"""""" صفحة رقم 519 """"""
قوله : ( أن المني يمكث في الرحم أربعين يوماً لا يتغير ) وأصل ذلك أن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة في الجماع وأراد الله أن يخلق منه جنيناً هيأ أسباب ذلك ، لأن في رحم المرأة قوتين : قوة انبساط عند ورود ماء الرجل حتى ينتشر في جسدها ، وقوة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوساً . وفي مني الرجل قوة الفعل ، وفي مني المرأة قوة الانفعال ، فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة للبن ، وقيل في كل منهما قوة فعل وانفعال ، لكن الأول في الرجل أكثر والمرأة بالعكس ، وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقذه ، وأنه إنما يكون من دم الحيض ويرده حديث : ( إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل ) ، وقوله وغضاريفه أي أعصابه ( وشحمه ولحمه من مني المرأة ) ثم إنه في الأربعين الأولى لا يختلط ماء الرجل بماء المرأة بل يكونا متجاورين لا يغير أحدهما الآخر ، وفي الأربعين الثانية يختلط أحدهما بالآخر وفي الأربعين الثالثة تصوّر أعضاء الجنين اه شبرخيتي . ويثبت للعلقة من أحكام الولادة وجوب الغسل وفطر الصائمة وتسمية الدم عقبها نفاساً ويثبت للمضغة انقضاء العدة وحصول الاستبراء إن لم يقولوا فيها صورة أصلاً ، فإن قالوا : فيها صورة خفية وجب فيها مع ذلك غرة وتثبت بها أمية الولد ، ويجوز أكلها من الحيوان المأكول عند شيخنا م ر ذكره ق ل .
قوله : ( والولد يتغذى بدم الحيض ) وذكروا أن الجدري الذي يطلع للأطفال سببه التغذية بدم الحيض . واختلف في أول ما يتشكل من الجنين فقيل : قلبه لأنه الأساس ، وقيل الدماغ لأنه مجمع الحواس وجمع بينهما بأن أول ما يتشكل منه من الباطن القلب ومن الظاهر الدماغ ، وقيل أول ما يتشكل منه السرة ، وقيل الكبد لأن منه النموّ المطلوب أو لا ورجحه بعضهم وفي إيجاده على هذا الترتيب العجيب وانتقاله من طور إلى طور مع قدرته تعالى على إيجاده كاملاً كسائر المخلوقات في طرفة عين فوائد :
الأولى : أنه لو خلقه دفعة واحدة لشق على الأم لكونها لم تكن معتادة لذلك وربما لم تطقه فجعل أولاً نطفة لتعتادها مدة ثم علقة مدة وهلم جرا . إلى الولادة ، ولذا قال الخطابي الحكمة في تأخير كل أربعين يوماً أن يعتاده الرحم إذ لو خلق دفعة لشق على الأم وربما تظنه علة .
الثانية : إظهار قدرته تعالى وتعليمه لعباده التأني في أمورهم .
الثالثة : إعلام الإنسان بأن حصول الكمال المعنوي له تدريجي نظير حصول الكمال الظاهر له اه شبرخيتي مع زيادة .
فإن قلت : إن فم الولد لا يفتح أصلاً ما دام في بطن أمه بدليل أن المشيمة مغطية له كله(1/519)
"""""" صفحة رقم 520 """"""
فكيف يقال إنه يتغذى . إلا أن يقال يتغذى من السرة لأنها مفتوحة . قال ع ش : وأجنة البهائم يجوز أن تتغذى بغير دم الحيض لانتفائه في حقهن اه . والمشيمة الخارجة مع الولد طاهرة وهل هي جزء من الأم أو من الولد ويترتب عليه إذا مات أحدهما يجب دفنها معه وتصح الصلاة عليها وغسلها وتكفينها ومواراتها فيه نظر اه الرحماني .
فائدة : رأيت بخط الأزرق عن رسول الله ( أن من أراد أن تلد امرأته ذكراً فإنه يضع يده على بطنها في أول الحمل ويقول : بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إني اسمي ما في بطنها محمداً فاجلعه لي ذكراً فإنه يولد ذكراً إن شاء الله تعالى ) مجرب اه . وقد جربناه كثيراً لغير واحد فصدق والحمد لله على صحة ذلك ، وقيل إن المرأة إذا جومعت وهي قائمة فإن شالت رجلها اليمنى أذكرت وإن شالت رجلها اليسرى أنثت . قال الفخر الرازي : جربت ثلاث مرات فصح اه .
فائدة : لو وضع الحمل يكتب في إناء جديد : اخرج أيها الولد من بطن ضيقة إلى سعة هذه الدنيا ، اخرج بقدرة الله الذي جعلك : ) في قرار مكين إلى قدر معلوم } ) المرسلات : 22 ) ) لو أنزلنا هذا القرآن } ) الحشر : 21 ) إلى آخر السورة . ) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } ) الإسراء : 82 ) وتمحى بماء وتشرب النفساء أو يرش على وجهها مجرب .
قوله : ( وإنما يجتمع في المدة التي قبلها ) هذه الحكمة مبنية على كون الحامل لا تحيض .
قوله : ( وهي أربعة أشهر ) أي والأربعة أشهر لا تخلو عن حيض وطهر فتحيض في كل شهر وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً إلى آخر ما ذكره الشارح ، فيكون أكثر النفاس ستين يوماً لأن في كل شهر من الأربعة خمسة عشر يوماً حيض وهي أكثر الحيض . قوله : ( فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك ) وكذا بين نفاسين . وصورته أن يطأها بعد الولادة وهي نفساء فتحمل إن قلنا إن النفاس لا يمنع العلوق ويستمر النفاس من مدة يكون الحمل فيها علقة ثم ينقطع دون(1/520)
"""""" صفحة رقم 521 """"""
خمسة عشر يوماً فينزل عقبه النفاس اه . قوله : ( ولا حد لأكثره ) أي الطهر لا بقيد كونه بين حيضتين وهو راجع للمقيد بدون قيده وهو كونه بين حيضتين . قوله : ( وأقل زمن تحيض الخ ) قال الحافظ في فتح الباري : وقد ذكر الشافعي أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة ، وأنها حاضت لاستكمال تسع ووضعت بنتا لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك اه بحروفه .
قوله : ( قمرية ) هو بالرفع صفة لتسع وبالجر صفة لسنين وبالنصب على الحال من المضاف إليه ، وهو من الجائز لا المتنع والسنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وخمس يوم وسدسه بخلاف العددية فإنها ثلاثمائة وستون يوماً لا تنقص يوماً ولا تزيد اه ز ي . قال عبد البر : لم تفرق العلماء بين السنة والعام وجعلوهما بمعنى . قال ابن الجواليقي : وهو غلط إذ السنة من أي وقت عددته إلى مثله والعام لا يكون إلا شتاءً وصيفاً ونحوه في التهذيب . وقال الراغب : استعمال السنة في الحول الذي فيه الشدة والجدب والعام لما فيه الرخاء والخصب وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى ) ألف سنة إلا خمسين عاماً } ) العنكبوت : 14 ) حيث عبر عن المستثنى بالعام وعن المستثنى منه بالسنة اه ذكره السيوطي في الإتقان قوله ( للوجود ) أي للاستقراء ، وعبر به للتفنن أو إشارة إلى أنهما بمعنى واحد اه م د . قوله : ( لأن ما ورد الخ ) كان الأولى حذفه لأنه يقتضي أن زمن الحيض يرجع فيه للعرف كالقبض والحرز وليس كذلك بل مرجعه الاستقراء من الأئمة . قوله : ( كالقبض ) أي قبض المبيع ، ومقتضاه أن المراد بالوجود هنا العرف وليس كذلك ، وإنما المراد بالوجود هنا الاستقراء والتتبع عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فلعل الشارح اشتبه عليه محل بمحل فتأمل . قوله : ( والحرز ) أي حرز الماء في السرقة ، فإنه يرجع فيهما للعرف . قوله : ( بما لا يسع حيضاً وطهراً ) كأن رأته وقد بقي من السنة التاسعة خمسة عشر يوماً فأقل . قوله : ( ولو رأت الدم ) كأن رأته وقد بقي من التسع ثمانية عشر يوماً وامتد الدم إلى أن بقي من الشهر عشرة أيام مثلا اه ا ج .(1/521)
"""""" صفحة رقم 522 """"""
فيكون الدم استمر ثمانية أيام الثلاثة الأولى منها دم فساد لأنها قبل زمن إمكان الحيض والخمسة الأخيرة حيض ، لأنها بعد زمن الإمكان وكأن رأت الدم عشرين يوماً بقيت من السنة التاسعة فالخمسة الأولى دم فساد لأنها قبل زمن الإمكان والخمسة عشر حيض لأنها بعد زمن الإمكان ، وكان الأولى أن يقول : فلو رأت الدم بفاء التفريع . قوله : ( شروطه المارة ) أي لا ينقص عن يوم وليلة ولا يجاوز خمسة عشر ، فمراده بالجمع ما فوق الواحد . قوله : ( ولا حد لأكثره ) وأما غالب سن تحيض فيه المرأة فعشرون سنة ، ويدل على ذلك ما ذكروه في باب الخيار من أنه لو اشترى جارية فوجدها لم تحض ، فإن كان سنها دون العشرين لم يثبت الخيار ، وإلا بأن كان عشرين فأكثر فله الخيار ، وعللوه بأن وجوده فيها هو الغالب ز ي .
قوله : ( وأقل زمن الحمل الخ ) ذكر الحمل هنا استطرادي . قوله : ( رجل صدق ) أي صادق أو ذو صدق أو هو نفس الصدق مبالغة . وعبارة ح ل في السيرة ذكر أن مالكاً رضي الله عنه مكث في بطن أمه سنتين ، وكذا الضحاك بن إبراهيم التابعي مكث في بطن أمه سنتين . وفي المحاضرات للجلال السيوطي أن مالكاً مكث في بطن أمه ثلاث سنين . قوله : ( ويحرم بالحيض ) ومثله النفاس ، وسيأتي أن حكمهما واحد إلا في ثلاثة أشياء : وهي أن الحيض يتعلق به البلوغ والعدة وتسقط بأقله الصلاة بخلاف النفاس . قوله : ( ثمانية أشياء ) أي بعد مس المصحف وحمله واحداً أما إذا عد كل منهما واحداً كانت تسعة ، وهذا بحسب ما ذكره المصنف ، وإلا فالذي يحرم بالحيض أكثر من ذلك ، فمن ذلك طلاقها وطهرها بالماء أو بالتيمم قبل انقطاع الدم إلا في أغسال الحج ، فقد قال العلامة م ر : ومما يحرم عليها أي الحائض(1/522)
"""""" صفحة رقم 523 """"""
الطهارة عن الحدث بقصد التعبد مع علمها بالحرمة لتلاعبها فإن كان المقصود النظافة كأغسال الحج لم يمتنع ، ولا يحرم على الحائض والنفساء حضور المحتضر على المعتمد خلافاً لما في العباب والروض وعلله بتضرره بامتناع ملائكة الرحمة من الحضور عنده بسببها .
قوله : ( الصلاة ) ابتداء ودواماً وتعمد الصلاة منها ومن الجنب والمحدث كبيرة واستحلاله كفر بخلاف نحو مس مصحف وحمله ق ل . قلت : محل الكفر بالاستحلال إذا كان الحدث مجمعاً عليه معلوماً من الدين بالضرورة كخروج البول والغائط وإلا كلمس ومس فلا كما صرحوا به في باب الردة اه ا ج . أي فإن اللمس والمس لا ينقضان عند الحنفي . قوله : ( فرضها ) ومنه الجنازة ا ج . وصرح بذلك الجلال المحلي قال ق ل عليه نص عليها لأنها لا تشملها الصلاة عرفاً ، ولذلك لا يحنث بها من حلف لا يصلي ، وردا على الشعبي والطبري القائلين بصحتها مع الحدث لأنها دعاء وهو لا يتوقف على طهارة اه . قوله : ( وكذا سجدة التلاوة ) فصل مدخولها لكونه ليس صلاة حقيقة ، وسكت عن سجود السهو لكونه في ضمن الصلاة هذا والمراد الحرمة وعدم الانعقاد ع ش . قال النووي في المجموع : وما يفعله عوام الفقراء وشبههم من سجودهم بين يدي المشايخ حرام بالإجماع ولو بطهارة وتوجه إلى القبلة ، وقد يتخيل أن ذلك تواضع وتقرب وكسر نفس وهو خطأ فاحش ، فكيف يتقرب إلى الله بما حرمه ولربما اغتر بعضهم بقوله تعالى : ) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً } ) يوسف : 100 ) . والآية منسوخة أو مؤولة بالركوع ولعله كان غير حرام في شريعته . وقال ابن الصلاح : هذا السجود من عظائم الذنوب ، ويخشى أن يكون كفراً ومثله بلوغ حد الركوع عند الأمراء . قلت : وليس من ذلك تقبيل أعتاب الأولياء وتوابيتهم بقصد التبرك كما أفتى به شيخنا سيدي محمد الشوبري تبعاً لفتوى شيخه م ر . وبعدم الكراهة ، وإن جزم بها حج كما تقدم في الخطبة خلافاً لمن زعم الحرمة ، بل بالغ أحمد بن تيمية الحنبلي فجعله مكفراً وتبعه على ذلك كثيرون ، فقد رده السبكي أشنع رد في كتاب شفاء الأسقام فجزاء الله خيراً ورحمة اه رحماني . وإنما قال ويخشى الخ . ولم يجعله كفراً حقيقة لأن مجرد السجود بين يدي المشايخ لا يقتضي تعظيم الشيخ كتعظيم الله عز وجل بحيث يكون معبوداً ، والكفر إنما يكون إذا قصد ذلك اه كما في ع ش على م ر .
قوله : ( والصوم ) ابتداء وهو ظاهر ودواماً بمعنى ملاحظة الصوم ، فالشرط حينئذ أن تلاحظ أنها صائمة ولا يجب عليها بعد طروق دم الحيض تناول مفطر ع ش ويحرم الصوم إجماعاً ولخبر : ( أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ) . والأوجه أن عدم انعقاده منها معقول المعنى خلافاً للإمام لأن خروج الدم مضعف والصوم مضعف أيضاً ، فلو أمرت بالصوم لاجتمع عليها مضعفان والشارع ناظر إلى حفظ الأبدان ولا تثاب على الترك ، بخلاف المريض(1/523)
"""""" صفحة رقم 524 """"""
إذا ترك النوافل حيث يثاب ، وفرق بأن المريض ينوي يفعل إن كان صحيحاً مع بقاء أهليته ولا كذلك الحائض شرح م ر . وقوله : لا تثاب على الترك أي ما لم تقصد امتثال الشارع وإلا فتثاب اه ا ج . والمناسب في الفرق بينها وبين المريض أنها لا تثاب على العزم على الفعل لو كانت طاهرة ، بخلاف المريض فإنه يثاب على عزمه على فعل النوافل لو كان صحيحاً ، وقوله : أليس إذا حاضت المرأة استفهام تقريري وهو جواب سؤال من قالت حين قال : ( النساء ناقصات عقل ودين ) أما نقصان العقل فمشاهد ، وأما نقصان الدين فبين وجهه بقوله : ( أليس إذا حاضت المرأة الخ ) . وقوله : ناقصات عقل المراد بالعقل الدية لأن دية المرأة نصف دية الرجل . وقيل إن المراد بالعقل تحمل الدية عن الجاني . واعترض بأن التحمل منتف أصلاً لا أنه موجود وناقص ، وبعضهم حمله على العقل الغريزي ، والظاهر أنه المناسب للمقام لأن المقام مقام الذم للنساء ، وقوله : ودين انظر وجه كون ترك الصلاة والصوم في حال الحيض نقصاً من الدين مع أن الترك واجب عليها وتثاب عليه من حيث إنها آتية بواجب إلا أن يقال : إنهن ناقصات دين بالنسبة للرجال من حيث إن هذا الزمن لا يتعبدون فيه ، فأطلق عليهن بهذا الاعتبار .
قوله : ( ويجب قضاء صوم الفرض بخلاف الصلاة ) وتسميته قضاء مع أنه لم يسبق لفعله مقتض في الوقت لأن القضاء بأمر جديد إنما هو بالنظر لصورة فعله خارج الوقت كما قاله حج . أي فلا يرد أن القضاء ما سبق لفعله مقتض في الوقت . وقضية هذا أنه لا يسمى قضاء حقيقة ، والذي في الأصول أنه يسمى بذلك حقيقة اه . قوله : ( أي الحيض ) من كلام الشارح . قوله : ( والنووي ) بالجر عطفاً على ابن الصلاح ، فكل من ابن الصلاح والنووي نقل عن البيضاوي وبدل على ذلك قول الشارح الآتي اه . وفي حاشية م د قوله : والنووي أي ونقل النووي وهو غير ظاهر بل الظاهر أنه بالجر كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( عن البيضاوي ) هو غير المفسر لأنه أبو بكر محمد بن أحمد بن العباس ، واسم المفسر ناصر الدين وهو متأخر عن الشيخين بخلاف البيضاوي المذكور فإنه متقدم عليهما م د .
قوله : ( وعن ابن الصلاح ) عبارة شرح الروض : وعن ابن الصباغ وهي أظهر .
قوله : ( والعجلي ) بفتحتين نسبة إلى عمل العجل التي تجرها الدواب ، ولعل بعض(1/524)
"""""" صفحة رقم 525 """"""
أجداده كان يعملها فنسب إليه ، وأما العجلي بالكسر والسكون فنسبه إلى عجل بن وائل ونسبه إليه جماعة اه ا ج . قوله : ( أنه مكروه ) معتمد وفرق بينها وبين المجنون والمغمى عليه بأن اسقاط الصلاة عنها عزيمة وعنهما رخصة ، والمراد بالعزيمة معناها الشرعي ، لأن حكم الصلاة في حق الحائض تغير من صعوبة وهو وجوب الفعل إلى سهولة وهو وجوب الترك لأنها مأمورة به في زمن الحيض ومثلها النفساء ، فكل من الحيض والنفاس الذي هو عذر في الترك مانع من الفعل لكونها مأمورة بترك الصلاة في زمنهما ، والمراد بالرخصة في حق المجنون معناها اللغوي وهو السهولة والخفة ، لأنه ليس مخاطباً بترك الصلاة في زمن جنونه حتى يقال إنه أدى ما أمر به من الترك ، فلذا وجب عليه قضاء ما فاته زمن ردته دونهما ، ولا يصح أن يراد بالرخصة في حق المجنون معناها الاصطلاحي وهو الحكم المتغير إليه السهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي ، لأن الحكم من خطاب التكليف فهو متعلق بفعل المكلف ، والمجنون ليس مكلفا حتى يتعلق به الحكم كذا أشار إليه ابن عبد الحق اه ا ط ف .
قوله : ( والأوجه عدم التحريم ) معتمد وقوله ولا يؤثر أي ولا يقدح . وقوله : ( فيه ) أي في عدم التحريم . وقوله : ( التعليل المذكور ) أي قوله ولأن القضاء محله الخ .
قوله : ( والأوجه عدم الانعقاد ) هذه طريقة تبع فيها الشيخ ابن حجر ، والمعتمد عند م ر أنها تنعقد مع الكراهة وتثاب عليها ثواب النافلة ، وليس لها أن تجمع بتيمم واحد بينها وبين فرض ا ط ف . وقال ع ش : إنها لا تثاب عليها لكونها منهية عنها لذاتها والمنهي عنه لذاته ولا ثواب فيه . وعبارته على م ر وتجمعها مع فرض آخر بتيمم واحد ، والفرق بينها وبين الكافر حيث لا تنعقد منه إذا أسلم وقضاها أنه مخاطب بفعل الصلاة في كفره بأن يسلم ويأتي بها ، فلما أسلم سقط عنه القضاء للأخبار بغفران ما سلف ، فإذا قضاها كان مراغماً للشرع فلا تصح ، ولا كذلك الحائض فإنها سقطت عنها في زمن الحيض عزيمة والقضاء بأمر جديد ولم يثبت ، فلم يكن في قضائها ما يشبه المراغمة لعدم ورود شيء عن الشارع ، وبأنها أهل للصلاة في الجملة والنهي عنها للحيض والقياس عدم الثواب عليها اه . فقد اضطرب كلام ع ش في ذلك فقال : مرة بالثواب ومرة بعدمه . قوله : ( والمنع والوجوب لا يجتمعان ) أي من جهة واحدة كما هنا بخلاف الصلاة في الأرض المغصوبة ق ل .(1/525)
"""""" صفحة رقم 526 """"""
قوله : ( وقراءة القرآن ) وعن مالك يجوز لها قراءة القرآن وعن الطحاوي يباح لها ما دون الآية كما نقله في شرح الكنز من كتب الحنفية . قوله : ( هنا ) وكذا في سائر الأبواب إلا في الحنث والصلاة والشهادة وإنما قيد بهنا لأنه محل التوهم . قوله : ( ولو بعض آية ) صادق بالحرف الواحد وهو كذلك لكون صورته في الحرف أن يقصد به القرآن فيأثم ، وإن اقتصر عليه لأنه نوى معصية وشرع فيها ، فالتحريم من هذه الجهة لا من حيث إنه يسمى قرآناً كما في حاشية م ر على الروض وعبارة الشوبري قوله : ولو بعض آية أي ولو حرفا بنية كونه من القرآن كما أنه يثاب عليه إذا قرأه غير جنب كذلك ، لكن إذا عاقه عائق عن أن يضم إليه منه ما يصيره جملة مفيدة بخلاف ما لم يضم إليه ، فإن الظاهر أنه لا يثاب على ذلك ، وإن نوى بذلك الحرف أنه من القرآن ، ويحتمل أنه مع النية يثاب كما أنه يأثم هنا ، وعلى الأول يفرق بأنه يحتاط لتعظيم القرآن مع الجنابة المنافية له ما لا يحتاط له من حيث الثواب اه حج . وعدد حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وأحد وسبعون حرفاً . وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح كل حرف منها بقدر جبل قاف ، وأن تحت كل حرف منها معاني لا يحيط بها إلا الله تعالى ونصف حروفه النون من نكراً في الكهف ، والكاف من النصف الثاني ، وقيل إن النصف بالحروف الكاف من نكراً ، وقيل الفاء من قوله وليتلطف ، وعدد آياته ستة آلاف آية وخمسمائة آية ، وقيل ستة آلاف ومائتان وأربع آيات .
قوله : ( سواء أقصد مع ذلك ) أي القراءة غيرها أم لا . هذه العبارة لا تحسن إلا لو قال : أو لا بقصد قرآن ثم يعمم ويقول : سواء قصد مع القراءة غيرها أم لا . مع أنه لم يقل .
قوله : ( له متابعات ) أي مقويات ، والفرق بين المتابعة والشاهد أن المتابعة هي أن يجتمع السندان في واحد كأن يقال مثلاً : حدثنا إبراهيم عن إسماعيل عن أحمد ، وحدثنا حسن مثلاً عن حسن عن أحمد ، فالسندان اجتمعا في شخص واحد وهو أحمد في المثال ، وأما الشاهد ، فهو تعدد الرواية مع عدم اجتماع السندين كأن يقال : حدثنا إبراهيم مثلاً عن محمد عن أحمد ، وحدثنا أحمد عن محمد عن خليل مثلاً ، فالرواية تعددت مع عدم اجتماع السند في واحد . وهذا معنى قولهم له متابعات وشواهد تجبر ضعفه فتأمل . قوله : ( إجراء القرآن ) هذا خرج بقوله قراءة ، وكذا قوله : ونظر في المصحف . وقوله : ( وقراءة ما نسخت ) الخ هذا خرج بقوله قرآن .(1/526)
"""""" صفحة رقم 527 """"""
وقوله : ( وتحريك لسانه ) خرج بقوله باللفظ وقوله : ( لأنها ) أي هذه الخمسة . قوله : ( وهمسه ) أي القراءة سراً . قوله : ( لأنها ليست بقراءة قرآن ) لأن القراءة إنما تحصل بإسماع نفسه . واعلم أنه لا يثاب على الذكر إلا إن أسمع نفسه ، وانظر الفرق بينه وبين ما تقدم فيما لو أجرت المستحاضة القرآن على قلبها فتثاب على ذلك دونه إلا أن يقال إنها معذورة كما تقدم ، لدوام حدثها .
قوله : ( وفاقد الطهورين يقرأ الفاتحة ) أي بقصد القرآن لأنه لا يسقط عنه الركن إلا كذلك شيخنا .
قوله : ( لا يجوز له الخ ) قضية هذا أنه يعدل للذكر لأنه عاجز شرعاً شيخنا العزيزي . قوله : ( كغيرها ) أي كما لا يجوز له قراءة غير الفاتحة اتفاقاً ، لكن على طريقة الرافعي هل يصلي ويقف ساكتاً بقدر الفاتحة أو يقرأ بقدرها من الذكر ، أم كيف يصنع ؟ وتقدم قريباً أنه يعدل للذكر . قوله : ( أما خارج الصلاة ) بنصب خارج وإن لم يكن ظرفاً فهو منصوب بنزع الخافض ، والمعنى أما في خارج الصلاة ولا يصح أن يكون ظرف مكان لأن ظرف المكان لا يكون إلا مبهماً وما هنا معين لا مبهم ، فلذا قلنا إنه منصوب بنزع الخافض . قوله : ( مطلقاً ) أي لا خارج الصلاة ولا داخلها ، وفيه أن الفرض أنه خارج الصلاة ، فكيف هذا التعميم ، والأولى أن يكون قوله مطلقاً أي للدراسة أو غيرها ، فيكون قوله مطلقاً راجعاً لمس المصحف فقط . وانظر لو لم يحفظ الفاتحة واحتاج لحمل المصحف لقراءة الفاتحة في الصلاة هل يجوز له أم لا ؟ الظاهر الجواز . قوله : ( وأما فاقد الماء في الحضر ) وكذا في السفر الذي يغلب فيه فقد الماء أو يستوي الأمران أي شأنه ذلك بالأولى ففيه التنبيه بالأدنى على الأعلى لا التقييد ، وقوله بالأولى راجع للسفر ، وإنما ذكر الشارح الحضر لأنه محل التوهم . فربما يقال إن المتيمم المذكور تلزمه الإعادة فهو كفاقد الطهورين فما الفرق ؟ فأجاب بأن هذا متطهر دون ذاك . قوله : ( وهذا ) أي تحريم قراءة القرآن في حق الشخص المسلم ويمنع من القراءة أيضاً فقوله : أما الكافر فلا يمنع الخ مقابل لهذا المقدر ، وإلا فكان المناسب للمقابلة أن يقول فلا يحرم عليه ، لكن لما كانت الحرمة حاصلة له لم يقل ذلك . قوله : ( أما الكافر ) أي أما الشخص الكافر فيشمل الكافرة . وقضية إطلاقه هنا وتقييده فيما بعده أنه لا فرق بين كونه يرجى إسلامه أو لا .(1/527)
"""""" صفحة رقم 528 """"""
وكلام غيره يقتضي تقييده أيضاً . قوله : ( فلا يمنع ) أي لا تتعرض له إذا قرأ ، وإن كان يحرم عليه بمعنى أنه يعاقب عليه في الآخرة ، إذ هو مخاطب بفروع الشريعة وظاهر أنه لا يمنع ولو معانداً لا يرجى إسلامه بدليل إطلاقه وتقييده ما بعده ، ويرشد إليه التعليل ، لكن قيد سم عدم المنع بأن لا يكون معانداً ويرجى إسلامه اه ا ج .
قوله : ( تنبيه الخ ) هذا التنبيه بمنزلة قوله محل حرمة القراءة إذا كانت بقصد القرآن أو بقصد القرآن والذكر وإلا فلا حرمة . قوله : ( يحل الخ ) كلامه في الحائض والنفساء فدخول غيرهما معهما استطرادي تأمل ق ل . قوله : ( كمواعظه ) أي ما فيه ترغيب أو ترهيب . قوله : ( وأخباره ) أي عن الأمم السابقة . قوله : ( وأحكامه ) أي ما تعلق بفعل المكلف . قوله : ( وما جرى به لسانه بلا قصد ) بأن سبق لسانه إليه اه . قوله : ( وإن أطلق فلا ) كما لا يحرم إذا قصد الذكر فقط ، فالصور أربعة يحل في ثنتين ، وأما لو قصد واحداً لا بعينه ففيه خلاف ، والمعتمد الحرمة لأن الواحد الدائر صادق بالقرآن فيحرم لصدقه به . قوله : ( لا يكون قرآناً الخ ) أي لا يكون قرآناً تحرم قراءته عند وجود الصارف إلا بالقصد ، وإلا فهو قرآن مطلقاً ، أو المعنى لا يعطي حكم القرآن إلا بالقصد ومحله ما لم يكن في صلاة كأن أجنب وفقد الطهورين وصلى لحرمة الوقت بلا طهر ، وقرأ الفاتحة ، فلا يشترط قصد القرآن ، بل يكون قرآناً عند الإطلاق لوجوب الصلاة عليه فلا صارف فاحفظه واحذر خلافه كما ذكره ابن شرف على التحرير . قوله : ( وظاهره أن ذلك ) أي ما ذكره النووي في صورة الإطلاق من عدم التحريم . قوله : ( كالآيتين ) فيه مسامحة إذ المذكور هنا من كل بعض آية . قوله : ( كما شمل ذلك الخ ) هذا راجع لقوله وهو كذلك .(1/528)
"""""" صفحة رقم 529 """"""
قوله : ( مس المصحف ) حتى حواشيه ما بين سطوره والورق البياض بينه وبين جلده في أوله وآخره المتصل به ، ويحرم المس ولو بحائل ولو كان ثخيناً حيث يعدّ ماساً له عرفاً لأنه يخل بالتعظيم . قوله : ( لكن الفتح غريب ) أي وأصله الضم . قال في المختار : والمصحف بضم الميم وكسرها وأصله الضم لأنه مأخوذ من أصحف أي جمعت فيه الصحف ، والصحيفة الكتاب ، والجمع صحف وصحائف اه بحروفه أي : لأنه مجموع فيه الكتب وهل يحرم تصغيره بأن يقال فيه مصحيف ؟ فيه نظر والأقرب عدم الحرمة لأن التصغير إنما هو من حيث الخط لامن حيث كونه كلام الله كما في البرماوي . قوله : ) لا يمسه إلا المطهرون } ) الواقعة : 79 ) هو خبر بمعنى النهي ويجوز إبقاؤه على خبريته ، ونقول لا خلف في خبره تعالى ، إذ يراد لا يمسه مساً مشروعاً والمطهرون بمعنى المتطهرون كما في شرح م ر . وأشار به إلى أن المراد من يعرض له الحدث ، ثم الطهر لا من هو موجود مطهراً وهم الملائكة كما ذهب إليه بعضهم ، إذ يلزم على ذلك نفي مس غير الملائكة وهو خلاف الواقع والمشاهد ا ج . وفي حاشية خضر على التحرير قوله خبر بمعنى النهي ، وإلا لزم الخلف في كلامه تعالى لأن غير المتطهر يمسه .
فإن قلت : بل هو باق على أصله والمراد بالقرآن اللوح المحفوظ وبالمطهرون الملائكة ، قلت : الوصف بالتنزيل عقب الآية ظاهر في المصحف الذي عندنا والنهي لا يمكن توجيهه للملائكة لأنهم كلهم مطهرون ، فلا يصدق فيهم النفي والإثبات اه . ولو كمل الشارح الآية لكان أولى لأن في وصفه بالتنزيل ردّاً على من يقول المراد اللوح المحفوظ . وقال الجلال : المطهرون الذين طهروا أنفسهم من الأحداث .
قوله : ( مس جلده ) وأما الظرف الذي هو فيه فإن أعدّ له وكان لائقاً به عادة كصندوق وخريطة وعلاقتها حرم مسه ما دام فيه ، وإلا فلا يحرم مس ظرف المصحف إلا بشرطين أن يكون فيه ، وأن يكون معدّاً له وحده أي عادة فلا يحرم مس الخزانة التي فيها المصحف ، وإن أعدت له لأن هذا الاعتداد ليس عادة كما في ق ل . وابن شرف ، وكذا كرسي وضع عليه فيحرم منه ما حاذاه . وقال ز ي : يحرم مس جميعه وعبارة شرح م ر وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيما أعدّ له بين كونه على حجمه أو لا . وأن لم يعد مثله عادة وهو قريب .
قوله : ( ولهذا ) أي ولكونه كالجزء منه . وقوله : ( بأن الاستنجاء أفحش ) يردّ بأن الأفحشية(1/529)
"""""" صفحة رقم 530 """"""
لا أثر لها في ذلك ، إذ لا سبب لحرمة الاستنجاء به إلا احترامه بنسبته للمصحف وذلك يقتضي حرمة المس اه سم . قوله : ( ولم ينقل ) أي الزركشي . قوله : ( كأن جعل جلد كتاب ) قال ع ش : ظاهره وإن كان مكتوباً عليه ) لا يمسه إلا المطهرون } ) الواقعة : 79 ) وقوله جلد كتاب أي وحده ، أما لو جعل المصحف مع كتاب في جلد واحد ، فحكمه في الحمل حكم المصحف مع المتاع فيجري فيه تفصيله أما مس الجلد فيحرم مس الساتر للمصحف دون ما عداه كما أفتى به الشهاب م ر . وضابط الانقطاع أن يجعل جلد كتاب وحده وليس من انقطاعها ما لو جلد المصحف بجلد جديد وترك القديم فيحرم مسه . وقضية تفصيله في الجلد بين الانفصال وعدمه وسكوته عن الورق أنه يحرم مسه مطلقاً متصلاً أو منفصلاً ولو هوامشه المقصوصة ، لكن في سم على حج أنه استقرب جريان تفصيل الجلد في الورق قاله ع ش . وفي ق ل على المحلي : ولو قطعنا الهوامش لم يحرم مسها مطلقاً ، وقال بعضهم يجري فيها تفصيل الجلد ، وهل يجوز بيع الجلد المنفصل لكافر ، لأن قصد بيعه قطع نسبته عنه ؟ فيه نظر . ومال م ر إلى الجواز سم على المنهج ع ش . قوله : ( ولم يتمكن من الطهارة ) ولو بالتيمم أي ولا من إيداعه مسلماً . قوله : ( بل يجب أخذه حينئذ ) أي حين إذ خاف عليه ما ذكر فإن خاف عليه ضياعاً جاز حمله ، ولا يجب ولو حال تغوطه كما في الشرح م ر ، وعند تعارض إلقائه في قاذورة ووقوعه في يد كافر يقدم الثاني ، لأن أخذه غير محقق الإهانة بخلاف الإلقاء المذكور اه ا ج . وفيه إشارة إلى أن بل للانتقال لا للإبطال فلا يعترض بذلك أي : انتقل من بعض صور الجواز إلى بعض صور الوجوب لأنه في الغرق ، والحرق فيه إتلاف له بالكلية بخلافه في الضياع فإن عينه باقية قال ق ل على الجلال : وتوسده كحمله إن تعين طريقاً لا لنحو ضياع ويجوز توسد كتب العلم لخوف الضياع اه .
قوله : ( وخرج بالمصحف غيره كتوراة الخ ) نعم يكره إن علم عدم التبديل ، وإلا فلا كراهة وإن تحققها جاز الاستنجاء بالمبدّل فقط إن خلا عن اسم معظم رحماني .
قوله : ( فلا يحرم ) أي مسه وحمله . قوله : ( في متاع ) أي بشرط أن يعدّ ماساً والظرفية(1/530)
"""""" صفحة رقم 531 """"""
ليست بقيد أو في بمعنى مع . قوله : ( ولو مع الأمتعة ) ضعيف . والحاصل أن المسألة رباعية قصده وحده حرام وما عداها لا حرمة كما في شرح م ر خلافاً للشارح وغيره في المعية ، وعبارة م ر الأصح حل حمله في أمتعة إن لم يكن مقصوداً بالحمل وحده بأن قصد الأمتعة فقط أو لم يقصد شيئاً أو قصدهما بخلاف ما إذا قصده فقط . قوله : ( كما لو قصد الجنب القراءة وغيرها ) راجع لقوله يحرم وهو معتمد في المقيس عليه دون المقيس ، وفرق بينهما بأن المتاع جرم يستتبع بخلاف القراءة .
فرع : يحل حمل حامل المصحف لأنه غير حامل له عرفاً ، وظاهره أنه لا يجري فيه تفصيل الأمتعة . وعبارة م ر : ولو حمل حامل المصحف لم يحرم وإن قصد المصحف خلافاً لبعضهم لأنه غير حامل له عرفاً ولو حمل مصحفاً مع كتاب في جلد واحد ، فحكمه حكم المصحف في المتاع في التفصيل ، وأما مس الجلد فيحرم مس الساتر للمصحف دون ما عداه ، كما أفتى به الوالد رحمه الله ، لكن قيده أي الشخص المحمول الطبلاوي بغير نحو صغير لا ينسب إليه حمل أي : فيحرم حمل الصغير الذي هو حامل للمصحف ، وخالف ابن حجر في شرح الإرشاد كلام م ر . وقال : إنه يجري فيه تفصيل المتاع مع المصحف ، ولو وضع نحو مخدة تحت المصحف وجرها به فلا يبعد أنه في معنى الحمل فيجري فيه تفصيل الحمل في الأمتعة ، بخلاف ما لو دفعها به بلا قبض عليها لأنه ليس حملاً ولا في معناه اه ا ج . وفي ق ل على التحرير قوله في متاع أي : وإن لم يصلح للاستتباع خلافاً للخطيب ومحل عدم الحرمة ما لم يكن مع الحمل مس وإلا حرم المس ، لأنه يحرم ولو بحائل حيث يعدّ ماساً له عرفاً . ومن المتاع كتاب جلد مع المصحف في جلد واحد ، فيحرم مس جهة المصحف وكعبه وما حاذاه من لسانه عند انطباقه ، فإن كان مفتوحاً من جهة المصحف حرم كله أو من جهة غيره حل كله اه . وقال بعضهم : يحرم منه ما يحاذي المصحف إذا طبق لأنه محاذ بالقوّة كما قرره شيخنا ح ف . قال البرماوي : وانظر لو جعل المصحف بين كتابين وجعل للثلاثة جلد واحد ، والظاهر أنه يأتي فيه التفصيل الذي في المتاع أي بالنسبة للحمل ، وأما المس فيحرم مس ما حاذاه ولو جعل بين المصحف كتاب بأن جعل بعض المصحف من جهة والبعض الآخر من جهة أخرى ، فينبغي الحرمة مطلقاً ولا يتوقف على قصده اه .
قوله : ( في تفسير ) سواء كان القرآن في خلال التفسير أو وحده كأن كتب القرآن في وسط الورقة والتفسير حولها . قوله : ( سواء تميزت ألفاظه ) صوابه حروفه لأن الألفاظه أعراض لا لون لها . وأجيب : بأن المراد دالّ ألفاظه وهو الحروف كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( إذا كان(1/531)
"""""" صفحة رقم 532 """"""
التفسير أكثر ) أي يقيناً ففي صورة الشك يحرم والعبرة بالكثرة في الحروف الرسمية بالرسم العثماني في القرآن ، وبرسم الخط في التفسير . قال شيخنا : ونقله عن شيخنا م ر . ويفرق بينه وبين ما يأتي في بدل الفاتحة بأن المدار على القراءة وهي إنما ترتبط باللفظ دون الرسم . وهنا على المحمول ، وهو إنما يرتبط بالحروف المكتوبة . قال العلامة العبادي : العبرة باللفظ مطلقاً ق ل مع زيادة ، وعبارة م ر : والأوجه أن العبرة بالقلة والكثرة باعتبار الحروف لا الكلمات وأن العبرة في الكثرة وعدمها في المس بحالة موضعه وفي الحمل بالجميع اه . ولو كتب بهامش مصحف تفسيراً فهو كالتفسير الممازج لأنهم أطلقوا التفسير ، ولم يفرقوا بين المتميز وغيره على ما اعتمده ق ل خلافاً لمن قال بالحرمة ، وقال : إنه مصحف ، والمعتمد الأول ولو وضع يده على قرآن وتفسير فهو كالحمل اه . قال ا ط ف : هل وإن قصد القرآن وحده ؟ الظاهر إطلاقهم ، نعم وانظر الفرق على هذا بينه وبين حمله في أمتعة حيث حرم مع قصده القرآن وحده ولعل الفرق تمييزه عن المتاع بأخذه أي المصحف منه أي المتاع بخلاف التفسير اه .
قوله : ( وبين الحلّ ) المناسب أن يقول بين استواء الحرير مع غيره حتى حل ، لأن الفرق بين الاستواءين . قوله : ( مطلقاً ) أي سواء قصد التفسير أو القرآن . وقال ق ل : أي لا يحرم مس حروف القرآن في التفسير ولا مس حروف التفسير ولا هما معاً . وقال شيخنا م ر : إذا وضع يده على شيء حرم إذا لم يكن التفسير أكثر اه . وكلام الشارح ضعيف على هذا م د . وهذه العبارة غير محررة ، والذي ذكره م ر أنه وضع يده على شيء من القرآن حرم وإن كان التفسير أكثر . قوله : ( أو تردد ) أي أو عبور إن خافت التلويث ، وإلا فلا حرمة لكن يكره .
قوله : ( ولا جنباً الخ ) اعترض بأن الكلام في الحيض . وأجيب : بأنه مقيس على الجنابة لكن كان ينبغي للشارح أن يذكر ذلك كأن يقول وقيس بالجنابة الحيض وجنباً حال من الواو في لا تقربوا ، لأن الجنب يقع على الواحد والمتعدد ، لأن جنباً معطوف على وأنتم سكارى والمعطوف على الحال حال .(1/532)
"""""" صفحة رقم 533 """"""
قوله : ( أي لا تقربوا مواضع الصلاة ) هذا التقدير لا يحتاج إليه إلا في قوله : ولا جنباً لأن المعنى ولا تقربوا الصلاة جنباً ، فيحتاج إلى تقدير المواضع ، وأما بالنسبة إلى السكارى فلا يحتاج للتقدير لأن السكارى لا يمنعون من دخول مواضع الصلاة ، وإنما يمنعون من نفس الصلاة فالصلاة مستعملة في حقيقتها ومجازها كما قرره شيخنا . وقال الشرف المناوي في شرح المختصر : جزم الأستاذ الحليمي في شرح الوسيط بتحريم المكث في المسجد على السكران ، واستثناه من جوازه للمحدث حدثاً أصغر ، ويوافقه قول الرافعي في الاعتكاف السكران ممنوع من المسجد لقوله تعالى ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ) النساء : 34 ) أي مواضع الصلاة . قوله : ( بل في مواضعها ) أي المعهودة كما ذكره ، وإلا لأدّى إلى أن الحائض يحرم عليها المكث في سائر بقاع الأرض ، لأن قوله : ) لا تقربوا الصلاة } ^ عام شامل لجميع بقاع الأرض أي : فهو عام مخصوص بالمساجد يؤخذ تخصيصه بالمساجد من الحديث ، وهو قوله : ( لا حل المسجد لحائض ولا لجنب ) لأن الحديث يبين الكتاب . قوله : ( ونظيره ) أي في تقدير المضاف ، وقوله : ) لهدمت صوامع } ) الحج : 41 ) هي معبد الرهبان والبيع كنائس النصارى والصلوات كنائس اليهود كما في الجلالين . وقال الخازن : لهدمت صوامع أي معابد الرهبان المتخذة في الصحراء وبيع وهي معابد النصارى في البلد ، وقيل الصوامع للصابئين ، والبيع للنصارى ، وصلوات يعني كنائس اليهود ويسمونها بالعبرانية صلوات ، ومساجد يعني المسلمين : ) يذكر فيها اسم الله كثيراً } ) الحج : 40 ) يعني في المساجد ، ومعنى الآية : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، أي بالجهاد وإقامة الحدود لهم في شريعة كل نبي مكان صلواتهم لهدم في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى البيع والصوامع ، وفي زمن محمد المساجد .
قوله : ( إذا لم تخف الحائض تلويثه ) أي ولو بالتوهم أي : ويكره لها دخوله مع أمنها بخلاف الجنب ، فإن مروره فيه خلاف الأولى ودخل في المسجد هواؤه وما اتصل به من نحو روشن وغصن شجرة أصلها خارجه لاعكسه . قال ع ش : بل عكسه كذلك ورحبته لا حريمه ، ويكفي في كونه مسجداً ظنه ولو بالاجتهاد ، وليس من علاماته وجود المنبر والتزويق والمنارة والشراريف ونحوها . ق ل . وقال شيخنا ح ف : وتثبت المسجدية بالعلم بأنه موقوف للصلاة وبالاستفاضة ، ومعناها أن يتكرر صلاة الناس فيه من غير نكير ، ومحله إذا لم يعلم أصله ، وإلا كأن كان بقرافة مصر فلا يثبت بها . وفي حاشية الرحماني على التحرير قوله بمسجد وهو ما(1/533)
"""""" صفحة رقم 534 """"""
وقف للصلاة ، وتحقق ذلك أو ظن بنحو استفاضة أو كونه على صورته ولو مشاعاً ، وتجب قسمته فوراً ، وتصح فيه التحية لا الاعتكاف على المعتمد . نعم نقل ابن حجر عن السبكي أننا إذا رأينا صورة مسجد يصلي فيه من غير منازع حكمنا بوقفيته اه . وقوله : ولو مشاعاً أي في أرض بعضها مملوك ، وإن قلّ غير الملك فيما يظهر ، ويفارق التفصيل السابق في التفسير مع أن حرمة القرآن آكد من حرمة المسجد بأن المسجدية لما انبهت في كل من أجزاء تلك الأرض التي وقع فيها المكث كان يصدق عليه أنه ماكث في مسجد شائع ، بخلاف القرآن مع التفسير ، فإنه غير منبهم فيه بل متميز عنه فلم يصدق عليه أنه مس مصحفاً شائعاً ، وأيضاً فاختلاط المسجد بالملك لا يخرجه عن كونه يسمى مسجداً ، ولا كذلك المصحف إذا اختلط بالتفسير فإنه يخرجه عن كونه يسمى مصحفاً إن زاد عليه التفسير كما في ع ش على م ر .
قوله : ( تلويثه ) بالمثلثة كما في شرح المنهج ، وإنما قيد بالمثلثة خوفاً من قراءته بالنون ، إذ الحرمة لا تتوقف على التلويث بل متى لوث حرم وإن لم يلوث ، ومثلها كل ذي نجاسة يخشى تلويثه بها كسلس بول أو مذي أو مستحاضة فيحرم عليه المرور فيه ، فإن أمنه جاز ولا يكره بخلاف الحائض فإنه يكره لها لغلظ حدثها أي : إن لم تكن حاجة كقرب طريق ، وإلا فلا كراهة اه سم مع زيادة .
فائدة : قال ابن حجر : بحث بعضهم حل دخول المسجد لمستبرىء يده على ذكره لمنع ما يخرج سواء السلس وغيره اه . وأقره سم ، ومراد ابن حجر بالدخول ما يشمل المكث ومثل المستبرىء بالأولى المستنجي بالأحجار .
وقوله : ( يده على ذكره ) أي سواء كان مع نحو خرقة على ذكره أم لا . ع ش على م ر .
قوله : ( وخرج بالمسجد الخ ) ظاهره عدم الحرمة مع خشية التلويث ويتجه وفاقاً ل : م ر أن المراد لا يحرم من حيث كونه مدرسة أو رباطاً ، ولكن يحرم من حيث كونه مملوكاً للغير ولم يأذن له المالك ولا ظن رضاه سم . قوله : ( والربط ) هي الثغور ومثلها الخانقاه وقوله ونحو ذلك أي كالمحال التي بنيت لذلك في الصحراء اه . قوله : ( وكذا ما وقف ) أي لا يحرم المكث والتردد فيما وقف بعضه مسجداً ، هذا ما اعتمده الشارح وهو ضعيف والمعتمد عند غيره ما قاله الإسنوي المذكور من أنّ له حكم المسجد في ذلك ، وفي التحية وإن قلّ مقدار المسجد ق ل . قوله : ( إلحاقه بالمسجد ) والحال أنه يمكن قسمته وإلا فلا يصح وقفه ع ش . قوله : ( في ذلك ) أي التحريم وهو المعتمد . قوله : ( ونحو ذلك ) كحرمة الوطء فيه . قوله :(1/534)
"""""" صفحة رقم 535 """"""
( وكذا صحة الصلاة فيه للمأموم ) أي فلا يصح . قوله : ( والطواف ) أي بالبيت لأنه لا يكون إلا في المسجد . فإن قلت : إذا كان دخول المسجد حراماً فالطواف أولى فما الحاجة إلى ذكره ؟ قلت : لئلا يتوهم أنه لما جاز لها الوقوف مع أنه أقوى أركان الحج فلأن يجوز لها الطواف أولى اه من شرح الكنز للعيني . قوله : ( فرضه ) وهو طواف الإفاضة . قوله : ( وواجبه ) وهو طواف الوداع . قوله : ( ونفله ) كطواف القدوم . قوله : ( وسواء كان في ضمن نسك أم لا ) راجع للنفل أما الفرض ، فلا يكون إلا في نسك ، وأما الواجب فلا يكون إلا خارج النسك ، فالمرأة الحائض تصبر حتى ينقطع حيضها ثم تتطهر وتطوف ، فإن خافت التخلف عن الرفقة خرجت معهم إلى محل لا يمكن عودها له ، ثم تتحلل كالحصر أي بذبح فحلق مع النية ، وإذا عادت إلى مكة ولو بعد مدة مديدة طافت بلا إحرام اه م ر وع ش .
قوله : ( الطواف صلاة ) أي كصلاة فهو من باب التشبيه البليغ ، وفي بعض النسخ الطواف بمنزلة الصلاة أي في الستر والطهارة ، وليس المراد أن كل ما يبطلها يبطله إذ نحو الأكل وتوالي الأفعال لا يبطله مع أنه من مبطلاتها ، وليس بمنزلتها أيضاً في امتناعه حال الخطبة بل هو جائز . قال حج : ومثله سجدتا التلاوة والشكر ، وخالفه م ر فيهما . وفرق بأنهما فعل واحد يمتنع قطعه بخلاف الطواف رحماني . قال ا ط ف : وينبغي أن يأتي فيه مستحباتها من نحو وضع يده على صدره لأنه أبلغ في الخشوع ومكروهاتها كضم الشعور والثياب ، وإن كانت الحكمة من السجود معه لا تتأتى هنا .
قوله : ( إلا أن الله قد أحل فيه الكلام ) فيه أن الله أحل فيه غير الكلام أيضاً كالأكل والشرب فما الحكمة في تخصيص الكلام إِلا أن يقال خصه لأجل ما بعده . وقال ع ش على م ر : لعله إنما خصه لأن الكلام كان مباحاً في الصلاة ثم حرم اه . وعبارة بعضهم قوله : إِلا أن الله أحل الخ استثناء حلّ الكلام فقط يقتضي حرمة غيره كالأكل والشرب والركوب والاستدبار ، لأن الاستثناء معيار العموم مع أنه لا يحرم ذلك أي الأكل وما بعده . وقد يجاب : بأن غير الكلام مقيس عليه ، أو يقال إن هذا الاستثناء كان لفائدة ، وهو أنهم كانوا يتكلمون بالكلام القبيح حالة الطواف والاستثناء إذا كان لنكتة لا مفهوم له عند الأصوليين فتأمل اه .(1/535)
"""""" صفحة رقم 536 """"""
قوله : ( الوطء ) ولو بحائل ثخين كأنبوبة ، ومحل المنع إذا لم يخف الزنا فإن خافه جاز إن تعين طريقاً لدفعه كما قاله م ر . بل ينبغي وجوبه لأنه يرتكب أخف المفسدتين وقياسه حل الاستمناء إن تعين للدفع سم ، فلو كان يندفع بكل من الزنا والاستمناء تعين الاستمناء لخفته ا ج . ولو تعارض الوطء في الحيض والاستمناء بيده قدم الوطء ، لأن المرأة حل له في الجملة ، ولأن حرمته لعارض وهو مجاورته للنجاسة وكونه يورث علة مؤلمة للمجامع وإجذام الولد ليس أمراً محققاً ، بخلاف الاستمناء بيده فإنه حرام لذاته ويحتمل بحسب الظاهر خلافه اه ع ش . قال البرماوي : وهو الأقرب لأن الوطء في الحيض متفق على أنه كبيرة بخلاف الاستمناء فإن فيه خلافاً اه . لأن الإمام أحمد قال بجوازه عند هيجان الشهوة وعند الشافعي صغيرة ، قال النسابة في شرح منظومة الأنكحة لابن العماد فرع : الاستمناء باليد حرام ، وعند ابن كج أنه توقف في القديم والمذهب الجزم بتحريمه وفي الجديد : ناكح يده ملعون ، وفي الحديث : ( إِن أقواماً يأتون يوم القيامة أيديهم حبالى ) ذكر ذلك البغوي في تفسيره وعن الإمام أحمد في رواية عنه أنه يباح عند الحاجة ، ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته كما يستمتع بسائر جسدها ذكره المتولي اه قال ع ش : وبقي ما لو دار الحال بين وطء زوجته في دبرها وبين الزنا هل يقدم الوطء في الدبر أو الزنا ؟ الأقرب أن له وطأها في الدبر لأن له الاستمتاع بها في الجملة ولا حد عليه بذلك بخلاف الزنا ، وبقي ما لو تعارض عليه وطؤها في الدبر والاستمناء بيد نفسه لدفع الزنا ، والأقرب أيضاً حل ذلك لأن له الاستمتاع بها في الجملة ، وينبغي كفر من اعتقد حل الوطء في الدبر ، لأنه مجمع على تحريمه معلوم من الدين بالضرورة اه . والمعتمد أنه يقدم الاستمناء بيده على وطء زوجته في دبرها . قال السيد النسابة : وكما يحرم الوطء في الحيض يحرم في الدبر أيضاً سواء ذلك في الحيض أو غيره لقوله : ( ملعون من أتى المرأة في دبرها ) . وعن أبي هريرة عن النبي قال : ( لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها ) وفي لفظ أن رسول الله قال : ( من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ) . وإتيان المرأة في دبرها من العظائم قاله الرافعي في شرحه الصغير والكبير أيضاً ، وإذا وطىء امرأته أو أمته في دبرها ، فالمذهب أن واجبه التعزير ، وقيل في وجوب الحد قولان كوطء الأخت المملوكة ، والمذهب لا حد بوطء الأخت المملوكة لشبهة الملك ، لكن لو قذفه قاذف لا حد عليه لسقوط الإحصان بل واجبه التعزير ، فإن المحصن هو الحر المسلم العفيف عن وطء يحدّ به ، ولو مكن امرأته وأمته من اللعب بذكره فأنزل . قال القاضي حسين في أول فتاويه : يكره لأنه في معنى العزل . وقوله تعالى : ) نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ) البقرة : 223 ) قال بعض المفسرين : مستقبلات ومستدبرات في فروجهن واتق الحيضة والدبر اه .(1/536)
"""""" صفحة رقم 537 """"""
فرع : العزل منهي عنه وهو أن يجامع ، فإذا قارب الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج ، والأولى تركه على الإطلاق وأطلق صاحب المهذب كراهته ، ولا خلاف في جوازه في السرية صيانة للملك ولا يحرم في الزوجة على المذهب سواء الحرة والأمة بالإذن وغيره ، وقيل يحرم بغير إذن وقيل يحرم في الحرة وأما المستولدة فأولى بالجواز لأنها غير راسخة في الفراش ولهذا لا يقسم لها .
قوله : ( ولو بعد انقطاعه ) هذا يجري في جميع ما قبله غير الصوم فلو ذكره فيه ، لكان أولى ق ل . وقد يقال أتي به هنا للرد على أبي حنيفة القائل بجوازه بعد الانقطاع وقبل الغسل . قوله : ( ووطؤها في الفرج كبيرة ) أي حال نزول الدم . قوله : ( ويكفر مستحله ) أي قبل الانقطاع بخلافه بعد الانقطاع فلا يكفر مستحله حينئذ للخلاف فيه ، وكذا لا يكفر إن كان الوطء بعد عشرة أيام لأنه غير مجمع على حرمته حينئذ لأن أكثر الحيض عند أبي حنيفة عشرة أيام ، فالدم الزائد عليها عنده غير حيض ، واعترض كفره مع أنه غير معلوم من الدين بالضرورة . وعبارة سم في شرح العباب كما في المجموع عن الأصحاب وغيرهم . وكأنهم أرادوا مع كونه مجمعاً عليه أنه معلوم من الدين بالضرورة ولا يخلو عن وقفة فإن كثيراً من العامة يجهلونه أما اعتقاد حله بعد الانقطاع وقبل الغسل أو مع صفرة في الدم أو كدرة فلا كفر به للخلاف سم م د . أي : لأنه قيل إنهما ليسا حيضاً . وقوله : ولا يخلو عن وقفة . قال شيخنا الجوهري : لكن ينظر للبلد الواقع فيها ذلك إن كان من شأن أهلها أنه عندهم صار معلوماً بالضرورة لكثرة العلماء بها كمصر فيكون استحلاله كفراً ، وإِلا بأن كان ببلاد الأرياف التي لم يكن بها علماء فلا كفر للعامة باستحلاله . قوله : ( بخلاف الناسي ) لف ونشر مرتب لأن الناس خرج بالعامد والجاهل خرج بالعالم والمكره خرج بالمختار أي فلا حرمة عليهم أصلاً . قوله : ( إن الله تجاوز ) أي عفا وسامح وصفح فتفاعل بمعنى فعل .
وقوله : ( عن أمتي ) أي أمة الإجابة .
فإن قلت : إذا كان الخطأ والنسيان متجاوزاً عنهما لهذه الأمة فما الحكمة في الأمر بالدعاء في قوله تعالى : ) ربنا لا تؤاخذنا } ) البقرة : 286 ) الخ ؟ قلت : أشار البيضاوي إلى الجواب عن ذلك بقوله أي لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو قلة(1/537)
"""""" صفحة رقم 538 """"""
مبالاة أو بأنفسهما ، إِذ لا تمتنع المؤاخذة بهما عقلاً فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك ، وإن كان خطأ فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب ، وإن لم يكن عزيمته لكنه تعالى ، وعد التجاوز عنه رحمة وفضلاً ، فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة واعتداداً بالنعمة فيه ، ويؤيد ذلك مفهوم قوله رفع عن أمتي الخ اه بحروفه . وقوله بما أدى فسر بهذا لأن المؤاخذة إنما هي بالمقدور والنسيان والخطأ غير مقدورين اه . وقوله : ( استدامة ) أي للنعمة وهي عدم المؤاخذة بهما . قوله : ( في أول الدم ) لو قال في إقباله لكان أولى لأنه في قوته ويقابله إدباره اه قوله : ( وقوته ) عطف تفسير والحكمة فيه قرب عهده بالجماع ، وفي الثاني بعده وانظر حكمة تخصيصه بالدينار أي بمثقال أي أو ما يقوم مقامه . قوله : ( أهله ) أي زوجته ، وسيذكر الشارح أن غير الزوج مقيس على الزوج . قوله : ( فليتصدق الخ ) ويتكرر بتكرر الوطء . قوله : ( ويقاس النفاس على الحيض ) قال في المجموع : ويسن التصدق بدينار أو نصفه لمن ترك الجمعة وأجراه بعضهم في كل معصية اه ق ل . وقال ا ج . وقوله أو نصفه أي إن تركها بعذر . قوله : ( ولا فرق في الواطىء بين الزوج وغيره الخ ) أي كالواطىء بالملك والزاني لأن عليه حرمة أخرى غير حرمة الزنا كما قرره شيخنا العزيزي خلافاً لما قاله المرحومي .
قوله : ( والوطء بعد انقطاع الدم ) هكذا مكرر لأنه تقدم عقب كلام المتن إلا أن يقال ذكره فيما تقدم من حيث الحرمة وذكره هنا من التصدق . قوله : ( لأنه وطء محرم ) أي لأن الحيض مستقذر منتن يلوّث ذكر الواطىء ، ومثله اللواط واحترز به عن الوطء المحرم لذاته وهو الوطء في نهار رمضان فإنه موجب للكفارة بشروطه . قوله : ( للأذى ) أي للاستقذار ، وفي نسخة للإيذاء والأولى هي الصواب قال تعالى : ) قل هو أذى } ) النساء 222 ) . قوله : ( كاللواط ) ووطء المجوسية . قوله : ( فلا كفارة بوطئها ) أي فلا تصدق بدينار ولا نصفه ، وليس المراد أنه لا كفارة عليه في نهار رمضان بوطئها بل عليه الكفارة العظمى وإن وطىء بهيمة كما يأتي .(1/538)
"""""" صفحة رقم 539 """"""
قوله : ( ولم يمكن صدقها ) بأن لم يمض من طهرها زمن يمكن حدوث الحيض فيه . قوله : ( وإن كذبها فلا ) وإن حلفت وإن لم يكذبها ولم يصدقها فالأوجه حل وطئها للشك شرح الروض .
فرع : لو وافقها على الحيض فادعت بقاءه وعدم انقطاعها فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه م د سم . على المنهج ، وظاهره وإن خالفت عادتها اه ع ش قال في النهاية : وفيه أي في الحديث : ( لعن الله الغائصة والمغوصة ) والغائصة التي لا تعلم زوجها أنها حائض ليجيئها فيجامعها وهي حائض ، والمغوصة التي لا تكون حائضاً فتكذب على زوجها وتقول : إني حائض اه مرحومي و ا ج . قوله : ( ولا يكره طبخها ) وكانت اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يواكلوها ولم يساكنوها في البيوت والنصارى يستبيحون كل شيء حتى الوطء فخلت هذه الشريعة من الإفراط الواقع من اليهود والتفريط الواقع من النصارى ، ومن البدع ترك مواكلة الصبيان لتوهم نجاستهم وإن غلب على الظن عدم سلامتهم من النجاسة ، وقد أطال الكلام على ذلك ابن حجر في شرح العباب فراجعه .
قوله : ( والثامن الاستمتاع الخ ) وفي بعض النسخ والاستمتاع بالمباشرة بوطء أو غيره ، ذكره بعد الوطء من ذكر العام بعد الخاص وبين الاستمتاع والمباشرة العموم والخصوص الوجهي يجتمعان في مباشرة بشهوة ، وينفرد الأول في النظر بشهوة ، والثاني في لمس بلا شهوة والتحريم منوط بالمباشرة ولو بلا شهوة ، بخلاف النظر ولو بشهوة ، إذ ليس هو أعظم من تقبيلها في وجهها بشهوة اه م د . وفي كون النظر بشهوة استمتاعاً نظر تأمل . والنسخة التي فيها المباشرة أولى كما يدل لذلك قول الشارح بعد وبالمباشرة الاستمتاع بالنظر بشهوة الخ . قال سم : لو خلقت السرة في محل أعلى من محلها الغالب أو الركبة أسفل من محلها الغالب ، فالوجه اعتبارهما دون محلهما الغالب ، ولو لم يخلق له سرة أو ركبة قدّراً له باعتبار الغالب . قوله : ( فاعتزلوا النساء ) وقبله : ) ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } ) النساء : 222 ) والمراد به أذى للولد ، فإن وطء المرأة في الحيض يورث الجذام في الولد . وحكي أن رجلاً أتت امرأته بغلام أسود فنفاه عنه فترافعا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فنظر إليه فقال له :(1/539)
"""""" صفحة رقم 540 """"""
هل وطئها وهي حائض ؟ قال : نعم فألحقه به وقال : إن الله سوّد وجه ابنيكما عقوبة لكما اه نسابة . قوله : ( في المحيض ) إن كان المراد به زمن الحيض فيقتضي حرمة ما عدا ما بين السرة والركبة ، وليس مراداً ولا يشمل حالة الانقطاع وقبل الغسل ، وإن كان المراد به مكانه وهو الفرج ففيه فصور ، فلما كانت الآية غير ظاهرة الدلالة على المقصود أتي بالحديث لأنه نص في المقصود كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( وخص بمفهومه ) وهو تحريم ما بين السرة والركبة عموم الحديث الآخر الشامل لجميع البدن ق ل .
قوله : ( والقياس أن مسها للذكر الخ ) اعترضه في شرح الروض بثلاث اعتراضات : أولها : أن حرمة مس الرجل لما بين سرتها وركبتها لأجل الأذى وهو الحيض ، وهذا أي الأذى ليس موجوداً في الرجل ، فجاز لها أن تستمتع به ولو فيما بين سرته وركبته بغير ما بين سرتها وركبتها ، وإِلا كان مستمتعاً بمحل الأذى . ثانيها : أنّ مسها بيدها أو غيرها للذكر ، ونحوه من استمتاع الرجل بما فوق سرتها وركبتها . الثالث : ما ذكره الشارح بقوله والصواب الخ . وقوله والقياس أي قياساً على الرجل . وقوله : ( ونحوه ) أي المس كالنظر بشهوة فقوله من الاستمتاعات بيان لقوله ونحوه ، والنحو بالنصب عطف على المس بدليل بيانه بقوله من الاستمتاعات ، والمراد بالذكر قبل الرجل .
قوله : ( والصواب ) فيه إشعار بأن عموم عبارة الإسنوي فيها خطأ لصدقها بمس ما بين السرة والركبة باليد وهو غير صحيح اه م د . أي لأنه لا يحرم . قوله : ( ويحرم عليه تمكينها من لمسه ) الأولى ويحرم عليها لمسه بما بين سرتها وركبتها في جميع بدنه ، لأن ما منع من مسه يمنعها أن تمسه به كما ذكره الشارح ، إِلا أن يقال يلزم من حرمة التمكين عليها حرمة مسها(1/540)
"""""" صفحة رقم 541 """"""
به . قوله : ( لزمن إمكانه الخ ) بأن كان بعد مضي عادتها ، واحترز به عما إذا انقطع قبل مضي زمن العادة بأن كانت ذات تقطع كأن كان ينزل يوماً وينقطع يوماً فإنه لا اعتبار به . قوله : ( ارتفع عنها سقوط الصلاة ) أي فيلزمها فعلها أو قضاؤها ، ولو عبر بغير هذه العبارة لكان أنسب بأن يقول : وجب عليها الصلاة والصوم ولا حاجة لقوله لزمن إمكانه ق ل . وقد يقال : بل يحتاج إليه لأنه أراد بزمن إمكانه فراغ عادتها بخلاف ما لو انقطع قبل مضي عادتها تأمل . قوله : ( مما حرم ) أي سواء كان مذكوراً في هذا الكتاب أم لا . فلا يرد أنه لم يقدم حرمة الطلاق والطهر حتى يستثنيهما . قوله : ( لأن تحريمه الخ ) أشار إلى أن للحيض جهتين جهة خصوص كونه حيضاً ، وعموم كونه حدثاً وحرمة الصوم من الحيثية الأولى وقد زالت فتأمل . قوله : ( وقد زال ) مرتبط بقوله بالحيض أي زال الحيض الخاص الذي هو سبب المنع . قوله : ( وغير الطلاق ) أي لأنه يحرم في الحيض والنفاس بشرط كونها موطوءة تعتد بأقراء مطلقة بلا عوض منها مرحومي . قوله : ( وغير الطهر ) وهو الغسل أو التيمم المذكوران قبله ، وحينئذ فتنحل العبارة إلى أن يقال لم يحل قبل الطهر غير الطهر أو لم يحل قبل الغسل أو التيمم غير الغسل أو التيمم ، ولا يخفى ما في ذلك من التهافت لحل الشيء قبل نفسه ، وقد تبع الشارح في هذه العبارة ما في المنهج ق ل . وأجاب ع ش بأن الطهر الأول خاص وهو الرافع لحدث الحيض ، والثاني عام كالوضوء وغسل الجمعة والعيد أي فيحل ما ذكر قبل الطهر من الحيض ، وفي ق ل على الجلال ، وقول بعضهم في عبارة المنهج تهافت لأنه استثنى الطهر من نفسه فكأنه قال : لم يحل قبل الطهر إِلا الطهر مردود ، لأنه إنما استثناه من عموم ما حرم اه . وقد يجاب بأن المراد بالطهر الأول الناشىء عن المصدر وهو التطهر ، وبالثاني المعنى المصدري وهو الفعل . قوله : ( أما ما عدا الاستمتاع ) كالصلاة والطواف وقراءة القرآن .(1/541)
"""""" صفحة رقم 542 """"""
قوله : ( لزمه تعليمها ) أي إن انفرد بمعرفة ذلك أو سألته لئلا يؤدي إلى التواكل . قوله : ( إِلا برضاه ) وعند الحنفية تخرج للحج وإن لم يأذن لها إذا وجدت محرماً ، لأن حقوق الزوج لا تجب في الفروض اه ح ف وم د . قوله : ( فللزوج أن يطأها في الحال ) ما لم تخف عوده أي الدم ، فإن خافت عوده استحب له التوقف في الوطء احتياطاً شرح م ر مرحومي .
قوله : ( ويحرم على الجنب ) أي ذكراً كان أو أنثى أو خنثى ، وذكر ما يحرم على الجنب وما يحرم على المحدث . هنا استطراد لأن محل المحرمات على الجنب باب الغسل والمحرمات على الحدث باب النواقض . وقوله : ( خمسة أشياء ) فيه مسامحة لأن عد ستة ، اللهم أن يقال مفهوم العدد لا يفيد الحصر أو أنه لما كان متعلق المس والحمل وهو المصحف واحداً عدهما واحداً اه م د .
قوله : ( الصلاة ) محل الحرمة لغير حاجة ، فلا يرد من خشى أن يظن به سوء ، فإنه يأتي بأفعالها من غير نية ولا حرمة عليه رحماني . قال شيخنا العزيزي : وما يقع للشخص في بعض الأحيان من أنه ينام عند نساء وأولاد مرد ويحتلم ويخشى على نفسه من الوقوع في عرضه إذا اغتسل ، فإنه لا يغتسل . وهذا عذر مبيح للتيمم لأنه أشق من الخوف على أخذ المال لكن يغسل من بدنه ما يمكنه غسله ثم يتيمم ويصلي ويقضي ، لأن هذه مثل التيمم للبرد ومثل الصلاة خطبة الجمعة وسجدتا التلاوة والشكر أي : فيحرم ولو داخل الصلاة كأن قرأ فاقد الطهورين آية سجدة بدل الفاتحة فيمتنع عليه السجود ، كما يمتنع عليه سجود السهو وتعمد الصلاة ونحوها مع الحدث كبيرة يكفر مستحله في الحدث المجمع عليه لا كمس ولمس كما مر . واعلم أن المراد بخطبة الجمعة الأركان الخمسة لا المستحب فيها حتى لو أتى بالأركان المذكورة وهو متطهر وأحدث بعدها وتوضأ عن قرب بحيث لا يفوت الولاء المشروط صح فيما يظهر قاله الشوبري .
قوله : ( وقراءة القرآن ) أي لمسلم غير نبي على ما يأتي ق ل . وتقدم عن ع ش حرمة(1/542)
"""""" صفحة رقم 543 """"""
القراءة على النبي حال الجنابة . ونصه : قراءة القرآن ولو لنبي كما شمله إطلاقهم ويؤيده ما ذكره في شرح العباب من الحديث الذي نصه ، روى الترمذي وقال : حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم عن علي قال : ( كان رسول الله يقضي حاجته فيقرأ القرآن ولم يكن يحجبه ، وربما قال يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة ) اه . وعليه فيفرق بينه وبين جواز المكث له في المسجد بأن قراءة القرآن يمكن التخلص من حرمتها بعدم قصد القرآن فكان للتحريم منه وجه ، ولا كذلك المسجد لأن حرمته ذاتية فلا ينفك تحريم المكث فيه بحال فاغتفر له توسعة عليه . وقوله : ليس الجنابة بنصب الجنابة على أنها خبر ليس واسمها ضمير يعود على الشيء .
قوله : ( على الحكم المتقدم الخ ) وهو التعميم في الفرض والنفل ، والأولى أن يقول على الوجه المتقدم ، لأنه ليس المراد بالحكم الحرمة لتصريح المتن بها . قوله : ( اللبث أي المكث لمسلم ) أي بالغ . قوله : ( غير النبي ) مراده الجنس فسائر الأنبياء كذلك على أن هذا الحكم في شريعتنا ، ولا يعلم حكمه فيما قبلها وما ذكره الشارح من الأحكام هنا مكرر مع ما تقدم كله أو غالبه ق ل . قال ح ل : ويحصل المكث بزيادة على الطمأنينة اه . والمعتمد أنه يكفي فيه أقل مجزىء في الطمأنينة . قوله : ( في المسجد ) ومنه رحبته والرحبة الساحة المنبسطة لصيانته عن القاذورات . قوله : ( أو التردد فيه ) من التردد المغر أن يدخل لأخذ حاجة ويخرج من الباب الذي دخل منه دون وقوف ، بخلاف ما لو دخله يريد الخروج من الآخر ، ثم عنّ له الرجوع فله أن يرجع اه سم . قوله : ( العبور ) وهو الدخول من باب والخروج من آخر ، فهو جائز لكنه لغير غرض كقرب طريق خلاف الأولى بخلاف عبور الحائض مع أمن التلويث فمكروه لغلظ حدثها كما مر . قوله : ( فإنه يمكن ) لم يقل فلا يحرم عليه مع أنه المناسب للاحتراز لبقاء الحرمة عليه لكونه مكلفاً بفروع الشريعة وبعبارة قوله : فإنه يمكن المناسب أن يقول : فلا يحرم عليه المكث إلا أن يقال فيما تقدم شيء مقدر هذا محترزه ، والتقدير ومكث مسلم فيحرم عليه ولا يمكن منه ، وأما الكافر : فيمكن منه وإن كان يحرم عليه اه .
قوله : ( لأنه لا يعتقد حرمة ذلك ) وإنما حرم تمليكه الطعام لاستعماله في رمضان لأنه يعتقد وجوب الصوم ، وأخطأ في تعيين وقته ويكره تنزيهاً السؤال في المسجد دون إعطاء السائل فيه فيندب هذا هو المنقول ، والذي دلت عليه الأحاديث سم عن السيوطي رحماني وع ش على م ر .(1/543)
"""""" صفحة رقم 544 """"""
قوله : ( إِلا أن يكون لحاجة ) فلا بد من شرطين الحاجة ، والإذن على المعتمد كما في شرح م ر خلافاً لما في حاشية ق ل من الاكتفاء بأحدهما ، فإن دخل من غير إذن ولا حاجة عزر ودخولنا أماكنهم كذلك أي التي يتعبدون فيها . قوله : ( لا كأكل وشرب ) أي وتعلم حساب ولغة فلا يجوز سم . قوله : ( مسلم ) مكلف ولو فاسقاً ؛ بخلاف الإذن في دخول الدار ، فيكفي إذن الصبي إذا أذن له أبوه تعظيماً للمسجد م د . قوله : ( إِلا أن يكون له خصومة ) أي فلا يشترط الإذن من المسلم وعبارة الرحماني على التحرير قوله : ( وبالمسلم الكافر ) أي إن دخل لحاجة بإذن مسلم بالغ عاقل أو جلوس قاض أو مفت فيه ، فيجوز تمكينه مع حرمة مكثه لخطابه بالفروع اه . وخرج بالمسجد قبور الأنبياء فلا يجوز له الإذن في دخولها مطلقاً تعظيماً لها سواء كانت بالمسجد أم لا .
قوله : ( ولهواء المسجد ) كأن طار فيه ، والمراد به ما فوقه إلى السماء السابعة وما تحته إلى الأرض السابعة ، نعم إن كان فوقه أو تحته علو أو سفل قبل وقفتيه لم يتجاوزه أي : لم يتجاوز المسجد محله فلا يشمل ما فوقه أو ما تحته إِلا بعد زواله وإن أعيد اه ق ل . وأقره ا ج . ومقتضى قوله إِلا بعد زواله أنه إذا أزيل حكم بالمسجدية لذلك الهواء وفيه نظر لقصر الحكم على ما عدا ذلك المكان إِلا أن يقال ذاك لمانع وقد زال اه . قوله : ( في طرفه ) أي أو طرف ثوبه . قوله : ( دخول المسجد ) أي مكثه فيه جنباً لكن لم يقع منه . قوله : ( وتعذر عليه الخروج ) أي تعسر عليه أخذاً مما بعد اه ق ل . قوله : ( أو على ماله ) أي وإن قل كدرهم ع ش . قوله : ( ولو لم يجد الجنب الماء ) مثل الماء ثمنه فيما تقرر . قوله : ( تيمم ودخل ) وفائدة(1/544)
"""""" صفحة رقم 545 """"""
التيمم تجويز الدخول له أي المكث ولو صلى به صلاة قبل الدخول صح أيضاً ، وعبارة بعضهم قوله تيمم أي بنية استباحة دخول المسجد ، وإذا كان كذلك لا تباح له به صلاة ، لأنه من قبيل المرتبة الثالثة . وأما على قول البغوي : فالتيمم بدلاً عن الغسل فله الصلاة به ولا يضره وجود الماء في المسجد لأنه ليس محلاً للاغتسال فيه فوجود الماء فيه كالعدم ، وإذا تيمم كان له الصلاة في المسجد والصلاة خارج المسجد . قوله : ( وإِلا ) بأن كان يشق عليه ذلك كأن لم يجد إناء يغرف به ، ولا من يناوله الماء من المسجد . وقوله : ( اغتسل فيه ) أي ويغتفر المكث حينئذ بقدر الحاجة ، فإن لم يكن مكث جاز قطعاً ق ل . قوله : ( ولا يكفيه التيمم ) أي بدلاً عن الغسل . قوله : ( ولا يغتسل فيه ) لأن وجود الماء في المسجد مانع شرعي من استعمال الجنب له لما يلزم عليه من مكثه فيه حال غسله .
والحاصل : أن البغوي قال : إنه يكفيه التيمم ويدخل المسجد لصلاة مثلاً ولا يغتسل فيه لأنه ليس محلاً للاغتسال ووجود الماء فيه كالعدم لكنه ضعيف .
قوله : ( جواز الدخول ) أي بعد التيمم كما أشار إليه ق ل . قوله : ( للاستقاءة ) أي الشرب . وقال م د : ليغتسل به أو للشرب وفي نسخ للاستقاء وصوبها الأجهوري ، لأنه قال وفي بعض النسخ للاستقاءة بإثبات التاء وهو خطأ يدرك بأدنى تأمل اه . ولعله لأنها طلب القيء . قوله : ( على هذا التفصيل ) أي الأول وهو قوله : إن وجد تراباً تيمم ودخل وإِلا فلا يدخل لما يلزم عليه من مكثه جنباً في المسجد ، وفي حاشية م د : المراد التفصيل الثاني أي بأن يقال إذا تيمم ودخل إن أمكنه نقل الماء وشربه خارج المسجد فعل وإلا شربه في المسجد ومكث بقدره ، والأول أحسن لأن التفصيل الثاني المشار إليه فيما سبق بقوله : واغترف وخرج إن لم يشق عليه الخ فلا تصح إرادته هنا إذ هو تفصيل في المكث لا في الدخول فتأمل .
فائدة : قال الإمام أحمد بن حنبل : إن للجنب أن يمكث في المسجد ، لكن بشرط أن يتوضأ ولو كان الغسل يمكنه من غير مشقة اه ش ع على م ر : وقال شيخنا العزيزي : وحاصل التفصيل أنه يدخل إن وجد تراباً ويتيمم به وإِلا فلا . قوله : ( أن أصحاب الصفة ) وهم زهاد من الصحابة فقراء عزباء جمع أعزب يأوون مسجده ، وكان أبو هريرة عريفهم ، وكان الناس يعافونهم لفقرهم فاقتطع لهم قطعة من آخر مسجده ومكثوا فيها وظللت عليهم وكانوا يقلون ويكثرون ، فإذا كثروا(1/545)
"""""" صفحة رقم 546 """"""
بلغوا أربعمائة ، وإذا قلوا بلغوا سبعين وكان المنافقون يكرهونهم حتى اجتمع منهم جماعة ، وأتوا إلى النبي وقالوا له : اجعل لنا يوماً في الجلوس في المسجد ، ولهم يوماً ، وأرادوا إخراجهم من المسجد ، فنزل في شأنهم على النبي قوله : ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء } ) الأنعام : 52 ) إلى قوله : ) فتكون من الظالمين } ) الأنعام : 52 ) وروي ، أنه وقف عليهم وقال لهم : ( أبشروا يا أهل الصفة من كان من أمتي على نعتكم كان من رفقائي في الجنة ) ففيه إشارة إلى أنهم رفقاؤه فيها من باب أولى .
قوله : ( حرم النوم فيه ) أي في وقت التضييق فقط ويجب حينئذ تنبيهه . ويندب تنبيه من نام في نحو الصف الأول أو أمام المصلين ، ولا ينبغي التصدق في المسجد ، ويلزم من رآه الإنكار عليه ومنعه إن قدر ، ويكره السؤال فيه بل يحرم إن شوّش على المصلين أو مشى أمام الصفوف أو تخطى رقابهم ، ويحرم الرقص فيه ، ولو لغير نحو شابة ويحرم النط فيه ولو بالذكر لما فيه من تقطيع حصره وإيذاء غيره ق ل على الجلال ويحرم إدخال النجاسة ولو جافة ويحرم تقذيره ، ولو بالطاهرات كإلقاء الماء المستعمل فيه ، بخلاف الوضوء فيه ، وإن وقع فيه ماؤه لعدم تقذيره وعدم إهانته ، وأما طرح القمل في المسجد فإن كان ميتاً حرم لنجاسته ، وإن كان حياً فكذلك لتعذيبه بالجوع ، بخلاف البرغوث لأنه يأكل التراب ، والمشهور التسوية بين القمل والبرغوث في جواز رميهما في الأرض الترابية في المسجد عند ابن حجر أو خارجه عنده . وعند م ر : وأما طرح الأشياء الجافة كقشر اللب وغيره فمكروه لا غير لأنه تعفيش لا تقذير ذكره ع ش على م ر وقرره العلامة الحفني اه .
قوله : ( ولا يحرم إخراج الريح فيه ) فإخراج الريح فيه خلاف الأولى كما ذكره الشارح ، وهذا عندنا معاشر الشافعية خلافاً لمن قال بالحرمة كالسادة المالكية وقوله : ( تتأذى مما يتأذى(1/546)
"""""" صفحة رقم 547 """"""
منه بنو آدم ) هذا يدل على إثبات حاسة الشم لهم ، ومقتضاه الحرمة لكن صد عنها الجمهور ، والكلام في غير الحفظة فإنهم لا يفارقون العبد . قوله : ( إلى أكبر ) أي باعتبار كثرة أفراده وأوسط بالنسبة للأكبر والأصغر كذا قيل . وفيه نظر لأن الأصغر أكثر أفراداً ، وأيضاً الجنابة توجد في النساء فليس الحيض الذي هو الأكثر أكبر أفراداً ، فالصواب أن المراد بالأكبر الأغلظ ، والمراد بالأوسط المتوسط بين الأكبر والأصغر . قوله : ( وصندوق ) بفتح الصاد وضمها ، ويقال بالسين والزاي ففيه ست لغات ومثله كرسي وضع عليه زي أي : فيحرم مس جميع الكرسي بشرط أن يكون عليه المصحف على المعتمد خلافاً لسم وح ل . وهذا الكرسي الصغير المعد للمصحف ، أما الكرسي الكبير الذي يقعد عليه القارىء فلا يحرم إلا مس الدفتين الساترتين للمصحف وهو فيهما لأنه كالصندوق ، ومن الصندوق كما هو ظاهر بيت الربعة المعروفة فيحرم مسه إذا كانت أجزاء الربعة أو بعضها فيه ، وأما الخشب الحائل بينهما فلا يحرم مسه ، كما أفتى به شيخنا وأقره اه م د على التحرير . قوله : ( من أدم ) بفتح الهمزة والدال جلد . قوله : ( ولا بد أن يكونا معدين للمصحف ) أي وحده وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيما أعدله بين كونه على حجمه أو لا . وهو قريب شرح م ر . وقوله : ( أعد له ) أي عرفاً ليخرج نحو الخزائن ا ج اه . قوله : ( لأنهما لما كانا معدين له الخ ) أي فتكون حرمة مس الخريطة والصندوق ثابتة بطريق القياس على الجلد ، كما أشار إليه الشارح فتأمل عزيزي . قوله : ( والعلاقة ) أي اللائقة لا طويلة جداً أي فلا يحرم مس الزائد حيث كان طولها مفرطاً . قوله : ( لم يحرم مسهما ) إن لم يكن ماساً للمصحف . قوله : ( لدرس ) أي ولو على جدار فيحرم مسه وعليه فهل يحرم مس الموضع الخالي من الجدار كما في اللوح ؟ فيه نظر . والمتجه أنه لا يحرم سم اه ا ج . قوله : ( كلوح ) ويحرم مس جميعه وكذا علاقته ولا يحرم محوه بريقه ولو بالبصق عليه ، لأنه ليس إهانة ولا يحرم مدّ نحو رجله إلى جهة المصحف . وقال الزركشي : بالحرمة ق ل . وعبارة سم في شرح المتن : اختلف مشايخنا في محو لوح القرآن بالبصاق كما جرت به العادة في المكاتب ، فأطلق بعضهم حرمة ذلك ، وبه صرح ابن العماد وبعضهم جوازه وفصل بعضهم بين(1/547)
"""""" صفحة رقم 548 """"""
أن يبصق على اللوح ، فيحرم وأن يبصق على خرقة ثم يمحوه بها فيحل . قال ابن حجر : ولو جعله مروحة لم يحرم لقلة الامتهان اه . ولو قيل بالحرمة في جعله مروحة لم يبعد وقول الشارح كلوح يؤخذ منه أنه لا بد أن يكون مما يكتب عليه عادة حتى لو كتب على عمود أو باب قرآناً للدراسة لم يحرم مس غير الكتابة . أي الخالي فيه عن القرآن ، وقيد العلقمي الخالي عنه بما لم يكن حريماً للقرآن كما ذكره م د على التحرير .
قوله : ( وهي ورقة ) أي مثلاً فالأوراق كذلك حيث عدته تميمة عرفاً ، وإن كثر المكتوب فيها بل نقل عن الشارح ولو جميع القرآن ق ل . وما نقل عن الشارح ضعيف . قال الأجهوري : وعلى ما نقل عن الشارح فتكون من في قولهم شيء من القرآن للبيان لا للتبعيض غير أن كونها للتبعيض أظهر في العرف . قوله : ( للتبرك ) والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحال الكتابة دون ما بعدها ، وبقصد الكاتب لنفسه أو لغيره متبرعاً ، وإِلا فآمره أو مستأجره . ولو قصد التميمة بما للدراسة تغير الحكم من الحرمة إلى الحل وعكسه ، ولو شك هل قصد التميمة فلا يحرم أو الدراسة فيحرم . قال ابن حجر : بالأول نظر إلى تعارض الاحتمالين فيبقى أصل الحال . قال شيخنا : والذي يفهم من كلامهم الحرمة فقد قالوا لو شك في التفسير هل هو أكثر أو لا ؟ أنه يحرم إذ هي الأصل ولا يصار للحل إِلا بيقين ا ج ملخصاً . وهل يجوز كتابة التمائم للكفار أو لا يجوز ؟ قيل : إنه لا يجوز لأنهم لم يعظموه وقيل يجوز كتابتها لهم إن علم أنهم يعظمونها . وفي شرح م ر : ويحرم مد الرجل إلى جهة المصحف ووضعه تحت يد كافر ومثله التمائم ، وإن كانوا يعظمونها ، إذ ليس هو كتعظيمنا ويسن القيام له وتقبيله ويحرم مسه بالسن والظفر أيضاً حالة الحدث ، بخلاف اليد المتخذة من الذهب أو الفضة ، فلا حرمة بالمس بها . وعبارة الرحماني : فخرجت التميمة ولو لكافر ، نعم في ابن قاسم ما يقتضي منعها له ، وعبارته : ويحرم تمليكه ما فيه قرآن وينبغي المنع من التميمة لأنها لم تنقص عن آثار السلف بل تزيد ، ولا يرد إرساله عليه السلام الكتب لهم مع اشتمالها على القرآن ، لأن ذلك كان منه لقصد التألف ، وقد أعز الله الإسلام فيمتنع وإن قصدناه انتهت .
قال شيخنا الجوهري نقلاً عن مشايخه : يشترط في كاتب التميمة أن يكون على طهارة ، وأن يكون في مكان طاهر ، وأن لا يكون عنده تردد في صحتها ، وأن لا يقصد بكتابتها تجربتها ، وأن يتلفظ بما يكتب وأن يحفظها عن الأبصار بل وعن بصره بعد الكتابة وبصر ما لا يعقل ، وأن يحفظها عن الشمس ، وأن يكون قاصداً وجه الله في كتابتها ، وأن لا يشكلها وأن لا يطمس حروفها ، وأن لا ينقطها ، وأن لا يتربها ، وأن لا يمسها بالحديد ، وزاد بعضهم شرطاً للصحة وهو أن لا يكتبها بعد العصر ، وشرطاً للجودة وهو أن يكون صائماً قال بعضهم :(1/548)
"""""" صفحة رقم 549 """"""
ولا تفد بعد عصير اليوم
والصوم أجود فيه عند القوم قوله : ( والثياب ) بالجر عطفاً على التميمة . قوله : ( إلى هرقل ) بكسر الهاء وفتح الراء المهملة وسكون القاف ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة ، وهو ملك الروم ، وأول من ضرب الدنانير كما في القاموس .
قوله : ( الحروز ) جمع حرز وهو الحجاب ، والمراد الحروز من القرآن . قوله : ( إِلا إذا جعل عليها شمعاً ) استثناء من التعليق فقط ، وقوله : ( شمعاً ) أي خرقة مشمعة لأنها تحفظه . وقوله : أو نحوه كجلد والمكروه وضعها على بدنه من غير شيء يصونها . قوله : ( ويحل للمحدث قلب ورق المصحف بعود الخ ) سواء كانت الورقة قائمة وأضجعها أم كانت مضطجعة ، خلافاً لابن الأستاذ ومن تبعه شرح م ر . قال سم : بخلاف ما لو لف كمه على يده وقلب بها لأنه منسوب إليه ومتصل به ، فكان له حكم أجزائه ، وهذا التعليل يقتضي حرمة المس بما زاد من كمه على يده وهو غير بعيد اه ا ج . قوله : ( ويكره الخ ) قال ابن العماد : ويحرم الاستناد كما كتب منه على جدار اه سم . بأن جعل خلف ظهره أما إن كان فوق رأسه ، فالظاهر أنه لا يحرم الاستناد إلى الجدار المكتوب فيه فراجعه . قوله : ( ولبس الثوب ) ولو مع الجنابة . قوله : ( بخلاف ابتلاع قرطاس الخ ) أي ورقة أي ما لم يمضغه بحيث تذهب حروفه ق ل . أو لم يخبره العدل بنفعه إِلا على هذا الوجه . قوله : ( وأكل الطعام ) كالرغيف المكتوب عليه ، وهذا أعني قوله : وأكل الطعام مبتدأ خبره كشرب الماء . قوله : ( لا كراهة فيه ) أي ولا فرق بين الأكل والشرب من هذه الحيثية ، وإن فرق بينهما من حيث إن الكتابة على الطعام مكروهة بخلافها على إناء الشرب .
قوله : ( ويكره إحراق الخ ) ما لم يكن فيه تضييع مال بلا غرض ، وإِلا حرم وعلى هذا(1/549)
"""""" صفحة رقم 550 """"""
يحمل ما في السير من منع حرق كتب الكفار لما فيها من أسماء الله تعالى ، ولما فيه من تضييع الماء اه . وقوله : ( إحراق خشب ) أي مثلاً فالورق كذلك ويحرم وطء ذلك ق ل . قوله : ( وعليه يحمل تحريق عثمان الخ ) وقد قال ابن عبد السلام : من وجد ورقة فيها البسملة ونحوها لا يجعلها في شق ولا غيره ، لأنها قد تسقط فتوطأ وطريقه أن يغسلها بالماء أو يحرقها بالنار صيانة لاسم الله تعالى عن تعرضه للامتهان شرح الروض ، وإذا تيسر الغسل ولم يخش وقوع الغسالة على الأرض فهو أولى ، وإِلا فالتحريق أولى ، ولا يجوز تمزيق الورق لما فيه من تقطيع الحروف وتفريق الكلم ، وفي ذلك إزراء بالمكتوب . قوله : ( أو على نجس ) والظاهر أن كتابة الفقه ، والحديث بالنجس مثل كتابة المصحف وهو كذلك . قوله : ( لا بطاهر من متنجس ) أي لا يحرم مسه بعضو طاهر من بدن متنجس ، لكنه يكره ، فإذا تنجس كفه إِلا أصبعاً منه فمس بهذا الأصبع المصحف وهو طاهر من الحدث جاز . قوله : ( أو ضياع ) أي بغير الحرق والتلف كأخذ سارق مسلم ، فاندفع الاعتراض بأن نحو الغرق ضياع أي عليه . قوله : ( كتب علم ) أي محترم فإن خاف عليه سرقة أو غيرها جاز توسده وإِلا فلا . قوله : ( جاز له أن يتوسده ) أي يجعله وسادة أي مخدة .
فائدة : وقع السؤال في الدرس عما لو اضطر إلى مأكول ، وكان لا يصل إليه إِلا بشيء يضعه تحت رجليه وليس عنده إِلا المصحف هل يجوز وضعه تحت رجليه في هذه الحالة أم لا ؟ فأجيب عنه : بأن الظاهر الجواز معللاً ذلك بأن حفظ الروح مقدم ولو من غير الآدمي على غيره ، ومن ثم لو أشرفت سفينة فيها مصحف وحيوان على الغرق ، واحتيج إلى إلقاء أحدهما لتخلص السفينة ألقى المصحف حفظاً للروح التي في السفينة . لا يقال وضع المصحف في هذه الحالة امتهان . لأنا نقول فعل ذلك للضرورة مانع من كونه امتهاناً . أَلا ترى أنه يجوز السجود للصنم والتصور بصورة المشركين عند الخوف على الروح ، بل قد يقال : إنه لو توقف إنقاذ الروح على ذلك وجب وضعه ، وحينئذ يحتمل أنه لو وجد القوت بيد كافر ولم يصل إليه إِلا بدفع المصحف له جاز له الدفع ، لكن ينبغي تقديم الميتة ولو مغلظة إن وجدها على دفعة للكافر اه ع ش على م ر .(1/550)
"""""" صفحة رقم 551 """"""
قوله : ( ويندب كتبه وإيضاحه ) أي تبيين حروفه ، واستدل السبكي على جواز تقبيل المصحف بالقياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والصالح والوالد ، إذ من المعلوم أنه أفضل منهم قال الدميري : ومقتضى مذهبنا كراهة أخذ الفأل منه . وقال ق ل : يجوز أخذ الفأل منه ، وذكر العبادي : أن من استعار كتاباً فوجد فيه غلطاً لم يجز إصلاحه إِلا بإذن مالكه أو مصحفاً وجب وقيده البلقيني وغيره أي : قيد قوله لم يجز بالمملوك أما الموقوف فيجوز إصلاحه .
وفي حاشية الرحماني : وقع السؤال لشيخنا في رجل كتب مصحفاً ودفعه لفقيه يصححه ، وإذا رأى لحناً يعلم فيه بشمع ولا يصلحه ما الحكم . فأجاب بما نصه : الحمد لله الهادي للصواب يجب إصلاحه فوراً أو إعلام الناهي فوراً ليصلحه لأن ترك الفورية فيه تقرير الخطأ وهو ممتنع كتبه محمد بن أحمد الشوبري الشافعي ، وأفتى م ر بأن لحن الأطفل بحضرة الكامل في القرآن لا يحرم عليه ، ويسن في حقه الرد فقط ولا يجب لأنه ليس بمعصية ، والظاهر وجوب الرد قياساً على وجوب منع الصبي إن رأيناه يزني بصبية ، لأن الوجوب لا يتوقف على العصيان اه . وعبارة ا ط ف نقلاً عن ع ش فرع ذكر العبادي وغيره : أنه لو استعار كتاباً ورأى فيه خطأ وكان مملوكاً غير مصحف لا يصلح فيه شيئاً مطلقاً إِلا إن ظن رضا مالكه به ، وأنه يجب إصلاح المصحف ، لكن إن لم ينقص خطه قيمته لرداءته أي : وعليه فينبغي أن يدفعه لمن يصلحه حيث كان خطه مناسباً وغلب على ظنه إجابة المدفوع إليه ولم يلحقه مشقة في سؤاله ، وأن الوقف يجب إصلاحه إن تعين الخطأ وكان خطه مستصلحاً سواء المصحف وغيره ، وأنه متى تردد في عين لفظ أو في الحكم لا يصلح شيئاً ، وما اعتيد من كتابة لعله كذا إنما يجوز في ملك الكاتب اه . وخرج بقوله : وأن الوقف يجب إصلاحه كتابة الحواشي بهوامشه ، فلا يجوز وإن احتيج إليه لما فيه من تغيير الكتاب عن أصله ولا نظر لزيادة قيمته بفعله للعلة المذكورة اه . وفيه بحث وتعليله بقوله لما فيه من تغيير الكتاب ممنوع .
قوله : ( ونقطه وشكله ) أي صيانة له من اللحن والتحريف ، ويجوز كتابة القرآن بغير العربية بخلاف قراءته بغير العربية فيمتنع ، وهل يجوز كتابته بالرجل مع قدرته على كتابته باليد أم لا ؟ فيه نظر . والأقرب المنع لأنه لا يقصد بذلك إِلا مجرد الفراسة إِلا أن يحمل الجواز على ما إذا اضطر لنحو نفقة ، وانحصرت في اكتسابه بكتابة القرآن بما ذكر ، وفائدة كتابته بغير العربية مع حرمة القراءة بها أنه قد يحسنها من يقرؤه بالعربية أي : ويحرم مسه وحمله ، والحالة ما ذكر لأن مسمياتها ودوالها إنما هو القرآن لأنه لو قيل لمن كتبه بالهندي : انطق بما كتبه نطق بلفظ القرآن نقله ا ط ف عن ع ش . وفيه على م ر نقلاً عن سم على حج فرع ، وأفتى شيخنا م ر بجواز كتابة القرآن بالقلم الهندي وقياسه جوازه بنحو التركي أيضاً .
فرع آخر : الوجه جواز تقطيع حروف القرآن في القراءة في التعليم للحاجة إلى ذلك اه .(1/551)
"""""" صفحة رقم 552 """"""
قوله : ( من مسه ) وكذا حمله بالأولى ، والفرق بينهما وبين القراءة وجود الامتهان فيهما والاستيلاء بخلاف القراءة .
قوله : ( وتكره القراءة بفم متنجس ) وتكره القراءة حال خروج الريح لا مع نحو مس أو لمس لأنه غير مستقذر عادة اه سم . وقيل تحرم القراءة بفم متنجس . قوله : ( بحمام ) أي في حمام . قوله : ( وإِلا كرهت ) هذا شامل لما يفعله السائل في الطريق ، وعلى الأعتاب ففيها التفصيل المذكور أي : فإن النهي عنها كرهت ، وإِلا فلا كراهة إذ ليس القصد إهانة القرآن ، وإِلا حرم بل ربما كان كفراً . قوله : ( ولا يجب منع الصغير الخ ) ولا يمنع الصبي الجنب من المكث في المسجد ، ولا من قراءة القرآن ولو لغير حاجة ، وفارق منع مس المصحف لغير حاجة تعلمه بأن باب المكث والقراءة أوسع كما مر في الكافر اه ا ج . قوله : ( لحاجة تعلمه ) الإضافة بيانية أي لحاجة هي تعلمه أو ما هو وسيلة لذلك كحمله للمكتب والإتيان به للمعلم ليفهمه منه . قال شيخنا كابن حجر : ولو كان حافظاً عن ظهر قلب ح ل . قوله : ( بل يندب ) أي المنع . قوله : ( المتعلق بالدراسة ) ولو للمكتب . قوله : ( أو لغرض آخر ) ولو للتبرك فيما يظهر خلافاً لابن العماد سم . قوله : ( فيحرم تمكينه الخ ) محله إذا لم يتأتّ تعلمه منه فإن تأتي تعلمه منه لم يبعد تمكينه إِذا راقبه الولي أو نائبه بحيث يمنعه من امتهانه سم ا ج . وقوله : لم يبعد تمكينه أي : وإن لزم عليه مكثه في المسجد جنباً ، وعلى هذا يحمل قول النووي يجوز للولي تمكين الصبي من المكث والقراءة ولو مع الجنابة على المعتمد اه . قوله : ( بأن ورد الشرع به ) أي بالذكر وقوله فيه أي في المحل .
قوله : ( فهو أفضل ) أي فالذكر أفضل أي الاشتغال بالذكر المخصوص بوقت معين أو محل معين أفضل من الاشتغال بالقراءة في ذلك الوقت ، فالمفاضلة بين الاشتغالين لا بين(1/552)
"""""" صفحة رقم 553 """"""
القراءة والذكر ، لأن القرآن أفضل منه مثلاً الصلاة على النبي طلبت ليلة الجمعة ، فالاشتغال بها أفضل من الاشتغال بقراءة لم تطلب ليلة الجمعة اه ا ج .
قوله : ( بها ) أي بالقراءة .
واعلم أن الأذكار المطلوبة في محل مخصوص أفضل من غيرها فيه أيضاً بالأولى مما ذكر ، ولو تعارض خاصان كالتكبير والصلاة على النبي ليلة عيد هي ليلة جمعة روعي الأقل وقوعاً فيقدم التكبير في هذه اه ق ل . قوله : ( أن يتعوذ ) قال في شرح العباب : وظاهر أنه سنة عين ، فلا يكفي تعوذ واحد من جماعة عن آخر ، وفارق التسمية عند الأكل بأن القصد ، ثم حصول البركة ومنع الشيطان ، وهو حاصل بتسمية واحدة وهنا القصد اعتصام القارىء واحتجابه بالله من شر الشيطان وهو غير حاصل بذلك . قوله : ( كالفصل بين الركعات ) بأن يكون بين القراءة قدر ركعة بأركانها وسننها وإلا فلا يطلب تعوذتان . قوله : ( وأن يجلس ) المراد بالجلوس ما عدا الاضطجاع فيشمل القيام فإن القراءة في القيام أفضل تعظيماً له ق ل . قوله : ( وأن يستقبل ) أي القبلة . قوله : ( وأن يبكي ) أي يتباكى عند القراءة وهو من صفة العارفين قال تعالى : ) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً } ) الإسراء : 109 ) وطريقه في تحصيله أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ، ثم يتفكر في تقصيره فيها ، فإن لم يحضره حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب . قال في الأذكار : ويندب التباكي لمن لا يقدر على البكاء . شرح الروض . قوله : ( والقراءة نظرا في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب ) أي لأنها تجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى . قال في الروض وشرحه : ويندب إصغاء إليه لما روى الشيخان عن ابن مسعود قال : ( قال لي النبي اقرأ عليّ القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ) فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية : ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } ) النساء : 41 ) قال : حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان ) . اه مرحومي .
وقال الشعراني : أخذ علينا العهود إذا كنا في تلاوة قرآن أو قراءة حديث ، أو كنا نكلم أحداً من الأولياء ، أو من العلماء ، فلا نقطع ذلك الكلام لكلام من هو دونهم إلا بعد أن نأخذ إجازة بقولنا : دستور يا أللَّه أو دستور يا رسول الله ، ودستور يا سيدي فلان في كلام فلان ، فمن واظب على ذلك أثمر له الحضور مع الله تعالى وكمال المراقبة ، وكذلك إذا كنا في صلاة(1/553)
"""""" صفحة رقم 554 """"""
على رسول الله أو ذكر أو دعاء ثم حصل لنا نعاس أن نسكت مما كنا فيه ، لأن من الأدب أن لا نناجي الحق عز وجل إلا إذا اجتمعت حواسنا ولم تتخلف عن التوجه منا شعرة واحدة ، فاعلم ذلك والله عليم حكيم .
قوله : ( ونحرم بالشاذ ) وتبطل الصلاة به إن تعمد وغير المعنى ق ل . قوله : ( ما وراء السبعة ) اعتمده الشيخ م ر . قوله : ( أبو عمرو ) بالرفع خبر مبتدأ محذوف وبالجر بدلاً عن السبعة . قوله : ( ونافع ) الأولى تقديم نافع لأن قراءته قراءة أهل الجنة في الجنة كما قاله ح ف . قوله : ( وابن كثير ) اسمه عبد الله . قوله : ( وابن عامر ) اسمه عبد الله . قوله : ( والكسائي ) اسمه علي .
قوله : ( من السبع ) الأولى لراوٍ من السبع ق ل . لأن لكل واحد من القراء روايات . قوله : ( مرتبطاً بالأولى ) بأن يكون بينهما تعلق وارتباط وذلك كنصب آدم وكلمات في ) فتلقى آدم من ربه كلمات } ) البقرة : 37 ) ورفعهما قاله م د وقوله كنصب آدم وكلمات مثال للمنفي ونصب آدم من القراءة التي فيها نصب آدم ورفع كلمات ونصب كلمات من القراءة المشهورة فنصبهما ملفق من القراءتين وكذلك رفعهما ، فرفع آدم من القراءة المشهورة ، ورفع كلمات من القراءة الثانية . وقرر شيخنا ما نصه قوله مرتبطاً بالأولى ، وإلا فلا يجوز جوازاً مستوي الطرفين أي فيكره . قوله : ( بعكس الآي ) ومثله عكس الكلمات أو عكس الحروف بل أولى لأنه يزيل إعجازه ويزيل حكمة الترتيب اه شرح الروض .
قوله : ( لأنه أسهل للتعليم ) ولأن التعليم يقع متفرقاً . قوله : ( بلا علم ) بأن لم يعرف معنى ألفاظه أو معنى كلماته أو معنى تراكيبه ونحو ذلك ق ل . قوله : ( ونسيانه أو شيء منه كبيرة ) أي إن كان بعد البلوغ وإن حفظه قبله ق ل . وضابطه أن ينقص عما كان يقرؤه ولو نظراً في المصحف ولو كان بعذر كمرض به واشتغال بصنعة رحماني . قوله : ( والدعاء بعده ) أي بعد ختمه ويتأكد الصوم يوم ختمه كما قاله المناوي ويجوز وضع المصحف في رف خزانة ووضع(1/554)
"""""" صفحة رقم 555 """"""
نحو ترجيل في رف أعلى منه ويحرم وضع المصحف على الأرض بل لا بد من رفعه عرفاً ولو قليلاً اه . كذا بخط الميداني م د . قوله : ( وحضوره ) أي الختم أي حضور مجلسه .
خاتمة : تعلم القرآن فرض كفاية بأن تحفظه على ظهر قلب ، وهل يشترط في كل ناحية ، تعلم واحد أو لا بد من جمع بحيث يظهر حفاظه ، أو لا بد في كل بلد من ذلك محل نظر . قال بعضهم : ينبغي أن يكون كالقاضي والمفتي قال الرحماني : ولا يكفي في الإقليم مفت بل يجب أن لا يزيد ما بين كل مفتيين على مرحلتين ، وفي كل مسافة عدوى قاض وحافظ القرآن ، وأفتى بعض المتأخرين بأن الاشتغال بحفظه أفضل من الاشتغال بفرض الكفاية من سائر العلوم دون فرض العين منها ، وأجرة تعليم القرآن للصبي في ماله ، ومحل ذلك حيث كان في تعليمه القرآن أو غيره من الأحكام مصلحة ، فلو كانت المصلحة في تعليمه صنعة ينفق على نفسه منها مع احتياجه لذلك وعدم تيسر النفقة له إذا اشتغل بالقرآن ، فلا يجوز لوليه شغله به ولا يتعلم العلم ، بل يشغله بما يعود عليه منه مصلحة وإن كان ذكياً وظهرت عليه علامة النجابة ، نعم ما لا بد منه لصحة عبادته يجب تعليمه له ولو بليداً وأجرة التعليم في ماله إن كان له مال وإلا ففي مال وليه كما مر ، ولو كان الأب فقيهاً كما أفاده ع ش على م ر .
وأخرج البزار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله : ( إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن عليه خيمة من نور يهتدي بها أهل السماء كما يهتدي بالكوكب الدري في لجج البحار ، وفي الأرض القفراء ، فإذا مات صاحب القرآن رفعت تلك الخيمة فتنظر الملائكة من السماء فلا يرون ذلك النور فتتلقاه الملائكة من سماء إلى سماء ، فتصلي على روحه ثم تستغفر له إلى يوم يبعث ، وما من رجل يعلم كتاب الله ، ثم صلى ساعة من ليل أو نهار إلا أوصت به تلك الليلة الماضية الليلة المستقبلة أن نبهيه لساعته ، وأن تكوني عليه خفيفة ، فإذا مات جاء القرآن في صورة حسنة جميلة فوقف عند رأسه فتدرج في أكفانه فيكون القرآن على صدره دون الكفن ، فإذا وضع في قبره وسوّى عليه وتفرقت عنه أصحابه أتاه منكر ونكير فيجلسانه في قبره ، فيجيء القرآن حتى يكون بينه وبينهما فيقولان له : إليك عنه أي تنحّ عنه حتى نسأله ، فيقول : لا ورب الكعبة إنه لصحابي وخليلي ، فإن كنتما أمرتما بشيء فامضيا لما أمرتما ودعاني مكاني ، فإني لست أفارقه حتى أدخله الجنة ) . وفي هذا القدر كفاية . وورد : ( أن درج الجنة بعدد آيات القرآن ، وأنه يقال لصاحبه اقرأ وارق فآخر منزلته عند آخر آية يقرؤها ) . ولم يرد في سائر الكتب مثل ذلك ويخرج من هذا خصوصية ، وهو أنه لا يقرأ في الجنة إلا كتابه أي النبي ، ولا يتكلم في الجنة إلا بلسانه كما ذكره صاحب الخصائص .
تم الجزء الأول ، ويليه الجزء الثاني وأوله : كتاب الصلاة .(1/555)
"""""" صفحة رقم 2 """"""
الجزء الثانى
وأوله : كتاب الصلاة(2/2)
"""""" صفحة رقم 3 """"""
كتاب الصلاة
أي بيان حقيقتها وعددها وحكمها . وهي من خصائص هذه الأمة من حيث جمع الخمس والكيفية الآتية ، وهي أفضل عبادات البدن الظاهرة ، ففرضها أفضل الفرائض ونفلها أفضل النوافل وأفضلها الجمعة ، ثم عصرها ثم عصر غيرها ، ثم صبحها ثم صبح غيرها ، ثم العشاء ، ثم الظهر ، ثم المغرب وبعدها الصوم ، ثم الحج ثم الزكاة كما يأتي ق ل مع زيادة . وعبارة الرحماني : وأفضل العبادات بعد الإيمان طلب العلم العيني وأهمه ما يحتاجه المكلف حالاً ثم المصلاة ثم الصوم وسائر الشريعة فرضت بواسطة الوحي إلا الصلاة فإنها من الله لنبيه . وفي شرح المنفرجة لشيخ الإسلام : العبادة ما تعبد به شرط النية ومعرفة المعبود والقربة ما تقرب به بشرط معرفة المتقرب إليه والطاعة غيرهما لأنها امتثال الأمر والنهي . قال : والطاعة توجد بدونهما في النظر المؤدي إلى معرفة الله ، إذ معرفته إنما تحصل بالنظر والقربة توجد بدون العبادة في القرب التي تحتاج إلى نية كالعتق والوقف اه . فظهر أن بين الثلاث تبايناً بحسب المفهوم ، وأما بحسب التحقيق فبين الطاعة وكل من العبادة والقربة عموم مطلق ، فكل ما يصدق عليه أنه عبادة أو قربة يصدق عليه أنه طاعة ولا عكس ، والطاعة أعم الثلاث والعباد أخصها والقرية أعم من العبادة ، وأخص من الطاعة فهي أوسطها اه . وهي اسم مصدر . وأما المصدر فهو التصلية وألفها أصلها واو بدليل الجمع على صلوات قلبت ألفاً لوجود المقتضي ورسمت واواً تفخيماً وهي مأخوذة من صليت العود بالنار إذا عطفته لانعطاف أعضاء المصلي أو من الصلوين وهما عرقان في جانبي الخاصرة ينحنيان عند انحناء المصلي . واعلم أن الصلاة والزكاة والحياة إذا لم تضف تكتب بالواو على الأشهر اتباعاً للمصحف ، ومن العلماء من يكتبها بالألف أما إذا أضيفت فلا يجوز كتابتها إلا بالألف ، سواء أضيفت إلى ظاهر أو مضمر كما قاله ابن الملقن .
قوله : ( وهي لغة الدعاء بخير ) وتطلق أيضاً لغة على ما مر أو الكتاب ، وهو أنها من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن غيرهما تضرع ودعاء وقال النووي : وهذا معنى شرعي أيضاً . وقوله استغفار أي طلب المغفرة وإن لم يكن بلفظ اغفر كارحم واعف .
تنبيه : وقع السؤال لبعض الفضلاء عن صلاة الملائكة على النبي وصلاة الآدميين أيهما أفضل ؟ فأجاب بقوله : صلاة الآدميين عليه أفضل من صلاة الملائكة عليه ، ويؤيد هذا الجواب ما نقله الشهاب ابن حجر في بعض تصانيفه بقوله : ومنها أن طاعت البشر أكمل من طاعات الملائكة لأن الله تعالى كلفهم بها مع وجود صوارف عنها قائمة بهم وخارجة عنهم ،(2/3)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
ولا شك أن فعل الشيء مع مشقة ووجود الصارف عنه أبلغ من الطاعة والإذعان من فعله مع عدم ذلك ، إذ لا امتحان فيه بوجه اه .
قوله : ( ولتضمنها الخ ) فعلى بمعنى اللام أو باقية على معناها لتضمن الصلاة معنى التعطف فقوله ولتضمنها جواب ثان ، فكان الأولى أن يقول أو لتضمنها الخ . قوله : ( أقوال وأفعال ) والأقوال الواجبة خمسة تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والتشهد والصلاة على النبي بعده والتسليمة الأولى والأفعال الواجبة ثمانية : النية والقيام والركوع والاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد وللصلاة على النبي وللتسليمة الأولى والترتيب ، والمراد بالأقوال هنا والأفعال ما يشمل الواجب والمندوب ، والمراد بالأفعال ما يشمل الفعل القلبي فدخلت النية كما قاله العلامة ابن قاسم . قوله : ( بشرائط ) هذا ليس من بقية أجزاء التعريف ، إذ الماهية تتحقق في الذهن بدونها كما أنها توجد في الخارج بدونها كمن صلى محدثاً غير مستقبل اه ع ش على الغزي .
قوله : ( فتدخل صلاة الجنازة ) الأولى وتدخل بالواو . وقوله لأن قولهم علة لقوله فتدخل . وقوله : ( يشمل الواجب ) الخ والأفعال الواجبة في صلاة الجنازة هي القيامات عند كل تكبيرة لأن القيام لكل تكبيرة منزل منزلة فعل مستقل . وقوله : لقولهم الخ . علة للاستثناء المذكور في قوله غير التكبير والتسليم أي : والشيء قد يفتتح بما هو منه كافتتاح القرآن بالفاتحة وكما هنا وقد يفتتح بما ليس منه .
وحاصل كلام الشارح أن التعريف معترض بأنه غير جامع لخروج صلاة الأخرس وغير مانع لدخول سجود التلاوة والشكر مع أنهما ليسا من أنواع الصلاة . وحاصل الجواب أن صلاة الأخرس لا ترد لندرتها وسجدتي التلاوة والشكر خارجتان بلفظ أفعال ، إذ كل منهما فعل واحد مفتتح بالتكبير مختتم بالتسليم هكذا أجاب الشارح تبعاً لابن العماد . واعترض بأن سجدتي التلاوة والشكر ليستا فعلاً واحداً لاشتمالهما على النية والرفع من السجود . ويجاب بأن المراد أفعال مخصوصة كالركوع والسجود . وعبارة م د قوله فتدخل صلاة الجنازة أي بقوله في الغالب ، إذا لا أفعال فيها وكذا صلاة المريض وقد يقال لا حاجة لقوله في الغالب ، لأن صلاة الأخرس فيها بدل عن الأقوال وهو الإشارة بلسانه وشفتيه إليها ، لكن هذا خاص بمن عرض(2/4)
"""""" صفحة رقم 5 """"""
خرسه ، وأما صلاة الجنازة فالقيامات فيها أفعال ، وصلاة المريض فيها إجراء الأركان على قلبه ففيها فعل القلب على أن اعتبار الغالب يدخل سجدتي التلاوة والشكر ، فالمراد أقوال وأفعال ولو حكماً ، والتعريف باعتبار وضع الصلاة شرعاً فلا يضر عروض مانع كخرس ومرض . قوله : ( بخلاف سجدة التلاوة والشكر ) تعريفه على كون الأقوال والأفعال للغالب مما يتعجب منه ، فإن ذلك يقتضي إدخالهما لا إخراجهما ، وكان الصواب إسقاط قوله بخلاف الخ . وكأن مراده أن صلاة الأخرس لما كان فيها أفعال متعددة وصلاة الجنازة فيها أقوال متعددة كفى في إدخالهما النظر للغالب وسجدة التلاوة والشكر لما كانا فعلاً واحداً عرفاً خرجا بصيغة الجمع ، لأن كلاً من التكبير المقرون به النية والتسليم خارج بقوله مفتتحة بالتكبير الخ . فبقي فعل واحد فلا تدخل في الأقوال والأفعال وعبارة ق ل قوله بخلاف سجدة الخ . لا يخفى ما في هذه العبارة من الخلل والتناقض من وجوه شتى . والوجه أن يقال : المراد من الأفعال والأقوال الواجبة فقط حقيقة أو حكماً فتدخل صلاة الجنازة وتخرج السجدتان اه بالحرف . وفي دخول صلاة الجنازة نظر ، لأن الكلام في الصلاة ذات الركوع والسجود وحينئذ فلا ترد .
قوله : ( لأن قولهم ) الصواب أن يقول . وقولهم أقوال الخ . فيجعله فائدة لأنه لا يظهر كونه علة لما قبله لأنه إذا كان علة لقوله بخلاف الخ . اقتضى إدخالهما لا إخراجهما ، ويردّ بأن محط العلة والمقصود منها هو قوله غير التكبير والتسليم ، إذ المقصود إنهما لم يشتملا إلا على فعل واحد بعد إخراج التكبير والتسليم منهما ، فلم يدخلا في التعريف ، وإن كان علة لقوله فتدخل صلاة الجنازة صح لكن كان المتبادر على هذا أن يقول وتدخل صلاة بواو الاستئناف .
قوله : ( غير التكبير ) صفة للواجب وهذا مبني على أن ما كان مفتتحاً به الشي أو مختتماً به ليس منه ، ويلزم عليه إخراج النية من العبادات وهو فاسد لاتفاقهم على أن النية من أركان العبادات والتسليم من أركان الصلاة ، ولا يجوز أن يكون ركن الشيء خارجاً عن حقيقته وهو جزء منه ق ل . قوله : ( وسميت ) أي الأقوال والأفعال . وقوله : بذلك أي بالصلاة . قوله : ( لاسم الجزء الخ ) يرد عليه أن الجزء الذي يطلق على الكل لا بد أن يكون له مزية كإطلاق الرقبة على العبد في قوله تعالى : ) فتحرير رقبة } ) النساء : 92 ) والدعاء هنا هيئة . وأجيب : بأنه يشمل الدعاء الذي في الفاتحة أعني قوله : ) اهدنا الصراط المستقيم } ) الفاتحة : 6 ) الخ . قوله : ( على اسم الكل ) صوابه إسقاط لفظ اسم مع أن لفظ كل لا تدخل عليه لام التعريف في الفصيح ق ل . وقد يجاب بأنه من إضافة الصفة للموصوف أي الكل المسمى ، كذا قاله بعضهم وهو فاسد ، وكذا قول اج إنه من الإضافة البيانية اه . نعم أن أريد بالاسم المسمى صح .(2/5)
"""""" صفحة رقم 6 """"""
قوله : ( وأفضل ) عطف علة على معلول .
قوله : ( وفي بعض النسخ الصلوات الخ ) وهي أولى ليطابق قوله خمس من غير احتياج إلى جعل اللام في الصلاة للجنس . قوله : ( أي العينية ) أي المطلوبة من كل شخص بعينه خرج فرض الكفاية . قال العلامة م ر في شرح الزبد : فرض العين أفضل من فرض الكفاية لشدة اعتناء الشارع به لقصده حصوله من كل مكلف في الأغلب ، وإن زعم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين ووالده أن فرض الكفاية أفضل من فرض العين ، لأنه يصان بقيام البعض به الكافي في الخروج عن عهدته جميع المكلفين عن الإثم المترتب على تركهم له ، وفرض العين إنما يصان بالقيام به عن الإثم القائم فقط اه . والمعتمد الأول لأنه الذي عليه الجمهور اه .
فإن قلت يلزم على سقوطه بواحد أن لا يصح فعل واحد منهما بعد صدوره من آخر لسقوط الخطاب فيه ، وقد صرحوا بصحة ذلك في نحو صلاة الجنازة فما الجمع ؟ قلت : الذي يظهر أن في كل من فرض الكفاية وسنتها خطابين . أحدهما : يقصد به حصول الفعل بدفع الإثم في الأول أو خلاف الأولى أو الكراهة في الثاني ، وهذا هو الذي يسقط بالواحد . والثاني : يقصد به تحصيل الفعل لأجل مصلحة حصول الثواب وهذا الذي لا يسقط بالواحد بل لا بد من الإتيان به من كل فرد فرد بعينه . فإن قلت : يلزم على ذلك أن تكون سنة الكفاية متضمنة سنة العين . قلت : لك أن تلزمه لكن سنة العين التي تتضمنها سنة الكفاية ليست كسنة العين المطلوبة بخصوصها ، لأن هذه ليست في تركها كراهة ولا خلاف الأولى ، بخلاف تلك ولك أن تمنعه لأن هنا المتضمن لا يسمى سنة عين أصلاً لأن سنة العين هي التي طلبت مع النظر لفاعلها بالذات ، وهذه ليست كذلك ويلزم على ترتيب الثواب على حصولها كونها تسمى سنة عين كما لا يخفى قاله الشيخ ابن حجر اه شوبري .
قوله : ( في كل يوم وليلة ) ولو تقديراً فشمل أيام الدجال وصبيحة طلوع الشمس من مغربها اه . وحكمة اختصاص الخمس بهذه الأوقات تعبدي لا يعقل معناه ، وكذا خصوص عدد كل منها ومجموع عددها من كونه سبعة عشرة ركعة . وأبدى بعضهم لذلك حكماً . منها تذكر الإنسان بها نشأته إذ ولادته كطلوع الشمس ونشؤه كارتفاعها وشبابه كوقوفها عند الاستواء ، وكهولته كميلها وشيخوخته كقربها من الغروب وموته كغروبها ، زاد بعضهم وفناء جسمه كإنمحاق أثرها وهو مغيب الشفق الأحمر فوجبت العشاء حينئذ تذكيراً لذلك ، كما أن كماله في البطن وتهيؤه للخروج كطلوع الفجر الذي هو مقدمة لطلوع الشمس المشبه بالولادة(2/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
فوجبت الصبح حينئذ ، ومنها : حكمة كون الصبح ركعتين بقاء كسل النوم والعصرين أي الظهر والعصر أربعاً توفر النشاط عندهما بمعاناة الأسباب والمغرب ثلاثاً لأنها وتر النهار ولم تكن واحدة لأنها بتيراء تصغير بتراء من البتر وهو القطع ، وألحقت العشاء بالعصرين لينجبر نقص الليل عن النهار ، إذ فيه فرضان وفي النهار ثلاثة لكون النفس على الحركة فيه أقوى . ومنها : حكمة كون عددها سبع عشرة ركعة أن ساعة اليقظة سبع عشرة منها النهار اثنا عشرة ساعة ونحو ثلاث ساعات أول الليل وساعتين آخره فكل ركعة تكفر ذنوب ساعة ، لما روى ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله مرفوعاً أنه قال : ( إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فوضعت على رأسه أو على عاتقه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ) اه شرح م ر .
قوله : ( خمس ) ولا يرد الجمعة لأنها خامسة يومها وإيراد بعضهم لها مردود بقوله : كل يوم مع أن الإخبار بوجوب الخمس وقع قبل فرضها وحين فرضت لم تجمع مع الظهر . قال ح ل : وقد يجب في اليوم والليلة أكثر من ألف صلاة ، فقد ثبت في الحديث الصحيح : ( أن بعض أيام الدجال كسنة وهو أولها ، وثانيها كشهر ، وثالثها كجمعة ) . وسئل النبي عن ذلك اليوم هل يكفينا فيه صلاة يوم وليلة ؟ فقال : ( لا اقدروا له قدره ) والأمر في اليوم الأول بالتقدير ويقاس به الأخيران بأن يقدر قدر أوقات الصلاة وتصلي وهو جار في سائر الأحكام كإقامة الأعياد وصوم رمضان فيصلي الوتر والتراويح ، ويسر في المغرب والعشاء والصبح ومواقيت الحج ويوم عرفة وأيام منى ، وكذا العدة . وحينئذ يقال لنا امرأة مات زوجها وليست بحامل وانقضت عدتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، ويجري ذلك فيما لو مكثت الشمس عند قوم مدة .
قال الشعراني في الميزان : فإن قال قائل : فلم تكررت الصلاة عندنا في اليوم والليلة خمس مرات ؟ فالجواب كان ذلك من رحمة الله بنا لنتذكر ذنوبنا عند طهارتنا ويحصل لنا الرضا والشرف كلما وقفنا بين يديه ليجبر بذلك كله الخلل الواقع منا بالمعاصي والغفلات بين كل صلاة وصلاة فيتوب أحدنا ، ويستغفر مما جناه من المخالفات على حسب مقام ذلك المتطهر منا أو المصلي ، كما أنه إذا قال : أذكار الوضوء الواردة يغفر له ذنوبه الخاصة بالوضوء ، ثم إنه يقوم للصلاة فيغفر له ذنوبه الخاصة بالصلاة فإن كل مأمور شرعي إنما شرع كفارة لفعل وقع العبد فيه مما يسخط الله تعالى ، فيكون ذلك في مقابلته كفارة له كما يعرف ذلك أهل الكشف ، فلو كشف للعبد لرأى ذنوبه تتساقط يميناً وشمالاً ، وفيه كلام ينبغي الوقوف عليه . قال ح ل في السيرة ، قال بعضهم : والحكمة في جعل الصلوات في اليوم والليلة خمساً أن الحواس لما كانت خمسة والحواس تقع بواسطتها المعاصي كانت كذلك لتكون ماحية لما يقع في اليوم والليلة من المعاصي أي : بسبب تلك الحواس . وقد أشار إلى ذلك بقوله : ( أرأيتم لو كان بباب أحدكم نهر يغتسل منه في اليوم والليلة خمس مرات أكان ذلك يبقي من درنه ) أي وسخه(2/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
شيئاً . قالوا : لا ؟ قال : ( فذاك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا ) قيل : وجعلت مثنى وثلاث ورباع لتوافق أجنحة الملائكة كأنها جعلت أجنحة للشخص يطير بها إلى الله تعالى اه .
قوله : ( معلومة من الدين الخ ) أي علمها من الدين صار كالضروري وهو ما لا يتوقف على نظر واستدلال ، أو المراد به ما لا تجهله العامة والخاصة فلا يرد ما يقال . إن الضروري خاص بالمدرك بإحدى الخواص كما قرره شيخنا العشماوي ، والمراد بقوله معلومة من الدين بالضرورة أي بعد ثبوتها بالنص والإجماع ، كما يدل لذلك قوله : والأصل فيها الخ . وعبارة م د على التحرير معلومة من الدين بالضرورة أي اشتهرت اشتهاراً يقرّ بها من الضروري لا أنها ضرورية في نفسها لأن الضروري ما لا يفتقر إلى نظر واستدلال وهي لم تثبت إلا بالدليل اه . قوله : ( من الدين ) أي من أدلة الدين . قوله : ( والأصل فيها ) أي في فرضها وعددها ، وكانت مشروعيتها ركعتين في كل الخمس ثم زيد في الظهر . اثنان ثم في العصر كذلك ثم في المغرب واحدة ثم في العشاء اثنان ثم بقيت الصبح على مشروعيتها قبل لأنها تفعل غالباً في وقت الكسل واختصاصها بهذه الأوقات تعبدي على المعتمد كما تقدم .
قوله : ( أي حافظوا ) فيه أن المحافظة لا تؤخذ من الآية ، وفيه أيضاً أن السنن ليست واجبة فلا تؤخذ من الأمر الذي هو للوجوب فكان الأولى أن يقول أي ائتوا بها م د . وأجيب عن الأول : بأن المحافظة مستفادة من الإقامة لغة ، فقد قال في المصباح : أقام الصلاة أدام فعلها ، ومن المعلوم أن الدوام يستلزم المحافظة ، ولهذا قال الشارح دائماً ، وعن الثاني بأن الأمر يستعمل في مطلق الطلب فيشمل الواجب والمندوب .
قوله : ( وقوله تعالى : إن الصلاة الخ ) أتي بالآية الثانية لأجل بيان الوقت ، واقتصر على ذكر هاتين الآيتين مع قوله آيات لاشتهارهما ، وأما الأخبار فذكر منها ثلاثة كما سيأتي لأنه محتاج إليها قوله : ( أي محتمة مؤقتة ) وعبارة الجلال : كتاباً موقوتاً أي مفروضاً مكتوباً مقدراً وقتها فلا تؤخر عنه . قوله : ( فرض الله على أمتي ) وفي رواية عليَّ وعلى أمتي ، والمراد أمة الدعوة وهم الإنس والجن لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على المعتمد بدليل قوله تعالى : ) ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين } ) المدثر : 42 ) الآية . والمراد المكلفون من أمة الدعوة ، وقد ورد أن الملائكة لم يعطوا فضيلة قراءة القرآن ، ولذا يحرصون على استماعه من الإنس ، فإن قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها الإنس غير أنه بلغنا أن المؤمنين من الجن يقرأونه إلا أن يحمل لا عن ظهر قلب أو لا جميعه . قوله : ( خمسين صلاة ) أي في كل(2/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
وقت عشر صلوات وكانت كل صلاة ركعتين . وقوله : ( فلم أزل أراجعه ) أي بإرشاد من موسى عليه السلام ، والمراجعة تسع مرات وفي كلها يرى ربه بعيني رأسه على الأصح اه .
فإن قلت : لم لم يأمره إبراهيم بالرجوع لربه في شأن ذلك مع أنه مر عليه قبل موسى ؟ أجيب : بأنه خليل الله والخليل شأنه التسليم وموسى كليم الله والكليم شأنه الكلام . والحكمة في وقوع الصلاة ليلة الإسراء أنه لما قدس ظاهراً وباطناً حين غسل من ماء زمزم بالإيمان والحكمة ، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر ناسب ذلك أن تفرض في تلك الحالة وليظهر شرفه في الملأ الأعلى ويصلي بمن سلفه من الأنبياء والملائكة وليناجي ربه ، ومن ثم كان المصلي يناجي ربه جل وعلا . وقد وقع السؤال عن عبادته قبل فرض الصلاة ما هي وفي أي مكان كان يتعبد ، وهل ورد أنه كان يتعبد بشريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو لا ؟ وما كانت شريعته قبل ذلك ؟ وما فرض عليه من الصلاة قبل ليلة الإسراء هل كان بعد نزول القرآن أم لا ؟ وهل كان يقرأ في عبادته إذا ثبت كونه كان يصلي قبل ذلك أم لا ؟ وأجاب شيخنا : بأنه لم يتعبد بشريعة غيره من الأنبياء مطلقاً ، وعبادته قبل البعثة كانت شهراً في السنة في غار حراء بالمد يتفكر في آلاء الله تعالى ويكرم من يمر عليه من الضيفان ، ثم بعد البعثة كان عليه ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي كما قيل : ولم يثبت ما كان يقرأه فيهما والركعتان اللتان صلاهما بالأنبياء في بيت المقدس كانتا مما عليه ولم يثبت ما قرأه فيهما ، ثم رأيت في نزهة القراء أنه قرأ فيهما سورة الإخلاص اه برماوي . وقوله : سورة الإخلاص أي زيادة على الفاتحة لما ورد من أنها من أوائل ما نزل من القرآن . وقال الواحدي في أسباب النزول ولم يحفظ في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين اه .
