كان من باب التكريم يكون باليمين وما كان من غير التكريم يكون باليسار وقد خطر ذلك بي حالة الطواف وصرت أتردد في ذلك كثيراً وأسأل عنه بعض أهل العلم ، فلم يوف أحد بالمراد ؛ حتى اطلعت على هذه العبارة فاستراح مني الفؤاد ؛ ثم رأيت ما هو أصرح من ذلك ، ونصه : فائدة : ما الحكمة في أن البيت يجعل على يسار الطائف ؟ قيل : لأن القلب في جهة اليسار فيكون مما يليه ، وقيل : إن من طافه يأتي يوم القيامة متعلقاً به كما طافوه بشمالهم وأيمانهم الصحف .
قوله : ( مارّاً تلقاء وجهه ) ولو منكساً حيث جعله على يساره ومرّ جهة الباب .
قوله : ( بدؤه بالحجر الأسود ) وجاء أن آدم نزل من الجنة ومعه الحجر الأسود متأبطه أي تحت إبطه ، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة ؛ ولولا أن الله تعالى طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه . وروي عن وهب بن منبه : أن آدم لما أمره الله تعالى بالخروج من الجنة أخذ جوهرة من الجنة التي هي الحجر الأسود مسح بها دموعه ، فلما نزل إلى الأرض لم يزل يبكي ويستغفر الله ويمسح دموعه بتلك الجوهرة حتى اسودّت دموعه ثم لما بني البيت أمره جبريل أن يجعل تلك الجوهرة في الركن ففعل . وفي بهجة الأنوار : أن الحجر الأسود كان في الابتداء(3/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
ملكاً صالحاً ، ولما خلق الله آدم وأباح له الجنة كلها إلا الشجرة التي نهاه عنها ثم جعل ذلك الملك موكلاً على آدم أن لا يأكل من تلك الشجرة ، فلما قدر الله تعالى أن آدم يأكل من تلك الشجرة غاب عنه ذلك الملك فنظر اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; تعالى إلى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهراً ؛ ألا ترى أنه جاء في الأحاديث : الحَجَرُ الأسْوَدُ يأتي يَوْمَ القيامةِ وله يَدٌ ولِسَانٌ وأُذُنٌ وعَيْنٌ ) لأنه كان في الابتداء ملكاً . ورأيت في ترجمة الشيخ كمال الدين الأخميمي : أنه لما جاوز بمكة رأى الحجر الأسود وقد خرج من مكانه فصار له يدان ورجلان ووجه ومشى ساعة ثم رجع إلى مكانه . وقد جاء : ( أكْثِرُوا مِن اسْتِلامِ هَذَا الحَجَرَ فإنّكم تُوشِكُونَ أن تَفْقِدُوهُ ، بينما الناسُ يَطُوفُونَ به ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ أصْبَحُوا وقَدْ فَقَدوُهُ ) حتى إن الله عز وجل لا ينزل شيئاً من الجنة في الأرض إلا إعاده فيها قبل يوم القيامة ، فقد جاء : ( لَيْسَ في الأَرْضِ مِنَ الجَنَّةَ إلا الحَجَرُ الأسْوَدُ والمقَامُ ، فإنَّهُمَا جَوُهَرَتَان مِنْ جَوَاهِرِ الَجَّنةِ مَا مسَّهُما ذو عَاهَةٍ إلا شَفَاهُ الله ) وعبارة الرحماني : تنبيه : خمسة أشياء خرجت من الجنة مع آدم : عود البخور ، وعصا موسى من شجر الآس ، وأوراق التين التي كان يستتر بها آدم ، والحجر الأسود ، وخاتم سليمان . قال شيخنا أ ج :
وآدم معه أهبط العود والعصا
لموسى من الآس النبات المكرم
وأوراق تين واليمين بمكة
وختم سليمان النبّي المعظم زاد شيخنا : الحجر الذي ربطه نبينا على بطنه ومقام إبراهيم ، وهو الحجر الذي كان يقف عليه لبناء البيت فيرتفع به حتى يضع الحجر ويهبط حتى يتناوله من إسماعيل وفيه أثر قدميه ، نادى عليه : أيها الناس إن الله بنى لكم بيتاً فحجّوه فأجابته النطف والأجنة بلبيك ، أو على الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم جبل بمعلاة مكة ، وجمع بتعدد النداء . ومن آياته الباهرة بقاؤه مع كثرة المعاندين جاهلية وإسلاماً على حاله ومع كثرة السيول المحركة لأكبر منه ، وقيل : إنه كان ملاصقاً البيت فرده عمر باجتهاده ؛ والأصح الأول اه حج .
قوله : ( محاذياً له أو لجزئه ) أي بجميع بدنه ، والمراد به شقه الأيسر أي جميعه ؛ فلو تقدم جزء من شقه الأيسر على الحجر لم يكف ، فقوله أو جزئه أي بأن كان نحيفاً وحاذى بجميع بدنه بعض الحجر كما في ز ي . وقال ع ش في حاشيته على م ر : والمراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر وهو المنكب ، فلو انحرف عنه بهذا أو حاذاه بما تحته من الشق الأيسر لم يكف ؛ شرح حج بحروفه .
قوله : ( والعياذ بالله تعالى ) أي من الحياة إلى زمن ذلك ، وإلا فهو واقع قطعاً فلا تفيد الاستعاذة منه .
قوله : ( الخارج ) تفسير للشاذروان بفتح الذال : وهو مرتفع عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع ، تركته قريش من عرض الأساس عند بنائهم لضيق النفقة م ر ؛ أي لقلة الدراهم الحلال التي يصرفونها في البناء . وعبارة ق ل : والشاذروان هو الذي في وجهة الباب فقط ؛ لأن غيره حادث فلا يضر المشي عليه ، ويسمى تأزيراً لأنه كالإزار للبيت اه مصباح .(3/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
قوله : ( أو مسّ الجدار ) أي أو مس الجدار الكائن في موازاة الشاذروان كما في م ر ، أي في محاذاته ؛ بخلاف ما في الحاشية من قوله أي مروره .
قوله : ( فتحتي الحجر الخ ) وهو بكسر الحاء عرصة مرخمة عليها جدار على صورة نصف دائرة . وأول من رخمه المنصور العباسي في سنة أربعين ومائة ثم جدد بعده مراراً . رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه ، فأخذ رسول الله بيدي فأدخلني الحجر ، وقال صلي فيه : ( إنْ أرَدْتِ دُخُولَ البَيْتِ فإِنمّا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ البَيْتِ ) والصحيح أن الذي فيه من البيت ستة أذرع كما في حديث آخر عنها أيضاً . وأخرج الحسن ( إن إسماعيل عليه السلام شكا إلى ربه حرّ مكة ، فأوحى الله إليه أن أفتح لك باباً من الجنة في الحجر يخرج عليك الروح إلى يوم القيامة ) والروح بالفتح نسيم الريح . ومن فضائله أن فيه قبر إسماعيل وأمه هاجر وقبره البلاطة الخضراء .
قوله : ( الشاميين ) فيه تغليب وإلا فأحدهما عراقي .
قوله : ( لم يصح طوافه ) أي بعضه .
قوله : ( كونه في المسجد ) زاد في المنهج : وإن وسع . قال ز ي : دخل في عموم كلامه مسألة تذكر على سبيل الامتحان والفرض ، وهو أن المسجد لو وسع حتى انتهى إلى الحل وطاف في الحاشية التي من الحل صح فيها نظر اه . والمعتمد عدم الصحة لأنه لا بد من الحرم مع المسجد ، فقوله وإن وسع أي ولم يخرج إلى الحل . وأول من وسع المسجد النبي واتخذ له جداراً ، ثم عمر رضي الله عنه بدور اشتراها وزادها فيه ، واتخذ له جداراً دون القامة ، ثُم وسعه عثمان رضي الّله عنه واتخذ له الأروقة ، ثم وسعه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، ثم الوليد بن عبد الملك ثم المنصور ثم المهدي ، وعليه استقر بناؤه إلى وقتنا ؛ كذا في الروضة وغيرها . واعترض بأن عبد الملك وسعه قبل ولده وبأن المأمون زاد فيه بعد المهدي ، شرح م ر .
تنبيه : هل يصح الطواف في الهواء حول البيت أو لا يصح كما في الوقوف ؟ راجعه ق ل . وذكر العناني أنه لا يصح ، اه م د على التحرير .
قوله : ( بأن لم يشمله نسك ) أما لو شمله نسك بأن أحرم بالحج قبل دخول مكة أو أحرم بالعمرة من الحل فلا يحتاج لنية ؛ لأن النسك يشمله . وأما طواف الوداع فينويه لأنه مستقل .
قوله : ( عدم صرفه لغيره ) أي فقط ح ل فلا يضر التشريك . وقد نظم م د واجبات الطواف بقوله :(3/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
واجبات الطواف ستر وطهر
جعله البيت يا فتى عن يسار
في مرور تلقاء وجه وبالأسود
يبدا محاذيا وهو ساري
مع سبع بمسجد ثم قصد
لطواف في النسك ليس بجاري
فقد صرف لغيره ذي ثمان
قد حكى نظمها نظام الدراري
قوله : ( وأن يستلم الحجر ) أي كل من الرجل وغيره . وإنما تسن الثلاثة للمرأة إذا خلا المطاف ليلاً أو نهاراً ، وإن خصه ابن الرفعة بالليل والخنثى كالمرأة ؛ منهج . وقد ثبت أنه قبّل الحجر الأسود ، وثبت أنه استلمه بيده ثم قبلها ، وثبت أنه استلمه بمحجنه فقبل المحجن ولم يثبت أنه قبّل الركن اليماني ولا قبّل يده حين استلمه . وروى إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : استقبل رسول لله الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلاً ، وكان إذا استلم الحجر قال : ( بسم الله والله أكبر ، وقال بينهما أي بين الركن اليماني والحجر : ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } ) البقرة : 201 ) الخ . ولم يثبت عنه شيء من الأذكار في غير هذا المحل حول الكعبة ، ولم يستلم الركنين المقابلين للحجر أي لأنهما ليسا على قواعد سيدنا إبراهيم عليه السلام . وقال لعمر رضي الله عنه : ( إنّك رَجُلٌ قويٌّ لا تُزَاحَمُ على الحَجَرِ الأسْوَدِ تُؤْذي الضَّعِيفَ إنّ وَجَدْتَ خلوةً فَاسْتَلِمْهُ وإلا فاسْتَقْبْلهُ وهْلِّلْ وكَبِّرْ ) . وأخذ منه بعض فقهائنا أن من شق عليه استلام الحجر الأسود سن له أن يهلل ويكبر ، ذكره ح ل في السيرة .
قوله : ( وأن يقبله ) قال ز ي : ويلزم من قبل الحجر أن يقرّ قدميه في محل حتى يعتدلّ قائماً ، فإن مس برأسه حال التقبيل جزءاً من البيت أعاده ؛ وبه يقاس من يستلمه ، ويستلم الركن اليماني أيضاً اه . وينبغي أن يخفف القبلة للحجر ، وينبغي أن مثله في ذلك ما طلب تقبيله من يد عالم ووليّ ووالد وأضرحة .
تنبيه : قد تقرر أنه يسنّ تقبيل يد الصالح بل ورجله ، فلو عجز عن ذلك فهل يأتي فيه ما يمكن من نظير ما هنا حتى يستلم اليد أو الرجل عند العجز عن تقبيلها ثم يقبل ما استلم به وحتى يشير إليها عند العجز عن استلامها أيضاً ثم يقبل ما أشار به ؟ فيه نظر ، سم على حج . أقول : الأقرب عدم سن ذلك ، والفرق أن أعمال الحج يغلب عليها الاتباع في طلب ما ورد فعله عن الشارع وإن كان مخالفاً لغيره من العبادات ، ولا كذلك يد الصالح فإن تقبيلها شرع تعظيماً له وتبركاً بها فلا يتعداها إلى غيرها ع ش على م ر .
فائدة : استنبط بعضهم من تقبيل الحجر تقبيل المصحف والقبر النبوي والقبور الشريفة وقبور الصلحاء ، وممن قال بذلك ابن أبي الصيف اليمني من الشافعية .(3/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
قوله : ( ويسجد عليه ) أي يضع جبهته عليه بقصد التعظيم .
قوله : ( فإن عجز عن التقبيل ) عبارة المنهج : فإن عجز عن الأخيرين أو الأخير استلم بلا تقبيل في الأولى وبه في الثانية .
قوله : ( أشار إليه بيده ) أي اليمنى ، فإن عجز فباليسرى .
قوله : ( ويراعي ذلك الاستلام ) كالتقبيل والسجود .
قوله : ( ولا يسن تقبيل الركنين الشاميين ) قال م ر في شرحه : والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام أن ركن الحجر فيه فضيلتان : كون الحجر فيه ، وكونه على قواعد أبينا إبراهيم ؛ واليماني فيه فضيلة واحدة وهو كونه على قواعد أبينا إبراهيم ، وأما الشاميان فليس لهما شيء من الفضيلتين .
قوله : ( ويسن استلام الركن اليماني ) ومما ورد في فضل اليماني قوله : ( ما مَرَرْتُ بالرّكن اليماني إِلاَّ وعنده مَلَكٌ ينادي آمين آمين فإذا مرَرْتُمْ به فقُولُوا : ) اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } ^ ) ( البقرة : 201 ) وقوله : ( وُكلَ بالركْنِ اليماني سَبْعُون مَلَكاً ، مَنْ قَال اللهم إِنِّي أسألك العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في الدِّينِ والدّنْيا والآخِرَةِ / ) رَبَّنَا آتنا في الدُّنيا حَسَنَةً } ) البقرة : 201 ) قَالُوا آمِينَ ) . قال العز بن جماعة : ولا تعارض بين الحديثين على تقدير الصحة إذ يحتمل أن السبعين موكلون به لم يكلفوا التأمين ، وإنما يؤمنون عند سماع الدعاء والملك كلف قول آمين ؛ وقوله : ( إِنَّ عِنْدَ الرُّكْنِ اليماني باباً مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ وَالرُّكن الأَسْوَدُ مِنْ أَبْواب الجَنَّة وَما مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو عِنْدَ الركن الأَسْوَدِ إِلا اسْتَجَابَ اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; له وكذلِكَ عِنْدَ المِيزَابِ ) وقوله : مَا بَيْنَ الرُّكْنِ اليماني والحَجَرِ الأَسْوَدِ رَوْضَة مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ ) وعن عطاء قال : قيل : يا رسول الله تكثر من استلام الركن اليماني : قال : ( مَا أَتَيْتُ عليه قَطُّ إِلا وجِبْريلُ قائمٌ عِنْدَهُ يَسْتَغْفِرُ لمن يَسْتَلِمُهُ ) وعن مجاهد أنه قال : ( ما من إنسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو إلا استجيب له . وإن بين الركن اليماني والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه هم هنالك منذ خلق الله البيت ) . قال م ر : والطواف أفضل أعمال الحج حتى الوقوف وهو المعتمد ، وإن نظر فيه الزركشي بأن أفضلها الوقوف لخبر : ( الحَجّ عَرَفَةٌ ) ولهذا لا يفوت الحج إلا بفواته ، ولم يرد غفران في شيء ما ورد في الوقوف ، فالصواب القطع بأنه أفضل الأركان . وقد يقال : إن الطواف أفضل من حيث ذاته لأنه مشبه بالصلاة وقربة مستقلة ،(3/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
والوقوف أفضل من حيث كون الحج يفوت بفواته والطواف لا آخر لوقته . ويحمل كلام ابن عبد السلام على الأول والزركشي على الثاني اه . وقوله مشبه بالصلاة أي ولذا لم تشترط الطهارة في شيء من أعمال الحج حتى الوقوف بعرفة إلا فيه .
قوله : ( بالصفا ) بالقصر طرف جبل أبي قبيس ، والمروة أفضل من الصفا لأن الصفا وسيلة والمروة مقصد والمقاصد أفضل من الوسائل ولأنها مرور الحاج أربع مرات والصفا مروره ثلاثاً ، أي يرجع إليها ثلاث مرات اه خ ض .
قوله : ( بحيث لا يتخلل ) فإن تخللهما الوقوف امتنع السعي إلا بعد طواف الفرض ، فيمتنع أن يسعى بعد طواف نفل مع إمكانه بعد طواف فرض منهج .
قوله : ( وله سنن ) منها المشي .
قوله : ( بجزء من أرضها ) ولو كان راكباً على دابة في أرضها ، بل وقوفه راكباً أفضل أو كان عائماً في الماء في أرضها أو على شجرة بعرفة ، بخلاف ما إذا ركب على طير طائر في هواء عرفات أو ركب على السحاب فلا يكفي فليس لهوائها حكمها ، فلو طار فيه لم يجزه ؛ وكذلك لو سعى طائراً أو طاف طائراً فإنه لا يعتدّ بهما ، عناني .
قوله : ( وإن كان ماراً في طلب آبق ) وإن لم يعلم أنها عرفة وعلم منه أنه إن صرف الوقوف إلى غيره لا يؤثر فيه ، بل وإن نفاه فيما يظهر ، فراجعه ق ل . وفارق ما مر في الطواف بأنه قربة مستقلة أشبهت الصلاة بخلاف الوقوف . وألحق السعي والرمي بالطواف لأنه عهد التطوّع بنظيرهما ، ولا كذلك الوقوف كما قاله ابن حجر كالسعي للمساجد ورمي العدوّ بالأحجار . قال سم : وقد يدل اقتصاره عليهما على أن الحلق كالوقوف فليراجع .
قوله : ( بشرط كونه محرماً ) لاحاجة إليه لأن الكلام فيه .(3/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
قوله : ( غلطاً ) أي لأجل الغلط ، وليس المعنى حال كونهم غالطين ؛ لأنه لو تبين لهم أثناء الوقوف أنه العاشر لا يضر م د . وفيه أنه إن تبين لهم أنه العاشر أثناء الوقوف يصدق عليه أنه حال مقارنته للوقوف لأن الواجب فيه لحظة ، فالأولى أن يقال إن تبين لهم الغلط قبل الوقوف أو بعده لا يضر . وعبارة ق ل : قوله غلطاً أي لأجل الغلط في الرؤية وإن تبين لهم قبله أو بعده أنه العاشر ، ويجري على العاشر جميع أحكام التاسع من كون ما بعده يوم العيد وثلاثة أيام بعد العيد للتشريق وحرمة صومها وجواز الأضحية فيها وغير ذلك ، واقتصاره على العاشر يقتضي أنهم لو وقفوا ليلة الحادي عشر لا يجزىء ، والمعتمد كما قاله زي تبعاً للرملي الإجزاء لأنها من تتمة العاشر اه .
قوله : ( ولم يقلوا على خلاف العادة الخ ) والحاصل أن الغلط إن كان في المكان وجب القضاء إن قلوا أو كثروا أو في الزمان ، فإن وقفوا في الحادي عشر وجب القضاء أو في العاشر وكانوا قليلاً كذلك وإلا أجزأهم الوقوف فيه ، وإن كان في الثامن وعلموا الخطأ والوقت باق وتمكنوا من الوقوف فيه لزمهم وإلا وجب القضاء ، اه رحماني .
قوله : ( وواجبات الحج ) وأما واجبات العمرة فشيئان : الإحرام من الميقات ، واجتناب محرمات الإحرام .
قوله : ( وهما مترادفان ) الأولى أن بينهما العموم والخصوص المطلق ، فكل ركن واجب وليس كل واجب ركناً لأن الواجب قد لا يكون ركناً بأن يكون شرطاً .
قوله : ( فالفرض ) الأولى أن يقول فالركن لأنه المتقدم .
قوله : ( الإحرام من الميقات ) أي كونه من الميقات ، وإلا فهو ركن . وأصله موقات قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة .
قوله : ( من أوله ) إلا ذا الحليفة ، فالإحرام من مسجدها أفضل .
قوله : ( والمراد به هنا الخ ) ظاهره أن إطلاقه على المكان من غير توسع ، وقول ح ل :(3/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
الميقات مأخوذ من الوقت وهو الزمان ثم أطلق على المكان توسعاً بالنظر لأصل اللغة ، وإلا فقد صارت المواقيت حقيقة شرعية في كل من الزمان والمكان كما قرره شيخنا الحفني .
قوله : ( شوّال ) سمي بذلك لأن الإبل كانت تشول أذنابها للسفاح أي نطّ الذكور فيه على الإناث في هذا الشهر ، ويجمع على شواويل وشوالات . وهو الذي عقد النبي فيه على عائشة أم المؤمنين وتزوج بها فيه ، وكان يستحب عقد النكاح فيه . وسمي القعدة لقعودهم فيه عن القتال والحجة لوقوع الحج فيه ، وجمعهما ذوات القعدة وذوات الحجة اه سيوطي .
قوله : ( وعشر ليال من ذي الحجة ) وهي المرادة من قوله تعالى : ) الحج أشهر معلومات } ) البقرة : 197 ) فغلب شهرين على العشرة وسماها كلها أشهراً اه .
قوله : ( انعقد عمرة ) لأن الإحرام شديد التعلق واللزوم . ويظهر أنه لا يحرم عليه ذلك لأنه ليس فيه تلبس بعبادة فاسدة بوجه ، حج زي .
قوله : ( قبل نفره ) فيه أنه داخل فيما قبله لأنه يصدق عليه أنه محرم بالحج ، وعبارة بعضهم : قوله قبل نفره ليس بقيد بل المدار على أن يبقى عليه شيء من أعمال الحج ، ولعل المراد بما قبل النفر ما قبل الفراغ من أعمال الحج وإن لم يكن بمنى .
قوله : ( نفس مكة ) أي فيندب أن يغتسل ويصلي ركعتين ثم يذهب إلى بيته إن كان فيحرم منه ق ل .
قوله : ( ذو الحليفة ) تصغير الحلفة بفتح أوليه ، واحدة الحلفاء نبات معروف ، شرح حج .
قوله : ( عشر مراحل من مكة ) أي وستة أميال من المدينة ، وهو المعروف الآن بأبيار عليّ ، شرح المنهج ، أي لزعم العامة أنه قاتل الجن فيها ، وليس كذلك ق ل .
قوله : ( من الشام ) أي الذين لا يمرون على ذي الحليفة وهم الآن يمرون عليها ؛ ولذا قال ق ل : أي فيما كان والآن ميقاتهم ميقات أهل المدينة الشريفة . وهي بالهمز وتركه ، سميت بذلك لأن أول من سكنها سام بن نوح ، والعجم تقلب السين شيناً أج . وذهب النووي إلى أنه أي الشام أفضل من مصر لأنه محل الحشر ومقر الأنبياء وجنة الدنيا . وذهب غيره وهو الذي(3/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
عليه المعول إلى تفضيل مصر لكثرة ذكرها في القرآن لأن الغالب أن من أحب شيئاً أكثر من ذكره ، وأيضاً قد يوجد في المفضول مزايا لا توجد في الفاضل .
فائدة : ما اشتهر على الألسنة من أن أسماء البلاد والقبائل يجوز تذكيرها على إرادة المكان والحي وتأنيثها على إرادة البقعة والقبيلة ليس على إطلاقه ؛ لأن من الأسماء المذكورة ما لم يسمع فيه إلا التذكير فيتعين صرفه ، وما لم يسمع فيه إلا التأنيث فيتعين عدم صرفه ، ومنها ما سمع فيه الأمران من كلام العرب فيؤول على المعنيين السابقين ؛ ومن ثم تراهم كثيراً يختلفون كثيراً في أسماء هل هي مصروفة أو لا ؟ فلو كان الاعتباران جاريين في كل اسم من ذلك لما تأتى لهم الاختلاف في شيء منها اط ف .
قوله : ( ومن مصر ) تذكر وتؤنث ، سميت باسم من سكنها أوّلاً وهو مصر بن بيصر بن سام بن نوح زي .
قوله : ( الجحفة ) سميت بذلك لأن السيول أجحفتها ؛ وهي على ست مراحل من مكة ، وقول المجموع على ثلاثة لعله بسير البغال النفيسة شرح م ر . وهي المشهورة الآن برابغ كما قاله ق ل وخ ض على التحرير . وفي حج أن رابغ قبل الجحفة ، وإحرامهم منها لانبهام الجحفة على أكثر الحجاج ولعدم ماء بها يغتسلون به للإحرام ، تأمل . ورابغ الذي يحرم منه الآن الحاج المصري يحاذيها وصح الإحرام منه لمحاذاته .
قوله : ( قال في المجموع على نحو ثلاث ) قال في شرح المنهج : والمعروف المشاهد ما قاله الرافعي أنها على خمسين فرسخاً منها وهي الآن خراب اه . أي فتكون على ستة مراحل وربع ؛ لأن كل مرحلة ثمانية فراسخ اه سم . ولعل من عبر بالثلاث أراد سير البغال بسرعة ومن عبر بخمسين فرسخاً أراد سير الإبل ، وحينئذ فلا منافاة .
قوله : ( من تهامة اليمن يلملم ) ويقال ألملم ، وهو أصله ، قلبت الهمزة ياء . ويقال أيضاً يرمرم براءين أج . ولبعضهم :
قرن يلملم ذات عرق كلها
في البعد مرحلتان من أم القرى
ولذي الحليفة بالمراحل عشرة
وبها لجحفة ستة فاخبر ترى
قوله : ( قرن ) بسكون الراء ، ويقال قرن المنازل كما يأتي . قوله : ( العراق ) بالجر بدل .(3/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
قوله : ( والأصل في المواقيت الخ ) لا يخفى أن الحديث الذي ذكره ليس فيه جميع المواقيت ، فلو ذكر الرواية التي فيها مصر والمغرب والمشرق لَوفَى بالمراد . وعبارة شرح المنهج بعد الحديث المتقدم : وروى الشافعي في الأم عن عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله وقّت لأهل المدنية ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة ) . وروى أبو داود وغيره بإسناد صحيح كما في المجموع عن عائشة : ( أن رسول الله وقّت لأهل العراق ذات عرق ) .
قوله : ( ولأهل الشام ومصر الجحفة ) لم يذكر أهل المغرب لأنهم ملحقون بأهل مصر لسفرهم منها ، فهم يمرون على ميقاتها كما قال في الحديث : ( ولمن أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ ) .
قوله : ( هن ) أي هذه المواقيت ، وقوله لهن أي لهذه النواحي أي لأهلها ، فهو على حذف مضاف ، والقرينة عليه قوله : وقّت لأهل الخ . وأنثه لمشاكلة ما قبله . ولأبي داود : ( هُنَّ لهم ) وهو الوجه ، قاله الجلال السيوطي ؛ إطفيحي .
قوله : ( حتى أهل مكة من مكة ) محله في الإحرام بالحج كما هو الفرض ؛ لأنه سيأتي أن مكان العمرة لمن يحرم الخروج لأدنى الحل . وأهل بالرفع مبتدأ ، ومن مكة خبره ، والتقدير : يحرمون من مكة ، ففي الحقيقة الخبر متعلق الجار والمجرور ، وحتى ابتدائية .
قوله : ( سنة عام ) الإضافة بيانية . وعبارة المرحومي سنّه بسين مهملة ونون مشددة وهاء مضمومة . قال ابن الجواليقي : ولا تفرق عوامّ الناس بين العام والسنة ويجعلونه بمعنى ، والصواب أن السنة من أي يوم عددته إلى مثله والعام لا يكون إلا شتاءً وصيفاً . وفي التهذيب والبارع أيضاً : العام حول يأتي على شتوة وصيف ، وعلى هذا فكل عام سنة ولا عكس .
قوله : ( فإن حاذى ميقاتين ) بأن كان طريقه بينهما والمراد حاذاهما معاً فإن حاذاهما على(3/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
الترتيب أحرم من أولهما . وعبارة م ر : أو حاذى ميقاتين على الترتيب أحرم من الأول أو معاً أحرم من أقربهما إليه ، وإن كان الآخر أبعد من مكة بأن كان في طريقه انعطاف إذ لو كان أمامه ميقات فإنه ميقاته ، وإن حاذى ميقاتاً أبعد فكذا ما هو بقربه .
قوله : ( أبعدهما من مكة ) أي وإن حاذى الأقرب إليها أو لا ، كأن كان الأبعد منحرفاً أو وعراً شرح م ر .
قوله : ( سقط الدم عنه ) الأولى أن يقول فلا دم كما عبر به في متن المنهج ، وقال في شرحه إنه أولى من قول المنهاج سقط الدم لإيهامه أنه وجب ثم سقط ، وهو وجه مرجوح . وكذا يقال فيما بعده .
قوله : ( وأفضل بقاع الخ ) أي للإحرام منه بالعمرة .
قوله : ( الجعرانة ) بسكون العين على الأفصح ، وقيل بكسرها وتشديد الراء ؛ سميت باسم امرأة هناك . والتنعيم اسم لجبل ناعم .
قوله : ( من أيام التشريق الثلاث ) وهي المعدودات في قوله تعالى : ) واذكروا الله في أيام معدودات } ) البقرة : 203 ) والمعلومات المذكورة في قوله تعالى : ) ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } ) الحج : 28 ) هي العشر الأول من ذي الحجة ، شرح م ر .
قوله : ( فإن نفر الخ ) قال في المختار : نفرت الدابة تنفر بضم الفاء وكسرها نفاراً ونفوراً ، ويقال في الحجيج : نفر ينفر نفراً من باب ضرب . والمراد بالنفر التهيؤ لحمل الأثقال مع شد(3/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
الرحال ، والمعنى : فإن تهيأ في اليوم الثاني بعد رميه ولو لم ينفصل من منى إلا بعد الغروب ، أو نفر في اليوم الثاني بعد رميه ثم عاد لمنى لشغل أو لا بقصد شيء ولو بعد الغروب ، نعم يؤخذ من كلام الزركشي تقييد مسألة العود بمن لم يعزم حال نفره على العود ، أج ملخصاً . وقوله : فإن تهيأ في اليوم الثاني أي وشرع في السفر قبل الغروب كما قاله ع ش وغروبها وهو في شغل الارتحال يلزمه المبيت فيمتنع النفر في هذه الحالة كما في شرح م ر ، واعتمده ع ش خلافاً لحج .
قوله : ( ولو انفصل من منى بعد الغروب ) أي والحال أنه قد حمل قبل الغروب كما في شرح الروض .
قوله : ( أوعاد الخ ) ليس معطوفاً على انفصل لأن المعنى حينئذ أو لم ينفصل ثم عاد ، ولا معنى له لأن العود إنما يكون بعد الانفصال . نعم يصح عطفه عليه باعتبار تعلق بعد الغروب به ، إذ المعنى أو لم ينفصل بعد الغروب ، أي بأن انفصل قبل الغروب ثم عاد لشغل . يدل على ذلك كلامه في شرح الروض ، عناني على المنهج .
قوله : ( في اليوم الثاني ) متعلق بنفر .
قوله : ( بعد رميه ) أي وبات الليلتين قبله ، أو ترك مبيتهما لعذر ؛ منهج .
قوله : ( ترتيب الجمرات ) وقد نظم شيخنا م د الشروط بقوله :
شروط رمي للجمار ستة
سبع بترتيب وكف وحجر
وقصد مرمى يا فتى وسادس
تحقق لأن يصيبه الحجر
قوله : ( ثم إلى جمرة العقبة ) وليست من منى بل منى تنتهي إليها ، شرح المنهج .(3/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
قوله : ( ليشمل رمي الخ ) أي لأن تقييد الجمار بالثلاث يخرجها .
قوله : ( سبع مرات ) فلو رمى سبع حصيات مرة واحدة أو حصاتين كذلك إحداهما بيمينه والأخرى بيساره لم يحسب إلا واحدة ، ولو رمى حصاة واحدة سبع مرات كفى ؛ ولا يكفي وضع الحصاة في المرمى لأنه لا يسمى رمياً ولأنه خلاف الوارد ، شرح المنهج .
قوله : ( وكونه بيد ) فلا يكفي برجل ولا بفم ولا رمي بمقلاع ، شرح م ر .
قوله : ( فيجزىء بأنواعه ) أي الحجر ، ومنه الذهب ونحوه كالحديد والفضة والنحاس قبل تصفيتهما ، والزبرجد والعقيق والكذان بالذال المعجمة وهو البلاط المعروف ، وليس منه اللؤلؤ والمعدن ولا الخزف كالطوب المحرق ولا النورة وهو المحروق من الكذان المذكور ؛ فلا يجزىء شيء من ذلك .
تنبيه : لو رمي بخاتم فضة مثلاً وفصّه من نحو عقيق ففيه وجهان ، رجح منهما العبادي عدم الإجزاء ؛ والأوجه خلافه ، لأن فيه وجود مقتض وغير مانع ق ل . وكتب زي على قول المنهج ولو مما يتخذ منه الفصوص ما نصه : وهذا بالنسبة للإجزاء ، أما بالنسبة للجواز فإن ترتب على الرمي بالياقوت ونحوه كسر أو إضاعة مال حرم وإن أجزأ اه م ر . ولقائل أن يقول : لا حرمة لأنه لغرض شرعي كما قيل في رشّ القبر بماء الورد ، اللهم إلا أن يقال بنفاسة هذا وتفاهة ذلك ؛ وأيضاً ماء الورد له رائحة ينتفع بها ، فالمتجه حرمة الرمي بالفص إذا ترتب عليه الكسر ، والظاهر أنه لو سرقه أو غصبه ورمي به كفى كالصلاة بالماء المغصوب ؛ ولا يشترط في حجر الرمي طهارته عناني وخ ض .
قوله : ( وقصد المرمى ) فلو رمي شخصاً فأصاب المرمي لم يحسب ، أي فلو قصد الشاخص لم يكف وإن وقع في المرمى ، وإن قصد المرمى كفاه مطلقاً أي سواء رمى للشاخص أولاً إن وقع في المرمى وإلا فلا ق ل . وقوله وإن وقع في المرمى ضعيف ، والمعتمد أن يكفي إن وقع فيه كما اعتمده م ر ، وعبارته : وقضية كلامهم أنه لو رمي إلى العلم المنصوب في الجمرة أو الحائط التي لجمرة العقبة كما يفعله كثير من الناس فأصابه ثم وقع في المرمى لا يجزىء ، قال المحب الطبري : وهو الأظهر عندي ؛ ويحتمل أنه يجزئه لأنه حصل فيه بفعله مع قصد الرمي الواجب عليه ، والثاني من احتماليه أقرب كما قاله الزركشي وهو المعتمد .
فرع : لو أزيل العلم الذي هو البناء الذي في وسط الجمرة فإنه يكفي الرمي إلى محله بلا شك لأن العلم لم يكن موجوداً في زمن النبي ، وقد رمي هو وأصحابه إلى الجمرة ولم ينقل أنهم تحروا موضعاً منها دون آخر ؛ وترك النقل مع تقدير تحريمهم في غاية البعد ح ف .
قوله : ( علم ) أي علامة بناء كالعمود .
قوله : ( لا ما سال ) أي عن الحد المعلوم .(3/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
قوله : ( فليس لها إلا وجه ) لأنها ملتصقة بالجبل ؛ قال العلامة ابن العماد : والحكمة في رمي الجمار أن إبراهيم لما قصد ذبح إسماعيل تعرّض له الشيطان بعدم الذبح فقال إن هذا وسوسة من الشيطان ، فأمر بالرمي إلى الشيطان ، فصار سنة لأولاده .
قوله : ( بالمبيت ) أي المكث فيها ولو لحظة ، بل يكفي المرور لأن الأمر بالمبيت لم يرد فيها . وانظر ما الحكمة في تعبيره بالمبيت مع أنه غير مراد له ، وأيضاً لم يرد الأمر به . وأجيب بأنه عبر به لمشاكلة المبيت بمنى .
قوله : ( والواجب فيه ساعة ) أي لحظة كما في متن المنهج .
قوله : ( فإن دفع ) أي فارق المزدلفة .
قوله : ( ويسنّ أن يأخذ منها ) المعتمد أنه لا يؤخذ منها إلا حصى رمي يوم النحر ، ويؤخذ الباقي من بطن محسر . وسمي محسراً لأن الفيل حسر فيه أي أعيا أو من منى ، فتحصل السنة بالأخذ من كل منهما كما في شرح م ر . ويكره أخذ الحصى من المرمى لما قيل إن المقبول يرفع والمردود يترك ، ولولا ذلك لسدّ ما بين الجبلين ؛ شرح م ر .
قوله : ( بقدر حصى الخذف ) وهيئة الخذف أن يضع الحصى على بطن إبهامه ويرميه برأس السبابة شرح م ر . فهو حذف بهيئة مخصوصة .
قوله : ( ومن عجز عن الرمي ) أي لمرض لا يرجى زواله في هذا الزمن ، عشماوي .
قوله : ( أناب ) أي وجوباً من يرمي عنه بأن يرمي الجمرات الثلاث أوّلاً عن نفسه ثم يرميها عن المستنيب ، فلو رمي عنه قبل أن يرمي عنه نفسه وقع عن نفسه كما قاله م ر ، بخلاف ما لو رمى الجمرة الأولى عن نفسه ثم رماها عن المستنيب فإنه يمتنع لأن أيام التشريق كاليوم(3/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
الواحد ، زي . قال م ر : ولو زال عذر المستنيب بعد رمي النائب والوقت باق فليس عليه إعادة الرمي .
قوله : ( ولو ترك رمياً الخ ) حاصله أنه لا يحسب ما بعد المتروك مطلقاً ، أي سواء قصده عن الأداء أو لا ، ويحسب المعاد عن المتروك فلو ترك رمية من سبعة يوم النحر ورمى الجمرات الثلاث في أول أيام التشريق حسب رميه من جمرة العقبة عن المتروكة ويلغو الباقي ويعيد الثلاث ق ل .
قوله : ( في أيام التشريق ) لو حذف أيام ليشملها والليالي لكان أولى كما في المنهج .
قوله : ( فأكثر ) ولو في الأيام الأربعة ؛ لأن الرمي فيها كالشيء الواحد ، وإن كان رمى كل يوم عبادة برأسها اه المنهج .
قوله : ( كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيت معظم الليل ) هذا كله إذا قال : لا أبيت بهذا المكان فقط ، فإذا زاد : لا أبيت هذه الليلة ؛ فإذا فارق المكان مثلاً قبيل الفجر لا يحنث إذ لا حنث في هذه إلا بمبيت جميع الليل قياساً على ما لو حلف لا يأكل هذا الرغيف فإنه لا يحنث إلا بأكل جميعه لا بأكل معظمه وغالبه اه بخط خ ض الشوبري بهامش شرح المنهج .
قوله : ( فإن تركه لزمه دم ) وفي تركه ليلة مدّ وليلتين مدّان ، وهذا في غير المعذورين كأهل السقاية والرعاء أما هم فلا شيء عليهم اه أج . وقوله : وفي تركة ليلة مدّ فإن عجز عنه صام أربعة أيام لأن الواجب فيها ثلث العشرة الواجبة بدل الدم الواجب ثلثها في الليلة وهو ثلاثة وثلث فيكمل يوم ، فيصير جملة ذلك أربعاً ؛ وذلك أنا نجعل الثلاثة من جنس الكسر أي تسعة أثلاث ومعنا ثلث فيصير جملة ذلك عشرة أثلاث يصوم في الحج ثلاثة وذلك بيوم كامل وسبعة إذا رجع وذلك يومان وثلث فيكمل الثالث فيصوم ثلاثة أيام اه عناني على المنهج .
قوله : ( لسفر قصير ) أي بغير قصد الرجوع . أي بأن كان لوطنه . قال في شرح المنهج :(3/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
واعلم أنه لا وداع على من خرج لغير منزله بقصد الرجوع وكان سفره قصيراً كمن خرج للعمرة ، ولا على محرم خرج إلى منى ، وأن الحاج إذا أراد الانصراف من منى فعليه الوداع كما في المجموع .
قوله : ( فلا دم عليه ) محله إذا لم يكن بلغ منزله الذي هو دون مرحلتين وإلا استقر ببلوغه ، ولا يسقط بالعود كما بحثه السيد السمهودي .
قوله : ( وإن مكث بعد الطواف ) ولو ناسياً أو جاهلاً ، منهج .
قوله : ( يسن دخول البيت ) أي الكعبة ، أي بشرط أن لا يؤذي غيره ولا يؤدي . أما إذا لزم على الدخول الإيذاء فإنه يحرم كما في الإيضاح وبه يعلم ما يقع الآن في دخوله يوم النحر عند كسوة البيت من الإيذاء الشديد فإنه من أقبح المحرمات أج .
قوله : ( وشرب ماء زمزم ) ويستقبل القبلة عند شربه ويتضلع منه ، ويسنّ للإنسان أن يشربه لمطلوبه في الدنيا والآخرة ، قال : ( مَاءُ زَمْزَمَ لما شُرِبَ له ) شرح م ر . وقوله : ( ماء زمزم لما شرب له ) هو شامل لما لو شرب بغير محله وهو ظاهر أن ذلك خاص بالشارب نفسه فلا يتعداه إلى غيره ، ويحتمل تعدي ذلك إلى الغير ، فإذ شربه إنسان بقصد نفع ولده وأخيه مثلاً حصل له ذلك المطلوب ، ولا مانع منه إذا شرب بنية صادقة . ونقل عن شيخنا العلامة الشوبري ما يخالف ما ذكرناه فليراجع اه ع ش على م ر . ويسن أن يقول عند شربه : اللهم إنه قد بلغني عن نبيك أنه قال ماء زمزم لما شرب له ، وأنا أشربه لسعادة الدنيا والآُخرة اللهم ، فافعل ) ثم يسمي الله تعالى ويشرب ويتنفس ثلاثاً . وكان ابن عباس إذا شرب يقول : ( اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء ) فقد شربه جماعة من العلماء فنالوا مطلوبهم . ويسن الدخول إلى البئر والنظر فيها ، وينضح منها على رأسه ووجهه وصدره وأن يتزوّد من مائها ويستصحب منه ما أمكنه شرح م ر .
قوله : ( وصلى تحية المسجد ) وإنما قدمت التحية على زيارته لما رواه مالك عن جابر رضي الله عنه قال : قدمت من سفر ، فجئت رسول الله وهو بفناء المسجد ، فقال : ( أَدَخَلْتَ المَسْجِدَ وَصَّلَيْتَ فيه ؟ ) فقلت : لا ، قال : ( فَاذْهَبْ فادْخُلِ المَسْجِدَ صَلِّ فيه ثم ائْتِ(3/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
سلم عَليَّ ) وبه يعلم ردّ قول بعضهم محل البداءة بالتحية لم يمر أمام الوجه الشريف وإلا بدأ بالزيارة ، بل الأكمل البداءة بالتحية مطلقاً . وعند المرور أمام الوجه الشريف ينبغي أن يقف وقفة لطيفة ويسلم ثم يتنحى ويصلي ثم يأتي للزيارة الكاملة ، هذا ما دل عليه الحديث المذكور فخلافه لا يعوّل عليه اه من الجوهر المنظم .
قوله : ( مستدبر القبلة ) أي فيكون وقوفه عند الشباك الكائن في المحل الخالي من الفرش ، فإنه يكون حيئنذ مستقبل الرأس الشريف المكرم الذي عنده الكوكب المنير المفخم وهو بهذه الحالة مستدبر القبلة كما هو مشاهد بالحس . وقد عاينت ذلك منّ اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; عليّ بالعود إلى ما هنالك على أحسن حال وأتمّ منوال أنه على ذلك وغيره قدير فعال ومعطي النوال قبل السؤال أج .
قوله : ( ويبعد عنه نحو أربعة أذرع ) والذي في كتب غير واحد من المالكية : القرب أولى ؛ والمعتمد عندنا البعد أولى . وقد ذكر النووي في إيضاحه أن هذا من جملة الصواب الذي أطبق عليه العلماء كما يبعد عنه لو حضر في حياته اه . ويؤيد ذلك قول أئمتنا : ويقرب زائر الميت منه كقربه منه حياً ؛ وحينئذ فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال ، فقول بعضهم إن البعد بأربعة أذرع أو ثلاثة إنما هو باعتبار ما كان أي من الناس كانوا يصلون لجدار القبر الشريف ، وأما الآن فقد جعل عليه مقصورة بعيدة عنه منعت الناس من الوصول إليه أو إلى قريب منه فإنما يقف خلف الشباك الحديد الذي في المقصورة الدائرة حول الحجرة الشريفة ، فإن تمكن من دخول المقصورة فهو أولى لأنه موقف السلف سواء قلنا يبعد بنحو ثلاثة أذرع أو أربعة يردّ بما ذكرته من أن البعد كلما زاد كان أولى ؛ لأنه اللائق بالأدب ، ولأنه الذي دل عليه كلامهم المذكور اه من الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم .
قوله : ( علق الدنيا ) جمع علقة كغرفة وغرف ، أي تعلقاتها . والعلقة لغة : ما يبتلع من العيش ، ومنه : إنما يأكلن العلقة من الطعام أي القليل كما في التقريب ، والمراد هنا الأعم .
قوله : ( ويسلم بلا رفع صوت ) قال العلامة حج في الجوهر المنظم : يسنّ له إذا أوصاه أحد بالسلام على رسول الله أن يقول : السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ؛ أو نحو هذا من العبارات . فإن قلت : يشكل على تصريحهم بسنة هذا قولهم : لو أمر إنسان آخر بالسلام له على غيره وجب عليه ، أي إن لم يصرح بعدم القول كما هو ظاهر أن يسلم عليه عنه ، ويجب على المسلم عليه الرد بلسانه فوراً كما لو كان المسلم حاضراً ، وهو حيّ في قبره فلم لم يجب على من حمل سلاماً عليه أن يسلم عليه نظير ما تقرر في الحي . قلت : يفرق بينهما بأن القصد بالسلام ابتداء وردّاً من الأحياء التواصل وعدم التقاطع الذي يغلب وقوعه بين الأحياء ، وحينئذ فإرسال السلام للغائب(3/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
القصد به مواصلته وعدم مقاطعته : وإذا كان هذا هو القصد به كان تركه مع تحمله سبباً أو وسيلة إلى المقاطعة المحرمة ، أي من شأنه ذلك ، وللوسائل حكم المقاصد ، فاتجه تحريم ترك إبلاغ السلام . وأما إرسال السلام إليه فالقصد منه الامتداد منه وعود البركة على المسلم ، فتركه ليس فيه إلا عدم اكتساب فضيلة للغير ، فلم يكن لتحريمه سبب يقتضيه ، فاتجه أن ذلك التبليغ سنة لا واجب . فإن قلت : صرحوا بأن تفويت الفضائل على الغير حرام كإزالة دم الشهيد . قلت : هذا اشتباه ، إذ فرق واضح بين عدم اكتساب الفضيلة للغير وتفويت الفضيلة الحاصلة على الغير ، فمن ثم حرم هذا التفويت ولم يحرم ترك ذلك الاكتساب ، فافهم .
قوله : ( الإفراد ) سمي بذلك لإفراد كل نسك بإحرام وعمل .
قوله : ( في عام واحد ) ليس بقيد ، بل يحصل الإفراد بوجود العمرة في العام القابل ؛ نعم يشترط لأفضلية الإفراد أن يعتمر في عامة كما يأتي .
قوله : ( وهو عكسه ) وسمي الآتي بذلك متمتعاً لتمتعه بمحظورات الإحرام بين النسكين ولتمتعه بسقوط العود للميقات عنه ، شرح المنهج ؛ لأنه يحرم للحج من مكة كأهل مكة . وقوله بمحظورات الإحرام أي بفعلها ، وفيه أن هذا يأتي في الإفراد . وأجيب بأن وجه التسمية لا يوجب التسمية كما قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( قبل شروع في طواف ) أما إذا شرع فيه فلا يصح إحرامه بالحج لاتصال إحرام العمرة بمقصوده وهو أعظم أفعالها فيقع عنها ولا ينصرف بعد ذلك إلى غيرها ، شرح المنهج .
قوله : ( ثم يعمل عمل الحج فيهما ) أي فيحصلان اندراجاً للأصغر في الأكبر للخبر(3/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
الصحيح : ( مَنْ أَحْرَمَ بالحجّ والعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ واحدٌ وسَعْيٌ واحدٌ عنهما حتى يحلَّ منهما جميعاً ) شرح حج ؛ وعبارة ح ل : وتلك الأعمال لهما معاً ، وقيل للحج والعمرة مندرجة فيه .
قوله : ( وأفضلها الإفراد إن اعتمر الخ ) فإن أخرها عنه كان مكروها والمراد بالعام ما بقي من ذي الحجة الذي أوقع حجه فيه . وشمل كلامه ما لو اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من عامه فيسمى إفراداً أيضاً ، والمراد أنه أفضل من التمتع الموجب للدم وإلا فمطلق التمتع يشمل ذلك كما صرح به الشيخان أج .
قوله : ( إن لم يكونا الخ ) والمعنى فيه أي في عدم وجوب الدم على حاضري المسجد الحرام أنهم لم يربحوا ميقاتاً ، شرح المنهج ؛ أي لم يستفيدوا ترك ميقات عام لهم ولغيرهم ، بخلاف المتمتع فإنه استفاد ترك ميقات الحج لأنه صار يحرم من مكة ، والقارن استفاد ترك ميقات العمرة وهو الخروج لأدنى الحل . وعبارة سم : كيف عدم الريح مع وجوب الإحرام عليهم من أماكنهم ؛ ثم رأيته في شرح الروض اعتذر بأن المراد لم يربحوا ميقاتاً عامًّا لأهله ولمن يمر به اه بحروفه .
قوله : ( والتلبية ) روى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن سهل بن سعد مرفوعاً : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يلبيِّ إلا لبَّى ما عَنْ يمينه وشَمالِهِ مِنْ حَجَرٍ أو شَجَرٍ أو مَدَرٍ حتى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وهَهُنَا ) أي من منتهى الأرض من جانب الشرق وإلى منتهى الأرض من جانب الغرب يعني يوافقه في التلبية كل رطب ويابس في جميع الأرض . قال ابن العربي : وفيه تفضيل لهذه الأمة لحرمة نبيها ، فإن اللَّه أعطاها تسبيح الجماد والحيوان معها كما كانت تسبح مع داود ، وخصّ داود بالمنزلة العليا لأنه كان يسمعها ويدعوها فتجيبه وتساعده اه مناوي على الخصائص .
قوله : ( بلسانه ) أي بلغته .
قوله : ( فلو دخل بعد الوقوف ) أي وبعد نصف الليل ، فلو دخل قبل النصف طاف طواف القدوم أخذاً من التعليل .
قوله : ( المبيت بمزدلفة ) أي بعد رجوعه من عرفة .(3/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
قوله : ( خلف المقام ) أي بأن يكون بين المصلى والكعبة ؛ والأولى : وخلف المقام بالواو ؛ لأن ذلك سنة أخرى .
قوله : ( فإن لم يتيسر ) أي لم يرد ذلك .
قوله : ( فحيث شاء ) ولا يفوتان إلا بالموت كما قاله ابن شرف . فإن قلت : كيف هذا مع أنه يغني عنهما فريضة ونافلة ؟ قلت لا يضر هذه لاحتمال أنه لم يصلّ بعد الطواف أصلاً أو صلى لكنه نفى سنة الطواف اه ع ش على م ر .
قوله : ( من الحرم ) ليس بقيد أج .
قوله : ( المبيت بمنى ) في حال ذهابهم إلى عرفة ، وقوله ( ليلة عرفة ) أي ليلة التاسع .
قوله : ( ليلة عرفة ) وهي ليلة التاسع . وقد ترك الناس اليوم هذه السنة وابتدعوا المبيت تلك الليلة بعرفة ، والمعتمد أنه بدعة حسنة كما قرره النور الزيادي .
قوله : ( ويتجرد الرجل ) أي الذكر ولو صبياً ومجنوناً ؛ لأن الرجل يقال على ما يقابل الأنثى . فإن قلت : فلأي شيء أمر المحرم بالتجرد من لبس المخيط مع أن من الأدب عند ملاقاة الأكابر لبس أفخر الثياب عادة ؟ فالجواب : إنما أمر العبد بمثل ذلك إشارة إلى أن من الأدب من كل مذنب أن يأتي ربه خاشعاً ذليلاً متجرداً من جميع العلائق الدنيوية ليقبله السيد ويخلع عليه خلع الرضا ، قال تعالى : ) إنما الصدقات للفقراء والمساكين } ) التوبة : 60 ) الآية ، إذ الغني اللابس لثياب الزينة لا يستحق صدقة من الحق تعالى في العادة ، وقد يتفضل الله تعالى على الأغنياء بالصدقة عليهم زيادة على ما عندهم كالفقير بحسب ما سبق في علمه اه شعراني . وقوله عند الإحرام أي إرادته .
قوله : ( فقال بالاستحباب ) ويمكن الجمع بحمل الوجوب على ما بعده الإحرام وما معه والاستحباب على ما قبله ، ذكره م د . قال شيخنا العشماوي : وفيه أن القولين فيما قبل الإحرام لا بعده ، إذ لا خلاف فيما بعده فالخلاف معنوي وهذا الجمع يقتضي أن الخلاف لفظي ، وليس كذلك ، فما ذكره المحشي من الجمع غير ظاهر ، فقوله فقال فيه بالاستحباب وعليه لا يجب التجرد إلا بعد الإحرام ، والمعتمد أنه واجب قبله وبعده ومعه .(3/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
قوله : ( ليشمل الخف ) لعل المراد به غير المخيط ، وإلا فهو داخل في المخيط كما قرره شيخنا . قال زي : والضابط لما يحرم أن يكون فيه إحاطة للبدن أو لبعض الأعضاء كجعل لحيته في خريطة .
قوله : ( ندباً ) لو ذكره بعد أبيض كغيره لكان أولى .
قوله : ( ونعلين ) المراد بهما ما لا يحرم بالإحرام كالمداس والتاسومة والقبقاب بشرط أن لا يسترن جميع أصابع الرجل وإلا حرم الجميع ، فإذا لم يجد نعلين واحتاج للبس الخفين وقطعهما فلا فدية بهذه الشروط الثلاثة ، أي قوله فإذا لم يجد نعلين والاحتياج والقطع . وعبارة شرح م ر : ويسنّ لبس نعلين لخبر : ( ليُحْرِمْ أَحدُكُمْ في إزَارٍ ورِدَاءٍ ونَعْلَيْنِ ) انتهت . فقول ق ل إن عطفهما على إزار يقتضي ندب لبسهما ، وليس كذلك مخالف لما صرح به الشمس م ر .
فصل : في محرمات الإحرام الخ
أي ما يحرم بسببه ، فهو من إضافة المسبب للسبب . وكلها صغائر إلا قتل الحيوان المحترم والجماع المفسد فإنهما من الكبائر كما قرره شيخنا ح ف . وهي على ثلاثة أقسام : منها ما يحرم على الرجل فقط كستر بعض رأسه ولبس المخيط ، ومنها ما يحرم على المرأة فقط كستر بعض وجهها والقفاز ، ومنها ما يحرم عليهما كباقي المحرمات . وقد نظمها م د بقوله :
يحرم بالإحرام لبس رجل
لما يحيط مع ستر الرأس
كذاك ستر امرأة لوجهها
قفازها لا غير من لباس
وامنعنّ الطيب لكل محرم
ودهن شعر وجهه أو راس
وأن يزيل شعراً وظفراً
والوطء والوداع لا من ناسي
كذا تعرض لصيد برّ
يؤكل ذو توحش بباساه
والحاصل أن المحرمات في الإحرام على ثلاثة أقسام : قسم تجب فيه الفدية مطلقاً ولو ناسياً أو جاهلاً وهو الإتلاف ، كإزالة الشعر والظفر وقتل الصيد وغير ذلك ، وقسم لا فدية فيه(3/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
وإن تعمد وهو عقد النكاح وإن حرم على العالم ، ولا يصح أيضاً وقسم إن تعمد وجبت وإلا فلا ، كالترفهات كالدهن واللبث والطيب اه .
قوله : ( ويحرم على المحرم الخ ) أي سواء كان إحرامه صحيحاً أو فاسداً ، وسواء كان فساده في الابتداء أو في الدوام .
قوله : ( لبس المخيط ) أي على الرجل دون المرأة ، فكان على الشارح تقييده بالرجل أخذاً مما سيأتي في تغطية الرأس .
قوله : ( واللبد ) بكسر اللام بوزن حمل ، وهو ما تلبد من شعر أو صوف كما في المصباح ، فقول م د إنّ عطف اللبد على الملزوق من عطف الخاص على العام ، إذ هو من الملزوق وغير ظاهر ؛ لأن كونه من الملزوق يقتضي أنه عطف مرادف ، وعلى كلام شيخ الإسلام يكون عطف عام على خاص لأنه جعله شاملاً للملزوق . وقال شيخ الإسلام في شرح الروض : والظاهر أن اللبد على نوعين نوع معقود ونوع ملزوق .
قوله : ( في جميع بدنه ) أي في أيّ جزء من بدنه ، بخلاف المرأة فإن المحرّم إنما هو لبس القفازين وتغطية الوجه .
قوله : ( إذا كان معمولاً على قدره ) ليس قيداً ؛ نعم الوجه لا بد فيه من كونه على قدره لا أزيد ، وحينئذ ففي المفهوم تفصيل وهو أن الزائد يحرم في غير الوجه ولا يحرم في الوجه ، وعليه فلو وضع شيئاً لا على وجهه لا إثم عليه ولا فدية .
قوله : ( على الهيئة المألوفة ) متعلق بلبس الذي في المتن .
قوله : ( أو قباء ) عبارة عن القفطان الذي يلبس مفتوحاً فإنه لا فدية عليه ، والقبا بالمد والقصر قيل هو فارسي معرب وقيل عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك عليه ، سمي بذلك لانضمام أطرافه . ورُوي عن كعب أن أول من لبسه سليمان بن داود عليهما السلام كما في فتح الباري ، والأولى في المقابلة فلا حرمة في ذلك . وقوله والأصل في ذلك أي في محرمات الإحرام من حيث هي ، وقوله إن رجلاً انظر ما اسمه .
قوله : ( فقال لا يلبس الخ ) حاصل ما أجاب به سبعة ، وقوله القمص بصيغة الجمع جمع قميص ، وقوله لا يجد نعلين أي جائزين كالتاسومة .(3/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
قوله : ( وليقطعهما أسفل الخ ) بأن يجعلهما كالبابوج . قال ابن حجر : وظاهر إطلاق الاكتفاء بقطعه الخف أسفل من الكعبين أنه لا يحرم وإن بقي منه ما يحيط بالعقب والأصابع وظهر القدمين ، وعليه فلا ينافي تحريم السرموجة لأنه مع وجود غيرها اه . والمراد بقوله وليقطعهما أي قبل لبسهما ، فهو على التقديم والتأخير . ومحل جواز لبسهما بعد القطع عند فقد غيرهما وعند الحاجة ، ويدل له قوله إلا أحداً لا يجد نعلين كما في م ر .
قوله : ( ولا يلبس من الثياب الخ ) فإن لبسه على الهيئة المعتادة حرم من جهتين اللبس والطيب وإن لم يكن على المعتاد في لبسه حرم من جهة الطيب فقط .
قوله : ( من الرجل ) راجع للبس المخيط وتغطية الرأس .
قوله : ( وراء الأذن ) نعم لا يحرم ستر شعر خرج عن حدّ الرأس .
قوله : ( بما يعد ساتراً عرفاً ) وإن حكى البشرة كثوب رقيق ؛ لأنه يعد ساتراً هنا بخلاف الصلاة .
قوله : ( والطيلسان ) ما يوضع على الرأس كالشال .
قوله : ( الثخينان ) في أكثر النسخ الثخينين وليس بظاهر ؛ لأن قطع النعت لا يجوز في مثل هذا ، بخلاف الرقيقين والماء الكدر فلا يحرم انغماسه في ماء كدر ، وكذا وضع يده على رأسه وإن قصد به الستر ، وكذا وضع نحو قفة على رأسه لم يعمها أو غالبها ولم يقصد الستر ، شرح م ر .
قوله : ( من على بعيره ) أي من فوقه فعلى اسم .(3/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
قوله : ( كاستظلال بمحمل ) أي وإن قصد مع ذلك الستر ، لأنه لا يعد ساتراً عرفاً . وفصل بعضهم بين قصد الستر فيفدي وإلا فلا قياساً على ما لو وضع على رأسه زنبيلاً ، وردّ بوضوح الفرق بين الصورتين إذ الساتر ما يشمل المستور لبساً أو نحوه ونحو الزنبيل يتصور فيه ذلك ، فأثر القصد فيه ، بخلاف الهودج ، اه شرح العباب .
قوله : ( وإن مسه ) غاية .
قوله : ( فإن لبس ) الضمير فيه يرجع للرجل المحرم ، وقوله أو ستر ذلك أي المحيط بالنظر للبس أو بعض الرأس بالنظر للستر ، فالفعلان تنازعا في اسم الإشارة . وقال بعضهم : اسم الإشارة راجع لبعض الرأس ، ومفعول لبس محذوف أي المخيط ، ولا يقال إن هذا من التنازع لاختلاف مرجع اسم الإشارة .
فرع : إذا لبس المحرم ثوباً فوق ثوب مع اختلاف الزمان فإن ستر الثاني ما لم يستره الأوّل تعددت الفدية وإِلا فلا ، ومثله في ذلك ما لو ستر رأسه بساتر فوق ساتر . سم عن م ر .
قوله : ( ستر بعض الوجه الخ ) الأولى تغطية لأنها المذكورة في المتن .
قوله : ( والكفين ) كذا في بعض نسخ المتن على ما قاله المؤلف وبإسقاطها على ما قاله الغزي وهو الصواب ، إِذ للمرأة كما سيأتي في كلامه لبس المخيط وغيره في الرأس وغيره إِلا القفاز فليس لها ستر الكفين ولا إحداهما به ، بخلاف ما إذا سترت كفيها بكميها أو بخرقة لفتها فلا يحرم م د . وقال بعضهم : قوله والكفين أي بالقفازين خاصة لا بنحو كميها فلا يحرم ، وحينئذ يندفع الاعتراض بأن الأولى حذفهما ؛ بشبيشي مع زيادة .
قوله : ( من المرأة ) راجع للأمرين قبله ، وهو ليس قيداً لأنهما حرامان على الرجل أيضاً إذا كانا مخيطين . ويمكن أن يقال إن بين الرجل والمرأة فرقاً في ذلك ، فإن المرأة لا يحرم عليها في الكفين إِلا القفازان بخلاف الرجل يحرمان عليه وغيرهما من كل محيط .
قوله : ( ولو أمة ) أي مع أن الأمة . توسع فيها في الصلاة بالنسبة للعورة لكن لم يتوسع فيها هنا ، بل كانت كالحرة ، وبهذا صح جعلها غاية .(3/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
قوله : ( وعلى الحرة الخ ) جواب عن سؤال حاصله : أن المرأة إذا كانت في الصلاة وجب عليها ستر رأسها ويجب عليها كشف وجهها للإحرام ، فإذا لم يمكنها ستر رأسها إِلا بستر شيء من وجهها فقد تعارض عليها واجبان الصلاة والإحرام فما المخلص لها ؟ فأجاب بأنها تراعي الصلاة .
قوله : ( مما يلي الوجه ) فيه أن ما يلي الوجه من الرأس ؛ ولا معنى له ، فالمناسب أن يقول : مما يلي الرأس ، أو يقول : من الوجه . وعبارة م ر : مما يليه ، أي الرأس من الوجه ، وهي أولى بل الصواب ؛ لأن ما يلي الوجه ليس من الوجه مع أن المقصود أنها تستر من الوجه ما لا يتم ستر الرأس إِلا به .
قوله : ( والمحافظة ) عبارة شرح المنهج : لا يقال لم لا عكس ذلك بأن تكشف من رأسها ما لا يتأتى كشف وجهها إِلا به ؟ لأنا نقول الستر أحوط من الكشف .
قوله : ( على ستره ) أي الرأس .
قوله : ( لكونه عورة ) أي في الصلاة .
قوله : ( لأن رأسها ليس بعورة ) أي في الصلاة لا مطلقاً .
قوله : ( وإذا أرادت المرأة ستر وجهها ) فيه إشارة إلى وجوب كشف وجهها ولو بحضرة الأجانب ومع خوف الفتنة ويجب عليهم غضّ البصر ، وبه قال بعضهم . والمتجه في هذه وجوب الستر عليها بما لا يمسه الآتي اه ق ل .
قوله : ( بثوب ) الأولى إسقاط الباء ، مرحومي ؛ لأن ثوباً بدل من ما .
قوله : ( بحيث لا يقع ) أي نحو الثوب على البشرة ، فإن وقع عليها فإن كان بفعلها أو استدامته لزمتها الفدية وإِلا بأن سقط قهراً ورفعته حالاً فلا فدية اه م د .
قوله : ( وسواء أفعلته الخ ) لا يلائم ما قبله فإن ما قبله مقيد بالحاجة ، إذ ستر الوجه عن الناس من الستر لحاجة ؛ فالمناسب لفظاً أن يطلق أوّلاً في الستر كأن يقول : فإذا أرادت المرأة ستر وجهها أرخت الخ ، ثم يقول : وسواء الخ .(3/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
قوله : ( يحرم على الخنثى الخ ) لأنه إما أنثى أو ذكر .
قوله : ( وله ستر وجهه الخ ) ضعيف ، والمعتمد أنه يحرم عليه ذلك لأنه ملحق بالأنثى . وعبارة م ر : وليس له ستر وجهه مع كشف رأسه خلافاً لمقتضى كلام ابن المقري في روضه . قال ق ل : ولعل كلام الشارح سبق قلم ، وكان الأولى أن يقول ويجب عليه كشف وجهه وستر رأسه ؛ لأنه كالمرأة هنا كما صرحوا به . وحاصل مسألة الخنثى أنه إما أن يستر وجهه ورأسه أو يكشفهما أو يستر الوجه ويكشف الرأس أو يعكس ، ففي الصورة الأولى يأثم وتجب عليه الفدية ، وفي الثانية والثالثة يأثم ولا فدية ، وفي الرابعة لا إثم ولا فدية كما قرره شيخنا ح ف ؛ لأن الرابعة هي الواجبة عليه كما قاله ق ل .
قوله : ( لا نوجبها بالشك ) لاحتمال أنه ذكر .
قوله : ( وأن لا يستتر ) لو قال أن لا يلبس المخيط لكان أولى ق ل ؛ لأن الستر يصدق بما إذا اتزر بسراويل أو ارتدى بقميص مع أنه لا يحرم ، فتأمل .
قوله : ( وترجيل الشعر ) أي تسريحه ؛ والأولى حذف ترجيل بأن يقول : ودهن الشعر ، لأن المراد استعمال الدهن في شعر الرأس أو الوجه ولو بعض شعرة ق ل بالمعنى . فالمدار هنا على التدهين والترجيل ليس قيداً ، ومن هنا إلى آخر المحرمات عامّ في الرجل والمرأة ، وما تقدم على التوزيع الأولان للرجل وما بعدهما إلى هنا للمرأة .
قوله : ( بالدهن ) بالضم ما يدهن به ، وأما بفتحها فهو الفعل أعني التدهين أ ج .
قوله : ( وشمع ) بفتح الميم ويجوز إسكانها كما صرح به السيوطي .
قوله : ( ولو واحدة ) أي إن كانت مما يقصد به التزيين كشعر اللحية ؛ لأن هذا هو مناط التحريم ، مرحومي ؛ أي بخلاف واحدة من الإبط أو العانة .
قوله : ( لما فيه ) أي ترجيل الشعر بالدهن ، وقوله من تزيين أي ولو بعد طلوعه .(3/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
قوله : ( الأقرع ) أي الذي لا ينبت ، وقوله والأصلع أي في محل الصلع فقط ، وقوله وذقن الأمرد أي إذا لم يبلغ أوان نبات لحيته لأنها حينئذ كالرأس المحلوق م ر . فإذا بلغ أوان الطلوع لم يلتح يقال له ثطّ .
قوله : ( لانتفاء المعنى ) أي التزيين والتنمية .
قوله : ( وباطناً ) كباطن أنفه وأذنيه .
قوله : ( وأكله ) أي إن لم يمس شيئاً من نحو شاربه وإِلا فيحرم ق ل ، وكذا يقال فيما بعده .
قوله : ( وشارب ) وحينئذ فليتنبه لما يغفل عنه كثيراً من تلويث الشارب والعنفقة بالدهن عند أكل اللحم ، فإنه مع العلم والتعمد حرام فيه الفدية شرح م ر .
قوله : ( وهذا ) أي ما قاله العراقي من التفصيل . فجملة الأقوال ثلاثة في شعر الوجه الحرمة وعدمها والتفصيل المذكور ؛ لكن هذا التفصيل ضعيف والمعتمد عند م ر ما قاله المحب الطبري .
قوله : ( غسل بدنه ) أي وملبوسه .
قوله : ( من غير نتف ) أما بنتف فحرام .
قوله : ( الذي لا طيب فيه ) أما ما فيه طيب فحرام .
قوله : ( ما لم يقطع بهما شعر ) وإِلا حرما .
قوله : ( ومثل الحلق النتف ) ولو كشط المحرم جلدة الرأس فلا فدية ، إذ الشعر تابع ؛ شوبري .(3/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
قوله : ( الصادق ببعض شعرة ) كيف هذا مع قوله بعد : وفي جميع ذلك الفدية مع أن الواحدة فيها مدّ ؟ وأجيب بأن المراد بالفدية ما يشمل المد ، أو هذا بالنسبة للحرمة وتكمل الفدية في ثلاث فأكثر ، بخلاف الدهن فإن فيه الفدية ولو لبعض شعرة من رأسه أو وجهه لحصول الترفه بذلك ق ل وأ ج .
قوله : ( والطيب ) أي التطيب به على الوجه المألوف فيه كالتبخر بالعود ، بخلاف أكله وحمله . فإن قال قائل : فلأيّ شيء حرم الطيب على المحرم مع أنه في حضرة الله الخاصة كالصلاة والطيب مستحب في الجمعة ؟ فالجواب إنما حرم ذلك لحديث : ( المُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ ) ولأن المطلوب من المحرم إظهار الذل والمسكنة واستشعار الخجل من الحق تعالى وطلب الصفح والعفو خوفاً من معاجلة العقوبة كما ورد : ( إن السيد آدم عليه الصلاة والسلام لما حجّ من بلاد الهند ماشياً تاب الله عليه في عرفات وتلقى هناك كلمات الاستغفار بقوله : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) .
قوله : ( ولو مع غيره ) المناسب : ولو مع غيرها أي الرائحة كما في شرح المنهج ، أي ولو كان القصد منه رائحته مع غيره كالتداوي فيكون غاية في يقصد ، ويؤيده قوله بعد : وإن كان يطلب للصبغ والتداوي أيضاً . ويحتمل أن يكون المعنى ولو استعمله مع غيره كأن خلطه بغيره وتطيب به كما قال شيخنا العشماوي ، وربما يؤيده قوله الآتي : ولو استهلك الطيب الخ فتأمل .
قوله : ( أشهر طيب الخ ) وهو نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به ، قيل : وهو صنف من الكركم ، وقيل : يشبهه اه مصباح .
قوله : ( في ملبوسه ) أي ولو نعلاً .
قوله : ( بأكل ) أي اعتيد الطيب به لذلك كالمسك ، بخلاف أكل العود .
قوله : ( أو إسعاط ) هو الإدخال في الأنف .
قوله : ( أن يلصق ) ومن ذلك البخور بنحو العود فإن فيه لصق أجزاء الدخان ببدنه أو ملبوسه وخرج به مجرد الشم كما في م ر وما إذا ألقته عليه الريح .(3/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
قوله : ( ولا لون ) اعتمد م ر . أنه لا ضرر ببقاء اللون ، وعبارته : فلو كان في مأكول بقي فيه ريح الطيب أو طعمه حرم لأن الريح هو الغرض الأعظم من الطيب والطعم مقصود منه أيضاً ، بخلاف اللون وحده .
قوله : ( وما يقصد به الأكل ) مفهوم قوله بما يقصد منه رائحته .
قوله : ( الأبازير ) أي أنواع الروائح ، وهو جمع بزر كحب هان . وفي إطلاق الأبازير على المصطكى تغليب لأن المصطكى ليس لها بزر ، وكذا المسك ، ثم رأيت المرحومي قال : قوله كالمصطكى تنظير لا تمثيل اه . والمصطكى بضم الميم وتخفيف الكاف والقصر أكثر من المد ، قال بعضهم : تشدد فتقصر وتخفف فتمد ، وحكى ابن الأنباري فتح الميم والتخفيف والمد ، وذكر غيره القصر أيضاً ، ويقال : مصتكى بالتاء اه مصباح .
قوله : ( يحرم على المحرم ) لا حاجة لهذا لأن الكلام في محرّمات الإحرام ، وانظر لم صرح به في هذا دون غيره . ولعله لأجل التقييد بقوله إذا كان الخ أو اعتناء به لكونه من الكبائر .
قوله : ( قتل الصيد ) القتل ليس قيداً إذ يحرم أيضاً التعرض له باصطياد أو نحوه ، نعم الفدية إنما هي في قتله أو نحوه .
قوله : ( مأكولاً ) أي يقيناً ح ف . وقوله وحشيًّا أي أصالة وإن تأنس بخلاف الإنسي وإن توحش نظراً لأصله كما في شرح المنهج .
قوله : ( وحرم عليكم صيد البرّ الخ ) قال القفال في الفرق بين البري والبحري : إن البري إنما يصاد غالباً للتنزه والتفرج والإحرام ينافي ذلك ، بخلاف البحري فإنه يصاد غالباً للاضطرار أو المسكنة فحلّ مطلقاً حينئذ م ر اه .
قوله : ( أي أخذه ) حمل الشارح الصيد على المصيد فاحتاج إلى تقدير المضاف ؛ لأن الحرمة تتعلق بالأفعال لا بالذوات ، ولو حمله على الاصطياد لاستغنى عن تقدير المضاف .(3/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
قوله : ( بين ذئب ) فالذئب وحشي لأنه لا يؤنس به . فإن قلت : ما الفرق بين المتولد بين ذئب وشاة وبين المتولد بين حمار أهلي وحمار وحشي مع أن كلاًّ منهما متولد بين مأكول وغير مأكول وبين وحشي وغيره ؟ قلت : أجيب بأن الذئب وحشي غير مأكول والحمار الوحشي مأكول ، وقوله كبغل فإنه متولد بين حمار أهلي وفرس .
قوله : ( ملتزم الأحكام ) ليس بقيد إِلا من حيث الضمان .
قوله : ( بحرمة الله ) أي بحكمه الأزلي القديم .
قوله : ( وقيس بمكة باقي الحرم ) يمكن أن يراد بالبلد ما يشمل الحرم ، فلا حاجة للقياس .
قوله : ( وكذا قبوله ) لا حاجة إليه لأن كلام المتن يشمله ؛ لأن العقد يشمل الإيجاب والقبول ، ومثل العقد الإذن فيه . نعم لا يمتنع عقد النكاح على نائب الإمام والقاضي بإحرامهما . وبهذا يلغز ويقال : لنا رجل محرم بالحج أو العمرة يعقد نائبه النكاح ويصح منه وهو عامد عالم ذاكر مختار ولا إثم عليه في ذلك اه م د .
قوله : ( أو لوكيله ) صوابه أو لموكله ، وسواء كان الموكل محرماً أو حلالاً والوكيل محرم ولا بدّ .
قوله : ( عن الرجعة ) وكذا الشهادة على العقد وزفاف المحرمة للحلال ، وعكسه ق ل . قال ابن حجر : وندب له ترك الخطبة وكرهت رجعته ، وجاز كونه شاهداً في نكاح الحلالين .
قوله : ( والوطء ) فيحرم بالإجماع على المحرم إما مطلقاً أو بحج أو بعمرة أو بهما حتى يحرم على المرأة الحلال تمكين المحرم منه ؛ لأن فيه إعانة على معصية . ويحرم على الرجل الحلال أيضاً حال إحرام المرأة ما لم يرد تحليلها بشرطه اه . ومحل حرمته وإفساده الحج إذا كان من عاقل عالم مختار ، فإن فقد واحد من هذه الثلاثة فلا حرمة ولا إفساد .(3/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
قوله : ( في قبل ) أي متصل أو منفصل ق ل . وعبارة شرح م ر : ووطء ، أي ولو لبهيمة في قبل أو دبر بذكر متصل أو بمقطوع ولو من بهيمة أو من قدر الحشفة من فاقدها اه . وكتب الرشيدي على قوله أو بمقطوع : أي بالنسبة للمرأة ، بأن استدخلت ذكراً مقطوعاً فيحرم عليها ويفسد حجها وإن كانت لا تجب عليها الفدية كما يأتي .
قوله : ( وكذا المباشرة ) أشار إلى أن هذا من جملة العشر . وعبارة م ر : وتحرم مقدماته أيضاً كقبلة ونظر ولمس ومعانقة بشهوة ولو مع عدم إنزال ، أو مع حائل ولا دم في النظر بشهوة ، والقبلة بحائل وإن أنزل ؛ بخلاف ما سوى ذلك من المقدمات فإن فيه الدم وإن لم ينزل إن باشر عمداً بشهوة اه . والدم مقيد بقيدين المباشرة عمداً والشهوة .
قوله : ( قبل التحلل ) ليس بقيد .
قوله : ( وكذا يحرم الاستمناء ) ولا تجب به الفدية إِلا إذا أنزل ، شرح المنهج . واعلم أن الاستمناء بيد غير الحليلة حرام مطلقاً ، وكذا بيد حليلته في الإحرام أو صوم الفرض اه .
قوله : ( أي المحرمات ) هو تفسير لاسم الإشارة المفرد ، وهو غير مستقيم لأن ذا لا يشار به إِلا للمفرد المذكر والمشار بها على كلامه جمع ، ولو فسره بالمذكور وبينه بالمحرمات لكان أولى .
قوله : ( أو قبوله ) لا حاجة إليه كما تقدم .
قوله : ( فلا فدية فيه ) أتى الشارح بهذا ليحسن الاستثناء في كلام المصنف لأن الكلام في وجوب الفدية ، ولا معنى لاستثناء عدم الانعقاد من وجوب الفدية ؛ فأشار الشارح إلى أن قول المصنف فإنه لا ينعقد علة لمحذوف وهو القصود بالاستثناء .
قوله : ( في فدية الجماع ) أي أو بدلها ، وكذا في شاته كالواقع بعد الجماع غير المفسد أو بين التحللين سواء طال الزمن بين المقدمات والجماع أم قصر ، شرح م ر .
قوله : ( ولا يفسده ) انظر لو علت عليه ولم يوجد منه حركة ولم ينزل ، هل يجري فيه ما في الصوم من عدم فساد صومه وعدم الفدية ؟ لا يبعد الجريان ، حرر .
قوله : ( أي الإحرام ) أي إحرام الواطىء والموطوءة ، والفدية خاصة بالرجل كما يأتي .(3/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
قوله : ( إِلا الوطء ) أي من غير الخنثى .
قوله : ( إذا وقع في العمرة ) أي المفردة ، أما غير المفردة فهي تابعة للحج صحة وفساداً ، شرح المنهج .
قوله : ( وفي الحج ) أي إذا وقع قبل التحلل الأول ، إذا تكرر الجماع حينئذ وجب فيما عدا الأول في كل جماع شاة ح ل .
قوله : ( قبل الوقوف ) أي يفسده الوطء إذا وقع قبل الوقوف بإجماع .
قوله : ( ولو كان المجامع الخ ) غاية . وعبارة م ر : ولو كان نسكه تطوعاً من صبي أو قِنّ ؛ لأن إحرام الصبي صحيح وتطوعه كتطوع البالغ يلزم بالشروع فيه . قال ابن الصلاح : وإيجابه عليه ليس إيجاب تكليف ، بل معناه ترتبه في ذمته كغرامة ما أتلفه ، ولو كان الذي أفسده الجماع قضاء وجب قضاء المقضي لا القضاء ، فلو أحرم بالقضاء عشر مرات وأفسد الجميع لزمه قضاء واحد عن الأول وكفارة لكل من العشر .
قوله : ( فلا رفث ) أي مشروع وجائز . والرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال الخصام اه أ ج .
قوله : ( فلا يفسد ذلك بجماعة ) أي ولا فدية أيضاً . شوبري .
قوله : ( صح ) أي إذا قصد بالنزع ترك الجماع لا الاستلذاذ ، فإن قصد الاستلذاذ أو أطلق لم يصح إحرامه كما تقدم في الصوم م د .
قوله : ( بفعل اثنين ) قال في التنبيه : وإن قلنا إن الحلق ليس بنسك حصل التحلل الأول بواحد من اثنين الرمي أو الطواف وحصل له التحلل الثاني بالثاني اه . ويتجه مثله إذا لم يكن برأسه شعر ، شوبري على التحرير . وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
رمى وحلق مع طواف تبعاً
بالسعي ذي ثلاث فاستمعا(3/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
باثنين منها يحصل التحلل
إِلا النسا وبالثلاث يحصل
قوله : ( والقلم ) أي والدهن ، فكان الأولى ذكره فجملة ما يحل به ثمانية . قوله : ( ولا يحل به ) أي لا يحل به الاثنان الباقيان من العشرة ، فكان حق الشارح ذكر الوطء لأنه العاشر في كلام المصنف أو إطلاق المباشرة عن تقييدها بما دون الفرج فتكون شاملة له ، فتأمل وافهم ق ل .
قوله : ( إذا رميتم ) أي وطفتم أو حلقتم ، أو محمول على من لا شعر برأسه وفي رواية : ( إذا رميتم وحلقتم ) .
قوله : ( إِلا النساء ) أي العقد عليهنّ ووطؤهنّ ومقدماته .
قوله : ( وهو الرمي ) أي رمي أيام التشريق .
قوله : ( تحلل واحد ) وهو يحصل بأعمالها ، أعني الطواف والسعي والحلق أو التقصير .
قوله : ( محلان ) تثنية محل ، اسم فاعل من أحل ضد حرم م د .
قوله : ( انقطاع الدم ) قال في متن المنهج : وإذا انقطع لم يحل قبل طهر غير صوم وطلاق وطهر اه . ومراده بالطهر الأول الرافع للحدث ، وبالثاني غيره كغسل الجمعة والعيدين والوضوء .
قوله : ( وإذا جامع المحرم ) أي جماعاً يفسد نسكه فرضاً أو نفلاً ذكراً أو أنثى حراً أو رقيقاً . قوله : ( بل يجب ) بخلاف سائر العبادات حيث يخرج منها بالفساد كالصوم مثلاً ؛ لأن(3/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
الحج شديد التعلق واللزوم ، لأنه إذا لم يخرج منه بالموت كما تقدم فيما إذا مات وهو محرم فإن آثاره باقية ، بدليل قول النبي في المحرم الذي وَقَصَتْه ناقته : ( لا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنّه يُبْعَثُ يَوْمَ القيامة مُلَبّياً ) فعدم خروجه منه بغيره أولى فعلم من هذا أنه لو أحرم بالحج ثم وطىء قبل اشتغاله بأعماله فسد ووجب عليه المضي في فاسده وهو القضاء ، والبدنة ولا يجوز له أن يحرم به ثانياً ليأتي بحج صحيح ويتخلص من البدنة الواجبة عليه ، لأن الإحرام بالحج شديد التعلق فيكون لازماً للمحرم حتى يأتي بأعماله .
قوله : ( في فاسد نسكه ) خرج بالفاسد الباطل كأن ارتدّ فيه ، فلا يجب المضي فيه ق ل . وهذا من المواضع التي يفرق فيها بين الفاسد والباطل .
قوله : ( وصورة الإحرام الخ ) هذه فائدة جديدة ليست تصويراً لما قبلها ؛ لأن ما قبلها طرأ فيه الفساد بعد صحته كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فإنه ) أي الإحرام بالحج يصح الخ . قوله : ( وأما إذا أحرم وهو مجامع الخ ) هذه تقدمت ، وغرضه من الإتيان بها الرد على من جعله انعقد فاسداً في هذه الصورة أيضاً كما يدل عليه قوله على الأصح .
قوله : ( ومن فاته الوقوف ) أي من غير حصر ، أما مع الحصر ففيه تفصيل يأتي .
قوله : ( بعذر ) أي غير الحصر .
قوله : ( قبل حضوره ) لا حاجة إليه لأنه معلوم من قوله : ومن فاته الوقوف .
قوله : ( تحلل وجوباً ) أي بنية التحلل ، أي الخروج من الحج على الأوجه زي ؛ لأنه إذا أتى بأعمالها خرج من الحج وصار حلالاً . ولا يشترط نية العمرة كما قاله زي ؛ لأن القصد منها التحلل ، ولا تجزيه عن عمرة الإسلام كما يأتي ، فلو استدامه أي الحج الفاسد حتى حج من قابل لم يجزه ما لو وقف فإنه يجوز له ، بل يجب أن يصابر الإحرام للطواف والسعي لبقاء(3/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
وقتهما لأنه لا آخر له مع تبعيتهما للوقوف ، فإنه الركن الأعظم كما في شرح الروض . وهذا يفهم من قول المصنف الآتي : ومن ترك ركناً الخ .
قوله : ( وابتداؤه ) أي في غير أشهره ، وقوله لا يجوز أي لبقاء بعض الأعمال عليه ح ل . والمراد بقوله وابتداؤه أي من هذا المحرم أو ابتداؤه حجاً كما قاله سلطان ، فاندفع ما يقال قد تقدم أنه يجوز الإحرام بالحج في غير أشهره وينعقد عمرة . وحاصل الجواب : أن المعنى أن ابتداءه حينئذ لا يجوز لهذا المحرم أو ابتداؤه حجاً ، فلا ينافي أنه يجوز لشخص آخر أن يحرم بالحج في هذا الوقت وينعقد عمرة ، شيخنا .
قوله : ( أي بعملها ) وما فعله من عمل العمرة يحصل التحلل الثاني ، وأما الأول فيحصل بواحد من الحلق والطواف المتبوع بالسعي لسقوط حكم الرمي بالفوات ، فصار كمن رمي ولا يحتاج إلى نية العمرة ؛ لكن لا بد من نية التحلل بها . قال سم : ينبغي عند كل منها أي من أعمالها إذ ليست عمرة حتى يكفي لها نية في أولها .
قوله : ( بأركانها الخمسة ) لو سكت عن لفظ خمسة لكان صواباً ، إذ ليس هنا نية إحرام بها وإنما هنا نية تحلل وليست من أركانها م د .
قوله : ( فوراً ) ولا يشترط الاستطاعة بل يجب عليه ولو ماشياً ، ولو كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر ؛ وهذه العمرة التي حصل التحلل بها لها تحللان : الأول : يحصل بفعل الحلق أو الطواف المتبوع بالسعي إن كان هناك سعي ، والتحلل الثاني بفعل الآخر ؛ فقولهم العمرة لها تحلل واحد أي غير عمرة الفوات .
قوله : ( لأنه ) أي من فاته الوقوف .
قوله : ( فسلك طريقاً آخر ) أي أطول من الأول ، أما لو سلك طريقاً آخر مساوياً للأول أو أقرب منه أو صابر إحرامه غير متوقع زوال الإحصار ففاته الوقوف فعليه الإعادة .
قوله : ( فلا إعادة عليه ) أي إن كان نسكه غير فرض ، فإن كان فرضاً ففي ذمته إن استقر عليه كحجة الإسلام(3/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
بعد السنة الأولى من سني الإمكان ، وإِلا أي وإن لم يستقر كحجة الإسلام في السنة الأولى من سني الإمكان اعتبر استطاعته بعد ، أي بعد زوال الحصر إن وجدت وجب وإِلا فلا ؛ شرح المنهج . وقوله فلا إعادة عليه أي المحصر .
قوله : ( القضاء اللغوي ) وهو الأداء . قوله : ( تضيق وقته ) فلما تضيق وقته كان فعله في السنة التي أفسد فيها أداء ، فيكون فعله في السنة التي بعدها قضاء حقيقياً .
قوله : ( ويلزمه قضاء عمرة الإسلام ) أي أداؤها وقوله مع الحج ليس بقيد بل يجوز فعلها قبله أو بعده ، إِلا أن يقال إن قوله مع الحج ظرف ليلزم فالمعية في اللزوم لا في الفعل .
قوله : ( كالحائض ) مثال لقوله أم لا . وحاصله أنها إن كانت من أهل مكة أو قريبة منها لزمها مصابرة الإحرام حتى تأتي بالطواف ولو طال الزمان ويحرم عليها محرمات الإحرام ، وأما إذا لم تكن كذلك ورحلت القافلة وخافت على نفسها لو تخلفت فتخرج معهم حتى تصل لمحل لا يمكنها فيه الرجوع إلى مكة فتتحلل كالمحصر أي بذبح فحلق أو تقصير مع نية التحلل ويستقر الطواف عليها حتى تأتي بإحرام أي مطلق أو لأجل الطواف لأن إحرامها بطل بالتحلل ولا تحرم عليها المحرمات .
قوله : ( وكسر المهملة ) ولبعضهم :
أضمم أو اكسر في مضارع لحل
هذا إذا استعملت في معنى نزل
أما إذا استعملت في فك فضم
واكسره من حل المقابل لحرم
أي في مضارع حل المقابل لحرم :
وحل من إحرامه يحل
وغالباً أحل ذا يحل
قوله : ( المتقدم ذكره ) أي ذكر الواجب ، وكان المناسب ذكرها . قوله : ( من سائر العبادات ) كالوضوء والصلاة .(3/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
فصل : في الدماء الواجبة وما يقوم مقامها من الإطعام والصوم
واعلم أن ذكر هذا الفصل بعد ما تقدم من المحرمات مناسب ؛ لأنه ناشىء عن فعل شيء منها أو عن ترك شيء من الواجبات في الباب قبل ذلك . واعلم أن الدم يطلق على الحيوان وما يقوم مقامه من طعام وصيام ويطلق على نفس الحيوان فقط ، والشارح جرى على هذا الثاني حيث قال : وما يقوم مقامها ، والمراد بيان أحكامها من كونها على الترتيب والتقدير أو غيره كما يأتي ، فهو على تقدير مضافين .
قوله : ( خمسة ) هي بالنظر لكلام المتن منوّنة والشارح حذف التنوين حيث أضافها ، ففيه عدم المحافظة على كلام المتن ؛ وهذا على النسخة التي فيها أشياء من كلام الشارح . واعلم أنها بالنظر للأحكام أربعة وللأفراد أحد وعشرون ، فكلام المصنف والشارح لا يوافق واحداً منهما . ويجاب عن المصنف بأنه مشى على الأول ، ولكن أفرد دم الجماع بالعدّ مع أنه لا يخرج عنها لغلظه وفحشه ، وفي جعل الشارح ما ذكره من التسعة أنواعاً نظر فإنها أفراد لا أنواع ؛ نعم الدم المنوط بترك مأمور نوع فيكون غلبه م د .
قوله : ( وبطريق البسط تسعة ) فيه أنه إن أراد باعتبار الأحكام فهي أربعة كما ستأتي الإشارة إليه في الخاتمة ، وإن أراد باعتبار الأفراد فهي أكثر من ذلك إذ هي أحد وعشرون ؛ وحينئذ فكلام الشارح غير ظاهر اللهم إِلا أن يراد بالأنواع ما بعضه نوع وإن كان بعضه الآخر أفراداً ففيه تغليب النوع على الأفراد ، فهذه وإن كانت أفراداً إِلا أن بعضها وهو الدم المنوط بترك مأمور نوع فغلبه وعبر بالأنواع . ولو أبقى المتن بحاله وحمله على اعتبار الأحكام لكان أولى ، غاية الأمر أنه أفرد الدم الواجب بالوطء لغلظه فلا ينافيه عدّ غيره لها أربعة .
قوله : ( المنوط ) أي المتعلق .
قوله : ( ودم الاستمتاع ) كالتطيب واللبس ومقدّمات الجماع والجماع بين التحللين والدهن كما سيأتي .
قوله : ( أخلّ المصنف ) قد يقال لا إخلال لأنه داخل في الأول وهو دم ترك النسك ؛ لأن القران فيه ترك ميقات أحد النسكين ، فإنه يحرم بهما معاً من ميقات . وعبارة الشارح فيما يأتي :(3/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
وإنما لم يدخل هذا النوع أعني القران في تعبيره بترك النسك لأنه دم جبر لا دم نسك على المذهب في الروضة .
قوله : ( أحدها الدم الواجب الخ ) قال في الإيعاب : ويلحق بهذا الدم المندوب لترك طواف القدوم ، أو ركعتي الطواف ، أو الجمع بين الليل والنهار بعرفة ؛ فكل من هذه يسن فيه دم كدم التمتع . وينبغي أن يلحق بها ما قيل بوجوبه وتركه ، فيسن فيما يظهر أن يخرج فيه دماً كدم التمتع خروجاً من الخلاف أ ج .
قوله : ( وهو شامل لثلاثة ) لأن النسك شامل للركن والواجب . وفي كلامه مسامحة ، بل هو شامل لتسعة أفراد ، وهذا هو الأول في كلام ابن المقري ولفظه فيه :
أربعة دماء حج تحصرُ
أولها المرتب المقدرُ
تمتع فوت وحج قرنا
وترك رمي والمبيت بمِنَى
وتركه الميقات والمزدلفَهْ
أو لم يودع أو كمشي أخلفَهْ
ناذره يصوم إن دماً فقدْ
ثلاثة في الحج وسبعاً في البَلَدْ فهذه التسعة داخلة في ترك النسك في كلام المتن ويدعي أن المشي المنذور نسك فتاركه قد ترك النسك .
قوله : ( بعد التحلل ) ظرف لمحذوف تقديره : ويجوز ذبحه بعد التحلل بعمل عمرة وإن كان لا يجب ذبحه إِلا في عام القضاء .
قوله : ( الدم المنوط بترك مأمور ) وتحته تسعة كما يعلم من كلام ابن المقري .
قوله : ( من الواجبات ) اندفع بهذا ما يقال إن الاثنين قبله داخلان فيه ؛ لأن دم التمتع وجب بترك الإحرام بالحج من الميقات وهو مأمور به ، ودم الفوات أيضاً بترك مأمور به وهو الوقوف .
قوله : ( وهو على الترتيب شاة ) هو مبتدأ ، وعلى الترتيب خبر أول وشاة خبر ثان .
قوله : ( والتقدير ) بمعنى أن الشارع قدر ما يعدل إليه وهو الصوم بما لا يزيد ولا ينقص .(3/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
قوله : ( فهو ما أشار إليه الخ ) فيه مسامحة لأن الإشارة إنما هي من قوله : فإن لم يجد الخ .
قوله : ( إحرامه بالحج ) لا يخفى أن لوجوبه سببين : فراغ العمرة والإحرام بالحج كما سيذكره ، فيجوز تقديمه على أحد سببيه كزكاة الفطرة .
قوله : ( بالعمرة ) أي بسبب فراغه من العمرة ، أي منتفعاً بمحظوراتها ، أي بما كان يحرم في حال الإحرام بها . وقوله إلى الحج أي وينتهي انتفاعه بها إلى الإحرام بالحج .
قوله : ( وشرط وجوبه ) مفرد مضاف فيعمّ ، إذ شروطه التي ذكرها أربعة .
قوله : ( من ميقات بلده ) ليس قيداً .
قوله : ( وأن لا يعود ) هذا يفهم من قوله : وإنما يجب بترك الإحرام بالحج إلى آخره .
قوله : ( إلى الإحرام ) ليس قيداً ، بل لو عاد محرماً ووصل إلى الميقات ثم رجع فلا دم أيضاً اه م د .
قوله : ( الذي أحرم منه بالعمرة ) ليس بقيد ، فيكفيه الخروج للإحرام بالحج إلى أيّ ميقات ولو أقرب من الأول ق ل . وعبارة المنهج : ولم يعد لإحرام الحج إلى ميقات .
قوله : ( بعد مجاوزة الميقات ) يحتمل أن يكون ظرفاً ليعود والتقدير : أن لا يعود بعد مجاوزة الخ . ومفهومه أنه إذا عاد لا دم وهو صحيح ، لكن لا حاجة لقوله بعد المجاوزة لأنه يفهم من قوله أن لا يعود أنه جاوز ويصح جعلها ظرفاً لقوله أحرم أي أحرم المتمتع بعد مجاوزة الميقات الأصلي للعمرة ثم تمم الأعمال للعمرة ، فإن لم يعد في الحج لزمه دم ، وإن عاد إلى ذلك الذي أحرم منه بالعمرة فلا دم . وهذا صحيح أيضاً لكنه يكون قاصراً على هذه الصورة ، وهي فيما إذا أحرم بالعمرة بعد المجاوزة مع أنه ليس قيداً ، فكان الأولى حذفها ، أي حذف قوله بعد مجاوزة الخ كما قاله بعضهم .
قوله : ( وقد بقي الخ ) لا يخفى ما في هذه الجملة ، إذ لا معنى لها كالتي قبلها كما قاله ق ل . وقد يقال : بل لها معنى ؛ لأنه إذا لم يكن بينه وبين مكة مسافة القصر فهو من حاضري(3/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
المسجد الحرام وهو لا دم عليه ، كذا بخط الميداني ؛ فتكون الجملة حالية ، لكن يلزم على هذا التكرار مع قوله أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام .
قوله : ( فعليه دم الإساءة ) أي التقصير بتركه الإحرام بالحج من ميقاته ، أي فإن وجدت هذه الشروط فعليه دم الإساءة وهو دم التمتع ؛ ولا حاجة لهذا لأن فرض المسألة في وجوبه .
قوله : ( فإن لم يجد ) هذا هو محل الترتيب . قوله : ( أو غاب عنه ماله ) ظاهره ولو لدون مسافة القصر ، وخالف في ذلك البلقيني .
قوله : ( أو نحو ذلك ) كتعذر وصوله إلى ماله ق ل .
قوله : ( بدلها ) أي الشاة أو ما يقوم مقامها ق ل .
قوله : ( في الحج ) محله في ترك الإحرام من الميقات بالحج وفي المتمتع ، وأما إذا ترك المبيت بمنى أو مزدلفة أو الرمي وقد طاف طواف الإفاضة فقد فرغ الحج ، فكيف يتأتى صومها في الحج ؟ وكذلك إذا ترك الإحرام بالعمرة من الميقات إذ لا حج ، وكذلك إذا ترك طواف الوداع لأنه واجب مستقل ؛ ولذا قال بعضهم :
والصوم في الحج ببعض الصور
ممتنع كالصوم للمعتمر
وصوم تارك المبيتين معاً
والرمي أو صوم الذي ما ودعا
فيجب صوم الثلاثة بعد أيام التشريق في ترك الرمي والمبيت لأنه وقت الإمكان بعد الوجوب ، وصومها في طواف الوداع يكون بعد وصوله إلى حيث يتقرر عليه الدم بأن لم يرجع للطواف كما قاله البلقيني ؛ قال : فإن صامها كذلك وصفت بالأداء وإِلا وصفت بالقضاء ، وكذا كل ما لا يمكن وقوع الثلاثة فيه في الحج ، سم بتغير وزيادة . ونقله عنه أ ج . وقوله : المبيتين أي مبيت منى ومزدلفة ، وقوله حيث يتقرر عليه الدم الخ أي أما قبل تقرره ، بأن كان يمكنه الرجوع إلى مكة ليطوف طواف الوداع فلم يستقر عليه الدم لاحتمال أن يرجع ويطوف ؛ وقوله في الحج أي في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل ، بيضاوي .(3/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
قوله : ( قبل سادس ) صادق بما إذا أحرم ليلاً فيصوم السادس وتالييه .
قوله : ( ولا يجوز صومها في ويوم النحر ) أي صوم شيء منها فيه ؛ لأن صوم جميعها لا يتأتى في يوم واحد . والأولى حذف يوم النحر ، فإنه لا خلاف في عدم جوازه فيه ؛ شهاب على البيضاوي .
قوله : ( ويجوز الخ ) من تمام التعليل ، أي ولأنه يجوز الخ كما قاله ق ل .
قوله : ( ويسن للموسر ) أي بالدم .
قوله : ( لانتقالهم فيه من مكة ) عبارة المنهج : لأنهم يتروّون فيه الماء أي يتشهون الماء فيه لقلته إذ ذاك ، من التروّي وهو التشهي . وما ذكره الشارح إنما يناسب تسميته بيوم النقلة .
قوله : ( وسبعة ) بالجر عطفاً على ثلاثة والشارح غير إعرابها حيث جعلها منصوبة وجعلها أيضاً غير منونة بعد أن كانت منونة . ويجاب عن ذلك بأنه حل معنى .
قوله : ( فلا يجوز صومها في الطريق لذلك ) أي للآية والحديث .
قوله : ( فإن أراد الإقامة ) أي مع الاستيطان المارّ في الجمعة م ر .
قوله : ( صامها بها ) ويفرق بينهما بأربعة أيام فقط ، أي يوم العيد وأيام التشريق ق ل وع ش .
قوله : ( أو قضاء ) أي بالنسبة للثلاثة لا للسبعة ، إذ السبعة لا آخر لوقتها ، أو يتصوّر فيما لو صامها وليه عنه بعد موته ؛ مرحومي .(3/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
قوله : ( نعم إن أحرم الخ ) مكرر مع قوله سابقاً وإذا أحرم الخ .
قوله : ( لزمه قضاؤها ) أي فوراً إن فاتت بلا عذر ولو في السفر إن لم يتضرر به ، سم .
قوله : ( ويفرق في قضائها ) هذا بالنسبة للآفاقي ، أما المكي فيفرق بينها ولو بيوم ، سم على الكتاب . هذا غير دم التمتع لما تقدم أنه لا يجب على المكي لأنه من حاضري الحرم .
قوله : ( والثاني الدم الواجب الخ ) هذا هو الرابع في نظم ابن المقري في قوله :
وخيرن وقدّرن في الرابع
إن شئت فاذبح أو فجد بآصع
للشخص نصف أو فصم ثلاثا
تجتثّ ما اجتثثته اجتثاثا
في الحلق والقلم ولبس دهن
طيب وتقبيل ووطء ثنى
أو بين تحللى ذوي إحرام
هذي دماء الحج بالتمام
ق ل . فيجب هذا الدم في ثمانية أفراد .
قوله : ( والترفه ) عطف عام .
قوله : ( وتكمل الفدية الخ ) هذا إذا أزالها من نفسه ، فإن أزال المحرم من غيره الحلال فلا شيء عليه أو المحرم بإذنه أثماً والفدية على المفعول به ، فإن كان المحرم نائماً أو مكرهاً فالأصح أن الفدية على الفاعل مع إثمه زي ملخصاً أ ج .
قوله : ( في إزالة ثلاث شعرات ) أي فأكثر ، فلو حلق شعر رأسه ولو مع شعر باقي بدنه ولاء لزمته فدية واحدة لأنه يعدّ فعلاً واحداً ، والفدية على المحلوق ولو بلا إذن منه إن أطاق الامتناع منه لتفريطه فيما عليه حفظه شرح المنهج ؛ لأن شعر المحرم بيده كالأمانة يجب عليه دفع متلفاتها . وقوله في إزالة ثلاث شعرات أو بعض كل من الثلاث بأن قطع من كل شعرة بعضها .
قوله : ( والمكان ) أي مكان الحالق ، أي الذي أزال فيه كما قاله العناني المنهج . وليس المراد به محل المزال كالرأس على المعتمد ، حتى لو زال شعر من لحيته وشعرة من رأسه(3/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
وشعرة من باقي بدنه في مكان واحد لزمته الفدية كما قرره شيخنا العشماوي . لا يقال يلزم من تعدد المكان تعدد الزمان فهلا اكتفي به ؟ لأنا نقول : التعدد هنا عرفي وقد يتعدد المكان عرفاً ولا يتعدد الزمان عرفاً لعدم طول الفصل ؛ لأن المراد باتحاد الزمان عدم طول الفصل عرفاً ، وباتحاد المكان أن لا يتعدد المكان الذي زال فيه ؛ شيخنا العزيزي . وعبارة ح ل : والمراد باتحاد الزمان وقوع الفعل على الأثر المعتاد ، وإِلا فالاتحاد الحقيقي مع الاتحاد في الفعل مما لا يتصور اه . واعترض بأنه يتصور بما إذا أزال ثلاث شعرات معاً في مكان واحد ، قال زي : أما إذا اختلف محل الإزالة أو زمنها عرفاً فيجب في كل شعرة أو بعضها مدّ والظفر كذلك اه . وعبارة بعضهم : قوله مكان الإزالة قيل : هو الأرض التي يجلس فيها ، وقيل : مكان الشعر ، والمعتمد الأول ؛ ولو أزال الشعرة في ثلاث مرات فإن اختلف المكان أو الزمان لزم ثلاثة أمداد ، وإن اتحدا فقيل فدية كاملة وقيل مدّ واحد ، وهو المعتمد كما يؤخذ من كلام المرحومي حيث قال : فإن تواصلت الإزالة فكالشعرة ولو شق الشعرة نصفين لم يلزمه شيء لأنه لم يزلها .
قوله : ( لقوله تعالى ) وجه الدلالة من قوله : رؤوسكم إذ تقديره : شعرها ، وهو جمع وأقله ثلاثة .
قوله : ( جميعه ) أي قص جميع الأظفار ولا إزالة جميع الشعر .
قوله : ( في التمتع ) أي الترفه والتنعم ، وقوله فيه أي التمتع ، وقوله وهو أي ما ذكر من العلم والقصد ، وقوله منتف فيهما أي الناسي والجاهل ، وقوله ولو أزالها أي الثلاث شعرات .
قوله : ( لم تلزمه ) أي الأحد الفدية لأن إحرامهم ناقص . لا يقال الاتلاف من باب خطاب الوضع يستوي فيه المميز وغيره ؛ لأنا نقول : هذا في حق الآدمي ، وأما في حق الله فيختص بالمميز لأنه مبني على المسامحة ح ل ملخصاً ، وقرره شيخنا ح ف .
قوله : ( على أن الجاري الخ ) أي فالحكم ، الشرعي من عدم وجوبها عليهم مخالف للقواعد .
قوله : ( ومثلهم في ذلك النائم ) ولو نتف في نومه لحيته فلا شيء عليه .(3/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
قوله : ( تابع غير مقصود بالإزالة ) وشبهوه بالزوجة تقتل قبل الدخول فلا يجب مهرها على القاتل ، ولو أرضعتها زوجته الأخرى لزمها نصف المهر لأن البضع في تلك تلف تبعاً ، بخلافه في هذه شرح الروض قوله : ) فمن كان منكم مريضاً } ) البقرة : 196 ) مرضاً يحوجه إلى الحلق ) أو به أذى من رأسه } ) البقرة : 196 ) كجراحة وقمل ) ففدية } ) البقرة : 196 ) أي فعليه فدية إن حلق ، بيضاوي ، قال الزمخشري في سفر السعادة : أمره في علاج القمل بحلق الرأس لتنفتح المسام وتتصاعد الأبخرة وتضعف المادة الفاسدة التي يتولد القمل منها . وذكر في الهدي أن أصول الطب ثلاثة : الحمية وحفظ الصحة والاستفراغ ، فإلى الأول شرع التيمم خوفاً من استعمال الماء ، وإلى الثاني شرع الفطر في رمضان في السفر لئلا يتوالى معه السفر ومشقة الصوم ، وإلى الثالث حلق رأس المحرم إذا كان به أذى من قمل . وعند أئمتنا لا بد أن يكون ما يذبحه مجزياً في الأضحية ح ل في السيرة . وقال في الروض وشرحه : حيث أطلقنا في المناسك الدم سواء تعلق بترك مأمور أم ارتكاب منهيّ أم بغيرهما فالمراد به أنه كدم الأضحية في سنها وسلامتها ، فتجزي البدنة والبقرة عن سبعة دماء وإن اختلفت أسبابها ، كترك الإحرام من الميقات وترك المبيت بمزدلفة وترك المبيت بمنى وترك الرمي بها والتطيب وحلق شعر وقلم أظفار ؛ وسيأتي في الضحايا أنه لا يجوز أن يشترك اثنان في شاتين ، فإن ذبحها أي البدنة عن دم واجب فالواجب سبعها فله إخراجه عنه وأكل الباقي إلا في جزاء الصيد المثلى فلا يشترط كونه كالأضحية في سنها وسلامتها ، بل يجب في الصغير صغير وفي الكبير كبير وفي المعيب معيب كما مر ، بل لا تجزىء البدنة عن شاته أي المثلى وإن أجزأت في الأضحية عنها ؛ لأنهم راعوا في جزاء الصيد المماثلة أي في الجنس ، فلا يشكل بإجزاء الكبير عن الصغير ، وبذلك علم أنه لا يجزىء البعير عن البقرة ولا عكسه ولا سبع شياه عن واحد منهما اه . ومثله ما وجب في الشجر ، إلا أن الصيد يفارق الشجر في أنه يجب فيه المثل ولا يجزي فيه غيره ولو أعلى ، بخلاف ما وجب في الشجر فإنه إذا أخرج عنه ما فوقه أجزأ عناني .
قوله : ( أبيح للحاجة ) كاللبس للحر والبرد .
قوله : ( إلا لبس السراويل ) أي ولم يجد غيرها ولم يمكن الاتزار بها . وقوله والخفين أي ولم يجد ما يجوز من النعلين والتاسومة والقبقاب .(3/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
تتمة : لم يثبت أن المصطفى لبس السراويل ، لكنه ثبت أنه اشتراها . وقول الهدي : الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها ؛ غير ظاهر ، فقد يكون اشتراها لبعض عياله .
قوله : ( ممنوع ) أي إن كان حقيقياً .
قوله : ( أو مؤول ) أي بأن الحصر إضافي أي بالنسبة للبس .
قوله : ( منها ما إذا أزل الخ ) ويحمل الأذى الذي في الآية على غير ذلك ؛ لأنه قال : أو به أذى من رأسه ، أي بسبب قمل أو وسخ مثلاً .
قوله : ( كالتطيب ) بقي للكاف الجماع الثاني بعد الجماع المفسد ، فكملت الأفراد الثمانية .
قوله : ( وفصل ابن النقيب ) ذكر فيما سبق الولي العراقي دون ابن النقيب ، لكن المذكور في غير هذا الكتاب ابن النقيب .
قوله : ( آصع ) أصله أصوع أبدل من واوه همزة مضمومة فصار أصؤع ، ثم نقلت ضمة الهمزة للصاد فصار أصؤع بهمزة ساكنة بعد الصاد ، ثم قدمت الهمزة على الصاد فصار أأصع ، ثم قلبت الهمزة ألفاً فصار آصع ؛ ففيه أربعة أعمال ، شرح المنهج بإيضاح . ووزنه أعفل ؛ لأن الهمزة المقدمة عين الكلمة والصاد فاؤها .(3/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
قوله : ( أو نسك ) أي ذبح شاة .
قوله : ( والثالث الدم الواجب ) هذا هو الثاني في نظم ابن المقري ، ونصّه :
والثان ترتيب وتعديل ورد
في محصر ووطء حج إن فسد
إن لم يجد قوّمه ثم اشترى
به طعاما طعمة للفقرا
ثم لعجز عدل ذاك صَوْما
أعني به عن كل مدّ يَوْمَا
فيجب هذا الدم في شيئين ذكر المصنف هنا أحدهما وسيذكر الآخر في الخامس ؛ وأخره لفحشه .
قوله : ( بالإحصار ) أي العامّ وهو المنع من جميع الطرق أو الخاص كبقية الموانع الآتية .
قوله : ( وهو المنع من جميع الطرق ) فلو ظن أن لا طريق آخر فتحلل فبان أن ثمّ طريقاً آخر يتأتى منها سلوكه فينبغي تبين عدم صحة التحلل ، م ر سم على حج .
قوله : ( عن إتمام الحج ) أي أركان الحج ، وكذا ما بعده .
قوله : ( أو العمرة ) أو مانعة خلوّ فتجوز الجمع .
قوله : ( وسكت الخ ) يحتمل أن سكوته بناء على أن هذا الدم لا بدل له .
قوله : ( فيتحلل ) أي ينوي الخروج من الإحرام وورطته .
قوله : ( جوازاً ) وله أن يصابر الإحرام ما لم يضق الوقت كما قرره شيخنا العشماوي .(3/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
قوله : ( بما سيأتي ) أي بذبح شاة ونية التحلل المقارنة له . ونص كلام الشارح الآتي في معنى التعديل بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة .
قوله : ( أم بغيره ) كمنع الكفار مثلاً الحاجّ عن البيت حسداً لهم من غير أن يأخذوا مالاً أو يقتلوا أو يخيفوا الطريق كما في منع المشركين له لا كالحبس ، لئلا يتكرر مع ما يأتي ؛ كما أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( فإن أحصرتم ) أي منعتم أي وأردتم التحلل .
قوله : ( فما استيسر من الهدي ) أي فعليكم ما استيسر ، أي تيسر أي فالواجب ما استيسر أو فأهدوا ، اه بيضاوي .
قوله : ( لا يوجب الهدي ) بل إنما يوجبه التحلل معه .
قوله : ( وإلا ) بأن ضاق الوقت عن الوصول إلى عرفات فالأولى التعجيل لخوف الفوات أي فوات الوقوف بعرفة حالة إحرامه فيلزمه الإعادة ؛ لأنه إذا فاته وهو محرم لزمته الإعادة وإن تحلل ؛ بخلاف ما إذا كان حلالاً ؛ تأمل .
قوله : ( نعم الخ ) فيه لف ونشر مشوّش .
قوله : ( وهو ) أي قرب زواله .
قوله : ( وهذا ) أي الإحصار بقطع الطريق ، ويسمى الإحصار العامّ وما بعده إحصار خاص كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( كأن حبس بدين ) أي وهو محرم ، وقوله وهو أي والحال أنه معسر .
قوله : ( ولا تحلل بالمرض ) أي لا خروج من الإحرام ، أي ما لم يشرط التحلل بالمرض ونحوه ، بدليل قوله فإن شرط الخ قال أ ج : والمعتمد في المرض أنه لا بد أن يشقّ معه بقاؤه محرماً وإن لم يبح التيمم ، ز ي .
قوله : ( فإن شرط الخ ) مقابل لمحذوف تقديره : ولا تحلل بالمرض إن لم يشرطه فإن شرطه الخ ، فإن لم يشرطه فليس له تحلل بسبب ذلك لأنه لا يفيد زوال العذر ، بخلاف التحلل بالاحصار ؛ بل يصبر حتى يزول عذره ، فإن كان محرماً بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة ؛ منهج .
قوله : ( بسبب ذلك ) أي المرض ونحوه ، وهذا حيث قال : إذا مرضت تحللت ، فيتحلل(3/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
إذا وجد المرض بالحلق بنية التحلل ما لم يشرط هدياً ، وإلا فيلزمه ؛ وأما لو قال : إذا مرضت فأنا حلال ، فإنه يصير حلالاً بنفس المرض من غير حاجة إلى شيء .
قوله : ( أو سبع إحداهما ) أي حياً فلا يكفي السبع لحماً .
قوله : ( حيث أحصر ) أي يهدي الشاة في المكان الذي أحصر فيه ، وكذلك يذبح هناك ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي التطوع وله ذبحه عن إحصاره ؛ سم على الكتاب أ ج .
قوله : ( أنه يتحلل ) أي بلا هدي كما في عبارة غيره ، كأن قال : نويت الإحرام وإذا أحصرت تحللت بلا هدي .
قوله : ( فالشرط ) أي شرط التحلل بلا هدي . وقوله لاغ أي فيلغو نفي الهدى أيضاً ، وهذا بخلاف المرض فإنه لما اعتبر الشرط فيه اعتبر فيه نفي الهدي أيضاً .
قوله : ( ولو أطلق ) مقابل قوله : بخلاف ما إذا شرط الخ .
قوله : ( لم يلزمه شيء ) أي شيء من الهدي ، فلا ينافي أنه يلزمه حيث أراد التحلل الحلق أو ما في معناه . وعبارة م د : قوله لم يلزمه شيء ظاهره أنه لا يلزمه الحلق أيضاً . وحاصل هذه أن المرض ونحوه لا يبيح التحلل بدون شرط ، أما إذا شرطه جاز التحلل به ثم تارة يشترط التحلل بنفس المرض كأن قال في إحرامه : فإن مرضت فأنا حلال فإنه يصير حلالاً حينئذ بنفس المرض ، وتارة يشترط التحلل أي جوازه بسبب حصول المرض كأن قال : فإذا مرضت تحللت ، فلا بد في هذه من التحلل بالحلق مع النية ؛ وأما الدم فإن شرط التحلل به فلا بد منه أيضاً ، فإن سكت عنه أو نفاه فلا يجب .
قوله : ( بموضع من الحل ) لأن موضع الإحصار صار في حقه كنفس الحرم ، شرح م ر . وهذا بخلاف ما لو أحصر في موضع من الحرم فله نقله إلى موضع آخر منه على المعتمد ، قال الأذرعي : المنقول أن جميع الحرم كالبقعة الواحدة ، أ ج . والحاصل أن الصور أربعة : صورتان فيما إذا أحصر في الحلّ وصورتان فيما إذا أحصر في الحرم ، فإذا أحصر في الحل جاز له أن يرسل الشاة إلى الحرم فتذبح فيه ، وهي الصورة الأولى من الأوليين ، ولم يجز له الذبح(3/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
في موضع من الحل غير الذي أحصر فيه ، وهي الصورة الثانية . فإن أحصر في الحرم جاز له الذبح في موضع آخر من الحرم غير الذي أحصر فيه ، لأن بقاع الحرم لا تتفاوت ، وهذه هي الصورة الأولى من الصورتين الأخيرتين ، ولا يجوز له إرساله إلى محل من الحل ليذبح فيه وهي الصورة الثانية منهما .
قوله : ( فلا بد من قصد ) بالتنوين . وقوله صارف أي للتحلل .
قوله : ( وكيفيتها ) أي نية التحلل ، وقوله وكذا الحلق بالرفع أي يتحلل به أيضاً ، وقوله أو نحوه أي التقصير .
قوله : ( إن جعلناه نسكاً ) وإن جعلناه استباحة محظور فلا يجب في التحلل كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( ولا بد من مقارنة النية ) أي للحلق .
قوله : ( للآية السابقة ) وهي : ) ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ) البقرة : 196 ) وبلوغه محله نحره اه م د .
قوله : ( فالأظهر ) مقابله أنه لا بدل له ، بل يستقر في ذمته إلى أن يقدر .
قوله : ( قياساً على دم التمتع ) أي من حيث البدلية ، وإن كان دم التمتع دم ترتيب وتقدير ودم الإحصار دم ترتيب وتعديل . وعبارة شرح المنهج : كما في الدم الواجب بالإفساد ؛ وهذا هو الذي يناسب ما هنا لأنه دم ترتيب وتعديل كالدم الواجب بالإفساد . وأما الدم الواجب بترك مأمور به فهو دم ترتيب وتقدير فلا يناسب قياس ما هنا عليه .
قوله : ( طعام بقيمة الشاة ) أي مع الحلق والنية . والمراد بقيمة الشاة أي وقت الوجوب بمحل الإحصار ، وقوله عنده أي الحلق .
قوله : ( الرق ) أي للكل أو البعض إن لم يكن مهايأة ، أو كان مهايأة ووقع الإحرام في نوبة السيد .(3/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
قوله : ( بلا إذن سيده ) المراد به مالك منفعته بأن أوصى له بها وإن كان ملك الرقبة لغيره فإن أذن له فليس له تحليله كما قاله حج ؛ ويصدق السيد بيمينه في عدم الإذن وفي تصديقه في تقدم رجوعه على الإحرام تردد . والأوجه منه تصديق العبد لأن الأصل عدم ما يدعيه السيد ، ويأتي ذلك في اختلاف الزوجين في الرجعة كما قاله م ر .
قوله : ( وله أن يتحلل ) وإن لم يأمره . وإنما لم يجب بغير أمره وإن كان الخروج من المعصية واجباً لكونه تلبس بعبادة في الجملة مع جواز رضا السيد بدوامه م ر . والمراد بالسيد ما يشمل الذكر والأنثى والحر والرقيق كالمكاتب فله تحليل رقيقه .
قوله : ( فيحلق ) ولا يذبح لأنه لا ملك له ، فإن لم يكن برأسه شعر تحلل بالنية فقط . نعم لو كان حلق الرأس يشينه ومنعه سيده منه أو علم أنه لا يرضى به فبحث بعضهم وجوب التقصير ، وقد يتجه ؛ سم . وظاهره أنه لا يلزمه صوم لأنه بدل عن الدم الغير الواجب عليه . وعبارة ق ل مصرحة بوجوب الصوم فليحرر ، ذكره م د . وأقر شيخنا كلام سم ولم يتعقبه والمدرك معه .
قوله : ( والإثم عليه ) أي الرقيق .
قوله : ( فللزوج الحلال ) ولو سفيهاً . وشمل الزوج الصغير الذي يتأتى وطؤه . فيعتدّ بأمره لها بالتحلل كالبالغ ، ولا مدخل للولي أي وليّ الزوج في ذلك ، طبلاوي . وتتحلل الزوجة الحرة بما يتحلل به المحصر ، شرح المنهج .
قوله : ( أو المحرم ) وإن زاد إحرامها على إحرامه . واعلم أنه ليس للزوجة التحلل من غير أمر زوجها به ، بخلاف الرقيق كما مر . والفرق أنها من أهل الوجوب في الجملة في الفرض لوقوعه عن حجة الإسلام ، بخلاف الرقيق كما ذكره م د .
قوله : ( تطوّع ) هلا حذفه واستغنى عن قوله : وله تحليلها أيضاً الخ ويكون ما قبله شاملاً للفرض والتطوّع ؟ وعبارة متن المنهج : ولو أحرم رقيق أو زوجة بلا إذن فلمالك أمره تحليله أي الأحد .
قوله : ( وله تحليلها ) أي وله منعها ابتداء بالأولى . وسكت عنه هنا اكتفاء بما تقدم .(3/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
قوله : ( بأن مدتهما الخ ) بخلاف مدة الحج والعمرة ، فإن شأنهما طول المدة ، وحينئذ لا يرد أن مدة العمرة لا تطول .
قوله : ( الأبوة ) أراد بها ما يشمل الأمومة ، فلو عبر بالأصلية لكان أولى . وقوله بنفل بلا إذن أي إن كان غير مقيم بمكة ولم يكن أصله مصاحباً له في السفر ، فالشروط أربعة . والحاصل أن المراد بالأبوة الأصول مطلقاً أحراراً أم أرقاء مسلمين أم كفاراً ، حتى للأبعد المنع ولو مع وجود الأقرب ؛ ولكن للمنع شروط أربعة كما علمت ، ولا فرق في الولد بين الصغير والكبير إذا كان حجه نفلاً بأن كان غير مستطيع ، وإن كان لو وقع يقع فرضاً فالإقدام عليه سنة . وعبارة الزيادي : قوله الأبوة أي أحد الآباء وأحد الأمهات ، فللأب والجد حرّاً أو رقيقاً مسلماً أو كافراً خلافاً للأذرعي منع فرع أحرم بتطوع من حج أو عمرة بغير إذنهم ، أما الفرض فليس لواحد منهم المنع منه ولا التحلل وإن وقع بغير إذنهم . وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين الآفاقي والمكي ومن بينه وبين مكة دون مرحلتين ، خلافاً للأذرعي في تخصيص المنع بالآفاقي دون المكي ونحوه ، وإن تبعه ابن المقري في متن إرشاده وهو المعتمد .
قوله : ( فإن أحرم الولد الخ ) أي أو أراد الإحرام ، بدليل قوله : فلكل منهما منعه وتحليله فالمنع راجع للإرادة والتحليل للإحرام .
قوله : ( منعه ) محله إذا كانا مسلمين .
قوله : ( كتحليل السيد الخ ) أي من جهة الأمر ، بأن يأمر فرعه بالتحلل كما يأمر السيد رقيقه . هذا هو المراد بالتشبيه ، وبعد ذلك إن كان حرّاً فكتحلل الحر أو رقيقاً فكتحلل الرقيق .
قوله : ( منعه من فرض النسك ) وإن لم يجب عليه م ر .
قوله : ( وليس الخوف فيه كالخوف في الجهاد ) أي فالجهاد أقوى خوفاً ، فهذا فارق آخر .
قوله : ( منعها ) أي من حج التطوع كما مر .
قوله : ( وسادس الموانع الدين ) الأولى عدم عدّه من الموانع ، إذ لا يلتئم مع قوله فليس(3/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
لغريم المدين تحليله نعم إن منعه من الخروج بعد الإحرام ولم يتمكن من إتمام النسك وخاف الفوات تحلل لكن لا من حيث الدين بل من قبيل المنع المتقدم .
قوله : ( وله منعه من الخروج ) أي للسفر ولو بعد الإحرام . وعبارة ق ل على المحلى : قوله وله منعه من الخروج أي ولو بعد الإحرام وإن فاته النسك إن كان الدين حالاًّ وهو موسر وامتنع من أدائه بعد طلبه وليس له نائب في قضائه لتعديه ، وإلا فليس له منعه كما لا يمنعه من الإحرام مطلقاً . وإذا فاته الحج لم يجز له التحلل إلا بإتيان مكة وأعمال العمرة تغليظاً عليه لتعديه وعليه القضاء فإن لم يوجد منه تعدّ كأن حبسه ظلماً تحلل كغيره ولا قضاء عليه اه . وإنما صح عدّ هذا من الموانع لما علمت من أن له منعه من الخروج بعد التحرم ، فقول م د : عدّ الدين من الموانع ، فيه نظر غير ظاهر .
قوله : ( ليوفيه حقه ) والظاهر أنه ليس له التحلل حينئذ بل عليه التوفية والخروج لإتمام نسكه اه م د .
قوله : ( ولا قضاء على المحصر المتطوع الخ ) أي إن فاته الوقوف بعرفة وهو حلال بأن تحلل من إحرامه ثم فاته الوقوف وهو حلال ، أما إذا فاته الوقوف بعرفة وهو باق على الإحرام فيفصل ؛ فإن استمر ماكثاً في طريقه وصابر الإحرام غير متوقع زوال الحصر لزمه القضاء ، وكذلك إذا سلك طريقاً آخر أقصر من الأول أو مساوياً وفاته الوقوف بعرفة محرماً لزمه القضاء ، وأما إذا سلك طريقاً أطول من الأول أو صابر الإحرام متوقعاً زوال الحصر ففاته الوقوف بعرفة وهو محرم فلا قضاء عليه . وهذا كله في التطوع ، أما الفرض فإن كان مستقرّاً كحجة الإسلام فيما بعد السنة الأولى أو كان قضاء أو نذراً لزمه قضاؤه من غير تفصيل ، وإن لم يكن مستقرّاً كحجة الإسلام في السنة الأولى فلا بد من استطاعته بعد ، فإن زال عنه الحصر وهو مستطيع لزمه وإلا فلا . وقوله من سني الإمكان بتخفيف الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، وأصلها سنين فحذفت النون للإضافة وبقيت الياء على سكونها ثم حذفت .
قوله : ( والرابع الدم الواجب الخ ) هذا هو الثالث في نظم ابن المقري وتحته الصيد والأشجار ، ونصه :(3/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
والثالث التخيير والتعديل في
صيد وأشجار بلا تكلُّفِ
إن شئت فاذبح أو فعدل مثل ما
عدلت في قيمة ما تقدَّما
قوله : ( بقتل الصيد ) أو إزمانه كما يؤخذ مما سيأتي .
قوله : ( البري ) وما يعيش في البر ، والبحر كالبري ؛ أي فيحل بالتذكية إذا كان نظيره في البر مما يؤكل أج . وقوله إذا كان نظيره الخ أي كقرش البحر ، زاد الزيادي بعد قوله إذا كان نظيره في البر مما يؤكل والمنفي حله ميتاً اه : وقوله والمنفي أي في كتاب الأطعمة ، فلا منافاة بين ما قالوه هنا من حله وما قالوه في الأطعمة من حرمته ؛ لأن هذا محمول على التذكية وما هناك من الحرمة محمول على ما إذا لم يذكّ .
قوله : ( حمار وحشي ) هو مأكول ، وقوله وحمار أهلي الأولى أن يقول وحمارة أهلية لأن المتولد لا يكون إلا بين ذكر وأنثى لا بين ذكرين .
قوله : ( فيتبع ) أي النقل ، أي والذي لا نقل فيه يحكم بمثله عدلان .
قوله : ( على التخيير ) أي والتعديل .
قوله : ( ثلاثة أمور ) أي أو أمرين فيما لا مثل له .
قوله : ( أو المزمن ) أي المقعد ، وفي المصباح : زمن الشخص زمناً وزمانة فهو زمن من باب تعب ، وهو مرض يدوم زماناً طويلاً ، وأزمنه الله فهو مزمن .
قوله : ( أخرج المثل ) أفهم ذكر المثل أنه يجب في الحامل حامل ، وهو كذلك لكن لا تذبح بل تقوّم حاملاً ويتصدق بقيمتها طعاماً أو يصام عن كل مد يوم على ما سيأتي . ولو ضرب بطن صيد حامل فألقى جنيناً ميتاً ، فإن ماتت الأم أيضاً فهو كقتل الحامل وإلا ضمن ما نقصت الأم ، ولا يضمن الجنين ؛ وفارق جنين الأمة حيث يضمن بعشر قيمتها بأن الحمل يزيد في قيمة البهائم وينقص الآدميات فلا يمكن اعتبار التفاوت في الآدميات ، أو حيًّا ثم مات ضمن كلاًّ منهما بانفراده أو الولد فقط ضمن الولد بانفراده وضمن نقص الأم اه سم .(3/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
قوله : ( أي يذبح ) والذبح والتصدق وكونه على مساكين الحرم وفقرائه واجبات ق ل .
قوله : ( كذلك ) أي ذكراً كان أو أنثى ، فتاؤها للوحدة .
قوله : ( ما لم تبلغ سنة ) أي وقد بلغت فوق أربعة أشهر .
قوله : ( جفرة ) بفتح الجيم ، ويسمى الذكر جفراً لأنه جفر جنباه أي عَظُما ؛ ويجمع على أجفار وجفار .
قوله : ( وفي الضبع ) هو معروف . ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكراً وسنة أنثى ، فيلقح في حالة الذكورة ويلد في حالة الأنوثة . وهذا اللفظ يطلق على الذكر والأنثى عند جماعة ، والأكثرون على أنه خاص بالأنثى وأن الذكر ضبعان بكسر الضاد فسكون ، اه خضر .
قوله : ( عمن سيأتي ) الأولى عمن سبق ، وهو النبي والسلف .
قوله : ( يحكم ) يؤخذ من كون ذلك حكماً اشتراط ذكورتهما وحريتهما ، وهو كذلك م ر .
قوله : ( عدلان ) أي ولو ظاهراً أو بلا استبراء سنة فيما يظهر ، شرح م ر .
قوله : ( بالخلقة ) أي الصورة ، فعطف الصورة عليه تفسيري . وقوله لا بالقيمة عطف على قوله بالخلقة .
قوله : ( فيلزم الخ ) مفرع على قوله : والعبرة بالمماثلة الخ .
قوله : ( وفي الذكر ذكر ) هذا مخالف لقول شارح المنهج : ويجزىء فداء الذكر بالأنثى وعكسه ، فليحرر . وأجيب بأن قول الشارح وفي الذكر ذكر أي الأفضل ذلك ، فلا مخالفة بين العبارتين .
قوله : ( وفي الصحيح صحيح ) ويجب في الحامل حامل ؛ لكن لا تذبح ولا تعطى حية بل تقوّم بمكة في محل ذبحها لو ذبحت ويتصدق بقيمتها طعاماً أو يصوم عن كل مد يوماً .(3/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
قوله : ( إن اتحد جنس العيب ) كالعور وإن اختلف محله ، كأن كان أحدهما أعور يميناً والآخر شمالاً فلا يضر ، فإن اختلف العيب كالعور والجرب فلا يكفي ؛ سم .
قوله : ( فقيهين ) أي بما يتعلق بالشبه ويحتمل بجزاء الصيد ، وهو أعم مما قبله . وفي م ر . الأول : وعبارة حج : فقيهين بما لا بد منه في الشبه ، وكلام الشارح يحمل على هذا بدليل قوله لأنهما حينئذ الخ .
قوله : ( فطنين ) تثنية فطن وهو الذكي .
قوله : ( بما يحكم به هنا ) أي من كون الصيد له مثل أم لا .
قوله : ( وآخران بمثل ) وانظر لو كان أحد الجانبين أكثر عدداً كما لو شهد عدلان بمثل وأكثر بمثل آخر هل يتخير أيضاً أو يرجح ؟ الأكثر القياس الثاني ؛ ولو ذبح الدم الواجب بالحرم فسرق منه أو غصب قبل التفرقة لم يجزه ، ثم هو مخير بين أن يذبح آخر وهو أولى ، أو يشتري بدله لحماً ويتصدق به لأن الذبح قد وجد . فإن قيل : ينبغي تقييد ذلك بما إذا قصر في تأخير التفرقة وإلا فلا يضمن ، كما لو سرق المال المتعلق به الزكاة . أجيب بأن الدم متعلق بالذمة والزكاة بالعين أي بعين المال ، ولو عدم المساكين في الحرم أخر الواجب الماليّ حتى يجدهم ، ولا يجوز النقل . فإن قيل : ينبغي أن يجوز النقل كالزكاة عند عدم المستحقين في بلد وجوبها . أجيب بأنه ليس فيها نص صريح بتخصيص البلد بها بخلاف هذا ، فافهم .
قوله : ( أي المثل ) فالمقوّم المثل لا الصيد المقتول .
قوله : ( بمكة ) المراد بها جميع الحرم ، شرح الروض .
قوله : ( أو مما هو عنده ) معطوف على قوله : بقيمته ولا معنى له ، ويجاب بأنه متعلق بمحذوف أي أو أخرج مما هو عنده .(3/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
قوله : ( الذي وجب فيه الدم ) الأولى الذي وجب فيه الجزاء ؛ لأنه لا دم هنا ، وإنما هو مخير في جزائه بين أن يخرج طعاماً أو يصوم .
قوله : ( كالجراد ) هذا تنظير ، إذ الجراد ليس فيه دم فلا يصدق عليه قوله : الذي وجب فيه الدم .
قوله : ( أخرج بقيمته ) أي حياً ، فلا يرد أنه لا قيمة له بعد موته إذ لا يحل أي باقي الطيور ما عدا الحمام ، بخلاف الجراد فإن ميتته حلال .
قوله : ( وقد حكمت الصحابة ) لا ينافي ما تقدم من تمثيله ما لا نقل فيه بالجراد ؛ لأن مراده بما تقدم أن الجراد لا نقل فيه من حيث المثل ، فلا ينافي أن فيه نقلاً من حيث القيمة .
قوله : ( وهو الحمام ) قال الحلبي في السيرة : وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ، ويروى أنهما باضتا وفرختا ، وبارك على الحمامتين أي وفرض جزاء الحمام وانحدرتا في الحرم فأفرختا كل شيء في الحرم من الحمام ؛ أي ولأجل ذلك ذهب الغزالي من أئمتنا إلى صحة الوقف على حمام مكة دون غيره من الطيور ، وهو الراجح ، ونظر في الإمتاع في كون حمام الحرم من نسل ذلك الزوج ، فإنه روي في قصة نوح عليه السلام أنه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض فوقعت بوادي الحرم فإذا الماء قد نضب بموضع الكعبة ، وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلاها ، ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقاً ووهب لها الحمرة في رجلها وأسكنها الحرم ودعا لها بالبركة . ففي هذا أن الحمام قد كان في الحرم من عهد جرهم ، أي ونوح ؛ وذكر بعضهم أن حمام مكة أظله يوم فتح مكة فدعا بالبركة له .
قوله : ( وهو ما عبّ ) بابه ردّ يرد ، وفي الحديث ( إِنَّ العَبَّ يُورِثُ الكُبَادَ ) وهو بضم الكاف وتخفيف الباء يعني وجع الكبد . قال : ( مَصُّوا الماء مَصًّا ولا تَعُبُّوهُ عَبًّا فإن العَبَّ يُورِثُ الكُبَادَ ) اه . وقوله : وهدر بابه ضرب يضرب كما في المختار ، وهو لازم لعبَّ . وعبارة ق ل : قوله عبّ أي شرب الماء بلا مصّ ، هذه عبارة الشافعي ، فلا حاجة لزيادة بعضهم : وهدر ؛ أي صوّت ، لأنه لازم له .(3/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
قوله : ( وغرّد ) أي رفع صوته ؛ قال في المصباح : غَرِدَ غَرَداً فهو غَرِدٌ من باب تعب : إذا أطرب في صوته وغنائه كالطائر ، وغرّد تغريداً مثله اه . والتطريب ترجيع الصوتَ ومدّه اه .
قوله : ( والفاختة ) نوع من الحمام والمطوّق ما فيه لون حول رقبته مخالف لباقي بدنه .
قوله : ( شاة ) ولو صغرت الحمامة جداً والمراد شاة مجزئة في الأضحية كما اعتمده الرملي ، وإن بحث عدم اعتبار الإجزاء في الأضحية كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة ع ش على م ر : وحمام شاة ظاهر إطلاقه أنه يعتبر إجزاؤها في الأضحية . أقول : وقياس قولهم فيما له مثل في الصيد أن في الكبير كبيرة وفي الصغير صغيرة أنه يجب هنا في الحمامة الكبيرة شاة مجزئة في الأضحية وفي الحمامة الصغيرة شاة غير مجزئة في الأضحية ، انتهت بحروفها . وعبارة الزيادي : وإن لم تجز في الأضحية كما استوجهه ابن حجر في شرح الإرشاد اه ، قال الشيخ خ ض : لكن الذي اعتمده م ر أنه لا بد أن تكون مجزئة في الأضحية . والحكمة في إيجاب الشاة فيما ذكر أن كلاًّ من الشاة والحمام يألف البيوت ، فبينهما مشابهة في الطبع وإلا فلا مشابهة بينهما في الصورة .
قوله : ( إلف ) بكسر الهمزة مصدر ألف كعلم بمعنى أنس كما في المصباح ، وفي حاشية الأجهوري : بالضم نقلاً عن خط الشارح ، قال م د : والقياس الكسر . وهذا يدل على أن الحمام الذي يألف البيوت أصله وحشي بدليل أنه يجب في قتله شاة ، ويدل عليه قولهم إذا كان له حمام في برج أو غيره وأحرم : زال ملكه عنه . وفي المدابغي على التحرير : قوله واصطياد يشمل الرجل وغيره ، ولو أحرم وفي ملكه شيء منه زال ملكه عنه ووجب إرساله ولو بعد التحلل ، ومن أخذه ملكه أي من أخذه يملكه ولو قبل إرساله ويضمنه هو إن مات بيده ؛ نعم يتجه تقييده بما إذا تمكن من إرساله ولم يرسله ، م ر اه .
قوله : ( قيمة المثلي ) على حذف مضاف ، أي مثل المثلي كما في شرح المنهج . وحاصله أن قيمة الطعام والمثلي معتبرة بقيمة الحرم يوم الإخراج ، وأنّ قيمة ما لا مثل له كالجراد معتبرة بمحل الإتلاف زماناً ومكاناً ق ل . وقوله : يوم الإخراج كما لو أتلف نعامة في يوم الجمعة مثلاً(3/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
فأخرج في يوم الاثنين ، فالعبرة في قيمة المذبوح والطعام بيوم الاثنين في الحرم لا بيوم الجمعة في محل الإتلاف . وأما ما لا مثل له فحكمه عكس ماله مثل اه م د .
قوله : ( والطعام في الزمان ) انظر ما معنى اعتبار قيمة الطعام ؛ لأنه لا يؤخذ قيمته فيشتري بها شيء آخر وإنما يقدر أمداداً ويصوم عن كل مُدّ يوماً ، فلا معنى لاعتبار قيمته زماناً ومكاناً ، فتأمله .
قوله : ( وغير المثلي ) هو بالياء هنا لأنه لا مثل له يقوّم . وحاصل ذلك أن الصيد إن كان له مثل تعتبر قيمة مثله يوم الإخراج بسعر الطعام في الحرم لا بوقت الوجوب ولا بمكان الإتلاف ، وقيمة غير المثلي تعتبر بوقت الوجوب لا بوقت الإخراج ، وتعتبر بمحل الإتلاف لا بالحرم ؛ مثال ذلك إذا أتلف نعامة مثلاً يوم الجمعة في الحل وأراد الإخراج يوم الاثنين ففي القسم الأول تعتبر القيمة يوم الاثنين بسعر مكة لا يوم الجمعة بمحل الإتلاف ، وفي القسم الثاني لو كان المتلف جرادة يوم الجمعة فتعتبر قيمتها يوم الجمعة بمحلّ الإتلاف لا بالحرم يوم الاثنين ، وأما قيمة البدنة في الوطء فتعتبر يوم الوجوب بسعر مكة ؛ وأما قيمة الدم في جزاء الشجر فتعتبر وقت الوجوب بمحل الإتلاف ، وكذا دم الإحصار تعتبر قيمته وقت الوجوب بمحل الإحصار .
قوله : ( على المذهب ) انظر مقابله .
قوله : ( بدنة ) سميت بذلك لعظم بدنها ، وتجمع على بدنات مثل قصبة وقصبات ، وعلى بدن أيضاً بضمتين أو إسكان الدال ؛ قال تعالى : ) والبدن جعلناها لكم } ) الحج : 36 ) مصباح .
قوله : ( وخرج بالوطء المفسد ) الإخراج إنما هو بالمفسد .
قوله : ( إنما تلزمه شاة ) وتتكرر بتكرر الوطء . وقوله شاة أي لا بدنة ، فلا ينافي أنه مخير بين الشاة وبين صوم ثلاثة أيام والتصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين ؛ لأن هذا الدم هو الرابع في نظم ابن المقري .(3/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
قوله : ( وبالرجل المرأة ) وكذا لا يجب على الرجل الموطوء . ولو قيد الرجل فيما تقدم بالواطىء لخرج الرجل الموطوء أيضاً .
قوله : ( على الصحيح ) ومقابله أن على كلّ بدنة كما في الإفطار بالجماع في رمضان على القول الضعيف .
قوله : ( حالة الوجوب ) أي وهو وقت الوطء ، وقيل : يعتبر غالب الأحوال من وقت الوجوب ، وهو وقت الوطء إلى وقت الإخراج .
قوله : ( في الشرحين ) أي شرحي الرافعي الكبير والصغير على الوجيز .
قوله : ( ويكمل المنكسر ) فإن بقي دون مد صام عنه يوماً .
قوله : ( فهو دم القران ) فإن قيل : القران ترك الإفراد والإفراد سنة وتقدم أن من ترك سنة لم يلزمه بتركها شيء ؟ أجيب بأن محل عدم الوجوب في السنة الداخلة في النسك والإفراد ليس كذلك .
قوله : ( وسائر أحكامه ) كصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة في البلد إذا انتقل للصوم ، والتفريق بينهما إذا أقام بمكة أو أخر الثلاثة لبلده كما مر وأنه يسن التتابع في الثلاثة والسبعة أداء وقضاء إلى غير ذلك مما تقدم .(3/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
قوله : ( دم جبر لا دم نسك ) فيه نظر ؛ لأنه إن أراد جبر ترك الإحرام من الميقات فهو دم نسك وإن أراد غير ذلك فليبينه . ولعل المراد جبر الخلل الحاصل في نسكه من جهة أنه أدى النسكين بعمل واحد مع أنه كان حقه أن يفرد كل نسك بعمل فيحتاج لجبر ذلك بدم ، فالمراد جبر الخلل المذكور وإن كان يلزم منه جبر ترك الإجرام من الميقات إلا أنه حاصل غير مقصود .
قوله : ( الهدي ) بسكون الدال مع تخفيف الياء وبكسر الدال مع تشديد الياء ، قال الأزهري : والأصل التشديد : ما يهدي إلى الحرم من حيوان وغيره ، والمراد هنا ما يهدى إليه من النعم ، ويجزىء في الأضحية اه خ ض . والحاصل أن الهدي يطلق على ما يسوقه الحاج للكعبة تطوّعاً أو وجوباً بالنذر ، ويطلق على ما يلزمه من دم الجبرانات ، والمراد هنا الأعم وإن كان ظاهره الأوّل .
قوله : ( مع التفرقة ) الأولى مع الصرف إذ لا يلزمه تقطيعه وتفرقة لحمه .
قوله : ( ولو غرباء ) لكن القاطنون أولى .
قوله : ( أكل شيء منه ) أي إذا كان واجباً ، وأما المتطوع به فيجوز له ذلك .
قوله : ( لذبح معتمر ) أي غير قارن بأن كان مفرداً أو مريد تمتع ، شرح المنهج .
قوله : ( المروة ) يؤخذ منه أنها أفضل من الصفا ، لأنها مقصد والصفا وسيلة والمقاصد أفضل من الوسائل ، ولأنها مرور الحاج أربع مرات والصفا مروره ثلاثاً ، أي يرجع إليها ثلاث مرات خ ض .
قوله : ( ولذبح الحاج ) بأن كان مزيد إفراد أو قارناً أو متمتعاً ، شرح المنهج .
قوله : ( لأنها موضع تحلله ) أي الأوّل .
قوله : ( في الاختصاص ) أي بالحرم .(3/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
قوله : ( والأفضلية ) أي المروة للمعتمر غير القارن ، ومنى للحاج ، وهي على فرسخ من مكة بالصرف وعدمه والتذكير والتأنيث لكونها مكاناً أو بقعة ؛ وتخفيف نونها أشهر من تشديدها . سميت بذلك لكثرة ما يمني فيها من الدماء ، أي دماء الهدي والضحايا ، أي يراق ؛ أو لأن آدم لما أراد مفارقة جبريل قال له : تمن قال : أتمنى الجنة . أو لتقدير الشعائر فيها ، من منى الله الشيء أي قدره ، وامتنوا أي أتوا منى اه خ ض .
قوله : ( هذا الهدي ) أي المنذور والنفل .
قوله : ( وقت الأضحية ) ما لم يعين غيره ، فإن أخر ذبحه عن أيام التشريق فإن كان واجباً ذبحه قضاء وإلا فقد فات ، فإن ذبحه كانت شاة لحم ، ومعلوم أن الواجب يجب صرفه إلى مساكين الحرم وأنه لا بد في وقوع النفل موقعه من صرفه إليهم ، شرح المنهج . وقوله ما لم يعين غيره فإن عين غيره لم يتعين له وقت بخصوصه لا وقت الأضحية ولا ما عينه .
قوله : ( وهذا الثاني لا يختص بوقت الأضحية ) وكذا إذا عين لهدي التقرّب غير وقت الأضحية كما في شرح المنهج .
قوله : ( عند التخيير ) أي إذا كان مخيراً ، وقوله أو العجز أي إذا كان مرتباً .
قوله : ( إذ لا منفعة لأهل الحرم ) لكنه في الحرم أولى لشرفه ، شرح المنهج .
قوله : ( وكذا تعيين جهته ) ضعيف اه ق ل .
قوله : ( ولا يجوز قتل الخ ) هذا تقدم ، وإنما أعاده لأن ما تقدم خاص بالمحرم وما هنا عام له وللحلال واهتماماً به ، ولو قال : ولا يجوز التعرض ، لكان أولى ؛ ليشمل التعرض لجزئه كشعره وبيضه أي غير المذر ولو بإعانته غيره ، أما المذر فلا يحرم التعرض له ولا يضمن إلا أن يكون بيض نعام كما يؤخذ من شرح المنهج . وحدود الحرم المكي الذي يحرم التعرض لصيده ونباته للآتي من طريق المدينة ثلاثة أميال ، ومن العراق والطائف سبعة بتقديم السين ، ومن الجعرّانة تسع بتقديم المثناة ، ومن جدة عشر سم . ونظم بعضهم تلك الحدود فقال :
وللحرم التحديد من أرض طيبة
ثلاثة أميال إذا رُمْتَ إتقانَهْ(3/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
وسبعة أميال عراق وطائف
وجدة عشر ثم تسع جعرانَهْ
ومن يمن سبع بتقديم سينه
وقد كملت فاشكر لربك إحْسَانَهْ
قيل : إن حكمة تحديد الحرم بهذه الأماكن أن إبراهيم لما نزل هناك فحصل له خوف أرسل الله ملائكة وقفت على حد هذه الأمكنة ، وقيل : إن غنم إسماعيل لما كانت ترعى تذهب إلى هذه الأمكنة ، وقيل : إن الله علمها لإبراهيم لما علمه مناسك الحج ، وقيل : إن الحجر لما نزل من الجنة كان شديد البياض فوصل شعاعه إلى هذه الأمكنة ، وقيل : إن النبي حدده حين حج ؛ وقيل غير ذلك ، اه ق ل . وقوله : من أرض طيبة أي وهو المسمى بالتنعيم ، وقوله جعرانة بالتشديد ولو قال لجعرانة باللام لسلم من التشديد الذي أنكره بعض الأئمة في هذه اللفظة بل عين فيها التخفيف . وسميت بذلك باسم امرأة من قريش ساكنة بها تسمى جعرانة اه . وقوله : إن إبراهيم الخ ويروى أن الأصل في ذلك أن آدم عليه الصلاة والسلام خاف على نفسه من الشياطين فاستعاذ بالله تعالى ، فأرسل الله تبارك وتعالى ملائكة حفّوا بمكة من كل جانب ، فكان الحرم من حيث وقفت الملائكة كما في مناسك ابن جماعة البكري .
قوله : ( صيد الحرم ) أي الحرمين بدليل ما بعده .
قوله : ( ملتزم الأحكام ) ليس قيداً إلا في الضمان .
قوله : ( بحرمة الله ) أي حكم الله القديم الأزلي المتعلق ذلك الحكم بها ويوم خلق السموات والأرض ، وهذا التعلق مراد من عبر بتحريمها يومئذ . وبهذا يجاب عما استشكله سم ، اه شوبري .
قوله : ( وأما حرم المدينة فحرام الخ ) المناسب أن يقول وأما حرم المدينة فلقوله الخ ؛ لأن المقصود الدليل .
قوله : ( حرم مكة ) أي أظهر تحريمها ، لأن التحريم قديم ، فلا ينافي الحديث المتقدّم ؛ وقوله : ( وإني حَرَّمْتُ المَدِينَةَ ) أي أحدثت تحريمها بأن يكون التحريم مفوضاً إليه .
قوله : ( ما بين لابتيها ) بدل اشتمال من المدينة ؛ لأن ما بين اللابتين مشتمل على المدينة . واللابتان تثنية لابة ، وهي أرض ذات حجارة سود ، وهما شرقي المدينة وغربيها ، فحرمها ما(3/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
بينهما عرضاً وما بين جبليها عير وثور طولاً ، شرح المنهج . واعترض بأن ذكر ثور هنا وهو بمكة من غلط الرواة ، وأن الرواية الصحيحة ( أُحُد ) . ودفع بأن وراءه جبلاً صغيراً يقال له ثور وهو غير ثور الذي بمكة زي وح ف ؛ لكن كان المناسب على هذا أن يقول ما بين عير وأحد فكان يأتي بأحد بدل ثور .
قوله : ( عضاهها ) بهاءين جمع عضاهة أو عضهة أو عضة ، والهاء الأولى في الجمع من تمامه والهاء الثانية مضاف إليها عائدة للمدينة ؛ وفي بعض النسخ : عضاها بهاء ، أي شجرها ، وهو بضم العين كما قاله ح ل وبكسرها كما في ع ش . وفي المصباح أنه بوزن كتاب ، فهو موافق لما في ع ش .
قوله : ( ولا يجوز قطع الخ ) ولو لحلال كما يأتي .
قوله : ( ولا قلع شجره ) أي شجر الحرم الرطب غير المؤذي بأن نبت فيه أصالة ولو مثمراً في ملكه ، خلافاً لجمع من العراقيين ، ولو ببعض أصله كما قاله صاحب البحر ؛ أي ولو كان الشجر ببعض أصل الحرم بأن كان بعضها فيه وبعضها الآخر في الحل سواء ما ينبت بنفسه وما يستنبته الناس كالنخيل ، بخلاف المنقول من الحل إليه وإن نبت فيه فلا يكون من شجره . وفارق صيد الحل إذا دخل الحرم بأنه ليس له أصل ثابت فاعتبر مكانه ، بخلاف الشجر فله حكم منبته . وخرج بالرطب الجاف ، فيجوز قطعه كما في أصل الروضة وقلعه كما في نكت التنبيه للنووي . ولو كان الأصل في الحرم والأغصان في الحل حرم قطعها لا رمي صيد عليها ، أو كان الأصل في الحل والأغصان في الحرم حل قطعها لا رمي صيد عليها ، ولو نقل شجرة من الحرم إلى الحل لزمه ردها أو إلى محل آخر منه فلا ، فإن جفت بالنقل ضمنها وإن نبتت في المنقول إليه فلا ضمان ، فلو قلعها قالع لزمه أي القالع كما في شرح المهذب الجزاء لبقاء حرمة الحرم ؛ قال الفوراني : ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حرمة الأصل . وقال الإمام : قال أئمتنا : لا خلاف أنه لو غرس في الحرم نواة أو غصنا من شجرة حلية لم تصر حرمية نظراً للأصل ، سم مع تصرف .
قوله : ( المستنبت ) كالنخل وقوله وغيره كالسنط وإن كان ملكاً له . والحاصل أنه لا فرق في الشجر بين المستنبت وغيره فيحرم قطعه ، وأما غير الشجر ففيه تفصيل وهو أن ما نبت بنفسه يحرم التعرض له ويحل التعرض للمستنبت أي ما شأنه أن يستنبته الناس ، وعبارة شرح(3/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
المنهج : وحرم تعرّض لنابت حرمي مما لا يستنبت ومن شجر لا أخذه لعلف بهائم ولا لدواء ولا أخذ إذخر ومؤذ اه . والإذخر بهمزة مكسورة وذال ساكنة وخاء مكسورة معجمة : نبت طيب الرائحة هو حلفاء مكة ح ف .
قوله : ( والعوسج ) هو المسمى بأم الغيلان .
قوله : ( فيجوز قطعه ) أي وقلعه والتصرف فيه بالبيع وغيره .
تنبيه : قوله : علم الخ إنما ذكر القلع هنا ثانياً لإفادة أخذه من كلام المتن بالأولى ، فلا تكرار مع ما سبق من قوله : ولا قلع شجره وبذلك اندفع اعتراض ق ل حيث قال : إنه مكرر معه ؛ وفيه أنه كان يكفيه أن ينبه على هذا فيما سبق .
قوله : ( ولو بعد غرسه ) بأن نقل وغرس فيه .
قوله : ( بخلاف عكسه ) بأن كان أصله في الحرم ثم نقل وغرس في الحل .
قوله : ( تغليباً للحرم ) أي لأنه مانع ، والقاعدة أن المانع مقدم على المقتضي .
قوله : ( وخرج بتقييد غير المستنبت الخ ) فيه أن غير المستنبت هو ما نبت بنفسه ولا فرق فيه بين الشجر وغيره في تحريم التعرض له ، فالصواب حذف غير لأن تقييد غير المستنبت بالشجر لم يتقدم في كلامه ، ولم يتقدم أيضاً تقييد المستنبت ، وإنما الذي تقدم التعميم بقوله : وسواء في الشجر المستنبت وغيره ، فكان الأولى أن يقول : وخرج بالشجر غيره ، ففيه تفصيل وهو أنه يحرم التعرض لغير المستنبت وهو ما نبت بنفسه ويحل التعرض للمستنبت أي ما شأنه أن يستنبته الناس ؛ فتلخص أن المستنبت إنما يحرم إذا كان من الشجر .
قوله : ( مطلقاً ) أي وإن نبت بنفسه ، ويحل التصرف فيه بالبيع وغيره ق ل .
قوله : ( بقرة ) أي مجزئة في الأضحية ، وكذا الشاة ، بل سائر الدماء كذلك إلا جزاء الصيد المثلي كما سيذكره .(3/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
قوله : ( والبدنة ) أي تجزىء في الأضحية م ر ، بأن يكون لها خمس سنين ودخلت في السادسة ثم إن شاء ذبح وتصدق به على مساكين الحرم وأعطاهم بقيمته طعاماً أو صام لكل مدّ يوماً ، شرح المنهج . فهو دم تخيير وتعديل كدم الصيد ، ز ي .
قوله : ( إن قاربت سبع الكبيرة ) فما زاد عليها يزاد فيه من الشاة إلى سبع شياه ق ل . وعبارة م ر في شرحه : قال الزركشي : وسكت الرافعي عما جاوز سبع الكبيرة ولم ينته إلى حد الكبر ، وينبغي أن يجب فيه شاة أعظم من الواجبة في سبع الكبيرة اه . فإذا قاربت ثلاثة أسباعها مثلاً وجبت شاة أعظم من الواجبة في سبعها .
قوله : ( شاة ) لأنها بمنزلة سبع البقرة .
قوله : ( فإن صغرت جداً ) بأن لم تقارب السبع .
قوله : ( فعليه الضمان ) أي بالقيمة ، فإن أخلف مثله بعد وجوب ضمانه لم يسقط الضمان ، كما لو قلع سنّ غير متعور فنبتت شرح م ر .
قوله : ( من النبات ) أي الذي لا يستنبت .
قوله : ( لأنه القياس ) أي لأن وجوب القيمة هو القياس على وجوب القيمة في ضمان المتقومات ؛ لأنه متقوم متلف ، فالواجب حينئذ القيمة .
قوله : ( ويحل أخذ نباته ) أي قلعاً وقطعاً كما في المنهج ، أي للحاجة ؛ والأولى أن يقول : أخذه بالإضمار أي النبات المتقدم الذي لا يستنبت ، هكذا يؤخذ من شرح المنهج . والكلام هنا في الحشيش لا الشجر كما هو ظاهر من لفظ نبات ، إذ لا يجوز الأخذ من الشجر لذلك ، وهذا بخلاف الرعي ، أما هو فإنه عامّ فيجوز في النبات والشجر كما نص عليه م ر وسيأتي للشارح .
قوله : ( لعلف البهائم ) أي عنده وإن ادخر لها ح ل .
قوله : ( وللدواء ) وإن لم يوجد المرض بأن ادخره لمرض يوجد في المستقبل على المتجه م ر .
قوله : ( ممن يعلف ) أي لمن يعلف به .(3/268)
"""""" صفحة رقم 269 """"""
قوله : ( كالطعام ) أي كالطعام الذي قدم للضيف .
قوله : ( لا يجوز بيعه ) هل مثله الورق والثمر ؟ ح ل ؛ الظاهر أنه مثله .
قوله : ( بالبهائم ) أي لأن الهدايا كانت تساق في عصره وما كانت تسد أفواهها .
قوله : ( قال الأذرعي ) ما قاله الأذرعي ضعيف ، والأوجه أن حكمه ما تقدم هو أنه إذا أخلف مثله في سنته فلا ضمان وإلا ضمن كما في م ر ؛ قال بعضهم :
اقطع ولا ضمان غصْنَ الحَرَمِ
إن مثله في العام يخلف فاعْلَمِ
قوله : ( ويحرم أخذ نبات الخ ) أي لغير ما تقدم من العلف وما عطف عليه ، والمراد بالنبات هنا مقابل الشجر ؛ لأن الكلام في الشجر تقدم .
قوله : ( وجّ الطائف ) وهو واد بصحرائه ح ل . وسمي بوجّ بن عبد الحي من العمالقة كما قاله الدميري . وسبب الحرمة أنه ذهب إلى الطائف فحصل له غاية الإيذاء من الكفار حتى دميت رجلاه ، فجلس في هذا المكان فأكرم فيه غاية الإكرام ، فأكرم المكان بتحريم قطع شجره وقتل صيده . وسمي الطائف لطواف جبريل به سبعاً حول البيت لما اقتلعه من الشأم ، حين قال إبراهيم عليه السلام : ) وارزق أهله من الثمرات } ) البقرة : 126 ) والطائف بلد كثير الفواكه على ثلاثة مراحل من مكة المشرفة .
قوله : ( ونباته ) أي التعرض لهما بقتل أو قطع أو قلع ق ل .
قوله : ( يحرم نقل تراب الخ ) وعند أبي حنيفة يجوز ذلك للتبرك ، فينبغي تقليده . والأباريق الآن ليست من طين الحرم بل من طين الحل .
قوله : ( وما عمل من طين أحدهما ) ولو للحرم الآخر .
قوله : ( فيجب رده إلى الحرم ) فإن لم يفعل فلا ضمان عليه ؛ لأنه ليس بنام فأشبه الكلأ(3/269)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
اليابس ، وبالرد تنقطع الحرمة كدفن بصاق المسجد ونقل تراب الخل وأحجاره إلى الحرم خلاف الأولى كما في المجموع ، وهو الأوجه لئلا يحدث له حرمة لم تكن ، ولا يقال مكروه لعدم ثبوت النهي فيه ؛ قاله م ر خلافاً لابن حجر القائل بالكراهة . وقوله لئلا يحدث له حرمة أي يعتقد احترامه ، فربما يمتنع من أخذها من يحتاج إليها .
قوله : ( فإنه يجوز نقله ) بل يسن تبركاً به ، وما قيل إنه يبدل فمن خرافات العوام ق ل .
قوله : ( سترها ) بكسر السين .
قوله : ( فالأمر فيه إلى رأي الإمام ) أي إن كسيت من بيت المال ، فإن كسيت من موقوف عليها رُوعي شرط الواقف إن علم ، وإلا اتبع ما جرت به العادة . أما إذا كساها شخص من عنده وقصد تمليك الكعبة فإنها تصرف في مصالح الكعبة ، وإن أطلق أو نوى العارية رجع فيه متى شاء .
قوله : ( بيعاً ) بأن يبيعه ويصرف ثمنه في المصارف . وقوله وعطاء الأولى وإعطاء بأن يعطيه من غير بيع ؛ لأن عطا بلا همزة معناه أخذ وهو لا يناسب هنا . وأجيب بأن عطاء اسم من الإعطاء ، ولم يعبر به لأنه لا وجود لشيء من المصادر في الخارج بل آثارها ؛ ذكره الزرقاني في شرح المواهب ، وبه يندفع اعتراض المحشّي .
قوله : ( ولو جنباً ) لكنها الآن مكتوب عليها قرآن وذكر فينبغي احترامها وصونها عن اللبس مطلقاً تعظيماً لما فيها من القرآن ؛ شرح العباب لابن حجر .
قوله : ( أو حائضاً ) ولا يحرم تنجيسه أيضاً ق ل ، أي المأخوذ من ستر الكعبة .
قوله : ( قاعدة نافعة ) نظمها بعضهم بقوله :
ما كان محض متلف فيه الفِدَا
ولو يكون ناسياً بلا اعْتِدَا
وإن يكن ترفه كاللبسِ
فعند عمده بدون لَبْسِ
في آخذ من دين ياذا شبها
خلف بغير العمد لمن يَشْتَبَها
فعند حلق مثل قلم يَفْتَدِي
لا وطؤه بغير عمد اعْتَمِدِ(3/270)
"""""" صفحة رقم 271 """"""
قوله : ( كالصيد ) وإذا أكره على إتلاف الصيد أو نحوه فلا حرمة عليه وكان طريقاً في الضمان وقرار الضمان على المكرِه بكسر الراء ق ل .
قوله : ( والنسيان ) وأما قيد التعمد في الآية وهو قوله تعالى : ) ومن قتله منكم متعمداً } ) المائدة : 95 ) الخ فقد خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كما في شرح المنهج .
قوله : ( أو ترفها ) الظاهر أن أو للتنويع في التعبير لأنهما مترادفان ، فالأولى التعبير بالواو . والظاهر أن أو بمعنى الواو والعطف للتفسير .
قوله : ( كالجماع ) فإن فيه إتلاف منفعة البضع واستمتاعاً ، فأشبه إتلاف الصيد من الجهة الأولى .
قوله : ( حيث أطلق ) بأن لم يوصف بشيء يخصصه ، كقولهم في كذا شاة أو د م ق ل .
قوله : ( فالفرض سبعها ) أي لإمكان التجزي بعد الذبح ، لأن الذبح واجب هنا بخلاف بنت المخاض المخرجة عن دم خمس وعشرين من الإبل حيث يقع جميعها فرضاً لعدم إمكان التجزي مع وجود الحياة ، فتأمل م د .
قوله : ( بل لا تجزىء البدنة ) أي فيما ورد فيه نصّ بخصوصه كالشاة الواجبة في الحمامة ق ل .
قوله : ( وحاصل الدماء ) أي من حيث هي غير ما سبق هدياً .
قوله : ( إلى أربعة أقسام ) لأن الدم إما مخير أو مرتب ، وكل منهما فإما معدل أو مقدر . ولابن المقري :
أربعة دماء حجّ تحصرُ
أولها المرتب المقدّرُ
تمتع فوت وحج قرنَا
وترك رمي والمبيت بمِنَى(3/271)
"""""" صفحة رقم 272 """"""
وتركه الميقات والمزدلفَهْ
أو لم يودّع أو كمشي أخَلَفَهْ
ناذره يصوم إن دماً فقدْ
ثلاثة فيه وسبعاً في البَلَدْ
والثان ترتيب وتعديل وَرَدْ
في محصر ووطء حج إن فَسَدْ
إن لم يجد قوّمه ثم اشْتَرَى
به طعاماً طعمة للفُقَرَا
ثم لعجز عدل ذاك صَوْمَا
أعني به عن كلَّ مُدّ يَوْمَا
والثالث التخيير والتعديل في
صيد وأشجار بلا تكلفِ
إن شئت فاذبح أو فعدّل مثل ما
عدّلت في قيمة ما تقدمَا
وخيرن وقدرن في الرابعِ
فاذبحه أو جد بثلاث آصُعِ
للشخص نصف أو فصم ثلاثا
تجتث ما اجتثثته اجتثاثا
في الحلق والقلم ولبس دُهْنِ
طيب وتقبيل ووطء ثني
أو بين تحللي ذوي إحرامِ
هذي دماء الحج بالتمامِ
وقوله ثنى أي فعل ثانياً ، وقوله تجتث أي تقطع ما اجتثثته .
قوله : ( قدر ما يعدل إليه ) وهو الصوم .
قوله : ( بما لا يزيد ولا ينقص ) أي بنية الزيادة ؛ لأنه حينئذ تعاطى عبادة فاسدة فيحرم حيث تعمد ، وإلا وقع له نفلاً مطلقاً .
قوله : ( أمر فيه بالتقويم ) علم منه أن التعديل عبارة عن التقويم والعدول إلى غيره ، وهذا غير موجود في التقدير لأن فيه العدول فقط .
قوله : ( وعلى دم الإحصار ) معطوف على قوله : على دم الجماع فهو مشتمل على دمين .(3/272)
"""""" صفحة رقم 273 """"""
قوله : ( وبعض شعر الوجه ) أي على ما استظهر من اعتماد التفصيل المتقدم ، والمعتمد أن جميع شعر الوجه ملحق بشعر اللحية .
قوله : ( عشرون ) وزاده ابن المقري : دم نذر المشي إذا أخلف ، وهو كدم التمتع ق ل .
قوله : ( يجزىء بعد دخول الخ ) أي وإن لم يحرم .
قوله : ( فإن عدم المساكين في الحرم أخره ) فإن قيل : هلاّ جاز نقله كالزكاة ، أي إذا عدم المستحقون في بلد وجوبها ؟ أجيب بأنه ليس فيها نص صريح لتخصيص البلد بها بخلاف هذا كما تقدم .
قوله : ( أن يهدي إليها ) أي إلى فقرائها .
قوله : ( مائة بدنة ) ذبح منها بيده ثلاثاً وستين وأناب علياً في الباقي ؛ قالوا : وحكمة اقتصاره على ما ذبحه لأنه مقدار عمره ، فكأنه جعل لكل عام فداء ق ل .
قوله : ( أن يقلد البدنة ) أي بدنة الهدى أي يجعل فردة من النعال المذكورة معلقة في عنقها ليعلم واجدها لو ضلت أنها من الهدى .
قوله : ( ثم يجرح ) فهو من التعذيب لحاجة فيجوز ، ومثله التلطيخ بالدم فهو لحاجة .(3/273)
"""""" صفحة رقم 274 """"""
قوله : ( لتعرف ) أي إذا ضاعت .
قوله : ( والغنم لا تجرح ) أي لعدم ظهور الجرح فيها .
قوله : ( عُرَى القرب ) جمع قربة ؛ ولعل المراد بالعرى أطرافها أي المواضع التي تمسك منها كفمها ، فيقطع فم القربة مثلاً ويعلق بخيط في رقبتها . وعطف الآذان في قوله وآذانها على العرى عطف خاص على عام ، وقيل عطف مرادف ، وقيل إنه عطف تفسير على العرى ؛ لأن آذانها عبارة عن جلد يدي البهيمة المسلوخة وجلد رجليها لأنها تمسك منهما فتشبه بآذان القفة ، أو المراد آذان الحيوان الذي تؤخذ منه القرب ، وإن لم تكن الآذان في القرب فإضافتها إليها لأدنى ملابسة .
قوله : ( ولا يلزم بذلك الخ ) أي بالتقليد المذكور ، والمراد أنها لا تصير بذلك واجبة كما لو كتب الوقف على باب داره أو غيره من غير نية ؛ شرح الروض .(3/274)
"""""" صفحة رقم 275 """"""
كتاب البيوع
اعلم أن البيع منحصر في أطراف خمسة : الصحة والفساد ، وعقدوا له باب الأركان والشروط ، والجواز واللزوم ، وعقدوا له باب الخيار ، وحكم المبيع قبل القبض وبعده ، وعقدوا له باب المبيع قبل القبض ، وألفاظ يتبعها غير مسماها لغةً ، وعقدوا له باب الأصول والثمار والمرابحة والمحاطة وغيرها والتحالف ومعاملة العبيد وهو آخر الأطراف ؛ والمتن هنا لم يذكر إلا الاثنين الأوّلين ، ولم يذكر البقية إلا شيخ الإسلام في المنهج .
ولما أنهى ربع العبادات المقصود بها التحصيل الأخروي وهي أهم ما خلق له الإنسان أعقبه بربع المعاملات التي المقصود منها التحصيل الدنيوي ليكون سبباً للأخروي ، وأخرّ عنهما ربع النكاح لأن شهوته متأخرة عن شهوة البطن ، وأخرّ ربع الجنايات والمخاصمات لأن ذلك غالباً إنما يكون بعد شهوتي البطن والفرج . فإن قلت : البيع مصدر لا يثنى ولا يجمع . قلت : أجيب بأنه جمعه باعتبار أنواعه . وأفرده شيخ الإسلام في المنهج فقال : كتاب البيع ؛ لأن المراد به نوع من أنواع البيوع وهو بيع الأعيان لأنه أفرد السلم بكتاب أيضاً . وقيل : محل كونه لا يثنى ولا يجمع إن كان للتوكيد . قال ابن مالك :
وما لتوكيد فوحد أبدا
وثَنِّ واجمع غيره وأفْرِدَا
قوله : ( وغيرها من المعاملات ) يحتمل أن يريد بها التصرفات المالية بين اثنين فأكثر كالسلم والرهن والشركة والإجارة ، فنحو الإقرار والغصب زيادة على الترجمة . ويحتمل أن يريد بها التصرّفات المتعلقة بالمال مطلقاً فلا زيادة ؛ لكن لا يخفى ما في إطلاق المعاملة على نحو الإقرار والغصب بل على نحو الصلح والوكالة من البعد ؛ سم قوله : ( في قوله تعالى ) متعلق بمحذوف صفة للبيع ، أي دون البيع الواقع في قوله تعالى الخ قوله : ( ولطريق الاختصار ) الإضافة بيانية ، وهو معطوف على قوله ( للآية ) قوله : ( نظراً ) علة لقوله وعبر بالبيوع . قوله : ( كما سيأتي ) أي في قول المصنف البيوع ثلاثة أشياء مع ما زاده . قوله : ( مقابلة شيء بشيء ) أي على وجه المعاوضة ليخرج ردّ السلام في مقابلة ابتدائه . وقال بعضهم : مقابلة شيء بشيء(3/275)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
مما يقصد به التبادل لا نحو سلام بسلام وقيام بقيام ونحوه كما قاله البلقيني وإن جرى في تدريبه على الإطلاق وقيل : الأولى بقاء المعنى اللغوي على إطلاقه بدليل البيت المذكور ؛ ولأن الفقهاء لا دخل لهم في تقييد كلام اللغويين ، لكن قال في المصباح : الأصل في البيع مبادلة مال بمال كقولهم : بيع رابح وبيع خاسر ، وذلك حقيقة في وصف الأعيان ؛ لكنه أطلق على العقد مجازاً لأنه سبب التمليك والتملك اه . وقوله : ( مجازاً ) أي لغوياً ، فلا ينافي أنه حقيقة شرعية في العقد وعلم من كلامه أنه لا يطلق لغة إلا على مقابلة المال بالمال . وأما قوله : ( ما بعتكم مهجتي الخ ) فهو مجاز على أن الظاهر أنه مولد . قوله : ( ما بعتكم مهجتي الخ ) وبعده :
فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا
وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي
والمراد بالمهجة الروح .
قوله : ( إلا يداً ) منصوب على الحال أي إلا مقابضة . قوله : ( مقابلة مال بمال الخ ) هو من التعريف بالأعم المحال على مجهول . وقال بعضهم : قوله ( مقابلة ) أي ذو مقابلة ، أي عقد يتضمن المقابلة . وأجاب بعضهم بأن قوله على وجه مخصوص يشمل العقد والشروط فلا اعتراض عليه ، ولو عرّفه كغيره بقوله : ( هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام لا على وجه القربة ) لكان وافياً بالمقصود ، فخرج بالمعاوضة نحو الهبة وبالمحضة نحو النكاح وبملك العين الإجارة وبغير وجه القربة القرض . والمراد بالمنفعة المؤبدة بيع حق الممر ق ل ، أي للماء مثلاً بأن لا يصل الماء إلى محله إلا بواسطة ملك غيره ، ومثله بيع حق البناء والخشب على جداره .