قوله : ( حتى جعلها خمساً ) أي حتى في حقه ع ش خلافاً للسيوطي . فالمعتمد أن الخمسين صلاة نسخت في حقنا وفي حقه ، ولكن كان يفعلها على وجه النفلية وهذا بناء على ثبوت النسخ قبل تبليغ المنسوخ للأمة ، وقيل لا يسمى نسخاً حينئذ بل تخفيف . قال في فتح الباري : وفرضت أوّلاً ركعتين إلا المغرب فلم يزل يصليها كذلك شهراً أو أربعين يوماً ثم أمر بالزيادة إلا في الصبح والمغرب اه . ونقل عن ح ل أنه قال حتى المغرب فرضت ركعتين ثم زيدت ركعت كما تقدم ، وضبط السيوطي في الخصائص الصغرى الصلوات التي كان يصليها ، فبلغت مائة ركعة كل يوم وليلة أي : وهي مقدار الخمسين صلاة . وقال شيخا الحفناوي : الذي تلقيناه واعتمده بعض الحواشي أن الخمسين لم تنسخ في حقه ، وأنه كان يفعلها على سبيل الوجوب فما في ع ش خلاف المعتمد . ومثل ع ش البرماوي ولم يراجعه(2/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
بعد ذلك إشارة إلى أنه لو راجعه بعد ذلك لحط عنه الخمس وذلك يؤدي إلى رفع ما فرض عليه .
فإن قيل : هي في علم الله في الأزل خمس فما الحكمة في جعلها ليلة الإسراء خمسين ثم نسخها إلى الخمس ؟ والجواب : أنه إنما فرضها سبحانه وتعالى خمسين مع علمه في الأزل أنها خمس ليظهر شرف النبي بقبول شفاعته في التخفيف . وأجيب بغير ذلك اه . م د على التحرير .
قوله : ( وقوله للأعرابي ) أتي بهذا الحديث الثاني ، لأن الأول ذكر فيه العدد وهو لا يفيد الحصر ، وأما هذا الحديث الثاني فيفيد الحصر ، ولما كان ربما يتوهم من نسخ العدد نسخ الفرضية أيضاً أتي بالحديث الثالث في قوله وقوله لمعاذ لما بعثه إلى اليمن الخ .
قوله : ( قال : لا ) لا حاجة لقال لأنه يغني عنها قوله للإعرابي لا ؛ لأنّ لا مقول القول . قال ق ل : لا يخفى ما في هذا الاستثناء من الإشكال ، لأن قوله هل عليّ غيرها استفهام عن الواجب فقوله لا كاف في جوابه . وقوله : إلا أن تطوع لا يصح استثناؤه من غير الواجب لكونه أيضاً غير واجب ، لكنه يدل على أن النفل يلزم بالشروع وبه أخذ بعض الأئمة . ويجب بأن الاستثناء منقطع ، وقيل إلا أن تطوع بالنذر بأن تنذر نافلة كالوتر . قوله : ( وأما وجوب الخ ) وارد على قول المصنف خمس . قوله : ( ولم تدخل في كلامه ) أي لأنه لم يذكرها . وإنما ذكر الظهر فقول ق ل لا حاجة للاستدراك لأنها خامسة يومها اتفاقاً لا يفيد الجواب عن الإيراد ، لأن من بين الخمس بالظهر وما بعده وردت عليه الجمعة فلا يحسن الجواب عنه إلا بما ذكره الشارح أنه مبني على ضعيف بتنزيل البدل منزلة البدل منه . قوله : ( كما مر ) أي في الحديث بقوله : ( فرض الله على أمتي ليلة الإسراء ) الخ . قوله : ( وقيل بستة أشهر ) الراجح أنه قبلها ، بثمانية عشر شهراً سنة ونصف ق ل . والصحيح أن ليلة الإسراء ليلة سبع وعشرين في رجب ولم تعين الليلة أهي ليلة جمعة أو خميس أو غير ذلك ؟ حرر .
قوله : ( في شرح المسند ) الشرح للرافعي ، والمسند للإمام الشافعي وهو مجلدان(2/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
ضخمان ، واسم الرافعي عبد الكريم . وقوله : وأورد أي عبد الكريم . قوله : ( والعشاء كانت صلاة يونس ) قال السيوطي الثابت في الأحاديث الصحيحة أن العشاء خصيصة لهذه الأمة لم يصلها أحد قبل هذه الأمة . وقال سم : الأصح أن العشاء من خصوصياتنا ، ولا ينافي ما ذكر قول جبريل في خبره بعد صلاة الخمس : هذا وقت الأنبياء من قبلك : لاحتمال أن المراد أنه وقتهم على الإجمال وإن اختص كل ممن ذكر منهم بوقت ، كما ذكره ابن حجر ، وقد جمع بعضهم ما ذكر في اختصاص كل نبي بصلاة من الخمس في بيتين من بحر الطويل فقال :
لآدم صبح والعشاء ليونس
وظهر لداود وعصر لنجله
ومغرب يعقوب كذا شرح مسند
لعبد كريم فاشكرن لفضله
وعبد الكريم هو اسم الرافعي . والحاصل أن الصبح لآدم من غير خلاف فيها ، والظهر لداود ، وقيل لإبراهيم ، والعصر لسليمان وقيل ليونس وقيل للعزير ، والمغرب لعيسى وقيل كانت لداود وقيل ليعقوب ، والعشاء لموسى وقيل ليونس وقيل خصت بها هذه الأمة وهو الأصح .
قوله : ( وقد بدأ الخ ) حال من قوله . أول صلاة ظهرت أو معطوف على كانت ، فالبداءة بالظهر معللة بعلة مركبة على الأول معللة بعلتين على الثاني ، وتقدير العبارة وبدأ المصنف بالظهر لأنها أول صلاة ظهرت ، والحال أن الله بدأ بها ، أو ولأن الله بدأ بها ، وفيه أن الله أيضاً بدأ بالصبح في قوله : ) وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس } ) طه : 130 ) إلا أن يجاب بأن هذه نزلت أوّلاً لبيان الأوقات . قوله : ( لدلوك ) أي عند زوال الخ . والدلوك الميل .
قوله : ( أي صلاته ) كذا ذكره الشارح هنا وفيما يأتي ، وفيه إضافة الشيء إلى نفسه لأن الظهر اسم للصلاة ، وكذا ما يأتي بدليل قوله وسميت الخ . وبدليل قول المصنف ووقتها الخ . فلو سكت عن هذا التفسير لكان أولى إلا أن يقال هو تفسير بالأوضح ، والإضافة بيانية أو من إضافة المسمى إلى الاسم . وقال بعضهم : لما كان الظهر يطلق في اللغة على وقت الزوال فسره بقوله أي صلاته . قوله : ( سميت الخ ) هذا يدل على أنها مجاز مرسل علاقته الحالية ،(2/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
وقيل إن التسمية بالوضع والواضع هو الله على المختار ، وكذا يقال في باقي الصلوات . قوله : ( ظهرت ) أي في الإسلام فلا ينافي ما تقدم أن صلاة الظهر كانت لداود . قوله : ( فلم لم يبدأ ) أي النبي أو جبريل لا المصنف كما يدل عليه الجواب .
قوله : ( الأول أنه حصل التصريح الخ ) هذه العبارة تفيد أن التصريح بما ذكر قد ورد وعبارة م ر : وإنما بدأ بها وإن كانت أول صلاة حضرت الصبح لاحتمال أن يكون حصل له التصريح . قوله : ( الباب ) الأولى الكتاب . قوله : ( المواقيت ) جمع ميقات أصله موقات من الوقت وهو لغة مطلق الزمن ، واصطلاحاً جزء من الزمن محدود الطرفين وإنما بدأوا بالمواقيت لأنها أهم شروطها لأن بدخولها تجب الخ م د . قوله : ( لأن بدخولها ) اسم أن ضمير الشأن ولا بد من العزم على فعلها إن أخرها عن أوله ، وهذا غير العزم العام عند البلوغ أنه يفعل جميع الواجبات ويترك جميع المحرمات ق ل . وهو واجب على كل مكلف . قوله : ( تجب الصلاة ) أي وجوباً موسعاً إلى أن يبقى ما يسعها . فإن أراد تأخيرها إلى أثناء وقتها لزمه العزم على فعلها على الأصح في المجموع والتحقيق . وعبارة م د على التحرير . وتجب الصلاة بأول الوقت وجوباً موسعاً ، ومعناه أنه لا يأثم بتأخيرها أي إن عزم في أوله على فعلها فيه ولو مات قبل فعلها ، وقد بقي من وقتها ما يسعها ، والحج موسع ولكنه يأثم بالموت بعد التمكن من فعله ولم يفعله لأن تأخير وقته غير معلوم ، فأبيح له تأخيره بشرط أن لا يبادره الموت ، فإن بادره كان مقصراً بخلاف آخر وقت الصلاة فإنه معلوم ، فإن غلب على ظنه أنه يموت في أثناء الوقت كأن لزمه قود فطالبه وليّ الدم باستيفائه فأمره الإمام بقتله تعينت الصلاة في أوله فيعصى بتأخيرها عنه لأن الوقت تضيق بظنه ، وقياس ما مر عن ابن الصلاح وغيره أن الشك كالظن وهو قضية كلام التحقيق وغيره ، ثم لو لم يمت في أثنائه كأن عفا عنه وليّ الدم لا تصير بفعلها في باقي الوقت قضاء نظراً إلى أنه فعلها في المقدر لها شرعاً اه . قوله : ( وبخروجها تفوت ) أي أداؤها . قوله : ( وعشياً ) عطف على حين تمسون قوله : وله الحمد جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه .(2/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
قوله : ( أراد بحين تمسون الخ ) هو المشهور وبعضهم عكس في المساء والعشي فقال : أراد بحين تمسون العصر وبعشيا المغرب والعشاء . قال ق ل : وهو الأنسب ، هذا وكان الأولى أن يقول أراد بالتسبيح حين تمسون صلاة المغرب والعشاء الخ . وكذا يقدر في الباقي ، فالمراد بالتسبيح الصلاة ففي كلام الشارح مسامحة لأن التسبيح يطلق على الصلاة لغة كما في القاموس ، ولا يصح أن يكون من إطلاق الجزء على الكل لأن التسبيح هيئة منها ، وشرط إطلاق الجزء على الكل أن يكون للجزء مزية على غيره والأولى الاستدلال بقوله تعالى : ) فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه } ) ق : 39 ) اه ح ف .
قوله : ( أمّني جبريل ) أي صار إماماً لي . فإن قلت : إن جبريل لا يوصف بذكورة ولا بأنوثة ، فكيف صحت إمامته للنبي ؟ أجيب : بأن شرط الإمام عدم الأنوثة لا خصوص الذكورة . فإن قلت : يرد الخنثى فإن الأنوثة معدومة فيه مع أنه لا تصح إمامته للرجل . قلت : الشرط عدم الأنوثة يقيناً والخنثى معدومة فيه احتمالاً ويمكن وجودها فيه . قال م د : ولا ينافي أنه أفضل من جبريل عليهما الصلاة والسلام إجماعاً لأنه لا مانع من أن يؤم المفضول الفاضل . وذكر ق ل على المحلي أن هذه الصلاة كانت بركوع على الهيئة المعروفة خلافاً لمن قال : إنها كانت بلا ركوع ، وأتي بخبر جبريل بعد الآية لأنها لم تبين أول الأوقات ولا آخرها ، بل أشارت لها . وقوله : مرتين ، وانظر هل كان مستمراً عند البيت لما صلى المرتين أو كان يفارقه ويأتي له عند دخول وقت الصلاة ؟ الظاهر الثاني راجع . قوله : ( عند البيت ) أي الكعبة أي عند المحل المعروف بالمعجنة قريباً من الباب . قوله : ( حين زالت الشمس ) أي عقب زوال الشمس . قوله : ( وكان الفيء ) أي الظل . قوله : ( قدر الشراك ) أي : سير النعل ، وذلك قدر عرض أصبع أو أقل ، ولعل ذلك غير الوقت الذي يعدم فيه الظل لأنه حينئذ يدخل وقت الظهر بحدوث ظل ولو يسيراً .
قوله : ( حين كان ظله ) أي : عقبه . قوله : ( أي دخل وقت إفطاره ) إنما قدر ذلك لأن الصوم إذ ذاك لم يفرض اج . لأنه فرض في السنة الثانية من الهجرة أي : وكان هذا الوقت معلوماً كما قاله الشوبري .
قوله : ( فلما كان الغد ) استشكل بأن أول الغد الصبح . قلت : مراده بقوله فلما كان الغد(2/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
المرة الثانية بدليل أمني جبريل عند البيت مرتين اج . فلا ينافي أن أول الغد الصبح والمرة كناية عن فعل الخمس مبتدئاً بالظهر وخاتماً بالصبح . قوله : ( إلى ثلث الليل ) أي مؤخرة إلى ثلث الليل ، أو أن إلى بمعنى عند ولا حذف . قوله : ( فأسفر ) يحتمل أن يريد فرغ من الصلاة فدخل عقب فراغه منها في الإسفار ، وإلا فظاهره أنه أوقعها فيه والاختيار أن لا تؤخر إلى الإسفار أي : الإضاءة غزي أي فأسفر معطوف على مقدر وهو فرغ ، والظاهر عود الضمير على جبريل ، ومعنى أسفر دخل في السفر بفتح السين والفاء وهو بياض النهار ، ويحتمل عوده على الصبح أي : فأسفر الصبح في وقت صلاته ، ويوافقه رواية الترمذي : ( صلى الصبح حين أسفرت الأرض ) .
قوله : ( وقت الأنبياء ) أي على الإجمال وإن اختص كل منهم بوقت والألف واللام للجنس لا للاستغراق اج . وعبارة الشوبري قوله : هذا وقت الأنبياء أي : مجموعهم أي هذه أوقات الأنبياء فهو مفرد مضاف . فيعم . قال السيوطي : صحت الأحاديث أنه لم يصلّ العشاء أمة قبل هذه الأمة ، فيمكن حمل قوله وقت الأنبياء على أكثر الأوقات أو يبقى على ظاهره ويكون يونس صلاها دون أمته اه . قوله : ( والوقت الخ ) أي في غير المغرب لأن وقتها لم يختلف في المرتين . وقوله : ( ما بين هذين الوقتين ) أي ما بين ملاصق أول الأول مما قبله وملاصق آخر الثاني مما بعده ، وهذا من التقدير الذي تتوقف صحة الكلام عليه خصوصاً في وقت المغرب ق ل على الجلال . وهذا جواب عما يقال هذه العبارة تخرج نفس الوقتين .
قوله : ( كما شرع ) يقتضي أن وقت الفراغ من الظهر ثاني يوم وهو وقت الشروع في العصر أول يوم فلا يطابق المدعي وهو عدم اشتراكهما في وقت . قال ق ل : فلو قال كما شرع في العصر عقب ذلك كان مستقيماً اه . وأجيب : بأنه لما لم يكن بينهما واسطة اشتد بينهما الاتصال حتى صار آخر أولهما كأنه وقت أول ثانيهما ، لأن عبارة هذا الإمام ينبغي الاعتناء بتوجيهها ما أمكن م د . قوله : ( نافياً الخ ) قال سم على التحفة : ما المانع من حمله على ظاهره لأن محل كون ظل الشيء مثله لا يخرج به وقت الظهر ، إذ لا بد من قدر ظل الاستواء أيضاً وهو قدر يسع الظهر ؟ فليتأمل إلا أن يقال حين كان ظله مثله أي غير ظل الاستواء لا به اه م د على التحرير .(2/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
قوله : ( ويدل له ) أي لما قاله الشافعي . قوله : ( تبعهم ) جواب لما في قوله ولما صدّر الأكثرون الخ . قوله : ( أي وقت زوالها ) هذا بيان لصحة الإخبار وذلك لأن الزوال ليس وقتاً . قوله : ( يعني يدخل الخ ) يفيد أن وقت الزوال ليس من الوقت خلافاً لمقتضى كلام المصنف ق ل . وعبارة المنهج وشرحه : وقت ظهر بين وقتي زوال وزيادة مصير ظل الشيء مثله غير ظل الاستواء . قوله : ( وهو ) أي الزوال . قوله : ( إليه ) أي الوسط . قوله : ( إلى جهة الغرب ) متعلق بميل .
واعلم أنه جاء في حديث مرفوع : ( أنها إذا طلعت من مغربها تسير إلى وسط السماء ثم ترجع ثم بعد ذلك تطلع من المشرق كعادتها ) . وبه يعلم أنه يدخل وقت الظهر برجوعها لأنه بمنزلة زوالها ووقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله والمغرب بغروبها ، وفي هذا الحديث : ( أن ليلة طلوعها من مغربها تطول بقدر ثلاث ليال ) . لكن ذلك لا يعرف إلا بعد مضيها لانبهامها على الناس ، فحينئذ يلزمه قضاء الخمس لأن الزائد ليلتان فيقدران بيوم وليلة ، وواجبهما الخمس اه شرح م ر .
قوله : ( بل في الظاهر ) وإِلا فقد قال جبريل : إن حركة الفلك بقدر النطق بالحرف المحرك قدر خمسمائة عام ق ل على الجلال . وفي شرح البخاري للقسطلاني ، قال أبو طالب في القوت : والزوال ثلاثة : زوال لا يعلمه إِلا الله عز وجل ، وزوال تعلمه الملائكة المقربون ، وزوال يعلمه الناس . قال : وجاء في حديث : ( أنه سأل جبريل هل زالت الشمس ؟ قال : لا نعم . قال : ما معنى لا نعم ؟ قال : يا رسول الله قطعت الشمس من فلكها بين قولي لا نعم مسيرة خمسمائة عام ) اه . وقوله بين قولي لا نعم فيه حذف العاطف والمعطوف أي بين قولي لا وقولي نعم كقوله تعالى : ) لا نفرق بين أحد من رسله } ) البقرة : 285 ) أي بين أحد وأحد لأن بين لا تضاف إِلا إلى متعدد . والظل أمر وجودي يخلقه الله لنفع البدن وغيره وليس هو عدم الشمس كما قد يتوهم بدليل ما ورد أن للجنة ظلاً ممدوداً مع أنه لا شمس بها(2/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
والفيء أخص من الظل لأنه مختص بما بعد الزوال اه م د على التحرير . قوله : ( وذلك بزيادة الخ ) أي الميل في الظاهر . قوله : ( وذلك يتصور ) أي وحدوث الظل بعد عدمه يوجد الخ . ق ل .
قوله : ( في أطول أيام السنة ) فيه تجوّز ، وإنما هو في مكة قبله بنيف وعشرين يوماً وبعده كذلك ق ل .
فائدة : ذكر السيوطي لظل الاستواء في الإقليم المصري أقداماً مرتبة على الشهور القبطية لكونها لا تختلف في قوله :
جمعتها في قولي المشروح
جملتها طزه جباً أبدوحي
فهذه اثنا عشر حرفاً كل حرف بشهر من الشهور القبطية ، فأول الأحرف الطاء ولها تسعة من العدد ، والأول منها ما ذكره طوبى لمناسبة حرفه بعدده وهو تسعة أقدام ، وهكذا البقية فيزاد القامة عليها لدخول وقت العصر ، وإيضاح ذلك :
طوبه أمشير برمهات برموده بشنس بئونه أبيب مسرى توت بابه هاتور كيهك
9 7 5 3 2 1 1 2 4 6 8 10
قوله : ( فلو شرع ) تفريع على قوله في الظاهر . قوله : ( قبل ظهور الزوال ) أو معه . قوله : ( بعد ظل الزوال ) صوابه الاستواء ، وكذا قول الشارح الموجود عند الزوال وبعد ذلك فيه تسمح لأن الاستواء معنى من المعاني لا ظل له ، بل الظال إنما هو للشيء عنده ، فتكون الإضافة لأدنى ملابسة لأنه لما كان موجوداً عنده ساغت نسبته إليه م د على التحرير . قوله : ( أو شاخص ) كعود مستقيم القامة . قوله : ( من الخط ) لا حاجة إليه ق ل . قوله : ( ستة أقدام ونصف ) أي غير ظل الاستواء .(2/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
قوله : ( إلى آخره ) أي آخر الوقت وابتداؤه من أول الوقت لا من آخر وقت الفضيلة على الراجح . قوله : ( مثل ربعه ) المعتمد أن وقت الفضيلة بقدر اشتغاله بما طلب لتلك الصلاة وفعلها وفعل سننها اه ا ج . ووقت الاختيار وقت الجواز إلى أن يبقى ما يسعها . قوله : ( ووقت اختيار ) أي الوقت الذي يختار عدم التأخير عنه شرعاً اه مناوي . قوله : ( ولها وقت ضرورة ) وحينئذ ففي قول الأكثرين والقاضي الخ . تسمح ووجه التسامح أنهم أدخلوا وقت الضرورة والحرمة في وقت الجواز والاختيار .
قوله : ( ووقت حرمة ) أي وقت يحرم التأخير إليه فالإضافة لأدنى ملابسة . وعبارة م د على التحرير قوله : ووقت حرمة نوزع فيه ، فإن المحرّم التأخير إليها لا إيقاعها فيه ، ويرد بأن هذا لا يمنع تسميته وقت حرمة بذلك الاعتبار وعبارة شرح م ر : ويجاب بأن مرادهم بوقت الحرمة من حيث التأخير لا من حيث الصلاة ، ونظيره يجري في وقت الكراهة أيضاً . قال سم على البهجة : وكأن هذا المنازع ما فهم قط معنى الإضافة وهو تعلق ما بين المضاف والمضاف إليه ولا خفاء في ثبوت هذا التعلق هنا ، فإن الحرمة وصف للتأخير إليه فبينه وبين الحرمة ملابسة لأنه وقت ثبتت الحرمة عند التأخير إليه اه فلها ستة أوقات .
قوله : ( وإن وقعت أداء ) بأن وقع منها ركعة في الوقت وينبني على ذلك الصلاة في السفر كما إذا سافر وقد أدرك من الوقت ركعة فإنه يصح أن يقصرها لأنها مؤداة ، فإن لم تكن مؤداة بأن أدرك من الوقت ما لا يسع ركعة فلا يصح قصرها لأنها فائتة حضر كما نبه على ذلك ابن حجر في شرح العباب . قال م د على التحرير : وفي الأنوار لو أدرك آخر الوقت بحيث لو أدى الفريضة بسننها يفوت الوقت ، ولو اقتصر على الأركان تقع في الوقت فالأفضل أن يتم السنن اه . وحاصله : إن كان الباقي يسع جميع أركانها ولا يسع مع ذلك سننها ، فيجوز الإتيان بالسنن وإن لزم إخراج بعضها عن الوقت لأن هذا من باب المدّ بل الأفضل الإتيان بالسنن ، لأنها مطلوبة فيها ولا محذور في الإتيان بها ولا مانع منه ، لأن غاية الأمر أن يخرج بعضها وهو(2/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
جائز بالمد . قال م د : لا يقال كونه من باب المد مشكل لأن المد ليس بمطلوب وهذا مطلوب لأنا نقول هو يشبه المد من جهة دون أخرى ، فلشبهه بالمد جاز ولكونه فيه محافظة على سنن الصلاة كان أفضل قال : وهذا بخلاف ما إذا كان الباقي من الوقت لا يسع جميع أركانها ، فلا يجوز الإتيان بالسنن ، ويجب الاقتصار على الواجبات سم على التحفة . ولو شرع في صلاة من الصلوات الخمس وقد بقي من الوقت ما يسعها ومدّ بالتطويل في القراءة وغيرها من ذكر أو سكوت فيما يظهر حتى خرج الوقت جاز بلا حرمة ولا كراهة ، لكنه خلاف الأولى ، وإن لم يوقع في الوقت ركعة خلافاً للإسنوي ، ومن تبعه كابن المقري في روضة ، ومحل ذلك في غير الجمعة أما الجمعة فيمتنع تطويلها إلى ما بعد وقتها بلا خلاف ، والفرق بينها وبين غيرها توقف صحتها على وقوع جميعها في وقتها بخلاف غيرها ، لكنه إن أوقع ركعة أي في صورة المد الجائز كانت أداء وإِلا كانت قضاء لا إثم فيه ، وتلخص من ذلك أن المد هو التطويل بغير السنن ، بل هو بتطويل القراءة زيادة على ما تحصل به السنة أو الذكر أو بالسكوت في ركن طويل اه . قوله : ( ويجريان ) أي وقت الضرورة ووقت الحرمة والحاصل : أن الأوقات منها ما هو مشترك بين الصلوات الخمس وهو الفضيلة والاختيار والجواز بلا كراهة والحرمة والضرورة ، وأما وقت الكراهة فخاص بما عدا الظهر وانظر حكمته ووقت العذر خاص بما عدا الصبح لأنها لا تجمع أصلاً ، والمعتمد أن وقت الفضيلة والاختيار والجواز في جميع الصلوات تدخل بأول الوقت وتخرج متعاقبة إِلا في المغرب ، فإنها متحدة فيه دخولاً وخروجاً ، وإِلا في الظهر فإن وقت الجواز والاختيار يتحدان خروجاً أيضاً . وجملة أوقات الصلوات إما اثنان وثلاثون وقتاً أو ثلاثة وثلاثون وقتاً إذا اعتبرنا مفهوم وقت الفضيلة والاختيار في المغرب كذا نقل عن الطوخي . قوله : ( أي صلاتها ) كذا فعل في سابقه ولاحقه ، وذكر الضمير في بعضها مراعاة للفظ الوقت ، وكون معناه الزمان وأنث في بعضها نظراً لكون الوقت بمعنى اللحظة ولا ضرورة إليه ، لأن هذه الألفاظ صارت في الشرع أسماء لهذه الصلوات ، وإلى هذا يومىء كلام شارحه العبادي ، ويمكن رجوع ذلك إليه بجعل الإضافة للسان اه ع ش .
قوله : ( لمعاصرتها ) أي مقاربتها وقت الغروب كذا قيل . وفيه نظر لأن المشهور أن المعاصرة هي المقارنة بالنون كما يقال : معاصر فلان لفلان أي مقارن له ، والعصر ليست مقارنة للغروب ، ولو قيل لتناقض ضوء الشمس منها حتى يفنى تشبيهاً بتناقص الغسالة من الثوب بالعصر حتى تفنى أي الغسالة لكان أوضح كما قاله في التحفة ، وهي الصلاة الوسطى(2/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
وهذا قول من أقوال كثيرة لأنها بين النهارية والليلية فهي أفضل الصلوات . والدليل على أنها الوسطى ما صح من قوله : ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ) . فائدة : حبست الشمس مرتين لنبينا محمد إحداهما : يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه كما رواه الطحاوي وغيره ، والثانية : صبيحة الإسراء حين انتظر العير التي أخبر بوصولها مع شروق الشمس اه .
قوله : ( الزيادة ) أي وقت الزيادة على ظل المثل للشيء بعد ظل الاستواء إن كان أخذاً مما قبله سم . قوله : ( وعبارة التنبيه ) لا حاجة لذكرها لأنها مساوية لعبارة المتن لأن كلام المتن يصدق بأدنى زيادة أيضاً إِلا أن عبارة التنبيه أصرح في الأدنى بخلاف عبارة المتن ، فربما يتوهم أن الزيادة لا بد أن تكون كثيرة شيخنا .
قوله : ( بل هو ) أي قول الشافعي فإن جاوز الخ . قوله : ( وهي من وقت العصر الخ ) وعليه فلا تصح الجمعة في هذا الوقت لخروج وقت الظهر ، وعلى القول الثاني تصح الجمعة حينئذ أي : إن أمكن إيقاعها في هذا الزمن اليسير ، وعلى الثالث لا تصح أيضاً لذلك ، وكذلك نية العصر فعلى الأول تصح حينئذ لدخول وقتها ، وعلى الأخيرين لا تصح لعدم دخول وقتها فالخلف معنوي كما قاله حج . قوله : ( في وقت الاختيار ) أي الذي يختار أن لا تؤخر عنه . قوله : ( محمول على وقت الاختيار ) أي بالنسبة للعصر والعشاء والصبح ، وعلى وقت الجواز في الظهرين إذ لا يسمى ما بينهما اختيارياً كما لا يخفى . قوله : ( إلى غروب الشمس ) فيه تسمح حيث أدخل وقت الحرمة والضرورة في وقت الجواز قوله : ( فقد أدرك العصر ) أي مؤداة .(2/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
قوله : ( وروى ابن أبي شيبة الخ ) دفع به ما قد يتوهم من قوله فيما قبله أدرك العصر استمرار الوقت إلى تمامها بعد الغروب ، أو دفع توهم أنه إن أدرك دون ركعة خرج الوقت فنص على بقائه إلى الغروب شوبري .
قوله : ( بلا كراهة ) أي إلى الاصفرار وبها إلى الغروب شرح المنهج . قوله : ( ووقت كراهة ) أي إلى الغروب بحيث يبقى من الوقت ما يسعها . قوله : ( وإن قلنا إنها أداء ) أي بأن أدرك منها ركعة فأكثر في الوقت . قوله : ( وزاد بعضهم ثامناً الخ ) وزاد بعضهم أيضاً وقتاً تاسعاً يجري في جميع الصلوات يسمى وقت إدراك ، وهو ما لو طرأ المانع كالحيض والجنون بعد إدراك زمن من الوقت يسع تلك الصلاة فإنها تلزمه ا ج .
قوله : ( ولكن هذا رأي ضعيف ) أي والأصح أنها أداء كما كانت قبل الشروع فيها اه م ر . قوله : ( والمغرب ) هو لغة زمان الغروب لأنه اسم زمان ، واصطلاحاً الصلاة المفروضة التي تفعل عقبه اه م د . قوله : ( أي صلاتها ) هذا يدل على أن المغرب اسم لزمن الغروب بدليل تقدير المضاف .
وقوله بعد : ( سميت بذلك ) الخ . يدل على أن المغرب اسم للصلاة ففيه تناقض . وأجيب : بأنه لما كان المغرب لغة زمن الغروب فسره بالمعنى المراد هنا وهو الصلاة بقوله أي : صلاتها . وحينئذ تكون الإضافة بيانية في قوله صلاتها . وقوله بعد سميت الخ . بيان لوجه التسمية فلا منافاة تأمل ، وكذا يقال في غير مما يأتي من الأوقات . قوله : ( أي لا اختيار فيه ) أي لا اختيار فيه زائد على وقت الفضيلة لأن هذا الوقت وقت فضيلة وهو بقدر وقت الاختيار فهو مرادف له هنا كما يأتي ، ويقال له أيضاً وقت جواز بلا كراهة ، وهذا أولى مما في الحواشي كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( كما في الحديث المار ) راجع لقوله واحد .(2/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
قوله : ( بعد غروب الخ ) فيه تغيير إعراب المتن وحمله على ذلك بعد تصحيح كلام المتن لأنه يقتضي أن وقتها غروب الشمس مع أنه بعده ، والمراد الغروب الكامل الذي لا عود بعده .
قوله : ( غروب الشمس ) ولو تأخرت عن وقتها المعتاد كرامة لبعض الأولياء ، فلو عادت بعد الغروب عاد الوقت ووجب إعادة المغرب إن كان صلاها ، ويجب على من أفطر في الصوم الإمساك والقضاء لتبين أنه أفطر نهاراً ومن لم يكن صلى العصر يصليها أداء وهل يأثم بالتأخير إلى الغروب الأول أو يتبين عدم إثمه ؟ الظاهر الثاني ويشهد له قصة سيدنا علي رضي الله تعالى عنه وهي كما في مسند أحمد : ( أنه عليه نام في حجر علي رضي الله تعالى عنه حتى غابت الشمس ، فكره أن يوقظه ففاتته صلاة العصر ، فلما استيقظ ذكر ذلك للنبي فقال : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فردها عليه فرجعت الشمس حتى صلى عليّ العصر ) . وعلى ذلك يقال رجل أحرم بصلاة العصر قضاء عالماً بفوات الوقت فوقعت أداء . وصورته : أحرم بصلاة العصر بعد ما غربت الشمس ثم طلعت . قال ح ل : ولو غربت الشمس في بلد فصلى بها المغرب ثم سافر إلى بلد آخر فوجد الشمس لم تغرب فيه وجب عليه إعادة المغرب كما أفتى به والد شيخنا . قوله : ( لفعلها عقب الغروب ) هذا توجيه للتسمية . قوله : ( بزوال الشعاع ) هذا فيما فيه جبال أو فيه بناء فعلامته زوال الشعاع من رؤوس الجبال وأعالي الحيطان ، وأما الصحارى فيكفي فيها تكامل سقوط القرص وإن بقي الشعاع . قوله : ( ويمتد على القول الجديد الخ ) . لا يقال يلزم على الجديد امتتاع جمع التقديم أي تقديم العشاء معها ، إذ من شرط صحته وقوع الصلاتين في وقت المتبوعة وقد حضر وقتها فيما ذكر . لأنا نقول بعدم لزوم دلك لأن الوقت يسع الصلاتين ، لا سيما في حالة تقدم الشرائط على الوقت واستجماعها ، فإن فرض ضيقه عنهما لاشتغاله بالأسباب امتنع الجمع اه م ر مرحومي .
قوله : ( بمقدار ما يؤذن ) لو قال بمقدار الأذان لكان أولى لأن وقته معتبر في حق الأنثى كذا قال بعضهم . قلت : لا أولوية إذ قراءة المتن مبنياً للمفعول تفيد ذلك ، لكن لا يناسب قوله بعد ويقيم إذا لمناسب له أن يقال ويقام . قوله : ( وهو المسمى بوقت الفضيلة ) أي بالنسبة إلى المغرب خاصة لاتحادهما كما مر ، ولا يخفى أن قول جبريل والوقت ما بين هذيه الوقتين لا(2/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
يصح فيها ق ل . وتقدم توجيهه . قوله : ( وهو محل النزاع ) أي بين الجديد والقديم . قوله : ( فيه ) أي في خبر جبريل . قوله : ( بالوسط المعتدل ) أي بغالب الناس وهو الراجح ق ل . قوله : ( كذا أطلقه الرافعي ) أي كالجمهور وهو المعتمد خلافاً للقفال في اعتبار فعل نفسه لما يلزم عليه من اختلاف وقته باختلاف الناس ، ولا نظير له في بقية الأوقات اه م ر اه مرحومي . إذ يلزم عليه خروج الوقت في حق شخص دون آخر وهذا غير معهود . قوله : ( ويمكن حمل كلام الخ ) تبع فيه الأسنوي وقد تعجب منه الزركشي بأنه وجه آخر مغاير له فكيف يحمل عليه اه شرح العباب لابن حجر . ولم يرتض هذا الحمل لأنه اعتمد كلام الرافعي ورد كلام القفال . قوله : ( ولا تعجلوا على عشائكم ) بكسر العين وفتحها أي بأن تقدموا الصلاة عليه أو المعنى : لا تستعجلوا في عشائكم بل أشبعوا الشبع الشرعي ، وهذا أقرب بسياق الحديث لأنه للاستدلال على أن المراد الشبع الشرعي اه م د . فالتفسير الأول على كسرها والتفسير الثاني على فتحها . قوله : ( وإزالة الخبث ) أي من بدنه وثوبه ومكانه والمعتبر ما تتفق إصابته من النجس غالباً ، وإِلا ورد أن النجس المغلظ قد لا يزول لونه أو ريحه أو طعمه إِلا بحتّ وقرص واستعانة بنحو أشنان ، وربما يستغرق ذلك وقت المغرب على القديم قاله الإسنوي . قوله : ( لتناوله التعمم ) لأن المراد بالثياب الملبوس فيشمل ما ذكر . قوله : ( علق القول به ) أي بالقديم .(2/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
قوله : ( فيه ) أي في القديم . قوله : ( رواة ) تمييز محول عن اسم أن أي ولأن رواتها أكثر وإسنادها أصح . قوله : ( وقت فضيلة واختيار أول الوقت ) ويقال له أيضاً وقت جواز بلا كراهة ، فالثلاثة مشتركة في وقت واحد ، وسيأتي لها أربعة أوقات فالمجموع سبعة قال حج في التحفة . تنبيه : المراد بوقت الفضيلة ما يزيد به الثواب من حيث الوقت وبوقت الاختيار ما فيه ثواب دون ذلك من تلك الحيثية ، ثم قال : ظاهر ما ذكر تغايرهما وقد صرحوا باتحادهما في وقت المغرب ، وفي قولهم في نحو العصر وقت اختيارها من مصير الظل مثله إلى المثلين وفضيلتها أول الوقت . قلت : الاختيار له إطلاقان : إطلاق يرادف وقت الفضيلة ، وإطلاق يخالفه وهو الأكثر المتبادر فلا تنافي . قوله : ( ما لم يغب الشفق ) فيه تساهل لأنه أدخل فيه وقت الحرمة والضرورة والكراهة . قوله : ( ولها أيضاً وقت ضرورة ) فيكون لها سبعة أوقات . قوله : ( لما سبق ) أي في حديث أمني جبريل حيث قال فيه والعشاء حين غاب الشفق . قوله : ( الأصفر والأبيض ) أي فلا يتوقف دخول الوقت على غيبوبتهما ، لكن ينبغي تأخيرها لزوالهما خروجاً من خلاف من أوجبه .
تنبيه : قد يشاهد غروب الشفق الأحمر قبل مضي الوقت الذي قدره المؤقتون فيها وهو عشرون درجة ، فهل العبرة بما قدروه أو بالمشاهد ؟ وقاعدة الباب وكذا الأحاديث تقتضي ترجيح الثاني والإجماع الفعلي يرجح الأول وكذا يقال فيما لو مضى ما قدروه ولم يغب الأحمر اه فتح الجواد لابن حجر ، والمعتمد أن العبرة بالشفق لا بالدرج ولا يعمل بقولهم . واعلم أن المواقيت مختلفة باختلاف البلدان ارتفاعه ، فقد يكون زوال الشمس في بلد طلوعها ببلد آخر وعصراً بآخر ومغرباً بآخر وعشاء بآخر اه م د على التحرير .(2/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
قوله : ( ولهذا لم يقع التعرض له ) أي للأحمر . قوله : ( لا يغيب فيها شفقهم ) أي أو لا شفق لهم ا ج . قوله : ( يقدرون ) أي يقدرون وقت مغربهم ودخول وقت عشائهم فمفعول يقدرون محذوف كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( قدر ما يغيب ) أي بقدر ما يغيب وظاهره اعتبار مضيّ ذلك الزمن وإن تأخر عن طلوع شمسهم ، وقياسه أن وقت صبحهم يحصل بمضيّ زمن يطلع فيه فجر أقرب بلد إليهم اه مناوي على التحرير . قوله : ( بأقرب بلد إليهم ) بقي ما لو استوى في القرب إليهم بلدان ثم كان الشفق يغيب في إحداهما قبل الأخرى ، فهل يعتبر الأول أو الثاني ؟ فيه نظر . والأقرب الثاني لئلا يؤدي إلى فعل العشاء قبل دخول وقتها على احتمال اه ع ش على م ر . قوله : ( اعتبر من ليل هؤلاء بالنسبة الخ ) مثاله إذا كان من يغيب شفقهم أو من لا شفق لهم ليلهم عشرون درجة مثلاً وليل أقرب البلاد إليهم الذين لهم شفق يغيب ثمانون درجة مثلاً وشفقهم يغيب بعد مضي عشرين ، فإذا نسب عشرون إلى ثمانين . كانت ربعاً فيعتبر لمن لا يغيب شفقهم مضي ربع ليلهم ، وهو من مثالنا خمس درج فنقول لهم : إذا مضي من ليلكم خمس درج دخل وقت العشاء ذكره ا ج . قال الحلبي على المنهج : محل اعتبار النسبة إذا كان اعتبار مغيب شفق أقرب البلاد إليهم يؤدي إلى طلوع الفجر عندهم ، وإِلا فلا تعتبر بالنسبة بل يصبرون بقدر مغيب شفق أقرب البلاد إليهم ، فقول الشارح لا أنهم يصبرون بقدر ما يمضي ليس مسلماً على إطلاقه ولو عدم وقت العشاء كأن طلع الفجر لما غربت وجب قضاؤها على الأوجه من اختلاف فيه بين المتأخرين زي . ولو لم يسع أي لليل عندهم صلاة المغرب وأكل الصائم بأن كان بين الغروب وطلوع الفجر ما لا يسع إِلا قدر المغرب ، أو أكل الصائم قدم أكله لأنه تعارض عليه واجبان ، لأن الفطر واجب فراراً من الوصال فيقدم الأهم م د على التحرير . فإن انعدم الليل في بعض البلاد بأن كان يطلع الفجر عقب غيبوبة الشمس وجب قضاء المغرب أو العشاء . قال حج : ومقتضاه أن لا صوم عليهم لأنه على التقدير ، والأخذ بالنسبة لا يكون صلاة المغرب والعشاء بعد الفجر قضاء اه ح ل . وكون أكل الصائم واجباً تحرز من الوصال المحرّم .
قوله : ( يصبرون ) أي عن فعل العشاء . قوله : ( إلى ثلث الليل ) أي إلى تمام ثلث الليل الأول سم .(2/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
قوله : ( أي الصادق ) وسمي صادقاً لأنه يصدق عن الصبح وببينة قال في شرح الروض : سمي الأول كاذباً لأنه يكذب عن الفجر لأنه يضيء ثم يسودّ ويذهب ، والثاني صادقاً لأنه يصدق عن الصبح ويبينه اه . وقد ورد في الخبر إطلاق الكذب على ما لا يعقل وهو : ( صدق الله وكذب بطن أخيك ) لما أوهمه من عدم وصول الشفاء بشرب العسل م ر أي حين سأله وقال : يا رسول الله إن بطن أخي وجعة فأمره بأن يشرب العسل فشربه ولم يحصل له شفاء فقال : يا رسول الله لم يحصل له شفاء ، فقال له ما تقدم .
فائدة : قوله : ( وكذب بطن أخيك ) . قال الخطابي وغيره : أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ . يقال كذب سمعك أي زلّ فلم يدرك حقيقة ما قيل له ، فمعنى كذب بطنه أي لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه . وقال الإمام فخر الدين الرازي : لعله علم بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك ، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه عليه السلام كان عالماً بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك كان جارياً مجرى الكذب ، فلذا أطلق عليه هذا اللفظ كما في متن المواهب .
قوله : ( ليس في النوم تفريط ) في للسببية أي ليس بسبب النوم تفريط أي : إن نام قبل دخول الوقت فإنه لا يحرم وإن علم أنه يستغرق الوقت ولو جمعة قبل الزوال على المعتمد كما قاله ق ل وع ش . وكذا إن نام بعد دخول الوقت وقبل الصلاة إن وثق بيقظته ، والصلاة قبل خروج الوقت مع الكراهة ، فإن علم أنه يستغرق الوقت حرم أي : يأثم إثمين إثم ترك الصلاة وإثم النوم ، فإن استيقظ على خلاف ظنه وصلى في الوقت لم يحصل إثم ترك الصلاة ، وأما الإثم الذي حصل بسبب النوم فلا يرتفع إِلا بالاستغفار ، ويجب إيقاظ من نام بعد الوجوب من باب النهي عن المنكر ، ويسن إيقاظ من نام قبل الوقت إن لم يخش ضرراً لينال الصلاة في الوقت كما قاله ق ل . ولو غلب عليه النوم بعد دخول الوقت وعزمه على الفعل وأزال تمييزه فلا حرمة فيه مطلقاً ولا كراهة شرح م ر .
قوله : ( إنما التفريط على من لم يصل الخ ) عداه بعلى مع أنه إنما يتعدى بفي لأن في تتميم الكلام حذفاً أي : إثم التفريط اه ا ط ف . قوله : ( بدليل ) وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( وقت الصبح ما لم تطلع الشمس ) قوله : ( فبقي ) أي وقت العشاء .(2/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
وقوله : ( على مقتضاه ) وهو استمرار وقتها إلى وقت الأخرى . قوله : ( هو المنتشر ) أي من جهة المشرق فقط . قوله : ( معترضاً ) أي بعرض الأفق وهو حال مؤكدة وذلك لأن المنتشر هو المعترض . قوله : ( بعلوه ) بالواو من باب سما يسمو سموا ، وأما على يعلى من باب رضي يرضى فهو في الشرف وهو غير مناسب هنا . قوله : ( كذنب السرحان ) يرجع لقوله مستطيلاً كما يشير إليه الشارح .
قوله : ( ثم تعقبه ) أي في بعض الأوقات وقد يتصل بالصادق قال : وما أحسن قول ابن الرومي :
وكاذب الفجر يبدو قبل صادقه
وأول الغيث قطر ثم ينسكب
ومثل ذلك وجد العاشقين هوى
بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب
اه . دميري .
قال الشيخ جلال الدين إمام الفاضلية : وهو يطلع إذا بقي من الليل السبع اه عناني . ثم قال : ووقع السؤال عن الشمس والقمر إذا غربا هل يسيران تحت الأرض أو في السماء أم لا ؟ وأجيب : بأنهما إذا غربا يسيران تحت الأرض ، وهذا عند التحقيق لا ينافي ما ورد في السنة مما ظاهره خلاف ذلك وهذا أولى في الجمع بين الأدلة اه م د على التحرير مع زيادة . ثم رأيت في كشف الأسرار لابن العماد ما نصه : سؤال ، الشمس إذا غربت أين تذهب ؟ قال الطرطوشي في شرح الرسالة : اختلف في ذلك فقيل يبتلعها حوت ، وقيل تغرب في عين حمئة كما قال تعالى . والحمئة بالهمز ذات حمأة وطين وقرىء حامية بغير همز أي حارة ساخنة . قال الطرطوشي وقيل إنها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول : يا رب إن أقواماً يعصونك . فيقول الله تعالى لها : ارجعي من حيث جئت فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق ، وقال إمام الحرمين وغيره : لا خلاف أن الشمس تغرب عند قوم وتطلع على آخرين ، والليل يطول عند قوم ويقصر عند آخرين ، وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين أبداً . وسئل الشيخ أبو حامد عن بلاد بلغار كيف يصلون فإنه ذكر أن الشمس لا تغرب عندهم إِلا بمقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع فقال : يعتبر صومهم وصلاتهم بأقرب البلاد إليهم ، والأحسن وبه قال بعض الشيوخ أنهم يقدرون ذلك ويعتبرون الليل والنهار ، كما قال في يوم الدجال الذي كسنة وكشهر : ( اقدروا له ) حين سأله الصحابي عن الصوم والصلاة فيه ، وبلغار بضم الباء الموحدة وإسكان اللام وبالغين المعجمة وبالراء المهملة في آخره : أقصى بلاد(2/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
الترك ، وذكر لي بعضهم عمن أخبره أن الشمس إذا غربت عندهم من ههنا طلع الفجر وصار يمشي قليلاً ، ثم تطلع الشمس ، وبهذا الجواب المذكور يحصل الجواب عن تردد أبداه القرافي في قوم لا تغيب الشمس عندهم إِلا مقدار الصلاة ، فهل يشتغلون بصلاة المغرب أو يشتغلون بالأكل حتى يقوون على صوم الغد إذا كان شهر رمضان . وإذا علمت من هذه القاعدة أن الليل يقصر عند قوم ويطول عند آخرين ظهر لك وجه الجمع بين الروايات الواردة عنه عليه الصلاة والسلام في قوله : ( ينزل ربنا كل ليلة حين يذهب ثلث الليل ) وفي رواية : ( حين يذهب نصف الليل ويقول هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له ، من يقرض غير عديم ولا ظلوم ) : الحديث وكذا أجاب بعض العلماء بهذا الجواب ، وهو أن نزول الملك يكون دائماً نصف الليل . قال : ونصف الليل يكون نصفاً عند قوم وثلثاً عند آخرين ، فلا تنافي بين الروايتين . قال : والمعنى فيه أن الشمس إذا انتصف الليل أحدثت في العالم حركة بطبعها وحرارتها فلا يبقى حيوان نائم إِلا وتحرك لأنها حينئذ تقرب من الأرض فإذا تحرك استيقظ في الغالب ، وإذا استيقظ يلقاه المنادي ونشطه إلى القيام للطاعة فيقول : هل من مستغفر هل من تائب هل من طالب حاجة ؟ وفي هذه أسرار غريبة ومعان لطيفة فسبحان من هذا عطاؤه وجل من هذا قضاؤه اه بحروفه .
وذكر الكسائي في كتابه ( عجائب الملكوت في قدرة الحي الذي لا يموت ) . قال وهب بن منبه : خلق الله عز وجل الشمس من نور عرشه وخلق القمر من نور حجابه الذي يليه وكان كعب يقول : إن الشمس والقمر يؤتى بهما يوم القيامة فيقذفان في النار فقيل ذلك لابن عباس . فقال : كذب كعب إن الله تعالى أثنى على الشمس والقمر فقال في كتابه العزيز : ) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين } ) إبراهيم : 33 ) فكيف يقذفهما ؟ قال وهب : وقد وكل الله بهما جميعاً ملائكة يرسلونهما بمقدار ويقبضونهما بمقدار فذلك قوله تعالى : ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } ) الحج : 61 ) فما نقص من أحدهما زاد في الآخر ، وقال رسول الله : ( إن الله خالق الشمس والقمر من نور عرشه أحدهما أصغر من الآخر وطمس أصغرهما ، ولو كان تركهما على خلقتهما لم يعرف الليل من النهار ولا الأزمنة ، فأمر جبريل فمرّ بجناحه على وجه القمر ثلاث مرات فطمس عنه الوضوء فذلك قوله تعالى : ) فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } ) الإسراء : 12 ) فالسواد الذي في القمر شبه الخطوط آثار الممحو منه ، ثم خلق الله للشمس مجلة لها ثلاثمائة وستون عروة ووكل بالشمس والعجلة ثلاثمائة وستين ملكاً قد تعلق كل ملك بعروة من تلك العرى ، وخلق للقمر مثل ذلك وخلق لهما مشارق ومغارب في قطر الأرض وللسماء مائة وثمانون عيناً في المغرب من طينة سوداء تفور غلياً كغلي القدر ، ومثل ذلك في المشرق كل يوم تطلع من مطلع جديد وتغرب(2/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
في مغرب جديد ، وخلق بحراً دون سماء الدنيا له موج مكفوف فتجري فيه الشمس والقمر والكواكب في لجة ذلك ، ولو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء في الأرض ، ولو بدا القمر من ذلك البحر لافتنن العالمون بحسنه حتى يعبدونه من دون الله إلا ما شاء الله ، فإذا طلعت الشمس طلعت ومعها ثلاثمائة وستون ملكاً ناشرو أجنحتهم يجرونها بالتقديس والتهليل على قدر ساعات الليل والنهار ، فإذا غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء حتى تبلغ إلى السماء السابعة حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة لله تعالى وتسجد الملائكة الموكلون بها ، ثم يتحدرون بها من سماء إلى سماء حتى تبلغ بها إلى فلكها ، وذلك حين ينفجر الفجر فلا تزال تضيء حتى تغرب ، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة خلقها الله عند المغرب ، ولا يزال يرسل تلك الظلمة قليلاً قليلاً حتى ينشر جناحيه فيبلغان قطر الأرض وكنفي السماء فلا يزال يسوق الظلمة بالتقديس والتسبيح حتى يبلغ المغرب ، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق ولا يزال يقبض الظلمة شيئاً بعد شيء حتى يضيء النهار فذلك مسير الشمس والقمر ) اه .
فإن قيل : ما هذا السواد الذي يحدث في القمر ؟ قيل سئل علي عن ذلك فقال : إنه أثر مسح جناح جبريل عليه السلام ، وذلك أن الله تعالى خلق نور القمر سبعين جزءاً وكذلك نور الشمس ، ثم أتى جبريل فمسحه بجناحيه فمحا من القمر تسعة وستين جزءاً فحولها إلى الشمس ، فأذهب عنه الضوء وأبقى فيه النور فذلك قوله تعالى : ) فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } ) الإسراء : 12 ) وأنت إذا تأملت السواد الذي في القمر وجدته حروفاً أولها الجيم وثانيها الميم وثالثها الياء ، واللام أنف آخر الكل مكتوب عليه جميلاً ، وقد شاهدت ذلك وقرأته مرات فسبحان من خلقه جميلاً .
فإن قيل : إذا جاء الليل أين يذهب النهار ، وإذا جاء النهار أين يذهب الليل ؟ قل : إنهما في كفي ملك في إحدى يديه نور وفي الأخرى ظلمة ، فالظلمة دائمة والنور يجيء ويذهب . وفي سيرة الحلبي قال بعضهم في قوله تعالى : ) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } ) يس : 37 ) إن الليل ذكر والنهار أنثى فالليل كآدم والنهار كحواء ، وقد ذكر أن الليل من الجنة والنهار من النار ومن ثم كان الأنس بالليل أكثر اه .
قال الشعراني في الدرر قلت لشيخنا رضي الله عنه : رأيت في كلام بعضهم أن الليل ذكر والنهار أنثى هل ذلك صحيح ؟ قال رضي الله عنه : نعم . فلما تغشى الليل النهار توالداً فظهرت الكائنات من غشيان الزمان فالمولدات كلها أولاد الزمان ، فقلت له : فإذا استخراج النهار الذي هو أنثى كاستخراج حواء من آدم فقال نعم . ) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } ) يس : 37 ) كما أن استخراج الليل الذي هو ذكر كاستخراج عيسى ابن مريم . وهنا أسرار لا(2/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
تذكر إِلا مشافهة فإذا خاطب أبناء الليل قال : ) يولج الليل في النهار } ) الحج : 61 ) وإذا خاطب أبناء النهار قال : ) يولج النهار في الليل } ) الحج : 61 ) فهو معنى قوله : ) ولا الليل سابق النهار } ) يس : 40 ) فنزل ذلك عليه تجدهما سواء بهذين المعنيين والله عليم حكيم .
فإن قيل : الليل أفضل أم النهار ؟ قيل ، قال النيسابوري : الليل أفضل لوجوه : أحدها : أن الليل راحة والراحة من الجنة والنهار تعب والتعب من النار ، وأيضاً الليل حظ الفراش والنهار حظ اللباس ، ولأن الله تعالى سمى ليلة خيراً من ألف شهر ، وليس في الأيام مثلها ، ولأنه وقت الصلاة التي كانت مفروضة أي فهو وقت فاضل ، وهذا يدل على أن وجوب صلاة الليل نسخ في حقه وحقنا وهو الراجح كما في الحلبي على معراج الغيطي . وقيل : النهار أفضل لأنه نور ، وأيضاً لا يكون في الجنة ليل ، وأيضاً النهار للمعاد والمعاش .
فإن قيل : ما الليل والنهار ؟ قيل : هما يخرجان من كفي ملك في إحدى يديه نور ، وفي الأخرى ظلمة فيقال الظلمة دائمة والنهار يجيء ويذهب . قال النيسابوري : ومنه يعلم أن نور الفجر ليس من نور الشمس كما ذكره ابن العماد في كشف الأسرار .
قوله : ( فلها سبعة أوقات ) لم يتقدم في كلام المصنف إِلا ثلاثة فكان الأولى الإتيان بالواو لإبقاء التفريع .
قوله : ( وهو بضم الصاد وكسرها ) ظاهره استواء اللغتين مع أن الكسر لغة قليلة وعبارة بعضهم وحكي كسرها . قوله : ( سميت به ) فهو من إطلاق المحل على الحال وهو الصلاة مجازاً ولها خمسة أسماء الصبح والفجر والبرد والوسطى على قول ضعيف والغداة . قوله : ( يجمع بياضاً وخمرة ) أما البياض فهو الفجر الصادق ، وأما الحمرة فمن شعاع الشمس قبل طلوعها ، ومعلوم أن الفجر يمتد إلى طلوع الشمس فصح قوله الذي يجمع بياضاً وحمرة م د . قال بعضهم : إن قول الشارح يجمع بياضاً وحمرة فيه نظر ، لأن الفجر إنما يجمع ذلك بعد مضي زمن كثير من وقتها فيقتضي أنها تؤخر لذلك عن أول وقتها وليس كذلك ، وإنما تفعل في(2/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
أول الوقت والفجر حينئذ بياض لا حمرة فيه ، فلو قال لأنها تفعل عقب الفجر والفجر فيه بياض حينئذ والشيء الذي فيه بياض يقال له صبح كان أولى . قوله : ( لحديث جبريل ) أي بالنسبة للمرة الأولى . قوله : ( علقه على الوقت ) أي قيده بالوقت الخ لأن فعله فيه يدل على التقييد به كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( لخبر جبريل السابق ) أي بالنسبة للمرة الثانية .
قوله : ( والمراد بطلوعها هنا ) احترز به عما سيأتي في صلاة الكسوف من أنه لو ظهر بعضها صلى للباقي فلم يلحقوا ما لم يظهر بما ظهر ح ل . قوله : ( إلحاقاً لم يظهر بما ظهر ) فكأنها كلها طلعت بخلاف غروبها فإنه لا بد من سقوط جميع القرص ، فإذا غاب البعض ألحق ما لم يظهر بما ظهر فكأنها لم تغرب اه زي . قوله : ( فلها ستة أوقات ) الأولى التعبير بالواو على قياس ما مر ، وليس لها وقت الفور لأنها لا تجمع مع ما قبلها ولا مع ما بعدها . قوله : ( وهي نهارية ) أي شرعاً وليلية على القول بأن أول النهار من طلوع الشمس ولذلك طلب فيها الجهر اه وليس فيما ذكره الشارح دليل لما ادّعاه ق ل . قوله : ( في ذلك ) أي في أنها نهارية . قوله : ( إذ لا قنوت الخ ) هو مبني على أن المراد بالقانتين في الآية من يأتي بقنوت الصبح وليس كذلك ، وإنما المراد به العبادة والطاعة مطلقاً فراجعه ق ل . أي وقوموا لله مطيعين شرح مسلم .
قوله : ( والصلاة الوسطى ) بالجر أي : ) اكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } ) البقرة : 238 ) بالجر وصلاة العصر بالجر أيضاً ، وهذه الكلمة قرآن عند عائشة بدليل قولها سمعتها من رسول الله ، إِلا أنها من القراءة الشاذة عند غيرها ، ولذلك لم تقرأ عند غير عائشة كذا ذكره الشارح بالعطف كالبيضاوي . وصريح كلام السيوطي في الاتقان عدم(2/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
العطف ونصه ، قال أبو عبيد : المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة ، وتبيين معانيها كقراءة عائشة وحفصة : ) والصلاة الوسطى صلاة العصر } ) البقرة : 238 ) اه ولعلهما روايتان ، لكن على حذف الواو تكون نصاً في أن الوسطى هي العصر اه ورأيت في بعض كتب القراءة الشاذة قوله : والصلاة الوسطى يقرأ بالنصب حملاً على موضع الصلاة ، أو على تقدير واحفظوا الصلاة الوسطى . قوله : ( سمعتها ) أي هذه الآية المشتملة على وصلاة العصر ، وهذا كان قبل تحرير المصاحف كما قاله المرحومي .
قوله : ( إذ العطف يقتضي التغاير ) أي فيفيد أن صلاة العصر مغايرة للوسطى ، لكن هذا لا يدل على أن الوسطى هي الصبح ، والشارح ذكره دليلاً على كونها الصبح ، لأن غاية ما يفيده أنها ليست العصر ، وأما كونها الصبح فلم يستفد منه لاحتمال أنها غيرها اه وعبارة ق ل قوله : إذ العطف الخ وقد يرد بجعله عطف تفسير فلا يخالف ما بعده . قوله : ( ولا يقال فيه قولان ) عبارة م ر . ولا يقال في المسألة قولان فقوله هنا فيه أي في مذهبه . وفيه نظر ، فإنه قد حكي فيه القولان في مسائل كثيرة .
قوله : ( ويكره تسمية المغرب عشاء ) وإن قيدت بالأولى إِلا مع التغليب خلافاً لشيخ الإسلام ق ل . قال في العباب : ولا يكره أن يقال لهما عشاءان اه وهذا هو التغليب وما ورد من تسميتها بذلك بيان للجواز أو خطاب لمن لا يعرفها إِلا به كما قاله ع ش . قوله : ( وتسمية العشاء عتمة ) لما فيه من البشاعة والاستهجان من حيث إضافة الصلاة للعتمة التي هي ذهابهم لحلاب الإبل في هذا الوقت فربما توهم أن الصلاة لهذا المعنى . قوله : ( نص في الأم على أنه يستحب ) أي فالتسمية خلاف الأولى . قوله : ( والأول ) أي الكراهة هو الطاهر .(2/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
قوله : ( ويكره النوم الخ ) محل الكراهة إذا وثق من نفسه بيقظته في الوقت وإِلا حرم وغير العشاء مثلها ، ولا يحرم النوم قبل الوقت ، وإن علم عدم استيقاظه فيه لأنه لم يخاطب بالصلاة قبل دخول وقتها ، بل وإن قصد عدم فعلها في وقتها كما إذا نام قبل دخول وقت الجمعة قاصداً تركها فلا يحرم أي : وإن قلنا بوجوب السعي على بعيد الدار ، والفرق أنه لما كان بعيد الدار لا يمكنه الذهاب إلى الجمعة إِلا بالسعي قبلها نزل ما يمكنه فيه السعي منزلة وقت الجمعة ، لأنه لو لم يعتبر لأدى إلى عدم طلبها منه ، والنوم لما لم يكن مستلزماً لتفويت الجمعة اعتبر لحرمته أي النوم خطابه بالجمعة وهو لا يخاطب قبل دخول الوقت ، لكن في سم على حج أن حرمة النوم قبل الجمعة هو قياس وجوب السعي على بعيد الدار ، وظاهر أنه لو كان بعيد الدار وجب عليه السعي قبل الوقت وحرم عليه النوم المفوت ، لذلك السعي الواجب ع ش على م ر .
قوله : ( قبل صلاة العشاء ) ومثلها بقية الصلوات ، وإنما خصت بذلك لأنها محل النوم . قوله : ( ويكره الحديث بعد فعلها ) إلا إذا جمعها تقديماً مع المغرب فلا يكره إلا بعد دخول وقتها الأصلي ومضيّ وقت الفراغ منها غالباً شوبري عن ابن حجر ، وأقره شيخنا ح ف قال سم . وفارق الكراهة فيما إذا جمع العصر مع الظهر تقديماً حيث كرهت الصلاة بعده ، وإن لم يدخل وقت العصر بأن المعنى الذي لأجله كره الحديث بعدها مفقود وكراهة الصلاة بعد العصر منوطة جعلها وقد وجد كما هو واضح اه . إنما لم يكره الحديث قبل الفعل لأن الوقت باعث على تركه بطلب الفعل فيه كما في ق ل على الجلال . وألحق بالحديث نحو الخياطة ، ولعله لغير ساتر العورة ومثل الخياطة الكتابة ، وينبغي أن لا تكون للقرآن أو لعلم منتفع به كما صرح به ح ل . والمراد الحديث المباح في غير هذا الوقت أما المكروه ثم فهو هنا أشد كراهة وكذا المحرم . قوله : ( إلا في خير ) أي وإلا المسافر فلا يكره له الحديث بعدها مطلقاً سواء كان السفر طويلاً أم لا . وسواء كان في خير أم لحاجة السفر ع ش على م ر . قوله : ( وإيناس ضيف ) أي غير فاسق أما هو فيحرم إيناسه لأنه يحرم الجلوس مع الفساق زي . وذكر حج في شرح الأربعين أن الأوجه عدم الحرمة ويوجه قولهم بحرمة إيناسهم بالجلوس معهم على غير هذه الحالة ، وظاهر قوله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) يشمل الفاسق . ويحتمل الحرمة ردعاً وزجراً . وقد قيد ح ل وع ش على م ر سنّ إيناس الضيف بكونه غير فاسق ، أما هو فلا يسن إيناسه وهو المعتمد وانظر هل إيناسه حرام ردعاً وزجراً أو مكروه أو خلاف الأولى ، لأن عدم سن إيناسه صادق بذلك حرر . وفي ع ش على م ر أن إيناسه لكونه فاسقاً حرام ، وكذا إذا لم يلاحظ في إيناسه شيئاً ، وأما إيناسه لكونه شيخه أو معلمه فيجوز كما(2/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
أفاده شيخنا ح ف . قوله : ( عند زفافها ) ليس قيداً ، ولذا عطف عليه قوله ومحادثة الرجل أهل لملاطفة عطف عام على خاص فالأولى حذف قوله وزوجة ، لأن ما بعده يغني عنه . وعبارة ا ط ف قوله : ومحادثة الرجل أهله لملاطفة أي ولو كانت فاسقة وأطلق في محادثة الأهل فيشمل وقت الزفاف وغيره ، إذ ملاطفة الزوجة مطلوبة مطلقاً زفت أو لا . خلافاً لمن قيده بوقت الزفاف . قوله : ( لمفسدة متوهمة ) وهي خوف فوت الصبح . لا يقال درء المفاسد مقدمّ على جلب المصالح المشار إليه بقوله إلا في خير . لأنا نقول محل ذلك إذا كانت المفسدة محققة . قوله : ( عامة ليله ) أي أكثره . قوله : ( عن بني اسرائيل ) أي عن عبادهم وزهادهم ليحمل ذلك الصحابة على التخلق بأخلاقهم . قوله : ( ذكر رسول الله الدجال ) فعال بفتح فتشديد من الدجل وهو التغطية أو الخلط لكثرة خلطه الباطل بالحق ، وهو بشر من بني آدم وموجود الآن واسمه صاف بن صياد ، وكنيته أبو يوسف وهو يهودي كما نقله ع ش على م ر عن المناوي . وفي ا ط ف : أن اسمه عبد الله يخرج آخر الزمان يبتلي الله عباده به ويقدره على أشياء تدهش العقول وتحير الألباب يعثر بها بعض العباد ، ويثبت الله من سبقت له السعادة .
قال البسطامي : والدجال رجل قصير كهل برّاق الثنايا مهدي اليهود وينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي . ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل عريض الصدر مطموس العين يدّعي الربوبية معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه . وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان فلا يسمعه أحد إلا تبعه إلا من عصمة الله تعالى ، قال : ومن أمارات خروجه يهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة الزنا وسفك الدماء ، وركون العلماء إلى الظلمة ، والتردد إلى أبواب الملوك ، ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى وسرابادين ومدينة العوازان ومدينة أصبهان ، ويكون خروجه إذا غلا السعور ، ويخرج على حمار ويتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ويستظل في أذن حماره خلق كثير ويمكث في الأرض أربعين يوماً ، ثم تطلع الشمس يوماً حمراء ويوماً صفراء . ثم يصل المهدي بعسكره إليه فيلقاه ويقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً فينهزم الدجال ، ثم يهبط عيسى إلى الأرض وهو متعمم بعمامة خضراء متقلد بسيف راكب على فرس وبيده حربة ، فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله اه .
وقال ابن حجر : أما خروج الدجال من قبل المشرق فجزم . وفي رواية : أنه يخرج من(2/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
خراسان ، وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان . وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أوّلاً فيدعو الناس إلى الإيمان والصلاح ثم يدّعي الإلهية كما أخرجه الطبراني .
فإن قلت : ينافي خروجه من خراسان أو أصبهان ما أخرجه أبو نعيم من طريق كعب الأحبار : ( إن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ) . قلت : لا لاحتمال أن يولد فيها ثم يرحل إلى المشرق وينشأ فيها ثم يخرج ، وقال البسطامي في كتاب الجفر الأكبر ، قال أبو بكر الصديق : يخرج الدجال فيما بين العراق وخراسان يخرج معه أصحاب العقد ويتبعه خمسة عشر ألفاً من نسائهم ، ويخرج من أصبهان وحدها سبعون ألفاً ، ويمر الدجال بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار ، فجنته خضرة وناره دخان ، ومعه جبل من خبز وهو جبل البصرة الذي يقال له سنام ، ومعه مهل من ماء فمن آمن به أطعمه وسقاه وإلا قتله وقال : أنا ربكم اه .
قال عياض : وما ذكر في ذلك من الأحاديث حجة لأهل السنة في صحة وجود الدجال ، وأنه رجل معين ابتلى الله به عبادة ويقدره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله ، وظهور الخصب والأنهار في الجنة والنار ، واتباع كنوز الأرض ، وأمره السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ثم يبطل أمره ويقتله عيسى ، وقد خالف في خروجه بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية ، فأنكروا وجوده وردّوا الأحاديث الصحيحة وما زعموه يرده الأخبار المفيدة للقطع .
وقال ابن العربي : شأن الدجال في ذاته عظيم والأحاديث الواردة فيه أعظم ، وقد انتهى الخذلان بمن لا توفيق عنده إلى أن قال : إنه باطل كذا في المناوي على الخصائص مع زيادة .
ويروى : ( أنه إذا كان في آخر الزمان تخرج امرأة من البحر فتدعو الخلائق إلى نفسها فلا يأتيها أحد إلا كفر ، فيمكث الناس أعواماً بعد ذلك فيمسك الله عنهم الغيث ، ويتوالى القحط ثم يأتي من السماء دخان عظيم يغشى أهل الأرض ، فبينما الناس كذلك في الجهد العظيم إذ خرج عليهم الدجال لعنه الله جعد قطط أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية مكتوب بين عينيه كافر يقرأ ذلك كل مؤمن ) .
ويروى : ( أن رجلاً كان في الزمن الخالي كان في سفينة مع قوم قامت بهم إلى جزيرة فوجد فيها الدجال وهو محبوس في دير عظيم قد أدخل في موضع تحت الأرض وهو مغلغل مسلسل مقيد ، وقد وكل به رجل عظيم الخلق بيده عمود من حديد إذا أراد أن يتحرك ضربه فسكن ، وجعل بين يديه ثعبان عظيم يهم بأكله كلما تنفس ، فلما دخل ذلك الرجل ورآه فزع منه فصاحه الدجال وسأله من أين هو ؟ فأخبره . فسأله عن الزمن وما حاله ما حال أهله ؟ فوصف له ذلك ، فلما ذكر أن محمداً بعث تنفس وهمّ بالخروج ، وكان قد تعاظم طول ما وصف له ذلك الرجل ، فجاءه الموكل به فضربه بذلك العمود وقال له : اهدأ فليس هذا أوانك(2/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
إذا أراد الله إنجاز وعده وانفاذ حكمه ، وتمّ انقضاء الدنيا أذن له بالخروج فيخرج عند شدة الجوع ومعه قصعة يظن الناس أن فيها طعاماً لشدة ما بهم من الجهد والبلاء ، ويتبعه يومئذ اليهود ، ويقود وراءه نهرين من ماء ويدّعي الربوبية ، ويقتل رجلاً ثم يحييه بإذن الله تعالى ، فقد ورد أنه يقتل الخضر بالسيف نصفين ويمشي بالحمار بينهما ثم يحييه ، ويقول له : ألم تزدد بي إيماناً : فيقول له : ما ازددت إلا تكذيباً لك وتصديقاً بمحمد ، لأنه أخبر بذلك ، ويفعل معه ذلك ثلاث مرات أي يحييه ويقتله ويحييه ويقتله زيادة على المرة الأولى ، كل ذلك فتنة وبلاء مبين ، فعند ذلك يفتتن به الناس ويرتدون عن الإسلام إلى دينه دين اليهودية .
ويروى : أن الدجال لعنه الله يخترق الأرض كلها سهلها ووعرها وقفرها وعمرانها في ثلاثة أيام إلا حرم مكة وحرم المدينة فإنه لا يدخلهما ، فإذا أراد الله هلاكه وهلاك من معه دفع إلى ناحية دمشق ، فبينما الناس يمرجون خوفاً من قدومه ، إذ نزل عليهم من السماء عيسى ابن مريم فيقيم الصلاة في مسجدها الأعظم فيصليها فإذا همّ الدجال بدخولها عرف الناس عيسى عليه السلام ويجتمعون إليه فيخرج بهم إلى الدجال ، فإذا رأى الدجال عيسى ابن مريم ذاب كما يذوب الرصاص ويتصاغر العظمته ، فيرميه عيسى عليه السلام بالحربة فيقتله وينهزم من معه من اليهود ويقتلون قتلاً عظيماً .
ويروى : ( أن المسلم يطلب اليهودي فيستتر بحجر أو شجرة فيناديه الحجر والشجرة يا ولي الله هلم هذا عدو الله مستتر بي فاقتله ، فإذا هلك الدجال يحكم عيسى عليه السلام في الأرض ويتزوج ويكون له الولد ، ويحج البيت ، وتغرس الناس الأشجار ، وتخرج الأرض بركتها ، وتطيب الدنيا لأهلها ، وتكثر الأرزاق ، ويصحبهم الأمن ، ويقيمون على ذلك أربعين سنة ، وهو مقام عيسى عليه السلام في الأرض ) .
وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله أنه قال : ( ينزل ابن مريم فيتزوج ويولد له ويمكث خمساً وأربعين يوماً ، ويدفن معي في قبري ، وأقوم أنا وعيسى من قبر واحد بين أبي بكر وعمر ) . ويقال : إنه يتزوج امرأة من العرب بعد ما يقتل الدجال وتلد له بنتاً فتموت ، ثم يموت بعدما يعيش سنين ، ذكره أبو الليث السمرقندي ، وخالفه كعب في هذا وأنه يولد له ولدان يسمي أحدهما أحمد والآخر موسى ، ولعل الحكمة في تسميتهما بذلك لكونه بعث بينهما يعني بين موسى ومحمد . ويقال : إن من صلاح الدنيا في زمن عيسى عليه السلام أن الصبيان يلعبون بالحيات في الأزقة ولا تضرهم وأن الذئب يرعى مع الغنم فلا يعدو ، فإذا توفي عيسى عليه السلام يرجع الناس إلى كفرهم وطغيانهم وضلالهم وعصيانهم حتى تطلع الشمس من مغربها فلا تقبل لأحد عند ذلك توبة وهو معنى قوله عز وجل : ) يوم يأتي بعد آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها } ^ الآية .(2/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
قوله : ( اقدروا ) بضم الهمزة والدال . وقوله : ( قدره ) أي من أيامكم . قوله : ( تنبيه اعلم أن وجوب الخ ) هذا التنبيه يشتمل على فروع ستة : الأول : في وجوب الصلاة بدخول الوقت . والثاني : في ندب الإبراد بشروطه . والثالث : في ضابط وقوع الصلاة أداء ووقوعها قضاء . والرابع في الاجتهاد في الوقت جوازاً إن قدر على اليقين ووجوباً إن لم يقدر . والخامس : في قضاء الصلوات هل هو فوريّ أو لا ؟ والسادس : في الأوقات المكروهة كراهة تحريم ، وهذا السادس سيأتي في المتن فذكره هنا محض تكرار اه . قوله : ( لزمه العزم على فعلها ) أي ولو سن الإبراد لأن سن التأخير حينئذ عارض فلم يرفع حكم الوجوب الأصلي وهو توقف جواز التأخير على العزم اه س ل . قوله : ( فإن أخرها مع العزم على ذلك ومات الخ ) أي والفرض أنه لم يظن موته فيه بهذا القيد وإلا وجب الفعل حالاً . قوله : ( لأن الصلاة الخ ) الأولى أن يقال لأن الصلاة يوجد فيها الإثم في الحياة بخروج وقتها ولا كذلك الحج ، فلو لم يأثم فيه بالموت لزم عدم الإثم أصلاً فتأمل ق ل . أي : فيفوت معنى الوجوب . قوله : ( فقد قصر بإخراجه ) أي فيموت عاصياً والعصيان من السنة التي مات فيها لا من وقت استطاعته ويترتب على ذلك فساد العقد المشترط فيه العدالة إذا فعله حال عصيانه ، وكذا الشهادة يتبين بطلانها . قوله : ( والأفضل أن يصليها أول وقتها ) ولا يمنع تحصيل فضيلة الوقت لو اشتغل أوله بأسبابها من طهارة وأذان وستر وأكل لقم وتقديم سنة راتبة ، بل لو أخر بقدر ذلك وإن لم يحتج إليه ثم أحرم بها حصل فضيلة أوله ، ولا يكلف السرعة على خلاف العادة ولو فعل مع ذلك شغلاً خفيفاً أو أتى بكلام قصير أو أخرج حدثاً يدافعه أو حصل ماء ونحوه لم يمنعها أيضاً شرح م ر ، وقوله : ولو اشتغل لو هنا مصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل قوله يمنع ومثلها في أنها مصدرية قوله تعالى : ) ودّوا لو تدهن } ) القلم : 9 ) .(2/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
قوله : ( ولو عشاء ) للرد على من قال الأفضل تأخيرها إلى ثلث الليل ، وأما خبر الصحيحين : ( كان رسول الله يحب أن يؤخر العشاء ) . فجوابه أن تعجيلها هو الذي واظب عليه ولا يرد أيضاً خبر : ( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ) لأنه معارض بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت ، أو أن المراد بالإسفار ظهور الفجر الذي به يعلم طلوعه فالتأخير إليه أفضل من تعجيله عند ظن طلوعه .
وروي عن ابن عمر مرفوعاً : ( الصلاة في أوّل الوقت رضوان الله وفي آخره عفو الله ) قال أبو بكر : رضوان الله أحب إلينا من عفوه . قال الشافعي : لأن رضوان الله يكون للمحسنين وعفوه يكون للمقصرين ، وفرق بين المحسن والمقصر . ويندب للإمام الحرص على أول الوقت ، لكن بعد مضيّ قدر اجتماع الناس وفعلهم لأسبابها عادة وبعده يصلي بمن حضر وإن قل ، لأن الأصح أن الجماعة القليلة أوله أفضل من الكثيرة آخره ولا ينتظر ولو نحو شريف وعالم فإن انتظره كره كما في ع ش على م ر .
قوله : ( نعم يسن تأخير صلاة الظهر ) وهو المسمى بالإبراد أشار بهذا إلى أن محل استحباب الصلاة أول الوقت ما لم يعارضه معارض ، فإن عارضه كإبراد فالتأخير أفضل . قال م ر : وذلك في نحو أربعين صورة منها التأخير لمن يرمي الجمار ولمسافر سائر وقت الأولى وللواقف بعرفة يؤخر المغرب ، وإن كان نازلاً وقتها ليجمعها مع العشاء بمزدلفة ولمن تيقن وجود الماء أو السترة أو الجماعة ، نعم الأفضل كما اختاره النووي أن يصلي مرتين مرة أول الوقت منفرداً ثم في الجماعة . والضابط : أن كل ما ترجحت مصلحة فعله ولو أخر فاتت بقدم على الصلاة ، وإن كل كمال كالجماعة اقترن بالتأخير وخلا عنه التقديم يكون التأخير معه أفضل وقد نظم بعضهم الصور المطلوب فيها تأخير الصلاة فقال :
يؤخر الظهر لحرّ عندنا
أعني إذا اشتد ورمى بمنى
وأخر المغرب للمزدلفه
لجمعها لنفره من عرفه
وإن يكن مسافراً في الأولى
أخرها للجمع وهو أولى
وأخر الذي يدافعه الحدث
ولطعام قبل فعلها حدث
إن يأت تائقاً كذاك من علم
قبل خروج الوقت ماءيافهم
أو سترة بين جماعة ترى
أو قدرة على القيام آخرا
بحيث كل الفرض في الوقت يقع
وذات تقطيع ترجيه انقطع(2/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
في آخر الوقت ويوم الغيم
إلى اليقين مثل ما في الصوم
ولاشتغاله بنحو غرق
ينقذه ودفع مائل بحق
عن نفسه وماله وميت
خيف انفجاره لدى ذي الفطنة
لما ورد من قوله : ( أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم ) بفتح الفاء وسكون الياء التحتية أي هيجانها بسبب تنفسها . فإن قلت : لم يسن تأخير الصلاة في الحر دون البرد مع أنهما من جهنم ؟ أجيب : بأن البرد إنما يكون سلطانه غالباً بعد الصبح في الحر ولا يزول إلا بعد طلوع الشمس فلو أخرت الصلاة إلى ذلك لزم خروجها عن وقتها . بخلاف ذلك في الحر اه ح ف . وأشار الشارح بقوله نعم الخ . إلى أن محل استحباب الصلاة أول الوقت ما لم يعارضه معارض ، فإن عارضه كإبراد فالتأخير أفضل ولا يجاوز به نصف الوقت . وقال ابن قاسم : فرع سأل سائل : هل يسن تأخير الصلاة في شدة البرد إلى أن يخف البرد السالب للخشوع قياساً على ما ورد في الحر أم لا ؟ فأجاب م ر : بأنه لا يسن لأن الإبراد في الحر رخصة فلا يقاس عليه وخرج بالظهر أذانها والجمعة كما قاله ق ل ، فالظهر قيد أول وفي شدة الحر قيد ثان .
قوله : ( إلى أن يصير للحيطان ظل الخ ) لو لم يوجد ظل بأن لا يكون المحل فيه شيء له ظل ، فهل يسن الإبراد لأنه ينكسر فيه شدة الحر أو لا ؟ يسن لعدم الظل . قال سمّ يسن للعلة المذكورة اه اج . لأنه وإن لم يوجد فيها ظل يمشي فيه طالب الجماعة تنكسر شدة الحر اه . قوله : ( ببلد حار ) قيد ثالث . قوله : ( كالحجاز ) قال ابن حجر : ويؤخذ منه أن البلد لو خالفت قطرها في أصل وضعها بأن كان شأنه الحرارة دائماً أو شأنها أي البلد البرودة ، كذلك كالطائف بالنسبة لقطر الحجاز أو عكسه لم يعتبر القطر هنا ، بل تلك البلد الذي هو فيها . وبهذا يجمع بين من عبر ببلد ومن عبر بقطر ، فالأول في بلد خالفت وضع القطر ، والثاني في بلد لم تخالفه اه بحروفه . وعبارة ق ل ببلد حار لا معتدل كمصر ولا بارد كالشام ، ومحل اعتبار البلد إن خالفت وضع القطر ، وإلا فالعبرة بالقطر خلافاً لابن حجر ، ويعتبر أيضاً حرارة الزمن اه . قوله : ( لمصل جماعة ) أي مطلقاً . وكذا فرادى بمسجد فالجماعة ليست بقيد بالنسبة للمجسد كما قرره شيخنا ح ف . لأنه يسن الإبراد لمنفرد يريد الصلاة في المسجد على المعتمد . قوله : ( بمشقة ) المراد بها ما تذهب الخشوع أو كماله لتأثره بالشمس اج . وحينئذ تكون صلاتهم مع هذا التأخير أفضل من صلاة الواحد منهم جماعة في بيته ح ل . وهل يعتبر خصوص كل واحد على انفراده من المصلين حتى لو كان بعضهم مريضاً أو شيخاً يزول خشوعه بمجيئه في أوّل الوقت ، ولو من قرب يستحب له الإبراد والعبرة يغالب الناس فلا يلتفت لمن ذكر . فيه نظر ،(2/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
ولا يبعد الثاني . ثم رأيت ابن حجر صرح به ع ش على م ر . وعبارة ق ل بحيث تحل لهم مشقة لا تحتمل غالباً لغالب الناس ، وقيل للشخص نفسه اه . وإمام محل الجماعة المقيم يسنّ له تبعاً لهم .
والحاصل أن القيود ستة فالظهر قيد أول ، وفي شدة الحر قيد ثان وببلد حار قيد ثالث لمصل جماعة رابع بمصلى خامس يأتونه ساسد ، ومحل سن الإبراد في غير أيام الدجال ، أما هي فلا يسن الإبراد فيها لأنه لا يرجى فيها زوال الحر في وقت يذهب فيه لمحل الجماعة مع بقاء الوقت المقدر كما نقل عن الزيادي معللاً له بانتفاء الظل ، وقد يجب إخراج الصلاة عن وقتها كما نبه إذا خيف انفجار الميت أو فوت الحج أو فوت إنقاذ الأسير أو الغريق لو شرع فيها .
قوله : ( ومن وقع الخ ) أصله أن من أحرم بصلاة في وقتها بقدر يسع جميعها فأكثر فله الإتيان بمندوباتها ، وإن خرج الوقت لأنه من المد الجائز وينوي فيها الأداء ، ثم إن أوقع منها ركعة في الوقت فهي أداء وإلا فقضاء مع عدم الإثم عليه ، لكنه خلاف الأولى ، وإن كان الوقت لا يسع جميع فرائضها وجب الاقتصار على واجباتها ، ثم إن وقع منها ركعة في الوقت فهي أداة وإلا فقضاء مع الإثم فيهما وينوي الأداء إن كان الوقت يسع ركعة فأكثر ، وإلا وجبت نية القضاء ، ولو أدرك آخر الوقت بحيث لو أدى الفريضة بسنتها يفوت الوقت ، ولو اقتصر على الأركان أدركها في الوقت ، فالأفضل أن يتم السنن والنفس إلى الاقتصار على الواجبات أميل لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وهذا غير المدّ الجائز لأن المد فيها إذا أحرم وبقي ما يسعها بسننها فالأحوال ثلاثة تارة يبقى من الوقت ما يسعها بسننها ، وتارة يبقى ما يسع واجباتها فقط وتارة يبقى ما لا يسع واجباتها فتأمل م د . ببعض زيادة .
قوله : ( ركعة ) بأن يحصلها جميعها بسجدتيها بأن يرفع رأسه قبل خروج الوقت ، وإن لم يصل إلى حدّ تجزىء فيه القراءة ، فلو قارن الرفع خروج الوقت كان قضاء كما يؤخذ من مسألة الزحمة في الجمعة ، وينبني على ذلك ما لو علق طلاق زوجته على صلاة الظهر مثلاً قضاء أو أداء اج وع ش على م ر . قوله : ( فالكل أداء ) نعم الجمعة لا بد من إدراكها جميعها فيه اه رحماني . قوله : ( ومن جهل الوقت الخ ) كان المناسب ذكره في شرط الصلاة عند الكلام على معرفة الوقت إلا أن يقال له مناسبة هنا لأنه لما قال ، والأفضل أن يصليها أول وقتها إذا تيقنه ناسب أن يذكره هنا . قوله : ( لنحو غيم ) أي لغيم ونحوه كحبس في مكان مظلك . قوله : ( اجتهد ) أي إن لم يخبره ثفة عن علم ، وإلا امتنع عليه الاجتهاد وأذان عدل وهو المسلم البالغ غير الفاسق عارف بالمواقيت في صحو كالإخبار عن علم وله تقليده في غيم لأنه لا يؤذن عادة(2/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
إلا في الوقت م ر . ما لم يعلم أن أذانه عن غير علم وإلا فلا يقلده لا في الصحو ولا في الغيم كغالب مؤذني مصر فإنهم مقلدون ، والمزاول والمناكيب المعتمدة بأن كانت ببلد كبير أو مكان يكثر طارقوه بمنزلة المخبر عن علم فيمتنع معها الاجتهاد فلو وضع المزاولة فاسق لم يعوّل عليها كما قاله سم . ومحل عدم التعويل ما لم يطلع عليها غير الفاسق ويقرها ، وإلا فيعوّل عليها لأن العمل حينئذ بتقرير غير الفاسق : والحاصل أن مراتب الوقت ثلاثة . الأول : العمل بمعرفة نفسه أو خبر ثقة . الثاني : الاجتهاد . الثالث : التقليد . ونظم بعضهم ذلك فقال :
قدم لنفسك علم الوقت واجتهدا
من بعد ذا ثم قلد فيه مجتهدا
والمزولات وبيت الإبرة إن صدقا
إخبار عدل بمعنى العلم فاعتقدا
قوله : ( بنحو ورد ) الباء للسببية ، والمعنى اجتهد بسبب نحو ورد وحينئذ فتجعل هذه العلامات دلائل كالرشاش في الأواني بمعنى أنه إذا وجد شيئاً من هذه العلامات اجتهد هل دخل الوقت أولا ؟ . وهل استعجل في قراءته أو لا ؟ وتعبيره باجتهد يساعده . وقيل للآلة أي فنحو الورد آلة للاجتهاد فيصلي بمجرد الفراغ من ذلك والورد ما كان بنحو قراءة أو ذكر أو صلاة على النبي برماوي . وقال ق ل على الجلال : لفظ نحو مستدرك لأن ما دخل تحته من الورد ، وكلام الشارح يشير إلى رده لأن الورد ما كان بنحو ذكر أو قراءة ، ونحوه ما كان بنحو صناعة ومنه سماع صوت ديك مجرب وسماع من لم تعلم عدالته ، ومن لم يعلم أن أذانه أو خبره عن علم وسماع أذان ثقة عارف في الغيم ، لكن له في هذه تقليده .
وروى الطبراني أن النبي كأن له ديك أبيض وكانت الصحابة تسافر ومعهم الديكة لتعرفهم أوقات الصلاة ، وليس المراد أنه يصلى بمجرد سماع صوت الديك ونحوه ، بل المراد أنه يجعل ذلك علامة يجتهد بها كأن يتأمل في الخياطة التي فعلها من أسرع فيها عن عادته أولاً . وهل أذن الديك قبل عادته بأن كان ثم علامة يعرف بها وقت أذانه المعتاد ح ل وع ش . وقد ذكر أن آدم قد اشتغل بأمر معيشته عن الصلاة لكونه لا يعرف الأوقات فأعطاه الله ديكاً ودجاجة من الجنة ، أما الديك فكان أبيض أفرق أصفر الرجلين ، وكان قدره كالثور العظيم فكان يضرب بجناحيه في أوقات الصلاة ويقول : سبحان من يسبح له كل شيء ، يا آدم الصلاة يرحمك الله ، فكان آدم يقوم إلى وضوئه وصلاته . قال ابن عباس : أحب الطيور إلى الله الديك ، وأحب الطيور إلى إبليس الطاوس ، فأكثروا في بيوتكم من الديكة ، فإن الشيطان لا يدخل بيتاً فيه ديك أبيض .
قال وهب : إن الله تعالى ديكاً إذا سبح في السماء نادى منادٍ من قبل الجبار أين السامعون أين الراكعون أين الساجدون أين المستغفرون أين الموحدن ؟ قال : فأوّل من يسمع ذلك ملك من الملائكة في السماء على صورة الديك له ريش وزغب أبيض وهو تحت أبواب الرحمة(2/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
ورجلاه في الأرضين السفلى وجناحاه منشوران ، فإذا سمع النداء يضرب بجناحيه ثم يقول في صوته : سبحان من خلق الرحمة التي وسعت كل شيء . قال : فإذا سمعت ديوك الأرض تسبيح هذا الملك سبحت في الأرض وهربت الشياطين وبطل كيدهم ، فمن كان مؤمناً بالله واليوم الآخر فلا يشتم الديك . قال وهب : فاختار آدم من الطيور الديك والحمامة ، ومن المواشي النعجة والناقة . قال : وأخذ آدم في عمارة الأرض يقول الأرض ونباتها ، وأول بقلة زرعها الهندبا ، ومن الرياحين الحناء والآس ، كذا ذكره الكفوري المالكي في فتاويه .
وروي : ( إن لله ديكاً أبيض جناحاه موشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ جناح بالمشرق وجناج بالمغرب ، رأسه وفي لفظ عنقه تحت العرش وقوائمه في الهواء ، وفي رواية : ورجلاه في تخوم الأرض يؤذن في كل سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات والأرض إلا الثقلين الإنس والجن ، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض ، فإذا دنا يوم القيامة قال الله : ضم جناحيك وعض صوتك فيعلم أهل السموات والأرض إلا الثقلين أن الساعة قد اقتربت ) . وفي رواية : ( إذا كان من الليل صاح سبوح قدوس ) وروي : ( يقول في تسبيحه كل ليلة سبحان الملك القدوس ربنا الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن لا إله غيره ، اه . وقد اشتهر أن الديك يؤذن عند أذان حملة العرش وأنه يقول في صياحه : يا غافلون اذكروا الله .
وقال الجلال السيوطي في كتاب الحبائك في أخبار الملائك : إن لله ملكاً في السماء السادسة يقال له الديك فإذا سبح في السماء سبحت الديوك يقول : سبحان السبوح القدوس الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الملك الديان الذي لا إله إلا هو ، فما قالها مكروب أو مريض إلا كشق الله همه .
قوله : ( فإن علم ) ولو بإخبار عدل مقبول الرواية عن مشاهدة م ر . قوله : ( وقت قبل وقتها ) أي أو بعضها ولو بتكبيرة التحرم وما فعله يقع له نفلاً مطلقاً إن لم يكن عليه فرض من جنسها ، وإلا وقع عنه اج . وأما إذا لم يتبين الحال أو يتبين أنها في الوقت أو بعده فلا إعادة . قوله : ( أعادها ) أي إن كان العلم في وقتها أو قبل دخوله فإن كان العلم بعد خروج الوقت قضاها في الأظهر ، ومقابل الأظهر لا يعيد اعتباراً بما في ظنه والواقعة بعد الوقت قضاء لا إثم فيه . قوله : ( ويبادر ) بفتح الدال المهملة وكسرها بفائت إن فات بلا عذر تعجيلاً لبراءة الذمة . قوله : ( إن فات بلا عذر ) ما لم يلزم عليه فوات الترتيب كأنه فاته الظهر بعذر والعصر بلا عذر فيبدأ بالظهر ندباً لا بالعصر خلافاً لمن قال قياس قولهم إنه يجب قضاء ما فات بغير عذر فوراً أن تجب البداءة به وإن فات الترتيب المحبوب . وعورض بأن خلاف الترتيب خلاف في(2/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
الصحة ومراعاته أولى من مراعاة الكمالات التي تصح الصلاة بدونها وهي المبادرة ح ل وشرح م ر ومن غير العذر أن تفوته الصلاة في مرضه فيجب عليه قضاؤها فوراً بأن يشتغل جميع الزمن بقضائها ما عدا ما يضطر إليه من أكل وشرب ومؤن ممونه ، بل يحرم فعل التطوع ما دامت في ذمته فتجب المبادرة ولو على حاضرة إن اتسع وقتها ، بل لا يجوز كما هو ظاهر لمن عليه فوائت بغير عذر أن يصرف زمناً لغير قضائها كالتطوع إلا ما يضطر إليه لنحو نوم أو مؤنة أو لفعل واجب مضيق يخشى فوته اه تحفة قال ع ش . ومثله في التفصيل المذكور نسيان القرآن بعد بلوغه لفسقه به اه . فيصرف الزمن المتقدم في حفظه إلا ما استثنى ويكفي في صحة توبته العزم على الحفظ مع الشروع فيه اه اط ف . قوله : ( بعذر ) من العذر ما لو استيقظ من نومه ، وقد بقي من وقت الفرض ما لا يسع إلا الوضوء أو بعضه فلا يجب قضاؤها فوراً كما أفتى به م ر زي . قوله : ( كنوم ) ونسيان أي عذر فيه أما إذا لم يعذر فيه ، كأن نشأ عن لعب نحو شطرنج فإنه تجب المبادرة للقضاء شوبري . أي : لأن لعب الشطرنج مكروه وبقي ما لو دخل الوقت وعزم على الفعل ، ثم تشاغل في مطالعة أو صنعة أو نحوهما حتى خرج الوقت وهو غافل هل يحرم عليه ذلك أولاً ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن هذا نسيان لم ينشأ عن تقصير منه كما قاله ع ش على م ر .
قوله : ( ويسنّ ترتيب الفائت ) أي فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا خروجاً من خلاف من أوجبه وأطلق الأصحاب ترتيب الفوائت فاقتضى أنه لا فرق بين أن تفوت كلها بعذر أو عمد وهو المعتمد كما تقدم عن ح ل . قوله : ( على الحاضرة التي لا يخاف فوتها ) أي فوت جميعها بأن تصير قضاء ، فإن خاف فوتها وجب تقديم الحاضرة لأن الوقت تعين لها ، ولئلا تصير الأخرى قضاء ويستحب تقديم الفائتة إن أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة لأنها لم تفت وبه جزم في الكفاية ، واقتضاه كلام المحرر والتحقيق والروض ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى للخروج من خلاف وجوب الترتيب ، إذ هو خلاف في الصحة كما مر خلافاً للأسنوي حيث قال : إن فيه نظراً لما فيه من إخراج بعض الصلاة عن وقتها وهو ممتنع . والجواب أن محل تحريم إخراج بعضها عن وقتها في غير هذه الصورة ولو شرع في الحاضرة ، ثم تذكر الفائتة وهو فيها وجب إتمام الحاضرة ضاق وقتها أو اتسع ، ثم يقضي الفائتة ويسن له إعادة الحاضرة ، ولو دخل في الفائتة معتقداً سعة الوقت فبان ضيقه وجب قطع الفائتة أي : أو قلبها نفلاً والشروع في الحاضرة ، ومن فاتته العشاء لا يقضي الوتر حتى يقضيها على الأوجه ، ومن عليه فوائت لا يعرف عددها . قال القفال : يقضي ما تحقق تركه . وقال القاضي حسين : يقضي مازاد على ما تحقق وهو الأصح ، ولو شك بعد خروج وقت الفريضة هل فعلها أو لا ؟ لزمه قضاؤها كما لو شك في النية ولو بعد خروج وقتها بخلاف ما لو شك بعد وقتها هل الصلاة عليه أو لا ؟ فإنه لا(2/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
يلزمه شيء كما أوضحت ذلك في شرح العباب شرح م ر . وفرق ابن حجر بينها وبين ما قبلها بأن الشك في اللزوم مع قطع النظر عن الفعل شك في استجماع شروط اللزوم والأصل عدمه بخلافه في الفعل ، فإنه مستلزم لتيقن اللزوم ، والشك في المسقط والأصل عدمه اه . وإذا قلنا بعدم اللزوم إذا تبرع بصلاتها هل تصح ؟ نقل شيخنا عن سم أنها لا تنعقد قال لأنها عبادة غير مطلوبة اه اج . قوله : ( التي لا يخاف فوتها ) بأن يدرك منها ركعة في الوقت ق ل . قوله : ( وكره الخ ) سيأتي هذا في كلام المصنف فذكره هنا تكرار كما مر . قوله : ( كراهة تحريم ) ولا تنعقد لو نذر إيقاع الصلاة في الوقت المكروه ولا يكفر بتلك الصلاة لأنها وإن أشبهت مراغمة الشرع ومعاندته لم توجد فيها حقيقتهما ، بخلاف ما إذا قيل له قصّ أظفارك فقال : لا أفعل رغبة عن السنة حيث كفروه لوجود مراغمة الشرع ومعاندته بذلك حقيقة ، فاندفع بهذا الفرق الإشكال كما حققه حج في شرحه .
فإن قلت : ما الفرق بين المكروه كراهة تحريم وبين الحرام مع أن كلاً منهما يفيد الإثم ؟ أجيب عن ذلك : بأن المكروه كراهة تحريم ما ثبت بدليل يحتمل التأويل ، والحرام ما ثبت بدليل قطعي أو إجماع أو قياس أولوّي أو مساوٍ كما قرره شيخنا العزيزي ، وإنما لم تنعقد الصلاة المتعلقة بالزمان بخلاف المتعلقة بالمكان كالصلاة في الحمام ومعاطن الإبل لأن تعلق الصلاة بالزمان أشد من تعلقها بالمكان لأخذها جزءاً من الزمان وهو الواقعة فيه بخلاف المكان .
قوله : ( في غير حرم مكة ) أما هو فلا كراهة فيه في جميع الأوقات ، والمراد بحرم مكة المسجد وغيره فلا تكره الصلاة فيه مطلقاً على الصحيح ، لكن الأولى ترك الفعل خروجاً من خلاف مالك وأبي حنيفة كذا قاله الأسنوي في شرح المنهاج ، والشيخ في شرح الروض . قوله : ( إلا يوم الجمعة ) ولو لمن لم يحضرها . قوله : ( وعند طلوعها ) أي سواء صلى الصبح أم لا . قوله : ( وبعد الصبح ) أي أداء مغنية عن القضاء . قوله : ( وبعد صلاة العصر أداء ) ولا بد أن تكون مغنية عن القضاء ، وإلا لم يحرم التنفل . وعبارة خ ض على التحرير والمتجه كما قاله ابن العماد : أن المراد بالفعل الفعل المغني عن القضاء لا مطلق الفعل حتى يدخل فيه صلاة فاقد الطهورين وصلاة المتيمم لفقد الماء في موضع لا يسقط فيه الفرض بالتيمم أي : فلو أراد(2/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
أن يصلي بعدهما النافلة المطلقة هل يمتنع ذلك أو لا ؟ والمعتمد لا اه م ر . قوله : ( غير متأخر عنها ) أي الصلاة بأن كان متقدماً كالفائتة أو مقارناً كصلاة الكسوف فهي مقارنة بالنظر للداوم ، وإن كان ابتداؤها غير مقارن كما قرره شيخنا العشماوي ، بخلاف ما إذا تأخر السبب كصلاة الاستخارة والإحرام . قوله : ( كفائتة ) فرض أو نفل . قوله : ( لم يدخل إليه ) أي إلى المسجد . قوله : ( وسجدة شكر ) في التمثيل بها مسامحة لأنها ليست صلاة ، لكن يسّوغ ذلك كونها ملحقة بها كما قرره شيخنا .
3 ( ( فصل : فيمن تجب عليه الصلاة الخ ) ) 3
قوله : ( فيمن تجب عليه ) أي في شروط من تجب عليه ومن لا تجب الأول بالمنطوق ، والثاني بالمفهوم . قوله : ( الإسلام ) ولو فيما مضى فيدخل المرتد لكن يلزم عليه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازة ، وجوّزه بعضهم وهذا لا يظهر إلا لو عبر بمسلم كما عبر المنهج لأنه عليه اسم فاعل وهو حقيقة في المتلبس بالإسلام مجاز في غيره ، بخلاف لفظ الإسلام ، فإنه يعم الجميع أي الإسلام في الماضي والحال والاستقبال ، ويوجد في أكثر نسخ المتن عقب قوله والعقل وهو حدّ التكليف . قال سم : وهو أي ما ذكر من مجموع الثلاثة المذكورة أو الأخيران منها . ولا يرد على الأول أن الصحيح مخاطبة الكفار بفروع الشريعة ، لأن المراد التكليف المتفق عليه أو الذي يظهر أثره في الدنيا بثبوت المطالبة فيها منا . وقوله : ( حد التكليف ) أي ضابطه ومداره فإنه ثابت في زمن الحيض أيضاً بالنسبة لما لا يتوقف على الطهارة من العبادات كالغسل للإحرام ولدخول مكة .
فإن قلت : لم جعل الإسلام شرطاً للوجوب ولم يجعل شرطاً للصحة مع أن الصحة متوقفة عليه أيضاً ؟ أجيب بأن الصحة متأخرة عن الوجوب لأنها فرع عنه ، فلما كان الوجوب متقدماً جعل الإسلام شرطاً له .
فرع : لنا شخص مسلم بالغ عاقل قادر لا يؤمر بالصلاة إذا تركها . وصورته : أن يشتبه صغيران مسلم وكافر ثم يبلغا ويستمر الاشتباه ، فإن المسلم منهما بالغ عاقل قادر لا يؤمر بها(2/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
لأنه لم يعلم عينه اه م ر سم . أي : إذا اختلط ابن المسلم بابن الكافر بعد موت أبويهما فلا يؤمران وجوباً ولا ينهيان ولو بعد البلوغ ، ويستحب أمرهما وتصح صلاة المسلم منهما ، فلو أسلما أو أحدهما بعد البلوغ لا يجب عليه القضاء لما فاته من البلوغ إلى الإسلام لعدم تحقق إسلامه قبل ، وينبغي أن يسن لهما القضاء ولو ماتا صلى عليهما بتعليق النية سواء ماتا معاً أو مرتباً أي ، فيما إذا أسلم أحدهما ولم تعلم عينه ويفرق بينهما وبين صغار المماليك حيث قلنا بعدم الصلاة عليهم لاحتمال أن يكون السابي لهم كافراً بتحقق إسلام أحدهما ، وذلك يوجب الصلاة عليه لكنه لما لم يتعين أشبه ما لو اختلط مسلم ميت بكافر ميت اه ع ش على م ر .
قوله : ( وجوب مطالبة ) من إضافة السبب للمسبب أي وجوباً ينشأ عنه المطالبة أي منا إذ لو طالبناه لزم نقض عهده إن كان مؤمنا وإبطال الجزية إن كان ملتزماً لها . وإنما الطلب عليه من جهة الشارع إذ لو لم يطالب كذلك فلا معنى للعقاب عليها اه ع ش . قوله : ( لعدم صحتها منه ) يرد عليه المجنون والسكران المتعديان فإنها لا تصح منهما مع وجوبها عليهما كما قاله الشوبري ويؤخذ من العلة أنه لا فرق بين الذميّ والحربي ، لكن الحربي مطالب بالإسلام ويلزمه كونه مطالباً بفروعه من الصلاة وغيرها ، فيصح أن يقال مخاطب بها خطاب مطالبة باعتبار اللزوم المذكور وغير مخاطب بها كذلك لأنه ما دام على كفره لا يطالب إلا بالإسلام اه حج . والمعتمد أن الحربي كالذمي يطالب بالإسلام أو بالجزية كما قاله شيخنا ح ف . وقال أيضاً قوله لعدم صحتها منه أي مع تلبسه بمانع لا يطالب منه رفعه ، بخصوصه ، ومع عدم قصد التغليظ عليه فإن الكافر الأصلي لا يطالب برفع المانع وهو الكفر بخصوصه ، وإنما يطلب بالإسلام أو بأداء الجزية ولو كان حربياً فلا يرد على التعليل المرتد والمحدث لأنهما يطالبان برفع المانع بخصوصه ، فيطالب الأول بالإسلام بخصوصه ، والثاني بالطهارة ، وكذا لا يرد على التعليل المجنون المتعدي والسكران لقصد التغليظ عليهما بخلاف الكافر الأصلي لا يجب عليه القضاء إذا أسلم ترغيباً له في الإسلام فلا يقصد حينئذ التغليظ عليه ولا يناسبه قوله : ( لكن تجب عليه ) الأولى أن يقول وتجب بالواو إذ لا وجه للاستدراك بعد قوله وجوب مطالبة فتأمل . قوله : ( لكن تجب عليه وجب عقاب ) أي وجوباً يترتب عليه العقاب . والحاصل أن الإسلام يترتب عليه أمور ثلاثة الأداء للصلاة والمطالبة منا والعقاب في الآخرة على تركها ، فإذا انتفى الإسلام أصالة انتفى الأولان وبقي الثالث . قوله : ( فلا تجب على مجنون ) ما لم يتعدّ بجنونه سم والأولى إبقاء المجنون على إطلاقه لأن الكلام في عدم وجوب الأداء وهو لا يجب عليه ولو(2/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
متعدياً وأما وجوب القضاء فيجب على المتعدي وليس الكلام فيه قوله : ( لما ذكر ) أي وهو عدم تكليفه ولو خلق أعمى أصم أخرس فهو غير مكلف كمن لم تبلغه الدعوة شرح م ر ومثله من خلق أصم أعمى ناطقاً ، لأن النطق بمجرده لا يكون طريقاً لمعرفة الأحكام الشرعية بخلاف البصر والسمع ع ش . ويؤخذ من هذا شرطان للوجوب ، وهما أن يكون سليم الحواس وبلغته الدعوة فلو وجدت حواسه بعد مدة ، فهل يجب عليه قضاء تلك المدة وكذلك من لم تبلغه الدعوة إذا بلغته ؟ قال سم : تجب على الثاني دون الأول اه . قال بعض شيوخنا : والفرق فيه وجود الأهلية فيمن لم تبلغه الدعوة دون الآخر اه . قلت : هذا الفرق فيه شيء إذ من لم تبلغه الدعوة كافر أو في حكمه والآخر مسلم ، فكيف يلزم غير المسلم دون اه اج . وقد يقال من لم تبلغه الدعوة ليس كافراً ولا في حكمه بل في حكم مسلم نشأ بعيداً عن العلماء ، فهو أهل في الجملة كما في ع ش على م ر . والكلام في الأخرس الأصلي . أما الطارىء فإن كان قبل التمييز فكالأصلي وإن كان بعد التمييز ولو قبل البلوغ وعرف الحكم تعلق به الوجوب اه اج .
قوله : ( وسكت المصنف الخ ) قد يقال لا سكوت لذكره له في باب الحيض . بقوله ويحرم بالحيض الصلاة ، وذكر فيما يأتي أنه يشترط لصحة الصلاة طهارة الأعضاء ، فيلزم من ذلك أن النقاء من الحيض والنفاس شرط للوجوب ، وكأن حكمة عدم التصريح به هنا مراعاة قوله : وهو حدّ التكليف فإنه ثابت في زمن الحيض أيضاً بالنسبة لما لا يتوقف على الطهارات من العبادات ، وقول المحشي قد يقال الخ . رد بأنه لم يعلم من المتقدم ولا مما سيأتي إلا الحرمة ، وأما الوجوب فلم يعلم منهما . قوله : ( ولا قضاء على الكافر ) أي لا تطلب منه فلو قضاها لا تنعقد على المعتمد خلافاً للشارح وسم من ندب القضاء له م د . وعبارة زي ولا قضاء على الكافر أي لا وجوباً ولا ندباً ، فلو خالف وقضى فالذي يظهر عدم الانعقاد فيحرم عليه القضاء بخلاف الصبي والمجنون فإنه يصح منهما قضاء الصلوات الواقعة في أيام الصبا الكائن بعد التمييز والجنون ، بل يندب لهما القضاء اه .
قال المناوي على الخصائص : وهل يثاب الكافر على الحسنات التي قبل الإسلام ؟ قال النووي : والذي عليه المحققون بل حكى عليه الإجماع أنه إذا فعل قربة كصدقة وصلة ثم أسلم أثيب عليها . وقال حج : يحتمل أن القبول معلق على إسلامه فإن أسلم أثيب وإلا فلا اه . وسئل الشيخ م ر : هل يثاب الكافر على القرب التي لا تحتاج إلى نية كالصدقة والهدية والهبة ؟ فأجاب : بنعم يخفف الله عنه العذاب في الآخرة أي عذاب غير الكفر كما خفف عن أبي لهب في كل يوم اثنين بسبب سروره بولادة النبي ، وإعتاقه ثويبة حين بشرته بولادته عليه الصلاة والسلام اه .(2/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
قوله : ( نعم المرتد ) لا حاجة له بعد تقييد الكافر بالأصلي لأنه لم يدخل أي لأن أل في الكافر للعهد الذكري والمتقدم هو الكافر الأصلي شيخنا . قوله : ( كحق الآدمي ) أي فإنه لا يسقط بالجحود بعد الإقرار به . قوله : ( قضى أيام الجنون ) محله ما لم يسلم أحد أصوله حال جنونه ، وإِلا فيحكم بإسلامه من حينئذ ويسقط القضاء لزمن الجنون من وقت الحكم بإسلامه اه سم . قوله : ( تغليظاً عليه ) وهذا بخلاف من كسر رجليه تعدياً وصلى قاعداً لا قضاء عليه لانتهاء معصيته بانتهاء كسره ولإتيانه بالبدل حالة العجز شرح الروض أي لا يقضي بعد شفاء الكسر . قوله : ( ثم جن ) أي بلا تعدّ .
واعلم أن القسمة العقلية تقتضي ستاً وثلاثين صورة من ضرب الجنون والإغماء والسكر في نفسها وضرب التسعة الحاصلة في الوقوع في الردة ، والوقوع في غيرها ، وضرب الثمانية عشر الحاصلة في اثنين التعدي وعدمه ، فالجملة ما ذكر فالواقع في الردة يجب فيه القضاء مطلقاً ، والواقع في غيرها يجب فيه القضاء مع التعدي ، ولا يجب مع عدمه وغير المتعدي به الواقع في المتعدي به يجب فيه القضاء مدة المتعدي به فقط اه قرره شيخنا اه م د . وقوله : ( من ضرب الجنون ) الخ أي بأن طرأ الجنون على مثله أو على سكر أو إغماء ، فهذه ثلاثة أو طرأ سكر على سكر أو على إغماء أو على جنون ، فهذه ثلاثة أو طرأ إغماء على مثله أو على سكر أو جنون . قوله : ( أو سكرت ) أي تعدياً لأنه المراد عند الإطلاق . قوله : ( لم تقض زمن الحيض والنفاس ) وإن طرأ فيهما جنون ليناسب قوله وما وقع الخ ، لأنه لا تحسن المنافاة بينهما إِلا بهذا التعميم قال م د قوله : لم تقض زمن الحيض والنفاس يعني أنها لا تقضي زمن الحيض والنفاس ولو وقع في الردة . وبهذا يلغز ويقال : لنا مرتد لا يقضي الصلاة زمن الردة مع بلوغه وعقله . قوله : ( عزيمة ) والعزيمة لا فرق فيها بين العاصي والطائع . قوله : ( رخصة ) أي والرخص لا تناط بالمعاصي لأن العاصي ليس من أهلها . قوله : ( نسب فيه إلى السهو ) أي لأن انسحاب حكم الردة على زمن الجنون عارضه كون الحائض مكلفة بالترك فالتغليظ بسبب الردة منع منه مانع فالحيض مانع والردة مقتض فيغلب المانع . وأجاب م ر : بأن المراد بالحائض في(2/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
كلام المجموع من بلغت سن الحيض لا من نزل عليها الحيض . وردّ بأن حائضاً اسم فاعل حقيقة في المتلبس بالفعل ا ج . قوله : ( ولا قضاء على الطفل الخ ) نعم يندب قضاء ما فاته زمن التمييز فقط دون ما قبله فلا ينعقد كما أشار إليه الشارح بقوله ولو قضاء لما فاته بعد التمييز ، فلو فعله كان حراماً ولا ينعقد خلافاً لجهلة الصوفية فقول الشارح ولا قضاء أي : وجوباً وحكم قضائه كأدائه من تعين القيام فيه وعدم جمعه فرضين بتيمم واحد وعدم وجوب نية الفرضية عند م ر . قوله : ( ويأمره ) أي ليعتادها إذا بلغ قوله : ( بعد استكمال سبع سنين ) أي يعتبر بعد استكمال الخ . قوله : ( أي والصبية الخ ) لا حاجة إليه لأن الصبي يشمل الصبية كما قاله ا ج وجعله من غرائب اللغة . قوله : ( وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ) أخر الضرب للعشر لأنه عقوبة والعشر زمن احتمال البلوغ بالاحتلام مع كونه حينئذ يقوى ويحتمله حينئذ اه حج .
قوله : ( قال الصيمري ) بفتح الميم وضمها نسبة إلى صيمرة بلد صغير بعراق العجم . وقال المطرزي : وضم الميم خطأ ذكره في المصباح اه . قوله : ( في أثنائها ) المراد بالأثناء ما بعد التاسعة فيصدق بأول العاشرة ووجهه أنه متى مضى جزء منها يصدق عليه أنه في أثنائها . قوله : ( ويستنجي وحده ) أي بعد تعليمه كيفية الاستنجاء وإِلا فقبل تعليمه لا معرفة له به ، فكيف يعرفه . قوله : ( والأمر والضرب واجبان ) أي وجوباً عينياً على الولي أي عند الانفراد ومثله الأم(2/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
كما في الروض وحج وقدره ثلاث ضربات فلو حصل ذلك من غير الولي كفى ، وفي البرماوي والآمر والضارب أصوله الذكور والإناث على سبيل فرض الكفاية ، وللمعلم أيضاً الأمر لا الضرب إِلا بإذن الولي ومثله الزوج في زوجته . قال النووي : وشرائع الدين الظاهرة كالصوم لمن أطاقه ونحو السواك كالصلاة في الأمر والضرب ، وحكمة ذلك التمرين على العبادة فلا يتركها إن شاء الله تعالى ولا يجاوز الضارب ثلاثاً ، وكذا المعلم يسنّ له أن لا يتجاوز الثلاث لقوله لمرداس المعلم : ( إياك وأن تضرب فوق الثلاث فإنك إن تضرب فوقها اقتص منك ) .
تنبيه : فقيه الأولاد إذا ضربهم الضرب المعتاد ، فإنه يضمن ما تلف به بخلاف ما إذا استأجر دابة وضربها الضرب المعتاد فإنه لا يضمن ما تلف به ، والفرق بينهما أن الأولى يحصل التأديب فيها بالكلام بخلافه في الثانية ، وأيضاً الأولى مشروط فيها سلامة العاقبة بخلاف الثانية اه . قوله : ( ونحوهما ) كالموقوف عليه وكالأمين الذي رأى من لا يهتدي إلى منزل أهله أو سيده فإنه يأمره كالمودع والمستعير . قوله : ( وقال في الروضة الخ ) كان الأولى تقديم ذلك على قوله ويأمره الولي لأن تعليم الطهارة والشرائع سابق على الأمر . قوله : ( يجب على الآباء والأمهات ) أي وإن علوا وظاهره ثبوت ما ذكر للأمهات ولو مع وجود الآباء وهو كذلك فقد قال ابن قاسم : ولا يبعد ثبوت هذه الولاية الخاصة للأمهات مع وجود الآباء أي فهو فرض كفاية ، وتكفي الجدة مع وجود الأب ويقدم أحد الزوجين من حيث الندب على غير الأبوين ولا يضرب إِلا بإذن الولي ومؤنة تعليمهم لفرض أو نفل في مالهم ثم آبائهم ثم أمهاتهم ثم بيت المال ثم أغنياء المسلمين والصغيرة ذات الزوج والأبوين تعليمها على أبويها فإن عدما ، فالزوج أحق أي يندب أن يكون مقدماً على بقية الأولياء وزوجة الصغير لا يتوجه عليها فرض تعليمه كما قاله سم . قوله : ( والأمهات ) إنما وجب عليهن لأنها ولاية تأديب لا ولاية مال ج ل . قوله ( تعليم أولادهم الخ ) أي بعد سبع وضربهم عليها بعد عشر ، ويؤمر بالصوم إن أطاقه كما يؤمر بالصلاة ا ج . قوله : ( والشرائع ) أي الأحكام المشروعة المأمور بها كالسواك والبداءة باليمين فيما هو من باب التكرمة وغير ذلك كما قرره شيخنا فهو عطف عام على خاص . قال حج في شرح المنهاج : يجب على الأبوين كفاية تعليم الصبي ذكراً كان أو أنثى أن النبي بعث بمكة ودفن بالمدينة ، ولا بد أن يذكر له من أوصافه الظاهرة المتواترة ما يميزه ولو بوجه فيجب بيان النبوّة والرسالة ، وأن محمداً الذي هو من قريش واسم أبيه كذا وأمه كذا وبعث بكذا ودفن بكذا نبيّ الله ورسوله إلى الخلق كافة ، ويتعين أيضاً ذكر لونه لتصريحهم بأن من زعم كونه(2/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
أسود كفر ، والمراد بتعليم اللون أن لا يزعم أنه أسود فيكره لا أن الشرط في صحة الإسلام خصوص كونه أبيض ، وكذا يقال في جميع ما إنكاره كفر فتأمله اه كلامه . قوله : ( أوجههما الثاني ) معتمد أي وتنعقد نفلاً عند م ر خلافاً للشارح . قوله : ( ولا على مجنون الخ ) أي لا يجب عليهما بل يستحب على المعتمد .
قوله : ( هذه الأسباب ) أي الصبا والكفر والجنون والإغماء والحيض والنفاس وفي إطلاق الأسباب على الموانع تجوّز ولعل علاقة المجاز الضدية فإن المانع مضاد للسبب ع ش ، وكون الصبا مانعاً من الفعل فيه نظر وإنما هو سبب لعدم الوجوب كما قاله الدميري ، فكان الأولى للشارح أن يقول : ولو زالت الأمور أو الأشياء المانعة الخ ، وعبارة المنهج : ولو زالت الموانع وبقي قدر تحرّم وخلا منها قدر الطهر والصلاة لزمت مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها وخلا قدره أيضاً اه قال الشارح : هذا إن خلا مع ذلك من الموانع قدر المؤداة فإن خلا قدرها وقدر الطهر فقط تعينت أو مع ذلك قدر ما يسع التي قبلها تعنيتاً . قوله : ( وقد بقي من الوقت ) وهذا هو المسمى بوقت الضرورة . قوله : ( وجبت الصلاة ) أي صاحبة الوقت .
والحاصل : إن أدرك من وقت العصر قدر ما يسع تكبيرة الإحرام واستمر النقاء زمن المغرب بقدر يسع المغرب وطهرها وجبت وتجب العصر إذا خلا بقدره أيضاً ، وأما لو أدرك ركعة آخر العصر مثلاً فعاد المانع بعد ما يسع المغرب وجبت فقط لتقدمها لكونها صاحبة الوقت وما فضل للعصر لا يكفي ذكره البغوي في فتاويه ، سواء شرع في العصر قبل الغروب أم لا خلافاً لابن العماد ، وهذا هو المعتمد ولو أدرك من وقت العصر قدر ركعتين ومن وقت المغرب قدر ركعتين مثلاً وجبت العصر فقط ، ولو وسع المغرب قدر أربع ركعات للمقيم بعد قدر ما يسع المغرب والظهر أو ركعتين للمسافر ، فيتعين وقت المغرب والعصر لأنها المتبوعة لا الظهر لأنها تابعة ، ويأتي نظير ذلك في إدراك تكبيرة آخر وقت العشاء ، ثم خلا من الموانع(2/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
قدراً يسع تسع ركعات للمقيم أو سبعاً للمسافر فتجب الصلوات الثلاث وهي المغرب والعشاء والصبح أو ستاً لزم المقيم الصبح والعشاء فقط ، أو خمساً فأقلّ لم يلزمه سوى الصبح ، ولو أدرك ثلاثاً من وقت العشاء لم تجب هي ولا المغرب على الأوجه اه زي . قوله : ( ففي الضرورة أولى ) لأنها فوق العذر . قوله : ( قدر الطهارة ) أي طهارة واحدة في حق السليم وبعدد الصلوات في حق صاحب الضرورة والمتيمم .
تنبيه : قد اعتبروا وقت الطهارة وسكتوا عن وقت الستر والاجتهاد في القبلة ونحو ذلك ، ولعله لشدة احتياج الصلاة إلى الطهارة دون غيرها . قوله : ( والصلاة ) قال الإسنوي : والستر والاجتهاد ابن شرف . وقال ق ل قوله : والصلاة أي لصاحبة الوقت وما يجمع قبلها والمؤداة ولو أدرك ركعة آخر العصر مثلاً ، وخلا من الموانع ما يسعها وطهرها فعاد المانع بعد أن أدرك من وقت ما يسعها أي المغرب ، فيتعين صرفه إلى المغرب وما فضل لا يكفي للعصر ، ولا فرق بين أن يشرع في العصر أو لا على المعتمد اه م ر . فيتبين أن العصر لم تجب عليه . قوله : ( كركعتين في صلاة المسافر ) هذا مثال لقوله أخف ما يجزي لا تقييد لأن الحاضرة لا بد أن يدركها تامة بأخف ما يجزي بحيث لا يطول سننها شيخنا . قوله : ( بالسن ) هو قيد للأغلب وإِلا فلو أحسّ بنزول المني من قصبة الذكر فمنعه من الخروج كان الحكم كذلك ق ل . ويحكم ببلوغه عند م ر حينئذ . وخالف ابن حجر فقال : لا بد من بروزه . قوله : ( وجب عليه إتمامها ) وإن لم يكن نوى الفريضة على طريقة شيخنا م ر . ويظهر أنه يثاب على ما فعله منها قبل بلوغه ثواب النفل اه ق ل . قوله : ( فإنه يجب عليه إمساك بقية النهار ) ولا يجب عليه قضاؤه كما قرره شيخنا . قوله : ( كصوم مريض ) أي من حيث لزوم الإتمام لا من كل وجه لأن صوم المريض كله فرض إذ شرع فيه وهو كامل بخلاف الصلاة المذكورة فإن أولها نفل إذ شرع فيها وهو غير كامل .(2/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
قوله : ( ولو حاضت الخ ) هذا شروع في وقت يسمى وقت الإدراك وهو ما إذا طرأت الموانع في الوقت بعد دخوله فإن كان طروّها بعد أن أدرك قدر الصلاة لزمت وإِلا فلا . والموانع التي يمكن طروِّها خمسة ما عدا الكفر الأصلي والصبا . وهذا أعني قوله : ولو حاضت الخ عكس ما قبله ولا يتأتى هنا طريان بقية الموانع كالصبا والكفر كما علمت .
واعلم أن موانع الوجوب الكفر الأصلي والصبا والجنون والإغماء والسكر والحيض والنفاس ، وأما الردة فلا تمنع الوجوب لأن المرتد تجب عليه وجوب مطالبة ، وهذه الموانع كما تمنع الوجوب تمنع الصحة إِلا الصبا ، فإنه يمنع الوجوب لكن لا يمنع الصحة .
قوله : ( أول الوقت ) أي بعد مضي زمن يسع الصلاة والطهر الذي لا يصح تقديمه لأجل قوله إن أدرك من ذكر قدر الفرض الخ . والأولى أن يقول في أثناء الوقت ليشمل ما ذكر . قوله : ( إن أدرك من ذكر ) أي الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه . قوله : ( قدر الفرض ) أي قبل عروض الموانع ، ولا يشترط إدراك زمن طهارة يصح تقديمها كوضوء السليم كما قاله ق ل . وعبارة المنهج : ولو طرأ مانع في الوقت وأدرك قدر الصلاة وطهر لا يقدم لزمت مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها ، وأدرك قدره . ( فإن قلت : إن الفرض طروّ المانع بعد العصر مثلاً فيكون سالماً من الموانع وقت الظهر فلا حاجة لإدراك قدره من وقت العصر . قلت : يصوّر ذلك بما إذا وجد مانع وقت الظهر كجنون ثم زال وقت العصر .
قوله : ( وإِلا ) أي وإن لم يدرك ما ذكر بأن استغرق المانع جميع الوقت ا ج . قوله : ( المسنونة ) أي المسنون فيها الجماعة لإخباره عنها بقوله خمس بدليل إفراد التابعة للفرائض بقوله الآتي : والسنن التابعة للفرائض سبعة عشر ، وبدليل قوله الآتي والنوافل المؤكدة ثلاثة صلاة الليل والضحى والتراويح . وقوله : المسنون فيها الجماعة جواب عما يقال الصلوات المسنونة أكثر من خمس . وحاصل الجواب : أن مراده الصلاة المسنون فيها الجماعة ، فلذا صح الإخبار عنها بخمس . والحاصل : أن مطلق الصلوات المسنونة ثلاثة أقسام ما تطلب فيه الجماعة والتابع للفرائض وصلاة الليل .
قوله : ( والمسنون والمستحب والنفل الخ ) . وقيل إن المسنون ما فعله ( صلى الله عليه وسلم ) وواظب عليه(2/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
والمستحب ما فعله ولم يواظب عليه والنفل ما ينشئه الإنسان من قبل نفسه قاله القاضي حسين وسكت عن المرغب فيه لشموله لكلها هذا حاصل ما في شرح الروض . قوله : ( ألفاظ مترادفة ) أي معناها واحد وهو الزائد على الفرائض ، فيكون الضمير في قوله وهو راجعاً لهذا المقدر ويمكن أن المعنى وهو أي المذكور من هذه الألفاظ . قوله : ( عبادات البدن ) قيد بذلك ليخرج عبادات القلب ، فإنها أفضل . قال سم : ظاهره وإن قل كتفكر ساعة مع صلاة ألف ركعة وعبادات القلب كالإيمان والمعرفة والتوكل والصبر والرضا والخوف والرجاء ومحبة الله ومحبة رسوله والتوبة وأفضلها الإيمان اه شرح م ر . قوله : ( بعد الإسلام الخ ) في نسخة بعد الإيمان وهي ظاهرة لأنه عمل قلب وهو أفضل من عمل البدن وأما نسخة بعد الإسلام ففيها نظر ، لأن الصلاة من جملة أركان الإسلام . وقد جعلها بعد الإسلام في الفضل فيلزم عليه كون الشيء بعد نفسه وقبلها . ويجاب : بأن المراد به الإيمان فرجع للأولى . ويجاب أيضاً : بأن يراد بالإسلام خصوص النطق بالشهادتين لا المركب من الأركان الخمسة ، وهذا الجواب فيه نظر لأنه يقتضي أن النطق بالشهادتين أفضل من الصلاة لأنه جعلها بعده مع أنها أفضل منه . ويجاب : بأن المراد النطق بهما من الكافر لا من المسلم وذلك أفضل من الصلاة لأنه يترتب عليه النجاة من الخلود في النار فنفعه محقق ولا كذلك الصلاة لعدم تحقق نفعها لاحتمال عدم قبولها . قوله : ( إِلا الصوم فإنه لي ) فيه إشكال لأن الأعمال كلها لله . ويجاب بأن غير الصوم يتمكن فيه الشخص من الإخلاص وعدمه ، فنسب لابن آدم بخلاف الصوم لا يمكن فيه الرياء لأنه خفي فأضيف لله . واعترض بأنه تمكن المراءاة بالصوم بأن يقول أنا صائم ويقصد الشهرة مثلاً . ويجاب بأن ذلك رياء بالقول والإخبار لا يفسد الصوم . قوله : ( أجزي ) بفتح أوله لأنه من جزى يجزي قال تعالى : ) وجزاهم بما صبروا } ^ قوله : ( وتطوعها أفضل التطوع ) لا يرد عليه طلب العلم وحفظ القرآن حيث قالوا : إنهما أفضل من صلاة التطوع اه سم . أي : لأنهما من فروض الكفايات اه زي . وقوله : وحفظ القرآن المراد ما زاد على الفاتحة . وأفتى بعض المتأخرين بأن الاشتغال بحفظه أفضل من الاشتغال بفرض الكفاية من سائر العلوم دون فرض العين منها ، والمراد بحفظ القرآن على ظهر قلب . وهل يشترط في كل ناحية تعلم واحد أو لا(2/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
بد من جمع بحيث يظهر ذلك ، أو لا بد في كل بلد من ذلك ؟ محل نظر . قال بعضهم : ينبغي أن يكون كالقاضي والمفتي كما ذكره ابن شرف على التحرير وتقدم الكلام على ذلك قوله : ( العيدان ) أي صلاتهما ففيه حذف مضاف أو أنه استعمل العيد في صلاته كما في ع ش قوله : ( رتبتها الخ ) هو صريح في أن مرتبة العيدين واحدة وكذا الكسوفان وليس كذلك بل صلاة الأضحى أفضل من صلاة المفطر وصلاة وكسوف الشمس أفضل من صلاة كسوف القمر ق ل . ويجاب عن الشارح بأن قوله ورتبتها أي على سبيل الاجمال وهو أن الأفضل العيدان ثم الكسوفان ثم الاستسقاء ، أما على سبيل التفصيل فالمراتب خمس ، فالأفضل صلاة عيد الأضحى لثبوتها بالنص خلافاً لما يقتضيه صنيعه أنهما في مرتبة واحدة ، ثم صلاة عيد الفطر ، ثم صلاة كسوف الشمس فهي أفضل من صلاة خسوف القمر ، ثم صلاة الاستسقاء كما سينبه عليه الشارح فيما سيأتي . قوله : ( لا تسن الجماعة فيه ) أي بل تسن فرادى فلو قال : وقسم يسن فرادى لكان أحسن لما توهمه عبارته من إباحة صلاتها فرادى اه ا ج . قوله : ( التابعة للفرائض ) أي في المشروعية فيشمل القبلية والبعدية وهي صفة كاشفة لتقييد الشارح السنن بالرواتب وبالنظر للمتن وحده تكون صفة مخصصة . قال الرحماني : ومشروعية النفل متأخرة عن الفرض بعد الهجرة وعبارة خ ض وهل شرعت رواتب الفرائض ليلة الإسراء أو تراخى ذلك عنها أفاد شيخنا م ر الثاني اه .