فرع : لا يبعد اشتراط الصيغة في نقل اليد في الاختصاص ، كأن يقول : رفعت يدي عن هذا الاختصاص . ولا يبعد جواز أخذ العوض عن نقل اليد كما في النزول عن الوظائف .
قوله : ( وأحلّ اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; البيع ) أي المعهود عندهم ، وهو مقابلة مال بمال على وجه مخصوص ، فالآية متضحة الدلالة لا مجملة بخلاف قوله تعالى : ) وآتوا الزكاة } ) البقرة : 277 ، التوبة : 5 وغيرهما ) ، فإنها مجملة ولم تتضح دلالتها إلا بكتاب أبي بكر لأنس رضي اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; عنهما بالصدقات . قوله : ( أي مرئية ) أعمّ من أن تكون الرؤية وقت العقد أو قبله ولم يمض زمن تتغير فيه إلى وقت العقد ، وأعمّ من أن تكون الرؤية لكل المبيع كصاع أو لبعضه كبيع(3/276)
"""""" صفحة رقم 277 """"""
الصبرة بتمامها أو كانت الرؤية لظرفه كالرمان وغيره مما يأتي ؛ لأنه صوان له . وعبارة المدابغي : قوله ( مرئية ) أي كلاًّ أو بعضاً أو حكماً فيما كان صواناً له . قوله : ( لانتفاء الغرر ) وهو ما انطوت عنا عاقبته أو تردّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما ، أي شأنه ذلك كالسمك في البحر والطير في الهواء .
قوله : ( بيع شيء ) أي عين . قوله : ( يصح السلم فيه ) لا حاجة إليه مع قول المصنف إذا وجدت الصفة ، فكان الأولى حذفه لأن كلامه في البيع في الذمة بلفظ البيع وهو لا يشترط فيه ذلك أي صحة السلم فيه ، بل يصح وإن لم يصح السلم فيه كجارية وولدها مثلاً مع صفات كل منهما ولؤلؤ كبار وياقوت ، فإن هذا إذا وصف وعقد بلفظ البيع يصح وإن عقد بلفظ السلم فإنه لا يصح . وعبارة ق ل : قوله ( يصح السلم فيه ) لو أسقطه لكان مستقيماً اه . وفيه نظر ، إذ الشارح قصر هذا النوع الثاني على السلم وذلك لا خلل فيه وإن كان فيه قصور من حيث إنه لا يشمل غير السلم مما بيع موصوفاً في الذمة ولم يكن بلفظ السلم ؛ وبهذا علم أن قول الشارح بلفظ السلم صواب لأنه مبني على ما قصره عليه من السلم فلو قال الشارح : ولو بلفظ السلم لم يوافق قصره إياه على السلم ، وبهذا اندفع ما للقليوبي .
قوله : ( موصوف في الذمة ) الذمة معناها لغة : العهد والأمان ، وشرعاً : معنى قائم بالذات يصلح للإلزام من جهة الشارع والالتزام من جهة المكلف ق ل . قوله : ( بلفظ السلم ) لو قال : ولو بلفظ السلم لكان صواباً ؛ قاله ق ل . وقال بعضهم : كان الأولى حذفه كما تقدّم لأن السلم له أحكام والبيع في الذمة له أحكام ، فأحكام السلم يشترط قبض رأس المال في المجلس ولا يصح الاستبدال عنه ولا الحوالة به ولا عليه ، ويصح ذلك كله في الثمن في البيع في الذمة فلا يشترط فيه قبض الثمن في المجلس . قوله : ( إذا وجدت الصفة الخ ) متعلق بمحذوف لا بجائز ؛ لأنه جائز مطلقاً وجدت الصفة أو لا ، وتقدير المحذوف ويلزم المشتري قبوله إذا وجدت الصفة وإلا فلا يلزم قبوله بل له الخيار ، أو المراد بقوله إذا وجدت الصفة أي ذكرت في العقد على ما وصفت به ، أي مع ما وصفت به أي مع ما وصفها به الأئمة ، أي اعتبروه من الصفات التي يجب التعرض لها في العقد ؛ وحينئذ فالظرف متعلق بجائز . قوله : ( مع بقية شروطه ) كتسليم رأس المال في المجلس . قال بعضهم : وكان الأولى حذفه ؛ لأنه بناء على أن المراد عقد السلم وقد عرفت أن المراد عقد البيع . قوله : ( لم تشاهد ) هو تفسير لغائبة ، فشمل الصورتين اللتين في الشرح ، والشارح جعله قيداً في الثانية فيقتضي أن الأولى لا تصح مطلقاً وإن شوهدت ؛(3/277)
"""""" صفحة رقم 278 """"""
وليس كذلك بل على التفصيل ، فالوجه الأول أولى إلاَّ أن يقال إنه حذف من الأول لدلالة الثاني أي لم تشاهد كل من الغائبة والحاضرة ، وفيه نظر إذ قوله ( لم تشاهد ) من كلام المصنف فكيف يكون صفة لحاضرة الواقعة من الشارح ، فكان الظاهر أن يقال إن غائبة يغني عن قوله لم تشاهد فهو صفة لمحذوف قدره الشارح بقوله : أو حاضرة الخ . قوله : ( ما يعم الصحة ) فقوله ( فجائز ) أي صحيح ومباح ، وقوله ( فلا يجوز ) أي فلا يصح ولا يباح . قوله : ( والإباحة ) لو أسقط هذه لكان صواباً ليشمل العقد الصحيح الحرام والمكروه كبيع العنب لعاصر الخمر ، فإنه إن ظن البائع ذلك حرم أو توهمه كره لأن الاعتناء بعموم الأحكام أولى منه بمعاني الألفاظ ، فإن أريد إباحة المعقود عليه فهو مستدرك لأن الصحة كافية عنه ق ل .
قوله : ( والرابع بيع المنافع الخ ) لو جعل هذا الرابع بيع حق الممر كما تقدم لكان مستقيماً ، إذ الإجازة لا تسمى بيعاً لأنها خارجة من تعريفه وتسميتها بيعاً تجوّز عند الحاجة إليه . قوله : ( وللمبيع الخ ) لو قال : وللعوض لكان أولى وأعم لشموله للثمن ق ل . وقد يقال مراده بالمبيع ما يشمل الثمن ، فإنه يراد به المعقود عليه مثمناً كان أو ثمناً .
واعلم أن الثمن النقد والمبيع مقابله وإن دخلت عليه الباء ، وإن كانا نقدين أو عرضين فالثمن ما دخلت عليه الباء والمبيع مقابله ، فالثمن في قولنا : بعتك هذا الدينار بحمار الدينار ، وفي قولنا : بعتك هذا الثوب بحمار الحمار اه م د . وهو بعيد عن كلام المصنف ، والأظهر أن يقال إن الشارح جرى على ظاهر عبارة المصنف فإنها ظاهرة في المبيع غير الثمن بدليل أمثلة الشارح الآتية ، ولا يرد على هذا ما ذكره في الشرط الخامس مما يشمل الثمن والمثمن لأنه من زيادة الشارح على المصنف .
قوله : ( خمسة ) ويزيد الربوي بما يأتي فيه ع ش م ر . قوله : ( كل طاهر ) ولو بالاجتهاد في مشتبهين فإنه يصح بيع ما أداه اجتهاده إلى طهارته ش م ر . فلو اشترى مجتهداً فيه فلا يعوّل على قول المجتهد الأول سم ، ومثله مائع إذا وقع فيه ميتة لا دم لها سائل ولم تغيره ، وينبغي ثبوت الخيار عند الجهل اه ز ي . قوله : ( أو يطهر ) لا حاجة إليه بعد قوله ( عيناً ) لأن ما يطهر بالغسل عينه طاهرة . قوله : ( فلا يصح بيع المتنجس ) أي بيعه استقلالاً لا تبعاً لما هو كالجزء منه ، وإلا فبيع أرض بنيت بلبن أو آجرّ عجن بنجس صحيح ح ل . وكان الأولى للشارح حذف(3/278)
"""""" صفحة رقم 279 """"""
هذا فإنه مكرر مع ما يأتي في المتن . قوله : ( وكذا الدهن ) فصله بكذا لقوّة الخلاف فيه عندنا . قوله : ( في الأصح ) ومقابله قول صحيح أنه يطهر بالماء بأن يوضع الماء عليه ويدار بآلة حتى يتحقق أن الماء وصل إلى جميع أجزائه ، ثم تصبر حتى يطفو الدهن على وجه الماء وتثقب أسفل الإناء حتى ينزل الماء ويبقي الدهن . قوله : ( فألقوها وما حولها ) زاد بعده في شرح الروض . وكلوه ، أي الباقي .
قوله : ( أما ما يمكن تطهيره ) أي بالغسل ؛ خرج ما يمكن تطهيره بالاستحالة كجلد قبل دبغه فلا يصح بيعه ، وإمكان طهر الماء القليل المتغير بالمكاثرة وإمكان طهر الخمر بالتخلل فالغسل قيد معتبر . قوله : ( والآجر ) أي الطوب المحرق ، أي لإمكان طهره لأن الآجرّ إذا نقع في الماء يطهر لتشربه الماء فيصل الماء إلى باطنه وظاهره . قوله : ( بمائع نجس ) مفهومه أن المعجون بجامد نجس لا يصح بيعه كالمعجون بالزبل إذ هو في معنى نجس العين ، إلا داراً بنيت به وأرضاً سمدت به وقناً عليه وشم وإن وجبت إزالته ، خلافاً لبعض المتأخرين لوقوع النجس تابعاً ، ش م ر . والحاصل أن النجاسة إن كانت مستهلكة بأن أمكن طهره كالآجرّ المذكور فيصح بيعه ، وإن كانت غير مستهلكة بحيث لا يمكن طهره إلا باستهلاك عينه كاللبن المعجون بالنجس مائعاً كان أو جامداً فلا يصح بيعه . والظاهر أن الخبز المخبوز بالنجاسة إذا كثر الدخان وتخلل بأجزائه كذلك ، أي لا يصح بيعه كما تقدم اه م د . والصحيح أنه يعفى عنه لعموم البلوى به .
قوله : ( منتفع به ) أي ولو في الآخرة كالعبد الزمن للعتق ، بخلاف الحمار الزمن . قوله : ( ولو في المآل ) أي فيما لا يتأتى منه النفع حالاً ، فلا يرد عدم صحة بيع دار دون ممرها إذا كان يمكن اتخاذ ممرّ لها ؛ شوبري . قوله : ( كالجحش الصغير ) أي إن ماتت أمه أو استغنى عن اللبن . والضابط أن لا يلزم عليه تفريق محرم ش م ر .(3/279)
"""""" صفحة رقم 280 """"""
قوله : ( مملوك ) أي من حيث الولاية عليه كما أشار إليه ، وإن لم يكن مالكاً لعينه كالوكيل والولي . قوله : ( أن يكون للعاقد الخ ) إنما فسر بذلك لأن كلام المتن قاصر على الملك ، فأشار إلى أن المدار على الولاية بملك أو وكالة أو ولاية كالأب والجد والوصي مثلاً ، أو أذن من الشارع كالملتقط فيما يخاف فساده فله بيعه ، والظافر بغير جنس حقه فله بيعه بجنس حقه ثم يتملكه . وقوله ( للعاقد عليه ولاية ) أي ولو في نفس الأمر بدليل ما يأتي ، وإن ظن العاقد خلافها كما سيذكره بقوله ( ويصح بيع مال غيره ) لكن إقدامه حينئذ حرام صغيرة على المعتمد . قوله : ( عقد فضولي ) بالإضافة ، وهو من ليس مالكاً ولا وكيلاً ولا ولياً ، ومثل العقد الحل كطلاق أو عتق ؛ فلو عبر بالتصرّف لكان أولى كما قاله الحلبي . وعقد الفضولي باطل عندنا ، وعند غيرنا موقوف إن أجازه من له عليه ولاية صح وإلا فلا كما في م د على التحرير .
قوله : ( وإن أجازه الملك ) هي للردّ ، وعبارة ش م ر : وفي القديم وحكي عن الجديد أن عقده موقوف على رضا المالك إن أجازه نفذ وإلا فلا ، والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد ؛ فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ . ومحل الخلاف ما لم يحضر المالك ، فلو باع مال غيره بحضرته وهو ساكت لم يصح قطعاً كما في المجموع اه . قوله : ( ظاهراً ) منصوب بنزع الخافض ، أي في الظاهر . وهو صفة لمال ، أي المال المملوك لغيره في الظاهر ، ويكون في الواقع ملكاً له . وإنما صحّ لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر م د . قوله : ( أنه له ) ليس قيداً ، بل المدار على كونه له عليه ولاية ، فيشمل ما إذا تبين أنه وكيل ببيع العين أو أنه وليّ على العين المبيعة أو نحو ذلك . والظاهر أن الضمير يرجع للبيع ، وحينئذ فلا إشكال . قوله : ( كأن باع مال مورثه ) أو باع مال غيره على ظنّ أنه لم يأذن له فبان إذنه له فيه ح ل . قوله : ( ظاناً حياته ) ليس بقيد ، بل مثله إذا لم يظن بالأولى . قوله : ( قدرة تسلمه ) وإن لم توجد قدرة التسليم ، والمراد قدرة تسلمه يقيناً حالاً بلا مؤنة أخذاً من كلامه بعد ، فقد قال المتولي : لو احتمل قدرته وعدمها لم يجز كما ذكره الحلبي . قوله : ( غير ضمني ) أما الضمني فلا يشترط فيه قدرة التسلم ؛ فإذا قلت لمالك العبد المغصوب : أعتق عبدك عني بكذا فقال : أعتقته عنك صحّ ، وإن لم تقدر على انتزاعه من غاصبه ؛ وإنما كان بيعاً ضمنياً لأنه على تقدير : بعنيه وأعتقه عني ، فإذا أعتقه عنه فكأنه قال : بعته لك وأعتقته عنك كما في شرح المنهج . ومثل الضمني ما يقصد منه العتق كشراء من أقر بحرّيته أو شهد بها وردت شهادته ، أو كان العبد المغصوب أصلاً أو فرعاً ، ز ي . قوله : ( حالاً ) أي حالة العقد . قوله : ( لقادر ) أي حالاً ومآلاً ،(3/280)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
فلو عجز عن تخليصه بعد البيع بطل ، ويصدّق في عدم قدرته ق ل . والمعتمد أن العجز إذا طرأ يثبت الخيار كما في شرح التحرير .
قوله : ( إلى مؤنة ) أي لها وقع وإن تحملها البائع ، شوبري . ومثل المؤنة الكلفة أي المشقة أخذاً من مسألة السمك في البركة الواسعة ق ل . قوله : ( جزء معين ) أي بالشخص كمن هنا إلى هنا . أما المعين بالقدر والنصف ونحوه فيصح ويكون شريكاً . قوله : ( نفيس ) لم يقل نفيسين ؛ لأن الإناء لا يشترط فيه النفاسة ، لأن كسره ينقص قيمته مطلقاً . قوله : ( عن تسليم ) المناسب تسلم كما في خطه . ويؤخذ من قوله ( للعجز الخ ) صحة بيع جزء إناء أحد النقدين ولو معيناً ؛ لأن كسرها واجب فالنقص من حيث الصفة المحرمة م د . قوله : ( وفيه ) أي في كل نقص . قوله : ( كرباس ) أي قطن كما في المصباح وع ش . ومراد الفقهاء ما هو أعم كما قاله شيخنا العشماوي . قوله : ( العلم ) المراد به ما يشمل الظن وإن لم يطابق الواقع ، بدليل مسئلة الزجاجة التي ظنها جوهرة ؛ بل يكتفي برؤيته وإن لم يعلم ولم يظن من أي الأجناس هو ح ل . قوله : ( عيناً ) أي في المعين غير المختلط ، وقدراً في المعين المختلط كصاع من صبرة ، وصفة أي مع القدر فيما في الذمة ؛ شوبري . ولذا قال ( على ما يأتي ) فقوله ( وقدراً ) الواو بمعنى ( أو ) . والحاصل أن المبيع إن كان معيناً غير مختلط بغير المبيع كفت معاينته عن معرفة قدره تحقيقاً بمعنى أنه لا يشترط معرفة القدر بكيل ولا وزن ولا ذرع وإن كان في الذمة أو مختلطاً بغيره كصاع من صبرة ، فالشرط العلم بقدره وصفته لا عينه . واعلم أنه يستثنى من ذلك ماء الشرب من السقاء ، قال في شرح المهذب : أجمعوا على جوازه بعوض مع اختلاف الناس في الشرب اه سم . قوله : ( ولما روى مسلم ) علة للعلة .
قوله : ( ويصح بيع صاع ) المناسب التفريع ، فكان الأولى الإتيان بالفاء ؛ لأنه شروع في فروع ثمانية : الثلاثة الأول مفرعة على منطوق الشرط ، والخمسة بعدها على المفهوم . قوله : ( من صبرة ) هي اسم لجملة مجتمعة من الحبوب أو غيرها ، والمراد هنا ما تساوت أجزاؤه بدليل ما بعده ؛ فخرج ما إذا باع رمانة أو ليمونة من صبرة الرمان والليمون ، فلا يصح . وعلم من لفظ من أن الصبرة أكثر من صاع وإلا فباطل ق ل . قوله : ( مع تساوي الأجزاء ) فيه إشارة(3/281)
"""""" صفحة رقم 282 """"""
إلى أنه يصح تسليم الصاع من باطنها وتسليمه من باطنها لا يصير المبيع مجهولاً لأنها متساوية الأجزاء ، أي فتساوي الأجزاء بمنزلة التعيين ، فصح البيع لأن هذا من بيع المعينات لا من بيع الذمم ، ولا يرد عدم صحة بيع شاة من شياه لعدم تساوي الشياه . قوله : ( وإن جهلت ) أي فيكون مستثنى من العلم . قوله : ( كل صاع ) بنصب كل على الحالية من صبرة ، أي حالة كونها كل صاع بدرهم أي مسعرة بذلك . وأما رفعه فيوهم الاستئناف ، فيكون ليس من الصيغة مع أن المقصود أنه منها ، وجره مفسد للمعنى ؛ لأنه يصير بدلاً من صبرة فيصير البيع واقعاً على كل صاع لا على الصبرة لأن المبدل منه في نية الطرح ، ح ل وشوبري . قوله : ( وإلا ) أي بأن زادت أو نقصت . قوله : ( بين جملة الثمن ) وهو مائة درهم ، وقوله ( وتفصيله ) وهو كل صاع بدرهم . قوله : ( لا بيع الخ ) محترز العلم فيما مر ، فالمراد به ما قابل المبهم والمجهول معاً ، وأشار إلى عمومه في الثمن والمثمن جميعاً ق ل . قوله : ( براً ) أي في الذمة كما يشير إليه تنكيره ش م ر . قوله : ( وملء البيت ) حال . قوله : ( أو بألف دراهم ودنانير ) أي ولم يعين مقدار كل من الدراهم والدنانير ، فلو عين كأن قال بألف دراهم ودنانير الدراهم خمسمائة والدنانير خمسمائة مثلاً صحّ . قوله : ( في الأولى ) أي بيع أحد الثوبين ، وقوله ( في الثانية ) أي قوله : ولا بيع بأحدهما . قوله : ( ويقدّره في الباقي ) المراد بالجهل بقدره في قوله ( بألف دراهم ودنانير ) الجهل بقدر الدراهم وقدر الدنانير هل من كل منهما نصف الألف أو ثلثها مثلاً ؟ وإلا فالعلم بجملة قدره حاصل لأنه ألف . قوله : ( فإن عين الخ ) فهذا مستثنى من العلم قدراً . قوله : ( بعتك ملء ذا البيت الخ ) المناسب لما سبق أن يقول بعتك بملء الخ ؛ لأنه فيما سبق جعل الملء ثمناً وجعله هنا مبيعاً ، إلا أن يقال أشار إلى أنه لا فرق بينهما كما قرّره شيخنا العشماوي . قوله : ( من ذا البر ) وكذا بعتك بزنة هذه الحصاة من هذا الذهب . قوله : ( لإمكان أخذه الخ ) فيه أن الجهل بقدره موجود أيضاً حالة البيع ، وعبارة م ر : أما المعين فيصح وإن جهل قدره لإحاطة التخمين برؤيته مع إمكان الأخذ قبل تلفه فلا غرر . قوله : ( قبل تلفه ) أي تلف البيت والفرق بين هذه وبين الصورة المتقدّمة الباطلة أن البائع هنا عين البر وثم أبهمه لأنه يمكن أن يحيطا بجوانب البيت ويعرفا تخميناً أنه يأخذ كذا ويملأ البيت من البرّ المعين حالاً قبل تلف البيت ، فقلّ(3/282)
"""""" صفحة رقم 283 """"""
الجهل هنا بخلافه ثم لأن البر مبهم ويمكن تلف البيت قبل الإتيان بالبر فكثر الجهل ، ولو تلف البيت هنا فالظاهر انفساخ البيع شيخنا العشماوي . وأيضاً البرّ المعين يكفي فيه التخمين كبيع الصبرة الغير المكيلة ؛ بخلاف المبهم فلا بد من بيان قدره وصفته . قوله : ( عليه ) أي على هذا الشرط اه .
قوله : ( ولا يصح بيع عين نجسة ) أي استقلالاً لا تبعاً لما هو كالجزء منه ، وإلا فبيع أرض بنيت بلبن أو آجرّ عجن بنجس صحيح والبيع واقع على الجميع م ر . وقال سم : الوجه أن البيع واقع على الظاهر ، وإنما دخل غيره تبعاً بنقل اليد فراجعه . وعلم من هذا أن بيع الخزف المخلوط بالرماد النجس والسرجين صحيح كالأزيار والقلل والجرر والمواجير وغيرها ، ويعفى عما يوضع فيها من المائعات فلا يتنجس م د . قوله : ( كالسرجين ) بكسر السين وفتحها . قوله : ( ولو معلماً ) للردّ على من قال بطهارته كما قاله الإطفيحي . قوله : ( والخمر ) فيه أن الخمر يطهر بالاستحالة . ويجاب بأن طهره ليس مع بقاء كونه خمراً ، بل انتقل لكونه خلاًّ بخلاف جلد الميتة فإنه يطهر بالاستحالة مع كونه جلداً . قوله : ( ولو محترمة ) وهي ما عصرت ، أي عصر أصلها لا بقصد الخمرية على الراجح ، وقيل : هي التي عصرت بقصد الخلية والغاية للردّ على من قال بجواز بيع المحترمة ، هذا إن كان العاصر لها مسلماً ، أما خمرة الكافر فمحترمة مطلقاً لأنه لا يعتقد تحريمها ومع ذلك لا يصح بيعها مطلقاً ولو لكافر مثله وإن اعتقد الحل . قوله : ( نَهَى عن ثمن الكلب ) والنهي عن ثمنه يدل على فساد بيعه ع ش .
فرع : لا تدخل ملائكة الرحمة بيتاً فيه كلب ، وهل لا تدخل وإن جاز اقتناؤه أو وجب كما لو علم أنه يقتل لولا اقتناؤه لحراسته ؟ قال الرملي : ظاهر ما ورد أنها لا تدخل بيتاً فيه حائض مع أنها معذورة لا صنع لها في الحيض عدم الدخول هنا ، سم على المنهج ع ش على م ر . وأيضاً لا تدخل بيتاً فيه جرس أو أوّز أو بول منقوع أي مخزون أو فيه صورة . وسبب عدم دخولها أن إبليس لما بصق على آدم حين كان ملقى على باب الجنة هبط جبريل وكشط من البزقة أول مرة وألقاها فخلق منها الكلب المعروف ، وثاني كشطة خلق منها كلب الصيد ، فهما مخلوقان من أثر بصقة إبليس ؛ والملك النازل بالرحمة وإبليس لا يجتمعان .(3/283)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
قوله : ( كالحشرات ) وأصلها صغار دوابّ الأرض ، ويستثنى نحو يربوع وضب مما يؤكل ونحل ودود قز وعلق لمنفعة امتصاص الدم م ر . فإن قيل : إن منفعة هذه المذكورات في الخواص فما وجه استثنائها دون غيرها ؟ قلت : أجاب شيخنا بأن هذه لما اشتهرت وعلمها غالب الناس استثنيت ، وأما غيرها فلا لاختصاصها بحذاق الأطباء أ ج . قوله : ( كالخنفساء ) بفتح الفاء ممدودة ، والأنثى خنفساءة بالهاء وبينها وبين العقرب صداقة . ومن منافعها ، أي الخنفساء ، أنه إذا قطع مؤخرها وغمس فيه ميل واكتحل برطوبته قوى البصر ومنع من الاغشاء ، وإذا طبخت في زيت وقطر في الأذن الوجعة نفعها ، وإذا أديم ذلك نفع من الصمم الحادث ، وإذا دهن به قروح الساقين أو البواسير الناتئة في المقعدة نفعها نفعاً جيداً عجيباً وإذا شدخت وربطت على لسعة العقرب نفعتها اه من مختصر حياة الحيوان للسيوطي . وإن كان في تشديخها تعذيب لها جوّز للحاجة . قوله : ( والحية ) سميت بذلك لطول حياتها جداً . قوله : ( والعقرب ) وهي كثيرة الولد ، لها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها ، وأشرّ ما تكون إذا كانت حاملاً ؛ سيوطي .
قوله : ( ولا بيع كل سبع ) لا حاجة إليه ؛ لأنه دخل في المتن إلا أن يقال إنه من عطف الخاص على العام . قوله : ( غير المأكول ) خرج المأكول كغراب الزرع فيصح بيعه وهو الغداف الصغير والزاغ ، أما الغداف الكبير وكذا العقعق والأبقع فلا يحل أكلها م ر . وقوله ( العقعق ) أي الذي صوته العقعقة وهو الذي يقول غاق غاق وقوله ( والزاغ ) وهو محمر المنقار . قوله : ( لمنفعة الجلد ) يرجع للأسد والذئب . وقوله ( ولا لمنفعة الريش ) يرجع للحدأة والغراب قوله : ( للهيبة ) أي هيبة الخلق لهم بسبب اقتنائهم لها والسياسة بإصلاح أمور الرعية بامتثالهم لهم ؛ قال في المختار : يقال ساس الناس أصلح أمورهم ، فهو عطف مسبب على سبب أو عطف لازم على ملزوم كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( للأنس بلونه ) وكذا العندليب لصوته ، وكذا القرد للحراسة والهرة الأهلية لدفع الفأر . وأما الوحشية فإن كان يؤخذ منها الزباد صح بيعها وإلا فلا ، وكذا اليربوع والضب والعلق لمص الدم والدود للقز .
قوله : ( ولا أثر لضم ذلك ) أي حبتي الحنطة والشعير ، ولا فرق بين زماني الرخص والغلاء اتفاقاً ، وأغرب المتولي فحكى وجهاً بجواز بيعهما اه دميري . قوله : ( أو وضعه ) أي(3/284)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
ذلك وقوله في فخ أي أو شرك ، وهما آلتان يصاد بهما . قوله : ( ومع هذا ) أي مع عدم نفعه لقلته أو عدم صحة بيعه . قوله : ( لأنهما ) أي الذهب والفضة المقصودان ، أي بجعلهما دراهم أو دنانير ، وليست الآنية مقصودة . قوله : ( بخلاف تلك ) فإنها لا يباح استعمالها للحاجة بل للضرورة فيما إذا أخبره الطبيب العدل بأن هذا المرض يزول بسماعها كما في سم . قوله : ( والتنجيم ) أي المشتملة على علم النجوم ، بأن كان فيها إذا طلع نجم كذا حصل كذا ؛ قال ق ل : ما لم تشتمل على تجربة أو عادة . قوله : ( والشعبذة ) في نسخة . ( والشعبثة ) بالثاء المثلثة بدل الذال : نوع من السحر والفلسفة من كتب الكفر ، فعطفها خاص . قوله : ( ولا بيع السمك ) هذا خارج بقوله عيناً في قوله علم به عيناً ، فالأولى تقديمه عند قوله ( لا بيع ) بأحد الثوبين كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( على هذا التفصيل ) أي فيصح إن كان البرج صغيراً يمكن رؤيته فيه وسهل أخذه منه ، وإلا فلا . قوله : ( ولو حماماً ) للرد . قوله : ( اليعسوب ) أي أمه . قال السيوطي : اليعسوب هو ملك النحل وأميرها الذي لا يتم لها أمر إلا به . قوله : ( فإنها تقصد الخ ) المناسب ، فإنه أي الغير ؛ لكنه أنث نظراً لمعناه . قوله : ( في الكوّارة ) فيها أربع لغات : ضم الكاف وفتحها مع تشديد الواو فيهما ، وضم الكاف وكسرها مع تخفيف الواو أ ج ملخصاً . وهي الخلية المتقدمة ، وغاير التعبير للتفنن .
قوله : ( سكت المصنف ) أي عن التصريح وإلا فهي معلومة ضمناً من قوله ( بيع عين الخ ) لأن مبيع يتضمن العاقدين والعوضين والإيجاب والقبول .(3/285)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
قوله : ( وهي في الحقيقة ) أي التفصيل . قوله : ( ولو كناية ) ولو من سكران متعدّ بسكره إذا أقر بالنية ، خلافاً لابن الرفعة اه ز ي . والغاية للرد على من قال بعدم انعقاده بالكناية . لا يقال إن الشهود لا إطلاع لهم على النية ؛ لأنا نقول قد يطلع عليها بإقراره بعد البيع والكتاية كناية . قوله : ( وهي إيجاب الخ ) ويشترط في صحتها أي الصيغة أن يذكر المبتدي بائعاً أو مشترياً كلاًّ من الثمن والمثمن . وأما المجيب فلا يشترط أن يذكرهما ولا أحدهما ، فلو قال البائع : بعتك كذا بكذا ، فقال : قبلت ، أو قال المشتري : اشتريت منك كذا بكذا ، فقال : بعتك ؛ كفى فيهما . فإن لم يذكر المبتدي منهما العوضين معاً لم يصح العقد . قوله : ( كبعتك الخ ) أتى بالكاف إشارة لعدم الحصر في الأمثلة ، بل المدار على ما يدل على الرضا . قوله : ( واشتر مني ) هو استقبال ، أي طلب القبول قائم مقام الإيجاب ح ل ؛ لأن المعنى : اقبل مني كذا بكذا . قوله : ( وكجعلته لك الخ ) أتى بالكاف لأنه كناية وما قبله صريح ؛ ولذا قال ناوياً البيع أي نية مقترنة بجميع اللفظ أو جزء منه على المعتمد عند م ر ، خلافاً للزيادي حيث اقتصر على الأول . وأشار بالكاف في الكناية إلى عدم الحصر في ذلك ، فمنها : بارك الله لك فيه بكذا ، وباعك الله بكذا ، أو سلطتك عليه بكذا ، وتملكه بكذا . وعبارة المدابغي على التحرير : والصيغة تنقسم إلى صريح وإلى كناية ، فمن الصريح : بعتك وملكتك ونحو ذلك ، والكناية كأن يقول : خذه بعشرة ، أو باعه الله لك بعشرة ، وفي الإقالة : كأقالك الله منه . وقالوا في الطلاق والعتق : لو قال ( طلقك الله ) أو ( أعتقك الله ) كان صريحاً فحصل التناقض . قال الشيخ البلقيني : يمكن الجمع بأن العقد إذا أضيف إلى الله تعالى واستقل به العبد كان صريحاً ، وإلا فكناية اه عناني . ونظم ذلك بعضهم بقوله :
ما فيه الاستقلال بالإنشاء
وكان مسندا لذي الآلاء
فهو صريح ضده كنايه
فكن لذا الضابط ذا درايه
قوله : ( كبعني بكذا ) هذا استيجاب قائم مقام القبول أي مع صيغة الأمر ، بخلاف صيغة الاستفهام الملفوظ به أو المقدر نحو أتبيعنيه أو بعتنيه ح ل . قوله : ( لأن البيع الخ ) متعلق بمحذوف تقديره : وإنما اعتبرت الصيغة لأن البيع الخ . قوله : ( من اللفظ ) أي لأن دلالته على ما في النفس من الرضا أقوى من دلالة القرائن عليه ، فلا يقال إن القرائن قد تدل على الرضا .(3/286)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
ومثل اللفظ ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس المفهمة . والمراد باللفظ ما يدل دلالة ظاهرة فخرج المعاطاة حيث اقترن بها لفظ ليست دلالته ظاهرة . قوله : ( ويردّ كل ما أخذه ) أي وجوباً ولو بلا طلب من الآخر ، فإن لم يرده فلا عقاب في الآخرة إن كان عن رضا كما قاله النووي ، لطيب النفس بها واختلاف العلماء فيها ، نقله في المجموع اه روض وشرحه . والمعاطاة من الصغائر على الراجح لجريان الخلاف فيها ، وكذا كل بيع فاسد ؛ قاله ع ش . وقوله : ( فلا عقاب ) أي من حيث المال وإن كان يعاقب من حيث تعاطى العقد الفاسد إذا لم يوجد مكفر كما في شرح م ر ؛ ولو اختلف اعتقادهما كمالكي وشافعي عومل كل باعتقاده فيجب على الشافعي الرد دون المالكي ، فإذا ردّ الشافعي أتى فيه الظفر بغير جنس حقه أو يرفع المالكي للحاكم . وفي ع ش على م ر : فرع : وقع السؤال في الدرس عما لو وقع بيع بمعاطاة بين مالكي وشافعي هل يحرم على المالكي ذلك لإعانته الشافعي على معصية في اعتقاده أم لا ؟ فيه نظر . والجواب عنه أن الأقرب الحرمة كما لو لعب الشافعي مع الحنفي الشطرنج حيث قيل يحرم على الشافعي لإعانته الحنفي على معصية في اعتقاده . قوله : ( أو بدله إن تلف ) أي المثل في المثليّ ، وأقصى القيمة في المتقوّم ، وكذا كل مقبوض بالشراء الفاسد سم ع ش على م ر ؛ أي لأن المقبوض بالشراء الفاسد حكمه حكم المغصوب .
قوله : ( أن لا يتخللهما الخ ) ومعلوم أن محل ذلك في الحاضر ، أما الغائب فلا يضر تخلل الكلام من الكاتب ولا من المكتوب إليه قبل علمه بالكتاب ع ش . قوله : ( أجنبي ) بأن لا يكون من مقتضيات العقد كالقبض والانتفاع والرد بعيب ، ولا من مصالحه كشرط الرهن والإشهاد ، ولا من مستحباته كالخطبة بناء على أن الخطبة تستحب بين الإيجاب والقبول قياساً على النكاح كما قاله ح ل وم ر . فهذا كله لا يضر ، والكلام الأجنبي غير ما تقدم بقدر ما أبطل الصلاة ولو حرفاً مفهماً أو حرفين وإن لم يفهما . نعم يغتفر اليسير لنسيان أو جهل إن عذر كالصلاة ، ويغتفر لفظ قد لأنها للتحقيق شرح م ر . ويغتفر لفظ : والله اشتريت ، ويضر : وأنا اشتريت ؛ قاله ق ل . وجملة ما ذكره من شروط الصبغة خمسة ، وذكر في شرح المنهج أربعة : الأول : أن لا يغير الأول من العاقدين ما أتى به ، فلو قال : بعتك ذا العبد بل الجارية فقبل لم يصح ، أو بعتك هذا بكذا حالاًّ بل مؤجلاً لم يصح لضعف الإيجاب بالتغيير . الثاني : أن يتلفظ بحيث يسمعه من بقربه ، وإن لم يسمعه صاحبه بأن بلغه ذلك فوراً أو حملته الريح إليه فقبل . الثالث : بقاء الأهلية إلى وجود الشق الثاني ، فلو جنّ الأول قبل وجود القبول لم يصح . الرابع : أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب ، فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته لم يصح . وبقي أربعة شروط : أن يذكر المبتدىء منهما الثمن والمثمن . وأن يأتي بكاف الخطاب ،(3/287)
"""""" صفحة رقم 288 """"""
وأن يضيف البيع لجملته ؛ فلو قال : بعت يدك لم يصح إلا إن أراد التجوّز عن الجملة وأن يقصد اللفظ لمعناه ، فلو سبق به لسانه أو كان أعجمياً لا يعرف معنى البيع لم يصح كما قاله م ر . وقوله ( بحيث يسمعه من بقربه ) فلو لم يسمعه من بقربه لم يصح البيع وإن سمعه صاحبه لحدة سمعه ؛ لأن لفظه كلا لفظ وإن توقف فيه بعضهم ع ش ا ط ف . فيكون شروط الصيغة ثلاثة عشر شرطاً . وظاهر أنه يغتفر من العامي فتح التاء في التكلم وضمها في التخاطب لأنه لا يفرق بينهما ، ومثل ذلك إبدال الكاف ألفاً ونحوه سم . وظاهره ولو مع القدرة على الكاف من العامي ، ومفهومه أنه لا يكتفي بها من غير العامي ، وظاهر أن محله حيث قدر على النطق بالكاف ؛ اه ع ش على م ر .
قوله : ( وهو ما أشعر بإعراضه الخ ) المعتمد أنه بقدر ما يقطع القراءة في الفاتحة وهو الزائد على سكتة التنفس ، أو القصير إذا قصد به الإعراض بخلاف السكوت الطويل لعذر من جهل أو نسيان فيضر كالفاتحة . قوله : ( وأن يتوافق الإيجاب والقبول معنى ) وإن لم يتوافقا لفظاً كأن قال : بعتك بقرش فقبل بثلاثين نصف فضة . وعبارة شرح م ر : وأن يتوافقا معنى بأن يتفقا في الجنس والنوع والصفة والعدد والحلول والأجل وإن اختلف لفظهما صريحاً وكناية اه . وقال ع ش عليه : قوله ( معنى ) أي لا لفظاً ، حتى لو قال : وهبتكه بكذا فقال المشتري : اشتريت أو عكس صح مع اختلاف صيغتهما لفظاً اه . قوله : ( فلو أوجب ) تفريع على مفهوم الشرط . ومحل ذلك ما لم تساو قيمة الصحاح قيمة المكسرة ، أما إذا تساويا فإنه يصح ؛ كذا قيل لكن في البرماوي والحلبي : وإن تساوت قيمتهما ، واعتمد كلامهما شيخنا الحفني . قوله : ( مكسرة ) وهي قطع نقد مضروبة لا نحو أنصاف القروش وأرباعها ، وقال ق ل على المحلي : المراد بالمكسرة قطع صغار تقرض من نحو الدنانير لشراء الحوائج الصغيرة وهو الوجه لإخراج نحو القروش . قوله : ( فقبل بصحيحة ) ومثله ما لو أوجب بألف فقيل بألف من نقد آخر مخالف للأول في السكة دون القيمة ، فإنه لا يصح ؛ برماوي . قوله : ( أو عكسه ) بالنصب ، أي أو كان عكسه أو بالرفع فاعل لفعل محذوف ، والتقدير : أو حصل عكسه ، والجملة على التقديرين معطوفة على ( أوجب ) . قوله : ( لم يصح ) أي لقبوله ما لم يخاطب به ؛ قاله ق ل .
قوله : ( عدم التعليق ) أي الذي لا يقتضيه العقد بخلاف ما يقتضيه كإن كان ملكي فقد بعتكه أو بعتك إن شئت ) كما في شرح المنهج . قوله : ( والتأقيت ) ولو بما يبعد بقاء الدنيا إليه كألف سنة ح ل ، وعبارة ز ي : وعدم تأقيت ولو بنحو حياتك أو ألف سنة على الأوجه . ويفرق بينه وبين النكاح على ما فيه بأن البيع لا ينتهي بالموت لانتقاله للوارث بخلاف النكاح اه .(3/288)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
قوله : ( وشرط في العاقد ) أي أربعة شروط : اثنان للعاقد بائعاً أو مشترياً وهما الأولان ، والاثنان الآخران خاصان بالمشتري ؛ فلذا أظهر في محل الإضمار في قوله ( وإسلام من يشتري ) حيث لم يقل وإسلامه ، أي العاقد كما قرره شيخنا العشماوي . وحاصل شروطه أن بعضها عام وهو الأوّلان ، ومثلهما في العموم الإبصار إذا كان المعقود عليه معيناً . وأما قوله ( وإسلام ) فهو من الخاص . ومنها عدم إحرام من يشتري له صيد بري وحشي ، وعدم حرابة من يشتري له عدة حرب . وخرج بالعاقد المتوسط كالدلال ، فلا يشترط فيه شيء مما ذكر فيهما بل الشرط فيه التمييز فقط كما قاله ع ش . قوله : ( إطلاق تصرف ) أورد عليه المكاتب والعبد المأذون له في التجارة والوكيل ، فإن كلاً غير مطلق التصرف لأن كلاً ليس له أن يهب ولا أن يتصدق ويصح بيعه اه ح ل . وقال الشوبري : المراد بإطلاق التصرف صحته ولو بالبيع فلا يرد عليه شيء . وعبر بقوله ( إطلاق تصرف دون الرشد ) لأن المدار عليه لا على الرشد فيدخل من بلغ مصلحاً لماله ودينه ثم بذر ولم يحجر عليه وهو السفيه المهمل ، فهو مطلق التصرف وإن كان ليس رشيداً . ودخل المفلس إذا عقد على ما في الذمة بيعاً أو شراء فيصح ، بخلاف ما إذا عقد على العين . ودخل بيع العبد من نفسه فيصح ؛ لأن جريان العقد معه كالإذن له ، وهو إذا أذن له يصح تصرفه .
قوله : ( فلا يصح عقد صبي الخ ) ثم إن تلف أو أتلف ما قبضه ففيه تفصيل ، فإن قبضه من رشيد ضاع على صاحبه لأنه مضيع لماله ويلزم الرشيد ردّ الثمن للولي ، وأما إن قبض من غير رشيد فيضمن كل ما أخذه من صاحبه إن كان بغير إذن الولي فإن كان بإذن الولي فالضمان على الولي لأنه الذي ورّطه . قوله : ( وعدم إكراه ) أي إن لم توجد قرينة تدل على الاختيار ، فإن وجدت صح أخذاً مما يأتي في الطلاق ز ي . وهذا ، أعني قوله : وعدم إكراه الخ صادق بصورتين : الاختيار والإكراه بحق فيصح منه العقد في هاتين الصورتين . قوله : ( فلا يصح عقد مكره ) قال في شرح العباب : ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع ، وإلا صح كما بحثه الزركشي أخذاً من قولهم : لو أكره على إيقاع طلاق فقصد إيقاعه صح القصد ، سم . فالصريح في حق المكره كناية كما ذكروه في الطلاق . قوله : ( في ماله ) مثله وكيل أكره على بيع ما وكل في بيعه ، شوبري . قوله : ( فأكرهه الحاكم عليه ) ليس بقيد بل مثله المتغلب كما قاله الزيادي ، والحاكم مخيّر بين أن يبيع بنفسه أو يأمره بالبيع ، بخلاف المتغلب ليس له البيع بنفسه .
فرع : لو قال شخص لآخر : إن لم تبعني شيئاً من بهائمك وإلا قتلتك ، فباعه شيئاً منها(3/289)
"""""" صفحة رقم 290 """"""
صح البيع لأنه لم يكرهه على بيع شيء بعينه ، كذا أفتى به شيخنا ز ي . أيضاً ذكره الشيخ عبد البر الأجهوري على المنهج . ويصح بيع المصادر وهو بفتح الدال من ألجىء إلى الدفع دراهم فباع بعض ماله ودفع تلك الدراهم ، وكذا يصح بيع الحيلة وهو أن يبيع الفلاح بعض دوابه مثلاً بثمن يسير خوفاً من الملتزم . ويكون الشرط قبل العقد ، وصورته : أن يقول لشخص : بعتك هذا بكذا ، لكن لما يخرج الملتزم آخذه منك . فإن هذا صحيح إن لم يذكره في العقد ، وإلا فلا . ويصح عقد السكران المتعدي بسكره وإن كان غير مكلف ؛ لأنه من قبيل ربط الأحكام بالأسباب الذي هو خطاب الوضع ، شرح الروض .
قوله : ( وإسلام من يشتري الخ ) المراد بالمصحف ما فيه قرآن وإن قلّ ، وذلك يشمل التميمة ؛ وهو متجه . وخرج بالمصحف جلده المنفصل عنه ، فيصح بيعه للكافر وإن لم تنقطع نسبته عنه سم . نعم يتسامح بتمليك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شيء من القرآن للحاجة إلى ذلك ، ويلحق به فيما يظهر ما عمت به البلوى من شراء أهل الذمة الدور وقد كتب في سقفها شيء من القرآن ، فيكون مغتفراً للمسامحة به غالباً إذ لا يقصد به القرآنية كما وسموا نعم الجزية بذكر الله تعالى مع أنها قد تتمرغ في النجاسة . ومثل القرآن الحديث ولو ضعيفاً فيما يظهر إذ هو أولى من آثار السلف ، بخلاف ما إذا خلت عن الآثار وإن تعلقت بالشرع ككتب نحو فقه خلا عن اسم الله . ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده كما قاله ابن عبد السلام وإن رجي إسلامه ، بخلاف تمكينه من القراءة لما في تمكينه من الاستيلاء عليه من الإهانة شرح م ر وع ش .
قوله : ( آثار السلف ) أي حكايات الصالحين كطبقات الشعراني ، أما الخالية ككتب نحو ولغة فيصح وإن تعلقت بالشرع خلافاً لبعضهم ؛ شرح م ر . قوله : ( أو مسلم ) معطوف على قوله ( مصحف ) . قوله : ( أو مرتد ) خرج به المتنقل من دين إلى آخر ، فإنه لا يمتنع بيعه للكافر . قوله : ( لا يعتق عليه ) أي لا يحكم بعتقه عليه ليشمل من أقر بحريته أو شهد بها ز ي . وقوله ( لا يعتق عليه ) راجع للاثنين . قوله : ( لما في ملك الكافر ) أي فلا يصح بيعه له لما الخ . قوله : ( من الإهانة ) يؤخذ منه بالأولى أنه يحرم على المسلم إذا استفتاه ذمي أن يكتب له في السؤال والجواب لفظ الجلالة ، فتنبه له فإنه يقع كثيراً الخطأ فيه ع ش على م ر . قوله : ( من الإذلال ) عبر بالإذلال في جانب المسلم والإهانة في المصحف ؛ لأنه يعتبر في حقيقة الإذلال أن يكون للمذل شعور يميز به بين الحسن والقبيح في الجملة ع ش ؛ ولأنه يقال عند رؤية المصحف في يد من لا يعظمه أهانه ولا يقال أذله والمسلم بالعكس(3/290)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
. قوله : ( سبيلاً ) أي ملكاً م د . قوله : ( ولبقاء علقة الإسلام الخ ) أي وفي تمكين الكافر منه إزالة لها ؛ شرح حج . قوله : ( دون الكراسة ) بضم الكاف قوله : ( ثلاثة أسباب ) ونظمها بعضهم في بيت فقال :
فما استعقب العتق وملك قهري
وما يفيد الفسخ فاحفظ وادري
قوله : ( ما استعقب العتق ) كأن اشترى الكافر أصله أو فرعه المسلم كل منهما ، فإن الشراء صحيح ويقدر دخوله في ملكه قبل العتق . وقد اشتمل هذا النظم على الأسباب الثلاثة : فالأولان للملك القهريّ ، والثلاثة بعدهما للفسخ والأخير لاستعقاب العتق .
قوله : ( والرد بعيب ) بأن كان العبد ثمناً لئلا يتكرر مع قوله وفسخه ، أو أنه من عطف العام كما قرره شيخنا العشماوي ؛ لأن الفسخ شامل لإفلاس المشتري بالثمن ، فإن للبائع فسخ البيع ، وشامل للاختلاف في قدر الثمن أو صفته أو غير ذلك فإنهما يتحالفان ويفسخ البيع . قوله : ( إقالة ) بالجر على تقدير حرف العطف . وهي والفسخ والرجوع في الهبة ترجع لقوله ما يفيد الفسخ . وصورة الإقالة أن يقيل البائع المشتري من المبيع بعد إسلام العبد ، فهي فسخ بلفظ الإقالة . وصورة الفسخ أن يختلف البائع والمشتري في قدر الثمن ولا بينة ثم يتحالفان ويفسخ العقد ، وكان ذلك بعد أن أسلم العبد فيرجع العبد للبائع . وصورة الهبة أن يهب الأصل لفرعه عبداً ثم يرجع فيه بعد أن أسلم العبد ، فيأخذه ولو كان مسلماً . قوله : ( وما وهب ) انظر هذا داخل في أي سبب من الأسباب الثلاثة المتقدمة ويمكن دخوله في الثاني . وعبارة بعضهم : قوله ( وما وهب ) أي ما وهبه الأصل لفرعه ، أي رجوع الأصل فيما وهبه لفرعه . وهذا من صور الفسخ أيضاً .
قوله : ( ولو باع بنقد ) تفريع على العلم بالصفة الشاملة للجنس ، أي على اشتراط العلم(3/291)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
بالصفة ؛ يعني يشترط العلم بالصفة إلا في هذه المسئلة . قوله : ( مثلاً ) راجع لقوله ( باع ) . قوله : ( بنقد ) كدينار ، فإنه يشمل المحبوب والجنزير والفندقلي . قوله : ( وثم نقد غالب ) أي في مكان البيع ، قال في التحفة : سواء كان كل منهما من أهلها أي بلد البيع ويعلم نقودها أو لا على ما اقتضاه إطلاقهم اه . وفيه وقفة لمنافاته للتعليل الآتي ، ولأنه إذا جهل كل منهما نقود البلد كان الثمن مجهولاً لهما والوجه عدم العمل بهذا الإطلاق ، شوبري . وكلام الحلبي يوافق التحفة ، وهو أنه يتعين ولو مع جهلهما به . قوله : ( نقد غالب ) أي نوع منه . وعلم بقوله ( غالب ) أن هناك نقداً آخر أو أكثر ، إذ لا أغلبية مع الانفراد لأنه متعين قطعاً ، وسواء اتحد النوعان جنساً أو نوعاً أو اختلفا ق ل . قوله : ( تعين ) أي الغالب وإن أبطله السلطان ، أو كان ناقصاً ، أو نويا خلافه ق ل . قوله : ( لأن الظاهر الخ ) انظر لو أرادا غيره ، والظاهر أنه لا أثر لمجرد الإرادة بل لا بد من تعيينه باللفظ ؛ شوبري .
قوله : ( وتكفي معاينة عوض ) ولا خيار له إذا ظهر معيباً لأنه مقصر بعدم البحث كما ذكره المدابغي . قوله : ( فيما لا يغلب ) بأن غلب عدم تغيره ، أي وإن تغير بالفعل كأرض وإناء وحديد ، أو استوى تغيره وعدمه كالحيوان ق ل . وقوله ( كالحيوان ) قال الزيادي : الكاف للتنظير لا للتمثيل لأنه مما يغلب فيه التغير كما سيأتي في قوله إن الحيوان يتغذى في الصحة والسقم وتحوّل طباعه فقلما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر اه . وقوله ( للتنظير ) أي نظير ما يصح في غير الحيوان ، أي وإن غلب فيه التغير وجعلها سلطان للتمثيل ؛ وارتضاه شيخنا العزيزي وعبارته : الكاف للتمثيل ، ولا ينافيه قول الشافعي رضي الله عنه : الحيوان يتغذى في الصحة والسقم وتحول طباعه فقلما ينفك عن عيب ؛ لأن قوله ( لا ينفك عن عيب ) لا يستلزم ذلك غلبة تغيره عن الحالة التي رؤي عليها . لأنه يجوز أن يكون معيباً ، وتستمر تلك الصفة المرئية مع حصول العيب فيه إلى العقد . قوله : ( ذاكراً للأوصاف ) التي رآها حين الرؤية . قوله : ( رؤية بعض مبيع ) أي لا من وراء زجاج أو ماء صاف كما لا يكتفي بهما في ستر العورة في الصلاة للاحتياط في البابين ، وإنما حكم بوقوع الطلاق المعلق بالرؤية إذا وجدت من وراء أحدهما لأن المدار ثم على مراد مطلقها وقد وجد وهنا على معرفة المبيع التامة فلم يكتف بذلك ، رحماني . وانظر هل يكتفي بالمعرفة والرؤية بواسطة الآلة المسماة بالعيون ؟ وحرره ، قال خ ض : نعم يصح بيع السمك والأرض المستورين بالماء الصافي لأنه من مصالحهما ؛(3/292)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
هكذا قاله الرافعي وقضيته امتناعه مع الكدورة ، ويفرق بينه وبين صحة إيجار الأرض مع مثل ذلك بأن الإجارة أوسع لأنها تقبل التأقيت ولأن العقد فيها على المنفعة دون العين ، اه مدابغي على التحرير .
قوله : ( كظاهر صبرة ) مبيعة كلها أو بعضها على الإشاعة . ومراده بقوله ( كظاهر صبرة ) نحو برّ ، أي من كل ما استوت أجزاؤه ، وكذا تكفي رؤية السمن في ظرفه إن لم يعلم أن البلاص فيه غلظ ورقة بأن علم الاستواء أو لم يعلم شيئاً ، وكذا إذا كان البر في ظاهر الأرض ولم يعلم أن الأرض فيها انعطاف وانخفاض بأن ظن التساوي أو لم يظن شيئاً فلا يصح البيع اعتماداً على هذه الرؤية . قوله : ( نحو بر كشعير ) مما لا تختلف أجزاؤه غالباً ، بخلاف صبرة بطيخ ورمان وسفرجل ونحوها . قوله : ( صواناً ) بكسر الصاد وضمها ، أي حفظاً لبقائه أي لأجل بقائه ، فهو علة لقوله ( صواناً ) . ويقال ( صيان ) بالياء أي وعاء اه دميري . وقوله ( للباقي ) متعلق به ، ولامه للتعدية ، فاختلف معنى الحرفين فلا اعتراض . قوله : ( كقشر رمان الخ ) ما ذكره أمثلة للصوان خلقة ، ولو ذكر غير الخلقي معه لكان أولى كالخشكنان والجبة المحشية والطاقية المحشية والمجوزة ، بخلاف اللحف فلا بد من رؤية بعض قطنها ق ل . وقوله ( كالخشكنان ) كلمة أعجمية لأن خشن اسم لليابس وكنان اسم للعجين ، فكأنه قال : عجين يابس بتقديم الصفة على الموصوف . وقال شيخنا : قوله ( خشكنان ) الخشكنان اسم لقطعة عجينة يضاف إليها شيء من السكر واللوز والجوز والفستق وفطيرة رقيقة ويجعل المجموع في هذه الفطيرة ويسوّى بالنار ، فالفطيرة الرقيقة هي قشرة فتكفي رؤيتها عن رؤية ما فيها لأنها صوان له . وقوله ( رمان ) روى البيهقي في الشعب عن علي أنه قال : كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة . ورُوي عن ابن عباس أنه كان إذا سقطت منه حبة رمانة أكلها ، فسئل عن ذلك فقال : بلغني أنه ليس في الأرض رمانة تلقح إلا وفيها حبة من حب الجنة فلعلها هذه . قال صاحب الفلاحة : تؤخذ رمانة من شجرة وتعد حباتها فيكون عدد حبات رمان تلك الشجرة كذلك ، وكذلك تعد شرافات قمع رمانة فإن كانت زوجاً فعدد حباتها زوج وإن كانت فرداً فعدد حباتها فرد اه دميري .
قوله : ( في قشره الأعلى ) ولا يرد القول ، فإنه قشر القصب الأعلى ليس ساتراً لجميعه في(3/293)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
الأغلب فيرى القصب من بعضه بخلاف الفول ، اه سلطان . قوله : ( ولأن قشره الأعلى الخ ) وبه فارق الفول الأخضر والملانة فلا يصح بيعهما في قشرهما وإن كان يؤكل معهما ، مدابغي . والمعتمد أنه يجوز بيع الفول الأخضر بقشره إن كان يؤكل معه . قوله : ( سلم الأعمى ) أي أن يسلم أو أن يسلم إليه ، فهو مضاف لفاعله أو مفعوله كما يدل عليه كلام الشارح بعد . وعبارة المدابغي : قوله ( سلم الأعمى ) يستفاد منه أن شرط العاقد للبيع الإبصار ، وإضافة سلم إلى الأعمى للملابسة أي السلم المتعلق بالأعمى بأن يسلم أو يسلم إليه ويصح شراؤه نفسه من سيده لأنه عقد عتاقة بخلاف استئجاره نفسه اه . قوله : ( قبل تمييزه ) أي الأشياء لا التمييز الشرعي . قوله : ( بعوض ) وهو رأس مال السلم ، وقوله ( في ذمته ) صوابه : في ذمة بالتنكير ، ليشمل ما إذا كان مسلماً إليه ، فإنه يشترط أن يكون رأس مال السلم في ذمة المسلم ولو بصيراً ليوافق كونه مسلماً أو مسلماً إليه . وعبارة الرشيدي : قوله ( في ذمته ) قيد معتبر ، فلا يصح عقده على عوض معين لأنه إذا كان معيناً يعتبر فيه الرؤية مع أنه فاقد لذلك . قوله : ( يعين في المجلس ) نعت عوض . قوله : ( من يقبض عنه ) بضم الياء من أقبض ، وقوله ( يقبض له ) بفتحها من قبض . قوله : ( ونحوهما ) أي من كل ما هو مستور بالأرض كالفجل والقلقاس ، نعم الخس والكرنب يصح بيعهما في الأرض لأن ما في الأرض منهما غير مقصود لأنه يقطع ويرمى ق ل .
3 ( ( فصل : في الربا ) ) 3
وهو يشمل المعين وما في الذمة ؛ فلذلك ذكر عقبهما . ولا يقع فيه السلم أيضاً فيمتنع أن يسلم ذهباً في فضة وعكسه ، وكذلك فولاً في قمح وعكسه ، اه ق ل . ولبعضهم :
ولي صاحب ما كان يملك درهما
وكان فقير الحال وهو تُرابي
( أي متذلل خاضع ) .
فصادفه مال فأضحى مرابيا
فقلت له في الحالتين ترابي
قوله : ( بالقصر ) أي مع كسر الراء وبفتحها مع المد . وألفه بدل من الواو ، ويكتب بهما(3/294)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
أو بالياء س م ر . قال البيضاوي : وإنما كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة ، وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع اه ؛ أي والتفخيم للتنبيه على أن أصله واوي بدليل عدم الإمالة . ومراده أنه يكتب بواو كالصلاة ويكتب بعد تلك الواو ألف ، نحو قالوا . وهذا محمول على رسم القرآن ، أما رسمه في غيره فلا يرسم إلا بالألف لأنه واوي ، ويجوز رسمه بالياء على قلة . وإنما لم يرسم في غير القرآن كالقرآن لخروج الرسم المذكور عن القواعد ، وقد قالوا : خطان لا يقاس عليهما : خط المصحف وخط العروضيين . ويثنى بالواو عند سيبويه والبصريين وعند الكوفيين بالياء لأجل كسرة الراء ؛ ولهذا قرأ حمزة والكسائي : ( الربا ) بالإمالة والباقون بالتفخيم أي عدم الإمالة ، قال الشوبري : والواو أولى لأنها التي في رسم المصحف وتبدل باؤه ميماً فيمد م د .
قوله : ( اهتزت ) أي تحركت .
قوله : ( وشرعاً الخ ) هذا ضابط للربا الذي تعاطيه حرام ، فإن اختلّ قيد من قيود التعريف لم يكن العقد رباً . واعترض على هذا التعريف بأنه غير مانع لأن قوله ( غير معلوم التماثل ) يصدق بالتفاضل في غير مُتَّحِدَي الجنس . وأجيب بأن أل في التماثل للعهد أي المعتبر شرعاً ، وذلك لا يكون إلا في مُتَّحِدَي الجنس . واعترض عليه أيضاً بأنه غير جامع ، لأن قوله ( أو مع تأخير الخ ) عطف على مقدر ، والتقدير : أو كان معلوم التماثل لكن مع تأخير في البدلين أو أحدهما ، فيكون خاصًّا بمتحدي الجنس من الربوي ، فيخرج عندما لو حصل تأخر القبض للعوضين أو أحدهما عند عدم اتحاد الجنس . وأجيب بأن قوله ( أو مع تأخير ) عطف على قوله ( على عوض مخصوص ) أي عقد واقع على عوض مخصوص ، أو واقع مع تأخير في البدلين أو أحدهما اتحد الجنس أو اختلف . فإن قيل : يلزم على هذا أنه لم يبين المعقود عليه المقصود وهو الربوي فيصدق بغير الربوي . أجيب بأن ( أل ) في البدلين للعهد أي الربويين . فإن قيل : التعريف مع ذلك لا يصدق بالأنواع الثلاثة لأن الأول ربا الفضل والثاني ربا اليد . أجيب بأن قوله ( أو مع تأخير ) أي قبضاً أو استحقاقاً ، فيصدق بربا النساء . وعبارة سم : قوله ( عقد الخ ) هذا الحد غير جامع ، إذ يخرج عنه ما لو أجّلا العوضين أو أحدهما وتقابضا في المجلس لقصر الأجل أو للتبرع بالإقباض مع أن فيه الربا . ويجاب بأن المراد بالتأخير في البدلين أو أحدهما أعم من تأخير استحقاق القبض أو تأخير نفس القبض اه . قوله : ( مخصوص ) وهو النقل والمطعوم . قوله : ( في معيار الشرع ) ولا يكون ذلك إلا في متحد الجنس . والتعريف يصدق بثلاث صور : بأن يكون مجهول التماثل ، أو معلوم التفاضل ، أو معلوم التماثل لا في معيار الشرع كقنطار بر بقنطار برّ . قوله : ( أو مع تأخير ) أي أو واقع مع تأخير أي قبضاً وهو ربا اليد ، أو استحقاقاً وهو ربا النساء كما تقدم .(3/295)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
قوله : ( وهو الخ ) المناسب التفريع . قوله : ( ربا الفضل ) ولا يكون إلا في متحد الجنس ، وأما القسمان الآخران فيكونان في متحد الجنس ومختلفه . قوله : ( وربا اليد ) نسب إليها لعدم القبض بها أصالة . قوله : ( وربا النساء ) بفتح النون والمد ، أي الأجل ؛ بمعنى اشتمال العقد على المدة وإن قصرت . وزاد بعضهم ربا القرض ، كأن يقرضه مقاصيص على أن يردها ديوانية . قال عليه الصلاة والسلام : ( كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعاً فهو رِبا ) ويمكن رده لربا الفضل كما قاله الزركشي اه ش في الروض . قوله : ( لعن الله آكل الربا الخ ) فإن قلت : الربا اسم للعقد والعقد لا يؤكل . أجيب بأن كلامه على حذف مضاف ، التقدير : آكل متعلق الربا وهو المعقود عليه . واللعن لغة هو الطرد والإبعاد . واعلم أن لعن المسلم المعين حرام بإجماع المسلمين ، وأما لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين كقولك : لعن الله الواصلة لعن الله آكل الربا وما أشبه ذلك فجائز ، وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهوديّ أو آكل الربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام ، وأشار الغزالي إلى تحريمه ، والمعتمد الحرمة . وأما لعن جميع الحيوانات والجماد فكله مذموم ؛ علقمي . قوله : ( وشاهده ) الذي في مسلم : ( وشاهديه ) بالتثنية ، والأول يشمل الحاضر وإن لم يشهد . قوله : ( وهو من الكبائر ) أي من أكبر الكبائر ، والمعتمد أن أكبر الكبائر الشرك بالله ثم القتل ثم الزنا ثم السرقة ثم شرب الخمر ثم الربا والغصب ؛ مدابغي . وكونه من الكبائر ظاهر في بعض أقسامه وهو ربا الزيادة ، وأما الربا من أجل التأخير أو الأجل من غير زيادة في أحد العوضين فالظاهر أنه صغيرة لأن غاية ما فيه أنه عقد فاسد وقد صرحوا بأن العقود الفاسدة من قبيل الصغائر كما قاله ع ش ، وهو أي ربا الزيادة يدل على سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى كإيذاء أولياء الله تعالى ولو أمواتاً ، لأنه تعالى لم يأذن بالمحاربة إلا فيهما ، قال تعالى : ) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله } ) البقرة : 279 ) وقال : ( مَنْ عَادَى لي وليّاً فقد آذَنْتُهُ بالحَرْبِ ) . وذكر العلامة المناوي أن أكل الربا والإيمان لا يجتمعان في قلب الشخص ، أخذاً من قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ) البقرة : 275 ) وحرمته تعبدية ، وما ذكر فيه من أنه يؤدي إلى تضييق الأثمان ونحوه حكم لا علل . فإن قيل : فما وجه قولهم فألحق به ما في(3/296)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
معناه الخ وهذا قياس وهو لا يدخل الأمور التعبدية ؟ أجيب بأن الحكم على أنه تعبديّ حكم على المجموع فلا ينافي القياس على بعض الأفراد كما قيل بمثل ذلك في نواقض الوضوء ، عناني : قوله ( حكم على المجموع ) أي لأنهم لم يقيسوا على جنس النقد والمطعوم جنساً ثالثاً ، وقاسوا على البر والشعير ما في معناهما مما يُقتات ، وهكذا . ولم يحلّ في شريعة قط لقوله تعالى : ) وأخذهم الربا وقد نُهوا عنه } ) النساء : 161 ) . أي في الكتب السابقة وحينئذ فهو من الشرائع القديمة ، برماوي . وقوله ( حكم ) هذا يفيد أن مجرد الحكمة لا تخرجه عن كونه تعبدياً ، فليراجع فإن فيه نظراً ظاهراً اه سم وع ش عليه . قوله : ( وما يعتبر فيه ) عطف تفسير . قوله : ( ما قصد للطعم ) أي قصده الله تعالى ؛ أي أراده الله تعالى لأن القصد يطلق ويراد به إرادة الله تعالى . ويعلم ذلك بأن يخلق الله علما ضرورياً لبعض أصفيائه كآدم بأن هذا للآدميين وهذا للبهائم ؛ وقال الرشيدي : وأعلم أن الظاهر أن المراد بقولهم قصد للآدميين مثلاً أن يكون الآدمي يقصده للتناول منه ، وهذا غير التناول بالفعل وإلا فما معنى كون الطين الأرمني مقصوداً للآدمي ؟ ويجوز أن يكون المراد بكونه قصد للآدمي مثلاً أنه يظهر من الحكمة الأزلية أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا إلا لطعم الآدمي . قوله : ( اقتياتاً ) مفعول لأجله أو تمييز محول عن نائب الفاعل ، أي قصد تَقَوُّتَهُ ؛ شوبري . قوله : ( أو تفكهاً ) أي تلذذاً ، ومراده به ما يشمل التأدم بقرينة ما يأتي م ر . قوله : ( كما يؤخذ ذلك ) عبارة شرح المنهج : كما تؤخذ الثلاثة . والكاف بمعنى لام التعليل / ( وما ) مصدرية ، والتقدير : لأخذ الثلاثة ، أي أخذ بعض أفرادها بالنص والبعض الآخر بالقياس كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( مثلاً بمثل ) أي حال كون كل مثلاً مقابلاً بمثل . قوله : ( سواء بسواء ) توكيد وإشارة إلى المساواة في المقدار حقيقة ؛ لأن المثلية تصدق بها في الجملة وبحسب الحزر والتخمين ح ل . ويحتمل رجوع المثلية إلى المكيل والتسوية إلى الموزون ؛ قاله شيخ الإسلام . قوله : ( يداً بيد ) أي مقابضة ، فيداً بيد حال من نائب الفاعل والمفعول هو المجرور لأن(3/297)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
التقدير : يباع الذهب بالذهب الخ . قوله : ( فإذا اختلفت ) أي واتحدت علة الربا . قوله : ( أي مقابضة ) تفسير لمجموع يداً بيد . قوله : ( على البر والشعير ) زيادة المثال الثاني هنا لدفع إرادة أكمل الأقوات لو اقتصر على البر اه ق ل . قوله : ( والذرة ) والترمس لأنه يؤكل بعد نقعه في الماء ، وأظنه يتداوى به ، ومثله الحلبة فإنه يتداوى بها ، أما الخضراء فليست ربوية ؛ وفي الحديث : ( لو تَعْلَمُ أُمَّتي ما في الحلْبَةِ لاشْتَرَوْها ولو بوَزْنِها ذَهَبَاً ) كما ذكره في كتاب البركة . ومما جرب لورم الأنثيين ولو كبرت ونفرت سواء كانت لحماً أو ريحاً أو الريح المعقود تأخذ من الحلبة جزءاً ومن البابونج جزءاً ثم تغليهما معاً ويشرب العليل منه قدر فنجان ثم يتفور على الباقي فإنه جيد لكل ورم سواء كان بارداً أو حارّاً ، يفعل ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، مجرب مراراً بعد طول المدة ، وقد جربته بعد ثلاثين سنة فحصل الشفاء . والماء العذب ربوي لأنه مطعوم ، قال تعالى : ) ومن لم يطعمه فإنه مني } ) البقرة : 249 ) والبن ربوي كما قاله شيخنا العشماوي ، أي لأنه داخل في قسم ما قصد به التداوي . والحاصل أن الشيء إما أن يقصد به طعم الآدمي أو البهائم أو طعمهما معاً ، فالذي قصد به طعم الآدمي ربوي مطلقاً سواء غلب تناول الآدمي له أو لا ؛ بل قال الأجهوري على التحرير نقلاً عن الزيادي : وإن لم يأكله الآدميون . والذي قصد به طعم البهائم غير ربوي مطلقاً ، وأما الذي قصد به طعمهما معاً فإن غلب تناول الآدمي له أو كان أكله له والبهائم سواء فهو ربوي ، وأما إذا غلب تناول البهائم له فهو غير ربوي . والتفصيل في ذلك ، أي في معرفة أن هذا الشيء قصد به طعم الآدميين أو البهائم ، يعلم من نص الأصحاب عليه شيخنا . وقد اختلف في الفول فقال م ر : إنه ربوي على المعتمد ، خلافاً لبعضهم حيث قالوا : إنه يغلب تناول البهائم له . وحمله م ر على أغلب البلاد ، قال ع ش : فيكون ربوياً لأن الغلبة ليست عامة .
قوله : ( والتأدم ) عطف خاص على عام . وعبارة شرح المنهج : والتفكه يشمل التأدم والتحليّ بحلوى . قوله : ( الملح ) ومثله الأطرون ، زيادي . وعبارة ع ش على م ر : ونقل بالدرس عن الشرف المناوي أنه سئل عن النطرون هل هو ربوي أم لا ؟ فأجاب بأنه ربوي لأنه يقصد به الإصلاح ، فليراجع . أقول : وقد يُتوقف فيه ، فإنا لا نعلم أي إصلاح يراد منه مما هو من جزئيات المطعوم من الاقتيات والتفكه والتأدم والتداوي ، والذي يستعمل فيه إنما هو على سبيل الغش في البضاعة التي يضاف إليها اه . ونقل عن ع ش أيضاً أنه ربوي ، أي فهو من قبيل ما قصد به التداوي لأن بعض الناس يتداوى به . قوله : ( والمقصود منه الإصلاح ) كان المناسب أن يعبر به فيما سبق بدل قوله ( أو تداوياً ) بأن يقول : ( أو إصلاحاً ) لأنه عبر فيما سبق(3/298)
"""""" صفحة رقم 299 """"""
بالجامع بين المقيس عليه في كل والجامع بين الملح وما ألحق به هو الإصلاح لا التداوي ، إلا أن يقال المراد بالتداوي فيما سبق لازمه وهو الإصلاح تأمل . قوله : ( كالمصطكى ) بالفتح والضم ويمد في الفتح فقط : علك أي معلوك رومي أبيض ، نافع للمعدة والمقعدة والأمعاء والكبد والسعال شرباً والنكهة واللثة ويفتق الشهوة ويفتح السدد أي العقد التي في المعدة ؛ والأولى في استعمالها في التداوي شرباً أن تغلى وتقصر على النار حتى تنقص الثلث . قوله : ( والزنجبيل ) إذا خلط برطوبة كبد المعز وجفف وسحق واكتحل به أزال الغشاوة وظلمة البصر اه قاموس . قوله : ( ولا فرق الخ ) فيه دفع توهم إرادة ما يصلح الغذاء خاصة ق ل . قوله : ( أو يصلح البدن ) أو بمعنى الواو لأن بين لا تضاف إلا لمتعدد . قوله : ( تحفظ الصحة ) أي دوامها .
قوله : ( ولا ربا في حب الكتان ) وهو بزره ، وإذا أكل فإنه يقوّي شهوة الجماع ؛ وكذا الجمار كما ذكر في كتب الطب . قوله : ( ودهنه ) وهو الزيت الحار ؛ لأنه ليس أظهر مقاصده الطعم بل الإسراج به . قوله : ( أو غلب تناولها له ) هذا مفروض فيما كان موضوعاً لهما ، وكذا قوله ( أما إذا كانا على حد سواء الخ ) . قوله : ( مطلقاً ) بيان الإطلاق ما بعده . قوله : ( كصغار السمك ) خلافاً للمتولي حيث قال : أما بيع السمك الحي بمثله فإن جوّزنا ابتلاعه حياً لم يجز وإلا جاز اه . وتابعه سم في شرح الكتاب أ ج . قوله : ( لأنه لا يعدّ للأكل على هيئته ) أي مدة دوام حياته ببقاء روحه ق ل . قوله : ( ولا يجوز بيع عين ) زاد لفظ ( عين ) إشارة إلى أن المعتبر المماثلة باعتبار العين لا باعتبار قيمة الصنعة ، ويدل لذلك قول الشارح بعد ذلك : ولا أثر لقيمة الصنعة الخ . وعبارة المدابغي : لعل زيادة ( عين ) للاحتراز من الحيلة الآتية . وقال ق ل : انظر هل لزيادة لفظ عين حكمة أو محترز ؟ راجعه ؛ قال بعضهم : بل ربما يقال إن زيادتها مضرة لأنها توهم امتناع بيع الربوي بمثله في الذمة وإن تقابضا في المجلس ، وليس كذلك . قوله : ( متماثلاً ) أي يقيناً بأن يعلمه كل من المتعاقدين ح ل . والشرط الأول والثاني شرطان للصحة والثالث شرط لدوامها . قوله : ( من غير زيادة حبة ) أي ما يوازن حبة ، أي لو من غير جنسه كاشتمال أحد الدينارين على فضة ؛ ولذا قال ابن حجر : وليتفطن لدقيقة يغفل عنها ، وهي أنه يبطل كما عرف مما تقرر بيع دينار مثلاً فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما ولو خالصاً وإن قل(3/299)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
الخليط ؛ لأنه يؤثر في الوزن مطلقاً ، فإن فرض عدم تأثيره فيه ولم يظهر به تفاوت في القيمة صح البيع ، ومنه يعلم امتناع بيع الفضة بالفضة المتعامل بها الآن لاشتمالها على النحاس . قوله : ( في شيء منه ) أي مما ذكر من الذهب والفضة أ ج . قوله : ( والثالث كونه مقبوضاً ) . أي حقيقة فلا تكفي الحوالة ، وإن حصل بها قبض في المجلس كما قاله ح ل . قوله : ( أو التخاير ) أو بمعنى الواو .
قوله : ( وعلة الربا الخ ) أي حكمته ، فلا ينافي كون حرمة الربا من الأمور التعبدية كما قرره شيخنا العشماوي ؛ وإنما كان حكمة لا علة لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً ، والحكمة لا يلزم اطرادها . وعبارة ق ل : لو قال ( وحكمة الربا ) لكان أقوم ، إذ لا ربا في غيرها وإن غلبت الثمنية فتأمل . ولعل عزوه لبراءته من عهدته وكذا ما بعده ، فقوله ( وهي منتفية الخ ) مضرّ أو لا حاجة إليه ، اه بحروفه . قوله : ( بجوهرية الأثمان ) أي أعلاها . قوله : ( والحيلة في تمليك الربوي ) وهي مكروهة بسائر أنواعها ، خلافاً لمن حصر الكراهة في التخلص من ربا الفضل أ ج . ومحرمة عند الأئمة الثلاثة ، شيخنا . وقال : ( في تمليك ) ولم يقل : في بيع ؛ لأنه لا يتصوّر . ولا حاجة لهذه الحيلة لأنها من أفراد البيوع الجائزة ، فتأمل اه ق ل . ومن الحيل أن يقرض كل صاحبه ما معه ثم يتواهبا أو يهب الفاضل مالكه . قوله : ( أن يبيعه من صاحبه ) أي لصاحبه . وقوله ( يشتري منه ) أي من صاحبه . وقوله ( بها ) أي بالدراهم . وقوله ( أو به ) أي بالعرض . قوله : ( بعد التقابض ) أي إن كان ما وقع به العقد ثانياً هو ما وقع به العقد قبله ، لأنه لا يصح أن يتصرف فيما وقع به العقد ثانياً بجعله ثمناً إلا بعد قبضه ، أما إذا وقع العقد ثانياً بغير الذي وقع به العقد فإن باع أوّلاً فلا يشترط فيه التقابض المذكور إن كان عرضاً آخر غير الذي أخذه . قوله : ( ولم يتخايرا ) أي باللفظ ؛ لأن العقد الثاني إجازة للأول ق ل ، فحينئذ لم يكن قاطعاً لخيار الثاني لأن الثاني بموافقته للأول قطع خيار نفسه لأن التصرف في زمن الخيار مع المشتري إجازة . قوله : ( ولا بيع ما ابتاعه ) أي اشتراه وما واقعة على مبيع ، وسواء المبيع المعين أو الذي في الذمة بدليل قوله الآتي : ( ولا يصح بيع المسلم فيه الخ ) ومفهوم ما التي(3/300)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
هي عبارة عن المبيع وهو الثمن سيأتي التفصيل فيه بقول الشارح ( والثمن المعين الخ ) وبقوله ( ويجوز الاستبدال الخ ) . والبيع ليس بقيد كما سيذكره ، وخرج بقوله ( ما ابتاعه ) زوائده الحادثة بعد العقد وقبل القبض فيصح بيعها لعدم ضمانها ، ويمتنع التصرّف بعد القبض أيضاً إذا كان الخيار للبائع أو لهما كما قاله الشوبري وح ل وهذه المسئلة وكذا بيع اللحم بالحيوان وكذا بيع الغرر دخيلة في هذا الباب ؛ لأن القصد بيان مسائل الربا وهذه ليست منها .
قوله : ( ولا الإشراك فيه ولا التولية ) عطفهما على البيع من عطف الخاص لأنهما بيع بلفظ خاص ، والإشراك بيع بعض المبيع بأن يقول : أشركتك فيه بنصف الثمن ، والتولية بيع جميع المبيع بمثل الثمن الأول أو بما قام عليه كأن يقول : من اشترى سلعة لآخر وليتك المبيع بما اشتريت أو بجميع ما قام عليّ به . قوله : ( أم لا ) راجع لهما . قوله : ( قال ابن عباس الخ ) هو قول صحابي وهو لا يستدل به . ويجاب بأنه بلغه بتوقيف من النبي أو أجمع عليه الصحابة ، فيحتجّ به . قوله : ( ولا أحسب ) أي لا أعتقد كل شيء أي من غير الطعام إلا مثله في منع بيعه قبل قبضه قياساً عليه .
والحاصل أن يقال : مال الشخص تحت يد غيره على ثلاثة أقسام : إما أن يكون مضموناً بعقد كالمبيع والثمن والمهر تحت يد الزوج فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه إلا فيما استثنى . وإما أن يكون مضموناً بغير عقد كالمغصوب والمستام والمعار فيجوز التصرف فيه قبل قبضه . وإما غير مضمون بالكلية ولم يتعلق به حق ولا عمل جاز التصرّف فيه قبل قبضه كالمال المشترك تحت يد الشريك أو الوكيل أو تحت يد العامل والرهن بعد انفكاكه ونحو ذلك ، فإن تعلق به عمل كالمستأجر عليه من نحو خياط أو قصار أو صباغ أو طحان فإن فرغ ودفع له الأجرة صحّ وإلا فلا ، ميداني ؛ فليس له تصرّف فيه قبل العمل وكذا بعده إن لم يكن سلم الأجرة ، شرح المنهج . وقوله ( وكذا بعده الخ ) أي إن زادت قيمة الثوب بسبب الصبغ وإلا صح تصرفه فيه زيادي .
قوله : ( وبيعه للبائع كغيره ) ومحل منع بيع المبيع أو الثمن من البائع أو المشتري إذا لم يكن بعين المقابل أو بمثله إن تلف ، أو كان في الذمة بأن كان بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة ، وإلا بأن كان بعين المقابل أو بمثله إن تلف أو كان في الذمة فهو إقالة بلفظ البيع فيصح ؛ شرح المنهج بإيضاح . قوله : ( والإجارة ) إشارة إلى أن البيع في كلام المصنف ليس قيداً بل مثله سائر العقود إلا ما استثنى . قوله : ( والصداق ) أي والنكاح صحيح ،(3/301)
"""""" صفحة رقم 302 """"""
ويرجع لمهر المثل . وعبارة م ر : ( والصدقة ) بدل الصداق ، وهي أولى فلعله من تحريف الناسخ لئلا يلزم التكرار في قوله ( وجعله عوضاً في نكاح ) . ويمكن أن صورته أنه جعل المبيع قبل القبض عوضاً عن الصداق في ذمته فلا يجوز والصداق على حاله بذمته . وصورته : أن يجعل لزوجته صداقاً في ذمته ثم يجعل المبيع قبل قبضه عوضاً عن ذلك الصداق ، ويكون المعنى : وجعله عوضاً عن مهر مسمى في نكاح والصداق في الأولى صورته أن يجعل المبيع قبل قبضه صداقاً لزوجته فلا تكرار . قوله : ( أو غير ذلك ) كالعارية . قوله : ( فلا يصح ) أي قبل القبض . قوله : ( في البيع ) أي في منعه . قوله : ( ويصح الإعتاق ) أي عن نفسه وعن كفارته لا عن غيره ولو بلا عوض . وعبارة شرح المنهج : ولا يجوز إعتاقه على مال ولا عن كفارة الغير . قوله : ( وسواء أكان الخ ) ينبغي رجوعه لما لا يصح ولما يصح ق ل . قوله : ( حق الحبس ) بأن كان الثمن حالاًّ ولم يقبضه ، ويصير المشتري قابضاً للمبيع بالإعتاق والاستيلاد والوقف لا بالتزويج . قوله : ( والثمن المعين الخ ) هذا شروع في مفهوم المتن على وجه التفصيل ، وسيأتي مقابل المعين في قوله : ويجوز الاستبدال الخ . قوله : ( وله التصرف في ماله الخ ) بكسر اللام أو فتحها وعلى الثاني فما موصولة أو موصوفة . قوله : ( وهو في يد غيره ) أي مما لا يضمن بعقد شرح المنهج . قوله : ( أمانة ) ليس بقيد بل مثله المغصوب . والحاصل أن ما ضمن ضمان عقد كالمبيع والصداق في يد الزوج لا يصح التصرّف فيه قبل قبضه ، وما ضمن ضمان يد كمعار ومستام أو لم يضمن أصلاً كمودع يصح التصرّف فيه قبل قبضه . ومعنى ضمان العقد الضمان بالمقابل كالمبيع يضمن بالثمن ، وضمان اليد الضمان بالبدل الشرعي أعني المثل في المثلي والقيمة في المتقوّم .
قوله : ( بعد انفكاكه ) أو قبله بإذن المرتهن . قوله : ( وموروث ) أي كان للمورث التصرّف فيه بأن كان اشتراه وقبضه ، أما لو كان اشترى شيئاً ومات قبل قبضه فليس للوارث التصرّف فيه لأن يده كيد مورثه والموروث ليس أمانة ، فالتمثيل به فيه نظر . وقد يقال إنه بعد موت المورّث يكون أمانة عند من وضع يده عليه . قوله : ( ولا يصح بيع المسلم فيه ) أي بما لا يتضمن إقالة وإلا صح . ومثل المسلم فيه المبيع في الذمة بلفظ البيع ، وهذان من المثمن ومثلهما من الثمن رأس مال السلم والربويّ المبيع بربويّ آخر ، ومثلها الأجرة في إجارة الذمة ؛ فهذه المسائل الخمس(3/302)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
لا يجوز فيها الاعتياض ولا البيع . والمراد بقوله ( لا يصح بيع المسلم فيه ) أي لغير من هو عليه ، أما من هو عليه فيصح بيعه له برأس مال السلم أو بمثله إن تلف فيكون إقالة . وقوله ( ولا الاعتياض عنه ) أي ممن هو عليه ، وهذه عادة الفقهاء يعبرون عن البيع لغير من هو عليه بالبيع ولمن هو عليه بالاستبدال أو الاعتياض . وهذا ، أعني قوله ( ولا يصح بيع المسلم ) فيه تعميم في قول المتن : ولا يصح بيع ما ابتاعه الخ ، فهو من جملة المنطوق ، فكان الأولى تقديمه على التكلم على المفهوم بقوله : والثمن المعين الخ .