قوله : ( والحكمة فيها الخ ) أي في حقنا أما في حق الأنبياء فهي لكثرة الأجر والثواب ، وظاهر كلامه أنها لا تقوم مقام الفرض . وفي كلام النووي أن كل سبعين ركعة من النفل تقوم مقام ركعة من الفرض لزيادة فضله عليه بذلك المقدار ، وفي حاشية الرحماني شرع النفل لتكميل الفرض اه بحروفه وجميع نوافله كانت فرضاً بمعنى أنها تقع كذلك فيثاب عليها ثواب الفرض لا أنها فرض أصالة ، لأن النفل إنما هو للجبر ولا نقص في صلاته حتى تجبر بالنوافل ، فذلك من خصائصه على الأمة لا الأنبياء كما في المناوي على الخصائص . قوله : ( سبعة عشر ركعة ) وفي نسخة تسعة عشر بتقديم المثناة وهي أقرب إلى جعل الثلاثة بعد سنة العشاء منها ، وعلى كل فكلامه غير مستقيم لأنه لم يقتصر على المؤكد وهو عشرة ، ولم(2/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
يستوف المؤكد وغيره وهو اثنان وعشرون ركعة غير الوتر ق ل . وقوله : سبعة عشر بعد سنة العشاء البعدية وركعة وتر وعلى كونها تسعة عشر بعدّ ثلاثة وتراً بعد سنة العشاء ، هذا وكان الأولى سبع عشرة لإجراء السبعة على غير القياس ، والعشرة عليه . وقد تؤول الركعة بالأمر المطلوب . قوله : ( ركعتا الفجر ) وله في نيتها عشر كيفيات : سنة الصبح سنة الفجر سنة البرد سنة الوسطى على القول بأنها الوسطى سنة الغداة وله أن يحذف السنة ويضيف فيقول : ركعتي الصبح ركعتي الفجر ركعتي البرد ركعتي الوسطى ركعتي الغداة اه خ ض . ويقرأ في الركعة الأولى ) قولوا آمنا بالله } ^ إلى آخر آية البقرة . و ) ألم نشرح } ^ و ) قل يا أيها الكافرون } ^ وفي الركعة الثانية آية آل عمران ) قل آمنا بالله إلى آخرها } ^ و ) ألم تر كيف } ^ و ) الإخلاص } ^ ولا ينافي هذا طلب التخفيف لأن ذلك وارد والتطويل النهي عنه إنما هو بغير ما ورد اه ع ش على م ر . وسنّ أن يفصل بينهما وبين الفرض بضجعة ، والأفضل كونه على الأيمن ، فإن لم يفعل فبحديث غير دنيوي ، أما بالدنيوي فيكره أو يتحول . قال م ر : ويأتي ذلك في القضية وفيما لو أخر سنة الصبح عنها كما هو ظاهر اه .
قوله : ( يوتر بواحدة منهن ) أشار بذلك إلى إفرادها بالإحرام لا أن ما قبله ليس من الوتر كما توهمه بعضهم ، وعبارة م د قوله يوتر بواحدة أي بالمعنى اللغوي وإِلا فالثلاث وتر ، وكأنه أشار إلى وجوب تأخر الواحدة إذا فصل أو إلى فصلها عن الثنتين احترازاً عن وصل الثلاث لبطلانه عند القفال ومفضوليته عند غيره سم . وهو جواب عما يقال قوله : وثلاث بعد سنة العشاء يوتر الخ . يقتضي أن الثنتين قبل الواحدة ليستا من الوتر ولا سنة العشاء وفي بعد النسخ وثلاث بعد العشاء وعليها لا إشكال اه . قوله : ( لخبر الصحيحين ) ليس في ذلك ما يدل على التأكد المدعي ولو قال لمواظبته لكان أولى اه ق ل . قوله : ( صليت مع النبي ركعتين ) أي فعلت مثل فعله ، وإِلا فهو لم يصل هذه الرواتب جماعة ، ويحتمل أنه اقتداء به ولا مانع من ذلك وإن لم يطلب م د . قوله : ( ركعتين قبل الظهر ) وانظر هل القبلية أفضل أم البعدية ؟ أفتى م ر بأن البعدية أفضل لأن القبلية كالمقدمة وتلك تابعة للفرض حقيقة والتابع يشرف بشرف متبوعه أيضاً ، فاعتناء الشارع بها أكثر ولا يصح فعلها قبل فعل الفرض ، فاعتبر الشارع لها وقتاً شرعياً يخصها ، ومقتضى كلام البهجة وغيرها أنهما سواء ، وبه صرح سم على البهجة فراجعه .(2/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
قوله : ( ويزيد ركعتين بعدها ) فيه رد على المصنف حيث اقتصر على ركعتين قبل الظهر ، ولا يشترط ملاحظة التأكيد فتنصرف إليه النية عند الإطلاق في الإحرام بركعتين ، وتجوز الأربعة القبلية مثلاً بإحرام واحد بل لو أخر القبلية عن الفرض جاز أن يحرم بالثمانية بإحرام واحد اه ق ل . ويكفي في تصحيح نية قبلية الجمعة غلبة ظن وقوعها ومع الشك يمتنع حتى يتبين له الحال ، وتردّد سم في أنها هل هي كالجمعة شرطها الوقت فلا تصح بعد خروجه ولا تقضي أولاً ؟ فيه نظر اه رحماني . الظاهر أنها لا تقضي كالجمعة . قوله : ( من حافظ ) الظاهر أن المدار في المحافظة على أغلب الأحوال كما قرره شيخنا العزيزي . وقوله : حرمه الله على النار أي منعه من دخولها ع ش .
قوله : ( وأربع قبل العصر ) برفع أربع عطف على قوله أن يزيد أي : وغير المؤكد أربع قبل العصر الخ . قوله : ( رحم الله امرءاً الخ ) هذا دعاء للمصلي ، ويحتمل أن يكون إخباراً وهو لا يتخلف . قوله : ( قبل المغرب ) ويقدم عليهما إجابة المؤذن ويؤخرهما أن أقيمت المغرب اه ق ل . أي : إذا أسرع الإمام بالفرض عقب الأذان ومثل راتبة المغرب غيرها ، فيسن ، تخيرها بعد إجابة المؤذن ، ومنه يعلم أن ما جرت به العادة في كثير من المساجد من المبادرة لصلاة الفرض عند شروع المؤذن في الأذان المفوت لإجابة المؤذن ولفعل الراتبة قبل الفرض مما لا ينبغي ، بل هو مكروه كما قاله ع ش على م ر .
قوله : ( أن كبار الصحابة ) أي المتقدمين منهم والمكثرين كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . قوله : ( يبتدرون ) أي يسرعون إلى السواري أي الأعمدة ليجعلوها سترة . قوله : ( إذا أذن المغرب ) أي مؤذن المغرب فهو على حذف مضاف .(2/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
قوله : ( والجمعة كالظهر ) فيصلي قبلها أربعاً وبعدها أربعاً أي : إذا كانت تغني عن الظهر ، وإِلا فينوي سنة الظهر البعدية بعد فعل الظهر ولا بعدية للجمعة كما يؤخذ من م ر . أي : ويصلي حينئذ سنة الظهر القبلية .
قوله : ( والظاهر أنه ) أي المذكور من الصلاة قبلها أربعاً وأما ما بعدها فقد أمر بها في خبر مسلم خلافاً لما يقتضيه عبارة الشارح من رجوع الضمير للأمرين . قوله : ( الذي لا تسن له جماعة الوتر ) أي في غير رمضان . قوله : ( وأن أقله ركعة ) أي حيث قال وثلاث بعد العشاء يوتر بواحدة منهن فجعل اثنين سنة العشاء وواحدة للوتر ، وهذا ظاهر على هذه النسخة ، وأما نسخة وثلاث بعد سنة العشاء فلا يظهر ويكون معنى يوتر بواحدة منهن عليها يفرد واحدة منهنّ ، فيكون الوتر بمعناه اللغوي وهو الإفراد كحديث ؛ ( إن الله وتر يحب الوتر ) أي وإِلا فالثلاثة وتر ، فإن أوتر بواحدة أو أكثر ووصل نوى الوتر ويتخير في غيرها بين نية صلاة الليل ومقدمة الوتر وسنته وهي أولى أو ركعتين من الوتر على الأصح ، ففي الفصل أربع نيات ، وعبارة الرحماني ينوي لكل اثنتين صلاة الليل أو مقدمة الوتر أو سنته وهو أولى أو ركعتين منه ويقول في نية الأخيرة من الوتر لأنها بعضه حقيقة وإضافة سنة للوتر بيانية اه . ولو صلى ما عدا الأخيرة وترك الأخيرة من الوتر أثيب على ما أتى به ثواب كونه من الوتر ، لأنه يطلق على مجموع الأحد عشر ، ومثله من أتى ببعض التراويح كما في حاشية م د على التحرير . قوله : ( ولا كراهة في الاقتصار عليها ) بل هو خلاف الأولى ، ولو نوى وأطلق تخير عند الشارح بين ثلاث أو خمس ، وهكذا . واعتمد م ر الاقتصار على ثلاث لأنه أدنى الكمال ، وفرق بين ما هنا والكسوف بأن ما هنا اختلاف في الذات ، فيحمل على أدنى الكمال ، وما في الكسوف اختلاف(2/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
في الصفة فسومح فيه حتى يتخير بين أقله وأدنى الكمال وهو كونه بركوعين قصيرين وبين أعلى الكمال ، ولو صلى ثلاثاً ثم أراد تكميل الإحدى عشرة أو جعله خمساً مثلاً فهل له ذلك أو لا ؟ لأنه لما صلى ركعة الوتر ، فالواقع بعدها ليس من الوتر كل محتمل ، والأول أقرب ، وتعليل الثاني ممنوع اه حج . وقوله : والأول أقرب الذي اعتمده م ر خلافه وعلله بالحديث : ( لا وتران في ليلة ) ح ف .
قوله : ( خلافاً لما في الكفاية ) حمل م ر ما في الكفاية على خلاف الأولى فلا تضعيف . قوله : ( فلا تصح الزيادة عليها ) فيبطل الإحرام المشتمل على تلك الزيادة فإذا أحرم بثلاثة عشر وكان عامداً عالماً بطل الجميع وإن كان ناسياً أو جاهلاً وقع نفلاً مطلقاً ، وإن أحرم بركعتين زيادة على الأحد عشر بطلا إن كان عامداً عالماً وإِلا وقعا نفلاً مطلقاً . قوله : ( أفضل من الوصل بتشهد ) أي لزيادة الأفعال فيه وعبارة م ر . والوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين كما في التحقيق فرقاً بينه وبين المغرب ، وللنهي عن تشبيه الوتر بالمغرب اه . فإن قلت هذا ظاهر إذا صلى ثلاث ركعات فإذا صلى خمس ركعات مثلاً انتفى التشبيه المذكور . قلت المراد التشبيه من حيث إن فيه تشهدين في الجملة فلا ينافي أنه يصليه خمساً أو سبعاً مثلاً اه م د على التحرير ثم محل أفضلية الفصل على الوصل إن ساواه عدداً بخلاف ما إذا زاد الوصل على الفصل فإنه أفضل اه قال في الإيعاب والأوجه أنه لو لم يسع الوقت إلا ثلاثة موصولة كان أفضل من ثلاثة مفصولة لأن في قضاء النوافل خلافاً وبأن ثواب الأداء أكثر من ثواب القضاء اه قال سم ولو أحرم بالجميع وأدرك ركعة في الوقت ينبغي أن يصير أداء لأنه صار صلاة واحدة اه م ر . ولا يقال بل الوصل أفضل مراعاة لخلاف أبي حنيفة . لأنا نقول لمراعاة الخلاف شروط منها أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر لأن من العلماء ، وهو الإمام مالك رضي الله عنه من لا يجيز الوصل اه م د على التحرير . وقوله : مراعاة لخلاف أبي حنيفة أي حيث أوجب الوصل .(2/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
قوله : ( وليس له في الوصل غير ذلك ) أي إذا أحرم به دفعة واحدة ، أما لو أراد أن يصلي أحد عشر مثلاً وأراد تأخير ثلاثة يحرم بهن دفعة وأحرم بالثمانية قبلها بإحرام واحد جاز له التشهد بين كل ركعتين أو أربع أو أكثر ، فقد زاد في الوصل على تشهدين لأنه لم يحرم به دفعة واحدة اه زي . قوله : ( أمدكم ) أي زادكم على ما استعملكم به من الصلوات أو أتحفكم قوله : ( من حمر النعم ) بسكون الميم جمع أحمر أي الإبل الحمر ، فهو من إضافة الصفة للموصوف وخصها لأنها أشرف أموال العرب عندهم ، والمراد التصدق بها ، وأما بضم الميم فهو جمع حمار ق ل . وقد تقرر أن تشبيه أمور الآخرة إنما هو للتقريب إلى الأفهام ، وإِلا فذرة من الآخرة خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت ح ف . قوله : ( فجعلها لكم من العشاء ) أي من صلاة العشاء فهو على حذف مضاف ، وفي عبارة بعضهم وكما يعتبر دخول العشاء يعتبر صلاتها أيضاً فحمل العشاء على الوقت حتى لو خرج وقتها ، وأراد فعله قضاء قبل فعلها كان ممتنعاً كما أفاده الوالد لأن القضاء يحكي الأداء اه م ر . وعبارة م د قوله : من العشاء إلى طلوع الفجر أي بينهما ولو جمعها أعني العشاء مع المغرب تقديماً جازت صلاته ، وإن لم يفعل سنتها ، ولكن الأفضل تأخيره عن سنة العشاء اه سم . وقوله أي م د ولو جمعها الخ . فلو صار مقيماً بعد فعل العشاء وقبل فعل الوتر فهل يجوز له فعله حينئذ أو لا بد من تأخيره إلى وقته الحقيقي ؟ الذي في شرح العباب أنه لا بد من تأخيره إليه كما ذكره الشوبري على المنهج ، وإن صلى العشاء وأوتر فبان بطلان عشائه بأن تذكر ترك ركن منها بعد فعله لم يصح وتره وكان نافلة اه روض .
قوله : ( لخبر الصحيحين : اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ) ظاهره ولو كان ما يفعله آخر الليل أقل مما يفعله أوله ، أو كان يفعله أول الليل في جماعة دون آخر الليل وعلى ذلك مشى الشيخ سلطان ونازع في ذلك ع ش ، لكن ظاهر السنة مع الشيخ سلطان كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( اجعلوا آخر صلاتكم الخ ) قال الكرماني : يحتمل أن يكون مفعولاً به وأن يكون مفعولاً فيه لأن جعل يتعدى إلى مفعول أي : على تأويل اجعلوا بافعلوا وإلى مفعولين بتأويله بصيروا قاله الشوبري ، وفيه أنه يلزم على كونه مفعولاً فيه ظرفية الشيء في نفسه لأن(2/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
الوتر هو آخر صلاة الليل فالأول أولى . قوله : ( مشهودة ) أي تشهدها الملائكة أي تحضرها أي ملائكة الليل والنهار ، فلا يرد أن كل صلاة تشهدها الملائكة . قوله : ( وذلك أفضل ) أي تأخيره أفضل أي جميعه ، فالأفضل تأخيره كله ، وإن صلى بعضه أول الليل في جماعة وكان لا يدركها آخر الليل ، ولهذا أفتى الوالد رحمه الله تعالى فيمن يصلي بعد وتر رمضان جماعة ويكمله بعد تهجده بأن الأفضل تأخير كله ، فقد قالوا : إن من له تهجد لم يوتر مع الجماعة بل يؤخره إلى الليل ، فإن أراد الصلاة معهم صلى نافلة مطلقة وأوتر آخر الليل شرح م ر . وعبارة بعضهم : وذلك أي المشهود أفضل وهو من تمام الحديث كما في مسلم قاله شيخنا . قوله : ( لم تندب له إعادته ) أي لم تشرع الإعادة فلا تجوز كما قرره شيخنا . وقال ا ج : قضيته جواز الإعادة وليس كذلك ، فكان من حق الشارح أن يقول لم تطلب إعادته ، والأصل في العبادة أنها إذا لم تطلب لم تصح قال م ر : فإن أعاده بنية الوتر عامداً عالماً حرم ذلك ولم ينعقد كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لخبر : ( لا وتران في ليلة ) وهو خبز بمعنى النهي ، وحقيقة النهي التحريم ، ولأن مطلق النهي يقتضي فساد المنهيّ عنه إن رجع إلى عينه أو جزئه أو لازمه والنهي هنا راجع إلى كونه وتراً ، وللقياس على ما لو زاد في الوتر على إحدى عشرة ، نعم إن أعاده ناسياً أو جاهلاً وقع نفلاً مطلقاً ، ولا يكره التهجد بعد الوتر ، لكن ينبغي أن يؤخره عنه قليلاً اه . وعبارة المنهج وسن تأخيره عن صلاة ليل ولا يعاد ولو وتر رمضان ولو في جماعة ، وإن كان صلاة أوّلاً فرادى فهو مستثنى من أن النفل الذي تشرع فيه الجماعة تسن إعادته جماعة كما قرره شيخنا . قوله : ( لا وتران في ليلة ) أي أداء أما إذا كان أحدهما أداء والآخر قضاء فلا يمتنع بل يندب ، والجاري على القواعد العربية لا وترين إِلا أن يقال : إنه على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع الأحوال ، فيكون مبنياً على فتحة مقدرة على الألف في محل نصب كالمقصور وما المانع من جعلها عاملة عمل ليس ، والظاهر أنه لا مانع لأن الفرق بين لا العاملة عمل إن والعاملة عمل ليس إنما هو في المفرد لا في المثنى والجمع .
قوله : ( والنوافل المؤكدة ) في بعض النسخ وثلاث نوافل مؤكدات . قوله : ( بعد الرواتب ) أي غير الرواتب . قوله : ( صلاة الليل ) الإضافة على معنى في أي صلاة في الليل .(2/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
قوله : ( لكان أولى ) وجه الأولوية أن صلاة الليل شاملة للتهجد وغيره مع أن المؤكد إنما هو التهجد اه ا ج . قوله : ( ولقوله الخ ) لا يظهر دليلاً على التأكد ، وإنما يدل على مطلق الطلب وكذا ما بعده . قوله : ( ومن الليل فتهجد به ) قال بعضهم : الباء للظرفية أي فتهجد فيه ، وفي التفسير فتهجد أي صلّ به أي بالقرآن أي اقرأه في صلاتك فريضة نافلة لك أي : زائدة على الصلوات الخمس كما في الجلال ، فنافلة صفة لموصوف محذوف واقع مفعولاً لتهجد ، وهو فريضة لأن التهجد كان واجباً في صدر الإسلام . قال المناوي في شرح الخصائص : واختص بوجوب التهجد أي صلاة الليل ، وإن قلت لأن الله تعالى أمره بقيام أكثر الليل بقوله : ) قم الليل إِلا قليلاً } ^ ولخبر الطبراني والبيهقي : ( ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل )(2/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
هذا ما صححه الرافعي ونقله النووي عن الجمهور ثم قال وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن قيام الليل كان واجباً في أول الإسلام عليه ، وعلى أمته ، ثم نسخ عنه بما في آخر سورة المزمل وعن أمته بالصلوات الخمس وهو الأصح أو الصحيح ، وفي مسلم عن عائشة ما يدل عليه اه كلام النووي . وصح عنه أنه لم يكن يجري في قيام الليل على وتيرة واحدة هذا ، والذي عليه أكثر أصحاب الشافعي أنه لم ينسخ لقوله تعالى : ) ومن الليل فتهجد به نافلة لك } ^ أي عبادة زائدة على فرائضك ، لأن الأمر للوجوب وفي معناه زيادة خالصة لك لأن تطوع غير يكفر ذنبه وتطوعه خالص له لكونه لا ذنب له ، فجميع تطوعه لمحض زيادة الدرجات والقرب . وأما قوله : ( اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ) فتعليم لأمته اه . قوله : ( كانوا قليلاً ) أي في زمن قليل وما زائدة ، ويهجعون : ينامون وهو خبر كان أي كانوا ينامون في زمن قليل من الليل أي ويصلون أكثره كما في الجلال . قوله : ( وهو لغة رفع النوم ) أي إزالته . وقوله : بالتكلف أي بالمشقة . قوله : ( صلاة التطوع ) هذا بيان أصله ، وإِلا فهو يحصل بفرض ولو قضاء أو نذراً ونفل مؤقت كذلك ولو سنة العشاء أو الوتر ، حيث كان بعد فعل العشاء وبعد نوم ، ولو كان النوم في وقت المغرب فالتطوع ليس بقيد ق ل . ويتلخص أن بين الوتر والتهجد عموماً وخصوصاً وجهياً يجتمعان فيما لو فعل الوتر بعد فعل العشاء والنوم ، وينفرد الوتر فيما لو فعله قبل النوم وينفرد التهجد فيما لو صلى نفلاً غير الوتر بعد نوم اه ا ج . قوله : ( بمنزلة السحور ) أي فكما أن السحور يقوي على الصوم كذلك نوم القيلولة يعين على قيام الليل . قوله : ( استعينوا بالقيلولة على قيام الليل ) تتمته : ( وبالسحور على صيام النهار وبالتمر والزبيب على برد الشتاء ) اه . وفي بعض الكتب الإلهية : ( يقول الله عز وجل يا عبدي جعلت النهار لمعاشك وجعلت الليل للسمر معي فاشتغلت عني بالنهار ونمت عني بالليل فماذا حصلت ) اه .
قوله : ( أن الجنيد ) هو أبو القاسم الجنيد شيخ أهل الحقيقة والطريقة ، وكان شيخه وأستاذه فيها خاله السري السقطي . توفي الجنيد سنة سبع وسبعين ومائتين ، وتوفي خاله السري سنة سبع وخمسين ومائتين ، والسري لغة الخيار وكان السري تلميذاً لمعروف الكرخي نفعنا الله بهم أجمعين .
قوله : ( طاحت الخ ) طاحت وغابت وفنيت ونفدت المراد بها ذهبت من حيث عدم النفع بها . قال في المصباح : نفد ينفد من باب تعب يتعب نفاداً فني ، وانقطع . ولعل المراد بالإشارات ما تدل عليه العبارة بطريق اللزوم من المعاني الخفية التي كان يشير بها في الجواب كأن يقول له قائل : يا سيدي ما شفاء النفس ؟ فيقول : هو أن يصير داؤها دواءها ويشير بقوله دواءها إلى الصبر . قوله : ( العبارات ) المراد بها الألفاظ التي كان يعظ بها الناس اه ا ج . قوله : ( العلوم ) أي علوم التصوّف الدالة على الله تعالى أي : التي كان يفيدها لأتباعه قال بعضهم نظماً بعد كلام :
بل التصوّف أن تصفو بلا كدر
وتتبع الحق والقرآن والدينا
وأن ترى خاشعاً لله مكتئبا
على ذنوبك طول الدهر محزونا قوله : ( ونفدت ) أي ذهبت قوله : ( تلك الرسوم ) المراد بها الكتب المشتملة على تلك العلوم قوله : ( ويكره قيام بليل يضر ) أي سهر شوبري ولو بعبادة ولا فرق بين كل الليل أو بعضه كما هو ظاهر كلامه وبه صرح م ر والمراد بقوله يضر أي شأنه ذلك وإن لم يضر بالفعل كما قاله ح ف أي إن كان كل الليل وبالفعل إن كان بعض الليل ففرق بين قيام الكل فيكره مطلقاً أي : وإن لم يضر لأن شأنه الضرر فربما يفوت به مصالح النهار من غير استدارك ، وبهذا فارق عدم كراهة صوم الدهر إن كان لا يضر لأنه يستدرك بالليل ما فاته بالنهار وقيام البعض ، فيكره إن ضرّ بالفعل كما يؤخذ من ح ل وغيره . قوله : ( ألم أخبر ) استفهام تقريري بما بعد(2/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
النفي ، وقوله : وأفطر بقطع الهمزة . قوله : ( إلى آخره ) تتمته : ( ولزوجك عليك حقاً ولزورك عليك حقاً ) . والمراد بالزور الزائر لأن حق الضيف مطلوب . قوله : ( فقد كان رسول الله الخ ) في معنى العلة . قوله : ( أحيا الليل ) أي بصلاة ، والمراد أحياه كله كما في بعض الروايات . قوله : ( ويكره تخصيص الخ ) أفهم لفظ تخصيص عدم كراهة إحيائها مضمومة لما قبلها وما بعدها نظير ما ذكروه في صومها وهو كذلك ، وإن قال الأذرعي فيه وقفه ق ل . والنهي عنها تعبدي ، وقيل له حكمة هي أن في نهارها وظائف كالتبكير والغسل وقراءة الكهف والصلاة على النبي فبالسهر ربما يضعف عنها ، لكن هذه لا تناسب ما ذكروه من أنه إذا ضم لها ليلة السبت انتفت الكراهة . قوله : ( بقيام بصلاة ) أي لا بذكر ومنه الصلاة على النبي كما يأتي . قوله : ( فإن ذلك ) أي ما ذكر من الصلاة على النبي ويرشد إليه قوله لأنه مطلوب لها لما ورد : أنه يسمع الصلاة عليه بأذنه في ليلة الجمعة ويومها ويبلغه الملك الذي أعطاه الله سماع العباد ق ل وهذا لم يثبت كما نبه عليه ابن الجوزي ، والمعتمد أنه لا يسمع بأذنه إِلا إذا كان الموضع قريباً لا فرق في ذلك بين الجمعة وغيرها اه طوخي .
قوله : ( والثانية صلاة الضحا ) بضم الضاد والمد والقصر أي الصلاة المفعولة في وقت الضحا وهو أول النهار ، والضحا اسم لأول النهار ، فأضيفت هذه الصلاة لذلك الوقت لأنه وقتها فوقت صلاة الضحا النصف الأول من النهار لأن وقتها يخرج بالزوال . قال القسطلاني : والظاهر أن إضافة الصلاة إلى الضحا بمعنى في كصلاة الليل وصلاة النهار كما ذكره المناوي على الشمائل . قال م ر : سميت باسم وقت فعلها وهي صلاة الإشراق كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وقيل غيرها . وعلى هذا تحصل صلاة الإشراق بركعتين بعد ارتفاع الشمس ، ومما ينبني على ذلك أننا إذا قلنا إنها غيرها تحصل بركعتين فقط ولا تتقيد بالعدد الذي لصلاة الضحا ، وأيضاً تفوت بمضي وقت شروق الشمس وارتفاعها ولا تمتد للزوال ، وذكر الجلال السيوطي في مقدمة له بخصوص صلاة الضحا أن الأفضل أن يقرأ الإنسان في الركعة الأولى(2/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
منها بعد الفاتحة سورة والشمس بتمامها ، وفي الثانية الفاتحة وسورة والضحى للمناسبة ، ولما ورد في ذلك وتبعه على ذلك ابن حجر لكن الذي ذهب إليه م ر ، واعتمده أنه يقرأ في الركعة الأولى الكافرون والثانية الإخلاص ويفعل ذلك في كل ركعتين منها قال : لفضل ذلك فإن الصورة الأولى تعدل ربع القرآن والثانية ثلث القرآن اه . وعلى هذا فالجمع بين القولين أولى بأن يقرأ في الأولى سورة والشمس والكافرون ، وفي الثانية والضحى والإخلاص ، ثم في باقي الركعات يقتصر على الكافرون والإخلاص اه .
قوله : ( هذا هو المعتمد ) فلو زاد على الثمانية لم ينعقد الإحرام المشتمل على زيادة إن كان عامداً عالماً وإلا وقع نفلاً مطلقاً ح ل . قوله : ( أفضلها ثمان ) قال ابن حجر : وما ذكر من أن الثمان من اثنتي عشرة لا ينافي قاعدة أن العمل كلما كثر وشقّ كان أفضل لأنها أغلبية لتصريحهم بأن العمل القليل يفضل الكثير في صور كالقصر فإنه أفضل من الإتمام إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في قصره ، وما اشتهر من أن الجن يؤذون أولاد مصلي صلاة الضحى لا أصل له بل هي تحرق أولاد الشياطين ، وصلاة الضحى واجبة في حقه . قال في الخصائص وشرحها : اختص المصطفى بوجوب صلاة الضحا عليه على المذهب المنصوص عند الشافعي وجمهور أصحابه . قوله : ( عند مضي ربع النهار ) ليصير في كل ربع منه صلاة وللخبر الصحيح : ( صلاة الضحا حين ترمض الفصال ) جمع فصيل وهو ولد الناقة الصغير الذي لم يستكمل سنة بفتح الميم أي تبرك من شدة الحر في خفافها ، وزعم بعضهم أنه من الطلوع ، ويسن أن تؤخر إلى الارتفاع كالعيد وهذا زعم ضعيف بل باطل اه م د . وقوله : وهذا أي أن وقتها من الطلوع ويسن تأخيرها إلى الارتفاع زعم ضعيف بل الواجب تأخيرها إلى الارتفاع . قوله : ( صلاة التراويح ) سميت بما اشتملت عليه من الراحة كما سيذكره ق ل . قوله : ( من قام رمضان ) أي من صلى تراويحه . قوله : ( لأن عمر ) هو صريح في أنها لم تقم في خلافة أبي بكر ق ل قال بعضهم : ولذلك قال عليّ في حق عمر : نوّر الله قبره كما نوّر مساجدنا . وورد : ( أنه(2/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
عليه الصلاة وسلام خرج ليالى من رمضان فصلاها وصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال : خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها ) . شرح المنهج وقوله : ليالي أي ليلة الثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين ، وكان يصلي بهم في كل ليلة ثمان ركعات تخفيفاً عليهم اه ا ج . وقوله : خشيت أن تفرض عليكم لا ينافيه ما في قصة فرض الصلاة ليلة المعراج الدالّ على أنه لا يفرض عليهم من الصلوات غير الصلوات الخمس ، لأن المراد فيه أنه لا يفرض عليهم في كل يوم وليلة من الصلوات غير الخمس ، كما هو ظاهر من القصة . وهذا لا ينافي أنه يفرض عليهم في السنة غير الخمس . وقال ق ل : خشيت أن تفرض عليكم جماعتها كما ذكره أكثر أهل العلم قالوا : وإنما قال ذلك مع تقرر أنه لم يفرض عليهم غير الخمس لأنه في زمن التشريع وربما يحدث فرض آخر أو جماعته بعد ذلك فلا إيراد ولا إشكال اه . وقد قيل : إن لله تعالى موضعاً حول العرش يسمى حظيرة القدس وهو من النور وفيه ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى يعبدون الله تعالى عبادة لا يفترون ساعة ، فإذا كان ليالي رمضان استأذنوا ربهم عز وجل أن ينزلوا إلى الأرض ويحضروا مع أمة محمد صلاة التراويح ، فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، فلما سمع عمر رضي الله عنه هذا قال : نحن أحق بهذا الفضل والأجر ، فجمع الناس على صلاة التراويح في شهر رمضان ، وكان ذلك سنة أربع عشرة من الهجرة وما قبل ذلك لم تقم جماعة من حين شرعت التراويح إلا مرة وشرعت في السنة الثانية من الهجرة لمضي إحدى وعشرين ليلة من رمضان ، فخرج النبي وصلى بهم ثمان ركعات إلى ثلث الليل ، وكان ذلك ليلة ثلاث وعشرين . ثم خرج ليلة خمس وعشرين فصلى بهم ثمان ركعات إلى نصف الليل ، ثم خرج ليلة سبع وعشرين فصلى بهم ثمان ركعات إلى قرب الفجر ، ثم انتظروا ليلة تسع وعشرين فلم يخرج لهم وقال لهم صبيحتها : خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا ، وإنما لم يخرج لهم متوالياً شفقة عليهم .
فإن قلت : أجمعوا على أن التراويح عشرون ركعة والوارد من فعله ثمان ركعات . قلت : أجيب بأنهم كانوا يتممون العشرين في بيوتهم بدليل أن الصحابة إذا انطلقوا إلى منازلهم يسمع لهم أزير كأزير الزنانير ، وإنما اقتصر على الثمان في صلاته بهم ولم يصلّ بهم العشرين تخفيفاً عليهم اه ا ج . قوله : ( الرجال ) بدل من الناس .
قوله : ( ابن أبي حثمه ) بحاء مهملة مفتوحة ومثلثة ساكنة وميم مفتوحة وهاء ساكنة كذا ضبطه القسطلاني في شرح البخاري فهو مثل منده وماجه وسيده وبردزبه ونحو ذلك مما ذكروه . قوله : ( أي يستريحون ) أي من الصلاة وأهل مكة يطوفون كما يأتي .(2/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
قوله : ( لأن الرواتب الخ ) أي والجامع بينهما أنها كالرواتب من حيث توقفها أي التروايح ، وقوله : على فعل العشاء والرواتب البعدية متوقفة على فعل الفرض . قال بعضهم : صوابه حذف اللام من لأن كما في عبارة غيره . قوله : ( فضوعفت الخ ) فيه أن التضعيف أن يزاد على الشيء مثله فيقتضي أن التراويح عشر ركعات لأنه إذا زيد على العشر ركعات المؤكدات مثلها صارت عشرين عشرة منها هي المؤكدة من الرواتب والعشرة الأخرى هي التراويح . وأجيب : بأن المراد بالتضعيف هنا أن يزاد على الشيء مثلاه كما في ع ش على م ر . فقوله : ( فضوعفت ) أي زيد عليها مثلاها اه . قوله : ( ولأهل المدينة ) أي باجتهاد ممن كان فيها في ذلك الوقت من كبارها وعلمائها وأهل المدينة صلوها ستاً وثلاثين في آخر القرن الأول لا في أوائل الهجرة كما قاله حج اه . قوله : ( فعلها ستاً وثلاثين ) ومع ذلك ، فالأفضل الاقتصار على عشرين وفي م د على التحرير : وإذا فعلوها كذلك فهل يثابون عليها ثواب العشرين كغيرهم أو يثابون على العشرين ثواب التراويح ، وعلى الستة عشر ثواب النفل المطلق ؟ فيه نظر . والأقرب أنهم يثابون على العشرين ثواب التراويح ، وعلى الستة عشراً أكثر من ثواب النفل المطلق لأنها أرقى منه اه . قوله : ( يطوفون ) وإنما لم تطف أهل المدينة بالقبر الشريف لأنه مكروه . قوله : ( سبعة أشواط ) الأولى أن يقول سبعاً لأنه يكره تسمية الطواف شوطاً ، والمراد بأهل المدينة من بها حين فعل التراويح ، وإن لم يكن متوطناً ولا مقيماً ومن فعلها خارجها بحيث يجوز له قصر الصلاة لم يبعد أن تكون له الزيادة على العشرين إن كان من متوطنيها أو المقيمين دون غيرهم ، وهذا ما انحط عليه كلام سم يعني : أن المتوطن أو المقيم بالمدينة إذا خرج في محل لا تقصر فيه الصلاة له أن يصلي التراويح ستاً وثلاثين ، والعبرة في ذلك بمحل الأداء فلو فاتته في المدينة قضاها ولو في غيرها ستاً وثلاثين ، بخلاف ما لو فاتته في غيرها فإنه يقضيها عشرين ولو بالمدينة هذا ما نقل عن شيخ شيوخنا النور الزيادي وأقره مسايخنا اه ا ج . قوله : ( أسبوع ) أي طواف وإنما قيل له أسبوع لأنه في كل طوفة يكرر سبع مرات . قوله : ( بالقرآن في جميع الشهر ) بأن يقرأ كل ليلة حزبين في كل ركعة عشر حزب ق ل . قوله : ( من تكرر الخ ) ومن الاقتصار على قراءة سورة الرحمن أو نحوها . قوله : ( بين صلاة العشاء ) أي فتتوقف على فعل(2/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
العشاء كما أن الوتر كذلك . قوله : ( ولو تقديماً ) عبارة غيره م ر كذلك ، وظاهره ولو كان الجمع للسفر وحصلت إقامة في وقت المغرب ، لكن نقل السيوطي عن الزركشي أنه قال : ينبغي تخصيص الجواز بما إذا لم تحصل إقامة فإن حصلت إقامة بعد فعل العشاء في وقت المغرب وجب تأخير التراويح إلى وقت العشاء لزوال الوقت ، ويحتمل خلافه اه قال شيخنا : وينبغي أن تكون الراتبة والوتر كذلك ، وعلى هذا فله فعلها عقب دخول الوقت ولا يتوقف على مضي قدر زمن فعل العشاء كما هو ظاهر إطلاقهم اه ا ج . ولو تبين بطلان العشاء وقع ما صلاه نفلاً مطلقاً .
قوله : ( بل ينوي ركعتين من التراويح ) أو ينوي سنة التراويح بإضافة الأعم للأخص أو بيانية . قوله : ( لم تصح ) وتقع له نفلاً مطلقاً إذا نسي أو جهل كما لو زاد على العشرين المذكورة . قوله : ( التي قبل الفرض ) الصواب إسقاط هذا القيد لأن وقت المتأخرة يدخل كذلك ، وفعل الفرض شرط في جواز فعلها ، وإنما امتنع فعلها قبل الفرض لعدم وجود شرطها وهو فعل الفرض ، ويصرح بذلك قوله ويخرج وقت النوعين ، ولو أريد في كلامه بالوقت الأول وقت الفعل ، وبالثاني الوقت الزماني لكان صحيحاً ، لكنه يلزم عليه السكوت عن الوقت الزماني في الأول فتأمل ق ل . فلو لم يصل الفرض حتى خرج وقته فإن سنته البعدية لم يدخل وقتها والحال أنه قد خرج أي على كلام الشارح . ولهذا يلغز فيقال لنا صلاة فيخرج وقتها ولم يدخل ا ج . أي خرج وقت أدائها ولم يدخل وقت فعلها . قوله : ( المؤقت ) أي سواء طلبت فيه الجماعة أم لا ، قال شيخنا : ويلحق به التهجد لمن اعتاده ق ل . قوله : ( تحية المسجد ) قال الزركشي كابن العماد : وهذه الإضافة غير حقيقية ، إذ المراد تحية لرب المسجد تعظماً له لا للبقعة فهو على حذف مضاف أي تحية رب المسجد ، فلو قصد سنة البقعة لم يصح لأن البقعة من حيث هي بقعة لا تقصد بالعبادة شرعاً ، وإنما يقصد إيقاع العبادة فيه لله تعالى اه . إيعاب . بل لو قصد استحقاقها لذلك لذاتها كفر وشمل ذلك المساجد المتلاصقة فتطلب التحية لكل واحد منها لا لأجزاء المسجد ، وشمل المشاع أي ما بعضه مسجد وبعضه غيره ، وإن قل البعض الذي جعل مسجداً بخلاف الاعتكاف فيه فلا يصح ، والفرق أن جنس الصلاة لا يتوقف على مسجد بخلاف الاعتكاف .(2/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
قال الرحماني قلت : الظاهر أنه لا يشترط في طلب التحية تحقق المسجدية بل المدار على غلبة الظن فتطلب لما هو كصورته كالزوايا في القرى اه . وعبارة شرح م ر . وخرج بالمسجد الرباط ومصلى العيد وما بني في أرض مستأجرة على صورة المسجد وأذن بانيه في الصلاة فيه . وعبارة ق ل : وشمل المسجد المتيقن والمظنون ولو بالاجتهاد وليس من علاماته المنارة ولا الشرفات ولا المنبر ولا نحو ذلك ، وخرج به المدارس والرباطات وما في الأراضي المحتكرة وما في سواحل الأنهار وما في الأراضي الموقوفة أو المسبلة كمساجد القرافة لدفن الموتى مثلاً . نعم إن فرش نحو بلاط وآجر في أرض مستأجرة له ووقفه مسجداً صح وقفه وطلبت فيه التحية ، والسنانية المعلومة مسجد من غير شك ولا ارتياب وتعطى أحكام المساجد من صحة التحية فيها وغيرها لما هو معلوم لكثير من الأنام أن حكم الحاكم بصحة الوقف ولزومه يرفع الخلاف الواقع بين الأئمة الأعلام وحينئذ فاستثناء بعض مشايخنا لها كغيرها مما شابهها مبني على حدوثها وأنها وضعت بغير حق وقد علمت أنها لم توضع إلا بحق وأن مسجديتها صارت محققة لا نزاع فيها وقد رجعت عما كنت أقرره فيها من كونها لا تعطى حكم المساجد تبعاً لبعض مشايخي وهو الشيخ منصور الطوخي ، وأظن والله أعلم أنه لو اطلع على صورة وقفية الواقف المذكور لرجع عما قاله ووافق على ما قلنا اه . ذكره الشيخ الديربي في رسالته تحفة المريد ، وأطال الكلام وذكر فيها صورة الوقفية فانظرها إن شئت وشمل داخله من هو في هوائه ممن تحته أو فوقه ولو محمولاً أو راكباً اه بالحرف . وانظر هل يشترط ملاحظة كونها لرب المسجد أو يكفي الاطلاق ؟ والذي استقر به شيخنا الثاني فليحرر . ولا بد أن تقع فيه ابتداء ودواماً ، فلو كان في سفينة في المسجد فنوى التحية ثم خرجت منه باختياره قبل أن يتمها فلا تصح ، أو كانت خارجه ثم نوى ركعتين مثلاً ثم دخلت المسجد فلا يصح اه م ر على التحرير . قال الحلبي : والمراد بالمسجد غير المسجد الحرام ، أما هو فيبتدأ فيه بالطواف الذي هو تحية البيت وحينئذ يقال لنا مسجد يستحب لداخله ترك تحيته ، وكتب أيضاً أما المسجد الحرام ، فإن كان داخله يريد الطواف فالسنة له الطواف وهو تحية البيت ، فإن صلى ركعتين خلف الطواف حصلت تحية المسجد ، وإن صلاهما داخل البيت فتوقف فيه بأن البيت ليس من أجزاء المسجد لكون وقفيته لم تشمله لتقدم بنائه على وقفية المسجد وعدم ملك أحد له فتحية البيت الطواف ، فلو صلى مريد الطواف التحية انعقدت صلاته لأنها سنة في الجملة ، وإن لم يرد داخله الطواف صلى تحية المسجد اه . وقوله : لكون وقفيته لم تشمله يؤخذ منه الجواب عما تقدم من وقوع السؤال عن البيت الحرام هل وقف بصيغة أو هو وقف لا يتوقف على وقفية أحد ، لأن الله أمر ببنائه الملائكة فالأنبياء إلى آخر ما تقدم فافهم .
قوله : ( وهي ركعتان ) أي أقلها ذلك فتجوز الزيادة عليها بإحرام واحد ق ل . واقتصاره(2/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
على ركعتين لأنه الأفضل فإن سلم ثم أتى بركعتين لم تنعقد إلا من جاهل فتنعقد له نفلاً مطلقاً . قوله : ( لكل داخل ) أي ولو معتكفاً بأن خرج منه ثم عاد ، سواء قلنا اعتكافه باق أم لا لوجود الدخول منه فقد شمله كلامهم خلافاً لابن العماد شوبري ، ولو كان خروجه لا يقطع اعتكافه م د على التحرير .
فرع : لو صلى ثم دخل المسجد فوجد الإمام يصلي بحث الأسنوي كراهة التحية إن كان قد صلى منفرداً وإلا فلا اه عبد البر . قوله : ( وتحصل بفرض ) أي يحصل فضلها سواء نويت مع ذلك أم لا . نعم إن نفاها فات فضلها ، وإن سقط الطلب ق ل . وعلى حصول فضلها ، وإن لم تنو يشكل عليه قوله : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ) إلا أن يقال هذه من جملة عمله من حيث إنها تابعة وداخلة فيه فكأنها نويت حكماً ز ي بإيضاح . والحاصل : أنه إذا نواها حصل الثواب اتفاقاً ، وإذا نفاها فلا يحصل اتفاقاً وإن أطلق حصل الثواب على المعتمد . قوله : ( على قرب ) عبارة التحرير ولو على قرب فهي غاية للرد على القول الضعيف القائل بأنها لا تسن للدخول عن قرب للمشقة . قوله : ( وتفوت بجلوسه ) أي ولو للشرب عمداً كذا في شرح م ر . ولكن قيد الفوات في الفتاوى له بما إذا ألصق مقعدته بالأرض أو طال الفصل ، أما إذا جلس للشرب على ساقيه ولم يلصق مقعدته بالأرض ولم يطل الفصل فله فعلها .
تنبيه : إذا نذر سنة الوضوء وتحية المسجد هل يكفيه ركعتان ينوي بهما النذرين ؟ والظاهر لا يكفيه لأن كل واحدة صارت نذراً وحده .
فرع : إذا اغتسل من عليه الحدثان من غير وضوء ، وقلنا بالاندراج هل له صلاة ركعتين غير سنة الغسل عن الوضوء أولاً لعدم فعله وهل يثاب على الوضوء ما لم ينفه كالتحية اه رحماني . وقوله بجلوسه أي متمكناً لا مستوفزاً اه ح ل . قوله : ( إلا إن جلس ) سهواً أو جهلاً . قوله : ( وتفوت بطول الوقوف ) ولو سهواً أو جهلاً ، بخلاف ما إذا قصر الوقوف فإنها لا تفوت ظاهره ولو عمداً ، وفي هذه الصورة يحصل الفرق بينه وبين الجلوس ، فإنها تفوت به عمداً ولو قصر ، والمراد بالطول قدر زائد على ركعتين ع ش على م ر . ويكره له دخول المسجد بلا طهارة كما ذكره في الإحياء ، ويندب لمن لم يأت بالتحية لحدث أو غيره كأن لم يردها وإن كان متطهراً أو اشتغل بشيء آخر أن يقول أربع مرات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . زاد بعضهم : ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فإنها تعدل ركعتين في الفضل فتندفع الكراهة بذلك اه . قال ع ش : وينبغي أن محل الاكتفاء بذلك حيث لم يتيسر له(2/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
الوضوء في المسجد قبل طول الفصل ، وإلا فلا تحصل لتقصيره بترك الوضوء مع تيسره اه . قال الشيخ خ ض : وفي فواتها للمقعد والمضطجع والمستلقي كلام حاصله أنه إن قصد الإعراض فاتت ، وإلا فإن طال الفصل فاتت ، وإلا بأن لم يقصد الإعراض ولم يطل الفصل بذلك فلا تفوت بذلك ز ي .
قوله : ( كما أفتى به بعض المتأخرين ) هو الشهاب م ر خلافاً للشهاب ابن حجر حيث قال : لا تفوت بطول الوقوف ولو أحرم بها قائماً ثم أراد القعود لإتمامها ، فالأوجه الجواز ولو أحرم بها جالساً ، فالأوجه كما أفاده الوالد الجواز حيث جلس ليأتي بها ، إذ ليس لنا نافلة يجب التحرم بها قائماً وحديثها خرج مخرج الغالب ، ولا تفوت بجلوس قصير نسياناً أو جهلاً ، وإن جرى بعض المتأخرين على خلافه شرح م ر . ولا تفوت بصلاة الجنازة وسجود التلاوة والشكر ، وإذا تعارض سجود التلاوة والتحية قدم السجود لأنه أفضل للاختلاف في وجوبه ، والحاصل أنها تفوت بالجلوس الطويل وبالوقوف كذلك مطلقاً فيهما وبالجلوس القصير عمداً . قوله : ( أربع ) المراد بتحية هذه المذكورات تعظيمها . قوله : ( وتحية لقاء المسلم بالسلام ) ويحرم بدء ذمي بالسلام ، فإن بان ذمياً استحب له استرداد سلامه بأن يقول له : استرجعت سلامي أو رد عليّ سلامي ، وظاهر عبارة ابن المقري وجوب ذلك خلافاً لما قاله الرافعي من الاستحباب ، وإن تبعه النووي في الأذكار ، فإن سلم الذمي على مسلم قال له وجوباً : وعليك ، لأن الغرض مجرد الرد عليه فقط لا السلام لخبر الصحيحين : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ) وروى البخاري خبر : ( إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقولون السام عليكم والسام الموت فقوموا وعليكم ) قال الخطابي : وكان سفيان يروي عليكم بحذف الواو وهو الصواب ، لأنه إذا حذفها صار قولهم مردوداً عليهم ، وإذا ذكرها وقع الاشتراك فيه والدخول فيما قالوه . قال الزركشي وفيه نظر إذ المعنى ونحن ندعو عليكم بما دعوتم به علينا على أنه إذا فسرنا السام بالموت فلا إشكال لاشتراك الخلق فيه ، ويجب استثناؤه ولو بقلبه لو كان مع مسلم ويحرم بدءه بتحية غير السلام بل يحرم بكل كلام أشعر بتعظيمه لآية : ) لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله } ^ الآية ، ومن التعظيم خطابه بلفظ يا معلم كما صرح به سيدي علي الأجهوري ، ولو قام عن جليس له فسلم وجب الرد ومن دخل داره سلم ندباً على أهله أو موضعاً خالياً فليقل ندباً السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ويسمي الله قبل دخوله وشرط السلام ابتداء وردّاً سماعه له ، واتصال الرد كاتصال الايجاب بالقبول ، فإن شك في(2/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
سماعه زاد في الرفع ، فإن كان عنده نيام خفض صوته بحيث لا يوقظهم ، والقارىء كغيره في استحباب السلام ووجوب الرد باللفظ على خلاف فيه ، ويجب الجمع بين اللفظ والإشارة على من ورد على أصم وتجزىء إشارة الأخرس من ابتداء ورد ولو سلم عليه من وراء حائط أو ستر أو في كتاب مع أو رسول ، وبلغه لزمه الرد . والإشارة بالسلام من الناطق بلا لفظ خلاف الأولى ، ولا يجب لها ردّ والجمع بينها وبين اللفظ أولى ، وصيغته ردّاً عليكم السلام أو وعليكم السلام للواحد أيضاً كالجمع ، فإن عكس جاز وإن سلم كل على الآخر معاً لزم كلاً منهما الرد أو مرتباً كفى الثاني سلامه رداً ، ويندب أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على الواقف والصغير على الكبير والقليل على الكثير في حال التلاقي فلو عكس لم يكره ، ويسلم الوارد مطلقاً على من ورد عليه كما في شرح الزبد للرملي وإذا لقي شخص رجلين وسلم عليه أحدهما فقال : عليكم السلام وقصد الرد على من سلم والابتداء على من لم يسلم كفى ، ولو ردت امرأة على رجل أجزأ إن شرع السلام عليها بأن كانت عجوزاً أو محرماً للمسلم ، وإلا فلا . أو رد صبي أو من لم يسمع منهم لم يسقط بخلاف نظيره في الجنازة لأن القصد ثم الدعاء وهو منه أقرب للإجابة والمقصود من السلام الأمان ، ولا أمان من الصبي ، ولو سلم جماعة متفرقون على واحد فقال : وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم أجزأه وسقط عنه فرض الجميع ، بخلاف ما إذا لم يقصد الرد عليهم جميعاً فإنه يأثم فلو أطلق هل يكفي أو لا ؟ الصحيح أنه يكفيه ذلك ويتصور وجوب رد ابتداء السلام مع طول الفصل ، وهو ما لو أرسل إلى غائب فيلزمه أن يسلم عليه إن أتى المسلم أو الرسول بصيغة سلام بأن يقول له : فلان يقول لك السلام عليك أي : ولو بعد مدة طويلة بأن نسي ذلك ثم تذكره لأنه أمانة فيجب عليه أداؤها ، ويجب على المسلم عليه الرد حينئذ ، ولا يكره على جمع نسوة ولا على عجوز لانتفاء الفتنة ، بل يندب الابتداء منهنّ على غيرهنّ وعكسه ، ويجب الرد كذلك ويحرم من الشابة ابتداء ويكرهان عليها من الأجنبي ابتداء وردّاً والخنثى مع الخنثى يحرم على كل منهما ابتداء وردّاً احتياطاً ولو قال : السلام على سيدي ، فالذي قاله الجوجري وجوب الرد ، والذي قاله شيخ الإسلام عدم الوجوب لأن هذه ليست صيغة شرعية ، ولو قال السلام على من اتبع الهدى لم يجب الرد لأنها ليست من الصيغ الشرعية أيضاً وأما فقوله تعالى : ) والسلام على من اتبع الهدى } ^ فهو خاص بالمراسلات إلى المسلمين والكفار .
( فرع ) لو أرسل السلام مع غيره إلى آخر فإن قال له سلم لي على فلان فقال الرسول لفلان فلان يقول السلام عليك أو السلام عليك من فلان وجب الرد ، وكذا لو قال السلام على فلان فبلغه عني فقال الرسول زيد يسلم عليك وجب الرد . وحاصله : أنه لا بد في الاعتداد به ووجوب الرد من صيغة من المرسل أو الرسول ، بخلاف ما إذا لم توجد من واحد ، كأن قال(2/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
المرسل سلم لي على فلان فقال لفلان زيد يسلم عليك فلا اعتداد به ولا يجب الرد كذا نقله م ر عن والده واعتمده اه سم على المنهج . قال النووي في الأذكار : وإذا مر على واحد أو أكثر وغلب على ظنه أنه إذا سلم لا يرد عليه إما لتكبر الممرور عليه ، وإما لإهماله المارّ أو السلام ، وإما لغير ذلك فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن ، فإن السلام مأمور به ، والذي أمر به المار أن يسلم ولم يؤمر بأن يحصل الرد مع أن الممرور عليه قد يخطىء الظن فيه ويردّ . وأما قول من لا تحقيق عنده إن سلام المار سبب لحصول الإثم في حق الممرور عليه فهو جهالة ظاهرة وغباوة بينة ، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخبالات ، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على من فعله جاهلاً كونه منكراً أو غلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا ، فإن إنكارنا عليه وتعريفنا له قبحه يكون سبباً لإثمه إذا لم يقلع عنه ولا شك في أنا لا نترك الإنكار بمثل هذا ونظائر هذا كثيرة ومعروفة . ويستحب لمن سلم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجه عليه الرد بشروطه فلم يردّ أن يحلله من ذلك فيقول : أبرأته من حقي في رد السلام أو جعلته في حلّ منه ونحو ذلك ويتلفظ بهذا فإنه يسقط به حق هذا الآدمي . ويستحب لمن سلم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة لطيفة : رد السلام واجب ، فينبغي لك أن ترد عليّ ليسقط عنك الفرض . وقد أطال النووي الكلام على ذلك في الأذكار بما ينبغي الوقوف عليه فانظره إن شئت . واعلم أن المواضع التي لا يجب رد السلام فيها عشرون كما ذكره السيوطي نظماً حيث قال :
ردّ السلام واجب إلا على
من في صلاة أو بأكل شغلا
أو في قراءة كذاك الأدعيه
أو ذكر أو في خطبة أو تلبيه
أو في قضاء حاجة الإنسان
أو في إقامة أو الأذان
أو حاجم أو ناعس أو نائم
وحالة الجماع والتحاكم
أو سلم الطفل أو السكران
أو شابة يخشى بها افتتان
أو كان في الحمام أو مجنونا
فهذه مجموعها عشرونا فائدة : الأذكار المطلوبة عقب الصلاة قبل التكلم هل يسن لها السلام ويجب الرد على المشتغل بها أولاً ؟ والثاني غير بعيد إذ يشق عليه الرد مشقة شديدة لتفويته الثواب المرتب عليها ، واحتمال أن لا يفوت لعذره بالرد يعارضه الاحتياط في تحصيل ذلك الثواب لاحتمال أن لا يكون معذوراً بالرد في الواقع اه سم على حج . قال النووي : وتسن المصافحة عند التلاقي سواء فيه الحاضر والقادم من سفر للأحاديث الواردة في فضلها والحث عليها ، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر ، فلا أصل لتخصيصه ، لكن لا بأس به قاله في شرح(2/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
الينابيع . وذكر أبو طالب المكي في كتاب التحيات : أن سلام اليهود كان بالأكف والأصابع والأكاسرة بالسجود لملك وتقبيل الأرض ، والفرس طرح اليد على الأرض أمام الملك ، والحبشة عقد اليدين على الصدر مع السكينة ، والروم بكشف الرأس وتنكيسها والنوبة الإيماء بفمه مع جعل يديه على رأسه ووجهه ، وحمير بالإيماء بالدعاء بالأصابع ، وتحية ملك اليمامة بوضع اليد على كتف المحيا فإن بالغ رفعها ووضعها مراراً ، وتحية العرب بالسلام وهو أفضل التحيات وهو تحية الملائكة بينهم ، وتحية أهل الجنة في الجنة قال تعالى : ) وتحيتهم فيها سلام } ^ أي يحيي بعضهم بعضا قال ابن العربي إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو سلمت على أحد في الطريق فقلت : السلام عليكم فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله من عباده في الأرض والسماء وميت وحي ، فإنه من ذلك المقام يرد عليك فلا يبقى ملك مقرّب يبلغه سلامك إلا ويرد عليك وهو دعاء ، فيستجاب فيك فتفلح ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيمن في جلاله المشتغل به ، فإنك قدْ سلمت عليه بهذا الشمول ، فإن الله ينوب عنه في الرد عليك وكفى بهذا شرفاً .
قوله : ( تتمة ) هذه التتمة تشتمل على خمسة عشر نوعاً من النوافل . قوله : ( صلاة التسبيح ) أضيفت إليه لاشتمالها عليه كثيراً ولأنه المقصود منها . قال السيوطي : ولا شك في اشتراط التعيين فيها وإن كانت ليست ذات وقت ولا سبب اه . وتسن مرة كل يوم فأكثر وإلا فجمعة وإلا فشهراً وإلا فسنة وإلا فمرة في العمر وما تقرر من سنيتها هو المعتمد . قال ابن الصلاح : وحديثها حسن ، وكذا النووي في التهذيب وهو المعتمد ا ج . قوله : ( وهي أربع ركعات ) بنية صلاة التسبيح ولو في الوقت المكروه فيما يظهر حج شوبري وخ ض . قال الرحماني : وهو مشكل إذ ليست ذات وقت ولا سبب وعبارة م د . على التحرير قوله : الصلاة تسابيح أي في غير وقت الكراهة لأنها من النفل المطلق اه . وتكون بتسليمة وهو الأحسن نهاراً وبتسليمتين وهو الأحسن ليلاً كما في الإحياء لحديث ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وراوية النهار لم تصح . قوله : ( سبحان الله الخ ) زاد في الإحياء : ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قوله : ( بعد التحرم وقبل القراءة ) هذه رواية ابن مسعود والذي عليه مشايخنا أنه لا يسبح قبل القراءة ، وأن الخمسة عشر المذكور بعد القراءة وقبل الركوع ، وأن العشرة المذكورة بعد السجود الثاني قبل القيام في جلسة الاستراحة أو قبل التشهد قاله ق ل . وهذه رواية ابن عباس . وقوله بعد السجود خبر أن قال حج فلو ترك تسبيح الركوع لم يعد إليه بعد اعتداله ،(2/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
ولا يقوله في الاعتدال لأنه يطوله وهو ركن قصير وإنما يقوله في السجود . قوله : ( وبعد القراءة ) أي للفاتحة وكذا للسورة إن قرأها ، والأولى فيها أوائل سور التسبيح للمناسبة فيقرأ : الحديد والحشر والصف والجمعة أو التغابن للمناسبة بينهن وبينها في الاسم ، فإن لم يفعل فسورة الزلزلة والعاديات وألهاكم والإخلاص ق ل وم د . على التحرير . قوله : ( فهذه خمس وسبعون ) .
تنبيه : لو سها بما يجبر بالسجود وسجد ولم يسبح في السجود أو فاته التسبيح في موضع لم يتداركه ولا يجبر بالسجود ، وفات كونها صلاة التسبيح ، وإذا شك في عدد مرات التسبيح أخذ باليقين ، ويقدم ذكر كل ركن على تسبيحه ق ل . وقوله لم يسبح في السجود أي في السجود السهو أي تسبيح صلاة التسبيح . وقوله : لم يتداركه فيه نظر لأنه تقدم تداركه فيما بعده رحماني ، والذي تقدم هو قوله ولو ترك عشرة الركوع امتنع العود لها وفعلها في الاعتدال ، بل في السجود ثم قال أيضاً ومن نسي تسبيح ركن امتنع العود له وتداركه فيما بعده فتسبيح الركوع يتدارك بعضه في الاعتدال وبعضه في السجود . وعبارة خ ض : ولو تذكر في الاعتدال ترك تسبيحات الركوع حرم عليه عوده لها وقضاؤها في الاعتدال ، لأنه ركن قصير فلا يطول على ما ورد ويقضيها في السجود لاستحباب تطويله انتهت . قال حج : ويكبر عند ابتداء جلسة الاستراحة دون القيام منها اه رحماني م د على التحرير . قوله : ( وصلاة الأوابين ) أي التوابين من آب بالمد إذا رجع عن الذنب بالتوبة أو إلى التوبة من الذنب ق ل . فالمعنى شديد الحرص على التوبة إذا أذنب اه . قوله : ( عشرون ركعة ) أي غايتها ذلك وقيل : ست ركعات بدليل الحديث الآتي فهو دليل لها على بعض التفاسير . قوله : ( بين المغرب والعشاء ) قضيته أنه لا يصح فعلها قبل فعل المغرب ولو جمعها تأخيراً ، ويظهر أن تكون بعد فعل العشاء إذا جمعها مع المغرب تقديماً اه شوبري . وتفوت بخروج وقت المغرب فتقضى حينئذ ندباً ا ج . قوله : ( لحديث الترمذي ) هذا لا ينتج المدعي . قوله : ( من صلى ست ركعات ) هذا ليس دليلاً على ما قبله وهو قوله : وأقلها ركعتان ، وكذلك لم يذكر الشارح دليلاً على كونها عشرين ركعة وعبارة م ر : وصلاة الأوابين وهي عشرون بين المغرب والعشاء ، ورويت ستاً وأربعاً وركعتين ، فهما أقلها انتهت وهي أحسن من عبارة الشارح هنا لتصريحها بأن كلاً من أقلها وأكثرها وأوسطها(2/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
ثابت بالدليل ، والرواية عن النبي ، فكان الأولى للشارح أن يأتي برواية الركعتين كما فعل غيره .
قوله : ( وركعتا الإحرام ) أي الأفضل ذلك فلو صلى أكثر جاز ، لكن بإحرام واحد فلا يجوز بأكثر من إحرام مع العمد والعلم ، وكذا يقال في كا ما بعده ، ومثل ذلك سنة الوضوء والتحية والاستخارة . وقوله : ( الإحرام ) أي قبله بحيث تنسب إليه عرفاً وتكون ركعتا الإحرام في غير وقت الكراهة كما في م د على التحرير . وقوله : ( الطواف ) أي بعده .
قوله : ( وركعتا الوضوء ) أي عقب فراغه وقبل طول الفصل أو الإعراض وهذا أقلها ، وإلا فتحصل بما تحصل به التحية من ركعتين فأكثر ومع فرض ونفل ، سواء نويت أم لا لخبر الصحيحين : ( دخلت الجنة فرأيت بلالاً فيها فقلت له بم سبقتني إلى الجنة ؟ فقال لا أعرف شيئاً إلا أني ما أحدثت وضوءاً إلا صليت عقبه ركعتين ) اه خ ض م د على التحرير . وفيه أيضاً : وسنة وضوء أي وغسل وتيمم ولو في الأوقات المكروهة ، ولو توضأ خارج المسجد ثم دخله في الحال فهل يطلب منه إفراد كل من التحية وسنة الوضوء عن الأخرى ولا تفوت المؤخرة بالمتقدمة مطلقاً أو بشرط قصر الفصل أو لا يطلب الإفراد ، بل المطلوب ركعتان ينوي بهما كلاً منهما فيه نظر فيراجع سم والأخير أوجه لأنه متى اشتغل بأحدهما كان معرضاً عن الآخر فيفوت تأمل شوبري قوله : ( وركعتا الاستخارة ) سميت بما يطلب بعدها من خير الأمرين مثلاً فيحرم بها بنية صلاة الاستخارة لأنها لسبب اه ق ل وأفهم قوله وركعتا الاستخارة أنها لا تحصل بركعة ولا سجدة تلاوة ولا صلاة جنازة ومحل استحبابها في غير وقت الكراهة لأن سببها متأخر وفي الترمذي خبر : ( من سعادة ابن آدم كثرة استخارة الله تعالى ورضاه بما رضي الله له ، ومن شقاوته ترك استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله ) والاستخارة تكون في غير الواجب ، والمستحب فلا يستخار في فعلهما ، والحرام والمكروه فلا يستخار في تركهما فانحصرت في المباح أو المستحب إذا تعارض فيه أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه ؟ وألحق به الواجب المخير وفيما كان موسعاً كالحج في هذا العام وتكون في العظيم والحقير . وتحرم في المكروه والمحرّم لأن الأصل في العبادة إذا لم تطلب بطلانها كما قاله الشوبري .
قوله : ( وركعتا الحاجة ) أي عند الله أو عند مخلوق وهي قبلها وتحصل بالفرض والنفل . قوله : ( وركعتا التوبة ) أي من الذنب ولو صغيرة كما هو ظاهر ثم يستغفر الله عقبها ، والمراد بقوله : وركعتا التوبة أي من يريدها فهو على حذف مضاف كما قاله ق ل على التحرير . ويؤخذ منه أن الصلاة هذه تكون قبل التوبة ؟ ويسن أيضاً ركعتان بعدها ، لما ذكره ابن حجر أنه يسن(2/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
لمن أذنب ذنباً وتاب منه أن يصلي عقب توبته ركعتين شكراً على حصولها وطلباً لقبولها ودواماً نقله م د على التحرير . وعبارة العناني : الصلاة قبل التوبة بدليل قوله : ثم يستغفر الله وأيضاً فإن الصلاة وسيلة لقبول التوبة والوسيلة مقدمة على المقصد ، فاندفع ما يقال إن المبادرة إلى التوبة واجبة فكيف يقدم الصلاة عليها .
وحاصل الجواب أن الصلاة لما كانت وسيلة للتوبة كان المصلي شارعاً فيها اه . قلت : فالحاصل أن صلاة التوبة ركعتان قبلها أما الركعتان اللتان بعدها وإن سنت ، فلا يقال لها صلاة التوبة . وفائدة التوبة : أنها حيث صحت كفرت الذنب قطعاً في الكفر وظناً في غيره ولو كبيرة ، نعم الصغيرة يكفرها غير التوبة من فعل نحو وضوء وهي واجبة ولو من صغيرة ومن تأخيرها أي التوبة فتأخير التوبة يجب فيه التوبة ، وهي من أفضل الطاعات ولا يجب تجديدها عند تذكر الذنب ، ويشترط كونها قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها ، ووجود أركانها من الندم والترك والعزم على أن لا يعود ، وأن لم يتصور منه كمن قطع ذكره أو لسانه ويزاد لحق الآدمي الخروج منه وما أحسن ما قاله بعضهم :
بادر إلى التوبة في وقتها
فالمرء مرهون بما قد جناه
وانتهز الفرصة إن أمكنت
ما فاز بالكرم سوى من جناه
قوله : ( وعند مروره بأرض ) عبارة م ر ولمن دخل أرضاً لم يعبد الله فيها . وعبارة الشارح تشملها اه . قوله : ( عقب الخروج من الحمام ) أي يصليها في المسجد أو في أيّ مكان كان لكراهة الصلاة في الحمام . قوله : ( في المسجد ) لعل التقييد بالمسجد لأنه الأفضل لا للتخصيص ، ويكتفي بهما عن ركعتي دخوله اه شرح م ر . قوله : ( من سفره ) ظاهره ولو قصيراً فراجعه ق ل . قوله : ( عند القتل ) بحق أو غيره . قوله : ( إذ يسن لكل منهما ) هذا أعم من المدّعي وهو جائز . قوله : ( ومن البدع المذمومة ) أي بأن قصد خصوص المعنى المذكور في ذلك الوقت ، وإلا فهي من أفراد الصلوات المطلوبة مطلقاً ق ل . وهي تنعقد إذا لا مانع من انعقادها لأنها من النفل المطلق . قوله : ( صلاة الرغائب ) جمع رغيبة كصحائف جمع صحيفة أي مرغوب فيه أي محبوبة .(2/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
قوله : ( وأفضل القسم الذي لا تسن الجماعة فيه الوتر ) أي للخلاف في وجوبه . وقضيته أن ركعة وتر خير من ركعتي الفجر وهو كذلك ، إذ لا مانع من جعل القليل أفضل من الكثير كما في شرح م ر . وقوله : ( للخلاف في وجوبه ) أي لأن الحنفية ذهبوا إلى وجوب الوتر لما رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن بريدة مرفوعاً ( الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ) فحملوا قوله حق على الوجوب ، لأن الحق يجيء بمعنى الثبوت والوجوب وحمله الشافعية على الثبوت أي هو ثابت في السنة والشرع . قوله : ( وهما أفضل من ركعتين في جوف الليل ) أي : وأما قوله : ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) فمحمول على النفل المطلع أي النفل المطلق بالليل منه بالنهار . قال م ر : والمراد بالأفضلية تفضيل جنس على جنس ، ولا مانع من أن الله تعالى يفضل عدداً قليلاً على عدد كثير ، وعلى هذا تكون سنة الظهر أفضل من الصلاة الكثيرة في الليل وهو كذلك .
وحاصل التفضيل أن تقول أفضل النفل صلاة عيد الأضحى ، ثم الفطر ، ثم كسوف الشمس ، ثم خسوف القمر ، ثم ركعتا الفجر ثم الاستسقاء ، ثم الوتر ، ثم بقية الرواتب المؤكدة ، ثم الرواتب غير المؤكدة ، ثم التراويح ، ثم الضحا ، ثم ركعتا الطواف ثم التحية ثم الإحرام وقيل الثلاثة سواء وهو المعتمد ثم سنة الوضوء ثم النفل المطلق في الليل ثم في النهار .
قوله : ( ثم باقي رواتب الفرائض ) ظاهره استواء سنة الظهر القبلية والبعدية وبذلك صرح سم لكن في فتاوى م ر يظهر تفضيل البعدية لأن القبلية كالمقدمة وتلك تابعة للفرض حقيقة والتابع يشرف بشرف متبوعه اه ا ج . قوله : ( نعم تفضل راتبة الفرائض ) أي ولو غير مؤكدة لأنه عليه الصلاة والسلام واظب عليها أي : على جنسها الصادق بالمؤكد منها دون التراويح ، فإنه صلاها ثلاث ليال اه م د . فيه أنه صلى بعضها وهو ثمان ركعات ثلاث ليال جماعة وصلى باقيها في بيته . قوله : ( وتكبير الفطر ) أي المرسل إذ ليس لعيد الفطر تكبير مقيد أما تكبير الأضحى المقيد فهو أفضل من المرسلين فيهما لأن التابع يشرف بشرف متبوعه . قوله :(2/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
( ثم التراويح ) فإن قلت : قال جمع إنها فرض كفاية والاختلاف في الوجوب يدل على التأكيد والأفضلية أيضاً . قلت : إنما ذكروا ذلك في الاختلاف في الوجوب المذهبي كالاختلاف في كون العيدين فرض كفاية ووجوب ركعتي الطواف والتراويح لم يحفظ فيها ذلك في مذهبنا ، على أن موجبها مدركه في غاية الضعف ، فلا يدل على تأكد ولا أفضلية وتفضيل الوتر ليس لرعاية أبي حنيفة فقط بل لما ورد فيه من قوله : ( الوتر حق على كل مسلم ) وصرفه عن الوجوب عندنا عدة أخبار منها قوله لمن قال له : هل علي غيرها ؟ ( لا إلا أن تطوع ) وإلا لقيد أي الوجوب بثلاث ، إذ هو لا يجيز أي أبو حنيفة أكثر منها اه إيعاب مع زيادة . قوله : ( خير موضوع ) أي خير شيء وضعه الشارع للتعبد به وهذا على إضافة خير لما بعده وهي أولى من تنوينه لأن الإضافة تعين أن يكون قوله : خير أفعل تفضيل فيكون فيه تفضيل الصلاة على ما عداها بخلاف الوصفية ، فلا تعين ذلك وفيه أن أفضلية الصلاة على ما عداها لم تدع هنا ، وإن كانت حاصلة ويلزم على التنوين فوات الترغيب فيها الذي ذكره بقوله استكثر أو أقل ، وعبارة م د على التحرير قوله الصلاة خير موضوع هو بالإضافة لا الوصفية لإفادة الترغيب فيه أي خير شيء طلب من العبادات المطلوبة على سبيل السنية ، فلا يعارض قول الإمام الشافعي رضي الله عنه : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة لأنه فرض كفاية اه .
قوله : ( فإن نوى فوق ركعة ) فوق صفة لمحذوف أي عدداً أو قدراً فوق أي نوى الزيادة على ركعة سواء عين قدراً أو لا . ولا يقال : إنه سيقول ، وإذا نوى قدراً فله الزيادة . لأنا نقول ذلك من حيث الزيادة والنقص كما قرره شيخنا . قوله : ( أو آخر كل الخ ) نسخة أو آخراً وكل ركعتين وهي الصواب وعبارة المنهج تشهد آخراً أو وكل ركعتين اه . وقوله : تشهد آخراً وهو أفضل مما بعده وعبارة شرح م ر . فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في كل ركعتين وكل ثلاث وكل أربع ، وهكذا فقول المصنف فأكثر أي فكل أكثر سواء الأوتار والأشفاع ، ولا يشترط تساوي الأعداد قبل كل تشهد فله أن يصلي كل ركعتين ويتشهد ثم ثلاثاً ويتشهد ثم أربعاً وهكذا اه . قوله : ( فلا يتشهد في كل ركعة ) المراد أنه لا يوقع ركعة غير الأخيرة بين تشهدين . قال شيخنا م ر : وهذا مبطل في النفل والفرض ، وخالفه حج في الفرض ق ل أي : إذا لم يطل جلسة الاستراحة وفرق بينهما فقال : ويفرق بين الفرض والنفل بأن كيفية الفرض استقرت فلم ينظر لإحداث ما لم يعهد فيها بخلاف النفل اه . وقد علمت أن المعتمد المنع مطلقاً حتى في الفرض ا ج . وقوله : فلا يتشهد في كل ركعة أي ابتداء وقصداً ، فلو نوى ركعة(2/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
وتشهد ، ثم عنّ له أن يأتي بركعة ثانية فأتى بها وتشهد ثم عنّ له أن يأتي بركعة ثالثة فأتى بها وتشهد ، ثم عنّ له أن يأتي بركعة رابعة وهكذا فله ذلك .
قوله : ( وإذا نوى قدراً ) أي ركعتين فأكثر ولا يتصور النقص في الركعة ولا يكره الاقتصار عليها ق ل . قوله : ( فله الزيادة عليه ) أي والإتيان بمنويه أفضل شوبري . قوله : ( والنقص عنه ) ويشترط نية الخروج حينئذ عند السلام على المعتمد ، وليس لنا صورة يجب فيها نية الخروج من الصلاة على المعتمد إلا هذه . قوله : ( إن نويا ) أي الزيادة والنقص ، وهذا محله في غير متيمم لفقد الماء ، وقد وجده في أثناء عدد نواه أما هو فلا يزيد على ما نواه لأن الزيادة كافتتاح صلاة أخرى ج ل . قوله : ( وإلا ) بأن زاد أو نقص بلا نية عمداً بطلت صلاته إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود في مسألة الزيادة أو جلس وتشهد وسلم في مسألة النقص . وقوله : سهواً فتذكر أو جهلاً فعلم ح ل . وقوله : إن صار إلى القيام أقرب . وقال البرماوي : تبطل بشروعه في القيام . قوله : ( فإن قام لزائد ) أو صار إلى القيام أقرب أو مساوياً . قوله : ( قعد ) أي وجوباً ولا تكفيه نية الزيادة حالة قيامه أي : ويسجد للسهو آخر صلاته لأن تعمد قيامه مبطل وإن لم يشأ الزيادة قعد وتشهد ثم يسجد للسهو ويسلم شرح م ر قوله ( ثم قام ) أي أو فعله من قعود برماوي ( قوله ثم آخره ) أي ثم ما هو بآخره فهو بالجر أي نصفه الآخر أفضل من نصفه الأول قوله ( إن قسمه قسمين ) أي نصفين وكذا لو قسمه أثلاثاً أو أرباعاً على نية أنه يقوم ثلثاً واحداً أو ربعاً واحداً وينام الباقي فالأولى أن يجعل ما يقومه آخراً . قوله : ( وأفضل من ذلك ) أي النصف الثاني السدس الرابع والخامس إذا قسمه أسداساً كما في ح ل . وقال الشوبري : أي من الوسط والآخر في المسألتين وعبارة م د : قوله من ذلك الإشارة لجوفه وآخره لاشتمال السدسين المذكورين على بعض الجوف وبعض الآخر . وقوله : ( السدس الرابع والخامس ) لينام السدس السادس فيكون أنشط لصلاة الصبح ولقوله : ( أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل الأول ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) رواه الشيخان اه . قوله : ( بين سنة الفجر ) ولو قضاء ، وإذا صلى الصبح ابتداء ثم صلى سنة الفجر بعده لا يضطجع بينهما وإنما يضطجع بعد ركعتي الفجر اه ا ح ، فإن لم يضطجع فصل بكلام غير دنيوي فإن لم يفصل بكلام انتقل من محل السنة اه .
قوله : ( باضطجاع على يمينه ) أي أو يساره واليمين أفضل ، وحكمة ذلك تذكر ضجعة(2/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
القبر أول النهار ليكون باعثاً له على أعمال الآخرة أو لإظهار العجز في أول النهار ق ل . ويقول في حال اضطجاعه : اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ورب محمد أجرني من النار ثلاثاً . قوله : ( وأن يقرأ في أول ركعتي الفجرالخ ) وقال الغزالي : يندب في أول ركعتي الفجر ألم نشرح ، وفي الثانية ألم تر كيف لأن ذلك يردّ شر ذلك اليوم . ولذلك قيل من صلاهما بألم وألم لم يصبه في ذلك اليوم ألم رحماني . قال الغزالي في كتاب وسائل الحاجات : بلغنا من غير واحد من الصالحين ومن أرباب القلوب أن من قرأ في ركعتي الفجر ألم نشرح لك ، وألم تر كيف قصرت عنه يد كل عدوّ ولم يجعل لهم عليه سبيلاً . قال الغزالي : وهذا صحيح مجرب بلا شك اه .
فائدة : عن الترمذي الحكيم قال : رأيت الله في المنام مراراً فقلت له : يا رب إني أخاف زوال الإيمان فأمرني بهذا الدعاء بين سنة الصبح والفريضة أحداً وأربعين مرة ، وهو هذا ( يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام ، يا الله لا إله إلا أنت أسألك أن تحيي قلبي بنور معرفتك يا الله يا الله يا الله يا أرحم الراحمين ) .
وذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه في كتابه المسمى بالدلالة على الله عز وجل عن سيدنا أبي العباس الخضر عن نبينا عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين السلام أنه قال : ( سألت أربعة وعشرين ألف نبي عن استعمال شيء يأمن العبد به من سلب الإيمان فلم يجبني أحد منهم ، حتى اجتمعت بمحمد فسألته عن ذلك فقال : ) حتى أسأل جبريل عليه السلام } ^ ، فسأله عن ذلك فقال حتى أسأل رب العزة عن ذلك ، فسأل رب العزة عن ذلك فقال الله عز وجل : من واظب على قراءة آية الكرسي / ) وآمن الرسول } ^ إلى آخر السورة / ) وشهد الله } ^ إلى قوله ) الإسلام } ^ ، وقل ) اللهم مالك الملك } ^ إلى قوله ) بغير حساب } ^ ، وسورة الإخلاص والمعوّذتين والفاتحة عقب كل صلاة أمن من سلب الإيمان ) اه .
ونقل عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه قال : رأيت رب العزة في المنام تسعة وتسعين مرة فقلت في نفسي : إن رأيته تمام المائة لأسألنه بم ينجو الخلائق من عذاب يوم القيامة ؟ قال : فرأيته فقلت يا رب عزّ جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك بم ينجو عبادك يوم القيامة من عذابك ؟ فقال سبحانه وتعالى من قال بالغداة والعشي : ( سبحان الأبدّي الأبد ، سبحان الواحد الأحد ، سبحان الفرد الصمد ، سبحان من رفع السماء بغير عمد ، سبحان من بسط الأرض على ماء جمد ، سبحان من خلق الخلق وأحصاهم عدد ، سبحان من قسم الرزق ولم ينس أحد ، سبحان الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولد ، سبحان الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد نجا من عذابي ) . ذكره صاحب مجمع الأحباب اه . والذي فيه إضافة سبحان للفظ الجلالة في الجملة الأولى وفي الثانية والرابعة . ونصها فيه : سبحان الله رافع السماء الخ(2/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
وفي التاسعة ونصها فيه : سبحان الله الذي لم يلد الخ اه وفيه أيضاً قال سيدي أحمد زروق في شرحه لحزب البحر : قد ذكر الناس وجوهاً وأذكاراً لطلب الغنى وفي الحديث : ( من قال بين الفجر والصبح ، سبحان الله العظيم وبحمده ، وسبحان من يمنّ ولا يمن عليه ، سبحان من يجير ولا يجار عليه ، سبحان من لا يبرأ من الحول والقوة إلا إليه ، سبحان من التسبيح منة منه على من اعتمد عليه ، سبحان من يسبح كل شيء بحمده ، سبحانك لا إله إلا أنت يا من يسبح له الجميع تداركني بعفوك فإني جزوع ثم يستغفر الله مائة مرة فإنه لا يأتي عليه أربعون يوماً إلا وقد أتته الدنيا بحذافيرها ) . هو مجرب الإفادة بشرط التقوى كما أفاده شيخنا الحفني اه .
قوله : ( وعند السحر ) هو سدس الليل الأخير ق ل على المحلي . وقال الشوبري : هو ما بين الفجرين . قوله : ( لم يتعرض المصنف لسجدة التلاوة ) أي لأنه بصدد ما يتعلق بالصلوات والسجدات ليست صلاة وذكرهما هنا أنسب من ذكرهما مع سجود السهو ، لأن المصنف لم يذكرهما على وجه الاستقلال كما يأتي اه ق ل . والإضافة في قوله لسجدة التلاوة من إضافة المسبب للسبب ويجب على المصلي نيتها بالقلب إذا كان إماماً أو منفرداً لا إذا كان مأموماً شوبري . قوله : ( ونذكره ) أي ما لم يتعرض المصنف له . قوله : ( تسن سجدات تلاوة ) أي عندنا معاشر الشافعية وواجبة عند التلاوة عند الإمام أبي حنيفة ولا تفوت عنده بمضي الزمن ودليل ندبه خبر مسلم أنه قال : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار ) وخبر ابن عمر : ( أنه كان يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه ) . رواه أبو داود والحاكم شرح م ر . ودليلنا على عدم الوجوب ( أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قرأ على النبي سورة والنجم فلم يسجد ) . رواه الشيخان . وصح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه التصريح بعدم وجوبها على المنبر ، وهذا منه في هذا الموطن العظيم دليل على عدم الوجوب ، وأما ذمه تعالى من لم يسجد بقوله : ) وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون } ^ فوارد في الكفار(2/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
بدليل ما قبل ذلك وما بعده ، وإنما قالوا سجود التلاوة ولم يقولوا سجود القراءة ، لأن التلاوة أخص من القراءة لأن التلاوة لا تكون في كلمة واحدة والقراءة تكون فيها وفي غيرها تقول فلان قرأ اسمه ولا تقول تلا اسمه ، لأن أصل التلاوة من قولك : تلا الشيء يتلوه إذا تبعه ، فإذا لم تكن الكلمة تتبع أختها لم تستعمل فيها التلاوة وتستعمل فيها القراءة ، لأن القراءة اسم لجنس هذا الفعل ، والذي يظهر عدم كفر من أنكر مشروعية سجود التلاوة لأنه ليس معلوماً من الدين بالضرورة أي يعرفه العام والخاص ، وإن كان مجمعاً عليه كما ذكره الخرشي على الشيخ خليل اه .
قوله : ( لقارىء وسامع ) ولا فرق في القارىء أي الذي يسجد السامع لقراءته بين أن يكون كافراً ولو جنباً معانداً لأنه مكلف بالفروع ولا يعتقد حرمة ذلك م ر سم . أو ملكاً أو جنباً أو قرأ آية بين يدي مدرس ليفسرها له ، ولا يقال إنه لم يقصد التلاوة فلا سجود لها . لأنا نقول : بل قصد تلاوتها لتقرير معناها لا لقراءة جنب مسلم بالغ وسكران وساه ونائم ولا لقراءة في جنازة أو بغير العربية . ولا في نحو ركوع لعدم مشروعيتها شرح م ر . والمراد بالمشروعة أن لا تكون محرمة ولا مكروهة لذاتها ، وأن تكون مقصودة ويخرج بقوله مشروعة القراءة المحرمة والمكروهة ، فالأولى كقراءة المسلم الجنب كما قاله الشوبري ، وقد يقال تحريمها لعارض وهو الجنابة لا لذاتها إلا أن يقال لما كانت الجنابة قائمة بالقارىء كان تحريمها لذاتها ، والثانية كقراءة المصلي في غير القيام ، وخرج بقوله مقصودة قراءة السكران والساهي ، ويشترط أن لا تكون آيتها بدلاً عن الفاتحة كما في شرح م ر .
قوله : ( قصد السماع ) ويقال له مستمع . قوله : ( قراءة ) تنازعه قارىء وسامع . قوله : ( لجميع آية السجدة ) أي من شخص واحد ، فجملة الشروط ستة أن تكون القراءة مشروعة مقصودة من شخص واحد في غير صلاة الجنازة لجميع الآية . وأن لا تكون بدلاً عن الفاتحة هذه عامة فإن كان مصلياً لا بد أن لا يقصد بقراءته السجود في غير صبح الجمعة بآلم تنزيل ، فإن كان مأموماً شرط أن لا يسجد إلا لسجود إمامه . وفي م د على التحرير : ويشترط أن لا يقصد المصلي بقراءته السجود ، وإلا حرم وبطلت به الصلاة أي غير صبح الجمعة ، أما هو فلا ، وإن كانت غير آية السجدة عند حج وخص م ر . عدم البطلان بآية السجدة . قوله : ( مشروعة ) أي ولو من صبي مميز ، وإن كان جنباً أو امرأة ولو بحضرة أجنبي ، لأن قراءتها مشروعة في الجملة أو كان خطيباً أمكنته على منبره من غير كلفة أو أسفله ولم يطل الفصل ، ولا يجوز سجود سامعيه لما فيه من الإعراض عن الخطبة أي شأنه ذلك ، فلا يرد أن يقال ما المانع من أنهم يسجدون مع سجوده ، أو كان مصلياً بأن قرأ في قيام وسجد للقراءة في السوق(2/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
والحمام والخلاء وإن كانت مكروهة لأنها أي الكراهة لخارج كما قاله سم ولا ترد قراءة الركوع ونحوه حيث لا يطلب لها سجود مع أنها مكروهة لأن نجو الركوع لما طلب فيه ذكر مخصوص صارت القراءة بهذا الاعتبار غير مشروعة ، وانظر لو قرأ غير الميت هل هو كقراءة النائم لا يسجد لها أولاً فليحرر اج . وعبارة ع ش على م ر : وقع السؤال في الدرس عما لو قرأ الميت آية سجدة كرامة فهل يسجد السامع له أم لا . قال : ويمكن الجواب بأن الظاهر الأول ، لأن كرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم فلا مانع أن يقرأ الميت قراءة حسنة يلتذ بها ، فحينئذ يشرع لسامعه السجود ، وإن لم يكن الميت مكلفاً إذ هي من المميز كذلك ، فليس الميت كالساهي والجماد ونحوهما ، وأما لو مسخ وقرأ آية سجدة فينبغي أن يقال : إن كان المسخ الحاصل تبدل صفة سجد السامع لقراءته آيتها لأن الممسوخ كما ذكر آدمي حقيقة ، وإن كان تبدل ذات فلا ، لأنه إما حيوان كالدرة المعلومة فهو فاقد للتمييز ، وإما جماد وكل منهما لا يسجد لقراءته اه . وتأكدها للمستمع أقوى من تأكدها للسامع والمستمع هو من قصد السماع والسامع هو من يسمع سواء قصد السماع أو لم يقصده فكل مستمع سامع من غير عكس . قال م ر : والأوجه في قارىء وسامع ومستمع لها قبل صلاة التحية أنه يسجد ثم يصليها لأنه جلوس قصير لعذر فلا تفوت به فإن أراد الاقتصار على أحدهما ، فالسجود أفضل للاختلاف في وجوبه . قلت والظاهر أنه يأتي هنا ما مر في التحية من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أربع مرات إذا كان القارىء غير متطهر اه رحماني . قوله : ( وهي أربع عشرة سجدة ) وقد نظمهما بعضهم فقال :
فائدة في سور السجود
نظمتها كالدرّ في العقود
في الانشقاق سجدة والإسرا
وسجدة التنزيل ثم إقرا
والرعد ثم النجم ثم النحل
ومريم فرقان ثم النمل
في الحج ثنتان وفي الأعراف
وسجدة في فصلت توافي
أي تكمل العدد ، واعلم أن ثم في النظم للترتيب الإخباري فقط .
تنبيه : إن قيل لما اختصت هذه الأربع عشرة بالسجود عندها مع ذكر السجود . والأمر به له في آيات أخر كآخر الحجر وهل أتى . قلنا : لأن تلك فيها مدح الساجدين صريحاً وذم غيرهم تلويحاً أو عكسه ، فشرع لنا السجود حينئذ لغنم المدح تارة والسلامة من الذم أخرى ، وأما ما عداها فليس فيه ذلك ، بل نحو أمره مجرداً من غيره ، وهذا لا دخل لنا فيه فلم يطلب منا سجود عنده فتأمله سبراً وفهماً يتضح لك ذلك ، وأما : ) يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } ^ فهو ليس مما نحن فيه لأنه مجرد ذكر فضيلة لمن آمن من أهل الكتاب حج(2/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
أي : فهو مدح لطائفة مخصوصة وكلامنا في مدح عام لكن يرد على الفرق المذكور ) كلا لا تعطه واسجد واقترب } ^ فإنه يسجد لها مع أن فيها أمره فتأمل .
قوله : ( سجدتا الحج ) الأولى عند قوله تعالى : ) إن الله يفعل ما يشاء } ^ والثانية عند قوله : ) وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } ^ وفي الأعراف آخرها والرعد بعد قوله : ) بالغدوّ والآصال } ^ والنحل عند قوله : ) ويفعلون ما يؤمرون } ^ وقيل : ( يستكبرون ) والإسراء عند قوله : ) ويزيدهم خشوعاً } ^ ومريم عند قوله : ) خروا سجداً وبكياً } ^ والفرقان عند قوله : ) وزادهم نفوراً } ^ والنمل عند قوله : ) رب العرش العظيم } ^ والم تنزيل ) وسبحوا بحمد ربهم وهو لا يستكبرون } ^ وفصلت عند قوله : ) إن كنتم إياه تعبدون } ^ والنجم آخرها ، والانشقاق ) لا يسجدون } ^ . وقيل آخرها . وفي ص ) وأناب } ^ وقيل ) مآب } ^ اه . عناني على التحرير وعبارة م د عليه . ومحالّ السجدات معروفة ، نعم الأصح أن آخر آياتها في النحل يؤمرون وفي النمل العظيم ، وفي فصلت يسأمون وفي الانشقاق لا يسجدون اه . والبقية لا خلاف فيها ، وإنما نص أوّلاً على سجدتي الحج لخلاف أبي حنيفة في الثانية ، وإنما قدم المفصل على ما بعده مع أنه مقدم عليه في القرآن للرد على الإمام مالك القائل بأن المفصل لا سجدة فيه .
قوله : ( ليس منها سجدة ص ) قراءة ص بالإسكان وبالفتح وبالكسر بلا تنوين وبه مع التنوين ، وإذا كتبت في المصحف تكتب حرفاً واحداً ، وأما في غيره فمنهم من يكتبها كذلك ، ومنهم من يكتبها باعتبار رسمها ثلاثة أحرف شرح الروض . قوله : ( بل هي سجدة شكر ) أي فينوي بها سجود الشكر على توبة داود عليه السلام ، لأن داود عليه السلام سجدها شكراً على قبول توبته أي : من خلاف الأولى الذي ارتكبه وهو إضماره أن وزيره إن مات تزوج بزوجته لكن قبول توبة داود من النعم المستمرة ، فلعل السجود لها مستثنى من تجدد النعمة ، وفيه نظر . لأن القبول وجد بعد أن لم يكن تأمل بلطف سم ولا تصح بنية التلاوة وإن تعلقت بها لما روى عن ابن عباس أنه قال : ( ص ليست من عزائم السجود ) . أي : ليست من مؤكداته اه خ ض . ولو قرأها نحو حنفي وسجدها في الصلاة تخير الشافعي المتقتدى به بين المفارقة والانتظار ، فإن تابعه بطلب صلاته لكن سجود الإمام لها . ولو اعتقاداً ينزل منزلة السهو فيسن للمقتدي السجود في آخر صلاته كما قاله ابن شرف وتحصل فضيلة الجماعة بكل منهما وانتظاره أفضل ولا ينافي أن العبرة باعتقاد المأموم ، لأن محله فيما لا يرى المأموم جنسه في الصلاة كما في م ر(2/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
وعبارة البيضاوي في سورة ص عند قوله تعالى : ) وظن داود أنما فتناه } ^ ابتليناه بالذنب أو امتحناه بالحكومة هل تنبه بها ) فاستغفر ربه } ^ لذنبه ) وخر راكعاً } ^ أي ساجداً على تسمية السجود ركوعاً لأنه مبدؤه أو خرّ للسجود راكعاً كأنه أحرم بركعتي الاستغفار ، وأناب أي رجع إلى الله بالتوبة وأقصى ما في هذه القصة الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ودّ أن يكون له ما لغيره وكان له أمثاله ، فنبهه الله بهذه القصة فاستغفر وأناب عنه ؛ وما روي أن بصره وقع على امرأة فعشقها وسعى حتى تزوجها وولدت منه سليمان إن صح فلعله خطب مخطوبته أو استزله عن زوجته وكان ذلك معتاداً فيما بينهم ، وقد واسى الأنصار المهاجرين بهذا المعنى ، وما قيل إنه أرسل أوريا إلى الجهاد مراراً وأمر أن يقدم للقتال حتى قتل فتزوجها فهو افتراء ، ولذلك قال علي رضي الله عنه : من حدّث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة قال م ر وإنما خص داود بذلك مع وقوع نظيره لآدم وأيوب وغيرهما ، لأنه لم يحك عن غيره أنه لقي مما ارتكبه من الحزن والبكاء حتى نبت من دموعه العشب والقلق المزعج ما لقيه ، فجوزي بأمر هذه الأمة بمعرفة قدره وعلو قربه ، وأنه أنعم عليه نعمة تستوجب دوام الشكر من العالم إلى قيام الساعة اه وقوله لأنه لم يحك عن غيره وأيضاً فإنه لم يرو عن غيره أنه سجد لتوبته اه .
قوله : ( تسن في غير الصلاة ) أي وتحرم فيها وتبطل في الأصح ، وإن انضم لقصد الشكر قصد التلاوة كما هو ظاهر لأنه إذا اجتمع المبطل وغيره غلب المبطل كما قاله الرحماني وقضية هذا أنه لو قصد التلاوة وحدها لا تبطل صلاته وليس مراداً فإن قصد التلاوة إنما يكون مانعاً للبطلان حيث كان من السجدات المشروعة وهو هنا ليس مشروعاً وكل من قصد التلاوة والشكر مبطل قاله ع ش . وشمل إطلاقه أي في قوله تسن في غير الصلاة الطواف وإلحاقه بالصلاة إنما هو في بعض أحكامها ، ومحل الحرمة والبطلان إنما هو في حق العالم العامد فإن كان ناسياً أو جاهلاً فلا ويسجد للسهو شرح م ر . قوله : ( فإن تخلف عن إمامه ) أي قاصداً عدم السجود بطلت بهويّ الإمام وإلا فبرفع الإمام رأسه من السجود اه شوبري . قوله : ( بطلت ) أي إن لم ينو المفارقة قوله : ( ويكبر المصلى الخ ) أي ينوي سجود التلاوة حتماً من غير تلفظ ولا تكبير لأن نية الصلاة لم تشملها وفرض المسألة إذا قرأ لا يقصد السجود . أما لو قرأ في الصلاة آية سجدة أو صورتها بقصد السجود في غير آلم تنزيل في صبح الجمعة بطلت صلاته على المعتمد إن كان عالماً بالتحريم . أما صبح الجمعة فلا يضر قصد الم للسجود . قوله : ( تحرم )(2/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
أي تكبيرة التحرم مع النية فالأركان أربعة ، فإن عدت الطمأينية في السجود ركنا فخمسة وإن عد القعود للسلام ركناً فهي ستة ، ومثل القعود الاضطجاع إن سجدها من اضطجاع كما في م ر . وسكت الشارح عن النية لدخولها في التحرم لأنها ركن معه .
قوله : ( وسجود ) ويندب أن يقول فيه زيادة على الذكر والتسبيح الذي في سجود الصلاة : اللهم اكتب لي بها عندك أجراً وضع بها عني وزراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود قاله ق ل . وظاهره ، أنه يقول ذلك في كل سجدة من سجدات التلاوة ، والذي يؤخذ من الرحماني أن هذا الدعاء خاص بسجدة ص وهو المناسب الظاهر ، وعبارته قوله . سجدة ص بعد ، وأناب يسن فيها مع ذكرها المشروع في الصلاة : اللهم اكتب إلى آخرة وأما غيرها فيقول فيها في الصلاة وخارجها سجد وجهي للذي خلقه إلى آخره ، ولو سجد بقصد الشكر والتلاوة لا يضر فقد قال م ر : إنها متوسطة بين سجدة محض التلاوة وسجدة الشكر اه . قوله : ( وسلام ) أي بعد جلوسه كما قاله م ر . قال قال : وسكت عن الجلوس قبل السلام . ولعله لا يقول بوجوبه كابن حجر ، واعتمد شيخنا م ر وجوب أحد أمرين الجلوس أو الاضطجاع . قوله : ( وشرطها كصلاة ) فيعتبر لصحتها ما يعتبر في سجود الصلاة كالطهارة والستر والاستقبال وترك نحو كلام ، ووضع الجبهة مكشوفة بتحامل على غير ما يتحرك بحركته ووضع جزء من باطن الكفين والقدمين ومن الركبتين وغير ذلك وكذا دخول وقتها . وقو في حق القارىء وسامعه إتمام آيتها ، ولا يجوز قبل إتمام حروفها أو سماع ذلك اتفاقاً اه . خ ض .
قوله : ( وأن لا يطول فصل عرفا بينها وبين قراءة الآية ) فإن طال لم يسجد وإن كان معذوراً بالتأخير لأنها من توابع القراءة ولا مدخل للقضاء فيها لتعلقها بسبب عارض كالكسوف ، فإن لم يطل أتى بها وإن كان محدثاً وتطهر عن قرب شرح م ر ومحل عدم دخول القضاء ما لم يكن السجود واجباً بأن نذره فقد قال سم : لو نذر سجود التلاوة وطال الفصل بين القراءة والسجود هل تفوت ويأثم أو يجب قضاؤه ظهراً على الفور ، ووافق م ر عليه أنه يجب قضاؤه ، ونظيره ما لو نذر صلاة الكسوف يجب قضاؤها اه اج . وعبارة ق ل أي : فتفوت بطول الفصل عرفاً ولو سهواً وجهلاً وبالإعراض ولا تقضى . قوله : ( وتتكرر بتكرر الآية ) سواء في الصلاة وخارجها ، وسواء اتحد المجلس أو الركعة أولا . وله أن يسجد في كل مرة عقبها أو يؤخر السجود . وحينئذ إذا سجد وقصد السجود عن الكل أجزأه ، وكذا إن أطلق فإن قصد بكل سجدة مرة جاز سواء رتب أو لا بشرط أن لا يطول الفصل بين المقصود وسجودها ق ل .(2/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
وعبارته على التحرير : فلو كرر الآية سجد لكل مرة عقبها فإن أخر السجود قات لما طال فيه الفصل ويسجد لغيره بعدده إن شاء ويكفيه سجدة واحدة عنه إن قصده أو أطلق فإن قصد بعضه فات بعضه . قوله : ( لهجوم نعمة ) ظاهرة من حيث لا يحتسب فخرج بالهجوم النعمة المستمرة كالعافية والإسلام والغنى عن الناس فلا سجود لها ، وبالظاهرة وهي ما لها وقع ما لا وقع له كدرهم وبما بعده ما لو تسبب فيها كربح بعد التجارة ، فالمراد بهجوم النعمة وجودها في وقت لم يتيقن وجودها فيه ، وإن كان متوقعاً لها سواء كانت النعمة له أو لوالديه أو لأهله أو لصديقه أو لمن يعم النفع به كعالم أو لعموم المسلمين كالمطر عند القحط ، لأن حذف المعمول يؤذن بالعموم بخلاف ما إذا كانت خاصة بمسلم أجنبي عنه فلا يسجد لها ، وتفسيرنا الظاهرة بما لها وقع أولى مما قاله خ ض حيث قال : وقيد في المجموع نقلاً عن الأصحاب بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر المساوىء فلا يسجد لهما وهو ضعيف تابع فيه لشرح المنهج ، واعتمد الحلبي في حاشيته السجود لهما لأنهما من أجلّ النعم ، وذكر أن المراد بالظاهرتين أن يكون لهما وقع لا مقابل الباطنتين فافهم . قوله : ( أو اندفاع نقمة ) معطوف على مدخول هجوم ، فلا بد من الهجوم فيها أيضاً كما يقتضيه كلام التحفة ، وشرح البهجة ، وعبارة عبد البر قوله : أو اندفاع نقمة عنه أو عن عموم المسلمين ، سواء كان يتوقعها أم لا لأن حذف المتعلق يؤذن بالعموم ، وانظر لو اجتمعت هذه المقتضيات لشخص واحد في آن واحد ، فهل يكفيه سجدة واحدة أو يتعدد بتعددها ؟ فيه نظر والأقرب الاكتفاء بسجدة واحدة لحصول أصل السنة ، وأما كمالها فلا يحصل إلا بالتعدد فليراجع بابلي اه اطفيحي .
قوله : ( أو رؤية مبتلي ) أو عاص أي : وإن كان الرائي كذلك ، نعم إن اتحدا نوعاً وصفة ومحلا لم يسجد أحدهما لرؤية الآخر ، والمراد بالرؤية ولو من بعد وإن لم يعد مجتمعاً معه عرفاً كما شمله إطلاقهم ، والمراد بالرؤية أيضاً ما يشمل العلم به ليدخل الأعمى إذا سمع صوته ومن في ظلمة مثلاً وشمل المبتلي ولو غير آدمي . قال الرحماني : وإنما يسجد للعلم بمبتلي بغير بلائه أو بمثله ، لكنه أعظم إن كان للمعافاة من بلائه ، فإن كان لزجره بأن حصل من حدّ سجد له ، وإن كان مثل بلائه . وقيد سم ندب سجود الفاسق لمثله بما إذا أراد زجره لا المعافة من بلائه لأنه ليس كذلك . قال عميرة : ولو هجمت النعمة عند رؤية المبتلي والعاصي كفاه سجود واحد كنظيره من سجود التلاوة والمعتمد خلافه قال م د في حاشية التحرير . والمعتمد ، أنه يكفي سجود واحد إذا تعددت الأسباب .
قوله : ( أو فاسق ) ومنه الكافر ، ولا يشترط في المعصية أن تكون كبيرة ، فالفاسق ليس بقيد بل مثله العاصي ، وإن لم يكن فاسقاً كمرتكب الصغيرة من غير إصرار ، فالمعتمد استحباب السجود مطلقاً سواء أعلن بفسقه أم لا ؟ فسق أم لم يفسق . كما قاله البرماوي . قوله :(2/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
( ويظهرها ) أي السجدة إن لم يخف ضرره أي إن أمن نفساً ومالاً وعرضاً ، وإلا أخفاها ويقصد بها التعيير له لعله يتوب ، فإن لم يتجاهر بمعصيته فلا سجود لرؤيته . قوله : ( لا للمبتلي لئلا يتأذى ) بالإظهار ، نعم إن كان غير معذور كمقطوع في سرقة أو مجلود في زنا ولم يعلم بتوبته أظهرها له وإلا فيسرّ بها . قوله : ( وهي كسجدة التلاوة ) وتفوت بطول الفصل والإعراض ولو مع قصره ولا تقضى إن فاتت ولو منذورة وتتكرر بتكرر السبب ولو من شخص واحد كعاص فيسجد كلما رآه وله جمع أسباب في سجدة واحدة لا تلاوة وشكر في سجدة واحدة فلا يصح ، وفارق الطهارة لأنها مبنية على التداخل قاله ق ل . والحلبي . ويسن أن يقول بعدها الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير من خلقه تفضيلاً .
قال النووي : وينبغي أن يكون سراً ، وقد ورد أنه إذا قال ذلك عافاه الله من ذلك البلاء طول عمره كما قاله ابن حجر ، وقد كان السلف يفرحون بالمصائب نظراً إلى ثوابها ، فينبغي للعبد أن يفرح بالمرض كما يفرح بالصحة ويشكر الله تعالى في أيام البلاء وأيام الرخاء ، فما قضى الله لعبد أمراً إلا وكانت له الخيرة فيه والشكر قيد النعم الموجودة لأنه يحفظها وصيد النعم المفقودة لقوله تعالى : ) لئن شكرتم لأزيدنكم } ^ وأوحى الله إلى بعض أنبيائه : أنزلت بعبدي بلائي فدعاني فماطلته بالإجابة فشكاني فقلت عبدي كيف أرحمك من شيء به أرحمك ؟ ولذا قيل :
وإذا بليت بعسرة فاصبر لها
صبر الكرام فإن ذلك أحزم
لا تشكون إلى العباد فإنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
قوله : ( ولمسافر فعلهما ) أي ماشياً أو راكباً . قوله : ( بسجدة ) أي أو بركوع . قوله : ( من غير سبب ) أي من الأسباب المذكورة وغيرها وهي سجدة التلاوة والشكر والصلاة والسهو . قوله : ( حرم ) أي ولو كانت السجدة بعد الصلاة ، ومثل السجدة ركوع منفرد ونحوه فيحرم التقرب به اه اج . قوله : ( من السجود الخ ) هل مثله ما يقع لبعضهم من الانحناء إلى حد الركوع ، أو ما زاد عليه بحيث يقرب إلى السجود أولاً ؟ فيه نظر . ولا يبعد أنه مثله اه ع ش بحروفه . وأما تقبيل أعتاب المشايخ فمستحب لا بأس به اه . قوله : ( أو قصده لله تعالى ) أي لأنها سجدة من غير سبب . قوله : ( ما يقتضي الكفر ) أي إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى اه ق ل والله أعلم .(2/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
3 ( ( فصل : في شروط الصلاة ) ) 3
أي شروط أدائها لأن الشروط على قسمين : الأول : شروط وجوب وهي الأربعة السابقة في قوله : وشرائط وجوب الصلاة الإسلام والبلوغ والعقل والخلوّ من الحيض والنفاس . والثاني : شروط أداء وهي شروط صحة المباشرة ، وكان الأولى أن يعبر بما عبر به المصنف وهو الشرائط لأن الشرائط جمع شريطة إلا أن يقال إنه أشار به إلى أنه مراد المصنف اه ع ش على الغزي .
قوله : ( وأركانها وسننها ) اعترض بأن المصنف سيترجم كلاً منهما بفصل مستقل ، فهذا الفصل خاص بالشروط فكان الأولى الاقتصار عليها ، والمراد بالصلاة هنا مطلق الصلاة أعم من أن تكون فرضاً أو نفلاً عكس ما سبق في قوله فصل وشرائط وجوب الصلاة الخ . فإن المراد بها هناك الصلوات الخمس وتقدم له نظير في قوله : والذي يوجب الغسل وقوله بعد ذلك وفرائض الغسل ، فإن المراد بالغسل الأول الواجب فقط وبالثاني ما هو أعم . قوله : ( بأن الشرط الخ ) أو يقال الشرط ما قارن كل معتبر سواه كالطهر والستر ، فإنهما يعتبران للركوع وغيره ، والركن ما اعتبر فيها لا بهذا الوجه كالقيام والركوع وغيرهما . قال ابن الرفعة : وهذا يخرج التوجه للقبلة في كونه شرطاً لأنه إنما يعتبر في القيام والقعود ، مع أن المشهور أنه شرط . ويجاب : بأن التوجه إليها حاصل في غيرهما أيضاً عرفاً ، إذ يقال على المصلي حينئذ إنه متوجه إليها لا منحرف عنها مع أن التوجه إليها ببعض البدن حقيقة أيضاً ، وذلك كاف اه م د على التحرير . قوله : ( هو الذي يتقدم على الصلاة ) المراد بالتقدم عدم التأخر ، وإلا فالشرط المقارنة حتى لو وجد الستر مثلاً مقارناً لأول التكبير كفى . قوله : ( فخرج بتعريف الشرط الخ ) أي التعريف الذي تضمنه الفرق بين الشرط والركن . قوله : ( التروك ) لأنها من قبيل الموانع . قوله : ( فليست بشروط ) أي بناء على أن الشرط يشترط فيه أن يكون أمراً وجودياً وهو الصحيح بخلاف المانع إذ هو من قبيل الاعدام . قوله : ( بل مبطلة ) صوابه بل متعلقاتها وهي المضاف إليه كالكلام ونحوه ، فالمراد بالمتعلقات المعمولات مبطلة ، فإن ترك الكلام ونحوه ليس هو المبطل بل المبطل الكلام ونحوه . قوله : ( وقيل إنها شروط ) أي تجوّزاً بأن يراد بالشرط ما(2/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
يتوقف الشيء عليه وجوداً أو عدماً . قوله : ( ويشهد الخ ) فيه أنه قد عفي عن بعض النجاسات وعن وقوعها عليه إذا أزالها حالاً وعن كشف عورة سترها حالاً ونحو ذلك ، مع أن الطهارة والستر من الشروط اتفاقاً ق ل . قوله : ( ناسياً ) إسناد النسيان إلى الكلام تجوّز ، لأن ناسياً صفة للمتكلم لا للكلام ، وكان الأظهر أن يقول إن الكلام مع النسيان اه .
قوله : ( ولو كان تركه من الشروط لضر ) فيه نظر فإن الذي من الشروط ترك الكلام اليسير عمداً لأن المانع هو الكلام اليسير عمداً اه م د . قوله : ( والشرط كحياته ) الحياة صفة تصحح لمن قامت به أن يتصف بالإدراك فهي غير الحيوانية فصح تشبيه الشرط بها لأن كلا خارج عن الماهية م د .
قوله : ( كشعره ) أي الذي يتزين به كشعر اللحية فخرج شعر نحو العانة والإبط . قوله : ( جمع شرط ) صوابه جمع شريطة بمعنى خصلة مشروطة ، لأن شرطاً جمعه شروط عملاً بقول الخلاصة :
وبفعول فعل نحو كبد إلى أن قال :
كذاك يطرد
في فعل اسماً مطلق الفاً لأن جمعه شرائط تأمل لأن شرائط جمع شريطة لأن فعيلة تجمع على فعائل ككريمة وكرائم . قوله : ( لغة العلامة ) ويطلق لغة أيضاً على تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل . أي يقع كل منهما في المستقبل فقد علق الشارع هنا صحة الصلاة على وجود شرائطها فكأنه يقول : إذا وجدت الشروط صحت الصلاة كما لو علق الإنسان طلاق زوجته على دخول الدار ، ويعبر عنه أيضاً بإلزام الشيء والتزامه والإلزام من جهة الشارط ، والالتزام من جهة المشروط عليه ، فالشارع ألزم المكلف إذا أراد الدخول في الصلاة أن يكون متطهراً الخ .
قوله : ( ما يلزم من عدمه الخ ) أي خارج عن الماهية يلزم من عدمه العدم الخ . فلا يقال إن هذا التعريف يشمل الركن ، فخرج بالقيد الأول المانع ، فإنه لا يلزم من عدمه شيء ، وبالثاني السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود . وبالثالث أعني قولنا لذاته اقتران الشرط بالسبب(2/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
كوجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب ، أو بالمانع كالدين على القول بأنه مانع لوجوبها للزوم الوجود في الأول ، والعدم في الثاني ، لكن لوجود السبب والمانع لا لذات الشرط ، وهذا التعريف للشرط من حيث هو ، وأما شرط الصلاة خاصة فهو ما يتوقف عليه صحتها من الطهارة إلى آخر ما ذكره المصنف اه . قوله : ( لذاته ) راجع للثلاثة فلا يرد على الأولى فاقد الطهورين ، ولا على الثاني ما إذا ضاق الوقت ، ولا على الثالث المانع كحصول النجاسة كما في ق ل .
قوله : ( والمعتبر من الشروط ) يتأمل ما فيه فإنه يقتضي أن غير الخمس من الشروط لا يعتبر للصحة . والجواب : أن من بيانية أي والمعتبر لصحة الصلاة الذي هو الشروط خمس الخ . والحصر إضافي والعدد لا مفهوم له ، فلا ينافي أن هناك غير الخمس م د . قوله : ( قبل الدخول فيها ) أي مع استمرارها فيها كما مر ، واعتبار القبلية لتحقق المقارنة فلو أمكنت المقارنة كفت كسترة ألقيت عليه مقارنة لأول التكبيرة لأنه يتبين بتمامها دخوله في الصلاة من أولها ، ولو قارنتها نجاسة وأزيلت قبل تمامها لم تصح خلافاً لما ذكره بعض المنسوبين إلى العلم ق ل . والحاصل : أن المراد بقوله قبل الدخول فيها أن لا تؤخر عن الدخول أعم من أن تتقدم أو تقارن بحيث لا يقع جزء من الصلاة من غير الشروط . قوله : ( فإن سبقه الحدث ) التقييد بالسبق للرد على القول القديم القائل بأنه لا تبطل صلاته ، بل يتطهر عن قرب ويبني على صلاته لعذره وإن كان حدثه أكبر ، فلو تعمد الحدث بطلت قطعاً . وقوله : ( ويبنى على صلاته ) وعليه ، فهل يجب عليه أن يرجع إلى الموضع الذي كان يصلي فيه أو يجب عليه أن يصلي موضع الوضوء أو لا ؟ قال بعضهم : يجب عليه الصلاة موضع الوضوء ما لم يكن إماماً لأنه إنما اغتفر له ذلك للضرورة ومحل كونه يبني ما لم يتكلم ولعله في نية الوضوء أن ينوي بقلبه . قوله : ( بطلت صلاته ) أي ولو فاقد الطهورين فتبطل صلاته إذا سبقه الحدث ، كما هو ظاهر كلام الأصحاب خلافاً للأسنوي اج . قوله : ( أثيب الخ ) وهل يجب القضاء فوراً أو على التراخي قياس من نام قبل الوقت واستغرق نومه الوقت عدم وجوب الفورية وقد يفرق بينهما .(2/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
قوله : ( مما لا يتوقف على الوضوء ) لو قال على الطهر لكان أعم . قوله : ( والظاهر عدم الإثابة ) أي من حيث القرآن كما يشعر به أول العبارة ، فلا ينافي أنه يثاب من حيث كونه ذكراً اه ق ل . وقد يقال : محل حمل القراءة من الجنب على الذكر إذا علم بجنابته ، وفرض المسألة هنا في الناسي فهو قاصد القرآن ، وقد يقال قصد القرآن مع الجنابة لاغ لعدم مناسبته فيثاب على الذكر وهو الذي انحط عليه كلام ع ش على م ر . قوله : ( معنى ) أي معنى وجودي ، فليس المراد بالأمر الاعتباري الأمر العدمي الذي يعتبره العقل بل أمر وجودي يدركه العقل لا الحس . قوله : ( منزلة المحسوس ) بل قيل إن أهل البصائر تشاهده ظلمة ق ل . قوله : ( بتبعيضه ) المراد به التبعيض في أجزاء العضو فيكون غير ما بعده . قوله : ( وطهارة النجس ) أي والطهارة من النجس ، فالمناسب أن يقول ومن النجس عطفاً على الحدث ، ويكون المراد بالأعضاء أجزاء البدن أعم من أن تكون أعضاء أو لا . وحمل الشارح على ما صنعه قصد التعميم في النجس بكونه في ثوبه أو بدنه أو مكانه ، لكن يلزم عليه التكرار ، ولأنه سيأتي طهارة الثوب والمكان بقوله بلباس طاهر والوقوف على مكان طاهر ، فلا وجه لما صنعه ، فالأولى إبقاء المتن على ظاهره كما قرره شيخنا . قوله : ( حتى داخل أنفه ) بالجر عطفاً على بدنه على أن حتى عاطفة أو هو مجرور بها على أنها حرف جر اه م د . وفيه نظر ، لأن حتى الجارة تكون بمعنى إلى كقوله تعالى : ) حتى مطلع الفجر } ^ وهو لا يظهر هنا . قوله : ( أو مكانه ) سيأتي في كلام المصنف ، وقال ق ل : ذكر الثوب والمكان هنا مستدرك . قوله : ( وثيابك فطهر ) أي على القول بأن معناها الطهارة عن النجس ، وإنما يتم الاستدلال به للطهارة في البدن بطريق القياس . قوله : ( بدليل الخ ) لا يخفى أن هذا الدليل هو صورة المسألة ففيه مصادرة ، لأنه أخذ بعض الدعوى في الدليل ، ولو قال بدليل أنها تزال عن الشهيد إذا كانت من غير دم الشهادة كما تقدم(2/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
لكان أولى . وقد يجاب : بأنه استدلال على وجوب غسل داخل الفم والأنف بوجوب غسل داخل العين فلا مصادرة تأمل اه م د . وفيه أن وجوب غسل العين من جمل المدعي لأنه مثل داخل الأنف .
قوله : ( من يريد الصلاة ) وكذلك من صلى بالفعل بالأولى ، فقوله في ثوب من يريد الصلاة ليس قيداً . قوله : ( لزمنا إعلامه ) وينبغي أن محل ذلك حيث كانت تمنع من صحة الصلاة عنده ، وعلمنا بذلك ، وإلا فلا لجواز كونه مع علمه بذلك لعدم اعتقاده البطلان معه ع ش على م ر . كما لو رأينا مالكياً يصلي وعلى بدنه أو ثوبه غائط ، فإنه يلزمنا إعلامه ، بخلاف ما لو رأينا روث ما أكل لحمه فلا يلزمنا إعلامه بذلك . قوله : ( لا يتوقف على العصيان ) أي عصيان الشخص المأمور . وهذا جواب عما يقال إن الذي على ثوبه نجاسة يحتمل أنه لم يعلمها فلا يكون عاصياً حينئذ . فأجاب بأن الأمر بالمعروف لا يتوقف على هذا الاحتمال . قوله : ( كما لو رأينا صبياً ) ومثله مجنون بالأولى . قوله : ( واستثنى من المكان الخ ) مثل المكان الفرش فيعفى عنه بالشروط المعتبرة في المكان ، وعبارة شرح م ر : ويستثنى من المكان ما لو انتشر ذرق الطيور ، فإنه يعفى عنه في الأرض ، وكذا الفرش فيما يظهر لمشقة الاحتراز عنه ، وإن لم يكن مسجداً فيما يظهر بشرط أن لا يتعمد المشي عليه كما قيد العفو بذلك في المطلب ، قال الزركشي : وهو قيد متعين وأن لا يكون رطباً أو رجله مبتلة كما أفاده الوالد رحمه الله ، ومع ذلك لا يكلف تحرّي غير محله اه بالحرف . وظاهر كلامهم أنه لا يعفى عنه مع الرطوبة ولو لم يجد معدلاً عنه ولا طريقاً غيره كالممشاة في مطهرة المسجد ونقل عن ابن عبد الحق العفو وهو قريب للمشقة ع ش .
والحاصل أنه يعفى عن ذرق الطيور بشروط ثلاثة : أن لا يتعمد إمساسه ، وأن لا تكون رطوبة من أحد الجانبين ، وأن يشق الاحتراز عنه ، وأما عمومه المحل فليس بشرط كما صرح به الحلبي على المنهج والمراد بعمومه عند من شرطه مشقة الاحتراز عنه اه . قوله : ( للمشقة ) وأشار بذلك إلى أن ذلك هو المراد بالعموم في قول بعضهم شرط العفو عموم البلوى به ، فقد قال م ر في فتاويه : المراد بعموم البلوى كثرته في ذلك المحل المقصود عادة بحيث لو كلفناه العدول عنه إلى غيره لأدى إلى الحرج اه اج . قوله : ( بما إذا لم يتعمد المشي عليه ) صوّره(2/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
بعضهم بأن يصلي من غير شعور به ثم يراه في بعض الصلاة ، وصوّره بعضهم بما إذا صلى في ظلمة أو ليل ، وصوّره م ر في الفتاوى بالمشي كيف اتفق .
فإن قلت : إن أريد المشي خارج الصلاة فهو حال الجفاف من الجانبين فلا ينجس ، وليس الكلام فيه ، وإن أريد المشي في الصلاة فليس فيها مشي ، وقوله : حال الجفاف الخ ، هذا ليس بلازم ، إذ يمكن أن يكون محل الوضوء قريباً . قلت : لعل المراد بالمشي وضع الرجل كما ذكره شيخناً م د واج . ونقل عن ابن عبد الحق أنه يعفى عن ذرق الطيور الواقع في ممر الفساقي إذا ذاب واضمحلت عينه قياساً على طين الشارع المتنجس ، لكن بشرط أن لا يتعمد المشي على شيء من عين النجاسة الظاهرة . قال ع ش : وهو الأقرب لمشقة الاحتراز عن ذلك ، وقيل معنى عمومه أن لا يكون هناك محل خال يمكن الوصول إليه من غير مشقة بأن لم يكن هناك محل خال أصلاً ، أو هناك محل خال يمكن الوصول إليه بمشقة .
قوله : ( تنبيه الخ ) ذكر فيه فروعاً ثمانية متعلقة بهذا الشرط . قوله : ( أكثر ) بأن كان النقص أقل أو مساوياً . قوله : ( من ذلك ومن الخ ) بيان للأمرين واسم الإشارة راجع لأجرة ثوب ما يصلي فيه لو اكتراه .
قوله : ( من ذلك ) أي يعتبر أكثر الأمرين اللذين هما أجرة الثوب وثمن الماء الخ . فقوله : ومن ثمن الخ كله أمر واحد ، فمعنى كلام الأسنوي أنه ينظر بين أجرة الثوب ، وثمن الماء الذي يشتريه لغسل النجاسة مع أجرة الغاسل ، وينظر أيهما أكثر ويأخذه ويقابل بينه وبين نقص قيمة الثوب بالقطع ، فلو كان نقص قيمة الثوب خمسة وأجرة الثوب ثلاثة ، وثمن الماء مع أجرة الغاسل أربعة ، فإن الإسنوي يقابل بين نقص القيمة وبين ثمن الماء مع أجرة الغاسل أي : ففي هذه الحالة لا يجب القطع لأن نقص القيمة زاد على أكثر الأمرين كما قرره شيخنا ، وإن نقصت عن أكثر الأمرين أو ساوى وجب القطع . قوله : ( مع أجرة غسله ) أي الثوب . قوله : ( عند الحاجة ) أي بأن احتيج في غسله إلى مبالغة كحت بأن كانت النجاسة عينية ، بخلاف ما إذا كانت حكمية ، فإنه لا أجرة للغسل حينئذ فلا حاجة لأجرة الغسل .(2/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
قوله : ( ولو اشتبه الخ ) ذكر الشارح من هنا إلى الشرط الثاني ستة فروع : الأوّل : مسألة الاشتباه . الثاني : في كيفية تطهير ما نجس . الثالث : أنه يمتنع صلاة قابض على متصل بنجس . الرابع : تفصيل الوصل . الخامس : في العفو عن محل الاستجمار وما عسر الاحتراز عنه الخ . السادس : لو صلى بنجس لا يعلمه الخ . قوله : ( أو بيتين ) أي ضيقين عرفاً كما سيذكره ، وإِلا فله الصلاة في الواسع منهما من غير اجتهاد إلى أن يبقى قدر المتنجس ق ل . وقد يقال مراد الشارح أن بيتاً طاهراً وبيتاً متنجساً كله كما هو ظاهر كلامه ، فلا فرق بين الواسع والضيق . قوله : ( فإنه يجتهد فيها ) أي المياه لكل فرض أي حيث انتقض طهره الذي فعله بالاجتهاد أما إذا بقي طهره ولو شهراً فلا اجتهاد كما يعلم من الجواب اه م د . قوله : ( كبقاء الطهارة ) أي بالاجتهاد فيما لو اشتبه أحد ماءين بآخر ولم تنتقض طهارته أي : فيستغني بذلك عن تجديد الاجتهاد وحينئذ فالمسألتان مستويتان لأنه لا يجتهد ما بقيت طهارته ، وما بقي في أحد الثوبين أو المكانين ، فإذا انتقل من أحد الثوبين أو المكانين إلى غيرهما اجتهد ، كما أنه إذا انتقضت طهارته اجتهد فلا يرد السؤال تأمل . قوله : ( فلو اجتهد الخ ) مفهوم قوله لم يجب تجديد الاجتهاد . قوله : ( بالاجتهاد ) خرج ما لو هجم وغسل أحدهما ، فليس له الجمع بينهما ، لأن الواجب عليه الاجتهاد ولم يفعله ع ش على م ر . قوله : ( من غير إعادة ) أي لما صلاه في الثاني . قوله : ( إذ لا يلزم من ذلك نقض اجتهاد باجتهاد ) علة لقوله كما لا يجب إعادة الأولى ، ووجهه أن آثار الأول من الصلاة به محكوم بصحتها من غير إعادة فلم يبق شيء يبطله ، فلذلك عمل بالثاني ، بخلاف المياه إذا تغير اجتهاده لا يعمل بالثاني بل يتلف الماءين ويتيمم ولا يعيد ، وإنما لم يعمل بالثاني لأنه إن غسل ما أصابه الأول بماء الثاني ، فقد نقض الاجتهاد الأول أي آثاره الباقية بالاجتهاد الثاني ، وهما ظنان متساويان ، فيكون تحكماً ، وإن لم يغسل ما أصابه الأول بماء طاهر بيقين ، وإِلا فيعمل بالثاني حينئذ لأنه لم ينقض الاجتهاد الأول بالاجتهاد الثاني ، بل نقضه بماء الثاني لزم أن يصلى بالنجاسة ، فلذلك قلنا : لم يعمل بالثاني ، ومحله إذا(2/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
لم يغسل ما أصابه الأول بماء طاهر بيقين . قوله : ( بخلاف المياه ) أي فإنه فيها لا يعمل بالثاني أي : ولا بالأول بل يتيمم بعد تلف . قوله : ( لتقصيره بعدم إدراك العلامة الخ ) يؤخذ منه وجوب القضاء فوراً ، وبه صرح الشارح في الصوم وحج أيضاً فيما إذا لم يروا الهلال فأفطروا ، ثم تبين أنه من رمضان وعللوه بتقصيرهم بعدم الرؤية ع ش على م ر . والتعليل بالتقصير في الموضعين مشكل لبذلهم ما في وسعهم تأمل . قوله : ( بدنان ) أي تنجس أحدهما كما في م ر . قوله : ( ولا يعيد الأولى ) أي ولا الثانية . قوله : ( ولو نجس ) هو بفتح الجيم وضمها وكسرها وأنت خبير بأن محل هذا باب النجاسة ، فذكره هنا استطرادي ، وكذا قوله ولو غسل بعض نجس الخ . قوله : ( لتصح الصلاة فيه ) أي أو معه ليشمل البدن ، والمعتمد أن الواسع ما زاد على قدر بدن المصلي والضيق ما كان بقدر بدنه . قوله : ( لم يجب عليه ) لكن يسن م ر . قوله : ( فله أن يصلي فيه ) أي إلى أن يبقى قدر النجاسة كما في الروض .
قوله : ( والأحسن في ضبط ذلك ) أي المذكور من الواسع والضيق فاندفع بذلك ما يقال الأولى أن يقول في ضبطهما ، والمراد بالعرف عرف حملة الشرع . قوله : ( مجاوره ) وهو جزء مما غسله أوّلاً . قوله : ( طهر كله ) أي حيث غسله بالصب في غير إناء أما لو غسله بالصب في الإناء فلا يطهر إِلا بغسله دفعة واحدة ، لأنه إذا وضع بعضه وصب عليه الماء صار ما فوق الماء وهو مجاور المغسول وارداً على ماء قليل فينجسه زي ، ويؤخذ من تعليله أنه لو صب الماء على موضع من الثوب مرتفع عن الإناء وانحدر عنه الماء حتى اجتمع في الإناء ولم يصل الماء إلى ما فوق المغسول من الثوب طهر . نقل ذلك سم عن الشارح ع ش على م ر . قوله : ( وإِلا فغير المجاور ) يطهر والمجاور نجس وهو الجزء الأخير مما غسله أوّلاً ومحله إذا كانت النجاسة محققة ، فلو تنجس بعض الثوب واشتبه فغسل نصفه ثم باقيه طهر كله ، وإن لم يغسل(2/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
المجاور لعدم تحقق نجاسة البعض الذي غسل أولاً . أي : حتى يسري إلى مجاوره مما غسل أو لا . ع ش على م ر بزيادة . قوله : ( نحو قابض ) كشادّ بيد أو نحوها شرح المنهج ، ومراده بالشاد الرابط . قوله : ( طرف متصل بنجس ) سواء كان اتصاله به على وجه الربط أو لا . وسواء كان النجس يتحرك بحركته أو لا . وخرج بقوله متصل بنجس ما لو كان الطرف الآخر متصلاً بشيء طاهر ، وذلك الطاهر متصل بالنجس فيفصل ، ويقال : إن كان النجس ينجرّ بجر المصلي واتصل الطرف الآخر بالمتصل به على وجه الربط ضر ، وإن لم ينجر بجره أو كان الاتصال لا على وجه الربط لم يضر . مثال ذلك إذا ربط حبلاً بطوق كلب أو بوتد سفينة فيها نجاسة ، وكانت تنجر بجره فإن الصلاة تبطل ، وأما إذا كان الحبل مرمياً على طوق الكلب من غير ربط أو على حرف السفينة الطاهر ، فإنه لا يضر . وقد أشار شارح المنهج للمفهوم بقوله : ولو كان طرفه متصلاً بساجور كلب الخ . لكن كلامه فيه إجمال لعدم إفادته للتفصيل المذكور ، هكذا يستفاد من شرح م ر شوبري . مع زيادة ولا تصح صلاة الآخذ بزمام الدابة إن كان بها نجاسة ، ولو على غير مخرجها وإذا وطئت نجاسة رطبة بطلت صلاته ، وكذا جافة لم تفارقها حالاً برماوي . قوله : ( وإن لم يتحرك بحركته ) وعبارة ا ج وفارق صحة سجوده على ما لم يتحرك بحركته بأن اجتناب النجاسة شرع للتعظيم ، وهذا ينافيه والمطلوب في السجود الاستقرار على غيره وهو حاصل بذلك . قوله : ( ولا يضر جعل طرفه تحت رجله ) أي : وإن تحرك بحركته لعدم حمله له أما لو جعله فوق ظهر رجله فإنه يضر ، وهذا مفهوم قوله نحو قابض . قوله : ( ولا نجس يحاذيه ) أي ولا يضر نجس يحاذي شيئاً من بدنه أو ملبوسه من غير مس لعدم ملاقاته له ، فصار كما لو صلى على بساط طرفه نجس فتصح صلاته شرح البهجة فلو عرق قدمه ، فالتصق البساط الذي طرفه نجس أو المفروش على أرض متنجسة بباطن قدمه وصار متعلقاً به عد حاملاً له ، فتبطل صلاته إن لم يفصله عنه حالاً كما أفتى به الشهاب م ر نعم تكره الصلاة مع محاذاة النجس كاستقبال متنجس أو نجس ولو حبس بمحل نجس صلى وتجافى عن النجس قدر ما يمكنه ، ولا يجوز له وضع جبهته بالأرض ، بل ينحني بالسجود إلى قدر لو زاد عليه لاقى النجس ثم يعيد قاله في المجموع شرح م ر .
فرع : لو تعلق بالمصلي صبي أو هرة لم يعلم نجاسة منفذهما لا تبطل صلاته ، لأن هذا مما تعارض فيه الأصل والغالب إذ الأصل الطهارة والغالب النجاسة ، وخرج بقولنا لم يعلم نجاسة منفذهما ما لو علمه ، ثم غابت الهرة أو الطفل زمناً لا يمكن فيه غسل منفذهما فهو باق على نجاسته فتبطل صلاته لتعلقهما بالمصلي ، ولا يحكم بنجاسة ما أصاب منفذهما كالهرة إذا(2/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
أكلت فأرة ثم غابت غيبة يمكن طهر فمها فيها اه ع ش على م ر . فلا تنجس ما أصابه فمها ، وقد يقال النجاسة متيقنة ، والطهر مشكوك فيه فمقتضاه نجاسة ما أصابه فمها .