قوله : ( ويجوز الاستبدال ) وهو بيع الدين لمن هو عليه . ولا بد من صيغة استبدال أو نحوه ، أي بلفظ صريح كاستبدلت عن الثمن الذي في ذمتك بكذا مثلاً أو بلفظ كناية كاستعوضت عن الثمن الذي في ذمتك بكذا مثلاً . وسواء كان الاستبدال بعين أو بدين منشأ . قوله : ( عن الثمن ) أي الذي لم يشترط قبضه في المجلس ، فخرج الربوي ورأس مال السلم والثمن النقد ، فإن لم يكن نقد أو كانا نقدين فهو ما اتصلت به الباء والمثمن مقابله ، شرح المنهج . فقوله ( والثمن النقد ) أي ولو دخلت الباء على غيره كأن قال : بعتك ديناراً بأردبّ قمح ، فالثمن هو الدينار . قوله : ( الثابت ) أي بعد اللزوم . قوله : ( فإن استبدل الخ ) المعتمد أنه يشترط القبض مطلقاً ، أي ولو في غير متفقي علة الربا كما قاله ز ي . قوله : ( اشترط ) لو أخر هذا عن بيع الدين لغير من هو عليه لكونه شرطاً فيه كما في متن المنهج لكان أولى . قوله : ( في المجلس ) أي مجلس الاستبدال . قوله : ( ولا يشترط تعيينه ) أي البدل ، اكتفاءً بالقبض في المجلس اللازم له تعيينه . وقوله ( لأن الصرف ) أي العقد الواقع على ما في الذمة جائز . وقال بعضهم : قوله ( لأن الصرف ) أي بيع النقود بعضها ببعض . وعبارة شرح المنهج : كما لو تصارفا في الذمة اه . كأن قال : بعتك ديناراً في ذمتي بدينار في ذمتك قال الدميري : وبيع النقد بالنقد من جنسه ومن غير جنسه يسمى صرفاً . قال ابن يونس : سمي بذلك لصرف حكمه عن أحكام البيع . وعندي أنه مشتق من الصريف وهو الفضة ، قال الشاعر :
بني غدانة ما إن أنتم ذهب
ولا صريف ولكن أنتم الخزف
قوله : ( ويصح بيع الدين الخ ) ويشترط كون المديون مليئاً مقرّاً ، وأن يكون الدين حالاًّ مستقرّاً . ويشترط أن يكون غير المسلم فيه كما في شرح م ر . قوله : ( كبيعه ) أي قياساً على بيعه المذكور المتفق عليه ، فقوله كما رجحه راجع للأول وهو المعتمد ق ل . وحاصل المعتمد أن بيع الدين لغير من هو عليه لا بد فيه من القبض في المجلس مطلقاً سواء اتفقا في علة الربا(3/303)
"""""" صفحة رقم 304 """"""
أم اختلفا ليخرج عن بيع الدين بالدين ، وأما بيع الدين لمن هو عليه فلا يشترط القبض إلا في متحدي العلة ، أما مختلفها فيشترط فيه التعيين فقط . قوله : ( وإن رجح في المنهاج البطلان ) أي لعجزه عن تسليمه ؛ لأن ما عين ليس ما في الذمة . قوله : ( أما بيع الدين بالدين ) أي الثابت قبل ، كأن استبدل عن دينه ديناً آخر كأن كان له على عمرو دين وزيد له على بكر دين فاستبدل ما على عمرو بالدين الذي على بكر بأن يأخذ زيد ما على عمرو وصاحب الدين يأخذ ما على بكر . وخرج بقولنا الثابت قبل بيع الدين بدين منشأ في الذمة لا ثابت قبل ، فيجوز بالشرط السابق . قوله : ( الكالىء بالكالىء ) بالهمز كما ضبطه شراح الحديث ، فتح الباري لابن حجر على البخاري . وهو من الكلاءة وهي الحفظ . ولا شك أن الدين محفوظ فكيف أطلق عليه اسم الفاعل والقياس اسم المفعول ؟ وجوابه أنه متأول ، ومن جملة ما قيل في تأويله أنه وضع الأول موضع الثاني مجازاً كما في ) ماء دافق } ) الطارق : 6 ) أي مدفوق ، شوبري . فيكون معناه : المكلوء أي المحفوظ .
قوله : ( وقبض غير منقول ) مرتبط بقول المتن ( حتى يقبضه ) فكأنّ سائلاً قال له : وما الذي يحصل به القبض ؟ فقال : وقبض الخ . وحاصل ما ذكر فيه ست صور ؛ لأن قوله ( وقبض غير منقول ) صادق بالحاضر والغائب لكن كل منهما ليس بيد المشتري ، وقوله ( وقبض المنقول ) كذلك ، وقوله ( ولو كان المبيع تحت يد المشتري ) فيه صورتان فهذه ستة ، وبقي المنقول وغيره الغائبان اللذان تحت يد المشتري وحكمهما أن قبضهما يحصل بمضيّ زمن يمكن فيه الوصول إليهما ، ويمكن فيه النقل أو التخلية ، ولا يشترط فيهما نقل ولا تخلية بالفعل . وهذا التفصيل إنما هو في القبض المتوقف على صحة التصرف في المبيع ، فيتوقف على النقل في المنقول والتخلية في غيره وعلى إذن البائع في التصرّف إن كان له حق الحبس وعلى تفريغ كل من أمتعة غير المشتري وعلى تقدير كل إن كان مقدراً وعلى مضي زمن من حين الإذن في القبض يمكن فيه الوصول إليه إن كان غائباً بيد المشتري أو بيد غيره . أما القبض الناقل للضمان عن يد البائع إلى يد المشتري فمداره على استيلاء المشتري عليه ؛ وعبارة البرماوي : حاصله أن المبيع إما منقول أو غير منقول ، وعلى كل إما غائب أو حاضر ، فهذه أربعة ؛ وعلى كل إما أن يكون بيد البائع أو غيره من المشتري أو أجنبي ، وعلى كل إما أن يكون مشغولاً أو غير مشغول ، والمشغول إما بأمتعة البائع أو المشتري أو أجنبي .
قوله : ( ونحو ذلك ) أي كثمر على شجر قبل أوان الجداد وإلا كان من المنقول كما قاله ابن حجر : فيشترط في قبضه نقله . وجعله م ر من غير المنقول مطلقاً . قوله : ( بتخلية لمشتر )(3/304)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
أي بلفظ يدل على التخلية من البائع إن كان له حق الحبس ، كخليت بينك وبينه اه . وإلا فيستقل المشتري بقبضه ، شوبري . قوله : ( ويسلمه المفتاح ) أي إن كان مغلقاً وكان المفتاح موجوداً ، ولو اشتملت الدار على أماكن لها مفاتيح فلا بد من تسليمها وإن كانت تلك الأماكن صغيرة كالخزائن ح ل . قوله : ( وبتفريغه ) أي إن كان ظرفاً في العادة ، ليخرج ما لو باع شجرة على رأسها ثوب مثلاً فلا يشترط في قبضها إزالة الثوب عنها . وهذا الشرط معتبر في المنقول أيضاً وإن لم يذكره إلا في السفينة ، فقوله فيه بنقله أي مع تفريغه من متاع غير المشتري إن كان ظرفاً في العادة كالصندوق ، فيخرج ما لو باع حيواناً على ظهره متاع فلا يشترط في قبضه وضعه عنه . قوله : ( من متاع غير المشتري ) أي وحده ، فيشمل متاع البائع وحده أو الأجنبي وحده أو متاعهما أو أحدهما مع المشتري . والمراد بأمتعة المشتري ما كان له يد عليها ولو وديعة وإن كانت لأجنبي أو للبائع بأن كان المشتري ساكناً فيها قبل البيع ؛ وقال أ ج : قوله ( من متاع الخ ) لتأتي التفريغ هنا حالاً ، وبه فارق قبض الأرض المزروعة بالتخلية مع بقاء الزرع . واستثنى السبكي الحقير من الأمتعة كالحصير وبعض الماعون ، فلا يقدح في التخلية ولو جمعت الأمتعة في بيت من الدار وخلى بين المشتري وبينها حصل القبض فيما عداه ، فإن نقلت منه إلى بيت آخر منها حصل القبض في الجميع ، اه شرح م ر . قوله : ( نظراً للعرف في ذلك ) أي في القبض ، فإنه يرجع إليه في كل ما لا ضابط له لغة ولا شرعاً . قوله : ( من سفينة ) لو حذفها لسلم من تكرارها فيما سيأتي ق ل . قوله : ( بنقله ) فلو تحولت الدابة مثلاً بنفسها ثم استولى عليها المشتري لم يكف . ونقل سم عن م ر أنه لا يكفي نقله على كتفه أي المشتري مثلاً إذا كان ثقيلاً إلا إن وضعه على مكان ، فما دام حامله على كتفه لا يحصل القبض المفيد للتصرف اه سلطان . قوله : ( مع تفريغ السفينة ) وكذا كل ما يعدّ ظرفاً كصندوق ، وقوله ( المشحونة بالأمتعة ) أي أمتعة غير المشتري .
قوله : ( ويكفي في قبض الثوب الخ ) أي وإن لم يضعه من يده كالدراهم وكثوب لبسه ، فهذا قبض لا نقل فيه من مكان البائع فهو مستثنى من النقل ، بخلاف غير الخفيف لا بد أن يضعه لأنه لا يكون منقولاً إلا إن وضعه في مكان لغير البائع ح ل على المنهج . فقول الشارح ( ويكفي الخ ) كالتقييد لقوله : وقبض منقول بنقله وقبض الجزء الشائع في المنقول كأن باع نصف بقرة مشتركة بينه وبين آخر بقبض كله بإذن شريكه ، فإن لم يأذن فنصيبه مضمون بأقصى القيم والقرار على المشتري وإن جهل أن النصف الآخر لأجنبي ؛ لأن ضمان الغصب لا فرق فيه بين العلم والجهل كما في شرح م ر ، بخلاف نصف العقار المشترك لا يحتاج في قبضه إلى(3/305)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
إذن شريكه لأن اليد عليه حكمية وعلى المنقول حسية ، سم . قوله : ( وإتلاف المشتري ) أي المالك وإن لم يباشر العقد لا وكيله وإن باشر ، بل هو كالأجنبي . وسواء في ذلك أذن له المالك في القبض أم لا ، م ر . وقوله ( قبض ) أي إن كان الخيار له أو لهما وإلا انفسخ البيع ، وإتلاف الأجنبي له يتخير فيه المشتري بين الفسخ والإجازة ، وتلفه بنفسه كإتلاف البائع له فينفسخ به البيع . ومحلّه ، أي محل كون إتلاف المشتري قبضاً ، إذا كان الإتلاف بغير حق ، أما إتلافه له بحق كصيال وقود وكردة والمشتري الإمام أو نائبه فليس بقبض ، شرح المنهج . ومحلّه أيضاً إذا كان أهلاً للقبض ، فخرج الصبي فإتلافه غير قبض بل عليه البدل ويرد البائع الثمن لانفساخ البيع . وقد يتقاصّان بأن يكون ما وجب على الصبي من البدل مثل ما وجب على البائع للولي ، كأن اشترى ولي الصبي ديناراً بدينار ووجدت الشروط الثلاثة فإنه يقع التقاصّ حينئذ .
قوله : ( قبض له ) وإن جهل أنه المبيع ، كأكل المالك طعامه المغصوب بهبته ضيفا في الظاهر للغاصب ولو جاهلاً بأنه طعامه ، فإن الغاصب يبرأ بذلك م د . قوله : ( أو مضموناً ) أي بأن كان مغصوباً أو معاراً ؛ وقوله ( وهو ) أي المبيع حاضر . قوله : ( صار مقبوضاً ) ضعيف ، والمعتمد أنه لا بد من مضيّ زمن يمكن فيه القبض . ومحل كونه مقبوضاً بنفس العقد على كلامه إن لم يكن فيه أمتعة وإلا فلا بد من تفريغها بالفعل إن كانت لغير المشتري وإلا فمضيّ زمنه كما مر اه ق ل وم د . وفي قوله ( وإلا فمضي زمنه ) نظر ، وكذا تضعيف كلام الشارح فيه نظر . قوله : ( لم يكف ) أي لم يكف في قبض الصبرة بقاؤها في مكانها بل لا بد من نقلها ، وأما المكان فيحصل قبضه بالعقد مع التخلية ولا يتوقف على تفريغه لأن الصبرة ملكه قبل العقد على المكان . قوله : ( في الصغيرة ) أي سواء كانت في البر أو في البحر . قوله : ( أما الكبيرة في البر الخ ) ونقل سم عن م ر أن الكبيرة في البحر التي لا تنجر بالجر كالكبيرة في البر . ومثل السفينة كل منقول يعد ظرفاً لما هو فيه ، بخلاف ما لو اشترى دابة وعليها أمتعة لغير المشتري لا يشترط تفريغها ، اه سلطان . وحاصل مسئلة السفينة عند م ر أن الصغيرة من المنقولات سواء كانت في ماء أو لا والكبيرة ليست من المنقولات سواء كانت في ماء أو لا ، فتكون مثل العقار فيكفي فيها التخلية وتفريغها من أمتعة غير المشتري ؛ فقول الشارح ( وفي الكبيرة في ماء تسير به ) ضعيف اه .(3/306)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
قوله : ( فروع ) أي أربعة . قوله : ( وسلم الحال الخ ) فإن لم يسلمه بأن لم يسلم شيئاً منه أو سلم بعضه لم يستقل بقبضه ، فإن استقل به لزمه رده لأن البائع يستحق حبسه . قوله : ( وشرط في قبض ما بيع مقدراً ) كأن قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، أو بعتكها بعشرة على أنها عشرة آصع . ثم إن اتفقا على كيال مثلاً فذاك ، وإلا نصب الحاكم أميناً يتولاه ، فلو قبض ما ذكر جزافاً لم يصح القبض لكن يدخل المقبوض في ضمانه ، شرح المنهج ؛ أي ضمان يد . والمعتمد أنه ضمان عقد م ر ، ولا منافاة بينهما لأنه ضمان يد إن تلف وخرج مستحقاً وضمان عقد إن لم يخرج مستحقاً ، ومن ثم قال ح ل : إنه مضمون ضمان يد وعقد . ويؤخذ أيضاً من كلام م ر وأجرة الكيال بالنسبة للمبيع على البائع كأجرة إحضاره إلى محل العقد وبالنسبة للثمن على المشتري وأجرة نقد الثمن على البائع وأجرة نقد المبيع على المشتري ؛ لأن القصد إظهار عيب به إن كان ليرده م ر . ولو أخطأ الكيال وما بعده ضمن بخلاف خطأ النقاد العارف ولو بأجرة فإنه لا يضمن إذا تعذر الرجوع به على المشتري كما أفتى به م ر ؛ لأنه مجتهد لكن لا أجرة له ، وقال الإطفيحي : إذا كان النقاد غير أهل يضمن على المعتمد ، وأما القباني فيضمن لأنه غير مجتهد فهو مقصر كالكيال والوزان والعداد ، أما لو أخطأ ناقش القبان وهو الحديدة فإنه يضمن س ل . واعتمد ع ش على م ر عدم الضمان لأنه غير مباشر .
فرع : الدلالة على البائع فلو شرطها على المشتري فسد العقد ، ومن ذلك : بعتك مثلاً بعشرة سالماً ، فيقول : اشتريت ؛ لأن معنى قوله ( سالماً ) أن الدلالة عليك فيكون العقد فاسداً اه سم على ابن حجر .
قوله : ( مع ما مر ) أي النقل في المنقول . قوله : ( ووزن ) أي وعدّ . قوله : ( ولعمرو عليه ) أي على بكر . قوله : ( فليكتل لنفسه ) أي يطلب أن يكال له لا أنه يكيل بنفسه ؛ لأنه يلزم عليه اتحاد القابض والمقبض . قوله : ( فسد القبض له ) أي لعمرو . وأما قبضه لبكر فصحيح تبرأ به ذمة زيد لإذنه في القبض منه . شرح المنهج . قوله : ( لاتحاد القابض والمقبض ) أي لو قلنا حصلا معاً ؛ لأن عمراً يصير قابضاً لنفسه ومقبضاً لها . قوله : ( ولكل من العاقدين الخ ) أي بثمن معين أو في الذمة وهو حال ، شرح المنهج . ويدل على هذا قوله بعد : وأما الثمن المؤجل الخ فهو مقابل لهذا المقدر . قوله : ( حبس عوضه ) ويأتي فيهما ما يأتي من إجبار الحاكم كلاًّ كما(3/307)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( أو غيره ) كأن يبيعه لغيره . قوله : ( وتنازعا في الابتداء ) أي فيمن يسلم أولاً بأن قال : لا أسلم عوضي حتى يسلمني عوضه ؛ شرح المنهج . والمراد تنازعا بعد لزوم العقد ، وإلا فلا معنى للنزاع لتمكنهما من الفسخ . قوله : ( أجبرا ) أي بإلزام الحاكم كلاًّ بإحضار عوضه إليه أو إلى عدل ، فإن فعل سلم الثمن للبائع والمبيع للمشتري يبدأ بأيهما شاء ، اه شرح المنهج . قوله : ( إن عين الثمن كالمبيع ) أي أو كانا في الذمة .
قوله : ( فإن كان في الذمة ) أي وهو حال كما سيذكره ، أي والفرض أن المبيع معين فيجبر البائع ويجيء في المشتري الأربعة أحوال التي في الشرح ، وإذا كان الثمن معيناً والمبيع في الذمة فيجبر المشتري ويأتي في البائع الأحوال الأربعة التي في الشرح . قوله : ( أجبر البائع ) لرضاه بتعلق حقه بالذمة . والكلام فيمن باع لنفسه وإلا لم يجبر بل لا يجوز له التسليم حتى يقبض الثمن الحالّ ، فلا يتأتى هنا إلا إجبارهما ، وكذا لو تبايع نائبان عن الغير اه ز ي . قوله : ( إن حضر الثمن ) أي نوعه الذي يقبض منه إن كان في الذمة قبل قبضه ، ولا يسمى ثمناً إلا مجازاً ؛ سلطان . والمراد حضر مجلس العقد أو مجلس الخصومة على المعتمد . قوله : ( فإن أعسر به ) بأن لم يكن له مال يمكنه الوفاء منه غير المبيع بأن كانت قيمته لا تفي بالثمن ، وإلا بيع ووفي الثمن منه ح ل . قوله : ( فللبائع الفسخ ) أي وأخذ المبيع بشرط حجر الحاكم . وقوله ( بالفلس ) أي بسبب الفلس وهو الإعسار ، ولا يفسخ إلا إن حجر عليه الحاكم ؛ شرح المنهج . قوله : ( وإن أعسر ) بأن كان عنده مال يفي بالثمن غير المبيع أخذاً مما مر عن ح ل . قوله : ( فإن لم يكن ماله بمسافة القصر ) بأن كان دونها .
قوله : ( حجر عليه ) أي ولا فسخ أي حجر عليه الحاكم ؛ وهذا يسمى بالحجر الغريب إذ يفارق حجر الفلس في أنه لا يرجع فيه بعين المبيع ، ولا يتوقف على سؤال غريم ولا على فك قاض بل ينفك بمجرد التسليم على الأوجه ، ولا على نقص ماله عن الوفاء لعذر البائع هنا حيث سلم بإجبار الحاكم . ومن ثم لو سلم متبرعاً اعتبر النقص كما في الفلس وفي أنه ينفق على ممونه نفقة موسر ، ولا يتعدى للحادث ، ولا يباع فيه مسكن وخادم لإمكان الوفاء من غيرهما ، أي إذا كان في المال سعة ، ز ي . قوله : ( في أمواله كلها ) وإن كانت ألوفاً والثمن درهماً ؛ لئلا يتصرف فيها بما يفوت حق البائع . وقوله ( كان له الفسخ ) أي وأخذ المبيع لتعذر تحصيل الثمن كالإفلاس به ، فلا يكلف الصبر إلى إحضار المال لتضرره بذلك ؛ شرح المنهج . قوله : ( كان له الفسخ ) ولا حجر على المعتمد .(3/308)
"""""" صفحة رقم 309 """"""
قوله : ( فإن صبر فالحجر ) أي يضرب عليه لئلا يفوت المال م ر . فتلخص أنه إن فسخ لا حجر أو صبر ، فالحجر خلافاً لمن توهم نفي الحجر في الصورتين أ ج . وهذا معتمد خلافاً لمن ضعفه . قوله : ( كما مر ) أي في أمواله كلها حتى يسلم الثمن . وقوله ( ومحل الحجر ) في هذا ، أي قوله : فإن صبر فالحجر ، وقوله : وما قبله ، أي قوله ( حجر عليه في أمواله ) . قوله : ( وأما الثمن المؤجل ) مقابل قوله : إن حضر الخ . قوله : ( فليس للبائع ) ومن ثم كان ليس له أن يطالب المشتري برهن ولا ضامن وإن كان غريباً وخاف الفوات ح ل . قوله : ( فلا حبس أيضاً ) هلا حذف هذا وتكون ( لو ) غاية .
قوله : ( ولا بيع اللحم ) خرج به اللبن والبيض فيجوز بيعهما بالحيوان نعم إن كان فيه مثله من جنسه كبيع لبن شاة بشاة في ضرعها لبن وبيض دجاجة بدجاجة فيها بيض لم يصح للربا ، وكذا بيع حيوان بمثله فيهما لبن كبقرة بمثلها فيهما ذلك أو فيهما بيض كدجاجة بمثلها فيهما ذلك فلا يصح ، سم مع زيادة أ ج ، ومثله شرح م ر . قال م د : واللحم بسكون الحاء وتحرك ، وجمعه لحوم ولحمان بالضم ولحام بالكسر . قوله : ( بالحيوان ) ومنه السمك قبل موته وإن كان فيه حركة مذبوح . قوله : ( والكبد ) الكبد بوزن الكذب واحد الأكباد ، ويقال كبد بوزن فلس للتخفيف كما يقال للفخذ فخذ بالسكون . وكبد السماء وسطها ، والكَبَد بفتحتين الشدة ، ومنه قوله تعالى : ) لقد خلقنا الإنسان في كبد } ) البلد : 4 ) والكباد بالضم : وجع الكبد . وقوله ( والكلية ) الكلية والكلوة بضم الكاف فيهما معروفة ، ولا تقل كلوة بالكسر ؛ والجمع كليات . وقوله ( والألية ) بفتح الهمزة : ألية الشاة ، ولا تقل إلية بالكسر ، ولا لية . وتثنيتها أليان بغير تاء اه مختار ، وقرره الحفني . وجمعها أليات مثل سجدة وسجدات ، اه مصباح .
قوله : ( بخلافه قبله ) أي إذا كان جلد مأكول وكان الجلد مما يؤكل غالباً كما في شرح المنهج ، أما الذي لا يمكن أكله فيصح بيعه بالحيوان ولو قبل الدبغ . قوله : ( أو تخايرهما ) أي(3/309)
"""""" صفحة رقم 310 """"""
إلزامهما العقد . و ( أو ) بمعنى الواو . قوله : ( الحجاز ) بكسر الحاء المهملة ، والمراد به مكة والمدينة واليمامة وقراها . قوله : ( في عهد رسول الله ) أي حياته ، فلو أحدث الناس خلافه فلا اعتبار به . وقوله : وجهل حاله أو كان ولم يكن بالحجاز أو استعمل الكيل والوزن فيه سواء أو لم يستعملا ، وقوله ( كالتمر ) أي أو دونه . قوله : ( يراعى فيه عادة بلد المبيع ) أي حالة البيع ، فإن اختلفت اعتبر فيه الأغلب ، فإن اختلف الأغلب ألحق بالأكثر شبهاً ، فإن لم يوجد أي الأكثر شبهاً جاز فيه الكيل والوزن شرح م ر . قوله : ( فإن كان أكبر منه ) كجوز وبيض . وقوله ( فالوزن ) إذ لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر منه ، شرح المنهج . قوله : ( جزافاً ) بتثليث الجيم م ر ومن ثم قال بعض اللطفاء : جيم الجزاف جزاف والقياس كسرها أخذاً من قول ابن مالك :
( لفاعل الفعال والمفاعلة )
قوله : ( تخميناً ) أشار به إلى أنه لو باع جزافاً بغير تخمين كان أولى بالبطلان ، دميري .
قوله : ( ولا تكفي مماثلة الدقيق ) للجهل بالمماثلة بتفاوت الدقيق في النعومة والخشونة والخبز في تأثير النار ، ويجوز بيع ذلك بالنخالة لأنها ليست ربوية ؛ شرح المنهج . والسويق هو دقيق الشعير المحمص ، وفي المصباح : السويق ما يعمل من الحنطة والشعير . قوله : ( حباً أو دهناً ) أي أو كسباً خالصاً من نحو ملح ودهن . وحاصل مسئلة السمسم وما اتخذ منه أن السمسم والشيرج والكسب الخالص يباع كل منها بمثله ، وكذا الشيرج بالكسب الخالص من(3/310)
"""""" صفحة رقم 311 """"""
الدهن ولو مع التفاضل ، ويمتنع بيع السمسم بالشيرج وبالطحينة وبالكسب وإن لم يكن فيه دهنية ؛ لأن الشيء لا يباع بما اتخذ منه ، ولا يصح بيع الطحينة بمثلها ولا بكسب ولا بالشيرج لاشتمالها عليهما . فصوره عشرة : أربعة صحيحة وستة باطلة ، كما يؤخذ من الشراح ؛ سم على حج . والشيرج بفتح الشين بوزن جعفر كما نقله ع ش على م ر عن المصباح . قوله : ( وفي اللبن ) أي في ماهية هذا الجنس المشتمل على لبن وغيره شرح م ر ، أي ليناسب قوله بعد : لبناً أو سمناً ، أي حال كون اللبن باقياً لبناً بحاله أو صائراً سمناً . قوله : ( فيجوز بيع بعضه ) أي السمن . قوله : ( وإن كان مائعاً ) المعتمد أن المعتبر في السمن الوزن إن كان جامداً والكيل إن كان مائعاً ، والمعتبر في اللبن الكيل مطلقاً سواء الحليب وغيره ما لم يغل بالنار ؛ شرح المنهج ملخصاً ومثله شرح م ر . قوله : ( بالطبخ ) كاللحم ، والقلي كالسمسم ، والشيّ كالبيض . قوله : ( كالعسل والسمن ) ميزا بالنار عن الشمع واللبن ، فيباع بعض كل منهما ببعض حينئذ لأن نار التمييز لطيفة ، أما قبل التمييز فلا يجوز ذلك للجهل بالمماثلة ؛ شرح المنهج . وفارق بيع التمر ببعضه وفيه نواة بأن النوى غير مقصود ، بخلاف الشمع في العسل فاجتماعهما مفض للجهالة شرح م ر . والعسل يذكر ويؤنث ، والمراد به عسل النحل وما يطلق عليه عسل من السكر وغيره مجاز ويجوز بيعه بعسل النحل متفاضلاً اه دميري .
فائدة : سمن البقر إذا شرب نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب كما قاله الشيخ عبد البرّ .
قوله : ( أو قبل تخايرهما ) ( أو ) بمعنى الواو ليوافق المعتمد كما تقدم ، وهذا ما في غالب النسخ الصحاح فما في بعض النسخ من إسقاط الألف تصليح . قوله : ( ولا يجوز بيع الغرر ) أي البيع المشتمل على الغرر أو بيع ما فيه الغرر . قوله : ( بعين المبيع ) أي في المعين . وقوله ( وقدره وصفته ) فيما في الذمة ، فالواو بمعنى ( أو ) . قوله : ( وتعتبر الرؤية كل شيء الخ ) الأولى(3/311)
"""""" صفحة رقم 312 """"""
ذكر هذا في شروط المبيع عند الكلام على العلم به كما في المنهج وغيره . قوله : ( وفي الورق البياض ) أي ذي البياض ، والمراد به الذي لم يكتب فيه فيشمل الأصفر وغيره . قوله : ( من رؤية البيوت ) داخلها وخارجها . قوله : ( عروق الأشجار ) أي جذورها ونحوها كورقها مثلاً . قوله : ( سخلة ) أي شاة صغيرة . قوله : ( ويشترط في الرقيق الخ ) وظاهر ذلك اعتبار رؤية باطن قدم الرقيق وحافر الدابة وهو ما قاله بعضهم ؛ لكن الأوجه ما قاله غيره من عدم اعتبار ذلك وبه أفتى بعض شيوخنا في الأمة ومثلها غيرها كما هو ظاهر سم . قوله : ( لا اللسان والأسنان ) وكذا باطن القدم وكذا حافر باطن الدابة فلا يشترط رؤيتهما كما في شرح م ر ، خلافاً لظاهر كلام الشارح . ولو قال ( واللسان الخ ) لكان أخصر وأظهر ، فيكون معطوفاً على العورة ؛ لكنه يوهم أنه معطوف على ما من عطف الخاص على العام فيوهم اشتراط رؤيتهما فما صنعه أولى .
قوله : ( ويشترط في الدابة ) لو أسقط لفظ ( يشترط ) وقال : في الدابة الخ بجعله معطوفاً على ما قبله لكان أخصر لكن قصده الإيضاح . قوله : ( والإكاف ) بكسر الهمزة ، وهو ما تحت البرذعة . قوله : ( ولا يشترط في الدابة رؤية الخ ) لو قال بعد قوله المتقدّم : حتى شعرها ما عدا اللسان والأسنان ، لاستغنى عن ذكر ذلك وكان أخصر . قوله : ( ككرباس ) ثوب من القطن الأبيض كما في القاموس ؛ لكن مراد الفقهاء أعمّ من ذلك . قوله : ( فيكفي رؤية أحدهما ) أي الوجهين . قوله : ( قبل الجزّ أو التذكية ) هي عبارة الروض . قال شيخ الإسلام : ( أو ) في كلام(3/312)
"""""" صفحة رقم 313 """"""
المصنف بمعنى الواو وبها عبر في نسخة اه مرحومي . أي لأن عدم صحة بيع الصوف مشروط بشرطين أن يكون قبل الجز وأن يكون قبل التذكية . أما بعد جزه فيجوز وكذا بعد التذكية ؛ لأنه لا يزيد بعدها فلا يخلط بحادث ، وهذا يؤخذ من تعليل الشرح . قوله : ( اختلط بغيره ) أي لا على وجه التركيب بدليل ما بعده ، مرحومي . قوله : ( بنحو لبن مخلوط ) مثله بيع اللحم بعظمه وبيع الطحينة والقشطة ونحو ذلك ولو بالدراهم ، فإنه باطل مطلقاً للجهل بأحد المقصودين فيه ؛ قاله شيخنا قياساً على ما قاله السبكي من بطلان بيع اللبن المشوب بالماء ولو بالدراهم كما نقله عن ابن قاسم والرملي . وخالف شيخنا ع ش فاعتمد الصحة ، وحينئذ فيحتاج للفرق بينها وبين اللبن المشوب بالماء فتأمل ، اه برماوي . والفرق أن الماء أجنبي من اللبن بخلاف الشيرج مع الكسب واللبن مع القشطة ، وكذا السمن معها ، والعظم مع اللحم ، فإنها ليست أجنبية ؛ فهو قياس مع الفارق . قوله : ( كالغالية ) نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر ومعهما دهن أو عود وكافور ، شرح م ر . قوله : ( والند ) بفتح النون ، مركب من مسك وعنبر وعود شرح م ر . قوله : ( في فأرته ) بالهمز وتركه ، وفأرة البيت بالهمز لا غير ، وفارة النجار بالألف لا غير . قال الشاعر :
وفأرة البيت اهمزنها يا فتى
همزا وإبدالا لغير أثبتا
قوله : ( شرع في لزومه ) والحاصل أن البيع ينحصر في خمسة أطراف : الطرف الأول : في صحته وفساده . الطرف الثاني : في جوازه ولزومه . الطرف الثالث : في حكمه قبل القبض وبعده . الطرف الرابع : في ألفاظ تتأثر بالقرائن . الطرف الخامس : في التحالف ومعاملة الرقيق ؛ زيادي . وقوله ( تتأثر بالقرائن ) أي وتستتبع غير مسماها كبعتك الأرض فإنه يدخل ما فيها من الشجر ، إذ مسمى الشجر غير مسمى الأرض . قوله : ( وذلك ) أي الجواز . قوله : ( والأصل في البيع اللزوم ) أي وضعه اللزوم ، بدليل قوله ( إلا أن الشارع الخ ) أي فالخيار عارض ، لكن خيار المجلس صار كاللازم بدليل بطلان العقد بنفيه . قوله : ( لأن القصد منه ) أي شرعاً وعقلاً وقوله(3/313)
"""""" صفحة رقم 314 """"""
التصرف أي حل التصرف . وقوله ( وكلاهما فرع اللزوم ) أي عقلاً . وفي كون نقل الملك فرع اللزوم نظر لأنه يوجد مع ثبوت الخيار للمشتري ، إلا أن يقال المراد نقل الملك التام أي الذي لا فسخ بعده كما قرّره شيخنا العشماوي . قوله : ( إلا أن الشارع الخ ) استثناء من قوله : والأصل في البيع اللزوم ، فجاء الشرع مخالفاً لمقتضى العقل . قوله : ( خيار تشهّ ) من إضافة المسبب للسبب . أي خيار سببه الشهوة والخيرة ، وهذا ظاهر في خيار الشرط . أما خيار المجلس فيثبت قهراً . ويجاب بأن المراد ما يثبت أصله بالشهوة وهو خيار الشرط أو دوامه واستمراره في خيار المجلس فإنه باختيارهما ، أو أن الموصوف بالشهوة هو أثره من الفسخ والإجازة ؛ وهذا التقدير يجري في قوله : ما يتعاطاه الخ . قوله : ( نقيصة ) أي عيب . قوله : ( ما يتعاطاه المتعاقدان ) أي يتعاطيا نفسه وأثره كخيار الشرط ويتعاطيا أثره في خيار المجلس . قوله : ( باختيارهما ) كيف هذا مع أن خيار المجلس يثبت قهراً حتى لو نفياه بطل العقد ؟ وأجيب بأن معنى كونه باختيارهما أن استمراره باختيارهما أو أن أثره من الفسخ والإجازة باختيارهما ، ويدل عليه قول الشارح : ما يتعاطاه الخ . قوله : ( أو الشرط ) أو مانعة خلوّ فتجوّز الجمع . قوله : ( بقوله ) أي في قوله متعلق ببدأ ، فسقط ما يقال إن في كلامه تعلق جر في جرّ بمعنى واحد بعامل واحد .
قوله : ( والمتبايعان الخ ) تثنية متبايع بمعنى بائع ، والمراد البائع والمشتري فهو تغليب . وقوله ( بالخيار ) أي ملتبسان وموصوفان به ، والخيار اسم مصدر من الاختيار بمعنى طلب خير الأمرين . قوله : ( ما لم يتفرّقا ) ( ما ) مصدرية ظرفية ، أي مدة عدم تفرّقهما ، والتثنية ليست قيداً بل متى فارق أحدهما مختاراً انقطع خيارهما ، بخلاف اختيار اللزوم فإنه لا ينقطع إلا خيار من اختار لزوم العقد . وقوله ( ما لم يتفرّقا ) ويزاد أو ( يختارا لزوم العقد أو أحدهما ) فيكون المتن ناقصاً ، أي ولو كان التفرّق نسياناً أو جهلاً . وخرج بالبدن فرقة الروح والعقل ، فلا يسقط الخيار بما ذكر بل يخلف العاقد وارثه أو وليه كما يأتي في قوله : ولو مات أحدهما الخ كما قرّره شيخنا العشماوي . وخرج أيضاً تفرقهما بالمكان ، كأن جعل المكان مكانين بإرخاء ساتر بينهما أو دخل أحدهما في ناموسية والآخر خارجها وكل منهما في مكان العقد ، أو كأن جعل بينهما جدار في وسط ذلك المكان . قوله : ( ببدنهما ) أو بدن أحدهما ولو ناسياً أو جاهلاً اه سلطان . قوله : ( عن مجلس العقد ) المراد الحالة التي كانا عليها حالة العقد من جلوس أو قيام أو اضطجاع أو مشي ، فمتى انفصلا عنها عرفاً لزم البيع .(3/314)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
قوله : ( فلو اختار أحدهما ) مفهوم قوله : أو يختارا . قوله : ( وبقي الحق فيه للآخر ) أي ويستمر إلى المفارقة أو الاختيار أيضاً . ولو اختار أحدهما لزوم البيع والآخر فسخه قدم الفسخ وإن تأخر عن الإجازة ، لأن إثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ دون الإجازة لأصالتها ، شرح المنهج . قوله : ( لما روى الشيخان ) دليل للمتن . قوله : ( البيعان ) تثنية بيع بمعنى بائع ، ويطلق على كل من العاقدين أنه بائع كما في كتب اللغة ، أخذاً من الحديث ؛ لأن المشتري كأنه باع الثمن للآخر لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر منه إلى الذهن باذل السلعة فيكون فيه تغليب على هذا وعلى الأوّل لا تغليب . وظاهر الحديث أن خيارهما ينقطع إذا قال أحدهما للآخر اختر ، مع أنه لا ينقطع إلا خيار القائل فقط ويبقى الخيار للآخر . قوله : ( أو يقول ) منصوب بتقدير : إلا أن ، وإلى أن ، ولو كان معطوفاً لجرمه فقال : أو يقل ؛ قاله النووي . والأولى أن يقول منصوب بأن مضمرة وأو بمعنى إلا أو إلى . قال البرلسي : المعنى على العطف أن الخيار ثابت لهما في مدّة انتفاء التفرق أو مدة انتفاء قول أحدهما للآخر اختر ، فيقتضي ثبوته في الحالة الأولى وإن انتفت الحالة الثانية بأن قال أحدهما للآخر : اختر ، وثبوته في الثانية وإن انتفت الأولى بأن تفرقا . ويتخلص منهما بما ذكر وهو نصبه بأن وأو بمعنى إلا أو إلى ، وهذا بالنسبة إلى أصل وضع اللغة وهو أن أو بعد النفي لانتفاء أحد الأمرين كما قاله الرضى ، وأما بالنظر لاستعمال اللغة وهو أن أو بعد النفي لانتفاء الأمرين كما في قوله تعالى : ) ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } ) الإنسان : 24 ) أي ولا كفوراً ، فالعطف هنا ظاهر ؛ لكن ربما يتوهم أن العطف جار على أصل الوضع فما قاله النووي قاطع لذلك سم ملخصاً . وقوله ( استعمال اللغة ) أي استعمال أهل اللغة لأنهم توسعوا في الاستعمال .
قوله : ( في كل بيع ) أي في كل ما يسمى بيعاً كما يأتي . وضبطه بعضهم بقوله : يثبت خيار المجلس في كل معارضة محضة واقعة على عين لازمة من الجانبين ليس فيها تملك قهري ولا جارية مجرى الرخص اه ق ل . والمحضة هي التي تفسد بفساد المقابل ، وقوله ( واقعة على العين ) أي أو على منفعة بلفظ البيع كبيع حق وضع خشبة على جدار حاره ، فخرج بالمعارضة الهبة والإبراء وصلح الحطيطة لأنه في الدين إبراء وفي العين هبة ، وبالمحضة النكاح والخلع فإنهما لا يفسدان بفساد المقابل بخلاف البيع ، وبالواقعة على العين الإجارة ، وبلازمة من الجانبين الشركة والقراض والرهن والكتابة ؛ لأن الأولين جائزان من الجانبين والأخيرين من(3/315)
"""""" صفحة رقم 316 """"""
جانب واحد ولا معنى لثبوت الخيار فيما هو جائز ولو من جانب ، وبقوله ( ليس فيها تملك قهري ) الشفعة ، وبما بعده الحوالة . وانظر بيع العبد نفسه والبيع الضمني يخرجان بأيّ قيد ؟ والظاهر خروجهما بالأخير . قوله : ( وإن استعقب عتقاً ) أي بالنسبة للبائع لا للمشتري ، مدابغي . وقوله ( لا للمشتري ) هذا إن قلنا إن الملك في زمن الخيار للمشتري وحده ، أما إن قلنا إن الملك في زمن الخيار موقوف أو قلنا إنه للبائع وحده فإن الخيار لهما ؛ والصحيح أنه أي العتق موقوف على الأقوال الثلاثة لا يعتق العبد حتى يلزم البيع من جهة البائع ، قال أ ج : قوله ( وإن استعقب عتقاً ) أي فلا يحكم بعتقه حتى ينقطع خيارهما أو خيار البائع فقط ، اه سم . أي فيتبين عتقه من حين الشراء كما قاله سم أيضاً . وقوله ( خيارهما ) فيكون الخيار للمشتري بين الفسخ والإجازة قبل خيار البائع ، ومتى أجاز البائع عتق على المشتري اه . والغاية للرد .
قوله : ( وذلك ) أي ما يثبت فيه الخيار . قوله : ( كربوي ) أي لأن القصد من ثبوت الخيار التشهي ، فلا يقال هما أي العوضان في الربوي متساويان فلا أحسنية حتى يثبت الخيار لأجلها ، على أنه قد يكون أحدهما أحسن بالنعومة والخشونة مثلاً . قوله : ( لا في بيع عبد منه ) أي من العبد أي له بأن يبيعه بثمن في ذمته . وهذه والتي بعدها في معنى الاستثناء من قوله ( في كل بيع ) فكأنه قال ( إلا في كذا ) . وقوله ( ولا في قسمة ) مفهوم قوله ( بيع ) يشير لذلك قول الشارح الآتي مما لا يسمى بيعاً . قوله : ( ولا في قسمة غير ردّ ) أي من إفراز وتعديل ، فصورة الإفراز أن يكون بينهما أرض متساوية الأجزاء شركة فقسماها فلا خيار فيها . وصورة التعديل أن يكون بينهما أرض شركة والأرض فيها تفاوت فيأخذ أحدهما ثلثاً والآخر ثلثين بالتعديل فلا خيار أيضاً . وأما قسمة الرد كأن يكون بأحد الجانبين بئر أو بستان فيجعل للآخر في مقابلته دراهم ففيها الخيار لأنها معاوضة محضة فتأمل . والحاصل أن المقسوم إن تساوت الأنصباء منه صورة وقيمة فهو إفراز ، وإلا فإن لم يحتج إلى رد شيء آخر ولم تتساو الأنصباء فالتعديل وإلا فالرد . قوله : ( ولا في حوالة ) وإن جعلت بيعاً لعدم تبادرها منه . قوله : ( وصلح حطيطة ) بأن صالح من الشيء المدعي به على بعضه وهو إبراء إن كان في دين وهبة إن كان في عين ، فهو من عطف العام على الخاص . أو أراد بالإبراء السابق ما ليس بصلح ، اه سم . وأما صلح المعاوضة كأن يصالحه من دار بعبد فيثبت فيه خيار المجلس لأنه بيع . قوله : ( ونكاح ) أي لأنه عقد معاوضة غير محضة . قوله : ( ونحو ذلك ) كالهدية والصدقة . قوله : ( أما الهبة بثواب ) أي عوض .(3/316)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
قوله : ( ويعتبر في التفرق ) ويشترط أن يكون التفرق اختيارياً ، بخلاف ما لو أكره أحدهما على التفرق فلا ينقطع خياره . وأما الآخر فإن منع من الخروج معه بقي خياره أيضاً وإلا فلا ، نعم إن كان الإكراه بحق كما إذا غصب أحدهما موضع العقد فأكره على الخروج منه فظاهر انقطاع خيار الآخر ، نعم إن خرج معه بحيث يعدّان مجتمعين فظاهر بقاء خيارهما سم أ ج . ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خياره كالهارب وإن لم يتمكن من أن يتبعه لتمكنه من الفسخ بالقول من كون الهارب فارق مختاراً ، شرح المنهج . قوله : ( حد ) أي ضابط . قوله : ( فلو قاما الخ ) تفريع على قول المتن : ما لم يتفرقا . وعبارة متن المنهج : فيبقى ولو طال مكثهما أو تماشيا منازل . قوله : ( كما لو طال مكثهما ) وإن بني جدار حائل بينهما ولو بأمرهما أو بفعلهما ، ق ل وسم . قوله : ( وإن زادت المدة ) ولو سنين . قوله : ( وكان ابن عمر الخ ) فيه ردّ على من زعم نسخه لعمل أهل المدينة بخلافه ؛ لأن جلّ عملهم لا يثبت به نسخ كما مر في الأصول ، خصوصاً وابن عمر من أجلهم كان يعمل به ش م ر وحجر أ ج ؛ أي لأنهم مجتهدون . ونسخ النص لا يحصل بالاجتهاد وإنما ينسخه نص آخر . قوله : ( فلو كانا ) تفريع على قوله : ويعتبر في التفرق العرف . قوله : ( في دار كبيرة ) ومثلها السفينة الكبيرة . قوله : ( بالخروج من البيت ) أي كقاعة مثلاً . قوله : ( إلى الصحن ) الصحن كناية عن قعر الدار ، والصفة كناية عن مصطبة عالية فيها . قوله : ( فبأن يولي أحدهما الآخر ظهره ) ومثل ذلك ما إذا رجع القهقرى ، فقوله ( فبأن يولي الخ ) ليس بقيد ، وهو جري على الغالب . قوله : ( ويمشي قليلاً ) أي بقدر ما بين الصفين في الصلاة وهو ثلاثة أذرع كما نقله ح ل عن الأنوار ومثله م ر وق ل على الجلال . قوله : ( وإن كانا في سفينة ) أي صغيرة بأن تنجرّ بجرّه عادة ؛ لأن الكبيرة كالدار الكبيرة ق ل ، فقوله ( صغيرة ) راجع لكل من السفينة والدار . قوله : ( فإن فارقه ) أي ولو إلى جهة صاحبه على المعتمد م د .(3/317)
"""""" صفحة رقم 318 """"""
قوله : ( ولو مات أحدهما الخ ) محترز قوله فيما تقدم ببدنهما . قوله : ( إلى الوارث ) أي وإن تعدد فيثبت لكل منهم ولا يبطل خيار أحد منهم إلا بمفارقة جميعهم مجلس العلم بالموت ، ولو فسخ بعضهم وأجاز الباقون قدم الفسخ سم ؛ أي لأن الخيار إنما شرع للتمكن من الفسخ ، وظاهره أنه يقدم الفسخ ولو كان البعض الفاسخ أقل من المجيز ولو واحداً ، فتأمل . قوله : ( ولو عاماً ) أي وهو الإمام . قوله : ( وفي الثانية الخ ) ظاهره أنه لا تنتظر إفاقته وإن لم تطل مدته ولم ييأس من إفاقته م د ؛ لكن المعتمد في صورة الإغماء أنه لا ينتقل إلى الولي أو غيره إلا إن طالت المدة أو أيس من إفاقته ، فإن قصرت المدة بأن كانت ثلاثة أيام انتظرت إفاقته ولا ينتقل الخيار إلى الولي ؛ قال الحلبي : ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه في أثناء المجلس عاد له الخيار . قوله : ( نفذ ذلك ) أي ما ذكر من الفسخ أو الإجازة . قوله : ( ولهما ) أي المتعاقدين أي أو أحدهما مع موافقة الآخر له . وأما إذا قال أحدهما : بشرط الخيار ، فقال الآخر : لا أشترط الخيار أصلاً ؛ فلا يصح العقد إذا كان ذلك في صلب العقد . قوله : ( لهما ) متعلق بيشرطا أو بالخيار . وكان ينبغي أن يزيد : أو لأجنبي . قوله : ( سواء أشرطا إيقاع أثره الخ ) وهو الإجازة أو الفسخ . وظاهر عبارة الشارح أن من شرط إيقاع الأثر منه غير من شرط له الخيار ، وهي عبارة شيخ الإسلام وتبعه الشارح . قال مشايخنا : وهي طريقة ضعيفة لم يسبقه أحد إليها ، والمعتمد أن من شرط إيقاع الأثر منه هو المشروط له الخيار في المعنى سواء أشرطا إيقاع أثره منهما أو من أحدهما ، فلا تعدد لأنه يلزم من اشتراط الخيار اشتراط إيقاع الأثر إذ هو ثمرته م د . قوله : ( أم من أجنبي ) أي مكلف اه م ر . قوله : ( وليس لشارطه ) أي وقوع الأثر ، فالضمير راجع للأثر لأنه الذي يجوز شرطه للأجنبي على هذه الطريقة . وقوله ( خيار ) أي إيقاع أثر خيار ، وإلا فالخيار له اتفاقاً ؛ وإنما المنقول عنه أثره كما ذكره ق ل . وفي فتاوى ابن حجر : وسئل عمن شرط الخيار لأجنبي ، هل يقال إنه من قبيل التمليك كتفويض(3/318)
"""""" صفحة رقم 319 """"""
الطلاق للزوجة حتى يشترط قبوله على الفور أو من قبيل التوكيل فيأتي في قبوله الخلاف ؟ فأجاب بقوله : مقتضى تصريح البغوي بأنه لا ينعزل ووالد الروياني بأنه لا يجوز شرطه لأجنبي كافر والمبيع عبد مسلم أو محرم والمبيع صيد وأن الشارط لو مات لم يبطل خيار الأجنبي ترجيح الأول ، واعتمده بعضهم إذ لو كان توكيلاً لانعزل بالعزل ولجاز شرطه له وإن كان كافراً أو محرماً في مسلم وصيد لأن الكافر يجوز توكيله في شراء المسلم اه بحروفه . قال المرحومي : ويثبت خيار الشرط في كل ما يثبت فيه خيار المجلس إلا في ربويّ وسلم وفيما يعتق فيه المبيع على المشتري وما يخاف فساده مدة الخيار والمصراة إن شرط فيها الخيار للبائع أو لهما اه ؛ لأن المشتري لا يحلبها لعدم ملكه لها والبائع يترك حلبها لأجل التصرية وتركه يضرها .
قوله : ( بغير إذن موكله ) فلو أذن له موكله فيه وأطلق بأن لم يقل لي ولا لك فاشترطه الوكيل وأطلق ثبت له دون الموكل سم . قوله : ( ولنفسه ) وعليه رعاية المصلحة في الفسخ والإجازة وله كل منهما ، وإن منعه الموكل سم . قوله : ( وإنما يجوز شرطه ) حاصل الشروط خمسة ، أولها التقييد بمدة . قوله : ( إلى ثلاثة أيام ) وتدخل ليالي الأيام المشروطة سواء السابق منها على الأيام والمتأخر حج . وفي شرح م ر : أن الليلة الأخيرة لا تدخل . والفرق بين ما هنا والمسح على الخف أن الشارع نص على الليالي فيه دون ما هنا . قوله : ( بخلاف ما لو أطلق ) مفهوم قوله ( مدة ) . وهذا شروع في محترزات القيود الخمسة ، ومتى انتفى قيد منها بطل العقد اه . وعبارة المدابغي على التحرير : والحاصل أن خيار الشرط لا يصح العقد معه إلا بشروط خمسة : أن يكون مقيداً بمدة ، فخرج ما لو أطلق كأن قال : حتى أشاور . وأن تكون معلومة ، فخرج ما لو قال : بشرط الخيار أياماً . وأن تكون متصلة بالشرط ، فخرج ما لو قال : ثلاثة أيام مثلاً من الغد . وأن تكون متوالية ، فخرج ما لو قال : يوماً بعد يوم . وأن تكون ثلاثة فأقل ، فخرج ما لو زادت . فيبطل العقد في الكل ؛ لأن الأصل منع الخيار إلا فيما أذن فيه الشارع ولم يأذن إلا في ذلك ؛ قال م ر : وإنما بطل بشرط الزيادة ولم يخرّج على تفريق الصفقة لأن إسقاط الزيادة يستلزم إسقاط بعض الثمن فيؤدي لجهله اه . ولا بد أيضاً من تعيين من شرط له الخيار كما في شرح م ر ، وعبارته : ولا بد من تعيين المشروط له بأن يتلفظ هو به إذا كان هو المبتدىء بالإيجاب أو القبول ويوافقه الآخر من غير تلفظ . قال ع ش : قضيته البطلان فيما لو قال بعتك بشرط الخيار من غير ذكر لي أو لك أو لنا ، ويوجه باحتمال أن يكون المشروط له أحدهما وهو مبهم .(3/319)
"""""" صفحة رقم 320 """"""
قوله : ( ذكر الرجل ) ببناء الفعل للفاعل ، فالذاكر هو الرجل بدليل ما في رواية ذكرها الدميري عن ابن عمر أنه قال : سمعت رجلاً من الأنصار يشكو إلى النبي أنه لا يزال يغبن ، واسم الرجل حبان بن منقذ بن عامر الأنصاري كما ذكره م د على التحرير . ونصه : وذلك أن شخصاً من الصحابة اسمه حبان بن منقذ كان يخدع في البيوع ، فجاء إلى النبي وشكا له فقال ( مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لا خِلاَبَةَ ) الخ . ومعنى ( لا خلابة ) أي لا غبن ولا خديعة . وصار عرفاً على الخيار ثلاثة أيام فإن عرف المتعاقدان معنى ذلك صح العقد وإلا فلا . قوله : ( يخدع ) أي يغبن ، وفي المختار خدعه غبنه . وأراد به المكروه من حيث لا يعلم ، وبابه قطع اه . قوله : ( من بايعت ) أي اشتريت ، بدليل قوله : ابتعتها ، وقوله : ( ثم أنت بالخيار الخ ) هذا كالتفسير منه للاخلابة ح ل . وإنما عبر بالليالي لأن العرب كانوا يؤرخون بها ، اه برماوي . قوله : ( في كل سلعة ) قال في المصباح : السلعة البضاعة والجمع سلع كسدرة وسدر ، والسلعة الشجة والجمع سلعات كسجدة وسجدات ، ولبعضهم :
وسلعة المتاع سلعة الجسد
كل بكسر السين هكذا ورد
أما التي بالفتح فهي الشجه
كذاك في المصباح فاحفظ نهجه والسلعة بفتح السين اسم لما يباع ، وبالكسر اسم للخرّاج كالغدّة ونحوها كما قاله ابن حجر في شرح البخاري ؛ وهي من الحمصة إلى البطيخة .
قوله : ( ابتعتها ) أي اشتريتها . قوله : ( ثلاث ليال ) فيه أن هذا لا يطابق المدعى . وأجيب بأن المراد ثلاث ليال بأيامها بدليل ذكر الحديث الآخر . قوله : ( فجعل له عهدة ) أي علقة ، أي جعل له تعلقاً بالبيع من جهة الفسخ أو الإجازة في ثلاثة أيام فالإضافة على معنى في . ويجوز تنوين ( عهدة ) وثلاثة بدل اشتمال منها ؛ لأن الثلاثة مشتملة على هذا التعلق . وفي القاموس : العهدة الرجعة ، تقول : لا عهدة أي لا رجعة ؛ شيخنا العشماوي . قوله : ( الغبن ) أي في الأصل ، وقوله ( والخديعة ) تفسير .
قوله : ( ولو شرط في العقد ) هذا محترز قوله ( متصلة ) وقوله ( وإلا لأدى الخ ) من هذا(3/320)
"""""" صفحة رقم 321 """"""
التعليل يعلم بطلان غير المتوالية ، ومن ثم لم يذكر محترزه ح ل . قوله : ( إلى جوازه ) أي جوازه من جهة العاقدين بعد اللزوم من جهتهما ، فلا يرد ما لو حدث عيب بعد العقد وقبل القبض فإنه يثبت به الخيار فقد صار جائزاً بعد لزومه ، شوبري . ولو اطلع عليه المشتري بعد سنة مثلاً لأن جوازه من جهة العيب لا من جهتهما . قوله : ( والملك في المبيع الخ ) عبارة شرح المنهج : والملك في المبيع مع توابعه من فوائده كنفوذ عتق وحل وطء الخ اه . شمل كلامه ما لو حملت في زمن خيار البائع ثم أجاز البيع ، ومقتضاه أن الحمل له يأخذه إذا انفصل وكذلك إذا حملت في زمن خيار المشتري ، ثم فسخ البيع فمقتضاه أن الحمل له يأخذه بعد انفصاله لأنه من الفوائد ، وهو غريب فليحرر . والمؤن تابعة للملك فهي على من انفرد بالخيار ، وتكون عليهما في حالة الوقف ، ويرجع البائع على المشتري بما مونه إن تم البيع ، ويرجع المشتري إن انفسخ كما قرره شيخنا العشماوي . ومثله في م ر ومحل الرجوع إن كان بإذن الحاكم أو إذن الآخر أو إشهاد . ونقل في الدرس أن من نوى الرجوع عند فقد الحاكم والمالك ومن يشهد يرجع ، قال شيخنا : وهو قريب ق ل ؛ لكنه فرضه فيما إذا أنفق في زمن خيار غيره ، وانظر هل مثله من أنفق في زمن وقف الملك أو يرجع مطلقاً ؟ حرر . ثم رأيت م ر قال : وفي حالة الوقف يطالبان بالإنفاق ثم يرجع من بان عدم ملكه على الآخر . وقيده بعضهم بما لو أنفق بإذن الحاكم ، وقد يتوقف فيه لوجود تراضيهما عليه وهو كاف في مثل ذلك ، وكذا لو أنفق ناوياً الرجوع وأشهد عليها أي النية عند امتناع صاحبه وفقد الحاكم أخذاً مما يأتي في المساقاة وهرب الحمال اه بحروفه .
قوله : ( ولا فرق فيه ) أي التفصيل المذكور ، وهو قوله : والملك الخ . قوله : ( وكونه لأحدهما الخ ) جواب عن سؤال تقديره : ما صورة انفراد أحدهما بالخيار في المجلس ؟ والضمير في كونه للخيار . قوله : ( في خيار المجلس ) كان الأولى : وكون خيار المجلس لأحدهما ، وعبارة شرح المنهج : وكونه لأحدهما بأن يختار الخ . قوله : ( بأن يختار ) أي بالقول . قوله : ( والتصرف فيها ) مبتدأ ، خبره قوله الآتي : فسخ للبيع . وهذا بالفعل وما تقدم(3/321)
"""""" صفحة رقم 322 """"""
بالقول . والحاصل أنه ذكر لتصرفات البائع أحوالاً ثلاثة : الأولى قوله فسخ ، والثانية : قوله وصح ذلك . والثالثة : قوله ووطؤه حلال الخ ؛ فكأنه قال : وكلها حلال إلا الوطء ففيه تفصيل . قوله : ( كوطء ) أي إن كان الواطىء ذكراً يقيناً والموطوء أنثى يقيناً لم تكن حراماً عليه كأخته وعلم أنها المبيعة ولم يقصد الزنا فلا فسخ في ذلك . وسيذكر بعض ذلك ق ل فجملة الشروط خمسة . قوله : ( وبيع ) أي بتّ أو بشرط الخيار للمشتري فقط ، وإلا بأن كان للبائع أو لهما لم يكن فسخاً ح ل . قوله : ( وتزويج ) ولو للعبد ؛ برماوي . قوله : ( وصحّ ذلك منه ) ومعلوم أن الصحة تتأخر عن الفسخ فيقدر الفسخ قبيل العقد ز ي كما يقدر الملك قبيل العتق في قوله لغيره : أعتق عبدك عني بكذا فأجابه . قوله : ( لكن لا يجوز له ) استدراك على قوله صحّ . قوله : ( والإعتاق نافذ ) ذكر له أربعة أحكام : نافذ في اثنتين ، وغير نافذ في واحدة ، وموقوف في واحدة . قوله : ( أو أذن له البائع ) شامل لما إذا كان الخيار للبائع أو لهما وهو كذلك ، برماوي . فينفذ إعتاق المشتري في ثلاث صور ولا ينفذ في صورة . قوله : ( وغير نافذ ) أتى به تتميماً للأقسام ، وإلا فالمقسم أن الخيار له أو لهما . قوله : ( إن كان للبائع ) أي وحده وإن أذن له ح ل ومرحومي ، خلافاً للقليوبي . قوله : ( ووطؤه حلال ) أي من حيث الملك ، فلا ينافي الحرمة من جهة عدم الاستبراء ع ش . ولو اشترى زوجته بشرط الخيار له حلّ له الوطء ؛ لأن الملك له . وكذا إذا كان الخيار للبائع لبقاء الزوجية ، بخلاف ما إذا كان الخيار لهما فإنه يمتنع الوطء . وهذا التفصيل هو المعتمد ، خلافاً لما في شرح الروض من الحرمة فيما إذا كان الخيار للبائع أو لهما ، فقد ردّه ابن قاضي شهبة تبعاً للخادم زيادي . قوله : ( وإلا ) بأن كان الخيار للبائع أو لهما فحرام ، ولا حدّ للشبهة ؛ والولد حر نسيب ولا ينفذ استيلاده ح ل ، وعليه المهر ؛ برماوي . قوله : ( والبقية ) أي ما عدا الوطء والإعتاق من التصرّفات المتقدّمة ، وهي ثلاثة . فإن قلت : ما الفرق بين تصرّف البائع إذا كان الخيار لهما حيث لم يتوقف صحة ذلك منه على إذن المشتري دون العكس ؟ أجيب : بأن تصرف البائع أقوى لأن أصل الملك له .
فرع : لو تلف المبيع بآفة في زمن الخيار قبل القبض انفسخ ويردّ الثمن إلى المشتري ، وكذا لو أتلفه البائع أيضاً . وأما إذا تعيب بنفسه أو عيبه البائع أو أجنبي أو أتلفه أجنبي أيضاً فيثبت الخيار للمشتري ، فإن فسخ استردّ الثمن وإن أجاز استقرّ عليه الثمن ويرجع بالأرش في تعييب الأجنبي أو بالقيمة في إتلاف الأجنبي ، ولا أرش له في تعييب البائع أو تعيب المبيع(3/322)
"""""" صفحة رقم 323 """"""
بنفسه لرضاه ؛ لأنه كان متمكناً من الفسخ . وأما إذا كان ذلك بعد القبض فإن كان الخيار للبائع وتلف المبيع بآفة أو أتلفه البائع انفسخ ، وأما إن عيبه أجنبي أو أتلفه أجنبي فيثبت الخيار كما تقدم سواء بسواء ، وإذا عيبه البائع أو تعيب بنفسه فإن فسخ المشتري فظاهر وإن أجاز فلا أرش له كما تقدم . وأما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما وتلف المبيع بآفة أو أتلفه أجنبي فالخيار باقٍ ، فإن فسخ استردّ الثمن ويغرم القيمة للبائع في صورة التلف ويغرمها الأجنبي في صورة إتلافه للبائع وإن أجاز المشتري استقرّ عليه الثمن ، ولا شيء له في صورة التلف لأنه من ضمانه بعد القبض ، ويأخذ القيمة له من الأجنبي في صورة إتلاف الأجنبي ، اه ملخصاً من متن المنهج مع زيادة .
فرع : وقع السؤال عن شخص اشترى حبّاً وبذره فنبت بعضه وبعضه لم ينبت ، فادعى المشتري على البائع بأن عدم نبات البعض لعيب فيه منعه من الإنبات فأنكر البائع . وحاصل الجواب أن بذر الحب على الوجه المذكور يعد إتلافاً له ، فإن أثبت المشتري عيب المبيع استحق أرشه وإلا فالقول قول البائع في عدم العيب ، فإن حلف على نفي العلم به فذاك وإلا ردت اليمين على المشتري فيحلف أنّ به عيباً منع من الإنبات ويقضي له بالأرش . وعلى كل حال لا يستحق المشتري على البائع شيئاً مما صرفه في حراثة الأرض وأجرتها وغير ذلك مما يصرف بسبب الزرع ؛ لأنه لم يلجىء المشتري إلى ما فعله بل ذلك ناشىء من مجرد تصرف المشتري في ملكه ع ش على م ر .
قوله : ( تعلق الحكم ) أي الفسخ أو الإجازة . قوله : ( والتوكيل ) الواو بمعنى ( أو ) . قوله : ( لعدم البقاء عليه ) لاحتمالهما التردد في الفسخ والإجازة . قوله : ( ومن المشتري ) لأنه قد يقصد أن يعرف ما يدفع فيه ليعلم أربح أم خسر شرح م ر . قوله : ( مظنون ) أي مظنون حصوله وهو السلامة من العيب . قوله : ( مبتدئاً ) أي آتياً بالأول ، وأما اللذان بعده فلم يذكرهما الماتن . قوله : ( وإذا وجد بالمبيع ) المراد بوجوده به اتصافه به ولو فيما مضى وإن لم يوجد عند المشتري كالزنا ، فإن بعض العيوب لا يشترط وجودها عند المشتري بل يكفي العلم بوجودها(3/323)
"""""" صفحة رقم 324 """"""
عند البائع كالزنا والسرقة والإباق ، بخلاف البخر والصنان والبول فإنه لا بد من وجودها عند المشتري زيادة على وجودها عند البائع ؛ فلفظ وجد في المتن من الوجدان وهو العلم لا من الوجود اه ومثل المبيع الثمن المعين . قوله : ( نقصاً يفوت به غرض صحيح ) هل المراد غرض العاقدين أو غالب الناس في محل العقد ح ل ؟ والظاهر الأخير اه شوبري . وكان الأولى أن يؤخره عن قوله ( أو ينقص قيمتها ) ليكون قيداً فيهما اه م د . والمراد بالغرض الصحيح الذي يتسامح به كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( أو ينقص قيمتها ) بوزن ينصر على الأفصح ، قال تعالى : ) ثم لم ينقصوكم شيئاً } ) التوبة : 4 ) .
قوله : ( وفلقة ) بفاء مكسورة فلام ساكنة ثم قاف ، اه ق ل . قوله : ( من فخذ ) بخلافها من أذن شاة ؛ لأن ذلك يمنع الإجزاء في الأضحية فيكون عيباً كما سيأتي ح ل . قوله : ( لا يورث ) أي قطع الفلقة شيناً أي عيباً ، ولا يفوّت أي ذلك القطع غرضاً . قوله : ( فلا رد بهما ) أي بالعيب وبما خرج بالثاني . قوله : ( وبالثالث ما لا يغلب فيه ما ذكر ) بأن غلب الوجود كقلع سنّ قن بعد الستين ، أو استوى وجوده وعدمه كقلع سنه بعد الأربعين ابن حجر في شرح العباب ، شوبري . قوله : ( كقلع سن ) ومن ذلك ترك الصلاة وخصاء غير الآدمي الآن لغلبتهما ، سم . قوله : ( وثيوبة ) بأن غلب وجودها أو استوى هو وعدمها ، ويظهر ضبط الأول ببنت سبع والثاني بما قاربها بخلاف ما لم يقاربها فتكون الثيوبة فيه عيباً اه ابن حجر شوبري . وقوله ( ببنت سبع يغلب ثيوبتها ) فيه نظر ، والأولى إبدالها ببنت تسع . والثيوبة مثال لنقص القيمة بناء على أن البكارة وهي الجلدة لا تزول وإنما يتسع المحل ، وقيل : مثال لنقص القيمة والعين بناء على أنها تزول اه . قوله : ( في أوانها ) وهو بلوغها حداً تشتهي فيه غالباً . قوله : ( فلا رد به ) أي بما ذكر من العيبين . قوله : ( كخصاء حيوان ) أي وإن زادت به قيمته ، سم . ومحل كون الخصاء(3/324)
"""""" صفحة رقم 325 """"""
عيباً إذا كان يغلب في جنس المبيع عدمه كما هو الفرض ، أما لو كان الخصاء فيما يغلب وجوده فيه فلا يكون عيباً كثور ، ومثله الضأن للأكل والبراذين والبغال ؛ لأنه الغالب فيهم ، م ر و ز ي . قال البرماوي : والخصاء حرام إلا في مأكول صغير لطيب لحم في زمن معتدل ، وهو عيب في الآدمي مطلقاً اه . وعبارة خ ض : الخصاء بالمدّ سلّ الخصيتين سواء أقطع الوعاء والذكر معهما أم لا ، وهو مما يغلب في جنس المبيع عدمه . أما لو كان الخصاء في مأكول يغلب وجوده فيه أو نحو بغال أو براذين فلا يكون عيباً كما قاله الأذرعي والزركشي وصرّح به الروياني وهو ظاهر بدليل الضابط شرح م ر اه . وقضية تقييد الجواز بكونه في صغير مأكول أنّ ما كبر من فحول البهائم يحرم خصاؤه وإن تعذر الانتفاع به أو عسر ما دام فحلاً ، وينبغي خلافه حيث أمن هلاكه بأن غلبت السلامة فيه ، كما يجوز قطع الغدة من العبد مثلاً إزالة للشين حيث لم يكن في القطع خطر كما في ع ش على م ر اه .
قوله : ( الخصي ) فعيل بمعنى مفعول ، شرح الروض . وهو المخصيّ والخصيّ بفتح الخاء وكسر الصاد وتشديد الياء ، لغة : حيوان قطع خصيتاه ، والمراد هنا فقدهما خلقة أو بقطع أو سلّ لهما أو لجلدتهما أو لهما معاً أو مع الذكر المعروف بالممسوح ، اه ق ل على المحلي . قوله : ( وجماحه ) بالجرّ عطف على خصاء أي امتناعه على راكبه ق ل . وكونها تشرب لبنها أو لبن غيرها أو قليلة الأكل أو تنفر من شيء تراه ، ح ل . قوله : ( ورمحه ) أي رفسه وليس المراد به الجري ، زيادي . قال في المختار : رفسه ضربه برجله وبابه ضرب اه . قوله : ( وسرقته ) إلا من دار الحرب فإن المأخوذ منها غنيمة ، نعم هو صورة سرقة شرح م ر ، أي فيحتاج لاستثنائه نظراً للصورة وإن لم يدخل في السرقة حقيقة . قوله : ( وإن لم يتكرر ذلك ) أي المذكور من الزنا والسرقة والإباق . قوله : ( أو تاب عنه ) أي عما ذكر من الزنا وما بعده ، وكذا اللواط وإتيان البهيمة وتمكينه من نفسه والردة وجناية العمد ؛ فهذه الثمانية يردّ بها وإن لم تتكرر أو تاب منها وما عداها تنفع فيه التوبة ، أ ج وشوبري . ونظمها المحشي فقال :
ثمانية يعتادها العبد لو يتب
بواحدة منها يرد لبائع
زنا وإباق سرقة ولواطه
وتمكينه من نفسه للمضاجع
وردته إتيانه لبهيمة
جنايته عمدا فجانب لها وع
وقوله ( أو تاب عنه وإن حسن حاله ) لأنه قد يألفها ، ولأن تهمتها لا تزول كما قاله م ر ، بخلاف ما عدا هذه كشرب المسكر فإن التوبة منه تنفي كونه عيباً .
قوله : ( وبخره ) البخر بفتحتين نتن الفم وغيره كالأنف ، يقال : بخر كفرح فهو أبخر ، اه قاموس . قوله : ( إن خالف العادة ) بأن اعتاده في غير أوانه ، بأن بلغ سبع سنين فله الردّ به ولو(3/325)
"""""" صفحة رقم 326 """"""
لم يعلم به إلا بعد كبره وإن حصل بسبب الكبر نقص القيمة ؛ خلافاً لابن حجر حيث : قال لا ردّ ويرجع بالأرش ؛ لأن كبره كعيب حدث ح ل . وقوله ( إن خالف العادة ) أي وكان معتاداً له كما في م ر بأن يعلم المشتري أنه كان كذلك عند البائع ، تدبر . قوله : ( سواء أحدث العيب قبل قبض المبيع الخ ) الحاصل أن الصور أربع وعشرون ؛ لأن العيب تارة يوجد قبل القبض أو معه أو بعده أو استند لسبب متقدم ، وفي كل منها إما أن يعلمه أو لا . فهذه ثمان ، وفي كل إما أن يكون الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما . قوله : ( قبل قبض المبيع ) أي ووجد عند البائع بأن يعلم المشتري أنه كذلك . قوله : ( بعده ) أي العقد . قوله : ( وقبل القبض ) أو معه ، ز ي . ومن ذلك وقوع نجاسة فيما يتعذر تطهيره قبل استقراره في إناء المشتري ، بأن وقعت حالة التفريغ أو قبل ذلك ، كما أفاده شيخنا العزيزي . قوله : ( فكذا جزؤه ) كقطع يده . وقوله ( وصفته ) كأن حصل له جذام أو نحوه .
قوله : ( أو حدث بعد القبض ) ولم يبينوا حكم المقارن للقبض مع أن مفهوم قبل وبعد فيه متناف ، والذي يظهر أن له حكم ما قبل القبض لأن يد البائع عليه حسّاً فلا يرتفع ضمانه إلا بتحقق ارتفاعها وهو لا يحصل إلا بتمام قبض المشتري له سليماً : اه ابن حجر ز ي . قوله : ( واستند لسبب متقدم ) أي أو لم يستند لكن كان الخيار للبائع وحده ، فإنه حينئذ من ضمانه . وقوله : على القبض ، من العيوب نجاسة ثوب ينقص بغسله أو لغسله مؤنة وكون أرض البناء في باطنها رمل أو أحجار مخلوقة وقصدت لزرع أو غرس وإن أضرت بأحدهما فقط . والحموضة في البطيخ لا الرمان عيب وإن خرج من حلو ، ولا ردّ بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت ، أو يعتق على من وقع له العقد ، أو ولد زنا ، أو مغنياً ، أو زامراً ، أو عارفاً بالضرب بالعود ، أو قليل الأكل أو كثيره ، أو أصلع ، أو أغمَّ ، أو عنيناً ، أو فاسقاً بأن لا يكون سبب فسقه عيباً . وليس عدم الختان عيباً إلا في عبد كبير يخاف عليه منه ، بخلاف الأمة ولو كبيرة . وسواء كان العبد من قوم يختتنون أو لا على الأوجه ، خلافاً للأذرعي ؛ شرح م ر ملخصاً اه أ ج . ولو شرط كونها حاملاً فتبين أنها كانت عند العقد غير حامل لكن حملت قبل القبض فهل يسقط الخيار كما لو رد اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية بجامع حصول المقصود ؟ فيه نظر ، ولا يبعد السقوط ، إلا أن يفرق بأن الغرض مختلف بتقدم الحمل وتأخره ؛ ولو شرط كونها ثيباً فبانت بكراً فلا خيار لأنها أعلى مما شرط وإن كان المشتري لا يقدر على إزالة البكارة على المعتمد ، ولا يرد على التعليل ما لو شرط كون المبيع كافراً فبان مسلماً فإنه يخير مع أنه أعلى مما شرط لأن الكافر يرغب فيه الفريقان المسلمون والكفار اه عناني .(3/326)
"""""" صفحة رقم 327 """"""
قوله : ( فإن كان المشتري عالماً به فلا خيار ) لأنه لما رضي به كأنه رضي بما يترتب عليه . قوله : ( مثلاً ) أي أو قصاص أو ترك صلاة أو حرابة ، وإلى هذا أشار بقوله ( مثلاً ) اه أجهوري . قوله : ( بخلاف ما لو مات بمرض ) أي أو جرح سار أو طلق حمل سابق على القبض ، ز ي . قوله : ( لأن المرض يزداد شيئاً فشيئاً إلى الموت ) وكذا يقال في الجرح يزداد شيئاً فشيئاً والحمل ينمو شيئاً فشيئاً . ولو زاد المرض ولم يمت رجع بالأرش والموت ليس قيداً ، ز ي . ويؤخذ من قوله وكذا يقال في الجرح يزداد شيئاً فشيئاً جواب حادثة وقع لي السؤال عنها : وهي أن شخصاً استعار من شخص فرساً ليركبها إلى محل ، فركبها وتوجه ، فأخذها منه القوم ، ثم بعد مدة أخذها من القوم وقد جرحت برصاصة فردها على مالكها وهي مجروحة فمكثت عنده مدة ثم ماتت ، وهو ، أعني الجواب ضمان المستعير أرش ما نقص من قيمة الفرس صحيحة ومجروحة أي يضمن ما بين قيمتها صحيحة ومجروحة لا أنه يضمن قيمتها كلها لموتها بسبب الجرح ؛ فافهم ذلك .
قوله : ( وهو ما بين الخ ) أي قدر نسبة ما بين قيمة المبيع صحيحاً ومريضاً إلى الثمن ، لا أنه يستقر عليه نفس ما بين القيمتين ؛ لأنه قد يكون قدر الثمن أو أكثر مثلاً إذا كانت قيمة المبيع صحيحاً تسعين ومريضاً ثلاثين وكان الثمن ستين ، فالتفاوت بين القيمتين ستون . فلو كان المشتري يأخذ ما بين القيمتين وهو ستون لجمع إذ ذاك بين العوض والمعوّض وهو المبيع ، فينبغي أن يأخذ من الثمن قدر نسبة التفاوت بين القيمتين وهو ثلثا القيمة ، فيأخذ ثلثي الثمن وهو أربعون ؛ قرره شيخنا العشماوي . ويعتبر ما بين أقل قيمته صحيحاً ومعيباً من وقت العقد إلى وقت الرد كما قاله ق ل ، فقوله ( إلى وقت الرد ) فيه نظر ؛ لأن الفرض أنه مات عند المشتري ولم يرده للبائع ؛ تأمل . قوله : ( في تلك ) أي مسئلة الردة . فإن قلت : المرتد لا يجب فيه شيء بل يجوز إغراء الكلاب على جيفته فكيف يجب تجهيزه ؟ قلنا : إذا تأذى الناس برائحته واحتيج إلى مواراته فالمؤنة على بائعه لتبين أن البيع انفسخ قبل قتله ومات على ملك بائعه اه م د .
قوله : ( فهو كما لو باع الخ ) هذا المثال لا يناسب الأمر الثاني ، فكان ينبغي أن يمثله بما(3/327)
"""""" صفحة رقم 328 """"""
إذا شرط كون الرقيق المبيع كاتباً أو خياطاً أو مسلماً أو كون الدابة حاملاً ؛ فبان خلافه كما في شرح الروض وغيره . قوله : ( بشرط براءته ) أي بأن قال : بعتك بشرط أني بريء من العيوب التي بالمبيع ، ومثله ما لو قال : إن به جميع العيوب ، أو لا يردّ عليّ بعيب ، أو عظم في قفة ، أو أعلمك أن به جميع العيوب ؛ فيصح العقد مطلقاً لأنه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب اه خضر على التحرير . فالضمير في قوله ( براءته ) للبائع ، وأما شرط براءة المبيع بأن قال : بشرط أنه سليم أو لا عيب فيه ، فالظاهر أنه لا يبرأ عن العيب المذكور كما قاله ح ل وإن كان البيع صحيحاً . ولو اختلفا في شرط البراءة بأن ادعاه البائع وأنكره المشتري تحالفا ؛ لأن هذا اختلاف في صفة العقد كما ذكره الشوبري . قوله : ( فيبرأ عن عيب ) ضمن ( برىء ) معنى ( بعد ) فعداه بعن وإلا فهو يتعدى بمن أو أنّ ( عن ) بمعنى ( من ) . قوله : ( مطلقاً ) أي علمه أو جهله أ ج . وسواء كان ظاهراً أم باطناً . قوله : ( لم يصح الشرط ) وأما البيع فصحيح . وما أحسن قول بعضهم :
شرطت عليهم قبل تسليم مهجتي
وقبل انقضاء البيع شرطاً يواصل
فلما طلبت الوصل بالشرط أعرضوا
وقالوا يصح البيع والشرط باطل
وكتب ع ش على قول المنهج ( لم يصح الشرط ) : أي شرط البراءة من الحادث ، أما الموجود فلا يبعد صحة الشرط بالنسبة له اه . ويؤيده قوله : لأنه إسقاط الخ .
قوله : ( ولو تلف ) حسياً كان التلف أو شرعياً ، كأن أعتقه أو وقفه أو استولد الأمة ؛ شرح المنهج . قوله : ( غير الربوي ) بأن لا يكون ربوياً أصلاً أو ربوياً بيع بغير جنسه . قوله : ( بفوات المبيع ) ويسمى المأخوذ أرشاً لتعلقه بالأرش وهو الخصومة ، شرح المنهج . قوله : ( مقابلاً بأكثر منه ) بل يفسخ ويغرم البدل ويسترد الثمن . هذا كله إن ورد على العين ، أما ما ورد على الذمة ثم عين غرم بدله واستبدل وإن كان تفرقاً في الأصح ، ز ي مرحومي .(3/328)
"""""" صفحة رقم 329 """"""
قوله : ( على الفور ) هذه بقلم الحمرة في صحاح النسخ ، فهي متن في النسخة التي شرح عليها الشارح .
فرع : مؤنة ردّ المبيع بعد الفسخ بعيب أو غيره إلى محلّ قبضه على المشتري ، وكذا كل يد ضامنة يجب عليها مؤنة الرد بخلاف يد الأمانة اه ابن حجر . ولو بعد المأخوذ منه هنا عن محل الأخذ وانتهى المشتري إلى محل القبض فلم يجد البائع فيه واحتاج في الذهاب إليه إلى مؤنة ، فهل يصرف ما يحتاج إليه ثم يرجع به على البائع أو يسلم المبيع للحاكم إن وجده ؟ ولا بعد أنه يرفع الأمر للحاكم إن وجده فيستأذنه في الصرف وإلا نوى الرجوع وأشهد على ذلك ، وإذا فسخ المشتري البيع كان المبيع في يده مضموناً عليه لأنه أخذه على حكم الضمان اه ع ش على م ر .
قوله : ( بلا عذر ) أما مع العذر فلا يبطل ، كالجهل بأن له الردّ أو بكونه على الفور ، وكان معذوراً في ذلك بأن كان قريب عهد بالإسلام بالنسبة إلى الأول أو عامياً جاهلاً بالنسبة للثاني وكالأعذار التي قالها الشارح ؛ فإذا استعمل في مدة العذر سقط حقه من الردّ على ما قاله ابن حجر ولا يسقط على كلام غيره ، والأوّل هو المعتمد . وهل من العذر نسيان الحكم أو العيب ؟ حلبي . وقال ع ش : ليس من العذر نسيان الحكم اه . والظاهر أن نسيان العيب كذلك لأنه ينشأ عن تقصير اه . قوله : ( عادة ) أي ليس المراد الفور حقيقة بل عرفاً . قوله : ( نحو صلاة ) في الإيعاب شمل كلامهم النافلة مؤقتة وذات السبب لا مطلقة ، بل إن كان شرع فيها فيتم ما نواه وإلا اقتصر على ركعتين ، شوبري . وتعتبر عادته في الصلاة تطويلاً وغيره ، سم . قوله : ( وأكل ) أي ولو تفكهاً ، اه م ر سلطان . قوله : ( دخل وقتهما ) أي بحضور الطعام وتوقان نفسه إليه كما قرّره شيخنا العشماوي . قوله : ( كقضاء حاجة ) من بول أو غائط والجماع ودخول الحمام ، اه عبد البر . قوله : ( وتكميل لذلك ) أي للصلاة والأكل . فهذا نحو الصلاة والأكل اللذين دخل وقتهما ؛ لأن الأوّل محمول على ما إذا دخل وقت الصلاة ولم يكن فيها حينئذ ، أو دخل وقت الأكل كذلك . قوله : ( أو لليل ) عطف على لذلك أي أو تكميل لليل إلى الفجر ، والأحسن إلى ضوء النهار كما صرّح به الهروي ح ل .
قوله : ( ولو بوكيله ) محله ما لم يحصل بالتوكيل تأخير مضرّ . قوله : ( أو موكله ) أي بأن كان البائع وكيلاً عن غيره في البيع . وقوله ( أو وكيله ) بأن باع ماله بنفسه ووكل في قبول الردّ ، شوبري . وقال العزيزي : قوله ( أو وكيله ) أي الذي وكله في قبول السلع المردودة بالعيب ، وإنما احتيج إلى تفسير الوكيل بما ذكر لئلا يتكرّر مع قوله على البائع فإنه يشمل صاحب السلعة(3/329)
"""""" صفحة رقم 330 """"""
ووكيله . قوله : ( أو وارثه ) أي أو وليه بأن سفه وبذر البائع . وهذه تأتي في الراد ما عدا الحاكم ، وما ذكره في البائع يجري في المشتري ، فينتظم من ذلك ثلاثون صورة من ضرب خمسة في ستة ؛ والظاهر أن الرد يكون من الحاكم أيضاً فتكون الصور ستاً وثلاثين ، وإن نظر للسيد في كل من البائع والمشتري كانت الصور تسعة وأربعين من ضرب سبعة في مثلها . وحاصل الصور في هذه المسئلة ست وخمسون ؛ وذلك لأن الراد إما المشتري أو وكيله أو موكله أو وليه أو موليه إذا بلغ رشيداً أو سيده أو وارثه ، والمردود عليه إما البائع أو وكيله أو موكله أو وليه أو موليه أو سيده أو وارثه أو الحاكم ، فهي ثمانية من جانب المردود عليه فتضرب فيها سبعة الراد تبلغ ما ذكر شيخنا العشماوي . قوله : ( أو يرفع الأمر للحاكم ) أي أو يفسخ مع تحري الإشهاد على الفسخ ، ولا يجب الفور حينئذ في الرد فهو عند الإطلاع على العيب مخير بين الرد والرفع للحاكم والفسخ مع الإشهاد فوراً كما يؤخذ من شرح م ر . وقوله ( أو يرفع الأمر ) أي شأن الفسخ . قوله : ( وهو ) أي الرفع للحاكم آكد من ردّه لمن يرد عليه . قوله : ( ممن يرد عليه ) بيان للحاضر الصادق بالبائع ووكيله وموكله ووليه ومورثه .
قوله : ( وواجب ) معنى كونه واجباً أنه إذا تراخى عن الرفع للحاكم سقط حقه من الرد لا أنه يأثم بتركه كما قرّره شيخنا العشماوي . وقد صوّر في شرح المنهج الرفع وفصل الأمر بقوله بأن يدعي رافع الأمر شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه ثم ظهر العيب وأنه فسخ البيع ويقيم البينة بذلك ويحلفه أن الأمر جرى كذلك ويحكم بالرد على الغائب ويبقى الثمن ديناً عليه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ويقضي الدين من مال الغائب ، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه اه . قوله : ( وعلى المشتري إشهاد ) أي ولو لعدل م ر . والحاصل أن الواجب الإنهاء إلى أحدهما ، أي المردود عليه أو الحاكم ، فإن أمكنه الإشهاد لزمه ، فإذا أشهد على الفسخ سقط وجوب الإنهاء ؛ شرح الروض . فإذا أشهد في طريقه إلى الحاكم سقط عنه الإنهاء إليه إلا لفصل الخصومة . وإذا شرع في التوكيل فوجد شاهداً لزمه الإشهاد على الفسخ ؛ لأن توكيله في الرد لا يزيد على الرد بنفسه وهو يلزمه إذا وجد شاهداً أن يشهده على الفسخ ، وإذا أشهد في هذه الحالة استغنى الوكيل عن المبادرة . أما إذا لم يلق الشهود إلا بعد التوكيل فلا يلزمه الإشهاد اكتفاءً بقيام الوكيل مقامه ، كما يؤخذ من تقييده بقوله ( حال توكيله ) . وعلم من كلام الشارح أنه متى قدر على الرد بنفسه أو بوكيله وصادف عدلاً في طريقه أو عند توكيله في الرد أشهد على الفسخ ، ومتى عجز عن الذهاب للمردود عليه أو الحاكم وجب عليه أن يتحرّى عدلاً يشهده على الفسخ كما أفاده م ر وحجر . ففي العجز يجب التحري بخلاف ما عداه . وفرق م ر وحج بين ما هنا وما يأتي في الشفعة بحيث لا يجب على الشفيع إذا ذهب(3/330)
"""""" صفحة رقم 331 """"""
لطلب الشفعة أن يشهد في طريقه من صادفه من العدل ، وإذا وكل في طلبها لا يجب عليه أن يشهد على التوكيل ؛ بأن الغرض هنا أن لا يكون المشتري مستمراً على الملك ، فترك الإشهاد مع إمكانه يشعر بالبقاء ، فاحتاج إلى الإشهاد على الفسخ أو على التوكيل فيه ، والشفيع إنما يقصد بالإشهاد إظهار الطلب وذهابه لأجله كاف في ذلك اه .
قوله : ( أو حال توكيله ) أي إذا كان الوكيل غير أهل للشهادة ، وإلا فيكفي . قوله : ( أو عذره ) أي وعليه الإشهاد في حال عذره ، والمراد تحرّي ذلك . فالإشهاد في كلامه أراد به الأعم من الإتيان به وتحرّيه ح ل . فالتحرّي في العذر فقط وعدم التحرّي في غيره ، فإذا سار في طريقه ليرد المبيع ورأى شهوداً أشهدهم على الفسخ ، وإن لم يجدهم في طريقه لا يجب عليه تحرّيهم والتفتيش عليهم للإشهاد كما في م ر وقرّره شيخنا ، وكذا في حال توكيله . والحاصل أنه متى كان معذوراً بالغيبة أو الخوف أو المرض فإنه يجب عليه تحرّي الإشهاد ولو حالة توكيله ، وأما إذا لم يكن معذوراً فإنه لا يلزمه تحرّي الإشهاد بل يذهب ليرد ، فإن وجد في طريقه من يشهده أشهد وإلا فلا . قوله : ( لم يلزمه الخ ) إذ يبعد لزوم الفسخ من غير سامع فيؤخره إلى أن يأتي به عند المردود إليه أو الحاكم ، شرح المنهج . قوله : ( وقوده ) أي سحبه بنحو اللجام والمقود .