قوله : ( ولو وصل عظمه ) أي المكلف . وحاصل مسألة الجبر أنه إن فعله مختاراً مع فقد الطاهر الصالح لم يجب نزعه ، وإن لم يخف ضرراً ، وإن فعله مع وجود الطاهر الصالح وجب نزعه إِلا إن خاف ضرراً ، وإن فعله مكرها لم يجب نزعه ، وإن لم يخف ضرراً وإن فعل به حال عدم تكليفه كصغره لم يجب نزعه ، وإن لم يخف ضرراً وحيث وجب نزعه لم تصح صلاته ولا طهارته ما دام العظم النجس مكشوفاً لم يشترط بالجلد وحيث لا يجب نزعه صحت صلاته وطهارته ، ولم ينجس الماء بمروره على العظم ولو قبل اكتسائه باللحم والجلد ولا الرطب إذا لاقاه سم وهذا مستثنى من طهارة البدن فكأنه قال : ويستثنى من ذلك ما لو وصل عظمه الخ . قوله : ( لحاجة ) بأن لم يجد وقت الوصل طاهراً في محل يجب طلب الماء منه في التيمم ق ل . قوله : ( من عظم ) ولو مغلظاً ح ل قوله : ( لا يصلح للوصل غيره ) أي وقت إرادته حتى لو وصل غيره ، ولكن كان هذا أصلح أو أسرع إلى الجبر لم يجز الوصل به خلافاً للسبكي ، ويقدم عظم الخنزير على الكلب لأنه أي الكلب أغلظ ، وهذا يخالف ما تقدم في الطهارة في قياس الخنزير على الكلب حيث قالوا في توجيه القياس لأنه أسوأ حالاً منه ، إذ لا يحل اقتناؤه بحال ، وأيضاً فإن الخنزير لم يقل أحد بجواز أكله بخلاف الكلب ، ففيه قول بالجواز لبعض المالكية ويقدم غير المغلظ ، ولو كان بطيء البرء على المغلظ ، ولو كان سريعه ويقدم المغلظ على الآدمي برماوي و ح ل . قوله : ( من غير الآدمي ) فإن لم يصلح إِلا عظم الآدمي قدم عظم الحربي كالمرتد ثم الذمي ثم المسلم . قوله : ( وجب عليه نزعه إن أمن الخ ) أي ولو اكتسى لحماً ولا مبالاة بألمه في الحال إن لم يخف منه في المآل ضرراً يبيح التيمم ، وتبطل صلاته معه لحمله نجاسة في غير معدنها لا ضرورة إلى تبقيتها اه متن الروض وشرحه . قوله : ( ولم يمت ) فإن مات حرم نزعه لزوال التعبد عنه ولهتك حرمته ، وقيل ينزع عنه لئلا يلقى الله مع النجاسة ، وردّ بأن العائد هو الأجزاء الأصلية أي التي نزل بها من بطن أمه زي . قوله : ( الوشم ) وهو غرز الإبرة في الجلد حتى يخرج الدم ثم يذرّ عليه نحو نيلة ليخضرّ أو يزرقّ اه ا ج . قوله : ( ففيه التفصيل المذكور ) وهو أنه إذا فعله مكلف مختار عالم بالتحريم بلا حاجة وقدر على إزالته لزمته ، وإِلا فلا . فإذا فعل به في صغره أو فعله مكرهاً أو جاهلاً(2/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
بالتحريم أو لحاجة وخاف من إزالته محذور تيمم فلا تلزمه إزالته وصحت صلاته وإمامته ، وعلم من ذلك أن من فعل الوشم برضاه في حال تكليفه ، ولم يخف من إزالته محذور تيمم منع ارتفاع الحدث عن محله لتنجسه وإِلا عذر في بقائه مطلقاً وحيث لم يعذر فيه ولاقى ماء قليلاً أو مائعاً أو رطباً نجسه ، كذا أفتى به الوالد شرح م ر . قال سم : ولا يبعد عذر من وشم جاهلاً بالتحريم إذا كان ممن يخفى عليه ذلك وفاقاً للرملي اه . ولا عذر للكافر على المعتمد ، فلو وشم باختياره ، ثم أسلم فالظاهر وجوب إزالته لتعدّيه وهو مكلف اه سم وا ج وفي ع ش على م ر خلافه . ونصه : فرع وقع السؤال عن ذمي استعمل الوشم بعد بلوغه بلا حاجة تدعوا إليه ، ثم أسلم فهل يجب عليه إزالة الوشم بعد الإسلام حيث لا ضرر عليه في إزالته أم لا ؟ كمن فعل به من المسلمين قبل بلوغه حيث لم يكلف إزالته بعد البلوغ لعدم تعديه في الأصل ويعفى عنه في حقه وحق غيره ، ولا ينجس ماء قليل بملاقاة محل الوشم له إلى غير ذلك من الأحكام ، والظاهر العفو لعدم اعتقاده حرمته في الأصل فلا تعدي منه حال الفعل وإن كان مخاطباً بفروع الشريعة اه . بحروفه .
قوله : ( وعفى عن محل استجماره الخ ) على حذف مضاف ، والتقدير وعفى عن أثر محل استجماره الخ . وعبارة التحرير وعن أثر استنجاء في الصلاة اه زاد الجلال المحلي في شرح المنهاج رخصة . وقضيته أنه لو كان مسافراً عاصياً لم يعف عنه وليس كذلك اه قاله عبد البر . قوله : ( في الصلاة ) أي لا في تنجس ماء وتنجس ثوب لاقاه مع رطوبة ونحو ذلك ق ل . وقال الحلبي : ويعفى عما يلاقيه من الثوب في القيام والقعود ، ومثله البدن ولو بركوب أو جلوس ، ووافقه على ذلك البرماوي وهو مصرح به في التحرير وحواشيه . ونصه : وعفى عن أثر استنجاء وإن عرق فتلوث به غير محله وإن جاوز البدن إلى الثوب على الأصح . قوله : ( ما لم يجاوز ) وإِلا وجب غسل المجاوز قال م د على التحرير : ثم إن جاوز مع الاتصال وجب غسل الكل ، وإِلا وجب غسل ما جاوز فقط دون ما لم يجاوز . وقوله في شرح التحرير : وجب غسل ما سال إليه ضعيف أو محمول على السيلان مع التقطع . قوله : ( في حقه ) متعلق بعفى فلو حمل مستجمراً في صلاته بطلت ، إذ لا حاجة إلى حمله فيها ، فلو قبض في يد مصل أو في ثوبه بطلت صلاته ومثله كل من به نجاسة م ر . ومثل الحمل ما لو تعلق المستجمر بالمصلي أو المصلي بالمستجمر ، فإنه تبطل صلاته ووجه البطلان فيهما اتصال المصلي بما هو متصل بالنجاسة ، ويؤخذ منه أن المستنجي بالماء إذا أمسك مصلياً مستجمراً بطلان صلاة المستجمر أيضاً ، لأن بعض بدنه متصل بيد المستنجي بالماء ، ويده متصلة بيد المصلي المستجمر بالحجر ، فيصدق عليه أنه متصل بمتصل بنجس وهو نفسه لا ضرورة لاتصاله به . لا يقال يلزم عليه أنه إذا أمسك ثوب نفسه بطلت صلاته . لأنا نقول : اتصال الثياب به ضروري ومثلها(2/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
السجادة ونحوها لتنزيلها منزلة الثياب قاله الإطفيحي نقلاً عن ع ش . قال الرشيدي : هو في غاية السقوط ، إذ هو مغالطة إذ لا خفاء أن معنى كون الطاهر المتصل بالمصلي متصلاً بنجس غير معفوّ عنه أنه غير معفوّ عنه بالنسبة للمصلي ، وهنا النجس معفوّ عنه بالنسبة إليه فلا نظر لكونه غير معفوّ عنه بالنسبة للممسك الذي هو منشأ التوهم . وفي حج : ولو غرز إبرة مثلاً ببدنه أو انغرزت فغابت أو وصلت لدم قليل لم يضر أو لدم كثير أو لجوف لم تصح الصلاة لاتصالها بنجس اه . قال سم : عليه ومحل عدم الصحة حيث كان طرفها بائناً ظاهراً اه . أقول : وما قيد به قد يؤخذ من قوله فغابت . وقوله : لم تصح الخ . ينبغي أن محله إذا لم يخف من نزعها ضرراً يبيح التيمم ، وأن محله أيضاً إذا غرزها لغرض ، أما إذا غرزها عبثاً فتبطل لأنه بمنزلة التضمخ بالنجاسة عمداً وهو يضر قال ع ش على م ر . ولو وقع الطائر الذي على منفذه نجاسة في ماء قليل أو مائع لم ينجس على الأصح لعسر صونه عنه ، بخلاف المستجمر فإنه ينجسه ويحرم عليه ذلك لما فيه من التضمخ بالنجاسة ، ويؤخذ منه أنه لو جامع زوجته في هذه الحالة أنه يحرم عليه لما ذكر ، وأنه لا يلزمها تمكينه كما أفتى به الوالد ، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين شرح م ر . قال حج : محله إذا لم يلزم على استعمال الماء فتور وإِلا فلا يحرم ويجب عليها تمكينه .
قوله : ( نجس يقيناً ) أي وليست عين النجاسة متميزة وماء الشارع مثل طينه لتعذر الاحتراز عنه أي : إذا وصل إليه ذلك من الشارع بنفسه وخرج به ما لو تلطخ كلب بطين الشارع وانتفض على إنسان ، وما لو رش السقاء على الأرض النجسة أو رشه على ظهر كلب فطار منه شيء على شخص لم يعف عنه خلافاً لمن توهم فيه ، لأنه لو قيل بالعفو فيما ذكر لاقتضى أنه لو وصل إليه بفعل نفسه أو غيره لم يضر ولا قائل به ، والمراد بالشارع محل المرور ، وإن لم يكن شارعاً كالمحلات التي عمت البلوى باختلاطها بالنجاسة كدهليز الحمام وما حول الفساقي مما لا يعتاد تطهيره إذا تنجس ، أما ما جرت العادة بحفظه وتطهيره إذا أصابته نجاسة لم يعف عنه بل متى تيقن نجاسته وجب الاحتراز عنه ، ولا يعفى عن شيء منه ومنه ممشاة الفساقي فليتنبه له ولا يغتر بمخالفته وضابط العفو فيه أن لا ينسب إلى سقطة أو كبوة أو قلة تحفظ اه ق ل . وشمل النجاسة المغلظة خصوصاً في المواضع التي يكثر فيها الكلاب ، وخرج بالطين عين النجاسة إذا تفتت في الطريق ، فلا يعفى عنها ما لم تعمها على ما مال إليه الزركشي وإذا مشى في الشارع الذي به طين متيقن النجاسة وأصابه ومشى في مكان آخر وتلوث منه عفى عنه في المكان الثاني إذا كان غير مسجد ، وإِلا فلا يعفى عنه لأن المسجد يصان عن النجاسة ، ويمتنع تلويث المسجد بها ويعفى في حق الأعمى ما لا يعفى عنه في حق البصير .
قوله : ( ويختلف المعفوّ عنه وقتاً الخ ) انظر لو تلوّث ثوبه أو بدنه في زمن الشتاء واستمر(2/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
إلى الصيف فهل يعفى عنه نظراً إلى الزمن الواقع فيه أو لا نظراً إلى زوال المشقة حينئذ ؟ فيه نظر . وظاهر كلامهم عدم العفو لأنه مقيد بالزمن اه بابلي أما إذا بقي إلى الشتاء الثاني فيعفى عنه نظراً للزمن طوخي . قوله : ( وعن دم نحو براغيث ) جمع برغوث بالضم والفتح قليل ، ويقال له طامر بن طامر . روى أحمد والبزار والبخاري في الأدب عن أنس رضي الله عنه : ( أن النبيّ سمع رجلاً يسبْ برغوثاً فقال : لا تسبه فإنه أيقظ نبياً لصلاة الفجر ) . ودم البراغيث رشحات تمصها من الإنسان ثم تمجها وليس لها دم في نفسها ذكره الإمام وغيره . فالإضافة في دم البراغيث للملابسة ، والمراد بقوله : وعن دم نحو براغيث أي يعفى عنها في ملبوسه ولو مع رطوبة بدنه من عرق ونحو ماء وضوء ، أو غسل مطلوب ، أو ما تساقط من الماء حال شربه ، أو من الطعام حال أكله ، أو بصاق في ثوبه وغير ذلك مما يشقّ الاحتراز عنه ، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره خلافاً لابن العماد ، وهذا كله بالنسبة إلى الصلاة ، وما ألحق بها من الطواف وسجدة التلاوة والشكر والمكث في المسجد أي : يجوز المكث فيه مع حمله دم البراغيث ، وإن كان دخول النجاسة في المسجد حراماً ، ومسّ المصحف وحمله مع طهر معتدّ به لا نحو مائع أو ماء قليل ، فلو وقع الملوث بذلك في مائع أو ماء قليل نجسه إن كان عامداً عالماً . وفي معنى البراغيث كل ما لانفس له سائلة وخرج بدم البراغيث جلدها فلا يعفى عنه م د .
قوله : ( كقمل ) ويعفى عن دم قملة اختلط بجلدها وكذا لو اختلط دمها بدم قملة أخرى للمشقة ، بخلاف ما لو اختلط جلد قملة بدم قملة أخرى فلا يعفى عنه حينئذ كما ذكره البرماوي . كأن قتل واحدة في المحل الذي قتل فيه الأولى ، واختلط دم الأولى بقشرة الثانية فلا يعفى عنه ، ولو وجد شخص بعد صلاته قشر قمل في طيّ عمامته أو في غرز خياطة ثوبه لا إعادة عليه على المعتمد ، وإن علم أنه كان موجوداً في حالة الصلاة لأنه ليس مكلفاً بالتفتيش في كل صلاة ، كما أفاده شيخنا ح ف والعزيزي .
قوله : ( بمحلهما ) أي الدمين أي دم البراغيث وما عطف عليه ودم الفصد وما عطف عليه خلافاً لمن فهو تخصيص محلهما بدم الفصد والحجامة شرح م ر . والمراد بمحلهما هو ما يغلب سيلانهما إليه أي عادة وما حاذاه من الثوب ، لكن رجوع القيد لدم البراغيث لا يظهر له محترز ، فالأولى أنه راجع للدمين أي دم الدمامل ونحوها ودم الفصد والحجم كما قرره شيخنا . والمراد بمحلهما ما يغلب السيلان إليه عادة وما حاذاه من الثوب ، فإن جاوزه عفى عن المجاوز إن قلّ فإن كثر المجاوز فقياس ما قدم في الاستنجاء أنه إن اتصل المجاوز بغير المجاوز وجب غسل الجميع ، وإن تقطع أو انفصل عنه وجب غسل المجاوز فقط كما أفاده شيخنا .
قوله : ( لعموم البلوى بذلك ) ومما عمت به البلوى حصول دم البراغيث في خرقة يضعها(2/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
بعض الناس تحت عمامته صيانة لها عن دم البراغيث فيعفى عنه ، وإن كثر فيها كما قاله العلامة ابن شرف ، ومنه يؤخذ أن ما يتخلل في خياطة الثوب من نحو الصئبان وهو بيض القمل يعفى عنه ، وإن فرضت حياته ثم موته وهو ظاهر لعموم الابتلاء به مع مشقة فتق الخياطة لإخراجه وبه صرح ع ش على م ر فاحفظه . قوله : ( لا إن كثر ) أي نحو دم البراغيث ودم الدماميل كما قصره في شرح المنهج على ذلك ، وإن كانت عبارته تشمل دم الفصد والحجامة . وقوله : ( بفعله ) ولو بإكراه عليه ، وينبغي أن يكون فعل غيره برضاه كفعله ، وفيه أنه يشكل حينئذ دم الفصد والحجامة ، ومشى م ر على أنه يعفى عن دم الفصد والحجم ، وإن كثر أي : وإن كان بفعل مأذونه إن لم يجاوز محله ، ويكون مستثنى من عدم العفو عن الدم الكثير إذا كان بفعله أو فعل مأذونه للحاجة إلى ذلك شيخنا .
فرع : إذا اختلط دم الحلاقة ببلل الرأس ، قال الزيادي : يعفى عنه والمعتمد عدم العفو إِلا أن يحمل عدم العفو على ما إذا اختلط ببلل التنظيف بعد الحلاقة فإنه لا يعفى عنه .
فرع : يسن التعرّي عن ثوبه عند النوم في حق أهل البادية ونحوها ممن يعتاده عند النوم . أما أهل القرى والأمصار الذين لا يعتادونه ، فلا يسنّ في حقهم ، وحينئذ فلو نام في الثوب وكثر الدم فيه ، فإنه يعفى عنه مطلقاً ، وإن انتشر بعرق بخلاف من لا يعتاد النوم فيه إذا كثر الدم فيه ، فإنه لا يعفى عنه كما لو لبسه لغير حاجة اه خ ض . قال المناوي : لكن محل العفو حيث لم يختلط بأجنبي وحيث كان في ملبوس لم يتعمد إصابته له ، وإِلا كأن قتل قملاً فأصابه منه دم أو حمل ثوباً فيه دم نحو براغيث أو صلى عليه لم يعف إلا عن القليل اه .
والحاصل : أنه يعفى عن دم نحو البراغيث ، وإن كثر وتفاحش وانتشر لعرق أو نحوه بالنسبة للصلاة بشروط ثلاثة : أن لا يكون بفعله ، وأن لا يخلط بأجنبي غير ضروري ، وأن يكون ذلك في ملبوس يحتاج إليه ولو للتجمل ، ولو كان عنده غيره خالياً من ذلك ، ولا يكلف لبسه لأن الشارع لما عفا عما فيه من الدم صار كالطاهر ، فإن اختلط بأجنبي غير ضروري لم يعف عن شيء منه ، وإن كان بفعله عفى عن قليله ، وكذا إن كان في غير الملبوس المذكور قال م ر في شرحه : ولو شك في شيء أقليل هذا أم كثير فله حكم القليل ، لأن الأصل في هذه النجاسات العفو إِلا إذا تيقنا الكثير اه م د على التحرير مع زيادة من ع ش .
قوله : ( وعن قليل دم الخ ) جمعه قلل كسرير وسرر قاله الدميري . وحاصل ما في الدماء أنه يعفى عن قليلها ولو من أجنبي غير نحو كلب وكثيرها من نفسه ما لم يكن بفعله أو يجاوز محله فيعفى حينئذ عن قليلها فقط م ر ثم قال : ومحل العفو عن القليل إذا كان بفعله لغرض كعصر الدمل أما لو فعله عبثاً كأن لطخ نفسه بدم أجنبي عبثاً لم يعف عن شيء منه لارتكابه(2/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
محرماً فلا يناسبه العفو ، كما أفتى به الوالد رحمه الله . ثم قال : ومحل العفو عن سائر ما تقدم مما يعفى عنه ما لم يختلط بأجنبي ، فإن اختلط به ولو من نفسه كالخارج من عينه أو لثته أو أنفه أو قبله أو دبره لم يعف عن شيء منه اه م ر . وقال حج : يعفى عن قليله لأن المختلط به ضروري . قوله : ( وكالدم فيما ذكر ) أي في التفصيل السابق قيح . قوله : ( ومتنفط ) وهو البقابيق التي تطلع في البدن . وقوله : له ريح قيد في ماء الجروح وما بعده ومثل تغير الريح تغير اللون . قوله : ( ولو صلى بنجس غير معفوّ عنه لم يعلمه ) أي حال ابتدائها . وقوله : ( أو علمه ) أي قبل الشروع فيها وقوله : ( ثم تذكر ) أي بعد صلاته ، وأشار الشارح بذلك إلى أن قوله فيما تقدم وطهارة النجس أي في نفس الأمر لا في اعتقاده فقط وقوله : فصلى لا حاجة إليه بعد قوله ولو صلى . قوله : ( وجبت الإعادة ) لتفريطه بترك التطهر في الصورة الثانية ، ولأن الطهارة واجبة فلا تسقط بالجهل في الصورة الأولى والمراد بالإعادة ما يشمل القضاء كما إذا تذكر بعد خروج الوقت ، وفي إطلاق الإعادة على ما بعد الوقت تغليب أي غلب الإعادة على القضاء فسماها إعادة ، إذ الإعادة فعل العبادة ثانياً في الوقت ، وظاهره أن الإعادة في الصورتين أعني هذه وما بعدها على التراخي ، ويؤيده ما لو نسي النية في الصوم من وجوب القضاء فيه على التراخي لأن النسيان يقع كثيراً كما نقله الاطفيحي عن ع ش ، ولو مات قبل التذكر فالمرجوّ من الله أن لا يؤاخذه لرفعه عن هذه الأمة الخطأ والنسيان .
قوله : ( بخلاف ما ) أي صلاة وقوله : ( احتمل حدوثه ) أي النجس بعدها أي ؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن ، والأصل عدم وجوده قبل ذلك . وقوله : احتمل حدوثه أي براجحية أو مرجوحية أو استواء الأمرين برماوي أي : فلا يجب إعادتها لكن يسنّ كما قاله في المجموع ، وفارق ما ذكروه فيمن فاته صلوات حيث قالوا : يجب عليه أن يقضي ما زاد على ما تيقن فعله ، وسواء تيقن تركه أو شك فيخالف مسألة الشك هنا ، ولعل الفرق أنّ ذاك شك في أصل الفعل ، وهذا شك في شرطه فكان أخف كما قرره شيخنا .
قوله : ( والثاني ستر العورة ) مصدر مضاف للمفعول بعد حذف الفاعل أي : أن يستر المصلي عورته والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح ، ومنه كلمة عوراء أي قبيحة ويسمى بها القدر الآتي لقبح ظهوره برماوي . قوله : ( عن العيون ) أي من إنس وجن وملك ، وأفاد أن(2/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
الثوب يمنع من رؤية الجن والملك ع ش . وقد يؤيد عدم رؤية الملك مع الثوب قصة خديجة رضي الله عنها حيث ألقت الخمار عن رأسها لتختبر حال جبريل لما كان يأتي النبي أول المبعث هل هو ملك أو لا ؟ فإن الملك لا يرى المرأة الأجنبية مع عدم الستر ، وقد أشار إلى ذلك صاحب الهمزية بقوله :
فأماطت عنها الخمار لتدري
أهو الوحي أم هو الإغماء
فاختفى عند كشفها الرأس جبري
ل فما عاد أو أعيد الغطاء
وخرج بقوله عن العيون الزجاج فلا يكفي .
فرع : لو طال ذكره أو نبتت سلعة أصلها في العورة أو طال شعر العانة ، وجاوز الركبتين وجب ستر ما خرج عن حد الركبتين ، لأنه مما بين السرة والركبة ومثله الأنثيان اه . قوله : ( ولو كان خالياً في ظلمة ) عبارة غيره ولو كان خالياً أو في ظلمة . قوله : ) يا بني آدم خذوا زينتكم } ^ أي يا فروع آدم الشامل للذكر والأنثى وذكر الذكور في قوله : يا بني لشرفهم ، وفي الآية مجازان : الأول : إطلاق الزينة على الثياب تسمية للمحل وهو الثياب باسمن الحالّ فيه وهو الزينة . والثاني : إطلاق المسجد على الصلاة تسمية للحال وهو الصلاة باسم المحل وهو المسجد ، وأطلق الله تعالى على الثياب زينة والزينة عرض قائم بالثياب لكونها أي الثيبا يتزين بها ، ولذا قال الإمام مالك نظماً ، وعزاه بعضهم للإمام الشافعي :
حسن ثيابك ما استطعت فإنها
زين الرجال بها تعز وتكرم
ودع التخشن في الثياب تواضعا
فالله يعلم ما تسر وتكتم
فجديد ثوبك لا يضرك بعدها
تخشى الإله وتتقي ما يحرم
ورثيث ثوبك لا يزيدك رفعة
عند الإله وأنت عبد مجرم
فرع : وقع السؤال في الدرس عما لو تعارض عليه القيام والستر بأن كانت عورته تنكشف عند قيامه دون قعوده هل يقدم الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والجواب أن الظاهر مراعاة الستر . ونقل عن فتاوى الشارح ذلك فراجعه ، وهو موافق لما قدمه الشارح من أنه إذا تعارض عليه القيام والاستقبال قدم الاستقبال قال : لأنه أي الستر لم يسقط في الصلاة بحال مع القدرة عليه بخلاف القيام فإنه يسقط في النافلة مع القدرة وهذا مثل ، فإن الستر لا يسقط مع القدرة عليه بحال بخلاف القيام ع ش على م ر وما قاله ظاهر ، وفيه أن الاستقبال يسقط أيضاً في النافلة في السفر مع القدرة خلافاً لما نقله م د على التحرير ، ونصه : فرع لو تعارض عليه القيام والستر بأن كان بحيث لو صلى قائماً انكشف بعض عورته ، وكان بحيث لو صلى قاعداً أمكنه ستر(2/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
ذلك ، فينبغي مراعاة القيام دون الستر . قوله : ( المراد به ) أي المذكور من الزينة والمسجد . وقال بعضهم : كان حقه أن يقول بهما أي الزينة والمسجد .
تتمة قال في المطامح : اللباس المأمور به في الصلاة له صفتان . صفة إجزاء وصفة كمال ، فصفة الإجزاء كونه مستور العورة ، والصفة الكمالية كونه مستوراً متزيناً في أحسن زي وأكمل هيئة اه . وفي خبر الطبراني عن ابن عمر رفعه : ( الارتداء لبسة العرب والالتفاع لبسة أهل الإيمان ) يعني أن الارتداء وهو وضع الرداء على الكتفين لبسة العرب توارثوها عن آبائهم في الجاهلية ، لأنهم كانوا كلهم يلبسون الإزار والرداء ويسمونها حلة والالتفاع وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه لبسة أهل الأيمان ، لأنه لما علاهم من الحياء من ربهم ما أخجلهم اضطروا إلى مزيد الستر ، فرأوا أن الالتفاع أستر لستره ما فيه الحياء وهو الوجه والرأس ، لأن الحياء من عمل الروح وسلطان الروح في الرأس ، ولهذا قال الصدّيق : إني لأدخل الخلاء فأتقنع حياء من الله تعالى فكانوا في الأعمال التي فيها حشمة بعلوهم الحياء كما يعلوهم في غيرها ، وكان الالتفاع لبسة بني إسرائيل ورثوه عن آبائهم وهذه الأمة أبدت باليقين النافذ لحجب القلوب فمن تقنع فمن الحياء تقنع لعلمه بأن الله يراه علم يقين لا علم تعلم اه مناوي على الخصائص .
قوله : ( ويجب ستر العورة ) المراد من ذلك أنه يحرم كشفها حتى في الخلوة ، وإذا كان كذلك ينافي قوله فيما يأتي ولا يجب سترها عن نفسه . ويجاب بأن معنى ما يأتي أنه يجوز له نظرها مع الكراهة ، لكن من طوقه لا مع كشفها فاجتمعت العبارتان .
تنبيه : ستر العورة من خصوصياتنا وكانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض أي : لكونه كان جائزاً في شرعهم وإِلا لما أقرهم موسى على ذلك . قوله : ( لأدنى غرض ) أي بلا كراهة أيضاً ، وليس من الغرض حالة الجماع ، لأن السنة فيه أن يكونا مستترين سقاله ع ش على م ر . ورده الرشيدي وجعل حالة الجماع من الحاجة ، ونصه : ومن الغرض كما هو ظاهر غرض الجماع ، وسنّ الستر عنده لا يقتضي حرمته ، كما لا يخفي وإِلا لكان الستر واجباً خلافاً لما في الحاشية ، ويلزمه أن يقول بمثله في قضاء حاجة البشر ولا قائل به اه . ولا يرد على جواز كشفها لأدنى غرض تعليلهم وجوب الستر في غير الصلاة بأن الله تعالى يرى المستور متأدباً وغيره تاركاً للأدب ، لأن محل انتسابه إلى ترك الأدب عند انتفاء الغرض .(2/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
قوله : ( والغبار ) عطف خاص على عام . قوله : ( وغيره ) أي غير الكنس كأن كان هناك غبار من هواء . قوله : ( ولأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه ) ظاهره أنه علة عقلية ، وفي م ر ما يقتضي أنه بعض حديث ولفظه ( الله تعالى أحق أن يستحيا منه ) .
فإن قيل : ما فائدة الستر في الخلوة مع أن الله تعالى لا يحجب عن بصره شيء ؟ أجيب : بأن الله تعالى يرى عبده المستتر متأدباً دون غيره اه شرح الشارح على المنهاج . قوله : ( ولا يجب ستر عورته ) أي السوأتان للذكر وما بين السرة والركبة للمرأة حرة أو أمة . وقوله : عن نفسه أي في غير الصلاة أما فيها فواجب فلو رأى عورة نفسه في صلاته بطلت فعلى هذا يكون النظر حراماً ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى شرح م ر وعبارة المرحومي تنبيه العورة التي يجب سترها في الخلوة السوأتان فقط من الرجل وما بين السرة والركبة من المرأة . قوله : ( عن نفسه ) ومثل نفسه حليلته . قوله : ( بل يكره نظره إليها من غير حاجة ) ولو للرجل .
وحاصل ما يتعلق بالعورة أن يقال هي للرجال في الخلوة السوأتان ولغيره من أنثى وخنثى فيها أي الخلوة ، وبحضرة محرم ما بين السرة والركبة وعورته في الصلاة ، وبحضرة الرجال الأجانب ما بين السرة والركبة ، وبحضرة النساء جميع بدنه وشعره وعورة الحرة في الصلاة ما عدا الوجه والكفين ، وبحضرة الأجانب جميع بدنها . وقال الرافعي : يجوز النظر من الأجنبية لوجهها وكفيها من غير شهوة وكذا مذهب المالكية . أما الأمة فهي كالرجل في الصلاة وفي خارجها كالحرة فعورتها في الصلاة ما بين السرة والركبة وخارجها جميع بدنها ، وفي الخلوة ما بين السرة والركبة كما ذكره ابن قاسم اه ا ج .
قوله : ( لخبر البيهقي : وإذا زوّج أحدكم ) لعل الواو عاطفة على شير قبله وم ر . ذكر الرواية المذكورة من غير حرف العطف . قوله : ( عبده أو أجيره ) أي مثلاً . قوله : ( والعورة ) أي عورة الأحد المذكور في الحديث وهو السيد ، والمراد به فيه الذكر ، فلذلك احتاج الشارح إلى قياس الأمة عليه بقوله ومثل الذكر الخ فقوله : والعورة ما بين السرة والركبة من لفظ الحديث لأنه المقصود من الدليل ، فلو لم يكن من الحديث لما ثبت الحكم وتخصيص العورة في قوله :(2/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
والعورة ما بين الخ . بعورة الأحد المذكور في الحديث لأجل قول الشارح بعد ومثل الذكر الخ . وإِلا فلفظ العورة عام يشمل الرجل وغيره والأنثى الحرة خرجت عنه بدليل آخر ، ولذا أعيدت العورة بلفظها : ويكون القياس غير محتاج إليه حينئذ ، ولذا كتب الشوبري على قول المنهج وقيس بالرجل الخ ما نصه : لا حاجة إليه لأن لفظ العورة عام يشمل الرجل وغيره والأنثى الحرة خرجت عنه بدليل آخر ، وأبقى هذا العام بالنسبة للرجل والأمة على حاله اه بحروفه . قوله : ( بجامع أن رأس كل منهما الخ ) فيه أن مثل الرأس الصدر مثلاً ، فإنه غير عورة منهما فلماذا خص الرأس . وأجيب : بأنه إنما جعل الجامع الرأس لأن الجامع يشترط فيه أن يكون متفقاً عليه ، وكون الرأس منهما غير عورة متفق عليه أي عندنا وعند الحنفية بخلاف ما عداها ففيه خلاف . واعترض بأن هذا ليس علة للحكم حتى يصح جعله جامعاً . وأجيب : بأنه من قياس الشبه في الجملة كقياس البغال على الخيل في عدم وجوب الزكاة بجامع الشبه الصوري لا من قياس العلة ، وأيضاً فهو جامع إقناعي يقنع به الخصم وهو الحنفي ، لأنه يقول : إن الأمة كالحرة في الصلاة إِلا رأسها فنقول له قياسها على الرجل بهذا الجامع الذي تسلمه أولى اه .
قوله : ( فليسا من العورة على الأصح ) لكن يجب ستر بعضهما من باب ما لا يتم الواجب إِلا به فهو واجب . قوله : ( موضع الذي يقطع ) أي موضع الجزء الذي يقطع . وعبارة م د : والسرة محل السر الذي يقطع من المولو ، فالسر ما يقطع والسرة محله وجمعها سرر وسرائر اه . قوله : ( موصل ) بوزن مسجد أي محل وصل الفخذ بالساق . قوله : ( ركبتاه في يديه ) فهو مخالف للآدمي . قوله : ( وعرقوباه ) هما العظمان البارزان في وسط رجليه . قوله : ( وعورة الحرة ) أي في الصلاة . أما عورتها خارج الصلاة بالنسبة لنظر الأجنبي إليها فهي جميع بدنها حتى الوجه والكفين ولو عند أمن الفتنة ، ولو رقيقة فيحرم على الأجنبي أن ينظر إلى شيء من بدنها ولو قلامة ظفر منفصلاً منها ، والعبرة بروقت النظر ، وإن انفصل منها ذلك حالة الزوجية على الراجح وعورتها بالنسبة لمحارمها ومثلها في الخلوة ما بين السرة والركبة ، فلكل من الرجل والمرأة ثلاث عورات ، ولها عورة رابعة وهي ما عدا ما يبدو عند المهنة ، وذلك عند(2/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
النساء الكافرات ، ووجه احتمال حكاية ما رأته منها للكافر واغتفر ما يبدو عند المهنة لاحتياجها لكشف ذلك غالباً ، وكذا الرجل له ثلاث عورات : عورة في الصلاة وقد تقدمت وهي أيضاً عورته عند الرجال ومحارمه من النساء ، وعورة النظر وهي جميع بدنه بالنسبة للأجنبية ، وعورة الخلوة السوأتان فقط على المعتمد زي ، وظاهر أن الخنثى كالمرأة ، فلو علم الرجل أن المرأة تنظر إليه حرم عليه تمكينها بشيء من بدنه حتى يجب عليه إذا علم ذلك منها ستر جميع بدنه عنها حتى الوجه والكفين كذا أفتى به شيخنا زي ، وانتشرت المسألة في الجامع الأزهر ، فنازعوه في ذلك أشد المنازعة وقالوا : سبرنا كتب الحديث فلم نجد فيها أن الصحابة كانوا لهم براقع فبلغت المسئلة الشيخ م ر . فأفتى بما أفتى به زي فبطلت المنازعة اه ا ج على المنهج .
قوله : ( غير الوجه والكفين ) دخل في الغير باطن القدمين فيجب سترهما ولو بالأرض حالة القيام . قوله : ( إِلا ما ظهر منها ) فيه أنه يصير المعنى ولا يظهرن زينتهن إِلا ما ظهر منها ، وهو تحصيل حاصل . وأجيب : بأن معنى إِلا ما ظهر منها أي إِلا ما غلب ظهوره . وقوله : لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما قد يقال الحاجة تدعو إلى إبرازهما في غير الصلاة كقضاء الحوائج وهي مفقودة فيها . قوله : ( رقاً ) لا حاجة إليه ق ل أي : لأن الخنثى الرقيق لا يختلف حاله بالذكورة والأنوثة . قوله : ( لم تصح صلاته ) وعليه يجب القضاء وإن بان ذكراً للشك حال الصلاة ، ولأن الأصل شغل ذمته بها فلا يبرأ إِلا بيقين م ر . قوله : ( القطع به ) أي بالمذكور من الصحة . قوله : ( ويمكن الجمع الخ ) في هذا الجمع نظر ، إذ أصل الخلاف في قوله : فإن اقتصر الخنثى الحر على ستر ما بين سرته وركبته فقط ، والبغوي لم يذكر أنه دخل مستوراً كالحرة حتى يقول الشارح : وإن دخل مستوراً كالحرة الخ . إذ البغوي لم يقل هذه العبارة فتأمل . قال زي : وضعف شيخنا هدا الجمعد واعتمد البطلان مطلقاً ولسنا معه نحن مع الذي جمع والجمع أولى من التضعيف اه والمعتمد كلام م ر . قوله : ( بين العبارتين ) هما إن اقتصر الخنثى على ستر ما بين سرته وركبته لم تصح صلاته ، ومقابلها إن اقتصر الخنثى الحر على ستر ما بين سرته وركبته صحت صلاته ، فتحمل الأولى على ما إذا كان الاقتصار في الابتداء ، والثانية على ما إذا كان في الأثناء ، ولو قال الشارح بين القولين لكان أولى .(2/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
قوله : ( نظير ما قالوه في الجمعة ) خالف م ر فقال بالبطلان هنا مطلقاً وفرق بين الجمعة وما هنا بأن الشك هنا في شرط راجع لذات المصلي وهو الستر ، وما سيأتي في الجمعة شك في شرط راجع لغيره وهو تمام العذر ، فالمقيس عليه معتمد ، والمقيس ضعيف ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الذاتي اه . واعتمده ع ش . قوله : ( على من تلقاه الخ ) قال ا ج تلقيناه بقبول وانشراح صدر كما تلقاه مشايخنا عن شيخهم النور الزيادي . قوله : ( يمنع إدراك لون البشرة ) أي لمعتدل البصر عادة كما في نظائره كذا نقل بالدرس عن فتاوي الشارح ع ش على م ر . فلا يضر رؤية حديد البصر ، وكذا إذا رآها في الشمس دون الظل ع ش . وقدر الشارح لون ليفيد الاكتفاء بما يمنع اللون ، وإن لم يمنع الجرم كالسراويل الضيقة لكنه مكروه للمرأة ومثلها الخنثى ، وخلاف الأولى للرجل قال عميرة : وفيه وجه يبطلان الصلاة اه . وظاهره أنه في الرجل ونحو المرأة ، وعليه فكان الظاهر الكراهة في الرجل ونحو المرأة خروجاً من الخلاف إِلا أن يقال : إن هذا القول شاذ وليس كل خلاف يراعى اه اطفيحي . قوله : ( ولو بطين ) أي ولو سترها بطين . قوله : ( كما صاف ) والحاصل أنه متى قدر على اتمام الركوع والسجود في الماء من غير مشقة لا تحتمل عادة وجب عليه ذلك أو في الشط وجب بشرط أن لا يأتي بثلاث خطوات متوالية ، فإن كان هناك مشقة خير بين أن يصلي على الشط عارياً أو في الماء ثم يخرج إلى الشط ، وأما صلاة الجنازة وصلاة الإيماء فلا يأتي فيهما هذا التفصيل سم وح ل .
قوله : ( فلو رؤيت ) أي كانت بحيث ترى وإن لم تر بالفعل اه ا ج ، وعبارة ق ل على التحرير : فلو كانت بحيث ترى من طوقه مثلاً لسعته بطلت عند إمكان الرؤية في ركوعه وسجوده ، وإن لم تر بالفعل كما لو كان ذيله قصيراً بحيث لو ركع يرتفع عن بعض العورة ، فتبطل إذا لم يتداركه بالستر قبل ركوعه ولا يضر رؤيتها من أسفل كأن صلى في علو وتحته من(2/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
يرى عورته من ذيله اه . قوله : ( من طوق قميصه ) أو كمه لأنه من الأعلى اه ا ج . قوله : ( وله ستر بعضها بيده ) والفرق بين ما هنا وعدم حرمة ستر رأس المحرم بيده ، فلم يعتبروا الستر باليد في الإحرام فلم يوجبوا الفدية أن المدار ثم على ما فيه ترفه ، ولا ترفه في الستر بيده ، وهنا على ما يستر البشرة ، وهو حاصل باليد . وقوله : ( وله ستر بعضها ) أي : بل عليه إذا كان في ساتر عورته خرق ولم يجد ما يسده غير يده كما هو ظاهر ع ش على م ر ، فإن لم يكن عنده شيء أصلاً يستتر به لا يجب عليه وضع يده على أحد سوأتيه بلا مس ناقض كما اعتمده سم وع ش . ويمكن حمل قول الشارح وله على هذه الحالة خلافاً للقليوبي حيث قال : وله ستر بعضها أي : يجب عند فقد غيره ، وإن كان عارياً وفي شرح م ر : وله ستر بعضها أي من غير السوأتين أو منهما بلامس ناقض اه . وإذا تعارض عليه السجود والستر بيده قيل يقدم السجود ، لأنه ركن والستر شرط ، وقيل يقدم الستر لاتفاق الشيخين عليه بخلاف السجود ، لأن الرافعي يقول بعدم وجوب وضع يده في السجود ، لأن الواجب عنده وضع الجبهة فقط وعبارة م د على التحرير ، وإذا تعارض السجود والستر قدم السجود على المعتمد ، فيجب عليه وضع يده ويترك الستر ، لأن الشارع أوجب عليه وضع الأعضاء السبعة فصار حينئذ عاجزاً عن الستر ، والستر لا يجب إِلا عند القدرة ، وله في تلك الحالة إتمام الركوع والسجود أي بأن يأتي بأذكارهما بدليل قول الشارح فيما سبق ، فإن عجز عن ذلك صلى عارياً وأتم ركوعه وسجوده اه ملخصاً من ق ل وع ش و خ ض .
قوله : ( لحصول المقصود من الستر ) وأما سترها بيد غيره فيكفي قطعاً اه ل ط ف قوله : ( قدم ) أي الشخص ذكراً كان أو غيره ولو وجد سترة تستر بعض قبله وتستر جميع دبره وجب عليه ستر الدبر كما قرره شيخنا البشبيشي تبعاً لغيره وانظر لو وجد كافي القبل وزاد قدراً يكفي الدبر أو بعضه هل يجب القطع قال شيخنا ينبغي أن يقال إن نقص بالقطع عن أجرة ما يستر به الدبر لا يجب وإلا وجب قياساً على الثوب الذي تنجس بعضه اه ا ج قوله : ( لأنه متوجه به للقبلة ) قضية هذا التعليل اختصاص ذلك بالصلاة وليس مراداً بل يجب ستر القبل مطلقاً فقد عللوا بعلة أخرى وهي قولهم ولأن الدبر مستور بالأليتين غالباً قال زي قضية التعليل الأول اختصاص ذلك بالصلاة والثاني عدمه وهو الأوجه اه ا ج قوله : ( إن كان هناك رجل ) أي ويخير عند الخنثى أو الفريقين كما يقتضيه قوله تخير .(2/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
قوله : ( فقط ) يفيد أنه لم يجد نحو الطين ويفهم أنه لو وجده لم يصلّ في الحرير وبه أجاب م ر سائله عنه وينبغي كما وقف عليه م ر جواز الصلاة في الحرير مع وجود نحو الطين إذا أخلّ بمروءته وحشمته فليراجع كما ذلك وليحرر سم على المنهج . أقول وينبغي أن محو الطين الحشيش والورق حيث أخل بمروءته فيجوز له لبس الحرير أما لو لم يجد ما يستر به إلا نحو الطين وكان يخل بمروءته فهل يجب عليه ذلك أو لا ؟ . فيه نظر والظاهر الأول وأنه يكون في هذه الحالة لا يخل بالمروءة اه ع ش على م ر قوله : ( لزمه الستربه ) أي في الصلاة مطلقاً وعند الأجانب عند فقد غيره ولو نجسا أو طيناً ق ل قوله : ( ولا يلزمه قطع ) أي إن نقص ولو يسيرا في الأوجه م ر سم ا ج قوله : ( وجب عليها أن تستر رأسها ) أي فوراً من غير أفعال مبطلة فإن مضت مدة أو لزم على تناوله والستر به أفعاله مبطلة بطلت صلاتها اه ا ج .
قوله : ( للرجل ) وكذا للمرأة لا بحضرة أجنبي ق ل . فالمفهوم فيه تفصيل .
قوله : ( أحسن ثيابه ) وأن يتقمص ويتعمم ويتطيلس ويرتدي ويتزر أو يتسرول فكل واحدة سنة مستقلة : قال الدميري : وفي تاريخ أصبهان أن النبي قال : ( إِن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل ) اه ا ج . قوله : ( في ثوب فيه صورة ) أي ظاهرة ولو أعمى ، أو في ظلمة أو كانت الصورة خلف ظهره ، أو ملاقية للأرض بحيث لا يراها إذا صلى عليه تباعداً عما فيه الصورة المنهي عنها ع ش على م ر . وقوله : ( فيه صورة ) أي مثلاً ، والمراد ما فيه شيء يلهي كما في ق ل فشمل ما فيه خطوط قوله : ( متلثماً ) قال الجوهري : اللثام ما كان على الفم من النقاب واللفام ما كان على الأرنبة اه مرحومي . قوله : ( فلا يجوز لها رفع النقاب ) أي بشرط أن تكون جبهتها مكشوفة عند السجود . قوله : ( وعجز عما يطهره به ) فلو قدر على ما يطهره به ، ولكن(2/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
لم يتأت غسله إِلا بخروج الوقت وجب ويصلي بعد الوقت ، ولا يصلي عارياً في الوقت كما حكى الطبري الاتفاق على ذلك اه سم . قوله : ( صلى عارياً ) أي الفرائض والسنن ع ش على م ر . أي عند ضيق الوقت فيما يظهر وعبارة م د على التحرير قوله : ( صلى ) أي عند ضيق الوقت أو اليأس عادة من حصول ساتر معتبر فيما يظهر . وقوله : عارياً . وأتم الأركان ولو اضطر للبس ما تعذر غسله لنحو شدة حرّ أو برد صلى أي عند ضيق الوقت أو اليأس كما ذكر فيما يظهر أيضاً فيه ، وأعاد سم في شرح الغاية وعبارته في الصلاة فاقد الطهورين ، ولا يشترط لصحة صلاته ضيق الوقت ، بل إنما يمتنع عليه الصلاة ما دام يرجو أحد الطهورين كما قال الأذرعي وهو ظاهر ، وأفتى به الوالد شرح م ر . ولا يعرف من يباح له فرض دون نفل إِلا من عدم الماء والتراب أو عدم السترة أو كان عليها نجاسة وعجز عن إزالتها ذكره في الروضة ، وما ذكره في عدم الستر مبني على أنه يلزمه الإعادة ، والأصح أنها لا تلزمه فيباح له النفل أيضاً ، كذا بخط شيخنا العلامة الشنواني اه خ ض .
قوله : ( ولا إعادة عليه إن قدر ) أي لأن هذا عذر نادر وإن وقع لا يدوم . قوله : ( هبته ) أي الثوب ، أما لو كان الساتر طيناً وجب قبوله كما في متن الروض ، وذكره المدابغي على التحرير بقوله : نعم عليه قبول نحو الطين مما لا منة فيه اه . قوله : ( بل يصلي عارياً ) ولو إماماً وخطيباً كما في فتاوى م ر . قوله : ( ولو أعاره ) أي ولو أعار شخص الثوب لمريد الصلاة لزمه قبوله ، ويظهر وجوب سؤال العارية كقبولها اه ق ل . قوله : ( فهو كالماء في التيمم ) فإن كان واجداً للثمن فاضلاً عن مؤنته ومؤنة ممونة يوماً وليلة لزمه قبوله ، وإِلا فلا . وهذا أحسن مما قاله م د . لأن الفرض أن البائع غير مريد الصلاة والمشتري مريدها كما فهمه ق ل . قوله : ( الوقوف على مكان طاهر ) الوقوف ليس بقيد ، بل مثله القعود كما يأتي قوله : ( يلاقي بعض بدنه أو لباسه نجاسة ) خرج بالملاقي غيره ، فإنه لا يضر . نعم يغتفر ملاقاة نجاسة جافة فارقها حالاً أو رطبة وألقى ما وقعت عليه حالاً من غير حمل ، ولو في مسجد ، لكن إن لزم على إلقائها تنجس(2/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
المسجد واتسع الوقت وجب عليه إلقاؤها خارجه ، وتبطل صلاته ، وإن ضاق الوقت ألقاها في المسجد وكمل صلاته ، ثم يغسل المسجد بعد ذلك اه برماوي . قوله : ( العلم بدخول الوقت ) المراد بالعلم ما يشمل الظن ولو بالاجتهاد ق ل ، ولا يخفى أن الوقت أهم شروط الصلاة ، فكان الأنسب تقديمه على بقية الشروط ، لأن بدخوله تجب الصلاة وبخروجه تفوت كما قاله خ ض وزي . قوله : ( وعدم ثقة الخ ) جملة فعلية ماضوية حالية بتقدير قد ، فإن وجد ثقة يخبر عن علم ولو عدل رواية أو سمع أذانه في صحو أو أذان مأذونه أي الثقة بأن أذن الميقاتي الثقة المؤذن ولو صبياً مأموناً في ذلك ، أو رأى مزولة وضعها عارف ثقة لأنه كالمخبر عن علم ومثلها منكاب مجرب ، وأقوى منهما بيت الإبرة المعروف لعارف فلا يجتهد مع وجود شيء مما ذكر ا ج نقلاً عن ق ل على الجلال .
قوله : ( اجتهد ) نعم لا يجوز الاجتهاد مع بيت الإبرة المعروف ولا مع الزوال التي وضعها العارفون أو أقروها ق ل . ومثلها منكاب مجرب ، فلو اجتهد وصلى فبان خلافه وقعت الصلاة نفلاً مطلقاً ، ومحله ما لم يكن عليه شيء من جنسها ، فإنها تقوم مقامه وإن عين صلاة . قال م ر في الشرح عند قول المتن : والأصح أنه يصح نية الأداء بنية القضاء حيث جهل الحال لغيمه ونحوه فظن بقاء وقتها ، فنواها أداء فتبين خروجه ، إذ يستعمل القضاء بمعنى الأداء وعكسه قال تعالى : ) فإذا قضيتم مناسككم } ^ أي أديتموها . ولو نوى الأداء عن القضاء وعكسه عالماً عامداً لم تصح لتلاعبه ، نعم إن قصد بذلك معناه اللغوي لم يضر ، ولا يشترط أن يتعرض للوقت كاليوم ، إذ لا يجب التعرض للشروط فلو عين اليوم ، وأخطأ صح في الأداء ، لأن الوقت المتعين للفعل بالشرع يلغي خطؤه فيه ، وكذا في القضاء كما يقتضيه كلامهما في التيمم وهو المعتمد .
ووقع في الفتاوى للبارزي أن رجلاً كان في موضع مدة عشرين سنة يتراءى له الفجر فيصلي الصبح ، ثم تبين له خطؤه فماذا يجب عليه ؟ فأجاب بأنه لا يجب عليه إِلا قضاء صلاة واحدة ، لأن صلاة كل يوم تكون قضاء عن صلاة اليوم الذي قبله ، وما أفتى به البارزي أفتى به الوالد ، وإن نوزع فيه ، وظاهره سواء قصد فرض ذلك الوقت الذي ظن دخوله أم لا ؟ وهو كذلك كما نقله الشيخ عبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الأجهوري في حاشيته على خ ط عن شيخه . واعتمده خلافاً لسم على حج ولما في فتاوى م ر قال : ويصرح به أي بالظاهر المذكور قول م ر .
وسئل أي الوالد أيضاً عمن عليه ظهر يوم الأربعاء فقط فصلى ظهراً نوى به قضاء ظهر(2/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
يوم الخميس فهل تقع عما عليه لأنه عين ما يجب تعيينه وأخطأ فيه أو لا ؟ كما في الإمام والجنازة . فأجاب : بأنه يقع عما عليه بما ذكر كما اقتضاه كلام الشيخين ، وإن خالف فيه بعضهم اه قوله : كما في الإمام والجنازة أي : إذا عين المأموم وأخطأ ولم يشر له ، أو عين المصلي على الجنازة شخصاً فقال : نويت أصلي على زيد الميت فبان عمراً ولم يشر ، فإن الصلاة تبطل .
قوله : ( بورد ) ومنه المنكاب الذي لم تتيقن صحته ق ل . قوله : ( ونحو ذلك ) معطوف على قوله بورد لا على الأمثلة ، إذ الخياطة وما بعدها ليسا من الورد . قوله : ( ديك ) يحتمل أو حيوان آخر مجرب سم على حج . قال الدميري في حياة الحيوان : وهو يعني الديك أبله الطبع لم يألف زوجة واحدة ولا حنوّ له على فراخه ، وإذا سقط من حائط أنتول ولم يهتد لدار أهله ، ومن خصاله الحميدة معرفة الأوقات فيسقط صياحه عليها ، سواء طالت أو قصرت ، حتى إن بعض العلماء أفتى بجواز الاعتماد عليه في أوقات الصلاة ويقظته ليلاً ورؤيته الملائكة قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها ترى ملكاً ) وبركتها في الدار لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقتنيه في البيت وغيرته على إناثه ، فإذا رأى معها ديكاً غيره قاتله قتالاً شديداً يقرب من الهلاك ، وقد يأتلف الديكان من الصغر ، لكن لا يسفد أحدهما بحضرة الآخر ، ومتى فعل قاتله ، وقد رأيت ذلك مراراً وحنوّه عليها ، فلو رأى حبة آثرها بها وتسويته بينهما فلا يؤثر واحدة على أخرى ، بل العتيقة الرفيعة الناشفة والصغيرة السمينة الطرية عنده سواء ، لكن هذا من بلاهة طبعه قيل : إن الشيطان لا يدخل بيتاً فيه ديك خصوصاً الأبيض الأفرق ، لما روي أن النبي قال : ( الديك الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل يحرس بيته وستة عشر بيتاً من جيرانه ) وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام كان له ديك أبيض . وقال الحافظ : زعم أهل التجربة أن من ذبح ديكاً أبيض أفرق لم يزل ينكب أي يصاب في ماله . وروي : ( إن لله ديكاً أبيض جناحاه مشوبان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ جناح بالمشرق وجناح بالمغرب رأسه ) . وفي لفظ : ( عنقه تحت العرش وقوائمه في الهواء ) . وفي رواية : ( رجلاه في تخوم الأرض يؤذن في كل سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات والأرض إلا الثقلين الإنس والجن فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض ، فإذا دنا يوم القيامة قال الله : ضم جناحيك وغض صوتك ، فيعلم أهل السموات والأرض إلا الثقلين أن الساعة قد اقتربت ) . وفي رواية : ( إذا كان من الليل صاح سبوح قدوس ) . وروي يقول في سحر كل ليلة : ( سبحان الملك القدوس ربنا الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن لا إله غيره ) . وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله أذن لي أن أحدّث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثبتة تحت العرش يقول : سبحانك ما أعظم شأنك ) .(2/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
وروى الغزالي عن ميمون بن مهران قال : ( بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك ، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وقال : ليقم القائمون ، وإذا مضى نصف الليل قال : ليقم المصلون ، وإذا طلع الفجر قال : ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم ) .
وروى الثعلبي أن النبي قال : ( ثلاثة أصوات يحبهم الله صوت الديك وصوت القارىء وصوت المستغفرين بالأسحار ) .
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، أن النبي قال : ( لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ) إسناده جيد ، وفي لفظ : ( فإنه يدعو إلى الصلاة ) . قال الإمام الحليمي قوله : يدعو إلى الصلاة فيه دليل أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب بل حقه أن يكرم ويشكر ويتلقى بالإحسان ، وليس معنى دعاء الديك إلى الصلاة أنه يقول بصراخه حقيقة الصلاة وقد حانت الصلاة ، بل معناه أن العادة قد جرت بأنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله تعالى عليها ، فيذكر الناس بصراخه الصلاة ، ولا يجوز لهم أن يصلوا بصراخه من غير دلالة سواه إلا من جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة والله أعلم .
ويروى : ( إن الله تعالى خلق ملكاً تحت العرش وله أربعة أوجه بين الوجه والوجه ألف عام . الأول : ينظر به إلى الجنة ويقول طوبى لمن دخلك . والثاني : ينظر به إلى النار ويقول ويل لمن دخلك . والثالث ينظر به إلى العرش ويقول سبحانك ما أعظمك . والرابع : يخر به ساجداً ويقول : سبحان ربي الأعلى ، وله خمس حركات في اليوم والليلة عند أوقات الصلاة ، فيقال له : اسكن . فيقول : كيف أسكن وقد جاء وقت فريضتك على محمد ؟ فيقال له : اسكن فقد غفرت لمن توضأ وصلى من أمة محمد ) . وقيل : ( يقول الله تعالى يوم القيامة : يا محمد أنا وضعت على عبادي الفرائض وأنت وضعت النوافل ، فالضمان عليك فمنك الشفاعة ومنا الرحمة ، وإذا صلى المؤمن صلاة وتقبلها الله منه خلق الله من صلاته صورة في الملكوت تركع وتسجد إلى يوم القيامة ويكون ثواب ذلك لمن صلى ) . اه ذكره ابن عطاء الله في لطائف المنن .
تنبيه : مراتب الوقت ثلاثة : العلم بنفسه أو بخبر الثقة عن علم أو بيت الإبرة أو المزاول المجربة أو الساعات الصحيحة ، هذه الأربعة في مرتبة العلم بالوقت ، ثم الاجتهاد تم تقليد المجتهد ونظمها بعضهم فقال :
قدم لنفسك علم الوقت واجتهدا
من بعد ثمت قلد فيه مجتهدا
والمزولات وبيت الإبرة إن صدقا
إخبار عدل بمعنى العلم فاعتقدا
ومراتب معرفة القبلة أربعة العلم بنفسه ثم يقول الثقة ثم الاجتهاد ثم تقليد المجتهد .(2/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
قوله : ( وللأعمى الخ ) أي وإن قدر على الاجتهاد كما أشار له بقوله لعجزه أي الأعمى في الجملة أي في بعض الصور وهو ما إذا كان الأعمى عاجزاً . قوله : ( أما إذا أخبره ثقة ) إخباره ليس بقيد بل مثله إمكان سؤاله ، فإذا مكن سؤاله وجب عليه السؤال ، وبهذا اندفع ما لبعضهم هنا من أن المراد بالإخبار الإخبار بالفعل فتأمل . قوله : ( إذا علم ) أي تيقن علمها وفي نسخة علم عينها وهي ظاهرة . قوله : ( ولا يجوز له ) أي البصير القادر : قوله : ( حتى لو أخبره عن اجتهاد ) خرج به ما لو أخبره عن علم ، فإنه تجب عليه الإعادة اه . مرحومي : قوله : ( فلا يتقاعد عن الديك ) أي لا تقصر رتبته عن الديك المجرب . وفي هذا الكلام نظر ، فإن صوت الديك لا يعتمده من غير اجتهاد ، بخلاف المؤذن فإنه لا يحتاج إلى اجتهاد في تقليده على به تأمل اه مرحومي ، ففي عبارة الشارح مساهلة . قوله : ( البندنيجي ) بفتح أوّله والمهملة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية وجيم ، نسبة إلى بندنيجين بلفظ المثنى بلدة قرب بغداد اه من اللب للسيوطي . قوله : ( ولو كثر المؤذنون ) أي ولم يقلد بعضهم بعضاً كما هو الغالب ، لا سيما بمصر ، أما إذا قلد بعضهم بعضاً ، فهم وإن كثروا كالواحد وهذا أعني قوله : ولو كثر المؤذنون تقييد لمحل الخلاف ، فكأنه قال محله إن لم يكثر المؤذنون ، فإن كثروا وكانوا ثقات عارفين جاز تقليدهم مطلقاً في الصحو والغيم من غير خلاف . قوله : ( أعاد مطلقاً ) أي وإن ضاق الوقت ، ويحرم عليه لما علل به في الصحو والغيم من غير خلاف . قوله : ( وعلى المجتهد ) أي وجوباً لتوقف صحة الصلاة على غلبة ظن دخول الوقت خلافاً للقيلوبي حيث(2/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
حمله على الجواز . قوله : ( ويعمل المنجم ) وجوباً لنفسه ولمن أخبره وصدّقه فقوله جوازا بمعنى الوجوب ، لأنه بعد المنع ويصرح به تشبيهه بالصوم ق ل . قوله : ( كما يؤخذ الخ ) يرجع لقوله ويعمل المنجم . قوله : ( استقبال القبلة ) أي مواجهة عين الكعبة فأل في القبلة للعهد ، ولا يكفي استقبال الشاذروان ولا الحجر بكسر الحاء مناوي ، ولو قال المصنف : والتوجه لكان أخصر وسميت قبلة لأن المصلي يقابلها وكعبة لقربها من التربيع المسمى بالمكعب ق ل . وقيل : لتكعبها أي تربعها وهي مرتفعة سبعة وعشرين ذراعاً وطول الباب ستة أذرع وعشرة أصابع وعرضه أربعة أذرع وأحجارها من خمسة جبال طور سينا والجودي وحرا وأبي قبيس وثبير ، والمراد استقبال عينها يقيناً مع القرب وظناً مع البعد عند إمامنا الشافعي ، ودليله الشطر في الآية ، لأنه العين لغة وتفسيره بالجهة اصطلاح لبعض الفقهاء ، وكان عليه الصلاة والسلام أوّل أمره يستقبل بيت المقدس ، قيل بأمر ، وقيل برأيه . وكان يجعل الكعبة بينه وبينه فيقف بين اليمانيين ، فلما هاجر استدبرها فشق عليه فسأل جبريل أن يسأل ربه التحوّل إليها فنزل ) فول وجهك } ^ الآية وقد صلى ركعتين من الظهر فتحوّل وما في البخاري : ( إن أوّل صلاة صليت للكعبة العصر ) . أي : كاملة . وكان التحوّل في رجب بعد الهجرة بستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ، وقيل غير ذلك . قال السيوطي ، قال ابن العربي : نسخ الله القبلة مرتين أي مرة نسخت الكعبة لبيت المقدس ، ومرة نسخ بيت المقدس بالكعبة ، فالنسخ للقبلة من حيث هي ، ونكاح المتعة مرتين ، ولحوم الحمر الأهلية مرتين ، ولا أحفظ رابعاً . وقال أبو العباس العوفي : رابعها الوضوء مما مست النار ، وقد نظمت ذلك فقلت :
وأربع تكرر النسخ لها
جاءت بها النصوص والآثار
لقبلة ومتعة وحمر
كذا الوضو مما تمس النار
وفي بعض النسخ وخمرة بدل حمر ، فقد قال سيدي علي الأجهوري في شرح مختصر البخاري : وليست الحمر الأهلية مما تكرر نسخها كما توهمه بعضهم ، وقوله : لقبلة متعلق بجاءت ، أما الاستقبال فقد بينه الله تعالى في كتابه بقوله : ) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } ^ أي أوّلاً وهي الكعبة ، وكان يصلي إليها ، فلما هاجر أمر(2/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
باستقبال بيت المقدس تأليفاً لليهود وصلى إليه ستة أو سبعة أشهر ثم حوّل إلى الكعبة كما دل عليه قوله تعالى : ) قد نرى تقلب وجهك في السماء } ^ متطلعاً إلى الوحي متشوقاً للأمر بالاستقبال إلى الكعبة ، وكان يودّ ذلك لأنها قبلة إبراهيم ، ولأنه ادعى إلى الإسلام أي إسلام العرب : ) فلنولينك قبلة ترضاها } ^ تحبها ) فول وجهك شطر المسجد الحرام } ^ أي الكعبة .
فائدة : كل موضع ذكر فيه المسجد الحرام فالمراد به جميع الحرم إِلا قوله : فول وجهك الخ . قوله : ( بالصدر ) حقيقة في الواقف والجالس ونحوهما وحكماً في الراكع والساجد ونحوهما . قال شيخنا الحفني : ولو صلى مضطجعاً أو مستلقياً ، فالاستقبال بمقدم البدن أي الصدر والوجه ، والمستلقي لا بد أن تكون أخمصاه مع وجهه للقبلة فتقييد الشارح بالصدر بالنظر للغالب ، وكذا قوله لا بالوجه فالالتفات بالوجه غير مبطل بل هو مكروه . قوله : ( لا بالوجه ) أي لا يكفي الوجه وحده بدون الصدر ولا يجب الاستقبال به مع غيره ، نعم يجب مع غيره في المضطجع فيجب بالوجه ومقدم البدن والمستلقي كذلك مع أخمصيه ، ويجب رفع رأسه قليلاً إن أمكن ، والمراد بالصدر جميع عرض البدن ، فلو استقبل طرفها فخرج شيء من العرض عن محاذاته لم يصح كما قاله حج . والمراد بقول الشارح لا بالوجه أي مثلاً أي : ولا باليد مثلاً وإنما خص الوجه لأنه محل التوهم . قوله : ( فول وجهك ) أي ذاتك من إطلاق الجزء على الكل ، وهذا التأويل متعين لئلا يلزم تعين الاستقبال بالوجه ا ج . والمراد بالذات بعضها كالصدر فهو مجاز مبني على مجاز . قوله : ( أي نحو المسجد الحرام ) أي عينه . وفي الخادم ليس المراد بالعين الجدار بل أمر اصطلاحي ، أي : وهو سمت البيت وهواؤه إلى السماء السابعة والأرض السابعة حج شوبري . قال زي : والجهة تطلق على العين وإطلاقها على غيرها مجاز ، بل ادعى بعضهم أنها لا تطلق إِلا على العين اه أي وهو الذي نقل عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه . وقال ق ل قوله : أي نحو المسجد لم يقل عينه مع أنه معنى الشطر لغة لأجل الإجماع الآتي اه . وفي ع ش على المواهب ما نصه : اعلم أن النبيّ صلى أوّلاً إلى الكعبة ، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة ، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهراً ، ثم وجهه الله إلى الكعبة وليست صلاته باجتهاد بل بأمر الله عز وجل كما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما . قوله : ( والاستقبال لا يجب في غير الصلاة ) لا حاجة إليه ، لأن سياق الكلام في الصلاة أي وهو قوله تعالى : ) وما كان الله ليضيع إيمانكم } ^ فإن المراد به الصلاة ، فالكلام فيها فلا حاجة إلى قوله والاستقبال الخ . قوله : ( الأنصاري ) النسبة إلى الجمع إنما تصح باعتبار المفرد ، فكان الأولى أن يقول الناصري شوبري ، إِلا أن يقال إن هذا الجمع صار(2/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
علماً بالغلبة على الأوس والخزرج ، فصحت النسبة إليه لأنه صار مفرداً كما قال ابن مالك :
والواحد اذكر ناسباً للجمع
إن لم يشابه واحداً بالوضع
قوله : ( إذا قمت إلى الصلاة ) أي أردت القيام إليها . قوله : ( وروي الخ ) أي رواه الشيخان كما في شرح المنهج ، وأتى بهذا ليبين المراد من الآية لأن المسجد عام زي ، فيكون من إطلاق الكل وإرادة الجزء وقوله مع خبر صلوا الخ . أتي بهذا لأن قوله هذه القبلة لا يدل على وجوب الاستقبال لعدم وجود صيغة أمر فيه ، وأيضاً يحتمل الخصوصية كما ذكره ع ش على المنهج . قوله : ( قبل ) بضم القاف والباء الموحدة معاً ويجوز إسكان الموحدة أي مقابلها ق ل . قوله : ( فلا تصح الصلاة بدونه إجماعاً ) فيه أن إجماعاً المتبادر منه إجماع الأئمة الأربعة ، مع أن بعضهم لم يشترط التوجه للعين ، بل اكتفى بالتوجه للجهة وهو الإمام مالك وأبو حنيفة ، وقول عندنا حكاه في التنبيه والضمير في بدونه راجع للتوجه للعين المتقدم وقد يجاب بأن في الكلام شبه استخدام فذكر التوجه أولا بمعنى وهو العين ، وأعاد عليه الضمير في بدونه بمعنى آخر أعم من أن يكون توجهاً للعين أو للجهة ، وحينئذ فصح قوله إجماعاً بالنسبة لكل الأئمة لأنه يجب استقبال الجهة بإجماع المذاهب كلها ، والخلاف إنما هو في العين أو الجهة . وأجاب بعضهم في هذا المقام : بأن قول الشارح إجماعاً أي مذهبياً وهو مردود لأن لنا قولاً حكاه شيخ الإسلام في شرح البهجة أنه يكفي استقبال الجهة .
قوله : ( والفرض ) بالفاء والراء الساكنة . قوله : ( يقيناً ) أي برؤية أو مسّ ق ل . أو لعرصتها عند انهدامها والعياذ بالله تعالى ، لأن هواء البيت في حق الخارج عنه منزل منزلته بدليل صحة الصلاة على أعلى منه كجبل أبي قبيس اه زي . وهما أعني قوله يقيناً وظناً منصوبان على الحالية . قوله : ( فلو خرج عن محاذاة الكعبة ) أي جرمها أو هوائها ق ل . قوله : ( وخرج عنه ) أي عن الطرف . قوله : ( ببعضه ) أي ببعض بدنه . قوله : ( بطلت صلاته ) أي إن(2/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
وقع في أثنائها ، فإن كان في ابتدائها ، فلا تنعقد فمراده بالبطلان ما يشمل عدم الانعقاد كما في ا ج . قوله : ( بقرب الكعبة ) ولو بأخريات المسجد . قوله : ( ولا شك الخ ) مفهوم قوله بقرب الكعبة ، فكان الأظهر أن يقول أما إذا بعدوا . قوله : ( حاذوها ) بفتح الذال المعجمة . قوله : ( وإن طال الصف جداً ) .
والحاصل أنه إذا امتد الصف من المشرق إلى المغرب صحت صلاتهم ، لكن مع انحراف من بطرفيه ، أما إذا بعد ولو كثيراً ولم يبلغ الحد المذكور ولو كان بينه وبين الإمام قدر سمتها أي : الكعبة مراراً من جهة يمينه ومن جهة شماله ، فإن الصلاة صحيحة ولا ينحرف اه هذا ما انحط عليه كلام م ر ومتابعيه اه ا ج .
قوله : ( واستشكل ) أي القول بالصحة مع البعد وإن طال الصف ، وقوله : ( بأن ذلك ) المحاذاة المذكورة والمستشكل هو الفارقي ، ووجه الإشكال أن الخارجين عن سمتها لا يكونون محاذين لها إِلا مع الانحراف ، فإذا لم ينحرفوا لم يكونوا محاذين لها فمقتضاه بطلان صلاتهم مع حكمهم بصحتها ، والإشكال جار في الخارجين عن سمتها ، وإن لم يمتدوا إلى المشرق خلافاً للأجهوري . وأجاب ابن الصباغ : بأن المخطىء فيها غير متعين نظير ما يأتي فيما لو صلى أربع ركعات لأربع جهات ، ولا بطلان مع الشك في وجود المبطل م ر . والمراد بالمخطىء غير المحاذي لسمتها . وقوله : غير متعين لأن كلاً من المصلين مع البعد عنها يظن أنه محاذ لها لعدم مشاهدته لها واستشكل بأن مكة وسط البلاد فالخارج عن الوسط كيف يكون محاذياً للكعبة . قوله : ( خارجاً عن الركن ) لأنه وإن خرج عن الركن لكنه مستقبل لبنائها ، والمضر إنما هو خروجه عن بنائها ، وأل في الركن للجنس أي أيّ ركن كان اه ع ش . قوله : ( أسقط المصنف شرطاً سادساً ) لو أخر هذا التنبيه بعد تمام الكلام على الاستقبال لكان أولى كما يدركه أهل الذوق والكمال ووجه إسقاطه له أنه عام في الصلاة وغيرها من العبادات كالوضوء والصوم والحج ونحو ذلك . قوله : ( وهو العلم بكيفية الصلاة ) كيفية الشيء صفته(2/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
فكيفية الصلاة صفتها ، وهي ترتيب أركانها فقوله بأن يعلم فرضيتها قدر زائد على كيفيتها لا حقيقة كيفيتها لكنه قيد في العلم بالكيفية المذكورة . و قوله : وكان عامياً فسر العامي هنا بأنه من لم يميز بين الفرض والسنة والعالم يخالفه قاله الرملي ، وعليه فيكون قولهم : وكان عامياً ضائعاً بعد قولهم ولم يميز وفسره بعضهم ، وذكره م ر أيضاً بمن لم يحصل من الفقه طرفاً يهتدي به إلى الباقي ، والذي اختاره شيخنا الحفناوي وارتضاه أن المراد بالعامي هنا من لم يشتغل بالعلم زمناً يمكنه فيه معرفة تلك الكيفية ، والعالم بخلافه . وهذا هو المختار لعدم إيراد شيء عليه . قوله : ( إن اعتقدها كلها فرضاً ) أي وإن كان عالماً بدليل ما بعده فقوله ، وكان عامياً راجع للمسألة التي بعدها ، كما في ح ل على المنهج قوله : ( ولم يقصد فرضاً بنفل ) أي لم يعتقد فرضاً نفلاً فالباء زائدة ولو قدم الباء فوصلها بلفظ الفرض كان أولى بأن يقول ولم يقصد بفرض نفلاً كما في بعض النسخ . قوله : ( في حالتين ) وجعل بعضهم الصور المستثنيات ستاً فقال : الاستقبال شرط إِلا في شدة خوف ، ونقل سفر وغريق على لوح لا يمكنه الاستقبال ومربوط لغير القبلة وعاجز لم يجد موجها وخائف من نزوله عن راحلته على نفس أو مال أو انقطاعاً عن رفقة مناوي على التحرير . قوله : ( في شدة الخوف ) من الخوف المجوّز لترك الاستقبال أن يكون شخص في أرض مغصوبة ، وخاف فوت الوقت ، فله أن يحرم ويتوجه للخروج ويصلي بالإيماء حينئذ م ر . قال الأذرعي : وينبغي وجوب القضاء للتقصير كما نقله عن الناشري اه خ ض . قوله : ( فما يباح من قتال ) متعلق بالخوف . وفي للسببية أي بسبب ما يباح ، وعبارة شرح المنهج مما يباح وقوله من قتال أي : مما يباح له فعله كقتال ودفع صائل ويدخل فيه الفرار من سبع أو نار أو سيل أو غيره مما يباح الفرار منه كما قاله ع ش . ومثله من خطف نعله ، فله تلك الصلاة ، والمراد بالمباح ما ليس بحرام فيشمل الواجب والمندوب . قال سم : وإنما يصلي عند ضيق الوقت كما شرطه ابن الرفعة وغيره . قوله : ( فليس التوجه بشرط فيها ) نعم إن أمن امتنع عليه فعل ذلك حتى لو كان راكباً وأمن ، وأراد أن ينزل اشترط أن لا يستدبر القبلة في نزوله ، فإن استدبرها بطلت صلاته بالاتفاق اه م ر . قوله : ( مستقبلي القبلة ) زائد على ما يفهم من الآية .(2/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
قوله : ( في التفسير ) أي في كتاب التفسير في البخاري فسر فيه بعض آيات . قوله : ( قائماً إلى غير القبلة ) أي بأن كان يأمن العدوّ في هذه الحالة دون غيرها . قوله : ( وراكباً إلى القبلة ) أي مع القعود بأن كان يأمن العدو حالة الركوب .
قوله : ( النافلة ) ولو عبداً وركعتي الطواف ، وفي حكمها سجدة التلاوة والشكر . قوله : ( في السفر المباح ) حاصله أنه يجوز ترك استقبال القبلة في النافلة بشروط : أحدها : أن يكون ذلك فيما يسمى سفراً ولو قصيراً . ثانيها : أن يكون السفر مباحاً . ثالثها : أن يقصد قطع المسافة المسمى قطعها سفراً . رابعها : ترك الأفعال الكثيرة كركض وعدو بلا حاجة . خامسها : دوام السفر فلو صار مقيماً في أثناء الصلاة أتمها على الأرض مستقبلاً . سادسها : دوام السير فلو نزل أثناء صلاته لزمه إتمامها للقبلة قبل ركوبه أي إذا استمر على الصلاة ، وإِلا فالخروج من النافلة لا يحرم . سابعها : عدم وطء النجاسة مطلقاً عمداً وكذا نسياناً في نجاسة رطبة غير معفو عنها ولو وقف لاستراحة أو لانتظار رفقة لزمه الاستقبال ما دام واقفاً ولا يلزمه إتمام الأركان اه ح ل وفي شرح م ر .
وفي الكفاية عن الأصحاب : أنه لو وقف لاستراحة أو انتظار رفقة لزمه الاستقبال ما دام واقفاً ، فإن سافر لأجل سير القافلة أتمها إلى جهة سفره وإن سار مختاراً للسير بلا ضرورة ، لم يجز أن يسير حتى تنتهي صلاته لأنه بالوقوف لزمه التوجه أي إذا استمر على الصلاة كما مر . قوله : ( القاصد محل معين ) المراد به المعلوم من حيث المسافة بأن يقصد قطع مسافة يسمى فيها مسافراً عرفاً كالشام أو الصعيد لا خصوص محل معين كدمشق مثلاً شوبري فتعين المحل ليس شرطاً ، بل الشرط أن يقصد قطع المسافة المذكورة كما قاله ح ل على المنهج . وتلخص أن جملة الشروط سبعة : أن يكون السفر نحو ميل فأكثر بأن خرج إلى محل لا يسمع فيه نداء الجمعة وأن يكون لغرض صحيح ، وأن يكون مباحاً ، وأن يقصد محلاً معيناً ودوام السير ودوام السفر وترك الفعل الكثير بلا حاجة . قوله : ( فللمسافر المذكور ) أي سفراً مباحاً قوله : ( على الراحلة ) ليس بقيد بل المراد الدابة راحلة أو غيرها ، لأن الراحلة البعير الذي يرحل عليه ، وإنما قيد بها المصنف تبركاً بالحديث . قوله : ( يصلي على راحلته ) أي في السفر كما في رواية أخرى وعبارة م ر وشرح المنهج(2/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
في السفر فكان المناسب أن يزيدها الشارح ليتم الاستدلال ، وقد يقال تركه لظهوره .
قوله : ( حيث توجهت به ) قيل وهذا محمل قوله تعالى : ) فأينما تولوا فثم وجه الله } ^ قال في الخصائص : واختص بجواز صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه اه ذكره النووي في شرح المهذب وقد تقدم ما فيه . قوله : ( أي في جهة مقصده ) أي فيكفي استقبال جهة المقصد ، ولا يشترط استقبال عينه لأنه بدل فتوسع فيه بخلاف القبلة فإنها أصل اه م د . وعبارة ع ش قوله : أي في جهة مقصده ، والقرينة عليه إن ترك الدابة تمر إلى أي جهة أرادت لا يليق بحاله ، لأن ذلك يعد عبثاً ، فمعلوم أنه إنما يسيرها جهة مقصده قال م د على التحرير ، ولو كان لمقصده طريقان يمكنه الاستقبال في أحدهما فقط فسلك الآخر لا لغرض ، فله التنفل إلى غير القبلة جهة مقصده على المعتمد توسعة في النوافل ، وتكثيراً لها ، وبهذا فارق منع القصر في نظيره ، وكالنفل في جميع ذلك سجدة التلاوة والشكر .
قوله : ( وجاز للماشي قياساً على الراكب ) لأن المشي أحد السفرين وأيضاً استويا في صلاة الخوف ، فكذا في النافلة . قوله : ( إلى ترك أورادهم ) أي صلاة النفل . وقوله : ( أو مصالح معايشهم ) أي إن فرض أنهم صلوا واستقبلوا ، لأنه يحصل لهم تعطل في السفر حينئذ ، ففيه إعانة للناس للجمع بين مصلحتي المعاش والمعاد . قوله : ( معايشهم ) الياء لا بالهمز قال تعالى : ) وجعلنا لكم فيها معايش } ^ . قوله : ( فلا يجوز ) أي فعله راكباً أو ماشياً . قوله : ( قوله يشترط في حق المسافر ترك الأفعال الخ ) . قد يقال : هذا معلوم من مبطلات الصلاة الآتية ، فلا حاجة إلى ذكره هنا . وقد يجاب بأنه ذكر هنا لدفع توهم أنه يغتفر فيه هنا . قوله : ( كالركض ) أي الكثير والركض تحريك الرجل ممن فوق الدابة ، وأما العدو فهو الجري المراد بقوله كالركض والعدو أي : بلا حاجة كما في شرح المنهج ، وله الركض للدابة والعدو لحاجة السفر لخوف تخلفه عن الرفقة أو غيرها كتعلقه بصيد يريد إمساكه على المعتمد شرح م ر . قوله : ( قياساً الخ ) عبارة م ر وقياساً بالواو وهي أظهر .(2/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
قوله : ( قال القاضي والبغوي ) ورجح هذا فبمجرد مجاوزة السور يجوز له فعل ما ذكر ، وإن كان في العمران الملاصق للسور ح ل . كما إذا ذهب لزيارة قبر إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ، أو توجه إلى تربة المجاورين من الجامع الأزهر ع ش . على م ر . قوله : ( وقال الشيخ أبو حامد الخ ) عبارة م ر بعد ذلك . قال الشرف المناوي : وهذا ظاهر لأنه فارق حكم المقيمين في البلد ولعل كلام غيره راجع إليه إِلا أن البغوي اعتبر الحكمة وغيره اعتبر المظنة اه . والظاهر أن الحكمة هي قوله لعدم سماعه النداء والمظنة أي مظنة عدم سماع النداء هي الميل . قوله : ( فإن سهل الخ ) والحاصل : أن من في المرقد أو الهودج أو المحفة أو الشقدف أو نحوها . إن أمكنه الاستقبال في جميع صلاته وإتمام جميع الأركان جاز له أن يصلي ، وإِلا لبم تصح فيجب تركها ، وأما الركب على نحو سرج أو برذعة فيجب عليه الاستقبال فيما سهل عليه في جميع صلاته أو بعضها وإتمام ما سهل عليه من الأركان كلها أو بعضها ق ل . وقوله : أو نحوها كالسفينة ، وهذا أعني قوله : فإن سهل الخ تفصيل لما أجمله أولا كما قاله ح ل . وهو قول فللمسافر التنفل الخ .
والحاصل أن الصور اثنتا عشرة صورة . لأنه إما أن يسهل عليه التوجه في جميع الصلاة ، أو لا يسهل عليه في شيء منها ، أو يسهل عليه في التحرم دون غيره أو غيره دونه ، وعلى كل من الأربع إما أن يسهل عليه إتمام كل الأركان ، أو لا يسهل عليه شيء منه ، أو يسهل عليه بعضها دون بعض . فالحاصل من ضرب الثلاثة في الأربعة اثنتا عشر سورة ففي قوله : فإن سهل الخ . صورتان هما صورة التوجه في جميع صلاته ، سواء سهل عليه إتمام كل الأركان أو بعضها وتحت قوله : وإن لم يسهل الخ . عشر صور فمفهوم القيد الأول وهو سهولة التوجه في جميع صلاته فيه تسع صور ، وهي أن لا يسهل عليه التوجه في شيء من صلاته ، أو يسهل في التحرم دون غيره ، أو في غيره دونه ، وعلى كل إما أن يسهل عليه إتمام كل الأركان أو بعضها ، أو لا يسهل عليه شيء منها ، فهذه تسع صور حاصلة من ضرب ثلاثة في ثلاثة ، ومفهوم القيد الثاني وهو إتمام الأركان فيه صورة واحدة وهي سهولة التوجه في جميع صلاته مع عدم سهولة شيء من الأركان ، والتوجه في جميع الصلاة لا يلزم إِلا في الصورتين الأوليين .
وأما التوجه في بعضها فهو في التحرم فقط ، وذلك في صور أربع داخلة تحت قوله : إِلا توجه في تحرّمه وهي أن يسهل عليه التوجه في التحرم سواء سهل عليه إتمام كل الأركان أو بعضها ، أو لم يسهل عليه شيء . والرابعة : أن يسهل عليه التوجه في جميع صلاته ، ولم يسهل عليه إتمام شيء من الأركان . وهذه مفهوم القيد الثاني مع منطوق الأول فلا يلزمه فيها إِلا التوجه في التحرم .(2/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
وفي المدابغي على التحرير ما نصه : حاصل المعتمد فيه أن المسافر المذكور ، إما أن يكون راكباً أو ماشياً ، والراكب إما أن يكون في نحو هودج كسفينة لغير ملاح ، أو في غيره كسرج أو يكون ملاحاً ، فإن كان في نحو هودج كالسفينة لغير الملاح ، فإن أمكنه إتمام كل الأركان والتوجه في جميع الصلاة فعله ، وإِلا بأن عجز عن شيء من ذلك ترك التنفل رأساً ، وإن كان في غير نحو هودج كالسرج أو كان ملاحاً وهو من له دخل في تسيير السفينة ، فإنه يلزمه كل ما يسهل من ذلك إِلا أنه يكفيه الإيماء بالركوع والسجود ، وإن كان ماشياً ، فإنه يمشي في أربعة يستقبل فيها جهة مقصده ، ولا يمشي في أربعة بل يستقبل القبلة ويتم الأركان ، فالأربعة التي يمشي فيها القيام والاعتدال والتشهد والسلام ، والتي يستقبل فيها ولا يمشي تكبيرة الإحرام والركوع والجلوس بين السجدتين فتأمل ق ل .
قوله : ( وسفينة ) المعتمد أن راكب السفينة غير الملاح يجب عليه التوجه في جميع صلاته ، وإتمام الأركان ، ولا يفصل بين أن يسهل أو لا . فقوله وسفينة ضعيف بالنسبة لقوله : وإن لم يسهل الخ . كما قرره شيخنا ، فكان الأولى إسقاط قوله وسفينة ، لأن ذكرها يقتضي أنه إن لم يسهل عليه الاستقبال ، وإنمام الأركان لا يجب إلا في التحرم وليس كذلك كما في س ل على المنهج .
قوله : ( وإتمام الأركان كلها أو بعضها ) قضية كلامه أنه لو سهل الاستقبال في الجميع ولم يتيسر سوى إتمام الركوع أنه يجب الاستقبال في الجميع وإتمام ذلك الركوع وهو كلام لا وجه له عميرة ع ش . لأن حكمه يأتي في قوله : وإن لم يسهل الخ . وأجيب : بأن المراد بالبعض الركوع والسجود معا لا أحدهما . قوله : ( لزمه ذلك لتيسره عليه ) وشمل ما لو كانت مغصوبة أي : فلا يقال إنه لا يتنفل عليها لعصيانه خ ض . قوله : ( في تحرمه ) فلا يجب فيما سواه لوقوع أول الصلاة بالشرط وهو التوجه ، ثم يجعل ما بعده تابعاً له ، لأنه كان إذا سافر ، فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة ، فكبر ثم صلى حيث وجهه ركابه أي مركوبه إلى صوب مقصده رواه أبو داود بإسناد حسن ، وليدخل فيها على أتم كل الأحوال . قال في شرح المنهج : وما ذكرته من الاستثناء الأخير هو ما ذكره الشيخان . وقضيته أنه لا يلزمه التوجه في غير التحرم ، وإن سهل ، ويمكن الفرق بأن الانعقاد يحتاط له ما لا يحتاط لغيره . وعبارة شرح م ر . ومقتضى كلامهما فيما إذا كانت سهلة أنه لا يلزمه الاستقبال في غير التحرم وإن كانت واقفة أيضاً . قال في المهمات وهو بعيد ، والقياس كما قاله ابن الصباغ أنه مهما دام واقفاً لا يصلي إِلا إلى القبلة وهو متعين اه ففرض كلامه في الوقوف ، فقضيته أنه إذا لم يكن واقفاً لا يلزمه إِلا التوجه في التحرم فقط اه فإن أحرم في نفل مطلق مقيد بعدد ، ثم نوى الزيادة عليه(2/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
فهل يجب الاستقبال عند النية نظراً إلى أنها إنشاء ، ولهذا لو رأى الماء في أثناء النافلة ليس له أن يزيد في النية أو لا يجب نظراً للدوام ، ولأنه لم يعطوها حكم الابتداء من كل الوجوه ، فإنه لا يشرع لها دعاء الافتتاح قال م ر : هذا مما تردد فيه النظر ، والوجه عدم الوجوب اه ا ج .
قوله : ( بأن تكون الدابة واقفة ) وما دامت الدابة واقفة لا يصلي عليها إلا إلى القبلة ، لكن لا يلزمه إتمام الأركان ، فله أن يتمها بالإيماء كما نقله سم عن شرح المهذب ، ثم إن سار لضرورة بأن سار تبعاً للرفقة بنى وأتمها لجهة مقصده ، وإن سار مختاراً بلا ضرورة لم يجز له أن يسير حتى تنتهي صلاته إن استمر على الصلاة ، وإلا فالخروج من النافلة لا يحرم اه م د . قوله : ( لم يلزمه تحريف ) المناسب لم يلزمه توجه . قوله : ( وهو مسيرها ) أي من له دخل في تسييرها بحيث يختل أمره لو اشتغل عنها ح ل قال ع ش . وإن لم يكن من المعدّين لتسييرها ، كما لو عاونت بعض الركاب أهل العمل فيها في بعض أعمالهم . قوله : ( فلا يلزمه توجه ) أي ولا إتمام أي : وإن سهل ولو في حالة التحرم كما قاله بعضهم ، واعتمد العناني أنه يلزمه التوجه في التحرم فقط إن سهل وهو ضعيف . والمعتمد كلام الشارح . قوله : ( يقطعه عن النفل ) أي إن اشتغل بعمله . وقوله : ( أو عمله ) أي إن اشتغل بالنفل كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( ولا ينحرف الخ ) أي : ويحرم عليه إن مضى في صلاته ، فإن انحرف لقطعها جاز لأن له تركها . قوله : ( إلا إلى القبلة ) وإن كانت خلفه على المعتمد . قوله : ( عالماً مختاراً ) لا يتقيد البطلان بالاختيار ، وعبارة م ر : فإن انحرف إلى غيرها عامداً عالماً ولو قهراً بطلت صلاته ، وإن عزم على العود إلى مقصده فقوله مختاراً ليس بقيد ، بل مثله المكره . قوله : ( إن طال الفصل ) أي الزمن . قوله : ( وإلا فلا ) أي : وإن لم يطل الفصل بأن عاد عن قرب ، وكذا لو انحرف المصلي على الأرض عن القبلة ناسياً وعاد عن قرب فلا يضر ، بخلاف ما لو أحرفه غيره قهراً وعاد عن قرب ، فإنها تبطل لندوره ومن ذلك ما يقع كثيراً أن ينفذ شخص بين مصليين فيحرفهما ، أو أحدهما أو يمر بجنب مصل فيحرفه فإن الصلاة تبطل اه اج . قوله : ( وفي ذلك ) أي في سنّ السجود وعدمه والمعتمد السن . قوله : ( ويكفيه ) أي الراكب إيماء الخ . ولا يلزمه وضع جبهته على نحو عرف الدابة أي شعر رقبتها أو سرجها ، ولا بذل وسعه في الانحناء ، وإن سهل ذلك(2/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
عليه لأن من شأنه المشقة اه ح ل . قوله : ( ويكون سجوده الخ ) أي يكون سجوده أخفض وجوباً حيث أمكنه . قال الزركشي : ومحل ذلك إن أمكنه أن ينحني للسجود أكثر من قدر أكمل ركوع القاعد ، فإن قدر على الأكمل فقط لم يلزمه جعله للسجود ، والأقل للركوع نظير ما يأتي في مبحث القيام كما نقله الرافعي عن الإمام شوبري . قوله : ( والماشي يتم ركوعه ) أي وجوباً فإن عجز عن ذلك لم تصح صلاته ، نعم يكفيه الإيماء حيث كان يمشي في وحل ونحوه أو ماء أو ثلج لما في الإتمام من المشقة الظاهرة وتلويث بدنه وثيابه بالطين ونحوه كما قاله ق ل وغيره . قوله : ( بين سجدتيه ) لسهولته عليه بخلاف الراكب . قال في شرح المنهج : وله المشي فيما عدا ذلك ، وهو القيام والتشهد والاعتدال والسلام لطول زمنه أو لسهولة المشي فيه .
وحاصل ما ذكره أنه يمشي في أربع في قيامه واعتداله وتشهده وسلامه . ويترك المشي في أربع في إحرامه وركوعه وسجوده وجلوسه بين سجدتيه ، وقوله وتشهده ولو الأول . قوله : ( عينياً أو غيره ) بحسب الأصل أو عارضاً ، فيشمل صلاة الجنازة والضبي والمعادة والمنذورة ، وخرج النفل وإن نذر إتمامه لجوازه قاعداً وعدم وجوب قضائه لو فسد وقول شيخنا م ر . إنه كالفرض غير مستقيم . قوله : ( أو غيره ) من منذورة أو جنازة م ر . قوله : ( واقفة ) أي وزمامها بيد مميز ق ل . قوله : ( وأتم الفرض ) هذا شرط ثالث .
قوله : ( وإلا ) بأن كانت سائرة أو لم يتوجه ، أو لم يتم الفرض . وحينئذ فقوله : لأن سير الدابة الخ علة قاصرة . قوله : ( لأن سير الدابة منسوب إليه ) أي فيما إذا كانت سائرة أي حيث لم يكن زمامها بيد غيره ولو بالت أو راثت أو وطئت نجاسة لم يضر حيث لم يكن زمامها بيده ، ولو دمي فمها ، وفي يده لجامها أو اتصلت بها نجاسة والحالة هذه ضر ، كما لو صلى وبيده حبل طاهر متصل بنجاسة ولا يكلف الماشي التحفظ والاحتياط في مشيه ، فلو وطىء نجاسة جاهلاً بها وكانت يابسة وفارقها حالاً لم يضر ، وإن تعمد المشي عليها ولو يابسة ، وإن لم يجد عنها معدلاً ولو فارقها حالاً ضر اه ح ل . وقال اج : يؤخذ منه أنها لو كان لها قائد يلزم زمامها يسيرها بحيث لا تختلف الجهة جاز ذلك كالسرير . والصلاة في المحفة السائرة لمراعاة من بيده زمام الدابة القبلة شرح م ر .
تنبيه : لو مشت الدابة الواقفة ثلاث خطوات متوالية أو وثبت وثبة فاحشة ولو سهواً منه بأن سها في إحكام زمامها بطلت صلاته إن كان زمامها بيده ولا يضر تحريك أذنيها ورأسها ورجلها ق ل .(2/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
قوله : ( وتوجه شاخصاً ) ولو كان الشاخص مملوكاً لشخص ويوجه بأنه يعدّ منها باعتبار الظاهر ، ولو زال في أثناء الصلاة بطلت بخلاف زوال الرابطة زي . لأن أمر الاستقبال فوق أمر الرابطة سم ، أما إذا لم يتوجه الشاخص ، فلا يصح لأنه صلى فيه أي في البيت لا إليه ، وإنما جاز استقبال هوائها لمن هو خارجها لأنه يسمى عرفاً مستقبلاً لها ، بخلاف من فيها لأنه في هوائها فلا يسمى عرفاً مستقبلاً لها اه حج . قوله : ( كعتبتها ) أو بابها وهو مردود أو خشبة مبنية أو مسمرة فيها ، أو تراب جمع منها شرح المنهج . وقوله : ( كعتبتها ) راجع لقوله في الكعبة . وقوله : أو مسمرة لو سمرها هو ليصلي إليها ثم يأخذها ، فالظاهر أنه لا يكفي ويحتمل خلافه ، ومال م ر إلى هذا الخلاف وارتضاه سم . وفي حج أنه يكفي استقبال الوتد المغروز فتقييد الخشبة بالمسمرة والمبنية ليس للتخصيص ، بل يكفي ثبوتها ولو بغير بناء وتسمير ، وخالف في ذلك ح ل وزي وعبارة م ر : ولا تكفي العصا المغروزة هنا ولا حشيش نبت لكونه لا يعد من أجزائها ، ويخالف العصا الأوتاد المغروزة في الدار حيث تعدّ منها بدليل دخولها في بيعها لجريان العادة بغرزها للمصلحة فعدّت من الدار لذلك . وقوله : أو تراب جمع منها أي : دون ما يلقيه الريح ، وانظر لو انهدم بعضها ووقف خارجها مستقبلاً هواء المنهدم دون شيء من الباقي هل يكفي لأن يكون مستقبلاً كما لو انهدمت كلها ، أو لا ؛ لقدرته على استقبال الباقي . وظاهر كلامهم الأول قياساً على ما لو ارتفع على جبل أبي قبيس ، واستقبل هواءها مع إمكان الانخفاض بحيث يستقبل نفسها سم ع ش . اط ف .
قوله : ( ثلثي ذراع تقريباً ) أي فأكثر بذراع الآدمي ، وإن بعد عنه ثلاثة أذرع فأكثر ، وفارق نظيره في سترة المصلي وقاضي الحاجة بأن القصد ثم ستره عن الكعبة ، ولا يحصل إلا مع القرب وهنا إصابة عينها ، وهو حاصل في البعد كالقرب اه شرح م ر . قوله : ( ومن أمكنه ) أي سهل عليه علم القبلة أي الكعبة ومثلها محاريب المسلمين المعتمدة ، أو المراد بالقبلة الأعم ، والمراد أمكنه علمها بلا مشقة لا تحتمل قال سم : يؤخذ منه أن الأعمى إذا دخل المسجد الحرام أو مسجداً محرابه معتمد وشق عليه مسّ الكعبة في الأول والمحراب في الثاني لامتلاء المحراب بالناس وامتداد الصفوف ، أو نحو ذلك سقط عنه وجوب المس وجاز له الأخذ بقول المخبر عن علم اه . وفي فتاوى م ر : يكفي مس بعض المصلين عند عدم تمكنه من مس القبلة ومشقة ذلك عليه اه اج مع زيادة . قوله : ( علم القبلة ) أي وما في معناها كالقطب وموقفه إذا ثبت بالتواتر فإن ثبت بالآحاد فكالمخبر عن علم قاله ح ل . وقول ح ل كالقطب أي بعد الاهتداء إليه ومعرفته يقيناً ، وكيفية الاستقبال به في كل قطر ، وأما إذا فقد شيء من ذلك كان(2/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
من جملة الأدلة التي يجتهد معها وبهذا يجمع بين الكلامين أي : كلام من جعله من الأدلة ومن جعله يفيد العلم ، وهو بين الفرقدين في بنات نعش الصغرى شيخنا ح ف . قوله : ( ولا حائل بينه وبينها ) الواو للحال وحائل اسم لا . والخبر محذوف أي : موجود والجملة حال من المفعول في قوله أمكنه ، والمراد أنه لا مشقة عليه في علمها بخلاف الأعمى مثلاً إذا أمكنه التحسيس عليها لكن بمشقة لكثرة الصفوف والزحام ، فيكون كالحائل فيقلد خبراً عن علم ، هكذا ظهر وعرضته على شيخنا الطبلاوي ، فوافق سم ، وما ذكره في الأعمى مستفاد من تفسيرهم الإمكان بالسهولة .
قوله : ( لم يعمل بغيره ) أي من قبول خبر أو اجتهاد . قوله : ( اعتمد ثقة ) أي بصيراً ويجب عليه السؤال ممن يخبره بذلك عند الحاجة إليه ، ولا يقال إذا كان من بمكة بينه وبين القبلة حائل لا يكلف الصعود ، لأن السؤال لا مشقة فيه بخلاف الصعود ، فإن فرض أن عليه في السؤال مشقة لبعد المكان أو نحوه كان الحكم كما في تلك ح ل . قوله : ( كقوله أنا أشاهد الكعبة ) أو المحراب المعتمد . قوله : ( وليس له أن يجتهد ) أي في الجهة ، فلا ينافي أنه يجوز له أن يجتهد يمنة أو يسرة كما يأتي . قوله : ( وفي معناه رؤية محاريب المسلمين ) أي من حيث تقدم ذلك على الاجتهاد ، وإلا فالأخبار المذكور مقدم على المحاريب إذا تعارضا . ومثل ذلك بيت الإبرة المعروف لعارف به ق ل . وعبارته على الجلال قال السبكي : محل جواز تقليد محاريب المسلمين إذا لم يظهر له فيها الخطأ باجتهاده ، وإلا لم يجز تقليدها . قوله : ( يكثر طارقوه ) أي العارفون حيث أقرّوه وأخبروا بصحته ق ل أي : وسلمت من الطعن ، بخلاف ما لم تسلم منه كمحاريب القرافة وأرياف مصر ، فلا يمتنع الاجتهاد مع وجودها ، بل يجب لامتناع اعتمادها ، ويكفي الطعن من واحد إذا كان من أهل العلم بالميقات أو ذكر له مستنداً اه ح ل .
قوله : ( فإن فقد الثقة ) أي حساً وهو ظاهر أو شرعاً بأن كان فوق حد القرب اه ع ش . قوله : ( لكل فرض ) أي عيني لا صلاة جنازة ، ولا نفل ، وإن لم ينتقل عن موضعه ، بل يجب الاجتهاد للفرض الواحد إذا فسد وإن لم ينتقل عن موضعه . قوله : ( أو تحير صلى ) أي عند ضيقه شوبري . وقال زي : سواء أضاق الوقت أم لا . وقال الحلبي على المنهج قوله : أو تحير صلى ، ظاهر صنيعه أن له أن يصلي ، وإن لم يضق الوقت كما يؤخذ من عطفه على ما قبله ، والمعتمد أنه كفاقد الطهورين إن جوّز زوال التحير صبر لضيق الوقت وإلا صلى أوّله اه .(2/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
واعتمد شيخنا كلام ح ل إذ لولا رجحانه لما عدل عن كلام شيخه زي ، فليحفظ اه م د على التحرير . قوله : ( قلد ثقة ) أي بصيراً ولو عبداً أو امرأة فلا يقلد أعمى أقوى إدراكاً .
فالحاصل أن مراتب القبلة أربعة : الأولى المشاهدة . الثانية اعتماد المخبر عن علم واعتماد المخبر عن علم ليس تقليداً له لأن التقليد إنما يكون لإخبار المجتهد ، وفي معناه بيت الإبرة الصحيح . الثالثة : الاجتهاد ، الرابعة التقليد فلا ينتقل للمتأخرة إلا إذا عجز عن التي قبلها ، وكلها في الشرح ، ويكفي إخبار رب المنزل الثقة حيث علم أن إخبار عن غير اجتهاد وإلا لم يقلده كما في شرح م ر أي بأن علم أنه يخبر عن اجتهاد أو شك في أمره ع ش ، والظاهر أنه لا يجب سؤاله عن مستنده كما قاله ح ل . فإخباره في المرتبة الثانية .
قوله : ( بأدلتها ) وهي كثيرة منها ما هو ليلي كالقمر ، ومنها ما هو نهاري كالشمس ، ومنها ما هو أرضي كالجبال ، ومنها ما هو هوائي كالرياح ، ومنها ما هو سماوي كالنجوم ، وكل نجمة قدر الجبل العظيم لأنها لو صغرت لم تر وكل واحدة منها معلقة في الكرسي بسلسلة من ذهب كما نقله الشيخ خ ض عن مشايخه ، ولا يرد عليه قوله تعالى : ) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } ^ لأن نورها وصل إليها . وأقوى أدلتها القطب ، ويختلف باختلاف الأقاليم ، ففي العراق يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى ، وفي مصر خلف أذنه اليسرى ، وفي اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر . وفي الشام وراءه مما يلي جانبه الأيسر ، وفي نجران وراء ظهره اه ح ل . وقد نظم الجلال السيوطي أماكن اختلافها فقال :
بمصرنا القطب المصلي جعلا
لأذنه اليسرى حقيقاً نقلا
ولأذنه اليمنى ففي العراق
والشام خلف الظهر باتفاق
وباليمن تجاه وجه جعلا
فخذ هديت محكماً مفصلاً
ونظمها أيضاً بعضهم فقال :
من واجه القطب بأرض اليمن
وعكسه الشام وخلف الأذن
يمنى عراق ثم يسرى مصر
قد صححوا استقباله في العمراه
واعلم أن تعلم القبلة فرض عين لمنفرد سفراً أو حضراً وكفاية لغير ذلك قال م ر : ويحرم تعلمها من كافر ولا يعتمدها منه وإن وافق عليها مسلم . قوله : ( فرض عين لسفر ) أي لإرادته . لا يقال حيث اكتفوا بتعلم واحد في سقوط الطلب عن الباقي لم يظهر كونه . فرض عين ، إذ هو المخاطب به كل مكلف طلباً جازماً . لأنا نقول : المراد بكونه فرض عين عدم(2/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
جواز التقليد لكل أحد ، بل كل فرد مخاطب بالتعليم حيث كان أهلاً له ويرشد لذلك قول شرح المنهج فلا يقلد الخ ، فليس المراد بفرض العين معناه الأصولي المذكور بل هو كفرض الكفاية على القول بأن المخاطب به الكل فتسميته فرض عين فيه تجوز لمشابهته له في إثم الجميع بتركه ، وإن كان يسقط بفعل البعض ، فالمراد بكونه فرض كفاية أنه يجوز لغير العارف أن يقلده ، ولا يكلف التعلم ليجتهد فهو مخير بين التقليد والتعلم ليجتهد ، فيكون المخاطب به على هذا البعض ، فيكون التقابل بينه وبين ما قبله هو تقابل القولين في فرض الكفاية . أعني كون المخاطب به الكل أو البعض شيخنا ح ف . قوله : ( وأعاد وجوباً ) فلا يقلد لقدرته على الاجتهاد ولجواز زوال التحير في صورته . قوله : ( وفرض كفاية لحضر ) أي يكثر فيه العارفون . قوله : ( فتيقن ) أخرج الظن فلا يعتبر ، والمراد بتيقنه ما يمتنع معه الاجتهاد فيدخل فيه خبر الثقة عن معاينة اه شرح المنهج .
والحاصل أن للمجتهد في القبلة ثلاثة أحوال : إما أن يتغير اجتهاده قبل الصلاة أو فيها أو بعدها ، وإذا كان قبلها فله ثلاثة أحوال : إما أن يتيقن الخطأ ويظهر له الصواب يقيناً ، أو ظناً فيعمل بالثاني وأن يظن الخطأ في محل والصواب في محل آخر فيعمل بالثاني أيضاً إن كان أرجح ، وإلا تخير ، وإن كان في الصلاة فإن تيقن الخطأ ، وظن الصواب استأنف وإن ظن الخطأ والصواب قيل يتحول ، والمعتمد تقييده بما إذا كان الثاني أرجح كما نقله الشيخان عن البغوي ، وإن كان بعد الصلاة ، فإن تيقن الخطأ وظن الصواب أعاد وإن ظن الخطأ والصواب لم يؤثر اه زي . فإن تغير اجتهاده قبل الصلاة فإن تيقن أو ظن ، وكان الثاني أرجح عمل بالثاني فيهما ، وإن استويا تخير ، فهذه ثلاثة وإن كان في الصلاة فإن تيقن عمل بالثاني أو ظن ، وكان الثاني أرجح ، فإن استويا استمر على العمل بالأول ، فهذه ثلاثة أيضاً ، وإن كان بعدها أعاد في اليقين دون مسألتي الظن ، فهذه ثلاثة أيضاً فالجملة تسعة اه م د . وقال البرماوي : الذي يتحصل من كلامه منطوقاً ومفهوماً ست وثلاثون صورة ، لأن الخطأ إما أن يكون معيناً أو غير معين ، وكل منهما إما في الجهة أو التيامن أو التياسر ، فهذه ست صور ، وفي كل منها إما أن يكون قلد غيره أو لا . فهذه اثنتا عشرة صور ، وكل منها إما في الصلاة أو بعدها أو قبلها ، فهذه ست وثلاثون صورة . وقوله : ( فتيقن خطأ معيناً ) الخ التعقيب المستفاد من الفاء ليس بقيد ، وأما الترتيب فهو قيد كما قرره شيخنا .
قوله : ( فإن تيقنه فيها ) خرج بتيقن الخطأ ظنه ، والمراد بتيقنه ما يمتنع معه الاجتهاد فيدخل فيه خبر الثقة عن معاينة شرح المنهج . قوله : ( وإن تغير اجتهاده ثانياً ) أي قبلها أو بعدها(2/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
أو فيها بأن ظهر له الصواب في جهة أخرى غير الجهة الأولى . قوله : ( إن ترجح ) فإن لم يترجح استمر على الأول على المعتمد زي . قوله : ( ولا إعادة عليه لما فعله بالأول ) لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد والخطأ فيه غير معين أي : فقد عمل هنا بالاجتهادين ، وفارق ما في المياه من عدم عمله فيها بالثاني بلزوم نقض الاجتهاد بالاجتهاد ، إن غسل ما أصابه الأول ، والصلاة بنجس إن لم يغسله ، وهنا لا يلزم منه الصلاة إلى غير القبلة يقيناً لأن الخطأ في الاجتهاد هنا غير معين كما أشار إليه بقوله والخطأ فيه غير معين .
قوله : ( حتى لو صلى أربع ركعات لأربع جهات ) وكذا أكثر في أكثر ، وهذا حيث لم يظهر له خطأ فيها أو بعدها في جهة منها ، وهذا تفريع على ما خرج بقوله المتقدم فيتيقن خطأ معيناً أي لأن الخطأ هنا ليس معيناً بل هو مبهم ولو عبر بالفاء ، وقال كغيره : فلو صلى أربع ركعات الخ . لكان أظهر ، لكنه موافق في ذلك لمتن المنهاج . وقال حج : وصلى الأربع إلى الجهات المذكورة بنية واحدة ، لأن كلام المصنف شامل لما إذا صلى كل ركعة لجهة بنية وليس مراداً اه . قوله : ( فلا إعادة ) أي لكون الخطأ غير معين . قوله : ( مقارناً ) المراد بالمقارنة أن يكون عقبه من غير فاصل .
قوله : ( ولا يجتهد في محاريب النبي ) أي ما ثبت أنه صلى فيها بإخبار جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ، وأما غير ذلك ، فلا ح ل . وقال سم : محاريب النبي أي التي ثبتت صلاته فيها ولو بإخبار واحد اه . وأقره اج ولا يلحق به محاريب الصحابة وعبارة ق ل محراب النبي ما صلى فيه أو طلع عليه اه . والمحراب لغة صدر المجلس واصطلاحاً مقام الإمام في الصلاة سمي به ، لأن المصلى يحارب فيه الشيطان ، ولا تكره الصلاة فيه ولا بمن فيه خلافاً للجلال السيوطي اه ق ل على الجلال ، فعلم من ذلك أن المحراب المعتاد الآن لا أصل له ، ولم يكن في زمنه ، ولا زمن أصحابه ، وما يوجد من ذلك في جامع عمرو ونحوه ، فهو حادث بعدهم ، ولكن لا بأس به وقوله تعالى : ) يعملون له ما يشاء من محاريب } ^ ليس المراد(2/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
بها هذا المحراب المعروف ، وإنما هي الغرف ونحو ذلك . قوله : ( ولا يمنة ولا يسرة ) بفتح أولهما أي جهة اليمين واليسار كما في المصباح ونقله شيخنا عن شرح البهجة . قوله : ( ولا في محاريب المسلمين ) أي الموثوق بها ، بخلاف غيرها كمحاريب القرافة وأرياف مصر ، فلا يجوز اعتمادها ولا يلحق بها محاريب الصحابة كما في م ر . قوله : ( جهة ) أي لا يجتهد في الجهة بخلاف التيامن والتياسر فيجتهد فيهما ، وذلك لاستحالة الخطأ في الجهة دونهما ، ومن ثم كان الاجتهاد ولو في نحو قبلة الكوفة وبيت المقدس والشام وجامع مصر العتيق جائز ، لأنهم لم ينصبوها إلا عن اجتهاد اه اج .
فصل : في أركان الصلاة
عبر هنا بالأركان ، وفي الوضوء بالفروض لأن الفروض يجوز تفريقها بخلاف الأركان قوله : ( وتقدم معنى الركن الخ ) فيه أنه لم يتقدم معنى الركن لغة . وفي المصباح : ركن الشيء جانبه ، فأركان الشيء أجزاء ماهيته . والمعنى الاصطلاحي فهم من الفرق وهو ما تشتمل عليه الصلاة وكان جزءاً منها . قوله : ( والفرق ) معطوف على معنى ، أي وتقدم الفرق بين الركن والشرط وفيه نظر ، فإن الذي قدمه قوله والركن كالشرط في أنه لا بد منه ، ويفارقه بأن الشرط هو الذي يتقدم على الصلاة ويجب استمراره فيها كالطهر والستر . والركن ما تشتمل عليه الصلاة وكان جزءاً منها ، ولا يجب استمراره كالركوع والسجود اه . ففيه الفرق دون المعنى اللغوي ، يعني أن ما ذكر أنه تقدم الفرق صحيح ، وكذا تقدم المعنى الاصطلاحي لفهمه من الفرق ، وأما المعنى اللغوي فلم يتقدم . قوله : ( وأركان الصلاة ) من إضافة الأجزاء للكل . قوله : ( ركناً ) تمييز غير محول لأنه تمييز مفرد ، وهو تمييز مؤكد لأنه علم من المبتدأ ، وهو قوله : ( وأركان الصلاة ) .
قوله : ( وهو ما في الروضة ) والظاهر أنه على هذه النسخة لم يذكر نية الخروج . قوله : ( وجعلها في المنهاج ثلاثة عشر ) وهو الراجح المناسب لأن الطمأنينة بالهيئة أليق ، ومثلها فقد(2/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
الصارف وكذا المصلي ، وفارق نحو البيع والصوم حيث عدوا البائع والصائم ركنين بعدم وجود صورة محسوسة في الخارج فيهما ، وعلى عدهما أي فقد الصارف والمصلي ركنين تكون الأركان عشرين ، وعلى عدَّ الزمان والمكان تكون اثنين وعشرين اه ق ل . قوله : ( بجعل الطمأنينة كالهيئة ) أي الصفة ، وانظر لم أتى بالكاف مع أنها هيئة وجعلها في شرح المنهج هيئة تابعة للركن .
قوله : ( والخلاف بينهم لفظي ) أي من حيث العدد وعدمه لأنه لا بد من الإتيان بها على كل حال وهذا في غير نية الخروج ، أما الخلاف فيها فمعنوي كما قاله ق ل . ويصح أن يكون معنوياً بدليل أنه لو شكّ في السجود في طمأنينة الاعتدال مثلاً ، فإن جعلناها تابعة لم يؤثر شكه كما لو شكّ في بعض حروف الفاتحة بعد فراغها ، وإن جعلناها مقصودة لزمه العود للاعتدال فوراً كما في أصل قراءة الفاتحة بعد الركوع فإنه يعود كما يأتي اه ا ج . والمعتمد أنه يؤثر شكه فيها وإن كانت تابعة فلا بد من تداركها ، ويفرق بينها وبين الشك في بعض حروف الفاتحة بعد فراغه منها بأنهم اغتفروا ذلك فيها لكثرة حروفها وغلبة الشك فيها ، ومحل وجوب العود للطمأنينة إن كان إماماً أو منفرداً ، فإن كان مأموماً وجبت عليه المتابعة وامتنع عليه العود ، ويتدارك بعد السلام ركعة .
قوله : ( فمن لم يعدّ الطمأنينة ) تفريع على كل من الأقوال الأربعة السابقة ، وليس مفرعاً على قوله والخلف بينهم لفظي كما قد يتوهم . قوله : ( ويؤيده كلامهم ) أي حيث لم يعدّوا التقدم بالركوع مثلاً تقدماً بركنين بل بركن مع اشتماله على الطمأنينة لأنها هيئة تابعة .
قوله : ( الآتي ) لأنه قال حتى تطمئن راكعاً ، ولم يقل واطمئن فدل على أنها تابعة قوله : ( وصدق اسم السجود ) عطف لازم على ملزوم لأنه يلزم من استقلالها صدق اسم السجود بدونها قوله : ( ومن جعلها ركناً واحداً الخ ) يقال عليه فما بال المصنف عدها أركاناً لتغايرها باختلاف محالها ولم يجر على ذلك في السجدتين ، فعدهما ركناً واحداً ، فما وجه به صنيعه في الطمأنينة يخدشه صنيعه في السجدتين قوله : ( ركناً لذلك ) لكونهما جنساً واحداً .
قوله : ( لا في جميعها ) قصده الرد على القائل بالشرطية .(2/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
قوله : ( عن قصد فعل الصلاة ) قال ابن قاسم في شرحه : ويردّ بأن خروج القصد عن الفعل لا يمنع أن مجموعهما هو مسمى الصلاة شرعاً وهو المدعي اه . على أنها مقارنة بالتكبير المتفق على أنه ركن تأمل ق ل .
قوله : ( هي بالشرط أشبه ) أي لأنه يجب استمرارها حكماً بأن لا يأتي بما ينافيها ، فلو نوى الخروج منها حالاً أو بعد نحو ركوعه أو تردد في الخروج والاستمرار أو علق الخروج بشيء وإن قطع بحصوله أو جوّز حصوله وعدم حصوله ضرّ ، ولو وجد شيء من ذلك في غير الصلاة كالصوم والحج والوضوء والاعتكاف لم يضر سم . وقوله بالشرط أشبه وفائدة الخلاف أنه لو افتتحها مع مقارنة مفسد من نجاسة أو استدبار وتمت النية ولا مانع لم تصح على الركنية وصحت على الشرطية أي لخروجها عن الماهية . قال م ر : والأوجه عدم الصحة مطلقاً أي سواء قيل إنها شرط أو ركن لمقارنة المفسد بعد التكبيرة . قال الرافعي : والأظهر عند الأكثرين ركنيتها ولا يبعد أن تكون من الصلاة وتتعلق بما عداها من الأركان ولا تفتقر إلى نية ولك أن تقول : يجوز تعلقها بنفسها أيضاً كما قال المتكلمون كل صفة تتعلق ولا تؤثر يجوز تعلقها بنفسها وبغيرها كالعلم فإنه يعلم بعلمه أن له علماً وإنما لم تفتقر إلى نية لأنها شاملة لجميع الصلاة فتحصل نفسها وغيرها كالشاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها شرح م ر . وقال في المنهج وشرحه : أركانها نية بقلب لفعلها أي الصلاة ولو نفلاً وهي هنا ما عدا النية لأنها لا تنوي اه . وقوله : وهي هنا أي الصلاة وقوله : لأنها لا تنوي وإلا لزم التسلسل لأن كل نية تحتاج إلى نية وهذا لا يأتي إلا إذا قلنا إنه ينوي كل فرد فرد من الصلاة ، وأما إذا قلنا إنه ينوي المجموع أي يلاحظ مجموع الصلاة بالنية وهو المعتمد ، فيمكن أن تنوي بأن تلاحظ من جملة أفعال الصلاة ويكون المراد بقوله لا تنوي أي لا تجب نيتها أي وحدها ، فليس المراد أنه يجب أن يلاحظ النية بل المراد أنه لايجب أن يلاحظ النية أي لايجب عليه أن يلاحظ أن النية من جملة الصلاة قوله : ( وما أمروا ) أي أهل الكتابين . ويرد عليه أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره . وأجيب بأن الاستدلال بها مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره . واستشكل تفسير الإخلاص بالنية بأنه يصير المعنى ناوين له الدين والدين لا ينوي إذ هو الأحكام ولا معنى لنيتها . وأجيب بأنه على حذف مضاف ، أي متعلقات الدين . وهي الأفعال كالوضوء والغسل والصلاة كما قرره شيخنا العزيزي
قوله : ( قال الماوردي ) لعل وجه إسناده للماوردي إشارة إلى الخروج من عهدته ، فقد فسر البيضاوي الإخلاص بعدم الإشراك . قوله : ( في كلامهم ) أي المفسرين .(2/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
قوله : ( فإذا أراد أن يصلي فرضاً الخ ) حاصله أن مراتب الصلوات ثلاثة : الأول : الفرض بأقسامه فيعتبر فيه ثلاثة أشياء : القصد ، والتعيين ، ونية الفرضية . الثاني : النفل ذو الوقت والسبب فيشترط فيه أمران القصد والتعيين . ولا حاجة لنية النفلية للزوم النفلية له بخلاف العصر ونحوها أي إذا نوى أن يصلي العصر ولم يقل فرضاً فلا تكفي لأنها قد تكون نفلاً كالمعادة . الثالث النفل المطلق فيكفي فيه قصد الصلاة ولا حاجة للتعيين ولا النفل لما مرّ قوله : ( قصد فعلها ) أي الصلاة المراد بالفعل المعنى المصدري ، والمراد بالصلاة الحاصل بالمصدر وهذا أولى من جعل الإضافة بيانية قوله : ( ولا تجب ) أي نية الفرضية في صلاة الصبي ، وفارقت المعادة بأن صلاته تقع نفلاً اتفاقاً بخلاف المعادة فقيل فيها إن الفرض هو الثانية ، وبذلك علم أنه لو قضى ما فاته في زمن التمييز لم يجب عليه نية الفرضية . والحاصل أن المعادة كالأصلية إلا في جواز تركها ابتداء . قوله : ( فكيف ينوي الفرضية ) فإيجاب نية الفرضية عليه إيجاب نية خلاف الواقع . قال سم : لكن قد يقال المراد بها في حقه نية ما هو فرض في نفسه . وفي ع ش أنه لا بد له من نية من النيات المجزئة فلا تكفي نية النفلية إذ القيام فيها لا بد منه قوله : ( لم تنعقد ) سواء كان عامداً لتلاعبه أو غالطاً على الراجح أخذاً من قاعدة أن ما وجب التعرض له جملة أو تفصيلاً يضر الخطأ فيه شرح م ر : وعدد الركعات يتعرض لها جملة في ضمن التعيين .
قوله : ( بنية القضاء ) أي بدل نية القضاء فالباء بمعنى بدل لتوافق عبارة المنهج وهي وصح أداء بنية قضاء وعكسه وهي أظهر قوله : ( كأن ظن ) لف ونشر مشوش قوله : ( فبان وقته ) أي بقاء وقته قوله : ( أما إذا فعل ذلك ) أي قصد حقيقة أحدهما الشرعية في غير وقته عامداً كما قاله ق ل .(2/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
ويدل له ما بعده بأن قصد أن الأداء ما كان داخل الوقت ، والحال أنه عالم بأن الوقت قد فات أو قصد أن القضاء ما كان خارجه والحال أنه عالم بأن الوقت باقٍ م د . قوله : ( إن قصد بذلك المعنى اللغوي ) أي أو أطلق كما قاله ق ل . وفي ع ش أن الإطلاق يضر وهو المعتمد
قوله : ( لم يضر ) سواء كانت الصلاة أداء أو قضاء . وفي فتاوى البارزي أن رجلاً كان في موضع منذ عشرين سنة يتراءى له الفجر فيصلي ثم تبين له خطؤه فماذا يجب عليه ؟ فأجاب بأنه لا يجب عليه إلا قضاء صلاة واحدة ، لأن صلاة كل يوم تكون قضاء عن صلاة اليوم الذي قبله . وقولهم لو أحرم بفريضة قبل دخول وقتها ظاناً دخوله انعقدت نفلاً محله فيمن لم يكن عليه مقضية نظير ما نواه شرح م ر . وظاهره سواء قصد فرض ذلك الوقت الذي ظن دخوله أم لا ، وهو كذلك على المعتمد خلافاً لسم هنا . وعبارته في حواشي حج الوجه أن يقال إن قصد بالصلاة فرض الوقت الذي ظن دخوله بخصوصه فالوجه عدم وقوعها عن الفائتة لأن القصد المذكور صارف عن الفائتة ، وإن لم يلاحظ ما ذكر فالوجه الوقوع عن الفائتة فليتأمل لكن في فتاوى م ر نحو ما قاله سم لكن الذي تقدم عن شرحه وإفتاء والده هو الصحة مطلقاً اه أجهوري قوله : ( بل يكفيه نية الظهر أو العصر ) وسئل الوالد عمن عليه قضاء ظهر يوم الأربعاء فقط فصلى ظهراً نوى به قضاء ظهر يوم الخميس غالطاً هل يقع عما عليه لأنه عين ما لا يجب تعيينه لا جملة ولا تفصيلاً وأخطأ فيه أوّلاً كما في الإمام ؟ والجنازة أي إذا نوى الاقتداء بزيد فبان عمراً ولم يشر إليه لم تصح صلاته ، وكذا إذا نوى في الجنازة الصلاة على زيد فبان عمراً ولم يشر إليه فصلاته باطلة . فأجاب بأنه يقع عنه لما ذكر كما اقتضاه كلام الشيخين وإن خالف فيه بعضهم اه م د . قوله : ( والنفل ذو الوقت الخ ) هذا قسيم قوله السابق ، فإن أراد أن يصلي فرضاً فالمناسب أن يقول أو أراد نفلاً ذا وقت الخ قوله : ( وكسنة الظهر التي قبلها الخ ) فإن نوى ركعتين أو أربع ركعات فالأمر ظاهر ، وإن نوى سنة الظهر القبلية مثلاً وأطلق قال سم على ابن حجر : يتخير بين ركعتين أو أربع . وقال ز ي ونقل عن م ر : إنها تنصرف لركعتين وكذلك الضحى . وقوله التي قبلها وإن قدمها قال سم : وكذا كل صلاة لها قبلية وبعدية اه فخرج بذلك العصر والفجر فلا تتوقف صحة صلاة سنتهما على نية القبلية اه ا ج .
قوله : ( فلا يضاف إلى العشاء ) أي لا يصح أن ينوي فيه سنة العشاء أو راتبها ق ل وأما(2/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
إذا قال : نويت وتر سنة العشاء فإنه يصح م د . وعبارة المدابغي على التحرير في صلاة النفل قوله ومنه الوتر لم يجعله من رواتب العشاء . وفي الروضة عدّة منها وتقدم حمل الأول على عدم صحة إضافته إليها فلا يصح أن ينوي في سنة العشاء ، والثاني على توقف فعله عليها كسنته المتأخرة عنها اه قوله : ( ووصل نوى الوتر ) أو سنة الوتر أو راتبة الوتر أو من سنة الوتر أو من راتبة الوتر أو من الوتر ، وتقع من للابتداء لا للتبعيض كما أن الإضافة في نحو راتبة الوتر أو سنة الوتر للبيان ق ل قوله : ( نوى بالواحدة الوتر ) أو من الوتر أو سنة الوتر ق ل قوله : ( ويتخير في غيرها ) أي غير الواحدة بين أن يقول من الوتر أو سنة الوتر أيضاً على المتجه ق ل قوله : ( بين نية صلاة الليل ) هكذا ذكر هذه الشارح ، ويتجه فيها عدم صحتها لعدم تعيين الوتر ق ل لكن الذي في شرح م ر موافق لما ذكره الشارح فهو صحيح وإن كان البحث فيه منقدحاً م د قوله : ( أو مقدمة الوتر ) أو الوتر أيضاً على المتجه ق ل قوله : ( هذا ) أي قوله فإن أوتر بواحدة الخ قوله : ( ويحمل على ما يريده من ركعة ) الذي اعتمده م ر أن نيته تحمل على الثلاثة لأنها أدنى الكمال فلا تجوز الزيادة عليها ولا النقص عنها ، ويقال مثله فيمن نذر الوتر وأطلق فيلزمه الثلاث وعبارته ، ورجح الوالد رحمه الله تعالى الحمل على ثلاث ويوجه بأنه أقل ما يطلبه الشارع فيه فصار بمثابة أقله إذ الركعة قيل يكره الاقتصار عليها فلم تكن مطلوبة بنفسها اه أجهوري قوله : ( وتراً ) لا حاجة إليه قوله : ( ولا يشترط نية النفلية ) أي في صلاة النفل بأنواعه ق ل فهذا راجع لأصل المسألة قوله : ( ويكفي في النفل المطلق ) أي أقل ما يكفي فيه ذلك لا بمعنى أنه يكفيه غيره م د وهذا قسيم قوله سابقاً ، فإن أراد فرضاً مع قوله والنفل ذو الوقت الخ قوله : ( نية فعل الصلاة ) الإضافة بيانية والمراد بالفعل المعنى المصدري ، وبالصلاة المعنى الحاصل بالمصدر وهي الهيئة المجتمعة من الأركان والسنن والمكلف به المعنى المصدري تأمل .
قوله : ( لأنها القصد ) أي والقصد لا يكون إلا بالقلب قوله : ( وسبق لسانه إلى الظهر ) أي وكذا لو تعمده ثم أعرض عنه وقصد ما نواه عند تكبيرة الإحرام ع ش على م ر أي لأن(2/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
التلاعب قبل الدخول في الصلاة وهو لا يضر ، أي لأنه لم يدخل في الصلاة لأنه لا يدخل فيها إلا بالتكبيرة أي تكبيرة الإحرام وهي لم توجد حينئذ قوله : ( عن الوسواس ) الظاهر أنه بكسر الواو لأن المراد به الوسوسة . وأما المفتوح فاسم للشيطان قال تعالى : ) من شر الوسواس } ) الناس : 4 ) قوله : ( ولو عقب النية الخ ) وإن شاء الله ليس مبطلاً للصلاة لأنه قبل انعقادها لأنها لا تنعقد إلا بالتكبير قوله : ( أو نواها ) أي المشيئة قوله : ( أو التعليق الخ ) ومثله نية الخروج والتردد فيه بخلاف الصوم ، وظاهره البطلان فيما لو علق خروجه من الصلاة على أمر لا يوجد عادة أو يستحيل وجوده ولو عقلاً كالجمع بين الضدين وبذلك صرح سم على البهجة خلافاً لما قاله شارح الكتاب من عدم البطلان بالتعليق بما يقطع عقلاً بعدم حصوله ا ج .
قوله : ( أو أطلق لم يصح ) أي حملاً للإطلاق على التعليق لأن حرف الشرط وهو إن صريح فيه فلا ينصرف عنه إلا بقصد التبرك ونحوه ، وإنما لم يحمل الإطلاق على التعليق في نحو الطلاق فإنه إذا قال طلقتك إن شاء الله أو أنت طالق إن شاء الله وأطلق وقع لأن أنت طالق ونحوه صريح في الوقوع فلا يقوّى صرفه عن الوقوع إلا قصد التعليق بخلاف حالة الإطلاق لضعفها ، ولو فرق بالاحتياط في البابين لكان أوضح . واعلم أن هذا التفصيل في صورة نية المشيئة بخلاف التلفظ بالمشيئة في الصلاة بأن وقع بعد التحرم لأنه كلام أجنبي ع ش ، فالمناسب أن يقول ضر بدل قوله لم يصح . والحاصل أن مسائل المشيئة صورها ثمانية من ضرب اثنين ، وهما قوله : علق النية بلفظ المشيئة أو نواها في الأربعة المذكورة بعد وكلها في الشارح .
قوله : ( للمنافاة ) أي بين الجزم بالنية المشترط والتعليق .
قوله : ( فرضك ) أي مثلاً إذ مثله الضحى والعيد مثلاً قوله : ( فصلى بهذه النية ) أي منضمة إلى النية المعتبرة ق ل كأن قال : أصلي فرض الظهر ولي على فلان دينار اه م د . وكيف تجزيه صلاته مع قوله ولي على فلان دينار مع أنه مبطل لها إلا أن يقال أتي به في قلبه من غير تلفظ ، والظاهر أن التلفظ لا يضر لأنه قبل الانعقاد ولا يحصل إلا بالتكبير قوله : ( لم يستحق ) أي لأنها جعالة لم تعد المنفعة فيها على المجاعل ، وعبارة المدابغي قوله لم يستحق الدينار أي لأن الالتزام إنما يصح فيما يلزم الإنسان أو يطلب منه كقوله لغيره أدّ ديني وأنا أوفيك ، أما ما يلزم المخاطب إذا جعل الآمر له شيئاً في مقابلة فعله فإنه لا يلزم قوله : ( صحت صلاته )(2/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
بخلاف نية الطواف ودفع الغريم لأنه من جنس ما يدفع به الغريم عادة بخلاف الصلاة اه م د قوله : ( ونفلاً ) أي مقصوداً مما لا يحصل مع غيره ، فاستثناء التحية وسنة الوضوء ليس قيداً كما يدل له التعليل المذكور ، بل مثلهما سنة الإحرام والطواف والاستخارة ق ل بزيادة وعبارة المدابغي على التحرير تنبيه : يمتنع جمع صلاتين بنية ولو نفلاً مقصوداً أما غير المقصود كتحية واستخارة وإحرام وطواف وسنة وضوء أو غسل أو غفلة وسنة القدوم من السفر والخروج له وركعتي الحاجة والزفاف فهذه العشرة نصّ عليها الرملي فيجوز جمعها مع فرض أو نفل غيرها قوله : ( ولو قال أصلي الخ ) حاصله أن من عبد الله لأجل الخوف من عذابه أو لأجل رجاء ثوابه لم يضر في صحة عبادته ، وإن كان لولا الخوف أو الرجاء لما عبده حيث اعتقد أن الله مستحق لها بذاته وأنها مطلوبة منه على الوجه الراجح المفهوم من ترغيبات الشرع وترهيباته ، فإن اعتقد عدم استحقاقه تعالى لها فلا خلاف في كفره ق ل ، فلو لم يعتقد استحقاقه تعالى بأن كان غافلاً كبعض العوامّ فليس بكافر بل صلاته باطلة ، وللإمام الجنيد :
كلهم يعبدوك من خوف نار
ويرون النجاة حظا جزيلا
أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا
بقصور ويشربوا سلسبيلا
ليس لي بالجنان والنار حظ
أنا لا أبتغي بحبي بديلا
بكسر الحاء أي محبوبي . وهذه حالة الكمل والوسطى أن يعبد الله خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه والدنيا أن يعبده حياء من الناس
قوله : ( الرازي ) نسبة إلى الري بالفتح على غير قياس ، وهي من عراق العجم كما في المصباح . وقوله خلافاً للفخر الرازي أي حيث نقل إجماع المتكلمين مع أن أكثرهم من أئمتنا ، على أن من عبد الله أو صلى لأجل خوف العقاب وطلب الثواب لم تصح عبادته . قال م ر ومثله ابن حجر وسم : يمكن حمل كلامه على من محض عبادته لذلك وحده ، ولكن يبقى النظر في بقاء إسلامه ، ومما يدل على أن هذا مراد المتكلمين أنه محطّ نظرهم لمنافاته لاستحقاقه تعالى العبادة من الخلق لذاته ، أما من لم يمحضها فلا شبهة في صحة عبادته . زاد ابن حجر على ذلك قوله : بأن عمل العبادة له تعالى مع الطمع في ذلك وطلبه فتصح جزماً وإن كان الأفضل تجريد العبادة عن ذلك ، وهذا محمل قوله تعالى : ) يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } ) السجدة : 16 ) بناء على تفسير يدعون بيعبدون ، وإلا لم يرد إذ شرط قبول الدعاء أن يكون كذلك اه . فإن قيل ظاهر قوله تعالى ) وادعوه خوفاً وطمعاً } ) الأعراف : 56 ) يقتضي الأمر(2/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
بالدعاء لهذا الغرض ، وقد ثبت بالدليل فساده فكيف التوفيق بين هذا وما يقرر من طلب العبادة مطلقاً والجواب أن المراد وادعوه مع الخوف من وقوع التقصير في بعض الشرائط المعتبرة في قبول ذلك الدعاء ، ومع الطمع في حصول تلك الشرائط بأسرها . وعلى هذا التقرير فالسؤال زائل اه ا ج .
قوله : ( القيام ) وهو أفضل الأركان ثم السجود ثم الركوع اه ق ل . ثم الاعتدال وعبارة تلميذه الرحماني : والقيام أفضل الأركان فيما إذا استوى الزمان . قلت : ولي نظر في تفضيله على النية مع قولهم إن فعل القلب أفضل ، إلا أن يحمل أنه بالنسبة لأفعال غير القلب .
فرع : التطويل في القيام أفضل ثم في السجود ثم في الاعتدال اه عبد البر .
قوله : ( ولو بمعين الخ ) عبارة ر م أو لم يقدر على النهوض إلا بمعين الخ اه . وبه يظهر أن الغاية في قول الشارح ولو بمعين للتعميم لا للردّ على أحد بدليل عبارة م ر . قوله : ( فيجب حالة الإحرام به ) قال ق ل : وكذا في دوام القيام على المعتمد اه . والمعتمد أنه متى احتاج للمعين في دوام قيامه لا يجب عليه ويصلي من قعود . وعبارة سم حاصل مسألة المعين . والعكازة أنه إن كان يحتاج إلى ذلك في النهوض فقط أي في كل ركعة ، ولا يحتاج إلى ذلك في دوام قيامه لزمه وإلا بأن احتاج إلى ذلك في النهوض ودوام القيام فلا يلزمه وهو عاجز الآن ، أي فيصلي من قعود اه . وفرق ع ش بين المعين والعكازة بأن الأول لا يجب إلا في الابتداء والثاني يجب في الابتداء والدوام للمشقة في الأول دون الثاني . واعتمده شيخنا الحفني قوله : ( لعمران بن حصين ) وكان عمران من أكابر أعيان أصحاب رسول الله ، قيل : إن الملائكة كانت تسلم عليه جهاراً ، فلما شفي من مرضه بدعوة النبيّ له احتجبت عنه الملائكة ، فشكا للنبيّ احتجاب الملائكة عنه فقال له : ( احْتِجَابُهُمْ عَنْكَ بِسَبَبِ شِفَائِكَ ) فقال له : ادع الله بعود المرض . فلما عاد له مرضه عادت له الملائكة فيستجاب الدعاء عند ذكر اسمه كرامة له . قال المناوي في شرح الخصائص : واختص بجواز صلاة الفرض قاعداً ولو بلا عذر ذكره الزركشي في الخادم . قوله : ( وأجمع الأمة على ذلك ) أي على ركنية القيام للقادر .(2/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
قوله : ( وقد يفهم من ذلك ) أي من قوله ، وخرج بالفرض النفل ، ووجه إفهامه أن صلاة الصبي تقع نافلة لكن قد يقال : المراد بالفرض ما يسمى فرضاً على المكلف بقطع النظر عن فاعله ، فلا إفهام فيه لما قاله ، ويؤيده قول م ر وابن حجر في شرح قول المنهاج القيام في فرض شمل فرض الصبي والعاري ، والفريضة المعادة والمنذورة فجعلا الفرض شاملاً لصلاة الصبي تأمل . قوله : ( والأصح كما في البحر ) وهذا هو المعتمد فيه وفي المعادة ق ل قوله : ( واستثنى بعضهم من ذلك ) أي من وجوب القيام مع القدرة عليه . قال ق ل : لا حاجة للاستثناء لأن هذا من العجز كما سيأتي قوله : ( ولا إعادة ) بخلاف ما لو منعه من القيام الزحمة فإنه يعيد لندرة ذلك اه م د . زاد في الكفاية : وإن أمكنه الصلاة على الأرض أي بأن كانت السفينة راسية على البر فلا يكلف الخروج ليصلي على الأرض قوله : ( ومنها ) أي من المسائل المستثنيات ، والمناسب لقوله الأولى الخ أن يقول هنا الثالثة ما لو قال الخ . ويقول بدل قوله الآتي الثالثة الرابعة وهو تابع في ذلك لعبارة غيره ، لكن ليس فيها ذكر عدد بل عبرّ بقوله منها في جميعها ، ويمكن تصحيح كلامه بأن الضمير في منها راجع للثانية لأنه لما كان يشبهها جعله منها تأمل قوله : ( فله ترك القيام على الأصح ) أي ولو كان المخبر له عدل رواية فيما يظهر ، أو كان عارفاً م ر ولا إعادة عليه لأنه عذر عام أي يكثر وقوعه ، قال المدابغي على التحرير : يؤخذ من شرح البهجة الكبير لشيخ الإسلام في باب التيمم أن العذر العام ما يكثر وقوعه بدليل مقابلته بالنادر دام أو لا وأن العذر الدائم ما لا يزول بسرعة غالباً أي ما من شأنه ذلك عم أو لا . ونقل عن الروضة أنه لو زال ما يدوم بسرعة أو دام غيره اعتبر الجنس إلحاقاً لشاذه به ، فالعذر العام كالمرض والسفر ، والعذر الدائم كالسلس والاستحاضة ، والمتردد بينهما كفقد السترة فهو عذر عام أي يكثر وقوعه أو نادر إذا وقع دام أي لا يزول بسرعة ، والنادر الغير الدائم كفقد الطهورين والجزء ما يسخن به الماء ، فإن كلا نادر لا يدوم اه فليحفظ .(2/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
قوله : ( فالأفضل الانفراد ) هذا مع قوله السابق : ولو أمكن المريض القيام بلا مشقة يقتضي فرض المسألة في النافلة حتى يقال : الانفراد المحصل للقيام في جميع الصلاة أفضل من الجماعة المحصلة له في بعضها فقط وإلا لكان الانفراد واجباً لتحصيل القيام في جميعها ، لكن عبارة الرملي تقتضي أن ذلك جار أيضاً في الفرض مع أن الكلام الآن في الفرض ، وعبارة بعضهم قوله فالأفضل الانفراد أي سواء كان ذلك في نفل وهو ظاهر أو في فرض ، ولكن يرد على ذلك أنه ترك القيام في الفرض مع قدرته عليه لأجل الجماعة . ويجاب بأنه لما قصد حصول الثواب بالجماعة كان ذلك عذراً في جواز ترك القيام ولو كان فرضاً قوله : ( وتصح مع الجماعة الخ ) أي سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً ، وكأنّ وجهه أنه لما أشغل نفسه بصلاة الجماعة كان ذلك عذراً في عدم وجوب صلاته الفرض منفرداً م ر . وقوله : وكأنّ وجهه أي وجه صحة صلاته الفرض مع الجماعة وعجزه عن القيام فقعد في أثنائها ، وكان بحيث لو صلى هذا الفرض منفرداً لم يقعد فيه ، وبهذا اندفع ما لبعضهم هنا من أنه مصوّر بما إذا كانت الصلاة نفلاً
قوله : ( وإن قعد في بعضها ) ولو شرع في السورة بعد الفاتحة ثم عجز في أثنائها قعد وكملها ولا يكلف قطعها ليركع ، وإن كان قطع القراءة أحب وإذا قعد لإكمال السورة ثم أراد الركوع وأمكنه من قيام لزمه كما هو ظاهر ش م ر . ولو كان لو صلى قائماً ترك الفاتحة لعدم حفظه إياها وعدم ملقن أو نحو مصحف ، ولو صلى قاعداً نظر في أصل جدار كتبت فيه لا يمكن مشاهدتها عليه إلا للقاعد وجب أن يصلي قاعداً لأن فرض الفاتحة آكد إذ لا تسقط في النفل مع القدرة بخلاف القيام سم على المتن ، إلا أنه إذا أتم القراءة يجب عليه القيام ليركع منه كما سبق نظيره اه ا ج .
قوله : ( ووجبت الإعادة على المذهب ) أي في الصورتين الرقيب والكمين قوله : ( والفرق بين ما هنا ) أي من عدم الإعادة في حق قصد العدوّ وبين ما مرّ من وجوب الإعادة في حق رؤية العدوّ وفساد التدبير قوله : ( أن العذر هنا ) في نسخة أن العدو الخ . وهو على حذف مضاف أي ضرر العدوّ لأجل الإخبار ، إذ ليس المراد عظمة العدوّ بل المراد عظمة الضرر الناشىء عنه ، وعبارة م ر والفرق عن الأول شدة الضرر في قصد العدو اه . قوله : ( أو نحو ذلك ) أي خوف البول .(2/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
فرع : لو كان بحيث لو صلى قائماً حصل له ثلاث حركات متوالية ولو صلى قاعداً لم يحصل منه ذلك ينبغي أن يراعي القيام لأنها صارت طبيعته كما قاله سم .
قوله : ( مع أنه ) أي القيام لا بقيد كونه ركناً . وقوله : وهو ركن في الفريضة أي القيام بقيد كونه ركناً في الصلاة ففي كلامه استخدام قوله : ( أجيب بأنها ركن الخ ) نازع فيه ق ل بأن القيام قبل النية شرط للاعتداد بها لا ركن حتى لو فرض مقارنته لها كفى . قال : وكان الظاهر في الاشكال أن يقول : لمَ أخرَّ التكبيرة عن القيام مع أنها مقارنة للنية على أن الجواب الذي ذكره يرده تأخير التكبيرة عن القيام ووجه الرد أن التكبيرة ركن في جميع الصلوات فرضها ونفلها مع تأخيره لها عن القيام ، فما وجه به النية منقوض بالتكبيرة حيث أخرها عن القيام مع أنها مقارنة للنية ، فكان المناسب تقديمها أيضاً على القيام قوله : ( أو خلفه ) فإن قلت هذا ليس فيه استقبال القبلة فلا يقال إنه واقف إلى القبلة . أجيب بأن الخلل هنا من جهتين ، من جهة عدم تسمية ذلك قياماً ، ومن جهة عدم استقبال القبلة إذا لم يستقبلها بالصدر بأن كان انحناؤه كثيراً ، فإن استقبلها بالصدر بأن كان انحناؤه يسيراً كفى أو يقال المسألة مصورة بما إذا كان في الكعبة وهي مسقفة ، أي فصلاته في هذه المسألة باطلة من جهة واحدة وهي كونه لا يسمى واقفاً شيخنا .
قوله : ( بحيث لا يسمى قائماً ) بأن صار إلى الركوع أقرب كما سيذكره قريباً عن المجموع بخلاف ما لو كان إلى القيام أقرب أو لهما على السواء فيصح قيامه . قوله : ( إلى الركوع ) أي أقله قوله : ( ولو تحامل عليه ) غاية قوله : ( اسم القيام ) الإضافة بيانية أي وإن أطرق رأسه أي أمالها إلى صدره ، بل يسنّ كما قاله الغزالي لينظر إلى محل سجوده اه ا ج . قوله : ( لم يصح ) ومنه يؤخذ صحة قول سم . يجب وضع القدمين على القدمين على الأرض ، فلو أخذ اثنان بعضده ورفعاه في الهواء وركع وسجد بالإيماء حتى صلى لم يصح اه . قال م ر : ولا يضر قيامه على ظهر قدميه من غير عذر خلافاً لبعضهم لأنه لا ينافي اسم القيام ، وإنما لم يجز نظيره في السجود لأن اسمه ينافي وضع القدمين المأمور به ثم اه قوله : ( فإن عجز عن ذلك ) أي عن الانتصاب المفهوم من قوله وشرط القيام نصب ظهر المصلي الخ قوله : ( أو غيره ) أي كمرض .(2/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
قوله : ( كذلك ) أي كراكع قوله : ( إن قدر على الزيادة ) فلو لم يقدر على الزيادة فهل يسقط الركوع لتعذره كما سيأتي نظيره في الاعتدال ، أو يلزمه المكث زيادة على واجب القيام ليجعلها عن الركوع وكذلك زيادة يجعلها عن الاعتدال ؟ فيه نظر والذي استوجهه ابن حجر الثاني ونقله ع ش على م ر ، وأقره وقرره شيخنا . وعبارة ابن حجر : فإن لم يقدر لزمه المكث زيادة على واجب القيام ويصرفها للركوع بطمأنينته ثم للاعتدال كذلك اه . وقال القليوبي على الجلال : ويتجه أنه إن قدر على الإيماء برأسه ثم بطرفه ثم الإجراء على قلبه لزمه ذلك ومثله في حاشيته على الشرح قوله : ( ولو أمكنه القيام متكئاً على شيء ) أي كعكازة لا رجل فهذا غير ما تقدم في المعين لأن المعين هناك رجل ، فاندفع قول ق ل هذا مكرر مع ما تقدم قوله : ( لزمه ذلك ) أي ما أمكنه قوله : ( ولو عجز عن ركوع وسجود الخ ) أي لعلة بظهره مثلاً تمنعه من الانحناء ش م ر .
قوله : ( فإن عجز أومأ إليهما ) أي برأسه فقط ، فإن عجز فبأجفانه كما قرره شيخنا . قال الحلبي : فبعد الإيماء للسجود الأول يجلس ثم يقوم ويومىء للسجود الثاني حيث أمكنه الجلوس ، والظاهر أن قيامه للإيماء للسجود الثاني لا حاجة إليه لأنه يكفي إيماؤه له في حال جلوسه لأنه أقرب لمحل السجود قوله : ( أو عجز عن قيام بلحوق مشقة شديدة ) المراد بها ما يذهب الخشوع أو كماله ق ل قوله : ( على وركيه ) أي أصل فخذيه وهو الأليان كما في شرح المنهج قوله : ( للنهي عن الإقعاء في الصلاة ) وجه النهي ما فيه من التشبه بالكلب والقرد كما وقع التصريح به في بعض الروايات م ر . قال بعضهم :
والنقر في الصلاة كالغراب
وجلسة الإقعاء كالكلاب
اه .
قوله : ( بين السجدتين ) أي وفي التشهد الأول وكذا في جلسة الاستراحة م ر قوله : ( أطراف أصابع رجليه ) أي بطونها .(2/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
قوله : ( ثم ينحني ) عطف على قعد قوله : ( فإن عجز ) الضمير راجع للمصلي مضطجعاً أو مستلقياً أو قاعداً كذلك لا أنه راجع للمصلي قائماً لأنه تقدم ، ولأن المصلي قائماً إذا عجز عن ذلك ليس له الإيماء بل له مرتبة قبل الإيماء ، وهي أن يحرك رأسه وعنقه . وبهذا التقرير اندفع ما لبعضهم هنا من أنه مكرر مع ما تقدم . والمراد بقوله : فإن عجز أي في الفرض بأن ناله منه المشقة الحاصلة بالقيام شرح م ر قوله : ( عن الجنب ) أي عن الاضطجاع على الجنب قوله : ( استلقى على ظهره ) أي وأخمصاه للقبلة شرح المنهج قوله : ( ومقدم بدنه ) عطف عام قوله : ( وهي مسقوفة ) فإن لم يكن لها سقف اتجه منع الاستلقاء على ظهره كما في شرح م ر . وأفهم أنه يكفي أن ينام على وجهه إذا كان بها لأنه حينئذ مستقبل أرضها ، وبه صرح بعضهم ، ونقله الحلبي عن الأسنوي قوله : ( ويركع ويسجد ) فيجب القعود لهما إن أمكن ق ل . قوله : ( فإن عجز عن ذلك ) أي عن الركوع والسجود في حالة الاضطجاع والاستلقاء كما قرره شيخنا قوله : ( فببصره ) أي أجفانه كما عبرّ به في شرح المنهج وهو واضح لأنه محسوس بخلاف الإيماء بالبصر ، وقد يقال : أطلق الملزوم وأراد اللازم إذ الإيماء بالبصر يلزمه الإيماء بالأجفان م د . قوله : ( أفعال الصلاة ) أي قولية أو فعلية بأن يمثل نفسه قائماً وقارئاً وراكعاً الخ ولا إعادة عليه ، والقول بندرته ممنوع ويعلم من صنيعه أن المومىء لا يجب عليه الإجراء وبه صرح الإمام اه ح ل . قوله : ( مناط التكليف ) أي متعلقه وهو العقل لأن التكليف متوقف على العقل قوله : ( وللقادر على القيام النفل قاعداً الخ ) وإذا نوى النفل في حال قيامه فله أن يكبر للإحرام قبل انتصابه وتنعقد به صلاته ، وله أن يحرم به ولو في حال اضطجاعه ثم يقوم ويصلي قائماً .
تنبيه : لو احتاج في الفرض إلى القعود لقراءة الفاتحة لعدم حفظه لها وهي مكتوبة بالأرض ، وإلى استدبار القبلة لذلك بأن كانت مكتوبة خلف ظهره في جدار ، أولهما معاً(2/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
كالمكتوبة خلفه في الأرض فعل ما يمكنه قراءتها فيه ثم عاد إلى القبلة ق ل . وفي ع ش على م ر : وقع السؤال في الدرس عما لو تعارض عليه القيام والستر ، هل يقدم الأول أو الثاني ؟ فيه نظر . والجواب أن الظاهر مراعاة الستر . ونقل ذلك أيضاً عن فتاوى الشارح فراجعه وهو موافق لما قدمه يعني م ر من أنه إذا تعارض عليه القيام والاستقبال يقدم الاستقبال . قال : لأنه لم يسقط في الصلاة بحال مع القدرة عليه بخلاف القيام ، فإنه يسقط في النافلة مع القدرة وهذا مثله فإن الستر لا يسقط مع القدرة عليه بحال بخلاف القيام .
قوله : ( ولا تسقط عنه الصلاة ) قال الأئمة الثلاثة : إن فرض الصلاة لا يسقط عن المكلف ما دام عقله ثابتاً ولو بإجراء الصلاة على قلبه . وقال الإمام أبو حنيفة : إن من عاين الموت وعجز عن الإيماء برأسه سقط عنه الفرض ، وعليه عمل الناس سلفاً وخلفاً ، فلم يبلغنا أن أحداً منهم أمر المحتضر بالصلاة ، ووجه قول الإمام أبي حنيفة المتقدم أن من حضره الموت صار قلبه مع الله تعالى أعظم من اشتغاله بمراعاة الأفعال لأن الأفعال والأقوال التي أمرنا الشارع بها في الصلاة إنما أمرنا بها وسيلة إلى الحضور مع الله تعالى فيها والمحتضر انتهى سيره إلى الحضرة وتمكن فيها فصار حكمه حكم الولي المجذوب ، وهنا أسرار لا تسطر في كتاب فافهم انتهى ميزان . قال الزيادي : وأما ما نقل عن بعض الإباحيين من أن العبد إذا بلغ غاية المحبة في الله وصفا قلبه واختار الإيمان على الكفر من غير نفاق سقط عنه الأمر والنهي ، ولا يدخل النار بارتكاب الكبائر فرده التفتازاني بأنه كفر وضلال ، فإن أكمل الناس في المحبة والإيمان الأنبياء خصوصاً حبيب الله مع أن التكاليف في حقهم أتمّ اه قوله : ( ومضطجعاً ) ويجب عليه الجلوس للركوع والسجود وإتمامهما والجلوس بينهما ق ل قوله : ( مع القدرة على القيام الخ ) الأولى أن يقول مع القدرة على القعود لأن القدرة على القيام تقدم في أول المسألة بل هو فرض المسألة كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فله نصف أجر القائم ) قال م ر في شرحه : والمعتمد تفضيل العشر ركعات من قيام على عشرين من قعود لأنها أشق . ثم قال : وصورة المسألة ما إذا استوى الزمان الخ خلافاً لما في حاشية ق ل من عكس ذلك . ومحل نقصان الأجر مع القدرة في حق غير النبيّ ، أما هو فمن خصائصه أن تطوعه قاعداً مع قدرته كتطوعه قائماً ومثله بقية الأنبياء ، فلا ينقص أجرهم بالقعود أو الاضطجاع عن أجر القائم .(2/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
قوله : ( تكبيرة الإحرام ) وتكبيرة الإحرام من خصوصيات هذه الأمة ، وأما الأمم السابقة فكانوا يدخلون في الصلاة بالتسبيح والتهليل ع ش . والحكمة في افتتاح الصلاة بالتكبير استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلىء إيماناً فيحضر قلبه ويخشع ولا يعبث ، وإنما اختص بلفظ التكبير دون التعظيم لأن لفظه يدل على القدم والتعظيم على وجه المبالغة ، والأعظم لا يدل على القدم وكلها تقتضي التفخيم لكنها تتفاوت ولهذا قال النبيّ : ( سُبْحَانَ ااَ نصْفَ المِيزَانَ ، والحَمْدُ دِ تَمْلأُ المِيزَانَ وَااُ أَكْبَرُ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ) شرح م ر . وفي البحر للروياني وجه أن تكبيرة الإحرام شرط لأنه لا يدخل في الصلاة إلا بفراغها فليست داخلة الماهية . ثم أجاب بأنه بفراغه منها يتبين دخوله في الصلاة من أولها فإذا أتى بمبطل في أثناء التكبيرة لم تنعقد صلاته قوله : ( بلغة العربية ) وبه قال مالك وأحمد إنه إذا كان يحسن العربية وكبر بغيرها لم تنعقد صلاته . وقال أبو حنيفة : تنعقد بذلك . ووجه الثاني كون الحق تعالى عالماً بجميع اللغات ، فلا فرق بين اللغة العربية ولا بين غيرها ، ووجه الأول التعبد بما صحّ عن الشارع من لفظ التكبير بالعربية فهو أولى قوله : ( للقادر عليها ) أي على العربية قوله : ( وتقديم لفظ الجلالة الخ ) فلو قدم لفظ أكبر بأن قال : أكبر الله لم يعتدّ بلفظ أكبر ، فإن أتي به بعد لفظ الجلالة اعتد به إن قصد بالجلالة الابتداء . فإن قلت : ما الفرق بينه وبين ما يأتي من أنه يكفي عليكم السلام في التحلل مع الكراهة ؟ قلت إن عكس السلام ليس بملبس بخلاف عكس التكبير فإنه لا يكون نصاً في دلالته على العظم لأنه إذا قدم أكبر ربما حمل على الأبلغية في الجسم ونحوه من صفات الحوادث انتهى ابن حجر . وأيضاً عليكم السلام يؤدي معنى السلام عليكم بخلاف أكبر الله .
قوله : ( وعدم مدّ همزة الجلالة ) ويجوز إسقاطها إذا وصلها بما قبلها نحو إماماً أو مأموماً الله أكبر ق ل . لكنه خلاف الأولى كما في شرح م ر . واقتصاره على همزة الله يفيد الضرر في همزة أكبر إذا وصلها لأنها همزة قطع وبه صرح بعضهم اه عبد البر . ويغتفر في حق العامي إبدال همزة أكبر واواً ، وفي حق العامي إبدال كاف أكبر همزة لعجزه كما في المدابغي على التحرير قوله : ( وعدم مدّ باء أكبر ) لأنه يصير جمع كبر بالفتح وهو اسم طبل له وجه واحد قوله : ( وعدم تشديدها ) أي الباء بخلاف الراء فإنه لا يضر تشديدها قوله : ( وعدم زيادة واو ساكنة ) وظاهر إطلاقهم أن الجاهل إذا أتى بالواو بين الكلمتين لا يضر ، وإن لم يكن معذوراً بخلاف العالم بذلك اه م د .(2/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
قوله : ( وعدم واو الخ ) ويفرق بينه وبين السلام عليكم بأنه تقدمه مناجاة تؤذن بسلامة صاحبها ، ويعطف على ذلك المتضمن وهو سلامة صاحبها سلاماً على غيره من المؤمنين بخلاف التكبير فإنه لم يتقدم ما يعطف عليه اه م د قوله : ( وعدم وقفة طويلة ) بأن زادت على سكتة التنفس والعيّ كما في العباب قوله : ( ومقتضاه ) أي التقييد ، وقوله : إن اليسيرة أي بأن تكون بقدر ثلاثة أسماء يفصل بها قوله : ( من لغط وغيره ) كصمم قوله : ( وإلا ) أي إن لم يكن صحيح السمع أو كان هناك مانع قوله : ( لو لم يكن أصم ) الأولى أن يقول لو لم يكن مانع لأنه المذكور ثم ظهر أن الأولى أن يزيد بعد قوله أصم ، ولو لم يكن مانع لأنه مقابل لقوله إذا كان صحيح السمع ولا مانع .
قوله : ( ودخول وقت الفرض ) كان ينبغي إسقاطه لأن شرط الصلاة دخول وقتها فلا يختص بالتكبير
قوله : ( وتأخيرها عن تكبيرة الإمام ) أي جميعها ، فلو قارنه في جزء منها لم تصح القدوة ولا تنعقد صلاته ق ل إلا في صورتين ، فيجوز فيهما تقدم تحرم المأموم على الإمام ما لو أحرم منفرداً وأدخل نفسه في الجماعة الثانية لو أحرم الإمام وأحرم القوم خلفه ، ثم شك في نيته هو أعاد التكبيرة مع النية بحيث يسمع نفسه ويستمر على الإمامة قوله : ( فهذه خمسة عشر ) ويشترط أيضاً أن لا تبدل همزة أكبر واواً ولا كافها همزة ، فلا يصح من العالم في الأولى ولا من العالم العامد القادر في الثانية . وسيأتي اشتراط اقترانها بالنية . ويضم لذلك أيضاً أن لا يزيد في المدّ على الألف التي بين اللام والهاء إلى حدّ لا يراه أحد من القراء وهو عالم بالحال ق ل ، بأن لا يزيد على أربع عشرة حركة كما قاله ابن حجر ، فإن زاد عليها ضر كما قاله المدابغي . وبقي من الشروط عدم الصارف ، فلو نوى بها التحرم والانتقال من القيام إلى الركوع إذا نوى والإمام راكع ضر بخلاف ما لو نوى بها الإحرام والإعلام فإنه لا يضر ، أما لو قصد الإعلام فقط أو أطلق فيضر . ونقل الرحماني عن م ر كلاماً ثم قال : وحاصله أن تكبيرة الإحرام لها أحوال ستة لمسبوق أدرك الإمام راكعاً واحدة تنعقد فيها الصلاة ، وهي ما إذا قصد بها الإحرام وحده وأوقع جميعها في محل تجزىء فيه القراءة والخمسة الباقية لا تنعقد فيها ، وهي ما إذا شرّك بين الإحرام وتكبيرة الانتقال أو قصد الانتقال فقط أو نوى أحدهما مبهماً ، أو أطلق ، أو شك هل نوى التحرم وحده أم لا اه بحروفه .(2/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
قوله : ( ثم اقرأ الخ ) هو محمول على الفاتحة لما صح من قوله للمسيء صلاته ( كَبرِّ ثُمَّ اقْرَأْ بِأمِّ القُرْآنِ ثُمَّ اَفْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) اه . قوله : ( حتى تعتدل قائماً ) فيه إشارة للطمأنينة قوله : ( ثم ارفع ) أي من السجود قوله : ( كما رأيتموني ) أي علمتموني لأن الأقوال لا ترى وأيضاً نحن لم نره قوله : ( كالله الأكبر ) ووصل همزة الله أكبر بما قبلها خلاف الأولى ، وذهب ابن عبد السلام إلى الكراهة وإنما لم تبطل لأنه لم يترك حرفاً ثابتاً في الدرج اه م ر قوله : ( وكذا كل صفة الخ ) خرج بالصفة غيرها كالضمير والنداء والذكر والكلام الأجنبي نحو الله هو أكبر والله يا رحيم أكبر والله سبحانه أكبر والله من كل شيء أكبر بخلاف من أخرّ هذه عن أكبر كالله أكبر من كل شيء فلا يضر ق ل قوله : ( إن لم يطل بها الفصل ) بأن لم تزد على ثلاث كلمات قوله : ( فإن طال ) بأن زاد على ثلاث كلمات كالله لا إله إلا هو أكبر فإنه يضر خلافاً لشيخ الإسلام حيث زاد الملك القدوس ، وتبعه الشارح مع أنهما ليسا بقيد في البطلان بل تبطل مع عدم ذكرهما كما قاله ع ش ، فلا يتقيد البطلان بما قاله الشارح ق ل وسم . قوله : ( ولو لم يجزم الراء من أكبر الخ ) وكذا لو كررها أو شددها ، ولو فتح الهاء من الله أو كسرها أو ضمها لم يضر اه إ ط ف قوله : ( النخعي ) نسبة إلى نخع بنون وخاء معجمة مفتوحتان قبيلة من قبائل العرب ، وصرح ابن حجر بأن اسمه إبراهيم قوله : ( وعلى تقدير وجوده ) أي وروده .
قوله : ( أن لا يقصر التكبير ) هذه سنن تكبيرة الإحرام القولية وسيأتي سننها الفعلية المذكورة بقوله : وسن رفع يديه الخ . والتقصير المنفي أن يمده بقدر المد الطبيعي وعدم تقصيره بأن يزيد على المد الطبيعي وهذا هو المسنون قوله : ( بل يأتي به مبيناً ) أي مفهوماً(2/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
قوله : ( والإسراع ) أي مع عدم التقصير قوله : ( لئلا تزول النية ) أي تعزب في مدّه بخلاف تكبير الانتقالات لا يسرع به لئلا يخلو تمام الانتقال عن التكبير إذ يندب تطويله إلى كمال الركن الذي يليه قوله : ( وأن يجهر ) أي لا بقصد الإعلام فقط ولا مطلقاً بل بقصد الذكر وحده أو مع الإعلام قوله : ( ليسمع المأمومين ) علة غائية ، حتى لو قصد بها إسماعهم فقط ضرّ وكذا إن أطلق كما في المبلغ في تكبيرات الانتقالات بخلاف ما إذا قصد مع إسماعهم التحرم فإنه لا يضر جزماً اه ح ل قوله : ( بحسب الحاجة ) صريحة أنه إذا لم يحتج لذلك لا يطلب . قال ق ل : هل يشمل ما إذا ترتبوا في التبليغ واحداً خلف واحد لكثرة القوم وما إذا اجتمعوا عليه ؟ فراجعه .
قوله : ( وأبو بكر رضي الله عنه يسمعهم ) أي يبلغ خلفه ق ل قوله : ( وخرج منها ) أي وحرم عليه ذلك إن كان في فريضة إذ قطع الفرض حرام ، فإن كان في نافلة واستدام الصلاة مع الخروج بالشفع حرم أيضاً لتعاطيه عبادة فاسدة وإلا فلا لكن يكره اه . قرره شيخنا وهو وجيه اه ا ج وفي القول التام لابن العماد : يقع لكثير من الموسوسين أنه يحرم بالصلاة ثم يتوسوس في صحتها فيخرج نفسه من الصلاة بالتسليم ، ثم ينوي الصلاة ثانياً وهو آثم على كل حال لأن الصلاة الأولى إن لم تكن انعقدت فلا حاجة في الخروج منها إلى التسليم ، والإتيان بالعبادة الفاسدة في غير موضعها حرام ، وإن كانت صلاته انعقدت حرم عليه قطعها خلافاً للإمام والغزالي فإنهما جوّزا قطع الفريضة إذا كان الوقت متسعاً ولهذا الوجه يجب تخصيصه بغير الجمعة ، أما الجمعة فالخروج منها حرام بكل حال .
قوله : ( أخرى ) التعبير بأخرى غير ظاهر لأنه نوى افتتاح الصلاة التي هو فيها لا غيرها قوله : ( بطلت صلاته ) لأنه يشترط في الأركان عدم الصارف وقصده الافتتاح بالثانية يتضمن إبطال الأولى فصار ذلك صارفاً عن الدخول بها لضعفها عن تحصيل أمرين الخروج والدخول معاً فيخرج بالأشفاع لذلك . وقوله : أو افتتاحاً لا ينافي قوله السابق ناوياً بكل منها الافتتاح لأن هذا فيما إذا نوى الافتتاح بينهما ، وما سبق فيما إذا نوى الافتتاح بالتكبير اه م د .(2/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
فرع : لو شك في أنه أحرم أو لا فأحرم قبل أن ينوي الخروج من الصلاة لم تنعقد لأنا نشك في هذه التكبيرة أنها شفع أو وتر فلا تنعقد مع الشك وهذا من الفروع النفيسة اه شرح م ر .
قوله : ( فإن لم ينو بغير التكبيرة الأولى ) مقابل لقوله ناوياً بكل منها الخ قوله : ( ومحل ما ذكر ) أي من دخوله بالأوتار وخروجه بالأشفاع كما قرره شيخنا
قوله : ( أما مع السهو ) كأن نسي أنه كبر أو لا فكبر ثانياً قاصداً الافتتاح فلا تبطل بالثانية قوله : ( بأي لغة شاء ) فارسية أو عبرانية أو سريانية أو غيرها ، فيأتي بمدلول التكبير بتلك اللغة . قال في شرح الروض وترجمته بالفارسية : خداى بزر كتر بضم الباء الموحدة والزاي وسكون الراء والكاف بمعنى الله كبير ، وتر بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الراء أداة تفضيل ، فهو أي كبير معها بمعنى أكبر فلا يكفي خداى بزرك لتركه التفضيل كالله كبير . وما ذكرناه من الضبط تلقيناه من كتاب نعمة الله في اللغة الفارسية اه قرره شيخنا الحفناوي أيضاً ، فإن عجز عن الترجمة هل يجب ذكر بدلها كالقراءة أو تكفي النية بالقلب ؟ قال ع ش : قياس القراءة أن يأتي بذكر بدلها كما قاله الأجهوري والفارسية أولى إن أحسنها قوله : ( ولو بسفر ) أي أطاقه بأن وجد المؤن المعتبرة في الحج . نعم استقرب ابن حجر وجوب المشي على القادر عليه وإن طال ، كمن لزمه الحج فوراً فراجعه ، قال المدابغي : فلو قصر في التعلم وجب القضاء لما قصر بالتعلم فيه دون غيره ، فإن ضاق الوقت عن التعلم صلى وأعاد ، وإمكان التعلم من الإسلام إن طرأ وإلا فمن البلوغ على المعتمد ، والأخرس ونحوه إن طرأ خرسه أو نحوه بعد معرفة التكبير والقراءة وغيرهما من الذكر الواجب يجب عليه تحريك لسانه وشفتيه ولهاته قدر إمكانه بخلاف الخلقي ، ويجب على السيد تعليم غلامه العربية لأجل التكبير ونحوه ، أو تخليته ليكتسب أجرة تعلمه ، فإن لم يعلمه واستكسبه عصى بذلك اه . فإن عجز عن التكبيرة بكل وجه فيدخل بالصلاة بدونها كالأخرس كما قاله ابن شرف .
قوله : ( منكبيه ) المنكب مجمع عظم العضد والكتف والعضد ما بين المرفق إلى الكتف(2/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
وفيه خمس لغات وزان رجل وبضمتين في لغة الحجاز ، وقرأ بها الحسن في قوله تعالى ) وما كنت متخذ المضلين عضداً } ) الكهف 51 ) ومثال كبد في لغة بني أسد ، ومثال فلس في لغة تميم ، والخامسة مثال قفل قال أبو زيد : أهل تهامة يؤنثون العضد ، وبنو تميم يذكرون والجمع أعضد وأعضاد مثل أفلس وأقفال اه مصباح اه ع ش . قوله : ( وراحتاه ) أي ظهرهما قوله : ( قرن النية ) أي قرن المنوي وهو أركان الصلاة تفصيلاً مع التعيين ونية الفرضية ، ويقصد فعل ذلك وإيقاعه في الخارج من أول التكبير الخ قوله : ( بتكبيرة الإحرام ) أي بجميعها ، وهل يشترط مقارنتها للزيادة الفاصلة المغتفرة فيه نظر ، ولا يبعد الاشتراط كما نقل عن شيخ الإسلام صالح البلقيني وهو ظاهر كلامهم كما في فتاوى شيخنا الشهاب م ر . ثم قال : وعندي لا يجب لاغتفار الفصل وكلامهم على الغالب ، وهو عدم الفصل ابن قاسم شوبري .
قوله : ( لأنها أول الأركان ) أي فوجب مقارنتها لذلك كالحج وسائر العبادات بخلاف الصوم كما مّر .
قوله : ( بأن يقرنها ) هو من باب نصر ينصر كقتل يقتل ، وفيه لغة من باب ضرب مصباح والمراد بقرنها تفصيلاً كما أشار إليه في التحفة وكما يدل له المقابلة بما اختاره الغزالي والنووي بناء على أن المراد بالمقارنة العرفية المقارنة الإجمالية . واعلم أن للقوم هنا أربعة أشياء : استحضار حقيقي بأن يستحضر جميع أركان الصلاة تفصيلاً ومقارنة حقيقية بأن يقرن ذلك المستحضر بجميع أجزاء التكبيرة ، واستحضار عرفي بأن يستحضر الأركان إجمالاً ومقارنة عرفية بأن يقرن ذلك المستحضر بجزء ما من التكبير والمعتمد في المذهب أنه لا بد من الأوّلين عند م ر . وإن اكتفى بعض المتأخرين بالأخيرين لما قيل إن الاستحضار الحقيقي مع القرن الحقيقي لا تطيقه الطبيعة البشرية ، بل يكفي الاستحضار العرفي مع القرن العرفي . إذا علمت ذلك علمت أن قول الشارح بحيث يعد الخ ليس بياناً للمقارنة العرفية لما علمت أن الاستحضار العرفي والمقارنة العرفية متغايران بل هو متعلق بمحذوف ، تقديره كما اكتفى بالاستحضار العرفي بحيث يعد الخ فالحيثية بيان للاستحضار العرفي . واعتمد الحفني والعشماوي الاكتفاء بالاستحضار العرفي والمقارنة العرفية ، ومعنى عده مستحضراً استحضاره الأركان إجمالاً كما مّر قوله : ( ويستصحبها ) بأن يستحضر في ذهنه ذات الصلاة تفصيلاً وما يجب التعرض له من كونها(2/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
ظهراً وفرضاً ، ثم يقصد فعل هذا المعلوم ويجعل قصده هذا مقارناً لأول التكبير ، ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير فلا يكفي توزيعها عليه ، ونازع فيه إمام الحرمين بأنه لا تحويه القدرة البشرية ، ومن ثم اختار النووي الخ زيادي . لا يقال استحضاره الكل ممكن في أدنى لحظة كما صرّح به الإمام نفسه . لأنا نقول ذاك من حيث الإجمال وما نحن فيه من حيث التفصيل اه عبد البر . قوله : ( عند العوام ) هل هو متعلق بالاكتفاء أي يكفي للعوام المقارنة العرفية أو بالعرفية أي العرفية عند العوام ، وحينئذ ما المراد بهم ؟ وقد أسقط هذه الكلمة في شرح المنهج فليحرر شوبري . أقول : الظاهر أنه يصح تعلقه بكل منهما ، وعلى الأول فالمراد بالعوام العاميون ، وعلى الثاني فالمراد بهم عامة الناس . والثاني هو المعتمد فليتأمل مدابغي على التحرير . قال شيخنا الحفني : المراد بالاستحضار العرفي القصد والتعيين ونية الفرضية كما تلقيناه عن شيخنا الخليفي ، وهو عن شيخه منصور الطوخي عن شيخه الشيخ سلطان المزاحي عن شيخه الشوبري عن الرملي الصغير عن شيخ الإسلام . قال الشيخ منصور الطوخي : هذا مذهب الشافعي . وقوله عن الرملي الصغير هو مخالف لما في شرحه من المقارنة الحقيقية ، وعبارة الرحماني ولو تخلل التكبير ما لا يمنع الانعقاد لم يشترط مقارنة النية له هذا ما اعتمده م ر . ولا تكفي مقارنتها له في المقارنة الإجمالية .
قوله : ( ولي بهما أسوة ) هو من كلام الشارح وذهب الأئمة الثلاثة إلى الاكتفاء بوجود النية قبل التكبير اه عميرة .
قوله : ( والوسوسة عند تكبيرة الإحرام الخ ) ذكر بعضهم أن الوسوسة لا تكون إلا للكاملين ، وهو غير مناف لقول الشارح الوسوسة خبل في العقل أو جهل في الدين لأن هذا محمول على نوع خاص من الوسوسة ، وهو الاسترسال مع الوسواس . وكلام الأول يحمل على من يجاهد الشيطان في وسوسته ليثاب الثواب الكامل ، قاله شيخنا الملوي : قال جرير بن عبيدة العدوي : شكوت إلى العلاء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة . فقال : إنما مثل ذلك مثل البيت الذي تمر فيه اللصوص ، فإن كان فيه شيء عالجوه وإلا مضوا وتركوه . يعني أن القلب إذا اشتغل بذكر الله تعالى لا يبقى للشيطان عليه سبيل ولكنه يكثر فيه الوسوسة وقت فتوره عن الذكر ليلهيه عن ذكر الله ، فالعبد مبتلى بالشيطان على كل حال لا يفارقه ولكنه يخنس إذا ذكر الله تعالى . قال قيس بن الحجاج : قال لي شيطاني : دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا اليوم مثل العصفور . فقلت : لم ذلك ؟ قال : لأنك تذيبني بكتاب الله تعالى وقال عثمان بن العاص رضي الله عنه يا رسول الله الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال ( ذَلِكَ شَيْطَانٌ(2/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
يُقَالُ لَهُ خَنْزُبْ إِذَا حَسَسْتُهُ فَتَعُوّذْ بِالله مِنْهُ وَاتْفُلْ عَلَى يَسَاركَ ثَلاثاً ) قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . فمن كثرت وسوسته في الصلاة فليستعذ بالله من الشيطان ، ويقول : اللهم إني أعوذ بك من شيطان الوسوسة خنزب ثلاث مرات فإن الله يذهبه . وكان الأستاذ أبو الحسن الشاذلي يعلم أصحابه لدفع الوسواس والخواطر الرديئة : من أحسّ بذلك فليضع يده اليمنى على صدره ويقول : سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال سبع مرات ثم يقول : ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } ) إبراهيم : 19 و 20 ) ويقول ذلك المصلي قبل الإحرام . وفي الخبر ( إِنَّ لِلْوَضُوءِ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ الَولْهَانُ ، فَاسْتَعِيذُوا بِاالله مِنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي إِلَى المُتَوَضِّىءِ فَيَقُولُ لَهُ : مَا أَسْبَغْتَ وَضُوءَكَ ، مَا غَسَلْتَ وَجْهَكَ ، مَا مَسَحْتَ رَأْسَكَ ، وَيُذَّكِّرُهُ بِأَشْيَاءٍ يَكُونُ فَعَلَهَا ، فَمَنْ نَاَبَه شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِااِ مِنَ الوَلْهَانِ فَإِنَّ ااَ يَصْرفهُ عَنْهُ ) قال الشيخ محيي الدين النووي في شرح مسلم : خنْزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة ثم باء موحدة . واختلف العلماء في ضبط الخاء فمنهم من فتحها ومنهم من كسرها ، وهذا مشهور ومنهم من ضمها حكاه ابن الأثير في نهاية الغريب والمعروف الكسر والفتح .
وقال بعض العلماء : يستحب قول لا إله إلا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما ، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس أي تأخر ، ويعيد لا إله إلا الله لأنها رأس الذكر . وقال السيد الجليل أحمد بن الجوزي : شكوت إلى أبي سليمان الدارني رضي الله عنه الوسواس فقال : إذا أردت أن ينقطع عنك في أي وقت أحسست به فافرح ، فإذا فرحت به انقطع عنك فإنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن ، فإذا اغتتمت به زادك . قال الشيخ محيي الدين النووي : وهذا ما قاله بعض العلماء أن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه ، فإن اللص لا يقصد بيتاً خراباً كما ذكره اليافعي في كتابه الدرّ النظيم في فضائل القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم .
ويروى عن عمر بن عبد العزيز أن رجلاً سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب ابن آدم ، فرآى في النوم جسد رجل شبه البلور يرى داخله من خارجه ، ورأى الشيطان في صورة ضفدع قاعداً على منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه ، فإذا ذكر الله خنس . وكان محمد بن واسع رحمة الله عليه يقول بعد صلاة الصبح كل يوم : اللهم إنك سلطت علينا بذنوبنا عدوّاً بصيراً بعيوبنا ، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم ، فآيسه منا كما آيسته من رحمتك ، وقنطه منا كما قنطته من عفوك ، وبعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك إنك على كل شيء قدير . فتمثل له إبليس يوماً في الطريق فقال : يا ابن واسع هل تعرفني ؟ قال : ومن أنت ؟ قال : إبليس . قال : وما تريد ؟ قال : أريد أن لا تعلم أحداً هذه الاستعاذة . فقال : لا والله لامنعتها ممن أرادها فاصنع الآن ما شئت . والحكمة في أن الجان يرونا ونحن لا نراهم أن الجان خلقوا من الريح ،(2/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
وأصل الريح لا يرى فكذلك ما خلق منه . وقيل : إن المؤمن في ضوء الإيمان والكافر منهم في ظلمة الكفر والذي في الظلمة يرى من في النور والذي في النور لا يرى من في الظلمة وهذا مخدوش بمؤمنهم فالأول أظهر إن ثبت أن الجان خلقوا من الريح اه . كذا في تحفة السائل .
قوله : ( ولا يجب استصحاب الخ ) أي ذكراً بكسر الذال أي باللسان ، وأما حكماً فلا بد من ذلك كما تقدم .
قوله : ( كما في عقد الإيمان ) أي الجزم به قوله : ( بخلاف الوضوء ) أي فلا يبطل ما مضى منه نية الخروج منه على الأصح ، لكن يحتاج لنية لما بقي . قال أئمتنا في العبادات : في قطع النية أربعة أضرب : الأول : الإسلام والصلاة فيبطلان بنية الخروج منهما بلا خلاف . الثاني : الحج والعمرة لا يبطلان بذلك بلا خلاف لأنه لا يخرج منهما بالإفساد . الثالث : الصوم والاعتكاف لا يبطلان بذلك على الأصح كالحج . الرابع : الوضوء لا يبطل بذلك ما مضى منه على الأصح لكن يحتاج إلى نية لما يبقى اه مرحومي . قوله : ( سورة الفاتحة ) كان الأولى إسقاط لفظ سورة وإبقاء المتن على حاله لأنه سيأتي أن من أسمائها الفاتحة لا سورة الفاتحة ، أو هو من إضافة المسمى إلى الاسم أي قراءة السورة المسماة بالفاتحة ، وهي مما نزل قديماً فكان النبي يقرؤها في صلاته التي كان يصليها قبل فرض الصلوات من قيام الليل وركعتي الغداة والعشي . وقد ذكر الله تعالى في هذه السورة من الأسماء الحسنى خمسة : الله والرب والرحمن والرحيم والملك ، وسره أن يقول خلقتك أوّلاً فأنا إله ، ثم ربيتك فأنا رب ، ثم عصيتني فسترت فأنا رحمن ، ثم تبت فغفرت فأنا رحيم ، ثم لا بد من اتصال الجزاء فأنا ملك يوم الدين . وكرر الرحمن الرحيم دون غيرهما من الأسماء تنبيهاً على أن العناية بالرحمة أكثر كما ذكره شيخ الإسلام على البيضاوي قال الشعراني في الميزان وقد استخرج أخي أفضل الدين من سورة الفاتحة مائتي ألف علم ؛ وسبعة وأربعين ألفاً وتسعمائة ، وسبعة وسبعين علماً . وقال : هذه أمهات علوم القرآن العظيم ثم ردها كلها إلى البسملة ثم إلى النقطة التي تحت الباء . وكان رضي الله عنه يقول : لا يكمل الرجل عندنا في مقام المعرفة بالقرآن حتى يصير يستخرج جميع أحكامه وجميع مذاهب المجتهدين منها من أيّ حرف شاء من حروف الهجاء ، ويؤيده قول الإمام عليّ : لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيراً من علوم النقطة التي تحت الباء ، وما من عبد(2/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
يقرؤها من أولها إلى آخرها ويدعو الله بما شاء إلا استجيب له دعاؤه ، ومن داوم على قراءتها رأى العجب ونال ما يرجوه من كل أرب ، ومن واظب على قراءتها إحدى وأربعين مرة إلا فتح الله عليه بلا تعب .
قوله : ( في كل ركعة ) وقد تجب قراءة الفاتحة في الركعة مرة بعد مرة ، كما إذا نذر قراءة الفاتحة كلما عطس فإنه إن عطس في الصلاة وكان في القيام وجب قراءتها ، أو غيره كالركوع والسجود أخرها إلى الفراغ من الصلاة فقرأها لأن غير القيام ليس محل القراءة كذا قرره م ر . فأورد عليه أن شرط نذر التبرر أن يكون المعلق عليه مرغوباً فيه والعطاس ليس مرغوباً فيه . فقال : بل مرغوب فيه لأن فيه راحة للبدن . والحكمة في أن العاطس يجد في نفسه راحة لأن الروح تريد أن تخرج هاربة من الجسد ، وتقول : استخبيت هنا فتجيء إلى كل عضو رجاء أن تخرج منه ، فيصيح ريح من الدماغ فيقول لها : لم يجىء وقت خروجك فتستقر فيه ولهذا يقول الحمد لله لأن روحه استقرت في بدنه ، فأمر الشارع العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة ، فسن التشميت ومعناه هداك الله إلى الشمت وذلك لما في العطاس من الانزعاج والقلق اه . والتشميت بالشين المعجمة وبالسين المهملة فالأول إشارة إلى جمع الشمل لأن العرب تقول : شمتت الإبل إذا اجتمعت في المرعى . والثاني إشارة إلى أنه مروق السمت الحسن . وقد يستحب تكرير الفاتحة في الركعة الواحدة أربع مرات فأكثر ، وذلك إذا قرأها وقد صلى مستلقياً ثم قدر على الاضطجاع ثم القعود ثم القيام ، فإنه يستحب له أن يقرأها في الحالة التي هي أكمل مما قبلها كما في الحلبي على المنهج قوله : ( في قيامها ) أي الركعة ، ومنه القيام الثاني من ركعتي صلاة الكسوف كما في شرح م ر . وإنما قيد بقيامها لأن القراءة في كل ركعة تشمل القراءة في الركوع أو في السجود .
فرع : لو صلى النافلة وأراد أن يقرأ الفاتحة وهو هاوٍ للركوع فله ذلك ، بخلاف ما لو نهض من السجود إلى القيام وأراد أن يقرأ حال نهوضه فإنه يمتنع لأن القيام أكمل من النهوض ، هذا ما اعتمده م ر قياساً على ما قرره في الفرض أنه يقرأ حال هويه الفاتحة أو بدلها لا حال نهوضه لأن المقدور أكمل منه ، فوجب تأخير الفاتحة إليه اه خ ض . وقوله في الفرع : يمتنع وجوّزه بعضهم ، والقياس المذكور قياس مع الفارق لأن النفل يجوز من قعود مع القدرة .
تنبيه : إنما وجب للقيام قراءة وللجلوس الأخير تشهد بخلاف الركوع والسجود والاعتدال والجلوس بين السجدتين لا يجب فيها شيء من الأذكار لالتباس الأولين بالعادة ، فوجب تمييزهما عنها بخلاف الركوع والسجود فإنهما لا يكونان إلا عبادة بذاتهما ، فلم يحتاجا إلى مميز آخر . وأما الأخيران فغير مقصودين لذاتهما بل للفصل ، ومن ثم كانا قصيرين فلم يناسبهما إيجاب شيء فيهما إعلاماً بذلك اه شوبري .(2/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
قوله : ( أو بدله ) سواء كان ذلك البدل مع القدرة وذلك في النفل وهو القعود والاضطجاع ، أو مع العجز وذلك في الفرض وهو القعود والاضطجاع والاستلقاء كما قرره شيخنا اه . قوله : ( لخبر الشيخين الخ ) حاصله أن الدعاوى ثلاثة : قراءة الفاتحة ، وكونها في كل ركعة ، وكونها في القيام أو بدله . وذكر دليل الأولى بقوله : لا صلاة ، ودليل الثانية بقوله كما مّر في خبر المسيء صلاته ، ولعله ترك دليل الدعوى الثالثة لظهوره ولو قال في قيام كل ركعة لأتى بدليلها .
قوله : ( لا صلاة ) أي صحيحة لأن الأصل في النفي أن يكون نفياً للصحة لا للكمال الذي أخذ به بعض الأئمة قاله شيخنا اه برماوي . والأولى في التعليل ما نقله بعض مشايخنا أن نفي الصحة عن الحقيقة أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال عنها كما قاله إمام الحرمين . وقوله : لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب الباء زائدة وظاهره يشمل المأموم ، وقد صرح به في أحاديث أخر وضعف الحافظ خبر ( مَنْ صَلَّى خَلْفَ الإِمامِ فَقِرَاءَةُ الإِمَام قِرَاءَةً لَهُ ) فيقرؤها المقتدي ولو في الجهرية كما جاء عن نيف وعشرين صحابياً ، والأوجه أنه لو قرأ الفاتحة بقصد الذكر لم تجزه عن قراءتها لوجود الصارف ، وقد يشمله قوله الآتي ويجب أن لا يقصد بالركن غيره . قوله : ( لما مر في خبر المسيء صلاته ) وهو قوله : ( ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلَّهَا ) وهو تعليل لقوله في كل ركعة . وإنما استدل على ذلك بخبر المسيء صلاته لأن خبر الشيخين الذي ذكره هنا لا يعين القراءة في كل ركعة بل يشمل توزيع الفاتحة على كل الركعات ، فلذلك قيده بقوله في كل ركعة بدليل خبر المسيء صلاته .
قوله : ( إلا ركعة مسبوق ) يصح أن يكون الاستثناء متصلاً إن قدر في قوله في كل ركعة ، أي فتجب ويستقر وجوبها ، وأن يكون منقطعاً إن قدر فتجب فقط لأن المستثنى نفي الاستقرار وهو ليس من جنس الوجوب . وعبارة ع ش الاستثناء بالنظر لمجرد الوجوب منقطع وبالنظر لكون المراد بالوجوب الاستقرار متصل ، والمراد بالمسبوق بها حقيقة كأن وجده راكعاً أو حكماً كأن زحم عن السجود فإنه في حكم المسبوق بالنسبة للركعة الثانية ، فإذا قام بعد سجوده ووجد الإمام راكعاً ركع معه ، أو كان بطيء القراءة أو الحركة أو نسي أنه في الصلاة وتخلف لقراءة الفاتحة فإنه يغتفر ثلاثة أركان طويلة ، فإذا قرأها ولم يسبق بأكثر منها ومشى على نظم صلاته ثم قام فوجد الإمام راكعاً أو هاوياً للركوع ركع معه وسقطت عنه الفاتحة اه حلبي . وكون هذا في حكم المسبوق ظاهر إذا فسرناه بالذي لم يدرك مع الإمام زمَّنا يسع الفاتحة في الركعة الأولى ، وأما إذا فسر بمن لم يدرك مع الإمام زمناً يسع الفاتحة بأيّ ركعة ، فتكون هذه الصور منه حقيقة . وقال الأجهوري . المراد به من لم يدرك خلف إمامه زمناً يسع الفاتحة بالنسبة لقراءة الوسط المعتدل لا لقراءة إمامه .(2/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
قوله : ( بمعنى أنه لا يستقر وجوبها عليه ) أي فقد وجبت ثم سقطت قوله : ( لتحمل الإمام لها عنه ) بشرط أن لا يكون الإمام محدثاً أو في ركعة زائدة اه عناني . فالمراد بالإمام الأهل للتحمل ، فيدرك الركعة بإدراكه معه ركوعه المحسوب له ، ولو نوى مفارقة إمامه بعد الركعة الأولى ثم اقتدى بإمام راكع وقصد بذلك إسقاط الفاتحة صحت في أوجه احتمالين كما أفتى به الوالد واستقر رأيه عليه آخراً اه .
واعلم أن المأموم إما موافق ، وإما مسبوق والأول من أدرك من قيام الإمام قدراً يسع الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل لا لقراءة نفسه على المعتمد ، والمسبوق من لم يدرك ذلك ، وحكم الشاك حكم الأول على المعتمد ، فالموافق بينه في المنهج بقوله : والعذر كأن أسرع إمام قراءته وركع قبل إتمام موافق الفاتحة فيتمها ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة ، وإلا تبعه ثم تدارك بعد سلامه ، فإن لم يتمها الموافق لشغله بسنة كدعاء الافتتاح فمعذور أي يتخلف ويتمها ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة كما مّر فحكمه حكم بطيء القراءة السابق ، كمأموم علم أو شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة فيقرؤها ويسعى كما مّر وإن كان بعدهما أي بعد ركوعهما لم يعد إليها بل يتبع إمامه ويصلي ركعة بعد سلام إمامه . فالحاصل أن الموافق يعذر فيما إذا كان بطيء القراءة ، وفي الاشتغال بسنة وفي الشك فيعذر في التخلف للقراءة ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة ، فإن فرغ من السجود الثاني وانتصب ووجد الإمام راكعاً فإنه يركع ويتحمل عنه الإمام الفاتحة ومثله مسألة الزحام والنسيان . وحاصل مسألة المسبوق أنه إذا لم يشتغل بسنة وجب عليه أن يركع مع الإمام ، فإن لم يركع معه فاتته الركعة . ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف بركنين من غير عذر ، وإن اشتغل بسنة وظنّ أنه يدرك الإمام في الركوع تخلف لما فاته من الفاتحة ثم بعد تكميلها إن أدرك الإمام في الركوع أدرك الركعة وإلا فاتته ، ويجب عليه بعد رفع الإمام أي من الركوع تكميل ما فاته حتى يريد الإمام الهوي للسجود وإلا فارقه أي ، وإلا بأن أراد أن يهوي للسجود فارقه فإنه تعارض عليه لزوم وفاء ما عليه وبطلان صلاته بتخلفه بركنين ، فإن لم يظن إدراكه في الركوع وجبت عليه نية المفارقة ، فإن تركها بطلت صلاته عند شيخنا ابن قاسم . وقال شيخنا م ر : لا تبطل إلا إن تخلف بركنين بلا مفارقة ، وأما إثمه فمحل وفاق اه سبط الطبلاوي والوسوسة ليست عذراً كما قاله ع ش .
قوله : ( في كل موضع ) أي في كل صورة فليس الموضع شاملاً لموضع العذر وهو الركعة الأولى ، إذ الفاتحة لا تسقط فيها لأنه قرأها فيها ، وسقوط الفاتحة إنما يحصل في الثانية فظاهر إطلاق الشارح حيث قال في كل موضع ليس مراداً على إطلاقه وإنما المراد بالموضع(2/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
الصورة كما علمت قوله : ( تخلف الخ ) الجملة صفة لعذر لأن الجمل بعد النكرات صفات ، وجملة الصور التي استثنوها اثنتا عشرة صورة كما سيأتي في باب القدوة قوله : ( بأربعة أركان ) صوابه ثلاثة أركان طويلة لأن الرابع يجب تبعية الإمام فيه ، ولا يخفى ما في كلامه من الخلل إذ الركعة التي زال العذر فيها لم تسقط الفاتحة فيها ، فالمراد الركعة التي بعدها بأن قرأ الفاتحة في ركعة العذر وجرى على نظم صلاة نفسه ، فلما قام للركعة التي بعدها رأى الإمام راكعاً فإنه يركع معه وتسقط عنه الفاتحة ق ل . وقوله صوابه ثلاثة أركان بأن ركع قبل وصول إمامه لمحل يجزىء فيه القراءة ، أو قبل وصوله إلى محل يجزىء فيه التشهد إن كان يقعد م ر . قال ا ج : يمكن الجواب عن المؤلف بأن الإمام لما سبقه بالقيام زيادة على الثلاثة عده رابعاً إذ فرض المسألة أن المأموم حين قام رأى الإمام راكعاً تأمل . وقوله : لم تسقط الفاتحة فيه أنه ليس في كلامه ما يقتضي سقوط فاتحة الأولى .
قوله : ( وزال عذره ) أي وأتي بما عليه والإمام راكع ، فلا يقال إن زوال العذر كالزحمة قبل ركوع إمامه ، بل المراد بزوال العذر إتيانه بما عليه وهو أولى ليشمل بطيء القراءة فإنه لم يزل عذره قوله : ( والإمام راكع ) أو هاوٍ للركوع ، وحينئذ فيتعين على المأموم المتابعة ، فلو تخلف عن ذلك وشرع في القراءة عامداً عالماً بطلت صلاته إذا لم ينو المفارقة .
قوله : ( كما لو كان بطيء القراءة الخ ) حاصله أن المأموم إذا كان بطيء القراءة والإمام معتدل القراءة يتخلف لقراءتها وجوباً ولو سبقه الإمام ، ثم إن كملها قبل انتصاب الإمام لمحل تجزىء فيه القراءة جرى على نظم صلاة نفسه ، فإن قام من سجدتيه فإن وجد الإمام قائماً وقف معه وقرأ ما أمكنه معه ، وإن وجده راكعاً ركع معه وسقطت عنه الفاتحة ، وإن وجده في الاعتدال فما بعده وافقه فيه وفاتته الركعة الثانية فيتداركها بعد سلام الإمام ، وأما إذا لم يتم الفاتحة إلا بعد أن وقف الإمام وقف معه وفاتته الركعة الأولى وأجزأته قراءة الفاتحة ، وإن لم يتمها وركع الإمام في الركعة الثانية بطلت صلاته إن كان عامداً عالماً وإلا فلا تبطل لكن فاتته الركعة الثانية كالأولى . وهذا التفصيل يجري في نسيان الصلاة ، وفيما لو شك بعد ركوع الإمام وقبل ركوعه هو حرفاً بحرف . وأما إذا زحم عن السجود فحاصلها أنه إذا قرأ مع الإمام وركع واعتدل فمنع من السجود فإنه ينتظر تمكنه منه ، فإن تمكن منه قبل أن يركع الإمام في الركعة الثانية جرى على نظم صلاة نفسه وكمل ركعته ، فإن قام ووجد الإمام قائماً وقف معه وقرأ ما يمكنه ، وإن وجده راكعاً ركع معه وتحمل عنه الفاتحة ، وإن وجده اعتدل تبعه وفاتته الركعة الثانية ، وأما إن تمكن منه في ركوع الإمام في الركعة الثانية ركع مع الإمام ولا يجري على نظم صلاة نفسه وفاتته الركعة الأولى وتحسب له ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية ، وأما(2/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
الركوع والاعتدال الذي تبع الإمام فيهما فللمتابعة وإن لم يتمكن من السجود إلا بعد شروع الإمام في الاعتدال بطلت صلاة المزحوم ولا تنفعه نية المفارقة لأنه سبق بأربعة أركان طويلة وقد شرع الإمام في الخامس . قوله : ( بعد ركوع إمامه ) أي وقبل ركوعه هو ، وتسقط أيضاً فيما إذا اقتدى بإمام راكع فلما تمت ركعته وقام رأى إماماً راكعاً ففارق إمامه واقتدى به ، وهكذا إلى آخر صلاته فإن صلاته صحيحة على المعتمد كما قاله م ر سواء كان لغرض أم لا خلافاً لسم .
قوله : ( وبسم الله الرحمن الرحيم ) مبتدأ وقوله آية منها خبره ، والمراد آية منها عملاً من جهة الإتيان بها في الفاتحة هذا هو الذي فيه الخلاف . وأما كونها من القرآن فلا نزاع فيه فقوله آية منها عملاً كما تقدم لا اعتقاداً أي لا يجب اعتقاد كونها آية منها وكذا من غيرها ، بل لو جحد ذلك لا يكفر كما يأتي ، وأما اعتقاد كونها من القرآن من حيث هو فهو واجب يكفر جاحده وهذا أعني قوله وبسم الله الخ استئناف للردّ على المخالف وإلا فهو مستفاد من قوله قراءة الفاتحة لأن مسماها هذه الألفاظ الشاملة للبسملة كما قاله ع ش . قوله : ( سبع آيات ) بيان عدها أن البسملة آية / ) وصراط الذين } ) الفاتحة : 7 ) الخ آية ، والباقي خمسة وعدها ظاهر وهي ) الحمد لله رب العالمين } ) الفاتحة 1 ) آية و ) الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم } ) الفاتحة : 2 ) آية و ) مالك يوم الدين } ) الفاتحة : 4 ) آية وإن كان كل منها صفة لله لأنه يجوز الوقف على كل من هذه الآيات الثلاث وقفاً كافياً غير تام . قال الطيبي :
واللفظ إن تم ولا تعلقا
تام وكاف إن بمعنى علقا
فالآية الأولى لها تعلق بالثانية والثالثة لأن كلاً منهما صفة لله ، وأما من لم يذكر البسملة فبيان السبعة ) أن صراط الذين } ) الفاتحة : 7 ) إلى ) عليهم } ) الفاتحة : 7 ) آية ، ومن ) غير المغضوب } ) الفاتحة : 7 ) الخ آية ، والباقي خمسة عدّها ظاهر قوله : ( إذا قرأتم ) أي أردتم قراءتها قوله : ( وهي آية من كل سورة ) قال النووي في البيان : ينبغي لكل قارىء المحافظة(2/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
عليها خصوصاً أرباب الوظائف والأسباع والأجزاء ليستحق ما يأخذه يقيناً ، فإنه إذا أخلّ بها لم يستحق شيئاً من الجعل عند من يقول البسملة من أوائل السور ، وهذه دقيقة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها اه . وقضيته أنه لا يستحق ولا القسط ، غير أن م ر قال في باب الإجارة : إنه يستحق القسط في الحالة المذكورة إذا استؤجر لقراءة شيء من القرآن فأسقط البسملة . قال شيخنا : يمكن الفرق بأن هذا مخلّ بشرط الواقف ولا كذلك الإجارة اه ا ج . وعبارة شيخنا المدابغي فلا يستحق القارىء شيئاً من المعلوم إذا لم يأت بها أوائل السور في الوظائف حيث كان الواقف يرى أنها من أوائل السور لمخالفته شرط الواقف لنصه على السورة مع اعتقاده أن منها البسملة ، وأما من استؤجر لقراءة سورة مثلاً فلم يقرأ البسملة فلا يستحق إلا القسط أي فينقص من الأجرة بقدر أجرة مثل قراءة البسملة فاحفظه .
قوله : ( إلا براءة ) لا خلاف بين أئمة القرآن في ترك التسمية أول براءة سواء ابتدأ بها القارىء أو قرأها بعد الأنفال . واختلف في سبب ذلك فقيل : لأنهم لم يتيقنوا أنهما سورتان بل جعلوهما سورة واحدة ، وجعلت أي براءة مع الأنفال بجعلهما سورة واحدة من السبع الطوال ، والمراد بالسبع الطوال البقرة وآخرها براءة . وقيل : وهو الأقوى إنما لم يفعل ذلك لأنها نزلت بالسيف كما روي عن ابن عباس قال : سألت علياً رضي الله عنه لِمَ لَمْ تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال : لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة ليس فيها أمان لأنها نزلت بالسيف . قال شيخنا المدابغي : فتكره في أولها . نعم إن قصد أنها منها مع العلم بالحال حرم كما استظهره ابن قاسم على المتن ، وتندب في أثنائها على المعتمد خلافاً للشارح وابن حجر كما في ق ل .
قوله : ( لإجماع الصحابة ) دليل للمستثنى والمستثنى منه قوله : ( بخطه ) أي المصحف ، أي بخط مماثل لخطه أي بمداده وهي المداد الأسود لا بخط آخر قوله : ( دون الأعشار ) أي دون ما يكتب على هامش المصحف من لفظ عشر حزب لأنه ليس بخطه ، وإنما يكتب بمداد أحمر وهذا من ابتداع الحجاج ، وأما أسماء السور فهو توقيف ومع كون ذلك بدعة فليس محرماً ولا مكروهاً بخلاف نقط المصحف وشكله فإنه بدعة أيضاً لكنه سنة قوله : ( والتعوذ ) أي ودون التعوذ فإنه لم يكتب أصلاً لا بخط المصحف ولا بمداد أحمر قوله : ( فلو لم تكن قرآناً ) أي من كل سورة هذا محل الخلاف ، أما كونها قرآناً في ذاتها فلا خلاف فيه قوله : ( فإن قيل القرآن الخ ) هذا سؤال من قبل المالكية والحنفية .(2/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
قوله : ( حكماً ) أي من حيث العمل به كما مرّ ق ل أي لا من حيث الإعتقاد . قوله : ( فإن قيل لو كانت قرآناً ) أي من كل سورة لأن الخلاف إنما وقع فيه ولا شك في كونها قرآناً ا ط ف . وما يقع من قول بعضهم من ينكر البسملة يكفر ليس مسلماً على إطلاقه بل فيه تفصيل ، وهو أنه إن أنكر كونها قرآناً يكفر لأنها آية من سورة النمل ، وإن أنكر كونها من أول كل سورة لا يكفر ، فلو لم تكن قرآناً لكفر مثبتها فجوابنا معارضة بالمثل . وقوله وأيضاً الخ جواب آخر لكن الجواب الأول بالمنع والثاني بالتسليم قوله : ( وهي آية من أول الفاتحة قطعاً ) هو منتقد فإن من قال إنها ليست من القرآن وإنما هي للفصل بين السور أي أو بين تمام الختمة والشروع في أخرى لا يرى أنها من الفاتحة . إلا أن يقال مراده اتفاقاً بين الشافعية اه م د فهو اتفاق مذهبي قوله : ( والسنة أن يصلها بالحمد لله ) وجه ذلك دفع قول أبي حنيفة إنها فاصلة ق ل . فاندفع ما قيل إن كل آية كاملة يندب الوقف عليها لأنه كان يقف على رؤوس الآي ، والمعتمد كما قرره الطوخي أنه لا يسنّ الوصل ، وكتب بعضهم على قول الشارح والسنة الخ ضعيف . والمعتمد سن الوقف عليها لأنها آية كاملة والآية الكاملة يسن الوقف عليها كما فعله .
قوله : ( والأعشار ) وكذا الأحزاب وأنصافها وأرباعها وغير ذلك ابتدعه الحجاج ، وهو بدعة غير محرمة ولا مكروهة ، وهي مثل نقط المصحف وشكله فهو بدعة أيضاً لكنه سنة كما تقدم . واعلم أن الذي ابتدعه الحجاج بالنسبة لأسماء السور إنما هو الإثبات فقط ، أي إثباتها في المصحف كما أشار إليه . وأما أسماء السور فلم يبتدعه بل هو بتوقيف من النبيّ ، لأن أسماء السور وترتيبها وترتيب الآيات كل من هذه الثلاثة بتوقيف من النبيّ أخبره جبريل عليه السلام بأنها هكذا في اللوح المحفوظ ، وأما عدد الآيات فليس بتوقيف من النبيّ إلى آخره ولذا وقع اختلاف في عدّها بين البصريين والكوفيين ، ولذا يتفق أن يقول المفسرون هذه السورة مائة وخمسون آية مثلاً أو مائة واثنان وخمسون آية مثلاً فتأمل . ذكر ذلك الحافظ السيوطي في كتابه المسمى بالتحبير في علم التفسير وغيره . فأسماء السور قبل أن يحدث الحجاج كتابتها في المصاحف كان الناس يعرفونها من غير إثباتها في المصاحف .(2/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
فائدة : نقلها الإمام أبو الفضل الرازي رحمه الله خمس مسائل ينبغي للقارىء أن يعلمها : الأولى إذا شك في حرف هل هو بالياء أو بالتاء فليقرأ بالياء فإن القرآن العظيم مذكر . الثانية : إذا شك في حرف لم يعلم أمهموز هو أم غير مهموز فإن ترك الهمز في كل القرآن لم يلحن ، وإن همز ما ليس بمهموز لحن . الثالثة : إذا شك في حرف لم يعلم هل هو مقطوع أو موصول فليقرأ بالوصل ، فإنه إن قرأ كل مقطوع في القرآن بالوصل لم يلحن ، وإن قطع موصولاً لحن . الرابعة : إذا شك في حرف لم يعلم هل هو ممدود أو مقصور فليقرأ بالقصر ، فلو أنه قصر كل ممدود في القرآن لم يلحن ، وإن مد مقصوراً لحن . الخامسة : إذا شك في حرف لم يعلم هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأ بالفتح ، فلو أنه فتح كل مكسور في القرآن لم يلحن ، وإن كسر مفتوحاً لحن فمدار القرآن على هذه الخمسة الأحرف اه .
قوله : ( ويجب رعاية حروف الفاتحة ) حاصل ما ذكره أربعة شروط ، ولها شروط غير ذلك أيضاً .
قوله : ( أو من أمكنه ) أي عاجز أمكنه التعلم الخ قوله : ( لم تصح قراءته ) أي ويجب عليه استئناف القراءة ولا تبطل صلاته إلا إن غير المعنى وكان عامداً عالماً ق ل كالهمد بالهاء بدل الحاء ، والدين بالمهملة أو الزاي ، ومثال ما لا يغير كالعالمون بدل العالمين ، ومثله رفع هاء الحمد لله . وفتح دال نعبد وكسر بائها ونونها لبقاء المعنى وإن كان المتعمد لذلك آثماً ، وضم صاد الصراط وهمزة اهدنا وإن لم تسمه النحاة لحناً ، فإن اللحن عندهم كاللغويين تغيير الإعراب والخطأ فيه ، والمراد به هنا الأعم فيشمل إبدال حرف بآخر ، والمراد بتغيير المعنى أن ينقل معنى الكلمة إلى معنى آخر كضم تاء أنعمت وكسرها أو لم يكن لها معنى أصلاً كالدين بالدال اه مدابغي على التحرير . وقوله : كالعالمون قال سم في حواشي ابن حجر : ويدخل في ذلك إبدال لا يغير المعنى ، كالعالمون بالواو فيفيد أنه لا تبطل صلاته مع القدرة والتعمد والعلم ، وفيه نظر وإن كان نظير ما أفاده كلامهم في اللحن الذي لا يغير المعنى من عدم بطلان الصلاة مطلقاً ، وقد قال م ر بالبطلان انتهى . أي إن تعمد قال شيخنا : وعليه فيفرق بأن العالمون وإن لم تغير المعنى إلا أنها صارت كلمة أجنبية انتهى أجهوري وفيه إبدال حرف بآخر . قوله : ( ولو أبدل ذال الذين الخ ) الأولى التفريع .
قوله : ( ولو نطق ) أي القادر بالقاف الخ وقوله كما نطق بها العرب أي أجلافهم ، أما الفصحاء منهم فلا ينطقون بذلك بابلي .(2/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
قوله : ( صح مع الكراهة ) ووجه الصحة حينئذ أن ذلك ليس بإبدال حرف بل هي قاف غير خالصة كما اعتمده م ر خلافاً لحج فإنه قال : ولو نطق بقاف العرب المترددة بينها وبين الكاف بطلت إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت .
قوله : ( الأربع عشرة ) فلو زاد فيها بأن أدغم ميم الرحيم في ميم مالك لم يضر كما في الحلبي ، لكنه يحرم على العامد العالم بناء على ما اعتمده م ر من أن ما زاد على السبعة شاذّ كما عليه الشيخان وتبطل به الصلاة إن غير المعنى ، وأما الإدغام مع إسقاط ألف مالك فسبعية أفاده الشمس الحفني قوله : ( بطلت قراءة تلك الكلمة ) وكذا صلاته إن غير المعنى وعلم وتعمد كتخفيف إياك بل إن اعتقد معناه كفر لأنه اسم لضوء الشمس ق ل . فإن كان ناسياً أو جاهلاً أعاد القراءة على الصواب وسجد للسهو كما قاله م ر . وقد علمت أنه لا بد من إعادة القراءة على الصواب ، فإن ركع عامداً عالماً قبل إعادتها بطلت صلاته قوله : ( ولو شدّد المخفف أساء وأجزأه ) يؤخذ منه أن اللحن الذي لا يغير المعنى وليس فيه إبدال حرف بآخر لا يضر قوله : ( والإعجاز ) عطف سبب على مسبب قوله : ( لم يعتد به ) أي مطلقاً قوله : ( إن سها بتأخيره ) أي بتأخير الأوّل أي وقصد به أي بالأول الاستئناف أو أطلق لا التكميل كما يأتي .
قوله : ( ولم يطل الفصل ) أي بين الإتيان به والتكميل عليه قوله : ( إن تعمد ) أي بالتأخير وينبغي أن يقيد بما إذا قصد التكميل كما في شرح الروض قوله : ( أو طال الفصل ) أي بين فراغه والتكميل ، أي ولو بعذر وفارق ما يأتي في الموالاة بأن نظر الشارع إلى الترتيب أكمل من نظره إلى الموالاة لأنه مناط الإعجاز فاحتيط له أكثر اه حج . وعبارة المرحومي قوله : أو طال الفصل بأن تعمد السكوت لما يأتي أنه سهو لا يضر وإن طال حج . والحاصل أنه إن قصد التكميل ضرّ سواء سها بالتأخير أم لا ، وإن لم يقصد التكميل ولم يطل الفصل أي بلا عذر عامداً عالماً لم يضر وإن لم يسه بالتأخير اه .
وقال شيخنا العزيزي : وحاصل ما يتعلق بقراءة الفاتحة مع عدم ترتيبها ، هو أن الشخص إذا قرأ نصفها الثاني أول مرة إما أن يكون ناسياً أو جاهلاً أو متعمداً أو مطلقاً فهذه أربعة أحوال ، وإذا قرأ النصف الأول ثانياً إما أن يقصد التكميل أو الاستئناف أو يطلق ، فهذه ثلاثة أحوال تضرب في الأربعة المتقدمة تبلغ ثنتي عشرة صورة . وإذا قرأ النصف الأخير ثالثاً إما أن(2/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
يطول الفصل بينه وبين النصف الأول بعذر أو بلا عذر أو لم يطل ، فهذه ثلاثة أحوال تضرب في اثني عشر تبلغ الصور ستة وثلاثين وكلها غير معتدّ بها إلا إذا قصد بالنصف الأول الاستئناف أو أطلق ، ووصل النصف الأول بالأخير الذي قرأه ثالثاً أو فصل وطال الفصل بعذر اه . وفي المدابغي على التحرير ما نصه : والحاصل أنه إذا لم يرتب فإن غير المعنى ضر مطلقاً وبطلت صلاته مع التعمد والعلم ، وإن لم يغير المعنى فلا يعتد بالمقدم مطلقاً ، وأما المؤخر فلا يبنى عليه إن قصد التكميل مطلقاً أي إن قصد أن المؤخر تكميل لما قدمه فإن لم يقصد التكميل فإن طال الفصل عمداً ضرّ وإلا بنى . فقول المصنف و خ ط : فلو بدأ بنصفها الثاني لم يعتد به ويبني على الأول إن سها بتأخيره ، أي إن لم يقصد به التكميل ولم يطل الفصل ، ويستأنف إن تعمد أي قصد التكميل أو طال الفصل أي عمداً .
قوله : ( ويجب رعاية موالاتها ) وهل يجري ذلك في البدل . قال شيخنا : البدل يعطي حكم المبدل منه اه ا ج قوله : ( بلا عذر فيهما ) والذكر الذي بلا عذر كتحميد عاطس أي كقول العاطس في أثناء الفاتحة الحمد لله وإجابة مؤذن لأن ذلك غير مسنون فيها ، فكان مشعراً بالإعراض حلبي . وعبارة م ر : فإن تخلل ذكر أجنبي غير متعلق بالصلاة قطع الموالاة فيعيدها وإن كان قليلاً كحمد عاطس وإن سن خارجها ، وكإجابة مؤذن لأن ذلك ليس مختصاً بها لمصلحتها فكان مشعراً بالإعراض ، ولتغييره النظم من غير عذر بخلافه مع النسيان فلا يقطعها بل يبنى قوله : ( أو سكوت قصد به قطع القراءة ) وإن قصر قوله : ( وإعياء ) هذا خاص بالسكوت الطويل دون تخلل الذكر إذ لا يحسن جعل الإعياء مثالاً لتخلل الذكر بعذر . وقوله كتأمينه أي وسؤال الجنة إذا سمع من إمامه آيتها ، والاستعاذة من النار كذلك ، وصلاة على النبيّ إذا سمع من إمامه آية اسمه . وقيده شيخنا الرملي بالضمير فبالظاهر كاللهم صلَّ على محمد تبطل الموالاة لشبهه بالركن ، وبه جمع التناقض بين كلامي البجلي والنووي اه ق ل . قوله : ( كتأمينه لقراءة إمامه ) وكذا سجود تلاوة مع الإمام ، وخرج بإمامه غيره ولو مأموماً آخر فتقطع الموالاة وتبطل صلاته في صورة السجود إن علم وتعمد كما هو ظاهر . ومما يقطع الموالاة أن يسبح لمستأذن عليه قوله : ( وفتحه عليه ) أي بقصد القراءة ولو مع الفتح وإلا بطلت صلاته زيادي بأن قصد الفتح أو أطلق والمراد بفتحه عليه تلقينه الذي توقف فيه قوله : ( إذا توقف فيها ) أي القراءة ولو غير الفاتحة وهذا قيد خرج به ما إذا لم يتوقف ففتح عليه فتنقطع الموالاة .(2/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
مسألة : إذا كرر آية من نفس الفاتحة قال القاضي حسين في الفتاوى : إن كثر تكرارها بحيث طال الفصل فإنه يستأنف . وقال في البيان : إن كانت أول آية من الفاتحة أو آخر آية من الفاتحة لم يؤثر ذلك ، وإن كان من وسطها فالذي يقتضيه القياس أنه كما لو قرأ في خلالها غيرها ، فإن كان عامداً بطلت قراءته ، وإن كان ساهياً بنى عليها . وقال في التتمة : إذا ردد آية من الفاتحة فإن ردد الآية التي هو في تلاوتها وتلا الباقي فالقراءة صحيحة ، وإن أعاد بعض الآيات التي فرغ من تلاوتها مثل أن وصل إلى قوله ) صراط الذين أنعمت عليهم } ) الفاتحة : 7 ) فعاد إلى قوله ) ملك يوم الدين } ) الفاتحة : 4 ) إن أعاد القراءة من الموضع الذي عاد إليه على الوجه المذكور كانت القراءة محسوبة ، وإن أعاد قراءة هذه الآية ثم عاد إلى الموضع الذي انتهى إليه لم تحسب له القراءة وعليه الاستئناف ، وقال في البسيط : إذا كررها لشكه في إتيانه بها على وجهها فلا بأس به لأنه معذور ، ولو كرر قصداً من غير تسبب تردد الشيخ أبو محمد في إلحاقه بالركن اليسير في انقطاع الموالاة . وقال الإمام : الذي أراه أن ولاء الفاتحة لا ينقطع بتكرار كلمة منها كيف فرض الأمر اه ابن العماد في القول التام في المأموم والإمام .
قوله : ( أو غير ذلك ) كبلادة وضيق وقت قوله : ( عن حروف الفاتحة ) وهي بالبسملة مائة وستة وخمسون حرفاً بإثبات ألف مالك ، وبعدّ المشدد بحرفين ، ويغني عن المشدد من الفاتحة حرفان من البدل لا عكسه فلا يقام المشدد من البدل مقام حرفين من الفاتحة كما قاله ح ل . والمراد أن المجموع لا ينقص عن المجموع لا أن كل آية من البدل قدر آية من الفاتحة شرح المنهج .
قوله : ( لا فرق ) معتمد قوله : ( كثم نظر ) أي مع ستة قبلها لا تفيد معنى منظوماً . وكان الأولى التمثيل بفواتح السور لأن ثم نظر جملة من فعل وفاعل فيقال : إنها تفيد معنى منظوماً لأن قوله ثم نظر أي الوليد بن المغيرة لعنه الله ، وعدم إفادته المعنى المنظوم إنما يظهر في فواتح السور كآلم والمر وحم ونحو ذلك . فإن الصحيح الذي مشى عليه الجلال في تفسيره أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه . وقوله كثم نظر أي في أمر القرآن مرة بعد أخرى ، ثم عبس قطب وجهه أي قلصه وكمشه وجمعه بعرقصة لما لم يجد فيه طعناً ولم يدر ما يقول قوله : ( قال ) أي النووي في المجموع قوله : ( وهو أي الثاني ) فيه أن الشارح لم يذكر إلا شقاً واحداً وهو عدم الفرق ، فكان الأولى أن يقول : هل يشترط أن تفيد المتفرقة معنى منظوماً أو لا الخ(2/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
تأمل . وقال شيخنا العشماوي قوله : أي الثاني مراده الثاني في كلام المجموع وهو عدم الفرق ، والأول في كلامه الفرق قوله : ( الأول ) وهو أنه يشترط أن تفيد المتفرقة معنى منظوماً قوله : ( والثاني هو القياس ) وهو كونه لا يشترط في الآيات أن تفيد معنى منظوماً وهو المعتمد ، ومنها فواتح السور والجمع الذي أشار إليه غير معتبر ق ل قوله : ( هو القياس ) أي على حرمة قراءة غير المنظومة على الجنب كما في م ر قوله : ( محمول على الغالب ) أي لأن الغالب أنه لا يحفظ إلا ما له معنى منظوم قوله : ( ثم ما اختاره الشيخ ) من أنه لا يشترط انتظام المعنى وهو من كلام الأذرعي بدليل قوله انتهى قوله : ( إنما ينقدح ) أي يظهر قوله : ( وهذا يشبه الخ ) أي حمل عدم الفرق على من لم يحسن ما له معنى منظوم ، وحمل من قيد بما يفيد معنى منظوماً على من يحسنه هذا والمعتمد الأول فالحسن غير حسن قال الرملي في شرحه : والمعتمد الأول وهو عدم الفرق مطلقاً .
قوله : ( إن أحسنه ) أي البدل من القرآن إن أحسنه أو من الذكر إن أحسنه ، ولا يكفيه التكرار في ذلك خلافاً لظاهر كلامه ق ل . أي ولا يكفيه تكرار بعض الفاتحة فيما إذا أحسن بدلاً من ذكر عن البعض الآخر ، ولا يرد عليه ما يأتي من أنه لا يأتي بالذكر أو الدعاء مع القدرة على القرآن لأن ما يأتي فيه قدرة على القرآن وهنا لا قدرة عليه قوله : ( وإلا كرره ) أي إن لم يحسن البدل بسائر أنواعه قوله : ( وكذا الخ ) أي فإنه يأتي به ويبدل بقية الفاتحة من نوع آخر إن أحسنه وإلا كرره قوله : ( بين الأصل ) أي الذي يحسنه من الفاتحة قوله : ( بسبعة أنواع الخ ) نحو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . هكذا ورد وهذه ستة أنواع فتضم إليها البسملة إن كان يحفظها وإلا ضم إليها نوعاً آخر . واعترض بأن الحمد لله من الفاتحة فيجب تقديمها على(2/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
سبحان الله لمراعاة الترتيب بين ما يحفظه منها وما يأتي به . وأجيب بأن المعلم لهذا الذكر وهو النبيّ كان يعلم أن المتعلم يعلم أنه يجب عليه تقديم الحمد لله على سبحان الله ، هكذا أجاب به شيخنا الحفني . والأولى في الجواب أن سبحان الله قائمة مقام البسملة وإن لم تكن بقدرها ، فتكون الحمد لله واقعة في محلها ولا يلزم من حفظه هذا الذكر حفظه البسملة قوله : ( من ذكر أو دعاء ) فهو مخير بينهما والأولى الذكر . وقال ع ش : أو مانعة خلوّ فتجوز الجمع بأن يأتي ببعضها من الذكر وبعضها من الدعاء .
قوله : ( لا تنقص ) أي ولو في ظنه كما سيأتي في مسألة الوقوف فيما يظهر اه ح ل .
قوله : ( ويجب تعلق الدعاء بالآخرة ) أي إن عرف ذلك وإلا أتى بدعاء دنيوي . ويقدم ترجمة الأخروي على الدنيوي الذي بالعربية لأنه لا يعدل إلى الدنيوي إلا إذا عجز عن الأخروي مطلقاً شوبري ، ويجب أن يكون بالعربية ، فإن عجز عنها ترجم عنه بأي لغة شاء كما يدلّ عليه قوله الآتي حتى عن ترجمة الذكر والدعاء قوله : ( ويجب تعلق الدعاء بالآخرة ) كأن يقول : اللهم اغفر لي وارحمني وسامحني وارض عني بخلاف ما لو دعا بدعاء يتعلق بالدنيا كطلب زوجة حسناء فإنه لا يكفي زيادي . قال في شرح المنهج : ولا يشترط في الذكر والدعاء أن يقصد بهما البدلية بل الشرط أن لا يقصد بهما غيرها أي غير البدلية فقط حتى في التعوذ والافتتاح ، فإذا استفتح أو تعوذ بقصد تحصيل سنتهما فقط لم يجز خلافاً لحجر كما قاله الحلبي قوله : ( فإن عجز عن ذلك كله الخ ) كيف هذا مع أنه دخل في الصلاة بالتكبير وهو ذكر ؟ وقد يجاب بأنه يمكن أنه لقنه شخص تكبيرة الإحرام فأحرم بها ثم نسيها تأمل . أما لو عجز عن التكبيرة بكل وجه فيدخل في الصلاة بدونها اه ابن شرف قوله : ( قدر الفاتحة ) أي وجوباً وبقدر السورة ندباً ، ولو قدر وهو في مرتبة على ما قبلها عاد إليه وجوباً إن كان قبل الفراغ أو بعد فراغها عاد إليه ندباً ق ل على التحرير . وظاهره حتى في الوقوف ، فإن قدر على الفاتحة قبل تمام الوقوف عاد إليها وجوباً أو بعد تمامه عاد إليها ندباً قوله : ( ولا يترجم عنها ) ولا عن بقية القرآن إذا كان بدلاً ح ل . وما ذكره الشارح وغيره من عدم الترجمة عنها هو ما قاله الأئمة ، فقد قالوا : إنه لا تجزىء القراءة بغير العربية مطلقاً ، ونقل عن الإمام أبي حنيفة أنه قال : إن المصلي إن شاء قرأ بالفارسية ، وإن شاء قرأ بالعربية ، وقال أبو يوسف ومحمد : إن كان يحسن الفاتحة بالعربية لم يجزه غيرها ، وإن كان لا يحسنها فقرأها بلغته أجزأته . وقال بعض أصحاب أبي حنيفة : إنه صح رجوعه إلى قول صاحبيه .
قوله : ( بخلاف التكبير ) أي عند العجز عن العربية وإلا لم تصح صلاته ، وإنما صح(2/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
الإسلام بغير العربية ممن يحسنها خلافاً للإصطخري لأن المراد من الشهادتين الإخبار عن اعتقاده وهو حاصل بكل لغة ، وأما هنا فتعبدنا الشارع بلفظ فوجب اتباعه ما أمكن قاله في الإيعاب شوبري .
قوله : ( وسن عقب الفاتحة ) ومثل الفاتحة بدلها إن تضمن دعاء محاكاة للبدل شرح م ر . وظاهر قوله إن تضمن دعاء أي كلاًّ أو بعضاً ، لكن هل يؤمن ولو تأخر غير الدعاء بأن قدم الدعاء وأخر غيره ؟ ظاهر شرح م ر : يؤمن مطلقاً ، لكن نقل ابن قاسم عنه في غير الشرح أنه لا يؤمن إلا إذا كان الدعاء آخراً ، والمعوّل عليه ما في الشرح من الإطلاق اه . وأفهم قوله عقب فوات التأمين بالتلفظ بغيره ولو سهواً كما في المجموع عن الأصحاب ، وإن قلّ نعم ينبغي استثناء نحو رب اغفر لي للخبر الحسن أنه قال عقيب الضالين ( رَبِّ اغْفّرْ لِي آمِينْ ) وأفهم أيضاً فواته بالسكوت أي بعد السكوت المسنون . وينبغي أن محله إن طال نظير ما مرّ في الموالاة . وبما قررته يعلم الردّ على من قال : لا تفوت إلا بالشروع في السورة أو الركوع . نعم ما أفهمه من فوته بالشروع في الركوع ولو فوراً متجه اه ابن حجر . وهذه المسألة مع ما يتعلق بها مكررة مع كلام المصنف فيما يأتي كما قاله ق ل . قال الشوبري : والتأمين خلف الإمام من خصائص هذه الأمة قوله : ( بعد سكتة لطيفة ) أي بقدر سبحان الله ع ش قوله : ( مخففاً ) حال من آمين قوله : ( لقصده الدعاء ) يؤخذ منه أنه إذا لم يقصد الدعاء بل قصد به معنى قاصدين أنها تبطل ، وكذا لو أطلق كما صرح به حج ، والمعتمد أنها لا تبطل في صورة الإطلاق كما قاله الشوبري قوله : ( في جهرية ) أي بالفعل . والحاصل أن المصلي مأموماً كان أو غيره يجهر به إن طلب منه الجهر ، ويسرّ به إن طلب منه الإسرار . والأماكن التي يجهر فيها المأموم خلف إمامه خمسة : تأمينه مع إمامه ، وفي دعائه في قنوت الصبح ، وفي قنوت الوتر في النصف الأخير من رمضان ، وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس ، وإذا فتح عليه . وأما السرية فيسرون جميعهم كالقراءة اه خ ض . قوله : ( لقراءة إمامه ) لا لقراءة نفسه .
قوله : ( مع تأمين إمامه ) وليس لنا ما تسن فيه مقارنة الإمام إلا هذه السورة ، ولا يرد ما إذا علم المأموم أن إمامه لا يقرأ السورة أو يقرأ سورة قصيرة ، ولا يتمكن من إتمام الفاتحة بعده فله أن يقرأها معه لأنها حالة عذر فلا تردد ، ويأتي بها أي يأتي المأموم بالفاتحة عقب سكته لطيفة وسكتة للإمام بعد آمين بقدر قراءة المأموم قال ابن حجر : ومحل سكوت الإمام إذا لم(2/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
يعلم أن المأموم قرأها ، وهذه إحدى السكتات المطلوبة في الصلاة . وقولهم : الصلاة لا سكوت فيها أي غير المشروع ، وإنما طلبت فيها المعية لأنه وقت تأمين الملائكة كما في الخبر . ويسن سكتة بعد آمين ولو لمنفرد ومثلها للإمام بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة على ما تقدم ، وسكتة أخرى قبل ركوعه ، وسكتة عقب تحرمه ، وسكتة بين التكبير والافتتاح وبينه وبين التعوّذ ، وبينه وبين القراءة فالسكتات ستة كما ذكر .
قوله : ( إذا أمن الإمام ) أي أراد التأمين ويوضحه خبر الشيخين ( إذَا قَالَ الإِمَامُ ) غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِين } ) الفاتحة : 7 ) فَقُولُوا آمِين ) فإن لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه أي الإمام وإن تأخر إمَامهُ عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم شرح المنهج . ولو قرأ معه وفرغا معاً كفى تأمين واحد ، أو فرغ قبله قال البغوي : ينتظر والمختار أو الصواب أنه يؤمن لنفسه ثم للمتابعة قوله : ( فإن من وافق الخ ) ومعلوم من حديث آخر أن الملائكة تؤمن مع تأمين الإمام فيكون التعليل منتجاً للمدعي كما قرره شيخنا الحفناوي قوله : ( الملائكة ) قيل هم الحفظة . قال شيخنا : ولو قيل بأنهم الحفظة وسائر الملائكة لكان أقرب ح ل قوله : ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) أي من الصغائر . واعتمد ابن السبكي في الأشباه أنه يشمل الكبائر ، وعبارة المدابغي على التحرير قوله : غفر له أي الصغائر فقط على ما اعتمده م ر . واستقرب أن المراد بالملائكة جميعهم لا خصوص الحفظة .
قوله : ( لها عشرة أسماء ) عبارة الحلبي في السيرة ولها اثنان وعشرون اسماً قوله : ( وأم القرآن ) سميت أم القرآن لأنها مفتتحه ومبدؤه فكأنها أصله ومنشؤه ، ولذلك تسمى أساساً أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده اه بيضاوي . قوله : ( والسبع المثاني ) لأنها سبع آيات وتثنى في الصلاة أي تكرر قوله : ( والصلاة ) لوجوب قراءتها فيها أو استحبابها فهو من تسمية الشيء باسم جزئه قوله : ( والكافية ) أي لاشتمالها على ما ذكر قوله : ( والشفاء ) لقوله عليه الصلاة والسلام ( هِيَ شِفَاءُ كُلِّ دَاءٍ ) اه . قوله : ( وتقدم ركوع القاعد ) أي في ركن القيام ، أي إن أقله أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ، وأكمله أن(2/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
تحاذي محل سجوده . وشرع الركوع في عصر صبيحة الإسراء ، وأما الظهر فصلاها بغير ركوع كالصلاة التي كان يصليها قبل الخمس كما قاله السيوطي وهو من خصائص هذه الأمة ، وكذا التأمين خلف الإمام كما تقدم وأما قوله ) واركعي مع الراكعين } ) آل عمران : 43 ) فمعناه صلي مع المصلين . وفي البيضاوي في تفسير قوله ) واركعي مع الراكعين } ) آل عمران 43 ) ما نصه : أمرت بالصلاة في الجماعة بذكر أركانها مبالغة في المحافظة عليها ، وقدم السجود على الركوع إما لكونه كذلك في شريعتهم أو للتنبيه على أن الواو لا توجب الترتيب ، أو ليقترن اركعي بالراكعين للإيذان بأن من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلين اه . وهو صريح في أن الركوع كان في شرع من قبلنا انتهى ع ش . وقيل : قدم السجود لشرفه . وفي الخصائص : وخصّ بالركوع في الصلاة فيما ذكره جماعة من المفسرين في قوله ) واركعوا مع الراكعين } ) البقرة : 43 ) قالوا : الركوع في الصلاة من خواصنا ولا ركوع في صلاة بني إسرائيل ، ولذلك أمرهم به مع أمة محمد . واستشكل الحافظ إطلاق الركوع على نفس الصلاة إطلاقاً للبعض على الكل فقال : ذاك في بعض من ذلك الكل ، وحيث لم يكن في صلاتهم ركوع فكيف يقال إنه من إطلاق ما ليس من أجزائها عليها ؟ اه . وقيل المراد بالقنوت في الآية الشريفة إدامة الطاعة كقوله تعالى ) أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً } ) الزمر : 9 ) وبالسجود الصلاة كقوله ) وأدبار السجود } ) ق : 40 ) وبالركوع الخشوع اه عبد البر وهذا أولى إذ لا اشكال عليه .
قوله : ( أن ينحني ) أي يقيناً أو ظناً ، ولو شكّ هل انحنى قدراً تصل به راحتاه ركبتيه لزمه إعادة الركوع لأن الأصل عدمه شرح م ر . أي إن كان مستقلاً وإلا أتى بركعة بعد سلام الإمام ومعنى الركوع في اللغة مطلق الانحناء قوله : ( راحتي يدي المعتدل ) وهما بطن الكف ، فلا تكفي الأصابع على المعتمد قوله : ( فلا يحصل بانخناس ) بأن يؤخر عنقه ويقدم صدره ويخفض عجيزته ويميل شقه ميلاً قليلاً اه ا ج . فإن فعل ذلك لم يكف وتبطل صلاته إن كان عامداً عالماً وإلا أعاد الركوع قوله : ( لم يعتبر ذلك ) أي الوضع مع الطول أو القصر فليراع الاعتدال اه ق ل قوله : ( إلا بمعين ) ولو دواماً بخلاف القيام لطول زمنه دون الركوع سم ا ج .
قوله : ( لزمه ) ما لم يخرج عن القبلة خلافاً لسم ع ش قوله : ( هويه ) بفتح الهاء أشهر من(2/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
ضمها اه . مرحومي قال في شرح الروض : الهوي بضم الهاء السقوط قاله في المجموع . ثم قال : وقال الجوهري : وآخرون بفتحها وصاحب المطالع بفتحها السقوط ، وبضمها الصعود والخليل هما لغتان بمعنى اه شوبري . قوله : ( أي سقوطه ) أي للركوع قوله : ( غير الركوع ) أي فقط ، فلو قصده وغيره لم يضر وكذا لو أطلق ق ل . فلو قصد قطع الركوع أو غيره من بقية الأركان حتى قراءة الفاتحة مع دوام القراءة سوى النية لم يضر كما قاله ابن قاسم ، وعبارته : ولو نوى قطع القراءة ولم يسكت لم تبطل قراءته لأن القراءة باللسان ولم يقطعها ، وفارق نية قطع الصلاة لأن النية ركن فيها تجب إدامتها حكماً ولا يمكن ذلك مع نية القطع ، والقراءة لا تفتقر إلى نية خالصة فلا تتأثر بنية القطع قاله الرافعي وغيره قوله : ( كغيره من بقية الأركان ) أي فإن الشرط أن لا يقصد بها غيرها فقط فلا يضر التشريك ويكفي الإطلاق إلا عند وجود صارف فتبطل بالإطلاق كالتبليغ قوله : ( لأن نية الصلاة الخ ) علة لقوله أم لا .
قوله : ( فلو هوى الخ ) بفتح الواو بمعنى سقط من باب ضرب بخلافه بكسر الواو ، فمعناه الميل للشيء من باب فرح اه . وقوله : فلو هوى أي المستقل خرج المأموم فيحسب له الركوع أخذاً مما بعده .
قوله : ( لأنه صرفه إلى غير الواجب ) الأولى أن يقول : لأنه صرفه إلى ما ليس من الصلاة ق ل . قوله : ( فوقف عن السجود ) فلو لم يعلم بوقوف الإمام في الركوع إلا بعد أن وصل للسجود قام منحنياً ، فلو انتصب عامداً عالماً بطلت صلاته لزيادته ركوعاً ، ولو قرأ آية سجدة وقصد أن لا يسجد للتلاوة وهوى للركوع ثم أراد أن يسجد لها ، فإن كان قد انتهى إلى حد الراكع فليس له ذلك وإلا جاز اه ح ل . قوله : ( ويحسب له ) أي للمأموم هذا إذا قرأ المأموم الفاتحة كلها ، وإلا فلا يحسب له هذا الركوع ويتابع إمامه في نظم الصلاة فلا يعود للقراءة ، ويأتي بركعة بعد سلام الإمام قوله : ( لمتابعته ) أي لأن وجوب المتابعة يلغي قصده ويخرجه عن كونه صارفاً ، وإن قال في شرح الروض : الأقرب أنه يعود للقيام ثم يركع فقد قال الحلبي : إنه لا وجه له اه . قوله : ( تسوية ) خبر لقوله : أكمل ، ولينظر وجه مغايرة الخبر هنا لسابقه حيث أتى به مصدراً مؤولاً وهنا صريحاً . وقوله : ونصب كذا عبر المنهاج ، وقد عدل عنه في المنهج إلى الفعل فقال : وأن ينصب فلينظر وجهه . وأقول : وجهه التفنن في العبارة لأنه يجوز في(2/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
المبتدإ والخبر أن يكون أحدهما اسماً صريحاً والآخر مؤوّلاً به . وقال بعضهم : إنما أتى بالمصدر الصريح وهو نصب دون المؤول ، وهو أن ينصب لأنه أخصر وإنما لم يأت به مصدراً في قوله أقله أن ينحني لأن هذا اللفظ أخف من المصدر الصريح إذا وقع في هذا التركيب ، أو للتفنن في التعبير اه قوله : ( فإن تركه ) أي الأكمل ، وللترك صورتان بأن يقتصر على الأقل أو يزيد على الأكمل قوله : ( ونصب ساقيه ) الساق مؤنثة ، وهي ما بين القدم إلى الركبة وجمعها سوق ، سميت بذلك لسوقها الجسد اه ا ج .
قوله : ( والاعتدال ) وهو لغة الاستقامة . وشرعاً عود لبدء كما قاله قوله : ( ولو لنافلة ) أخذه غاية هنا ، وفي الجلوس للردّ على ما فهمه بعضهم من كلام النووي وجزم به ابن المقري من عدم وجوب الاعتدال والجلوس بين السجدتين في النفل ، وعلى ما قاله فهل يخر ساجداً من ركوعه أو يرفع رأسه قليلاً أم كيف الحال ؟ ولعل الأقرب عنده الثاني اه ع ش . وعبارة الأنوار : ولو ترك الاعتدال والجلوس بين السجدتين في النافلة لم تبطل ، والمعتمد ما ذكره الشارح قوله : ( بأن يعود لما كان عليه ) ظاهره أنه لو صلى نفلاً من قيام وركع منه أنه يتعين اعتداله من القيام ولا يجزيه من جلوس وهو الذي يتجه ، وأنه لو ركع من جلوس بعد اضطجاع بأن قرأ فيه ثم جلس أنه يعود إلى الاضطجاع ، والمتجه تعين الاعتدال من الجلوس لأنه بدأ ركوعه منه اه شوبري . وقال شيخنا الحفني : لا يتعين ذلك بل يجوز من الاضطجاع ، وذكره الشوبري أيضاً في محل آخر وفي المدابغي على التحرير عود المصلي إلى ما ركع منه من قيام أو قعود ، فدخل مصلي النفل من اضطجاع مع القدرة لأنه يقعد قبل ركوعه فلا يجوز له العود إلى الاضطجاع قبل قعوده ق ل . وعبارة الشيخ خضر : ويحصل بعود لبدء بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه قائماً كان أو قاعداً أو مضطجعاً أو مستلقياً أو مومياً اه . وقوله أو مضطجعاً الخ أي في صورة عجزه ، فكأن يأتي بالركوع بانحناء من الاضطجاع فيعتدل بعوده له لأنه لا يقدر على القعود . وعبارة عبد البر ولو صلى نفلاً قائماً فركع وهو قائم واعتدل وهو جالس هل يكفي عن الاعتدال ؟ سئل عنه شيخنا الزيادي فمال إلى أنه لا يكفي اه . أي لأنه لم يعد لما كان عليه قبل فتأمل .(2/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
قوله : ( كما في خبر المسيء صلاته ) فيه نظر فإنه لم يذكر فيه الطمأنينة في الاعتدال إلا أنه في رواية غيره وردت الطمأنينة في الاعتدال قوله : ( ينفصل ارتفاعه عن عوده الخ ) أي رفع رأسه من الركوع ، أي فلا بد بعد العود من الاستقرار ، فالارتفاع هو غاية العود إلى ما كان ولا بد من سكون فيه لينفصل عن العود . ولو قال : بحيث ينفصل رفعه عن هويه للسجود لكان أوضح قوله : ( إلى ما كان عليه ) وهو القيام مثلاً قوله : ( إليه ) أي إلى الركوع وهذا هو الصواب ، بخلاف قول ق ل أي القيام . والضابط أن يعود إلى الموضع الذي سقط منه فإن زاد عليه عامداً عالماً بطلت صلاته اه . مع أن قوله والضابط يعين ما قلناه قوله : ( اعتدل وجوباً ) ولا يشكل عليه ما لو شك في بعض حروف الفاتحة بعد مفارقة محلها ، فلا يجب عليه العود لأن الفاتحة لما كان يكثر الشك فيها لكثرة حروفها اغتفر ذلك .
قوله : ( ولا يقصد غيره ) أي فقط .
قوله : ( السجود مرتين ) انظر وجه عدّه هنا ركناً وعدّه فيما يأتي في التخلف بثلاثة أركان طويلة ركنين ، ولعلهم راعوا هناك فحش المخالفة فعدوهما ركنين للاحتياط . واختلف في حكمة تكراره دون بقية الأركان فقيل : إنه لرغم أنف الشيطان حيث امتنع من السجود ، وقيل لإجابة الدعاء فيه ، وقيل إرغاماً للنفس حيث استنكفت عن وضع أشرف الأعضاء على محل مواطىء الأقدام وقيل غير ذلك ق ل . أي قيل إنه للمبالغة في التواضع وللشكر على إجابة دعاء المصلي في السجود الأول اه . قال ابن العربي : لما جعل الله لنا الأرض ذلولاً نمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا نطؤها بها وذلك غاية الذلة ، فأمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا وهو الوجه ، وأن نمرغه عليها جبراً لانكسارها بوضع الشريف عليها الذي هو وجه العبد ، فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها وقد قال الله تعالى ( أَنَا عِنْدَ المُنْكَسِرَةِ قُلُوِبِهمْ ) فلذلك كان العبد في تلك الحالة أقرب إلى الله من سائر أحوال الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار الأرض من ذلتها اه مناوي على الجامع الصغير . وقد سئل القاضي جلال الدين البلقيني عن حكم سجود النبيّ تحت العرش يوم القيامة من(2/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
حيث الوضوء . فأجاب بأنه باق على طهارة غسل الموت لأنه حي في قبره ولا ناقض لطهارته ، ويحتمل أن يجاب بأن الآخرة ليست دار تكليف فلا يتوقف السجود على وضوء قوله : ( وهو لغة التطامن والميل ) قال بعضهم : عطف الميل على التطامن للتفسير وقال بعضهم : التطامن هو ابتداء الميل والميل انتهاؤه .
قوله : ( أقله مباشرة الخ ) كان حقه أن يبين حقيقته أوّلاً بأن يقول : وهو وضع الأعضاء السبعة مع التحامل والتنكيس ، ثم يذكر أقله وأكمله مع أنه لم يذكر أكمله . وعبارة بعضهم : قوله أقله الخ فيه نظر لأنه يقتضي أن حقيقة السجود شرعاً تحصل بوضع الجبهة وليس كذلك ، فكان الأولى أن يقول : أقله وضع الجبهة مع بقية الأعضاء السبعة . ويجاب بأن ما ذكره الشارح صحيح أيضاً لأن حقيقة السجود ما ذكره ، وما زاد شروط للاعتداد به قوله : ( مباشرة بعض جبهته ما يصلي عليه ) أي ولو على شيء يضعه تحتها كمخدة إذا عجز عن وضعها على الأرض ، ومحل وجوب المخدة إذا حصل بوضعها التنكيس وإلا سنت كما في شرح م ر قوله : ( من أرض أو غيرها ) كبدن غيره أو ملبوس غيره ، وإن كره فيهما اه ا ج قوله : ( إذا سجدت فمكن جبهتك ) فيه أن التمكين لا يستلزم المباشرة ، فالدليل أعم من المدعي والأولى الاستدلال على ذلك بحديث خباب بن الأرتّ : شكونا إلى رسول الله حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يزل شكوانا فلو لم يجب مباشرة المصلي بالجبهة لأرشدهم إلى سترها . قوله : ( لصدق اسم السجود عليها ) وإن كان الاقتصار على بعضها مكروهاً كبقية الأعضاء ، هذا وكان الأولى أن يقول عليه أي البعض إلا أن يقال إنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه ، ولا بد لصحة السجود من شروط سبعة : الطمأنينة وأن لا يقصد به غيره فقط ، وأن تستقر الأعضاء كلها دفعة واحدة ، والتحامل على الجبهة ، والتنكيس وهو أن ترفع الأسافل على الأعالي ، وكشف الجبهة ، وأن لا يسجد على متصل يتحرك بحركته وكلها تؤخذ من كلام الشارح قوله : ( الجبين ) وهو جانب الجبهة وهو فوق الصدغ ، وهو ما بين العين والأذن ، فللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة . فإن قلت : فلم أفرده ؟ أجيب بأن الإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين يغني أحدهما عن الآخر ، كالعينين والأذنين تقول : عين حسنة وتريد أن عينيه جميعاً حسنتان قاله في المصابيح اه قسطلاني .(2/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
قوله : ( فلا يكفي وضعهما ) أي دون الجبهة ، ويندب وضعهما معاً ق ل قوله : ( على متصل به ) ولو على طرف شد على كتفه ، أو طرف مئزر في وسطه ق ل .
قوله : ( في قيام ) أي لمن يصلي قائماً أو قعود لمن يصلي قاعداً قوله : ( وأعاد السجود ) أي إن تذكر في صورة النسيان ، أو علم في صورة الجهل عقب السجود فإن لم يعلم إلا بعد الصلاة استأنفها ق ل .
تنبيه : التفصيل المذكور بين التحرك وعدمه لا يجري في جزئه كسلعة طالت أي في غير الجبهة . فلا يكفي السجود عليها مطلقاً ، أما ما نبت بالجبهة من شعر أو سلعة فإنه يجزي السجود عليه وإن طال اه م د .
قوله : ( لم يضر ) تبع فيه شيخ الإسلام واعتمد م ر خلافه لأنه يعتبر التحرك بالقوة . والشارح وشيخ الإسلام ابن حجر يعتبرون التحرك بالفعل واعتمد القليوبي كلام الشارح حيث قال : وهو الذي ينبغي التعويل عليه ومخالفة شيخنا الرملي في ذلك لا وجه لها فتأمل . ودعوى الشارح أنه لم ير من ذكره ممنوعة اه . وقد يقال نفي الرؤية لا ينافي أن غيره ذكره فتأمل قوله : ( كعود بيده فلا يضر السجود عليه ) ويفارق ما مرّ بأن اتصال الثياب به ونسبتها إليه أكثر لاستقرارها وطول مدتها بخلاف هذا ، وليس مثله المنديل الذي على عمامته والملقى على عاتقه لأنه ملبوس له بخلاف ما في يده انتهى م ر . فيؤخذ من قوله وله أن يسجد على عود الخ تقييد المحمول المتقدم بالملبوس كما قاله البرماوي قوله : ( ضر ) أي تبطل صلاته إن كان عامداً عالماً وإلا فلا تبطل ، وتجب إعادة ما احتمل وجوده أي الحائل فيه ق ل قوله : ( أو نحوه ) كوجع رأسه .
قوله : ( بأن شق عليه إزالتها ) أي مشقة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم ق ل . ويكفي غلبة الظن ولا يتوقف على قول الطبيب العدل إن إزالتها تشق عليه ، ولا يلزمه إعادة إلا إن كان(2/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
تحته نجس غير معفوّ عنه انتهى م ر . ولو سجد على نحو ورقة فالتصقت ، فإن أزالها ثم سجد ثانياً لم يضر ، ولو لم يدر التصاقه في أي سجدة فإن رآه بعد الأخيرة وجوّز أنه كان فيما قبلها ولو الأولى قدر أنه فيها وحسب له ركعة إلا سجدة فينحيه ويسجدها ، ثم يكمل الصلاة أو قبل سجود الأولى حسب له ركعة بغير سجود أو بعد فراغ الصلاة ، فإن احتمل حدوثه بعدها فالأصل مضيها على الصحة ، وإلا فإن قرب الفصل بنى وأخذ بالأسوأ وإلا استأنفها .
قوله : ( وكذا لو سجد على شعر نبت على جبهته ) أي وإن طال ، وقدر أن يسجد على غير ما لاقى الشعر لأنه كجزء من الجبهة كما قرره شيخنا العزيزي أي وإن لم يعمها م ر . قال ق ل : أي ولم يسجد على طرفه المسترسل عنها وإلا فلا يكفي كما مر قوله : ( ذكره ) أي ذكر ما ذكر من صحة السجود على الشعر قوله : ( ويجب الخ ) عبرّ به دون أن يقول : ووضع جزء عطفاً على مباشرة ، ويكون لفظ أقل مسلطاً عليه لأن الغرض به ردّ ما قاله الرافعي من أنه لا يجب وضع غير الجبهة ، فأراد رده صريحاً . وقضية قوله وضع جزء من ركبتيه الاكتفاء بالسجود على بعض ركبة ويد وأصابع قدم واحدة لأنه يصدق على ذلك أنه بعض الركبتين واليدين وأصابع القدمين . ويجاب عن ذلك بأن الإضافة للاستغراق إذا لم يتحقق عهد ولا يصرف عنه إلى المجموع إلا بقرينة ، فكأنه قال هنا بعض كل من الركبتين إلى آخره انتهى ع ش على المنهج . ويتصور رفع جميع الأعضاء ما عدا الجبهة بأن يصلي على حجرين يضع رجليه على أحدهما والجبهة على الآخر بينهما حائط قصير يضع بطنه عليه ، ويرفعها أي الأعضاء انتهى شرح الرملي . قوله : ( وضع جزء ) ولو قليلاً جداً حفني قوله : ( من ركبتيه ) أي من كل منهما .
قوله : ( ومن باطن كفيه ) سواء الأصابع والراحة ، وضابطه ما ينقض منه سم وق ل . أي بشرط أن يكون أصلياً فلا يكفي وضع الزائد وإن نقض مسه ، والمراد وضعهما في آن واحد مع الجبهة فيما يظهر ، حتى لو وضعهما ثم رفعهما ثم وضع الجبهة أو عكس لم يكف لأنها أعضاء تابعة للجبهة ، وإذا رفع الجبهة من السجدة الأولى وجب عليه رفع الكفين أيضاً خ ض . والمعتمد أنه لا يجب وضع الكفين على الركبتين في الجلوس بين السجدتين كما قاله الزيادي . وفي حاشية ع ش على م ر : وانظر لو خلق كفه مقلوباً هل يجب عليه وضع ظهر الكف أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن الظهر في حقه بمنزلة البطن في حق غيره . وبقي ما لو عرض له الانقلاب هل يجب وضع البطن وإن شق عليه أم لا ؟ فيه نظر والأقرب أنه إذا أمكن ذلك ولو بمعين وجب وإلا فلا . قال شيخنا العلامة الشوبري : وانظر لو خلق بلا كف وبلا أصابع هل يقدر له مقدارهما ويجب وضع ذلك أم لا ؟ أقول : قياس النظائر تقدير ما ذكر كما لو خلقت يده بلا مرفق وذكره بلا حشفة من أنه يقدر لهما من معتد لهما قوله : ( أصابع قدميه ) ولو جزءاً(2/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
من أصبع واحدة من كل رجل كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة الرحماني قوله بباطن الكف أي بجزء منها ولو باطن أصبع ، وكذا في الرجل . نعم إن عجز لنحوّ شلل فعل مقدوره ، فلو تعذر وضع شيء من هذه الأعضاء سقط الفرض بالنسبة إليه ، فلو قطعت يده من الزند لم يجب وضعه ولا وضع رجل قطعت لفوات محل الفرض .
قوله : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) والدليل على وجوب وضع الباطن أنه سجد واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، ومن لازم ذلك اعتماده على بطونها اه م ر . وسمى كل واحدة عظماً باعتبار الجملة وإن اشتمل كل واحد على عظام ، ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها كما في فتح الباري .
قوله : ( ولا يجب كشفها ) إلا الجبهة فيجب كشفها كما تقدم مدابغي قوله : ( بل يكره كشف الركبتين ) أي غير الجزء الذي لا تتم العورة إلا به ، أما هو فيحرم كشفه وتبطل به صلاته ح ل وعبارة التحرير وحواشيه . ويسنّ كشف اليدين والرجلين أي في حق الرجل إذ المرأة يجب عليها ستر قدميها ، ويكره كشف كفيها كما يؤخذ من علة كشف الركبتين ق ل . وقوله : إذ المرأة يجب عليها ستر قدميها أي الحرة كما مرّ ، وقوله ويكره كشف كفيها ضعيف ، وعبارة الرحماني قوله : ويسن كشف اليدين في حق الذكر وغيره وكشف قدمي الذكر ، وأما غيره فيجب ستر قدميه ، ويسنّ ستر الركبتين للذكر والأمة قوله : ( وأربع أرجل ) أي وأربع ركب قوله : ( الذي يظهر الخ ) حاصله أنه متى كانت أصلية اكتفى بوضع سبعة أعظم منها فقط ، فإن كان بعضها أصلياً وبعضها زائداً وتميز فالعبرة بالأصلي ، وأما إذا لم يتميز فيجب وضع الجميع لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب قوله : ( وإلا ) أي وإن لم يعرف الزائد وهذا يصدق بعدمه لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع كما يدل عليه قوله : إذا كانت كلها أصلية . وقال بعضهم : قوله وإلا أي وإن لم يعرف الزائد بأن كانت كلها أصولاً ، أو اشتبه الأصلي بالزائد قوله : ( وبعض يدين ) أي من الأيدي الأربعة وكذا يقال فيما بعده .(2/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
قوله : ( وظهر أثره ) أي أثر القطن أو الحشيش . أو الضمير راجع للانكباس المفهوم من قوله انكبس ، وأثره هو الإحساس . وفي بمعنى اللام أي ظهر الإحساس ليد لو وضعت تحت ذلك . والمراد من هذه العبارة أن يندك من القطن ما يلي جبهته عرفاً ، فمعلوم أنه لو كان بين يديه مثلاً عدل من القطن لا يمكن انكباس جميعه بمجرد وضع الرأس وإن تحامل عليه فتنبه له ع ش على الرملي . وعبارة الشوبري : كأن المراد بظهوره إحساسها به لا حصول ألم بها ففي بمعنى اللام قوله : ( ولا يعتبر الخ ) خلافاً لشيخ الإسلام في شرح منهجه وعبارة القليوبي ، ويجب فيها يعني الجبهة التحامل دون بقية الأعضاء قوله : ( ليهوي ) بابه ضرب قوله : ( لانتفاء الهوي ) أي قصده وإلا فهو موجود قوله : ( فإن سقط من الهوي ) مقابل قوله من الاعتدال قوله : ( لم يلزمه العود ) صوابه أن يقول : لم يطلب منه بل إن عاد عامداً عالماً بطلت صلاته لأنها زيادة غير مطلوبة وهي فعل مبطل قوله : ( الاعتماد عليها فقط ) بخلاف ما لو شرّك قوله : ( فإنه يلزمه إعادة السجود ) أي بعد أدنى رفع فيما يظهر لوجود الهوي المجزىء إلى وضع الجبهة ، ولم يختل إلا مجرد وضعها بقصد الاعتماد فألغى دون الهويّ . فقول الشارح : إلا إن قصد الخ استثناء من قوله بل يحسب ذلك سجود إلا من قوله لم يلزمه العود قوله : ( لوجود الصارف ) وهو الاعتماد عليها ، فالمعتبر العود إلى محل وجد فيه الصارف مطلقاً .
فرع : لو سجد على شيء خشن يؤذي جبهته مثلاً فإن زحزح جبهته عنه من غير رفع لم يضر ، وكذا إن رفعها قليلاً ثم عاد ولم يكن اطمأن وإلا كأن رفعها قليلاً بعد الطمأنينة ثم عاد بطلت ، وكذا لو سجد على نحو يده . ولو رفع جبهته من غير عذر وعاد بطلت صلاته مطلقاً سواء كان اطمأن أو لا ق ل .
قوله : ( ولو سقط من الهوي على جنبه الخ ) جملة الصور التي ذكرها الشارح في ذلك خمسة ، والخامسة هي قوله : فيما يأتي وإن نوى مع ذلك صرفه الخ . ولا تبطل الصلاة إلا في هذه الخامسة .(2/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
قوله : ( فإن نوى الاستقامة ) أي فقط قوله : ( وإن نوى ) معطوف على قوله فإن نوى الاستقامة لم يجزه . وقوله : مع ذلك أي مع نية الاستقامة . وقوله صرفه أي الانقلاب . والحاصل أن قوله : وإن نوى مع ذلك راجع لقوله فإن نوى الاستقامة فنية الاستقامة فقط لا تقتضي بطلان الصلاة إلا إذا انضم لها صرف الانقلاب عن السجود . وقوله لأنه زاد فعلاً أي وهو الانقلاب الذي نوى صرفه عن السجود ، وبهذا التقرير ظهر أن في قول الشارح عن السجود على بابها خلافاً لمن جعلها بمعنى اللام قوله : ( ويجب في السجود أن ترتفع أسافله ) الأسافل العجيزة وما حولها ، والأعالي رأسه ومنكباه ويداه ، فاليدان من الأعالي كما في ع ش . وصوّر العلامة ابن حجر ارتفاع اليدين بما حاصله أنه يحصل ذلك بوضع يديه على حائط مثلاً قبالة وجهه حيث كانت الحائط قصيرة عرفاً بحيث يمكنه مع ذلك السجود ، فهذه صورة ما إذا ارتفعت يداه على أسافله . والمراد أن ترتفع أسافله أي يقيناً فيضرّ الشك ولو بعد الرفع من السجود قال في شرح المنهج ، فلو انعكس أو تساويا لم يجزه لعدم اسم السجود كما لو أكبّ على وجهه ومدّ رجليه وكان الأولى أن يقدم قوله وأن يرفع أسافله على الطمأنينة قوله : ( على وسادة ) تصوّر بما إذا كانت أمامه حفرة لو وضع فيها وسادة تنكس ، وقوله : أو بلا تنكيس أي بأن زاد ارتفاع الوسادة على الحفرة بأن علت على الأرض التي هو واقف عليها ، فإنه لا يلزمه السجود عليها حينئذ بل يكفيه الانحناء الممكن كما يدل على هذا شرح الروض . وعبارة الروض وشرحه : فلو أمكن العاجز عن وضع جبهته على الأرض والسجود على وسادة بلا تنكيس لم يلزمه السجود عليها خلافاً لما في الشرح الصغير لفوات هيئة السجود ، بل يكفيه الانحناء الممكن ولا يشكل بما مرّ من أن المريض إذا لم يمكنه الانتصاب إلا باعتماد على شيء لزمه لأن هناك إذا اعتمد على شيء أتى بهيئة القيام ، وهنا إذا وضع الوسادة لا يأتي بهيئة السجود فلا فائدة في الوضع أو تنكيس لزمه ذلك قطعاً لحصول هيئة السجود بذلك انتهى بحروفه . وقوله : تنكيس أي برفع أسافله على أعاليه قوله : ( لم يلزمه السجود عليها ) بل يسن كما في شرح الرملي . ومثّل من به علة الحامل ونحوها كمن طال أنفه حتى لو لم يمكنها وضع(2/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
الجبهة على الأرض كفاها إلا بماء ولا إعادة قوله : ( لفوات هيئة السجود ) أي فلا فائدة في الوضع عليها قوله : ( بل يكفيه الانحناء ) أي الانحناء للسجود في الحفرة ولا يضع الوسادة فيها في هذه الحالة قوله : ( خلافاً لما في الشرح الصغير ) أي من لزوم السجود عليها مطلقاً .
قوله : ( فزعاً من شيء ) بفتح الزاي مفعول لأجله لإفادة قصد الفزع وحده بخلاف ما إذا قرىء فزعاً بكسر الزاي اسم فاعل على أنه حال فإنه لا يفيد ذلك ، وعبارة ع ش على م ر قوله فزعاً أي خوفاً ، أما لو رفع ثم شكّ هل كان رفعه للفزع أم لغيره هل يعتد به أم لا فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن تردده في ذلك شك في الرفع ، والشك مؤثر في جميع الأفعال قوله : ( ويجب أن لا يطوله ) أي الجلوس بين السجدتين ، فإن طوّل أحدهما فوق ذكره المشروع فيه قدر الفاتحة في الاعتدال وقدر أقل التشهد في الجلوس عامداً عالماً بطلت صلاته اه ابن حجر . وقرره شيخنا الحفناوي والعشماوي قوله : ( وأكمله يكبر الخ ) فيه أنه لم يذكر أقله قوله : ( واضعاً كفيه على فخذيه ) فلا يضر إدامة وضعهما على الأرض إلى السجدة الثانية اتفاقاً خلافاً لمن وهم فيه .
قوله : ( وأَجبرني ) أي أغنني ، وعطف ارزقني عليه من عطف العام على الخاص لأن الرزق أعم والغنى أخص زيادي . ويسن للمنفرد وإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل أن يزيدوا على ذلك ( رب هب لي قلباً تقياً نقياً من الشرك برياً لا كافراً ولا شقياً ) م ر قوله : ( وارزقني ) أي حلالاً لانصراف الطلب إليه ، وإن كان الرزق عند أهل السنة ما انتفع به وإن كان محرماً اه(2/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
ا ج قوله : ( الجلوس الأخير ) لو قال : الجلوس الذي يعقبه سلام لكان أشمل لدخول نحو الصبح . والحاصل أن الجلوس والتشهد فيه ركنان إن عقبهما سلام وإلا فسنتان قوله : ( التشهد ) سمي به لاشتماله على الشهادتين ، فهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه م ر . والتشهد من الشهادة لاشتماله على الشهادة بالتوحيد لله وبالرسالة للنبي . وقوله الأخير ، أي وهو الذي يعقبه سلام وإن لم يكن للصلاة تشهد أول كما في صلاة الصبح والجمعة ، فقوله الأخير جري على الغالب من أن أكثر الصلوات الخمس لها تشهدان اه خضر .
قوله : ( كنا نقول ) يحتمل أن يكون بتوقيف أو اجتهاد ، وأن يكون على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب شيخنا العشماوي . لكن نهي النبي لهم عن ذلك بقوله : ( لاَ تَقُولُوا ) الخ ربما يدل على أنهم كانوا يقولونه من غير تشريع . وعبارة القسطلاني . قوله على فلان زاد في رواية عند ابن ماجه يعنون الملائكة ، والأظهر كما قال الأبي أن هذا كان استحساناً منهم وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسمعه إلا حين أنكره عليهم ، ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى . وقوله : كنا ليس من قبيل المرفوع حتى يكون منسوخاً بقوله : ( إِنَّ ااَ هُوَ السَّلاَمُ ) لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه وليس تكرر ذلك مظنة لعلمه به منهم لأنه في التشهد والتشهد سر اه . بحروفه . وقال العلامة الرحماني : يحتمل أن قولهم كان باجتهاد منهم ، وأنه لم يسمعه إلا حين أنكره ولا يلزم من تكرره منهم سماعه لإسرارهم به لكنه لا يتأتى جواز الاجتهاد مع وجوده ، والأصح جوازه كما أن الأصح أن له الاجتهاد مطلقاً اه . وقوله مطلقاً أي في الحروب والآراء والأحكام خلافاً لمن خصه بالحروب والآراء قوله : ( قبل أن يفرض علينا التشهد ) استفيد منه أن فرض التشهد متأخر عن فرض الصلاة ، وأن صلاة جبريل بالنبيّ كان الجلوس فيها مستحباً أو واجباً بلا ذكر م ر . وقوله : بلا ذكر فيه نظر إذ نفس الرواية مصرحة بالذكر ، وهو قوله : كنا نقول السلام على الله اه ا ج
قوله : ( قبل عباده ) أي قبل أن نقول السلام على عباده أي قبل أن نقول السلام على جبريل الخ . فقوله السلام على جبريل الخ بيان لعباده ، ومعنى السلام على فلان طلب سلامته من النقائص . وقوله : السلام على فلان أي ما صدقه كإسرافيل فالمراد به واحد من الملائكة . وقوله : ( فَإِنَّ ااَ هُوَ السَّلاُمُ ) لأن السلام اسم من أسمائه تعالى قوله : ( لا تقولوا السلام على الله الخ ) إن قلت لفظ السلام مشترك بين اسم الله والتحية ، فقول القائل : السلام على الله معناه(2/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
التحية أي الثناء على الله ، فكيف النهي عن ذلك مع صحة معناه ؟ قلت : تحاشياً عن اللفظ الموهم وإن كان المراد منه ما ذكر اه . قوله : ( آخر الصلاة ) أي لأنه قام من ركعتين ولم يتشهد ثم سجد في آخر صلاته سجدتين .