قوله : ( فلو استخدم ) أي طلب منه أن يخدمه كقوله : ناولني كذا وإن لم يمتثل ، ومثل استخدامه خدمته كأن أعطاه كوزاً من غير طلب فأخذه ثم رده له ، بخلاف ما إذا لم يرده له ؛ لأن مجرد أخذ السيد له لا يعدّ استعمالاً ، لأن وضعه في يد السيد كوضعه في الأرض ، شرح م ر مع تغيير . والمراد بقوله ( فلو استخدم ) أي بعد الإطلاع على العيب وقبل الفسخ ، فلو استخدمه بعد الفسخ فلا يمتنع الرد وإن كان يحرم عليه من حيث التصرف في ملك الغير كما أفاده شيخنا العشماوي . قوله : ( أو ترك على دابة سرجاً ) أي ولو ملكاً للبائع ، أو اشتراه معها ؛ شرح م ر ، خلافاً للقليوبي ، بخلاف اللجام لتوقف حفظها عليه . ومحل ذلك ما لم يكن نزع السرج أو الإكاف يضرّها ، كأن عرقت وخشي من النزع تعيبها ، وكذا لو تركه لمشقة حمله أو لكونه لا يليق به وكذا لو كان يعذر في مثله لجهله ، شرح م ر ملخصاً . قوله : ( أو إكافاً ) بكسر الهمزة أشهر من ضمها : ما تحت البرذعة ، وقيل : نفسها م ر . قوله : ( ولو حدث عند المشتري عيب ) أي لم يتقدّم سببه ح ل .
قاعدة : كل عيب يوجب الرد على البائع يمنع الرد إذا حدث عند المشتري ثم علم به عيباً قديماً فلا رد وإن زادت قيمته ، اه مناوي .(3/331)
"""""" صفحة رقم 332 """"""
قوله : ( سقط الرد ) أي بالعيب القديم ، فلا ينافي أنه لو كان الخيار له وحده أو مع البائع كان له الرد من حيث التروي أي التشهي ، فلو رده عليه مع جهل البائع بالحادث ثم علم به كان له فسخ هذا الفسخ ح ل . وهذا تقييد لقول المتن ( فلو رده ) أي ما لم يحدث عيب جديد . قوله : ( رده المشتري ) أي تخير بين الأمرين المذكورين . قوله : ( أو قنع ) أي المشتري له . قوله : ( وإن لم يرض ) مقابل لقوله : إن رضي الخ . قوله : ( في غير الربوي ) أي الذي بيع بجنسه لا مطلقاً . قوله : ( مع أرش للحادث ) يرجع للفسخ . وقوله ( أو القديم ) يرجع للإجازة ، بأن يغرم المشتري للبائع أرش الحادث ويفسخ أو يغرم البائع للمشتري أرش القديم ولا يفسخ . قوله : ( وإلا ) بأن طلب أحدهما الفسخ مع أرش الحادث والآخر الإجازة مع أرش القديم . قوله : ( أما الربوي ) أي الذي بيع بجنسه . قوله : ( فيتعين ) وإلا كان ربا . قوله : ( مع أرش الحادث ) أي للبائع ، ويمتنع إمساكه مع أرش القديم لأنه يؤدي إلى الربا ، بخلاف رده مع أرش الحادث إذ لا مفاضلة بين العوضين في البيع لتماثلهما فيه ؛ وإنما العيب الحادث مضمون عليه كعيب المأخوذ على جهة السوم فعليه غرمه . قوله : ( ليختار ما تقدم ) أي من الفسخ وأخذ الأرش للحادث أو الإجازة ودفع أرش القديم . قوله : ( فلا رد ) انظر ما المراد بقوله ( فلا رد ) لأنه إن كان المراد به فلا رد قهراً فلا يصح لأنه لا رد قهراً وإن بادر ، وإن كان المراد لا رد وإن تراضيا عليه فكذلك أيضاً لأنهما لو تراضيا على الرد من غير سبب جاز ، فهذا أولى . ويجاب بأن النفي لمجموع الرد والأرش ، فلا ينافي أنهما لو تراضيا على الرد فلا أرش له .
قوله : ( ولو حدث عيب ) تقييد لقوله ( سقط الرد القهري ) أي إلا إذا كان القديم لا يعرف إلا بالجديد فيرد للعذر . قوله : ( لا يعرف القديم بدونه ) فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه كتقوير بطيخ حامض يمكن معرفة حموضته بغرز شيء فيه وكتقوير كبير يستغنى عنه بصغير يسقط الرد القهري ، شرح المنهج . ومثل تقوير البطيخ المذكور تقوير الرمان . ولو اشترى نحو بيض أو بطيخ كثير فكسر واحدة فوجدها معيبة لم يتجاوزها لثبوت مقتضى الرد بذلك ، لما يأتي من امتناع رد البعض فقط ؛ فإن كسر الثانية فلا رد له مطلقاً فيما يظهر ، أي سواء وجدها معيبة أو سليمة لوقوفه على العيب المقتضي للرد بالأول فكان الثاني عيباً حادثاً ، شرح م ر .(3/332)
"""""" صفحة رقم 333 """"""
فرع : شخص اشترى بقرة مثلاً وذبحها فرأى لحمها منتناً ، فينظر إن كان يظهر هذا العيب بغير الذبح وذبحها ردها وغرم أرش النقص ، وأما إذا لم يعلم ذلك إلا بالذبح ردها ولا أرش عليه ، اه زيادي .
قوله : ( بيض نعام ) خرج بيض غير النعام ، فلا رد لتبين بطلان البيع لوروده على غير متقوّم فيرجع المشتري بجميع الثمن وكذا إذا كان البطيخ مدوّداً كله كما في شرح المنهج . وقوله ( ككسر بيض نعام ) أي ثقبه ، والمراد بكونه يعرف أي في العرف لا عند المشتري اه ق ل . قوله : ( بطيخ ) بكسر الباء أشهر من فتحها ، وبعض أهل الحجاز يجعل الطاء مكان الباء . قال ابن السكيت في باب ما هو مكسور : وتقول هو البطيخ والطبيخ والعامة تفتح الأول ، وهو غلط لفقد فعيل بالفتح اه مناوي على الشمائل . قوله : ( مدود ) بكسر الواو وبعضه فاعل . وخرج بيض غير النعام ، فلا رد لتبين بطلان البيع لوروده على غير متقوّم ، بخلاف بيض النعام فإن قشره متقوّم . وخرج المدوّد كله ، فكذلك لا رد اه مدابغي . قوله : ( فهو التصرية ) فيه مسامحة ، إذ ما يظن حصوله بالتغرير الفعلي هو كثرة اللبن لا التصرية ، إذ التصرية هي التغرير الفعلي ، وحينئذ فقوله ( فهو التصرية ) أي فهو مسبب التصرية . قوله : ( عمداً ) ليس بقيد لأن العلة في ثبوت الخيار حصول الضرر ، مرحومي . قوله : ( ليتوهم ) في نسخة : ليوهم . قوله : ( فيثبت للمشتري الخيار ) فإن قلت : اللبن يقابله قسط من الثمن وتلف بعض المعقود عليه يمنع رد الباقي وقياسه منع رد المصراة . قلت : صد عن ذلك ورود الأخبار بالرد فوجب اتباعها ، قاله الرافعي . قوله : ( فإن كانت مأكولة ) ولو نحو أرنب أو بنت عرس وينتفع بلبنها بإضافته إلى الأكحال والششم . قوله : ( رد معها ) أي وإن لم يكن ثبوت الخيار بالتصرية بل بعيب آخر . قوله : ( المحلوب ) مثل حلبه ما لو شربه الولد أو غيره أو نزل على الأرض ، ح ل وسم . قوله : ( وإن قل اللبن ) بشرط أن يكون متمولاً وإن اشتراها بصاع م ر . قوله : ( هذا ) أي رد صاع من تمر عوضاً عن اللبن . قوله : ( على رد غير الصاع ) الأولى أن يقول على غير رد الصاع ليشمل ما لو اتفقا على عدم رد شيء أصلاً بأن سامحه البائع فإنه جائز ؛ ح ل ملخصاً . قوله : ( سواء ) تعميم في رد الصاع . قوله : ( أو اتفقا على الرد ) أي رد اللبن ح ل . وهذا محترز قوله ( هذا إذا(3/333)
"""""" صفحة رقم 334 """"""
لم يتفقا على رد غير الصاع ) فقوله ( أو اتفقا على الرد ) أي رد غير الصاع ، ويتعدد الصاع بتعدد البائع وبتعدد المشتري وبتفصيل الثمن ؛ قاله ابن الملقن أ ج على التحرير ، وقال ق ل : لا بتفصيل الثمن . قوله : ( من تمر البلد ) هل المراد بلد البيع أو الإطلاع على العيب أو الفسخ ؟ والمتبادر من عبارة الشارح كشرح المنهج أن المراد بلد البيع . قوله : ( فإن فقد ) بأن تعذر عليه تحصيله بثمن مثله في بلده ودون مسافة القصر إليها ح ل . قوله : ( فقيمته بالمدينة ) معتمد ، أي قيمته وقت الرد . قوله : ( وقيل بأقرب ) أي وقيل قيمته بأقرب بلد فيه تمر إلى بلد البيع . والحاصل أن قوله ( والعبرة في التمر الخ ) فيه قولان : قيل تمر بلد البيع ، فإن فقد فقيمته بأقرب البلاد إليه وقيل : بتمر المدينة الشريفة فإن فقد فقيمته بها وقت الرد ؛ والشارح لم يوافق هذا ولا هذا . وعبارة م د على التحرير : ولو فقد التمر في بلد تلف فيه اللبن وحواليه إلى مسافة القصر بأن تعذر عليه تحصيله بثمن مثله في بلده ودون مسافة القصر بأن لم يوجد بثمن مثله اعتبرت قيمته يوم الرد بالمدينة المشرفة على المعتمد . فإن قيل : لم تعين التمر هنا ولم يجز العدول عنه إلى غيره عند وجوده بغير رضا البائع وإن كان أعلى منه في القيمة والاقتيات بخلاف الفطرة ؟ أجيب بأن المقصود هنا قطع النزاع مع ضرب تعبد ، والمقصود في الفطرة سدّ الخلة .
قوله : ( والجارية والأتان ) بالنصب ، عطف على كل .
قوله : ( فروع ) أي ثلاثة : الأول غرضه به تقييد ما تقدم من رد المعيب بالعيب ، فكأنه قال : فله رده أي كله لا بعضه . والفرع الثاني تقييده أيضاً ، أي فله رده أي إن ثبت العيب بالبينة أو باتفاقهما ، فإن اختلفا الخ صدق البائع ولا رد . والفرع الثالث قصده به التعميم ، أي فله رده ولو مع زيادته المتصلة . قوله : ( لا يرد قهراً ) أما بالرضا فيجوز على المعتمد إذ للبائع الإعراض عن المبيع بالكلية ودفع الثمن ، اه أ ج . قوله : ( بعيب ) أي ولا غيره كخيار مجلس أو شرط ، بل إما أن يرضى بالكل أو يرد الكل وإذا رضي بالعيب فليس له أرش له لتمكنه من الفسخ . قوله : ( صفقة ) أي في عقد واحد . قوله : ( يمكن حدوثه ) أي وقدمه بخلاف ما إذا لم يمكن إلا حدوثه ، فإن المصدق البائع ، وبخلاف ما إذا لم يمكن إلا قدمه فإن المصدق المشتري . وعبارة(3/334)
"""""" صفحة رقم 335 """"""
شرح المنهج : فإن لم يمكن حدوثه عند المشتري كشين الشجة المندملة والبيع أمس صدق المشتري بلا يمين ، ولو لم يمكن قدمه كجرح طري والبيع والقبض من سنة صدق البائع بلا يمين . قوله : ( صدق البائع بيمينه ) وكذا لو ادعى المشتري حدوثه قبل القبض ، أي بعد العقد ليرده ، وادعى البائع قدمه حتى لا يرد به فالقول قول البائع أيضاً . وصورة ذلك فيما إذا باع بشرط البراءة من العيوب ، فإن الشرط إنما ينصرف لما كان موجوداً عند العقد لا لما حدث بعده ، فالمشتري يدعي حدوثه ليرد به والبائع قدمه حتى لا يرد به لشمول الشرط له ، اه ز ي ومرحومي . قوله : ( لموافقته الأصل ) وإنما حلف لاحتمال صدق المشتري . قوله : ( ويحلف كجوابه ) أي يكون حلفه مطابقاً لجوابه ، فإن قال في جوابه : ليس له الرد عليّ بالعيب الذي ذكره أو لا يلزمني قبوله أو ما أقبضته وبه هذا العيب أو ما أقبضته إلا سليماً من العيب ، حلف على ذلك ليطابق الحلف الجواب ؛ شرح المنهج . وإنما جاز له الحلف على البت اعتماداً على ظاهر السلامة إن لم يعلم أو يظن خلافه . قوله : ( كسمن ) أي وتعلم صنعة أي ولو بمعلم كما اقتضاه إطلاقهم هنا ، سلطان . قوله : ( كحمل ) هو تنظير لا مثال بدليل عود الكاف وعدم عطفه على ما مثل به ، وأيضاً الفرض أنه قارن فلم يكن زيادة . قال في شرح البهجة بعد تقرير ما ذكر : ويمكن جعله مثالاً بحذف المضاف والعاطف ، أي وكزيادة الحمل بمعنى نموّه وكبره ؛ شوبري . قال والد شيخنا : الراجح أن الصوف واللبن كالحمل ومثلهما البيض ، اه ح ل . قوله : ( قارن بيعاً ) فإن وجد بعده فهو للمشتري يأخذه إذا انفصل . قوله : ( يتبع أمه في الرد ) وإن انفصل ، أي وإن كان له الرد بأن لم تنقص أمه بالولادة . أما إذا نقصت بذلك فإنه يسقط الرد القهري لحدوث العيب بها عند المشتري . وخرج بالمقارن الحادث في ملك المشتري ، فلا يتبع في الرد بل هو له يأخذه إذا انفصل ؛ شرح المنهج . وهذا في حمل البهيمة ، أما حمل الأمة إذا حدث فهو عيب يمنع الرد القهري ، اه سلطان . قال في عيون المسائل : وإذا اشترى أمة فبانت حاملاً ملك الرد ولو كانت بهيمة لم يملك الرد ، والفرق أن الحمل في الأمة عيب لأنه يخاف معه التلف بالطلق بخلاف البهيمة لأنه يؤمن عليها التلف في الغالب اه . قوله : ( لا تمنع الرد بالعيب ) أي القديم ، أي الذي حدث قبل العقد أو بين العقد والقبض أو عند القبض ، فأل للعهد كما قاله شيخنا العزيزي . قوله : ( من مشتر ) أي إن حصلت من المبيع أو بائع إن حصلت من الثمن ، قال النووي في الروضة : إذا اشترى أغناماً ولم يتسلمها ومكثت عند البائع مدة طويلة ثم نتجت نتاجاً كثيراً وماتت الأصول قبل تسلمها للمشتري فينفسخ البيع ويسقط الثمن(3/335)
"""""" صفحة رقم 336 """"""
عن المشتري ويأخذ جميع النتاج لأنه حدث على ملكه ، فتفطن لها : فإنها مسئلة نفيسة عزيزة الوجود يعجز عنها كثير من الفقهاء ولم أر لها مدركاً ؛ كذا بخط الزيادي بهامش نسخته . قوله : ( وإن رد ) أي أحدهما . قوله : ( وحبس ماء القناة ) هذا خارج عن الفروع . قوله : ( المرسل ماء الخ ) جعله نعتاً سببياً للقناة والرحى ، ولو جعله نعتاً للماءين لكان نعتاً حقيقياً . قوله : ( لا لطخ ثوب الرقيق الخ ) وكذا توريم ضرع الدابة وكذا إشباعها بالعلف ليتوهم المشتري كثرة اللبن أو السمن ، فلا رد به . قوله : ( فلا رد له ) لتقصير المشتري بعدم امتحانه والسؤال عنه .
قوله : ( مطلقاً ) اقتضى كلامه جواز بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط الإبقاء ؛ وليس كذلك ، ولو فسر الإطلاق بجواز الأحوال الثلاثة أعني السكوت وشرط القطع وشرط الإبقاء لكان مستقيماً اه ق ل . وكذا لو قال عقب قول المصنف ( مطلقاً ) أي عن شرط القطع كما قال سم ، لسلم مما ذكر ، تأمل . وقوله ( مطلقاً ) صفة لمصدر محذوف أي بيعاً مطلقاً . قوله : ( فيجوز ) في نسخ ويجوز بالواو بشرط الخ ، وهي الصواب إذ التفريغ يوهم عدم الجواز في حالة الإطلاق م د . ونسخة الواو ظاهرة ؛ لأنه عطف على ما فهم من جواز بيعها بعد بدوّ الصلاح من غير شرط القطع ، وأما الفاء فإنها توهم أنه بيان لمعنى المتن وليس كذلك . والحاصل أن الذي في المتن بيعها بعد بدوّ الصلاح من غير شرط قطع ، وأما مفهومه فإنه يجوز قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع . قوله : ( سواء الخ ) تعميم في المفهوم والمنطوق . قوله : ( لأنه الخ ) دليل لمنطوق المتن ومفهومه ، لكن منطوق الحديث دليل لمفهوم المتن ومفهوم الحديث دليل لمنطوق المتن . قال ق ل : وظاهر الحديث منع بيعها ولو شرط القطع اه . وأجيب بأن الإجماع خصصه بما إذا لم يشرط القطع . قوله : ( الأحوال الثلاثة ) أي الإطلاق ، وشرط القطع ، وشرط التبقية . قوله : ( والمعنى الفارق بينهما ) أي بين قبل بدوّ الصلاح وبعد بدوه . وقوله : أمن العاهة بعده وقبله يسرع إليه الفساد لضعفه فيفوت بتلفه الثمن ، وبه يشعر قوله : ( أرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ الله الثَمَرَةَ فبم يَسْتَحِلُّ أحَدُكُمْ مَالَ أخِيه ؟ ) شرح المنهج . قوله : ( وقبل الصلاح ) مستأنف ، وهو مفهوم المتن . قوله : ( للخبر المذكور ) عبارة شرح المنهج بعد قول(3/336)
"""""" صفحة رقم 337 """"""
المتن وإن كان أصله لمشتر فيجب شرط القطع لعموم الخبر اه ، فإنه شامل لما إذا باعه لمالك أصله والإجماع خصصه بما إذا شرط القطع ، فإن شرط القطع صح ولو اختلفا هل شرط القطع أم لا صدق مدعي الصحة بيمينه اه سلطان . قوله : ( في الحال ) هو من تمام الصيغة ، فلا يكفي شرطه بعد يوم مثلاً . قوله : ( وأن يكون المقطوع منتفعاً به ) هذا الشرط علم مما تقدم وإنما ذكره هنا لأنه فيما تقدم يشترط أن يكون منتفعاً به ولو مآلاً ، وهنا لا بد من كون المنفعة حالاً أ ج . قوله : ( مع الشجرة ) أي بثمن واحد صفقة واحدة ، أما لو فصل الثمن بأن بيعت الشجرة بعشرة والثمرة بخمسة مثلاً فلا بد من شرط القطع لعدم التبعية حينئذ ؛ ولكن لا يجب الوفاء بالشرط لاجتماعهما في ملك شخص واحد اه م د . قوله : ( ولا يجوز بشرط قطعها ) أي ولا بشرط إبقائها للتحجير المذكور . قوله : ( ولا يصح بيع البطيخ الخ ) يمكن شمول المتن لما ذكر بجعل الثمرة شاملة له . قوله : ( من مالك الأصول ) أي له وهي اللبان التي هي فيه ، لا الأرض كما يؤخذ من أ ج . قوله : ( لما مر ) أي الحديث . قوله : ( فكبيع الثمرة ) أي إن بيعت مطلقاً صح ، أو بشرط قطع أو تبقية فلا . ولو باع برسيماً بشرط قطعه ومن شأنه أن يخلف فقطعه فأخلف فالذي أخلفه للبائع ولا يقوم رعي البهائم مقام شرط القطع فلا بد منه . وطريق من أراد رعي البهائم أن يشتري ذلك بشرط القلع ثم يستأجر الأرض لدخول نحو البهائم فيها ؛ لأنه إذا اشتراه بشرط القلع كان المخلف له أما إذا كان بشرط القطع فلا يتأتى استئجار الأرض لأن الحادث للبائع فتأمل .
فرع : سئل م ر بالدرس : عمن اشترى إناء فيه زرع يجزّ مراراً ؟ فأجاب بأنه يدخل الإناء وما فيه دون الجزة الظاهرة ولا بد من شرط قطعها . والحاصل أن الإناء بالنسبة لما فيه كالأرض بالنسبة لما فيها ، سم على المنهج . ومن قوله : والحاصل الخ يعلم أن الكلام فيما لو أطلق في بيع الإناء ، أما لو قال بعتك الإناء وما فيه كانت الظاهرة من جملة المبيع فلا يحتاج إلى شرط قطعها بل لا يصح ع ش على م ر .
قوله : ( بعد بدوّ الصلاح ) صوابه إسقاط هذا القيد كما قال ق ل ؛ أي لأنه يشترط ظهور المقصود من الحب والثمرة مطلقاً ولو قبل بدوّ الصلاح ؛ لأنه لا بد أن يكون المبيع مرئياً .(3/337)
"""""" صفحة رقم 338 """"""
قوله : ( ظهور المقصود ) أي رؤيته . قوله : ( كتين ) مثال لما يصح بيعه . قوله : ( مما لا كمام له ) بكسر الكاف هو وعاء الطلع وغطاء النور وغيرهما ، وجمعه أكمة مثل سلاح وأسلحة اه مصباح . والمراد به هنا الساتر لما هو فيه . قوله : ( لا يصح بيعه دون سنبله الخ ) مثل البرّ في سنبله جزر في أرضه وفول في قشره الأعلى ، ويصح بيع كتان بدا صلاحه ؛ لأن ما يغزل منه ظاهر والساس في باطنه كنوى التمر ، ومحله إذا بيع قبل انعقاد بزره أو بعده وبعد نفضه أو باعه دونه وإلا بطل البيع للجهل بالمقصود من البزر والكتان ز ي أ ج . وقوله ( قبل انعقاد بزره ) فيه أنه لا كتان فيه حينئذ ينتفع به فلا يظهر كلام الزيادي ، إلا إن أجره الأرض مدة يكمل فيها ويكون البزر للمشتري إذا اشتراه بشرط القطع . قوله : ( الدراس ) وفي نسخة : الدياس ، مصدر داس الرجل الحنطة يدوسها بمعنى درسها . وأنكر بعضهم كون الدياس من كلام العرب ، وبعضهم قال هو مجاز وكأنه مأخوذ من داس الأرض إذا شدد وطأه عليها بقدمه ، اه مصباح . قوله : ( وبدوّ صلاح ما مرّ الخ ) جعل الماوردي بدو الصلاح على ثمانية أقسام : اللون والطعم والنضج والاشتداد والطول والكبر والتشقيق والانفتاح كحمرة العناب وذهاب مرارة الرمان بحلاوة الحلو وحموضة الحامض ونضج التين والبطيخ واشتداد القمح وطول البقول وكبر القثاء وانشقاق ما له كمام كالقطن والجوز اه ح ل . والبقول هي خضراوات الأرض اه . قوله : ( وغيره ) وهو الزرع . قوله : ( يطلب فيها ) أي بسببها أو معها أو في أوانها ، فيكون كلامه على حذف مضاف . قوله : ( الأبيض ) اعترض بأن البياض لون له . وأجيب بأن المراد بالمتلون الذي يتجدد له لون بعد آخر والبياض لازم له . قوله : ( لينه وجريان الماء فيه ) ومثله فيما ذكر الليمون وإن لم يأخذ في الصفرة فهو مستثنى من المتلون . قوله : ( وفي نحو القثاء ) ظاهر عطفه على الثمر أنه ليس منه ، والقثاء أخت الخيار وتصرف مع مدها . قوله : ( وفي الورد ) الأولى تقديمه على الزرع لأنه من الثمر . قوله : ( وبدو صلاح بعضه الخ ) التشبيه في مطلق التبعية وإن كانت جهتها مختلفة ، فالمراد هنا أنه إذا بدا صلاح البعض وإن قل يتبعه ويلحق به البعض الآخر في صحة البيع من غير احتياج إلى شرط القطع ، فيكون كما لو بدا صلاح الجميع . هذا هو المراد هنا ، فكان الأولى أن يقول : وبدو صلاح بعضه كبدو صلاح كله . وأما قوله ( كظهوره ) فهو(3/338)
"""""" صفحة رقم 339 """"""
إشارة إلى مسئلة أخرى ذكرها في المنهج أولاً ثم أحال عليها بقوله ( كظهوره ) فصنيع الشارح هنا فيه حوالة على مجهول . وصورة تلك المسئلة : أن تباع الأشجار فقط ، فإذا كان عليها ثمرة فإن كانت كلها وقت العقد ظاهرة فهي للبائع ولا تتبع الشجرة في البيع ، وكذا إذا ظهر بعضها ولو قليلاً فإن البعض الآخر الذي لم يظهر يتبع ويلحق بما ظهر في كون كل للبائع . وعبارة متن المنهج : وثمرة شجر مبيع إن شرطت لأحدهما فله ، وإلا فإن ظهر منها شيء فهي لبائع وإلا فلمشتر ؛ وإنما تكون لبائع إن اتحد حمل وبستان وجنس وعقد وإلا فلكل حكمه ، اه . وقوله ( وإنما تكون لبائع ) مع قوله ( وبدو صلاح بعضه كظهوره ) يفيد أن الشروط الأربعة معتبرة فيما هنا ، فيقال : وإنما يكون ما لم يبد صلاحه كالذي بدا صلاحه في عدم الاحتياج إلى شرط القطع إن اتحد حمل وبستان وجنس وعقد ، وإلا فلكل حكمه فيشترط القطع فيما لم يبد صلاحه دون ما بدا صلاحه .
قوله : ( وعلى بائع الخ ) أي ولو كان البائع غير مالك الأصول على المعتمد ، فلو شرط كونه على المشتري بطل البيع لمخالفته مقتضاه ؛ لأن السقي من تتمة التسليم كالكيل في المكيل ، أي لأن البائع يلزمه أجرة كيال المبيع لأنه من تتمة التسليم الواجب عليه . قال الزيادي : إيضاحه أن البائع كأنه التزم البقاء الذي استحقه المشتري بالعقد وهو لا يتم إلا بالسقي ، والمراد بقوله ( وعلى بائع ما بدا صلاحه ) أي حيث باعه لغير مالك الأصل من شجر وأرض ، فإن باعه له لم يلزمه سقي كما هو ظاهر لانقطاع العلقة بينهما كما في شرح م ر . وكذلك لا يلزمه السقي إذا باعه مع الأصل بالأولى ، قال ع ش : بقي ما لو باع الثمرة لزيد ثم باع الشجرة لعمرو هل يلزم البائع السقي أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب اللزوم . ويوجه بأنه التزم له السقي فبيع الشجرة لغيره لا يسقط عنه ما التزمه اه . قال شيخنا المدابغي : وحاصله أنه يجب السقي على البائع بشروط ثلاثة : أن يكون قد بدا صلاحه ، وأن يستحق المشتري الإبقاء ، وأن لا يتعذر السقي .
قوله : ( عند استحقاق المشتري الإبقاء ) أي فيما إذا باع مطلقاً أو بشرط الإبقاء ، فلو بيع بشرط القطع لم يلزم البائع السقي بعد التخلية اه منهج . أما قبل التخلية فيلزمه . ولا يقال شرط القطع قطع العلقة بينهما لأنه من ضمانه كما ذكره الشيخ سلطان . والعلقة هي المطالبة بما يلزمه وظاهر هذه العلة أنه لا فرق بين ما بدا صلاحه وغيره ؛ لكن قال سم : أما إذا باعه قبل بدو الصلاح فلا سقي على البائع لانقطاع العلقة بينهما باشتراط القلع ؛ قاله الرافعي . وقضيته كما قال الزركشي أنه لا سقي عليه فيما لو باعه من مالك الشجر ، أي بعد بدو الصلاح ، وهو ظاهر . وفي الروضة ما يدل له ، اه شرح الروض .(3/339)
"""""" صفحة رقم 340 """"""
قوله : ( بعد التخلية ) تنازع فيه يتصرف ويدخل ، والأولى أن يؤخر قوله : ويتصرف الخ عن قوله : فلو تلف الخ . قوله : ( أو تعيب به ) أي بترك البائع السقي . قوله : ( تخير ) أي فوراً . قوله : ( ولا يصح بيع ما يغلب الخ ) أي وإن بدا صلاحه . قوله : ( عند خوف ) متعلق بمحذوف ، أي ويكلف قطعه عند خوف الخ ؛ وأما الشرط ففي الحال . قوله : ( خير المشتري ) وهو على الفور كخيار العيب ، ولا يتوقف على حاكم لصدق حد العيب السابق عليه فإنه بالاختلاط صار ناقص القيمة لعدم الرغبة فيه حينئذ م ر . قوله : ( فإن بادر الخ ) فلو وقع الفسخ والمسامحة معاً هل ينفسخ كما لو كان الخيار لهما فأجاز أحدهما وفسخ الآخر حيث يرجح الفسخ أولاً نظراً لبقاء العقد ؟ نقل عن تقرير الزيادي الثاني ، وهو ظاهر إذ الأصل تقرير العقود اه أ ج . وعبارة ع ش على م ر : وينبغي أن مثل ذلك ما إذا وقع الفسخ والمسامحة معاً فيسقط خياره رعاية لبقاء العقد .
قوله : ( ولا يجوز بيع ما فيه الربا الخ ) كان المناسب ذكرها في باب الربا عند قوله : وكذا المطعومات الخ ؛ لأنه إشارة إلى شرط في المماثلة التي هي شرط في بيع المطعوم بمثله ، فكأنه قال : ويعتبر في المماثلة أن تكون حال الجفاف إلا ما استثناه المتن والشرح . قوله : ( رطباً ) حال من ( ما ) . قوله : ( ولو في الجانبين ) مع قوله أو في أحدهما ، فيه أنه لم يبق قبل الغاية شيء ، فالأولى أن يقول ولو من أحد الجانبين ؛ لأنه الذي يتوهم فيه الجواز . قوله : ( والحصرم ) وهو حب العنب قبل بدوّ صلاحه فهو خاص بالعنب ، وأما حب الرطب قبل بدوّ صلاحه فيسمى بسراً ؛ وكذا قيل لكن قال في القاموس : الحصرم كزبرج الثمر قبل النضج . قوله : ( إلا اللبن وما شابهه ) أشار الشارح بقوله ( وما شابهه ) إلى أن الاستثناء في كلام المصنف لا مفهوم له ، أو فيه تفصيل أو إشارة إلى كل ما فيه رطوبة م د . وكتب بعضهم قوله : إلا اللبن(3/340)
"""""" صفحة رقم 341 """"""
الخ ، فيجوز بيع بعضه ببعض إذا كان غير مغلي بالنار وغير مخلوط بالماء ، وإلا فلا يجوز ولا فرق في اللبن بين الحليب وغيره ، فيجوز حليب بحليب أو رائب برائب أو مخيض خالص من الزبد بمثله أو أقط بمثله خالص من الملح ، ويجوز بيع بعض هذه ببعض ما عدا المخيض فلا يجوز بيعه بغير المخيض ، ولا يجوز بيع اللبن بالزبد ولا بالسمن ولا بالمخيض ولا الجبن بالجبن ولا الزبد بالزبد ولا الأقط بمثله إذا كان فيه ملح ولا المصل بمثله .
قوله : ( واعلم أن كل خلين لا ماء فيهما واتحد جنسهما ) هاتان صورتان . وقوله ( وإلا ) أي وإن لم يتحد الجنس / ( فلا ) أي لا يشترط التماثل صورة واحدة . وقوله ( وكل خلين فيهما ماء الخ ) هاتان صورتان أيضاً . وقوله ( وإن كانا من جنسين ) صورة واحدة . وقوله ( وإن كان الماء في أحدهما ) فيه صورتان ، هذه ثمانية صريحة من كلامه وبقي صورتان تفهمان من قوله ( وإن كان الماء في أحدهما وهما جنسان ) فمفهومه أنه لو كان في أحدهما وهما جنس واحد لا يجوز البيع ، وفي هذا صورتان . قوله : ( كخل العنب ) الكاف استقصائية . قوله : ( لأن الماء الخ ) أي فلم يكن من قاعدة مد عجوة ودرهم . قوله : ( المذكورين ) أي اللذين من جنسين . قوله : ( تتخذ غالباً من العنب ) وزاد الرملي بهامش الروض اتخاذها من عصير الرمان وعصير القصب . وألغز بعضهم في القصب فقال :
مهفهفة الأعطاف عذب مذاقها
تفوق القنا لكن بغير سنان
وتأخذ كل الناس منها منافعا
وتؤكل قبل العصر في رمضان
وقول الشاعر ( القنا ) هو الرمح الصغير . قوله : ( الأولى بيع الخ ) وهي صحيحة ، وكذا الثانية والخامسة والسابعة والثامنة . وقوله ( والثالثة بيع الخ ) وهي باطلة ، وكذا الرابعة والسادسة(3/341)
"""""" صفحة رقم 342 """"""
والتاسعة والعاشرة . قوله : ( ويستثنى الزيتون أيضاً ) أي كما استثني اللبن . وقد يقال لا رطوبة فيه وإنما الذي فيه دهن والجفاف موجود فيه ، شرح تصحيح اه شوبري ؛ أي فلا استثناء . والضابط أن يقال كل خلين لا ماء فيهما جاز بيع بعضهما ببعض اتحد جنسهما أو اختلفا كخل عنب بخل عنب وخل رطب بخل رطب وخل عنب بخل رطب ، أو في أحدهما ماء واختلف الجنس كخل زبيب بخل رطب وخل تمر بخل عنب ، وكل خلين فيهما ماء لا يجوز بيع بعضهما ببعض اتحد جنسهما أو اختلف كخل زبيب بخل زبيب وخل تمر بخل تمر وخل زبيب بخل تمر ، أو في أحدهما ماء واتحد الجنس كخل عنب بخل زبيب وخل رطب بخل تمر ؛ لأنه من قاعدة مد عجوة ودرهم ؛ لأن الماء ربوي فمن ثم اشترط كونه عذباً . قوله : ( وكذا العرايا ) أي تستثنى . والعرايا جمع عرية ، وهي لغة : ما يفردها مالكها للأكل لأنها عريت عن حكم جميع البستان كما في شرح المنهج . وهي فعيلة بمعنى مفعولة . قوله : ( وهو ) أي شرعاً . وذكر الضمير مراعاة للخبر . قوله : ( فيما دون ) عبارة شرح المنهج : ومحل الرخصة فيما دون الخ ، فيكون متعلقاً بمحذوف ، ويحتمل أنه متعلق بتستثنى المقدّر في قوله : وكذا العرايا ، أي وكذا تستثنى العرايا فيما دون الخ كما قرره شيخنا العشماوي . ولا بد أن يكون الدون زيادة على التفاوت الذي يقع بين الكيلين ، ولا يكفي نقص ربع مدّ خلافاً للماوردي ، سلطان . وقوله : ولا بد أن يكون الدون أي الحاصل به النقص عن الخمسة أوسق ، وقوله ( ولا يكفي ) أي في محل النقص عن الخمسة أوسق نقص ربع مدّ ؛ أي لأن ربع المدّ يقع به التفاوت بين الكيلين وقد اشترط في النقص أن يكون زيادة على الذي يحصل به التفاوت . قوله : ( بمثله ) متعلق بمحذوف ، أي : وبيع بمثله بتقدير الجفاف . قوله : ( بخرصها ) أي بمخروصها ، أي بقدر مخروصها ، وهو متعلق ببيع أي بيع العرايا بقدر مخروصها من الرطب أو العنب ، فالعرايا هنا بالمعنى اللغوي وهو الرطب أو العنب المخروص ؛ لأنه عري عن أحكام البستان كما تقدم قرره شيخنا العشماوي . قال المدابغي : والحاصل أنه لا يجوز بيع العرايا إلا بتسعة شروط : أن يكون المبيع عنباً أو رطباً . وأن يكون ما على الأرض مكيلاً والآخر مخروصاً ، وأن يكون ما على الأرض يابساً والآخر رطباً بفتح الراء وإسكان الطاء ، وأن يكون الرطب على رؤوس الشجر لأن من حكم الرخصة أكل الرطب على التدريج فلو كان(3/342)
"""""" صفحة رقم 343 """"""
الرطب على الأرض لم يصح خلافاً لبعضهم إذ الرخصة يقتصر فيها على محل ورودها شرح م ر وأن يكون دون خمسة أوسق ، وأن يتقابضا قبل التفرق لأنه بيع مطعوم بمثله وهو يشترط فيه الحلول والتقابض ويحصل القبض بنقل التمر أو الزبيب لأنه منقول وبالتخلية في الرطب والعنب الذي على الشجر لأنه من غير المنقول ، وأن يكون بعد بدو الصلاح ، وأن لا يتعلق به زكاة ، وأن لا يكون مع أحدهما شيء من غير جنسه ؛ فليحفظ اه .
قوله : ( ولا يجوز بيع مثل العرايا في باقي الثمار كالخوخ واللوز ) أي بأن يباع خوخ على الشجر بخوخ ناشف على الأرض ولوز على الشجر بلوز على الأرض ناشف يابس ؛ هذا هو المراد ، أما بيع الخوخ مثلاً بالتمر فصحيح بشرط الحلول والتقابض فقط إذا كان ما على الشجر ظاهراً غير مستور بأوراق . قوله : ( بالفقراء ) والمراد بالفقير في هذا الباب من لا نقد بيده ز ي .
3 ( ( فصل : في السلم ) ) 3
لما فرغ من الكلام على بيوع الأعيان شرع يتكلم على بيوع الذمم بلفظ السلم ، وهو نوع من البيوع إلا أنه بلفظ خاص . وإنما أفرده بفصل لأن له شروطاً زائدة وتفاصيل زائدة على أنواع البيع . ولفظ السلم والسلف اسم مصدر لأسلم وأسلف والمصدر الإسلام والإسلاف ، ولفظ السلم خاص بما في الباب ، بخلاف لفظ السلف فمشترك بين السلم والقرض .
قوله : ( في السلم ) لم يذكر المصنف ولا غيره من الشافعية معناه لغة ؛ لكن ذكر العلامة الملا مسكين من الحنفية في شرح الكنز أنه لغة : الاستعجال اه برماوي . وكأن وجهه أن الشرع لما أوجب تسليم رأس المال في المجلس كأنه استعجله . وذكر المدابغي عن بعض الحنفية أن معناه لغة التقديم ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لبعض الصحابة حين أسلم : ( أسْلَمْتَ على ما أسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ ) أي قدمت .
قوله : ( ويقال له السلف ) ذكره لأنه الواقع في الحديث(3/343)
"""""" صفحة رقم 344 """"""
ق ل . وفيه نظر ، فإن في الحديث روايتين بالفاء وبالميم فكل منهما في الصحيحين كما في أ ج ، لكن المذكور في الشارح : من أسلف فكلام ق ل ناظر له . قوله : ( لتقديم رأس المال ) أي والسلف معناه لغة السابق . قوله : ( إذا تداينتم ) أي تحملتم ديناً ، فالباء صلة . وفسر الدين فيها بدين السلم وهو المسلم فيه كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة البيضاوي : أي إذا داين بعضكم بعضاً تقول داينته إذا عاملته نسيئة معطياً أو آخذاً . قوله : ( من أسلف ) أي من أراد أن يسلف في مكيل فليكن معلوماً ، أو إلى أجل فليكن معلوماً ؛ لا أنه حصره في المكيل والموزون والمؤجل فلا ينافي ما يأتي أنه يكون حالاًّ أيضاً ، ويكون فيما يعدّ كاللبن وفيما يذرع كالثياب وفي الحيوانات ح ل مع زيادة . قوله : ( وتقدم تعريف السلم ) وهو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم لأنه بلفظ البيع بيع على المعتمد . قال البلقيني : ليس لنا عقد يتوقف على لفظ مخصوص إلا ثلاثة : السلم والنكاح والكتابة . وقضية كونه بيعاً أنه لا يصح سلم كافر في كل ما امتنع تملكه من رقيق مسلم أو مرتد أو مصحف أو كتب حديث أو كتب فقه فيها آثار السلف ، خلافاً للماوردي ومن تبعه ، وكذلك الحربي يمتنع عليه السلم في عدة القتال من سلاح وخيل ، وكذلك المحرم يمتنع عليه السلم في الصيد البري الوحشي المأكول فيعتبر له ما يعتبر في البيع إلا الرؤية ؛ ولهذا صح سلم الأعمى .
قوله : ( حالاًّ ) خلافاً للأئمة الثلاثة ، وهو ومؤجلاً حالان على الإسناد المجازي ، والأصل : حالاًّ المسلم فيه ومؤجلاً المسلم فيه . قال سم : ولو ألحقا به أجلاً في المجلس لحق أو ذَكَرَا أجلاً ثم أسقطاه في المجلس صح . قوله : ( بأن يصرح بهما ) فإن أطلق العقد حالاًّ كالثمن في البيع المطلق سم . ولو قال به ليرجع إلى المؤجل فقط لكان أولى ، إذ الحلول لا يشترط التصريح به لحمل الإطلاق عليه . قوله : ( فإن قيل الخ ) وارد على قوله ( وأما الحالّ فبالأولى ) فهو من طرف المخالف كالأئمة الثلاثة القائلين بأن السلم لا يصح حالاًّ كالكتابة . وحاصل الجواب الفرق بين البابين .(3/344)
"""""" صفحة رقم 345 """"""
قوله : ( ويشترط تسليم الخ ) سيأتي هذا في قول المصنف وأن يتقابضا قبل التفرق ، فلا حاجة لذكر الشارح له . ويشترط أيضاً حلوله كما في المنهج . وسيأتي آخر الشرح ، فلو كان مؤجلاً وتقابضاه قبل التفرق لم يصح العقد . قوله : ( في مجلس العقد ) كقولهما : اخترنا لزوم العقد . وعبارة شرح المنهج : قبل التفرق ، إذ لو تأخر لكان في معنى بيع الكالىء بالكالىء إن كان رأس المال في الذمة ؛ ولأن السلم عقد غرر جوّز للحاجة فلا يضم إليه غرر آخر أي إن كان رأس المال معيناً . قوله : ( أو ألزماه ) أي قبل قبض رأس المال ، ولو قدمه عليه لكان أولى . قوله : ( بطل فيما لم يقبض ) أي ويثبت للمسلم إليه الخيار لا للمسلم ؛ لأن الصفقة لم تتفرق عليه بل على المسلم إليه ، مدابغي . قوله : ( فلو أطلق ) أي رأس المال ، أي لم يعين في العقد ؛ فالمراد بالإطلاق عدم التعيين وإلا فهو مقيد بما في الذمة . وهذا تفريع على قوله تسليم رأس المال ، وفيه إشارة إلى أن المدار عليه لا على التعيين في العقد . قوله : ( لأن المجلس حريم العقد ) أي فله حكمه ، وكذا يجوز فيه إلحاق الأجل وإسقاطه كما تقدم عن سم . وفي القاموس : حريم الدار حقوقها اه . فيكون المعنى حريم العقد أي حقه . وسمي بذلك لأنه يحرم على غير مالكه أن يستقل بالانتفاع به ، اه مصباح . قوله : ( وأودعه المسلم ) لا إن أحيل به من المسلم ، فلا يصح وإن قبض فيه ، أي قبضه المحتال وهو المسلم إليه في المجلس ؛ شرح المنهج . قوله : ( جاز ) أي ولا يقال إن رجوعه ليد المسلم على جهة الوديعة يبطل القبض السابق ؛ لأن التفرق حصل وهو في يد المسلم وديعة ، فربما يقال إن هذا كعدم القبض بالكلية . قوله : ( لأن الوديعة لا تستدعي الخ ) قضيته أن التصرف الذي يستدعي لزوم الملك لا يصح من أحد المتعاقدين مع الآخر . وليس كذلك كما يدل له قوله ( وكذا يجوز رده له عن دينه ) إذ محل التفصيل إذا كان التصرف لأحد العاقدين مع أجنبي لا مع صاحبه ، فلا يصح تصرف أحدهما مع أجنبي قبل لزوم العقد بتصرف يستدعي لزوم الملك كالبيع والإقراض . قوله : ( لا تستدعي لزوم الملك ) كأن المعنى لا تتوقف على لزوم الملك بل تصح قبل لزومه ، شوبري .
قوله : ( ويجوز كون رأس المال منفعة ) أي معلومة ، كما يجوز جعلها ثمناً وأجرة وصداقاً كأسلمت إليك منفعة داري سنة في كذا ، ويشترط تسليمها أي الدار بالمجلس .(3/345)
"""""" صفحة رقم 346 """"""
قوله : ( وتقبض بقبض العين ) أي المتعلق بها تلك المنفعة ؛ لأنها لما تعذر القبض الحقيقي اكتفي بهذا لأنه الممكن في قبض المنفعة لأنها تابعة للعين . ومن هذا يؤخذ أنه لو جعل رأس المال عقاراً غائباً ومضى في المجلس زمن يمكن فيه المضي إليه والتخلية صح ؛ لأن القبض فيه بذلك ، وهو كذلك . وقضيته أنه لو كانت المنفعة متعلقة ببدنه كأسلمت إليك خدمتي شهراً أو تعليمي سورة كذا في كذا صح ، فيسلم نفسه وليس له إخراجها عن التسليم كما في الإجارة كما في شرح م ر . قوله : ( تكفي عن معرفة قدره ) كالثمن المعين . هذا إذا كان رأس المال مثلياً ، ومثله المتقوم إذا كان منضبط الصفات ، فإن اتفق فسخ وتنازعا في القدر فالقول قول المسلم إليه لأنه غارم كما قاله العناني .
قوله : ( التي لا يعزّ وجودها ) العزة معناها القلة . ويغني عن هذا القيد قوله الآتي : وأن يكون موجوداً عند الاستحقاق في الغالب . قوله : ( كالحبوب ) أي الصحيحة ، أما المدشوشة فلا يصح السلم فيها ؛ قال سم : أفتى شيخنا م ر بعدم صحة السلم في الفول المدشوش والقمح المدشوش . قوله : ( والأدهان ) أي غير نحو المطيبة . قوله : ( والثمار ) أي غير نحو المشدخة أي غير المعالجة بالماء والملح . قوله : ( والثياب ) أي غير الملبوسة ، أما الملبوسة فلا يصح السلم فيها . قوله : ( والأرقاء ) عطف خاص رداً على مخالفه ق ل . قوله : ( كالنبل ) أي السهام لاختلاف وسطه وطرفيه ، وقال بعضهم : أي النبل المريش بفتح الميم وكسر الراء وإسكان الياء بوزن كريم ، أي الذي فيه الريش ، لاختلاف وسطه وطرفيه رقة وغلظاً وتعذر ضبطه . أما النبل قبل خرطه وعمل الريش فيه فيصح لتيسر ضبطه ، اه مدابغي .
قوله : ( كاللؤلؤ الكبار ) وهي ما يقبل الثقب للتزين . وخرج بالكبار الصغار ، وهي ما تطلب للتداوي ، فيجوز السلم فيها كيلاً ووزناً ؛ شرح المنهج . قوله : ( والجارية وأختها ) وكذا البهيمة وولدها ح ل . فإن قلت : هذا لا يندر اجتماعهما . قلت : يندر بالنظر للأوصاف التي يجب ذكرها في السلم ، فكون البهيمة بأوصاف مخصوصة وولدها بأوصاف مخصوصة مما(3/346)
"""""" صفحة رقم 347 """"""
يندر ؛ وكذا تقول في الأمة وأختها أو ولدها وفي اللؤلؤ واليواقيت كما أشار إلى ذلك في شرح المنهج بقوله : لندرة اجتماعه مع الصفات المشروط ذكرها ؛ كذا قرره شيخنا العشماوي . وظاهر قول الشارح الجارية وأختها وإن كانتا عند المسلم إليه والمسلم حال على المعتمد ، ونقل عن ز ي الصحة ، وهو مخالف لإطلاقهم ؛ قاله أ ج قال الزيادي نقلاً عن الإسنوي . وإنما صح اشتراط نحو الكتابة في قوله : أسلمت إليك هذه الدراهم في عبد كاتب صفته كذا وكذا ، مع أنه قد يندر اجتماعها مع الصفات لسهولة تحصيلها بالتعلم .
قوله : ( اختلاطاً لا ينضبط الخ ) لما كان ظاهر المتن أنه لا يصح في المختلط بجنس آخر مطلقاً ، قيده الشارح بقوله : اختلاطاً الخ ؛ لأن الصحة في الصورتين أن يكون جنساً واحداً وأن يكون جنسين فأكثر مع انضباط المقصود كعتابي وهو المركب من حرير وقطن كما في شرح المنهج . وجملة ( لا ينضبط ) صفة لاختلاطاً ، والرابط مقدر أي : لا ينضبط به ، أي بالاختلاط مقصود المسلم فيه اه . قال م ر : والأوجه أن المراد بالانضباط هنا معرفة المتعاقدين وزن كل من الأجزاء . قوله : ( المقصود الأركان ) أي الأجزاء . قوله : ( وغالية ) هي مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور ؛ كذا في الروضة وأصلها ، وفي تحرير النووي ذكر الدهن مع الأولين ، شرح المنهج . والمراد بالدهن دهن البان ، قال الجوهري : أول من سماها أي الغالية بذلك سليمان ابن عبد الملك ؛ ونظر فيه الدميري بقول فاطمة :
ماذا على من شم تربة أحمد
أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت عليّ مصائب لو أنها
صبت على الأيام عدن لياليا
ومثلها الندّ بفتح النون مسك وعنبر وعود خلط بغير دهن عناني .
قوله : ( وخف ) أي ونعل . قوله : ( فإن كان الخف مفرداً الخ ) فلا يصح السلم في الخف إلا بهذه الشروط الثلاثة . قوله : ( في الترياق ) وهو بتاء مثناة أو دال مهملة أو طاء كذلك مكسورات ومضمومات ، ففيه ست لغات ؛ ويقال دراك وطراق شرح المنهج . والدال والطاء في الأخيرتين مكسورتان أو مضمومتان فيكون فيه عشر لغات ، قال القاضي أبو الطيب وغيره : الترياق نجس فإنه يطرح فيه لحوم الحيات وابن الأتان ، ونص عليه في الأم ؛ قال الأذرعي : فيحمل كلام المصنف وغيره على ترياق طاهر كما ذكره الرشيدي على م ر ، أي بأن كان من نبات .(3/347)
"""""" صفحة رقم 348 """"""
قوله : ( في رؤوس الحيوان ) وكذا الأكارع وإن كانت نيئة . قوله : ( تجمع أجناساً ) من عظم ولحم ودهن .
قوله : ( ولم تدخله النار الخ ) هلا جعل هذا شرطاً قوله : ( فلا يصح السلم في خبز ) بخلاف الإقراض ، فيجوز إقراض الخبز وزناً لعموم الحاجة إليه على المعتمد ، ومقابله ما في الكافي أنه يجوز عدداً ، وكذلك خميرة العجين فيجوز إقراضها لا السلم فيها لاختلافها بالحموضة كما ذكره المدابغي . قال الرملي : والأوجه إلحاق النيدة بالخبز اه . وأول من صنعها مريم عليها السلام حين قلّ لبنها لسيدنا عيسى عليه السلام . وقال خضر : المعتمد عدم الإلحاق فيصح السلم فيها لأن نارها منضبطة ، وأما النيلة فإن خلت عن الطين جاز السلم فيها وإلا فلا ، وكذلك الكشك لاختلافه بالحموضة وحنطة مخلوطة بشعير إذا كثرت حبات الشعير ، ومثل ذلك المفتقة ؛ فهذا كله لا يصح السلم فيه لعدم انضباط أجزائه المقصودة ، أما ما اختلط بما لا يقصد كالأقط والجبن والسمك المملح وخل نحو الزبيب وحبات شعير لا تقصد في بر وعكسه فيصح السلم فيه ، ويصح في قصب السكر وفي العجوة غير المعجونة بنواها . قوله : ( كالعسل ) أي عسل النحل لأنه ينصرف إليه عند الإطلاق . وقوله ( المصفى بها ) أي عن شمعه . قوله : ( والفانيد ) هو عسل القصب المتخذ من لكاليك القصب أي الزعازيع . قوله : ( والدبس ) وهو عصير العنب بعد طبخه . وقوله ( واللبأ ) بالهمز والقصر أول ما يحلب ، برماوي . قال أبو زيد : وأكثر ما يكون ثلاث حلبات وأقله حلبة كما في المصباح . قوله : ( كما في الربا ) لأنه لا يجوز بيع بعضها ببعض للجهل بالمماثلة ، وقال شيخنا المدابغي : أي بالنسبة لغير العسل ، وإلا فقد قال فيما سبق : ولا يضر تأثير تمييز كعسل وسمن .
قوله : ( وفرق الخ ) هذا الفرق من جهة القول المعتمد . قوله : ( كقدر ) بكسر القاف : آنية يطبخ فيها وهي مؤنثة ؛ ولهذا تدخل الهاء في التصغير فيقال : قديرة اه مصباح . قوله : ( وكوز ) عبارة المناوي على الشمايل : لا يقال للإناء كوز إلا إذا كانت له عروة اه . قوله : ( ومنارة ) وهي ما يوضع فوقها السراج المسماة بالمسرجة مأخوذة من النور ، ومن ثم كان الأشهر في جمعها مناور لا منائر اه ز ي . وفي المدابغي على التحرير : منارة بفتح الميم وجمعها مناور وهو القياس ؛ لأنها من النور . ويجوز منائر بالهمز تشبيهاً للأصلي بالزائد ، كما همزوا مصائب(3/348)
"""""" صفحة رقم 349 """"""
مع أن أصله مصاوب . وما نقل عن سيبويه أن ذاك غلط يتعين تأويله ، فقد قرىء : ( معائش ) بالهمز ، شرح عباب خ ض . وقوله ( وهو القياس ) فإن حرف المد إذا وقع ثالثاً في المفرد وكان أصلياً يصحح ولا يبدل همزاً ، بخلاف ما إذا كان زائداً فإنه يبدل همزاً ، قال ابن مالك :
والمد زيد ثالثاً في الواحد
همزاً يرى في مثل كالقلائد
ومنارة أصلها منورة بوزن مفعلة ، نقلت حركة الواو إلى النون ثم قيل : تحركت الواو سابقاً وانفتح ما قبلها الآن فقلبت ألفاً فصار منارة ، ومثلها معيشة ، فيقال : مناور ومعايش ، بالواو في الأول وبالياء في الثاني . وأما قراءة معائش بالهمز فشاذة ، تأمل .
قوله : ( ودست ) ويقال له طنجير بكسر الطاء وفتحها ، م ر . قوله : ( معمولة ) أي محفورة بالآلة وهو صفة للقدر وما بعده . وعبارة شرح المنهج : معمولة كل منها . قوله : ( المصبوبة في قالب ) بفتح اللام أفصح من كسرها ، ومثلها الأواني المتخذة من الفخار بلا صبّ ولا حفر فيصح السلم فيها لتساوي أجزائها . قوله : ( في الجلد ) إلا في قطع صغار فيصح السلم فيها وزناً ؛ لأن المقصود جملتها فجعل تفاوتها عفواً سم . ومثل الجلد الرق فمراد الشارح بالجلد الجلد الكامل . قوله : ( ويصح في أسطال ) ولو معمولة كما يقتضيه صنيعه لعدم اختلافها . وهذا في متسعة الرأس عند اتحاد معدنها ، بخلاف ضيقة الرأس والمختلف معدنها فلا يصح السلم فيهما . والفرق بين ضيقة الرأس وواسعته أن ضيقها لا يتمكن فيه الصانع من تساوي الأجزاء ، بخلاف واسعها فيتمكن منه ويساوي بين أجزائها فتكون منضبطة اه م د . قوله : ( لا بمثلهما ) لتضادّ أحكام السلم والصرف ؛ لأن الصرف يقتضي قبض العوضين في المجلس والسلم إنما يقتضي قبض أحدهما فيلزم أن يكون العوضان يستحق قبضهما ولا يستحق قبضهما في المجلس ح ل . وفيه أن مقتضاه أنه يصح إذا كان السلم حالاً وقبض المسلم فيه في المجلس . وأجيب بأن من شأن السلم الدينية ومن شأن الدينية التأخير .
قوله : ( وشرط في السلم في الرقيق الخ ) الأولى أن يذكر هذا كله بعد قول المتن أن يصفه بعد ذكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الغرض ؛ لأن الكلام هنا في صفات المسلم فيه في حد ذاتها ، وأما ذكرها في العقد فيأتي في كلام المصنف وهذا منه شيخنا العشماوي . قوله : ( ذكر نوعه الخ ) حاصله أنه يذكر في الرقيق نوعه وصنفه ولونه ووصفه وسنه وقده وذكر أو ضده ، فتلك سبعة . ووصف كل عضو من أعضائه مفسد لأنه يؤدي إلى عزة الوجود . قوله :(3/349)
"""""" صفحة رقم 350 """"""
( كتركي ) فيه أن التركي ليس نوعاً وإنما هو صنف من النوع الذي هو إنسان . وكلامه يقتضي أن الرقيق جنس والتركي نوع من أنواعه مع أن الجنس إنما هو الحيوان . ويجاب بأن المراد بالجنس والنوع اللغويان ، فإن اللغويين يطلقون الجنس على ما تحته أصناف والنوع على ما تحته أفراد ، وليس المراد اصطلاح المناطقة كما قاله شيخنا العشماوي . قوله : ( كرومي ) مثال للصنف . قوله : ( وذكر لونه ) أي الرقيق ، وهو معطوف على ذكر نوعه . قوله : ( إن اختلف ) فإن لم يختلف لون الرقيق لم يجب ذكره . قوله : ( مع وصفه ) أي اللون . قوله : ( بسمرة ) أي حمرة بأن يكون بياضه مشوباً بحمرة ؛ لأن العرب تسمي الحمرة سمرة . وإنما فسرناها بذلك لأن حقيقة السمرة أعني السواد لا تجامع البياض . قوله : ( كابن خمس ) أو محتلم . قوله : ( وذكر قده ) أي قامته أي كستة أشبار أو خمسة . قوله : ( أو غيره ) من قصر أو ربعة . قوله : ( في الاحتلام ) وإن كان كافراً لأنه لا يعلم إلا منه بخلافه في السن فإنه لا بد أن يكون مسلماً . وقد صرّح بهذا التفصيل ابن حجر في شرح الإرشاد واعتمده الطوخي ؛ فإذا أسلم في رقيق بالغ بالاحتلام عمره اثنتا عشرة سنة قبل قوله في الاحتلام مطلقاً وفي السن إن كان مسلماً ، كذا صوّره بعضهم . وقد يقال : إن كلامه على التوزيع . فقوله ( في الاحتلام ) أي إن أسلم في محتلم ، وقوله ( والسن ) أي إن ذكره كما يدل عليه قول شرح المنهج بعد قوله : ( وذكر سنه ) : كابن ست أو سبع أو محتلم . وعبارة شرح المنهج : ويعتمد قول الرقيق في الاحتلام وكذا في السنّ إن كان بالغاً اه . وكتب سلطان على قوله قول الرقيق أي العدل في دينه ولو كافراً فقط ، وعلى قوله وكذا في السن إن كان بالغاً مسلماً عاقلاً . قوله : ( وإلا فقول سيده ) أي البالغ العاقل العدل المسلم سلطان . قوله : ( إن ولد في الإسلام ) ليس بقيد ، فالمدار على علم السيد بأي طريق كان . قوله : ( النخاسين ) من النخس وهو الضرب باليد على الكفل ، ز ي . قوله : ( أي الدلالين ) ويكفي واحد منهم ، ابن حجر . فإن لم يخبروا بشيء وقف الأمر إلى الاصطلاح على شيء كما في ع ش على م ر اه . قوله : ( ما ذكر في الرقيق ) من بيان نوع كقوله من نعم بلد كذا أو نعم بني فلان ولون وذكورة أو أنوثة وسن كابن مخاض أو ابن لبون ، اه شرح المنهج . قوله : ( إلا ذكر وصف اللون الخ ) المعتمد أنه يشترط ذكر القد . وعبارة م ر : وقضية كلام(3/350)
"""""" صفحة رقم 351 """"""
المصنف وغيره أنه لا يشترط ذكر القد ، ونقله الرافعي عن اتفاق الأصحاب ؛ لكن جزم ابن المقري في إرشاده باشتراطه في الرقيق وفي الإبل وفي الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم . فعلى هذا يشترط في سائر الحيوانات ، وهو المعتمد . ولا يصح السلم في الأبلق لعدم انضباطه ولا في الحيوان الحامل من أمة أو غيرها لأنه لا يمكن وصف ما في البطن اه عناني . قال ع ش على م ر : الأبلق ما اشتمل على لونين بياض وسواد أو بياض وحمرة . ومحل منع السلم فيه في محل يندر وجوده فيه ، والأصح السلم فيه .
قوله : ( نوع ) أي ذكر نوع . قوله : ( وجثة ) كأن يقول من الحمام الفلاني ومن الشلبة أو الحيتان كبير الجثة أو صغيرها ح ل . وقوله ( نوع ) أي ذكر نوع ، فكلامه على حذف مضاف . قوله : ( وفي لحم غير صيد وطير الخ ) أما لحم الصيد ، فلا يحتاج فيه إلى ذكر أنه خصي معلوف أو ضدهما ، بل يذكر فيه أنه لحم ذكر أو ضده رضيع أو ضده . قال الشيخ أبو حامد : ويذكر أنه صيد بأحبولة أو سهم أو جارحة وأنها كلب أو فهد ، فإن صيد الكلب أطيب لطيب نكهته ، وأما لحم الطير ومثله السمك فيذكر فيه النوع والجثة كما مرّ أنه يذكرهما فيه حال الحياة ؛ ولم يتكلم على الصيد نفسه لدخوله في الماشية اه . قوله : ( كلحم بقر ) فيه نظر ، فإن البقر جنس والفرض يختلف باختلاف أنواعه وهي العراب والجواميس . ومقتضى كلامه تخيير المسلم إليه بين العراب والجواميس إلا أن يكون أراد بالبقر خصوص العراب ، مدابغي . ولا بد أن يبين البقر هل هي جواميس أو عراب كما في شرح المنهج . والعراب هو الذي اشتهر بإطلاق البقر عليه الآن . قوله : ( جذع ) الجذع من الضأن ما له سنة أو أجذع مقدم أسنانه ومن الإبل ما له أربع سنين وطعن في الخامسة ، والثنيّ من المعز ما له سنتان ومن الإبل ما له خمس سنين . قوله : ( أو ضدها ) أي المذكورات ، أي أنثى فحل فطيم راع ثنيّ . قوله : ( وبلده الذي ينسج فيه ) ولا يجوز أن يذكر نسج رجل بعينه إلا أن يضاف إليه إضافة تعريف من غير إرادة نسجه فيجوز كما قاله الماوردي م د . واعتمد ابن حجر في شرحه أنه لا بد من ذكر لون الثوب ق ل . قوله : ( أو ضدها ) أي الثلاثة ، فضد الغلظ الدقة بالدال وهما وصفان للغزل . وضد الصفاقة الرقة بالراء وهما وصفان للنسج . والأولى منهما انضمام بعض الخيوط إلى بعض والثانية عدم ذلك فيكون مهلهل النسج . وضد النعومة الخشونة ؛ شرح المنهج بإيضاح . قوله : ( ومطلق الثوب ) أي عن القصر وعدمه . وقوله يحمل على الخام وهو غير المقصور ؛ لأن القصر صفة زائدة مقصودة ، لكن يجب قبول المقصور إن لم يختلف به غرض .(3/351)
"""""" صفحة رقم 352 """"""
قوله : ( قبل نسجه ) وكذا بعده إن كان الصبغ تمويهاً لم يسد فرجه أو غسل ما سدّ الفرج اه م د . وإنما قيد الشارح بقبل نسجه للاتفاق عليه لأنه بعد نسجه قيل يصح ، وقيل يمتنع ؛ لأن الصبغ بعده يسد الفرج . والمعتمد أن الصبغ إن كان تمويهاً ولم يسد فرجه جاز السلم فيه وإلا فلا . ولا يصح السلم في الملبوس لأنه لا ينضبط .
قوله : ( وشرط في تمر الخ ) ولا يصح السلم في التمر المكنوز في القواصر وهو المعروف بالعجوة لتعذر استقصاء صفاته المشترطة حينئذ ؛ ولأنه لا يبقى على صفة واحدة غالباً كما نقله الماوردي عن الأصحاب وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى اه م ر . قوله : ( كبرني ) نوع من أجود التمر ، قال ح ل في السيرة : والبرني بالفارسية جمل مبارك أو جيد ، قال في المصباح : نقل السهيلي أنه أعجمي ، ومعناه أنه جمل مبارك . قال برّ : جمل ونيّ جيد ، وأدخلته العرب في كلامها وتكلمت به . والبرني من أنواع التمر بالمدينة . وفي شرح مسلم للنووي أنها مائة وعشرون نوعاً . وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمهودي أن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعاً وثلاثين ؛ ويوافقه قول بعضهم : اختبرناها فوجدناها أكثر مما ذكره النووي . قال : ولعلّ ما زاد على ما ذكره حدث بعد ذلك . وأما أنواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر ، فقد نقل عن عالم فاس محمد بن غازي أرسل إلى عالم سجلماسة إبراهيم بن هلال سأله عن حصر أنواع تمر البلدة ، فأرسل إليه حملاً أو حملين من كل نوع تمرة واحدة وكتب إليه : هذا ما تعلق به علم الفقير ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ) إبراهيم : 34 ) وقد روي : ( عَلَيْكُمْ بالتَّمْر البُرْنِيّ فكُلوُه فإنّه يسبّح في شَجَرِهِ ويَسْتَغْفِرُ لآكِلِه ) . قوله : ( وعتقه ) بفتح العين وضمها ضد الحداثة . قوله : ( كجبلي ) هو أطيب والخريفي أطيب من الصيفي ، اه دميري .
قوله : ( أن يكون ديناً ) فيه أن هذا جزء من حقيقة السلم لأنه بيع شيء موصوف في الذمة ، فكيف عدّه من الشروط ويجاب بأن المراد بالشرط ما لا بد منه كما قرّره شيخنا العشماوي . قوله : ( موضوع له ) أي للدين . قوله : ( لاختلاف اللفظ ) لأن السلم يقتضي الدينية والدينية مع التعيين متناقضان ، عناني . قوله : ( لا يؤمن انقطاعه ) بأن كان يخاف انقطاعه . ولما(3/352)
"""""" صفحة رقم 353 """"""
كان ظاهر المتن أنه متى كان من معين لا يصح مطلقاً قيده الشارح بما ذكر . قوله : ( في تمر قرية صغيرة ) لو قال في تمر قرية قليل كما في متن المنهج لكان أولى ؛ لأن العبرة بكثرة التمر وقلته لا بصغر القرية وكبرها . قوله : ( أو ضيعة ) المراد بها ما فيه ثمار من العقارات كالدور . وعبارة المصباح : والضيعة هي العقار ، وجمعها ضياع ككلبة وكلاب ؛ وسميت ضيعة لأن الإنسان يضيع بتركها . قوله : ( لأنه قد ينقطع بجائحة ونحوها ) فلا يحصل منه شيء ، وذلك غرر لا حاجة إليه . وهذا التعليل قاصر على المؤجل وتعليله للحال ، هو أنه قد لا يوجد القدر المعقود عليه في الحال . قوله : ( في تمر ناحية ) أي في شيء منه أما إذا أسلم في كله ، فلا يصح للقطع بتلف شيء منه .
قوله : ( والخامس أن يكون مما يصح بيعه ) الأولى إسقاط هذا الشرط ؛ لأنه مأخوذ من تعريفه ، لأنه بيع شيء موصوف في الذمة ، والكلام في الشروط الزائدة على شروط البيع المتقدّمة كما قرّره شيخنا العشماوي رحمه الله تعالى . قوله : ( إلا هذا ) فيه أن له صيغتين : أسلمتك ، وأسلفتك . وكذا النكاح له صيغتان : النكاح ، والتزويج . ويجاب بأن المراد بقوله ( بصيغة ) أي بجنس الصيغة أي بجنس مخصوص من الصيغة كما قاله شيخنا العشماوي . وقد يقال هذا يجري في كل عقد وقوله والنكاح أي والكتابة .
قوله : ( ثم لصحة عقد المسلم فيه ) أي العقد المتعلق بالمسلم فيه ؛ لكن بعض الشروط متعلق بالمسلم فيه وبعضها متعلق بالعقد ، وعلى كل لا يصح العقد إلا بها ، فلذا قدّر الشارح عقد . وأيضاً الصحة وصف للعقد لا للمسلم فيه في حدّ ذاته . ( وثم ) للترتيب الإخباري ، والفرق بينها وبين الخمسة السابقة كما دلّ عليه صنيعه أن المعتبر في هذه وجودها في العقد إلا السابع فيكفي في حريمه ، والمعتبر في تلك وجودها في المعقود عليه في الواقع سم مع زيادة قليلة أ ج . قوله : ( حينئذ ) أي حين إذ وجدت الشروط الخمسة . قوله : ( أن يصفه ) أي يذكره(3/353)
"""""" صفحة رقم 354 """"""
بهذه الصفات في صلب العقد . قوله : ( ونوعه ) قد يغني ذكر النوع عن ذكر الجنس كالضأن والمعز يغني عن ذكر الغنم ، سم . قوله : ( وخرج بالقيد الأوّل ) أي التي يختلف بها الثمن . قوله : ( ما يتسامح بإهمال ذكره ) ولو شرط ذلك اعتبر ولم يجب القبول بدونه كما قرره شيخنا اه ح ل . قوله : ( كالكحل ) بفتح الكاف والحاء ، وهو أن يعلو جفون العينين سواد من غير اكتحال ؛ شرح المنهج . قوله : ( وبالثالث ) وهو ليس الأصل عدمها . وقد يتوقف في كون الأصل في العبد أن لا يكون قوياً على العمل . وأجيب بأن المراد شدة القوة كما في شرح م ر وحج . قوله : ( أو أمياً ) المراد به ما عدا الكاتب بدليل المقابلة . وكون الأصل عدمه فيه نظر ، بل قد يدعي أن الأصل وجوده لأن الكتابة عارضة . قوله : ( بما ينفي ) أي بوجه ينفي الخ . وهو وجه من الأمور الأربعة في كلام الشارح ، وهي قوله ( من كيل الخ ) . وقوله الجهالة أي جهالة العاقدين . قوله : ( أو عدّ الخ ) كالطوب غير المحروق . قوله : ( أو ذرع فيما يذرع ) كالقماش ، وقد يحتاج إلى العدّ والذرع فلا بد منهما كما لو أسلم في أربعة بسط فهذا عدد فيحتاج إلى ذكر الذرع في كل واحد . واعلم أن ما يتعلق بالمبيع من كيل أو وزن أو حمل لمحل القبض يكون على البائع وما يتعلق بالثمن يكون على المشتري كما تقدم . قوله : ( ويصح سلم المكيل الخ ) فأن قلت : لم لم يتعين هنا في المكيل الكيل وفي الموزون الوزن كما في الربا ؟ أجيب بأن المقصود هنا معرفة القدر وثم المماثلة بعادة عهد النبي . قوله : ( الذي يتأتى كيله ) كاللوز . قوله : ( ضابطاً فيه ) كالسمن . قوله : ( في فتات المسك ) بضم الفاء ، أي قطعه وكسره كما في المختار . قوله : ( ونحوه ) كالعنبر . قوله : ( وقيل يصح كاللآلىء الخ ) ضعيف في المقيس دون المقيس عليه للفرق المذكور ، فالراجح في نحو فتات المسك كالعنبر الوزن فقط دون اللآلىء الصغار فتصح كيلاً ووزناً إذا عم وجودها ، سم . وقد يقال : الكيل لا يعد فيها ضابطاً لأن(3/354)
"""""" صفحة رقم 355 """"""
للقدر اليسير منها مالية كثيرة . قوله : ( والباذنجان ) بكسر الذال وفتحها ، برماوي . قوله : ( والبقول ) وهي الخضراوات كالملوخية والرجلة ، وفي المصباح : البقل كل نبات اخضرّت به الأرض اه . قوله : ( والجمع فيها ) أي المذكورات من البطيخ وما بعده ، كأسلمت إليك في مائة بطيخة كل بطيخة رطلان . وكذا لا يصح في الواحدة بأن يقول : في بطيخة وزنها رطل . وهذا إذا أريد الوزن التحديدي ، وإلا فيصح اه . وعبارة م د على التحرير : ويصح في المكيل وزناً وكذا عكسه إن عدّ فيه ضابطاً ، بخلاف ما لا يعدّ الكيل فيه ضابطاً كعنبر وفتات مسك ودراهم ودنانير . ولا يصح الجمع بين الكيل والوزن كأردب قمح وزنه كذا ، ولا بين الوزن وغيره ، كذلك كالذرع فيمتنع كثوب ذرعه كذا ووزنه كذا إلا في نحو لبن بكسر الباء مما يضرب عن اختيار فيصح فيه الجمع بين العدّ والوزن . وعلم مما ذكر جمع العدّ مع الذرع في البسط فلا بد من ذكرهما فيها اه ق ل . وفي شرح م ر : وقول السبكي ( لو أسلم في عدة من بطيخ مثلاً كمائة بالوزن في الجميع دون كل واحدة جاز اتفاقاً ) ممنوع كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى ، أي فيتعين فيه الوزن فقط بأن يقول : أسلمت إليك في قنطار من البطيخ مثلاً اه . وأما في البطيخة الواحدة ونحوها فلا يجوز السلم فيها مطلقاً ؛ لأنه لا بد من الوزن مع الأوصاف ، وذلك يورث عزة الوجود ما لم يرد الوزن التقريبي . قال سم : واعلم أنه ينتج من هذا الكلام أن البطيخة الواحدة متقومة لأنه لا يجوز السلم فيها ، بخلاف الجملة فإنها مثلية لجواز السلم فيها . وكذا يقال في البيضة الواحدة والجملة اه . والحاصل أنه إذا جمع بين العدّ والوزن في جملة من البطيخ مثلاً ، فإن أراد التقريبي صح كما لو اقتصر على الوزن مطلقاً وإلا فلا يصح .
قوله : ( فيورث عزة الوجود ) فتعين الوزن بأن يقول : أسلمت إليك في قنطار من البطيخ مثلاً ح ل . قوله : ( وإن لم يقلّ اختلافه ) أي بأن كثر اختلاف قشوره بالغلظ والرقة فلا يؤثر في صحة السلم للمسامحة فيه . وعبارة شرح المنهج : وإن كان من نوع يكثر اختلافه بغلظ قشوره ورقتها ، خلافاً للإمام اه . وقوله ( خلافاً للإمام ) حيث قال : إنه إذا كثر اختلافه لا يصح كيلاً ولا وزناً كما في شرح الروض . قوله : ( وكذا كيلاً ) قد يقال الكيل لا يعد فيه ضابطاً . والقياس المذكور قياس مع الفارق . قوله : ( ولو عين كيلاً ) أو ميزاناً أو ذراعاً . وفي معنى تعيين المكيال(3/355)
"""""" صفحة رقم 356 """"""
ما لو شرط الذراع بذراع يده ولم يكن معلوم القدر فلا يصح ؛ لأنه قد يموت قبل القبض اه مرحومي . وفي بعض النسخ : فلو عين بقاء التفريع وهي غير ظاهرة إذ لا يظهر تفريعه على ما قبله ، فنسخة الواو ظاهرة . وعبارة متن المنهج : وفسد بتعيين نحو مكيال غير معتاد . قوله : ( فسد السلم ) عبارة المنهج : لأنه قد يتلف اه . وهذا ظاهر في المؤجل ، وأما الحالّ فلأنه قد يؤخر القبض لكونه غير معتاد فيتلف اه . قوله : ( ككوز ) لأنه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة فيؤدي إلى التنازع . قوله : ( لا يعرف الخ ) تفسير لغير المعتاد كما يدل له تفسير المعتاد بقوله : بأن عرف قدر ما يسع .
قوله : ( وإن كان مؤجلاً ذكر وقت محله ) معناه إن كان مؤجلاً وجب أن يذكر أجلاً معلوماً ؛ ولذلك فرع عليه الشارح قوله : فيجب الخ ؛ لأن ظاهر المتن أن مطلق بيان الوقت يكفي ، وليس كذلك . قوله : ( معلوماً ) أي لهما أو لعدلين غيرهما كما في متن المنهج ، أي ليرجع إليهما عند التنازع . فإن قلت : لم أكتفي هنا بمعرفة العاقدين أو عدلين ولم يكتف بذلك في صفات المسلم فيه بل لا بد من معرفتها للعاقدين وعدلين كما في المنهج ؟ قلت : أجاب في شرح المنهج بأن الجهالة هنا راجعة إلى الأجل وهناك إلى المعقود عليه ، فجاز أن يحتمل هنا ما لا يحتمل هناك . وليس المراد هنا وثم عدلين معينين ، إذ لو كان كذلك لم يجز لاحتمال أن يموتا أو أحدهما أو يغيبا في وقت المحل فيتعذر معرفتها أي الصفات والأجل ، بل المراد أن يوجد أبداً في الغالب ممن يعرفها عدلان أو أكثر في محل التسليم فما فوقه إلى مسافة العدوى ؛ لأن من تعين عليه أداء الشهادة لا يجب عليه الإجابة إلا من المحل المذكور ، شرح المنهج والحلبي . وقوله : لهما ولعدلين فلا يكفي دون الأربعة ، والمراد أن يوجد أبداً عدلان يعرفانها وأفهم كلامهم أنه لا يشترط في صحة العقد حضورهما خلافاً لمن توهمه اه م د على التحرير .
قوله : ( كشهور العرب ) وهي الهلالية شهر منها ثلاثون يوماً وشهر تسع وعشرون إلا ذا الحجة فإنه تسع وعشرون وخمس وسدس ، فالسنة العربية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً وخمس وسدس يوم ؛ ذكره صاحب المهذب . وتوقف مجلي فيه وقال : لم يبن لي وجه زيادة الخمس والسدس ، وصحح الجيلي أن الهلالية ثلثمائة وخمسة وخمسون يوماً والسنة الشمسية ثلثمائة وخمسة وستون يوماً أوّلها الحمل وربما يجعل أولها النيروز ، والهلالية أولها المحرم ، دميري .(3/356)
"""""" صفحة رقم 357 """"""
قال شيخ الإسلام في شرح الروض : وقرر الفرغاني زيادة الكسرين بأنه يزيد في كل ثلاثين سنة أحد عشر يوماً فإذا قسطت على السنين خص كل سنة خمس وسدس يوم ، قال : وهذا إنما يحصل باجتماع الشمس والقمر أما برؤية الهلال فلا زيادة ، نقله عنه القاضي مجلى ، ثم قال : وهو مناقض لقول المهذب في الهلالية اه . وقد يقال على بعد : لا مناقضة لاحتمال أن الهلالية تزيد من حيث الاجتماع المذكور لا من حيث رؤية الهلال اه . قوله : ( إن عرفه المسلمون ) بخلاف ما إذا اختص الكفار بمعرفته لعدم اعتماد قولهم ، نعم إن كانوا عدداً كثيراً يمتنع تواطؤهم على الكذب جاز كما قاله ابن الصباغ لحصول العلم بقولهم اه م ر . قوله : ( أو المتعاقدان ) معطوف على المسلمون . قوله : ( فإن أطلق الشهر ) بأن قال : تحضره بعد شهر . قوله : ( بعد الأول المنكسر ) ولا يلغى المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد ، م ر . قوله : ( نعم إن وقع ) استدراك على قوله : تمم الأول ثلاثين . قوله : ( بالأهلة تامة ) أي ولا يتمم اليوم مما بعدها . قوله : ( أو ناقصة ) قال الرملي : وإن نقص بعضها هو الأخير ولا يتمم الأول مما بعدها لأنها مضت عربية كوامل ، هذا إذا نقص الشهر الأخير وإلا لم يشترط انسلاخه بل يتمم اليوم الأول الذي وقع فيه العقد من اليوم الأخير فإذا وقع العقد عند الزوال من ذي الحجة مثلاً وأجل بثلاثة أشهر اكتفى بالمحرم وصفر مطلقاً كاملين أو ناقصين أو مختلفين ، وكذا ربيع الأول إن نقص بخلاف ما إذا كمل فإن الدين يحل وقت الزوال من آخره ع ش . قوله : ( لم يصح الخ ) لأنهما أي العاقدين جعلا جميع الشهر مثلاً ظرفاً ، فيصدق بأيّ جزء من أجزائه كما في ش م ر . قوله : ( أو آخره ) أي قال إلى أول آخره فيصح ويحمل على الآخر ويلغو ذكر أول ، وهذا هو المعتمد كما في م د . قوله : ( على الجزء الأول ) أي من الشهر أو من آخره ، فيحل في الثانية بأول الجزء الأخير من الشهر المعين ، فيحل الأجل بأول اللحظة الأخيرة منه ، أي فيتبين بأول الشهر الذي يليه حلول الأجل بأول آخر الشهر الذي قبله ، ق ل بإيضاح . والذي في شرح م ر : أنه يحل بآخر جزء من الشهر فيكون قوله ( أو آخره ) عطفاً على أول من غير تقدير(3/357)
"""""" صفحة رقم 358 """"""
مضاف ، إذ لا معنى لتقديره وإلغائه وعلى تسليم تقديره فيكون غير ملغى ؛ لأنه عليه يحل بأول الجزء الأخير من الشهر كما قاله المحشي ، فعبارته غير محررة تأمل . والمعتمد كلام م ر . قوله : ( ويحمل على الأول ) إن أراد بالأول ما يلي العقد فالاستثناء بعده مستدرك ؛ لأن العيد الأكبر حينئذ يلي العقد ، وإن أراد حقيقة الأول فالاستثناء مضرّ أي لقصوره لأن غير العيد مثله فتأمل ق ل .
قوله : ( وأن يكون موجوداً ) يعني يوجد بلا مشقة لا تحتمل عادة ق ل . وأخذ هذا من قوله الآتي : ولو ظن تحصيله الخ . وهذا الشرط يغني عن قوله فيما تقدم وأن يكون مما يصح بيعه كما يشير إليه قول الشارح ؛ لأن المعجوز عن تسليمه الخ شيخنا العشماوي . إلا أن يقال أتى به توطئة لقوله الآتي في الغالب ، تأمل . قوله : ( موجوداً عند الاستحقاق ) أي سواء كان السلم حالاًّ أو مؤجلاً . قوله : ( أي عند وجوب التسليم ) وذلك بالعقد في الحال وبحلول الأجل في المؤجل ، وهذا وإن علم من شروط البيع . والكلام هنا في الزائد إلا أنه لما اختلف وقت القدرة هنا عدّه زائداً . والأولى أن يقال الشرط في البيع القدرة على التسلم من المشتري والشرط هنا القدرة على التسليم من البائع الذي هو المسلم إليه . قوله : ( وكذا لو أسلم الخ ) إنما فصله بكذا للخلاف فيه . قوله : ( لو أسلم مسلم كافراً ) أي لكافر في عبد مسلم . وفيه أنه يتصور دخول ملك المسلم في يد الكافر في صور كما تقدم ، فيمكن وجوده عند الاستحقاق لكنه نادر ، فكان الأولى أن يذكر هذا بعد قول المصنف في الغالب .
قوله : ( ولو ظن الخ ) مرتبط بشيء محذوف كما يؤخذ من غير هذا الكتاب ، أي أن يكون موجوداً عند الاستحقاق بلا مشقة عظيمة . قوله : ( بمشقة عظيمة ) أي لا تحتمل عادة . قوله : ( فإن كان المسلم فيه الخ ) محترز قيد ملحوظ أيضاً ، والتقدير أن يكون موجوداً عند الاستحقاق ببلد العقد فإن كان ببلد آخر ففيه تفصيل . قوله : ( غالباً ) لا حاجة لذكر غالباً بعد اعتيد ؛ لأن(3/358)
"""""" صفحة رقم 359 """"""
الخارج بأحدهما وهو ما لا يغلب نقله خارج بالآخر ق ل . قال شيخنا : العادة تثبت بمرة ومرتين فالاعتياد لا يفيد الغلبة فلا يغني عنها . قوله : ( ونحوه من المعاملات ) ينبغي إسقاطه اه ق ل . أي لأن نقله لغير البيع كالهدية والهبة لا يعتبر ما لم يعتد بيع المهدى إليه الهدية . وهذا يقتضي أن الهدية والهبة يقال لهما معاملة بأن يراد بها ما يقع بين اثنين . ويجاب بأن مراد الشارح بنحوه المعاوضات كالسلم والأجرة والصداق . قوله : ( وإلا ) بأن لم ينقل أصلاً ، أو نقل نادراً للبيع ، أو نقل غالباً للهدية نعم لو كان المهدى إليه يبيع صح أخذاً من العلة سواء كان هو المسلم إليه أم غيره كما قاله الشوبري . قوله : ( لأن المسلم فيه الخ ) يشير بذلك إلى الفرق بينه وبين المبيع المعين ، فإنه ينفسخ فيه البيع بالتلف . قوله : ( فيتخير ) أي على التراخي على المعتمد ق ل ، فله الفسخ ولو بعد أن أجاز كما في شرح المنهج . قوله : ( بين فسخه ) أي في جميعه دون بعضه المنقطع فقط ، م ر .
قوله : ( كما في الاستقصاء ) اسم كتاب لابن القفال الشاشي ، سمي بذلك لأنه استقصى فيه نصوص الشافعي رضي الله عنه القديمة والجديدة ، اه ق ل على المحلي . قوله : ( ولا فيما استقصى ) أي استوعب وظاهره ولو كانت موجودة ؛ لأن من شأنها عزة الوجود ، قال العبادي في شرحه على المتن : وكاللآلىء الكبار لندرة استقصاء الأوصاف من ذكر حجم وشكل ووزن وصفاء ولون إلى غير ذلك .