قوله : ( وأقله الخ ) ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الأقل ولو بمرادفه نحو : أعلم بدل أشهد ولا أحمد بدل محمد . وفي الأنوار يأتي فيه نظير ما مرّ في الفاتحة من مراعاة التشديد وعدم الإبدال وغيرهما . نعم في النبيّ لغتان الهمز والتشديد ، فيجوز كل منهما لا تركهما معاً ، وعلى هذا لو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله أبطل لتركه شدة وهي بمنزلة حرف . نعم لا يبعد عذر الجاهل لخفائه عليه م ر . وفيه أنه لم يسقط حرفاً وإنما أظهر المدغم ، والظاهر أن مثل ذلك لو أظهر التنوين المدغم في الراء في وأن محمداً رسول الله ، وفيه أن هذا لا يزيد على اللحن الذي لا يغير المعنى على أن البزي خيرّ بين الإدغام والإظهار فيهما أي في النون والتنوين مع اللام والراء ، ولو فتح اللام من رسول لم يضر لأنه لا يغير المعنى ولا حرمة مع العلم والتعمد . نعم لو نوى العالم به الوصفية ولم يضمر خبراً لأنه أبطل لفساد المعنى ، وحيث جعل أقل التشهد كالفاتحة فمتى أبدل حرفاً منه بآخر لم تصح قراءة تلك الكلمة . وأما الصلاة فلا تبطل إلا حيث كان عامداً عالماً وقد غيرّ ذلك الإبدال المعنى اه حلبي على المنهج . وقوله : وعلى هذا لو أظهر النون المدغمة إلى قوله أبطل ضعيف . وقوله والظاهر أن مثل ذلك لو أظهر التنوين الخ المعتمد في هذين عدم البطلان كما في الشبراملسي ، لأنه لما أظهر التنوين في الصيغة الأخرى وهي : وأن محمداً عبده ورسوله لم يضر إظهاره هنا . وقوله لا تركهما معاً أي سواء كان في الوقف أو غيره على المعتمد خلافاً للقليوبي حيث جوّزا إسقاطهما معاً في الوقف .
قوله : ( سلام عليك ) وحذف تنوين سلام مبطل على المعتمد قوله : ( وأن محمداً رسول الله الخ ) . والحاصل أنه يكفي وأشهد أن محمداً رسول الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن محمداً رسوله على ما في أصل الروضة . وذكر الواو بين الشهادتين لا بد منه ، وإنما لم تجب في الأذان لأنه طلب فيه إفراد كل كلمة بنفس وذلك يناسب ترك العطف ، وتركها في الإقامة لا يضر إلحاقاً لها بأصلها وهو الأذان زيادي .(2/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
قوله : ( بلفظ عبده ورسوله ) هذا لا ينتج المدعي لأن المدعي أنه يجزىء وأن محمداً رسوله وهذا فيه عبده ورسوله إلا أن يقال محل الاستدلال الاكتفاء بالضمير قوله : ( وأكمله التحيات الخ ) بفتح التاء وكسر الحاء المهملة ، جمع تحية وهي ما يحيا به من سلام وغيره ومنه ) وإذا حييتم بتحية } ) النساء : 86 ) الآية . وقيل الملك وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات ، والقصد بذلك الثناء على الله تعالى بأنه مالك لجميع التحيات من الخلق ، وإنما جمعت لأن كل واحد من الملوك كان له تحية معروفة وقد ورد أن النبي ليلة الإسراء لما جاوز سدرة المنتهى غشيته سحابة من نور فيها من الألوان ما شاء الله ، فوقف جبريل ولم يسر معه فقال له النبي : ( أَتَتْرُكُنِي أَسِيْرُ مُنْفَرِداً ) فقال جبريل ) وما منا إلا له مقام معلوم } ) الصافات : 164 ) فقال : ( سِرْ مِعَي وَلَوْ خَطْوَةٌ ) فسار معه خطوة فكاد أن يحترق من النور والجلال والهيبة وصغر وذاب حتى صار قدر العصفور ، فأشار على النبي بأن يسلم على ربه إذا وصل مكان الخطاب ، فلما وصل النبيّ إليه قال : ( التَّحِيَاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ تِ ) فقال الله تعالى : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فحب النبيّ أن يكون لعباد الله الصالحين نصيب من هذا المقام فقال : ( السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ ااِ الصَّالِحِيِن ) فقال جميع أهل السموات : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله . وإنما لم يحصل للنبيّ مثل ما حصل لجبريل من المشقة وعدم الطاقة لأن النبيّ مراد ومطلوب ، فأعطاه الله قوّة واستعداداً لتحمل هذا المقام بخلاف غيره ولذلك لما تجلى الله للجبل اندكّ وغار في الأرض وخرّ موسى صعقاً من الجلال لأن موسى طالب ومريد ومحمد مطلوب ومراد ، وفرق كبير بين المقامين اه حفني . وذكر الفشني في شرح الأربعين أنه ورد أن في الجنة شجرة اسمها التحيات ، وعليها طائر اسمه المباركات ، وتحتها عين اسمها الطيبات فإذا قال العبد ذلك في كل صلاة نزل ذلك الطائر من فوق الشجرة وانغمس في تلك العين ، ثم خرج منها وهو ينفض أجنحته فيتقطر الماء من عليه فيخلق الله من كل قطرة منه ملكاً يستغفر لذلك العبد إلى يوم القيامة اه برماوي .
قوله : ( المباركات ) أي الناميات والبركة النماء ، وثبوت الخير الإلهي والصلوات الخمس أو أعم ، والطيبات الأعمال الصالحة والسلام من أسمائه تعالى فالمعنى اسم الله عليك وعلينا أي الحاضرين : والصالح المسلم أو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد والحميد المحمود(2/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
والمجيد الكامل في الشرف رحماني . واعلم أن المباركات الخ كلها معطوفه على التحيات بحذف حرف العطف ، وليست نعوناً كما لا يخفى شيخنا . ولو أخلّ بترتيب التشهد نظر إن غير تغيراً مبطلاً للمعنى لم يحسب ما جاء به وإن تعمده بطلت صلاته ، وإن لم يبطل المعنى أجزأه على المذهب شرح المنهج . وقوله إن غير تغيراً مبطلاً للمعنى كأن يقول التحيات المباركات الصلوات عليك السلام لله ، وذلك لأن لله خبر التحيات وعليك خبر السلام كما قرره شيخنا العزيزي وعبارة شرح شيخنا . ولا يشترط ترتيب التشهد كما اقتضاه كلام المصنف حيث لم يغير معناه ، فإن غير لم تصح وتبطل صلاته إن تعمد ، أما موالاته فشرط كما في التتمة . وقال ابن الرفعة : إنه قياس ما مرّ في قراءة الفاتحة ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى اه . وعبارة ق ل على التحرير قوله : وتجب الموالاة بين كلمات التشهد بأن لا يفصل بين كلماته بغيرها ، ولو من ذكر أو قرآن . نعم يغتفر وحده لا شريك له بعد إلا الله لأنها وردت في رواية اه . ولا يضر زيادة ياء النداء قبل أيها وميم في عليك كما قاله ق ل .
قوله : ( والصلاة على النبيّ الخ ) حاصل ما ذكره الشارح أن الشافعية ادّعت دعاوى ثلاثة : الدعوى الأولى وجوب الصلاة عليه . والثانية : كونها في الصلاة . والثالثة : كونها في التشهد الأخير . ولا بد لكل دعوى من دليل ، فأما دليل الأولى فقوله صلوا وقولوا فإن هذا أمر ، والأمر يقتضي الوجوب ، وأما دليل الثانية فالحديث الذي زيد فيه في صلاتنا ، وأما دليل الثالثة فصلاته على نفسه في الوتر وقوله ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) أفاده شيخنا العزيزي قوله : ( أي التشهد ) أي عقبه ، ولو جعل الضمير عائداً للجلوس كما هو كلام المصنف بتوافق الضمائر لكان صواباً ، لأن الضمير في قوله والتشهد فيه راجع للجلوس وسقط به حينئذ اعتراضه الآتي بقوله : ولا يؤخذ الخ فتأمل . وقوله : فيه أي التشهد الأخير كان الظاهر عود الضمير على الجلوس كما أعاده عليه فيما قبله ، لأن المتبادر من قوله والجلوس الأخير والتشهد فيه والصلاة على النبيّ فيه عود الضمير فيهما للجلوس لا كل واحد لما قبله ، ولأن عوده للتشهد يوهم أنه في أثنائه وليس مراداً ، بل المراد أنه بعده وعبارة ق ل قوله فيه : أي التشهد أي عقبه ، ولو جعل الضمير عائداً للجلوس كما هو صريح كلام المصنف بتوافق الضمائر لكان صواباً وسقط به اعتراضه الآتي بقوله ولا يؤخذ الخ تأمل . وقد يجاب بأن مراده بالتشهد الأخير الجلوس له وأطلق الحال وأراد المحل لكن لا يناسب اعتراض الشارح اه مدابغي قوله : ( صلوا عليه ) اعلم أنه يحتاج لدليل على كونها في الصلاة . ودليل على صيغتها ودليل على محلها من الصلاة . وقد ذكر الثلاثة على هذا الترتيب .
قوله : ( قالوا الخ ) صيغة تبري ، وسببه قول ابن دقيق العيد قولهم : أجمعوا على عدم(2/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
الوجوب خارجها إن أرادوا عيناً فصحيح لكنه لا ينتج وجوبها عيناً في الصلاة ، وإن أرادوا أعمّ من ذلك وهو الوجوب المطلق فممنوع وأيضاً في الكشاف في الأحزاب ثلاثة أقوال تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره ، تجب كلما ذكر ، تجب في العمر مرة ؛ قال : والاحتياط فعلها كلما ذكر لما فيه من الأخبار اه عميرة شوبري . وقال الشيخ عبد البر : اختلف في وقت وجوب الصلاة على النبيّ على أقوال : أحدها كل صلاة واختاره الشافعي في التشهد الأخير منها . والثاني في العمر مرة . والثالث كلما ذكر . واختاره الحليمي من الشافعية ، والطحاوي من الحنفية ، واللخمي من المالكية ، وابن بطة من الحنابلة . والرابع في كل مجلس . والخامس في أول كل دعاء ووسطه وآخره لقوله ( لاَ تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ ، اجْعَلُونِي فِي أَوْلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ ) اه .
قوله : ( محجوج ) أي ممنوع بإجماع من قبله على عدم الوجوب ، فكأنه خرق الإجماع فالقائلون بوجوبها في غير الصلاة خارقون للإجماع فلا ينبغي منهم ذلك قوله : ( فقال قولوا اللهم الخ ) هذا دليل كيفيتها قوله : ( وعلى آل محمد ) مقتضى الحديث أن الصلاة على الآل واجبة لكن الإجماع صدنا عن ذلك ، فقد أجمعوا على أن الصلاة على الآل لا تجب قوله : ( وفي رواية كيف نصلي عليك الخ ) وجه ذكر الحديث الثاني أن فيه زيادة ثقة وهي مقبولة ، فيدل هذا الحديث على المطلوب وهو وجوب الصلاة عليه في الصلاة قوله : ( والمناسب ) لا يخفى أن المناسبة لا تصلح دليلاً . قال شيخنا العزيزي : وجه المناسبة أنها دعاء وهو أليق بالخواتيم ، وهذا لا يقتضي الوجوب .
قوله : ( أي بعده ) هل المراد به عقبه أو الأعم شوبري . وعبارة الحلبي : ولا تجب الموالاة بينها وبين التشهد وقال سم على ابن حجر : ولا يبعد عدم اشتراط ذلك لأن الصلاة ركن مستقل . وقوله : أي بعده صريح في أنها خارجة عن مسمى التشهد ليست بعضاً ولا جزءاً منه وهو حق لا شبهة فيه ، يدل عليه قولهم أقل التشهد كذا ولم يذكروها في الأقل ، فلو كانت بعضاً منه ما صحّ أن أقله كذا من غير ذكرها فيه اه سم اه خ ض .(2/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
قوله : ( وقد صلى النبي على نفسه في الوتر ) أي في تشهده الأخير ، ويقاس عليه باقي الصلوات وقول بعضهم أي في القنوت لا يصّح لأن كلام الشارح في التشهد الأخير . وعبارة بعضهم لم يظهر وجه لتخصيص الوتر مع أنه صلى على نفسه في الوتر وغيره ، ولعله بحسب ما اطلع عليه الراوي فلا ينافي صلاته على نفسه في غيره قوله : ( وقال صلوا كما رأيتموني الخ ) أي وقد علمناه صلى على نفسه في التشهد الأخير . وقال شيخنا المدابغي على التحرير : والمنقول أنه كان يقول في تشهده : وأشهد أني رسول الله ذكره الرافعي في الأذان . قال الزركشي : وهو ممنوع بل المنقول أن تشهده كتشهدنا . وكذا رواه مالك في الموطأ وهو ما ذكره ابن الرفعة في الكفاية . وتعريف السلام في الموضعين في التشهد أولى من تنكيره لكثرته في الأخبار ، وكلام الشافعي ولزيادته وموافقته سلام التحلل وذكر الواو بين الشهادتين لا بد منه اه قوله : ( ولم يخرجها شيء عن الوجوب ) أي بخلافها في التشهد الأوّل فإنه أخرجها فيه عن الوجوب فيه قيام النبّي من الركعتين ولم يتشهد ، وسلم ولم يستدرك إذ عدم تداركه يدلّ على عدم فرضيته أي لأن الواجب لا يجبر بسجود السهو قوله : ( وأقل الصلاة الخ ) ولا يتعين ما ذكره بل يكفي صلى الله على محمد أو على رسوله أو على النبّي دون أحمد ، وعليه فلا يكفي الضمير وإن تقدم مرجعه وتكفي الصلاة على محمد إن قصد بها الدعاء ، ولا يكفي هنا وصلى الله على الرسول أو الماحي أو العاقب أو البشير أو النذير ويجزىء في الخطبة مدابغي قوله : ( وآله ) أي على القول بأن الصلاة على الآل في التشهد الأخير واجبة ، وعلى المعتمد من عدم الوجوب فيكون أقل الصلاة : اللهم صلِّ على محمد فلا يكون هذا أقل الصلاة الواجبة إلا على القول الضعيف كما قرره شيخنا العشماوي أو مراده ، وأقل الصلاة لا بقيد الوجوب تأمل .
قوله : ( اللهم صل على محمد ) تقدم السلام فسقطت كراهة إفرادها عنه على أن محلها في غير ما ورد عن الشارع حتى لو نذر أن يصلي أفضل الصلاة برّ بما هنا قصده أو أطلق فلا يقال إن إفرادها مكروه فلا ينعقد نذره . نعم انضمام السلام لها أفضل وأكمل وهي من الله رحمة مقرونة بتعظيم ومنا طلب ذلك له قوله : ( كما صليت الخ ) التشبيه راجع للصلاة على الآل لا للصلاة على النبّي لأنه أفضل من إبراهيم ، فكيف تشبه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم شيخنا حفني . وقد يقال : لا محذور في ذلك لأن التشبيه بين الصلاتين لا بين الذاتين .(2/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
وقال ق ل : لا يخفى أن التشبيه من حيث طلب الصلاة والبركة بقطع النظر عن كيفية أو كمية تأمل . وعبارة بعض الحنفية قوله : كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم الخ هذا تشبيه من حيث أصل الصلاة من حيث المصلي عليه لأن نبينا أفضل من إبراهيم ، فمعناه : اللهم صل على محمد بمقدار فضله وشرفه عندك كما صليت على إبراهيم بمقدار فضله وشرفه وهو كقوله تعالى ) فاذكروا الله كذكركم آباءكم } ) البقرة 200 ) يعني اذكروا الله بقدر نعمه وآلائه عليكم كما تذكرون آباءكم بمقدار نعمهم عليكم ، وتشبيه الشيء بالشيء يصح من وجه واحد وإن كان لا يشبهه من كل وجه كما قال تعالى ) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } ) آل عمران 59 ) يعني من وجه واحد وهو تخليق عيسى من غير أب اه قوله : ( وعلى آل إبراهيم الخ ) إنما خص وإسحاق وإسماعيل مع أن له ثلاثة عشر ابناً لشرفهما وعظم قدرهما ، وإبراهيم اسم معناه أب رحيم مات وهو ابن مائتي سنة . وقيل مائة وخمسة وسبعين ، وأكبر أولاده إسماعيل باللام وبالنون أيضاً وولد إسحاق بعده بأربع عشرة سنة ، وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ومعنى إسحاق بالعبرانية الضحاك اه ملخصاً من الاتقان للسيوطي .
قوله : ( في العالمين ) متعلق بمحذوف أي وأدم ذلك في العالمين .
قوله : ( لأن الرحمة ) أي التي هي معنى الصلاة من الله قوله : ( لم يجتمعا لنبّي غيره ) أي في القرآن بدليل ذكر الآية ، وإن وقع في نفس الأمر أنهما اجتمعا للأنبياء غيره كما قرره شيخنا الحفني قوله : ( من ولده إسحاق ) أي من ولد ولده وهو يعقوب لأن إسحاق له ولدان يعقوب والعيص ، فيعقوب أبو الأنبياء والعيص أبو الملوك والجبابرة وإسحاق ابن سارة ، وإسماعيل ابن هاجر قوله : ( لم يكن من نسله الخ ) الأولى فلم يكن بالفاء قوله : ( بالفضيلة ) لعل المراد باجتماع الفضائل التي في غيره ق ل فأل للاستغراق قوله : ( ما يحيا به ) أي ما يعظم به قوله : ( وغيره ) كالسجود وتقبيل الأرض مما كان يحيا به ، وعبارة ح ل قوله التحيات جمعت لأن كل(2/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
ملك كان له تحية يحيا بها ؛ فملك العرب يحيا بالسلام ، وملك الأكاسرة يحيا بالسجود وتقبيل الأرض ، وتحية ملك الفرس طرح اليد على الأرض ، وتحية ملك الحبشة عقد اليدين على الصدر مع السكينة ، وملك الروم كشف غطاء الرأس وتنكيسها ، وملك النوبة جعل اليدين على الوجه ، وملك حمير الإيماء بالأصابع قوله : ( الناميات ) لأنه ورد أن الصدقة تنمو حتى تبلغ قدر جبل أحد كما أفاده شيخنا العشماوي قوله : ( معناه اسم السلام الخ ) فيه بعد والظاهر أن المراد به التحية أو السلامة من النقائص ونحوها ، وتوجيه ما قاله الشارح أن اسم السلام على المدعوّ له ليسلم ببركته من كل مؤذٍ ، أما إذا قلنا اسم الرحمن على فلان كان معناه أنه كان عليه بالرحمة واسم المنعم بالنعمة ونحو ذلك قوله : ( وهو القائم بحقوق الله الخ ) لا يرد على هذا أنهم فسروا الصالح في خبر أو ولد صَالح يدعو له بالمسلم . لأنا نقول بالفرق بين المقامين إذ المقصود بالدعاء تعظيم المدعوّ له ، فالمناسب تفسيره بالقائم الخ . والمقصود من الحديث الترغيب والحثّ على التزوج لكثرة النسل ، وأن الولد من كسب والده فناسب تفسيره بالمسلم ولكل مقام مقال ع ش قوله : ( والتسليمة الأولى ) ويشترط لصحة السلام تعريفه بأل وكاف الخطاب وميم الجمع وإسماع نفسه وتوالي كلمتيه وعدم قصد الإعلام أي وحده ، وأن يكون من قعود ، وأن يكون مستقبل القبلة ، وأن يأتي به بالعربية إذا كان قادراً عليها ، وأن لا يزيد فيه زيادة تغيّر المعنى كأن قال : السلام عليكم بخلاف ما لو قال السلام التام عليكم فإنه لا يضر قياساً على قوله الله الجليل أكبر بل هذا أولى لأن الانعقاد يحتاط له ، وأن لا ينقص منه ما يغير المعنى كأن يقول : السام عليكم أو السلم عليكم كما قرره شيخنا الحفناوي وقد نظم بعضهم ذلك بقوله :
شروط تسليم تحليل الصلاة إذا
أردتها تسعة صحت بغير مرا
عرّف وخاطب وصل واجمع ووال وكن
مستقبلا ثم لا تقصد به الخبرا
واجلس وأسمع نفسا فإن وجدت
تلك الشروط وتمت كان معتبرا
قال ق ل : ويجزي السلم عليكم بفتح المهملة وكسرها إن أراد به السلام .(2/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
قوله : ( تحريمها التكبير ) أي محرمها التكبير ، فتحريم مصدر بمعنى اسم الفاعل أي محرم ما كان حلالاً قبلها ، وكذا يقال في قوله : وتحليلها وهذا لا يدل على كون السلام ركناً .
قوله : ( قال القفال الكبير ) أي في محاسن الشريعة وهو أبو بكر الشاشي : كان يصنع القفل ومفتاحه وزن ثلاثة دراهم لشدة حذقه ، والصغير هو القفال المروزي شيخ المراوزة ، والقفال صيغة نسب كالخباز والطحان والقزاز ونحو ذلك قال ابن مالك :
ومع فاعل وفعال فعل
في نسب أغنى عن اليا فقبل
ا ط ف .
قوله : ( والمعنى ) أي الحكمة قوله : ( في السلام ) أي في مشروعيته قوله : ( وأقله ) أي السلام ولو مع تسكين الميم من السلام والمناسب وأقلها . ويجاب بأنه ذكر الضمير نظراً لكون التسليمة بمعنى السلام قوله : ( ولا سلام عليكم ) مقتضاه بطلان الصلاة به وهو الأوجه وإن نظر فيه بعضهم ، لكن يظهر تقييده بغير الجاهل المعذور وتبطل أيضاً بتعمد سلامي أو سلام الّله عليكم أو عليك أو عليكما لا مع ضمير الغيبة ، فلا تبطل به لأنه دعاء لا خطاب فيه ولا يجزيه اه ابن شرف . وحاصل ذلك أنه إذا تحلل بما لم يرد وخاطب وتعمد بطلت صلاته .
قوله : ( ونية الخروج ) أي ليكون الخروج كالدخول في أن كلاً يحتاج لنية قوله : ( على قول ) متعلق بنية الخروج . وفي بعض النسخ في قول قوله : ( أو أخرها ) البطلان به فيه نظر لانقضاء الصلاة ، وجوابه أنه يلزم من تأخيرها أنه سلم قبل نية الخروج والسلام قبل نيته يبطل الصلاة على هذا القول لأنه حينئذ ترك من الصلاة ركناً اه م د قوله : ( بطلت صلاته ) فلو نوى(2/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
قبل السلام الخروج عنده أو الخروج به لم تبطل صلاته لكن لا تكفيه ، بل تجب النية على القول بوجوبها مع السلام أيضاً ابن قاسم قوله : ( منسحبة على جميع الصلاة ) أي ومن جملة الصلاة التسليمة الأولى ، فقرن نية الخروج بالتسليمة الأولى مع كون النية السابقة منسحبة عليها تناف لأن نية الخروج تقتضي عدم انسحاب النية السابقة على التسليمة الأولى مع أنها منسحبة على جميع الصلاة كما قرره شيخنا العشماوي فاندفع توقف ق ل بقوله : انظر معنى هذه العلة قوله : ( ولكن تسن الخ ) يرد عليه العلة المذكورة . نعم تجب قطعاً في النفل المطلق إذا أراد الاقتصار على بعض ما نواه كما في شرح م ر .
قوله : ( فالترتيب عند من أطلقه مراد فيما عدا ذلك ) قال م ر بعد ما ذكر : ويمكن أن يقال بين النية والتكبير والقيام والقراءة والجلوس والتشهد ترتيب ، لكن باعتبار الابتداء لا باعتبار الانتهاء لأنه لا بد من تقديم القيام على القراءة ، والجلوس على التشهد ، واستحضار النية قبل التكبير ا ج قوله : ( ومنه ) أي مما عدا ذلك قوله : ( باعتبارين ) أي باعتبار حالها في التشهد وحالها مع القعود ق ل . فهي مرتبة أي باعتبار وقوعها بعد التشهد وغير مرتبة باعتبار مقارنتها لجلوسها قوله : ( بمعنى الفروض ) إنما قال ذلك للخلاف الواقع في الترتيب من أنه ركن أو شرط ، فعلى الركنية لا إشكال ، وعلى الفرضية فالمراد بها ما لا بد منه فيشمل الشرط اه اطفيحي .
قوله : ( صحيح ) لأن المراد بالفرض ما لا بد منه والترتيب لا بد منه ، والمراد أنه صحيح على وجه الحقيقة وإلا فمطلق الصحة ثابت على تقدير كونها أي الأركان بمعنى الأجزاء ع ش . إلا أنها ليست على وجه الحقيقة بل فيه تغليب لأن الجزء الحقيقي إنما هو القول أو الفعل الظاهر ، وهذا وإن كان فعلاً أي جعل هذا بعد هذا لكنه غير ظاهر . وفيه أن النية كذلك أي فعل غير ظاهر لأن محلها القلب والنطق سنة إلا أن يقال : لا نسلم أن الجزء الحقيقي الفعل الظاهر بل الأعم ، فيشمل القلبي كالنية حلبي . قال سم : ويمكن أن يقال في كلام الأئمة أن صورة المركب وهي الهيئة المشتملة على الأركان جزء منه ، فما المانع أن يراد بالترتيب الترتيب(2/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
الحاصل بالمصدر إشارة إلى صورة الصلاة وأنها جزء لها حقيقة فلا تغليب اه . وقال ق ل : لا يخفى أن الترتيب هو جعل كل شيء في مرتبته ، وهو من الأفعال قطعاً فلا حاجة إلى التغليب ، وجعله بمعنى الترتيب الذي هو وقوع كل شيء في مرتبته المحوج إلى ما ذكره لا حاجة إليه ، وناقش بعضهم في قول الشارح صحيح بما حاصله أن الصحيح إنما يقابله الفاسد ، والشارح جعل مقابله التغليب ، ولا يخفى أن التغليب صحيح أيضاً لا فاسد فلا تحسن هذه المقابلة بل الذي يحسن أن يقال عد الترتيب من الأركان بمعنى الفروض حقيقة وبمعنى الأجزاء فيه تغليب قوله : ( فيه تغليب ) أي غلب ما هو جزء على ما ليس بجزء ، وأطلق على الكل أجزاء تغليباً انتهى ز ي .
قوله : ( وصوره الرافعي ) أي فسره قوله : ( والولاء شرطاً ) وجهه أن الأركان وجودية ومفهوم الولاء عدمي قوله : ( على الفرائض ) أي مع الفرائض بأن يؤخر السورة عن الفاتحة قوله : ( شرط في الاعتداد بها سنة ) ظاهره أنه إذا قدم مؤخراً لم يعتدّ بواحد منهما وليس كذلك ، وإنما هو شرط فيما بين سنتين للاعتداد بما له التقديم حتى لو قدم مؤخراً اعتد به . وفات ما له التقديم حتى لو أتى به بعده أو أعادهما لا يحصل لكن هذا خاص بغير السورة مع الفاتحة ، فلو قدمها عليها أتى بها بعدها لأن هذا بين واجب ومندوب وسنة تمييز اه م د . قال الرحماني : وترتيب السنن شرط للاعتداد بها كالاستفتاح ثم التعوّذ والسورة بعد الفاتحة قوله : ( بتقديم ركن فعلي ) أي على قولي أو فعلي فحذف المتعلق إيذاناً بالعموم اه شوبري قوله : ( فعله ) أي وجوباً فوراً ، فإن تأخر بطلت صلاته فلو تذكر في سجوده ترك الركوع فعله بأن يعود للقيام ويركع ، ولا يكفيه أن يقوم راكعاً لأنه صرف الهوي للسجود . ولو شك أي الإمام أو المنفرد في ركوعه هل قرأ الفاتحة أو في سجوده هل ركع لزمه القيام حالاً ، فإن مكث قليلاً ليتذكر بطلت صلاته ح ل . والمأموم يجري على صلاة إمامه ويأتي بركعة بعد السلام ح ف . فقول الشارح فعله أي(2/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
إن لم يكن مأموماً ، والمراد بقوله فعله أي وحده أو مع ما توقف عليه كتذكره في السجود ترك الركوع أو شك فيه ، فإنه يجب عليه أن يقوم ويركع ففي هذه الصورة فعله وما توقف عليه وهو القيام .
قوله : ( نعم إن لم يكن المثل من الصلاة الخ ) كأن صلى ركعة من صبح الجمعة ولم يسجد فيها سجود التلاوة إذ لا يشترط سجوده في أول ركعة ، ثم لما قام للركعة الثانية قرأ آية سجدة وسجد سجود التلاوة ثم تذكر فيه ترك سجدة من الركعة الأولى ، فإن سجود التلاوة لا يكفيه عما تركه من الركعة الأولى . ويصور ذلك أيضاً بسجود المتابعة خلافاً للشوبري ، وصورتها أنه بعد أن صلى ركعة من صلاة الصبح مثلاً وقام وجد إماماً معتدلاً من الركوع مثلاً فاقتدى به وسجد السجدتين معه للمتابعة ، فتذكر أنه ترك سجدة من الأولى التي صلاها منفرداً فإنه لا يجزيه عنها سجدة من السجدتين اللتين سجدهما مع الإمام للمتابعة كما قاله ع ش خلافاً لشيخه الشوبري . قوله : ( لم يجزه ) لعدم شمول نيته له شوبري لأنه مندوب فيها لا منها ، وبذلك فارق حسبان جلوس الاستراحة عن الجلوس بين السجدتين ق ل .
قوله : ( فلو علم في آخر صلاته الخ ) هذا مفرّع على قوله ، فإن تذكر متروكه قبل فعل مثله ، وقوله أو من غيرها أو شك مفرع على قوله وإلا أجزأه . وقوله أو علم الخ مفرع على قوله فإن تذكر متروكه قبل فعل مثله ، وقوله أو علم في آخر رباعية الخ مفرع على قوله وإلا أجزأه تأمل أفاده شيخنا . والحاصل أن الشارح رحمه الله فرّع تفريعات أربعة على العبارتين السابقتين ، أعني قوله فإن تذكر الخ وقوله وإلا الخ والتفاريع على سبيل اللف والنشر المرتب فتأمل قوله : ( أو علم في قيام ثانية مثلاً الخ ) مثلاً راجع إلى قوله قيام فيشمل الجلوس القائم مقام القيام في حق من يصلي من جلوس وراجع أيضاً لقوله ثانية فيشمل غيرها شيخنا ح ف .
قوله : ( فإن كان جلس بعد سجدته التي فعلها ) أي ولو جلسة استراحة ، وقوله سجد من قيامه أي اكتفاء بجلوسه شرح المنهج ، وفيه أن الجلوس إذا كان بنية جلوس الاستراحة كيف يقوم مقام الجلوس الواجب مع أنه تقدم أنه يشترط أن لا يقصد بالركن غيره فقط . وهنا قد قصد الغير فقط وهو جلوس الاستراحة ؟ وأجيب بأن الشرط المذكور في غير المعذور ، ونظيره ما ذكروه فيمن تشهد التشهد الأخير على ظن أنه الأول فإنه يكفيه لأنه معذور في قصده ، وقد شملت نية الصلاة ما فعله بخلاف من ركع ورفع فزعاً من شيء أو سجد للتلاوة فلم تشمله نيته(2/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
شيخنا . وقوله فإنه يكفيه أي بعد أن تذكر أنه الأخير وإلا بنى على اليقين وهو الأقل وكمل كما هو ظاهر قوله : ( رباعية ) بتشديد الياء نسبة إلى رباع المعدول عن أربع ، وإنما قيد بالرباعية لأن الأحوال الآتية لا تأتي في غيرها اه م د . قوله : ( محل الخمس ) أي على التوزيع قوله : ( وجب ركعتان ) أخذاً بالأسوأ وهو في المسألة الأولى ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثالثة ، فتجبران بالثانية والرابعة ويلغو باقيهما . وفي المسألة الثانية ترك ذلك وسجدة من ركعة أخرى ، وقوله وجب سجدة ثم ركعتان لاحتمال أنه ترك سجدتين من الأولى وسجدة من الثانية وسجدة من الرابعة . فالحاصل له ركعتان إلا سجدة إذ الأولى تتم بسجدتين من الثانية والثالثة والرابعة ناقصة سجدة فيتمها ، ويأتي بركعتين شرح المنهج قوله : ( فثلاث ) أي فثلاث ركعات لاحتمال أنه في الخمس ترك سجدتين من الأولى وسجدتين من الثانية وسجدة من الثالثة ، فتتم الأولى بسجدتين من الثالثة والرابعة وأنه في الست ترك سجدتين من كل من ثلاث ركعات شرح المنهج . قوله : ( جهل محلها ) ليس بقيد مرحومي .
قوله : ( وفي ثمان سجدات ) لم يقل جهل محلها لعدم تأتيه ، وفيه أنه يمكنه الجهل فيها أيضاً كأن اقتدى بالإمام وهو في الاعتدال فإنه يسجد معه سجدتين ولا يحسبان له ، فيمكن أن تبهم الثمانية في العشرة ويجهل محلها شيخنا العشماوي . وفي ع ش على م ر ما نصه قوله : وفي ثمان سجدات الخ لم يقل هنا جهل موضعها مع إمكانه كأن اقتدى مسبوق في اعتدال ، فأتى مع الإمام بسجدتين وسجد إمامه للسهو سجدتين ، وقرأ إمامه آية سجدة في ثانية مثلاً فسجد وسجد هو في آخر صلاته لسهو إمامه ، ثم شكّ بعد علمه بأنه ترك ثمان سجدات لكونها على عمامته في أنها سجدات صلاته أو ما أتى به للسهو والتلاوة والمتابعة ، أو أن بعضه من أركان صلاته وبعضه من غيرها ، فيحمل المتروك على أنها سجدات صلاته لأن غيرها بتقدير الإتيان به لا يقوم مقام سجود صلاته لعدم شمول النية له قوله : ( ويتصور ذلك الخ ) دفع به ما قد يقال لا تتصوّر الصلاة بترك السجود ، فنبه عليه لكونه خفياً اه ا ط ف . وقال ق ل : دفع لما يتوهم من أنه إذا لم يسجد لم يتصوّر الشك أو الجهل فتأمل .
قوله : ( وسننها أي المكتوبة ) أي فيكون في كلام المتن استخدام حيث أراد بالصلاة عند(2/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
قوله : وأركان الصلاة ثمانية عشر الصلاة مطلقاً فرضاً أو نفلاً ، وأعاد الضمير عليها بمعنى المكتوبة ، وهل المراد ولو بحسب الأصل فيؤذن للمعادة أي حيث لم يفعلها عقب الأصلية أو تلحق بالنفل الذي تطلب فيه الجماعة فيقال فيها الصلاة جامعة ؟ النفس إلى الثاني أميل كما قاله سم . وعبارة الشيخ عبد البر قوله المكتوبة ، خرج بقوله المكتوبة المعادة فلا يسن لها الأذان لأنها سنة اه .
قوله : ( الأذان ) أصله الندب وقد يجب بالنذر ويحرم قبل الوقت ، ومن المرأة إن رفعت صوتها أو قصدت التشبيه بالرجال ، ويكره من فاسق وصبي مميز وأعمى وحده كما يأتي ولا تعتريه الإباحة وهو كالإقامة من خصائص هذه الأمة كما ذكره السيوطي . وشرع في السنة الأولى من الهجرة والأذان أفضل من الإقامة ، وإن ضمت إليها الإمامة على الراجح وهما سنة كفاية في حق الجماعة ، وسنة عين في حق المنفرد ، والسنن على الكفاية ست الأولى الأذان والإقامة على الصحيح ، الثانية ابتداء السلام ، الثالثة تشميت العاطس ، الرابعة التسمية على الأكل ، الخامسة ما يطلب للميت إذا دعي إليه للمشي ، السادسة الأضحية على الكفاية في حق أهل البيت . فإن قيل : إنه كان يؤمّ ولم يؤذن . قيل لأنه كان مشغولاً بما هو أهم ، وأنه لو أذن لوجب الحضور على كل من سمعه حتى الذي يخبز في التنور وإن أدى الحضور إلى تلف الخبز ، وإنما كان الأذان أفضل من الإمامة لأنه ورد أن المؤذن أمين والإمام ضمين لأنه يتحمل الخلل الذي يقع في صلاة المأموم ، ويتحمل الفاتحة عن المسبوق ، والأمين أشرف من الضمين ولذا قال الإمام عليّ رضي الله عنه : لولا الخليفي ما تركت الأذان . والخليفي بكسر الخاء المعجمة وكسر اللام المشددة بمعنى الخلافة .
والسبب في مشروعيته ما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه أنه قال : لما أمر رسول الله بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلوات فطاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال : وما تصنع به ؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة فقال : ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك ؟ فقلت : بلى . قال : تقول الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان ثم تأخر عني غير بعيد ثم قال : وتقول إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة . فلما أصبحت أتيت النبّي فأخبرته بما رأيته فقال : ( إِنَّهَا رُؤْيَا حَقَ إِنْ شَاءَ الله ، قُمْ إِلَى بِلاَلٍ فَأَعِدْ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتاً مِنْكَ ) أي أرفعّ وَأعلى ، وقيل أحسن وأعذب ، وقيل أبعد . فقمت مع بلال فجعلت ألقنه إليه يؤذن به وكان ذلك في الصبح ، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى فقال النبي : ( فَلِلّهِ الحَمْدُ ) فإن قيل رؤية المنام لا(2/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
يثبت بها حكم . أجيب بأنه ليس مستنداً لأذان الرؤيا فقط بل وافقها نزول الوحي فقد روى البزار أن النبّي أري الأذان ليلة الإسراء ، وسمعه مشاهدة فوق سبع سموات ، ثم قدمه جبريل قام أهل السماء وفيهم آدم ونوح عليهم أفضل الصلاة والسلام فكمل له الشرف على أهل السموات والأرض ) . وكان رؤيا الأذان في السنة الثانية من الهجرة . واختلف هل أذن بنفسه ؟ فقيل : نعم مرة في سفره قال : في أذانه ( أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبْدُ ااِ ) وقيل قال : ( أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ ااِ ) ، قال الجلال السيوطي في مختصر أذكار النووي : إن من تكلم حال الأذان يخشى عليه من سوء الخاتمة ، وعن بعضهم أن الاسباب المقتضية لسوء الخاتمة أربعة : التهاون بالصلاة ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدين ، وأذى المسلمين .
قوله : ( يعلم به الخ ) هذا لا يتأتى إلا على القول الجديد القائل إن الأذان حق للوقت وهو مرجوح ، والراجح أنه حق للفريضة بدليل أنه يؤذن للفائتة ، وعليه فكان الأنسب أن يقول : قول مخصوص مطلوب لفريضة الصلاة اه ا ج . فإن قلت : ما تقرر من أنه حق للفرض ينتقض بما يأتي فيما لو توالى فوائت أو مجموعتان من أنه لا يؤذن لغير الأولى . قلت : لا يناقضه خلافاً لمن توهمه لأن وقوع الثانية تابعة حقيقة في الجمع أو صورة في غيره صيرها كجزء من الأولى ، فاكتفى بالأذان لها اه سلطان . قوله : ( والثاني الإقامة ) حتى للمرأة لها وللنساء وحتى للخنثى لنفسه وللنساء فيما يظهر ، لأنه إما رجل أو امرأة وكلاهما تصح إقامته للنسوة ، ولا تصح إقامة المرأة للرجال وللخناثى ، ولا إقامة الخنثى لهما اه سم قوله : ( مصدر أقام ) أي حصل القيام م د قوله : ( به ) أي بالمذكور فالأولى أن يقول بها قوله : ( لأنه يقيم إلى الصلاة ) أي يكون سبباً في القيام لها .
قوله : ( مشروعان ) أي لكل مكتوبة ولو فائتة إذا تفرقت وقتاً أو فعلاً أو هما . فمثال ما إذا تفرقت وقتاً فقط كما إذا صلى فائتة أول وقت الظهر وأخرى آخره ، ومثال ما تفرقت فعلاً فقط كما إذا صلى فائتة قبيل الظهر ثم دخل وقت الظهر عقب سلامه ، ومثال ما تفرقت وقتاً وفعلاً ما لو صلى فائتة أول وقت الظهر ثم صلى الظهر آخر وقتها ففي ذلك يسن الأذان لكل صلاة منهما ، ومن ذلك ما إذا صلى الظهر آخر وقتها ثم دخل وقت العصر عقب سلامه فيؤذن للعصر أيضاً لأنهما اختلفا وقتاً ، فالمراد بالاختلاف في الفعل أن يكون أحدهما أداء والآخر قضاء ،(2/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
والمراد بالاختلاف في الوقت أن تكون كل صلاة وقعت في وقت غير محدود للأخرى قوله : ( لعدم ثبوتهما فيه ) أي في ذلك الغير أعني غير المكتوبة .
قوله : ( ويشرع الأذان في أذن المولود ) لما قيل إنه يدفع عنه أم الصبيان ق ل . ويشترط فيما ذكر الذكورة أخذاً بإطلاقهم م ر ز ي انظر لو كان المولود كافراً ولا يبعد . نعم إذ كل مولود يولد على الفطرة الإسلامية وإنما أبواه يهوّدانه أو ينصرانه ، والأقرب اشتراط الإسلام في المولود فخرج ابن الكافر لمعاملته في الدنيا معاملة الكفار كما نقله الأجهوري . وعبارة شيخنا المدابغي في حاشية التحرير : وحكمة الأذان في اليمين أن الأذان أفضل من الإقامة لكونه أكثر نفعاً ، واليمين أشرف من اليسار فجعل الأشرف للأشرف قوله : ( أي تمردت ) أي تلونت في صور اه ا ج . قال القاضي أبو يعلى : ولا قدرة للشياطين على تغييرهم خلقتهم والانتقال في الصور ، وإنما يجوز أن يعلمهم الله تعالى كلمات وضربات من ضروب الأفعال أي أنواع إذا فعلها وتكلم بها نقله الله من صورة إلى صورة أخرى لجري العادة ، وإما أن يصوّر نفسه فذلك محال لأن انتقالها من صورة إلى صورة إنما يكون بنقض البنية وتفريق الأجزاء . ويسن الأذان والإقامة أيضاً خلف المسافر ، ويسن الأذان في أذن دابة شرسة وفي أذن من ساء خلقه وفي أذن المصروع اه ق ل . قوله : ( للمنفرد ) أي الذكر يقيناً وإن سمع أذان غيره إلا إن سمعه من محل وقصد الصلاة فيه وصلى فيه فلا يسن له . وعبارة م د على التحرير : وهو سنة كفاية أي للجماعة وسنة عين للواحد ، وإن بلغه أذان غيره حيث لم يكن مدعوّاً به ، أما إذا كان مدعوّاً به بأن سمعه من مكان وأراد الصلاة فيه وصلى معهم فلا يندب له الأذان إذ لا معنى له اه . قوله : ( وقعت فيه جماعة ) ليس بقيد ، وكذا قوله وانصرفوا لأن المراد أنه لا يندب رفع الصوت به إذا حصل منه إيهام دخول وقت صلاة أخرى ، أو إيهام وقوع الأولى قبل وقتها كما قاله الحلبي وق ل قوله : ( ويؤذن للأولى ) ولا يشترط أن يقصد به الأولى ، بل لو أطلق كان منصرفاً للأولى ، فلو قصد به الثانية فينبغي أن لا يكتفي به ح ل . أي ويقيم لكل كما في شرح المنهج قوله : ( من صلوات والاها ) كفوائت وصلاتي جمع وفائتة وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الأذان ، لأنه لما والاها كانت كصلاة واحدة .
قوله : ( ومعظم الأذان الخ ) إنما قال : ومعظم لأن التكبير أول الأذان أربع والتوحيد آخره(2/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
واحد والتكبير الأول والأخير ولفظ الإقامة فيها مثنى ش المنهج قوله : ( ما قلناه ) أي المعظم منهما .
قوله : ( الإسراع بالإقامة ) وحكمته المبادرة بالصلاة ، وأما الأذان فالغرض سنه الإعلام فيناسب تطويله قوله : ( وهو أن يأتي الخ ) وسمي بذلك لأن المؤذن رجع إلى رفع الصوت بعد أن تركه ، أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما ش المنهج . والتثويب من ثاب إذا رجع لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين ، ثم عاد فدعا إليها بذلك وخص بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم ش م ر قوله : ( والتثويب في أذان الصبح ) ولو فائتة ش م ر ويكره في غيره قوله : ( الصلاة خير من النوم ) أي اليقظة للصلاة خير من راحة النوم ، فاندفع ما يقال لا فائدة في هذا الإخبار . وقال الشهاب القليوبي : وإنما كان النوم مشاركاً للصلاة في أصل الخيرية لأنه قد يكون عبادة كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية ، ولأن النوم راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة ، فتكون الراحة في الآخرة أفضل . ويندب أن يقول في نحو الليلة ذات المطر : ألا صلوا في رحالكم اه مع زيادة . قوله : ( ويسن القيام في الأذان والإقامة الخ ) عبارة م ر : ويسن أن يؤذن على عال كمنارة وسطح للاتباع . ولزيادة الإعلام بخلاف الإقامة لا يستحب فيها ذلك إلا إن احتيج إليه ككبر المسجد كما في المجموع . وفي البحر : لو لم يكن للمسجد منارة سنّ أن يؤذن على الباب ، وينبغي تقييده بما إذا تعذر على سطحه وإلا فهو أولى فيما يظهر قوله : ( للقبلة ) فلو ترك ذلك مع القدرة كره وأجزأه لأنه لا يخل بالإعلام ، ومحله إذا كانت البلد صغيرة ، أما إذا كانت كبيرة عرفاً فيسن حينئذ الدوران كما هو الواقع الآن كما أفتى به شيخنا الزيادي . ومثله ما إذا كانت منارة القرية في غير جهة القبلة فيستقبل القرية وإن استدبر القبلة كما قاله ق ل اه .(2/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
قوله : ( وأن يلتفت بعنقه فيهما ) ظاهره وإن كان يؤذن أو يقيم لنفسه ولا بعد فيه لأنه قد يسمعه من لا يعلم به ، وقد يريد الصلاة معه فمظنة فائدة الالتفات قائمة لكن قول الرافعي وإن قل الجمع فيه إشعار بأن المؤذن لنفسه لا يلتفت فليراجع ، وقد يحمل على ما لو انتفت المظنة بالكلية وهل يلتفت في الأذان لتغوّل الغيلان ؟ فيه نظر ولا يبعد الالتفات لأنه أبلغ في الإعلام وأدفع لشرهم بزيادة الإعلام ، وأما رفع الصوت بالأذان للتغول فهو ظاهر . وأما الأذان في أذن المولود فيحتمل أنه لا يطلب فيه رفع الصوت ولا الالتفات المذكور لعدم فائدته قاله الشيخ ، ووافق على ذلك شيخنا البلقيني . وقوله : ولا يبعد الالتفات أشار إلى تصحيحه وقوله إنه لا يطلب أشار إلى تصحيحه اه . واختص الالتفات بالحيعلتين لأنهما خطاب آدمي كالسلام من الصلاة بخلاف غيرهما ش المنهج ، أي لأن السلام يلتفت فيه دون ما سواه لأنه خطاب آدمي ش م ر . قوله : ( يميناً ) منصوب على الظرفية بيلتفت ، وقوله : مرتين حال من حي على الصلاة أي حالة كونها مقولة مرتين الخ . أو من فاعل يلتفت أي حال كونه قائلاً ذلك مرتين وفي الحقيقة هو معمول للحال قوله : ( مرتين ) فالالتفات مرتين فقط في كل من الأذان والإقامة والمقول أربع مرات أي في الأذان ، أما في الإقامة فمرتين مرة يميناً ومرة شمالاً اه خ ض .
قوله : ( عدلاً في الشهادة ) محمول على كمال السنة ، أما أصلها فيكفي فيه عدل رواية وبه يجمع بين كلامي الوالد ش م ر وقوله عدلاً لأنه يخبر بأوقات الصلوات ، وهذا فيمن يؤذن حسبة ، أما من ينصبه الإمام أو من له ولاية النصب شرعاً فلا بد أن يكون عارفاً بالمواقيت بأمارة أو خبر ثقة عن علم ، وأن يكون بالغاً أميناً ، فغير العارف لا يجوز نصبه وإن صح أذانه ش م ر . واقتصاره على نفي الجواز يقتضي صحة التقرير وإن حرم ، وحيث صحّ التقرير استحق المعلوم اه سم وم ر . وخالف ابن حجر . قوله : ( عالي الصوت حسنه ) لأنه أبعث على الإجابة قوله : ( وكرها من فاسق ) أي لأنه لا يؤتمن من أن يأتي بهما في غير الوقت ش المنهج قوله : ( وصبي مميز ) أي فيتأدى بأذانه وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت ، وما في المجموع من قبول خبره فيما طريقه المشاهدة كرؤية النجاسة ضعيف كما ذكره في محل آخر . نعم قد يقبل خبره فيما احتفت به قرينة كإذن في دخول دار وإيصال هدية ، وإخباره بطلب في وليمة عرس فتجب الإجابة إن وقع في القلب صدقه م ر قوله : ( وأعمى ) لأنه ربما يغلط في الوقت قوله : ( ومحدث ) أي غير فاقد الطهورين إلا إن أحدث في الأثناء ولو حدثاً أكبر ، فإن الأفضل إكماله ، ولا يستحب قطعه ليتوضأ نقله في شرح المهذب عن الإمام الشافعي(2/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
وأصحابه . وحينئذ يقال لنا : صورة يستحب فيها الأذان للمحدث ح ل . وقوله : فإن الأفضل اكماله فهذا يستثنى من كراهة أذان المحدث والاستئناف أولى ، وإنما طلب من المؤذن الطهارة لما في الحديث ( لاَ تُؤَذِّنْ إِلاَّ وَأَنْتَ مُتَوَضِّىءٌ ) ولأنه يدعو إلى الصلاة ، فليكن بصفة من يمكنه فعلها وإلا فهو واعظ غير متعظ قاله القاضي ، وقضيته أنه يسن له الطهر من الخبث قوله : ( في الإقامة ) أي منهما أغلظ منها في أذانهما لقربهما من الصلاة ش المنهج . ويؤخذ من هذه العلة أن إقامة المحدث أغلظ من أذان الجنب خلافاً للإسنوي حيث قال بتساويهما ح ل . وعبارة المدابغي على التحرير : وهي في الإقامة منهما أي كراهة الإقامة مع الحدث الأصغر أغلظ من كراهة الأذان معه ، وكراهة الإقامة مع الجنابة أغلظ من كراهة الأذان معها ، وبحث بعضهم مساواة أذان الجنب لإقامة المحدث والمعتمد ما اقتضاه إطلاقه كأصله أن كراهة إقامة المحدث أشد من كراهة أذان الجنب لقربها من الصلاة بخلاف أذانهما لغير الصلاة أي الجنب والمحدث فلا يكره أخذاً من العلة . قال الكوكيلوني : الكراهة في أذان الجنب أشد من كراهة أذان المحدث ومن إقامته ، والكراهة في إقامة الجنب أشد من أذانه ومن أذان المحدث ومن إقامته ، والكراهة في إقامة المحدث أشدّ من أذانه فهذه ستة رملي . وتقدم أن الحيض والنفاس أشد من الجنابة فتكون الكراهة معهما أشد منها معهما اه عناني .
قوله : ( الترتيب ) للاتباع ، ولأن تركه يوهم اللعب ويخلّ بالإعلام ، فإن عكس ولو ناسياً لم يصح ويبني على المنتظم منه والاستئناف أولى اه خ ض قوله : ( والولاء ) فلا يفصل بينهما بسكوت أو كلام طويل ، فلا يضر تخلل يسير سكوت أو كلام ولو قصد القطع ، ولا يسير نوم وإغماء وجنون . ويشترط أن لا يطول الفصل عرفاً بين الإقامة والصلاة ح ل قوله : ( ولجماعة جهر ) بحيث يسمع كل واحد منهم ولو بالقوة ، وفي المنفرد إسماع نفسه كذلك ق ل . ويشترط أيضاً عدم بناء الغير على أذانه أو إقامته وإن اشتبها صوتاً وغيره لأنه يوقع في لبس . وعبارة المدابغي على التحرير : وجهر لجماعة بحيث يسمعون أي بالقوة . ويكفي سماع واحد منهم بالفعل ، ويجزيه في أذانه لنفسه إسماع نفسه لأن الغرض حينئذ مجرد الذكر بخلاف أذان الإعلام اه . عب .
قوله : ( ودخول وقت ) فلا يصحان قبله بل ويحرمان إن أدى إلى تلبيس على غيره أو قصد به العبادة . قال سم : ويكره كراهة صغيرة . وبولغ في الرد على من قال كبيرة ، والمراد(2/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
بقوله دخول وقت أي وقوعهما فيه ولو بحسب الواقع وهو في الإقامة عند إرادة فعل الصلاة أداء وقضاء ، وكذا في الأذان للمقضية وفي المؤداة وقتها المضروب لها شرعاً . قال في العباب : فإذا أذن جاهلاً بدخول الوقت وصادفه اتجه الإجزاء اه . وهو أحد احتمالين لصاحب الوافي رجحه الزركشي كما بينه ابن حجر . قال : وفارق التيمم والصلاة باشتراط النية ثم بخلافه هنا . قال الشيخ : وقضية الفرق أنه لو خطب للجمعة جاهلاً بدخول الوقت فتبين أنه في الوقت أجزأت لعدم اشتراط نية الخطبة ، ويحتمل عدم الإجزاء لأن الخطبة أشبهت الصلاة ، وقيل إنها بدل من ركعتين شوبري . فيصح الأذان ما بقي الوقت وتقييد ابن الرفعة بوقت الاختيار ضعيف أو لبيان الأفضل . نعم تبطل مشروعيته بفعل الصلاة أي بالنسبة للمصلي في تلك الصلاة اه خ ض .
قوله : ( ويشترط في المؤذن الخ ) اعلم أن ما يشترط للأذان والإقامة على قسمين ما يشترط فيهما لذاتهما كالوقت والترتيب والجهر لجماعة وعدم بناء غير ، وما يشترط فيهما لا لذاتهما بل لفاعلهما وهو الإسلام والتمييز وكذا الذكورة بالنسبة للأَذان قوله : ( الإسلام ) فلا يصح من الكافر ، فلو فعل ذلك حكم بإسلامه لنطقه بالشهادتين إلا إن كان عيسوياً ، ولا يعتد بأذانه إلا إن أعاده ثانياً . والعيسوي شخص من طائفة اليهود ، منسوب إلى أبي عيسى إسحاق ابن يعقوب الأصفهاني يعتقدون أن محمداً أرسل إلى العرب خاصة . واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } ) إبراهيم : 4 ) راجع تفسير الفخر اه ح ل . ويكره أذان الصبي والفاسق ، وظاهر أن المراد أذانهما لغيرهما ، أما أذانهما لنفسهما فيتعين القول باستحبابه اه سم اه ا ج . قوله : ( ولغير النساء الذكورة ) لو قال : وذكورة المؤذن لكان أولى لأن الواقع من النساء صورة أذان لا أذان لأنه منهن ذكر فقط إذ هو من وظائف الذكور ، فلا يسن للأنثى ولا للخنثى مطلقاً ، ويحرم عليهما عند رفع الصوت مطلقاً وبدونه مع قصد التشبيه . نعم لو أذن الخنثى فبانت ذكورته عقب أذانه أجزأ كما في شرح م ر . أي فيشترط لوجود الحرمة أحد أمرين : إما رفع الصوت أو قصد التشبه بالرجال ، والعلة المعتمدة في الحرمة إنما هي قصد التشبه بالرجال وهو حرام لا خوف الفتنة خلافاً للشيخ تبعاً لشيخه الجلال المحلي في ش المنهاج ، حيث علل ذلك بخوف الفتنة زيادي . وحاصله كما في ش م ر وغيره أنه مع الرفع فوق ما يسمع صواحباتها حرام مطلقاً أي سواء ، كان ثم أجنبي أم لا ، وسواء قصدت التشبه أم لا لأن الرفع من خصائص الرجال ، ومع عدم الرفع إن قصدت التشبه حرم وإلا فلا اه . ولا يشكل بجواز غنائها مع استماع الرجل له لأن الغناء يكره للرجل استماعه عند أمن الفتنة والأذان يستحب له استماعه ، فلو جوّزناه للمرأة لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة وهو ممتنع ، ولأن فيها تشبيهاً بالرجال بخلاف الغناء فإنه من شعار النساء ، ولأن الغناء ليس بعبادة والأذان عبادة ، والمرأة(2/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
ليست من أهلها فيحرم عليها تعاطيها كما يحرم عليها تعاطي العبادة الفاسدة ، ولأنه يستحب النظر للمؤذن حال أذانه ، فلو استحسناه للمرأة لأمر السامع بالنظر إليها وهذا مخالف لمقصود الشارع ، ولأن الغناء منها إنما يباح بحضرة الأجانب الذين يؤمن افتتانهم بصوتها ، والأذان مشروع لغير معين فلم يحكم بالأمن من الافتتان فمنعت منه . وفارق الرفع هنا الرفع بالتلبية بأن الإصغاء إليها غير مطلوب لكن في الأذكار : وليس للمرأة رفع الصوت بها ، وعلل بخوف الفتنة فتأمل . ويؤخذ مما مرّ في الفرق بين غنائها وأذانها جواز رفع صوتها بالقراءة في الصلاة وخارجها وإن كان الإصغاء للقراءة مندوباً وهو ظاهر . وأفتى به م ر قالوا : فقد صرحوا بكراهة جهرها بها في الصلاة بحضرة أجنبي وعللوه بخوف الافتتان اه م د .
قوله : ( ويسن مؤذنان للمسجد ) لعل المراد يؤذنان على التناوب هذا في وقت وهذا في آخر حيث لم يتسع المسجد لا أنهما يؤذنان في وقت واحد ح ل قوله : ( ويسن لسامع الخ ) لخبر الطبراني ( إِنَّ المَرْأَةَ إِذَا أَجَابَتِ الأَذَانَ أَوْ الإقَامَةَ كَانَ لَهَا بِكُلِّ حَرْفٍ أَلَفُ أَلْفُ دَرَجَةٍ ، وَلِلرَجُلِ ضُعْفَ ذَلِكَ ) شرح حج . ولخبر مسلم ( إِذَا سَمْعِتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَي ) ويؤخذ من قوله : فقولوا أن يأتي بكل كلمة عقب فراغه منها ، وأخذوا من قوله مثل ما يقول ولم يقل مثل ما تسمعون أنه يجيب في الترجيع وإن لم يسمعه شرح م ر وحج . قال سم : وأفهم كلام المصنف أي النووي أن السامع يجيب وإن لم يفهم ما يقول وهو ما جزم به ابن الرفعة ولم يطلع عليه الزركشي فبحثه ونظر الإسنوي في إجابته لنفسه بناء على أن المخاطب يدخل في العمومات الواقعة منه ، ونوزع في وجه البناء على ذلك ، والذي رجحه غيره أنه لا يجيب نفسه أخذاً من مقتضى الأحاديث اه . وإذا سمع مؤذناً بعد مؤذن فالمختار أن أصل الفضيلة شاملة للجميع إلا أن الأول يكره تركه . وقال العز بن عبد السلام : إجابة الأول أفضل إلا أذاني الصبح فلا أفضلية فيهما لتقدم الأول ووقوع الثاني في الوقت ، وإلا أذاني الجمعة لتقدم الأول ومشروعية الثاني في زمنه عليه الصلاة والسلام . قال م ر : ومما عمت به البلوى إذا أذن المؤذنون واختلطت أصواتهم على السامع وصار بعضهم يسبق بعضاً فقد قال بعضهم : لا تستحب إجابة هؤلاء . والذي أفتى به الشيخ عز الدين أنه تستحب إجابتهم اه ا ج وقوله لسامع المؤذن الخ حيث لم يكن مصلياً ولو لنفل ولم يكره له الكلام كقاضي الحاجة والمجامع ومن يسمع الخطيب ح ل .
قوله : ( في كل كلمة ) أي من الحيعلات ، وفي بمعنى اللام فلا يلزم تعلق حرفي جرّ(2/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
بمعنى واحد بعامل واحد قوله : ( الدعوة ) أي الأذان والإقامة قوله : ( التامة ) أي السالمة من تطرق نقص إليها والقائمة التي ستقام . والوسيلة منزلة في الجنة ، والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة شرح المنهج . وقوله : الذي وعدته أي بقوله ) عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمود } ) الإسراء : 79 ) قوله : ( والفضيلة ) مرادف أو ما أعطيه من الفضائل ق ل . أو المراد بالفضيلة الشفاعة في فصل القضاء والوسيلة منزلته في الجنة ، أما لو أريد بالوسيلة منزلته في الجنة وبالفضيلة منزلة إبراهيم وآله فالكلام مشكل ، إذ كيف يطلب للنبّي ما لإبراهيم وآله ؟ فالصواب التفسير الأول ، وفائدة طلب ذلك مع أنه ثابت له عود الثواب على الداعي أو إظهار شرفه قوله : ( مقاماً ) مفعول به لا بعثه بتضمينه معنى أعطه ، أو مفعول فيه أي أقمه في مقام أو حال أي ابعثه ذا مقام محمود شرح البخاري لشيخ الإسلام قوله : ( وحده ) معتمد .
قوله : ( أفضل ) قالوا لخبر ( لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيءٌ إِلاَّ شَهدَ لَهُ يوْمَ القِيَامَةِ ) ولأنه لإعلامه بالوقت أكثر نفعاً منها شرح المنهج ، ولقوله عليه الصلاة والسلام ( المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقَاً يَوْمَ القَيامَةِ ) أي أكثر رجاء ، لأن راجي الشيء يمد عنقه إليه ، وقيل بكسر الهمزة أي إسراعاً إلى الجنة ، وإنما كان الأذان أفضل مع كونه سنة ، والإمامة فرض كفاية لأن السنة قد تفضل الفرض كردّ السلام مع ابتدائه شرح م ر ، ولحديث ( الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، الَّلهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَةَ وَاغْفُرْ لِلمُؤذِّنِينَ ) والأمانة أعلى من الضمان ، والمغفرة أعلى من الارشاد اه ا ج . وقول المنهج قالوا الخ تبرؤ منه لأنه لا يدل على أفضلية الأذان على الإمامة . وقدم الجن على الإنس لتأثرهم بالأذان أكثر من الإنس ، فالأولى الاستدلال على كون الأذان أفضل من الإمامة لأنه مشتمل على أصول الدين وفروعه ، فالأصول فيه التكبير والشهادتان ، والفروع من قوله حيّ على الصلاة الخ . وإنما طلبت هذه الألفاظ من المجيب للخبر الوارد في ذلك ، ولأن الحيعلتين دعاء إلى الصلاة فلا يليق بغير المؤذن إذ لو قاله السامع لكان الناس كلهم دعاة ، فمن المجيب فيسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله تعالى اه ا ج .
تنبيه : ليحذر من أغلاط تبطل الأذان بل يكفر متعمد بعضها كمد باء أكبر وهمزته ، وهمزة أشهد وألف اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ، ومن عدم النطق بهاء الصلاة وغير ذلك ، ويحرم بلحنه إن أدى لتغير معنى أو إيهام محذور ، ولا يضر زيادة لا تشتبه بالأذان ولا اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; الأكبر .(2/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
قوله : ( وسننها ) أي الصلاة لا بقيد كونها من الخمس الذي أوهمه كلام الشارح بإطلاقه المقتضي تقييده بما مرّ إلا أن يقال : إن الاطلاق هنا عام أخذاً مما بعده وهو الوتر ق ل .
قوله : ( فأبعاضها ثمانية ) بل عشرون كما يأتي ق ل قوله : ( التشهد الأول الخ ) حمله الشارح على ألفاظه فقط ، ولو جعله شاملاً لقعوده والصلاة على النبّي فيه وقعودها لكان أولى فهو مشتمل على أبعاض أربعة ، وقوله : أو بعضه صوابه إسقاط هذه لأن الكلام هنا في عده لا في السجود لتركه فتأمل . وقوله : والقنوت الخ لو جعله شاملاً لكل ما يطلب فيه دخل فيه اثنا عشر بعضاً كما يأتي ق ل بل أربعة عشر القنوت ، والصلاة على النبي وعلى الآل وعلى الصحب والسلام على الثلاثة فهذه سبعة ، والقيام لكل منها فالمجموع أربعة عشر ، وإن نظم البعض القنوت كانت ستة عشر والتشهد الأول فيه ستة كله أو بعضه والصلاة على النبّي فيه والقعود لكل من الثلاثة ، والتشهد الأخير فيه اثنان الصلاة على الآل والقعود لها . فالمجموع أربعة وعشرون سواء تركها عمداً أو سهواً ، فاضرب الأربعة والعشرين في العمد والسهو يحصل ثمانية وأربعون ، وسواء تركها هو بأن كان منفرداً أو إمامه فاضرب ثمانية وأربعين فيها يحصل ستة وتسعون . قال ابن قاسم : ويكره أن يزيد فيه على ألفاظه والصلاة على النبّي بعده لبنائه على التخفيف ، فإن أطاله بدعاء أو غيره ولو عمداً لم تبطل صلاته ولم يسجد للسهو خلافاً لقول القاضي بالبطلان . نعم لو فرغ المأموم من قراءة ما طلب منه قبل فراغ الإمام سنّ له الصلاة على الآل وتوابعها اه ا ج .
قوله : ( القنوت ) هو لغة الثناء وشرعاً ذكر مخصوص مشتمل على ثناء ودعاء كاللهم اغفر لي يا غفور ، فلو لم يشتمل عليهما لم يكن قنوتاً ، ومثل الثناء والدعاء آية تتضمن ذلك كآخر سورة البقرة بشرط أن يقصد بها القنوت سم في شرح المتن . قال في شرحه : والمراد بالقنوت ما لا بد منه في حصوله بخلاف ترك أحد القنوتين كأن ترك قنوت سيدنا عمر الآتي اه خ ض . قوله : ( في ثانية الصبح ) أي في اعتدالها كما هو معلوم ، وخصت الصبح بالقنوت لشرفها ولأنه يؤذن لها قبل وقتها ويثوّب لها وهي أقصر الفرائض ، فكانت الزيادة أليق برماوي ويسجد تاركه تبعاً لإمامه الحنفي على المعتمد ، بل وإن فعله المأموم لأن ترك إمامه له ولو اعتقاداً من حكم السهو الذي يلحق المأموم لا لاقتدائه في الصبح بمصلى سنتها لأن الإمام يحمله ولا خلل في صلاته ق ل . وقوله : لا لاقتدائه أي لا يسجد تاركه للاقتداء الخ . وقوله : يحمله وإن كان غير مشروع له لأن شأن الإمام التحمل قوله : ( كله أو بعضه ) فيه ما ذكر في الذي قبله .(2/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
قوله : ( في حال الأمن ) صوابه في حال عدم النازلة ق ل . قوله : ( بالمسلمين ) ليس بقيد بل كذلك المسلم الواحد كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة خ ض : ولو واحداً منهم كما بحثه بعضهم ، لكن شرط فيه الإسنوي أن يتعدى نفعه كالعالم والشجاع وهو متجه ، واعتمده م ر أيضاً اه .
قوله : ( نازلة ) كوباء وقحط ، ومنه الطعن والطاعون ولا يشكل على الدعاء برفع ذلك كونه شهادة لأن الشهادة لا تنحصر في ذلك لأن أسباب الشهادة كثيرة اه م د على التحرير قوله : ( لأنزلت ) جملة دعائية برفع النازلة قوله : ( استحب في سائر الصلوات ) ويجهر به الإمام في الجهرية والسرية والمؤداة والمقضية ، ويسر به المنفرد مطلقاً كقنوت الصبح . وخرج بالمكتوبة النفل والنذر وصلاة الجنازة فلا يسنّ القنوت للنازلة فيها اه م د على التحرير .
قوله : ( وهو اللهم ) الأولى أن يقول : كاللهم لأن كلامه يوهم الحصر ، ولا يتعين ذلك للقنوت بل كل ما تضمن ثناء ودعاء حصل به القنوت كآخر سورة البقرة إن قصده بها ، لكن إن شرع في قنوت النبي الذي في الشرح أو في قنوت عمر تعين لأداء السنة ، فلو تركه كغيره أو ترك كلمة أو أبدل حرفاً بحرف سجد للسهو كأن يأتي بمع بدل في في قوله ( اهْدِنَا مَعَ مَنْ هَديْتَ ) أو ترك الفاء في فإنك والواو من وإنه ، وخرج بالشروع ما لو أبدله قبل الشروع فيه بقنوت آخر ولو قصيراً بأن يأتي بحقيقته ، وهي ما اشتمل على ثناء ودعاء نحو : اللهم اغفر لي يا غفور فلا سجود ، فإن لم يأت بشيء أصلاً سجد قوله : ( فيمن هديت ) أي معهم ، ففي بمعنى مع أو التقدير واجعلني مندرجاً فيمن هديت وكذا الاثنان بعده فالجار والمجرور متعلق بمحذوف ز ي . قوله : ( وعافني ) أي من بلاء الدنيا والآخرة . وقوله : وتولني أي كن ناصراً وحافظاً لي من الذنوب مع من نصرته وحفظته وقوله : وقني شر ما قضيت أي شرّ ما يترتب على القضاء من السخط وعدم الرضا بالقضاء والقدر قرره شيخنا العشماوي . وعبارة الإطفيحي قوله : وقني شر ما قضيت أي قني شر عدم الرضا بالقضاء ، أي رضني بالقضاء أي المقضي من المرض وغيره مما تكرهه النفس قوله : ( فإنك تقضي ) أي تحكم قوله : ( لا يذل ) بالبناء للفاعل ويجوز للمفعول وكذا يعز ق ل أي لا يحصل له ذ ل قوله : ( تباركت ) أي تزايد خيرك .
قوله : ( وتعاليت ) زاد م ر وغيره : ( فَلَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )(2/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
لكن إذا تركها لا يسجد للسهو كما قاله ا ج . ويسنّ للإمام أن يأتي في القنوت بلفظ الجمع كأن يقول : اهدنا الخ . قال المدابغي على التحرير : والمنفرد يقول : اللهم اهدني الخ . وقوله : فلك الحمد على ما قضيت هو شامل للخير والشر ، وعليه فقد يقال كيف حمد على قضاء الشر وقد طلب رفعه فيما سبق بقوله وقني شر ما قضيت ؟ والجواب أن الذي طلب رفعه فيما مضى هو شر المقضي من مرض وغيره مما تكرهه النفس ، والمحمود عليه هنا هو القضاء الذي هو صفته تعالى وكلها جميلة يطلب الثناء عليها اه ع ش .
قوله : ( والوتر في النصف الثاني من رمضان ) عبارة شيخ الإسلام في التحرير ووتر النصف الأخير من رمضان . قال العلامة الشوبري : ظاهر كلامهم أن المراد وتر رمضان لا الوتر الواقع فيه ، فلو قضى فيه وتر غيره لم يقنت ، ولو فاته وتر رمضان فقضاه في غيره فهل يقنت ؟ قال بعضهم : فيه احتمال لكن قضية ما نقله في الكفاية عن العجلي وأقرّه من نفي استحباب التكبير في المقضية من العيد أنه لا يقنت اه . وأقول : إن أراد به التكبير عقب الصلوات فهو غير شبيه بالقنوت لأن القنوت فيها وهذا خارجها ، وإن أراد التكبير في الصلاة فالراجح الإتيان به في المقضية ، وقياسه حينئذ الإتيان بالقنوت في المقضية واستوجهه شيخنا . ولعل ما ذكره في التكبير طريقة مرجوحة اه . وبقي ما لو فاته وتر النصف الأول فقضاه في الثاني ، والظاهر أنه لا يقنت محاكاة للأداء فليراجع اه م د قوله : ( أن يقول بعده قنوت عمر ) عبارة ق ل على التحرير : قنوت ابن عمر ونسبته إليه لأنه الذي رواه كما عليه غالب الشراح ، وقيل لأنه الذي قاله اه وهو ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق ) اه . وكل منهما يحصل به أصل السنة لكون الأول هو الذي عليه العمل عند الشافعية ، والثاني عند الحنفية . وملحق يجوز فيه كسر الحاء المهملة وفتحها روايتان صحيحتان . ولا يقال إن ذلك يطوّل الاعتدال وهو مبطل . لأن محل البطلان بتطويل الاعتدال في غير اعتدال الركعة الأخيرة من سائر الصلوات لأنه يطلب تطويله في الجملة . وقوله : ونترك عطف تفسير لنخلع ، وعبرّ به إشارة إلى أن الفاجر كالبابوج الذي يخلع من الرجل . وقوله : ونسجد من عطف الجزء على الكل إن أريد به سجود الصلاة ، وإن أريد به سجود التلاوة والشكر يكون مغايراً وقوله : ونحفد أي نسرع وقوله إن عذابك الجد أي الحق ، وقوله ملحق من ألحق بمعنى لحق وهذا على كسر الحاء ، وأما على فتحها فالمعنى أن الله ألحقه بهم .(2/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
فرع : لو قصد أن يقنت لنازلة ثم تركه عمداً أو سهواً لم يسجد له ، وإن صلى صلاة التسبيح أو راتبة الظهر أو أربعاً نفلاً بقصد تشهد أول وتركه في الكل سجد للسهو خلافاً لحج في الأخيرة رحماني فسجود السهو يكون في الفرض والنفل لا في صلاة الجنازة . وعبارة عبد البر .
فرع : لو صلى نفلاً أربعاً بتشهد سجد للسهو بترك التشهد الأول إن كان عزم على الإتيان به فنسيه وإلا فلا كما أفتى به البغوي ، وقيل لا يسجد مطلقاً ، وجرى عليه صاحب الذخائر ونقله ابن الرفعة عن الإمام اه واعتمد م ر الأول وحج الثاني .
قوله : ( ما هو سنة فيه ) أي الأخير ومنه الصلاة على الآل ، فلا تسن في الأول بل قيل بكراهتها فيه ، ولا سجود لتركها ولا لفعلها فيه أيضاً ق ل . والمعتمد أنها خلاف الأولى اه م د قوله : ( بعد التشهد الخ ) وما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام ( لاَ تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ ) الخ . محمول على ما لم يرد ، وأما هذا فقد ورد أفاده شيخنا العزيزي قوله : ( فتزيد الأبعاض بذلك ) أي(2/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
بهذه الأربعة فتصير اثني عشر ، ويزيد القنوت بالصلاة على الصحب والسلام على النبّي وعلى الآل وعلى الصحب ، والقيام لهذه الأربعة ، فتصير الأبعاض عشرين كما قاله ق ل . والأبعاض الحقيقية جبرها بالتدارك وهذه لما طلب جبرها بالسجود أشبهت الأبعاض الحقيقية بجامع طلب الجبر فيهما ، وإن اختلف المجبور به فلهذا سميت أبعاضاً اه شوبري قوله : ( لقربها بالجبر بالسجود ) أي بسبب الجبر .
قوله : ( من الأبعاض ) متعلق بقرب وبالسجود متعلق بجبر وهذا بيان للجامع بينهما ، وحينئذ فالأولى حذف السجود لأن الجامع بينهما مطلق الجبر ، وإن كان الجابر مختلفاً فالجبر في الأركان بالتدارك وفي الأبعاض بالسجود . وقوله : من الأبعاض أي الحقيقية يفيد أنها ليست أبعاضاً حقيقية ، وقضية ذلك أن مسمى الصلاة حقيقية الأركان فقط فليتأمل . فإن فيه وقفة وله توجيه سم . وأقول : قد يقال الصلاة لها إطلاقان ، تطلق ويراد بها الصلاة الكاملة أي المستوفية بما طلب فيها ، وحينئذ فهي أبعاض حقيقة ، وتطلق ويراد بها ما يسقط بفعله الطلب وتسميتها حينئذ أبعاضاً مجاز علاقته المشابهة قوله : ( وخرج بها بقية السنن الخ ) عبارة المدابغي على التحرير : وخرج بها بقية السنن فلا يسجد لتركها كترك السورة بعد الفاتحة وتسبيحات الركوع والسجود لأنه لم ينقل ولا هو في معنى ما نقل ، إذ القنوت مثلاً ذكر مقصود شرع له محل خاص به بخلاف السنن المذكورة فإنها كالمقدمة لبعض الأركان كدعاء الافتتاح أو التابع كالسجود ، فإن سجد لشيء منها ظاناً جوازه بطلت صلاته إلا لمن قرب عهده بالإسلام أو نشأ ببلدة بعيدة عن العلماء اه شرح الروض . وما استشكل به من أن الجاهل لا يعرف مشروعية سجود السهو ، ومن عرفه عرف محله رد بمنع هذا التلازم لأن الجاهل قد يسمع مشروعية سجود السهو قبل السلام لا غير فيظن عمومه لكل سنة ، وعدم اختصاصه بمحل المشروع اه خ ض قوله : ( ولا تسن الصلاة على الآل في التشهد الأول ) لا من الإمام ولا من المأموم إذا كان موافقاً ، والأشبه في المأموم الموافق أنه لو كان الإمام يطيل التشهد الأول إما لثقل لسانه أو غيره وأتمه المأموم سريعاً استحب له الدعاء إلى أن يقوم إمامه فلا يأتي بالصلاة على الآل وما بعدها ، وأما المسبوق إذا أدرك ركعتين من الرباعية فإنه يتشهد مع الإمام تشهده الأخير ، وهو أول للمأموم فيستحب له الدعاء فيه . ومنه الصلاة على الآل وهل بقية التشهد كذلك أو لا يأتي ببقية التشهد لأنه كنقل القولي اه ح ل ؟ والذي اعتمده م ر الإتيان ببقيته ، بل يستحب الإتيان بدعائه ، ومنه الصلاة على الآل كما في ع ش على م ر وذلك أن القاعدة أن للمأموم أن يأتي بما يسن للإمام أن يأتي به والإمام يسنّ له في هذه الحالة الإتيان بذلك بخلافه فيما إذا كان المأموم موافقاً في التشهد الأول كما مرّ .(2/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
قوله : ( والمراد بها هنا ) خرج به الطمأنينة لأنها تسمى هيئة لما هي فيه ق ل قوله : ( التي لا تجبر بالسجود ) لعدم ورود السجود لتركها ، فإن سجد لشيء منها عالماً عامداً أو جاهلاً غير معذور بطلت صلاته كما مرّ قوله : ( رفع اليدين ) لإمام وغيره ولو امرأة وإن اضطجع ، والحكمة في رفع اليدين رفع الحجاب بين العبد وبين الرب جلت عظمته ، والإشارة في رفع السبابة إلى الوحدانية ، والإشارة في وضع اليمين على الشمال ذل بين يدي عزيز . ويكره للخطيب رفع يديه حالة الخطبة اه .
قوله : ( أي رفع كفيه ) أتي به لأن حقيقة اليد من رؤوس الأصابع إلى المنكب فدفعه بذلك اه عبد البر . وإطلاق اليدين على الكفين مجاز من إطلاق الكل على الجزء ، فلو قطعت اليد من الكوع رفع الساعد أو من المرفق رفع العضد لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ، ولو قطعت إحداهما رفع ساعدها مع الأخرى ، ولو رفع إحداهما مع قدرته على رفع الأخرى لم يحصل له أصل السنة بل يكره كما قاله ابن شرف قوله : ( للقبلة ) أي ما يصلي إليه فيشمل مقصد المسافر أو من اشتبهت عليه رحماني . وقوله منشورتي الأصابع ليكون لكل عضو استقلال في العبادة .
ضابط للأصابع في الصلاة ست حالات : إحداها حالة الرفع في تحرم وركوع واعتدال وقيام من تشهد أول فيندب تفريقها . الثانية : حال قيام في غير التشهد فلا تفرق . الثالثة : حال ركوع فيندب تفريقها على الركبتين . الرابعة : حال سجود فتضم وتوجه للقبلة . الخامسة : حال قعود بين السجدتين فالأصح أنه كالسجود . السادسة : التشهد فاليمين مضمومة الأصابع إلا المسبحة واليسرى مبسوطة والأصح فيها الضم اه مناوي .
قوله : ( عند ابتداء تكبيرة الإحرام ) بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره . وقوله : عند ابتداء متعلق بالرفع ، أي ابتداء رفع اليدين عند ابتداء تكبيرة الإحرام . وقوله : مقابل منكبيه متعلق بمحذوف أي ينهيهما مقابل منكبيه .
قوله : ( منكبيه ) تثنية منكب وهو مجمع عظم العضدين والكتف ، وظاهر كلامهم أنه لا تحصل السنة برفع اليدين دون حذو المنكبين ، وقضيته أن ذلك يبطل الصلاة مع فعل ثالث وتوالت لأن هذا ليس بمطلوب ق ل على التحرير . وما ذكر هو الأكمل ، والسنة تحصل بأي(2/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
رفع اه م د خلافاً للقليوبي . والأصل في ذلك خبر ابن عمر أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة . متفق عليه بل قال البخاري : روى الرفع سبعة عشر صحابياً ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلافه ، وقد صنف البخاري رحمه الله تعالى في ذلك تصنيفاً ردّ فيه على منكري الرفع ، وحكمته كما قال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى : إعظام إجلال اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ورجاء ثوابه والاقتداء بنبيه محمد ، ووجه الإعظام ما تضمنه الجمع بين ما يمكن من اعتقاد القلب على اعتقاد كبريائه تعالى وعظمته ، والترجمة عنه باللسان ، وإظهار ما يمكن إظهاره من الأركان . وقيل : إشارة إلى طرح ما سواه تعالى والإقبال بكله على صلاته ، وقيل الحكمة في الرفع أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة كالأعمى يعلم سماع التكبير ، وإشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود اه . وقيل الحكمة في رفعهما أن الكفار كانوا يصلون خلف النبّي عليه الصلاة والسلام والأصنام تحت آباطهم ، فأمر الله النبّي برفع اليدين فرفع يديه فوافقه المنافقون ورفعوا أيديهم فسقطت أصنامهم ، وعلم مما تقرر أن كلاَّ من الرفع وتفريق الأصابع وكونه وسطاً وإلى القبلة سنة مستقلة ، وإذا فعل شيئاً أثيب عليه وفاته الكمال ، ولو ترك الرفع في جميع ما أمر به أو فعله حيث لم يؤمر به كره له ذلك قوله : ( وعند الهويّ ) أي قبله بأن يهوي بعد تمام الرفع ق ل . وعبارة الشيخ خ ض بأن يبتدىء الرفع مع ابتداء التكبير ، فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى اه ، ولو ترك الرفع عمداً أو سهواً حتى شرع في التكبير رفع أثناءه لا بعده لزوال الهيئة قوله : ( وعند الرفع منه ) أي من الركوع بأن يبتدىء الرفع مع ابتداء رفع رأسه من الركوع ، فإذا استوى أرسلهما إرسالاً خفيفاً تحت صدره فقط ووافقنا على الرفع الحنابلة ، وقال أبو حنيفة : لا يسنّ رفع اليدين في الركوع والرفع منه . قال العلامة الشوبري : لا يقال(2/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
هلاّ يسنّ ترك الرفع خروجاً من خلاف من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية . لأنا نقول لمراعاة الخلاف شروط منها أن لا يخالف سنة ثابتة وهذا ثابت عن النبّي من رواية نحو خمسين صحابياً قاله في الأشباه اه . فعلم أن رفع اليدين في جميع محاله سنة مؤكدة ، فلا تترك لمراعاة الخلاف على الراجح عند علماء الأصول اه . قوله : ( وعند القيام إلى الثالثة من التشهد الأول ) لعل المراد التشهد الأول بالنسبة للمصلي فلا يرفع إذا أدرك الإمام في الثانية فليراجع مدابغي على التحرير .
قوله : ( بأن يقبض ) هذا هو الأفضل ، ولو أرسلهما بلا عبث لم يكره كما سيذكره الشارح بعد قوله : ( ورسغها ) أي وبعض رسغها كما هو صريح شرح التحرير أي فهو مجرور ، ولا يقال المقبوض جميع الرسغ بمعنى المفصل لأن هناك فرجة بينه وبين ما يلي الإبهام من الكف . قال الشوبري : لا يبعد فيمن قطع كف يمناه مثلاً وضع طرف الزند على يسراه ، وفيمن قطع كفاه وضع أحد الزندين عند طرف الآخر تحت صدره ، ولا ينافي ذلك سقوط السجود على اليد إذا قطع الكف لاحتمال أن المراد هناك سقوط الوجوب بسقوط محله دون الاستحباب ، وأيضاً فيمكن الفرق اه والزند موصل طرف الذراع في الكف وهما زندان جمعه زناد وأزناد اه قوله : ( تحت صدره وفوق سرته ) حال أي ولو مضطجعاً . وقالت الحنفية : يضعهما تحت السرة قوله : ( المفصل ) كمنبر قوله : ( والقصد من القبض ) أي حكمته ذلك وقيل حكمته حفظ الإيمان في قلبه على العادة فيمن أراد حفظ شيء نفيس وقيل الحكمة في جعلهما كذلك أن تكونا فوق أشرف الأعضاء وهو القلب ، ويسن أن تكونا إلى جهة اليسار أميل لما ذكر إذ هي محله لأن من احتفظ على شيء جعل يديه عليه ، وعند السادة المالكية الأفضل الإرسال تشبيها بالميت ) ولكل وجهة هو موليها } ) البقرة 148 ) شيخنا قوله : ( والكوع العظم الذي يلي إبهام اليد ) أي أصل إبهام اليد الخ . ولا بد من تقدير أصل بالنسبة للكوع ، وأما بالنسبة للبوع فلا تقدير قوله : ( الغبي ) الغباوة نهاية البلادة ، والأولى أن يقال الغبيّ هو الذي لا يعرف كوعه من كرسوعه لأن الكرسوع قريب من الكوع . فيكون عدم تميزه بينهما غاية في غباوته .
قوله : ( والرسغ ) بالغين المعجمة المفصل ، أي ما فوق المفصل من عظام الأصابع بين الكوع المذكور . والكرسوع وهو العظم الذي يلي الخنصر ق ل . وهو مخالف لما في الصحاح وغيره من كتب اللغة من أن الأسماء الثلاثة أسماء لما اتصل بالساعد لا بالكف ، فهي أجزاء من الساعد لا من الكف م د . وقد جمع بعضهم ذلك فقال :
وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي
لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط
وعظم يلي إبهام رجل ملقب
ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط
وما ذكره الشارح من قوله : بأن يقبض الخ هي الكيفية الفضلى ، ووراءها كيفيتان بسط أصابع اليمين في عرض المفصل أو نشرها صوب الساعد ، فلوضع اليدين ثلاث كيفيات .
تنبيه : فهم من كلام المصنف أنه لا يسن الرفع للسجود والرفع منه بخلاف الركوع والرفع منه ، والفرق أن اليد في حال القيام فارغة عن الشغل فيسن لها الرفع كحالة الافتتاح ، وليس(2/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
كذلك عند السجود فإن اليد هناك مشغولة بالوضع على الفخذ . والاعتماد على الأرض ، فلم يسن لها شغل آخر فيشغلها عنه ، ولا يسن رفع اليدين للقيام من جلسة الاستراحة .
قوله : ( دعاء التوجه ) فيه تغيير إعراب المتن ، والمصنف يفعل ذلك كثيراً أي دعاء الافتتاح سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً إلا صلاة الجنازة ، فلا يندب فيها كالصورة طلباً للتخفيف وإن صلى على غائب أو قبر على المعتمد خلافاً لابن العماد ، ولا يطلب إلا إن اتسع الوقت ولم يكن مسبوقاً اه ا ج . وفي تسميته دعاء تجوّز لأن الدعاء طلب وهذا لا طلب فيه ، وإنما هو إخبار فسمي دعاء باعتبار أنه يجازى عليه كما يجازى على الدعاء اه ا ج وقال شيخنا ح ف : سمي دعاء باعتبار آخره وإن لم يكن مذكوراً هنا وهو : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب . فإن هذا منه ومحله بعد التحرم ، وإن طال الفصل ويفوت بشروعه في التعوّذ أو القراءة ولو سهواً وبجلوسه مع إمامه بأن أدركه في التشهد وجلس معه . قال الشوبري على المنهج : ليس لنا مسبوق يأتي بدعاء الافتتاح إلا من أحرم فسلم إمامه ، أو قام أي الإمام من التشهد الأول قبل جلوسه أي المأموم .
والحاصل أن دعاء الافتتاح إنما يسن بشروط خمسة أن يكون في غير صلاة الجنازة ، وأن لا يخاف فوت وقت الأداء ، وأن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة ، وأن لا يدرك الإمام في غير القيام ، فلو أدركه في الاعتدال لم يفتتح كما في شرح م ر ، وأن لا يشرّع المصلي مطلقاً في التعوّذ أو القراءة ، وشروط التعوذ شروط دعاء الافتتاح إلا أنه يسن في صلاة الجنازة وعبارة ابن شرف قوله : وافتتاح محله ما لم يخف فوت قراءة الفاتحة مع الإمام أو خروج الوقت عن الصلاة أو بعضها ، لكن في الثاني نظر بل له الإتيان به وإن خاف خروج الوقت لأنه من المد وهو جائز ولو بالسكوت العمد اه . وفي فتاوى م ر سئل عن الشخص إذا صلى آخر الوقت ولو أتى بسنن الصلاة يخرج بعضها هل يأتي بها أو لا فما الفرق بين هذه ومسألة الوضوء إذا بقي من الوقت ما يسع الصلاة فإنه يأتي بفرائض الوضوء فقط ؟ فأجاب حيث شرع في الصلاة وفي وقتها ما يسع جميعها كان له أن يأتي بسننها وإن خرج وقتها ، والفرق بينها وبين الوضوء أنه وسيلة لا يقصد لذاته واشتغاله بسننها من مصالحها اه . وتعبيرنا فيما تقدم بقولنا بعد التحرم أحسن من تعبير بعضهم بعقب ، إذ الظاهر أنه لو سكت بعد التحرم طويلاً لم يفت عليه دعاء الافتتاح كما قاله حج . ويبقى ما لو أتى بذكر غير مشروع قبل دعاء الافتتاح والوجه فواته به وإن قل لخروج الافتتاح به عن كونه افتتاحاً ، ولعل مراد من عبّر بالعقبية عدم الفاصل بينه وبين التحرم بلفظ مطلقاً لا بسكوت وإن قصد به الإعراض كما قاله الشوبري ، ولا يفوت الافتتاح بتأمينه مع إمامه كما في شرح م ر .
قوله : ( نحو وجهت وجهي ) أفهم صنيعه أن له صيغاً أخر غير هذه وهو كذلك منها :(2/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر برماوي . واقتصر الشارح على ذلك لأنه الأفضل كما في المجموع ، وعبارة المدابغي على التحرير . وأشار المصنف بقوله : نحو وجهت وجهي الخ إلى أن دعاء الافتتاح لا ينحصر في وجهت الخ . فقد صح فيه أخبار منها الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه . ومنها : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً . ومنها : اللهم باعد بيني وبين خطاياي الخ . وبأيها افتتح حصل أصل السنة ، لكن الأول أي وجهت وجهي الخ أفضلها قاله في المجموع . وظاهره استحباب الجمع بين جميع ذلك لمنفرد وإمام من ذكر وهو ظاهر خلافاً للأذرعي اه شرح م ر اه . والوجه أن يجري في ترتيب دعاء الافتتاح وموالاته ما ذكروه في التشهد ، وأنه يحصل أصل السنة ببعضه وتأتي الأنثى بما في الآية للتغليب في وما أنا من المشركين وأنا من المسلمين وإرادة الشخص في ذلك قوله : ( فطر السموات الخ ) جمع السموات لانتفاعنا بجميعها ، لأن جميع الكواكب ما عدا السبعة السيارة مركوزة في الفلك الثامن وهو الكرسي ، والسبعة السيارة مثبوتة في السموات السبع وقد نظم بعضهم ذلك بقوله :
زحل شرى مريخه من شمسه
فتزاهرت لعطارد الأقمار
فزحل في السماء السابعة ، والمشتري في السماء السادسة ، والمريخ في الخامسة وهكذا . وأفرد الأرض لانتفاعنا بالطبقة العليا منها فقط وإلا فالأرض سبع أيضاً على الصحيح لقوله تعالى ) ومن الأرض مثلهن } ) الطلاق 12 ) كما ذكره الزرقاني وهي أفضل لأنها مقر أجسام الأنبياء ، والحق أن السماء أفضل والخلف في غير البقعة التي ضمته . أما هي فهي أفضل حتى من العرش والكرسي . قال الحافظ ابن حجر : وكذا بقية الأنبياء اه برماوي قوله : ( حنيفاً ) حال من فاعل وجهت ، أي مائلاً إلى الدين الحق . وقوله : وما أنا من المشركين تأكيد لما قبله أو تأسيس بجعل النفي عائداً إلى سائر أنواع الشرك الظاهر والخفي لكن لا يسوغ إرادة هذا إلا للخواص قوله : ( ونسكي ) أي عبادتي فهو من عطف العام على الخاص . وقوله : وبذلك أمرت هل المشار إليه الدعاء أو الصلاة أو النسك أو أحدهما شوبري ، وعبارة بعضهم قوله : وبذلك أي بالإخلاص والتوحيد قوله : ( من المسلمين ) نظم القرآن ، وأنا أول المسلمين ويجوز الإتيان به كذلك نظراً للتلاوة من غير اعتقاد معناه ، لأن اعتقاده مكفر لحكمه بكفر من قبله ، وكان يقوله تارة لأنه أول مسلمي هذه الأمة ق ل . أي بالنظر للوجود الخارجي وإلا فهو أول جميع المخلوقات فإن النور المحمدي أول ما خلق وهذا يقتضي أن النبي من الأمة وهو كذلك لأنه أرسل حتى لنفسه .(2/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
قوله : ( أقبلت بوجهي ) وقال بعضهم : خصّ الوجه لأنه أشرف الأعضاء وفيه أعظم الحواس ، فإذا خضع فغيره أولى ، ويجوز أن يراد به الذات فمعنى وجهت وجهي أقبلت بذاتي ، وكني عنها بالوجه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون كله وجهاً مقبلاً على ربه لا يلتفت لغيره في جزء منها أي الصلاة ، ويجتهد في تحصيل الصدق خوفاً من الكذب في هذا المقام
قوله : ( الحياة والموت ) لو قال الإحياء والإماتة لكان أولى ، ويزيد منفرد وإمام قوم محصورين أي الذين لا يأتيهم غيرهم ورضوا بالتطويل صريحاً ، ويشترط أن يكونوا غير أجراء إجارة عين على عمل ناجز وغير متزوجات ( اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك فتباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ) اه . وقوله والشر ليس إليك أي لا يتقرب به إليك وقيل : لا يفرد بالإضافة إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح وقيل ليس شراً بالنسبة إليك فإنك خلقته لحكمة بالغة ، وإنما هو شر بالنسبة لخلقك اه خطيب على المنهاج قوله : ( والنسك العبادة ) فعطفه علم .
قوله : ( والاستعاذة للقراءة ) أي لقراءة الفاتحة أو بدلها من ذكر أو دعاء اه م ر خلافاً للأسنوي ، لأن المقصود إبعاد الشيطان عن عبادته ، ولو كان بدلها التعوّذ تعوّذ له على المعتمد كما ذكره ابن شرف ومثله ق ل . ويستثني من إطلاقه المسبوق إذا خاف ركوع إمامه قبل إتمامه الفاتحة ، وعبارة الشيخ خ ض والمعتمد التعوّذ للذكر كما اقتضاه كلام الشيخين لأن البدل يعطى حكم مبدله ولو في صلاة الجنازة بالشروط المتقدمة في الافتتاح خلافاً لظاهر كلامه هنا كشرح المنهج وغيره ، وخلافاً للإسنوي في مهماته والجلال المحلي في شرح المنهاج والخطيب حيث قيدوا ندب ذلك بالقراءة اه . ولا يكون إلا بعد تمام الانتصاب إذ هو تابع لها في المحل ، فإذا أتى به في نهوضه للقيام لا يحسب وكان مكروهاً لفوات تعميم الركن بالتكبير إذ يسن مده إلى تمام الانتصاب ، ويسر بهما أي بالتعوّذ والافتتاح ندباً في السرية والجهرية كسائر الأذكار المستحبة بحيث يسمع نفسه لو كان سميعاً .
قوله : ( أي إذا أردت قراءته ) أشار به إلى أن ذلك من التعبير عن إرادة الفعل بالفعل وهذا(2/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
هو المشهور قال بعضهم : عليه سؤال وهو أن الإرادة إذا أخذت مطلقاً أي متصلة بالقراءة أو لا لزم استحباب الاستعاذة بمجرد إرادة القراءة حتى لو أراد القراءة ثم عنّ له أن لا يقرأ استحب له الاستعاذة ، وليس كذلك وإن أخذت الإرادة بشرط اتصالها بالقراءة استحال العلم بوقوعها أي الإرادة المتصلة بالقراءة ، ويمتنع حينئذ استحبابها قبل القراءة قال بعضهم : بقي عليه قسم آخر باختياره يزول الإشكال وذلك أنا نأخذها مقيدة بأن لا يعنّ له صارف عن القراءة اه عناني قوله : ( فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أو نحوه مما اشتمل على الاستعاذة بالله من الشيطان ، كأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، لكن الأول أفضل قاله في المجموع وبه قال أبو حنيفة لموافقة قوله تعالى ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } ) النمل : 98 ) . ولما روي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال : قرأت على النبّي فقلت : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال لي : ( قُلْ يَا ابن أُمِّ عَبْدِ ااِ أَعُوذُ بِااِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . هَكَذَا أَخَذْتُهُ عَنْ جِبْرِيلَ عِنِ الَّلوْحِ الَمحْفُوُظِ ) وروى نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبّي أنه كان يقول قبل القراءة ( أَعُوذُ بِالَّلهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) وقال أحمد : الأولى أن يقول أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ، جمعاً بين هذه الآية وبين قوله تعالى ) فاستعذ باللَّه إنه هو السميع العليم } ) فصلت : 36 ) وقال النووي والأوزاعي الأولى أن يقول : ( أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ) .
وقد اتفق الجمهور أن الاستعاذة سنة في الصلاة ، فلو تركها لم تبطل صلاته سواء تركها عمداً أو سهواً . ويستحب لقارىء القرآن خارج الصلاة أن يتعوّذ أيضاً ، أي فهي مستحبة في القراءة بكل حال في الصلاة وخارج الصلاة ، وهي في الصلاة للقراءة لا للصلاة ، والمختار الجهر بها في جميع القرآن هذا في استعاذة القارىء على المقرىء أو بحضرة من يسمع قراءته ، أما من قرأ خالياً أو في الصلاة سرية كانت أو جهرية فإخفاؤها أولى . ومحلها قبل القراءة ، ويجوز الوقف عليها والابتداء بما بعدها بسملة أو غيرها ، ويجوز وصلها بالبسملة والوجهان صحيحان وهذا مذهب الجمهور كإمامنا الشافعي ، وأبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل رضي اللَّه تعالى عنهم . وحملوا الأمر فيها وهو ظاهر قوله تعالى ) فاستعذ باللَّه } ) غافر : 56 فصلت : 36 ) على الندب . ودليل الجمهور أن النبّي لم يعلم الأعرابي الاستعاذة في جملة أعمال الصلاة وتأخير البيان عن وقته غير جائز . وذهب داود بن علي وأصحابه إلى وجوب الاستعاذة بظاهر قوله تعالى ) فاستعذ بالله } ) غافر : 56 فصلت : 36 ) والأمر فيها للوجوب حتى إنهم أبطلوا صلاة من لم يستعذ ، وقد جنح الإمام فخر الدين الرازي إلى القول بالوجوب ، وحكاه عن عطاء بن رباح ، واحتج له بظاهر الآية من حيث الأمر والأمر ظاهره الوجوب ، ولأن النبي واظب على التعوّذ فيكون واجباً ، ولأنها تدرأ شر الشيطان(2/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . وقال ابن سيرين : إذا تعوّذ الرجل في عمره مرة واحدة فقد كفي في إسقاط الوجوب . وقال بعضهم : كانت الاستعاذة واجبة على النبّي دون أمته . وأجيب عن مواظبة النبّي عليها بأنه واظب على أشياء كثيرة من أفعال الصلاة ليست بواجبة كتكبيرات الانتقالات والتسبيحات في الصلاة فكان التعوّذ مثلها ، ووقت الاستعاذة قبل القراءة عند الجمهور كما تقدم سواء في الصلاة أو خارجها . وحكي عن النخعي أنه بعد القراءة وهو قول داود وإحدى الروايتين عن ابن سيرين ، وحجة الجمهور ما روي عن أبي سعيد الخدري قال : كان النبّي إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول ( سُبْحَانَكَ الَّلهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسَمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إلَهَ غَيْرَكَ ) ثم يقول : ( الّلهُ أَكْبَرُ كَبِيراً ) ثم يقول : ( أَعُوذُ بِالّلهِ السَّمِيعِ العَلِيم مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هِمْزِهِ وَنَفْخِهِ ونِفِثْهِ ) أخرجه الترمذي ونفخه الكبر ونفثه الشعر . واحتج مخالف الجمهور بقوله تعالى ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه } ) النمل : 98 ) . وأجيب عنه بما تقدم . وقال مالك : لا يتعوّذ في المكتوبة ويتعوّذ في قيام رمضان بعد القراءة . وبالجملة فالاستعاذة تطهر القلب من كل شيء يشغله عن الله تعالى . ومن لطائف الاستعاذة أن قوله : أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف ، واعتراف من العبد بقدرة الباري عز وجل وأنه الغني القادر على رفع جميع المضرات والآفات ، واعتراف العبد أيضاً بأن الشيطان عدوّ مبين . ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغويّ الفاجر وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى .
قوله : ( في كل ركعة ) أي ولو للقيام الثاني من صلاة الكسوف والخسوف لأنه مأمور به للقراءة ، وقد حصل الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره اه خ ض . ولو انقطعت قراءته بسكوت طويل أو كلام أجنبي ناسياً فاستأنف القراءة ندب له الاستعاذة ثانياً ، ولو تعارض الافتتاح والتعوّذ أي لم يمكنه إلا أحدهما بأن كان الباقي من الوقت لا يسع إلا أحدهما والصلاة هل يراعي الافتتاح لسبقه أو التعوّذ لأنه للقراءة ؟ انظره . قلت : مما يرجح الثاني أنه قيل بوجوبه ح ل ، ولو شرع في التعوّذ فات دعاء الافتتاح ، ولو شرع في القراءة فات التعوذ كما تقدم . وفي شرح الروض : وهو أي التعوذ على سنن القراءة إن جهر فجهر وإن سر فسر إلا في الصلاة فيسر به مطلقاً على الأصح ، ومن لم يمكنه الجمع بينه وبين دعاء الافتتاح أتى بالدعاء وترك التعوّذ لأن الدعاء آكد ، وكذا لو تعارض الإتيان بالافتتاح وقراءة السورة فإنه يقدم الافتتاح كما أجاب به م ر في فتاويه اه مدابغي قوله : ( للاتفاق عليها ) أي على سنية الاستعاذة .
قوله : ( الشيطان اسم لكل متمرد ) قال ابن عقيل الحنبلي : الشياطين العصاة من الجن ،(2/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
وهم من ولد إبليس والمردة أعتاهم وأغواهم . وقال ابن عبد البر : الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان منزلون على مراتب : فإن ذكروا الجن خالصاً قالوا جني ، فإن أرادوا به من يسكن مع الناس قالوا : عامر والجمع عمار ، فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا : أرواح ، فإذا خبث وتعرّم أي قوي قالوا : شيطان ، فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا : عفريت بكسر العين كذا في لقط المرجان اه شوبري . فإن قيل إن ذكر إبليس في تلك الحضرة قد ينبغي تنزيه حضرة الله عنه . فالجواب : إنما أمرنا الحق تعالى بذكر إبليس اللعين في تلك الحضرة مبالغة في الشفقة علينا من وسوسته التي تخرجنا من شهودنا للحق تعالى ، ولولا هذه الشفقة لما كان أمرنا بذكر هذا اللعين في حضرته المطهرة ، فهو من باب دفع الأشد وهو الوسوسة بالأخف وهو الاستعاذة . فإن قيل كيف أمر رسول الله بالاستعاذة من إبليس وهو معصوم منه ؟ فالجواب : أن ذلك من باب التشريع لأمته سواء كانوا أكابر أو أصاغر لعدم عصمتهم ، ولذلك اتفق الأئمة على استحباب الاستعاذة قوله : ( من شطن الخ ) فهو على الأول مصروف لأن النون أصلية ، وعلى الثاني غير مصروف لزيادة الألف والنون وقوله من شطن بابه قعد اه .
قوله : ( وقيل المرجوم ) لرجمه بالشهب وهو عين ما قبله ، ولو أبدله بقوله وقيل الراجم للناس بالوسوسة لكان أولى ، أي فيكون فعيل إما بمعنى فاعل أو مفعول اه وقوله عين الأول فيه نظر لأن معنى الأول المطرود عن الرحمة . قال كعب الأحبار : إن إبليس كان خازن الجنة أربعين ألف سنة ، وعبد الله مع الملائكة ثمانين ألف سنة ، ووعظ الملائكة عشرين ألف سنة وسيد الكرونيين ثلاثين ألف سنة وسيد الروحانيين ألف سنة وطاف حول العرش أربعة عشر ألف سنة ، وكان اسمه في السماء الأولى العابد ، وفي الثانية الزاهد ، وفي الثالثة العارف ، وفي الرابعة الولي ، وفي الخامسة التقيّ ، وفي السادسة الخازن وفي السابعة عزازير ، وفي اللوح المحفوظ إبليس ، ومع ذلك غافل من عاقبة أمره اه كشف البيان للسمرقندي . ورنّ إبليس اللعين أربع رنات : رنة حين لعن ، ورنة حين أهبط ، ورنة حين ولد النبّي ، ورنة حين أنزلت سورة الفاتحة اه خ ض .
قوله : ( والجهر بالقراءة ) أي وإن خاف الرياء بخلاف الجهر خارج الصلاة شوبري . والحكمة في الجهر في موضعه أنه لما كان الليل محل الخلوة ويطلب فيه السهر شرع الجهر فيه طلباً للذة مناجاة العبد لربه ، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس طلب فيه الإسرار لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة ، وألحق الصبح(2/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلاً للشواغل عادة اه ع ش على م ر . وعبارة ا ج : والأصل فيما ذكر أن النبّي كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلها في الإبتداء ، فكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزله ومن أنزل عليه فأنزل الله ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } ) الإسراء 110 ) الآية . أي لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بصلاتك كلها ) وابتغ بين ذلك سبيلاً } ) الأسراء : 110 ) بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار ، فكان يخافت في الظهر والعصر لأنهم كانوا مستعدين في هذين الوقتين ، ويجهر في المغرب لشغلهم فيه بالأكل والعشاء ، والصبح لكونهم رقوداً ، وفي الجمعة والعيدين لأن إقامتهما كانت بالمدينة وما كان للكفار فيها من قوة . وهذا العذر وإن زال بغلبة المسلمين فالحكم باقٍ لأن بقاءه يستغني به عن بيان السبب لأنه خلف عنه عذر آخر هو كثرة اشتغال الناس في هاتين الصلاتين دون غيرهما ، وقد انعقد الإجماع على الجهر فيما ذكر اه . قوله : ( والاستسقاء ) أي سواء كانت ليلاً أو نهاراً بدليل الإطلاق فيها والتقييد في الطواف اه ابن شرف .
قوله : ( ووتر رمضان ) أي ولو لمنفرد وإن لم يأت بالتراويح قوله : ( إلا في نافلة الليل المطلقة ) خرج بها غيرها كسنة العشاءين فيسر فيها اه خ ض قوله : ( فيتوسط الخ ) حدّ الجهر أن يسمع من يليه ، والإسرار أن يسمع نفسه قال بعضهم : والتوسط بينهما يعرف بالمقايسة بهما كما أشار إليه قوله تعالى ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } ) الإسراء : 110 ) قال الزركشي : والأحسن في تفسيره ما قاله بعضهم أن يجهر تارة ويسر أخرى إذ لا تعقل الواسطة اه ز ي . وفسر الحلبي التوسط بأن يزيد على الإسرار إلى أن لا يبلغ حدّ الجهر بأن يزيد على أدنى ما يسمع نفسه من غير أن تبلغ تلك الزيادة إلى سماع من يليه اه . وردّ بأنه لا يناسب قول الشارح إن لم يشوّش على نائم الخ ، لأنه إذا كان كذلك فهو مقطوع بعدم التشويش تأمل . فالصواب تفسير التوسط بما تقدم قوله : ( إن لم يشوّش على نائم أو مصل ) وإلا أسر ندباً إن شرعا في النوم أو الصلاة قبل تحرمه فيما يظهر ، ويحتمل الأخذ بإطلاقهم قاله الشيخ ابن حجر . والوجه هو الأخذ بإطلاقهم اه شوبري . أي فيندب ولو عرض ذلك بعد تحرمه . قال الرحماني : فإن شوّش حرم عند ابن العماد وكره عند حج ، وقيده ابن قاسم بغير من يسن إيقاظه للصلاة وإلا فلا يكره ، والمعتمد أنه إن شوّش كره فقط ولا يحرم الجهر لأن الإيذاء غير محقق كما قاله الشيخ عبد البر قوله : ( أو نحوه ) كمدرس أو متفكر في آلاء الله تعالى ، ومثله الخوف من الرياء وإلا سن له الإسرار كما في(2/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
المجموع . ويقاس على ما ذكر من يجهر بذكر أو قرآن بحضرة من يشتغل بمطالعة أو تدريس أو تصنيف كما أفتى به الوالد اه . ولا خفاء أن الحكم على كل من الجهر والإسرار بكونه سنة من حيث ذاته فلا ينافي أن يجهر به أو يسر يكون واجباً اه .
قوله : ( ومحل الجهر والتوسط الخ ) أي محل طلبهما .
قوله : ( حيث لا يسمع أجنبي ) أفهم أن الخنثى يجهر كالمرأة بحضرة النساء ، ولذا قال : وقع في المجموع ما يخالفه في الخنثى أي فقال إنه يسر بحضرة النساء والرجال الأجانب مع أنه مع النساء إما رجل أو امرأة فلا وجه لإسراره . قال م ر : والظاهر عدم المخالفة لأنه مصوّر بما إذا اجتمع النساء والرجال الأجانب ، ولعل هذا هو الجواب المذكور في شرح المنهاج وعبارة شرح م ر هذا كله بالنسبة للذكر ، أما الأنثى والخنثى فيجهران إن لم يسمعهما أجنبي ، ويكون جهرهما دون جهر الذكر ، فإن كان ثم أجنبي يسمعهما كره بل يسران ، فإن جهرا لم تبطل صلاتهما ووقع في المجموع والتحقيق أن الخنثى يسر بحضرة الرجال والنساء ، ورده في المهمات لأنه بحضرة النساء إما ذكر أو أنثى ، ويستحب له الجهر في الحالتين ويجوز حمل كلامهما على إسراره حالة اجتماع الرجال والنساء اه .
فائدة : الإمام يجهر بالقنوت مطلقاً أي سواء صلاها في الوقت أو بعده ، والمنفرد لا يجهر به مطلقاً اه عبد البر .
قوله : ( والعبرة في الجهر والإسرار في الفريضة الخ ) ليست الفريضة قيداً كما يدل عليه قول م ر . أما الفائتة فالعبرة فيها بوقت القضاء ، فيجهر من غروب الشمس إلى طلوعها ويسرّ فيما سوى ذلك . وعلم من ذلك أنه لو أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس ثم طلعت أسرّ في الثانية وإن كانت أداء وهو الأوجه ، نعم يستثني صلاة العيد فيجهر في قضائها كالأداء كما قاله الأسنوي اه أي لأنها شرعت جهرية في وقت السرّ ، فناسب في قضائها الجهر لأجل أن يحاكي القضاء الأداء ، فلو قضى صلاة الضحى ليلاً أو وقت صبح جهر كما هو الظاهر من كلامهم لأن الليل ووقت الصبح محل الجهر ، ولا يرد ركعتا الفجر ووتر غير رمضان ورواتب المغرب والعشاء لأن الإسرار ورد فيها في محل الجهر فيستصحب على العكس من العيد . وعبارة المناوي : والعبرة في قضاء فرض أو نفل بوقت القضاء لا الأداء على الأصح ، فيجهر في قضاء الظهر ليلاً ويسر في قضاء العشاء نهاراً اه . وعليه يلغز فيقال : صلاة يسن في قضائها شيء ولا يسن في أدائها ، فإن أبدلت السنة بالوجوب بأن قلت صلاة يجب في قضائها شيء وهو الإتمام ولا يجب في أدائها فقل صورته فيما إذا فاتت صلاة في السفر فقضاها في الحضر اه عناني .(2/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
قوله : ( ويشبه أن يلحق بها العيد ) فيجهر فيه في وقت الجهر ويسر فيه في وقت الإسرار . وقوله : والأشبه خلافه أي بل يجهر فيه مطلقاً اه ح ل . قوله : ( عملاً بأصل الخ ) ولم يعمل بذلك في غيره لخروجه بالدليل ح ل . وقوله : ورد بالجهر الخ . والحكمة في الجهر بها وبالجمعة إظهار شوكتهم بعد أن منعهم المشركون منها .
قوله : ( عقب الفاتحة ) أو بدلها إن تضمن دعاء على المعتمد ، ويستفاد من قوله عقب أنه يفوت بالتلفظ بغيره وإن قلّ ولو سهواً . نعم ينبغي استثناء رب اغفر لي لورودها في الحديث لا بالسكوت الطويل ، ويفوت بالشروع في الركوع ولو فوراً م د . وقال م ر : ومراده أي النووي بالعقب أن لا يتخلل بينهما لفظ إذ تعقيب كل شيء بحسبه فلا ينافي ما تقرر من سنّ السكتة اللطيفة بينهما إذ لا يفوت إلا بالشروع في غيره كما في المجموع ولو سهواً . فيما يظهر ظاهره أنه لا يفوت بالسكوت الطويل الزائد على السكتة اللطيفة المشروعة قوله : ( بعد سكتة ) أي بقدر سبحان الله وكذا بقية السكتات إلا التي بعد آمين فإنها بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة . والسكتات المطلوبة في الصلاة ستة : بين التحرم ودعاء الافتتاح ، وبينه وبين التعوّذ ، وبينه وبين البسملة ، وبين آخر الفاتحة وآمين وبين آمين والسورة إن قرآها ، وبين آخرها وتكبيرة الركوع فإن لم يقرأ سورة فبين آمين والركوع اه ابن حجر قوله : ( وخارجها ) ذكره استطرادي لأن الكلام في هيئات الصلاة وقوله للاتباع يقتضي أنه أي الاتباع دليل الصلاة وخارجها مع أن خارج الصلاة مقيس عليها كما يدل له كلام غيره قوله : ( استجب ) سينه ليست للطلب وإنما هي مؤكدة ، ومعناها أجب اه شهاب على البيضاوي قوله : ( ولو شدده ) أي الميم مع المدّ والقصر وفيه لغة المد مع الإمالة فيصير فيه خمس لغات المد والقصر مع التخفيف والتشديد هذه أربعة ، والخامسة الإمالة اه ا ج قوله : ( لقصده الدعاء ) وهو استجب ، فلو أطلق أو شرّك بطلت صلاته سم . ونقل عن حاشية ن ز عن شرح الإرشاد عدم البطلان مطلقاً ، أي في الصورتين وهو المعتمد قوله : ( جهر بها ) لو قال : جهر به أي بالتأمين لكان أحسن . قوله : ( مع تأمين إمامه ) وليس في الصلاة ما(2/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
تسن مقارنة الإمام فيه غير التأمين كما في شرح م ر . ولو قرأ معه وفرغا معاً كفى تأمين واحد أو فرغ قبله . قال البغوي : ينتظر والمختار أو الصواب أنه يؤمن لنفسه ثم للمتابعة اه خ ض .
قوله : ( إذا أمن الإمام ) أي أراد التأمين قوله : ( فإن من وافق تأمينه الخ ) أي ومعلوم من حديث آخر أن الملائكة تؤمن مع تأمين الإمام فيكون التعليل منتجاً للمدعي كما تقدم ح ف . قوله : ( تأمين الملائكة ) قيل هم الحفظة ، وقيل ملائكة موكلون بالصلوات واختاره بعضهم .
قوله : ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) أي من الصغائر . واعتمد ابن السبكي في الأشباه أنه يشمل الكبائر وقد تقدم . وعبارة المدابغي على التحريم قوله : غفر له أي الصغائر فقط على ما اعتمده م ر ، واستقرب أن المراد بالملائكة جميعهم لا خصوص الحفظة .
قوله : ( وخرج بفي جهرية السرّية الخ ) والحاصل أن المصلي مأموماً كان أو غيره يجهر به إن طلب منه الجهر ، ويسر به إن طلب منه الإسرار . والأماكن التي يجهر فيها المأموم خلف إمامه خمسة : تأمينه مع إمامه ، وفي قنوت الصبح ، وفي قنوت الوتر في النصف الأخير من رمضان ، وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس وإذا فتح عليه شرح م ر اه قوله : ( ولا معية ) هو مقيد بما إذا لم يجهر الإمام في السرية وإلا ندب له التأمين قياساً على ندب استماع قراءته ، ويجهر بها المأموم أو أن الشارح أراد بالسرية المفعولة سرّاً قوله : ( بل يؤمن الإمام وغيره سراً مطلقاً ) أي قبل الإمام أو بعده ، وانظر ما معنى الإطلاق بالنسبة للإمام والمنفرد ، ويسن للمأموم أن لا يقرأ في الأوليين الفاتحة حتى يفرغ الإمام منها ولو في السرية بظنه ق ل .
قوله : ( قراءة السورة ) أي في غير جنازة وفاقد الطهورين كما قاله الرحماني . والسورة اسم لطائفة من القرآن أقلها ثلاث آيات ، والمعتمد أن السورة الكاملة أفضل من قدرها من غيرها ، وأن الأكثر من غيرها أفضل من سورة أقصر ولو ) قل هو الله أحد } ) لاخلاص : 1 ) لأن نظرهم هنا لكثرة الألفاظ لا لكثرة الثواب خلافاً لشيخ الإسلام حيث فضل السورة مطلقاً قوله : ( بعد الفاتحة ) خرج بقوله بعد الفاتحة ما لو قرأها قبلها أو كرر الفاتحة فإنها لا تجزئه لأنه خلاف ما ورد في السنة ولأن الشيء الواحد لا يؤدي فرضاً ونفلاً في محل واحد ، ولأن الفاتحة ركن من الأركان والركن لا يشرع تكراره على الاتصال . نعم لو لم يحسن غير(2/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
الفاتحة وأعادها يتجه كما قال الأذرعي الإجزاء ، ويحمل كلامهم على الغالب ويسن كون السورتين متواليتين إلا ما ورد فيه خلافه كقراءة سورتي الإخلاص في ركعتي الفجر والسجدة وهل أتى في صبح الجمعة وعلى ترتيب المصحف وعكسه مفضول كما لو قرأ في الأولى سورة الناس وقرأ في الثانية أول البقرة اه خ ض قوله : ( في ركعتين أوليين ) ولو متنفلاً أحرم بأكثر من ركعتين ، فإن اقتصر على تشهد واحد سنت له السورة في الكل ، أو أكثر سنت له فيما قبل التشهد الأول اه شرح م ر اه . أ ج قوله ( للاتباع ) أي في الظهر والعصر وقيس بهما غيرهما ، وقوله : بل يستمع قراءة إمامه أي ولو كانت الصلاة سرية لأن العبرة بالمفعول لا بالمشروع قوله : ( فلا تسن ) يصدق بالكراهة وخلاف الأولى . وقوله للنهي عن قراءته ينتج الأول شيخنا .
قوله : ( بل يستمع قراءة إمامه ) أي ويسن له أن يقرأ الفاتحة في سكتة الإمام بعد آمين ، ولا يقرؤها حال قراءة الإمام للفاتحة إلا إن خاف فوت بعض الفاتحة وعلى من علم أن إمامه لا يقرأ السورة أو إلا سورة قصيرة ولا يتمكن من إتمام الفاتحة أن يقرأها معه أي مع الإمام كما في الأنوار ، وتعبيره بعلى يقتضي الوجوب فلا يرد على قولهم فيما مرّ : لا تسن المقارنة إلا في التأمين وأيضاً هو في حالة العذر بخلاف ما مرّ فليتأمل قوله : ( فإن لم يسمعها الخ ) وهل يسن له في هذه الحالة أن يقرأ في صبح الجمعة آلم تنزيل أو لا لعدم تمكنه من السجود مستقلاً . قال ابن حجر : لا يسن له قراءتها مطلقاً ، واعتمد شيخنا أنه يقرؤها كما ذكروه اه ابن شرف لكن لا يسجد إلا إن سجد إمامه . نعم إن نوى المفارقة سجد وحده قوله : ( أو بعد ) أي عن إمامه قوله : ( أو إسرار إمامه ولو في جهرية ) عبارة غيره أو كانت صلاته سرية أو جهرية ، ولم يجهر فيها إمامه لأن العبرة بالمفعول وإن خالف المشروع قوله : ( إذ لا معنى لسكوته ) وكذا يسن له إذا فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة أو من التشهد الأول قبل الإمام أن يشتغل بدعاء فيهما ، أو يقرأ في الأولى وهي أولى اه ومراد ابن حجر بالأولى الثالثة والرابعة وبالثانية التشهد قوله : ( في باقي صلاته ) أي الثالثة والرابعة ، ونقل عن شرح العباب أنه يكرر السورة مرتين في ثالثة المغرب ح ل قوله : ( إذا تداركه ) لبيان الواقع وإذا هنا مجردة عن معنى الشرط ، ومعناها هنا الوقت أي وقت تداركه أي الباقي اه قوله : ( إن لم يكن قرأها ) أي ولا تمكن من قراءتها شوبري ، فالمدار على إمكان القراءة وعدمها قوله : ( وإلا سقطت عنه الخ ) نظر فيه الشيخ عميرة(2/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
بأن الإمام لا تسن له السورة في الأخيرتين ، فكيف يتحملها عن المأموم مع أن ظاهر كلام الشارح أنه يتحملها عنه ؟ فكأنه توهم أن الإمام لما تحمل عن المسبوق الفاتحة فكذلك السورة وهو عجيب اه . وأجاب ح ل بأن سقوطها عنه لسقوط متبوعها وهو الفاتحة لا لأجل كون الإمام تحملها عنه كما فهمه الشيخ عميرة ، وهذا واضح في سقوطها في الأولى التي سبق فيها وما صورة سقوطها في الركعتين معاً ، وصوره شيخنا بما إذا أدرك الإمام في الركوع ثم حصل له زحمة مثلاً عن السجود فسجد وقام فوجد الإمام راكعاً فتسقط عنه الفاتحة والسورة في الركعتين معاً تأمل .
قوله : ( ويسن أن يطوّل من تسن له السورة ) وهو الإمام والمنفرد قوله : ( كما في مسألة الزحام ) بأن زحم إنسان عن السجود ، وكما في تطويل الإمام الركعة الثانية في صلاة ذات الرقاع لتلحقه الفرقة الثانية اه ح ل قوله : ( ويسن لمنفرد وإمام محصورين ) هذا التقييد بالنسبة للثلاثة الأول فقط كما في المنهج ، وأما قوله وفي مغرب قصاره الخ فإنه يسن حتى لإمام غير محصورين قوله : ( محصورين ) أي لا يصلي وراءه غيرهم وإن كانوا غير محصورين بالعدّ اه ق ل . وعبارة خ ض مع زيادة والمحصورون وهم الذين لا يأتيهم غيرهم رضوا بالتطويل ولم يطرأ عليهم غيرهم وإن قلّ ، ولم يتعلق بأحد منهم حق كأجراء أو أرقاء أو متزوجات كما ذكره الرحماني قوله : ( في صبح طوال المفصل ) أي لغير المسافر أما المسافر فالمستحب أن يقرأ في الأولى منها ) قل يا أيها الكافرون } ) الكافرون : 1 ) وفي الثانية الإخلاص اه م د .
قوله : ( طوال المفصل ) بكسر الطاء وضمها وهو من الحجرات إلى عمّ ، والأوساط من عمّ إلى الضحى ، والقصار من الضحى إلى الآخر اه ح ل . وهذا تفصيل السورة المتقدمة فلا تكرار . وعبارة بعضهم : وتعرف الطوال من غيرها بالمقايسة فالحديد وقد سمع مثلاً طوال والطور مثلاً قريب من الطوال ، ومن تبارك إلى الضحى أوساطه ، ومن الضحى إلى آخره قصاره انتهى . ويستحب أيضاً قراءة الجمعة والمنافقون في صلاة عشاء ليلة الجمعة كما ورد عن ابن حبان بسند صحيح وقد كان السبكي يفعله فأنكر عليه بأنه ليس في كلام الرافعي فردّ على المنكر بما مرّ أي من الورود ، وكم من مسائل لم يذكرها الرافعي فعدم ذكره لها لا يستلزم عدم سنيتها اه من فتاوى م ر . وسن أن يقرأ على ترتيب المصحف ، فلو قرأ الإخلاص مثلاً في الأولى قرأ في الثانية بعض سورة الفلق أقل من سورة الإخلاص جمعاً بين الترتيب وتطويل الأولى على الثانية على المعتمد ، ويحصل أصل السنة بقراءة شيء من القرآن وظاهره ولو كلمة(2/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
وفيه نظر . وينبغي اشتراط الفائدة وعبارة شرح م ر . قوله : ويستحب قراءة شيء يفهم أنه لو قرأ بعض آية حصل أصل السنة وهو محتمل إذا كان مفيداً كالآية القصيرة المفيدة . والحكمة فيما ذكره الشارح بقوله : ويسن في صبح طوال المفصل الخ . أن الصبح ركعتان فناسب تطويلهما ، ووقت المغرب ضيق فناسب فيه القصار ، وأوقات الظهر والعصر والعشاء طويلة ولكن الصلاة طويلة أيضاً فلما تعارض ذلك رتب عليه التوسط في غير الظهر وفيها قريب من الطوال . وانظر حكمة مخالفة الظهر لغيرها من الرباعيات ، ولعلها لكون وقتها وقت قيلولة فناسبها التخفيف بقريب من الطوال كالنازعات تأمل والمفصل المبين المميز قال تعالى ) كتاب فصلت آياته } ) فصلت : 3 ) أي جعلت تفاصيل في معان مختلفة من وعد ووعيد وحلال وحرام ، وسمي بذلك أي مفصلاً لكثرة الفصول بين السور بالبسملة .
قوله : ( وفي صبح جمعة في أولى ) آلم تنزيل } ) السجدة 1 و 2 ) ) فإن قرأ الثانية في الأولى قرأ الأولى في الثانية ، وله الاقتصار على بعض كل منهما ولو آية السجدة ولو بقصد السجود ، فإن لم يقرأهما أبدلهما بسورة سبح وهل أتاك وإلا فسورتي الكافرون والإخلاص ق ل على التحرير . وعبارة الرحماني : ولو ضاق الوقت اقتصر على البعض ولو آيتها . قلت : والظاهر أن ضيق الوقت ليس قيداً ، ولو نسيها في الأولى جمع السورتين في الثانية ، ولو قدم الثانية في الأولى قرأ السجدة في الثانية وسجد ولا يضر ذلك لأن صبح الجمعة محل السجود في الجملة اه ولو أتى بغيرها من القرآن بقصد السجود وسجد بطلت صلاته وهو المعتمد . وقال ابن حجر : لا تبطل لأنها محل السجود . وفي حاشية ق ل على التحرير قال ابن حجر : ولا تسن قراءة آية سجدة خلف الإمام لعدم تمكنه من السجود ، وخالفه شيخنا م ر واعتمد شيخنا الزيادي الأول اه .
تنبيه : قال العلامة الخطيب في شرح المنهج : قال ابن عبد السلام : القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول كآية الكرسي وتبت ، فالأول كلامه تعالى في ذاته ، والثاني كلامه تعالى في غيره فلا ينبغي أن يداوم على قراءة الفاضل ويترك المفضول لأن النبّي لم يفعله ، ولأنه يؤدي إلى هجران بعض القرآن ونسيانه .
قوله : ( والتكبيرات عند الخفض ) نعم في صلاة التسبيح يقطع التكبير فيها أي لا يمده في الجلسة للاستراحة ، ويقوم غير مكبر كما جزم به البغوي وأقره القمولي وهو ظاهر ، ويدل له إطلاق التحقيق أنه يكره هنا تكبيرتان قاله حج اه ايعاب اه شوبري .(2/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
قوله : ( وعند ابتداء الرفع من السجود ) أي لا من الركوع الشامل له كلام المصنف ق ل . أما الرفع من الركوع فيقول فيه : سمع الله لمن حمده كما يأتي قريباً . والحاصل أن في كل ركعة خمس تكبيرات مسنونات . قال الحافظ في فتح الباري : قال ناصر الدين بن المنير : الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير ، وكان من حقه أن يصحب النية إلى آخر الصلاة فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية اه قوله : ( إلى انتهاء الجلوس ) أي بين السجدتين أو للتشهد ، فخرج جلسة الاستراحة فإنه يمده إلى القيام أي بحيث لا يجاوز سبع ألفات حج . وقوله : والقيام ينبغي أن يزاد والركوع والسجود قوله : ( والقيام ) أي للقراءة والمراد القيام من التشهد أو من السجدة الثانية ، وخرج بذلك جلسة الاستراحة فإنه يمده فيها إلى القيام إن لم يصل التسابيح وإلا فإلى انتهاء الجلوس ثم يسبح وإذا قام ساكتاً وفي حاشية أ ج ما نصه . قال الشهاب حج : ويمده إلى السجود أو القيام أي أو الركوع فيمده إلى استقرار أعضائه ، وذلك لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر حتى في جلسة الاستراحة فيمده على الألف التي بين الألف والهاء لكن بحيث لا يجاوز سبع ألفات اه .
قوله : ( وقول سمع الله لمن حمده ) أي عند ابتداء الرفع من الركوع وكذا ربنا لك الحمد عند انتصابه . والسبب في سمع اللَّه لمن حمده أن الصدّيق رضي اللَّه عنه ما فاتته صلاة خلف رسول الله قط ، فجاء يوماً وقت صلاة العصر فظن أنها فاتته مع رسول الله فاغتمّ بذلك وهرول ودخل المسجد ، فوجده مكبراً في الركوع فقال : الحمد لله وكبر خلفه فنزل جبريل والنبّي في الركوع فقال : يا محمد سمع الله لمن حمده فقل : سمع الله لمن حمده . وفي رواية اجعلوها في صلاتكم . فقالها عند الرفع من الركوع ، وكان قبل ذلك يركع بالتكبير ويرفع به فصارت سنة من ذلك الوقت ببركة الصديق رضي الله عنه قوله : ( أي تقبل الله منه حمده ) فالمراد سمعه سماع قبول لا سماع ردّ ويكون بمعنى الدعاء كأنه قيل : اللهم تقبل حمدنا فاندفع ما يقال إن سماع الله مقطوع به فلا فائدة في الإخبار به أفاده شيخنا ح ف قوله : ( كفى ) أي في أصل السنة ، ويكفي أيضاً من حمد الله سمعه .
قوله : ( وقول ربنا لك الحمد ) أي بعد الانتصاب وهي أفضل الصيغ س ل قوله : ( وبواو فيهما ) فالصيغ أربع ويزاد ثنتان لك الحمد ربنا والحمد لربنا ، وأفضلها ربنا لك الحمد على المعتمد . وعلى ثبوت الواو فهي عاطفة على مقدر أي أطعناك ولك الحمد على ذلك اه ز ي .(2/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
ويندب أن يزيد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لما ورد أنه تسابق إليها ثلاثون ملكاً يكتبون ثوابها لقائلها إلى يوم القيامة اه شوبري .
فائدة : أفضل الذكر المطلق الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده ، وحمل حديث ( أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبِّيوُنَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ) على الدخول بها في الإسلام اه رحماني .
قوله : ( ملء ) بالرفع صفة للحمد ، وبالنصب حال أي مالئاً بتقدير كونه جسماً ، وأحق مبتدأ ، ولا مانع الخ خبره وما بينهما اعتراض شرح المنهج ، وما مصدرية أي أحق قول العبد أو نكرة موصوفة أي أحق قول قاله العبد أو موصولة ، وعائدها محذوف أي أحق القول الذي قاله العبد الخ . والظاهر أن أفعل التفضيل بالنسبة لما هنا فقط فلا يرد أحقية كلمة الإخلاص ونحوها ، أو أنه لا يلزم من الأحقية الأفضلية وتقدم أن الحمد أفضل اه رحماني قوله ( وملء ما شئت من شيء بعد ) ويقول القنوت بعد هذا خلافاً لمن قال الأولى أن لا يزيد على ربنا لك الحمد ، ولمن قال إنه يأتي بذلك الذكر كله اه س ل بالمعنى قوله ( بعد ) أي غيرهما ، وبعد مبني على الضم لقطعه عن الإضافة ونية معنى المضاف إليه وهو صفة لشيء ، ويكون القنوت بعد هذا مطلقاً أي بعد قوله منك الجد إذا كان منفرداً أو إمام محصورين قوله ( وسع كرسيه السموات والأرض ) بيان لعظم الكرسي . وفي الحديث أنها أي السموات بالنسبة للكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، وكذا كل سماء بالنسبة للأخرى ق ل قوله : ( وكلنا لك عبد ) قال السبكي : لم يقل عبيد لأن القصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد إيعاب شوبري . أو يقال أفرد بالنظر للفظ كل لأنه يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها قال تعالى ) وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } ) مريم : 95 ) وقال تعالى ) وكلّ أتوه داخرين } ) النمل : 87 ) اه ق ل بزيادة .