قوله : ( في السلم المؤجل ) ليس قيداً في جميع الصور ، فمفهومه فيه تفصيل ؛ فالأولى حمل المتن على الأعم من المؤجل والحالّ وتقييده بما إذا كان موضع العقد غير صالح للتسليم ، سواء كان للنقل إليه مؤنة أو لا ، فيصدق حينئذٍ بأربع صور يجب فيها البيان ويبقى(3/359)
"""""" صفحة رقم 360 """"""
التفصيل في مفهوم القيد المذكور ، وهو ما إذا كان موضع العقد صالحاً ، فيقال : إن كان السلم مؤجلاً وجب البيان إن كان للنقل إليه مؤنة وإلا فلا يجب ، وإن كان حالاًّ لا يجب البيان سواء كان للنقل إليه مؤنة أو لا ، فمحصل الصور ثمانية يجب البيان في خمسة ولا يجب في ثلاثة وكلها في الشرح على هذا الوجه ، فصنيع الشارح هنا هو المعتمد خلافاً لما في شرح المنهج . والحاصل أن السلم إما حالّ وإما مؤجل ، وكل منهما إما أن يكون بمحل صالح للتسليم أو لا ، وعلى كل إما أن يكون المسلم فيه لحمله مؤنة أم لا ؛ فالصور ثمانية . فإن لم يصلح محل العقد للتسليم وجب البيان مطلقاً ، أي حالاًّ كان أو مؤجلاً لحمله مؤنة أم لا وإن صلح لذلك وليس لحمله مؤنة لم يجب البيان مطلقاً أي سواء كان حالاًّ أو مؤجلاً وإن صلح ولحمله مؤنة وجب البيان في المؤجل دون الحال ، فيجب البيان في خمس صور ؛ قاله سم على ابن حجر نقلاً عن م ر . وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
مهما يكن محل عقد السلم
به انتفى الصلاح للتسلم
فواجب بيان ذاك مطلقاً
أو كان صالحاً ففيه حققا
إن لم تكن مؤنة للحمل
فذا البيان لم يجب في كل
وإن تكن مؤنة تحققت
ففي المؤجل البيان قد ثبت قوله : ( بموضع لا يصلح للتسليم ) صادق بأربع صور بقطع النظر عن تقييد الشارح بالمؤجل ؛ لأنه شامل للحال والمؤجل سواء كان لنقله مؤنة أو لا . وقوله ( أو يصلح الخ ) صورة خامسة ، فهذه صور وجوب البيان . قوله : ( أو يصلح ) أي وكان مؤجلاً كما فرضه . قوله : ( لتفاوت الأغراض ) علة للمتن . وقوله ( فيما يراد ) متعلق بتفاوت وقوله من الأمكنة بيان لما . قوله : ( فلا يشترط ما ذكر ) أي حالاًّ أو مؤجلاً ، وكذا إذا كان لحمله مؤنة وكان حالاًّ . قوله : ( ويتعين مكان الخ ) أي ما لم يعينا غيره ، وإلا تعين إن كان صالحاً للتسليم ، وإلا لم يصح . قوله : ( في بلدة كذا ) أي إن كانت صغيرة . قوله : ( فكفى إحضاره ) هذا مفرّع على قوله : يسلم لي في بلدة كذا . وخرج بقوله ( إلا أن تكون كبيرة ) ما لو كانت كبيرة فلا بد فيها من تعيين(3/360)
"""""" صفحة رقم 361 """"""
محل التسليم ؛ مدابغي . قوله : ( اختلاف الغرض ) فيه أن المكان قد يختلف به الغرض . ويجاب بأن الزمان أشد اختلافاً من المكان ، فقول الشارح ( اختلاف الغرض ) أي اختلافاً أشد من المكان . قوله : ( من ثلاثة أوجه ) ثانيها : أنه لا يتعين مكان ، ثالثها : يتعين ذلك المكان وإن لم يصلح للتسليم . قوله : ( أما السلم الحال الخ ) محترز المؤجل . قوله : ( فيتعين فيه ) سواء كان لنقله مؤنة أم لا ، أي إن كان صالحاً أخذاً مما بعده . قوله : ( فإن عينا غيره ) راجع لقوله : أما السلم فيتعين فيه موضع العقد للتسليم ولقوله سابقاً : أما إذا صلح للتسليم ولم يكن لحمله مؤنة الخ . قوله : ( تعين ) أي إذا كان صالحاً وإلا تعين أقرب المحال إليه ولو كان أبعد منه ، ولا أجرة له لاقتضاء العقد ذلك فهو من تتمة التسليم الواجب عليه ، ولا يثبت الخيار للمسلم ولا للمسلم إليه كما في شرح م ر . قوله : ( بخلاف المبيع المعين ) أي فيجب تسليمه في محل العقد وإن لم يصلح ، فلو قال اشتريت منك هذا العبد بشرط أن تسلمه لي في مكان كذا لم يصح العقد لفساد الشرط ؛ اه م د وح ف . قوله : ( لأن السلم ) أي من حيث هو . قوله : ( فقبل ) أي السلم شرطاً يتضمن تأخير التسليم وهو بيان محل غير محل العقد للتسليم إن كان محل العقد صالحاً ، بخلاف المبيع العين لا يقبل التأجيل فلا يقبل شرطاً يتضمن تأخير القبض عن محل العقد وإن كان محل العقد غير صالح . قوله : ( تأخير التسليم ) أي إلى الوصول لذلك المكان المعين ؛ لأنه لما دخله التأجيل من حيث هو قبل تأخير القبض . قوله : ( والمراد بموضع العقد الخ ) راجع لمسئلتي الحالّ إذا كان المؤجل صالحاً ، ولمسئلة المؤجل إذا كان صالحاً ولا مؤنة لحمله .
قوله : ( والسابع أن يتقابضا ) هذا شرط لاستمرار الصحة . وعبارة سم : أن يتقابضا أي رأس المال قبل التفرق ، بأن يسلمه المسلم ويتسلمه المسلم إليه . فعبر عن ذلك بالتقابض تسامحاً مع ظهور المراد . وعبارة ق ل : لا يخفى أن صيغة المفاعلة باطلة ، إذ ليس في كل من العاقدين قبض ولا إقباض ، وإنما الإقباض من المسلم والقبض من المسلم إليه ، بل يكفي استقلال المسلم إليه بالقبض على المعتمد كما في البيع إذا قبض البائع الثمن الحالّ مع أن هذا مكرر مع ما مر اه . واعلم أن هذا شرط لاستمرار الصحة .(3/361)
"""""" صفحة رقم 362 """"""
قوله : ( قبضاً حقيقياً ) خرج به صورة الحوالة . قوله : ( أو التخاير ) أي اختيار اللزوم وأو بمعنى الواو على المعتمد عند م ر . وعند ابن حجر وشيخ الإسلام على بابها ، وهو ضعيف . قوله : ( لكان في معنى الخ ) إنما كان في معناه ولم يكن منها ، لأن بيع الكالىء بالكالىء هو بيع الدين الثابت قبل بدين ثابت قبل وهنا الدين منشأ فتأمل . قوله : ( غرر تأخير رأس المال ) أي إن كان رأس المال معيناً ليقابل قوله : إن كان الخ . قوله : ( ولا بد من حلول رأس المال الخ ) هذا مكرر مع ما سبق . قوله : ( كالصرف ) وهو بيع الذهب بالذهب وبيع الفضة بالفضة أو بيع أحدهما بالآخر . سمي صرفاً لصرفه عن مقتضى المبايعات من جواز التفاضل عند اختلاف الجنس دون اتحاده ، أو لأخذه من الصريف وهو التصويت عند عدّ النقد ؛ ومنه صريف الأقلام وهو صوت حركتها على المكتوب . قوله : ( قبله ) أي قبل تسليمه ، بدليل قوله : أو قبل تسليم بعضه . قوله : ( أو ألزماه ) أي قبله . قوله : ( برأس الخ ) لا يخفى أن الحوالة به وعليه غير صحيحة ، فالتقييد فيه نظر ح ل . قوله : ( وقبضه ) قيد به ليعلم منه صورة عدم القبض بالأولى . قوله : ( فلا يصح ذلك ) أي فلا يصح عقد السلم . قوله : ( سواء أذن الخ ) أي إذناً جديداً غير إذن الحوالة . قوله : ( يؤدي عن جهة نفسه ) أي لأن بالحوالة يتحوّل الحق إلى ذمة المحال عليه ، فهو يؤديه عن جهة نفسه . قوله : ( بإذنه ) أي إذن جديد غير إذن الحوالة لفسادها مرحومي فلو لم يأذن لم يصح التسليم إليه لبقائه على ملك الأول لبطلان القبض الأول ، ولو أحال المسلم إليه ثالثاً برأس المال على المسلم فالحوالة باطلة أيضاً ، فإن أذن المسلم إليه للمسلم في التسليم إلى المحتال ففعل في المجلس صح وكان الثالث وكيلاً في القبض كما في شرح م ر . ولو قال لمدينه : اجعل ما في ذمتك رأس مال على كذا في ذمتك أو ذمة غيرك ، فلا يصح لأنه إما قابض مقبض من نفسه أو وكيل في إزالة ملك نفسه ، وكل باطل اه ق ل . قوله : ( ولا يشترط تعيين الخ ) هذا تقدم فهو مكرر ، ولا يضر تكرير ذلك لأنه لا يخلو من فائدة فإنه يزيد في ذهن الطالب رسوخ الحكم لأن ذلك الكتاب أصل وضعه للمبتدين .(3/362)
"""""" صفحة رقم 363 """"""
قالوا لمسلم فضل
قلت البخاريّ أعلى
قالوا المكرر فيه
قلت المكرر أحلى قوله : ( ثم عين ) أي وسلمه بدليل ما بعده . قوله : ( لا يدخله خيار الشرط ) تفسير لقوله ( ناجزاً ) . قوله : ( لأنه ) أي لأن عقد السلم بالنسبة لرأس مال السلم . قوله : ( لا يحتمل التأجيل ) أي تأجيل رأس المال ، أما تأجيل المسلم فيه فيصح . قوله : ( لأنه مانع من الملك ) أي إن كان لهما أو للبائع ، أو من لزومه إن كان للمشتري .
قوله : ( لو أحضر المسلم ) أي عجله قبل وقت حلوله سواء كان في محل التسليم أو في غيره . قوله : ( المسلم فيه المؤجل ) ومثله كل دين مؤجل إذا عجل . قوله : ( بأن كان حيواناً ) أو كان المسلم محرماً والمسلم فيه صيداً فيما يظهر ؛ قاله الزركشي اه شوبري . ولو عبر الشارح بقوله ( كأن ) بدل قوله ( بأن ) لكان أولى ؛ لأنه يوهم الحصر فيما ذكر ، وليس مراداً ولكن يكثر في كلام الشيخين الإتيان ( بأن ) بدل ( كأن ) ولكنه خلاف المصطلح عليه ، اه مرحومي . قوله : ( أو وقت إغارة ) التقدير : أو كان الوقت وقت إغارة . وهو من عطف الجمل ولا يصح عطفه على خبر ( كان ) ، مرحومي ؛ لأنه يكون المعنى عليه أو كان المسلم إليه وقت إغارة فيلزم عليه الإخبار باسم الزمان عن الذات وهو ممتنع ، قال ابن مالك :
ولا يكون اسم زمان خبرا
عن جثة وإن يفد فأخبرا
قوله : ( يريدأكله ) أي الأحد . قوله : ( طرياً ) لم يقل طريين لأن العطف بأو . وعبارة الشوبري : لم يقل طريين ؛ لأن طرياً بوزن فعيل يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع ، قال(3/363)
"""""" صفحة رقم 364 """"""
تعالى : ) والملائكة بعد ذلك ظهير } ) التحريم : 4 ) . قوله : ( مؤنة ) أو كان يترقب زيادة سعره عند المحل فيما يظهر ، م ر . قوله : ( لم يجبر على قبوله ) وإن كان للمؤدي غرض صحيح لتضرره حينئذ كما في شرح المنهج . فعلم أنه لو تعارض غرضاهما روعي جانب المستحق . قوله : ( أم لا ) أي لا لغرض . واعترض بأن غرض البراءة حاصل على كل حال . وأجيب بأنه تارة يلاحظه وتارة لا يلاحظه ع ن . وقوله ( لا لغرض ) بأن لم يلاحظ البراءة وإن كانت حاصلة . قوله : ( أخذه الحاكم ) ويظهر وجوبه عند الطلب ، أي طلب المسلم إليه المسلم بأخذ حقه ؛ شوبري . أي وبرىء المدين ، وكذا لو كان المسلم غائباً وأتى به المسلم إليه في وقته فإن الحاكم يقبضه له اه ز ي . قوله : ( المسلم فيه الحال ) أي أصالة أو عرضاً بأن كان مؤجلاً وحل ، وهذا محترز قوله فيما تقدم ( المؤجل ) وقوله ( في مكان التسليم ) متعلق بأحضر . قوله : ( لغرض غير البراءة ) كفك رهن وكفيل ، وكذا لو لم يكن للمسلم إليه غرض لوجود محل التسليم وزمانه ، فامتناعه محض عناد فضيق عليه بطلب الإبراء . قوله : ( أجبر المسلم على قبوله ) أي وإن كان الزمن زمن نهب ، بخلافه في القرض لا يلزمه القبول وإن وقع الإقراض وقته لأنه محسن هناك بخلافه هنا . قوله : ( ولو ظفر الخ ) شروع في المكان . قوله : ( بعد المحل ) بكسر الحاء . قوله : ( محل ) بفتح الحاء أي مكانه المعين بالشرط أو العقد ، شرح المنهج . قوله : ( ولم يتحملها المسلم ) بأن يدفع المسلم للمسلم إليه مؤنة النقل من محل التسليم إلى محل الظفر ، ح ل . قوله : ( لم يلزمه الأداء ) لتضرر المسلم إليه بذلك ، بخلاف ما لا مؤنة لنقله كيسير نقد وماله مؤنة وتحملها بالمسلم لانتفاء الضرر حينئذ م ر . وقال س ل : لم يلزمه الأداء أشار بنفي الأداء خاصة إلى أن له الدعوى عليه وإلزامه بالسفر معه إلى مكان التسليم أو بالتوكيل ولا يحبس اه . قوله : ( ولا يطالبه بقيمته ) ولو للحيلولة لامتناع الاعتياض عنه كما مر ، فله الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه ، أما إذا لم يكن لنقله مؤنة أو تحملها المسلم فيلزم المسلم إليه الأداء ؛ شرح المنهج . قوله : ( لغرض صحيح ) كأن كان لنقله منه إلى محل التسليم مؤنة ولم(3/364)
"""""" صفحة رقم 365 """"""
يتحملها المسلم إليه ، أو كان الموضع أو الطريق مخوفاً ؛ شرح المنهج . فإن رضي بأخذه لم يجب له مؤنة النقل ، بل لو بذلها له لم يجز له قبولها لأنه كالاعتياض اه م ر . فإن استأجر المسلم إليه من يحمله فلا اعتياض فحينئذ للمسلم أن يمتنع من أخذ المسلم فيه ، ويقول للمسلم إليه : أرسله إلى محل التسليم .
قوله : ( أجبر على قبوله ) أي عيناً نظير ما مر لكونه في غير موضع التسليم . قوله : ( إن كان للمؤدي الخ ) ليس بقيد . قوله : ( بصفة المسلم فيه ) كأن أسلم إليه جارية صغيرة في جارية كبيرة موصوفة بأوصاف فكبرت عنده متصفة بالصفات التي ذكرها حتى صارت كالمسلم فيه ، وإن وطئها ما لم تحبل منه اه ز ي وم د .
3 ( ( فصل : في الرهن ) ) 3
قوله : ( وهو لغة الثبوت ) هذا ظاهر بناء على أنه مصدر رهن لازماً بمعنى دام وثبت ؛ لكنه لا يناسب قوله الآتي معناه : فارهنوا . أما إذا جعل مصدر الرهن متعدّياً فإنما يناسب أن يقال هو لغة الإثبات ، إلا أن يقال أطلق الثبوت الذي هو أثر الإثبات وأراد الإثبات نفسه ؛ لكنه لا يناسب قوله : ومنه الحالة الراهنة ، وإنما لم يجعله من رهن بمعنى ثبت ودام ؛ لأن الأركان الآتية لا تناسبه اه ع ش . ورهن أفصح من أرهن بل منع الأزهري الثانية كما ذكره الشوبري .
قوله : ( جعل عين ) مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل ، تقديره : جعل المالك أو من قام مقامه عيناً وثيقة الخ . ودخل تحته العقد والصيغة . وقوله ( عين مالية ) ، هي المرهون ، وقوله ( وثيقة بدين ) هو المرهون به ، فاشتمل التعريف على الأركان . وقوله ( يستوفي ) تفسير لقوله ( وثيقة ) وخرج بهذا القيد غير المملوك كالموقوف والمغصوب . قوله : ( يستوفي ) أي الدين أو بعضه منها . فلا يشترط كون المرهون قدر الدين ، فلو رهن عنده حجة بيت مثلاً كانت تلك الورقة وحدها مرهونة ، وأما البيت فلا يحصل قبضه إلا بالتخلية . وهذا ، أعني قوله ( يستوفي منه ) ليس من التعريف بل بيان لغايته ، وقيل : إنه منه لإخراج ما لا يصح الاستيفاء منه كالموقوف . قوله : ( منها ) من ابتدائية فيشمل ما إذا كانت العين أقل من الدين أو مساوية له . وجعلها تبعيضية يقتضي أن الرهن أكثر قيمة منها مع أنه ليس بلازم كما قرره شيخنا . وقال ق(3/365)
"""""" صفحة رقم 366 """"""
ل : وعلم من ذلك أنه لا يلزم كون المرهون على قدر الدين إلا في رهن وليّ على مال محجور اه . وقوله ( عند تعذر ) ليس بقيد بل جري على الغالب ، وقوله ( وفائه ) قال الرملي : للحاكم تعزير الممتنع من أداء دين عليه بعد طلب مستحقه منه بحبس أو ضرب وإن زاد على التعزير بل وإن أدى إلى موته ؛ لأنه بحق فلا ضمان فيه ، ق ل على المحلي . وعبارة ابن حجر : عزره بالضرب والحبس إلى أن يبيعه أي المرهون ويكرّر ضربه ، لكن يمهل في كل مرة حتى يبرأ من الألم الأول لئلا يؤدّي إلى قتله ؛ خلافاً لما أطال به السبكي . وقوله ( فرهن ) وقرىء ( فرهان ) وهي جمع رهن ، وقيل : جمع الجمع اه دميري . قوله : ( قال القاضي ) أي القاضي حسين ؛ لأنه متى أطلق يراد به ذلك . وأما البيضاوي فأعرب الآية إعراباً آخر حيث جعل ( فرهن ) مبتدأ وخبره محذوف ، أو خبر مبتدأ محذوف . والتقدير على الأول : فعليكم رهن ، وعلى الثاني : فالواجب عليكم رهن . وانظر على كلام القاضي حسين رفع رهن على أي شيء ، قال بعضهم : إنه وضع موضع فعله فصار منصوباً ثم عدل إلى الرفع كما في ( الحمد د ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ) وفيه أنه يقتضي أن يكون مرفوعاً حينئذ على الابتداء ، فيرجع إلى كلام البيضاوي . قوله : ( لأنه مصدر ) أي باعتبار مفرده بحسب الأصل ، فلا يرد أنه في الآية جمع وأنه بمعنى اسم المفعول أي المرهون ، بدليل وصفه بمقبوضة . ويمكن أن يكون وصفه بمقبوضة بالنظر لمتعلقه ، أو أن فيه استخداماً بمعنى أنه ذكر الرهن أوّلاً بمعنى المصدر ؛ وأعيد عليه ضمير مقبوضة بمعنى العين ، شيخنا العشماوي . قوله : ( جعل جزاء للشرط ) أي مقروناً بالفاء ، يعني والجواب لا يكون إلا جملة فيؤول بفعل الأمر ليصير جملة . وفيه أن تصييره جملة لا يتوقف على تأويله بالأمر ، إذ يجوز جعله مبتدأ والخبر محذوف تقديره : تستوثقون بها كما قدره الجلال ، فيكون جملة اسمية ؛ وإنما قال ( فارهنوا ) واقبضوا المأخوذ من المعنى لأن الرهن قبل القبض جائز فلا يتم لزومه إلا بذكر القبض .
قوله : ( رهن درعه الخ ) وآثره على بعض الصحابة ليسلم من نوع منة أو تكلف مياسير أصحابه بإبرائه ، أو عدم الأخذ منه ، أو بياناً لجواز معاملة أهل الكتاب . وقيل : لأنه لم يكن عند أحد من مياسير المدينة طعام فاضل عن حاجته غير اليهودي ، دميري على المنهاج . والصحيح أنه مات ولم يفتكّه ، حج ، ومثله شرح م ر . وإنما افتكه سيدنا عليّ بعد موته ، وقيل افتكه أبو بكر بعد موته ، وقال ق ل : الراجح أنه افتكّه قبل موته ؛ ولكن لم يأخذه من اليهودي فتوهم بعضهم بعدم أخذه أنه استمرّ على رهنه ، فتأمل . ومثله البرماوي على المنهج ؛ لكن الذي اعتمده ع ش الأول . وخبر : ( نَفْسُ المؤمِن مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ ) أي محبوسة في القبر غير(3/366)
"""""" صفحة رقم 367 """"""
منبسطة مع الأرواح في عالم البرزخ ، وفي الآخرة معوقة عن دخول الجنة حتى يقضي عنها محمول على من لم يخلف وفاء وعلى غير الأنبياء تنزيهاً لهم وعلى غير من لم يقصر وهو معسر وفي عزمه الوفاء فلا تحبس نفسه لأنه معذور اه ع ن على المنهج . ومفهومه أن من خلف وفاء لا يحبس وإن لم يقض ؛ لأن التقصير حينئذ من الورثة فالإثم عليهم لتعلق الدين بالتركة . قوله : ( على ثلاثين ) أي على ثمنها . قوله : ( لأهله ) أي اشتراها لأهله . والمعتمد أن نفقتهم واجبة عليه ، خلافاً للسبكي وغيره القائلين إنها لا تجب عليه . قوله : ( أربعة ) أي إجمالاً ، وإلا فستة تفصيلاً . قوله : ( وعاقدان ) لو قال ( عاقد ) لكان أنسب بكونها أربعة ، وإلا فهي على كلامه خمسة . قوله : ( فلا يصح رهن دين إلى قوله ولا منفعة ) أي ابتداء ، فلا ينافي كون المرهون قد يكون ديناً أو منفعة بلا إنشاء كبدل الجناية على المرهون ، فإنه محكوم عليه في ذمة الجاني بأنه رهن فيمتنع على الراهن الإبراء منه ، ومن مات مديناً وله منفعة ودين تعلق الدين بتركته تعلق رهن ومنها دينه ومنفعته شرح م ر ، وكمنفعة مؤجر . وكتب الزيادي على قول المنهج ( فلا يصح رهن دين ) : أي ابتداء ، والكلام في الرهن الجعلي فلا ينافي الرهن الشرعي فيما لو مات وعليه دين وله دين ، فإن التركة يتعلق بها الدين ومنه دينه الذي له على غيره . قوله : ( ولو ممن هو عليه ) أي ولو عند من هو عليه ، كأن يكون لك على شخص دين فتشتري منه شيئاً بثمن مؤجل وترهن عليه الدين الذي في ذمته . وتقدم أنه يصح بيع الدين ، فيكون من المستثنيات من قولهم : كل ما جاز بيعه جاز رهنه . قوله : ( لأنه غير مقدور على تسليمه ) وذلك لأن ما في الذمة لا يملك ، والمأخوذ عما في الذمة مثله لا عينه ، فكان غير مقدور عليه بهذا الاعتبار كما قاله شيخنا العزيزي . قوله : ( كوقف ) أي موقوف ؛ لأنه خرج عن الملك ، وشرط المرهون أن يكون مملوكاً . قوله : ( ويصح رهن المشاع ) أي عقاراً أو غيره ، أخذاً من كلامه(3/367)
"""""" صفحة رقم 368 """"""
بعد ، وقوله : من الشريك ، أي له . قوله : ( فيكون بالتخلية في غير المنقول ) ولا بد من التفريغ ليحصل القبض الشرعي ، ز ي . قوله : ( ولا يجوز نقله ) أي فيحرم ، ولكن يصح وتصير حصة شريكه مضمومة عليه ، فما ذكره غير محتاج إليه من حيث صحة القبض بل لتكون حصة الشريك أمانة تحت يده . والفرق بين المنقول وغيره أن وضع يد المرتهن عليه حسيّ وعلى غيره حكميّ فلم يحتج فيه للإذن فافهم . وقال ع ش : قوله ( ولا يجوز نقله الخ ) أي يحرم ويصح ، وخرج به العقار فيجوز بغير إذن الشريك ، وينبغي أنه لو تلف حينئذ عدم الضمان ، ويوّجه بأن اليد عليه ليست حسية لأنه لا تعدي في قبضه لجوازه اه . قال السبكي : النقل يحصل به القبض بإذن الشريك أو بغيره ، لكن لا يحل إلا بإذن الشريك ، فالموقوف على إذن الشريك في المنقول حلّ القبض لا صحته اه شوبري .
قوله : ( فإن أبى ) أي ففيه تفصيل بينه بقوله : فإن رضي الخ ، فجواب الشرط محذوف . قوله : ( وإن تنازعا ) أي المرتهن وشريك الراهن . قوله : ( صورتان ) لعل الاقتصار عليهما لعمومهما ، وإلا فالمعلق عتقه بصفة لم يعلم حلول الدين قبلها بل ، وكذا ما يسرع فساده إن لم يشرط بيعه عند خوف فساده وجعل ثمنه رهناً مكانه كذلك ق ل . قوله : ( يجوز بيعها ) أي حيث رؤيت قبل الزرع أو من خلاله ؛ ولعلّ الفرق على هذا أن البيع يراد للدوام فحيث علم المشتري بالزرع حين الشراء أو بعده وأجاز البيع فقد رضي بالأرض مسلوبة المنفعة تلك المدة فكان كشراء المعيب . والمقصود من الرهن التوثق واستيفاء الدين من المرهون عند المحل ، والزرع قد يتأخر وقت البيع أو يضعف الأرض ، فلا يتيسر البيع في ذلك الوقت فتقل الرغبة فيها فلا يحصل مقصود الرهن من استيفاء الدين اه ع ش .
قوله : ( ولا يجوز رهنها ) لأن المقصود من الرهن التوثق وتوفية الدين عند الحلول ، وربما يحل الدين قبل التفريغ فيحصل النزاع لا إلى غاية . وكتب المرحومي على قوله ( ولا يجوز رهنها ) : كذا في كلام المؤلف ، ولم أر من وافقه ولا من خالفه ، وانظر علة منع الرهن مع جواز البيع وحرره اه . قلت : بل وافقه الدميري على المنهاج ، فقال : فرع رهن الأرض المشتغلة بالزراعة باطل ، كذا بخط بعضهم وهذا ضعيف ، والمعتمد أنه يصح بيعها ورهنها ؛ وانظر هل يمكن حمل كلام الشارح على ما إذا رهن الأرض مع الزرع قبل بدوّ الصلاح ؟ فإن(3/368)
"""""" صفحة رقم 369 """"""
الزرع الأخضر على انفراده لا يصح رهنه وإذا انضم إلى الأرض منع رهنها فيكون ذلك من باب اجتماع المانع والمقتضي فيغلب المانع ، حرره م د . قوله : ( ومن مفهومه ) وهو ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه . وقوله ( وصورة ) اقتصر عليها لعمومها وإلا فرهن مصحف وعبد مسلم عند كافر وسلاح لحربي صحيح وإن لم يجز تسليم العين له ، وكرهن المستعار أي إذا استعار شيئاً ليرهنه فإنه صحيح مع عدم صحة بيع المستعير له ق ل . قوله : ( الأمة ) بدل من صورة ، وفي بعض النسخ : وهي الأمة . قوله : ( ويوزع الثمن الخ ) وفائدة هذا التوزيع مع وجوب قضاء الدين بكل حال تظهر فيما إذا تزاحم الغرماء ابن حجر مرحومي ، أو في تصرف الراهن في غير المرهون ، شوبري . وقوله ( فيما إذا تزاحم الغرماء ) أي فيقدم المرتهن بثمن الرهن على بقية الغرماء ، وما فضل من بقية دينه يحاصص به معهم بنسبة ما يخصه بدينه إن قليلاً فقليل أو كثيراً فكثير اه . قوله : ( بثلثي الثمن ) ويزاحم مع الغرماء في الباقي بنسبة الباقي من دينه مع بقية الديون .
قوله : ( في الديون ) أي على الديون . قوله : ( وشرط المرهون به ) أي عليه . قوله : ( كونه ديناً ) أطلق في الدين ، فشمل دين الزكاة إذا تعلقت بالذمة لا بالعين وشمل المنفعة إذا تعلقت بالذمة لا بالعين . قوله : ( فلا يصح بالعين ) أي عليها ، فالباء بمعنى ( على ) . قوله : ( والمستعارة ) بأن يعيره عيناً ويأخذ عليها رهناً . قوله : ( ولأنها لا تستوفى الخ ) أي ليست ديوناً حتى تستوفى من ثمن المرهون . فإن قيل : لم لا يصح الرهن ليستوفى منه قيمة تلك الأعيان إذا تلفت لأنها تصير ديوناً ؟ أجيب : بأن الدين يشترط فيه أن يكون ثابتاً ، وهذا لم يثبت أي لأنها ما دامت باقية لا يتصور استيفاء ذاتها من ثمنها ، وأما إن تلفت فإن كانت غير مضمونة فلا دين أصلاً وإن كانت مضمونة فيجب بدلها ويصير ديناً على واضع اليد ؛ لكن هذا الدين إنما وجد وثبت بعد تلفها وهو بعد الرهن فوقت الرهن لم يكن هناك دين فهو رهن على ما لم يثبت . قوله : ( مخالف لغرض الرهن ) أي الغرض منه .(3/369)
"""""" صفحة رقم 370 """"""
قوله : ( يؤخذ من ذلك ) أي من عدم صحة الرهن على العين أو من التعليل ، وأعني قوله : لأنها الخ . قوله : ( ويشرط أن لا يخرج منها كتاب ) حاصله أن الواقف إن أراد بشرط الرهن معناه الشرعي لغا الشرط ، وللناظر إخراج الموقوف بلا رهن . وإن أراد به اللغوي بمعنى التوثق صح الشرط ، ولا يجوز للناظر إخراجه إلا برهن واف به ق ل . وإن أطلق ففيه احتمالان : أقربهما الصحة صوناً لكلامه عن الهذيان ، ولا يخرج إلا برهن يساوي قيمته لو أريد بيعه والوقف صحيح مطلقاً أ ج . وعبارة المدابغي : قوله ( وذلك لا يصح ) أي الشرط لا يصح مطلقاً سواء أراد الرهن الشرعي أو اللغوي ، وهذا هو المعتمد ، كذا بخط أ ج . وصرح به سم فاعتمد كلام الشارح وضعف كلام ق ل . قوله : ( أحد المستحقين ) أي للموقوف . قوله : ( لا يكون مستحقاً ) أي لا يكون مستحقاً لما يرهن عليه . وقضيته أنه لو لم يكن من أحد المستحقين بأن كان موقوفاً على طائفة ليس هو منها أنه يصح ، وليس كذلك لأن هذه العلة وإن انتفت لكن خلفتها علة أخرى وهي عدم الاستيفاء من ثمن المرهون ، اه شيخنا . قوله : ( إذ المقصود ) علة لقوله ( ولا يصح ) . وقال بعضهم : ظاهره أنه تعليل لما قبله ولا يظهر ، وهو في الحقيقة وجه ثان لتضعيف كلام القفال ، فلو قال : ولأن الخ لكان أولى . قوله : ( من ثمن المرهون ) أي الذي رهن عند مباشرة الوقف . وقوله ( عند التلف ) أي تلف الذي أخذ من الوقف . قوله : ( بغير تعدّ الخ ) ليس قيداً ، وهذا إذا كان الراهن من جملة الموقوف عليهم ، وأما إذا لم يكن فهو قيد في عدم الضمان وإلا ضمن . قوله : ( لم يضمن ) أي فلا فائدة للرهن فكان شرطه باطلاً ، وبفرض الضمان لا فائدة للرهن لأنه لا يستوفى من المرهون لأن قيمته بعد تلفه دين حدث بعد الرهن فلا يستوفى منه . قوله : ( وعلى إلغاء الشرط ) أي المستفاد من قوله ( لا يصح ) فكأنه قال : لا يخرج أصلاً ، أي إن تيسر الانتفاع به في محله وإلا أخرج ، وأما إذا لم يلغ شرط الرهن بأن أريد الرهن اللغويّ فلا يخرج إلا برهن واف ؛ لكن ليس رهناً شرعياً بل للتوثق فقط . قال السبكي : إن عنى الرهن الشرعي فباطل ، أو اللغوي وأراد أن يكون المرهون تذكرة صح ، وإن جهل مراده احتمل بطلان الشرط حملاً على الشرعي ، فلا يجوز إخراجه برهن لتعذره ولا بغيره لمخالفته الشرط أو لفساد الاستثناء ، فكأنه قال : لا يخرج مطلقاً ؛ لأن خروجه مظنة ضياعه ، واحتمل صحته حملاً على اللغوي وهو أقرب تصحيحاً للكلام ما أمكن اه ش م ر . ثم قال م ر : واعلم أن محل عدم اعتبار شرط إخراجه وإن ألغينا شرط الرهن ما لم يتعسر الانتفاع به(3/370)
"""""" صفحة رقم 371 """"""
في ذلك المحل وإلا جاز إخراجه ، والمعتمد أن الوقف صحيح مطلقاً قصد الشرعي أو اللغوي وهو الحبس ؛ لكن مع إلغاء الشرط فقط . وقال سم على حج : المعتمد بطلان الشرط المذكور مطلقاً ، ولا يعوّل على كلام السبكي اه أ ج .
قوله : ( نعم ) استدراك على قوله : لا يجوز إخراجه الخ . قوله : ( في المحل الموقوف ) كخزائن الأزهر ، فإنه لا يمكن الجلوس فيها للمطالعة ، بخلاف ما إذا كان المحل خلوة كبيرة فإنه يمكن الانتفاع فيها . والظاهر أن مثل التعذر ما إذا كان المحل الموقوف فيه خارج الأزهر وأراد بعض الناس أن يأخذ من الوقف للحضور فيه في الأزهر ، أفاده شيخنا السجيني . قوله : ( أن يرده ) هو بدل من قوله ( بمن ينتفع به ) أي وثق برده إلى محله . قوله : ( جاز إخراجه ) عبارة ق ل : ولا يجوز الإخراج إلا برهن واف به ليكون باعثاً على رده ، ولا يستوفى منه الموقوف لو تلف . قوله : ( ثابتاً ) أي موجوداً ، بدليل ما بعده ق ل . قوله : ( فلا يصح بغيره ) وإن جرى سبب وجوبه كالعقد . قوله : ( معلوماً ) أي قدراً وصفة . قوله : ( أو آيلاً إلى اللزوم ) أي بنفسه ، بخلاف مال الكتابة وجعل الجعالة فإنهما وإن كانا يؤولان للزوم لكن لا بنفسهما بل بفعل فاعل ، كدفع مال الكتابة وردّ الضالة في الجعالة . وأيضاً الثمن وضعه اللزوم بخلافهما كما أشار إلى هذا الشارح بقوله : والأصل في وضعه اللزوم ، اه شيخنا جوهري . قوله : ( ولا بجعل الجعالة ) لأن له فسخها متى شاء . والفرق بينها وبين الثمن في مدة الخيار أن موجب الثمن البيع وقد تم بخلاف موجب الجعل وهو العمل . وصورة المسئلة : أن يقول : من رد عبدي فله دينار ، فيقول شخص : ائتني برهن وأنا أرده ومثله إن رددته فلك دينار وهذا رهن به . أو : من جاء به فله دينار وهذا رهن به ، اه عناني . قوله : ( ويجوز الرهن بالثمن ) أي عليه . قوله : ( في مدة الخيار ) أي الذي للمشتري وحده كما أشار إليه اه ق ل . قوله : ( وظاهر الخ ) تقييد لقوله : أو آيل إلى اللزوم . قوله : ( ملك المشتري المبيع ) أي بأن كان الخيار له وحده . قوله : ( ليملك البائع الثمن ) أي حتى يصح أخذ الرهن عليه ، ولا يباع المرهون إلا بعد انقضاء الخيار اه ش م ر .(3/371)
"""""" صفحة رقم 372 """"""
قوله : ( ولا حاجة لقول المصنف ) أي إن أريد بالمستقر ما حصل استيفاء مقابله كالأجرة بعد استيفاء المنفعة ، فتخرج الأجرة قبل استيفاء المنفعة ، فيقتضي أنه لا يصح الرهن عليها ؛ وليس كذلك . أما إذا أريد بالاستقرار اللزوم فكلام المصنف صحيح محتاج إليه كما في ق ل ، وعبارته : لا يخفى أن الاستقرار يطلق بمعنى اللزوم ، فيدخل فيه الصداق ولو قبل الدخول والمنفعة في إجارة الذمة والزكاة بعد تلف المال والأجرة بالعقد ، وقد يطلق بمعنى ما حصل استيفاء مقابله كقولهم يستقرّ من الأجرة على ملك المؤجر بقدر ما مضى من زمن المنفعة . وفهم الشارح أن المراد بالاستقرار في كلام المصنف المعنى الثاني ، فرتب عليه أن المصنف أخلّ بشرط اللزوم ، وذكر ما لا حاجة إليه . وليس كذلك ، وإنما المراد به المعنى الأول وهو اللزوم خصوصاً ، وقد رتبه على الثبوت لقوله بعد ثبوتها ، فلو حمل الشارح كلام المصنف على ذلك لكان مستقيماً ، فتأمل . وقال بعضهم : المراد بالمستقر ما يؤمن سقوطه كالثمن ولو في زمن الخيار بعد قبض المبيع ، فإنه لا يمكن سقوطه عن المشتري بدون فسخ ، بخلاف الصداق قبل الدخول فإنه يسقط بالفرقة التي بسببها ، وبخلاف الأجرة فإنها تسقط بانهدام الدار مثلاً .
قوله : ( فإن شرط الخ ) فلا يضر الفصل به بين الإيجاب والقبول ، كما لا يضرّ الفصل بينهما في البيع بما هو من مقتضاه . فهذه مفرّع على قوله ( فيشترط فيها ما مرّ الخ ) أي على مفهومه ، إذ ما مر هو أن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي وإن قلّ ولا سكوت طال عرفاً ، فمفهومه أن غير الأجنبي لا يضر الفصل به وهو ما كان من مقتضيات العقد أو مصالحه أو مستحباته ؛ لكن قوله ( أو ما لا غرض فيه الخ ) يقتضي أن الكلام في الشرط من حيث هو ، إذ الظاهر أن الفصل بهذا مضرّ لأنه أجنبي ، وكذا قوله ( وإن شرط ما يضر الخ ) فإنه يضرّ مطلقاً ، وحينئذ فقوله ( فإن شرط في الرهن مقتضاه الخ ) كلام مستأنف .
قوله : ( مقتضاه ) أي ما يقتضيه العقد ، أي ما كان موضوعاً له والمصلحة أعمّ من ذلك . قوله : ( مصلحة له ) أي للرهن بمعنى العقد . قوله : ( كإشهاد به ) أي العقد . والباء بمعنى ( على ) إذ الإشهاد فيه مصلحة للراهن ؛ لأنه إذا لم يشهد على العقد ربما أن المرتهن يدّعي أنه وهبه أو باعه له وقبض ثمنه وفيه مصلحة للمرتهن أيضاً ؛ لأنه لو لم يشهد لربما يدعي الراهن أنه عارية أو غصب .(3/372)
"""""" صفحة رقم 373 """"""
قوله : ( الأخير ) والأول تأكيد والثاني معتبر ، ق ل . وفي كون الأخير لا غرض فيه للمرتهن نظر لأنه قد يكون له فيه غرض كسمن . قوله : ( كأن لا يباع ) هذا يضر المرتهن وما بعده يضر الراهن . وصورته : أن يرهنه البيت مثلاً ويجعل أجرة سكناه للمرتهن ومنه رهن الأرض للزراعة فلا يصح كالغاروقة ، فيلزم من أخذ الأرض أجرة مثلها كل عام . قوله : ( أو أن منفعته للمرتهن ) هذا إذا أطلق في ذلك ، فلو قدّرها وكان الرهن مشروطاً في بيع فإنه يصح ؛ لأنه جمع بين بيع وإجارة في صفقة وهو جائز . وصورتها كما قاله الزيادي : أن يقول : بعتك عبدي بمائة مثلاً بشرط أن ترهنني بها دارك وأن تكون منفعتها لي سنة ، فبعض العبد مبيع وبعضه أجرة في مقابلة منفعة الدار ، تأمل هذا التصوير فإن كثيراً من الناس يعجز عنه وقد ظفرت به في بعض شروح التنبيه للزنكلوني بعد التوقف فيه كثيراً والسؤال عنه كثيراً ، فيوزع العبد على المنفعة والمائة . قوله : ( لإخلال الشرط بالغرض منه ) لأن الغرض بيعه عند المحل ح ل . قوله : ( ولتغير قضية العقد الخ ) لأن قضية القعد أن تكون منافع المرهون للراهن ح ل ؛ لأن التوثق إنما هو بالعين والمنافع للراهن . وقد يقال هذه العلة موجودة في الثالثة أيضاً ، فكان اللائق أن يقول : ولتغير قضية العقد في الأخيرتين ولجهالة الزوائد في الثالثة فتكون الثالثة معللة بعلتين والثانية بواحدة ع ش . والتوثق هو التحفظ للدين ؛ لأن الرهن حفظ للدين ، أي صون له عن الضياع . قوله : ( فيشترط فيهما ) أي ليرهن الراهن ويرتهن المرتهن رهناً مطلقاً أي غير مقيد بضرورة أو غبطة ؛ لأن مقتضاه أن الولي لا يرهن أصلاً مال موليه لأنه ليس أهلاً للتبرع فيه ، وكذا مقتضاه أنه لا يرتهن مطلقاً مع أنه يرهن ويرتهن للضرورة والغبطة . قوله : ( أهلية التبرع ) اعترض بأن الراهن هنا لم يتبرع بشيء بل فوائد العين المرهونة له والمرتهن دينه بحاله فلا تبرع هنا فكان الأولى التعبير بالرشد .
قوله : ( كما في البيع ) فيه أن البائع لا يشترط فيه أهلية التبرع ، بدليل صحة بيع الوكيل مع أنه ليس أهل تبرع في مال موكله ، وحينئذ فالمناسب كما في القرض فإنه يشترط في المقرض ذلك ، إلا أن يقال المراد التبرع في ماله والولي أهل تبرع في ماله . قوله : ( أو غبطة ظاهرة ) احترز بذلك عما لو اشترى متاعاً بمائة مؤجلة وهو يساوي مائة حالة ، فإن الغبطة في هذه الصورة موجودة لكنها لا تظهر لكل أحد ، شيخنا العزيزي . وعبارة الشوبري : أو غبطة ظاهرة ،(3/373)
"""""" صفحة رقم 374 """"""
سيأتي في الشركة أن الغبطة مال له وقع أي قدر لا يتسامح أي لا يتساهل به ، فانظر ما مفاد قوله ظاهرة اه . ويجاب بأن معنى قوله ظاهرة أي متحققة للولي .
قوله : ( فيجوز له الرهن ) هذا جواز بعد امتناع فيصدق بالوجوب ، فيجب عليه ذلك للمصلحة اه برماوي . قوله : ( مثالهما ) أي الرهن والارتهان . قوله : ( لحاجة المؤنة ) أي حاجة شاقة ليلائم قوله ( إلا لضرورة الخ ) وبهذا اندفع ما يقال الحاجة أعمّ من الضرورة ، فإنها تشمل التفكه وثياب الزينة ، فكيف تفسر الضرورة بذلك ؟ اه ع ش . قوله : ( كنفاق متاع ) أي رواج ، يقال نفقت السلعة والمرأة نفاقاً بالفتح كثر طلابها وخطابها ، وقوله ( كاسد ) أي بائر . قوله : ( أو نحوه ) كتلف . قوله : ( ومثالهما للغبطة الخ ) وإذا رهن فلا يرهن إلا من أمين آمن ، شرح المنهج . وعبارة العناني : وإنما يجوز بيع ماله مؤجلاً لغبطة من أمين غني وبإشهاد وبأجل قصير عرفاً وكون المرهون وافياً بالثمن ، فإن فقد شرط بطل البيع . قوله : ( ما يساوي مائة ) أي حالة ، قال ابن حجر : فلو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على المائة ترك الشراء خلافاً لجمع اه . قوله : ( وهو يساوي مائتين ) أي حالة ع ش . قوله : ( ولا يلزم الرهن ) واللزوم إنما هو في حق الراهن ، وأما المرتهن فإنه جائز في حقه فله فسخه متى شاء . قوله : ( كما مرّ ) أي قبضاً مثل ما مرّ في البيع ، أي من النقل في المنقول والتخلية في غيره ؛ وفي نسخة : ( بما مرّ ) وهي ظاهرة . قوله : ( ممن يصح عقده ) متعلق بقبض وإذن وإقباض ، والمراد به البالغ العاقل غير المحجور عليه كما يؤخذ من شرح المنهج . قوله : ( وللعاقد ) أي سواء كان راهناً أو مرتهناً . وقوله ( فيه ) أي فيما ذكر من القبض بالنسبة للمرتهن والإقباض بالنسبة للراهن ، فالقبض تناول المرتهن والإقباض دفع المرهون للمرتهن . قوله : ( لا إنابة مقبض ) أي لا إنابة المرتهن المقبض في القبض ، أي إن المرتهن يمتنع عليه إنابة الراهن أو نائبه أو عبده في القبض ، وأما عكسه وهو إنابة الراهن المرتهن في الإقباض فيصح وكأنه أذن له في قبضه لأنه كالإقباض . قوله : ( الرجوع فيه ) أي في الرهن بفسخه أو في المرهون بعد فسخ عقده . وسلك الشارح الثاني لمناسبة(3/374)
"""""" صفحة رقم 375 """"""
الضمير بعده فإنه راجع للمرهون ، وفاعل يقبض إما الراهن بجعله من أقبض وهو أولى ، أو المرتهن بجعله من قبض ، وسلك الشارح الثاني ليدخل قبض المرتهن بإذن الراهن ق ل ؛ لكن يلزم عليه حذف الفاعل وهو المرتهن لأنه من كلام الشارح لا من كلام الماتن . وقال بعضهم : قوله أي المرهون المناسب أي الرهن لأنه المتقدم ، نعم ضمير يقبضه راجع للمرهون فيكون في كلامه استخدام .
قوله : ( مقبوضة ) ليس بقيد كما سيذكره ، أي مقبوض متعلقها وهو الموهوب ؛ لأن الهبة اسم للعقد وهو لا يقبض ، وكذا يقال في الرهن . قوله : ( وبرهن ) أعاد العامل إشارة إلى استقلاله ، أي فليس معطوفاً على الهبة لأن هذا لا يزيل الملك ، شوبري ؛ بل معطوف على قوله بتصرّف . قوله : ( مقبوض ) ليس بقيد كما سيذكره . قوله : ( لا يكون رجوعاً ) زاد في شرح المنهج : وهو الموافق لتخريج الربيع اه . وقوله ( لتخريج الربيع ) أي على الهبة للفرع ؛ فإنهم صرحوا بأنه إذا وهبها الأصل لفرعه لا يكون رجوعاً إلا بالقبض فجرى ذلك في نظيرها كما هو شأن التخريج عندهم . وأشار ابن السبكي إلى ضابط التخريج بقوله : وإن لم يعرف للمجتهد قول في المسئلة لكن عرف له قول في نظيرها فهو قوله المخرّج فيها على الأصح اه . وحاصله كما أوضحه شارحه وحواشيه أن يكون هناك مسألتان مختلفتان فينصّ المجتهد في كل حكماً غير ما نص عليه في الأخرى ، فيخرّج الأصحاب في كل منهما قولاً آخر استنباطاً له من المنصوص في الأخرى . وهنا قد نص الشافعي رضي الله عنه في الرجوع عن الرهن بهبة أو رهن على أنه يحصل الرجوع بهما ولو بلا قبض ، ونص في نظير هذه المسئلة وهو هبة الأصل لفرعه أنه لا يحصل الرجوع عنها بهبة أخرى أو رهن إلا مع القبض ؛ فخرّج الربيع في مسألتنا للشافعي رضي الله عنه قولاً آخر ، وهو أنه لا يحصل الرجوع بهما إلا مع القبض استنباطاً من المنصوص في مسئلة الهبة للفرع ؛ ومقتضى الضابط أن الربيع خرّج للشافعي في مسئلة الهبة للفرع قولاً بأنه يحصل الرجوع بها ولو بدون قبض استنباطاً مما هنا ، فتدبر .
قوله : ( ولكن نقل السبكي الخ ) قال في شرح المنهج : وهو الموافق لنظيره في الوصية اه ، أي فيما إذا قال : أوصيت بهذا العبد لزيد ثم وهبه لعمرو فإن الوصية تبطل وإن لم يقبض العبد الموهوب . قوله : ( وهو المعتمد ) اعتمده م ر . قوله : ( بكتابة ) ولو فاسدة ، حج . قوله : ( وإحبال ) أي منه أو من أصله . وضابط ذلك أن كل تصرف يمنع ابتداء الرهن طريانه قبل القبض يبطل الرهن ، وكل تصرف لا يمنع ابتداءه لا يفسخه قبل القبض إلا الرهن والهبة من(3/375)
"""""" صفحة رقم 376 """"""
غير قبض اه شرح م ر . قلت : اقتصاره على إحباله وأصله يخرج إحبال فرعه . ويفرق بأن الأصل له في مال فرعه شبهة الإعفاف دون عكسه اه أ ج . قوله : ( بوطء ) أي وإن أنزل أو أزال البكارة ، سم على ابن حجر . قوله : ( وتزويج ) سواء كان لعبد أو أمة أ ج . قوله : ( ولا بموت عاقد ) من راهن أو مرتهن ، أي فيقوّم في الموت ورثة الراهن والمرتهن مقامهما في القبض والإقباض وفي غيره من ينظر في حال المجنون والمغمى عليه من وليّ أو حاكم ، شرح المنهج . والمعتمد أن المغمى عليه ينتظر ثلاثة أيام كما قرره شيخنا ح ف . قوله : ( وتخمر عصير ) لكن لا يعتد بقبضه حال التخمر فيقبض بعد تخلله ق ل ، فإن قبض حال التخمر استؤنف القبض بعد التخلل لفساد القبض الأوّل م ر و ح ل . قوله : ( وليس لراهن مقبض الخ ) مفهوم قول المصنف ( ما لم يقبضه ) أي أما إذا أقبضه فليس له الرجوع فيه بهذه الأمور المذكورة ولا بغيرها . قوله : ( رهن ) لئلا يزاحم المرتهن . وهذه العلة قاصرة على رهنه لغير المرتهن ، وعبارة شيخنا المدابغي : قوله : ( رهن ) أي لغير المرتهن ولا له بدين آخر وإن وفى أي لأنه مشغول والمشغول لا يشغل بخلاف الرهن فوق الرهن بدين واحد فإنه صحيح لأنه شغل فارغ . قوله : ( ولا وطء ) لخوف الإحبال فيمن تحبل وحسماً للباب في غيرها ، شرح المنهج . نعم لو خاف الزنا لو لم يطأ فله وطؤها فيما يظهر لأنه كالمضطر ، ومحل عدم الوطء إذا كان معسراً كما قاله ح ل . وخرج بالوطء بقية التمتعات فلا تحرم عليه ، وقيل : تحرم . وجمع الشيخ يعني شيخ الإسلام بينهما بحمل الثاني على ما لو خاف الوطء والأول على ما لو أمنه ، وهو ظاهر اه من شرح م ر .
قوله : ( مما لا تحبل ) الأولى ممن كما في نسخة لأن ( ما ) لغير العاقل . وأجيب بأن الأمة تشبه غير العاقل والوطء حرام ، ولو كان الراهن زوجاً كأن استعار الزوج زوجته من سيدها ليرهنها فرهنها . وبه يلغز فيقال : لنا زوج لا يجوز وطؤه لزوجته إلا بإذن أجنبي وهو المرتهن . قوله : ( كوقف الخ ) نعم له قتله قوداً ودفعاً له إذا كان صائلاً ، وكذا لنحو ردة إذا كان والياً اه م ر وأ ج . قوله : ( أو ينقصه ) بفتح الياء وضم القاف والصاد . قال تعالى : ) ثم لم ينقصوكم شيئاً } ) التوبة : 4 ) . وبضم الياء وتشديد القاف المكسورة ، والأول أفصح لمجيء القرآن به . وأما ( ينقص ) بضم الياء وسكون النون وكسر القاف فلم يثبت ، وجاء ( نقص ) بالتخفيف لازماً يقال نقص المال . قوله : ( فلا ينفذ ) فالتزويج باطل وكذا الإجارة والدين حالّ أو يحل قبل انقضاء مدتها ؛ لأن ذلك ينقص القيمة ويقلل الرغبة ، فإن كان الدين يحل بعد مدة الإجارة أو مع فراغها جازت ، ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه كما(3/376)
"""""" صفحة رقم 377 """"""
سيأتي شرح المنهج . قوله : ( موسر ) المراد يساره بأقل الأمرين من قيمة المرهون والدين سواء كان الدين حالاًّ أو مؤجلاً على المعتمد ، م ر ز ي وع ش . قوله : ( وإيلاده ) وإقدام الموسر عليهما جائز ح ل . قوله : ( وتكون رهناً الخ ) وقبل الغرم ينبغي أن يحكم بأنها مرهونة ، أي في ذمته ، وهذا رهن في الدوام فلا ينافي ما سبق من عدم جواز رهن الدين لأن محله في الابتداء . وفائدة ذلك تقديم المرتهن بذلك على الغرماء وعلى مؤنة التجهيز لو مات الراهن ، وليس له سوى قدر القيمة ح ل . قوله : ( والولد ) أي وإن لم ينفذ إيلاده ، ابن حجر . قوله : ( ولا يغرم قيمته ) ولا حدّ ولا مهر عليه ؛ لكن يغرم أرش البكارة لأنه في مقابلة الجزء الذاهب وتكون رهناً ، شرح المنهج . قوله : ( لكونه معسراً ) ويباع على المعسر منها بقدر الدين وإن نقصت بالتشقيص رعاية لحق الإيلاد ، بخلاف غيرها من الأعيان المرهونة حيث يباع كله رعاية لحق المالك ؛ لكن لا يباع شيء منها إلا بعد وضع ولدها لحملها بحرّ بل وبعد أن تسقيه اللبأ ويوجد من يستغني به عنها ، فإن استغرقها الدين أو عدم مشتري البعض بيعت كلها للحاجة إليه في الأولى وللضرورة في الثانية ، ولا يضر التفريق حينئذ لأن الولد حرّ اه شرح م ر . قوله : ( فانفكّ الرهن ) أي بغير بيع ، فإن انفك ببيع لم ينفذ الإيلاد إلا إن ملك الأمة بعد ، فإن ملك بعضها نفذ الإيلاد فيه وسرى النفوذ إلى الباقي إن كان موسراً حينئذ فيما يظهر ، فإن أيسر بعد الملك ففيه نظر . ويظهر النفوذ للحكم بثبوت الإيلاد في حقه بمجرّد الإحبال ، وإنما تخلف لمانع وقد زال ؛ سم .
قوله : ( والإيلاد فعل لا يمكن ردّه ) وإنما يمنع حكمه في الحال لحق الغير فإذا زال الخ شرح المنهج ، ففيه حذف . قوله : ( لا يمكن رده ) بدليل نفوذه من السفيه والمجنون ، فهو أقوى دون إعتاقهما ز ي . قوله : ( فإذا زال الحق ) وهو تعلق حق الرهن به ، وقوله ( ثبت حكمه ) أي الإيلاد وهو صيرورتها أمّ ولد وعدم صحة نحو بيعها ، فتأمل . قوله : ( وللراهن انتفاع ) فإن تلف بالانتفاع من غير تقصير فلا غرم عليه يكون رهناً مكانه ، فإن ادعى رده على المرتهن فلا يصدق إلا بالبينة نظير عكسه ، أفاده شيخنا ح ف . قوله : ( لا بناء وغراس ) هذا علم من قوله ولا تصرف الخ . وهو مرفوع معطوف على انتفاع ، قال م ر في شرحه : بحث الأذرعي استثناء بناء خفيف على وجه الأرض باللبن كمظلة الناظور ؛ لأنه يزال عن قرب كالزرع ولا تنقص به القيمة وله زرع ما يدرك قبل حلول الدين أو معه ولم تنقص به قيمة الأرض .(3/377)
"""""" صفحة رقم 378 """"""
قوله : ( لأنهما ينقصان قيمة الأرض ) أي إذا بيعت في الدين لأنها تباع خالية عنهما . مع شغلها بهما ، ولا شك أن قيمتها وحدها مع اشتغالها بهما أقل من قيمتها خالية عنهما .
قوله : ( ثم إن أمكن بلا استرداد ) كأن يكون عبداً يخيط وأراد منه الخياطة . وقوله ( وإلا فيسترده كأن يكون داراً يسكنها ) أو عبداً يخدمه أو دابة يركبها أي لغير سفر وإن قصر ، ويردّ الدابة والعبد إلى المرتهن ليلاً ، شرح المنهج وح ل . قوله : ( ويشهد ) أي المرتهن ؛ لأنه لا يصدق في الرد ولا يجب الإشهاد إلا في المرة الأولى على المعتمد كما قاله م ر . وعبارة س ل : ويشهد عليه أي يشهد شاهدين وإن لم تشتهر عدالته ، أما مشهور الخيانة فلا يسلم له أصلاً وإن أشهد . قوله : ( بالاسترداد ) وشرط استرداد الأمة أمن وطئها لكونها محرماً له أو كونه ثقة وله أهل ، شرح المنهج . قوله : ( وله بإذن المرتهن ما منعناه منه ) أي من تصرف وانتفاع فيحل الوطء ، فإن لم تحبل فالرهن بحاله ، وإن أحبل أو أعتق أو باع نفذت وبطل الرهن ؛ شرح المنهج . وإن ردّ الإذن لم يرتد على الأوجه ؛ لأن الإباحة لا ترتد بالرد . وفارقت الوكالة بأنها عقد س ل . قوله : ( قبل تصرف ) وكذا معه على الأوجه لبقاء حقه ، اه شوبري . قوله : ( فإن تصرف ) ولو جاهلاً ، شرح المنهج . قوله : ( بعد رجوعه ) أي بغير إعتاق وإيلاد من الموسر . قوله : ( وعلى الراهن المالك الخ ) خرج مؤنة المرهون المستعار فإنها على مالكه لا على الراهن م ر .
قوله : ( ولا يضمنه ) أي لا قبل البراءة من الدين ولا بعدها . ولو استعاره المرتهن كان مضموناً عليه كسائر العواري ، ولو ارتهنه بشرط أن يضمنه فسد الرهن ولا ضمان إذ فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه ؛ سم . قوله : ( إلا بالتعدي ) أو الامتناع من رده بعد البراءة من الدين . ومن التعدي ركوب الدابة والحمل عليها واستعمال الإناء ونحو ذلك م د . قوله : ( ولا يسقط بتلفه شيء من الدين ) عبارة شرح المنهج : ( فلا ) بالفاء وهي أحسن ، وقال الإمام مالك وأبو حنيفة : إنه من ضمان المرتهن ويسقط بتلفه قدره من الدين ، اه ق ل على التحرير .(3/378)
"""""" صفحة رقم 379 """"""
قوله : ( ويصدق المرتهن ) وكذا بقية الأمناء ، وكذا كل ضامن كالغاصب ؛ لكن الأمين يصدق ولا يضمن ، والغاصب يصدق ويضمن البدل . قوله : ( في دعوى التلف ) أي إذا لم يتذكر سبباً أو ذكر سبباً خفياً كسرقة ، أو سبباً ظاهراً قوله : كحريق عرف دون عمومه أو عرف هو وعمومه واتهم ، فإن لم يتهم صدق بلا يمين ، فإن ادعى سبباً ظاهراً لم يعرف لم يقبل إلا ببينة على السبب ويمين على التلف ، فهو على التفصيل المذكور في الوديعة .
قوله : ( كل أمين ) خرج الغاصب والمستعير والمستام . قوله : ( إلا المرتهن والمستأجر ) والفرق بينهما وبين سائر الأمناء أنهما يقبضان العين لغرض أنفسهما ، المرتهن للتوثق والمستأجر للانتفاع بالمؤجر ، بخلاف غيرهما فكانا كالمستعير لأنه يقبض لغرض نفسه اه م د . بخلاف الأجير كالخياط والطحان والصباغ ، فإنهم يصدّقون في دعوى الرد بيمينهم لدخولهم في القاعدة . قوله : ( بمعنى أدى ) فالقضاء بمعناه اللغوي . قوله : ( الذي تعلق به الرهن ) الأولى أن يقول : أي الدين الذي تعلق بالرهن ؛ لأن الدين هو الذي يتعلق بالرهن لا العكس ، فلعل في العبارة قلباً . قوله : ( لم يخرج شيء من الرهن ) أي الذي في صفقة واحدة والذي لم يتعدد فيه الراهن ولا المرتهن ابتداء ، أخذاً من كلامه بعد . قوله : ( لتعلقه بكل جزء من الدين ) لو قال ( لتعلق كل جزء من الدين بجميع الرهن ) لكان أوضح ، مرحومي ؛ فالعبارة فيها قلب . قوله : ( وينفك أيضاً ) أي كما ينفك بقضاء جميع الحق . قوله : ( لأن الحق له ) أي للمرتهن ، فهو جائز من جهته . قوله : ( ولو رهن نصف عبد الخ ) أشار بذلك إلى أن كلام المتن مفروض فيما إذا اتحدت الصفقة وفيما إذا كان الراهن واحداً والمرتهن واحداً فهو تقييد للمتن ، أو هذه الصور الثلاث مستثناة من كلام المتن . وقد صرّح في متن المنهج بالاستثناء فقال : وينفك بفسخ مرتهن وببراءة من الدين لا بعضه ، فلا ينفك شيء إلا إن تعدّد عقد أو مستحق أو مدين . قوله : ( ولو رهناه ) أي العبد .(3/379)
"""""" صفحة رقم 380 """"""
قوله : ( فروع ) أي ثلاثة . وهذه الفروع من معنى المتن ، وحاصلها أن ما أصله صفقة واحدة لا يصير صفقتين بتغير الحال في الدوام نظراً لأصله ، والفرعان الأخيران داخلان في قول المصنف : وإذا قضى بعض الحق الخ . قوله : ( آخر ) بالنصب مفعول ، أي شخصاً آخر . قوله : ( كان مرهوناً على جميع المال ) لا على نصفه لأن كل جزء من العبدين رهن بكل جزء من الدين . قوله : ( كما لو سلمهما ) هذه نسخة ظاهرة ، وهناك نسخة ( سلمهماه ) فضمير المثنى راجع للعبدين ، والمفرد الذي بعده للمرتهن ، وهما ضميرا غيبة ، فكان الواجب الفصل في الثاني بأن يقول : سلمهما إياه . ويجاب بأنه قد يجوز الوصل عند اتحاد الرتبة كما قال في الخلاصة :
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا
وقد يبيح الغيب فيه وصلا
قوله : ( ولو مات الخ ) هذا وما بعده شملهما قول المتن : وإذا قضى بعض الحق الخ . قوله : ( ففدى الخ ) في نسخة ( فوفى ) وهي أظهر .
قوله : ( لو اختلف الراهن والمرتهن ) تسميتهما راهناً ومرتهناً في الصورة الأولى بحسب الدعوى اه ق ل ، وإلا فالراهن ينكر الرهن ؛ فحاصله أنه أطلق عليه راهن بالنظر لزعم المرتهن . قوله : ( في أصل الرهن ) كأن قال : رهنتني كذا ، فأنكر . وقوله ( أو في قدره ) أي الرهن بمعنى المرهون ففيه استخدام كأن قال : رهنتني الأرض بشجرها ، فقال : بل وحدها . زاد في المنهج : أو عينه كهذا العبد ، فقال : بل الثوب ، أو : قدر مرهون به كبألفين ، فقال : بل بألف ، اه شرح المنهج . قوله : ( المالك ) ليس قيداً أو المراد به واضع اليد فيشمل المستعير للرهن اه م د . قوله : ( هذا ) أي تصديق الراهن . قوله : ( إن كان رهن تبرع ) أي لم يشرط في بيع أخذاً من المقابلة . قوله : ( أما الرهن المشروط في بيع ) كأن قال : بعتك هذا بكذا بشرط أن ترهن عليه عبدك . قوله : ( فإن اختلفا في اشتراطه ) أي الرهن . قوله : ( أو اتفقا عليه ) أي(3/380)
"""""" صفحة رقم 381 """"""
الاشتراط . قوله : ( واختلفا في شيء مما مرّ الخ ) لا يخفى أنه لم يبق بعد الأولى غير القدر ، فكان الأولى أن يقول : واختلفا في القدر . نعم هذا التعبير يناسب كلام المنهج لأنه قال : اختلفا في رهن تبرع أو قدره أو عينه أو قدر مرهون به حلف راهن ، فالشارح رحمه الله تعالى سرى عليه ذلك من شرح المنهج لا أن ذاك ذكر جملة مسائل كما عرفت . قوله : ( غير الأولى ) أما الأولى وهي اختلافهما في أصل الرهن بأن اتفقا على الاشتراط أو اختلفا في إيجاد الرهن والوفاء به بأن ادعاه المرتهن أي قال : وفيت بالشرط ؛ وأنكره الراهن ، أي قال : لم أعقد الرهن ولم أوف بالاشتراط ، ليأخذ الرهن من المرتهن بأن كان عنده غصباً أو إعارة ، فلا تخالف فيها بل القول قول الراهن وللمرتهن فسخ البيع إن لم يرهن المشروط رهنه ، ز ي . قوله : ( فيتحالفان فيه ) الضمير راجع لقوله ( في شيء ) وإذا تحالفا يفسخانه أي عقد الرهن أو أحدهما أو الحاكم كما في باب التحالف في البيع اه ح ل . قوله : ( لما مرّ ) أي لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن ، شوبري . قوله : ( وتقبل شهادة المصدق الخ ) شهد معه آخر أو حلف المدعي ثبت رهن الجميع ، شرح المنهج . قوله : ( وقال الراهن الخ ) يرجع للثانية وهي قوله ( أو مرتهن ) بخلاف ما لو كان بيد المرتهن ووافقه الراهن على إذنه له في قبضه عنه ، لكنه قال : إنك لم تقبضه عن الرهن أو رجعت عن الإذن ، فيحلف المرتهن . قوله : ( كإعارة ) أي وإجارةوإيداع . قوله : ( صدق ) أي الراهن بيمينه ؛ لأن الأصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض عن الرهن . قوله : ( لأنه أعلم بقصده ) ومن ذلك ما لو اقترض شيئاً ونظر أن للمقرض كذا ما دام المال في ذمته أو شيء منه ثم دفع له قدراً يفي بجميع المال وقال : قصدت به الأصل ، فيصدق ولو كان المدفوع من غير جنس الدين ع ش . قوله : ( جعله عما شاء منهما ) كما في زكاة المالين الحاضر والغائب ، فإن جعله عنهما قسط عليهما بالسوية لا بالقسط ، فإن مات قبل التعيين قام وارثه مقامه .
قوله : ( ومن مات وعليه دين ) هذا شروع في الرهن الشرعي بعد فراغه من الرهن الجعلي . قوله : ( وعليه دين ) أي مستغرق أو غيره لله تعالى أو للآدمي ، شرح المنهج . والمراد بقوله ( وعليه دين ) أي غير لقطة تملكها وتلفت ؛ لأنه لا غاية لتعلقه ، لأن صاحبها قد لا يظهر فيلزم دوام الحجر لا إلى غاية . وقد صرّح النووي بأنه لا مطالبة بها في الآخرة لأن الشارع(3/381)
"""""" صفحة رقم 382 """"""
جعلها من جملة كسبه ، بخلاف دين من انقطع خبره لانتقاله لبيت المال بعد مضيّ العمر الغالب بشرطه وهو انتظامه فيدفع لإمام عادل فقاض أمين فثقة ولو من الورثة يصرفه كل منهم في مصارفه . وشمل الدين ما به رهن أو كفيل ، وشمل دين الله تعالى ومنه الحج ، فليس للوارث أن يتصرف في شيء منها حتى يتم الحج ، ولا يكفي الاستئجار ودفع الأجرة . ولو كان الدين لوارث سقط منها بقدره أي فيكون للوارث فلا يتعلق به الرهن الشرعي ، اه ق ل على الجلال . وقوله ( ما به رهن ) أي ويكون له تعلقان تعلق خاص وتعلق عام ، وفائدة الثاني أن الرهن إذا لم يف به أي بالدين يزاحم بما بقي له ، شوبري . قوله : ( تعلق بتركته كمرهون ) لأن ذلك أحوط للميت وأقرب لبراءة ذمته ، فلا ينفذ تصرف الوارث في شيء منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان موسراً كالمرهون سواء أعلم الوارث الدين أم لا ؛ لأن ما تعلق بالحقوق لا يختلف بذلك أي بالعلم والجهل ، شرح المنهج . وقوله ( فلا ينفذ تصرف الوارث ) ظاهره وإن قلّ الدين وكثرت التركة ، وهو كذلك . قوله : ( بتركته ) أي غير المرهون منها ، لتعلق حق المرتهن به قبل الموت ؛ فإن انفك تعلق الدين به اه ق ل . قوله : ( كمرهون ) أي كتعلق الدين بالمرهون ، فتكون التركة كالمرهون . وقضية كلامه أن الدين لو كان أكثر من قدر التركة فوفى الوارث قدرها فقط أنها لا تنفك من الرهنية ، وليس مراداً عناني ، إلا أن يقال التشبيه في مطلق التعلق لا من كل وجه . قوله : ( ولا يمنع التعلق إرثاً ) بدليل نفوذ إعتاق الوارث الموسر وإيلاده وتقديم الدين في قوله تعالى : ) من بعد وصية يوصي بها أو دين } ) النساء : 11 ) لا يمنع ذلك ، شرح المنهج ؛ لأن الدين مقدم على قسمة التركة لا على الإرث . قوله : ( فلا يتعلق الدين بزوائد التركة ) أي التي حدثت بعد الموت كولد حملت به بعد الموت وثمر ومهر وكسب فهي للوارث يتصرف فيها بأنواع التصرفات لأنها حدثت في ملكه ، ومن ذلك ما لو مات عن زرع أخضر وعليه دين فإن الدين يتعلق بقدر ما كان موجوداً من الزرع وقت الموت ، وما زاد حتى السنابل فهي للوارث اه ع ش . قوله : ( وللوارث إمساكها الخ ) حتى لو كان الدين أكثر من التركة وقال الوارث : آخذها بقيمتها ، وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب أجيب الوارث ؛ لأن الظاهر أنها لا تزيد على القيمة ، شرح المنهج . ولا يلزم الوارث ما زاد على قيمة التركة بعد ذلك . وقوله ( وللوارث إمساكها الخ ) نعم لو وصى بقضاء الدين من ثمنها بعد بيعها أو من عينها أو بدفعها بدلاً عنه أو تعلق بعينها لم يكن للوارث إمساكها والقضاء من غيرها اه ق ل وح ل . قال ع ش : فلو خالف وفعل نفذ تصرفه ، وإن أثم بإمساكها لرضا المستحق بما بذله الوارث ووصوله إلى حقه من الدين ويحتمل فساد القبض لما فيه من تفويته غرض المورث ، والظاهر الأول . وكذا لو اشتملت التركة على جنس الدين فليس له إمساكها وقضاء الدين من غيرها ؛ لأن لصاحب(3/382)
"""""" صفحة رقم 383 """"""
الدين أن يستقل بالأخذ ، اه ز ي بالمعنى . أقول : يتأمل وجه ذلك ، فإن مجرد استقلال صاحب الدين بأخذه من التركة لا يقتضي منع الوارث من أخذ التركة ودفع جنس الدين من غيرها ، فإن رب الدين لم يتعلق حقه بالتركة تعلق شركة وإنما تعلق بها تعلق رهن والراهن لا يجب عليه توفية الدين من عين الرهن ، اه . ثم رأيته في حج .
فرع : لو طلب صاحب الدين بيع مال مخصوص من أموال المدين الممتنع لم يتعين إجابته وللقاضي بيع غيره بالمصلحة ، وكذا لو طلب المرتهن بيع المرهون للقاضي بيع غيره من أموال الراهن بالمصلحة ، اه م ر سم عن العباب اه .
قوله : ( فظهر دين ) الصواب : ( فطرأ ) كما في نسخة ؛ لأنه لم يكن خفياً ثم ظهر ؛ لأنه إذا كان خفياً ثم ظهر تبين بطلان التصرف كما في شرح المنهج ، وعبارته : أما لو كان ثم دين خفي ثم ظهر بعد تصرفه فهو فاسد كما مرت الإشارة إليه . وينبني على ذلك أن البيع إذا كان فاسداً تكون فوائد المبيع للورثة لأنه ملكهم ، وإذا كان صحيحاً ثم فسخ تكون فوائده قبل الفسخ للمشتري . قوله : ( بنحو رد مبيع ) وكأن حفر بئراً في حياته عدواناً ثم تردّى فيها شخص بعد موته ولا عاقلة ، فإن الدية دين على التركة م ر . قوله : ( أو نحوه ) كحوالة . قوله : ( فسخ التصرف ) . أي فسخه الحاكم ، فعلم أنه لم يتبين فساده . قوله : ( لأنه كان الخ ) تعليل لقوله فسخ التصرف المقتضي صحته ، أي فلم يكن التصرف باطلاً لأنه كان سائغاً له ظاهراً . وجعله في شرح المنهج علة لمحذوف ، حيث قال بعد قوله ( فسخ ) : فعلم أي من قوله ( فسخ ) أنه لم يتبين فساده لأنه كان جائزاً له ظاهراً ، وقوله ( لم يتبين فساده ) وحينئذ فالزوائد قبل طروّ الدين للمشتري لأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله . قوله : ( في الظاهر ) أي وفي الباطن كما قاله حج ، ففي كلامه اكتفاء . وعبارة شرح م ر : لأنه كان سائغاً له ظاهراً وباطناً .
3 ( ( فصل : في الحجر ) ) 3
ذكره بعد الرهن لأن الراهن من جملة المحجور عليهم كما يأتي . ونظم بعضهم أقسام الحجر في قوله :
ثمانية لا يشمل الحجر غيرهم
تضمنهم بيت وفيه محاسن
صبيّ ومجنون سفيه ومفلس
رقيق ومرتدّ مريض وراهن
قوله : ( من التصرفات ) أي كلها أو بعضها كالمفلس .(3/383)
"""""" صفحة رقم 384 """"""
قوله : ( فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً الخ ) فسر الشافعي رضي الله عنه السفيه بالمبذّر والضعيف بالصبي وبالكبير المختلّ والذي لا يستطيع أن يمل بالمغلوب على عقله ، فأخبر الله أن هؤلاء تنوب عنهم أولياؤهم فدل على ثبوت الحجر عليهم . والإملال بمعنى الإلقاء على الكاتب ما يكتبه وفعله أمللت ، ثم أبدل أحد المضاعفين ياء وتبعه المصدر وأبدلت همزة لتطرفها بعد ألف زائدة ، اه شهاب على البيضاوي . وأقول : هذا التصريف لا يظهر لأن الإملال لغة أهل الحجاز والإملاء لغة تميم ؛ قاله شيخ الإسلام عند قول البيضاوي : والإملال والإملاء واحد اه . فكيف يرجع أحد اللغتين للأخرى مع أن الذي في القرآن الإتيان باللامين بلا إبدال في قوله : ) أن يمل } ) البقرة : 282 ) ) وليملل } ) البقرة : 282 ) فيكون القرآن جارياً على لغة الحجازيين ؟ تأمل . قوله : ( يضرب ) لو أبدله هنا وفيما يأتي بنحو ( يتعلق ) أو ( يوجد ) لكان مستقيماً ، إذ لا ضرب على الصبي والمجنون ق ل . ويجاب بأنه غلب ما فيه ضرب على ما لا ضرب فيه أ ج .
قوله : ( المذكور منها هنا ستة ) فيه تغيير إعراب المتن اللفظي ، وهو معيب . قوله : ( أراد الإطلاق ) أي الانفكاك . قوله : ( وأحكامهما متغايرة ) لأن السفيه يصح منه التدبير وقبول الهبة لبعضه والوصية والصلح عن قصاص ولو بزائد على الدية والعفو عن قصاص له والنكاح بإذن الولي والطلاق والخلع ، بخلاف الصبي فلا يصح منه شيء مما ذكر ؛ شوبري وع ش . وسيأتي أنه يصح إقراره ، أي السفيه بموجب عقوبة كحدّ وقود وتصح عبادته بدنية كانت أو مالية واجبة ؛ لكن لا يدفع المال من زكاة وغيرها بلا إذن من وليه ولا تعيين منه للمدفوع إليه . قوله : ( المبذر ) أي بعد بلوغه رشيداً وحجر عليه الحاكم ، أو بلغ غير مصلح لماله ودينه . وهذا الثاني(3/384)
"""""" صفحة رقم 385 """"""
محجور عليه شرعاً ، والأول محجور عليه حساً وشرعاً ، وبقي قسم ثالث وهو من بلغ مصلحاً لماله ودينه ثم بذر ولم يحجر عليه القاضي فهو غير رشيد أيضاً لكن تصرفه صحيح ويقاله له سفيه مهمل . أما من بلغ غير رشيد لجنون أو سفه باختلال إصلاح الدين أو المال فإن وليه وليه في الصغر فيتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل بلوغه لمفهوم آية : ) فإن آنستم منهم رشداً } ) النساء : 6 ) والإيناس هو العلم ، اه ش منهج . قوله : ( باحتمال ) الأولى حذفه . قوله : ( غبن فاحش ) وهو ما لا يحتمل غالباً كما سيأتي في الوكالة ؛ بخلاف اليسير كبيع ما يساوي عشرة بتسعة أي عشرة دراهم لا دنانير . ومحل ذلك كما أفاده الولد عند جهله بحال المعاملة ، فإن كان عالماً وأعطى أكثر من ثمنها كان الزائد صدقة خفية محمودة ، شرح م ر . قوله : ( أو يصرفه في محرّم ) ولو صغيرة لما فيه من قلة الدين . قوله : ( وقضيته ) أي التعليل ، وهو قوله ( لأن المال الخ ) . قوله : ( فحرام ) محله ما لم يعرض المقرض بحاله ، فإن كان عالماً فلا حرمة ع ش . قوله : ( المفلس ) هو لغة من صار ماله فلوساً ، ثم كني به عن قلة المال وعدمه ، وشرعاً ؛ ما ذكره المصنف ، والمفلس في الآخرة من تعطى حسناته لخصمائه كما في الحديث .
فائدة : قيل الغرماء يتعلقون بحسنات المفلس ما عدا الإيمان كما يترك له في الدنيا دست ثوب . ويردّ بأن هذا توقيفي فلا مدخل للقياس فيه وقيل ما عدا الصوم لخبر : ( الصَّوْمُ لي ) ويرده خبر مسلم أنهم يتعلقون حتى بالصوم اه حج .
قوله : ( الحالة ) القيود أربعة . قال في شرح المنهج : ويمون القاضي من مال المفلس ممونه من نفسه وزوجاته اللاتي نكحهنّ قبل الحجر ومماليكه كأمهات أولاده وأقاربه وإن حدثوا بعده . قوله : ( في مال موليه ) فإن قلت : موليه لا يصح تصرفه فمن أين لزمه الدين ؟ ويصوّر بدين الإتلاف ع ش . قوله : ( بطلبه ) متعلق بقوله ( فيحجر عليه ) والحاجر عليه الحاكم بلفظ يدل عليه نحو منعته من التصرف في أمواله أو حجرت عليه فيها أو أبطلت تصرفاته فيها .(3/385)
"""""" صفحة رقم 386 """"""
قوله : ( لم يحل المؤجل ) أي لم يصر حالاًّ . قوله : ( المتصلة بالموت ) فيتبين بموته مرتداً الحلول من حين الردة . وقوله ( أو استرقاق الحربي ) أي وكان الدين لغير حربي من مسلم أو ذمي ويقضي من ماله إن غنم بعد رقه كما في متن المنهج في باب الجهاد ، ولا يملك الغانمون من ماله إلا ما زاد على دينه المذكور . قوله : ( وإن كان فورياً ) كالنذر المقيد بزمن والكفارة التي عصى بسببها . قوله : ( والمراد بماله ) أي في قوله : ( الزائدة على ماله ) ، وقوله : ( الذي يتيسر الأداء منه حالاً ) بأن تكون العين حاضرة غير مرهونة والدين على مقر موسر أو به بينة وهو حاضر ، اه ح ل . وهذا ، أعني قوله ( والمراد بماله الخ ) جواب عن سؤال ، كأنّ سائلاً قال : ما المال الذي يعتبر زيادة الدين عليه ؟ فأجاب بأنه المال العيني أو الديني الذي يتيسر الأداء منه ؛ بخلاف غير ذلك فلا يعتبر في المقابلة ، وبعد ذلك إذا حجر عليه تعدّى الحجر لماله كله سواء تيسر منه الأداء أم لا ، وسواء كان أعياناً أو منافع ويتعدى لما حدث أيضاً بهبة أو قرض أو شراء في ذمة أو كسب . قوله : ( بخلاف المنافع ) بأن كان يستحقها بوقف أو وصية ، فلا يعتبر زيادة الدين عليها ما لم يتمكن من تحصيل أجرتها حالاًّ وإلا اعتبرت م ر . وقوله : ( والمغصوب ) أي الذي لا يتيسر الأداء منه حالاًّ ح ل . وقوله ( والغائب ) أي الذي لا يتيسر الأداء منه في الحال ، شوبري . قوله : ( والغائب ) ظاهره وإن كان دون مرحلتين . قوله : ( ونحوهما ) كالمرهون ، وكذا دين مؤجل أو حالّ على معسر أو مليء منكر ولا بينة عليه كما في شرح الروض ، وعبارة العناني على المنهج : ونحوهما ، أي المغصوب والغائب ؛ ولم يقل ونحوهما لأن المنافع لا نحو لها . قوله : ( ويباع ) أي بعد الحجر وجوباً على القاضي فوراً ، ويكون البيع بحضرته أيضاً أي المفلس ويباع كل شيء في سوقه ويقدم ما يخاف فساده ، ثم الحيوان ثم المنقول ثم العقار . قوله : ( أسهل ) أي من إبقائها وإبقاء الدين عليه . قوله : ( فعلى المسلمين ) أي أغنيائهم . قوله : ( ويترك له ) ولمن تلزمه نفقته . قوله : ( دست ثوب ) أي كسوة كاملة ، وعبارة المصباح : الدست اسم للرزمة أي الجملة من الثياب . وعليه فإضافته لثوب بيانية والمراد بالثوب الجنس(3/386)
"""""" صفحة رقم 387 """"""
أي جماعة من الثياب ، ويقال له عند العامة بدلة . قوله : ( وهو ) أي الدست . قوله : ( وسراويل ) أي إن كان ممن يلبس ذلك ح ل . وهو مفرد جيء به على صيغة الجمع ، قال في الخلاصة :
ولسراويل بهذا الجمع
شبه اقتضى عموم المنع
والجمهور على تأنيثه . وأول من لبسه إبراهيم الخليل ، ووجد في تركة النبي لباس اشتراه بأربعة دراهم ولم يلبسه أي النبي ولم يلبسه عثمان أبداً إلا يوم قتله فإنه لبسه وقال : ( رأيت النبي البارحة في النوم هو وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقالوا لي : اصبر فإنك تنقل عندنا القابلة ) فأصبح عثمان صائماً رضي الله عنه فقتل في يومه ، رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، اه دميري .
قوله : ( ومكعب ) بضم أوله وفتح ثانيه مثقلاً وبكسر فسكون مخففاً ، وهو المداس . قوله : ( ويزاد في الشتاء جبة ) أي إن وقعت القسمة فيه أو دخل وقت الشتاء في الحجر على ما استوجهه ، سم شوبري . وعبارة ع ش : قوله ( في الشتاء ) أي وإن وقعت القسمة في الصيف . ولا ينافيه تعبيرهم بفي لأنها للتعليل بدليل قول بعضهم ويزاد للبرد ، اه حج والمعتمد خلاف ذلك اه م ر . أي فلا يعطى ذلك إلا إذا وقعت القسمة في الشتاء أو دخل الشتاء زمن الحجر اه . ويترك للعالم كتبه ما لم يستغن عنها بموقوف ، وللجندي المرتزق خيله وسلاحه المحتاج إليهما ، وكل ما يترك للمفلس إن لم يوجد في ماله اشترى له ؛ شرح المنهج . بخلاف آلات الحرف فلا تترك ، ومثلها رأس مال للتجارة ، شوبري . وقال م ر : قال ابن سريج : يترك له رأس مال يتجر فيه إذا لم يحسن الكسب إلا به ، اه . وفي الزيادي : ولا رأس مال وإن قل ، وقول ابن سريج : يترك له رأس مال إذا لم يحسن الكسب إلا به ، حمله الأذرعي على تافه . وينبغي أن يأتي هنا عند تعدد النسخ ما يأتي في قسم الصدقات لكنها تباع ، إلا واحدة إلا أن يكون مدرساً فيبقى له نسختان لأجل المراجعة ، ويباع المصحف مطلقاً لأنه يسهل مراجعة الحفظة فلو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له ، اه شرح م ر .
قوله : ( ولا يجب عليه أن يؤجر نفسه ) محله في دين لم يعص بسببه ، فإن عصى بسببه فيلزمه أن يؤجر نفسه له ، وكذا يلزمه الكسب ولو بغير لائق به كما قاله أ ج . وقال ق ل : قوله ( ولا يجب الخ ) وإن عصى من حيث الدين وإن وجب من حيث الخروج من المعصية . قوله : ( وإن كان ذو عسرة ) أي وإن وجد غريم ذو عسرة فنظرة أي فالحكم نظرة ، أو فعليكم نظرة ، أو فليكف نظرة وهي الإنظار ، اه بيضاوي . والإنظار : التأخير . وفي الخبر أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لا(3/387)
"""""" صفحة رقم 388 """"""
يَحلّ دَيْن رَجُلٍ مُسْلم فيؤخّرهُ إلا كانَ له بكل يَوْمِ صَدَقَةً ) ذكره البيضاوي أيضاً . قال شيخ الإسلام : والحديث رواه بمعناه الإمام البخاري . قوله : ( وأنكروا ما زعمه ) مراده به ما يشمل ما ادعاه في الصورة الأولى . قوله : ( فعليه البينة ) أي إن عرف له مال في الصورتين ، ولا بد أن تكون البينة تخبر باطنه بجواز مثلاً كما في المنهج ؛ وعبارة المدابغي : قوله ( فعليه البينة ) لأنه بشرائه واعترافه بذلك عرف له مال فاحتاج في إثبات إعساره لبينة عليه وفيما إذا لزمه لا في مقابلة مال لم يتضمن ذلك علم مال له فصدق بلا بينة وبهذا اتضح قول ق ل . والمراد أنه إن عرف له مال لم يصدق وإلا صدق بيمينه . قوله : ( كأرش جناية ) بأن كانت خطأ .
قوله : ( ويضرب على المريض الخ ) فيه أنه لا ضرب على المريض ، فالمناسب ويثبت الحجر على المريض شرعاً . قوله : ( المخوف عليه ) ومثل المرض حالة يعتبر فيها التبرع من الثلث كالتقديم للقتل ، ز ي . قوله : ( بما ستعرفه ) أي بمرض ستعرفه ، وهو متعلق بقوله ( المخوف ) كابتداء فالج وحمى لازمة وإسهال متتابع ورعاف دائم ، فمن اتصف بشيء من ذلك فهو مريض بما يخاف عليه الهلاك . قوله : ( وفي الجميع الخ ) هذا بالنسبة للتبرعات ، وإلا فلو وفَّى المريض بعض الغرماء لم يزاحمه غيره من الغرماء وإن لم يف ماله بدينه كما قاله الشيخان اه م د . والحاصل أن الحجر على المريض يكون بالنسبة للتبرعات كوقف وهبة ووصية وصدقة وعتق ، وأما بالبيع وغيره ووفاء الدين للغرماء فصحيح .
قوله : ( إن كان عليه دين مستغرق ) وإلا ففيما زاد على الثلث إن وفى بالدين . قوله : ( لحق سيده ) وهو نجوم الكتابة . وقوله ( ولله تعالى ) وهو الحرية ، وعبارة ق ل على المحلي : قوله ( لحق سيده ولله تعالى ) الوجه أن يقال : الحجر فيه لنفسه وسيده ، إذ يلزم على ما ذكره الشارح أنه لو أذن سيده لا يصح تبرعه ، وليس كذلك أي بل يصح . قوله : ( وأورد عليهما ) أي على الشيخين ، قال م ر في شرحه : فقد أنهاه بعضهم إلى نحو سبعين صورة ، بل قال الأذرعي : هذا باب واسع جداً لا تنحصر أفراد مسائله .(3/388)
"""""" صفحة رقم 389 """"""
قوله : ( غير صحيح ) وما قبضوه إذا تلف في أيديهم أو أتلفوه يضيع على صاحبه إن كان رشيداً ، أو أتلف قبل طلب من صاحبه ويردّ الثمن مثلاً ، لأوليائهم . وأما إذا تلف ما أخذه من غير رشيد أو من رشيد بعد طلبه وامتناعهم من رده أو قبضوه منه بغير إذنه ، فإنهم يضمنونه في مالهم إن كان بغير إذن الولي ، وإلا فالضمان على الولي . وأما إذا بقي الشيء إلى أن كملوا وأتلفوه فلا يشك في الضمان ، حرَّرَ هذه القولة فإن ضمان الصبي والمجنون بعد طلب المالك وامتناعهما من الرد فيه وقفة . قوله : ( فمسلوب العبارة ) كعبارة المعاملة ، والدين كالبيع ، والإسلام والولاية كولاية النكاح ، والإيصاء والأيتام ؛ شرح المنهج . أي كونه وصياً على الأيتام . والعبارة أي ما يعبر به عما في الضمير ، أي مسلوب الكلام . ولا يصح إسلامه استقلالاً ، وأما إسلام علي كرّم الله وجهه فلكون الإسلام إذ ذاك منوطاً بالتمييز كما في شرح م ر ، بل قال الإمام أحمد ، إنه كان بالغاً قبل الإسلام اه . قوله : ( وإيصال هدية ) وشملت الهدية نفسه ، كما لو قالت جارية لشخص : سيدي أهداني إليك ؛ فيجوز له وطؤها والتصرف فيها إن صدقها وقامت قرينة على ذلك كما لو كان رجلاً مشهوراً بالفضل . ق ل مع زيادة . قوله : ( مأمون ) أي لم يعهد عليه كذب ح ل . قوله : ( وأما المجنون فمسلوب العبارة الخ ) وأما الأفعال فيعتبر منها التملك باحتطاب ونحوه والإتلاف ، فينفذ منه الاستيلاد ويثبت النسب بزناه الصوري ؛ لأنه لما كان مسلوب العقل صار زناه صورياً لا حقيقياً ، لأن زوال عقله صير زناه كوطئه بشبهة لعدم قصده . وإذا وطىء امرأة حرم عليه أمها وبنتها وحرمت على أبيه وابنه ، وتثبت الحرمة بإرضاعه كأن أرضعت المجنونة شخصاً سنه دون حولين خمس رضعات بشرطه ؛ ز ي . ويغرم بدل ما أتلفه إلا فيما لو أحرم وأتلف صيداً فلا يلزمه جزاؤه على المعتمد . وعبر بالسلب دون المنع لأن المنع لا يفيد السلب ، بخلاف العكس ، بدليل إن الإحرام يمنع من ولاية النكاح ولا يسلبها ؛ ولهذا يزوّج الحاكم نيابة عنه دون الأبعد اه س ل . قوله : ( فإن زال المانع ) أي الصبا والجنون والسفه ، وقوله ( بالبلوغ الخ ) لف ونشر مرتب . قوله : ( من حينئذ )(3/389)
"""""" صفحة رقم 390 """"""
أي من حين زوال المانع . قوله : ( جميع الولد ) نسخة البدن . قوله : ( أو بإمناء ) وإن لم يخرج المني من الذكر كأن أحسّ بخروجه فأمسكه . وخرج بالإمناء غيره كنبات عانة أو شارب أو لحية أو ثقل صوت أو نهود ثدي ، فلا بلوغ بشيء منها ؛ شرح م ر . قوله : ( ما يراه النائم ) من إنزال المني ، اه شوبري . قوله : ( خروج المني ) أي من طريقه المعتاد أو غيره مع انسداد الأصلي على التفصيل المتقدم في باب الغسل ، ز ي . قال م ر : وكلامه يقتضي تحقق خروج المني ، فلو أتت زوجة صبي يمكن بلوغه بأن استكمل تسع سنين بولد لأكثر من ستة أشهر لحقه ولا يحكم ببلوغه ؛ لأن الولد يلحق بالإمكان والبلوغ لا يكون إلا بتحققه . وعلى هذا لا يثبت إيلاده إذا وطىء أمته وأتت بولد ، وهو كذلك خلافاً للبلقيني في ثبوت إيلاده والحكم ببلوغه . قوله : ( أو حيض ) معطوف على ( كمال ) في قوله ( إما بكمال ) . قوله : ( بالبلوغ قبله ) أي الوضع ، وينبني عليه أن تصرفها صحيح من حين العلوق ، ع ش . قوله : ( بستة أشهر وشيء ) أي ولحظتين ، شرح م ر .
تنبيه : سكت المؤلف عن بلوغ الخنثى المشكل وحكمه أنه إن أمنى بذكره وحاض من فرجه حكم ببلوغه لا إن وجدا أو أحدهما من أحد الفرجين لجواز أن يظهر من الآخر ما يعارضه ، كذا قاله الجمهور وهو المعتمد وإن قال الإمام : ينبغي الحكم ببلوغه بأحدهما كما يحكم بالاتضاح به ثم بغيره إن ظهر خلافه ؛ اه من شرح م ر .
قوله : ( والرشد ) هو لغة : نقيض الضلال ، واصطلاحاً : صلاح دين ومال كما ذكره . ولو ادّعى البلوغ بالإنزال صدق بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه أو بالسنّ لم يثبت إلا ببينة ، اه م د . قوله : ( ابتداء ) أي وقت البلوغ فهو منه ، وأما دواماً فيكفي فيه صلاح المال فقط ؛ مرحومي . وقوله ( فهو ) أي الرشد ، وقوله ( منه ) أي البلوغ ، وعبارة الحلبي : قوله ( ابتداء ) أو بعد بلوغه غير صالح اه واعتبر أبو حنيفة ومالك صلاح المال فقط حتى في الابتداء .
فرع : سئل الشهاب الرملي هل الأصل في الناس الرشد أو ضده ؟ فأجاب بأن الأصل فيمن علم الحجر عليه بعد بلوغه استصحابه حتى يغلب على الظنّ رشده بالاختبار ، وأما من جهل حاله فعقوده صحيحة كمن علم رشده ، اه مرحومي . فيكون من جهل حاله الأصل فيه الرشد .
قوله : ( حتى من كافر ) بأن يصير عدلاً في دينه . قوله : ( كما فسر به آية ) أي كما فسر به(3/390)
"""""" صفحة رقم 391 """"""
الرشد فيها لأنه نكرة في سياق الشرط وهي للعموم ، شرح م ر . قوله : ( فإن آنستم ) أي علمتم . قوله : ( بأن لا يفعل في الأول محرماً ) كان مقتضى ذلك أن يقول : ولا يبذر في الثاني ، إلا أن يقال لما كان ذلك تقدم عند قول المتن المبذر سكت عنه هنا . قوله : ( محرماً يبطل العدالة ) خرج بالمحرّم خارم المروءة كالأكل في السوق فلا يمنع الرشد وإن منع الشهادة . قوله : ( يبطل العدالة ) أي عند المسلمين في المسلم ، وعند الكفار في الكافر . باعتبار اعتقادهم ق ل . قوله : ( ولم تغلب ) راجع للإصرار على الصغيرة حج ع ش ، بأن يمضي عليه زمن وهو مواظب على فعل الواجبات وترك المنهيات بحيث يغلب على الظن رشده . قوله : ( ويختبر ) أي وجوباً ، وقوله ( الصبي ) بالمعنى الشامل للأنثى . قوله : ( قبل بلوغه ) أي قريباً منه ، ولو عبر بقبيل مصغراً لكان أولى . قوله : ( والشبهات ) ليس مراده أن ارتكاب الشبهات مخلّ بالرشد إذ ارتكابها ليس محرّماً ، بل المراد المبالغة في استكشاف حال الصبي . قوله : ( فيختبر ولد تاجر ) أي إن استمرّ على صنعة أبيه . قوله : ( بمشاحة ) وهي طلب الزيادة عند البيع ودفع الأقل عند الشراء . قوله : ( ويسلم له المال ) قال سم : أيّ حاجة لتسليم المال مع أن المماكسة ممكنة بدونه ، اه . وقد يقال في تسليمه له قوة داعية له على المماكسة وتنشيط له في المعاملة وزيادة رغبة وإقدام على إجابته ممن يماكسه ، اه شوبري . قال سم : ولا يضمنه الولي إن تلف لأنه مأمور بالتسليم إليه ، كذا أطلقوه ولو قيل : يلزمه مراقبته بحيث لا يكون إغفاله حاملاً على تضييعه وإلا ضمنه لم يبعد . اه . قوله : ( ونفقة عليها ) المراد بها الأجرة ، وقوله ( بأن ينفق الخ ) بأن يعاقدهم الولي على شيء معلوم بأن يجعل لهم أجرة معلومة ثم يدفع المال للصبي ويأمره بإعطائهم وينظر هل ينقص أحداً عن أجرته أو لا كما في ع ش ، ويعلم رشده في ذلك بأن يدفع أقل مما شرط لا أكثر . وعبارة الشوبري : ظاهره أنه يسلم النفقة ، وهو قضية كلام ابن حجر ، ومال شيخنا إلى أن الولد يماكس فقط والولي هو الذي يعقد ويسلم الأجرة . قوله : ( والمرأة بأمر غزل ) أي بالمعنى المصدري ، أو بمعنى المغزول ، أي فيمن يليق بها ذلك ؛ بخلاف بنات الملوك والمختبر لها الولي أو غيره ح ل ، والخنثى يختبر بالأمرين جميعاً أي بما يختبر به الذكور(3/391)
"""""" صفحة رقم 392 """"""
والإناث كما في شرح البهجة . قوله : ( هرة ) جمع الأنثى هرر كقربة وقرب ، وجمع الذكر هررة كقرد وقردة ؛ ز ي . وخلقت الهرة من عطسة الأسد كما قاله الدميري في حياة الحيوان الكبرى . قوله : ( فلو فسق ) مفهوم قوله : والرشد يحصل ابتداء والمراد فسق بغير تبذير أخذاً مما بعده . قوله : ( فلا حجر عليه ) لأن الأولين لم يحجروا على الفسقة . قوله : ( حجر عليه القاضي ) أفهم كلامه أن هذا ما دام لم يحجر عليه يصح تصرفه ، وهو كذلك . وهذا هو مرادهم بقولهم : السفيه المهمل ملحق بالرشيد ، فمتى أطلقوا السفيه المهمل اختص بهذا إيعاب ؛ شوبري . قوله : ( بعد ذلك ) أي بعد بلوغه رشيداً .
قوله : ( فوليه وليه في الصغر ) كمن بلغ غير رشيد بجنون أو سفه ، فإن وليه وليه في الصغر . والفرق بين التبذير والجنون أن التبذير لكونه سفهاً محل نظر واجتهاد فلا يعود الحجر عليه بغير قاض ، بخلاف الجنون ؛ شرح المنهج . قوله : ( بطين ) لا بجبس بدل الطين لكثرة مؤنته ولا بلبن بدل الآجرّ لقلة بقائه ، شرح المنهج . قوله : ( وآجر ) وهو الطوب المحرق وأول من صنعه هامان ، وهذا إن جرت العادة به إذ هي المعتبرة على المعتمد ؛ ق ل ونقله سم والمرحومي عن الرملي في غير الشرح . وعبارة م ر بعد قوله ( وآجر ) : وهو ما نص عليه الشافعي وجرى عليه الجمهور ، وهو المعتمد وإن اختار كثير من الأصحاب جواز البناء على عادة البلد كيف كان ، اه بحروفه . وعبارة المدابغي : قوله ( وآجر ) ولكن هذا بحسب المعتاد في زمانهم ، أما الآن فالمعتبر ما جرت به العادة ؛ لكن الذي في شرح م ر موافقة الشارح مطلقاً وإن خالف العادة فهو المعتمد . قوله : ( ويزكي ماله ) أي الصبي إن كان الصبي مقلداً لمن يرى الزكاة في ماله ، فإن كان مقلداً لمن لا يرى وجوبها فيه امتنع على الولي إخراجها وإن كان مذهبه يرى ذلك . وأما إذا لم يكن للمحجور مذهب فالأولى بالولي إذا رأى وجوب الزكاة أن يرفع الأمر لحاكم يراها ليأمره بها حتى لا يطالبه الولد بعد بلوغه ، اه ق ل . قوله : ( حلف المدعي ) أي الصبي . قوله : ( لأنهما غير متهمين ) لوفور شفقتهما . قوله : ( أما القاضي فيقبل الخ ) ضعيف ، والمعتمد أنه كالوصي شرح م ر ، أي فيقبل قول الصبي بيمينه .(3/392)
"""""" صفحة رقم 393 """"""
قوله : ( في ماله ) متعلق بالحجر .
قوله : ( كأن باع سلماً ) بأن يكون مسلماً إليه . قوله : ( أو باع فيها ) أي في ذمته . قوله : ( لا بلفظ السلم ) إنما قال ذلك لئلا يتكرر مع قوله قبل : كأن باع سلماً الخ . قوله : ( صح ) الأولى حذفه لأنه يستغني عنه بقوله ( يصح في ذمته ) . وليس واقعاً جواباً لشرط تقدم لكنه سرى له من عبارة المنهاج ، وهي : ولو باع سلماً ، إلى أن قال : صح . قوله : ( إذ لا ضرر ) علة لقول المتن : يصح في ذمته . قوله : ( المفوت ) صفة للتصرف وهو على صيغة اسم الفاعل ، أي المفوت على الغرماء عيناً من أعيان ماله . وخرج به العارية فتصح منه كما في م ر لأنه ليس فيها تفويت . قوله : ( بالإنشاء ) متعلق بالمفوت والباء للسببية . قوله : ( مبتدأ ) حال من التصرف والقيود أربعة . قوله : ( مراغمة ) أي مخالفة . قوله : ( فلو أقر بعين الخ ) والحاصل أن ما حدث بعد الحجر إن كان برضا مستحقه لم يقبل وإلا قبل وزاحم الغرماء س ل . قوله : ( أو دين ) هذه زائدة على محترز القيود ؛ لأن الكلام في الأعيان كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( قبل في حق الغرماء ) أي فيزاحمهم المقر له . قوله : ( بمعاملة ولا غيرها ) أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده لم يقبل إقراره في حقهم ، فلا يزاحم المقر له في الثلاث لتقصيره بمعاملته له في الأولى ولتنزيله على أقلّ المراتب وهو دين المعاملة في الثانية ، ولأن الأصل في كل حادث تقديره بأقل زمن في الثالثة ؛ شرح المنهج . قوله : ( لم يقبل في حقهم ) فلا يزاحمهم المقر له ، بل يطالب به بعد فك الحجر عنه . قوله : ( لعدم تقصيره ) أي المجني عليه . قوله : ( ويصح نكاحه ) أي بصداق في ذمته .(3/393)
"""""" صفحة رقم 394 """"""
قوله : ( إذ لا يتعلق بهذه الأشياء مال ) أي شيء من أعيان ماله التي يمتنع تصرفه فيها ، فلا يرد النكاح لأنه وإن تعلق به مال لكن ليس من أعيان ماله بل يتعلق بذمته كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( ويصح استلحاقه النسب ) أما استيلاده فالمعتمد عدم نفوذه كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى خلافاً للغزالي ومن تبعه ؛ لأن حجر الفلس امتاز عن حجر المرض بكونه يتصرف في مرض موته في ثلث ماله وعن حجر السفه بكونه لحق الغير اه م ر . وينفق على المستلحق من بيت المال لا من أعيان مال مستلحقه كما في شرح المنهج . قال ع ش : وانظر هل يكون ذلك مجاناً أو قرضاً ؟ الأقرب الثاني إن تبين للمستلحق مال قبل الاستلحاق أو بعده وقبل الإنفاق عليه من بيت المال فيرجع عليه ؛ لأنه إنما أنفق عليه لعدم مال له . أما لو طرأ له مال بعد أو صار المستلحق رشيداً فلا يرجع عليه بما أنفق عليه ، كالإنفاق على الفقير من بيت المال إذا طرأ له مال . وإنما لم ينفق عليه من مال المستلحق لأن إقراره المؤدي إلى تفويت المال عليه لغو فقبل لثبوت النسب ؛ لأنه بمجرد ثبوت النسب لا يفوت عليه مال وألغى فيما يتعلق بالمال حذراً من التفويت للمال اه .
قوله : ( وتصرف المريض ) أي بإبراء أو وقف أو هبة أو صدقة أو عتق أو بيع بمحاباة ، ق ل . قوله : ( فيما زاد على الثلث ) أي بالنسبة لغير الوارث وأما بالنسبة له فتصرفه حتى في الثلث موقوف على إجازة باقي الورثة . قوله : ( من ماله ) أي وقت موته . قوله : ( تنفيذه ) دفع به توهم أن التصرف هو الموقوف ، وليس كذلك ق ل . قوله : ( جميع الورثة ) أي في جميع الزائد ، فإن أجاز بعضهم نفذ فيما يخصه ، فلو جعل الشارح حرف التعريف للجنس الشامل لبعضهم لكان أولى وأعم ق ل . ومراده بحرف التعريف ( أل ) في الورثة وجعلها للجنس ليشمل ما إذا أجاز بعضهم ، فإنه ينفذ في نصيبه من الزائد والشارح جعلها للاستغراق حيث قال : جميع الورثة . قوله : ( بالقيود الآتي بيانها ) أي بأن يكونوا بالغين عاقلين مطلقين التصرف فلو كانوا غير مطلقين التصرف لم تصح إجازتهم ولا إجازة وليهم بل يبطل ذلك التبرع كما أفتى به السبكي ؛ لكن يجب حمله على ما إذا لم تتوقع أهليته كمجنون أخبر الأطباء أن جنونه مستحكم ، وإلا وقف الأمر إليها كما سيأتي في الوصية سم . قوله : ( من بعده ) قيد في الكل أي الإجازة والورثة والثلث بعد الموت ، اه م د . والأصح أنه متعلق بالإجازة فقط ، وأما الورثة والثلث فالعبرة بوقت الموت . قوله : ( ولو حذف الخ ) ولو حذف ( من ) ومجرورها معاً لكان أخصر ؛ لأن معناه معلوم من لفظ الورثة فتأمل ق ل .(3/394)
"""""" صفحة رقم 395 """"""
قوله : ( أي الرقيق ) فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث . قوله : ( قال ابن حزم ) هو من المبتدعة . قوله : ( فكأنه قال الخ ) فيه نظر ؛ لأن التقسيم المذكور لم يؤخذ من كلامه أصلاً فهو ليس مقولاً له ، فكان الأولى أن يقول : وتصرفات الرقيق الذي الخ ، قرره شيخنا العشماوي . وأجيب بأن معنى قوله ( ينقسم ) أي من حيث تصرفاته وأفعاله . قوله : ( الذي يصح تصرفه الخ ) ليس من مقول القول بل هو صفة للعبد المذكور في المتن ، فهو إشارة إلى قيد محذوف في المتن تقديره : وتصرف العبد الذي يصح تصرفه لنفسه لو كان حراً ينقسم الخ . قوله : ( لو كان حراً ) بأن يكون بالغاً رشيداً . قوله : ( ينقسم ) أي الرقيق من حيث تصرفاته ، بدليل قوله ( ما لا ينفذ الخ ) ولا يصح تقسيم الرقيق إليها بالنظر لذاته كما لا يخفى . وعبارة شرح المنهج : الرقيق تصرفاته ثلاثة أقسام ، إلى آخر ما قاله الشارح . قوله : ( ما لا ينفذ ) أي تصرف الخ . قوله : ( كالولايات ) أي أثر الولايات ، أي ما ينشأ عنها من تزويج والحكم مثلاً ، وإلا فالولايات أنفسها لا تتصف بكونها تصرفاً بل هي معنى قائم بالشخص كما قاله شيخنا العشماوي . قوله : ( والشهادات ) في إطلاق التصرفات على الشهادات والعبادات مسامحة ، إلا أن يراد بالتصرفات مطلق الأفعال والشهادة فعل اللسان ، ومعنى نفوذ العبادة أنه معتدّ بها في إسقاط الفرض والطلب . قوله : ( بغير إذنه ) بل وإن نهاه . قوله : ( بغير إذن سيده ) مستدرك ق ل ، أي وإن سكت عليه إذ لا ينسب للساكت قول . قوله : ( فيستردّه البائع ) ومؤنة الرد في ذمة العبد إن كان في يده ، وعلى السيد إن كان في يده ح ل . قوله : ( إذا عتق ) أي وأيسر . والمراد عتق كله على المعتمد خلافاً لشيخ الإسلام . قوله : ( والضابط الخ ) وهو أحد الأقسام السابقة ، وتحته ثلاثة أنواع ، ولا يحتاج إلى قبول إذن سيده اه ق ل ونظم بعضهم ذلك فقال :
يضمن عبد تالفاً في ذمته
إن رضي المالك دون سادته
وإن يكن بلا رضا من استحق
فليس إلا بالرقيبة اعتلق
وبرضا المالك مع سيده
علق بذمة وما في يده(3/395)
"""""" صفحة رقم 396 """"""
قوله : ( تعلق الضمان برقبته ) سواء أذن فيه السيد أم لا . قوله : ( برقبته ) فيباع فيه إلا أن يفتديه السيد . قوله : ( بعد عتقه ) فإن مات ولم يعتق فلا مطالبة عليه في الآخرة إذا كان المستحق عالماً برقه ولم يقصر العبد في تلفه . قوله : ( وإن تلف في يد السيد ) مقابل قوله ( فإن تلف في يد العبد ) فكان الأولى أن يقدمه عنده . قوله : ( وله مطالبة العبد ) لكنه إذا غرم العبد رجع بما غرمه على سيده لأن القرار عليه لا على العبد ، ويرشح لهذا تعبيره حيث عبر في جانب السيد بالتضمين وفي جانب الرقيق بالمطالبة . قوله : ( وإن أذن له سيده ) مقابل قوله فيما سبق ، فإن لم يؤذن له في التجارة لم يصح شراؤه . قوله : ( تصرف بالإجماع ) أي وإن رد الإذن لأن ذلك استخدام لا توكيل ز ي . قوله : ( بحسب الإذن ) أي على قدره . قوله : ( النكاح ) أي لا لنفسه ولا لعبيد التجارة ق ل . ولا ينفق على نفسه من مال التجارة ، والقياس أنه يراجع الحاكم في غيبة سيده ليأذن له في الإنفاق على نفسه فإن تعذر جاز له الاستقلال بالإنفاق للضرورة وليس له الاقتراض على المعتمد ، ز ي . ويصدق في قدر ما أنفقه ع ش . قوله : ( ولا يتبرع ) ولو بلقمة لهرة ما لم يعلم رضا السيد به أي بالتبرع ، وإلا فيجوز ؛ ق ل وع ش . قوله : ( ولا يعامل سيده ) أي ولو وكيلاً من غيره بمال غيره ، ولا وكيل سيده بمال سيده ق ل . قوله : ( ولا رقيقه ) أي رقيق سيده . وقوله ( ببيع ) متعلق بقوله ولا يعامل . قوله : ( بخلاف المكاتب ) أي فيعامل سيده . والمراد بقوله ( بخلاف المكاتب ) أي كتابة صحيحة ، أما فاسدها فلا يعامل سيده كما جزم به ابن المقري ، شوبري . قوله : ( حتى يعلم الإذن ) مراده بالعلم ما يشمل الظن لثبوته بعدل . قوله : ( أو ببينة ) ولو عدلاً واحداً ، ولا يبطل الإذن بجنون أحدهما أو إغمائه خلافاً للعبادي ، ولا بإباق العبد وله التصرف فيما أبق إليه اه ق ل .(3/396)
"""""" صفحة رقم 397 """"""
تتمة : أفتى السبكي بجواز بيع مال اليتيم لنفقته بنهاية ما دفع فيه وإن رخص لضرورة اه حج . أقول : وقد يقال فيه وقفة بل يجب على القاضي الاقتراض أو الارتهان ، إلا أن يقال هو مصوّر بما إذا تعذر عليه ذلك أخذاً من قوله ( لضرورة ) أو يقال : حيث انتهت الرغبات فيه بقدر كان ثمن مثله والرخص لا ينافيه ؛ لأن الثمن قد يكون غالياً وقد يكون رخيصاً . اه ع ش على م ر .
3 ( ( فصل : في الصلح ) ) 3
ذكره بعد الحجر ليس فيه كبير مناسبة ، فكان المناسب تأخيره عما في الكتاب كله لأنه يجري في غالبها فيكون بيعاً وسلماً وهبة وإجارة . وهو رخصة على المعتمد ؛ لأن الرخصة هي الحكم المتغير إليه السهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي ، ولا يشترط لتسميته رخصة التغيير بالفعل بل ورود الحكم على خلاف ما تقتضيه الأصول العامة كاف في كونه رخصة ؛ وقال بعضهم : ذكره عقب الحجر لأن غالب وقوعه بعد حجر الفلس .
قوله : ( من إشراع الروشن ) أي وحكم تقديم الباب وتأخيره . قوله : ( وشرعاً عقد الخ ) هذا من غير الغالب من أن المعنى اللغوي أعم من الاصطلاحي إذ هما متغايران هنا . وأجيب بأن قوله قطع النزاع أي بعقد أو بغيره فيكون أعم من المعنى الاصطلاحي . قوله : ( وهو ) أي الصلح من حيث هو لا المذكور في الترجمة ؛ لأنه خاص بالمعاملات كما قاله الشارح بعد ، وإلا لزم تقسيم الشي إلى نفسه وإلى غيره . وقوله ( أنواع ) أي أربعة صلح بين المسلمين والكفار ، وعقدوا له باب الهدنة وهي الصلح على ترك القتال مدة أربعة أشهر عند قوّتنا وعشر سنين عند ضعفنا . قوله : ( وبين الإمام ) أو نائبه والبغاة ، وعقدوا له باب البغاة . قوله : ( وبين الزوجين ) وعقدوا له باب القسم والنشوز . قوله : ( والصلح خير ) ظاهره أن هذه الآية دليل على الصلح مطلقاً ، وفيه أن هذا الصلح هو الواقع بين الزوجين لأنه أعيدت فيه النكرة معرفة ، والنكرة إذا اعيدت معرفة كانت عيناً ، فكأنه قيل : هذا الصلح أي الواقع بين الزوجين خير ح ل . وقد أجيب بأن القاعدة أغلبية وبأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ويدل لإرادة العموم إعادته بلفظ الظاهر لا بالضمير .(3/397)
"""""" صفحة رقم 398 """"""
قوله : ( بين المسلمين ) خصهم بالذكر لانقيادهم للأحكام غالباً ، وإلا فمثلهم الكفار . قوله : ( إلا صلحاً أحل حراماً الخ ) أي فلا يجوز أي يحرم ولا يصح ، فهو استثناء منقطع ؛ ق ل ، أي لأنه استثنى ما ليس صلحاً لعدم صحته من الصلح . وهذا مبني على أن العقد الفاسد لا يسمى صلحاً وفيه خلاف م د . قوله : ( أحلّ حراماً ) كأن صالح على نحو خمر م ر ، وسيأتي تمثيله أيضاً في الشرح . قوله : ( أو حرم حلالاً ) كأن صالح على أن لا يتصرف في المصالح عليه ، شرح م ر . فإن قيل : الصلح لم يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحليل والتحريم ؟ أجيب بأن الصلح هو المجوّز لنا الإقدام على ذلك في الظاهر ، عناني ؛ أي فلو صححناه لكان هو المحلل والمحرم في الظاهر . قوله : ( ولفظه الخ ) وقد نظم بعضهم ذلك فقال :
في الصلح المأخوذ باء وعلى
والترك من وعن كثيراً إذ جعلا
ونظم بعضهم ذلك أيضاً بقوله :
فبالباء أو على يعدى الصلح
لما أخذته فهذا نصح
ومن وعن أيضاً لما قد تركا
في أغلب الأحوال ذا قد سلكا
قوله : ( على إقرار ) ومثله إقامة البينة بعد الإنكار لأن الأصل أن لا عقد . فإن قيل : لو تنازع المتعاقدان هل وقع العقد صحيحاً أو فاسداً كان القول قول مدعي الصحة كما قالوه في البيع فهلا يكون هنا كذلك ؟ أجيب بأن الظاهر والغالب جريان البيع على الصحة ، والغالب وقوع الصلح على الإنكار ؛ اه م د على التحرير . قوله : ( على إنكار ) أي أو سكوت كما يأتي ولو قال على غير إقرار لكان أولى ق ل . قوله : ( مع الإقرار ) أي حقيقة أو حكماً كاليمين المردودة أو مع إقامة البينة ، ق ل . قوله : ( الثابتة في الذمة ) الصواب إسقاطه ؛ لأن الأعيان يصح الصلح عليها مع أنها ليست ثابتة في الذمة . قوله : ( من إنكار ) أي خلافاً للأئمة الثلاثة حيث ذهبوا إلى صحته ، أ ج . قوله : ( كما قاله الخ ) يرجع للسكوت فتأمل . قوله : ( ثم تصالحا عليها ) أي منها عليها بأن تجعل للمدعي أو المدعى عليه م ر ، كأن قال : صالحتك منها عليها ، وهذا تصوير المنهاج الآتي ؛ أو قال : صالحتك منها على نصفها ، أو قال : صالحتك منها أو(3/398)
"""""" صفحة رقم 399 """"""
من بعضها على ثوب مثلاً ؛ فالصلح باطل في هذه الصور لأنه على إنكار اه شيخنا . وحاصل ما ذكر من صور الصلح الباطلة أربعة وكل واحدة تحتاج لدليل ، فذكر الشارح دليل الأخيرتين بقوله : لأنه في الصلح الخ ، وأما الاثنان الأوّلان فسيأتي يقول : ويلحق بذلك الخ . قوله : ( أو على غير ذلك ) سواء كان الصلح منها أو من بعضها كما يرشد إليه قوله لتحريم المدعى به أو بعضه ، شوبري . قوله : ( لأنه في الصلح على غير المدعي به الخ ) أي لو قلنا بصحته لزم أن يكون محرماً الخ ، أي حرمه عليه بصورة عقد مقهور عليه لإنكار المدعى عليه ، فلا يقال إن الإنسان له ترك حقه أو بعضه بعقد بيع أو غيره ، اه ح ل بتصرف . قوله : ( أو بعضه ) أي فيما إذا صالحه من بعض العين المدعاة على ثوب مثلاً ولم يصالح على البعض الآخر ؛ لأن الفرض أن الصلح على غير المدعي به . وقال بعضهم : كان الأولى حذف قوله ( أو بعضه ) لأنه بصدد الصلح على غير المدعي به ولأنه سيأتي في الملحق بعده . وقد يجاب بأن صورته أن يدعي الدار مثلاً ويصالحه من بعضها على ثوب مثلاً ساكتاً عن البعض الآخر كما تقدم ، وهذا غير ما يأتي فلا تكرار . وقال بعضهم : إن قوله أو بعضه معطوف على الضمير في ( به ) بدون إعادة الخافض . وهو بعيد تأمل .
قوله : ( ويلحق بذلك ) أي بالصلح على غير المدعي به الصلح على نفس المدعي به أو على بعضه في البطلان وإن كان لا يجري فيه التعليل المذكور ، أي قوله ( لأنه في الصلح الخ ) وإنما قال ( يلحق ) لأنه إن كان معنى الصلح على المدعي به أنه يتركه للمنكر ، فليس فيه إلا تحريم الحلال إن كان صادقاً دون تحليل الحرام إن كان كاذباً ، لكون المدعي لم يأخذ شيئاً والحالة هذه ، وإن كان معنى الصلح على المدعي به أنه يأخذه من المنكر فليس فيه إلا تحليل الحرام لأخذه ما لا يستحقه إن كان كاذباً ؛ فسقط قول ق ل : لا حاجة للإلحاق لوجود المعنيين فيه ، اه . نعم يظهر وجود المعنيين فيما إذا صالح على بعض المدعى به اه م د قوله : ( فقول المنهاج الخ ) مفرّع على ما تقدم من تصوير الصلح الباطل مما مر وقول الشارح فقول المنهاج مبتدأ وقوله إن جرى مقول القول ، وجواب الشرط محذوف أي فيبطل . وقوله ( صحيح ) خبر قول أي تصوير المنهاج لبطلان الصلح بما ذكره صحيح . وعبارة المنهاج : النوع الثاني الصلح على إنكار فيبطل إن جرى على نفس المدعى به أو بعضه ، اه . وتعبيره وإن كان صحيحاً كما ذكره الشارح لكن التقييد بذلك غير مراد ولا حاجة إليه ، والأولى للشارح عدم ذكر هذا . قوله : ( وإن لم يكن في المحرر الخ ) بل الذي فيها لفظة ( غير ) بالغين المعجمة والراء المهملة . قوله :(3/399)
"""""" صفحة رقم 400 """"""
( والقول بأنه لا يستقيم الخ ) قائله الأسنوي : ووجه عدم استقامته أن العين المدعاة إما متروكة وإما مأخوذة ، فإن كانت متروكة ورد عليه دخول على ، وإن كانت مأخوذة ورد عليه دخول ( من ) و ( عن ) . قوله : ( لأن على الخ ) أي وليس هنا متروك ومأخوذ ؛ لأن العين واحدة ق ل . وهذا توجيه للاعتراض ، أي أن وضع الصلح أن يكون معنا شيئان : أحدهما متروك تدخل عليه ( من ) والثاني مأخوذ تدخل عليه ( على ) وليس هنا إلا شيء واحد دخلت عليه ( من ) و ( على ) قال م د . فقد علمت أن الصلح على المدعي صادق بتركه وبأخذه خلافاً لمن توهم خلافه . قوله : ( مردود ) خبر . وحاصل الرد جوابان : الأول : بالتسليم ، والثاني : بالمنع ، وحاصله تصحيح تصوير المنهاج . قوله : ( جري على الغالب ) أي وهذا من غير الغالب . قوله : ( باعتبارين ) فإنه مأخوذ بالنسبة للمدعي متروك بالنسبة للمدعى عليه ، فكأن المدعي أخذها وتركها للمدعى عليه ح ل . قوله : ( أن إلغاء الصلح ) أي بطلانه . قوله : ( ولفساد الصيغة ) انظر هذا مع ما مر من الحكم بصحة التصوير وإن كان الصلح باطلاً ومع الجواب عنه المقتضي لصحته أيضاً فتأمله ، ق ل . فكان الأولى إسقاط هذا التعليل كما قاله أ ج ؛ لأنه يدل على فساد التصوير والقصد تصحيحه بما تقدم . وأجيب بأن فساد الصيغة بحسب الظاهر قبل الجواب عنها . قوله : ( باتحاد ) متعلق بقوله لفساد وقوله العوضين ، أي المصالح به والمصالح عليه ؛ لأنه جعل العين المدّعاة متروكة لدخول ( من ) عليها ومأخوذة لدخول ( على ) عليها .
قوله : ( ويستثنى الخ ) الاستثناء في هذه الصور غير مستقيم إذ هو من الصلح مع الجهل لا مع الإنكار ق ل ، كأن مات عن ابن وخنثى فأخذ الابن النصف والخنثى الثلث واصطلحا على السدس الباقي ؛ اللهم إلا أن يقال لما لم يعلم ما لكل نزل منزلة الإنكار تدبر لكاتبه أ ج . قوله : ( على الإنكار ) الأوْلى : على غير إقرار كما في م ر ، ليشمل السكوت ؛ إذ لا إنكار هنا ، إلا أن يقال هنا إنكار بالقوّة ، وعبارة م د على التحرير : قوله : وإقرار الخصم فلا يجوز الصلح مع الإنكار خلافاً للأئمة الثلاثة ، وكذا مع السكوت ، وحينئذ فيحرم على نحو قاض ادعى بين يديه على آخر بنحو دين فأنكر الأمر بالصلح بين المدعي والمدعى عليه لأنه أمر بباطل ، وكذا تحرم الإشارة بذلك إلا إذا قلد الآمر أو المشير من يرى الصلح على الإنكار ؛ قاله ابن حجر ، وهو ظاهر إن أراد الصلح على الوجه المذكور فإن أراد النظر بينهما ليحصل إقرار فلا حرمة ، اه شوبري .(3/400)
"""""" صفحة رقم 401 """"""
قوله : ( فيما وقف بينهم ) كأن مات شخص عن جد وأخ شقيق وأخ لأب مفقود ، فإن الجدّ يأخذ اثنين من ستة لأن له الثلث والأخ الشقيق يأخذ ثلاثة ويوقف الواحد إن تبين موت المفقود أخذه الجد وإلا أخذه الشقيق ، فإن لم يظهر شيء اصطلح الشقيق مع الجدّ أ ج . وفي جعلها من ستة نظر ، وكذا في إعطاء الأخ ثلاثة والجد اثنين نظر ؛ والصواب جعلها من ثلاثة بعدد الرؤوس فيعطى الجد واحداً والشقيق واحداً ويوقف واحد بين الجد والأخ الشقيق إن لم يظهر موت الأخ للأب ولا حياته ، فالأولى تمثيل المدابغي بابن وخنثى مات عنهما فيعطي الابن ثلاثة والخنثى اثنين ويوقف واحد للاتضاح أو الصلح ، فإذا اصطلحا على أن يأخذ الابن الواضح نصف القيراط أي الموقوف أو ثلثيه مثلاً والباقي للخنثى صح الصلح . وإنما جعلت من ستة لأن مسئلة الذكورة من اثنين ومسألة الأنوثة من ثلاثة والجامعة لهما ستة من ضرب اثنين في ثلاثة ، وقرّر شيخنا العشماوي ما نصه : قوله ( فيما وقف بينهم ) أي فيما إذا كان هناك خنثى مثلاً كأن مات عن ابنين وخنثى ، فمسئلة الذكورة من ثلاثة ومسئلة الأنوثة من خمسة والجامعة خمسة عشر ، فيعطى كل ابن خمسة ويعطي الخنثى ثلاثة لأنها خمس الخمسة عشر وكان له خمس الخمسة في الأولى بتقدير الأنوثة ويوقف اثنان للاتضاح أو الصلح ، فإذا اصطلحوا صح اصطلاحهم بتساو أو تفاوت مع أنه لا إقرار اه .
قوله : ( إذا لم يبذل الخ ) أما إذا بذل أحدهم عوضاً من خالص ملكه بطل الصلح لاقتضاء المعاوضة الملكية للموقوف وهي منتفية ، ولتوقفه على الإقرار في مقابلة ما يأخذه من الموقوف . قوله : ( على أكثر من أربع نسوة ) أي وأسلمن قبل موته ، أما لو لم يسلمن أو أسلمن بعد موته فلا إرث لقيام المانع بهن حال الموت . قوله : ( أو طلق إحدى زوجتيه ) أي طلاقاً بائناً لأنها لا ترث ، فاحتيج إلى الصلح . أما الرجعية فإنها ترث فلا حاجة للصلح . قوله : ( ومات قبل البيان ) أي إن كانت المطلقة معينة عنده في قصده ، لكن لم يبينها قبل موته . وقوله ( أو التعيين ) إن كانت مبهمة عنده لكن لم يعينها قبل موته . قوله : ( فاصطلحن ) أي الأكثر من أربع نسوة والزوجتان المطلقة إحداهما ، أي اصطلحن على القسمة بالتساوي أو التفاوت . قوله : ( لا أعلم لأيكما هي ) بأن أودع شخصان عند آخر وديعتين فضاعت إحداهما من غير تقصير ولم يعلم لأيهما هي ، وادعى كل من المودعين أن الباقية له ، فإنهما يصطلحان على التفاضل أو التساوي لا على اختصاص أحدهما بها وبذل شيء منه للآخر م د ، قوله : ( أو داراً في يدهما ) يقال : أيّ حاجة للصلح بينهما مع أنها لهما مناصفة بالحكم الشرعي ؟ قوله : ( وأقام كل بينة )(3/401)
"""""" صفحة رقم 402 """"""
راجع للاثنين ، والظاهر أنه ليس بقيد بل مثله إذا لم يقم أحد بينة لأن البينتين كالعدم لتعارضهما . قوله : ( أن القول قول مدعي الإنكار ) وهذه المسئلة خرجت عن قاعدة أن القول قول مدعي الصحة فيما لو اختلفا وأحدهما يدعي الصحة والآخر يدعي الفساد . قوله : ( ولو أقيمت ) في معنى تعميم الإقرار في قول المتن ( مع الإقرار ) فيكون المراد الإقرار ولو حكماً ، وأشار بهذا إلى أن البينة كالإقرار ومثلها الشاهد مع اليمين . قوله : ( كان الصلح باطلاً ) هو المعتمد لأن ما وقع فاسداً لا ينقلب صحيحاً ق ل .
قوله : ( فصالحه عليه ) صوابه ( عنه ) ق ل ؛ لأن عن تدخل على المتروك والقصاص متروك هنا ، وتقدم أن القاعدة أغلبية . ويجاب بأن القصاص كالمأخوذ لمن هو عليه وإذا أخذه سقط عنه . قوله : ( كصالحتك من كذا ) هذا من غير الغالب . وقال بعضهم : ( من ) داخلة على المتروك وعلى داخلة على المأخوذ ، فهذا من الغالب وذلك لأن هذا القول صادر من المدعى عليه كما هو صريح قوله : على ما تستحقه عليّ وهو يأخذ القصاص ، أي وإذا أخذه سقط عنه ويترك غيره ، فمن قال إن هذا من غير الغالب كأنه توهم أن هذا صادر من المدعي . قوله : ( فإنه يصح ) ويسقط به القصاص لأنه لا يملكه بذلك ، ومتى ملك من ثبت عليه القصاص كله أو بعضه سقط عنه . قوله : ( أو بلفظ البيع فلا ) أي أو صالحه عن القصاص على مال بلفظ البيع كبعتك القصاص الذي أستحقه عليك بكذا فلا يصح أي لأنه لا يصح نقله بالبيع .
قوله : ( نوعان ) وكل منهما نوعان ، فذكر في الدين الإبراء وترك المعاوضة لكونه ذكرها في العين ، وذكر في العين المعاوضة وترك صلح الحطيطة لكونه ذكر نظيره في صلح الدين ، فيكون في كلام المتن شبه احتباك . قوله : ( وتركه المصنف ) فيه نظر ، فإن قوله الآتي(3/402)
"""""" صفحة رقم 403 """"""
( والمعاوضة الخ ) شامل للعين والدين ، شيخنا العشماوي . قوله : ( على غير العين ) في هذا التعبير نظر ، فإن فرض الكلام في الصلح عن الدين فكان المناسب أن يقال : على غير ذلك الدين ، تأمل . وأجيب بأن المراد بالعين في كلامه المعين ، فهو واقع في كلامه وصف لموصوف محذوف تقديره : على غير الدين المعين ووصفه بالمدّعاة نظراً للفظ العين لا لمعناها . وهذا وإن كان بعيداً أولى من الاعتراض ، فقد قال بعضهم : كان الأولى حذفه لأن الكلام في الدين لا العين وكان يقول على غير الدين المدعى به . قوله : ( على ما يوافقه ) كأن صالح عن ذهب بفضة أو عن بر بشعير اه أ ج . قوله : ( اشترط قبض الخ ) أي حذراً من التفرق المؤدي للربا ، فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح ولا يشترط تعيينه في العقد اه شرح م ر . قوله : ( فإن كان العوض عيناً ) أي معيناً في العقد كأن صالحه عن الألف الذي له عليه بهذا العبد ، كما لو باع ثوباً بدراهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس .
فرع : ادعى عليه بعشرة دنانير وأقر له بها فصالحه منها على خمسة دنانير ومائتي نصف فضة صح ، ولا يقال هذا من قاعدة مد عجوة ؛ لأنا نقول تلك مفروضة في بيع الأعيان ، أما إذا كان في الذمة فإنه يصح كما هنا ، اه عناني . قوله : ( وإن كان ديناً ) كأن قال : صالحتك عن الألف الذي لي عليك بعبد في ذمتك صفته كذا وكذا ، فلا بد من تعيين العبد في المجلس ، وفي قبضه فيه وجهان أصحهما الاشتراط م د . والأصح عدم الاشتراط كما في شرح م ر . قوله : ( لمن هو في يده ) صوابه : لمن هي أي العين . وقد يجاب بأنه ذكر الضمير بتأويل العين بالشيء المدعى ، اه أ ج . وأجيب أيضاً بأن الضمير راجع للبعض لا للعين كما فهمه الحواشي ، فاعتراضهم على الشارح ليس في محله . قوله : ( فيشترط لصحته ) أي الصلح . قوله : ( ومضى مدة إمكان القبض ) هذا في الحقيقة شرط للزوم الهبة ؛ لأن ملك الهبة يتوقف على القبض لا لأصل صحة العقد ، ففي كلام الشارح تساهل ، والأوجه إسقاطه لأنه ليس شرطاً للصحة ولا لدوامها ، ق ل . بل شرط للزوم ، ولا بد من الإذن في القبض أيضاً . قوله : ( بلفظ الهبة ) أي مع لفظ الصلح ليكون من أنواعه ، فيشترط فيه سبق الخصومة . وصورته : أن يقول وهبتك نصف العين المدعاة وصالحتك(3/403)
"""""" صفحة رقم 404 """"""
على باقيها ، فلو أسقط قوله ( وصالحتك الخ ) صحّ وكان هبة محضة لا صلحاً فلا يشترط سبق الخصومة اه . والحاصل أنه إن جرى بلفظ الهبة لا يحتاج إلى سبق خصومة ، وإن جرى بلفظ الصلح فقط أو بلفظ الصلح مع لفظ الهبة اشترط سبق خصومة ، وأما القبول فلا بد منه في الكل . قوله : ( وشبههما ) كالإعطاء . قوله : ( لعدم الثمن ) أي لأن العين كلها للمقرّ له ، فإذا باعها ببعضها فقد باع ملكه بملكه والشيء ببعضه وهو محال ، حج .
قوله : ( فالإبراء الخ ) حاصله أنه إن كان بلفظ الإبراء ونحوه لا يشترط سبق خصومة ولا قبول ، وإن جرى بلفظ الصلح والإبراء معاً فلا يحتاج إلى القبول على المعتمد ولا بد من سبق خصومة وإن جرى بلفظ الصلح فقد اشترط القبول على المعتمد ولا بد من سبق خصومة . قوله : ( ويصح بلفظ الإبراء ) أي مع لفظ الصلح ليكون منه ، وعلى ما مرّ لا يحتاج لقبول نظراً للفظ الإبراء ، ق ل وسيأتي . قوله : ( فخرج إليهما ) أي من بيته . قوله : ( قد فعلت ) انظر هل هو إنشاء أو إخبار عما وقع منه . أقول : نظرت فوجدت لشيخنا العشماوي ما نصه : قوله ( قد فعلت ) أي أنشأت ذلك اه . قوله : ( أو نحوها ) أي صيغة الإبراء . قوله : ( الإبراء إسقاط ) معتمد . قوله : ( اختلاف ترجيح ) أي إن قلنا إنه تمليك توقف على القبول وإلا فلا ، والمذهب عدم توقفه على القبول مطلقاً كما قاله الشارح اه م د . قوله : ( ويصح بلفظ الصلح ) أي فقط .(3/404)
"""""" صفحة رقم 405 """"""
قوله : ( مدركه ) بضم الميم أي موضع إدراكه ، والفقهاء يقولون : مدركه بفتح الميم ؛ وليس لتخريجه وجه لأنه من أدرك إدراكاً ، وقد نص الأئمة على طرد الباب فيقال مفعل بضم الميم من أفعل ، واستثنيت كلمات مسموعة خرجت عن القياس ولم يذكروا منها المدرك فالوجه الأخذ بالأصول القياسية حتى يصح سماع غيرها اه ملخصاً من المصباح . وقوله : ( بلفظ البيع ) أي لعدم الثمن . قوله : ( بمعنى الإبراء ) لو أسقطه لكان أولى وأعم ؛ لأنه يجري في جميع أنواع الصلح . وقد يقال إنما قيد به لأن كلامه فيه وأما صلح المعاوضة فسيذكر أو أن صلح المعاوضة علم أنه لا يجوز تعليقه لأنه في بعض أحواله يكون بيعاً فله حكمه ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( والمعاوضة عدوله عن حقه إلى غيره ) كلام المتن شامل لصورتين ، أي سواء كان ذلك الحق المدعى به عيناً أو ديناً ، وحينئذ يكون المتن أسقط قسماً واحداً وهو ما إذا كان المدعي به عيناً وصالحه على بعضها ، ولا يقال إنه داخل في قوله السابق ، فالإبراء اقتصاره من حقه على بعضه لأن الإبراء لا يكون إلا في الدين . وعلى فهم الشارح يكون المصنف أسقط قسماً ثانياً وهو ما إذا كان المدعي ديناً وصالحه منه على غيره . قوله : ( وصالحه منه ) أي مما ذكر من الدار أو بعضها .
قوله : ( على ثوب ) أي معين ، وكذا قوله كعبد المراد معين بقرينة قوله فيما سيأتي : ولو صالح من العين على دين . قوله : ( صح ) لا محل له هنا فالأولى إسقاطه كما مر ؛ لأن المقام مقام تصوير لا بيان الحكم . قوله : ( ويجري عليه ) الأنسب ( عليها ) لأنه عائد على المعاوضة ق ل . قوله : ( وثبوت الشفعة ) أي فيما إذا ادعّى عليه شقصاً من دار كان غاصباً له فأقرّ به ثم صالحه منه على ثوب مثلاً فقد باعه له بالثوب ، فإذا كان للمدعي شريك في الدار فيأخذ بالشفعة من المدعى عليه . قوله : ( والجهالة ) من عطف السبب على المسبب .(3/405)
"""""" صفحة رقم 406 """"""
قوله : ( إلى غير ذلك ) كالخيار بأنواعه الثلاثة والتولية والإشراك ونحو ذلك مما يجري في البيع ، وهو متعلق بمحذوف تقديره : ويسري إلى غير ذلك . قوله : ( يصدق على ذلك ) أي على العقد بأي اللفظين . قوله : ( ولو صالح من العين ) أتى بهذا توطئة لما بعده وإلا فهو معلوم . قوله : ( فهو بيع أيضاً ) ما المانع من أن يكون سلماً بأن تكون العين رأس مال السلم والذهب أو الفضة هو المسلم فيه ؟ وأجيب بأن المراد بالعين في قوله : ولو صالح من العين الخ ، بالنظر لقوله : فهو بيع أحد النقدين لأنه لا يصح السلم فيهما بالآخر ، والمراد بها بالنظر لقوله : ( فهو سلم ) ما يعم النقد وغيره ، فقوله : ( فهو سلم ) أي ويصح أن يكون بيعاً إذا لم يذكر لفظ السلم كما يؤخذ ذلك كله من شرح حج ، قرره شيخنا العشماوي . وعبارة المدابغي : قوله ( فهو بيع أيضاً ) فيجري فيه ما تقدم ، واشتراط التقابض والتساوي إن كان جنساً ربوياً كما مثل به ، واشتراط القطع في بيع الزرع الأخضر وجريان التحالف عند الاختلاف .
قوله : ( فهو سلم ) أي حقيقة إن كان بلفظه ، كأن يقول : صالحتك من الدار التي أدعيها عليك على عبد في ذمتك صفته كذا وكذا سلماً وتكون العين رأس مال السلم . قوله : ( فإجارة ) فالعين المدعاة متروكة في نظير المنفعة فتكون أجرة ، وكأنه استأجر العين التي أخذها بالعين المقرّ بها . قوله : ( فإن صالح على منفعة العين ) كأن قال المدعي : صالحتك من الدار التي أدعيها عليك على سكناها سنة ، فالمعير المدعي والمستعير المدعى عليه . واعترض بأن على تدخل على المأخوذ ومن على المتروك وهذا بالعكس . وأجيب بأن القاعدة أغلبية كما تقدم ع ش .
قوله : ( ولو قال صالحني عن دارك الخ ) كان الأولى أن يقول : ويشترط في الصلح سبق الخصومة فلو قال صالحني الخ . قوله : ( فالأصح بطلانه ) محله عند عدم النية ، فإن نويا به البيع كان كناية من غير شك كما قالاه وإن رده في المطلب ، شرح م ر . قوله : ( البيع ) كصالحتك من الدار على هذا الثوب أو من الألف الذي عليك على هذه الدراهم . قوله : ( والإجارة ) تحتها(3/406)
"""""" صفحة رقم 407 """"""
صورتان كصالحتك من سكنى الدار سنة بهذا العبد فيكون إجارة للعين المدعاة بغيرها لغريمه ، أو صالحتك من الدار بخدمة عبدك هذا إلى سنة فيكون إجارة لغير العين المدعاة بها من غريمه م د . قوله : ( والعارية ) أي مؤقتة أو مطلقة ، كصالحتك من سكنى الدار سنة عليها أو من سكنى الدار عليها ؛ فله الرجوع متى شاء . قوله : ( والهبة ) كصالحتك من الدار على نصفها مثلاً . قوله : ( والسلم ) بأن تجعل العين المدعى بها رأس مال سلم بلفظ السلم والمعاوضة عن دم العمد ، كقوله : صالحتك من كذا على ما أستحقه عليك من القود ، اه ز ي . وهذا التمثيل على خلاف القاعدة من أن من أدخلت على المأخوذ وعلى على المتروك . قوله : ( على أن تطلقني ) أي فيقول لها : ( صالحتك ) لأنه قائم مقام طلقتك فيحصل به الخلع وإن لم يذكر لفظه أو لفظ الطلاق أو قبلت ذلك ويقع عليه الطلاق اه مرحومي . وعبارة أ ج : هل يكفيه أن يقول صالحتك على ذلك فيكون هذا هو عين الخلع كما هو ظاهر العبارة أو لا بد من إنشاء طلاق بعد ذلك كقوله صالحتك وطلقتك ؟ قال ع ش : يكفي أحدهما وقال ق ل لا بد من إنشاء طلاق اه . قوله : ( كأن صالح من المسلم فيه على رأس المال ) قال في المهمات : وهو صحيح ماش على القواعد كما قال الأصحاب إن بيع المبيع قبل القبض للبائع بمثل الثمن الأول إقالة بلفظ البيع ، شوبري أ ج .
قوله : ( لغا الصلح ) وصح تعجيل للمؤجل ، لا إن ظن صحة الصلح فلا يصح التعجيل فيسترد ما دفعه ؛ شرح المنهج . قوله : ( لأنه وعد في الأولى ) أي والوعد لا يلزم الوفاء به فيبقى الدين حالاًّ على حاله . قوله : ( وصفة الحلول ) مثله م ر ، قال الرشيدي : صوابه أن يقول ( وصفة التأجيل اه ) لأن الكلام فيه ، والأنسب ذكر ذلك بعد الثانية . وقال بعضهم : كان الأولى أن يقول وصفة التأجيل لا يصح إلحاقها للحال إلا أن يقال المفعول محذوف أي إلحاقها الأجل فترجع لما ذكر في المعنى . قوله : ( وصفة الحلول لا يصح إلحاقها ) المعنى أن المؤجل لا(3/407)
"""""" صفحة رقم 408 """"""
يلحقه صفة الحلول ، وهو إنما أسقط الخمسة في مقابلة حلول الخمسة الأخرى وهي لا تحل فيلغو الصلح . قوله : ( ويجوز للإنسان الخ ) أي بشروط ثلاثة أن يكون المخرج مسلماً وأن لا يضر المارة وأن لا يظلم الموضع إظلاماً مخالفاً للعادة ويضر ضرراً لا يحتمل عادة ، كعجن طين إذا بقي مقدار المرور للناس وإلقاء الحجارة فيه للعمارة إذا تركت بقدر مدة نقلها وربط الدوابّ فيه بقدر حاجة النزول والركوب ؛ شرح الروض . أي ومع جواز ذلك ، فالأقرب أنه يضمن ما تلف به لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة ؛ ولا فرق في ذلك بين البصير وغيره ، قال م ر : ويؤخذ من ذلك منع ما جرت به عادة العلافين من ربط الدواب في الشوارع للكراء فلا يجوز ، وعلى وليّ الأمر منعهم لما في ذلك من مزيد الضرر ، اه مرحومي . وقوله ( دواب العلافين ) قال شيخنا : وكذا دوابّ المدرسين الواقفة على أبواب المدارس ونحوها مدة التدريس ، ونوزع فيه اه ق ل .
قوله : ( روشناً ) أي شيئاً يؤول أمره إلى ذلك ، وإلا فالروشن هو الخارج كما قاله ولا معنى لإخراج الخارج . قوله : ( أي جناحاً ) من جنح يجنح بفتح النون وضمها : إذا مال ، اه ز ي . وقيل : من جناح الطير ، فتسميته بما ذكر مجاز بالاستعارة المصرحة بأن شبه البناء الخارج من جانب الجدار بجناح الطائر بجامع الانتفاع بكل واستعير اسم الجناح للبناء المذكور . قوله : ( وهو الخارج ) أي إلى هواء الطريق ، زيادي . قوله : ( وساباطاً ) ويجمع على سوابيط وساباطات . قوله : ( والطريق بينهما ) أي بين الحائطين تحت السقيفة . قوله : ( في طريق نافذ ) سيأتي محترزه في قوله : ولا يجوز في الدرب الخ . وحاصله أنه إن كان في طريق نافذ فيشترط فيه الشروط الثلاثة فقط ، أما إذا كان في الدرب المشترك الخالي عن مسجد ونحوه فيزاد على ما تقدم الإذن . قوله : ( وقيل بينه الخ ) فبينهما العموم والخصوص المطلق على هذا وعلى الأول مترادفان . قوله : ( وبين الطريق ) أي لا بقيد النفوذ . قوله : ( اجتماع ) فيجتمعان في نافذ ببنيان وينفرد الطريق بالبنيان المنسدّ أو الصحراء ، شرح م ر . قوله : ( وافتراق ) أي من أحد الجانبين ، وقوله ( لأنه ) أي الشارع . قوله : ( ويذكر ويؤنث ) فيقال الطريق سلكته وسلكتها .(3/408)
"""""" صفحة رقم 409 """"""
قوله : ( بحيث لا يضر ) أي ضرراً لا يحتمل عادة . ولا يخفى أن فاعل ( يضر ) في كلام المصنف ضمير الروشن . وزاد الشارح الساباط ، فلزم عليه كون الفاعل محذوفاً وهو غير مناسب . وفي نسخة : لا تستضر المارة به وهي سالمة من ذلك ، ق ل . وقوله ( لا يضر ) هذا كله في غير هواء المسجد وما ألحق به أما هواء المسجد وما ألحق به كمدرسة ورباط فلا يجوز ، وأما المقبرة فالأقرب أن ما حرم البناء فيها بأن كانت موقوفة أو اعتاد أهل البلد الدفن فيها حرم الإشراع في هوائها بخلاف غيرها ولو أشرع إلى ملكه ثم سبل ما تحت جناحه وهو يضر بالمارة أمر برفعه أي إزالته على ما بحثه الزركشي ، شرح م ر ملخصاً . أما لو وقف ما تحته مسجداً ونحوه أو مقبرة وجب الهدم مطلقاً ، أي سواء ضر المارة أو لا ، والفرق أن هذه الأماكن يمتنع الإشراع إليها مطلقاً ولا كذلك الشارع ، اه ع ش .
قوله : ( فيشترط ارتفاع كل منهما الخ ) ويشترط أيضاً أن لا يظلم الموضع كما في متن المنهج ، أي إظلاماً مخالفاً للعادة ، فلا تضر الظلمة اليسيرة ح ل وم ر . قوله : ( بحيث يمر تحته الماشي ) انظر لو رفعه ثم علا الطريق هل يهدم نظراً لتضرر المارة حينئذ أو لا نظراً لوضعه بحق ؟ شوبري . قال أ ج : يجب عليه رفع ما يضر المسلمين من إزالته أو قطع الأرض ، إذ الانتفاع بالشوارع مشروط بسلامة العاقبة ؛ قاله شيخنا . قلت : ولو قيل بوجوب قطع الأرض على الإمام لم يبعد تأمل أ ج . ومثله ما إذا لم يكن ممر فرسان وقوافل فصار كذلك فيكلف رفعه كما ذكره ع ش على م ر ، وقال : إنه يؤخذ من كلام م ر ويؤيده ما ذكروه في الجنايات من أنه لو بنى جداره مستقيماً ثم مال فإنه يطالب بهدمه أو إصلاحه مع أنه وضعه في الأصل بحق ، ولا يشكل مطالبته بهدمه بأنه لو انهدم بنفسه فأتلف شيئاً لا يضمنه معللين له بأنه وضع بحق ؛ لأنا نقول لا يلزم من عدم الضمان عدم المطالبة لأن المطالبة لدفع الضرر المتوقع ، اه عزيزي نقلاً عن ع ش . قوله : ( لأن ما يمنع ذلك ) أي مرور الماشي تحته منتصباً الخ . قوله : ( الحمولة ) بضم الحاء اسم للحمل الذي على البعير ، وهو خشب في جانب البعير يركب فيه . والحمول بالضم بلا هاء اسم للإبل التي عليها الهوادج . قوله : ( العالية ) بالعين المهملة والتحتية بعد اللام أو بالغين المعجمة والموحدة بعد اللام ، ضبطه بذلك سم أيضاً ؛ وهذا أوجه بل متعين ، قال : لأنه يفيد على هذا الضبط حكماً وهو عدم تأثير ما جاوز في علوه العادة الغالبة ، شوبري . لكن قال ز ي : الضبط الأول أولى لأن العبرة بالمرتفعة ولو نادرة اه . ويدل عليه قوله : لأن ذلك قد يتفق وإن كان نادراً . واستبعد ق ل العالية بمهملة فمثناة تحتية لأنه يؤدي إلى الجهل بقدرها ، وعبارته : الحمولة الغالبة بالغين المعجمة والموحدة بعد اللام ، وهو أضبط(3/409)
"""""" صفحة رقم 410 """"""
من كونه بالعين المهملة والتحتية بعد اللام لأنه لا ضابط لها . قوله : ( المحمل ) كالشقدف . قوله : ( مع أخشاب المظلة ) بكسر الميم وفتح المشالة وبالعكس كما في حاشية م ر على الروض ، وهي أعواد مرتفعة فوق المحمل يوضع عليها سترة تقي الراكب من الحر والبرد ؛ مرحومي . قوله : ( لأن ذلك قد يتفق ) فيه أنه تقدم التقييد بقوله : إن كان ممر الفرسان الخ ، فلا يصح التعليل بقوله : لأن ذلك قد يتفق الخ إلا أن يقال إن كان ممر الفرسان ولو نادراً .
قوله : ( والأصل في جواز ذلك ) أي إخراج الروشن والساباط . قوله : ( نصب بيده الشريفة ميزاباً في دار عمه ) أي خارج الدار بدليل قوله : كان شارعاً الخ ، قال ق ل : وفي هذا الدليل تأمل اه ؛ لأن الكلام في إخراج الجناح والساباط ، إلا أن يقال : هذا يشبه الجناح ، أو يقال : إذا جاز في الميزاب الذي هو أكثر ضرراً منهما جاز ذلك فيهما بالطريق الأولى . قوله : ( وقال ) أي البيهقي ؛ ولكن في شرح الروض زاد الحاكم : فيكون ضمير ( قال ) له اه م د . قوله : ( كان شارعاً ) أي في شارع ، وذلك الشارع طريق لمسجده ؛ مرحومي . قوله : ( لا ضرر ) أي لا تضرّ نفسك ، وقوله ( ولا ضرار ) أي لا تضر غيرك . وخبر ( لا ) محذوف ، أي في ديننا أو جائزان ، فلا ينافي أن ذلك واقع وكون خبر ( لا ) محذوفاً على النسخة التي ليس فيها في الإسلام . وأما هي فقوله ( في الإسلام ) هو الخبر . وهذا الحديث خبر بمعنى النهي ، أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك وقوله ولا ضرار فعال بكسر أوله أي لا تجازيه على إضراره بل تعفو وتصفح ، أي لا يضر من لا يضره ولا يضر من يضره ، فالضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه ، وقيل : الضرر ما يضر به الإنسان غيره وينتفع هو به والضرار أن يضره من غير أن ينتفع ، وقيل العكس ، وقيل : الأول نهي للشخص عن تعاطي ما يضر نفسه والثاني نهي له عن فعل ما يضر غيره ، وقيل : الأول عبارة عن منع ما ينفع الغير والثاني عبارة عن فعل ما يضر به ، وقيل : معنى الأول لا يضر الشخص أخاه فينتقص شيئاً من حقه ومعنى الثاني لا يضارّ الرجل جاره بإدخال الضرر عليه ، وقيل : معنى الأول لا يلزمه الصبر على الضرر ومعنى الثاني لا يجوز له إضرار غيره ؛ وحينئذ فالجمع بينهما للتأسيس ، وقيل : إنهما بمعنى واحد جمع بينهما(3/410)
"""""" صفحة رقم 411 """"""
للتأكيد فكأنه قال لا تضر . والأول أولى ؛ لأنه إذا أراد الأمر بين الحمل على التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى لا سيما في كلام الشارع عليه السلام ، وقوله : ( ولا ضرار ) وفي بعض الروايات ( إضرار ) بالهمزة ، قال ابن الصلاح : لا صحة لها ، وبقية الحديث : ( مَنْ ضَارَّ ضار اللّهُ بِهِ ومَنْ شَاقَّ شَاقَّ الله عَلَيْهِ ) وظاهر الحديث تحريم سائر أنواع الضرر ما قلّ منه وما كثر إلا لدليل ؛ لأن النكرة في سياق النفي فتعم فيحرم على الشخص فتح كوّة في جداره يطلع منها على عورات جاره أو إحداث فرن أو حمام أو رحى أو معصرة لوجود الضرر بالدخان وصوت الرحى وما أشبه ذلك ، ولا يحرم عليه تعلية بنائه على جدار جاره وإن أظلم عليه أبواب غرفه ومنع الشمس أن تقع في حجرته وإذا انهارت بئر جاره وكان له فضل ماء فإنه يجب عليه إرسال فضل مائه إلى زرع جاره بشروط ثلاثة : أحدها : أن يكون قد زرع على أصل ماء ، الثاني : أن يتشاغل بإصلاح بئره ولم يحصل منها ما يكفيه ، الثالث : أن يخشى على زرعه الهلاك ، اه شبرخيتي على الأربعين .
قوله : ( والمزيل له الحاكم ) وكذا غيره إن أمن الفتنة أخذاً مما بعده .
فائدة : نقل الغزي عن الكافي أنه لا يشترط في الجناح المخرج قدر ويشترط في الميزاب أن لا يجاوز نصف السكة . ووجهه الغزي بأن الجناح قد لا يحتاج إليه وبفرضه هو نادر ، بخلاف الميزاب فإن كلاًّ من المتجاورين يحتاج إليه لإخراج الماء ، فمجاوزة أحد المتجاورين بميزابه لنصف السكة مبطل لحق الآخر المقابل له . ونظر فيه ابن حجر وقال : فالوجه جواز إخراجه ما لم يترتب عليه ضرر لملك الجار سواء أجاوز النصف أم لا . ومثل سم في حاشيته عليه الضرر بأن يصيب ماؤه جدار الغير بحيث يعيبه أو يتلفه ، اه ع ش على م ر .
قوله : ( لا كل أحد ) فلو أزاله آحاد الناس لم يضمن بل يعزر فقط ؛ لأن فيه افتياتاً على الإمام أي تعدياً عليه . وما هنا يقاس عليه مسئلة قتل المرتد وتارك الصلاة بعد أمر الإمام والزاني المحصن ، فإن المصرح به أن القاتل لهؤلاء لا يضمن وإنما يعزر للافتيات على الإمام . قوله : ( لما فيه ) أي المذكور من إزالة كل أحد له ، شيخنا . قوله : ( مطالبته ) الضمير عائد على الحاكم لا على المشرّع اه مدابغي ؛ لكن المتبادر رجوعه للمشرع . قوله : ( لأنه كإعلاء البناء ) يؤخذ من تعليلهم أنه أي الكافر يمنع من إخراج الجناح في الدرب غير النافذ وإن كان شريكاً ورضي أهله ، ز ي . وقوله ( كإعلاء البناء على المسلم ) ظاهره عدم المنع من المساواة ،(3/411)
"""""" صفحة رقم 412 """"""
والأصح المنع منها أيضاً تمييزاً بينهما . والظاهر أنه يمنع من ذلك وإن كان بناء المسلم قصيراً وقدر على رفعه بلا مشقة ، نعم يتجه كما قال البلقيني تقييده بما إذا اعتيد مثله للسكنى وإلا لم يكلف الذمي النقص عن أقل المعتاد وإن عجز المسلم عن تتميم بنائه وذلك لحق الله فلا يباح برضا الجار ، اه شرح م ر .
قوله : ( ويمنعون أيضاً ) أي الكفار . قوله : ( من آبار حشوشهم ) أي من حفر آبار حشوشهم ، جمع بئر وهو المكان الذي ينزل فيه البول والغائط وهي الحاصل الذي تحت بيت الراحة المسمى الآن بالقصبة . وقوله ( حشوشهم ) هي بيوت الأخلية ق ل . قوله : ( دورهم ) أي المسلمين بدليل ما بعده ، أ ج ؛ لكن في سم على حج : المراد دورهم التي بين دور المسلمين ، وعليه فالضمير للكفار ، وكل صحيح كما قاله شيخنا العشماوي . والفناء ما حول الدار ، فالمراد بالأفنية ما قدام دور المسلمين . قوله : ( المختصة بهم ) بأن لا يساكنهم فيها مسلم ، ق ل على المحلي . قوله : ( كما في رفع البناء ) أي ابتداء ، أما الدوام فيغتفر كأن اشترى دار مسلم عالية فيجوز ابقاؤها لأنها وضعت بحق بخلاف ما لو بناها عالية ثم اشتراها المسلم فتهدم لأنها وضعت بغير حق ، فلو أسلم هو هل تبقى أو لا ؟ الراجح لا تبقى ، واعتمد م ر أنها تبقى ترغيباً له في الإسلام وهذا حكم الروشن للكافر ، أما فتح الباب للكافر فإن كان الطريق غير نافذ وفيه مسجد قديم أو نافذ جاز فتح الباب له من غير عوض ، وأما إذا كان الدرب مشتركاً وليس فيه مسجد قديم جاز فتح الباب أيضاً بشرط عدم الضرر والإذن . وأما الأول فشرطه عدم الضرر فقط ، ويجوز في هذا الثاني أخذ العوض على الفتح دون الأول . قوله : ( وحكم الشارع الموقوف ) مرتبط بالمتن والموقوف ظاهر . وغير الموقوف هو الذي جعل عند إحياء البلد طريقاً . قوله : ( فيما مر ) أي من قول المصنف : ويجوز للإنسان . قوله : ( فيما عدا ملكه ) وهو الموات ؛ لأنه يكفي في الوقف فيه النية ولو لمسجد أو نحوه ق ل . قوله : ( اعتمدنا فيه الظاهر ) أي والظاهر أنهم فعلوه كذلك من أول الأمر ، فلا يوسع وإن كان ضيقاً . وقوله ( ولا يلتفت الخ ) أي لا ينظر لأصل وضعه ولا يبحث عنه بكونه مواتاً في الأصل فتكون الطريق سبعة أذرع(3/412)
"""""" صفحة رقم 413 """"""
أو قدر الحاجة ، اه شيخنا عشماوي . قوله : ( فإن اختلفوا ) أي المشتركون في الإحياء مثلاً ، وهو مقابل لمحذوف أي : ثم إن اتفقوا فهو ظاهر وإن اختلفوا ، ومفهومه أنهم لو اتفقوا على أقل من ذلك جاز وهو كذلك . قوله : ( محمول عليه ) أي على قدر الحاجة . قوله : ( على ما مر ) أي من الخلاف في قدر الطريق المتقدم قريباً في كونها سبعة أذرع أو بقدر الحاجة . قوله : ( أن يستولي على شيء منه وإن قل ) أي الشيء ، أما من ترابه فيجوز مع الكراهة بخلاف تراب السور فيحرم ؛ لأن شأن أخذ تراب السور أن يضر بخلاف تراب الطريق ، ويجوز أخذ تراب الخليج بخلاف طين البرك الموقوفة أو المملوكة إلا بإذن أصحابها أو ظن رضاهم . قوله : ( وأما إذا كانت الطريق مملوكة ) هذا مقابل قوله ( فإن اختلفوا عند الإحياء في تقديره الخ ) .
قوله : ( ويحرم الصلح على إشراع الجناح أو الساباط بعوض ) ) هذا ظاهر في الروشن ، وكذا الساباط إذا كان العوض على أصل اخراجه ، وأما صاحب الجدار فله أخذ العوض على وضع الخشب على جداره . وهذا عام سواء كان الروشن في نافذ أو غيره ، وأما الصلح على فتح الباب بعوض فجائز في غير النافذ دون النافذ لأن الحق فيه لعموم المسلمين . قوله : ( الإمام ) مفعول ، أي صالح مخرجه الإمام . قوله : ( دكة ) بفتح الدال : المكان المرتفع الذي يجلس عليه وهو المسطبة م ر ، ومن ذلك المساطب التي تفعل في تجاه الصهاريج الزائدة على الحاجة في شوارع مصرنا فتنبه له . قال ابن حجر : قال بعضهم : ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالدعامة إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه ولم يضر المارة ؛ لأن المشقة تجلب التيسير ع ش على م ر . وأما التكة بالتاء الفوقية المفتوحة فهي ما توضع في السراويل . قوله : ( أو غيرها ) كدعامة لجداره وما ذكره في الدكة ونحوها هو المعتمد وإن كانت لعموم المسلمين وأما غرس الشجرة وحفر البئر ، فإن كانت لعموم المسلمين ولم تضر بالمارة جاز وإلا امتنع وغرس الشجرة وحفر البئر في نحو المسجد كذلك ق ل . قال حج : لو جعل الدكة للصلاة ولا ضرر بوجه جازت ، وقال : إن البئر فيه لعموم المسلمين جائزة بخلاف الشجرة وفرق ، والفرق أن(3/413)
"""""" صفحة رقم 414 """"""
الحاجة للماء آكد سم . وتلخص أن المعتمد المنع من الشجرة والدكة مطلقاً في الشارع ولو بإذن الإمام اتسع أم لا ما لم يقفها مسجداً اه ز ي . وجاز حفر البئر فيه ولو لمصلحة نفسه بإذن الإمام حيث لا ضرر اه أ ج . والمعتمد أنه لا يجوز حفر البئر فيه إلا بشرطين أن تكون لعموم المسلمين وأن لا يحصل بها ضرر للمارة ، فإذا قصد نفسه بالغرس كان متعدياً فيقلع مجاناً وتلزمه أجرته مدة الغرس لمصالح المسجد ، كما لو وضع فيه ما لا يجوز وضعه فيه أي كالخزائن وكالمسجد في ذلك ما هو من توابعه كفسقيته وحريمه ؛ ومعلوم أن ذلك حيث علم ما ذكر فإن لم يعلم كأن وجدنا شجراً فيه ولم نعلم ما قصد به واضعه حمل على أنه لعموم المسلمين فينتفعون بثمره وما بقي بعد الثمر مما جرت العادة بقطعه من نحو جريد فإنه يكون لمصالح المسجد اه ع ش .
تنبيه : علم من هذا حرمة وضع الخزائن في المسجد إلا بقدر الحاجة أو لعموم المسلمين ولا ضرر ، ويلزم الواضع الأجرة حيث امتنع عليه الوضع . وعبارة المناوي في أحكام المساجد : ويجوز بناء المسجد في الشارع إن لم يضر بالمارة ، فلو تعثر به إنسان أو بهيمة أو سقط نحو جداره أو عموده أو قنديله على شيء فأتلفه بلا ضمان وإن بنى بغير إذن الإمام اه . ويكره غرس الشجر في المسجد كما في الروضة . قلت : وهو محمول على ما إذا لم يضر بالمسجد أو بالمصلين ، ولم يقصد بها نفسه وإلا حرم ، فإن غرس قلع والقالع له الإمام أو نائبه دون الآحاد سواء حرم غرسه أو كره لأن له إزالة المكروه نعم ما غرس ليكون للمسجد ولا ضرر فيه لا يجوز قطعه لأنه ملك المسجد ؛ قاله القاضي ، وينبغي تقييده بما إذا كان له ثمر ينتفع به المسجد وإلا قلع . والجاري على القواعد وجوب رعاية الأصلح من الإبقاء أو القلع ، وثمرة ما استحق القلع وغيره إن غرس للمسجد لم يجز أكلها إلا بعوض يصرفه في مصالحه ، وإن كان مسبلاً للأكل أو جهل قصد الغارس جاز من غير عوض ، ومثلها ثمرة ما في المقبرة المسبلة وكجهل قصده ما إذا لم يكن له قصد ، ومثله ما إذا نبتت فيه بنفسها ؛ مدابغي . قال البرماوي على المنهج : ولو حصلت أغصان شجرة في هواء ملك غيره لزمه إزالة الأغصان إلا أن يرضى صاحب الملك بتركها ، فإن طالبه بذلك فلم يفعل فله تحويل الأغصان عن ملكه بتليين ونحوه فإن لم يمكن فله قطعها ولا يحتاج فيه إلى إذن القاضي على الصحيح وإن صالحه على إبقائها بعوض ، فإن لم يسند الغصن إلى شيء لم يصح ، وإن استند فإن كان بعد الجفاف جاز ، وإن كان رطباً لم يجز لأنه يزيد انتشار العروق لانتشار الأغصان ، وكذلك ميل الجدار ومنه ميل جدار بعض أهل السكة المستندة إليها فلغير مالك الجدار هدمه وإن كانت السكة مشتركة بين مالك الجدار وبين الهادم .
قوله : ( ولو اتسع الطريق ) الغاية للرد . قوله : ( ولتعثر المار بهما ) أي بالمبني والمغروس .(3/414)
"""""" صفحة رقم 415 """"""
قوله : ( استحقاق الطريق ) أي استحقاق طروق الطريق . وعبارة م ر : استحقاق الطروق فيه . قوله : ( ونحوها ) كالساباط . قوله : ( ولا يجوز ) أي يحرم ويمنع منه ق ل . قوله : ( إخراج روشن ) لو قال الروشن لكان أولى ق ل . قوله : ( الخالي عن نحو مسجد ) أي قديم . وحاصل ذلك أنه إن كان المسجد ونحوه قديماً اشترط ما تقدم من الشروط الثلاثة ، وأما إذا لم يكن مسجداً أصلاً أو كان حادثاً بعد جعله درباً فلا بد من الإذن زيادة على ما تقدم . وحكم فتح الباب فيه أنه في القسم الأول يجوز فتح الباب بشرط عدم الضرر ، وفي الثاني بشرط عدم الضرر والإذن . ولا فرق في الباب بين المسلم والكافر ، بخلاف الروشن فخاص جوازه بالمسلم كما مر . وقال سم على المنهج : حاصل ما قرره الرملي أن المعتمد في هذه المسئلة أنه إن كان المسجد قديماً اشترط أمر واحد لجواز الإشراع وهو عدم الضرر للمارة ، أو حادثاً اشترط أمران عدم الضرر ورضا أهل السكة ؛ وأما المرور فهو جائز كما تقدم . وهذا التفصيل يجري في فتح الباب والدار والرباط الموقوفين على معين .
قوله : ( لغير أهله ) متعلق بلا يجوز . قوله : ( إلا بإذن الشركاء ) المراد بهم من له حق في محل الإشراع . قوله : ( كلهم في الأولى ) وهي ما إذا كان المخرج من غير أهله ، وفيه نظر بالنسبة لمن بابه أقرب إلى رأس الدرب أي أوّله ؛ مرحومي . وقد تبع الشارح في ذلك المنهج . والمعتمد كما قاله الزيادي والشوبري أن الأولى كالثانية في أنه لا يشترط إلا إذن المقابل والذي يمرّ تحته ؛ لأن المعتبر إذن من له حق في المرور تحت الروشن أو بابه مقابله سواء كان المخرج من أهل الدرب أو من غيرهم ، أي لأن شركة كل منهم تختص بما بين داره ورأس غير النافذ كما سيأتي ، فيكون الخارجون عن الجناح لا حقّ لهم . قوله : ( ومن باقيهم ) المناسب حذف ( من ) . وقوله : ( عن رأسه ) المراد برأسه أوّله الذي فيه البوّابة . قوله : ( من محل المخرج ) متعلق بقوله ( أبعد ) . قوله : ( أو مقابله ) أي أو بابه مقابل محل المخرج . قوله : ( فلو أرادوا الرجوع الخ ) حاصل مسئلة الرجوع أنه إذا كان المخرج للروشن من الشركاء امتنع الرجوع وابقاؤه بأجرة بل يبقى مجاناً ، وإن كان من غير الشركاء جاز الرجوع ويغرمون أرش النقص .(3/415)
"""""" صفحة رقم 416 """"""
وأما الرجوع في فتح الباب فيجوز مطلقاً سواء كان من الشركاء أو من غيرهم ، أي وكان فتح الباب من غير عوض وإلا فلا رجوع لأنه بيع . والفرق بين الروشن والباب أن الروشن شأنه عدم الضرر ، فلما أذنوا له وورّطوه غرموا عند الرجوع لتقصيرهم . وأما الباب فشأنه الضرر فإذا رجعوا كانوا معذورين ، فيحمل رجوعهم على العذر فلا غرم عليهم سواء كان الفاتح من الشركاء أو لا ، شوبري . قوله : ( بعد الإخراج ) هو قيد وأما قبله فلهم الرجوع ويمنع من الإخراج ع ش . قوله : ( لأن الهواء الخ ) أي فيبقى بلا مقابل ع ش . قوله : ( ويعتبر إذن المكتري الخ ) ومثله الموصى له بالمنفعة شرح م ر . ويعتبر إذن المؤجر والمعير لا المستعير ويعتبر إذن غير الكامل بنحو صبا بعد كماله ق ل . قوله : ( من نفذ بابه الخ ) قال الزركشي والمراد من له المرور فيه إلى ملكه من دار أو بئر أو فرن أو حانوت ، شرح م ر أ ج . قوله : ( لا من لاصق ) أي الدرب جداره ، ويصح رفع الجدار أي لاصق جداره الدرب . قوله : ( تقديم الباب ) أي لجهة رأس الدرب . قوله : ( إذا سدّ الباب القديم ) بمعنى عدم استطراقه منه ولو بتسميره ق ل . قوله : ( بين المفتوح ) أي القديم كما يأتي . قوله : ( فاعترض ) أي البلقيني عليه أي على النووي في الروضة الناقل عن الإمام ، وقيل : الضمير للإمام . وهذا الاعتراض مدفوع لأنه بناه على فهم سقيم . قوله : ( وخرج بالخالي عن نحو مسجد الخ ) نعم ليس ذلك عامًّا في كله بل من رأس الدرب إلى نحو المسجد اه ابن حجر مرحومي . وكان حقه أن يقدّمه على فتح الباب لأنه من(3/416)
"""""" صفحة رقم 417 """"""
تمام الكلام على الروشن لا على فتح الباب . قوله : ( بقيده السابق ) أي من كون الباب أبعد عن رأس الدرب أو أقرب مع التطرق من القديم ، كذا قاله المرحومي . وهذا لا يظهر لأن القيد المذكور في فتح الباب لا في إخراج الروشن . وعبارة شرح المنهج : فلا يجوز الإخراج ولا الفتح بقيده السابق لأن التقييد معتبر فيه ، فكلام المرحومي لا يظهر إلا لو زاد الشارح الفتح بعد الإخراج ؛ فلعله سقط من قلم الناسخ . ووجد بخط الميداني أن المراد بالقيد السابق كون المخرج مسلماً . وقوله بقيده السابق فيه أن قيده السابق الإضرار . قوله : ( عند الإضرار ) قال في شرح الروض : ومفهومه جواز الإشراع الذي لا يضر وإن لم يرض أهلها ، ومحله إذا لم يكن المسجد حادثاً وإلا فإن رضي به أهلها فذاك وإلا فلهم المنع من الإشراع إذ ليس لأحد الشركاء إبطال حق البقية من ذلك ، اه مرحومي . وعبارة ق ل : نعم إن كان فيه مسجد أو نحو بئر موقوف على العموم أو نحو حمام فكالشارع من أوله إلى ذلك الموقوف بحيث لا يضرّ المارّ ، أي إضراراً بيناً مخالفاً للعادة . قوله : ( على إخراج جناح الخ ) أي في الدرب المسدود المشتمل على نحو مسجد ، فهذا غير ما تقدّم إذ ذاك في الطريق النافذ فلا تكرار .