قوله : ( لا مانع لما أعطيت ) ما ذكره الشارح من ترك تنوين اسم ، لا أعني مانع ومعطي مع أنه عامل فيما بعده موافق للرواية الصحيحة لكنه مشكل على مذهب البصريين الموجبين تنوينه . وقد يجاب بمنع عمله هنا فيما بعده بأن يقدر له عامل ، أي لا مانع يمنع لما أعطيت واللام للتقوية ، أو يخرّج على لغة البغداديين فإنهم يتركون تنوين الشبيه بالمضاف ويجرونه مجرى المفرد في بنائه على الفتح سم ز ي قوله ( ذا الجد ) بفتح الجيم في الموضعين بمعنى الغني ويروى بالكسر بمعنى الاجتهاد ، وقوله : منك أي عندك أي لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه ، وإنما الذي ينفعه عندك رضاك ورحمتك لا غير ، وتفسير منك بمعنى عندك ذكره الأزهري .(2/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
قوله : ( ويجهر الإمام ) أي عند الحاجة . قوله : ( بل استحسنه ) أي التشنيع . قوله : ( معرفتها ) أي هذه المسألة وهي الجهر بسمع الله لمن حمده من الإمام والمبلغ والإسرار بربنا لك الحمد . قوله : ( من كثرة جهل الأئمة ) أي إن كانوا شافعية . وقوله : والمؤذنين أي المبلغين لأن الغالب أن المؤذن يبلغ . وعبارة حج قال بعضهم : إن التبليغ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة حيث بلغ المأمومين صوت الإمام ، لأن السنة حينئذ في حقه أن يتولاه بنفسه ومراده بكونه بدعة أنه مكروه خلافاً لمن وهم فيه فأخذ منه أنه لا يجوز اه . قوله : ( سبحان ربي العظيم ) ويستحب زيادة وبحمده ثلاثاً ، ويحصل أصل السنة بمرة وأدنى الكمال ثلاث ثم خمس ثم سبع ثم تسع ثم إحدى عشرة وهو الأكمل للمنفرد وإمام محصورين بشرطهم ، أما غيرهم فلا يزيد على الثلاث أي يكره له ذلك للتخفيف على المقتدين شرح م ر . قوله : ( اللهم لك ركعت ) قدم الظرف هنا وأخرّه في قوله : خشع لك سمعي الخ هل لهذا من نكتة ؟ سألت شيخنا عن ذلك فقال : يمكن أن يقال لما كانت العبادة من المشركين لغير الله بجميع ذاتهم ، قدم الظرف لقصد الرّد عليهم إذ تقديم المعمول يفيد الحصر ، ولما لم تحصل العبادة منهم بالخشوع بالسمع ونحوه لغير الله لم يحتج إلى تقديم بل بقي على أصل تأخير المعمول اه . وهو بمكان من الدقة والنفاسة اه اج باختصار . قوله : ( وبك آمنت ) فإن قيل : يرد على الحصر المستفاد من تقديم المعمول الإيمان بغيره ممن يجب الإيمان بهم كالأنبياء والملائكة والكتب . قلت : يجاب بأن الإيمان بما أوجبه إيمان به أو المراد الحصر الإضافي بالنسبة لمن عبد اه شوبري . قوله : ( خشع الخ ) يقول ذلك وإن لم يكن متصفاً بذلك لأنه متعبد به وفاقاً لم ر . وقال حج : ينبغي أن يتحرى الخشوع عند ذلك وإلا يكون كاذباً ما لم يرد أنه بصورة من هو كذلك . قال المدابغي : وفيه من المبالغة ما لا مزيد لأن الخاشع هو الشخص بجملته لا أبعاضه ، فإسناد الخشوع للسمع والبصر ونحوهما إشارة إلى أن الخشوع يشمل جميع أعضائه وأبعاضه اه . والحاصل أن إضافة الخشوع الذي هو حضور القلب وسكون الجوارح لهذه الحواس لأنها آلته ،(2/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
فهي إضافية مجازية والمتصف به في الحقيقة هو الهيكل الإنساني جميعه ، لكنها تابعة للقلب بدليل قوله لمن رآه يعبث في صلاته : ( لَوْ سَكَنَ قَلْبَ هَذَا لَسَكَنَتْ جَوَارِحُهُ ) والسمع أفضل من البصر قوله : ( ومخي ) يطلق المخ على الودك ، أي الشحم الذي في العظم ، وعلى خالص كل شيء وعلى الدماغ كما في المصباح . ويمكن إرادة كل من الثلاثة ، ويراد بالمعنى الثاني القلب لأنه خالص البدن وسلطانه قوله : ( وعصبي ) وبعده وشعري وبشري وفي آخره لله رب العالمين كما في الشرح والروضة والمحرر .
قوله : ( قدمي ) بكسر الميم وسكون الياء مفرد مضاف وإلا لقال قدماي ، وهو تعميم بعد تخصيص والقدم مؤنثة قال تعالى : ) فتزلّ قدم بعد ثبوتها } ) النمل : 94 ) ولا يصح هنا التشديد لفقد ألف الرفع عميرة . لا يقال : يصح مثنى على لغة هذيل من قلب الألف ياء لأنها خاصة بالمقصور المضاف لياء المتكلم . قال في الخلاصة .
وفي المقصور عن
هذيل انقلابها ياء حسن
وكنى بالقدم عن الذات ، وعبر عنها به لأن الأعمال تنال بها غالباً وليس المراد الجارحة وهو من ذكر العام بعد الخاص ، ونكتته ما تقدم من أن الأعمال تنال بها كما قاله البابلي ، والأولى أن يكون من ذكر الكل بعد الجزء ونص على الأجزاء أو لا لخفاء دخولها في القدم كما في الإطفيحي ، وإنما أتي به بعد قوله خشع لك سمعي وبصري الخ للتوكيد قوله : ( وتكره القراءة في الركوع ) أي بقصدها لأن الركوع محل الذكر فيكون صارفاً عن القرآنية بخلاف ما إذا قصد الدعاء أو أطلق ، وعبارة ق ل وتكره القراءة في غير القيام في الصلاة إن قصد القراءة ولو مع غيرها وإلا فلا للصارف كما في الجنابة اه . فإن قلت : لم أوجبوا الذكر في قيام الصلاة وجلوس التشهد ولم يوجبوه في الركوع والسجود مع أن كلاًّ ركن ؟ قلت : لأن القيام والقعود يقعان للعبادة والعادة فاحتجنا إلى ذكر يخلصهما للعبادة والركوع والسجود يقعان للعبادة فقط فلم يجب فيهما ذكر اه .
قوله : ( سبحان ربي الأعلى ) ومن داوم على ترك التسبيح في الركوع والسجود سقطت شهادته اه برماوي . ومذهب الإمام أحمد أن من تركه عامداً تبطل صلاته ، فإن كان ناسياً جبر بسجود السهو قوله : ( اللهم لك سجدت ) قدم للاختصاص ، ولو قال : سجدت لله في طاعة الله لم تبطل صلاته خ ض . وكذا لو قال سجد الفاني للباقي لم يضر على المعتمد لأن المقصود به(2/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
الثناء على الله خلافاً لمن قال بالضرر لأنه خبر اه شرح م ر . قال ع ش : ظاهره وإن لم يقصد الثناء ، وينبغي أن محل ذلك إذا قصد به الثناء اه . قوله : ( ولك أسلمت ) أي انقدت أو فوّضت أمري . قوله : ( سجد وجهي ) أي وكل بدني ، وخصّ الوجه بالذكر لأنه أشرف أعضاء الساجد ، وفيه بهاؤه وتعظيمه فإذا خضع وجهه فقد خضع باقي جوارحه اه خ ض . فهو من باب إطلاق الجزء على الكل ، أو أن المراد الوجه حقيقة ويلزم من سجوده سجود باقي بدنه . قوله : ( للذي خلقه ) أي أوجده من العدم وصوّره على هذه الصورة العجيبة ، أي جعل له فماً وعينين وأنفاً وأذنين ورأساً ويدين وبطناً ورجلين إلى غير ذلك ، وحينئذ فعطف التصوير على الخلق مغاير زي وهو أعني قوله : وصوّره دفع لما قد يقال إنه خلق مادة الوجه دون صورته ، وعبارة الشيخ خ ض وصوّره على هذه الصورة العجيبة البديعة قال تعالى ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } ) التين : 4 ) وكذلك صرحوا في الطلاق بأنه لو قال لزوجته : إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق لا يقع عليه الطلاق ، وإن كانت جارية زنجية إذ لا شيء أحسن من الإنسان .
قوله : ( وشق سمعه وبصره ) أي منفذهما إذ السمع والبصر من المعاني لا يتصوّر فيهما شق ، وهما صفتان حادثتان يتعلقان بالموجود ، فالأول خاص بالمسموع والثاني بالمبصر . وأما في حقه تعالى فهما صفتان أزليتان يتعلقان أي يحيطان بكل موجود ، ويستحب أن يزيد بعد ذلك قبل تبارك بحوله وقوته ثم يقول تبارك الله الخ . قوله : ( تبارك الله ) أي تعالى الله ، والتبرك العلوّ والنماء تبارك تفاعل من البركة وهي كثرة الخير وزيادته ، ومعنى تبارك الله تزايد خيره وتكاثر ، أي تزايد عن كل شيء وتعالى في صفاته وأفعاله . وهي كلمة تدل على العظمة لا تستعمل إلا لله وحده ، فيحرم استعمال ذلك في غير الله تعالى ولا يكفر به ، ولا يستعمل منه إلا الماضي فلا يستعمل منه المضارع ولا الأمر اه خ ض . قوله : ( أحسن الخالقين ) أي المصوّرين وإلا فالخلق من العدم إلى الوجود لا يشاركه فيه أحد ، فأفعل التفضيل ليس على بابه لأن المصوّرين ليس فيهم حسن من حيث تصويرهم لأنهم يعذبون عليه أفاده شيخنا . ويستحب كما في الروضة أن يزيد على ما ذكر : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، وقوله سبوح أي كثير التنزيه عما لا يليق به ، ومعنى قدوس أي البالغ في الطهارة ، والمراد بالروح جبريل ، وقيل ملك له ألف رأس ، في كل رأس مائة ألف وجه ، في كل وجه مائة ألف فم ، في كل فم مائة ألف لسان يسبح الله تعالى بلغات مختلفة . وقيل خلق من الملائكة يرون الملائكة ولا تراهم فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم اه دميري اج .
قوله : ( ويسن الدعاء في السجود ) أي يتأكد سنه فيه فلا ينافي أنه يسن أيضاً في الركوع(2/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
اج ملخصاً . قوله : ( أقرب ) مبتدأ وما مصدرية ، والخبر محذوف والتقدير أقرب كون العبد أي أكوانه وأحواله حاصل إذا كان وهو ساجد فقوله وهو ساجد حال من فاعل كان المقدرة . قوله : ( والحكمة في اختصاص العظيم بالركوع والأعلى بالسجود الخ ) هذا من حيث المعنى ، وأما من حيث الدليل فقد ورد عن عقبة بن عامر أنه قال : لما نزلت ) فسبح باسم ربك العظيم } ) الواقعة : 74 و 96 ) قال : ( اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ ) ولما نزلت ) سبح اسم ربك الأعلى } ) الأعلى : 1 ) قال : ( اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ ) . قوله : ( فجعل الأبلغ ) أي وهو الأعلى مع الأبلغ وهو السجود ، ومن الحكمة للتخصيص أنه لما ورد : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ) فربما يتوهم قرب مسافة ، فسنّ سبحان ربي الأعلى أي عن قرب المسافة .
قوله : ( رؤوس أصابع الخ ) لا حاجة لإخراج المتن عن ظاهره فإن المتن يفيد وضع اليدين نفسهما ، والشارح حمله على وضع أطرافهما على أعلى أطراف الفخذين ، ويلزم منه أن باقيهما على الفخذين لكن لو أبقاه على ظاهره وقيده بحيث تحاذي رؤوس الأصابع طرف الفخذ لكان أولى ، ومراده باليدين الكفان وقوله : على الفخذين أي اليمنى على الأيمن واليسرى على الأيسر . وقوله : بين السجدتين وكذا جلسة الاستراحة سم . وعبارة ق ل قوله رؤوس الخ صوابه إسقاط لفظ رؤوس وطرف لأن المطلوب وضع اليدين على الفخذين بحيث تسامت رؤوسهما أطراف الركبتين فتأمل . قوله : ( في الجلوس بين السجدتين ) ومثله جلسة الاستراحة والجلوس للتشهدين ، لكن كيفية الوضع مختلفة ففي الأولين اليدان مبسوطتان ، وفي الأخيرين بينها المتن بقوله : يبسط اليسرى ويقبض اليمنى ولا يضر إدامة وضعهما على الأرض إلى السجدة الثانية اتفاقاً خلافاً لمن وهم فيه اه ابن حجر . أي فقال إن إدامتهما على الأرض تبطل الصلاة اه ع ش على م ر . قوله : ( مضمومة للقبلة ) انظر هذا مع ما تقدم في الركوع من أنه يفرق فتنزل الرحمة على بدنه ، فلم لم يطلب التفريق هنا قياساً عليه ولذلك قيل به هنا : فليحرر إلا أن يقال إن قوله ناشراً أصابعه مضمومة ، وقوله مع أصابعها أي مع تفريق يسير بحيث تكون متوجهة للقبلة ، ولا يضر انعطاف رؤوسها على الركبتين سم في شرحه .(2/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
قوله : ( في تشهده ) شمل الأوّل والآخر وهو كذلك ، والقبض يكون بعد وضع اليد منشورة لا معه ولا قبله على المعتمد كما قاله سلطان وقيل مع الوضع اه ق ل . ويدل له قول المنهج ويضع يمناه قابضاً أصابعها والأصل في الحال المقارنة .
قوله : ( إلا المسبحة ) سميت بذلك لأنه يشار بها إلى التوحيد ، وتسمى السبابة لأنه يشار بها عند السب ق ل . ولو تعدّدت المسبحة فالعبرة بالأصلية فلو كانتا أصليتين فالعبرة بما جاور الإبهام ، فلو قطعت هل تقوم الأخرى مقامها أو لا ؟ محل نظر والظاهر أنها تقوم مقامها ولا يشير بالسبابة اليسرى وإن فقدت اليمنى ، ولو عجز عن التشهد وقعد بقدره سنّ في حقه أن يرفع مسبحته كما أن من عجز عن القنوت سنّ في حقه أن يقف بقدره وأن يرفع يديه زي . وفي م ر ولو قطعت يمناه أو سبابتها كرهت إشارته بيسراه لفوات سنة بسطها لأن فيه ترك سنة في محلها لأجل سنة في غير محلها كمن ترك الرمل في الأشواط الثلاثة يأتي به في الأخيرة اه .
فائدة : كانت سبابة النبيّ أطول من الوسطى نقله الدميري في شرح المنهاج اه .
قوله : ( ويديم رفعها ) أي إلى القيام أو السلام . فإن قلت : المعنى الذي رفعت لأجله قد انقضى فكيف بقي رفعها ؟ قلت : لا نسلم انقضاءه لأن الأواخر والغايات هي التي عليها المدار ، فمن ثم طلب منه إدامة استحضار ذلك التوحيد والإخلاص فيه حتى يقارن آخر صلاته لتكون خاتمتها على أتم الأحوال وأكملها . والحكمة في اختصاص المسبحة بذلك أن لها اتصالاً بنياط القلب أي عرقه ، فكأنها سبب لحضوره ، وأما الوسطى فقيل إن لها اتصالاً بنياط الذكر فلذا تأبى النفوس الزكية الإشارة بها . قوله : ( ولا يحركها ) فإن قلت : قد ورد التحريك أيضاً في أحاديث فلم قدم النافي ؟ قلت : إنما قدم النافي هنا على المثبت عكس القاعدة لما قام عندهم في ذلك ، وهو أن المطلوب في الصلاة عدم الحركة فقد قيل : إنه إذا حرك عامداً عالماً بطلت صلاته فيكره التحريك عندنا خلافاً للمالكية ، وعبارة سم : ولا يحركها عند رفعها للاتباع رواه أبو داود ، بل يكره بتحريكها ولا تبطل به الصلاة ، وقيل يحرم وتبطل به ، وقيل : يسنّ للاتباع رواه البيهقي وصححه . وقال : ويحتمل أن يكون المراد بتحريكها في خبره رفعها لا تكرير تحريكها اه . ويؤيده أن فيه جمعاً بين الخبرين ، وأن عدم التحريك أنسب بالصلاة(2/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
المطلوب فيها سكون الأعضاء والخشوع الذي قد يذهبه أو يضعفه التحريك ، واعلم أن كون رفع مسبحة اليمنى خاصاً بهذا المحل تعبدي فلا يقاس به غيره ، فما يفعل بعد الوضوء وعند رؤية الجنازة لا أصل له قرره شيخنا عن فتاوى ابن حجر اه رحماني . قوله : ( فلو حركها ) ولو ثلاثاً لأنها ليست عضواً ولأنه فعل خفيف والكلام ما لم يحرك الكف وإلا بطلت بثلاثة أفعال متوالية عامداً عالماً كتحريك الزند المقطوع الكف سم رحماني . والحاصل أن في تحريكها ثلاثة أقوال قول : بالكراهة ، وقولان آخران أحدهما بالحرمة وتبطل به الصلاة والآخر بالندب اه . قوله : ( ولم تبطل صلاته ) صرح به للردّ على من يقول بالبطلان كما علمت ع ش . قوله : ( أو حلق بينهما ) أي أوقع التحليق بينهما أي بين الوسطى والإبهام ، أي جعلهما حلقة فالظاهر أن بين زائدة لأنه لا يظهر لها معنى اه شيخنا . قوله : ( لكن ما ذكر ) أي أوّلاً وهو قوله والأفضل الخ .
قوله : ( على كعب يسراه ) بعد أن يضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض اه خ ض . قوله : ( وهي الجلوس بين السجدتين الخ ) ومثله جلسة الاستراحة والأفضل أن لا يزيدها على قدر جلوس التشهد الأول ، ولا يضر تطويلها وإن كره خلافاً لابن حجر . وفي شرح م ر : ويكره تطويلها على الجلوس بين السجدتين كما في التتمة ، ويؤخذ منه عدم بطلان الصلاة وهو المعتمد كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى اه . وجلوس الاستراحة ليس من الركعة بل مستقل فاصل بين الركعتين على الصحيح كالتشهد الأول وجلوسه ، ذكر ذلك في المجموع . قال في الذخائر : ويحتمل أن يكون من الأولى تبعاً للسجود اه . وكلام الذخائر طريقة مرجوحة ، والمعتمد أنه فاصل بين الركعتين . وتظهر فائدة الخلاف في الحلف والتعاليق ، فإذا قال لعبده إذا صليت ركعة فأنت حر عتق برفع رأسه من السجود الثاني بناء على المعتمد . قوله : ( والجلوس للتشهد الأول ) ويتصور أن يتشهد أربع مرات في صلاة المغرب بأن يكون مسبوقاً أدرك الإمام بعد ركوع الثانية ، ويتابعه فيفترش فيما عدا الرابع ويتورك في الرابع ، ولو ترك الإمام جلسة الاستراحة فجلسها المأموم جاز ولا يضر هذا التخلف فإنه يسير . وبهذا فرقوا بينه وبين ما لو ترك التشهد الأول وتخلف له المأموم .(2/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
ضابط الجلسات في الصلاة أربع : ثنتان واجبتان وهما الجلوس بين السجدتين وجلوس التشهد الأخير ، وثنتان سنتان وهما جلسة الاستراحة وجلوس التشهد الأول اه . مناوي .
قوله : ( وجلوس الساهي ) أي الذي يطلب منه سجود السهو ، ومحله إن قصد السجود للسهو أو أطلق فإن قصد ترك السجود تورّك . قوله : ( وجلوس المصلي قاعداً للقراءة ) وكذا للاعتدال وللركوع وغيرهما إلا التشهد الأخير ق ل . وجملة جلسات الافتراش ستة وهي : الجلوس بين السجدتين ، وجلوس التشهد الأول ، وجلوس الاستراحة ، وجلوس المسبوق ، وجلوس الساهي ، وجلوس المصلي قاعداً للقراءة اه . فلو قال المصلي وافتراشه لجلساته إلا الأخيرة لكان أحسن . وسمي بذلك لأن رجله كالفرش له كما سمي التورك بذلك لجلوسه على الورك ، وعند الإمام يسن التورك مطلقاً ، وعند الإمام أبي حنيفة يسن الافتراش مطلقاً .
فرع : لو عجز عن هيئة الافتراش أو التورك المعروفة وقدر على عكسها فعله لأنه الميسور .
قوله : ( ويلصق ) بضم الياء التحتية فهو من المزيد لا من المجرد قوله : ( وركه ) بفتح الواو وكسر الراء أي ألييه قوله : ( في الجلسة الأخيرة ) أي التي يعقبها سلام ومثله في ذلك سجود التلاوة والشكر خارج الصلاة فالسنة فيهما التورك أي بعد السجود وقبل السلام . وأفهم عدّه الافتراش والتورك من الهيئات أنه لو قعد حيث شاء جاز وهو كذلك ، قال القفال : ولو قعد على الأرض ورفع رجليه جاز اه . وينبغي كراهة ذلك كما لو مدّهما فإنه مكروه ، ويكره الإقعاء غير المسنون وهو أن يجلس على وركيه أي أصل فخذيه ناصباً ركبتيه وهذا بخلاف ما لو وضع ركبتيه على الأرض ورفع فخذيه ونصبهما ولم يجلس بمقعدته على الأرض فإنه لا يكفي خلافاً للقفال حيث قال بالإجزاء ، وعلله بقوله لأن وضع المقدمة سنة ، وتعقبه الزركشي بقوله : ومقتضى قول الإمام في الأقطع أنه يلزمه ذلك لا أنه أقرب إلى القيام إذ لا يحسب من القعود اه أما الإقعاء الآخر وهو أن يضع ركبتيه وأطراف أصابع رجليه على الأرض وألييه على عقبيه ، فهو سنة في الجلوس بين السجدتين . وصرح الإسنوي بكراهته فيما عدا الجلوس بين السجدتين بل قال الجويني : إنه حرام في ذلك لكنه شاذ ، نعم ألحق بعضهم به جلسة الاستراحة وكل جلوس قصير والجلوس محتبياً خلاف السنة ، وبحث ابن الرفعة أن الإقعاء المكروه إن كان في سنة كجلسة الاستراحة منع ثوابها لأن السنة لا تنال بالمكروه . وفيه نظر لأنه ذو جهتين اه سم .
قوله : ( وحكمته التمييز الخ ) عبارة ش م : والحكمة في المخالفة بين الأول أنها أقرب(2/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
لعدم اشتباه عدد الركعات ، ولأن المسبوق إذا رآه علم في أيّ التشهدين . والحكمة في التخصيص أن المصلي مستوفز في غير الأخير والحركة عن الافتراش أهون اه . وقوله في التخصيص أي تخصيص الأول بالافتراش والأخير بالتورك اه ع ش .
قوله : ( التسليمة الثانية ) أي وإن تركها الإمام فتسن للمأموم اج . قال ق ل : وهي من ملحقات الصلاة لا منها على المعتمد قوله : ( على المشهور في الروضة ) أي من أقوال ثلاثة ، وعبارة الروضة : ويسن تسليمة ثانية على المشهور . وفي قول قديم لا يزيد على واحدة ، وفي قول آخر يسلم غير الإمام واحدة وكذا الإمام إن قلّ القوم ولا لغط عندهم وإلا فتسليمتين . فإذا قلنا يسلم واحدة جعلها تلقاء وجهه .
قوله : ( إلا أن يعرض الخ ) لا حاجة لهذا لأن الكلام في الحكم عليها بالسنية لا في الإتيان بها وعدمه مع أن فيما ذكره نظراً ظاهراً فتأمل ق ل . قوله : ( فيجب الاقتصار على الأولى ) ولا عبرة بالثانية لو أتى بها بل يحرم ، ولا تبطل صلاته لفراغها بالأولى وإنما حرمت الثانية حينئذ لأنه انتقل إلى حالة لا تقبل فيها الصلاة فلا تقبل توابعها قال سم على حج : إلا أنه مشكل في وجود السترة فقوله أو وجد العاري سترة إن أريد تحريمها مع العري فواضح أو مطلقاً ففيه نظر اه م د . وعبارة المناوي : وتحرم إن عرض بعد الأولى مناف كحدث وخروج وقت جمعة أي بخلاف وقت غيرها من الصلوات ونية إقامة لأنها وإن لم تكن جزءاً من الصلاة فإنها من توابعها قوله : ( أو نوى القاصر الخ ) في ذكر ذلك نظر لأن فرض المسألة أن الذي عرض ينافي الصلاة والإقامة هنا لا تنافي الصلاة وإنما تنافي القصر إلا أن يصوّر بما إذا رأى الماء قبل نية الإقامة وكان متيمماً فيبطل التيمم بالتسليمة الأولى فلا يأتي بالثانية ، والفرض أن الصلاة تسقط بالتيمم قوله : ( أو وجد العاري الخ ) فيه نظر لأنه لو استتر أتى بالمطلوب إلا أن يقال : المراد ما دام عرياناً فقوله أو وجد العاري الخ أي ولم يستتر .
قوله : ( وأن تكون الأولى يميناً ) ولو سلم الأولى عن يساره سلم الثانية عن يساره أيضاً لأنه محلها ، ولا عبرة بمخالفته السنة في التسليمة الأولى كما قاله ع ش اه قوله : ( يميناً ) فلو(2/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
عكس كره وإن أتى بهما عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه كان خلاف الأولى ، فلو ارتكب المكروه وابتدأ باليسار هل يسن جعل الثانية عن اليمين ؟ قال سم : ينبغي نعم اه اج قوله : ( حتى يرى خده ) أي يراه من خلفه ، وقوله : فقط أي لا خداه وقوله كذلك أي فقط .
قوله : ( ثم يلتفت ) أي بوجهه فقط لأنه يشترط أن يكون صدره مستقبل القبلة إلى الإتيان بالميم من عليكم وهذا في غير المستلقي ، أما هو فيمتنع عليه الالتفات لأنه متى التفت للإتيان بسنة الالتفات خرج عن الاستقبال المشترط حينئذ فيمتنع عليه الالتفات ، ويكون مستثنى هكذا ظهر . وبه يلغز فيقال : لنا مصلّ متى التفت للسلام بطلت صلاته رشيدي . ولو أراد الاقتصار على واحدة أتي بها قبل وجهه قوله : ( ناوياً السلام ) أي ابتداءه الخ . وهذا عام في الكل ، وأما نية الرد ففصلها الشارح بقوله : وينوي مأموم الرد الخ . واستشكل قوله ناوياً السلام الخ بأنه لا معنى للنية لأنه صريح لوجود الخطاب والصريح لا يحتاج إلى نية . وأجيب بأن التحلل من الصلاة عارضه فاحتاج إلى النية لوجود الصارف والمعارض بخلافه خارج الصلاة ، وتبعية الثانية للأولى صارف عن ذلك أيضاً اه ح ل . وعبارة زي : ويجاب بأن المسلم خارجها لم يوجد لسلامه صارف عن موضوعه فلم يحتج للنية ، وأما فيها فكونه واجباً للخروج منها صارف اه . وظاهر كلامهم أنه لا يشترط نية السلام أي سلام الصلاة الذي هو ركن ، والمراد معناه وهو التحلل مع ذلك ويفرق بينه وبين نظائره مما اعتبر فيه فقد الصارف بأنه هنا لم يخرجه عن مدلوله الذي هو التحية ولو مع النية المذكورة وفي غيره إخراج له عن مدلوله ، فاحتيج إلى فقد الصارف ثمّ لا هنا اه شوبري وفي ع ش على م ر : انظر هل يشترط مع نية السلام على من ذكر نية سلام الصلاة حتى لو نوى مجرد السلام على من ذكر أو الردّ ضر للصارف وقد قالوا يشترط فقد الصارف أوّلاً فيكون مستثنى فيه نظر ، والقلب إلى الاشتراط أميل وهو الوجه سم . والأقرب ما مال إليه م ر من عدم الاشتراط ، ويوجه بأنه لو علم من عن يمينه بسلامه عليه لم يجب الردّ لأنه لكونه مشروعاً للتحلل لم يصلح للأمان فكأنه لم يوجد فلا يصلح صارفاً اه . فتلخص أن الضرر إنما هو في صورة واحدة وهي ما إذا قصد غير السلام ، أما إذا قصد السلام أو قصد معه الرد أو أطلق فإنه لا يضر اه . واعلم أنه إذا تأخر سلام المأمومين عن تسليم الإمام فهو إنما ينوي ابتداء فقط بكل من التسليمتين وأما المأمومون فمن على يمينه يردّ على الإمام بالثانية ، ومن على يساره من المأمومين بالأولى وعلى الإمام والمأمومين الذين على يمينه ابتداء بها أيضاً وأما الأولى لمن على يمين الإمام فينوي بها الابتداء إن لم يتقدم سلامهم أو بعضهم قبل إتيانه بها وإلا نوى مع الابتداء الرد فينوي الابتداء على من لم يسلم والرد على من سلم ، كما إذا جاءك رجلان فسلم أحدهما عليك ولم يسلم الآخر وقلت : عليكم السلام قاصداً(2/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
الرد على من سلم والابتداء على من لم يسلم . قال ق ل على المحلي : الحاصل أن كل مصلّ ينوي السلام على من لم يسلم عليه وينوي الردّ على من سلم عليه ممن عن يمينه أو يساره أو خلفه أو أمامه اه . وأما من على يسار الإمام فتقدم حكم أولته ، وأما ثانيته فينوي بها على من على يساره الابتداء زيادة على الردّ ولا يجب عليهم حينئذ الرد فتأمل .
قوله : ( على من ) أي شخص التفت هو أي ولو غير مصلّ ، ومع ذلك لا يجب على غير المصلي الرد عليه وإن علم أنه قصده بالسلام كما في ع ش . وعبارة اج هل إذا قصد السلام على غير المصلين من الحاضرين هل يطلب منهم الرد ؟ قال سم على المنهج : لا يبعد الندب إذا علموا اه . وأبرز الضمير لأنها صفة جرت على غير من هي له كما أشار له في الخلاصة بقوله :
وأبرزنه مطلقاً حيث تلا
ما ليس معناه له محصلا
قوله : ( إنس ) هم البشر الواحد إنسي بكسر الهمزة وسكون النون ، وأنس بفتحتين ، والجمع أناسي وأناسية . مناوي على الشمائل قوله : ( فينويه بمرة اليمين ) أي بشرط أن لا يقصد غير السلام فقط ، بأن يقصد السلام وحده أو يقصده مع الرد أو يطلق فالضرر في صورة واحدة وهي ما إذا قصد غير السلام وحده ع ش قوله : ( وينوي مأموم ) أي ندباً وغير المأموم هل يجب عليه الرد أو لا ؟ وعدم الوجوب أوجه اه شوبري .
قوله : ( فينويه ) أي الرد وقوله : من على يمين المسلم أي من إمام ومأموم ، وقوله بالتسليمة الثانية بأن تأخر تسليم من على يمينه الثانية بعد سلام المسلم الأولى إذ لو تقدم عليه لم يكن من هو على يمينه قد سلم عليه فلا يطلب منه الرد ، وأما ابتداء فقد تقدم حكمه فالتسليمة تكون للابتداء والرد ح ل قوله : ( ومن على يساره بالأولى ) بأن تأخر تسليم من على يساره الأولى عن التسليمة الثانية ، إذ لو تقدم لم يكن قد سلم عليه فلا ردّ ح ل . وعبارة اج استشكل هذا فإن الرد إنما يكون بعد السلام والإمام إنما ينوي السلام على من على يساره بالثانية ، فكيف يردّ عليه قبل أن يسلم ؟ وأجيب بأن هذا مبني على أن المأموم إنما يسلم الأولى بعد فراغ الإمام من التسليمتين وهو الأصح في شرح المهذب والتحقيق اه .
قوله : ( ويسن للمأموم الخ ) ولو سلم الثانية على اعتقاد أنه أتى بالأولى وتبين خلافه لم(2/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
تحسب وسلم التسليمتين كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعاً للبغوي في فتاويه . فإن قلت : صرحوا بأنه إذا جلس للاستراحة بنيتها وتبين أنه لم يجلس بين السجدتين فإن تلك الجلسة تقوم مقام الجلوس ، وهذه سنة نابت مناب الفرض فهلاّ كان هنا كذلك ؟ قلت : يفرق بينهما بأن نية الصلاة شاملة لجلسة الاستراحة ولا كذلك التسليمة الثانية لأنها من توابعها لا من نفسها ، ولهذا لو أحدث بينهما لم تبطل صلاته ، ومثل التسليمة الثانية ما لو نسي سجدة من صلاته ثم سجد لتلاوة أو سهو أنها لا تقوم مقام تلك السجدة للعلة المذكورة اه .
قوله : ( إلا بعد فراغ الإمام من تسليمتيه ) ولو قارنه جاز كبقية الأركان لكنها مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة فيما قارن فيه فقط كما أفتى به الوالد . وقال إنه الأقرب اه شرح م ر . ومراده المقارنة في السلام والأفعال . والحاصل أن المقارنة إما حرام ومبطلة وهي المقارنة في التحرم ، وإما مكروهة وهي المقارنة في الأفعال والسلام ، وإما سنة وهي المقارنة في التأمين ، وإما واجبة وذلك في قراءة الفاتحة حيث علم أنه لا يتمكن من قراءتها بعد قراءة الإمام ، وإما مباحة وهي فيما عدا ذلك اه م د على التحرير .
تتمة : يسن الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام بما شاء من ديني أو دنيوي كاللهم ارزقني رزقاً حسناً . بل نقل عن النص كراهة تركه ، ولو دعا بمحظور بطلت صلاته . والسنة أن لا يزيد فيه على قدر التشهد والصلاة على النبيّ إذا كان إمام غير محصورين أو محصورين لم يرضوا بالتطويل ، بل يكره حينئذ . والمعتمد أن الأفضل كون الدعاء أقل منهما ، أما المنفرد فله أن يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو ، والمراد بقدر ما ذكر ما يأتي به منهما أي التشهد والصلاة ، فإن أطالهما أطال الدعاء وإن خففهما خففه لأنه تبع لهما ، وأما التشهد الأول فلا يسن بعده الدعاء بل يكره لبنائه على التخفيف ، ومحل ذلك في الإمام والمنفرد . أما المسبوق إذا أدرك ركعتين من الرباعية فإنه يتشهد مع الإمام تشهده الأخير وهو أوّل للمأموم فيتمه تبعاً لإمامه فلا يكره الدعاء له بل يستحب ، والأشبه في الموافق أنه لو كان الإمام يطيل التشهد الأول إما لثقل لسانه أو غيره وأتمه المأموم سريعاً أنه لا يكره الدعاء أيضاً بل يستحب إلى أن يقوم إمامه اه . ومأثور الدعاء هنا أفضل ومنه : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ) وقوله : وما أخرت أي إذا وقع تغفره لأن طلب غفران الذنب قبل وقوعه محال ، وتمتنع الترجمة عن الدعاء والذكر الواردين في محل للقادر على العربية فإن ترجم والحالة ما ذكر بطلت صلاته . وخرج بالوارد الدعاء المخترع والذكر المخترع فإنه لا يترجم عنهما مطلقاً . قال في متن الروض : وشرحه تبطل بدعاء مخترع بالعجمية ومثله الذكر كما ذكره الرافعي اه . ونقل عن ذلك م ر وزاد على البطلان الحرمة على الفاعل اه .(2/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
فصل : فيما تطلب فيه المخالفة بين الذكر والأنثى في الصلاة
قوله : ( فيما يختلف فيه ) أي من حيث الهيئة والصفة قوله : ( والمرأة الخ ) إنما سميت امرأة لأنها خلقت من مرء وهو آدم قوله : ( تخالف الرجل ) أسند المخالفة إلى المرأة مع تحقق مخالفة كل للآخر لأن الرجل هو الأصل لشرفه اه سم قوله : ( وفي بعض النسخ أربعة ) أي بجعل التجافي شيئاً واحداً سواء كان للجنبين أو للبطن قوله : ( يجافي الخ ) أفهم اقتصار المصنف على قوله يجافي الخ أن سنّ تفرقة الركبتين والقدمين في الصلاة عام في الرجل والمرأة وهو كذلك ع ش وق ل قوله : ( أي يخرج ) الأولى أن يقول : أي يبعد كما يدل عليه عبارة المختار ، ويمكن أن المراد بقوله يخرج يبعد من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم قوله : ( في السجود ) أي وفي الركوع قوله : ( الكسالى ) بضم الكاف قال تعالى ) وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } ) النساء 142 ) ويندب رفع الساعدين عن الأرض في السجود ولو امرأة وخنثى إلا لنحو طول السجود اه ق ل على الجلال قوله : ( كتنبيه إمامه الخ ) مثل بثلاثة أمثلة إشارة إلى أن ما نابه في الصلاة ، إما مندوب كالمثال الأول أو مباح كالإذن في الدخول ، أو واجب كإنذار الأعمى اه اج قوله : ( وإذنه لداخل ) فيه أن التسبيح لا يفهم منه الإذن في الدخول إلا أن يراد بقوله : سبح أي تلفظ بشيء يحصل به تنبيه سواء كان تسبيحاً أو غيره نحو ) ادخلوها بسلام } ) الحجر : 46 . ق : 34 ) وك ) يا يحيى خذ الكتاب } ) مريم : 12 ) للإذن في أخذ المتاع لكن ينافيه قول الشارح أي قال : سبحان الله فالأولى تفسيره بما يدل على المقصود .(2/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
قوله : ( ويعتبر في التسبيح ) خرج التصفيق ، فلا يضر قصد الإعلام به مرحومي قوله : ( وإلا ) بأن قصد الإعلام أو أطلق قوله : ( وإن كان صغيراً ) ولو غير مميز بدليل قوله : ويتصور الخ قوله : ( ويتصور ) أي أن عورته ما بين السرة والركبة في الطواف بأن طاف به وليه بعد إحرامه عنه في الحج فإنه يجب على الولي أن يستر من غير المميز ما بين السرة والركبة وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ، أي فائدة في بيان عورة غير المميز مع أنه لا تعبد عليه حتى يجب سترها وعبارة م ر : وتظهر فائدة ذلك في غير المميز في الطواف اه وهي أولى قوله : ( في غير المميز ) هذا دخيل هنا لأن الكلام في العورة في الصلاة بدليل أول الباب إلا أن يقال الطواف كالصلاة قوله : ( إلى عورته ) أي الأحد وقوله : والعورة من لفظ الحديث وهو محل الاستدلال وبه يتم المقصود ، وإن كان سياق الحديث في العورة التي يحرم نظرها لا في عورة الصلاة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قوله : ( مميزة ) قياس ما سبق أن يقول : غير مميزة ويقول ويتصور ذلك في الطواف قوله : ( ومثلها الخنثى ) أي والذكر العاري ولو في خلوة فيضم بعضه إلى بعض قوله : ( تضم بعضها إلى بعض ) لما في تفريجها من التشبه بالرجال ، ويظهر أن الأفضل للعراة الضم وعدم التفريق بين القدمين في القيام والسجود وإن كان خالياً ، ومقتضى كلامهم فيما تقدم في القيام وجوب الضم على سلس نحو البول إذا استمسك حدثه بالضم ، وإن بحث الأذرعي أنه الأفضل من تركه اه شرح شيخنا اه خ ض قوله : ( تلصق ) بضم الفوقية .(2/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
قوله : ( بحضرة الرجال ) أي جنسهم ولو واحداً بحيث لا يسمعها من يحضرها منهم وإلا كره اج .
قوله : ( صفقت ) ولو كثر وتوالى عند الحاجة فلا تبطل به الصلاة على المعتمد لأن الفعل فيه خفيف ، فأشبه تحريك الأصابع في سبحة والحك للجرب إن اشتد . وبه يفرق بينه وبين دفع المارّ في الصلاة فإنه يبطل الصلاة إن بلغ ثلاثاً متوالية كما قرره شيخنا . قال م ر : ويحرم التصفيق خارج الصلاة بقصد اللعب وإلا كره برماوي . ونقل عن حج الكراهة مطلقاً وعن غيره الحرمة مطلقاً ، ومحل الحرمة إن لم يكن لحاجة وإلا جاز كالتصفيق في مجلس الذكر كما أفاده شيخنا ، والتصفيق مطلوب في حق المرأة وإن صلت خالية عن الرجال الأجانب على المعتمد خلافاً لمن قال إن المطلوب في حقها حينئذ التسبيح .
قوله : ( بضرب بطن كف الخ ) سواء كانت اليمين على الشمال أو عكسه ففيه أربع صور . وقوله : أو ضرب ظهر كف فيه صورتان باعتبار اليمين على الشمال أو عكسه اه . وقد أفتى والد شيخنا ببطلان صلاة من أقام لشخص أصبعه لاعباً معه عالماً بالتحريم اه ح ل قوله : ( مع مخالفتهما السنة ) أي الكاملة قوله : ( والمراد بيان التفرقة الخ ) أي فالمعنى يسن التفرقة بين الرجل وغيره في التنبيه بالتسبيح والتصفيق ح ف . فهو جواب عن سؤال . حاصله أنك جعلت التسبيح سنة للرجل والتصفيق سنة للمرأة ، فظاهره أن التنبيه سنة مطلقاً أن إنذار الأعمى ونحوه واجب . ويجاب أنه ليس المراد بيان حكم التنبيه بل بيان حكم التفرقة بينهما ، أي يسن أن يكون تنبيه الرجل بالتسبيح وتنبيهها بالتصفيق وبعد ذلك التنبيه الواقع منهما نفسه تارة يندب أو يحب أو يباح قوله : ( وإلا ) أي وإلا يكن المراد بيان التفرقة بل بيان حكم التنبيه ، فلا يصح لأن إنذار الأعمى واجب فحذف جواب الشرط وأقيم دليله مقامه .(2/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
قوله : ( بجامع أن رأس كل منهما الخ ) إنما ذكر الرأس لأنها متفق على أنها ليست بعورة بخلاف نحو الصدر من الأمة ، لأن أبا حنيفة يرى أن عورة الأمة في الصلاة كعورة الحرة وتزيد عليها بالرأس فتكون عورتها في الصلاة ما عدا وجهها وكفيها ورأسها قوله : ( رقا ) لاحاجة إليه كما مرّ لأن الخنثى الرقيق لا تختلف عورته بالذكورة والأنوثة قوله : ( وهذا الحمل ) هل يقيد هذا الحمل بما إذا لم يتضح بالأنوثة أو لا . محل نظر والظاهر تقييده بذلك وإلا فتبطل مطلقاً اه م د قوله : ( وإن كان بعيداً ) وجه البعد أن فرض المسألة أنه دخل مقتصراً على ستر ما بين السرة والركبة ، فلا يتأتى الحمل حينئذ وتقدم أن هذا الحمل ضعيف بل المعتمد البطلان مطلقاً واعتمده الزيادي .
فصل : فيما يبطل الصلاة
فرضاً أو نفلاً أو جنازة ، وكذا سجدة تلاوة وشكر ، ولما كان ما قبله مشتملاً على التصفيق وهو بقصد اللعب مبطل ذكر هذا عقبه للمناسبة المذكورة قوله : ( والذي يبطل الصلاة ) أي إن طرأ بعد انعقادها فإن قارنها منع انعقادها ، فمراد المتن بالمبطل ما يشمل منع الانعقاد لكن ينافيه قول الشارح المنعقدة فالأولى حمل كلامه على الطارىء قوله : ( أحد عشر ) أي كل(2/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
واحد منها قوله : ( أي النطق ) ولو من نحو يد أو رجل أو جلد إن كان نطق ذلك العضو اختيارياً وإلا فلا يضر لأنه صار كمن له لسانان . وينبني عليه بقية الأحكام كتعليق طلاق وغيره . وتنجيز وعتق وبيع وشراء اه . ومعلوم أنه إنما يسمى نطقاً إذا سمعه معتدل السمع ، فإن لم يسمع أصلاً أو سمعه حديد السمع دون معتدله فلا ضرر . وخرج بالنطق الصوت الغلف أي الخالي عن الحروف كأن نهق نهيق الحمار ولم يظهر منه حرف مفهم ولا حرفان فلا تبطل به الصلاة ، وخرجت الإشارة ولو من الأخرس للتفهيم سم مع زيادة قوله : ( بحرفين ) ولو من حديث قدسي ، وهذا أعني قوله بحرفين متعلق بنطق ولكن فيه أنه علق به قوله فيما تقدم بكلام فيلزم عليه تعلق حرفي جر بعامل واحد ، إلا أن يقال إن الثاني بدل من الأول قوله : ( لقوله الخ ) أول الحديث عن معاوية بن الحكم السلمي قال : بينا أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت له : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقال النبي : ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ ) الخ اه عبد البر .
قوله : ( من كلام الناس ) أي ما من شأنه أن يكون من كلامهم ، فلا يرد أنها تبطل بحرفين من الحديث القدسي أو التوراة أو الإنجيل مع أنها ليست من كلام الناس لكن شأنها أن تكون من كلامهم لأنها غير معجزة للبشر قوله : ( أو حرف ) عطف على حرفين قوله : ( مفهم ) خرج الحرف الغير المفهم فلا تبطل به والمراد بالمفهم أي عند المتكلم كما قاله الشوبري قوله : ( نحو قِ ) هو فعل أمر مبني على حذف الياء حذفت فاؤه ولامه لأنه من وقى يقي فقِ عين الكلمة وحذف هاء السكت منه خطأ صناعة اه ق ل قال ابن مالك :
وقف بها السكت على الفعل المعلّ
بحذف آخر كأعط من سأل
فتسميته حرفاً بحسب الصورة .
قوله : ( من الوقاية ) أي بأن لاحظ أنها من الوقاية أو أطلق ، ويوجه الإطلاق بأن القاف المفردة وضعت للطلب ، والألفاظ الموضوعة إذا أطلقت حملت على معانيها ولا تحمل على غيرها إلا بقرينة ، والقاف من القلق ونحوه جزء كلمة لا معنى لها . فإذا نواها عمل بنيته كما قاله ع ش وقرره شيخنا ح ف ، واعتمد الشوبري الضرر في صورة الإطلاق قوله : ( وكذا مدة )(2/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
لو قدم هذا على الحرف لكان أنسب ق ل لأنه من الحرفين قوله : ( والمدّ الخ ) هذا في معنى التعليل أي لأن المدّ الخ .
فائدة : تحريم الكلام في الصلاة من خصائص هذه الأمة ، وليس من الشرائع القديمة كما دل على ذلك صحيح الأخبار ، فتحريمها فيها عارض لما روي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال كنا نتكلم في الصلاة فنزل قوله تعالى ) وقوموا لله قانتين } ) البقرة : 238 ) أي ساكتين كما في مسلم ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام لما ورد أنه قال لمعاوية بن الحكم السلمي وقد شمت عاطساً في الصلاة ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا الَّذِي يَصْلُحُ فِيْهَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ ) أخرجه مسلم اه من شرح الحصني .
قوله : ( ويستثني من ذلك ) أي من النطق بحرفين إجابة النبيّ أي بشرط الموافقة إن طلبه بالقول أجابه بالقول ، وإن طلبه بالفعل أجابه بالفعل ، فإن خالف بطلت قوله : ( في حياته ) ليس بقيد وكذا النداء ، بل المدار على ظهور الطلب بالقول أو الفعل وإجابة بقية الأنبياء كعيسى ومثلهم الملائكة واجبة لكنها مبطلة على المعتمد كما يأتي ، فلو ناداه نبينا ونبي آخر وجبت الإجابة وبطلت الصلاة تغليباً للمانع قوله : ( كنذر ) المعتمد أنه لا يستثنى إلا نذر التبرر الناجز كلله على كذا بخلاف نذر اللجاج وهو ما تعلق به حثّ أو منع أو تحقيق خبر . والمعلق كأن شفى الله مريضي فلله عليَّ كذا ، فإن صلاته تبطل كما تبطل بقية القرب كالعتق وغيره لأن نذر التبرر مناجاة لله كالدعاء بخلاف غيره اه م د قوله : ( ولو كان الناطق ) هو تعميم في الكلام الذي تبطل به ق ل قوله : ( في الاختيار ) الصواب حذفه لأنه لا فرق في ذلك بين الاختيار والإكراه كما مرّ في كلام الشارح قوله : ( بقليل كلام ) من إضافة الصفة للموصوف ، أي كلام قليل وهو ست كلمات عرفية فأقل ق ل . فمفهوم العمد فيه تفصيل فإنه في الكثير يضر مطلقاً قوله : ( أو جهل تحريمه ) أي وما أتي به يؤخذ من ذلك بالأولى صحة صلاة نحو المبلغ والفاتح بقصد الإعلام والفتح الجاهلين بامتناع ذلك وإن علمنا امتناع جنس الكلام سم على حج . وزاد في شرحه على المتن ، بل ينبغي صحتها حينئذ وإن لم يقرب عهده بالإسلام ولا نشأ بعيداً عن العلماء لمزيد خفاء ذلك لأنه من الدقائق .
تنبيه : أعذار الجاهل من باب التخفيف لا من حيث جهله وإلا لكان الجهل خيراً من العلم إذا كان يحط عن العبد أعباء التكليف أي ثقله ويريح قلبه عن ضروب التعنيف ولا حجة للعبد(2/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكن ) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ) النساء : 165 ) قاله الشافعي شرح العباب اه خ ض .
قوله : ( وإن علم تحريم جنس الكلام ) مشكل بأن الجنس لا تحقق له إلا في ضمن أفراده . ويمكن أن يجاب بأنه يجوز أن يعتقد أن بعض أفراد الكلام لا يحرم لكونه يتعلق بالصلاة كأن أراد إمامه أن يقوم فقال له : اقعد أي فليس المراد بالجنس حقيقته ، بل المراد أنه يعلم حرمة الكلام في الصلاة ولا يلزم من ذلك أن يعلم حرمة ما أتي به ع ش . وأجاب بعضهم بأنه على حذف مضافين أي وإن علم تحريم بعض أفراد الجنس قوله : ( أو بعد عن العلماء ) ويظهر ضبط البعد بما لا يجد مؤنة يجب عليه بذلها في الحج توصله إليه اه حج . والمراد بالعلماء هنا العالمون بهذا الحكم المجهول وإن لم يكونوا علماء عرفاً اه شوبري قوله : ( والتنحنح ) أي لغير غلبة ولا لتعذر ركن قولي ق ل . والتنحنح مبتدأ خبره الآتي في قوله إن ظهر بواحد حرفان .
قوله : ( ولو من خوف الآخرة ) الأولى تأخيره عن الأنين والتأوّه لأنه راجع إليهما أيضاً كما ذكره ابن حجر في شرح العباب حيث قال بعد ذكرها : ولو كان كل من الثلاثة من خوف الآخرة خلافاً لمالك وأبي حنيفة وبعض أصحابنا ، فالغاية للرد على القول بعدم البطلان في الكل إذا كانت من خوف الآخرة قوله : ( حرفان ) أي أو حرف مفهم الخ قوله : ( لم تبطل صلاة واحد منهما ) لأن ما وقع منهما من الكلام قليل عرفاً بعذر فإن سلام الإمام الأول وقع نسياناً ، وكلامه بعد سلامه الثاني بعد فراغ الصلاة ، وسلام المأموم أي مع الإمام وكلامه أي قوله قد سلمت قبل هذا لظنه فراغ الصلاة بسلام الإمام الأول ، وقوله لأنه تكلم بعد انقطاع القدوة أي بسلام الإمام الثاني فلم يتحمل عنه الإمام مقتضى السجود وهو السهو ، ومثل ذلك في عدم البطلان ما لو ظن بطلان صلاته بكلامه ناسياً ثم تكلم يسيراً عامداً اه اج .
قوله : ( ويسلم ) أي ثانياً قوله : ( فكالجاهل ) أي المتقدم في قوله أو جهل تحريمه الخ أي فلا تبطل صلاته قوله : ( أما الكثير من ذلك ) وهو ما زاد على ستّ كلمات عرفية أخذاً من حديث ذي اليدين حيث قال أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ مع قوله : بعض ذلك قد كان بجعل أم(2/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
نسيت كلمة واحدة عرفاً وكذا قد كان ، ومنه أيضاً ما صدر من النبيّ فإنه قال : ( كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ) والتفت للصحابة عند قول ذي اليدين : بعض ذلك قد كان ، فقال : ( أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ ؟ ) فقالوا : نعم ومجموع ذلك ست كلمات عرفية لكن سيأتي في كلام الشارح في باب سجود السهو أنه يقول : والمعتبر في الطول والقصر العرف ، وقيل يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبيّ في قصة ذي اليدين فهذا يقتضي أن بينهما تفاوتاً وقد علمت رجوع الأول للثاني . واعترض بأن ذا اليدين لم يكن ناسياً . وأجيب بأنه في حكم الناسي قوله : ( فإنه لا يعذر فيه ) أي بجهل ولا نسيان فتبطل به مطلقاً .
قوله : ( والفرق الخ ) لا يخفى أن هذا الفرق إنما ذكروه بين عدم بطلان الصوم بكثير الأكل سهواً وبطلان الصلاة به ، وأين بطلانها بكثير الكلام من عدم بطلان الصوم بكثير الأكل مع اختلاف المبطل ، وأما اشتراكهما في مطلق الكثرة فلا يكفي في الجامع قوله : ( لا يبطل بالأكل الكثير ) أي ناسياً قوله : ( ويعذر في اليسير ) هذا محترز قيد مقدر تقديره محل البطلان بالتنحنح ونحوه فيما تقدم إذا ظهر حرفان الخ ما لم يكن للغلبة ، فإن كان للغلبة فيغتفر اليسير ولو ظهر حرفان فأكثر قوله : ( وإن ظهر الخ ) أي لأن المراد هنا ذات التنحنح ونحوه بقطع النظر عن الحروف فيه ق ل قوله : ( ويعذر في التنحنح ) دون غيره مما مرّ لتعذر ركن قولي أو بعضه وإن كثر وكثرت حروفه ق ل وم ر .
قوله : ( كأن ظهر منه حرفان ) الصواب أن يقول : وظهر منه حرفان لأن المراد هنا ذات التنحنح ونحوه بقطع النظر عن الحروف ، فإذا كثر لا تبطل إلا إذا ظهر منه حرفان فأكثر كما يؤخذ من م ر وفي نسخة : أما إذا كثر التنحنح ونحوه مع ظهور حرفين فأكثر وهي أظهر خلافاً للمحلي . وحاصل تقرير المسألة كما يؤخذ من شرح م ر وغيره أنه يعذر في التنحنح اليسير ونحوه للغلبة وإن ظهر حرفان ، ويعذر في التنحنح فقط لتعذر ركن قوليّ وإن كثر التنحنح والحروف ولا يعذر في تنحنح ونحوه لغلبة إن كثر التنحنح ونحوه ، وكثرة الحروف هكذا يجب أن يفهم ، وأيدّ ذلك بعض مشايخنا بقوله سمعت ذلك من ح ل أ ج .(2/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
قوله : ( منه ) أي المصلي وقوله من ذلك أي من التنحنح قوله : ( ملازماً له ) بأن لم يبق له زمن خال عن ذلك أصلاً . أما إذا كان له ذلك وجب عليه التأخير إليه قبل خروج الوقت فإن صلى في غيره فكغيره فيفصل فيه إن ظهر حرف أو حرفان ضرّ وإلا فلا اه قوله : ( لأنه سنة ) والمتجه كما في المهمات أنه إذا توقف العلم بانتقالات الإمام على الجهر بالتكبيرات وتوقف على تنحنح ونحوه لم يضر شرح البهجة ، وقيده الشوبري بما إذا كانت الجماعة شرطاً كما في الركعة الأولى في الجمعة وكما في المعادة وعبارة اج : يؤخذ منه أنه لو دعت ضرورة إليه كتكبير الانتقالات في الركعة الأولى من صلاة الجمعة والمعادة مطلقاً والمنذورة جماعة ونحو ذلك لتوقف صحة الصلاة على ذلك وهو كذلك اه . قلت : الوجوب بالنسبة لغير المنذور فعلها في جماعة ظاهر ، وأما بالنسبة لها فللخروج من الحرمة إذ الصحة لا تتوقف على الجماعة ، مثلاً إذا نذر صلاة الظهر في جماعة وجبت الجماعة ، فإن صلاها منفرداً صحت وأجزأته لكن مع إثمه بترك الجماعة التي نذرها اه بحروفه .
قوله : ( فروع ) هي ثلاثة عشر فرعاً قوله : ( لو جهل بطلانها الخ ) لعله في قليل التنحنح ق ل قوله : ( فمعذور ) لأنه لا يلزم من بطلانها بالكلام بطلانها بالتنحنح لأنه دونه
قوله : ( ولو علم تحريم الكلام ) أي علم أن كل كلام محرم حتى ما أتي به وبهذا فارق ما سيذكره قوله : ( ولو جهل تحريم ما أتي به الخ ) هذه تقدمت وتقدم تقييدها بمن قرب عهده الخ ، وأنها فيما إذا كان ما أتي به قليلاً عرفاً ، وإلا بطلت وإنما أعادها لأجل سندها لصاحبها قوله : ( وكذا لو سلم ناسياً الخ ) أي لو سلم ناسياً فظن بطلان صلاته به فتكلم يسيراً عمداً لم تبطل صلاته ، والذي رجحه النووي في مثل هذه في الصوم بطلان الصوم فليراجع لأنه كان(2/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
يجب عليه الإمساك ، وقد يفرق بأنه اغتفر جنس الكلام في الصلاة ق ل . وقوله في مثل هذه أي إذا أكل ناسياً فظن بطلان الصوم ثم أكل عمداً يسيراً وقوله : بأنه اغتفر جنس الكلام أي عمداً كالحرف الغير المفهم فلا يرد أن جنس الأكل اغتفر أيضاً في الصوم لكن نسياناً قوله : ( وقد تدل كما قال السبكي قرينة الخ ) أي بأن كان شأنه التقصير وفعل المبطلات كثيراً فقوله : على خلاف ذلك أي عدم عذره .
قوله : ( حتى يركع الخ ) ولا يتابعه لأنه إما متعمد أن عليه إعادة الفاتحة فصلاته باطلة ، أو ناس فيكون مخطئاً فلا يوافقه على كل حالة وهذه طريقة في المسألة . وهناك طريقة ثانية تقول : لا يفارقه بل ينتظره إلى الركعة الثانية لعله يعيد القراءة على الصواب فيتابعه ، وكذا ينتظره إلى الثالثة إن لم يعدها على الصواب في الثانية ، وهكذا حتى يفرغ من صلاته فيكمل المأموم صلاته منفرداً ويغتفر له هذا التخلف لأن فعل الإمام غير معتبر لأن ما بعد المتروك لغو .
قوله : ( بنظم القرآن ) زاد لفظ نظم لصحة التفصيل بعده ق ل وخرج بنظم القرآن ما لو أتي بكلمات منه متوالية مفرداتها فيه دون نظمها كقوله : يا إبراهيم سلام كن فإن صلاته تبطل شرح المنهج قال أ ج : ما لم يقصد بكل قراءة بمفرده فلا تبطل وإن أتي بها مجموعة اه م د . ولو قال : ) الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ) البقرة : 82 ) ) أولئك أصحاب النار } ) البقرة : 39 257 ) بطلت إن تعمد وإلا فلا ويسجد للسهو وهو المعتمد . فلو قال ذلك متعمداً معتقداً كفر كما في فتاوى القفال ، وكذا يكفر أيضاً فيما لو وقف على ملك سليمان وما ثم سكت زيادة على سكتة التنفس والعي ثم ابتدأ بما بعدها .
قوله : ( وإلا بطلت ) أي إن قصد التفهيم أو أطلق ، فإن شك هل قصد بذلك تفهيماً ، أو قراءة أو أطلق فلا تبطل لأنا تحققنا الانعقاد وشككنا في المبطل والأصل عدمه ، فالصور خمسة فالصحة في ثلاثة قصد القراءة فقط أو مع التفهيم بشرط مقارنتها لجميع اللفظ إذ عرّوه عن بعضه يصير اللفظ أجنبياً منافياً للصلاة والشك والبطلان في صورتين التفهيم فقط . والإطلاق ،(2/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
وتأتي هذه الصور في الفتح على الإمام وفي الجهر بتكبير الانتقال من الإمام والمبلغ قوله : ( والدعاء ) عبارة المنهج ودعاء غير محرّم ، وأما الدعاء المحرم كقوله : اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم فتبطل قوله : ( إلا أن يخاطب به ) أي بما ذكر من الذكر والدعاء . وعبارة شرح المنهج : إلا أن يخاطب بهما والمراد إلا أن يخاطب غير الله ورسوله أخذاً مما بعده قوله : ( كالسلام عليك في التشهد ) وكذا في غيره لأنه دعاء له بشرط أن يتضمن ذلك ثناء عليه ، بخلاف نحو صدقت يا رسول الله فتبطل به .
فرع : لو قال : صدق الله العظيم عند قراءة شيء من القرآن قال م ر : ينبغي أن لا تضر وكذا لو قال آمنت بالله عند قراءة ما يناسبه اه سم .
قوله : ( والمتجه كما قاله الأسنوي الخ ) الأولى أن يقدم هذا عند قوله ويستثني قوله : ( بالفعل ) أي وإن انحرف عن القبلة .
قوله : ( إن لم يقصد الخ ) بأن أطلق أو قصد غير التلاوة والدعاء بأن قصد الإخبار بأنه يعبد الله ويستعين به قوله : ( في غير ركن قصير ) وأما في ركن قصير عمداً فتبطل لا سهواً أو تبعاً لإمامه أي فيما طلب فيه التطويل ولو في الجملة ، ومنه اعتدال الركعة الأخيرة من سائر الصلوات عند ابن حجر ، وعند شيخنا م ر ، يجوز تطويل الاعتدال من آخر كل صلاة لنازلة وأما بلا سبب فلا يجوز اه ق ل .
قوله : ( لأن ذلك لا يحرم ) بابه ضرب قوله : ( والعمل الكثير ) أي يقيناً فلو شكّ في كثرته فلا بطلان . وحاصله أن العمل مبطل بشروط أربعة الكثير يقيناً المتوالي الثقيل الذي لم تدع إليه حاجة ، أما إذا دعت إليه حاجة كصلاة شدة الخوف والمتنفل على الراحلة إذا احتاج إلى تحوّل يده أو رجله فإنه لا يضر وإن كثر كما في شرح المنهاج للشارح .(2/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
قوله : ( الذي ليس من جنس الصلاة ) أما ما هو من جنسها كزيادة ركوع أو سجود فإن تعمد وعلم التحريم بطلت وإلا فلا اه اج .
قوله : ( كخلع الخف ) وكذا إلقاء نحو قملة فلا يضر من حيث الصلاة ، أما من حيث إلقاؤها في المسجد فحرام وإن كانت حية ، ولا يحرم إلقاؤها خارجه شرح م ر . وخالف ابن حجر فقال بالحل في إلقائها حية في المسجد تبعاً لفتاوى النووي ولظاهر كلام الجواهر اه اج قوله : ( الخفيف ) صفة للبس لا للثوب قوله : ( المتوسطتان ) ليس بقيد ، فلو اتسعتا لم يضر حيث لا وثبة خلافاً لقول الإمام لا أنكر البطلان بخطوتين واسعتين جداً فإنهما يوازيان الثلاث عرفاً قوله : ( إن توالت ) ضابط التوالي أن يكون بين الفعلين أقل من ركعة بأخف ممكن أخذاً من حديث أمامة التي كان يضعها النبيّ على ظهره في الصلاة ، نقله الشوبري عن التهذيب وقيل ضابطه العرف قوله : ( كخطوة الخ ) فنقل الرجل وعودها يعد نقلتين بخلاف اليد ، فإن ذهابها وعودها يعد مرة واحدة حيث كان على الولاء وإلا فكل مرة فيما يظهر زي من حج لأن اليد يبتلى بتحريكها كثيراً بخلاف الرجل لأن عادتها السكون سم وقرره شيخنا ح ف قوله : ( العمراني ) بكسر العين وسكون الميم نسبة إلى العمرانية قرية بناحية الموصل اه لب .
قوله : ( هي المرة الخ ) وهي نقل رجل واحدة إلى أي جهة كانت ، حتى لو رفع رجله لجهة العلو ثم لجهة السفل عدّ ذلك خطوتين ، وظاهره وإن كان ذلك على التوالي فإن نقلت الأخرى عدت ثانية سواء أساوى بها الأولى أم قدمها عليها أم أخرها عنها ، وكتحريكه ثلاث أعضاء على التوالي كرأسه ويديه ح ل . والمعتمد أن النقل لجهة العلو ثم لجهة السفل خطوة واحدة كما صرح به ع ش على م ر . وقرره شيخنا ح ف . وقول الحلبي سواء أساوى الخ أي لأن العبرة بتعدد الفعل وبذلك صرح م ر . وخالف ابن حجر في المساواة . وقوله : هي المرة الواحدة وهي المرادة هنا . وقوله : وبالضم الخ أي وهي المراد في صلاة المسافر .
قوله : ( فينقدح فيه ) أي يتضح . ويحسن قوله ثلاثة أوجه قيل لا يضر وقيل يضر ، وقيل(2/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
يوقف إلى بيان الحال ، والمعتمد الأول قوله : ( بالوثبة ) وكذا بالضربة الفاحشة وكذا بتحريك كل بدنه ولو من غير نقل قدميه .
قوله : ( الفاحشة ) لا حاجة إليه لأن الوثبة لا تكون إلا فاحشة إلا أن يقال : إن الفاحشة كالصفة الكاشفة للإشارة إلى أن كل ما فحش كتحريك جميع بدنه حكمه حكم الوثبة شوبري وعبارة المنهج وترك فعل فحش اه . وسئل م ر رحمه الله تعالى عما لو حمل شخص المصلي ومشى به ثلاث خطوات متواليات هل تبطل صلاته بذلك أم لا ؟ .
فأجاب بما نصه : الحمد لله الخطوات لا تنسب للمحمول لكن إن فعل شيئاً من أركانها حالة كونه محمولاً لا يحسب له حيث لا يمكنه إتمامه حينئذ والله أعلم عبد البر .
فرع : فعل مبطلاً كوثبة فاحشة قبل تمام تكبيرة الإحرام ينبغي البطلان بناء على الأصح أنه بتمام التكبيرة يتبين أنه دخل فيها من أول التكبير وفاقاً لم ر خلافاً لما رأيته في فتوى عن خطه ، ويلزمه أنه يجوز كشف العورة في أثنائها وأن يصاحب النجاسة وإلا فما الفرق اه سم اج .
قوله : ( بلا حركة كفه ) أي ثلاث مرات ، فإن حركها بلا عذر ثلاث مرات ضرّ ، فإن كان لعذر كأن كان به جرب لا يقدر معه على عدم الحك أو كان مبتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير فإنه لا يضر اج . والأولى في حقه التحرز عن الأفعال الخفيفة وقد يستحب الفعل القليل كقتل نحو عقرب أو استياك ويكره لغير ذلك ، وهذا أي عدم الضرر في الحك للجرب إن لم يعلم من حاله أنه يعتريه تارة ويغيب عنه أخرى وإلا فيجب عليه انتظار زواله ما لم يخرج الوقت كما قالوه في السعال اه ع ش اه مدابغي على التحرير قوله : ( أو عقد أو حل ) أي عقد خيط أو حل عقده اج قوله : ( وسهو الفعل المبطل كعمده ) فتبطل بالكثير مطلقاً ولا تبطل بالقليل مطلقاً إلا إذا قصد به اللعب قوله : ( فإن أحدث الخ ) أي وإن كان سلساً بالنسبة لغير حدثه الدائم اه اج .
قوله : ( بالإجماع ) متعلق ببطلان طهارته لا ببطلان صلاته لأن أبا حنيفة يقول بصحتها إذا سبقه الحدث فيتطهر ويبني ، وكذا القول القديم عندنا كما تقدم .(2/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
قوله : ( وهو المعتمد ) لأنها صلاة شرعية يبطلها ما يبطل غيرها قوله : ( والتعليل ) أي بقولهم لبطلان طهارته اه م د .
قوله : ( فلا يضر ) لكن يحرم عليه الإتيان بالتسليمة الثانية كما مرّ قوله : ( ليوهم الخ ) أي لسلامة الناس من الخوض فيه فيأثموا قوله : ( رعف ) بفتح الراء والعين هذا هو الأفصح ، فيكون مضارعه من باب نصر وباب سأل ، وأما بضم العين في الماضي فلغة ضعيفة اه صحاح .
قوله : ( في الحال ) لعل ضابطه أن لا يزيد على أقل طمأنينة الصلاة قوله : ( بقلع ثوب ) ومنه ما لو كانت رطبة فغسلها كأن وقع عليه أثر بول فصب عليه الماء فوراً بحيث طهر المحل حالاً أو غمس فوراً محله كيده أو رجله في ماء كثير عنده سم قوله : ( فكذلك ) أي تبطل لأنه حامل للعود الذي نحاها به فصار حاملاً لمتصل بنجس اه ق ل قوله : ( لو تنجس الخ ) هذا تقدم قوله : ( ولم يجد ماء ) أي مباحاً يغسله به ، وهذا يمنع معارضة الإسنوي الآتية ويمنع قول الشارح فيها وهذا هو الظاهر لأن المعارضة لا تتم إلا إذا وجد ماء يغسله به لكنه يباع فلعل المسألة مصوّرة بذلك وإلا كانا مسألتين مختلفتين لا تعارض بينهما مدابغي قوله : ( إن لم تنقص قيمته ) بأن كان النقص(2/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
مساوياً لما ذكر أو أقل قوله : ( من ذلك ) أي من أجرة ثوب يصلي فيه ومن ثمن الماء الخ ومن بيان للأمرين بجعل ثمن الماء مع أجرة غسله شيئاً واحداً ، ثم نأخذ أكثر هذين الأمرين ونقابل بينه وبين نقص قيمة الثوب بعد قطعه قوله : ( وقيد الشيخان ) ضعيف وعليه لو لم يستر العورة وجب عليه الصلاة عارياً ولزمته الإعادة لندرة فقد ما يطهر به الثوب م د .
قوله : ( وهذا ) أي المذكور من الملاقاة وقوله ينافيه أي التعظيم قوله : ( ملقى ) أي مشدوداً كما عبر به في شرح الروض لأنه إذا كان ملقى من غير شدّ لا يضر ، وفي معنى الشدّ وهو الربط اللصق كما قرره شيخنا ، وأما مجرد الإلقاء على الساجور من غير مماسة للنجاسة فلا يضر قوله : ( على ساجور ) أي قلادة وهي ما يوضع في عنقه قوله : ( في سفينة ) أي بمحل طاهر من سفينة فيها نجاسة لأنه متصل بمتصل بنجس قوله : ( صغيرة ) المعتمد البطلان في الصغيرة دون الكبيرة قال في المهمات : وصورتها كما في الكفاية أن تكون في البحر ، فإن كانت في البر لم تبطل قولاً واحداً وظاهر أنه إذا أمكن جر الصغيرة في البر بطلت صلاته كما لو كانت في البحر اه زي .
قوله : ( ولا فرق في السفينة الخ ) معتمد وما ذكره الشارح من الفروع وتقدم أكثرها في باب شروط الصلاة اج قوله : ( ولو وصل ) أي المكلف المختار العالم العامد ولو غير معصوم(2/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
خلافاً لابن حجر زي . وقوله : ولو غير معصوم أي لأنه معصوم على نفسه كما تقدم في التيمم قوله : ( لفقد الطاهر ) أي في محل يجب طلب الماء منه وقت الوصل ق ل . وهو حدّ القرب ولا عبرة بوجوده بعده كما لا عبرة بوجود عظم الآدمي ولو حربياً لأنه ممنوع من الوصل به مطلقاً وإن وجد غيره لاحترامه اه ق ل على الجلال . وقال بعضهم : إذا لم يوجد صالح غير الآدمي جاز الوصل به . وقوله : فإن مات مقابل لمحذوف تقديره ولم يمت قال سم على حج : يغسل ويصلى عليه قوله : ( ولسقوط التكليف عنه ) يرد على هذه العلة ما لو كان ببدنه نجاسة ومات . شوبري : فإنها تجب إزالتها مع سقوط التكليف عنه . وأجيب بأن العلة مجموع الأمرين .
قوله : ( الوشم ) بالشين المعجمة والمهملة وله حكم الوصل اه ق ل . قوله : ( فتجب إزالته ) وفي مدّة الوجوب لا تصح صلاته ولا إمامته وينجس به ما مسه ما لم يكس جلداً في الجميع ق ل قوله : ( وتصح صلاته ) أي فيما إذا لم تلزمه إزالته قوله : ( انكشاف العورة ) عبر بالانكشاف للإشارة إلى أنه لا يشترط في بطلان الصلاة بكشف العورة فعل ، فمثال عدم الفعل كشف الريح ومثال الفعل ما لو كشفها هو أو غيره بناء على أن الريح ليس قيداً . وحاصل مسألة الكشف أنه متى كشف عورته عمداً بطلت ولو سترها في الحال ، وأما إذا كان ناسياً أنه في(2/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
الصلاة أو كشفها غيره فإن سترها حالاً لم تبطل وإلا بطلت ، وهذا على أن الريح ليس قيداً ، والمعتمد أن الريح قيد فيضر جميع ذلك ولو سترها حالاً فيضر الآدمي ولو غير مميز وكذا حيوان آخر كما قرره شيخنا ح ف ، ولو تكرر كشف الريح وتوالى بحيث احتاج في الستر إلى حركات كثيرة متوالية فالمتجه البطلان بذلك قوله : ( في الحال ) أي قبل مضي أقل طمأنينة الصلاة .
قوله : ( تغيير النية ) أي المنوي كأن نوى فرضاً ثم نوى جعله فرضاً آخر أو نفلاً أو تردد في أنه يغير أو لا قوله : ( ولو عقب النية ) هذا تقدم قوله : ( ولو قلب الخ ) هذا مستثنى من تغيير النية كما علمت . والحاصل أن قلب الفرض نفلاً مطلقاً مندوب بخمسة شروط : الأول أن يكون الإمام ممن لا يكره الاقتداء به لنحو بدعة . الثاني : أن يتحقق إتمامها في الوقت لو استأنفها وإلا حرم القلب في هذين . الثالث : أن تكون الصلاة ثلاثية أو رباعية . الرابع : أن لا يقوم للركعة الثالثة أي لا يشرع فيها وإلا لم يندب القلب في هذين وإن جاز . الخامس : أن تكون الجماعة مطلوبة في تلك الصلاة ، فلو كان يصلي فائتة لم يجز قلبها نفلاً ليصليها في جماعة حاضرة أو فائتة غيرها ، فلو كانت الجماعة في تلك الفائتة بعينها جاز ولم يندب وهذا كله إذا لم يجب قضاء الفائتة فوراً وإلا حرم قلبها ولو خشي في فائتة فوت الحاضرة وجب قلبها نفلاً كما في شرح سم . فعلم أن القلب تارة يسن وتارة يجب وتارة يحرم وتارة يجوز ملخصاً من اج وغيره . وفي سم على المتن ما ظاهره أنه يسن قلب الصبح نفلاً مطلقاً ليسلم من ركعة اه قوله : ( من ركعتين ) أو ركعة لأن للمتنفل الاقتصار عليها ، ففي الصبح يقلبها أي جوازاً نفلاً ويسلم من ركعة بعد تشهده كما قاله سم قوله : ( أو لم تشرع الجماعة ) هو محترز قوله السابق ليدرك جماعة مشروعة ولعل المراد بالمشروعة المطلوبة وإلا فالاقتداء في الفائتة بالحاضرة صحيح جائز لكنه ليس بمندوب ، فلذلك لم يجز القطع لتحصيل الجماعة فيها .(2/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
قوله : ( أو التحول ) فالاستدبار ليس بقيد .
قوله : ( ببعض صدره ) أي إن تعمد أو طال الفصل ، وعليه فلو انحرف قهراً عليه ولم يطل الفصل لم يضر ، ونقل ذلك عن ح ل وقال سم : حكم القبلة كانكشاف العورة من غير فرق اه اج . والمعتمد أنه يضر . وعبارة م د على التحرير : فلو انحرف المصلي عن القبلة ناسياً وعاد عن قرب فلا يضر بخلاف ما لو أحرفه غيره قهراً وعاد عن قرب . فإنها تبطل لندوره كما في حاشية الزيادي . قلت : من ذلك ما يقع كثيراً أن ينفذ شخص بين مصليين فيحرفهما أو أحدهما أو يمرّ بجنب مصلّ فيحرفه ، فإن الصلاة تبطل وإن لم يطل الزمن لأن هذا من الإكراه النادر في الصلاة اه أ ج . ونقل عن ح ل أنها لا تبطل وهو ضعيف كما قرره شيخنا اه بحروفه قوله : ( فقد تقدم في موضعه ) أي في صلاة النافلة سفراً وفي صلاة شدّة الخوف اج .
قوله : ( الأكل ) أي تناوله قوله : ( ولو قليلاً ) أي فالمراد المفطر مطلقاً أو الكثير ولو سهواً أو جهلاً ق ل قوله : ( إلا أن يكون ) مستثنى من القليل قوله : ( لعدم منافاته للصلاة ) ويعذر أيضاً فيما لو جرى ريقه بباقي طعام بين أسنانه وعجز عن تمييزه ومجه كما في الصوم ، أو نزلت نخامة ولم يمكنه إمساكها اه شرح م ر .
قوله : ( لا يصلح فرقاً الخ ) أي لأن الجاهل بتحريم الأكل الكثير في الصلاة لا يعلل بطلان صلاته بأن للصلاة هيئة مذكرة لأنه عالم بكونه في صلاة قوله : ( والفرق الصالح لذلك ) أي للجهل والنسيان قوله : ( فإنه كف ) أي فلا يؤثر فيه الفعل الكثير قوله : ( فبلع ) بكسر اللام وحكي فتحها ، أي مع عمده وعلمه بتحريمه أو تقصير في التعلم اه اج قوله : ( لا بمضغ ) الأولى أن يقول : لا إن مضغها أو يحذف ذلك لأن الفرض أنه بلع ، ومتى وجد البلع بطلت صلاته اه قوله : ( أما المضغ ) مقابل لقوله الأكل ولو قليلاً .(2/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
قوله : ( إذ القاعدة أن كل ما أبطل الصوم أبطل الصلاة ) دخل فيه ما لو استقاء أو وصل مفطر جوفه كباطن أذن وإن قلّ ، وشمل ذلك وصوله من الرأس كأن خرق دماغه ومن باطن إحليل .
قوله : ( القهقهة ) هي رفع الصوت في الضحك قوله : ( حرفان ) أو حرف مفهم كما هو ظاهر . نعم إن غلبه لم يضر إن قلت الحروف عرفاً وكالضحك فيما تقرر البكاء ونحوه سم .
قوله : ( الردة ) هل ولو من صبي فليحرر شوبري . قلت : المنقول عن والد الروياني البطلان لمنافاتها الصلاة وإن لم تكن منه ردة حقيقة اه أج قوله : ( تطويل الركن القصير ) ومقدار المبطل أن يأتي بالاعتدال بقدر قراءة الفاتحة زيادة على قدر ذكره المشروع فيه في تلك الصلاة بالنسبة لحال المصلي والجلوس بين السجدتين بالتشهد أي بأقله زيادة على قدر ذكره المشروع فيه كذلك اه زي قوله : ( لأنهما غير مقصودين ) فيه أنه وقع في كلام الشيخين أنهما مقصودان . وأجيب بأنه حيث قيل إنهما مقصودان أريد أنه لا بد من قصدهما في جملة الصلاة ووجود صورتهما ، وحيث قيل إنهما غير مقصودين أريد أنهما غير مقصودين لذاتهما بل للفصل اه من الروض قوله : ( وهو ) أي كونهما غير مقصودين
قوله : ( وتخلف المأموم عن إمامه بركنين ) أما المعذور وهو الموافق إذا تخلف لإتمام الفاتحة فإنه يغتفر له ثلاثة أركان طويلة قوله : ( نخامة ) هي الفضلة الغليظة يلفظها الشخص من فيه ،(2/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
ويقال لها أيضاً نخاعة بالعين شرح الروض . قوله : ( نزلت من رأسه ) ليس بقيد ولذا قال ق ل : أو طلعت من جوفه إذا وصلت كل منهما إلى حد الظاهر وهو مخرج الحاء المهملة عند النووي ، أو الخاء المعجمة عند الرافعي .
قوله : ( يكره الالتفات ) لخبر عائشة سألت رسول الله عن الالتفات في الصلاة ؟ فقال : ( هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ ) رواه البخاري . وقوله اختلاس أي سبب اختلاس أي اختطاف يختطفه الشيطان من ثواب صلاة العبد ، وورد ( لاَ يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلاً عَلَى العَبْدِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ أَعْرَضَ عَنْهُ ) والمراد بقوله يكره الالتفات أي ما لم يقصد اللعب وإلا حرم وبطلت صلاته ، وكذا لو حوّل صدره عن القبلة كما في البرماوي قوله : ( يمنة أو يسرة ) بفتح الياء في الموضعين قوله : ( إلا لحاجة ) أما إذا كان لحاجة كحفظ متاع فلا يكره قوله : ( ويكره رفع بصره إلى السماء ) لخبر ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ ليَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ) شرح المنهج . ويسن في الدعاء عقب الوضوء ويجوز في الدعاء فيما عدا ذلك عند الأكثرين ويكره عند بعضهم . فأحوال الرفع ثلاثة : الكراهة قطعاً في الصلاة والسنة قطعاً في الدعاء عقب الوضوء والإباحة في غيرهما عند الأكثرين ، وهناك قول بالكراهة فتكون الأحوال أربعة :
قوله : ( وكف شعره ) أي منعه من السجود معه إما بيده أو بجعله تحت عمامته كما يأتي وذلك لخبر ( أُمِرْتُ أَنْ لاَ أَكْفِتَ الشَّعْرَ أَوْ الثِّيَابَ ) والكفت بمثناة الجمع قال تعالى ) ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } ) المرسلات 25 ) أي جامعة لهم ، وأكفت بكسر الفاء إذ بابه ضرب اه اج . والظاهر أن ذلك جار في صلاة الجنازة أي والطواف والاعتكاف وإن اقتضى تعليلهم خلافه ، وينبغي كما قال الزركشي تخصيصه في الشعر بالرجل أما المرأة ففي الأمر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئتها المنافية للتجمل ، وبذلك صرح في الإحياء وينبغي إلحاق الخنثى بها اه م ر . إطفيحي . وعبارة ق ل على الجلال : نعم يجب كف شعر امرأة وخنثى توقفت صحة الصلاة عليه ، ولا يكره بقاؤها مكفوفاً . وقوله أو ثوبه أي ملبوسه ولو نحو شد على كتفه . قال ابن حجر : وكثير من جهلة الفقهاء يفرشون ما على أكتافهم ويصلون عليه لأنه ترك الزينة المطلوبة منه في الصلاة لقوله تعالى ) خذوا زينتكم عند كل مسجد } ) الأعراف : 31 ) أي صلاة ولعله ما لم يكن عذر أو حاجة كدفع غبار أو حر أو برد وفي رواية ( وَلاَ أَكُف شَعْراً ) .
قوله : ( وشعره معقوص الخ ) ويسن لمن رآه كذلك ولو مصلياً آخر أن يحله حيث لا(2/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
فتنة . نعم لو بادر شخص وحلّ كمه المشمر وكان فيه مال وتلف كان ضامناً له كما أفتى به الوالد اه م ر قوله : ( ومنه شدّ الوسط ) أي من كف الثوب المكروه وقوله : شدّ الوسط أي فيكره إلا لحاجة بأن كانت ترى عورته بدون الحزام وعبارة اج قوله : ومنه شدّ الوسط ظاهره ولو على الجلد وفيه نظر . قلت : إلا لحاجة ومنها شدّ السراويل فإن الشدّ حينئذ مندوب لأنه وسيلة للبس السراويل ، والوسائل تعطي حكم المقاصد . ومنها ما لو كان معه ثوب يحتاجه لفرض صلاة ولا يستمسك الثوب إلا بشده ، فيجب الشدّ حينئذ فللشدّ ثلاثة أحوال اه اج .
قوله : ( وغرز العذبة ) أي طرف عمامته أي غرزها في عمامته مكروه ، بل يسنّ إرخاؤها وغرزها وإن كان مكروهاً في الصلاة وخارجها لكنه في الصلاة أشدّ كراهة كما قرره شيخنا العشماوي لأنه قال ( إِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ العَمَامَةَ الصَّمَّاءَ ) قوله : ( تثاءب ) هو بالهمز بعد الألف ولا يقرأ بالواو فيقال تثاوب قوله : ( فلا كراهة ) أي في وضع يده ، بل يستحب له وضع يده على فيه ، وتسنّ اليسرى ولعل وجهه أنه لما كان الغرض منع الشيطان ناسب أن تكون بها لاستقذاره . نعم الأوجه حصول السنة بغيرها أيضاً ولا فرق في حصول السنة بين وضع ظهر اليسرى أو بطنها قال ع ش على م ر : أي ولا نظر إلى كون اليد لها هيئة مطلوبة في الصلاة كوضعها تحت صدره في القيام وعلى الركبة في الجلوس بين السجدتين والتشهد لأن هذا زمنه قليل فاغتفر اه .
قوله : ( ويكره القيام على رجل واحدة ) أي من غير حاجة لمنافاته الخشوع فإن كان به عذر كوجع الأخرى لم يكره اج قوله : ( والصلاة حاقناً ) والعبرة في كراهة ذلك بوجوده عند التحرم ، ويلحق به فيما يظهر ما لو عرض له قبل التحرم ثم زال وعلم من عادته أنه يعود له في أثنائها شرح م ر .
قوله : ( والثالث بالريح ) الأنسب بالخف لأن ما يتعلق بالريح يقال له حافز بالحاء والزاي لا حازق . ثم رأيت في بعض النسخ حافز وهي تناسب التفسير الذي ذكره اه اج . وعبارة شرح م ر : وتكره الصلاة حاقناً بالنون أي بالبول ، أو حاقباً بالباء الموحدة أي بالغائط بأن يدافع ذلك ، أو حازقاً بالزاي والقاف أي مدافعاً للريح ، بل السنة تفريغ نفسه من ذلك لأنه يخل بالخشوع وإن خاف فوت الجماعة حيث كان الوقت متسعاً ، ولا يجوز له الخروج من الفرض بطروّ ذلك له فيه إلا إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه يبيح التيمم فله حينئذ الخروج منها وتأخيره عن الوقت اه .(2/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
قوله : ( بحضرة ) بتثليث الحاء المهملة أ ج قوله : ( يتوق إليه ) أي يشتاق إليه وإن لم يشتدّ جوعه ولا عطشه فيما يظهر أخذاً مما ذكروه في الفاكهة ، ونقل عن بعض أهل العصر وهو الشيخ سلطان التقييد بالشديدين فاحذره . وعبارة م د قوله : يتوق أي يشتاق أي يشتدّ شوقها إليه ، وخرج به الشوق وهو ميل النفس إلى الأطعمة اللذيذة فلا عبرة به اه . قال الشيخ عميرة : وهو شامل لمن ليس به جوع أو عطش وهو كذلك ، فإن كثيراً من الفواكه والمشارب اللذيذة قد تتوق النفس إليها من غير جوع ولا عطش ، بل لو لم يحضر ذلك وحصل التوقان كان الأمر كذلك اه ع ش على م ر . وعبارة أ ج قوله : وتوقان النفس في غيبة الطعام بمنزلة حضوره إن رجى حضوره عن قرب ، ولا تزول الكراهة إلا بأكل حاجته بتمامها وهو الأقرب ولكن محله حيث اتسع الوقت اه شرح م ر اه قوله : ( يبصق ) بالصاد والزاي والسين قوله : ( قبل وجهه ) لخبر الشيخين ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ يَبَزْقَنَّ بَيَنْ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِيِنهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ ) وهذا في غير المسجد أما فيه فيحرم لخبر الشيخين ( البِّصَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيَئَةٌ وَكَفَارَتُهَا دَفْنَها ) بل يبصق في طرف ثوبه من جانبه الأيسر شرح المنهج . وقوله : قبل وجهه لكن حيث كان من ليس في صلاة مستقبلاً للقبلة كما في شرح م ر . أما إذا لم يكن مستقبلاً فلا يكره قبل وجهه ، وعبارة البرماوي ويكره البصاق خارج الصلاة أمامه مطلقاً ولجهة القبلة وجهة يمينه أيضاً . وقوله : أو عن يمينه أي إذا كان في غير مسجده ، أما فيه فيبصق عن يمينه ويكره عن يساره لأن القبر الشريف يكون كذلك ، بل إذا قصد الإهانة يحرم ويخشى عليه الكفر ، وإنما كره البصاق عن اليمين إكراماً للملك ولم يراع ملك اليسار لأن الصلاة أمّ الحسنات البدنية ، فإذا دخل فيها تنحى عنه ملك اليسار إلى فراغه منها إلى محل لا يصيبه فيه من ذلك شيء ، فالبصاق حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان كما في شرح م ر . وقوله : إكراماً للملك قال الرشيدي : إنما يظهر بالنسبة للمصلي على أن في هذه الحكمة وقفة إن لم تكن عن توقيف وعبارة حج : ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار إظهاراً لشرف الأول اه . وقوله : أما فيه فيحرم أي إن أصاب البصاق شيئاً من أجزائه ، أما البصاق على حصره فلا يحرم من حيث البصاق في المسجد أي وإن حرم من حيث إن فيه تقدير حق الغير وهو المالك إن وضعها في المسجد لمن يصلي عليها من غير وقف ، ومن ينتفع بالصلاة عليها إن كانت موقوفة للصلاة كما في شرح م ر . ومحل الحرمة حيث بقي حرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة ، وحيث أصاب جزءاً من أجزائه دون هوائه ، وسواء أكان الفاعل داخله أم خارجه لأن الملحظ التقذير وهو منتف في ذلك كالفصد في إناء أو قمامة به ، وإن لم يكن ثم حاجة وما زعمه بعضهم من حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئاً من أجزائه وأن الفصد مقيد(2/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
بالحاجة إليه فيه مردود كما نص عليه م ر . وقوله : وكفارتها دفنها أي في نحو تراب ، وأما المبلط فإن أمكن دلكها فيه بحيث لا يبقى لها أثر ألبتة كان كدفنها وإلا فلا لأنه زيادة في التقذير . ومحل كون دفنها بنحو تراب كافياً إذا لم تبق ولم يتأذّ بها من في المسجد ، بنحو إصابة أثوابهم وأبدانهم ، وإلا لم يكف فهي أي الكفارة دافعة للإثم وقاطعة لدوامه إن تقدم البصاق على الدفن ، فإن كان عقبه كما لو حفر تراباً وبصق فيه ثم ردّ التراب على بصاقه كان دافعاً لإثمه كما في ح ل . وحاصله أن الدفن قاطع للإثم في الابتداء والدوام إن هيأ لها موضعاً قبل بصقها ثم دفنها فيه ، وفي الدوام دون الابتداء إن بصقها قبل التهيئة ثم دفنها اه . وقوله : في طرف ثوبه أي ولو كان فيه دم براغيث ويكون هذا من الاختلاط بالأجنبي لحاجة اه .
قوله : ( ويكره للمصلي الخ ) المصلي ليس قيداً بل خارجها كذلك لأنه فعل الكفار بالنسبة للصلاة ، وفعل المتكبرين خارجها ، وفعل المخنثين والنساء للعجب ، ولأن إبليس أهبط من الجنة كذلك قوله : ( وضع يده على خاصرته ) لما أخرجه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة ( الاخْتِصَارُ فِي الصَّلاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ ) يعني اليهود لأن ذلك عادتهم في العبادة وهم أهلها ، فنحن نكره ذلك لأنه فعل الكفار والمشركين وراحة أهل النار والشيطان وليس المراد أن لأهل جهنم راحة لقوله تعالى : ) لا يخفف عنهم العذاب } ) البقرة : 162 ، آل عمران : 88 ) ذكره الزمخشري لأن الراحة المثبتة لهم تحصل لهم في الدنيا في حال حياتهم قبل دخول جهنم . وقال القاضي : إن أهل النار إذا تبعوا من القيام في الموقف يستريحون من القيام بالاختصار اه مناوي على الخصائص قوله : ( والمبالغة في خفض الرأس ) لو أسقط المبالغة لكان أولى لأن المدار على خفض الرأس عن الظهر في الركوع أقله وأكمله اه ق ل . وعبارة أ ج . والمبالغة في خفض الرأس عن الظهر في ركوعه وكذا خفضه عن أكمل الركوع ، وإن لم يبالغ كما دلّ عليه كلام الشافعي والأصحاب اه قوله : ( وفي الحمام ) أي غير الجديد وهو الذي لم تكشف فيه العوارت ق ل لأنه لا يصير مأوى الشياطين إلا بكشف العورات فيه ، ويفرق بينه وبين الخلاء الجديد بأن الخلاء يصير مستقذراً ومأوى للشياطين بمجرد اتخاذه ، والحمام لا يصير مأوى للشياطين إلا بكشف العورة فيه ، فيؤخذ من العلة تقييده بغير الجديد كما تقدم بخلاف الصلاة على سطحه فلا تكره ، ومثله سطح الحش كما قاله الزيادي . وتندب إعادة الصلاة الواقعة في الحمام ولو منفرداً للخروج من خلاف الإمام أحمد ، وكذا كل صلاة اختلف في صحتها يستحب إعادتها على وجه يخرج به من الخلاف ولو منفرداً وخارج الوقت اه م ر . ومحل الكراهة في الكل ما لم يعارضها خشية خروج الوقت ، وإنما لم يقتض النهي عنها الفساد عندنا بخلاف كراهة الزمان لأن تعلق الصلاة بالأوقات أشد لأن(2/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
الشارح جعل لها أوقاتاً مخصوصة لا تصح في غيرها ، فكان الخلاف فيها أشد بخلاف الأمكنة تصح الصلاة في كلها ، ولو كان المحل مغصوباً لأن النهي فيه كالحرير لأمر خارج منفك عن العبادة فلا يقتضي فسادها كما في شرح م ر قوله : ( ولو في مسلخه ) موضع الحوائج ، وسمي مسلخاً لأنه موضع سلخ الحوائج أي نزعها شبه بسلخ الجلد عن الشاة مثلاً ومثل الحمام كل محل معصية كالصاغة ومحل المكس وإن لم تكن المعصية موجودة حين صلاته لأن ما هو كذلك مأوى للشياطين كما قاله ع ش قوله : ( دون البرية ) المعتمد أنه لا فرق بين البنيان والبرية إذ الحكم معلل بعلتين ، إحداهما : اشتغال القلب بمرور الناس فيه . والثانية : غلبة النجاسة . وكل منهما علة مستقلة فيبقي الحكم ما بقيت علته اه أ ج وقال الرشيدي : التحقيق أن مدار الكراهة على كثرة مرور الناس ومدار عدمها على عدم كثرة مرورهم من غير نظر إلى خصوص البنيان والصحراء اه . وفي حاشية الزيادي ومثله في ذلك المطاف لشغله بمرور الناس أي الصلاة فيه اه .
قوله : ( وفي المزبلة ونحوها ) المزبلة محل الزبل وهي بفتح الباء وضمها والمراد بنحوها كل نجاسة متيقنة ، ومحل ذلك إذا بسط عليها حائل وكانت محققة وإن كان الغالب النجاسة ، وبسط الحائل فلا كراهة لضعف ذلك بالحائل اه شرح م ر اه أ ج .
قوله : ( وفي الكنيسة ) بفتح الكاف أي ولو جديدة فيما يظهر ، ويفرق بينها وبين الحمام الجديد بغلظ أمرها بكونها معدّة للعبادة الفاسدة فأشبهت الخلاء الجديد . بل أولى . كما صرح به ع ش على م ر . ومحل جواز دخولها لذلك إن دخلها بإذنهم وإلا حرمت صلاته فيها لأن لهم منعنا من دخولها إن كانوا يقرون عليها وإلا جاز دخولها بغير إذنهم لأنها واجبة الإزالة كما في كنائس مصر وقراها كما قاله حج . قوله : ( وهي معبد النصارى ) وهذا العرف الطارىء وإلا فالأصل عكس ما ذكره فيهما ق ل . وفي شرح م ر الكنيسة متعبد اليهود والبيعة متعبد النصارى اه .
قوله : ( عطن الإبل ) بفتح أوليه المهملتين وهو محل اجتماعها بخلاف مثل ذلك في غيرها كالبقر والغنم ، والكلام حيث لم يوجد منها نفار مشوش بالفعل ولم يكن بمحلها نجاسة وإلا فلا فرق في الكراهة بين الإبل وغيرها أي ولو طاهراً وهو المحل الذي تنحى إليه إذا شربت ليشرب غيرها ، فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى والعطن ليس قيداً بل مأواها ليلاً ، ومقيلها ومباركها بل وسائر مواضعها كذلك لكن الكراهة في العطن أشد من مأواها إذ نفارها في العطن أكثر . نعم لا كراهة في عطنها الطاهر حال غيبتها عنه ، وخرج بعطن الإبل مرابض الغنم أي مراقدها فلا تكره فيه لخبر ( صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ وَلاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبْلِ فَإِنَّهَا(2/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ ) والفرق أن الإبل من شأنها أن يشتد نفارها ولا كذلك الغنم والبقر كالغنم وكذا البغال والحمير ، والكلام إذا لم يوجد من المذكورات نفار بالفعل مشوّش وإلا فالحاصل الكراهة اه . والكلام فيما إذا خلا محل الحيوان عن النجاسة ، أما إذا كان محلها نجساً فلا فرق بين الإبل وغيرها لكن الكراهة في الإبل معللة بعلتين وهما نفارها وغلبة النجاسة وفي غيرها بعلة واحدة اه أ ج .
قوله : ( وفي المقبرة ) بتثليث الباء ، ولا فرق في ذلك بين المقبرة القديمة والجديدة بأن دفن بها أول ميت بل لو دفن ميت بمسجد كان كذلك لخبر ( لاَ تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ ) وعلته محاذاته للنجاسة سواء ما تحته أو أمامه أو بجانبه . وتنتفي الكراهة عند انتفاء المحاذاة وإن كان فيها أي المقبرة لبعد الموتى عنه عرفاً ، ويستثنى مقابر الأنبياء فلا تكره الصلاة فيها لأنهم أحياء في قبورهم يصلون ويلحق بهم مقابر شهيد المعركة لأنهم أحياء ، فليس يحصل لبدنهم صديد ولا شيء من النجاسة أبداً فالعلة المتقدمة منتفية عن الفريقين اه أ ج باختصار . واعترض جواز الصلاة في مقبرة الأنبياء بأنه يؤدي إلى اتخاذها مسجداً وقد نهي عنها بقوله عليه الصلاة والسلام ( لَعَنَ الّلهُ اليَهُودَ وَ النَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) . وأجيب عنه بأن المنهي عنه قصد استقبالها لتبرك أو نحوه . ولا يلزم من الصلاة إليها استقبالها ولا اتخاذها مسجداً كما في شرح م ر بزيادة . وقوله : وفي المقبرة الخ أي وفرض الكلام إذا لم يصلّ فوق القبر ، وأما إذا صلى فوق القبر فهو مكروه لأمرين محاذاة النجاسة والوقوف على القبر ، والظاهر كراهة الصلاة على قبور الأنبياء فإنهم أفضل من الكعبة التي تكره الصلاة فوقها . وقوله : يصلون المتبادر أنهم يصلون بركوع وسجود كما يفعل في الدنيا ولا مانع من ذلك لأن أمور الآخرة لا يقاس عليها ومثلهم الشهداء كما في البرماوي قوله : ( ويكره استقبال القبر ) أي في غير الأنبياء وإلا فيحرم .
قوله : ( الشيعة ) طائفة مسلمون خوارج بالغوا في حب سيدنا علي وقالوا إنه أفضل من أبي بكر وعمر ، وأنه أحق بالخلافة منهما وأنهما تعديا عليه في أخذها وليس كذلك قبحهم الله قوله : ( إلا عند مالك ) وهذا القول غير مشهور عند المالكية ، فلعل الإمام رجع عنه أو أن علماء المالكية لم تنقله لشدة ضعفه .(2/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
قوله : ( ويسن أن يصلي ) أي الشخص فرضاً أو نفلاً ولو صلاة جنازة ، وينبغي أن يعدّ النعش ساتراً إن قرب منه فإن بعد عنه اعتبر لحرمة المرور أمامه بسترة بالشروط ، وينبغي أيضاً أن في معنى الصلاة سجدة التلاوة والشكر ومرتبة النعش بعد العصا كما في ع ش على م ر . ولو أزيلت سترته حرم على من علم بها المرور كما بحثه الأذرعي لعدم تقصيره ، وقياسه أن من استتر بسترة يراها مقلده ولا يراها مقلد المارّ تحريم المرور . ولو قيل باعتبار اعتقاد المصلي في جواز الدفع وفي تحريم المرور باعتقاد المارّ لم يبعد وكذا إن لم يعلم مذهب المصلي ، ولو صلى بلا سترة فوضعها غيره ولو بغير إذنه على المعتمد اعتدّ بها ، ولو كان الواضع غير عاقل أو نقلها الريح إليه أو نحو دابة ، ولو استتر بسترة في مكان مغصوب لم يحرم المرور بينه وبينها ولم يكره . ولينظر الستر بسترة مغصوبة في المكان الغير المغصوب والذي في التحفة التسوية بينهما في عدم حرمة المرور ، لكن نقل سم في حواشي المنهج حرمة المرور في السترة المغصوبة وطلب الفرق فلينظر . ولعل الفرق أن المكان المغصوب ينهي عن وضع السترة من أصلها فيه بخلاف وضعها في مكان مملوك ، فصار للسترة المغصوبة جهتان وللمكان المغصوب جهة واحدة . وفي ع ش على م ر : أقول والفرق بينهما أن الحق المتعلق بالمكان أقوى من الحق المتعلق بالسترة ، فإن المصلي لاحق له في المكان المغصوب حتى تكون السترة مانعة لغيره من المرور فيه ، فاعتبارها يقطع حق المالك من مكانه بخلاف السترة المغصوبة فإن الحق لمالكها إنما يتعلق بعينها ، فإمكان اعتبارها علامة على كون محلها معتبراً من حريم المصلي .
وبقي ما لو صلى في مكان مغصوب ووضع السترة في غيره وينبغي فيه جواز الدفع اعتباراً بالسترة اه قال الشوبري : ولو تعارضت السترة والقرب من الإمام أو الصف الأوّل مثلاً فما الذي يقدم ؟ كل محتمل ، وظاهر قولهم يقدم الصف الأوّل في مسجده وإن كان خارج مسجده المختص بالمضاعفة تقديم نحو الصف الأوّل اه ، والأوجه عدم الاكتفاء بالستر بالآدمي ونحوه أخذاً مما يأتي أن بعض الصفوف لا يكون سترة لصف آخر كما في شرح م ر قوله : ( كعمود ) أي فالجدار والعمود في مرتبة واحدة اه ع ش قوله : ( فإن عجز عنه ) أي عسر وإن لم يتعذر اه ز ي قوله : ( فلنحو عصا ) أي أو رمح أو نشابة أو غيرهما ، وعصا يرسم بالألف لأنه واوي قال الغزالي : أول شيء سمع من اللحن هذه عصاتي وإنما هي عصاي كما في الكتاب العزيز اه ق ل قوله : ( كمتاع ) خرج به الحيوان فلا يحصل به ستر آدمياً كان أو غيره ، ومن هذا يؤخذ أن المرور بين الصفوف جائز وهو كذلك قوله : ( بسط مصلى ) أي لا تكره الصلاة إليه كأن كان مزوّقاً قوله : ( كسجادة ) ليس المراد بالسجادة الحصير المفروشة(2/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
بالمسجد لأنها لا تكون سترة للواقف عليها اه برماوي قوله : ( خط أمامه ) فلو عدل إلى مرتبة وهو قادر على ما قبلها لم تحصل سنة الاستتار ، ويظهر أن عسر ما قبلها عليه بمنزلة عجزه عنها م ر ع ش قوله : ( طولاً ) قال م ر : ويحصل أصل لسنة بجعله عرضاً قوله : ( وطول المذكورات ) أي في جهة العلو في غير المصلى والخط وفيهما فيما بين المصلى وبين آخرهما ، والعبرة في السجادة والخط بالطرف الذي من جهة القبلة والمرور فيهما يكون فوقهما قاله أ ج قوله : ( ثلاثة أذرع فأقل ) ويحسب من رؤوس الأصابع لا من العقب على الأوجه شرح م ر ، أي في حق القائم وعلى قياسه في حق القاعد أن يكون من ركبتيه اه ح ل قوله : ( دفع مار ) وإن لم يأثم بمروره كالجاهل والساهي والغافل والصبي والمجنون خلافاً لابن حجر لأن غير المكلف يمنع من ارتكابه المنكر وإن لم يأثم ح ل . قال م ر : ويدفع بالتدريج كالصائل وإن أدّى دفعه إلى قتله ، ومحله إذا لم يأت بثلاثة أفعال متوالية وإلا بطلت . فإن قلت : هلا قيل بوجوبه لأنه إزالة منكر وهي أي الإزالة واجبة ؟ أجيب بأن محل وجوبها إذا لم يزل إلا بالنهي وهذا يزول بمجرد مروره وهو جواب نفيس فافهمه . وحيث كان كالصائل فلا يضمنه لو تلف ولو رقيقاً وضع يده عليه اه م د .
قوله : ( والمراد بالمصلي والخط أعلاهما ) أي فيقدر مضاف بالنسبة إليهما أي وبين أعلاهما وبين المصلى . وكان الأولى ذكره قبل قوله فإذا صلى إلى شيء الخ لأنه تفسير لقوله : وبينها بالنسبة للخط والسجادة وقوله أعلاهما وهو الذي من جهة القبلة ، يعني أننا نحسب الثلاثة أذرع التي بين المصلي والمصلى أو الخط من رؤوس أصابع المصلي إلى آخر السجادة مثلاً حتى لو كان فارشها تحته كفت ، لا أننا نحسبها من رؤوس أصابعه إلى أوّلها ، فلو وضعها قدامه وكان بينه وبين أوّلها ثلاثة أذرع لم يكف كما قرره شيخنا ، وقضيته أنه لو طال المصلى أو الخط وكان بين قدم المصلي وأعلاهما أكثر من ثلاثة أذرع لم تكن سترة معتبرة . ولا يقال يعتبر منها مقدار ثلاثة أذرع إلى قدمه ويجعل سترة ويلغي حكم الزائد ، وقد توقف فيه م ر ومال بالفهم إلى أنه يقال ما ذكر لكن ظاهر المنقول الأوّل سم ع ش على م ر . قال ع ش : وعلى هذا لو صلى على فروة مثلاً طولها ثلثا ذراع وكان إذا سجد سجد على ما وراءها من الأرض لا يحرم المرور بين يديه على الأرض لتقصيره بعدم تقديم الفروة المذكورة إلى موضع جبهته ، ويحرم المرور على الفروة فقط .
قوله : ( ويحرم المرور بينه وبينها ) أي حيث لم يقصر المصلي بأن وقف في قارعة الطريق والمراد أنه يحرم على العامد العالم المكلف المعتقد للحرمة المرور ، ولو ببعض بدنه كيده(2/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
ويحرم على الولي تمكين موليه غير المكلف ويلحق بالمرور جلوسه بين يديه ومدّ رجليه واضطجاعه ، فكل ما ذكر من الكبائر أخذاً من الحديث وهو ( لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيّ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خرِيفاً خَيْراً لَهُ مِنْ أَنْ يمُرَّ بَيْنَ يَديْهِ ) اه شرح المنهج . نعم قد يضطر المارّ إلى المرور كإنذار نحو مشرف على الهلاك تعين المرور طريقاً إلى إنقاذه ، وينبغي أن يكون مثله ما لو ضاق وقت الصلاة أو ضاق وقت عرفات ولم يجد محلاً يصلي فيه ولم يدرك عرفات إلا بالمرور أمامه اه أ ج قوله : ( أو شماله ) وهو أفضل لأنها لدفع الشيطان ، وهو يجيء من جهة الشمال وقال ع ش : الأولى عن يمينه لشرف اليمين قوله : ( أي لا يجعلها تلقاء وجهه ) . لقائل أن يقول : كيف ذلك مع قوله في الحديث : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ أَمَامَ وَجْهِهِ شَيْئاً ) . وأجيب بأن المراد بأمام الوجه في الحديث ما قابل الخلف .
3 ( ( فصل : فيما تشتمل عليه الصلاة ) ) 3
لو قال : فصل في كيفية الصلاة لكان أنسب إذ المشتمل والمشتمل عليه واحد لكن التغاير بينهما بالإجمال والتفصيل كاف ، والقصد من ذلك ذكر أفعال الصلاة وأقوالها ، والحثّ على معرفة الكيفية ق ل . وقال شيخنا العزيزي : أراد بالمشتمل الكل وبالمشتمل عليه الأجزاء إذ يصح أن يقال : اشتمل زيد على أجزائه ، وحينئذ فلا يقال : كيف يدعي أن الصلاة مشتملة على أجزائها مع أنها عين أجزائها ؟ وذكر المصنف هذا الفصل لزيادة الشفقة والرحمة للمبتدىء لزيادة الإيضاح وغالب هذا الفصل خلت عنه غالب الكتب المطوّلة .
قوله : ( سبعة عشر الخ ) صوابه سبع عشرة لأن المعدود مؤنث مذكور إلا أن يقال : إنه تحريف من النساخ قوله : ( فإن النهار المعتدل ) فيه نظر لأن اعتدال النهار في يومين في السنة فقط ، وأيضاً قوله : وسهر الإنسان الخ فيه نظر لأن ذلك لبعض ناس قليلين وأيضاً كلامه يقتضي أن ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس من النهار مع أنه من الليل عند علماء الفلك لأن الليل عندهم من غروب الشمس إلى طلوعها ، فهذه الحكمة غير مطردة . وعبارة ق ل قوله : فإن النهار المعتدل الصواب إسقاطه اه . ووجهه أن ذكر المعتدل يفيد اختصاص الحكمة بالنهار(2/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
المعتدل مع أن المقصود اطرادها في سائر الأيام ، فلو حذف المعتدل لتعين أن المراد بها الساعات الزمانية التي هي جزء من اثني عشر جزءاً من الليل أو النهار . وأجيب بأن الحكمة لا يلزم اطرادها اه . قال م د : أقول كلام الشارح أضبط وأولى فإنه مبني على إرادة الساعات الفلكية ، وبالنظر لها يتعين زيادة المعتدل بخلاف غيره فإنه يزيد وينقص قوله : ( إلى طلوع الفجر ) كان الوجه إسقاطه ق ل . لأنه يغني عنه قوله ومن آخره قوله : ( فجعل لكل ساعة ركعة ) لتكفير ذنوبها فتكون السبعة عشر مكفرة لما يقع في زمن اليقظة من الذنوب . قال شيخنا العزيزي : ولم يحسب زمن النوم أيضاً لأن النائم مرفوع عنه القلم حتى يستيقظ ، فلا يتصوّر منه وقوع ذنب في حالة النوم قوله : ( أربع وتسعون تكبيرة ) لأن في كل ركعة خمس تكبيرات سنة ، وتكبيرات التحرم خمس فرض ، وتكبيرات القيام من التشهد الأوّل أربع سنة ق ل . قوله : ( وفيها تسع تشهدات ) خمسة منها فرض يعقبها السلام ، وأربع سنة يعقبها القيام ق ل قوله : ( وفيها عشر تسليمات ) خمسة واجبة اه قوله : ( لأن في كل صلاة تسليمتين ) الأولى والثانية قوله : ( لأن في كل ركعة تسع تسبيحات ) هذا أدنى الكمال ، أما أكمله فثلاث وثلاثون تسبيحة في كل ركعة فتضرب الثلاثة والثلاثون في السبعة عشر تبلغ خمسمائة وأحداً وستين اه . وقس على ذلك صلاة يوم الجمعة وصلاة المسافر لمن قصر اه أ ج قوله : ( وفي الرباعية ) أي الثلاثة إذ في كل واحدة منها ستة وثلاثون ق ل .
قوله : ( أما يوم الجمعة ) أي لمن صلاها فتصير كالصبح قوله : ( فيها خمسة عشر ركوعاً ) فيه أن المصنف لم يذكره قوله : ( فعدد ركعاته للقاصر الخ ) فتصير كل رباعية كالصبح قوله :(2/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
( فيها أحد عشر ركوعاً ) فيه أن المصنف لم يتكلم على عدد الركوعات قوله : ( على السين فيهما ) أي في التسع والتسعين قوله : ( وجملة الأركان الخ ) لأن في كل ركعة اثني عشر ركناً وفي كل تشهد آخر أربعة أركان وهي التشهد والصلاة على النبي والسلام والقعود للثلاثة ، وفي كل تحرّم ركنين : النية والتكبير والترتيب في كل صلاة اه ق ل فتضرب اثني عشر في سبعة عشر تبلغ مائتين وأربعة ، وتضيف إليها ما في التحرمات وهو عشرة من ضرب اثنين في خمسة ، وتضيف إليها ما في التش ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; هدات الأخيرة وهو عشرون من ضرب أربعة في خمسة ، وتضيف إليها خمسة أركان الترتيب تبلغ مائتين وتسعة وثلاثين ، وهذا غير مناف لما ذكره المصنف لأنه اقتصر على واحدة من الرباعيات وأسقط الترتيب وبنى على ذلك قوله مائة وستة وعشرون ركناً قوله : ( وهي الخمس ) الأولى حذفه لأنه عدّ الرباعيات الثلاث واحدة حيث عدّ أركان واحدة منها تأمل قوله : ( إذ الترتيب ) أي جنسه وهو مراد المؤلف بدليل أنه عدّه فيما يأتي ركناً في كل من الخمس ، فلو نظر إليه باعتبار كل صلاة قال بدل سبع وعشرين إحدى وثلاثين فليتأمل أ ج . وعبارة ق ل قوله : الأولى سبع هذا إن جعل الترتيب في الصلوات ركناً واحداً ، وقياس ما ذكره بعد أن يعده خمسة أركان لأنه في كل صلاة ، وكلام الشارح بعد صريح في هذا ففي كلامه الأول نظر فتأمل . وكتب أيضاً قوله : الأولى سبع الخ كان الأولى أن يقول تسع وعشرون باعتبار أنه عدّ الرباعيات الثلاث واحدة ، فيزاد لها الترتيب ويزاد الترتيب للثنائية وللثلاثية اه . وقال بعضهم : حيث اعترض الشارح على المتن وزاد الترتيب كان حقه أن يقول : تسع وعشرون لأن الصلوات ثلاثة بجعل الرباعيات الثلاثة واحدة فيها ثلاث ترتيبات زيادة على الستة والعشرين ، مع أن الشارح هنا جعل الترتيب كله ركناً واحداً وفيما يأتي يعده ركناً في كل صلاة من الثلاثة فآخر كلامه يخالف أوله .(2/268)
"""""" صفحة رقم 269 """"""
قوله : ( وهو خلاف لفظي ) لأنه على كل واحد لا بد من السجدتين ، وعبارة سم قوله خلاف لفظي فيه نظر بل هو معنوي إذ يترتب على القول بأنهما ركن واحد عدم الضرر بالتقدم أو التأخر بهما بخلاف القول بأنهما ركنان قوله : ( في الفريضة ) وإن لم تكن من الخمس كالكفاية والنذر قوله : ( للحديث السابق ) أي حديث عمران بن حصين قوله : ( على أي صفة ) متعلق بقوله جالساً لا بقوله للإجماع وقوله لإطلاق الحديث متعلق بقوله على أي كيفية شاء قوله : ( لإطلاق الحديث ) فإنه قال فيه ( فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً ) ولم يبين كيفية القعود قوله : ( إن المذهب خلافه ) وهو لا بد أن تكون المشقة شديدة ، ولا يكتفي بكونها تذهب الخشوع وظاهر ما في الروضة أنها المذهبة للخشوع وإن لم تكن شديدة ، فهما متنافيان فجمع الشارح بين القولين بما ذكره كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( وجمع بين كلامي الروضة والمجموع ) فيه نظر لأن حقيقة الجمع قول ثالث مركب من القولين ، بأن يحمل كل قول على شيء وهنا ليس كذلك . ويجاب بأن مراده أن معنى العبارتين واحد قوله : ( وافتراشه ) أي المصلي جالساً وهو مرتبط بقوله جالساً على أي صفة شاء قوله : ( ويكره الإقعاء ) هذا مكرر مع ما مرّ .(2/269)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
قوله : ( وهما أصل فخذيه ) وهو الأليان قوله : ( مستحب عند النووي ) أي في الجلوس بين السجدتين ، ومثله كل جلوس يعقبه قيام والافتراش أفضل منه ق ل على التحرير قوله : ( وهو أن يفرش رجليه ) بضم الراء من باب نصر أي أصابعهما ، فهو مجاز مرسل من إطلاق الكل على الجزء ، وفي لغة من باب ضرب اه مصباح .
قوله : ( ثم ينحني ) معطوف على قوله صلى جالساً قوله : ( وأكمله الخ ) ولو عجز عن القيام في البعض فلكل حكمه حتى لو عجز بعد فراغ الفاتحة جاز له الجلوس لقراءة السورة ، ولا يكلف قطعها إن كان شرع فيها ليركع ثم إن قدر بعد قراءتها على القيام ركع من قيام وإلا فمن جلوس اه أ ج قوله : ( لأنه ) أي ركوع القاعد . قال في شرح الروض : وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة كذا قيل ، والحق أنهما ليسا على وزانه وإن كنت مشيت عليه في غير هذا الكتاب لأن الراكع من قيام لا يحاذي موضع سجوده وإنما يحاذي ما دونه ، بدليل أنه إنما يسجد فوق ما يحاذيه ولعل مرادهم بمحاذاته ذلك محاذاته له بالنسبة إلى النظر فإنه يسن له النظر إلى موضع سجوده كما سيأتى اه مرحومي . والاعتراض أقوى اه م د قوله : ( صلى مضطجعاً ) ويجب جلوسه للركوع والسجود وإن شق عليه م د قوله : ( وأخمصاه للقبلة ) قال حج في شرحه : ويظهر أن قولهم وأخمصاه أو رجلاه للقبلة كالمحتضر لبيان الأفضل ، فلا يضر إخراجهما عنها لأنه لا يمنع اسم الاستلقاء والاستقبال حاصل بالوجه كما مرّ فلم يجب بغيره مما لم يعهد الاستقبال به . نعم إن فرض تعذره بالوجه لم يبعد إيجابه بالرجل حينئذ تحصيلاً له ببعض البدن ما أمكنه اه بحروفه . والمشهور أنه لا بد من التوجه بالأخمصين مع الوجه . وقال شيخنا : المراد بهما هنا جميع باطن القدمين لا المنخفض منهما فقط قوله : ( ولا بد من وضع نحو وسادة تحت رأسه ) فإن عجز عنه وجب استقباله بأخمصيه .(2/270)
"""""" صفحة رقم 271 """"""
قوله : ( إلا أن يكون بالكعبة ) مستثنى من قوله : ولا بد من وضع نحو وسادة قوله : ( جواز الاستلقاء ) أي من غير وسادة تحت رأسه قوله : ( كيفما توجه ) أي إلى سقفها أو إلى عرصتها .
قوله : ( ويركع ويسجد ) أي المضطجع والمستلقي بأن يقعد كل ويركع ويسجد قوله : ( فإن عجز ) أي المضطجع أو المستلقي عما ذكر أي الركوع والسجود بدليل قوله : أومأ برأسه والسجود الخ . فإن المعنى أومأ لركوعه وسجوده قوله : ( فببصره ) أي أجفانه قوله : ( فإن عجز أجرى الخ ) أشار بذلك إلى تقدير محذوفات كثيرة في كلام الماتن لأن ظاهرها أن قوله : ونوى معطوف على أومأ وهو فاسد لأن النية بالقلب معناها إجراء أفعال الصلاة على قلبه ، وحيث كان قادراً على الإيماء لا يجوز له الإجراء المذكور لأنهما مرتبتان يجب الترتيب بينهما ، فأشار الشارح إلى أن قوله ونوى معطوف على مقدر كما قدره بقوله أجرى ، وجعل هذا المقدر جواباً لشرط مقدر أيضاً في كلام الماتن بقوله : فإن عجز الخ تأمل ، وقال بعضهم : قوله ونوى بقلبه أي قبل الإجراء ، والإجراء أن يستحضر بقلبه أركان الصلاة مرتبة مع سننها وهذا هو الظاهر قوله : ( لوجود مناط التكليف ) أي متعلقه وهو العقل قوله : ( لو قدر في أثناء صلاته على القيام أو القعود ) هاتان اثنتان وقوله : أو عجز عنه أي الأحد هاتان اثنتان أيضاً . وقوله : أتى بالمقدور له راجع للأربعة وكذا قوله وبنى راجع للأربعة وأما إعادة القراءة ففي الأوليين قوله : ( على القيام ) أي وكان يصلي من قعود قوله : ( وبنى على قراءته ) أي بأن قدر في أثناء الفاتحة على ما ذكر ليغاير ما بعده قوله : ( أو القعود ) وكان يصلي من اضطجاع ، وقوله أو القعود قبل القراءة أي وكان يصلي مضطجعاً أو مستلقياً قوله : ( ولا تجزئه قراءته في نهوضه ) أي في الفرض لأن الكلام فيه مع العجز وكذا في النفل مع القدرة . فإن قلت : يرد عليه أنه لو أحرم بالنفل في نهوضه قاعداً صح . أجيب بأنه في مسألتنا ورّط نفسه بالقيام فيها بخلاف مسألة الإحرام اه م د .(2/271)
"""""" صفحة رقم 272 """"""
قوله : ( وتجب القراءة في هويّ العاجز ) أي إذا كان يصلي من قيام وعجز عن القيام في أثناء الفاتحة مثلاً فيجب عليه القراءة وهو هاوٍ للقعود قوله : ( وجب القيام بلا طمأنينة ) والظاهر أنه لو اطمأن وقرأ الفاتحة فيه لا يضر م ر . ويدل له قول الشارح بعد ذلك وإنما لم تجب الخ . وقال بعضهم : فلو اطمأنّ وأعاد الفاتحة كان أكمل ، ولو ترك القيام في هذه الحالة عامداً عالماً بطلت صلاته أو ناسياً أو جاهلاً فلا تبطل ، ويسجد للسهو ولكن لا تحسب هذه الركعة لتركه الواجب فيها . وكذا يقال في كل محل ترك فيه واجباً لزمه فيه . قوله : ( لأنه ) أي القيام غير مقصود قوله : ( وإن قدر عليه ) أي القيام ، والحال أنه يصلي من قعود قوله : ( فإن انتصب ثم ركع بطلت صلاته ) أي إن كان عامداً عالماً وإلا فلا ويسجد للسهو قوله : ( ولا يلزمه الانتقال إلى حدّ الراكعين ) تعبيره بلا يلزمه يفهم أنه يجوز له وهو كذلك إذا انتقل منحنياً بخلاف ما إذا انتقل منتصباً ليركع منه فلا يجوز لأن فيه زيادة ركوع ، وعلى هذا يحمل إطلاق الروضة الجواز والمجموع المنع لأن الواجب عليه الاعتدال ليسجد منه قوله : ( فلا يلزمه القيام ) انظر لم لم يلزمه القيام للهويّ للسجود من غير طمأنينة ؟ قال بعضهم : يلزمه ذلك والممنوع إنما هو القيام ليركع منه قوله : ( وقضية المعلل ) بفتح اللام الأولى وهو أنه لا يلزمه القيام إذ مفهومه أنه يجوز قوله : ( وقضية التعليل ) وهو أن الاعتدال ركن قصير فلا يطوّل . قوله : ( وهو أوجه ) فيه نظر إن لم يطل بل وإن طال لأن اعتدال الركعة الأخيرة لا يضر تطويله مطلقاً فراجعه ق ل . وكتب أ ج على قول الشارح : وهو أوجه معتمد وينبغي تقييد البطلان بما إذا طال به الجلوس لما يأتي أنه لا يضر جلسة يسيرة بين الاعتدال والسجود اه . حج اه ز ي . والقنوت غير مغتفر هنا لأنه في غير محله قوله : ( فإن قنت قاعداً بطلت صلاته ) أي مع العلم والعمد وإلا فلا ويسجد للسهو اه ا ج .(2/272)
"""""" صفحة رقم 273 """"""
3 ( ( فصل : في سجود السهو ) ) 3
قوله : ( في سجود السهو ) من إضافة المسبب للسبب أي سجود سببه السهو وهذا جرى على الغالب وإلا فقد يكون سببه عمداً لأنه صار حقيقة عرفية في جبر الخلل الواقع في الصلاة سهواً أو عمداً ، والمراد في أسبابه وحكمه ومحله . وأسبابه خمسة ، أحدها ترك بعض . ثانيها : سهو ما يبطل عمده فقط . ثالثها : نقل قوليّ غير مبطل . رابعها : الشك في ترك بعض معين هل فعله أم لا ؟ خامسها : إيقاع الفعل مع التردّد في زيادته . وهو من خصائص هذه الأمة ولم يعلم في أي وقت شرع ، وشرع سجود السهو لجبر الخلل تارة كأن سها بترك بعض من الأبعاض وإرغاماً للشيطان أخرى كأن ترك بعضاً من الأبعاض عمداً ، وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق أنه للأول أي جبر الخلل وإطلاق من أطلق أنه للثاني أي ارغام الشيطان كما أشار إليه م ر قوله : ( والغفلة عنه ) عطف مرادف وقال الشيخ المدابغي : عطف عام لأن الغفلة تشمل النسيان والسهو ، والأوّل هو الظاهر لأن السهو والنسيان لا يفرق بينهما في اللغة . قال في المصباح : الغفلة غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له ، وقد استعمل فيمن تركه إهمالاً وإعراضاً كما في قوله تعالى : ) وهم في غفلة معرضون } ) الأنبياء : 1 ) قوله : ( واصطلاحاً الغفلة عن شيء ) عبارة المدابغي على التحرير : وشرعاً نسيان شيء مخصوص في الصلاة أو ما هو في حكم النسيان المذكور ، فسقط بقولنا أو ما هو الخ الاعتراض على التعريف بأنه غير جامع إذ لا يشمل سهو ما يبطل عمده فقط ، كتطويل الركن القصير وكقليل كلام وأكل وزيادة ركعة سهواً ، وإنما أضيف السجود إلى السهو إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يقع الخلل في الصلاة من العاقل إلا عن سهو ، فلا يرد أنه قد يسجد للعمد فتأمل اه .
قوله : ( في الصلاة ) أي ما عدا صلاة الجنازة ، فلا يشرع فيها سجود سهو بخلاف سجود التلاوة والشكر فإنه يسجد فيهما للسهو على المعتمد ز ي . ولا مانع من جبر الشيء بأكثر منه اه ح ل . وفي الرحماني ما نصه : واعلم أن سجود السهو لا يدخل صلاة الجنازة لبنائها على التخفيف بخلاف سجود التلاوة والشكر يدخلهما سجود السهو على المعتمد بأن ترك الطمأنينة في السجود فإنه يعيده إن كان رفع ، ثم يسجد للسهو لأنه إلى الآن في محله . فإن قلت : يلزم عليه أن الشيء يجبر بأكثر منه . قلت : لا يضر فإنه عهد في ترك نحو كلمة من القنوت وإفساد صوم يوم من رمضان بجماع فإنه صوم ستين يوماً لعاجز عن العتق . وعلى هذا يلغز : فيقال لنا جابر أكثر من أصله فإن سجود التلاوة أو الشكر سجدة واحدة وسجود السهو سجدتان قوله :(2/273)
"""""" صفحة رقم 274 """"""
( من الصلاة ) أي من الأبعاض ، واحترز بقوله من الصلاة عن نحو سجدة التلاوة لأنه فيها لا منها ق ل وكذا قنوت النازلة فلا سجود لتركهما قوله : ( أو فعل منهيّ عنه ) لعله أدخل فيه نقل المطلوب القولي إلى غير محله فراجعه ق ل قوله : ( ولو بالشك ) راجع للأمرين لكن رجوعه للثاني يقيد بما إذا احتمل الفعل الزيادة كما يأتي في قوله ، وإذا شك في عدد الخ ويخرج به ما لو شك هل تكلم قليلاً ناسياً أو لا فإنه لا يسجد ، وعبارة المدابغي قوله : ولو بالشك يرجع للأمرين الترك والفعل فالأوّل كشكه هل أتى بالتشهد الأوّل مثلاً أم لا ؟ والثاني بأن فعل فعلاً يحتمل زيادته كأن رأى الإمام راكعاً فاقتدى به وركع ثم شك هل أدرك الركوع فيتم به صلاته أو لا فيأتي بركعة ، فيجب عليه أن يأتي بركعة ويسجد للسهو ندباً وهذه الركعة محتملة للزيادة المنهيّ عنها هكذا في حاشية الشيخ عبد الرحمن وهو صحيح ولا ينافيه قول المنهج وشرحه لا للشك في فعل منهي عنه وإن أبطل عمده ككلام قليل ناسياً فلا يسجد لأن الأصل عدمه اه قوله : ( ولا غيره ) ففي كلام المصنف اكتفاء قال ق ل : وفيه نظر لقيام جلوس الاستراحة مقام الجلوس بين السجدتين فراجعه ، واستثناء بعضهم من كلام الشارح قوله : ( كما لو كان المتروك الخ ) ومثله ترك الفاتحة أو التشهد كأن طال وقوفه أو قعوده ، وظن قراءة الفاتحة في الأولى والتشهد في الثانية ثم تذكر الترك وأتى بالمتروك قوله : ( عن قرب ) لاحاجة إليه إذ يجب عليه والحالة ما ذكر الإتيان به مطلقاً قال في شرح الروض : لأن غايته أنه سكوت طويل وتعمده لا يضر أ ج . فقوله : عن قرب ليس قيداً .
قوله : ( ولم يطأ نجاسة ) أو وطئها وفارقها حالاً . وفي بعض النسخ ولم تطرأ نجاسة والمناسب للمحترز الأولى ، والمراد بقوله : ولم يطأ نجاسة أي رطبة غير معفوّ عنها بأن لم يطأ نجاسة أصلاً أو وطىء نجاسة جافة وفارقها حالاً ، أو وطىء نجاسة معفوّاً عنها . ويزاد على(2/274)
"""""" صفحة رقم 275 """"""
قول الشارح ولم يطأ نجاسة ولم يتكلم كثيراً ولم يفعل مبطلاً كثلاثة أفعال متوالية قوله : ( أتى به ) أي فوراً أي إن لم يفعل مثله وإلا قام المفعول مقام المتروك ولغا ما بينهما قوله : ( وخرج من المسجد ) أي بدون أفعال كثيرة كما قرره شيخنا .
قوله : ( أو وطىء نجاسة ) أو أتى بكثير كلام أو فعل سم قوله : ( وتفارق هذه ) أي التكلم قليلاً واستدبار القبلة والخروج من المسجد .
قوله : ( باحتمالها ) أي هذه الأمور قوله : ( والمرجع في طوله ) أي الفصل قوله : ( في خبر ذي اليدين ) واسمه الخرباق بمعجمة مكسورة فراء ساكنة فموحدة فقاف ووصف بذي اليدين لطولهما حقيقة أو بالإعطاء عاش بعد وفاته زماناً كثيراً . وخبره أنه لما صلى الظهر سلم بعد ركعتين منه ثم مشى إلى جانب المسجد واستند إلى خشبة في جانبه كالغضبان فقال له ذو اليدين : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال له : ( كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ) فقال ذو اليدين : بل بعض ذلك قد كان ، فالتفت إلى الصحابة وقال : ( أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ ) ؟ قالوا : نعم فتذكر حاله فقام مستقبلاً وصلى الركعتين الباقيتين وسجد للسهو وسلم . ق ل قوله : ( وراجع ذا اليدين ) فيه أنه لم يراجعه بل ردّ عليه .