قوله : ( فبعضه أولى ) أي فرفع بعضه أولى . قوله : ( لا فتحه لتطرق بغير إذنهم ) أي إذن الجميع ، أخذاً من تعليله لأن الداخلين يتضرّرون بمرورهم عليه والخارجين يتضرّرون بمروره عليهم كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( ولا غرم عليهم ) عزاه في م ر للإمام ، وعبارته : قال الإمام : ولا يغرمون شيئاً ، بخلاف ما لو أعار أرضاً لبناء أو نحوه حيث لا يقلع مجاناً . قال الرافعي : ولم أره لغيره ، والقياس عدم الفرق . وفرق في المطلب بأنه هنا بنى في ملكه والمبنى باق بحاله لا يزال فلا غرم ، بخلاف البناء على الأرض فإن المعير يقلع فغرم أرش النقص . وأوضحه الشيخ بأن الأولى أن يفرق بأن الرجوع هناك يترتب عليه القلع وهو خسارة فلم يجز الرجوع مجاناً ، بخلافه هنا لا يترتب عليه خسارة لعدم اقتضائه لزوم سدّ الباب وخسارة فتحه ، إنما تترتب على الإذن لا على الرجوع مع أن فتحه لا يتوقف على الإذن وإنما المتوقف عليه الاستطراق ؛ اه بحروفه . قوله : ( فتح الطاقات ) ولو كان يشرف من ذلك على حريم جاره لتمكن الجار من دفع الضرر عنه ببناء سترة أمام الكوّة وإن تضرر صاحبها بمنع الضوء منها أو(3/417)
"""""" صفحة رقم 418 """"""
النظر ؛ ولأن صاحبها لو أراد رفع جميع الحائط لم يمنع منه . ومحل ذلك إذا لم يكن لها باب يقفل عليها أو لها وكان في داخل ملكه ، أما إذا كان لها باب ويفتح لهواء الطريق كان حكمها كالروشن فيمنع منها لأن شرط جوازه عدم الضرر وهذا فيه ضرر . وعبارة شرح م ر : أما إذا كان لها غطاء أو شباك يأخذ شيئاً من الدرب منعت ، وإن كان فاتحها من أهله خلافاً للسبكي اه . قوله : ( بين داريه ) أي في الحائط التي بين الدارين . قوله : ( فإن علم أنه بنى مع بناء أحدهما ) كأن دخل نصف لبنات كل منهما في لبنات الآخر بالنسبة للجدار . ويتصوّر كون السقف بني مع بناء أحدهما في الربع مثلاً ، فإن كلاًّ من المالكين فيه ساكن فوق الآخر ، فالسقف الذي بين الأعلى والأسفل إذا كان عقداً يحكم بأنه للأسفل لأنه أشدّ اتصالاً ببنائه ، قرره شيخنا العشماوي .
تنبيه : السقف بين علو وسفل كالجدار المذكور . وفي الروض : يجوز لأصحاب العلو وضع الأثقال المعتادة على السقف المملوك للآخر أو المشترك بينهما وللآخر تعليق المعتاد به كثوب ولو بوتد يدقه فيه اه . وللآخر منهما أن يفعل ما يريد في ملكه ، وليس للأعلى غرز وتد فيه إذا لم يكن مملوكاً له وحده بخلاف الأسفل كما مرّ نظراً للعادة في الانتفاع ق ل .
فرع : ما يعتمده المهندسون وأرباب البنيان من وضع الجذوع والطاقات وغير ذلك ويقضون به للجار ولا يعوّل عليه ولا يثبت بذلك الملك بل المدار على الحدود والجهات اه ع ش .
قوله : ( فله اليد ) لظهور أمارة الملك بذلك فيحلف ويحكم له بالجدار أو السقف إلا أن تقوم بينة بخلافه ، شرح المنهج . قوله : ( وإلا ) بأن أقام كل منهما بينة أو حلف كل للآخر على النصف الذي يسلم إليه ، وإن كان ادّعى الجميع أو نكل كل عن اليمين جعل بينهما ؛ شرح المنهج . قوله : ( مما يليه ) على العادة ، ويبقى الخشب الموجود على الجدار بحاله لاحتمال أنه وضع بحق . والحاصل أنه يكون لهما في صورتين ولأحدهما في صورتين ، وإذا تأمّلت وجدته لأحدهما في صور ولهما في صور اه م د . وهو ما إذا علم أنه بنى على بنائه أو حلف ونكل الآخر أو أقاما بينة بأنه له .(3/418)
"""""" صفحة رقم 419 """"""
3 ( ( فصل : في الحوالة ) ) 3
ذكرها بعد الصلح لأن كلاًّ منهما يترتب عليه قطع النزاع ، وهي اسم مصدر لتحول وهي رخصة جوّزت للحاجة كما يأتي .
قوله : ( والانتقال ) عطف تفسير ع ش . قوله : ( نقل ) المناسب لما قبله ولما بعده أن يقول انتقال . وقوله ( دين ) أي نظيره والمراد أن يصير مثله في ذمة المحال عليه ، ويسقط عن ذمة المحيل كما يأتي . قوله : ( على انتقاله ) أي الأثر الناشىء عن العقد . قوله : ( مطل الغني ) من إضافة المصدر لفاعله والمحذوف هو المفعول ، والتقدير : مطل المدين الغني الدائن فقيراً كان أو غنياً ، والمراد به من قدر على وفاء الدين . قوله : ( ظلم ) أي كبيرة مفسق لأن المطل كما قاله م ر إطالة المدافعة ، وحينئذ لا يكون كبيرة إلا إذا تكرّر ثلاث مرات اه . وإذا كان دون الثلاث فهو صغيرة ، خلافاً لحج القائل بأنه كبيرة مطلقاً . قال الشيخ عز الدين : وكثيراً ما يصدر من العامة أن يقول لا أوفيه إلا بالحاكم ، وهو حرام وأنه أعظم إثماً من المطل المجرد لما فيه من تعطيل المدعي بانطلاقه إلى الحاكم ووقوفه بين يديه وما يغرمه للمعين على الإحضار وغير ذلك . قوله : ( على مليء ) بالهمز مأخوذ من الامتلاء ، يقال : ملؤ الرجل بضم اللام مرحومي . وعبارة ع ش : مليء بالهمز فعيل بمعنى فاعل ، أي موسر ، مأخوذ من الملاءة وهي اليسار ، يقال : ملؤ الرجل ملاءة كظرف ظرافة خلافاً لمن قال من الامتلاء ؛ اه بحروفه . قوله : ( بإسكان التاء في الموضعين ) وتشديدها في الثاني ، حج . قوله : ( كما رواه هكذا البيهقي ) الذي رواه البيهقي : ( وإذا أُحِيلَ أحَدُكُمْ على مَليءٍ فَلْيَحْتَلْ ) كذا في شرح م ر ، ففي عبارة الشارح نظر لأنها تقتضي أن روايته : ( وإذا أتبع أحدكم على مليء فليحتل ) . وقد يقال إن قوله كما رواه هكذا الخ راجع لقوله ( فليحتل ) وغرضه بذلك الدليل على هذا التفسير وخير ما فسرته بالوارد .
قوله : ( وصرفه عن الوجوب الخ ) أي فقد صرف القياس النص عن ظاهره . واعترض بأن خروجها عن القياس يقتضي فيها عدم القياس اه ؛ لكن الجهة منفكة فلا اعتراض ، لأن قياسها(3/419)
"""""" صفحة رقم 420 """"""
على المعاوضات من جهة عدم الوجوب وخروجها عن القياس من جهة كونها بيع دين بدين . وقوله ( عن الوجوب ) أي الذي قال به أحمد ، ومحل الندب فيمن لم يعلم أن في ماله حراماً ويكره في المشكوك فيه ، فالندب له شروط ثلاثة : أن يكون المحال عليه ملياً وفياً ولا شبهة في ماله . قوله : ( وفياً ) أي يوفي من غير مطل . قوله : ( ولا شبهة في ماله ) وإلا كرهت . قوله : ( أنها بيع ) لكن لا تصح بلفظه ولا تدخلها الإقالة على المعتمد ، وقيل إنها استيفاء لاعتباره في بعض أحوالها كما يأتي ق ل . ويترتب على كونها بيعاً توقفها على الإيجاب والقبول بخلاف القول بأنها استيفاء ، ويترتب أيضاً الحلف والتعاليق كأن قال : إن صدر مني بيع فزوجتي طالق أو فعبدي حرّ ، ثم أحال وقع على القول بأنها بيع دون القول الآخر . ومعنى كونها بيع دين بدين أن المحيل باع ما في ذمة المحال عليه بما في ذمته للمحتال والمحتال باع ما في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه ، فالبائع المحيل والمشتري المحتال والمبيع دين المحيل والثمن دين المحتال والفرق بينها وبين بيع الدين أن البائع هنا له وعليه بخلافه في بيع الدين فإنه له لا عليه اه عميرة . قوله : ( جوّز للحاجة ) يريد أنها مستثناة من النهي عن بيع الدين كما جوّز القرض مع كونه بيع درهم بدرهم من غير تقابض لمكان الحاجة ، أي لوجودها . فالتشبيه إنما هو في خروج كل عن القواعد مع جوازه للحاجة ، أو التشبيه في أن كلاًّ منهما عقد إرفاق ، وإلا فيجوز أن يرد زائد في القرض من غير شرط اه ع ش . قوله : ( ولهذا ) أي للحاجة وقوله التقابض المراد به القبض ، ففي التعبير بالتقابض مسامحة . قوله : ( ودين للمحتال على المحيل الخ ) لو قال ودينان لكان أخصر كما عبر به في التحرير ، وشرط في الدينين المذكورين خمسة شروط : ثبوتهما ولزومهما وصحة الاعتياض عنهما وتساويهما والعلم بقدرهما . قوله : ( ودين للمحيل ) لو باعتراف المحتال أو بقبوله الحوالة لأنه يتضمن استيفاء شروطها كما قاله ابن الرفعة اه ق ل . قال في المطلب : لو قبل المحتال الحوالة من غير اعتراف بالدين كان قبوله متضمناً لاستجماع شرائط الصحة ، فلا أثر لتبين أن لا دين . نعم له تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة المحال عليه في أوجه الوجهين ، وعليه فلو نكل حلف المحتال فيما يظهر وبان بطلان الحوالة لأنه حينئذ كرد المقر له الإقرار ، ومثل ذلك ما لو قامت بينة بأن المحال عليه وفى المحيل فتبطل الحوالة إذ التقصير حينئذ والتدليس جاء من جهة المحيل اه م ر وع ش .(3/420)
"""""" صفحة رقم 421 """"""
فائدة : مذهب أبي حنيفة إذا أنكر المحال عليه الدين وحلف رجع المحتال ، ع ش .
قوله : ( وصيغة ) ولا يتعين لفظ الحوالة بل هو أو ما يؤدي معناه ، كنقلت حقك إلى فلان أو جعلت ما استحقه على فلان لك أو ملكتك الدين الذي عليه بحقك ؛ شرح الروض . قوله : ( وإن سمى بعضها شرطاً ) وهو الصيغة المذكورة في قوله رضا المحيل وقبول المحتال ؛ لأن مراده بالشرط ما لا بد منه . قوله : ( صحة ) إنما زاد الشارح لفظ صحة ؛ لأن اعتبار الشيء قد يكون لكمال الشيء وقد يكون لصحته مرحومي . قوله : ( رضا المحيل ) هذا إن كان بمعنى الإيجاب كما يدل عليه ما بعده فهو جزء من الصيغة ، وإن كان بمعنى ما دل عليه الإيجاب فهو شرط لكن لا دلالة عليه بغير الصيغة فتأمل ق ل ؛ أي فيكون مستغنى عنه . وحاصله أنه إن أراد به الإيجاب اعترض عليه بأنه من الأركان لا من الشروط وإن أراد به الرضا القلبي فهذا لا يشترط . ويجاب عن الأول بأن مراده بالشرط ما لا بد منه فدخل الركن ، وعن الثاني بأنه ليس ذكر الرضا بهذا المعنى مقصوداً لذاته بل لكونه وسيلة وتوطئة للإيجاب لأنه لا يعرف الرضا إِلا به ، فيكون عبر بالملزوم وأراد اللازم فرجع للمعنى الأول . ويحتمل أن المراد بالرضا عدم الإلزام أي إلزام المحيل بالحوالة ، وعلى هذا يكون من الشروط ويكون استفادة الإيجاب من ذكر القبول كما في الشرح . قوله : ( لأن للمحيل ) راجع لقوله رضا المحيل ، وقوله : ( وحق المحتال الخ ) راجع لقوله : ( وقبول ) . قوله : ( إِلا برضاه ) أي المحتال . قوله : ( والأمر الوارد الخ ) جواب عن سؤال وارد على قوله : فلا ينتقل إِلا برضاه ، مع أن الحديث يدل على وجوب قبولها . وحاصل السؤال أن قوله : ( فلا ينتقل إِلا برضاه ) لا يقتضي وجوب القبول ، وقوله : ( في الحديث فليتبع ) يقتضي ذلك . فأجاب بأن الأمر للندب . قوله : ( المستدعي ) أي المستلزم . قوله : ( لا بد من إيجاب المحيل ) هو كذلك ، وإنما عبر فيه بالرضا إشارة إلى عدم وجوبها المفهوم من الحديث ق ل . وقوله ( لإفادته الخ ) لو قال لإفادة أن المراد بالرضا الإيجاب لكان أولى . قوله : ( وهي ) أي الإفادة المذكورة . قوله : ( والتصرف ) أي في الحق الذي عليه . قوله : ( كالعبد المبيع ) أي فلا يشترط رضاه بالبيع .(3/421)
"""""" صفحة رقم 422 """"""
قوله : ( كون الحق مستقراً الخ ) إعراب المتن أن مستقراً خبر عن الكون المثبت ، والشارح غير إعرابه وجعل خبره محذوفاً قدره بقوله لازماً ، وجعل مستقراً خبراً ليكن المنفي قدره بقوله وإن لم يكن مستقراً . وهذا معيب ، إِلا أن يقال عذر الشارح أن إبقاء المتن على إعرابه المذكور فيه خلل لأنه يقتضي اشتراط الاستقرار مع أنه لا يشترط فيه فلذلك غير الإعراب بما ذكره . وهذا نظير ما تقدّم له في الرهن من الاعتراض على الاستقرار ، وهذا مبني على أن المراد بالاستقرار ما استوفى مقابله ، وهذا ليس بلازم بل له معنى آخر تصح إرادته وهو أن المراد به اللازم ، فلو حمل كلامه على ذلك لسلم من الاعتراض واستغنى عما قدره . وعبارة المرحومي : لم ينبه الشارح على ضعف ما جرى عليه المصنف من اشتراط الاستقرار في الحوالة على نظير ما فعله في الرهن وكذا غيره من الشراح ، تأمل اه . وقد يقال : أشار إلى ضعفه بقوله وإن لم يكن مستقراً حيث جعله منفياً ، تأمل . وقال ق ل : تقدم أن الاستقرار اللزوم وما ذكره الشارح غير مستقيم فلا تغفل ، فكان المناسب للشارح أن يبقي المتن على حاله من الإثبات وينبه على ضعفه بعبارة أخرى . قوله : ( لازماً ) ولو مآلاً بثمن بعد اللزوم أو قبله فتصح الحوالة به ، وعليه شرح المنهج . وقوله : ( أو قبله ) أي ولو كان الخيار للبائع وتكون إجازة منه ، وهو مشكل إذ كيف يصح بيع الثمن قبل دخوله في ملك البائع ؟ ويجاب بأنهم لما جوّزوا بيع الدين بالدين توسعاً وسع في ذلك أيضاً م ر . قوله : ( وهو ما لا خيار فيه ) مثله الآيل إلى اللزوم وهو ما فيه خيار كما علم . واقتصار الشارح هنا على اللازم الذي لا خيار فيه يقتضي أنها لا تصح بالثمن أو عليه في مدة الخيار ، وليس كذلك كما سيصرّح به تأمل .
وأجيب بأنه إنما قيد هنا بذلك إشارة إلى المتفق عليه وما سيأتي مما فيه اللزوم مآلاً فيه خلاف ، فالشارح إنما ذكر اللزوم هنا لعدم الخلاف فيه وإِلا فسيأتي أن مثله الآيل إلى اللزوم ؛ وبهذا التقرير اندفع اعتراض بعض الحواشي ، اه ح ف وعشماوي .
قوله : ( ولا بد أن يجوز الاعتياض عنه ) فلا تصح الحوالة بما لا يعتاض عنه ولا عليه كدين السلم ودين الجعالة قبل الفراغ من العمل كما في شرح المنهج . نعم يستثنى من ذلك نجوم الكتابة فإنه لا يصح الاعتياض عنها على الراجح ، وتصح الحوالة بها من العبد لسيده على ثالث كما سيذكره الشارح للزومه أي الدين المحال به وعليه من جهة السيد والمحال عليه مع تشوّف الشارع للعتق . قوله : ( قبل قبض المبيع ) إنما قيد به ليكون الثمن غير مستقر لسقوطه بتلف البيع عند البائع . قوله : ( وعليه ) عطف على قوله به أي والحوالة عليه كالحوالة به ، وقوله(3/422)
"""""" صفحة رقم 423 """"""
( كذلك ) أي قبل قبض المبيع ، وفي نسخة : وعكسه كذلك . قوله : ( بأن يحيل البائع ) ولا تبطل الحوالة في هذه بفسخ البيع لتعلق الحق فيها بثالث كما سيذكره ق ل . قوله : ( سواء اتفق ) تعميم في الحق الذي في المتن . قوله : ( فلا تصح بالعين ) لأن العين ليست ديناً والحوالة بيع دين بدين ، وهذا مفهوم قوله ( كون الحق أي الدين الخ ) ويصوّر ذلك بما إذا أحال بعين مغصوبة أو مودعة أو عليها كأن غصب من زيد كتاباً وله كتاب على آخر نظيره فلا تصح الحوالة عليه به اه ، وكأن اشترى كتاباً بدينار معين فلا تصح الحوالة على الدينار المعين ولا به . قوله : ( ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه ) محترز جواز الاعتياض والذي لا يجوز عنه الاعتياض دين السلم مسلماً فيه ورأس مال كما في شرح الروض ، والمبيع في الذمة والثمن في الربوي المبيع بربوي آخر والأجرة في إجارة الذمة والزكاة . قوله : ( ولا تصح الحوالة للساعي ) عبارة سم : فرع : اعتمد م ر امتناع الحوالة بالزكاة وعليها وعلله بأنها عبادة تفتقر إلى نية فلا يدخلها ذلك . قوله : ( لامتناع الاعتياض عنها ) علة للغاية ، وأما علة المطويّ تحت الغاية فلأنها حينئذ أعيان مشتركة . ومثال الاعتياض عنها كأن كان واجبها فضة فلا يصح الاعتياض عنها بذهب وعكسه . وعبارة م د : لعل وجهه أن أصلها أعيان مشتركة بين المستحقين والمالك ، فغلب فيها ذلك دون الانتقال للذمة بالتقصير بأن تلف المال بعد التمكن من دفعه للمستحقين .
قوله : ( وتصح على الميت الخ ) بمنزلة قوله : ولا فرق في المحال عليه بين الحي والميت . وعبارة غيره : ولو أحال من له دين على ميت صحت ويتعلق الدين المحال به على الميت بالتركة إن كانت وإِلا فهو باق في ذمته ، فإن تبرع به أحد عنه برئت ذمته وإِلا فلا . وفي سم على المنهج : قال طب : وحوالة ناظر الوقف أحد المستحقين في الوقف أو غيرهم ممن له مال في جهة الوقف على من عليه دين لجهة الوقف لا تصح ، وما وقع من الناظر من التسويغ ليس حوالة بل إذن في القبض فله منعه من قبضه ؛ ووافقه على ذلك م ر وقال : لأن شرطها أن يكون المحيل مديناً والناظر ذمته بريئة ، ولو أحال المستحق على الناظر بمعلومه لم تصح أيضاً لعدم الدين على المحال عليه ، قال : ولو أحال على مال الوقف لم يصح كما لو أحال على التركة لأن شرط الحوالة أن تكون على شخص مدين ، إلى آخر ما قاله اه . وقوله ( بلا إذن في القبض ) قضيته أنه ليس لصاحب الوظيفة مخاصمة الساكن المتبوع عليه ولا تسمع دعواه ، وقوله ( والناظر ذمته بريئة ) يؤخذ منه أنه لو أخذ الناظر ما يستحقه المستحق في الوقف صحت الحوالة عليه اه .(3/423)
"""""" صفحة رقم 424 """"""
قوله : ( لأن ذلك ) أي خراب ذمته . قوله : ( أي لم تقبل ذمته ) المراد بها معنى صالح للإلزام والالتزام ، وقوله ( وإِلا فذمته مرهونة ) فيه أن المرهون ليس نفس الذمة بل النفس بمعنى الروح ، ويمكن أن يكون المراد بالذمة هنا النفس ؛ لأنها تطلق عليها كما في شرح الروض ؛ لكن على هذا لا تحسن المقابلة في كلام الشارح . قوله : ( وظاهره ) أي ظاهر قوله : وتصح على الميت ، كما يؤخذ من م ر . قوله : ( وهو كذلك ) معتمد ، وإنما صحت مع عدم التركة لأنه ربما يقضي عنه متبرع . قوله : ( وبالمتقوّم ) كأن اشترى عيناً بثمن في ذمته متقوّم موصوف بما ينفي الجهالة عنه ، أي بما يعينه ويميزه من جنسه ونوعه وصفته مما يحتاج إليه ، فتصح الحوالة به . وكأن اقترض شيئاً متقوّماً فيصح أن يحيل المقرض به على آخر ، كأن يقترض عمرو حيواناً من زيد ولعمرو على بكر حيوان فأحال عمرو زيداً به على بكر ؛ لأنه حينئذ دين ، ولا يصح التمثيل له بالمسلم فيه لعدم صحة الاعتياض عنه . قوله : ( وبالثمن في زمن الخيار ) ليس هذا مكرراً مع ما تقدم ؛ لأن ما تقدم قبل قبض المبيع بخلاف ما هنا ، أو ما تقدم كان لا خيار فيه بخلافه هنا . قوله : ( وعليه ) عطف على قوله ( بالثمن ) . قوله : ( ويبطل الخيار بالحوالة بالثمن ) أي خيار كل من المشتري والبائع لما ذكره ، فإذا كان الخيار للمشتري فأحال البائع بالثمن على آخر في زمن الخيار سقط خياره ، فالمراد ببطلانه سقوطه . قوله : ( ولأن مقتضاها اللزوم ) أي فلا يدخلها خيار ، أي فكأنه ألزمه بها أي ألزم العقد بالحوالة . قوله : ( لا في حق مشتر ) أي فإذا أحال البائع على المشتري بالثمن في زمن خيارهما بطل خيار البائع دون المشتري إن لم يرض بذلك ، وإذا لم يرض وفسخ البيع بطلت . لا يقال هذا مخالف لعموم ما قالوه من كون الحوالة على الثمن لا تبطل بالفسخ ؛ لأنا نقول الفسخ بالخيار مستثنى ، ولا بعد فيه كما أفاده الوالد وإن استبعده بعض المتأخرين شرح م ر .
قوله : ( وتصح الخ ) هذا مستثنى مما لا يصح الاعتياض عنه ، وكتب الأجهوري على قوله(3/424)
"""""" صفحة رقم 425 """"""
( وتصح حوالة المكاتب سيده الخ ) قضيته صحة الاعتياض عن نجوم الكتابة وهو وجه ، والذي اعتمده الشيخان في باب الكتابة عدم صحة الاعتياض عنها وهو المعتمد والحوالة صحيحة ، ولكن يشكل صحة الحوالة بالنجوم بعدم صحتها بدين السلم . وقد يفرق بأن الشارع متشوّف للعتق ، وفرق البلقيني بأن السيد إذا احتال بالنجم لا يتطرق إليه أن يصير الدين لغيره ؛ لأنه إن قبضه قبل التعجيز فواضح وإِلا فهو مال المكاتب ويصير بالتعجيز للسيد ، بخلاف دين المسلم فيه فيؤدي إلى أن لا يصل المحتال إلى حقه اه . قوله : ( لوجود اللزوم الخ ) فيه أن اللازم من جهة السيد إنما هو عقد الكتابة أي لا يجوز له فسخها ، وكلامنا إنما هو في لزوم الدين المحال به عليه . وأجيب بأنه يلزم من كون عقد الكتابة لازماً من جهة السيد أن يكون دينها وهو النجوم لازماً من جهته أيضاً ، أي لا يجوز له إسقاطه بالفسخ أو التعجيز . قوله : ( ولا نظر إلى سقوطه بالتعجيز ) فلو عجز نفسه تعلق المحتال بما في يده من دين المعاملة ، فإن لم يكن في يده شيء أخذ منه بعد العتق واليسار . قوله : ( لأن دين المعاملة لازم في الجملة ) أي في غير هذه الصورة ، أي إذا لم يحصل تعجيز أو كان السيد أحال على المكاتب . قوله : ( من الدين ) بيان لما . قوله : ( فلا تصح بخمسة ) أي بأن يأخذ العشرة بتمامها في مقابلة الخمسة وقوله على عشرة ، أي وتصح على خمسة من العشرة لأنه لا يعتبر التساوي بين دين المحيل ودين المحتال من حيث هما بل المدار على التساوي بين الدين المحال به وعليه ولو كان دين المحيل في حد ذاته أكثر من المحال به ؛ ولكنه إنما أحال على بعض دينه لا على كله . قوله : ( إلحاقاً ) علة لمفهوم الصفة ، أي فلا تصح بالصحيحة على المكسرة وعكسه إلحاقاً الخ .(3/425)
"""""" صفحة رقم 426 """"""
قوله : ( أفهم ) حيث اقتصر على ما ذكره ولم يتعرض لرهن ولا ضمان . قوله : ( به رهن ) راجع للاثنين . قوله : ( انفك ) فإن شرط بقاء الرهن ونحوه بطلت الحوالة ؛ لأنه شرط فاسد ، شرح م ر .
قوله : ( والخامس العلم ) أي الظن ، أي أن يظن العاقدان تساوي الدينين . وزاده الشارح : كما نبه عليه فيما مر ، ولا حاجة إليه للاستغناء عنه بما قبله وهو الرابع . وفي إغنائه عنه نظر لأن العلم بقدر الدينين لم يعلم مما قبله ، وكذا علم اتفاقهما فيما ذكره لأنه يحصل باتفاقهما في نفس الأمر مع عدم العلم بذلك كما قاله ق ل . قوله : ( وتبرأ بها ) شروع في ثمرة الحوالة بعد اجتماع شروطها . قوله : ( ويسقط دينه ) أي المحيل . قوله : ( كجحد ) أي للدين ، أي فلا يرجع المحتال لكن له أن يطالب المحيل بإثبات الدين على المحال عليه . قوله : ( لم تصح الحوالة ) ويفارق ما مرّ من شرط اليسار بأن شرط الرجوع مناف صريح فأبطلها ، بخلاف شرط اليسار فإنه مناف غير صريح فبطل وحده . قوله : ( ولو شرط العاقد الخ ) ظاهره سواء كان ذلك على المحيل أو المحال عليه . قوله : ( أو ضمنياً ) أي ضامناً . قوله : ( هل يصح ) أي الشرط أو لا ؟ أما الحوالة فصحيحة والشرط لا يجب الوفاء به ، ولو قلنا بصحة الشرط انظر م ر . ومحل صحة الحوالة دون الشرط على القول به إذا شرط على المحال عليه ، أما إذا شرط على المحيل فإن الحوالة فاسدة أيضاً . قوله : ( رجح ابن المقري الأول ) أي الصحة . قال م ر : حمله الوالد على ما إذا شرط المحتال على المحال عليه أن يأتيه بذلك فتصح ولا يلزم الشرط ، وحمل الثاني على ما إذا شرطه أعني الرهن أو الضمان على المحيل فيبطل ؛ لأن ذمته برئت بالحوالة(3/426)
"""""" صفحة رقم 427 """"""
والشرط مخالف لذلك ، وبه يجمع بين الكلامين شرح م ر بإيضاح . ولا خلل في كلام الشارح ، خلافاً للقليوبي لأن كل قول يحمل على ما ذكر فيه ، لكن قول الشارح وهو المعتمد يقتضي عدم الجمع لترجيحه أحدهما تأمل . قوله : ( لأنها لم تبن على المعاينة ) أي معاينة العوض ، بخلاف البيع فإنما دخله الخيار لابتنائه على المعاينة أي الوصف القائم مقامها في المبيع في الذمة اه م د . وفي نسخة بالغين المعجمة والباء الموحدة ، أي المغابنة ، أي لم تبن على الغبن لاتفاق الدينين فيما ذكره الشارح ، أي لأنها يشترط فيها الاتفاق جنساً وقدراً الخ ، فلا يدخلها خيار الشرط .
قوله : ( كإقالة ) أو تحالف لا بخيار شرط أو مجلس ؛ لأن بالحوالة يبطل الخيار ويلزم العقد . قوله : ( وقد أحال مشتر بائعاً بثمن بطلت الحوالة ) والفرق بينه وبين الصداق إذا أحالها به ثم فسخ النكاح حيث لا تبطل الحوالة أن الصداق أثبت وأقوى من غيره . قوله : ( لتعلق الحق بثالث ) فيه نظر لأن الأولى كذلك لأن الحوالة لا بد لها من ثلاثة . ويجاب بأن المراد ثالث له الحق غير العاقدين فلا يضيع عليه حقه ، بخلاف الأولى فإنه يتعلق بأحد العاقدين وهو البائع ، وأن الثالث عليه الحق . وعبارة شرح المنهج : لتعلق الحق بثالث أي غير العاقدين وهو المحتال ، أي سواء قبض المحتال أم لا ، فإن كان قبضه رجع المشتري على البائع وإِلا فهل له الرجوع عليه في الحال أو لا يرجع إِلا بعد القبض ؟ وجهان أصحهما الثاني ، معتمد شرح المنهج . قوله : ( على حريته ) أو وقفه أو إيلاده ، ولذا قال في شرح المنهج مثلاً لا لكونه مدبراً أو معلقاً عتقه بصفة فإن كلاًّ يجوز بيعه . قوله : ( يقيمها ) الأولى أقامها كما في شرح المنهج ، ولم يصرح بالرق قبل ذلك لأن تصريحه به يكذبها . قوله : ( حسبة ) أي بلا سبق دعوى . قوله : ( لأنه ) أي الحال والشأن . قوله : ( لأنه بان ) أي ظهر أن لا ثمن تشكل بما قبلها ؛ لأنه تبين أن لا ثمن أيضاً ؛ إِلا أن يقال التقصير هنا من المحتال حيث وافق على الحرية وأما فيما قبلها فالتقصير من البائع حيث أقال من البيع أو باع المعيب ولم يخبر بعيبه . قوله : ( ويبقى حقه ) أي(3/427)
"""""" صفحة رقم 428 """"""
حق المحتال كما كان أي على ما كان عليه ، أي في ذمة البائع شيخنا . قوله : ( حلفاه ) ولا يتوقف على اجتماعهما بل يحلف لمن استحلفه منهما ، نعم لو حلفه أحدهما لم يكن للثاني تحليفه في أوجه احتمالين كما أفاده الوالد خلافاً لبعض المتأخرين إذ خصومتهما متحدة ، شرح م ر . فإن نكل حلفا وانفسخت الحوالة . قوله : ( على نفي العلم بها ) قوله : أي بالحرية فيقول : والله لا أعلم أنه حر مُثلاً ، فإن نكل كان مقرًّا بحرية العبد وبطلت الحوالة . قوله : ( المستحق عليه ) وهو المحيل لأنه الذي وقع الاستحقاق عليه . وقوله : ( للمستحق ) وهو المحتال ، وإنما لم يذكرهما بلفظ المحيل والمحتال لإنكار الحوالة ق ل . وقال ح ف : إنما لم يعبر بالمحيل والمحتال لأن الأول قد يكون موكلاً والثاني وكيلاً . قوله : ( صدّق المستحق عليه بيمينه ) وهو بفتح التاء والحاء ، أي وبطلت الحوالة وبإنكار المحتال الوكالة انعزل ، وحينئذ إن لم يكن قبض امتنع عليه القبض لأنه لا محتال ولا وكيل في ظنه ، وإن كان قبض ردّ ما قبضه على المحيل لأنه وكيل في ظنه ويبقى حقه في ذمته . قوله : ( أو قال ) أي المستحق أردت بقولي ، صوابه كما في شرح المنهج : أردت بفتح التاء بقولك أحلتك الوكالة . وعبارة اج : قوله : ( أو قال أردت بقولي الخ ) هذه العبارة فيها مسامحة من وجهين ، إذ قوله أردت بقولي أحلتك الوكالة هي بعينها في المسألة الأولى فهي مكررة ، وأيضاً قد تقدم أن المصدق فيها المستحق عليه ، وعبارة المؤلف صريحة في تصديق المستحق فيها فكلامه فيه تناقض ، فالصواب حذف قوله أو أردت بقولي الخ . وقال بعضهم : قوله : أو قال أردت ( بفتح التاء بقولك ) بكاف الخطاب ، والضمير في ( قال ) للمستحق ، وهذا هو المتعين . وهناك نسخة أخرى بضم التاء من ( أردت ) وبضمير المتكلم في قوله ( بقولي ) وتقديرها : أو قال أردت بضم التاء بقولي أحلتك الوكالة . وفيها مسامحة من وجوه ثلاثة : الأول : أن هذا اللفظ لا يناسب المستحق الذي كلامنا فيه وإنما يناسب المحيل . والثاني : أنها تكون عين الثانية المتقدمة في القسم الأول . والثالث : أنها مخالفة في الحكم لأن الشارح نص على تصديق المستحق فيها مع أنه تقدم نص على تصديق المستحق عليه .
قوله : ( نعم الخ ) تقييد لما تقدم أي محل ما تقدم من تصديق منكر الحوالة إذا كان اللفظ(3/428)
"""""" صفحة رقم 429 """"""
محتملاً لها وللوكالة ، فإن لم يحتمل وكالة صدق مدعي الحوالة . قوله : ( على مدينه ) أي مدين المحال عليه .
3 ( ( فصل : في الضمان ) ) 3
ذكره بعد الحوالة لأن كلاًّ منهما يترتب عليه قطع النزاع ولأن في كل منهما شغل ذمة بدين لم تكن مشغولة به قبل ذلك . والنون في الضمان يحتمل أن تكون زائدة إن أخذ من الضم لما فيه من ضم ذمة إلى أخرى ، ويحتمل أنها أصلية إن أخذ من الضمن لأن المال في ضمن ذمة الضامن ، وعبارة ق ل : من الضمن لأن المال في ضمن ذمة الضامن لا من الضم لما فيه من ضم ذمة إلى أخرى لأن نونه أصلية .
قوله : ( لالتزام ) أي مطلقاً سواء كان لمال أو لا ، وسواء كان بعقد أو لا . والالتزام أثر العقد وثمرته ، وإنما سمي التزام المال ضماناً لأن المتكفل بدين غيره يجعله في ذمته وكل شيء جعلته في شيء فقد ضمنته إياه ، فالضمان من الضمن على هذا . وذكر أقسام الضمان الثلاثة في هذا التعريف أشار لضمان المال بالأول وأشار لضمان رد العين بقوله أو إحضار عين لأنه معطوف على حق والالتزام مسلط عليه ، وأشار للكفالة بقوله : أو بدن ، فهو معطوف على عين والإحضار مسلط عليه لأن العطف بأو فكل واحد عطف على ما قبله وأدخل ( أو ) في التعريف لأنها للتنويع والتقسيم أو أنه رسم لأحد .
قوله : ( ويقال للعقد ) المراد بالعقد قوله : ضمنت أو كفلت ، وهذا من غير الغالب لأن الغالب أن العقد مركب من إيجاب وقبول . قوله : ( وغير ذلك ) كحميلاً وصبيراً وقبيلاً ؛ لكن العرف خص الضامن بالمال مطلقاً والزعيم بالمال العظيم والكفيل بالنفس والحميل بالدية والصبير والقبيل يعمان الكل ح ل . وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
ضمان بمال والزعيم به إذا
يكون عظيماً والكفيل بأبدان
حميل بديات صبير يعمها
كذاك قبيل قد أتاك باتقان(3/429)
"""""" صفحة رقم 430 """"""
قوله : ( الزعيم غارم ) هذا قطعة من حديث ، ولفظ الحديث : ( العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ والزَّعِيمُ غَارِمٌ والدَّيْنُ مَقْضِيٌّ ) أي موفى اه . ويسمى زعيماً لأنه يشبه الأعمى في أنه لا يدري ما أمامه ، فالأعمى لا يبصر ما أمامه في الطريق من أنها سالكة أو لا أو أن قدامه بئر يقع فيها أو لا ، فكذلك الزعيم لا يدري هل المضمون عنه يدفع الدين أو لا أو أنه هو يسلم من الغرم أو لا . قوله : ( تحمل ) يؤخذ منه منع قولهم إنه معروف أنه سنة . ويتجه أن محله في قادر على المضمون عنه يأمن غائلته زي .
قوله : ( وأركان ضمان المال ) أما ضمان إحضار البدن أو رد العين المضمونة فأربعة لسقوط المضمون عنه الذي هو الشخص م د ، وفي ع ش على م ر : أن الخمسة آتية في ضمان العين والمضمون عنه هو من تحت يده العين . قوله : ( ومضمون له ) وهو صاحب الدين . قوله : ( ومضمون عنه ) وهو المدين أي ضمن عنه ما عليه . قوله : ( ومضمون به ) أي الذي وقع الضمان بسببه وهو الدين والأولى حذف به ؛ لأن المال مضمون .
قوله : ( فيصح الضمان من سكران ) تفريع على المنطوق ، والمراد السكران المتعدي ولو اختلفا في التعدي وعدمه صدق مدعي عدم التعدي لأنه الأصل اه ح ل . قوله : ( وسفيه ) أي سفيه بعد رشده وهو السفيه المهمل . قوله : ( وإن لم يطالب ) الواو للحال . قوله : ( لا من صبي ) تفريع على المفهوم . قوله : ( ومحجور سفه ) وإن أذن له وليه فلو ادعى الضامن الصبا أو الجنون وقت الضمان صدق بيمينه إن أمكن الصبا وعهد الجنون ومثله السفيه إن عهد له(3/430)
"""""" صفحة رقم 431 """"""
سفه . وهذا بخلاف ما لو ادعى الصبا أو الجنون أو السفه بعد صدور البيع منه فإنه لا يقبل منه لأنه معاوضة محضة فاحتيط له ، زي . قوله : ( عليه دين مستغرق ) محله ما لم يبرأ من الدين الذي عليه أو يوسر بعد ، وإلا تبين صحة ضمانه اه م د .
قوله : ( ولو بإكراه سيده ) أي ولم يرض هو به ، فلا ينافي أنه يصح ضمانه بإذن سيده . والإكراه أبلغ في الإذن لأن هذا محله فيما إذا كان الرقيق راضياً به اه . وعبارة ح ل : ولو بإكراه سيده لأنه لا تسليط له على ذمته . قوله : ( وصح ضمان رقيق ) مكاتب أو غيره ، وهو من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف صادق بصورتين أي أجنبياً لأجنبي أو سيده لأجنبي . ولم يفرعه . لأن العبد بإذن سيده لا يقال له أهل تبرع على الإطلاق ح ل مع زيادة . وقال سلطان : أي ولا يجب عليه الضمان وإن كان الإذن بصيغة الأمر ؛ لأن السيد لا سلطنة له على ذمة عبده ، ولا بد من علم السيد بالقدر المضمون على المعتمد ، وكذلك معرفته المضمون له على المعتمد زي . قوله : ( لا ضمانه لسيده ) أي لأن ما يؤدي منه مال السيد فلا يصح لأنه يشبه ضمان السيد مال نفسه . وهذا ظاهر في تصوير المسألة بأن يكون للسيد دين على آخر فضمنه له عبده ، فيكون المعنى : لا ضمانه شخصاً لسيده ، أما ضمان دين على سيده لأجنبي بإذن سيده فيصح . وقال الشارح : لا يتوقف على إذنه ق ل . قوله : ( وكالرقيق المبعض ) أي فيتوقف على إذن سيده . قوله : ( فإن عين الخ ) تفريع على قوله : وصح ضمان رقيق الخ . فإن لم يف ما عينه له بأن كان غير كسبه وما بيده اتبع الرقيق بالباقي بعد عتقه لأن التعيين قصر الطمع عن تعلقه بكسبه وبما في يده من مال التجارة ح ل . قوله : ( بعد الإذن ) أي ولو قبل وجود الضمان ؛ لأن المضمون هنا ثابت وقت الإذن بخلاف ما لو أذن له في النكاح فلا يؤدي إلا مما يكسبه بعد النكاح لعدم وجود المهر والمؤن وقت الإذن . قوله : ( ومما بيد مأذون له ) أي ربحاً ورأس مال . قوله : ( ثابتاً ) أي موجوداً لئلا يضيع قوله بعد لازمة ولو باعتراف الضامن وإن لم يثبت على المضمون شيء كما صرح به الرافعي ؛ لأن الضمان متضمن لاعترافه بوجود شرائطه ، فيلزم الضامن المال الذي ضمنه وإن لم يثبت على المضمون لاعتراف الضامن به بسبب ضمانه ، وكذا قبوله الحوالة متضمن لاعترافه بوجود شرائطها .(3/431)
"""""" صفحة رقم 432 """"""
قوله : ( ما بعد اليوم ) أما نفقة اليوم وما قبله فيصح ضمانها لوجوبها . قوله : ( للزوجة ) خرج نفقة القريب ، فلا يصح ضمانها مطلقاً لأنها مجهولة ولسقوطها بمضيّ الزمان ؛ لأن سبيل نفقة القريب سبيل البر أي الإحسان ، أي وإن كانت واجبة أيضاً ، بخلاف نفقة الزوجة فسبيلها الوجوب فإنها واجبة في مقابلة التمتع ، فنفقتها مقدمة على نفقة الأقارب س ل . قوله : ( في الديون ) لا يخفى أنها هي المضمون المذكور قبلها ، فهو مكرر فتأمله ق ل . وقد يقال : المتقدم كون المضمون ثابتاً وهذا كونه لازماً ولا يغني أحدهما عن الآخر ؛ لأن مفهوم الثبوت الوجود لإخراج نفقة الزوجة في الغد ومفهوم اللزوم أن لا يتطرق إليه الإبطال لإخراج نجوم الكتابة وجعل الجعالة قبل العمل م د . قوله : ( لازمة ) ولو مآلاً . قوله : ( المستقرة الخ ) تقدم غير مرة أن المراد بالاستقرار اللزوم فلا تغفل ق ل . وقيل : المراد بالمستقر التي أمن من سقوطها . قوله : ( أو المؤن ) أو بمعنى الواو . قوله : ( ويصح الضمان عن المكاتب ) أي يصح أن يضمن أجنبي مكاتباً في دين عليه لأجنبي لا لسيده ق ل . قوله : ( بناء على أن غيرها ) أي غير نجوم الكتابة إذا كان للسيد سقط أيضاً ، أي فلذلك امتنع ضمانها للسيد . وحينئذ يسأل ما الفرق بين ضمانه له فلا يصح والحوالة من السيد بها أي بدين المعاملة غير النجوم عليه أو الحوالة منه للسيد على من عليهم ديون معاملة حيث صح ؟ ولعل الفرق أن الضمان للأمن من سقوط المال وهذا مأمون بالتعجيز لرجوع مال المكاتب للسيد ؟ وأما الحوالة فإنها من السيد رضا بوفاء دينه مما في يد عبده فلم يمتنع . وقال م ر : لا منافاة بين ما هنا والحوالة لظهور الفرق كما بيناه ثمَّ . وحاصله أن الحق هناك لثالث فقوي وأفاد ، وهنا للسيد ؛ لكن هذا لا يجري في حوالة المكاتب للسيد وإنما يجري في حوالة السيد على المكاتب مع أن كلاًّ منهما جائز اه . وفرق ابن الفقيه بأن الحوالة رخصة دون الضمان فاغتفر فيها ما لم يغتفر فيه .
قوله : ( في مدة الخيار ) أي للمشتري لتملك البائع الثمن ، زي . قوله : ( إذا علم ) هو في كلام المصنف مبني للمجهول ، وخالفه الشارح ولزم عليه مخالفة الإعراب الظاهر وهو معيب ق ل . وقد يقال : لا مانع من قراءة المتن مبنياً للفاعل للعلم به ، فيكون من حذف الفاعل على المعلوم من المقام لإفادة أن علمه كاف عن علم المضمون له والمضمون عنه ، فهو أولى من(3/432)
"""""" صفحة رقم 433 """"""
جعل علم مبنياً للمفعول لإيهامه بذلك الاكتفاء بعلم غير الضامن كالمضمون له أو وكيله كما صرح بذلك ق ل في قوله أخرى .
قوله : ( ولا بد أن يكون الخ ) الوجه أن يقول : أن تكون معينة ؛ لأنه راجع للديون ق ل . قوله : ( والإبراء الخ ) هذه مسألة استطرادية لمناسبة عدم صحة ضمان المجهول . قوله : ( من الدين ) لو سكت عن الدين ليدخل نحو الغيبة لكان أعم وأولى ؛ لأن من اغتاب إنساناً وطلب منه الإبراء فإن عين له ما اغتابه به ومن حضره صحت براءته وإلا فلا ق ل . قال اج : وإنما قيد بالدين لأن الكلام فيه ، قال الحناطي : ولو قال له أنت في حل من كذا هل هو صريح في البراءة أو كناية فيه ؟ وجهان اه دميري على المنهاج . والحاصل أن الغيبة إذا لم تصل للمغتاب تكفر بالاستغفار ، بخلاف ما إذا وصلت إليه ولو بقوله أبرئني لا بد من الإبراء ، ولا يصح الإبراء إلا بعلمه بها تفصيلاً ، ولا يتوقف الإبراء على لفظ الإبراء بل يكفي : سامحك الله ، أو أقال الله عثرتك من العثور وهو الوقوع في الغيبة . وإذا أبرأه في الدنيا لم يعاقب المبرأ عليها في الآخرة ، فإن لم يبرئه في الدنيا فإن أبرأه في الآخرة كفى بخلاف ما إذا لم يقع إبراء أصلاً . ولو أبرأ ثم ادعى الجهل قبل باطناً لا ظاهراً ؛ قاله الرافعي . وهو محمول على ما في الأنوار أنه إن باشر سبب الدين لم يقبل وإلا كدين ورثه قبل . وفي الجواهر نحوه ، وفيها عن الزبيلي تصديق الصغيرة المزوّجة إجباراً بيمينها في جهلها بمهرها ؛ قال الغزي : وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها . ويجوز بذل العوض في مقابلة الإبراء كما قاله المتولي وغيره ، وعليه فيملك الدائن العوض المبذول له بالإبراء ويبرأ المدين ، وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه من قدر يعلم أنه ينقص عن دينه كألف شك هل يبلغها أو ينقص عنها ولو أبرأه من معين معتقداً عدم استحقاقه له فتبين خلاف ذلك برىء اه شرح م ر . وكتب عليه ع ش : قوله : ( ويجوز بذل العوض ) أي كأن يعطيه ( ثوباً مثلاً في مقابلة الإبراء مما عليه من الدين أما لو أعطاه بعض الدين على أن يبرئه من الباقي فليس من التعويض في شيء بل ما قبضه بعض حقه والباقي ما عداه اه . وكتب أيضاً على قوله وعليه فيملك الدائن عبارة الشارح قبيل فصل الطريق النافذ نصها وإنكار حق الغير حرام ، فلو بذل للمنكر مالاً ليقر ففعل لم يصح الصلح بل يحرم بذله وأخذه لذلك ولا يكون به مقراً كما جزم به ابن كج وغيره ورجحه صاحب الأنوار ؛ لأنه إقرار بشرط . قال في الخادم : ينبغي التفصيل بين أن يعتقد فساد الصلح فيصح أو يجهله ، فلا كما في نظائره من المستثنيات على العقود الفاسدة اه . أقول : يمكن أن يصوّر ما هنا بما لو وقع ذلك بالمواطأة بينهما قبل العقد ثم دفع ذلك قبل البراءة أو بعدها ، فلو قال : أبرأتك على أن تعطيني كذا ، كان كما لو قال : صالحتك على أن تقرّ لي على أن لك عليّ كذا ؛ فكما قيل في(3/433)
"""""" صفحة رقم 434 """"""
ذلك بالبطلان لاشتماله على الشرط يقال هنا كذلك لاشتمال البراءة على الشرط . وكتب أيضاً على قوله والاستغفار أي للمغتاب حج : كأن يقول استغفر الله لفلان ، أو اللهم اغفر له ، ومعلوم أن هذا الكلام في غيبة البالغ العاقل وأما غيبة الصبي فهل يقال فيها بمثل ذلك التفصيل ؟ وهو أنها إذا بلغته فلا بد من بلوغه وذكرها له وذكر من ذكرت من عنده أيضاً بعد البلوغ لأن براءته قبل البلوغ غير صحيحة ، أو يكفي مجرد الاستغفار حالاً مطلقاً لتعذر الاستحلال منه الآن ؟ فيه نظر والأقرب الأول . وقال سم على حج : أطلق السيوطي فيمن خان رجلاً في أهله بزنا أو غيره لا تصح التوبة منه إلا بالشروط الأربعة ، ومنها استحلاله بعد أن يعرفه بعينه . ثم له حالان : أحدهما : أن لا يكون على المرأة في ذلك ضرر بأن أكرهها فهذا كما وصفنا ، والثاني : أن يكون عليها في ذلك ضرر بأن تكون مطاوعة فهذا قد يتوقف فيه ؛ لأنه ساع في إزالة ضرره في الآخرة بضرر المرأة في الدنيا والضرر لا يزال بالضرر ، فيحتمل أن لا يسوغ له في هذه الحالة إخباره به وإن أدّى إلى بقاء ضرره في الآخرة ، ويحتمل أن يكون ذلك عذراً ونحكم بصحة توبته إذا علم الله حسن النية ، ويحتمل أن يكلف الإخبار به في هذه الحالة ولكن يذكر معه ما ينفي الضرر عنها بأن يذكر أنه أكرهها ؛ ويجوز الكذب بمثل ذلك وهذا فيه جمع بين المصلحتين لكن الاحتمال الأظهر عندي ولو خاف من ذكر ذلك الضرر على نفسه دون غيره ، فالظاهر أن ذلك لا يكون عذراً لأن التخلص من عذاب الآخرة بضرر الدنيا مطلوب . ويحتمل أن يقال إنه يعذر بذلك ويرجى من فضل الله تعالى أن يرضى عنه خصمه إذا علم منه حسن نيته ولو لم يرض صاحب الحق في الغيبة والزنا ونحوهما أن يعفو إلا ببذل مال ، فله بذله سبباً في خلاص ذمته . ثم رأيت الغزالي قال فيمن خانه في أهله أو ولده أو نحوه : لا وجه للاستحلال والإظهار ، فإنه يولد فتنة وغيظاً ، بل تفزع إلى الله تعالى لترضيه عنك اه . أقول : الأقرب ما اقتضاه كلام الغزالي ، حتى لو أكره المرأة على الزنا لا يسوغ له ذكر ذلك لزوجها إذا لم يبلغه من غيره لما فيه من هتك عرضها ويجب عليها الاستغاثة ولو ترتب عليه القتل ، وحينئذ تموت شهيدة ويجب لها المهر بكراً وثيباً ولا حدّ عليها ولا إثم ، وعند المالكية المكرهة يجب لها المهر ولا إثم عليها ، وعنده يُحّد الذكر دون الأنثى ؛ والفرق أن الذكر له قرينة اختيار بانتشار الذكر دون الأنثى اه . وبقي ما لو اغتاب ذمياً فهل يسوغ له الدعاء بالمغفرة ليتخلص هو من إثم الغيبة أو لا ويكتفي بالندم لامتناع الدعاء بالمغفرة للكافر ؛ كل محتمل ، والأقرب أن يدعو له بمغفرة غير الشرك أو كثرة المال ونحوه مع الندم ؛ وأما دعاء الخليل لأبيه : ) لأستغفرنّ لك } ) الممتحنة : 4 ) فكان قبل علمه بتحريم الدعاء بدليل : ) فلما تبين له أنه عدوّ } ) التوبة : 114 ) الخ . ووقع السؤال عما لو أتى بهيمة غيره . فهل يخبره بذلك وإن كان فيه إظهار لقبح ما صنعه أو لا ويكفي الندم ؟ فيه نظر ولا يبعد الثاني ، ويفارق ما(3/434)
"""""" صفحة رقم 435 """"""
لو أتى أهل غيره حيث امتنع الإخبار بما وقع لأن في ذلك إضراراً بالمرأة للمرأة ولأهلها فامتنع لذلك ولا كذلك البهيمة اه . وكتب أيضاً على قوله ( وتعيين حاضريها ) : هذا مما لا محيص عنه ، ولو مات بعد أن بلغته وقبل الإبراء لم يصح إبراء وارثه بخلافه في المال : م ر سم على حج .
قوله : ( المجهول ) أي الذي لا تمكن معرفته ، بخلاف ما تمكن معرفته كإبرائه من حصته من تركة مورّثه التالفة حتى يصح الإبراء لأن الإبراء من الأعيان لا يصح ، لأنه وإن جهل قدر حصته لكنه يعلم قدر التركة ح ل ، فيشترط علمه بالتركة كما في م ر ولو بعد الإبراء . قوله : ( باطل ) أي فلا بد من علم المبرىء مطلقاً ، وأما المدين فإن كان الإبراء في معاوضة كالخلع بأن أبرأته مما عليه في مقابلة الطلاق فلا بد من علمه أيضاً حتى يصح ، وإلا فلا يشترط على المعتمد زي . ومحل البطلان في الدنيا ، أما في الآخرة فلا مطالبة به لرضا صاحبه . قوله : ( ولا يعقل ) أي الرضا . قوله : ( ويصح ضمان رد كل عين الخ ) فالديون ليست بقيد ، وقوله : ( ممن هي ) متعلق بقوله : ( رد ) وكان الأولى تأخيره حتى يتم الكلام على ضمان الدين . قوله : ( كل عين ) أي بشرط إذن من هي تحت يده أو قدرته على انتزاعها منه ، فإن تعذر ردها لنحو تلف لم يلزمه شيء . وعبارة عبد البر : ويصح ضمان رد الأعيان إن قدر الضامن على الانتزاع أو أذن من هي تحت يده ، فضمان ردّ الأعيان مشروط بأمرين : الأول : أن تكون مضمونة ، والثاني : أحد أمرين : إما أن يأذن له واضع اليد أو يكون قادراً على الانتزاع ؛ فلو ظن أنه قادر على الانتزاع ثم تبين خلافه لم يصح الضمان ؛ وفي صورة الصحة يطالب برد العين فإن تلف فلا ضمان عليه ، كما لو تكفل ببدن شخص وتعذر عليه حضوره فإنه لا يضمن المال أي لا يلزمه أن يغرمه اه . قوله : ( مضمونة ) بالجر نعت عين . قوله : ( لأن المقصود هنا ) أي في ضمان رد العين .
قوله : ( ولو قال الخ ) كان الأولى ذكره قبل الإبراء من الدين الذي قاله ؛ لأنه مفرّع على(3/435)
"""""" صفحة رقم 436 """"""
العلم في المتن . قوله : ( وشرط في الصيغة ) كان الأولى للشارح تقديمه على قوله : ويصح ضمان رد كل عين . قوله : ( لفظ يشعر بالالتزام الخ ) وسيأتي في بعض الأبواب أنه يحيل على ما هنا ويقول ، وفي معناه ما مر في الضمان ؛ ويريد بذلك إشارة الأخرس ونحو الكتابة ولم يمر هنا ذلك . ويجاب عنه بأنه يريد ما مر في الضمان في كلام الأصحاب لا في كلامه هذا ، وكان الصواب أن يذكر هنا الذي يحيل عليه كما في شرح المنهج أو يسكت هناك عن الحوالة لأنه يتبادر من الحوالة أنه مرّ في كلامه . قال في شرح المنهج : خرج ما لا يشعر بالالتزام نحو دين فلان إليّ أو أؤدي المال أو أحضر الشخص إذا خلا عن النية فليس بضمان بل وعد أي فيكون كناية . قوله : ( بشرط براءة أصيل الخ ) هذا ظاهر في المضمون عنه لأنه يسمى أصيلاً ، وأما المكفول فلا يسمى أصيلاً . قال ع ش : هذا ظاهر في الضمان ، ومعناه في الكفالة إبراء الكفيل بأن يقول : تكفلت بإحضار من عليه الدين على أن من تكفل به قبل برىء بأن تكفل به إنسان قبل اه . وفي كون هذا يسمى أصيلاً نظر ، إلا أن يقال إنه أصيل بالنسبة للثاني . قوله : ( لمخالفته مقتضاهما ) يؤخذ منه البطلان أيضاً بشرط عدم مطالبته ، سم . قوله : ( ولا بتعليق ) نحو إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على فلان أو تكفلت ببدنه وأعاد الباء لدفع توهم أنه عطف على براءة . قوله : ( ولا بتوقيت ) نحو : أنا ضامن ما على فلان أو كفيل ببدنه إلى شهر ، شرح المنهج . قوله : ( وأجل إحضاره له بأجل ) نحو : أنا كفيل بفلان أحضره بعد شهر . قوله : ( ولا يلزم الضامن تعجيل ) لأن الأجل يثبت في حقه تبعاً للأصيل ، وعليه إذا مات الأصيل حل عليهما أو مات الضامن حل عليه ، اه م ر أج .
قوله : ( ولصاحب الحق الخ ) هذا ثمرة الضمان وفائدته . والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلتا بدين واحد كالرهنين بدين فهو كفرض الكفاية يتعلق بالكل ويسقط بفعل البعض ، فالتعدد فيه ليس في ذاته بل بحسب ذاتيهما ، ومن ثم حل على أحدهما فقط وتأجل في حق أحدهما فقط . ولو أفلس الأصيل وطلب الضامن بيع ماله أوّلاً أجيب إن ضمن بإذنه وإلا فلا(3/436)
"""""" صفحة رقم 437 """"""
لأنه وطن نفسه على عدم الرجوع اه حج زي . قوله : ( ولو متبرعاً ) أي بالضمان بأن ضمن بلا إذن . قوله : ( ولو برىء الأصيل ) أي بأداء أو إبراء أو حوالة . قوله : ( ولا عكس في إبراء ) أي لو برىء الضامن بإبراء لم يبرأ الأصيل لأنه إسقاط للوثيقة فلا يسقط به الدين كفك الرهن ، شرح المنهج . فيكون محل ذلك إذا أبرأه من الضمان كما بحثه الزركشي ، فلو قال : أبرأتك من الدين برئاً لاتحاده . وفيما بحثه الزركشي نظر لأن صورة كلام الشارح فيما إذا أبرأه من الدين لأنه الذي قيد به في جانب الأصيل وجعل إبراء الضامن عكساً له فالعكس لا يأتي إلا في الإبراء من الدين . وعبارة شرح م ر : وشمل كلامه ، أي قوله : ( ولا عكس في إبراء ) ما لو أبرأ الضامن من الدين ، فلا يبرأ الأصيل إلا إن قصد إسقاطه عن المضمون اه . فتلخص أنه إذا قال للضامن : أبرأتك من الضمان لم يبرأ الأصيل ، وإن قال له : أبرأتك من الدين ، فإن لم يقصد إسقاطه عن المضمون لم يبرأ أيضاً وإلا برىء . قوله : ( بخلاف ما لو برىء ) أي الضامن بغير إبراء ، أي فإنه يبرأ الأصيل .
قوله : ( ولو مات أحدهما ) ومثله استرقاق الحربي والردة المتصلة بالموت ، زي . قوله : ( لأن ذمته خربت ) المراد بالذمة العهدة والالتزام ، وقوله : ( خربت ) أي خرب محلها اه عزيزي . قوله : ( بخلاف الحي ) ما لم يكن الأجل في حقه تبعاً للميت ، قاله ق ل . ومقتضاه أنه إذا مات الأصيل حل على الضامن ، وهو كذلك بخلاف عكسه . ويستثنى منه ما لو ضمن المؤجل حالاً فإنه صحيح كما تقدم ، ويثبت الأجل في حقه تبعاً كما رجحه البلقيني وابن المقري . وعليه إذا مات الأصيل حل عليهما ، ولو مات الضامن حل عليه أيضاً م ر زي . وقوله : ( حل عليه أيضاً ) أي لأن الأجل في حقه يكون تبعاً كما عرف . قوله : ( لأنه يرتفق ) أي ينتفع . قوله : ( إذا كان الضمان الخ ) هذا معلوم ؛ لأنه لا يقال له ضامن إلا إذا كان مستوفياً للشروط فهو شرط في أصل الضمان . قوله : ( وشرط في المضمون له ) كان الأولى تقديمها على المتن لأنها من تمام الكلام على شروط الأركان . قوله : ( معرفة الضامن الخ ) وكذا معرفة السيد إن كان الضامن عبده بإذنه فإن المضمون له يطالب كلاًّ من العبد والسيد الآذن اه حج . وإنما كفت معرفة عينه لأن الظاهر عنوان الباطن ح ل .(3/437)
"""""" صفحة رقم 438 """"""
قوله : ( ومعرفة وكيله ) أي وكيله في المعاملات . قوله : ( لأن الغالب ) علة لقوله كمعرفته . قوله : ( لم يوضع على قواعد المعاقدات ) وجه ذلك كونه لا مقابل له ، بخلاف البيع والإجارة والجعالة والهبة التي بثواب وما شاكلها مما له مقابل . قوله : ( رجع بما غرمه ) حاصله أنه إن ضمن بالإذن رجع مطلقاً ، أي سواء أدّى بالإذن أم لا . وإن ضمن بغير الإذن فلا رجوع مطلقاً ، أي سواء أدى بغير الإذن أيضاً أو بالإذن إن لم يشرط الرجوع في الأخيرة ، أعني فيما إذا أدى بالإذن ولو أذن له بالأداء ثم ضمنه بغير إذن ثم أدى ، فقال الطبلاوي : لا رجوع ؛ لأن الأداء يقع عن جهة الضمان بوجوب الأداء به وهو بغير الإذن ، وقال ابن الرملي : إن أدى عن جهة الإذن السابق رجع أو عن الضمان فلا ، وكذا لو أطلق ؛ وقرر في العكس كذلك وهو أنه إذا ضمن بلا إذن ثم أدى بإذن بشرط الرجوع رجع إن أدى عن جهة الإذن وإلا فلا ، فراجعه سم ، وسيأتي في الشرح . وحاصل ما ذكره المصنف والشارح أربع صور : الأولى : أن يأذن له في الضمان وفي القضاء ، الثانية : أن ينتفي الأمران . الثالثة : أن يأذن له في الضمان فقط . الرابعة : أن يأذن له في الأداء فقط ؛ ففي الصورة الأولى والثالثة يرجع وفي الثانية والرابعة لا يرجع .
قوله : ( والقضاء ) ليس بقيد كما يأتي . قوله : ( له ) أي للضامن ، وهو متعلق بإذنه . قوله : ( فيهما ) أي الضمان والقضاء . قوله : ( أما لو أخذ من سهم الغارمين ) ومحل جواز أخذه إذا كانا معسرين . قوله : ( نعم لو أدّى ) أي في الصورة الأخيرة . قوله : ( كغير الضامن ) التشبيه في مطلق الرجوع ؛ لأنه إذا لم يكن ضمان وأدّى بالإذن يرجع مطلقاً ، وأما إذا ضمن بغير الإذن وأدى بالإذن إن شرط الرجوع رجع وإلا فلا . قوله : ( وحيث ثبت الرجوع ) بأن أذن(3/438)
"""""" صفحة رقم 439 """"""
له في الضمان أو في الأداء وأدى بشرط الرجوع . قوله : ( ولا ضمان ) أي موجود ، وتصح قراءته بالجر أي وبلا ضمان ع ش . قوله : ( وإن لم يشرط الرجوع ) لا ينافي هذا قوله سابقاً ، نعم إن أذن له في الأداء بشرط الرجوع رجع لأنه هناك ضامن بلا إذن ، فلما وجد هناك سبب الأداء غير الإذن فيه وهو كون الأداء عن جهة الضمان الذي بلا إذن اعتبر شرط الرجوع ومن ثم اشترط في رجوعه أيضاً الأداء عن جهة الإذن لا عن الضمان . قوله : ( إذا أشهد بذلك ) أي بالأداء . قوله : ( ليحلف معه ) علة غائية لا باعثة على الإشهاد ، فلا يشترط عزمه على الحلف حين الإشهاد شرح م ر . قوله : ( لأن ذلك حجة ) عبارة م ر : لأنه كاف في إثبات الأداء وإن كان حاكم البلد حنفياً كما اقتضاه إطلاقهم ، نعم لو كان كل الإقليم كذلك فالأوجه عدم الاكتفاء به اه ؛ لأن الحنفية لا يكفي عندهم شاهد ويمين . قوله : ( أو في غيبته ) أي المدين . قوله : ( ولا يصح ضمان الدين الخ ) هذا علم مما تقدّم . قوله : ( قد اغتفر ذلك ) أي الجهل . قوله : ( وتسليم ثوب ) معطوف على قوله : ما سيقرضه زيد . قوله : ( ولم يتسلمه ) أي المرتهن ، وعبارة شرح الروض : ولا يصح ضمان تسليم المرهون للمرتهن قبل قبضه لأنه ضمان ما ليس بلازم .
قوله : ( إلا درك المبيع ) بفتح الراء وسكونها ، وهو بالجر بدل من ( ما ) أو بالنصب على الاستثناء . وأصل الدرك التبعة أي المطالبة والمؤاخذة كما قاله الجوهري ، سمي بذلك لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحق لعين ماله اه حج . ومعلوم أن المضمون هو الثمن أو المبيع لا نفس التبعة ، فالدرك هنا إما بمعنى الثمن والمبيع أو على حذف مضاف أي ذا درك ، وهو الحق الواجب للمشتري والبائع عند إدراك المبيع ، أو الثمن مستحقاً وهو الثمن أو المبيع . ووجه(3/439)
"""""" صفحة رقم 440 """"""
تسميته بالدرك كونه مضموناً بتقدير الدرك ، أي إدراك المستحق عين ماله ومطالبته به ؛ سم على المتن مخلصاً . قوله : ( بعد قبض ما يضمن ) أي ما يراد تضمينه ، وهو المبيع للبائع أو الثمن للمشتري . قوله : ( مستحقاً الخ ) ثم إن عين شيئاً من ذلك لا يضمن إلا به ، وإن أطلق حمل على خروجه مستحقاً . وكيفية الضمان أن الضامن إذا ضمن المبيع للبائع ثم خرج الثمن مستحقاً يطالب برد البقرة إن كانت باقية وسهل ردّها ، فإن تعذر ردّها وهي باقية ضمن قيمتها للحيلولة ، فإن تلف المبيع ضمن الضامن بدله من مثل في المثلي وقيمة في المتقوم للفيصولة ، وفي الرجوع على المشتري التفصيل المتقدّم . وكذا يقال في ضمان الثمن للمشتري وهذا الضمان خارج عن حكم ضمان الأعيان الذي تقدم . قوله : ( أو صنجة ) أي وزن . ولو اختلف البائع والمشتري في نقص صنجة الثمن صدق البائع بيمينه فإذا حلف طالب المشتري بالنقص ولا يطالب الضامن لأن الأصل براءة ذمته ، إلا إذا اعترف أو أقام بينة . ولو اختلف البائع والضامن صدّق الضامن لأن الأصل براءة ذمته ، بخلاف المشتري فإن ذمّته كانت مشغولة ؛ ذكر ذلك في الروضة سم . قوله : ( وما وجه به الخ ) حاصل الجواب عنه من وجهين : الأول : تسليم الاعتراض وأن هذا مستثنى ، والثاني : جواب بالمنع وأنه من ضمان ما وجب وثبت لكن باعتبار آخر الأمر عند خروج مقابل المضمون مستحقاً ؛ فالاعتراض ناظر للابتداء ، والظاهر والجواب ناظر للانتهاء ونفس الأمر . قوله : ( أجيب ) لا حاجة للجواب مع الاستثناء لأن المستثنى لا يرد نقضاً ، سم وق ل . وقال ق ل على المحلي : قوله : ( أجيب عنه ) هذا الجواب لا يأتي في غير الخروج مستحقاً إلا على القول بأن الفسخ يرفع العقد من أصله ، وهو ضعيف . قوله : ( قبل قبض المضمون ) محترز قوله : بعد قبض ما يضمن .
قوله : ( لو صالح الضامن ) خرج ( بصالح ) ما لو باعه الثوب بمائة أو بالمائة المضمونة فإنه يرجع بها لا بقيمة الثوب ، شرح المنهج . قوله : ( لم يرجع ) ظاهره صحة الصلح على خمر وسقوط الدين عن المسلم . والمعتمد أن الصلح على الخمر باطل والدين باق ع ش . وعبارة(3/440)
"""""" صفحة رقم 441 """"""
شرح الروض : ولو ضمن ذمي لذمي عن مسلم ديناً فصالح صاحبه على خمر لغا الصلح ، لما سيأتي أن أداء الضامن للمستحق يتضمن إقراض الأصيل ما أداه وتمليكه إياه وهو متعذر هنا ، فلا يبرأ المسلم كما لو دفع الخمر بنفسه . قوله : ( لتعلقها ) أي المصالحة . قوله : ( وحوالة الضامن الخ ) ومثله عكسه وهو الحوالة على الضامن من مستحق الدين . وظاهر جعل الحوالة كالأداء ثبوت الرجوع قبل دفع المحال عليه للمحتال ، ويمكن توجيهه بأن الحوالة تقتضي انتقال الحق وفراغ ذمة المحيل ؛ نعم تردّد بعض المتأخرين فيما لو أحال المستحق على الضامن فأبرأ المحتال الضامن ومال إلى عدم الرجوع لأنه لم يغرم شيئاً وهو محتمل سم . قوله : ( ولو ضمن الخ ) عبارة سم : فرع : ضمن اثنان ديناً كان كل ضامناً لنصفه ، كما لو رهناه عليه شيئاً يكون كل منهما راهناً على النصف ، هذا هو المعتمد والقول بأن كلاًّ ضامن للجميع كمسألة الرهن ضعيف مبني على ضعيف م ر سم على المنهج . وفي م د على التحرير .
فرع : باع شيئاً لاثنين وشرط أن يكونا متضامنين ، أي يضمن كل منهما صاحبه ، لم يصح بخلاف عكسه وهو ما إذا اشترى شيئاً من اثنين ولا يصح البيع سالماً وإن علم قدر الدلالة ، أي لأن الدلالة على البائع . ونقل عن شيخنا م ر الصحة في العلم وكأنها جزء من الثمن ، ونقل ذلك الحلبي على المنهج واعتمده وقرّره شيخنا ؛ ولو قالا ضمنا العشرة التي لك على زيد فكل ضامن لنصفها فقط على المعتمد ، ولو ضمن أحدهما صاحبه وأدّى العشرة فليس له مطالبة الأصل إلا بخمسة فقط .
قوله : ( كان له مطالبة كل منهما ) لأن قولهما ضمنا مالك على زيد ليس معناه أنه يوزع علينا بل كل منا ضامن جميعه ، فلو أداه أحدهما هل يغرم رفيقه نصفه الظاهر ؟ لا . وكلام المتولي أحد وجهين ، والراجح عند م ر خلافه ، فيطالب كل منهما بالنصف فقط لأنه اليقين وشغل كل واحد بالزائد مشكوك فيه ؛ نعم إن قال كل منهما ضمنت الألف اتجه كلام المتولي اه م ر . ويمكن حمل كلامه على هذا .
فرع : وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيراً في قرى الريف من ضمان دوابّ اللبن كالجاموس والبقر ما حكمه وما يجب فيه على الآخذ والمأخوذ منه . والجواب عنه : أن الظاهر أن يقال فيه إن اللبن مقبوض بالشراء الفاسد وذات اللبن مقبوضة هي وولدها بالإجارة الفاسدة ، فإن ما يدفعه الآخذ للدابة من الدراهم والعلف في مقابلة اللبن والانتفاع بالبهيمة في الوصول إلى اللبن ، فاللبن مضمون على الآخذ بمثله والبهيمة وولدها أمانتان كسائر الأعيان المستأجرة ، فإن تلفت هي أو ولدها بلا تقصير لم يضمن أو بتقصير ضمن ع ش على م ر .(3/441)
"""""" صفحة رقم 442 """"""
3 ( ( فصل : في كفالة البدن ) ) 3
قوله : ( وتسمى أيضاً كفالة الوجه ) لعل وجه التسمية بذلك أنه كني بالوجه عن الذات . قوله : ( بالبدن ) الباء زائدة ، أي كفالة البدن أي التزام إحضار البدن ، أو بمعنى اللام . قوله : ( عند الاستدعاء ) أي الطلب ، وفي نسخة : ( الاستعداء ) أي الطلب من مسافة العدوى . قوله : ( جائزة ) أي صحيحة بشرط معرفة المكفول والمكفول له وتعيين المكفول رضاه أو إذن وليه إن كان غير مكلف . قوله : ( إذا كان للمكفول ) أي عليه كما في بعض النسخ . قوله : ( به ) هلا حذفها لأن المعنى يتم بدونها . قوله : ( حق الله تعالى ) أي مالي كزكاة وفي كفارة ، بدليل قوله : بخلاف عقوبة الله . قوله : ( أو حق لآدمي ) ولو عقوبة كقصاص وحد قذف وتعزير ، وسواء كان ديناً أو عيناً مضمونة أو غير مضمونة على ما قاله بعضهم . قوله : ( لتأتنني به ) فيه أنها كفالة بدن من غير حق على المكفول ، والكلام فيما إذا كان على المكفول حق ، وأيضاً شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره ، ومن ثم قال : واستؤنس . قوله : ( صبياً أو مجنوناً ) لأنه قد يستحق إحضارهما لإقامة الشهادة على صورتهما في الإتلاف وغيره كالغصب ، ويطالب الكفيل وليهما بإحضارهما عند الحاجة إليه ؛ شرح المنهج . قوله : ( بإذن وليه ) أي الأحد ، وأما السفيه الذي يراد كفالته فإنه إن خلا عن تفويت مال فيعتبر إذنه ، وإلا بأن كان فيه تفويت مال كأن احتاج إلى مؤنة سفر لإحضاره فالمعتبر حينئذ إذن الولي . وهذا جمع بين كلامين متناقضين : اعتبار إذن الولي أو اعتبار إذنه ، ذهب إلى الأول جماعة وإلى الثاني جماعة وجمع بما تقدم اه م ر . قوله : ( قبل دفنه ) أي وضعه في القبر وإن لم يهل عليه التراب وإن لم يتغير ، ومحله قبل الدفن ما لم يتغير في مدة الإحضار ح ل . قوله : ( ليشهد على صورته ) كأن كان عليه لشخص دين وهناك شهود تشهد على صورته ولم تعرف اسمه ونسبه ، ثم مات فأراد صاحب الدين أن يحضره للقاضي ليشهد الشهود على صورته خوفاً من ضياع حقه فيكفل الميت شخص ، اه شيخنا . قوله : ( كذلك ) أي على صورته .(3/442)
"""""" صفحة رقم 443 """"""
قوله : ( إذن الوارث ) أي كل الورثة . قوله : ( لزومه ) أي المال وقوله لا علم به أي المال . قوله : ( وكالبدن الخ ) تكميل للمتن ، وهذا في الحي أما الميت فلا بد من كفالته كله . قوله : ( ثم إن عين الخ ) أي والتعيين واجب إن لم يصلح مكانها للتسليم وإلا فجائز ويتعين المعين ، ومحله إذا كان المحل صالحاً وإلا تعين أقرب المحالّ إليه . قوله : ( وإلا تعين ) أي إن صلح ق ل . قوله : ( بلا حائل ) كمتغلب يمنع المكفول له من التسليم ، فمع وجوده لا يبرأ الكفيل ، فإن أتى به في غير محل التسليم لم يلزم المستحق القبول إن كان له غرض في الامتناع وإلا لزمه القبول ، فإن امتنع رفعه إلى الحاكم يقبض عنه ، فإن فقد أشهد شاهدين أنه سلمه وبرىء . قوله : ( كتسليمه ) أي المكفول البالغ العاقل نفسه ، أي بلا حائل ، كأن يقول للمكفول له : سلمت نفسي على جهة الكفيل ولو في غير محل التسليم وزمنه المعين حيث لا غرض . وخرج الصبي والمجنون فلا عبرة بتسليمهما إلا إن رضي به المكفول له ح ل . قوله : ( إحضار المكفول ) المقام للإضمار . قوله : ( أو غيره ) كانقطاع خبره . قوله : ( أو يوفي ) أي الكفيل . قوله : ( ثم حضر المكفول ) المقام للإضمار . قوله : ( فالمتجه الخ ) فلو تعذر رجوعه على المؤدى إليه ، فهل يرجع على المكفول لأن أداءه عنه يشبه القرض الضمني أو لا لأنه لم يراع في الأداء جهة المكفول بل مصلحة نفسه بتخليصه لها من الحبس ؟ كل محتمل ، والثاني أقرب اه ابن حجر ، وأقره ع ش على م ر . وعبارة ق ل : قوله : ( أن له الاسترداد ) أي من المكفول له والدائن ، فإن تعذر حضور المكفول لم يرجع ق ل . والمراد أن له الاسترداد أي إن كان باقياً أو بدله إن تلف ؛ لأنه ليس بمتبرع بالأداء ، وإنما غرمه للفرقة كما في شرح م ر ، أي للحيلولة بينه وبين من عليه الحق . زاد ابن حجر بعد قوله : ( للفرقة ) : أي والكلام حيث لم ينو الوفاء به وإلا لم يرجع بشيء لتبرعه بأداء دين غيره بغير إذنه ع ش .(3/443)
"""""" صفحة رقم 444 """"""
قوله : ( ولو شرط أنه يغرم المال ) كقوله : كفلت بدنه بشرط الغرم أو على أني أغرم أو نحوه ح ل . وليس من الشرط . ما لو قال : كفلت بدنه فإن مات فعليّ ضمان المال ، فتصح الكفالة وهذا وعد لا يلزم الوفاء به . قوله : ( لأن ذلك خلاف مقتضاها ) وهو عدم غرم الكفيل المال .
3 ( ( فصل : في الشركة ) ) 3
وجه مناسبتها للضمان ضمان أحد الشريكين في بعض الصور . وهي اسم مصدر لأشرك ، ومصدره الإشراك ، ويقال لمن أثبتها مشرك وشريك ؛ لكن العرف خصص الإشراك والمشرك لمن جعل لله شريكاً .
قوله : ( هي بكسر الشين ) حاصل ما ذكر فيها أربع لغات : ثلاثة في الشرح ، والرابعة شرك بحذف التاء وكسر الشين وسكون الراء ؛ لكن هذا الرابع مشترك بين الشركة بمعنى العقد وبين النصيب من الشيء . قوله : ( الاختلاط ) أي سواء كان بعقد أو لا مع تمييز أو لا في مثليّ أو لا . قوله : ( ثبوت الحق ) المراد بالحق ملك العين أو المنفعة فيدخل المؤجر . وهذا ليس بمقصود الباب ، إذ مقصوده عقد يقتضي ثبوت ذلك الحق بمعنى التصرف لا بقيد كونه على جهة الشيوع فتفسير الحق في الأول غير تفسيره في الثاني كما يعلم ذلك من شرح الروض اه شيخنا . وهذا أولى مما سطره المحشي . قوله : ( والأولى أن يقال ) لأن الباب معقود للشركة الخاصة أي التي تفيد التصرف للعاقدين أو لأحدهما ، وهي لا تكون إلا بعقد فيخرج الاشتراك في الأعيان بإرث أو غيره الشامل له الأول إذ لا يفيد ثبوت التصرفات الآتية ؛ لكن الأولى للشارح أن يقول عقد يقتضي ثبوت التصرف دون قوله ثبوت ذلك ، إلا أن يريد بثبوت الحق السابق ثبوت التصرف ، فقول ق ل : قوله والأولى ليس بأولى بل الأول أولى ليدخل نحو الموروث والقصاص وحد القذف والشفعة ونحوها غفلة عما عقد له الباب ، تأمل م د ملخصاً .
قوله : ( السائب بن يزيد ) قال شيخ الإسلام في شرح الأعلام : من قال إنه ابن يزيد فقد وهم بل هو ابن أبي السائب الصيفي بن عائد المخزومي اه م د . قوله : ( أنه كان ) بدل من(3/444)
"""""" صفحة رقم 445 """"""
خبر . قوله : ( وافتخر ) أي السائب على المشهور ، وأقره النبي على ذلك ؛ شوبري وع ش . وقيل النبي واستوجهه ق ل لكونه وافق شرعه ، قال : لأنه يوم فتح مكة جاء السائب إلى النبي فقا له النبي : ( مَرْحَبَاً بِأَخِي وَشَرِيكي كان لا يُدَاري وَلاَ يُمَارِي وَلاَ يُشَارِي ) أي لا يرائي ولا يخاصم ولا يشاحح تطييباً لخاطره وتعظيماً له ، ولكونه قد وافق شرعه ؛ فذكره الشركة تقرير لجوازها . وعبارة السيرة الحلبية : وكان يتجر قبل النبوة قبل أن يتجر لخديجة ، وكان شريكاً للسائب بن أبي السائب صيفي ، ولما قدم عليه السائب يوم فتح مكة قال له : ( مَرْحباً بِأَخِي وَشَرِيكِي كان لاَ يُدَارِي ) أي لا يرائي ( وَلاَ يُمَارِي ) أي لا يخاصم صاحبه . وهذا يدل على أن قوله ( كَان لا يُدَارِي ) إلى آخره من مقوله . وقد قال فقهاؤنا : والأصل في الشركة خبر السائب بن يزيد أنه كان شريكاً للنبي قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث ، أي قال : كان النبي شريكي نعم شريك لا يداري ولا يماري ولا يشاري ؛ والمشاراة المشاحة في الأمر واللحاح فيه ، وهو يدل على أن ذلك كان من مقول السائب . ولا مانع من أن يكون كل من النبي والسائب قال في حق الآخر : ( كان لا يداري ولا يماري ) وبهذا يندفع قول بعضهم : اختلفت الروايات في هذا الكلام الذي هو كان خير شريك لا يشاري ولا يماري ؛ فمنهم من يجعله من قول النبي في السائب ومنهم من يجعله من قول السائب في حق النبي . ويمكن أن لا يكون مخالفة بين السائب بن أبي السائب صيفي وبين السائب ابن يزيد ؛ لأنه يجوز أن يكون صيفي لقباً لوالده واسمه يزيد . وفي الاستيعاب : وقع اضطراب هل الشريك كان أبا السائب أو ولد السائب بن أبي السائب أو ولده السائب وهو قيس بن السائب بن أبي السائب أو لأخي السائب وهو عبد الله بن أبي السائب ؟ قال : وهذا اضطراب لا يثبت به شيء ولا تقوم به حجة ، والسائب بن أبي السائب من المؤلفة أعطاه النبي يوم الجعرّانة من غنائم حنين ، وبه يردّ قول بعضهم إن السائب قتل يوم بدر كافراً . ومما يدل على أن الشركة كانت لقيس بن السائب قوله : ( كان رسول الله في الجاهلية شريكي فكان خير شريك ، كان لا يشاريني ولا يماريني ) ووجه الدلالة أنه يسمع كان شريكي وأقره عليه ، وذكر في الإمتاع أن حكيم بن حزام اشترى من رسول الله بزًّا من بزّ تهامة بسوق حباشة وقدم به مكة ، فكان ذلك سبباً لإرسال خديجة له مع عبدها ميسرة إلى سوق حباشة ليشتريا لها بزًّا . وفي سفر السعادة أنه وقع منه أنه باع واشترى ، وإلا أنه بعد الوحي وقبل الهجرة كان شراؤه أكثر من البيع وبعد الهجرة لم يبع إلا ثلاث مرات ، وأما شراؤه فكثير واستأجر والاستئجار أغلب ووكل وتوكل وكان توكله أكثر .
قوله : ( وخبر يقول الله الخ ) وهذا يقال له حديث قدسي ، نسبة إلى القدس وهو الطهارة . وسميت تلك الأحاديث بذلك لنسبتها له جل وعلا حيث أنزل ألفاظها كالقرآن ، لكن تخالفه من(3/445)
"""""" صفحة رقم 446 """"""
جهة كون إنزالها ليس للإعجاز ، وأما غير القدسية فأوحى إليه معانيها وعبر عنها بألفاظ من عند نفسه ع ش على م ر . قوله : ( أنا ثالث الشريكين ) أي ورابع الثلاثة وخامس الأربعة وهكذا . وهذا من المتشابه ، فمذهب السلف يفوّضون علمه إلى الله تعالى والخلف يؤوّلونه بما في الشرح ، وطريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم . وقد أطلق الله الملزوم وهو كونه ثالث الشريكين وأراد اللازم له وهو المعونة والبركة ، فهو مجاز مرسل كما قاله شيخنا العزيزي . وقال الطيبي : فشركة الله لهما استعارة ، كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمى ذاته ثالثاً لهما اه . وقوله ( خرجت ) ترشيح للاستعارة اه . قوله : ( ما لم يخن أحدهما الخ ) فيه إشعار بأن ما جرت العادة بالمسامحة به بين الشركاء كشراء طعام وخبز لا يترتب عليه ما ذكر من نزع البركة ع ش . قوله : ( وهي ) أي الشركة من حيث هي ، ح ل . قوله : ( شركة أبدان ) جوّزها أبو حنيفة مطلقاً اتحدت الحرفة أو اختلفت ، ومالك إن اتحدت الحرفة . ومذهبنا بطلانها ، وعليه فمن انفرد بشيء فهو له ، وما اشتركا فيه يوزع بينهما على نسبة أجرة المثل لهما ق ل . قوله : ( ليكون بينهما كسبهما ) أي مكسوبهما ، فهو مصدر بمعنى المفعول . قوله : ( مفاوضة ) بفتح الواو ، وقال حج : بكسرها . قوله : ( ببدنهما ) أي فقط وتفارق شركة الأبدان بالشرط الذي قاله . قوله : ( أو مالهما ) أي فقط ، وتفارق شركة العنان بالشرط الذي بعده وأو مانعة خلوّ فتصدق بالمال والبدن معاً . وحكم ذلك أنه إذا كان هناك مال من غير خلط فظاهر أن مال كل له ومع الخلط يكون الزائد على قدر المالين بينهما على قدر المالين ويرجع كل على الآخر بأجرة عمله ، وإن كان مع المال كسب مخلوط فكذلك . قوله : ( وعليهما ما يعرض من غرم ) أي من مال الشركة ومن غيره ، كأن قال : إن غصب من أحدنا شيء يكون علينا ، أي ولهما ما يحصل من غنم ؛ ففيه اكتفاء . وخرجت شركه الأبدان والعنان . قوله : ( وشركة وجوه ) من الوجاهة أي العظمة لا من الوجه . قوله : ( بأن يشتركا ) أي الوجيهان أو وجيه وخامل ق ل . أو أن يبتاع وجيه في ذمته ويفوّض بيعه لخامل والربح بينهما ، أو يشترك وجيه لا مال له وخامل له مال ليكون المال من هذا والعمل من هذا من غير تسليم للمال والربح بينهما . والكل باطل ، إذا(3/446)