واعلم أن السهو والإغماء غير الطويل كما اعتمده البلقيني جائزان في حق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لأن الإغماء مرض من الأمراض الجائزة عليهم ، لكن ليس كإغماء غيرهم لأنه إنما يستر منهم حواسهم الظاهرة دون قلوبهم . ولذا قيد بغير الطويل لأنها إذا عصمت عن النوم فالإغماء أولى ، وما في الإحياء من نسبة النسيان إليهم عليهم الصلاة والسلام وكذا في حديث ذي اليدين ، فالمراد بالنسيان فيه السهو لأن نسبة النسيان إليهم نقص . قال في شرح المواقف . والفرق بين السهو والنسيان أن السهو زوال صورة الشيء عن المدركة مع بقائها في الحافظة ، والنسيان زوال صورة الشيء عنهما معاً فيحتاج حصولها إلى سبب جديد . والحاصل أن الحواس عشرة خمسة ظاهرة وهي السمع والبصر والذوق والشم واللمس ، وخمسة باطنة اثنان في مقدم الرأس وهما الحس المشترك المدرك للمحسوسات وخزانته الخيال ، واثنان في مؤخر الرأس وهما الواهمة والحافظة خزانتها ، والخامسة المفكرة وهي في وسط الرأس .(2/275)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
قوله : ( بعد التلبس بغيره ) في نسخ بالفرض وهي أولى ، ويشترط في الفرض أن يكون فعلياً بخلاف قطع القولي كالفاتحة للتعوّذ ودعاء الافتتاح فلا يحرم . نعم لا تبعد الكراهة انتهى . قاله أ ج : والمراد بالفرض هنا الانتصاب قائماً حقيقة أو حكماً في ترك أبعاض التشهد الأوّل أو السجود بوضع الأعضاء السبعة عند الشارح كما سيأتي ، وبعد التحامل والتنكيس وإن لم يطمئن عند شيخنا في ترك أبعاض القنوت ق ل . وقوله : أو حكماً بأن صار إلى القيام أقرب قوله : ( بعد انتصابه ) المراد به وصوله إلى محل تجزىء فيه القراءة كما في م ر بأن صار إلى القيام أقرب منه إلى أقل الركوع ق ل . قوله : ( وإن عاد له ناسياً أنه في الصلاة ) استشكل عوده للتشهد مع نسيانه للصلاة لأنه يلزم من عوده للتشهد تذكر أنه فيها . وأجيب بأن المراد يعوده للتشهد عوده لمحله وهو ممكن مع نسيان أنه فيها ، ومثله يقال في عوده للقنوت ناسياً كونه في الصلاة كما قرره شيخنا ح ف . قوله : ( في موضعه ) أفرد الضمير نظراً لاتحاد موضعهما أو أنه أعاده على كل منهما قوله : ( أو جاهلاً ) أي وإن كان مخالطاً لنا م ر . وتعليل الشارح الآتي يدل عليه أيضاً كما قرره شيخنا العشماوي ، وأفرده بالذكر عن الناسي وإن كان الحكم فيهما واحداً للخلاف فيه .
قوله : ( هذا ) أي عدم العود للبعض المسنون بعد التلبس بغيره قوله : ( وأما المأموم الخ ) هذا لا يحسن مقابلاً لما قبله ، وكان الأولى أن يقول في المقابلة : وأما المأموم إذا تركه أي البعض المسنون ناسياً فيجب عليه العود لمتابعة إمامه إن لم ينو المفارقة قوله : ( للتشهد ) أي فيما إذا تركه إمامه قوله : ( بطلت صلاته ) قال شيخنا : إن قصد المخالفة وشرع في التشهد أو(2/276)
"""""" صفحة رقم 277 """"""
طال الفصل ق ل اه مدابغي . فقوله : بطلت صلاته ما لم ينو المفارقة قوله : ( فله أن يتخلف الخ ) أي يندب له القنوت فيما ذكره ، ويجوز بلا ندب إن لحقه في الجلوس بين السجدتين وإلا بأن علم أنه لم يلحقه فيه وجب تركه أو نية المفارقة قوله : ( أجيب الخ ) كذا قالوا وفيه نظر فإنه أحدث قيام قنوت لم يفعله إمامه ، فإن أرادوا موافقته في مطلق القيام اقتضى أنه لو جلس الإمام للاستراحة وجلس معه المأموم لم تبطل صلاته بالتخلف ، ولم يقولوا به فتأمل ق ل . قوله : ( جلوس تشهد ) هو قيد يعلم منه أن الإمام لو جلس للاستراحة لا يكون جلوسه مجوّزاً لتخلف المأموم عنه للتشهد اه م د .
قوله : ( ولو قعد المأموم ) أي ناسياً وهذه الثانية عين الأولى إلا أنها زادت عليها بعود الإمام قبل قيام المأموم قوله : ( حرم قعوده ) أي استمرار قعوده بل يفارقه أو ينتظره ومفارقته أولى ح ل . فإن لم يقم عامداً عالماً بطلت صلاته . وقوله لم يعد المأموم أي يحرم عليه ذلك ق ل قوله : ( لأنه مخطىء الخ ) أي ناس أو جاهل فصح مقابلته بالعامد وإلا فالعامد مخطىء أيضاً ، وهذا يصح أن يكون علة للأولى أيضاً قوله : ( وإذا انتصب المأموم ناسياً ) لما فرغ من التكلم على ترك الإمام التشهد ومخالفة المأموم له شرع يتكلم على عكسه وهو فعل الإمام له ، وترك المأموم إياه وهذا في التشهد ومثله في القنوت ، فإذا تركه المأموم سهواً وجب عليه العود ، فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم ينو المفارقة فهو مخير بين العود ونية المفارقة ، وإن تركه عمداً تخير بين العود والانتظار ونية المفارقة قوله : ( وجب عليه العود ) فلو لم يعد حتى قام إمامه بأن لم يتذكر إلا بعد قيام إمامه لم يعد ولم تحسب قراءته ، ومثله القنوت فلو ترك القنوت ناسياً والحال أن الإمام وقف له وجب عليه أي المأموم العود بمتابعة إمامه أو عامداً ندب قوله : ( من التلبس بالفرض ) أي مع أن فعله غير معتدّ به ، وبهذا فارق المتعمد فلم يوجبوا عليه العود مع أن المتابعة آكد قوله : ( لزمه العود ) وإن سلم الإمام فيعود لمحل جلوس الإمام(2/277)
"""""" صفحة رقم 278 """"""
ثم يقوم قوله : ( فعل فعلاً ) وهو القيام قوله : ( لأنه بعد فراغ الصلاة ) أي صلاة الإمام . وقوله : فجاز له المفارقة أي في الأولى فهو معطوف على قوله فعل فعلاً وقوله : لذلك أي لأنه فعل فيها فعلاً للإمام أن يفعله بخلاف الثانية فإنه يمتنع عليه أن يفارقه ، ويلزمه أن يجلس ولو بعد سلام الإمام كما نقله المرحومي عن الروض وشرحه .
قوله : ( أما إذا تعمد الترك ) محترز قوله سابقاً وإذا انتصب المأموم ناسياً الخ قوله : ( وإن صرح الإمام بتحريمه ) أي العود . والحاصل أنه ذكر للمأموم أحوالاً خمسة : الأولى : أن يقوم الإمام من غير تشهد أول فيلزم المأموم المتابعة ، فإن تخلف بغير نية مفارقة بطلت صلاته . الثانية : أن يعود الإمام للتشهد بعد انتصابه مع تخلف المأموم ، فيجب عليه الانتصاب لاستقراره عليه بقيام الإمام وليس له موافقته في العود لأنه إن كان عامداً بطلت صلاته أو جاهلاً أو ناسياً فهو مخطىء فلا يوافقه على الخطأ ، وتستمر القدوة حملاً على النسيان أو الجهل . الثالثة : أن ينتصبا معاً ثم يعود الإمام فلا يوافقه المأموم كما في الثانية . الرابعة : أن ينتصب المأموم ناسياً دون الإمام فيلزمه العود للمتابعة . الخامسة : إذا انتصب المأموم عامداً فلا يلزمه العود بل يسن تأمل م د . قوله : ( بخلاف الناسي فإن فعله غير معتد به ) مقتضى المقابلة فإنه انتقل إلى غير واجب ، ولكن هذا لازم لما ذكره الشارح لأنه لما كان فعله غير معتد به فلم ينتقل لواجب قوله : ( كان قيامه كالعدم ) أي مع فحش المخالفة فلا يرد ما إذا ركع قبل إمامه ناسياً فإنه يخير بين العود والانتظار لعدم فحش المخالفة كما سينبّه عليه بقوله فيقيد فرق الزركشي بذلك قوله : ( ليعظم أجره ) متعلق بتلزمه قوله : ( كالمفوّت ) الأولى مفوت بالفعل قوله : ( لتلك السنة ) أي الطريقة وهي المتابعة لأنها واجبة قوله : ( فيقيد فرق الزركشي ) أي الشق الثاني منه المتعلق بالناسي أي أننا إن لم نقيد فرق الزركشي بذلك ورد علينا مسألة الركوع ، وإن قيدنا فلا ترد(2/278)
"""""" صفحة رقم 279 """"""
علينا بأن نزيد في قوله بخلاف الناسي فإن فعله غير معتد به أي مع فحش المخالفة فخرجت مسألة الركوع كما علمت .
قوله : ( ولو ظن الخ ) يشير به إلى أن المراد بالفرض الذي تلبس به تارك التشهد الأول هو القيام حقيقة أو حكماً قوله : ( المصلي قاعداً ) لعجزه إن كان في فريضة أو في نفل أ ج قوله : ( لم يعد إلى قراءة التشهد ) لكن لا تبطل صلاته بالعود كما في حواشي الروض خلافاً لابن حجر اه شوبري ، والمعتمد البطلان مع العمد والعلم كما نقله ق ل عن شيخه م ر قال : ولم يلتفت إلى إفتاء والده بعدم البطلان لعدم فحش المخالفة قوله : ( وإن سبقه الخ ) لا يخفى أن هذه ليست مفهوم ما قبلها وإنما مفهومها أن يقال : فإن عاد إلى التشهد بعد الشروع في القراءة ناسياً بطلان الصلاة بالعود أو جاهلاً به لأن الشروع في القراءة كالقيام في العمد والسهو تأمل ق ل . قال أ ج : وما ذكره من التفصيل مثله في شرح م ر ، لكن نقل عنه في غير الشرح أنه متى شرع في قراءة الفاتحة لا يعود للتشهد اه . وظاهر هذا أنه سواء شرع عامداً أو ناسياً لكن بفرض ثبوته عنه يحمل على نسيانه للتشهد فيوافق كلام الشارح هنا وما في شرحه اه أ ج . قوله : ( جاز له العود ) أي يندب له العود مرحومي .
مسألة : رفع المأموم رأسه من السجدة الأولى ظاناً أن الإمام رفع ، وأتى بالثانية ظاناً أن الإمام فيها ثم بان أن الإمام في الأولى ، لم يحسب للمأموم جلوسه بين السجدتين ولا سجدته الثانية بل يتابع الإمام ويحمل سهوه اه . من القول التام في أحكام المأموم والإمام قوله : ( ولو نسي قنوتاً الخ ) النسيان ليس قيداً بل مثله العمد والجهل ، وهذا في الإمام والمنفرد ، أما المأموم فيفرق بين تركه سهواً أو عمداً ، فإن تركه سهواً أو فعله سهواً وجب عليه العود للإمام ، فإن لم يعد عامداً عالماً بطلت صلاته ، وأما إذا تركه عمداً فلا يلزمه أو العود بل يخير بين العود والانتظار ونية المفارقة ، وكذا إذا فعله المأموم عمداً لا يلزمه تركه والعود للإمام ، بل يندب له إتمام القنوت إن كان يلحقه في السجدة الأولى وجوازاً في الجلوس بين السجدتين . وعبارة أ ج : ولو نسي قنوتاً أي قنوت الصبح أو الوتر في النصف الثاني من رمضان لا قنوت النازلة لأنه سنة عارضة في الصلاة يزول بزوالها فلم يتأكد شأنه بالجبر ، وترك بعض القنوت كترك كله ، وإن قلنا بعدم تعين كلماته لأنه بشروعه فيه يتعين لأداء السنة ما لم يعدل إلى بدله لأن ذكر الوارد على نوع من الخلل يحتاج إلى جبر بخلاف البدل الذي يأتي به من قبل نفسه ، فإن قليله ككثيرة ، والمراد بالقنوت ما لا بد منه في حصوله بخلاف ترك أحد القنوتين لأنه أتى بقنوت تام . نعم لو جمع بين القنوتين فترك كلمة من قنوت عمر فالذي ذكره سم في حواشي المنهج(2/279)
"""""" صفحة رقم 280 """"""
أنه يسجد لترك تلك الكلمة . ولا يقال : لو ترك القنوت بجملته لا يسجد فكيف يسجد لترك كلمة . لأنا نقول بشروعه فيه تعين إتمامه لأداء السنة فإسقاط كلمة يعد خللاً فطلب جبره اه قوله : ( فذكره ) أي القنوت أي إن كان يحسنه ، فإن لم يحسنه طلب منه قيام بقدره زيادة على ذكر الاعتدال فإذا تركه وتذكره فحكمه حكم القنوت أ ج قوله : ( لتلبسه بفرض ) ولو كان القنوت ونحوه منذوراً لأنه تلبس بفرض شرعي ، والنذر فرض جعلي ومراعاة الشرعي أقوى من مراعاة الجعلي قوله : ( بأن لم يضع جميع أعضاء السجود ) فيمتنع العود بوضعها وتقدم ما فيه ق ل قوله : ( جاز له العود ) أي للقنوت إن كان يحسنه أو القيام إن لم يحسنه . قال م ر : فلو كان وقف وقفة لاتسع القنوت إذا كان لا يحسنه كفى لإتيانه بأصل القيام على ما نقل عن الوالد . نعم يمكن حمل ذلك على ما إذا كانت الوقفة لا تسع القنوت المعهود وتسع قنوتاً مجزئاً ، أما لو كانت لا تسع قنوتاً مجزئاً أصلاً فالأوجه السجود .
فرع : لو اقتدى بحنفي قنت في اعتداله لا سجود على المأموم الشافعي لأنه أتى بما يوافق اعتقاد المأموم ، فلو اعتدل وسكت سكتة تسع القنوت فهل يحمل على أنه أتى به قياساً على ما لو سكت سكتة قبل القراءة تسع البسملة حيث اكتفوا بها أو لا ويفرق ؟ قال شيخنا : الأقرب الفرق إذ البسملة لما كانت مطلوبة عندهم لكن لا يجهر بها عندهم حملنا سكوته على الإتيان بها ، والقنوت لما لم يكن مطلوباً عندهم حملناه في الحالة المذكورة على عدم الإتيان به فالأولى السجود ، وهذا بخلاف ما لو كان الإمام شافعياً فإنّا نحمل سكوته على الإتيان به اه ما قاله شيخنا . وقال ق ل : يسجد وإن سمعه يتلو القنوت لأنه أتى بخلل في صلاته وتطرق إلى صلاة المأموم اه . قلت : العبرة عندنا باعتقاد المأموم وقد فعله الإمام فلا يعوّل على خلافه ، فما قاله شيخنا من عدم السجود جار على القواعد اه .
قوله : ( ذلك ) أي ما يقتضي سجود السهو وما لا يقتضيه قوله : ( ولو قام لخامسة الخ ) هذا إشارة إلى السبب الثاني من سبي السجود وهو فعل المنهي عنه وكان الأولى التنبيه على ذلك بقوله : ثم شرعت في السبب الثاني الخ قوله : ( فتذكر قبل جلوسه ) أي في الخامسة قوله : ( أو لم يتذكر ) أي أو لم يتشهد في الرابعة ولم يتذكر أنها الخامسة حتى قرأ التشهد فيها . وقوله :(2/280)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
ولو ظنه التشهد الأول غاية في قوله ، فإن كان قد تشهد في الرابعة فهي رابعة في الواقع وفي ظنه أنها الثانية لأن التشهد لا يكون إلا فيها ، وكذا قوله قام لخامسة أي في الواقع ، وظنه أنه التشهد الأول يقتضي أنها ثابتة في ظنه قبل تذكره . قوله : ( ثم يسجد ) بحرف العطف أي للزيادة ، وفي بعض النسخ لم يسجد وهي غير صحيحة قوله : ( وإن كان لم يتشهد ) محترز قوله فيما تقدم ، فإن كان قد تشهد قوله : ( ولو شك في ترك بعض ) أي يقيناً قوله : ( بخلاف الشك في ترك مندوب ) هو محترز قوله بعض ، وحينئذ يكون المراد بقوله في الجملة أنه مندوب في جملة المندوبات أي الشاملة للهيئات أي هل هو بعض أو هيئة لا أنه مندوب في بعض الأحوال ح ل . وقوله : في ترك مندوب في الجملة بأن شكّ هل ترك مندوباً بالمعنى الشامل للهيئات والأبعاض أو لا ، أو تيقن ترك مندوب وشكّ هل بعض أو هيئة واقتصر شيخنا ز ي في تقريره على الثانية والوجه الأول شوبري قوله : ( كأن شك في المتروك هل هو بعض أو لا ) أنت خبير بأن هذه كالتي قبلها ، بل هي عينها حكماً وتصويراً وتعليلاً ، فما رتبه على هذه بقوله لضعفه بالإبهام غير مستقيم ، بل الصواب أن يقول كأن شكّ هل أتى بجميع الأبعاض أو لا لعدم تيقن مقتضيه مع ضعفه بالإبهام ، وبهذا علم الخ فتأمل ق ل . وعبارة ح ل قوله وبخلاف الشك في ترك بعض مبهم كأن شك هل ترك بعضاً أو أتى بجميع الأبعاض ، ولم يترك منها شيئاً مع تيقنه عدم ترك مندوب غير بعض . وفيه أن الأصل عدم الإتيان بجميع الأبعاض إلا أن الإبهام لما أضعفه لم ينظر لذلك ومثله سم .
قوله : ( هل هو قنوت مثلاً أو تشهد أول ) انظر صورته إذ ليس ثم صلاة فيها تشهد أول وقنوت يقتضي تركه سجود السهو . ونقل عن ز ي أنه صوّره بما إذا صلى الصبح خلف مصلي الظهر مثلاً وكان ذلك في الركعة الأخيرة ، ثم لما أتم مصلي الصبح صلاته شك قبل سلامه في بعض ولم يعلم هل هو القنوت من صلاته أو التشهد الأول من صلاة الإمام فيتطرق إلى صلاته خلل من صلاة إمامه اه . وصوّره م ر في حواشي شرح الروض بأن صلى وتر النصف الثاني من رمضان موصولاً على قصد إتيانه بتشهدين ، وشكّ هل نسي أولهما أو القنوت .(2/281)
"""""" صفحة رقم 282 """"""
قوله : ( ولو سها ) أي تيقن أنه أتى بما يطلب له سجود ، وشك هل هو من ترك المأمور أو من فعل المنهيّ سجد .
تتمة : لو نقل مطلوباً قولياً إلى غير محله ، فإن كان ركناً كفاتحة أو بعضها في ركوع مثلاً سجد مطلقاً ، وإن كان بعضاً كتشهد أو قنوت في ركوع أو نحوه فإن قصده سجد وإلا فلا ، وإن كان هيئة لم يسجد مطلقاً ق ل .
قوله : ( بالأول ) أي ترك مأمور به . والثاني فعل المنهيّ عنه شوبري أي تيقن أنه أتى بما يطلب له سجود وشك هل هو من ترك المأمور أو فعل المنهيّ قوله : ( هل سجد ) ستأتي هذه في موضعها قوله : ( بعد تركها ) وإن لم يتلبس بفرض بعدها ق ل . وعبارة أ ج قوله : بعد تركها عمداً أو سهواً أو جهلاً ، وتلبس بالفرض بعدها كأن يعود من الركوع للقيام ليأتي بالسورة أو من الاعتدال للركوع ليأتي بالتسبيح اه قوله : ( ولا يسجد للسهو عنها ) فإن سجد عنها عامداً عالماً بطلت صلاته وإلا لم تبطل ، ويطلب سجود السهو لجبر هذا السجود لأنه خلل قوله : ( وإذا شك ) أي تردد فشمل الظن م ر قوله : ( أهي ثالثة أم رابعة ) صوابه ثلاثة أم أربعة لأن الشك في نفس العدد والضمير في هي راجع لما أتى به نظراً لمعناه أو نظراً للخبر قوله : ( بنى على اليقين ) أي المتيقن لأن البناء عليه لا على اليقين بدليل قوله وهو العدد قوله : ( ويأتي بما بقي ) في بعض النسخ ساقط ، والأولى إثباته م د . قوله : ( ويسجد له ) أي لما أتى به أي لأجله ، وقوله للتردد علة للعلة أو للمعلل مع علته قوله : ( في فعله ) أي فعل ما شكّ فيه إلى غيره سواء قولهم وفعلهم إلا إذا بلغوا عدد التواتر فيرجع لقولهم وفعلهم على المعتمد ق ل . ومثله ز ي وعند م ر يعمل بالقول دون الفعل لأن دلالة القول دلالة مطابقة بخلاف الفعل كما قرره شيخنا قوله : ( إلى قول غيره ) في بعض النسخ لفظ قول . وفي بعض النسخ حذفه وهو أولى لأن ذكره يقتضي(2/282)
"""""" صفحة رقم 283 """"""
أنه يأخذ بفعل الغير مع أنه ليس كذلك ، فلا يأخذ لا بقول الغير ولا بفعله إلا إذا بلغوا عدد التواتر كما علمت قوله : ( أنه يكتفي بفعلهم ) مثله ابن حجر واعتمد م ر خلافه معللاً بأن الفعل لا يدل بوضعه بخلاف القول . قال سم : وهذا ظاهر إن لم يحصل به اليقين إذ لا معنى للفرق بينهما مع حصول اليقين قوله : ( للتردد في زيادته ) كان المناسب لما مرّ أن يقول لفعلها مع التردد قوله : ( فتذكر فيها ) أي قبل قيامه للرابعة أنها ثالثة . قال م ر بعد ذكره هذا القيد وبعد كلام طويل ذكره : ومقتضى تعبيرهم بقبل القيام أنه لو زال تردده بعد نهوضه وقبل انتصابه لم يسجد إذ حقيقة القيام الانتصاب ، وما قبله انتقال لا قيام . قال الشيخ : فقول الإسنوي إنهم أهملوه أي قوله قبل الانتصاب مردود ، وكذا قوله : والقياس أنه إن صار إلى القيام أقرب سجد وإلا فلا لأن صيرورته إلى ما ذكر لا تقتضي السجود لأن عمده لا يبطل ، وإنما يبطل عمده مع عوده كما مرّ نبه على ذلك ابن العماد اه . وما ذكره في الروضة من أن الإمام لو قام لخامسة ناسياً ففارقه المأموم بعد بلوغ حد الراكعين سجد للسهو صريح أو كالصريح فيما قاله الأسنوي هنا ، وفيما مرّ في القيام عند التشهد الأول اه . وقوله : فتذكر أي قبل القيام لما بعدها بخلاف ما لو زال بعد القيام أو كونه إليه أقرب فيسجد اه سم . ولو جلس الإمام للتشهد في ثالثة الرباعية فشكّ المأموم أهي ثالثة أم رابعة فقضية وجوب البناء على اليقين أنه يجعلها ثالثة ، ويمتنع عليه موافقة الإمام في هذا الجلوس والتشهد ، وحينئذ فهل يتعين عليه مفارقة الإمام أو يجوز له انتظاره قائماً فلعله يتذكر أو شكّ فيقوم فيه نظر ولعل الأقرب الثاني سم اه أ ج . قوله : ( أنها ثالثة ) أي أو رابعة . والحاصل أنه إذا كان التذكر في الركعة التي شك فيها قبل أن ينتقل إلى غيرها لا سجود ، وأما إذا تذكر بعد القيام لركعة أخرى غير التي شكّ فيها فإنه يسجد فظهر الفرق بين قوله هنا أو رابعة حيث لا يسجد . وبين قوله فيما سبق أو أنها رابعة فيسجد لأنه هنا تذكر في التي شك فيها ، وفي تلك تذكر في ركعة بعد التي شك فيها .(2/283)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
قوله : ( بعد سلامه ) أي الذي لم يحصل بعده عود للصلاة كما سينّبه عليه ، وخرج ما لو شكّ في السلام نفسه فيجب تداركه ما لم يأت بمبطل ولو بعد طول الفصل اه ع ش على م ر . قوله : ( في ترك فرض ) المتبادر منه الركن ، فسقط اعتراض ق ل بأن الشرط فرض أيضاً شوبري قوله : ( استأنف ) أي ما لم يتذكر ما شكّ فيه ولو بعد طول الزمان ، وهذا إذا كان الشك فيهما بعد السلام ، فإن كان الشك فيهما في أثناء الصلاة فإن تذكر قبل مضيّ قدر ركن الطمأنينة لم يضر وإلا ضر شيخنا قوله : ( لأنه شك في أصل الانعقاد ) ومنه ما لو شكّ أنوى فرضاً أم نفلاً لا الشك في نية القدوة في غير نحو الجمعة ، وإنما لم يضر الشك بعد فراغ الصوم في نيته لمشقة الإعادة فيه ولأنه يغتفر في النية فيه ما لم يغتفر فيها هنا اه عناني قوله : ( وهل الشرط كالفرض ) المعتمد أن الشرط كالركن ز ي . وشمل الشكّ في الشرط ما إذا شك بعد السلام في الطهارة بعد تيقن الحدث ، وإن كان الأصل بقاء الحدث لأن هذا الأصل معارض بأن الأصل أنه لم يدخل الصلاة إلا بعد الطهارة لكن يمتنع عليه استئناف صلاة أخرى بهذه الطهارة . نعم إذا شك في الصور المذكورة في أثناء الصلاة بطلت كالشك في نية الوضوء في أثنائها بخلاف الشك في نية الوضوء بعد السلام فإنه لا يضر بالنسبة لتلك الصلاة ويمتنع عليه استئناف صلاة أخرى ، وأما الشك في وجود حدث منه بعد وجود الطهارة فلا يضر مطلقاً سواء كان في أثنائها أو بعدها لأن الأصل بقاء الطهارة كما قرره شيخنا ح ف . قال شيخنا الخليفي : والحاصل أن الشك تارة يقع في أصل الطهارة وتارة في رافعها ، والأصل العدم في كل منهما . نعم لو شك في أصل الطهر في أثناء الصلاة فلا أثر له بالنسبة لتلك الصلاة ، ويمتنع عليه افتتاح صلاة أخرى بذلك ما دام شكه لأن الشك حينئذ في وجود الطهر والأصل عدمه كما مرّ ، وإنما اغتفر ذلك بالنسبة للصلاة التي هو فيها لأن الظاهر أن افتتاح الصلاة إنما يقع مع استيفاء الشروط ، ولأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ولأن الشك في رافع الانعقاد وقع بعد تحققه اه م د . وفي ع ش خلافه وهو أن الشك في أثناء الصلاة في وجود الطهارة أو في نيتها يضر ، وقال العزيزي : ما لم يزل شكه سريعاً وإذا كان الشك يضر امتنع عليه إكمالها . قوله : ( اختلف فيه ) أي في جواب هذا الاستفهام .
قوله : ( فقال في المجموع الخ ) في تركيبه قلاقة لأن قوله أنه يؤثر إن كان مقول القول اقتضى أن قوله : لو شك ليس من المقول وإن جعل المجموع مقول القول لا يستقيم أي لعدم جواب للو لأنَّ جوابها يكون ماضياً بكثرة ، ويقل كونه مستقبلاً وأنه يؤثر جملة اسمية إلا أن يقال لو بمعنى إن فيكون جوابها . قوله أنه يؤثر فكان حق العبارة لو شكّ هل كان متطهراً أم لا(2/284)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
هل يؤثر أم لا الراجح أنه يؤثر قوله : ( عدم الإعادة ) المناسب أن يقول عدم الفرق لأن الكلام فيه قوله : ( مطلقاً ) أي في الشروط والأركان ما عدا النية وتكبيرة الإحرام قوله : ( في مسح الخف ) عبارة م ر . وشرح البهجة في باب مسح الخف أي أنه نقل في باب مسح الخف أنه لو شك بعد السلام في الطهر لا يضر فلا يعيد فيكون قوله في مسح متعلقاً بنقل لا بالطهر كما فهمه المدابغي ورتب عليه تصوير المسألة بأن شكّ بعد السلام هل مسح الخف أم لا لأن كلامنا في الشك في أصل الطهارة وعلى تصويره الشكّ في طهارة بعض الأعضاء وهو الرجلان .
قوله : ( وقد نقل عن الشيخ أبي حامد الخ ) غرضه بذلك تقوية ما قاله من أنّ الشكّ في الطهر بعد السلام لا يضر ، ووجه التقوية أن الإمام المذكور جوّز الدخول فيها بطهر مشكوك فيه مع أن الابتداء والانعقاد يحتاط له فبعد فراغها وتمامها لا يضر الشك بالأولى قوله : ( وظاهر أن صورته ) فهو من أفراد ما مرّ فيمن تيقن الطهارة وشكّ في الحدث ق ل . وهذا أعني قوله : وظاهر جواب عن سؤال حاصله . أن كلام الإمام في ذلك مخالف للقاعدة وهو أن الأصل عدم الطهارة وبقاء الحدث . فأجاب بأن صورتها أنه بعد الشك تذكر أنه كان متطهراً قبل الشك قوله : ( وإلا ) بأن شك هل هو متطهر أم لا ولم يتذكر أنه كان متطهراً قبل الشك قوله : ( لزمه تداركه ) . ويلغز به فيقال : لنا سنة عاد لها فلزمه فرض أو يقال لنا سنة أوجبت فرضاً أي لأنه بان بعوده أن الشك في صلب الصلاة ، فإن كان العائد إماماً لزم المأموم موافقته إن كان لم يسلم حتى لو كان مسبوقاً ، وقد قام لما عليه لزمه العود ويلغو ما فعله اه ق ل .(2/285)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
قوله : ( وسهو المأموم ) أي مقتضاه وهو السجدتان هذا ظاهر إذا تحقق فعله حال اقتدائه ، أما لو شك هل وقع ذلك منه حال قدوته فيحمله أو بعد انفراده كأن كان مسبوقاً فلا . قال الشيخ عميرة : فيه نظر قال ع ش : الأقرب عدم السجود لأن الأصل براءة الذمة اه . وأقول الأقرب السجود لأنا تحققنا مقتضيه وشككنا في مسقطه والأصل عدمه اه أ ج قوله : ( في ثانيتها ) بأن فرقهم فرقتين وصلى بفرقة ركعة من الثنائية ، ثم تتم لنفسها ثم تجيء الأخرى فيصلي بها الركعة الباقية وينتظرها في التشهد لتسلم معه فهي مقتدية به حكماً في الركعة الثانية كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( يحمله إمامه ) أي إذا تحقق فعله حال اقتدائه ، ويشترط أن يكون الإمام أهلاً للتحمل كما يأتي في نظيره فخرج المحدث .
قوله : ( كالقنوت ) فإنه يتحمله عنه إذا لم يأت به كأن استمع قنوت إمامه ، ومثل القنوت سجود التلاوة ودعاء القنوت والقراءة عن المسبوق والقيام عنه . وقد نظم ذلك شيخنا م د فقال :
تحمل الإمام عن مأموم
في تسعة تأتيك في المنظوم
قيامه فاتحة مع جهر
كذاك سورة لذات الجهر
نشهد أول مع قعود
فاتهما الإمام مع سجود
إذا سها المأموم حال الاقتدا
أو كان في ثانية قد اقتدى
تحمل الإمام عنه أولاً
تشهدا كذا قنوتاً حملا
وقوله : مع سجود شامل لسجود السهو وسجود التلاوة بأن حصل للمأموم خلل في صلاته يقتضي سجود السهو فيتحمله الإمام عنه ، وكأن قرأ المأموم آية سجدة فيتحمل الإمام عنه سجودها قوله : ( فلا يتحمله ) معتمد قوله : ( لعدم اقتدائه به حال سهوه ) وإنما لم يتحمله عنه كما أنه يلحقه سهو إمامه الواقع قبل القدوة كما سيأتي لأنه قد عهد تعدي الخلل من صلاة الإمام إلى صلاة المأموم دون عكسه شرح الروض مرحومي قوله : ( وسهوه بعدها ) أي وخرج سهوه بعدها قوله : ( كما لو سها بعد سلام إمامه ) .(2/286)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
فائدة : القاعدة أن تكتب الألف المنقلبة عن الياء على صورة الياء كرمى ، والألف المنقلبة عن الواو على صورة الألف كغزا ، والألف في سها منقلبة عن الواو فكان مقتضى القاعدة أن تكتب على صورة الألف إلا أن غالب النساخ لجهلهم برسم الخط يكتبونها على صورة الياء . قال صاحب القاموس : سها في الأمر كدعا سهواً وسهوّاً نسيه وغفل عنه . وذهب قلبه إلى غيره اه م د على التحرير .
قوله : ( فلو سلم المسبوق ) يعني ساهياً أي بأن أتى بكل السلام . أما لو أتى ببعض السلام فإن نوى انقطاع القدوة فكذلك وإلا فلا كما قاله العناني على المنهج . وقوله : أما لو أتى ببعض السلام أي كأن قال السلام ولم يقل عليكم قال في الروض وشرحه : ويسجد مسبوق سلم مع الإمام سهواً لأن سهوه بعد انقطاع القدوة ، فإن ظنه المسبوق بركعة مثلاً سلم فقام وأتى بركعة قبل سلامه لم تحسب لفعلها في غير موضعها ، فإذا سلم إمامه أعادها ولم يسجد للسهو لبقاء حكم القدوة ، ولو علم في القيام أنه قام قبل سلام إمامه ولو بعد سلامه أي ولو كان علمه بعد سلام إمامه لزمه أن يجلس لأن قيامه غير معتدّ به ، فإذا جلس ووجده لم يسلم إن شاء فارقه وإن شاء انتظر سلامه ، فلو أتمها جاهلاً بالحال ولو بعد سلام الإمام لم تحسب فيعيدها لما قلناه . ويسجد للسهو للزيادة بعد سلام الإمام اه بحروفه مرحومي قوله : ( بسلام إمامه ) أي بسبب سلام إمامه بأن سلم بعده بدليل ما بعده وهو ذكر المعية قوله : ( ويؤخذ من العلة ) هذا ضعيف والذي اعتمده م ر أنه لا فرق لاختلال القدوة بشروع الإمام في السلام اه عناني .
قوله : ( لم يسجد ) المعتمد أنه يسجد لضعف القدوة ، واختلالها بشروع الإمام في السلام فلا يتحمل حينئذ سهو المأموم ويؤيده ما سيأتي في صلاة الجماعة أنه لو اقتدى به بعد الشروع في السلام وقبل الميم من عليكم لم تصح القدوة على المعتمد عند م ر بل تنعقد صلاته فرادى كما هو قضية اقتصار م ر على نفي صحة القدوة خلافاً للقليوبي حيث نسب له أنها لا تنعقد صلاته أصلاً فاحفظه اه أ ج .
قوله : ( ويلحق المأموم الخ ) بالنصب مفعول يلحق ، وسهو إمامه بالرفع فاعله ومعنى لحوقه أنه يحصل في صلاته خلل بسببه يسجد له . وبيانه أنه إن كان موافقاً فإن سجد إمامه وجب عليه أن يسجد ، فإن تخلف عمداً بطلت صلاته إن لم ينو المفارقة ، وإن تخلف سهواً سجد وجوباً ولو بعد سلام الإمام ، فإن سلم عمداً من غير سجود بطلت صلاته أو سهواً وقرب الزمن تداركه وإن طال استأنف وإن كان مسبوقاً ، فإن سجد إمامه سجد معه وجوباً ولو قبل تمام التشهد إذا كان محل تشهده باتفاق الشيخين ابن حجر وم ر لأن المتابعة آكد من تشهده(2/287)
"""""" صفحة رقم 288 """"""
لأنه سنة بخلاف الموافق إذا سجد الإمام قبل كمال التشهد ، فعند ابن حجر يسجد المأموم وجوباً ثم بعد ذلك . يكمل التشهد وجوباً بناء لا استئنافاً ، وعند م ر يجب عليه أن يتخلف لإتمام التشهد فإن سجد قبل إكماله عمداً بطلت صلاته ، وإذا تخلف المسبوق عن السجود مع الإمام عمداً بطلت صلاته ، وإن تخلف سهواً لم تبطل ويسقط عنه وجوب السجود إن استمر سهوه حتى فرغ منه الإمام ، فإن زال في أثنائه وجب عليه الإتيان بما أدركه وسقط عنه الباقي .
قوله : ( سهو إمامه ) وكذا عمده زي قوله : ( ولتحمل الإمام عنه السهو ) أي فيلحقه سهوه وفيه أنه لا ينتج المدعي قوله : ( أما إذا بان إمامه محدثاً ) أي حال السهو قوله : ( فإن سجد إمامه ) هو عائد لقوله : ويلحق المأموم الخ ومحل سجوده معه إن كان المأموم فرغ من التشهد الواجب والصلاة على النّبي الواجبة وإلا لم تجز له متابعته ، ويتعين عليه السجود في هذه بعد فراغ تشهده ولو بعد سلام الإمام كما اعتمده شيخنا م ر . فإن سلم من غير سجود بطلت صلاته ق ل . وعبارة الشوبري قوله : لزمه متابعته قضيته ولو قبل أن يأتي بأقل التشهد ، وجرى عليه العباب ثم يتم تشهده وعليه هل يعيد السجود أو لا ؟ وجرى على الأول والد شيخنا اه وقال ح ف : وهو ضعيف مبني على ضعيف .
قوله : ( عمداً ) قيد أخرج به ما إذا ترك المأموم المتابعة سهواً فلا تبطل صلاته ، ويستقر على المأموم الموافق بفعل الإمام له حتى لو سلم بعد سلام إمامه ساهياً عنه أو جاهلاً لزمه أن يعود إليه إن قرب الفصل وإلا أعاد الصلاة كما لو ترك ركناً منها ، أما المسبوق إذا تأخر عن سجود الإمام سهواً وفاته به لم يأت به بعده لأنه لمحض المتابعة وقد فاتت ، وإن فاته بسجدة منه وجب أن يوافقه في السجدة الثانية ولا يزيد عليها بعده ولا يلزمه آخر صلاته ، ولو اقتصر إمامه على سجدة فإن كان موافقاً سجد أخرى ، وإن كان مسبوقاً لم يسجد أخرى . قال سم : نعم لو كان الإمام يرى السجود بعد السلام فالمتجه عدم استقراره بسجود الإمام بعد السلام لانقطاع القدوة بسلامه في اعتقاد المأموم م د . قوله : ( بطلت صلاته ) أي إذا تخلف عنه بفعلين بأن هوى الإمام للسجدة الثانية قبل شروعه هو في الأولى ، ومحله إذا لم يعزم على ترك السجود ابتداء وإلا فبمجرد هويّ الإمام له تبطل صلاته لأنه حينئذ قصد المبطل وشرع فيه بتخلفه ، ومحل وجوبه بسلام الإمام إذا لم ينو المأموم المفارقة أول شروعه فيه أو في أثنائه وإلا سقط هو أو ما بقي منه فاحفظه م د .(2/288)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
قوله : ( سجد معه ) أي وجوباً ، ولا نظر إلى أن موضعه آخر صلاته ، ومن ثم لو اقتصر إمامه على سجدة لم يسجد أخرى بخلاف الموافق شرح م ر . قال سم في شرح الكتاب : فلو سها المأموم أي المسبوق عن سجود الإمام حتى سلم فالمتجه سقوط السجود عنه لأنه محض متابعة . وقد فاتت ، وهل يلزمه في آخر صلاته ؟ فيه نظر والمتجه أيضاً لا اه وقوله بخلاف الموافق أي فإنه يسجد أخرى لو اقتصر إمامه على سجدة لاحتمال أنه تركها سهواً وقوله . ثم يسجد أي ندباً قوله : ( لأنه محل السهو ) أي محل جبر السهو قوله : ( لما مر ) أي لأنه محل السهو الذي لحقه .
قوله : ( وإن كثر السهو ) سواء كان بزيادة أو نقص أو بهما ، ويجبر جميع الخلل إن قصده أو أطلق ، فإن قصد جبر بعض حصل جبره وفات جبر غيره ولا يكرره له وفارق سجود التلاوة أي حيث يتعدد بتعدد المقتضي بعدم الانحصار هنا ق ل . وعبارة سم : ولا يخفى ظهور كلامهم أو صراحته في امتناع تعدد سجود السهو بتعدد المقتضي بخلاف سجود التلاوة ، وقد يفرق بأن السبب هنا قد يكون بغير الاختيار وقد لا ينحصر ، فلو طلب تعدد السجود ربما تسلسل اه وهذا بظاهره عام لما لو خصّ به بعض الخلل أو لا اه أ ج . والغاية يحتمل أن تكون للتعميم ويحتمل أن تكون للردّ على من قال إنه إذا كان السهو جنسين كالزيادة والنقصان سجد لكل واحد سجدتين كما يؤخذ من الميزان ، ونصه اتفق الأئمة على أنه يكفي للسهو إن تكرر سجدتان ، وقال الأوزاعي : إنه إن كان السهو جنسين كالزيادة والنقصان سجد لكل واحد سجدتين ، وقال ابن أبي ليلى : إنه يسجد لكل سهو سجدتين مطلقاً .
قوله : ( سجدتان ) أي يفصل بينهما بجلسة ، فلو اقتصر على سجدة بطلت صلاته إن أتي بها بقصد الاقتصار عليها بخلاف ما لو أراد ذلك بعد فعلها لأن غايته ترك إتمام النفل ، وعبارة م د على التحرير : لو أتي بواحدة قال القفال : تجزيه . وقال ابن الرفعة : لا تجزيه وحمل الأول على ما إذا أراد ابتداء أن يأتي بسجدتين ، ثم أتي بواحدة واقتصر عليها فإن صلاته لا تبطل ، وهل له أن يأتي بالسجدة الثانية أو لا فيه تفصيل وهو إن طال الزمن لم يأت بها ، وإن لم يطل الزمن أتى بها وحمل الثاني على ما إذا أراد أن يأتي بواحدة ابتداء فإن صلاته تبطل بالشروع فيها ، ومثل ذلك ما إذا أراد ترك الطمأنينة فيه فيضر ابتداء فقط دون ما إذا عرض له ولو فعل ما يقتضي السجود كتركه التشهد الأول وما لا يقتضيه كترك التسبيحات وسجد للسهو وقصدهما(2/289)
"""""" صفحة رقم 290 """"""
هل تبطل الصلاة أو لا لوجود مقتضيه . قال شيخنا بالبطلان لأن هذا مقتضٍ ومانع وإذا اجتمعا غلب المانع اه أ ج .
قوله : ( مع تعدده ) أي السهو قوله : ( وما وقع فيه ) ولا يجبر نفسه كما يأتي في قوله ، ولو ظن سهواً فسجد فبان عدمه سجد قوله : ( هل يلزمه أن يسجد ) الأنسب هل يطلب منه سجود إلا أن يقال السائل حنفي وسجود السهو واجب عنده أ ج ، أي المشهور عندهم الوجوب كما يفهم من الميزان وعبارته قال الإمام أحمد والكرخي من الحنفية : إن سجود السهو واجب . وقال مالك : إنه يجب في النقصان ويسنّ في الزيادة ، وقال أبو حنيفة في رواية والشافعي إنه مسنون على الإطلاق قوله : ( لأن المصغر لا يصغر ) أي وهذا يشبهه فلا يصغر أيضاً بالسجود ثانياً ، ووجه تشبيهه بالمصغر أن في المصغر زيادة حرف كعمير تصغير عمر وسجود السهو سجدتان ، فإذا أتى بثلاثة أشبه المصغر كما ذكره م د ومعنى كونه لا يصغر أنه لا يزاد سجدتان ثانياً كما أن عميراً لا يصغر أي لا يزاد عليه حرف آخر قوله : ( كسجود الصلاة ) ولا بد من نية لغير المأموم ، فإن سجد بدونها بطلت صلاته ق ل . قوله : ( ومندوباته ) نعم إن كان في صلاة التسبيح لم يسبح فيه عشراً كما في البحر ، وارتضاه في الأذكار قال في الأنوار : والأليق أن يقول في سجود السهو سبحان الذي لا ينام ولا يسهو . قال الزركشي : هذا إنما يتم إذا لم يتعمد ما يقتضي السجود ، فإن تعمده فليس ذلك لائقاً بالحال بل اللائق الاستغفار ، وسكتوا عن الذكر بينهما والظاهر كما قاله الأذرعي أنه كالذكر بين سجدتي الصلاة ، فلو أخلّ بشرط من شروط السجدة أو الجلوس فظاهر أنه يأتي فيه ما مرّ في السجدة من أنه إن نوى الإخلال به قبل فعله أو معه وفعله بطلت صلاته ، وإن طرأ له أثناء فعله الإخلال به وأنه يتركه فتركه فوراً لم تبطل ، وعلى هذا الأخير يحمل إطلاق الإسنوي عدم البطلان شرح م ر . قال سم : ولو أتى به قبل الصلاة على الآل وما بعدها أجزأ اه . أي ويحصل له أصل سنة السجود ، وعبارة م ر ويظهر أنه لو سجد للسهو قبل صلاته على الآل ثم أتى بها بالمأثور حصل أصل سنة السجود وامتنع عليه إعادته اه أ ج . وفي ق ل ما نصه قوله بعد تشهده أي المشتمل على الصلاة على النبي ، ويجزىء بعد واجبه ولو قبل فعل المندوب من الصلاة على الآل وما بعدها ، ولو(2/290)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
تخلف المأموم عن الإمام عامداً عالماً بطلت صلاته بمجرد هويّ الإمام له إن قصد المخالفة وإلا فبهويه إلى السجدة الثانية ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً لم تبطل ويسقط عنه وجوبه إن كان مسبوقاً فله تركه ، وله السجود ولو قبل سلام الإمام وكذا لو نوى مفارقة الإمام قبله ، ولو سجد سجدة فقط لم تبطل صلاته إن قصد ترك الثانية بعد فعل الأولى وإلا بطلت بشروعه فيها ، فإن أراد السجود بعد الترك فلا بد من سجدتين اه ق ل .
قوله : ( وقبل السلام ) وعند أبي حنيفة بعد السلام ، وعند مالك إن كان عن نقصان فقبله ، وإن كان عن زيادة فبعده ، وإن كان عن نقصان وزيادة فقبله وكونه قبل السلام هو القول الجديد وأنه يمتنع خلافه خلافاً للماوردي ومن تبعه حيث جعل الخلاف في الفضيلة لا في الجواز . ومقابل الجديد عندنا قديمان : أحدهما أنه إن سها بنقص سجد قبل السلام أو بزيادة فبعده . والثاني : أنه مخير بين التقديم والتأخير فإن قيل : الأصل أن لا تؤخر أحكام للشرع عن عللها ، فلأيّ شيء لم يراع هذا الأصل هنا حيث أخر السجود عن زمان العلة وهو السهو إلى آخر الصلاة ؟ قلت : نعم لكن ترك تحرّزاً عن التكرار لأنه إذا سجد حيث وقع السهو لربما يسهو ثانياً وثالثاً فيلزم تكراره ، وسجود السهو لم يشرع مكرراً بالإجماع اه . قوله : ( إذا قضى ) أي قارب قضاءها بدليل قوله بعد قبل أن يسلم قوله : ( الزهري ) بضم الزاي وسكون الهاء نسبة إلى زهرة بوزن غرفة قبيلة من العرب ، سميت باسم زهرة بن كلاب بن مرة كما في المصباح . قوله : ( هو آخر الأمرين من فعله ) أي ولأنه لمصلحة الصلاة فكان قبل السلام . وقد ذكر ابن العربي أنه سجد للسهو خمس مرات ، أحدها : أنه شك في عدد الركعات فسجد . ثانياً : أنه قام من ركعتين ولم يتشهد فسجد . ثالثها : أنه سلم من ركعتين فسجد . رابعها : أنه سلم من ثلاث ركعات فسجد . خامسها : أنه شك في ركعة خامسة فسجد اه مصري وقد نظمها بعضهم فقال :
سجد النبّي لسهوه
خمساً أتت مثل القمر
قد شكّ في عدد الركو
ع وخامس فاق الزهر(2/291)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
وأتى السلام من اثنتين
كذا الثلاث هي الغرر
ترك التشهد قائماً
من ركعتين أتى الخبر ومن أحسن قول بعضهم :
يا سائلي عن رسول الله كيف سها
والسهو من كل قلب غافل لاهي
قد غاب عن كل شيء سره فسها
عما سوى الله في التعظيم لله قال الشهاب العبادي : فإن قلت تسليم النبي سهواً من ركعتين مع حرمة السلام في الفرض قبل محله لأنه قطع له وهو محرّم اتفاقاً يشكل بامتناع وقوع الذنب سهواً . قلت : يمكن أن يقال محل امتناع وقوعه سهواً ما لم يترتب على السهو تشريع ، أما ما يترتب عليه ذلك فيقع اه قوله : ( كما لو سها إمام الجمعة ) ويتعدد أيضاً فيما لو استخلف من عليه سجود سهو شخصاً يكمل بالقوم فإنه يسجد هو والمأمومون آخر صلاة الإمام ، ثم يقوم هو لما عليه ويسجد آخر صلاة نفسه أيضاً اه شرح م ر أ ج قوله : ( فلزمه الإتمام ) بأن أقام بالفعل أو نوى الإقامة أو الإتمام فهو شامل لثلاث صور .
قوله : ( لا حكماً ) أي لا جبراً لأن الجابر للخلل إنما هو الأخير كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( قبل طول الفصل ) بأن يكون بينهما أقل من ركعتين بأخف ممكن .
فرع : لو سلم المسبوق ناسياً مع الإمام فإن تذكر عن قرب كمل صلاته وسجد للسهو وإلا استأنفها .
قوله : ( وإن تخلل كلام يسير ) أو استدبار للقبلة قوله : ( أو بعد طوله ) أي بين السلام وتيقن الترك قوله : ( استأنفها ) أي الأولى والفرض أن الثانية غير منعقدة قوله : ( بعد طول الفصل ) أي بين السلام وتحرّم الثانية فهو مقابل لقوله ثم أحرم عقبها قوله : ( لبطلان الأولى بطول الفصل ) أي مع السلام منها اه مرحومي .(2/292)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
قوله : ( فاستأنف الصلاة ) أي التي كان محرماً بها أولاً وكان الأولى أن يقول فاستأنفها . قوله : ( بعد فراغ الثانية ) أي وقبل أن يسلم بدليل قوله بعد وسجد للسهو في الحالتين ، أو يقال بعد فراغ الثانية بأن سلم منها معتقداً أنه لم يكن عليه سجود سهو ثم تذكره وأراده مع قرب الزمان اه أ ج قوله : ( تمت بها الأولى ) أي فتقوم الثانية مقام الأولى للاعتداد بتكبيرة الإحرام فيها بخلاف الصورة الثانية ، فإنه يبني فيها على ما أتى به من الأولى ولا يقوم ما أتى به من الثانية مقام ركعات الأولى كما قاله م ر . وهذا صريح في أن معنى قوله بنى على الأولى أنه يبني من حيث علمه بالتكبير بأن يأتي بعد علمه بما تتم به الأولى ولا يحسب ما أتى به من الثانية قبل العلم فلا تكمل به الأولى كما قرره شيخنا العشماوي وعبارة العباب عاد للأولى فأتمها وهي تؤيد ما ذكر اه . وقوله : للاعتداد بتكبيرة الإحرام وتكبير الثانية لا يعتدّ به لوقوعه غلطاً وكلام المحشي ظاهر إذا وقع الإحرام الثاني في الركعة الأولى ، وأما إذا وقع في الركعة الثانية وصلى بعده أربع ركعات ثم تذكر قبل السلام أنه كان كبر فلا يظهر حينئذ قيام الصلاة الثانية مقام الأولى لأنه يلزم عليه إلغاء الركعة الأولى التي صلاها بالإحرام الأول مع أنها لا تلغى بل تكمل بثلاث من الثانية كما هو ظاهر قول الشارح تمت بها الأولى ، ويلغو ركعة من الثانية فقول المحشي أي فتقوم الثانية الخ غير ظاهر في جميع الصور تأمل وحرر . قوله : ( قبل فراغه ) أي وكان قبل التشهد مثلاً لتغاير ما قبلها قوله : ( بنى على الأولى ) أي على ما أتى به من الأولى مع الاعتداد بما أتى به من الثانية اه سم . ومقتضاه أن ما أتى به من الأولى معتدّ به مع الشك في النية مع أن الشكّ في النية يؤثر عند طول الفصل بأن مضى زمن يسع ركناً مع الشك . وأجيب بأن محل ضرر الشك حينئذ إذا لم يأت بإحرام ثان تأمل .
فصل : في بيان الأوقات التي تكره فيها الصلاة بلا سبب
قوله : ( بلا سبب ) لو سكت عنه لكان أولى ولعله ذكره لمراعاة كلام المصنف ق ل . ووجه الأولوية أن الكراهة لا تختص بما لا سبب له بل تجري فيما سببه متأخر أيضاً كصلاة الاستخارة والإحرام . ويمكن أن يقال : المراد بلا سبب متقدم بأن لا يكون لها سبب أصلاً أو يكون لها سبب متأخر . وقوله لمراعاة كلام المصنف أي حيث قال إلا صلاة لها سبب . قوله : ( كراهة تحريم ) الفرق بينهما أن الأولى ما كانت بنهي جازم ، والثانية ما كانت بنهي غير جازم ،(2/293)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
والفرق بين الحرام وكراهة التحريم أن الأول دليله لا يحتمل التأويل والثاني يحتمله . قوله : ( تنزيه ) ولا تنعقد وإن قلنا بالتنزيه لأن النهي فيها لأمر خارج لازم ق ل . قال م د : قوله كراهة تنزيه وهو ضعيف والخلاف لفظيّ لأنها لا تنعقد مطلقاً حتى على القول بالتنزيه ، ولعل الفرق بينهما أنه على الثاني لا إثم فيها فيكون الخلف معنوياً فليحرر . وقوله لا إثم فيها مشكل مع عدم انعقادها . وقال الشيخ عميرة : فتكون مع جوازها فاسدة . واستشكل الجمع بين الجواز والفساد وقيل إن الإقدام عليها جائز ، وعبارة م ر مع زيادة ولا تنعقد حتى لو أحرم بصلاة أو نذرها فيه لم تنعقد للأخبار الصحيحة وإن قلنا الكراهة للتنزيه لأن النهي إذا رجع إلى نفس العبادة أو لازمها اقتضى الفساد ، سواء كان للتحريم أو للتنزيه أي بخلاف الصلاة المنهيّ عنها في الأمكنة المكروهة فيها الصلاة فإنها تنعقد ، والفرق أن الفعل في الزمان يذهب جزءاً منه فكان النهي منصرفاً لإذهاب هذا الجزء في المنهيّ فهو وصف لازم إذ لا يتصوّر وجود الفعل إلا بإذهاب جزء من الزمان ، وأما المكان فلا يذهب جزء منه ولا يتأثر بالفعل فالنهي فيه لأمر خارج مجاور لا لازم فحقق ذلك فإنه نفيس قوله : ( حرم مكة ) سواء المسجد وغيره قوله : ( إلا صلاة لها سبب ) فإن قيل : علة الكراهة عند طلوع الشمس وغروبها واستوائها وجود قرن الشيطان معها وهو موجود سواء كانت الصلاة لها سبب أو لا فعلة الكراهة موجودة مطلقاً . قلنا : ما نهى عن الصلاة إلا لموافقة من يعبد الشمس ، فإذا كان لها سبب أحيلت على سببها فخرجت عن الكراهة وإذا لم يكن لها سبب أحيلت على الوقت فكرهت اه ش الحاوي لأبي البقاء اه عبد البر .
قوله : ( كفائتة ) سببها متقدم أي ولو نافلة تقضي لخبر ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) ولكن هل الأولى أن يصليها في وقت الكراهة أو يتركها ؟ قال سم : الأقرب أنه يصليها . ونقل الشوبري عن الأسنوي الترك . قال شيخنا : ومحله إذا لم تكن الفائتة فرضاً بلا عذر وإلا وجب الفعل ، وخرج المؤداة فتفعل مطلقاً ولو مع التحري . وعبارة سم : نعم تحري الوقت المكروه بالمؤداة لا يمنع انعقادها لوقوعها في وقتها الأصلي كأن أخرّ العصر ليوقعها في وقت الاصفرار اه أ ج قوله : ( وصلاة كسوف ) سببها متقدم ابتداء مقارن دواماً وكذا ما بعدها قوله : ( واستسقاء ) سببها متقدم وهو الحاجة قوله : ( وطواف وتحية وسنة وضوء ) سبب الثلاثة متقدم .
قوله : ( وقال هما اللتان بعد الظهر ) وفي مسلم لم يزل يصليهما حتى فارق الدنيا ، أي لأن(2/294)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
من خصوصياته أنه إذا عمل عملاً داوم عليه ففعلهما أول مرة قضاء وبعده نفلاً مطلقاً لأنه كان لا يفعل شيئاً إلا واظب عليه ، لكن يشكل على ذلك الرواتب غير المؤكدة لأنه كان يفعلها أحياناً ويتركها أحياناً إلا أن يقال : معنى قوله إلا واظب عليه إلا أحب أن يواظب عليه قوله : ( كالصلاة التي لا سبب لها ) كصلاة التسبيح . وقوله : فإنها لا تنعقد أي لأنه معاند للشرع وعبرّ الزركشي وغيرة بمراغمة الشرع بالكلية وهو مشكل بتكفيرهم من قيل له قص أظفارك فإنه سنة فقال : لا أفعل رغبة عن السنة ، فإذا اقتضت الرغبة عن السنة التكفير فأولى هذه المعاندة والمراغمة . ويجاب بتعيين حمله على أن المراد أنه يشبه المراغمة والمعاندة لا أنه موجود فيه حقيقتهما وعبارة م د على التحرير ، ولا يكفر بتلك الصلاة لأنها وإن أشبهت مراغمة الشرع ومعاندته لم توجد فيها حقيقتها بخلاف ما إذا قيل له قصّ أظفارك فقال لا أفعل رغبة عن السنة حيث كفروه لوجود مراغمة الشرع ومعاندته بذلك حقيقة فاندفع بهذا الفرق الإشكال اه .
قوله : ( بالنسبة إلى الصلاة ) أي بأن يكون السبب متقدماً عليها كالفائتة سببها دخول الوقت الذي قد فات ، وكركعتي الوضوء سببهما الوضوء الذي تقدم على فعلهما ، وصلاة الجنازة سببها انقضاء الغسل ، وركعتي الطواف سببهما الطواف المتقدم عليهما ، أما على القول الثاني من أن الاعتبار بالتقدم على وقت الكراهة والمقارنة له والتأخر عنه ففي هذه الصور المذكورة تارة يكون السبب متقدماً على وقت الكراهة وتارة يكون مقارناً إذا قارن وقتها بحسب وقوع السبب قبل وقت الكراهة أو فيه ، ولا يتصور أن يكون بعدها إلا فيما سببه متأخر إذا فرغ من الصلاة آخر وقت الكراهة فتأمل اه م د . قوله : ( الأول ) وعليه لا يتصور سبب مقارن أصلاً خلافاً لابن حجر في نحو الكسوف لأن المقارن دوام السبب لا ابتداؤه فتأمل ق ل . قال م د على التحرير : اللهم إلا أن يقال يتصور ذلك بإحرامه بها عند حال التغير فحصلت المقارنة بهذا الاعتبار أو يكون من أهل الهيئة ، فإذا علم ذلك أحرم بها مقارناً للتغير ونقل ح ل عن حج : أن الكسوف مما سببه متقدم ويؤيده قولهم لو زال أثناء الصلاة أتمها لتقدم سببها ثم كتب ويمكن توجيه كونه مقارناً بأنه عند التحريم يجب أن يكون الكسوف باقياً مستمراً حتى لو زال لم يصح الإحرام اه . وتلخص أنه إن أريد بالمقارنة استواء السبب والإحرام في الزمن ابتداء كان الكسوف متقدماً على الصلاة إذ لا يحرم بها إلا بعد ابتدائه ، وإن أريد بالمقارنة وقوع الإحرام حال وقوع السبب ولو في أثنائه كان الكسوف مقارناً للصلاة .(2/295)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
قوله : ( ومحل ما ذكر ) أي من الصحة في غير ما له سبب متأخر ق ل قوله : ( إذا لم يتحرّ به ) أي ما ذكر من الصلاة .
قوله : ( ليوقعها فيه ) أي من حيث إنه وقت كراهة وإلا بأن أطلق فلا يكون من التحري وليس من التحري ما لو كان عليه صلوات فائتة وأضمر أن يصلي كل وقت خلف وقت أ ج . قال م ر : وليس من تأخير الصلاة لإيقاعها في وقت الكراهة حتى لا تنعقد ما جرت به العادة من تأخير الصلاة على الجنازة لبعد صلاة العصر لأنهم إنما يقصدون به كثرة المصلين قوله : ( تأخير الفائتة ) ولو نوى نفلاً مطلقاً قبل دخول وقت الكراهة فدخل وقت الكراهة ، فإن نوى عدداً أتمه وإن لم ينو عدداً فإن دخل وقت الكراهة بعد فعل ركعتين وجب الاقتصار عليهما ، فإن قام لثالثة قبل دخول وقت الكراهة لزمه الاقتصار عليها اه سم أ ج قوله : ( فقط ) خرج بذلك ما لو دخل لغرض غير التحية أو لغرضهما سم قوله : ( لا تحرّوا ) أصله لا تتحروا ، فحذفت منه إحدى التاءين فصار تحروا . وأصله لا تتحريوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً ثم حذفت لالتقاء الساكنين .
قوله : ( أداء ) احترازاً من صبح مقضية فلا تكره بعد فعلها ، والمراد بقوله أداء أي مغنية عن القضاء وعبارة ق ل على التحرير .
قوله لمن صلاها أي أداء ولم يجب عليه القضاء ، وإلا فلو كان فاقد الطهورين وصلى أو بمحل يغلب فيه الوجود وتيمم وصلاها فله النفل بعدها قوله : ( حتى تطلع ) أي تأخذ في الطلوع وإن لم تتكامل بأن برز بعض القرص وظن طلوعها بالاجتهاد كتيقنه إذ الاجتهاد دليل شرعي فلا يقال : الأصل جواز الفعل حتى يتحقق المانع . والجواب أن الظن المرتب على الاجتهاد نزل منزلة اليقين سم . قال م د : وكان الأولى حذف قوله : وترتفع لأنه عين الوقت الذي بعده . ويجاب بأن كلام الشارح صحيح لأنه قبل الطلوع تكون الكراهة من حيث كونها(2/296)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
واقعة بعد الصبح ، وأما من الطلوع إلى الارتفاع فهي من حيث الفعل ومن حيث الزمان إن صلى الصبح ، فإن لم يصلّ الصبح فيكون من حيث الزمان فقط وكذا يقال فيما يأتي في قوله حتى تغرب بكمالها . قوله : ( وترتفع ) أي فزمن ارتفاعها مشترك بين الكراهة لأجل فعل الفريضة ولأجل الوقت كما يستفاد من قوله الآتي ، وعند طلوعها سواء صلى الصبح أم لا حتى تتكامل وترتفع . فقول ق ل : لا حاجة لقول الشارح وترتفع لأن المراد بالطلوع ابتداؤه سواء ظهرت لنا أو لا فيه نظر لأن ابتداء الطلوع مبدأ الكراهة ، وأفاد قوله : ترتفع استمرار الكراهة بسبب الفعل إلى أن ترتفع كرمح وأنها لا تنتهي بتمام الطلوع اه م د . وكلام المنهج صريح فيما قاله المدابغي لأنه قال وبعد صبح حتى ترتفع كرمح الخ فيكون كعبارة الشارح .
قوله : ( للنهي عنه ) أي عما ذكر من الصلاة ، وكذا يقال فيما بعده قوله : ( قدر رمح ) وهو سبعة أذرع تقريباً في رأي العين ق ل . وقدر غير واحد طوله بنحو أربعة أذرع وجمع بعضهم بينهما فقال : من قال أربعة نظر إلى ذراع العمل ، ومن قال سبعة نظر إلى ذراع الآدمي ، فإذا ارتفعت كرمح صحت الصلاة مطلقاً فالغاية خارجة اه م د على التحرير . وهذا عكس القاعدة لأن الغاية إذا كانت بحتى تدخل في المغيا ، وإذا كانت بإلى لا تدخل في المغيا على الصحيح فيهما قوله : ( فالمسافة بعيدة ) لما تقدم أن الفلك الأعظم يتحرك بقدر النطق بالحرف المحرك قدر خمسمائة عام أو أربعة وعشرين فرسخاً اه ق ل .
قوله : ( عند الاستواء ) أي حقيقة أو حكماً وكذا يقال في الطلوع والغروب ليشمل ذلك أيام الدجال . واعلم أن وقت الاستواء لطيف ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس ، إلا أن التحرم قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح الصلاة حينئذ كما قاله م ر . قوله : ( ثلاث ساعات ) أي أوقات بدليل أن وقت الاستواء يسير جداً ومراده الثلاثة المتعلقة بالزمن .
قوله : ( ينهانا أن نصلي فيهنّ ) أي تحريماً قوله : ( أو نقبر ) بضم أوله من أقبر قال تعالى ) ثم أماته فأقبره } ) عبس : 21 ) والنهي فيه للتنزيه كذا بخط الميداني ، وعبارة ع ش على م ر . قوله : أو نقبر بابه ضرب ونصر اه مختار وهي صريحة في أن النون مفتوحة وأن الباء يجوز فيها الضم والكسر ، وأن ماضيه ثلاثي مفتوح الباء ، وأما أقبره الذي في الآية فمعناه جعل له قبراً ، والذي في الحديث ماضيه قبر بمعنى دفن كما في المختار وقرره شيخنا العشماوي قوله : ( بازغة ) حال مؤكدة بمعنى طالعة . قال في المصباح : بزغت الشمس طلعت قوله :(2/297)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
( تضيف ) أي الشمس أي تميل ، وهو بالمثناة الفوقية المفتوحة والضاد المعجمة المفتوحة والمثناة التحتية المشددة ، وأصله تتضيف حذفت منه إحدى التاءين قوله : ( وقائمها البعير ) الإضافة على معنى في أي قائم فيها ، أي بسببها وفيه مجاز الأول أي حتى يقوم البعير لأنه لا معنى لقوله : حتى يقوم القائم لأنه تحصيل حاصل اه .
قوله : ( وسبب الكراهة ) أي الحكمة في النهي عن الصلاة في هذه الأزمنة الثلاثة ، ولم يذكر الحكمة في النهي عن المتعلقة بالفعل وكذا لم يذكر حكمة النهي عن الدفن فيها . قوله : ( يسجدون لها ) أي فالمصلي في ذلك الوقت مشارك لهم في ذلك اه ق ل قوله : ( يدني رأسه ) كيف هذا مع أن الشمس في السماء الرابعة ، والشيطان في الأرض ؟ ويجاب بأن المراد أنه يميل رأسه لجهة الشمس ، وهذا المعنى والتعليل لا يظهر في كل الأوقات بل عند الطلوع أو عند الاستواء لمن قبلتهم جهة الشمس ، وأما عند الغروب فالساجد لا يسجد لجهة الشمس لأنها خلفه . وقرر شيخنا العشماوي ما نصه قوله : يدني فيه أن الشمس في السماء الرابعة فلعل المراد دنوّه من شعاعها قوله : ( ليكون الساجد لها ) أي الساجد لجهتها فلا يرد أن سجوده لله تعالى إذ الكلام في المؤمن المصلي ، ولا يخفى بعد هذا في وقت الاستواء وفيمن يستدبرون الشمس في تلك الأوقات لكون قبلتهم في خلافها فتأمل ق ل بزيادة . قوله : ( إلا يوم الجمعة ) أي بالنسبة لوقت الاستواء ، أما غير وقت الاستواء فحكمه حكم غير الجمعة من بقية الأيام ، وأما في حرم(2/298)
"""""" صفحة رقم 299 """"""
مكة فلا فرق بين وقت الاستواء وغيره فلا كراهة فيه مطلقاً خ ض . قوله : ( والأصح جواز الصلاة ) أي يوم الجمعة قوله : ( ولو مجموعة في وقت الظهر ) أي جمع العصر مع الظهر تقديماً . قال ح ل : وهذا هو المعتمد خلافاً لما أفتى به العماد ابن يونس من أنه لا يكره حينئذ ، وحينئذ يقال لنا شخص يكره له التنفل بعد الزوال إلى الغروب اه . فالغاية في قوله ولو مجموعة الخ للردّ على القول الضعيف قوله : ( بكمالها ) لا يخفى أن هذا يقتضي استدراك الوقت الخامس المذكورة بعده ، فكان الصواب أن يؤول الغروب في كلام المصنف بالقرب منه الذي هو قبل الاصفرار ق ل . وعبارة سم في شرحه : يعني يقرب غروبها بأن تصفرّ اه . قال م د بعد نقل عبارة ق ل : وهو أي ما ذكره ق ل ممنوع لأن مقاربة الغروب مكروهة لأمرين للفعل وللزمان ، فلذلك ذكره في الأول مع ذكره في الثاني كما مرّ نظيره اه . قوله : ( عند مقارنة الغروب ) الصواب عند مقاربة الغروب بالباء لا بالنون لأن الوقت الخامس وقته من الاصفرار إلى تكامل الغروب كما في المنهج وغيره ، وكلامه يقتضي أنه من ابتداء المقارنة شيخنا .
قوله : ( انقسام النهي ) المراد به المنهيّ عنه وهو الصلاة .
قوله : ( بعد الصبح ) أداء أي إلى أن ترتفع الشمس كرمح . وقوله وبعد العصر أي إلى تمام الغروب وإن دخلت الكراهة للزمان أيضاً لأن الصلاة حينئذ مكروهة من جهتين خلافاً لما تقدم عن ق ل م د . ومتن المنهج صريح فيما قاله م د لأنه قال : وبعد صبح حتى ترتفع كرمح وعصر وعند اصفرار حتى تغرب اه تأمل . قوله : ( الأصلية ) لو قال المحدودة لكان أولى . وعبارة ق ل : لعل المراد بأصالتها عدم زوالها عن محلها أبداً بخلاف غيرها لتوقفه على فعل الخطبة مثلاً .(2/299)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
قوله : ( ووقت صعود الإمام ) أي في حال صعوده وقبل جلوسه ، وتحرم ولا تنعقد فرضاً أو نفلاً فيما بعد جلوسه بعد صعوده إلى تمام الخطبة ، والمنع في هذه شامل لحرم مكة وغيره فراجعه ق ل قال الشوبري : وانظر قبيل الصعود بزمن لا يسع فراغ الصلاة قبل جلوس الإمام وقبل شروعه في الخطبة في شرح م ر : أنه يلزمه التخفيف من حين جلوسه ، وعبارة المناوي : ويلزم من شرع في صلاة قبله أي قبل جلوس الخطيب تخفيفها عند جلوسه على المنبر قوله : ( لخطبة الجمعة ) قيد للحرمة فتكره في غيرها مع الصحة م د على التحرير . قوله : ( وإنما ترد الأولى الخ ) أي فهي غير واردة وكذا لا ترد الثانية التي في حالة الصعود لأنها منعقدة ، فلا ترد إلا ما بعد جلوسه لعدم انعقاد الصلاة فيها إجماعاً فرضاً أو نفلاً كما مرّ ق ل . وقد يقال : لا ترد هذه أيضاً لذكرها في بابها تأمل قوله : ( إذا قلنا الكراهة للتنزيه ) أي في الأوقات الخمسة ، أما إذا قلنا إنها للتحريم وهو المذهب فلا ترد اه .
قوله : ( والمشهور في المذهب خلافه ) فهي كراهة تنزيه على المعتمد ، ولا ترد أيضاً لأنها منعقدة ق ل قوله : ( مطلقاً ) أي سواء كان لها سبب متقدم أو مقارن أو لا . قوله : ( لخبر ) فهذا الحديث مخصص لعموم الحديث الأوّل في المكان الشامل له عموم الزمان في الحديثين ، والمراد بالصلاة في هذا عمومها لا خصوص صلاة الطواف ، بدليل سقوط الطواف في بعض الروايات فلا معارضة فتأمل . لكن في أخذ عموم الحرم من الحديث توقف وصريح قول الشارح ولما فيه من زيادة فضل الصلاة تخصيص الاستثناء بالمسجد ، وليس كذلك كما مرّ ، فلو أسقط هذا التعليل لكان مستقيماً ق ل وفي رواية ( لاَ تَمْنَعُوا أَحَدَاً صَلَّى ) من غير ذكر الطواف بالبيت اه قوله : ( وصلى أية ساعة ) أي في الحرم بدليل الرواية التي فيها ( لاَ تَمْنَعُوا أَحَدَاً صَلَّى فِي الَحرَمِ ) من غير ذكر الطواف فحينئذ دلالته على المدعي ظاهرة قوله : ( خروجاً من الخلاف ) أي لأن أبا حنيفة يرى كراهتها مطلقاً(2/300)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
حتى في حرم مكة . وقول م د لأن مالكاً يرى كراهتها غير ظاهر لأنه موافق لنا كما في الميزان .
فصل : في صلاة الجماعة
العبارة مقلوبة والإضافة بعد القلب على معنى في ، وحق العبارة في الجماعة في الصلاة وإنما أوّلنا ذلك لأن حكم الصلاة تقدم . وهي من خصائص هذه الأمة كما نقل عن ابن سراقة برماوي لأن الصلاة فرادى كانت موجودة قبل ، قال ابن دريد : أول من صلى جماعة رسول الله حين خرج من الغار في الصبح ، وإنما كانوا يصلون قبل فرادى . ومن خصائص هذه الأمة أيضاً الجمعة والعيدان والكسوفان والاستسقاء . والجماعة لغة الطائفة . وشرعاً ربط صلاة المأموم بصلاة الإمام ولفظها يصلح لهما ويتعين لأحدهما بالقرينة كتقدم الإمام أو إحرامه . والحكمة في الجماعة قيل لأن المذنب إذا اعتذر من سيده يجمع الشفعاء ليقبله ، والمصلي معتذر فأتى بالشفعاء لتقضي حاجته ، ولأن الصلاة ضيافة ومائدة برّ ، والكريم لا يضع مائدته إلا لجماعة كما قاله عبد البرّ .
قوله : ( والأصل فيها ) لم يقل في وجوبها ليجري كلامه على كل الأقوال في أنها فرض عين أو كفاية أو سنة . وقال أ ج قوله : والأصل فيها أي والدليل على طلبها . والحاصل أن صلاة الجماعة تعتريها الأحكام الخمسة : الوجوب على الرجال البالغين الأحرار العقلاء ، والكراهة خلف مبتدع ومخالف كحنفي ، ومن الكراهة تنزيهاً إقامتها بمسجد غير مطروق بغير إذن راتبه ، فلو غاب ندب انتظاره ولا يؤم به غيره إلا إن خيف خروج الوقت ولم يخش فتنة وإلا صلوا فرادى ، أما المطروق فلا ولو في صلب صلاة إمامه ، والاستحباب للعراة إذا كانوا عمياً أو في ظلمة ، والإباحة لهم في غير ما ذكر ، والحرمة بأن يضيق الوقت وكان بحيث لو صلى منفرداً أدركها كلها في الوقت ، ولو صلى جماعة أدرك بعضها في الوقت كذا ذكره الشيخ عبد البر مع زيادة من الرحماني وعبارة م د : وقد تجب كما لو رأى إماماً راكعاً وعلم أنه إذا اقتدى به أدرك ركعة في الوقت لا إن صلى منفرداً كما أفاده الأسنوي ، ويؤخذ منه تحريمها فيما إذا رأى الإمام في جلوس التشهد الأخير وعلم أنه لو اقتدى به لم يدرك ركعة في الوقت وإن صلى منفرداً أدركها اه قوله : ( من صلاة الفذّ ) بالفاء والذال المعجمة المنفرد قوله : ( درجة ) أي صلاة فصلاة الشخص جماعة يعدل ثوابها سبعاً وعشرين صلاة من صلاة المنفرد .(2/301)
"""""" صفحة رقم 302 """"""
قوله : ( لأن القليل الخ ) أي الإخبار به ، وإلا فذات القليل تنافي ذات الكثير وقوله : أو أنه أخبر الخ وهذا الجواب يتوقف على صحة ثبوت تقدم رواية القليل قوله : ( أو أن ذلك يختلف ) فمن زاد خشوعه وتدبره وتذكره عظمة من تمثل في حضرته فله سبع وعشرون ، ومن ليست له هذه الهيئة له خمس وعشرون وهذا احتمال لا مانع منه ، والجمع يكفي فيه مثل ذلك وبهذا التقرير يندفع ما للشهاب القليوبي من نسبة هذا الجواب لعدم الاستقامة فليتأمل ا ج . ومن الأجوبة أيضاً أن ذلك يختلف بقرب المسجد وبعده ، أو أن رواية السبع والعشرين مختصة بالصلاة الجهرية لأنها تزيد على السرّية بسماع قراءة الإمام والتأمين لتأمينه ، والرواية الأخرى للصلاة السرية لنقصها عنها اه أ ج .
قوله : ( ثلاث عشرة سنة الخ ) استشكل بأن فرض الصلاة كان قبل الهجرة بسنة أو وثلاثة أشهر أو وستة أشهر إلى غير ذلك فكيف يأتي ما قاله . وأجيب بشموله لما كان يصليه قبل فرض الخمس أ ج قوله : ( يصلي ) أي غير الخمس قبل الخمس والخمس بعد فرضها أ ج قوله : ( بغير جماعة ) أي بغير إظهارها وقول ابن حجر : شرعت بالمدينة أي إظهارها فلا ينافي صلاة جبريل بالنبّي وبالصحابة صبيحة ليلة الاسراء ، وصلاة النبي أيضاً بخديجة اه أ ج قوله : ( إلا بذنب أذنبه ) جعل ذلك من المصائب ، ولذلك رتب عليه قوله وكان السلف الخ قوله : ( يعزون أنفسهم ) وصيغة التعزية : ليس المصاب من فقد الأحباب إنما المصاب من حرم الثواب اه أ ج . قوله : ( إمام ومأموم ) أي في غير الجمعة ، أما فيها فأقل الجماعة أربعون وهذا مأخوذ من قوله ( الجَمَاعَةُ إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ ) أي سواء كان الرجل مع ولده أو زوجته أو رقيقه لقوله ( الاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ) قال ابن الرفعة : لا يقال المشهور من مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه أن أقل الجمع ثلاث . لأنا نقول الحكم هنا على الاثنين بالجماعة أمر شرعي مأخذه التوقيف ، وأقل الجمع ثلاثة بحث لغوي مأخذه اللسان . وقوله أيضاً أقل الجماعة أي بخلاف الجمع . فأقله ثلاثة وغلط من سوى بينهما . وقولهم : يطلق الجمع على ما فوق الواحد وهو الاثنان أي مجازاً ، ولذا قال الرحماني والخلاف في اللفظ المعبر عنه بالجمع كرجال وزيدين لا في لفظ ج م ع فإنه يطلق على اثنين بلا خلاف لأن مدلوله ضم شيء إلى شيء اه .(2/302)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
قوله : ( في المكتوبات ) قيد بها لأجل الخلاف ، وإلا فهي سنة في غيرها قطعا كالعيد والكسوف ق ل قوله : ( غير الجمعة ) بنصب غير على الحال أو على الاستثناء ، ويمنع الجر نعتاً للمكتوبات لأن غير لا تتعرف بالإضافة لتوغلها في الإبهام إلا إذا وقعت بين ضدين ، قاله ابن حجر ، أي لأنها إن جرّت لزم عليه نعت المعرفة بالنكرة قاله سم ، وقد يقال الفرائض هنا ما عدا الجمعة من الخمس وهي أي الجمعة مضادة لما عداها لأن الضدين هما الأمران الوجوديان اللذان لا يصدقان على ذات واحدة من جهة واحدة ، فلتتعرف غير هنا وحينئذ تكون نعتاً للمكتوبات اه رحماني . قوله : ( سنة ) أي سنة عين ، وفي حمله على قوله صلاة الجماعة مسامحة لأن الصلاة واجبة وإن وقعت في جماعة فلذلك قال سم : المراد أن الجماعة سنة اه . فالمراد أنها سنة من حيث الجماعة قوله : ( فرض كفاية ) أي في الركعة الأولى لا في جميع الصلاة ز ي قوله : ( لرجال ) أي عليهم قوله : ( أحرار ) أي كاملين الحرية ق ل . قوله : ( مقيمين ) ولو بغير استيطان قوله : ( غير عراة ) أي وغير معذورين وغير مؤجرين إجارة عين على عمل ناجز ، فلا تجب على نحو مريض ولا على أجير إلا بإذن مستأجره ق ل . وعبّر بقوله غير عراة دون أن يقول مستورين لعله إشارة إلى أن مجرد الستر لا يستدعي وجوب الجماعة عليهم لجواز أن يكونوا مستورين بنحو طين ، ولا يستدعي وجوب الجماعة بل مثل ذلك عذر اه ع ش .
قوله : ( في أداء مكتوبة ) أي غير جمعة ظاهره وإن وجبت لحرمة الوقت مع وجوب إعادتها كصلاة فاقد الطهورين ، والأوجه أنها سنة فيها فتستثنى من كلامه كما تستثنى منه أيضاً صلاة شدة الخوف وظهر المعذورين يوم الجمعة لأن الشعار يظهر بإقامة الجمعة ، فلا حاجة إلى ظهور شعار آخر في غيرها قاله شيخنا . وقضية التعليل أن الشعار لو توقف ظهوره على جماعة الظهر كانت واجبة إلا أن يقال من شأنه الظهور بإقامة الجمعة اه شوبري .
قوله : ( ما من ثلاثة ) من زائدة وثلاثة مبتدأ . وقوله : في قرية صفة ، أي كائنون في قرية . وقوله : لا تقام صفة ثانية . وقوله : إلا استحوذ خبر ، وعبارة البرماوي والحلبي قوله ( مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ ) الخ كأنّ وجه الدلالة على أخذ فرض الكفاية من هذا الحديث أن استحواذ الشيطان ، أي غلبته يلزم منه البعد عن الرحمة . ففي الحديث الوعيد الشديد على ترك الجماعة ، فدّل على أنها فرض كفاية لا عين بقوله : فيهم ولم يقل يقيمون . وقال ق ل : إن(2/303)
"""""" صفحة رقم 304 """"""
الحديث تحذير عن اتباع الشيطان فيما يحصل له الإثم ، وهو إنما يكون في الواجب قوله : ( فعليك ) اسم فعل بمعنى استمسك ، وإنما فسرناه بذلك لوجود الباء في المفعول فهو مثل ( عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّيْنَ ) وصرح الرضي بأن الباء في مثله زائدة ، ولا يخفى أن الزيادة خلاف الأصل كذا بخط الشيخ أبي بكر الشنواني .
قوله : ( القاصية ) أي البعيدة وهو مفعول لقوله : يأكل قوله : ( بمحال ) جمع محلة ، وهي الحارة عميرة مرحومي قوله : ( الشعار ) بفتح أوله وكسره جمع شعيرة بمعنى العلامة ، والمراد ظهوره عند أهل البلد . قال بعضهم : وعند الطارقين والعلامة كفتح أبواب المساجد واجتماع الناس لها بسهولة . قال شيخنا ح ف : وضابط ظهور الشعار أن لا تشقّ الجماعة على طالبها ، ولا يحتشم كبير ولا صغير من دخول محالها ، فإن أقيمت في محل واحد في بلد كبير بحيث يشق على البعيد حضوره أو أقيمت في البيوت بحيث يستحي من دخولها لم يحصل ظهور الشعار فلا يسقط الفرض اه . قوله : ( بطائفة ) أي من أهل البلد والوجوب ، فلا يسقط بفعل غير أهل البلد ولا بالصبيان والنساء ونحوهم كإحياء الكعبة فإنه لا يحصل بالصبيان ولا بالأرقاء ، ومثلها رد السلام فلا يحصل بالصبيان بخلاف صلاة الجنازة والجهاد فيسقطان بالصبيان ، بل سائر فروض الكفاية يكفي فيه الصبيان كالأمر بالمعروف والحرف إلا أربعة صلاة الجماعة والحج والعمرة وردّ السلام . ومراده بالحج والعمرة إحياء الكعبة بهما كل عام وإلا فهما فرض عين ، ولو أقامها الجن وظهر بهم الشعار هل يكتفي بهم أو لا ؟ فيه نظر وينبغي أنهم لو كانوا على صورة البشر اكتفي بهم أو على صورهم فلا يكتفي بهم لأن صورهم منفرة ويعسر الحضور معهم اه أ ج . ولا بد من فعلها أيضاً في محل يمتنع قصر الصلاة فيه ، فلا يكفي إقامتها في محل لا تجوز إقامة الجمعة فيه خلافاً لبعضهم اه شوبري .
قوله : ( على ما ذكر ) أي بحيث يظهر الشعار قوله : ( قاتلهم ) أي كقتال البغاة ق ل قوله : ( فلا تجب على النساء ) شروع في محترزات القيود السابقة ، وعبارة العيني على الكنز . ولا(2/304)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
يحضرن أي النساء سواء كنّ شوابّ أو عجائز الجماعات لظهور الفساد ، وعند أبي حنيفة للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء ، وعندهما تخرج في الكل وبه قالت الثلاثة ، والفتوى اليوم على المنع في الكل ، فلذلك أطلق المصنف . ويدخل في قوله : الجماعات الجمع والأعياد والاستسقاء ومجالس الوعظ لا سيما عند الجهال الذين تحلوا بحلية العلماء وقصدهم الشهوات وتحصيل الدنيا قوله : ( من فيه رقَ ) وإن كان بينه وبين سيده مهايأة والنوبة له سواء انفرد الأرقاء بالبلد أم لا خلافاً لمن رجح خلاف ذلك شرح م ر . قوله : ( خلف مقضية من نوعها ) أي اتفق شخصهما كظهر وظهر مثلاً لا ظهر وعصر أو عشاء لأنهما مختلفان نوعاً وإن اتفقا عدداً اه أ ج . وعبارة ق ل على التحرير قوله : إذا اتفقا أي في النوع كظهرين وإلا كرهت ، وإن اتفق العدد كظهر وعصر قال شيخنا م ر . ومع الكراهة تحصل فضيلة الجماعة كفرض خلف نفل وعكسه ، ومؤداة خلف مقضية وعكسه وفيه نظر اه . فالجماعة على أقسام فرض عين في نحو الجمعة وكفاية في باقي المكتوبات وسنة في النوافل التي تشرع فيها الجماعة ، ومكروهة في مقضيتين مختلفتين ومباحة للعراة وحرام في الصورة التي تقدمت عن الشوبري اه .
قوله : ( فلا تسن ) أي ولا تكره فتكون خلاف السنة .
قوله : ( ولا في منذورة ) أي إلا إن كانت الجماعة فيها مندوبة قبل النذر كالعيد فتستمر على سنيتها اه ق ل . وتجب الجماعة فيها إذا نذرها م د . فقول الشارح : بل ولا تسن محمول على غير ذلك أ ج قوله : ( بل ولا تسن ) قال م ر في حواشي شرح الروض : بل ولا تكره . قال شيخنا : ولا خلاف الأولى فتكون مباحة قوله : ( في البيت ) وإن قلت قوله : ( في المسجد ) وإن كثرت قوله : ( صلاة المرء ) أي الذكر هو عام فيما إذا كانت فرادى أو جماعة ففيه المدعي وزيادة كما قرره شيخنا العشماوي . وقال شيخنا ح ف : أي أفضل جماعة صلاة المرء ، فيكون مطابقاً للمدعي وهذا دليل للدعوة الأولى . وأما دليل الثانية فما ذكره م ر من حديث ( لاَ تَمْنَعُوا(2/305)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ وَبُيُوتهِنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ ) قوله : ( إلا المكتوبة ) وإلا نفلاً تشرع فيه الجماعة ح ل قوله : ( لأن المسجد مشتمل على الشرف وإظهار الشعار ) قضيته أن الشعار لا يظهر في البيوت ولا الأسواق . ونقل القاضي أبو الطيب عن أبي إسحاق أن البيوت إذا فتحت أبوابها بحيث لا يحتشم كبير ولا صغير من دخولها ظهر الشعار بذلك فيكتفى به . قال م ر : وهو المعتمد . ومن ثم كان الأوجه الاكتفاء بإقامتها في الأسواق إن كانت كذلك وإلا فلا ، لأن لأكثر الناس مروءات تأبى دخول بيوت الناس والأسواق اه أ ج .
قوله : ( ويكره لذوات الهيئات ) أي ذاتاً أو صفة لتدخل الشابة : أي غير المتزينة وأما غير الشابة المتزينة فداخلة في الصفة والمراد إذا خرجت بإذن الزوج ولم تكن فتنة ولا نظر محرّم وإلا حرم .
قوله : ( ويؤمر الصبي ) أي غير الأمرد الحميل فإنه ملحق بالمرأة كما في شرح م ر قوله : ( اثنان ) أي عندنا وعند أبي حنيفة ثلاثة ، وهذا في غير الجمعة قوله : ( منها ) أي من البيوت وهو قيد معتبر ، فما قلّ جمعه في المسجد أفضل مما كثر جمعه في البيوت ليحوز الفضيلتين هل وإن لزم عليه فوات الجماعة على من في البيت ؟ الظاهر لا قوله : ( أنه ) الظاهر بأنه اه قوله : ( فالانفراد افضل ) هذا ضعيف نعم الانفراد في المساجد الثلاثة أفضل من الجماعة في غيرها كما قاله المتولي واعتمده م ر قوله : ( منها ما لو كان الخ ) ومنها ما لو كان تتعطل جماعة محل بيته ولو مع زوجته أو أمته فقليل الجمع فيه أفضل أيضاً اه ق ل قوله : ( مبتدعاً ) أي لا يكفر ببدعته أي كالمجسمة على المعتمد أي القائلين بأن الله جسم لا كأجسامنا ، فإن قالوا : كأجسامنا كفروا(2/306)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
كالجهوية قوله : ( كمعتزلي ) ومثله ما لو اعتقد عدم وجوب بعض الواجبات كحنفي إذا أتى بها ، والمعتمد أن الصلاة خلفه ككل مخالف محصلة لفضيلة الجماعة وأنها أفضل من الانفراد وأنها مكروهة وإن تعذرت الجماعة بغيرهم على المعتمد شرح م ر ملخصاً . والكراهة لا تنفي الفضيلة والثواب لاختلاف الجهة وإن توقف في ذلك الزيادي ، بل الحرمة لا تنفي الفضيلة كالصلاة في أرض مغصوبة قوله : ( في أول الوقت ) الأولى إسقاط أول لأن المراد وقت الفضيلة .
فرع : إذا لم يدخل الإمام في الصلاة وقد جاء وقت الدخول وحضر بعض المأمومين ورجوا زيادة ندب له أن يعجل ولا ينتظرهم لأن الصلاة أول الوقت بجماعة قليلة أفضل منها آخره بجماعة كثيرة اه ومن عليه إمامة مسجد تجب عليه الصلاة فيه . وإن لم يحضر أحد يصلي معه لأنه لا يفوت الميسور بالمعسور ، بخلاف مدرّس لم تحضر طلبته لأنه لا تعلم بلا متعلم ق ل على الجلال .
قوله : ( لاستيلاء ظالم ) أي وفرض المسألة أن يعلم أن الذي بناه ظالم مشهور بالظلم ، ولم يتحقق أن محل الصلاة بعينه حرام وإلا فالصلاة فيه حرام . ولو استوى مسجداً جماعة قدم الأقرب مسافة لحرمة الجوار ؛ ثم ما انتفت الشبهة فيه عن بانيه أو واقفه أ ج قوله : ( لوسوسة غير ظاهرة ) أي خفيفة وقدرها بأن لا تكون قدر ما يسع ركناً قصيراً ق ل . وقال ح ل : بحيث لا يكون زمنها يسع ركنين فعليين ولو طويلاً وقصيراً من الوسط المعتدل وإلا كانت ظاهرة كما يعلم ذلك من الكلام على التخلف عن الإمام ، ولو خاف فوات هذه الفضيلة لو لم يسرع في المشي لم يسرع بل يمشي بسكينة بخلاف ما لو خاف فوت الوقت لو لم يسرع فإنه يسرع وجوباً كما لو خشي فوت الجمعة اه . وقوله : بل يمشي بسكينة : أي وفي فضل الله تعالى(2/307)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
حيث قصد امتثال الشارع بالتأني أن يثيبه على ذلك قدر فضيلة التحرم أو فوقها كما في ع ش على م ر .
قوله : ( وتدرك فضيلة الجماعة ) أي وإن كان الإمام معيداً ، وأما قولهم : ويسن للمفترض أن لا يقتدي بالمتنفل للخروج من خلاف أبي حنيفة فمحله في النفل المحض ، أما المعادة فلا لأنه قد اختلف في فرضيتها كما ذكره م ر في الفتاوى . وإدراك الجماعة على أربعة أنواع : إدراك فضيلة الجماعة وإدراك الجمعة وإدراك الركعة وإدراك فضيلة التحرم ، وقد أخذ في بيانها فقال : وتدرك الخ قوله : ( في غير الجمعة الخ ) قال شيخنا : لا يخفى أن هذا القيد ومفهومه المذكور بعده وهو قوله : أما الجمعة الخ غير مستقيم لأن الكلام في إدراك الجماعة وإن لم تدرك الجمعة فتأمل . اللهم إلا أن يقال إنما قيد في الجمعة بالركعة لأنها لا تحصل الجماعة المعتبرة لصحتها إلا بركعة فتأمل اه برماوي على ابن قاسم قوله : ( ما لم يسلم الإمام ) أي ما لم يشرع في السلام وإلا انعقدت فرادى على المعتمد م د . ومثله س ل و أ ج لأنه بالشروع في السلام اختلت القدوة ، وقيل تنعقد جماعة وقيل تبطل . وعبارة م د على التحرير : قوله لإدراكه ركناً معه ولو ركن السلام بأن أتمَّ التكبيرة قبل شروع الإمام فيه وإلا لم يدركها بل لا تنعقد صلاته على المعتمد عند شيخنا خلافاً لابن حجر ق ل . وقال الزيادي تبعاً للبلقيني : تنعقد فرادى وهذا هو الذي في شرح م ر ، فهو المعتمد فاحفظه واحذر خلافه . ولو أحرم فتبين أن الإمام سبقه بفراغ السلام لكن عاد عن قرب لنحو سهو عليه استمرت القدوة ، وعلى المأموم موافقته في سجود السهو اه .
قوله : ( وإن لم يقعد معه ) بأن سلم عقب تحرمه شرح المنهج ، فإن لم يسلم قعد المأموم ، فإن لم يقعد عامداً عالماً بل استمر قائماً إلى أن سلم بطلت صلاته لما فيه من المخالفة الفاحشة ، نعم يغتفر هذا التخلف بقدر جلسة الاستراحة شوبري .
قوله : ( مع فعل الأبعاض والهيئات ) أي جميع ما يطلب من واجب ومستحب بحيث لا يقتصر على الأقل كتسبيحة ، ولا يستوفي الأكمل وإلا كره بل يأتي بأدنى الكمال بأن يأتي بثلاث تسبيحات لخبر ( إِذَا أَمَّ أَحَدُكُم النَّاسَ فَلُيَخِفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمِ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الحَاجَةِ ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلُيِطِلْ مَا شَاءَ ) اه م ر . والذي ذكره ابن حجر ( إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمِ الصَّغِيرَ وَالكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالمَرِيضَ وَذَا الحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى ) الخ ولعلهما روايتان اه أ ج . قوله : ( إلا أن يرضى ) أي تظهر قرينة رضاهم وإن لم يصرحوا بذلك ، فإن(2/308)
"""""" صفحة رقم 309 """"""
ظهرت قرينة الرضا ولو مع سكوتهم ندب له التطويل كما في م ر . والمراد بالمحصورين من لا يصلي وراءه غيرهم ولو ألفاً كما قاله شيخنا . وعبارة أ ج : إلا أن يرضى بتطويله قوم باللفظ لا بالسكوت فيما يظهر اه ابن حجر . قال م ر : بل مثل اللفظ السكوت إذا علم رضاهم فيما يظهر اه قوله : ( لا يصلى وراءه الخ ) تفسير للمحصورين قوله : ( ليلحق آخرون ) أي لم يحس بهم فلا ينافي قوله ولا أحس الخ .
قوله : ( ولو أحس ) بمنزلة الاستثناء مما قبله فكأنه قال يكره التطويل إلا فيما لو أحس الخ . وحاصله أنه يسنّ انتظار الإمام لمن يريد الاقتداء به بشروط تسعة : أن يكون ذلك الانتظار في الركوع أو التشهد الأخير ، وأن لا يخشى فوت الوقت ، وأن يكون الذي ينتظره داخل محل الصلاة دون من هو خارجها ، وأن ينتظره لله تعالى لا لتودّد ونحوه وإلا كره . وذهب الفوراني إلى حرمته عند قصد التودد وأن لا يبالغ في الانتظار ولو بضم انتظار مأموم إلى آخر وإلا كره ، وأن لا يميز بين الداخلين ، وأن يظن أن يقتدي به ذلك الداخل ، وأن يظن أنه يرى إدراك الركعة بالركوع ، وأن يظن أن يأتي بالإحرام على الوجه المطلوب من كونه في القيام ، والإمام ليس بقيد بل مثله المنفرد ، وإن كانت لا تأتي فيه جميع الشروط قوله : ( بداخل محل الصلاة ) خرج به ما لو أحسّ به قبل شروعه في الدخول فلا ينتظره اه أ ج . قوله : ( سن انتظاره ) وإن كان المأمومون لم يرضوا بالتطويل قوله : ( وإن لم يبالغ الخ ) قيد في الإمام لا في غيره فلغيره انتظاره ولو بالغ . ومثله إمام قوم راضين بالتطويل على المعتمد اه م د . وضابط المبالغة في ذلك أن يطول تطويلاً لو وزّع على جميع أركان الصلاة لظهر أثره فيه اه . شرح المنهج . أي لو وزع على القيام والركوع والسجود مثلاً لعدّ كل منها تطويلاً في عرف الناس شيخنا . بخلاف ما إذا كان لا يرى إدراك الركعة بالركوع كالحنفي فلا يسن انتظاره .
قوله : ( غير ثانٍ من صلاة الكسوف ) أي لمن يصلي الكسوف أيضاً أما غيره فيسن انتظاره في ركوع الثانية لأنه يحصل به ركعة شوبري قوله : ( ولم يميز ) وانظر ما صورة الانتظار لله مع التمييز لأنه متى ميزّ لم يكن الانتظار لله . وذكر في الروضة أن الانتظار لغير الله هو التمييز فليحرر ح ل . ويمكن أن يكون أصل الانتظار لله لكنه انتظر زيداً مثلاً لخصاله الحميدة ولم ينتظر عمراً مثلاً لفقد تلك الخصال فيه ، فالانتظار لله وجد مع التمييز . ألا ترى أنه إذا كان يتصدق لله ويعطي زيداً لكونه فقيراً ولم يعط عمراً لكونه غنياً فوجد هنا التمييز مع كون التصدق لله شيخنا .(2/309)
"""""" صفحة رقم 310 """"""
قوله : ( ويسن إعادة المكتوبة الخ ) حاصله أنه يشترط لصحة الإعادة الوقت ولو ركعة ، والجماعة من أولها إلى آخرها . قال ق ل : فلو انفرد بجزء منها ولو من آخرها لنحو تأخير سلامه عن سلام إمامه بطلت . وقال م ر : الجماعة في المعادة بمنزلة الطهارة لها ونية الفرضية ، وأن تكون الأولى صحيحة وإن لم تغنه عن القضاء ، وأن تكون مع من يرى جواز الإعادة أو ندبها ، فلو كان الإمام المعيد شافعياً والمأموم حنفي أو مالكي لا يرى جواز الإعادة لم تصح لأن المأموم يرى بطلان الصلاة فلا قدوة ، وأن تعاد مرة فقط . وقال المزني : تعاد خمساً وعشرين مرة ، وكان يفعلها كذلك . وقال الشيخ أبو الحسن البكري : تعاد من غير حصر ما لم يخرج الوقت وأن تكون مكتوبة أو نافلة تسن فيها الجماعة ما عدا الوتر لخبر ( لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ) . وأن لا تكون في شدة الخوف وحصول فضيلة الجماعة ولو عند التحرم ، فلو أحرم المعيد وهو منفرد عن الصف لم تصح صلاته بخلاف ما إذا أحرم وهو في الصف ثم انفرد عنه فإنها تصح ، وأن لا تكون إعادتها للخروج من الخلاف ، فإذا مسح الشافعي بعض رأسه وصلى أو صلى في الحمام أو بعد سيلان الدم من بدنه فصلاته باطلة عند مالك في الأولى وعند أحمد في الثانية وعند الحنفي في الثالثة فتسن الإعادة في هذه الأحوال الثلاثة بعد وضوئه على مذهب المخالف خروجاً من الخلاف ولو منفرداً ، وهذه ليست الإعادة الشرعية المرادة هنا كما قرره شيخنا ح ف . وهذا أعني قوله : وأن لا تكون إعادتها للخروج من الخلاف شرط في وجوب الجماعة في المعادة لا في أصل صحتها ، وإنما تطلب الإعادة لمن الجماعة في حقه أفضل بخلاف نحو العاري في غير محل ندبها فإنها لا تنعقد شرح م ر . فيؤخذ منه شرط آخر وقوله : لا وتران اسم لا على لغة القصر أي لغة من يلزم المثنى الألف دائماً كقراءة ) إنّ هذان لساحران } ) طه : 63 ) وانظر ما المانع من عملها عمل ليس .
قوله : ( المكتوبة ) أي على الأعيان ولو مغرباً حتى على الجديد أيضاً لأن وقتها عليه يسع تكررها مرتين بل أكثر ، فخرج المنذورة أي التي تسنّ الجماعة فيها فلا تسن الجماعة فيها ولا تنعقد إذا أعيدت بخلاف ما لو نذر صلاة العيد فتعاد لسنّ الجماعة فيها قبل النذر . وخرج الجنازة فلا تسن إعادتها فإن أعيدت انعقدت نفلاً مطلقاً . وقولهم في صلاة الجنازة لا يتنفل بها أي لا يؤتى بها على جهة التنفل ح ل . عبارة م ر وخرج صلاة الجنازة لأنه لا يتنفل بها ، فإن أعادها ولو مرات كثيرة صحت ووقعت نفلاً مطلقاً وهذه خرجت عن سنن القياس فلا يقاس عليها اه . ودخل في المكتوبة صلاة الجمعة فتسن إعادتها عند جواز تعددها أو عند انتقاله لبلد أخرى رآهم يصلونها خلافاً لمن منع ذلك ، وهل يحسب من الأربعين في الثانية اكتفاء بنية الفرضية أو لا لوقوعها له نافلة ؟ فيه نظر . وإطلاقهم يقتضي الأول كما قاله ع ش . ولو صلّى معذور الظهر ثم وجد من يصلي الجمعة سن له أن يعيد معهم اه إطفيحى .(2/310)
"""""" صفحة رقم 311 """"""
قوله : ( ورخص ترك الجماعة بعذر ) أي فتسقط الحرمة على القول بالفرضية والكراهة على القول : بالسنية ، وينتفي الإثم عمن توقف حصول الشعار عليه ، وقيل بل يحصل له فضل الجماعة لكن دون فضل من فعلها أي حيث قصد فعلها لولا العذر . وقرر شيخنا الزيادي اعتماده . ونقل شيخنا م ر أن بعضهم حمل القول بعدم حصول فضلها على من تعاطى سبب العذر كأكل البصل ووضع الخبز في التنور ، والقول بحصول فضلها على غيره كالمطر والمرض قال : وهو جمع لا بأس به . والحاصل أن من رخص له ترك الجماعة حصلت له فضليتها ، وحينئذ يقال لنا منفرد يحصل له فضيلة الجماعة . وحينئذ تقبل شهادة من داوم على تركها لعذر ، وإذا أمر الإمام الناس بالجماعة لا تجب على من ذكر لقيام العذر ح ل . والرخصة بسكون الخاء ويجوز ضمها لغة التيسير والتسهيل ، واصطلاحاً الحكم الثابت على خلاف الدليل الأصلي كما في شرح م ر . وقرر شيخنا العزيزي أن تعريف الرخصة هو الانتقال من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام سبب الحكم الأصلي كما في جمع الجوامع ، فعدم الإثم أو اللوم هذا حكم سهل مع قيام السبب للحكم الأصلي وهو عدم ظهور الشعار الذي هو سبب للحكم الأصلي وهو الإثم أو اللوم .
قوله : ( عام أو خاص ) العموم والخصوص بالنسبة للأشخاص لا للأزمنة ، فالعام هو الذي لم يختص بواحد دون آخر كالمطر ، والخاص بخلافه كالجوع إذ قد يجوع الشخص ويشبع غيره ، وذكر للعام أمثلة خمسة وللخاص أحد عشر قوله : ( كمشقة مطر ) أي لمن لم يجد كنّاً يمشي فيه وتقاطر السقوف كالمطر والإضافة فيه من إضافة المسبب للسبب . وعبارة المرحومي : نعم مثل المطر تساقط السقوف بعد فراغ المطر النازل لغلبة نجاسته أو استقذاره . وأشار المصنف بالكاف في قوله : كمشقة مطر إلى عدم انحصارها فيما ذكره كما سيشير إليه قوله : ( وشدة ريح ) أي ريح شديدة فهو من إضافة الصفة للموصوف والريح مؤنثة وفي حاشية الرحماني أنها تؤنث بدليل ) سخرها عليهم } ) الحاقة : 7 ) وتذكر نحو ) ريح عاصف } ) يوسف : 22 ) اه قوله : ( بليل ) والمتجه إلحاق الصبح بالليل لأن المشقة فيه أشد من المغرب اه ح ل . ومثل الريح الشديد الظلمة الشديدة والريح الباردة اه أ ج قوله : ( وشدة وحل ) بفتح الحاء وإسكانها لغة رديئة ليلاً كان أو نهاراً كالمطر بل هو أشق غالباً بخلاف الخفيف منه ، والمراد بالشديد ما لا يؤمن معه التلويث . قال في التحفة : أو الزلق وإن لم يكن متفاحشاً والتقييد بالشدة هو الأوجه ليخرج الخفيف فلا يكون عذراً خلافاً لمقتضى شرح المهذب ،(2/311)
"""""" صفحة رقم 312 """"""
والتحقيق من عدم الفرق بين الخفيف والشديد حيث حذف القيد . ومثل الوحل فيما ذكر وقوع البرد أو الثلج على الأرض بحيث يشق المشي على ذلك كمشقته على الوحل اه أ ج .
قوله : ( وشدة حر ) أي وإن لم يكن وقت الظهر كما شمله إطلاق المنهاج تبعاً لأصله ، ولا فرق بين الليل والنهار وبه صرح في التحفة وتقييده بوقت الظهر في المجموع والروضة أغلبي . قال م ر : ولا فرق بين أن يجد ظلاً يمشي فيه أو لا ، وبه فارق مسألة الإيراد خلافاً لجمع توهموا اتحادهما اه أ ج قوله : ( وشدة برد ) ليلاً أو نهاراً بخلاف الخفيف منهما ، ولا فرق بين أن يكونا أي الحر والبرد مألوفين في ذلك المحل أو لا خلافاً للأذرعي ، إذ المدار على ما يحصل به التأذي والمشقة . وعدّ المؤلف لشدة الحر والبرد من العام هو ما في الروضة والشرح وعدهما في المنهاج من الخاص ولا تعارض بينهما إذ يحمل الأول على ما إذا أحس بهما قويّ الخلقة فيحس بهما ضعيفها بالأولى فيكونان من العام ، والثاني يحمل على ما إذا أحس بهما ضعيف الخلقة دون قويها فيكونان من الخاص اه أ ج .
قوله : ( بحضرة طعام ) وما قرب حضوره كالحاضر قال م د على التحرير نقلاً عن ق ل : المعتمد عند شيخنا تبعاً للنووي أن يشبع الشبع الشرعي مطلقاً ق ل . وقوله : مطلقاً أي سواء كان الطعام كالسويق أو كان كغيره ، ومحله إن اتسع الوقت رحماني . وعبارة م ر : فيبدأ حينئذ بما يكسر شهوته من أكل لقم في الجوع وتصويب المصنف الشبع وإن كان ظاهراً من حيث المعنى إلا أن الأصحاب على خلافه . نعم يمكن حمل كلامهم على ما إذا وثق من نفسه بعدم التطلع بعد أكل ما ذكر وكلامه على خلافه ، ويدل له قولهم : تكره الصلاة في حالة تنافي الخشوع . والحاصل أنه متى لم تطلب الصلاة فالجماعة أولى انتهت بالحرف فالمعتمد الاقتصار على ما يكسر حدة الجوع إن وثق من نفسه بعدم التطلع إلى الأكل بعده وإلا فيأكل إلى الشبع اه . قال ع ش على م ر : ويشترط أن يكون حلالاً ، فلو كان حراماً حرم عليه تناوله فلا يكون عذراً ، ومحله إذا كان يترقب حلالاً فلو لم يترقبه كان كالمضطر اه . ومثل الطعام ما لو كان بحضرته زوجته أو أمته وتاقت نفسه للجماع فيبدأ بذلك ثم يتطهر ويصلي اه خ ض .
قوله : ( ومشقة مرض ) هذا شروع في العذر الخاص . ويشترط أن تكون مشقته كمشقة المطر بأن يشغله عن الخشوع في الصلاة وإن لم يبلغ حدّاً يسقط القيام في الفرض . أما الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليسا بعذر لأنه لا يسمى مرضاً اه أ ج قوله : ( ومدافعة حدث ) من بول أو غائط أو ريح لم يمكنه تفريغ نفسه والتطهر قبل فوت الجماعة لكراهة الصلاة حينئذ . ومحل ما ذكر إِن اتسع الوقت بحيث لو قدمها أدرك الصلاة فيه وإلا حرم ما لم يخش من ترك أحدها ضرراً يبيح التيمم وإلا قدمه وإن خرج الوقت أ ج . قال م ر في شرحه :(2/312)
"""""" صفحة رقم 313 """"""
والأوجه أنه لو حدث له البول في صلاته حرم عليه قطعها إن كانت فرضاً إلا إن اشتدّ الحال وخاف ضرراً اه .
قوله : ( وخوف على معصوم ) من نفس أو عضو أو منفعة أو مال ولو اختصاصاً له أو لغيره لزمه الذبّ عنه كوديعة أو لا على الأوجه خلافاً لمن قيده به ، وسواء كان كثيراً أو قليلاً أو خاف على نحو خبزه في تنور أو تلفه إن لم يخبزه ، وطبيخه في القدر على النار ما لم يقصد بوضعه إسقاط الجماعة وإلا فلا تسقط . نعم إن خاف تلفه سقطت للنهي عن إضاعة المال ، وكذا في أكل ماله ريح كريه بقصد الإسقاط فيأثم بعدم حضور الجمعة لوجوبه عليه حينئذ لكن يندب له السعي في إزالته عند تمكنه منها ، ومثل الخوف على خبزه خوف عدم نبات بذره أو ضعفه أو أكل نحو جراد لو اشتغل بالجماعة ، كما لو خاف فوت تحصيل تملك مال احتاج إليه حالاً وإلا فلا . ولو غسل نحو ثيابه في يوم الجمعة في نحو بولاق ولم يقصد بذلك إسقاط الجمعة فدخل وقت صلاة الجمعة وتعذر عليه حضور الجمعة خوفاً على ثيابه ونحوها بنحو سرقة كان ذلك من الأعذار . قال بعضهم : ومن هذا حلف نحو والد عليه بعدم الخروج لخوف عليه مثلاً ومنه أيام الزفاف الجديدة بكر أو ثيب بل قال شيخنا : يجب ترك الجماعة والجمعة مدته فراجعه قاله ق ل : وقد راجعته فوجدت في شرح م ر في باب القسم عدم وجوب ترك ما ذكر مدته لكنها عذر في ترك الجماعة اه .
قوله : ( وخوف من غريم ) والغريم يطلق على المدين والدائن وهو المراد هنا اه شرح المنهج قوله : ( وبالخائف ) حال بخلاف الموسر بما يفي بما عليه ، والمعسر القادر على الإثبات ببينة أو حلف شرح المنهج وقوله : أو حلف أي فيما إذا لم يعرف له مال اه ح ل . وعبارة ق ل على التحرير قوله : هو ظالم يمنعه خرج به غريم معسر خاف من حبس غريمه له لعجزه عن ثبوت إعساره ببينة ، وإلا بأن كان معه بينة يثبت بها إعساره فلا يسقط عنه الطلب ما لم يكن عند حاكم لا يرى ثبوت الإعسار بالبينة إلا بعد الحبس كأبي حنيفة فيسقط عنه الطلب كما قاله م د على التحرير ومثله أ ج . ونصه : ولو كان الحاكم لا يسمع بينة الإعسار إلا بعد حبسه فهي كالعدم .
قوله : ( وخوف من عقوبة ) يقبل العفو عنها كحدّ قذف وقود وتعزير لله تعالى أو لآدمي ، أما ما لا يقبل العفو كحد الزنا والسرقة والشرب ونحوها من حدود الله تعالى فلا إذا بلغت الإمام وثبتت عنده بل يحرم التغييب لعدم فائدته ، وله التغييب عن الشهود لئلا يرفعوه إلى الإمام . فإن قلت : العقوبة معصية والخروج منها يجب فوراً فكيف يجوز له التغييب ؟ قلت : العفو مندوب إليه والتغييب وسيلة له وللوسائل حكم المقاصد ، وخرج حد الزنا إذ لا يتأتى(2/313)
"""""" صفحة رقم 314 """"""
العفو عنه اه قوله : ( يرجو الخائف العفو بغيبته ) أي زمناً يسكن فيه غضب المستحق ولو على بعد ، ولو ببذل مال حتى لو كان القصاص لصبي . وحصل رجاؤه لقرب بلوغه مثلاً فالحكم كذلك ، وقد يرفع أمره لمن يرى الاقتصاص للولي أو لمن يحبسه خشية من هربه إلى البلوغ قوله : ( وخوف من تخلف عن رفقة ) بأن خاف من التخلف لها على نفسه أو ماله أو كان يستوحش فقط للمشقة في تخلفه عنه .
قوله : ( لباس لائق ) بأن لم يجد ما يليق به لبسه وإن وجد ساتر عورته كفقد عمامة أو قباء لأن عليه مشقة في خروجه كذلك ، بخلاف ما إذا وجد لائقاً به بأن اعتاده بحيث لا تختلّ به مروءته . والأوجه أن فقد ما يركبه لمن لا يليق به المشي كالعجز عن لباس لائق وفقد الأعمى قائداً عذر وإن أحسن المشي بالعصا . نعم إن قرب المحل وأحسن المشي بها فلا عذر اه أ ج قوله : ( وأكل ذي ريح كريه ) أي لا بقصد إسقاط الجماعة وإلا وجب السعي في زواله ما أمكن ووجب الحضور وإن تأذى غيره به . ق ل وعبارته على الجلال كبصل وثوم وكراث وفجل وأكلها مكروه في حقه على الراجح ، وكذا في حقنا . ويكره له الحضور عند الناس ولو في غير المسجد ومثل ذلك من بثوبه أو بفمه أو بقية بدنه ريح كريه يؤذي . ومن ثمّ قال العلماء يمنع المجذوم والأبرص من اختلاطهما بالناس ومن المسجد والجمعة ز ي مرحومي مع زيادة .
فائدة : قال بعض الثقات : إن من أكل الفجل ثم قال بعده خمس عشرة مرة : اللهم صلّ على النبّي الطاهر في نفس واحد لم يظهر منه ريحه ولا يتجشأ . قال ح ف : وقد جرب . وقال بعض الأطباء : لو علم آكل رؤوس الفجل ما فيها من الضرر لم يعضّ على رأس فجلة ، ومن أكل عروقه مبتدئاً بأطرافها لا يتجشأ منها ق ل . وعبارة عبد البر : من قال قبل أكله فراجع . وعبارة ع ش على م ر : وأكل ذي ريح كريه أي حيث يجد أدماً غيره وإلا فلا يكون عذراً . ومن الريح الكريه ريح الدخان المشهور الآن ولا فرق في الكراهة بين أن يكون المسجد خالياً أو لا لتأذي الملائكة به .
قوله : ( وحضور مريض ) ظاهر الإطلاق ولو كان المريض فاسقاً وعليه يقيد حرمة إيناس الفاسق بغير المريض والضيف أو يجري فيه تعارض المانع والمقتضي خصوصاً إن كان مهدراً تأمل . رحماني وكتب الشوبري قوله مريض بلا متعهد هل وإن كان غير محترم اه . قوله : ( نحو قريب كزوج ) ورقيق وصهر وصديق شرح المنهج وقوله نحو قريب ولو غير محترم كزان محصن وقاطع طريق كما في ع ش على م ر ، قال في شرح الروض : قال الزركشي : والظاهر أن المراد بالقريب مطلق القرابة . قوله : ( لكنه يأنس به ) أي إن المريض يأنس بالحاضر لأن(2/314)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
تأنيسه أهمّ اه أ ج قوله : ( وقد ذكرت الخ ) أشار بما ذكر إلى أن الأعذار لا تنحصر فيما ذكره ويدل له تعبيره بالكاف ، فمن الأعذار أيضاً زلزلة وغلبة نعاس وسمن مفرط وسعي في استرداد مال يرجو حصوله ، أو لغيره وأعمى حيث لا يجد قائداً ولو بأجرة مثل قدر عليها فاضلة عما يعتبر في الفطرة ولا أثر لإحسانة المشي بالعصا ، إذ قد تحدث وهدة يقع فيها وكونه مهتماً بحيث يمنعه الهم من الخشوع والاشتغال بتجهيز ميت وحمله ودفنه ووجود من يؤذيه في طريقه ولو بشتم ونحوه ما لم يمكن دفعه من غير مشقة . ونحو النسيان والإكراه وتطويل الإمام على المشروع وتركه سنة مقصودة لأنه إذا عذر بهما في الخروج من الجماعة ففي إسقاطها ابتداء أولى وكونه سريع القراءة ، والمأموم بطيئاً أو ممن يكره الاقتداء به أو كان يفتتن بجماله وهو أمرد أو كان يخشى هو من الافتتان بذلك اه أ ج قوله : ( سقوط الإثم ) بأن كان الشعار لا يحصل إلا به بأن كان إماماً أو أطبقوا على تركها للعذر فاندفع ما يقال إن فرض الكفاية يكفي فيه البعض .
قوله : ( هو الظاهر ) هو المعتمد بشرط أن يكون المعذور ملازماً لها قبل العذر ولم يتعاط السبب ولم يتأتّ له إقامة الجماعة في بيته فالشروط ثلاثة وهذا جمع بين الكلامين ، وعبارة المرحومي والمعتمد حصول الفضيلة لكن دون فضيلة من فعلها والمنفي في كلام النووي ، الفضل الكامل ز ي فقول ق ل : هو مرجوح ولا يحصل له إلا ثواب قصده لا فضل الجماعة اه هو المرجوح اه م د .
قوله : ( وهي أمور ) ذكر في المتن والشرح ستة شروط : الأول : نية المأموم الائتمام . الثاني : أن لا يتقدم على إمامه في الموقف بأن يتأخر أو يساويه . الثالث : اجتماع المأموم والإمام بمكان واحد . الرابع : توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة فلا يصح اقتداء مصلى الظهر . مثلاً بمصلى الكسوف بركوعين . الخامس : التوافق في السنن تفحش المخالفة فيها ، كسجدة تلاوة وتشهد أول . السادس : تبعية الإمام بأن يتأخر تحرمه عن تحرمه وأن لا يسبقه(2/315)
"""""" صفحة رقم 316 """"""
بركنين فعليين ولا يتخلف عنه بهما والمصنف اقتصر على اثنين منهما وهما الأول والثالث وأدرج في ثانيهما العلم بانتقالات الإمام وهو شرط سابع ، وقد نظمهما بعضهم بقوله :
وافق النظم وتابع واعلمن
أفعال متبوع مكان يجمعن
واحذر لخلف فاحش تأخرا
في موقف مع نية فحررا
وبقي من شروط القدوة خمسة شروط ذكرها الشارح والماتن لا بعنوان الشرطية مع أنها منها أن لا يعلم بطلان صلاة من يريد الاقتداء به ، كحنفي مس فرجه وأن لا تلزمه الإعادة وأن لا يفضل المأموم على الإمام بصفة ذاتية . كالذكورة ولو احتمالاً وأن لا يفضله في القراءة فلا يصح اقتداء قارىء بأمي وأن لا يكون بالإمام مانع من الاستقلال فلا يصح اقتداؤه بمقتد ، فجملتها اثنا عشر شرطاً .
قوله : ( الأول أنه يجب ) فيه مسامحة لأن الشرط ليس وجوب النية وإنما هو نفس نية الائتمام لأن الوجوب معلوم من قوله الأول لأن الشرط لا يكون إلا واجباً كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( يجب على المأموم ) أي مريد الائتمام سواء مع التحرّم أم بعده وتتعين مع التحرم في الجمعة والمعادة والمجموعة بالمطر والمنذورة ، جماعتها نعم تصح النية في الأخيرة منفرداً وإن أثم بفوت النذر ق ل وأ ج أي فالنية في غير هذه الأربعة تكون في أول الصلاة أو في أثنائها ، وإن كان ذلك مكروهاً في أثنائها وعبارة شرح م ر . لكن كل من قطعها بغير عذر وإدخاله نفسه فيها في خلال صلاته مكروه مفوّت لفضيلة الجماعة حتى فيما أدركه مع الإمام خلافاً للزركشي هنا . والدليل على وجوب النية أن المتابعة عمل ، وكل عمل لا بد له من نية فينتج أن المتابعة لا بد لها من نية . كما ذكره الشارح بقوله لأن التبعية عمل الخ اه .
قوله : ( بالإمام ) أي لا يجزئه كيده فلا تصح القدوة لأن الربط إنما يتحقق عند ربط فعله بفعله . كما يفهم من الاقتداء بزيد لا بنحو يده نعم إن نوى بالبعض الكل صحت اه شرح م ر اه أ ج .
قوله : ( أو نحو ذلك ) كالمأمومية والجماعة إلا أن نية الجماعة صالحة للإمام والمأموم والقرينة تعين اه . أ ج والقرينة كتقدّم الإمام في المكان أو التحرم ومعنى الجماعة في المأموم ربط صلاته بصلاة الإمام ومعناها في الإمام ربط صلاة الغير بصلاته . قوله : ( في غير جمعة مطلقاً ) أي عند التحرّم وبعده ومثل الجمعة المعادة وما ألحق بها قوله : ( فإن لم ينو مع تحرم )(2/316)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
أي لم ينو الاقتداء أصلاً قوله : ( فلو ترك هذه النية أو شك فيها ) أي في غير الجمعة ، أما فيها فيؤثر الشك إن طال زمنه وإن لم يتابع أو مضى معه ركن كما لو شك في أصل النية اه أ ج .
قوله : ( بعد انتظار كثير ) أي عرفاً لأجل المتابعة بخلاف اليسير وما كان اتفاقاً أو الكثير لا لأجل المتابعة نعم يضر الكثير مع الشك في الجمعة ، كالنية في الصلاة اه ق ل .
قوله : ( بطلت صلاته ) فإنه متلاعب ولا فرق بين العالم بالمنع والجاهل به على المعتمد ر م . قوله : ( ولا يشترط تعيين الإمام ) في نية المأموم باسمه كزيد أو وصفه كالحاضر أو الإشارة إليه كهذا بل يكفي نية الاقتداء ولو عند التباسه بغيره كقوله نويت الاقتداء بالإمام منهم إذ مقصود الجماعة غير مختلف قال الإمام : بل الأولى عدم تعيينه لأنه ربما عينه فبان خلافه فيكون ضارّاً اه أ ج .
قوله : ( ولم يشر إليه ) أي ولم يكن التعيين بإشارة وإلا فالإشارة من أفراد التعيين كما يدل عليه قوله فإن عينه الخ
قوله : ( وتابعه ) لا حاجة إليه ، لعدم انعقاد نيته ق ل ، وإنما يحتاج إليه إذا نوى الائتمام في الأثناء بعد انعقاد صلاته فرادى وأخطأ أي في تعيين الإمام فإنها لا تبطل صلاته إلا إذا تابع كما قرره شيخنا العشماوي وعبارة المرحومي المعتمد بطلان صلاته بمجرد الخطأ ، وإن لم يتابعه لأن فساد النية مبطل إن وقع في الأثناء ومانع من الانعقاد إن وقع في الابتداء اه . ز ي .
قوله : ( صحت ) أي لأن الخطأ لم يقع في الشخص لعدم تأتيه فيه بل في الظن ولا عبرة بالظن البين خطؤه شرح المنهج وعبارة أ ج قال م ر . والفرق بين هذه حيث قالوا فيها بالصحة وبين ما قبلها حيث قالوا فيها بالبطلان ، لأن ثم تصوّر في ذهنه شخصاً معيناً اسمه زيد فظن أنه حاضر فاقتدى به فتبين أنه غيره فلم تصح لعدم جزمه بإمامة من هو مقتدٍ به وهنا جزم بإمامة . الحاضر وقصده بعينه لكن أخطأ في اسمه فلم يؤثر للظن مع الربط بالشخص فلم يقع خطأ في الشخص أصلاً اه .
قوله : ( لا تشترط ) أي في صحة القدوة به فتصح الجماعة لهم لا له وكلامهم كالصريح في حصول أحكام الاقتداء كتحمل السهو والقراءة إذا اقتدى به في الركوع بغير نية الإمامة اه .(2/317)
"""""" صفحة رقم 318 """"""
أ ج قوله : ( سيصير إماماً ) قد يقتضي أن الفرض فيمن يرجو جماعة يحرمون خلفه ، أما غيره فالظاهر البطلان فليحرر قال الزركشي ، بل ينبغي نية الإمامة وإن لم يكن خلفه أحد إذا وثق بالجماعة وأقرّه في الإيعاب اه . شوبري وإذا نوى الإمامة والحالة هذه ولم يأت خلفه أحد ، فصلاته صحيحة اه سم .
قوله : ( في عدم الصحة حينئذ ) أي مع التحرم بل ينوي الإمامة إذا اقتدى به المأمومون لأنه صار إماماً هذا هو الظاهر قوله : ( حاز الفضيلة من حين النية ) بخلاف نية الائتمام بعد التحرم فإنها مكروهة مفوّتة لفضيلة الجماعة اه سم . والفرق أن الإمام مستقل في الحالتين ، والمأموم كان مستقلاً وصار تابعاً فانحطت رتبته فكره في حقه ذلك قوله : ( فإنها تتبعض جماعة وغيرها ) كالمسبوق ، فإنه يتم صلاته منفرداً قوله : ( لعدم استقلاله ) أي لعدم صحة استقلاله
قوله : ( إن لم يكن من أهل الوجوب ) كرقيق ومسافر ونوى غير الجمعة بأن نوى الظهر وإذا نواه انتظروه في التشهد الأوّل ، إلى أن يأتي ببقية الظهر ويسلموا معه أو يفارقوه عند قيامه إذا قام والأفضل الانتظار . قوله : ( أما إذا نوى ذلك ) أي نوى الإمامة وأخطأ في تعيين تابعه وفي صحاح النسخ ، أما إذا كان ذلك في الجمعة الخ أي الخطأ في تعيين تابعه وهذه هي الصواب قوله : ( في الجمعة وما ألحق بها ) كالمعادة قوله : ( فإنه يضر ) أي ما لم توجد إشارة كالمأموم قوله : ( لأن ما يجب التعرض له الخ ) يشير إلى قاعدة شهيرة هي أن ما يجب التعرّض له جملة أو جملة وتفصيلاً يضر الخطأ فيه كالجمعة ، فإنه يجب التعرّض فيها كنية الجماعة ويلزم من نية الجماعة التعرّض للتابع وهم المأمومون إجمالاً ، وما لا يجب التعرّض له جملة كنية الإمامة في(2/318)
"""""" صفحة رقم 319 """"""
غير الجمعة ، لا يضر الخطأ فيه فإذا عين في نيته جماعة فبان خلافهم لم يضر ، لأنه لو لم ينو الإمامة من أصلها لم يضر اه م د .
قوله : ( قياساً للمكان على الزمان ) بجامع الفحش قوله : ( وإن تقدم بعضهم ) غاية قوله : ( صحت صلاته مطلقاً ) أي سواء جاء من قدام الإمام أو من خلفه خلافاً لمن فصل فقال إن كان قد جاء من خلفه فصلاته صحيحة ، وإلا فباطلة لأن الأصل تقدمه قوله : ( لأن الأصل عدم المفسد ) يؤخذ منه أن الشك بعد التحرم فإذا شك عند التحرم لم تصح صلاته كما قرره شيخنا . قوله : ( ولا تضر مساواة الخ ) أي لعدم المخالفة لكنها مكروهة تفوّت فضيلة الجماعة وإن كانت صورتها معتداً بها في الجمعة وفي غيرها ، ويجري ذلك في كل مكروه من حيث الجماعة المطلوبة شرح م ر يعني أن فائدة الجماعة التي لم تحصل فضيلتها صحة الجمعة وغيرها وتحمل الإمام الفاتحة والسهو وغير ذلك اه .
قوله : ( والاعتبار الخ ) والضابط أن يقال لا يصح أن يتقدم المأموم بجميع ما اعتمد عليه على جزء مما اعتمد عليه الإمام ق ل . والحاصل أن المأموم والإمام إما أن يكونا قائمين أو قاعدين أو مضطجعين أو مستلقيين أو مصلوبين أو معتمدين على خشبتين . والحاصل من ضرب ستة المأموم في ستة الإمام ستة وثلاثون وهذه قسمة عقلية ، لأن المصلوب لا يصح أن يكون إماماً للزوم الإعادة عليه ومن ثم قال بعضهم إن أحوال الإمام خمسة لأن شرطه أن لا تلزمه الإعادة والمصلوب تلزمه الإعادة وأحوال المأموم ستة فتضرب خمسة في ستة بثلاثين . قوله : ( وغيره ) أي التأخر والمساواة قوله : ( للقائم ) ومثله الراكع فيما يظهر م ر . هذا إن لم يعتمد في قيامه على أصابع رجليه وإلا فالعبرة بما اعتمد عليه اه أ ج .
قوله : ( لا الكعب ) أي ولا أصابع الرجل والأولى زيادة هذا لأجل التفريع بعده قوله : ( وتأخرت أصابعه ) بأن كانت رجله صغيرة قوله : ( وقدم الأخرى ) أي التي يعتمد عليها قوله :(2/319)
"""""" صفحة رقم 320 """"""
( لم يضر كما في فتاوى البغوي ) قياساً على الاعتكاف فيما إذا خرج من المسجد بإحدى رجليه واعتمد عليهما فإنه لا ينقطع اعتكافه ، والأيمان فيما لو حلف لا يدخل مكاناً ودخل بإحدى رجليه واعتمد عليهما فإنه لا يحنث اه ز ي . قوله : ( بالألية ) أي إن اعتمد عليها فإن اعتمد على ركبتيه فالعبرة بهما م ر اه أ ج . قوله : ( إما في حال السجود ) أي هذا أي ما تقدم في حال القيام والقعود أما في الحال السجود الخ قوله : ( رؤوس الأصابع ) معتمد خلافاً للقليوبي حيث ضعفه قوله : ( ويشمل ذلك ) أي قوله والاعتبار للقاعد بالألية قوله : ( بما اعتبروا به في المسابقة ) أي من أن المدار على سبق أحد المركوبين بالكتد وهو كتف الدابة ، وهو بعيد لأنه لا يلزم من تقدم أحد المركوبين على الآخر تقدم أحد الراكبين على الآخر شرح الروض قوله : ( بالجنب ) أي جميعه وهو ما تحت عظم الكتف إلى الخاصرة ابن حجر فيضر التقدم ببعضه إذا كان عريضاً على عقب الإمام مثلاً قوله : ( وفي المستلقي بالرأس ) أي إن اعتمد عليه وإلا فبما اعتمد عليه من الظهر أو غيره ق ل واعتمده م ر .
قوله : ( وفي المصلوب بالكتف ) أي إذا كان المصلوب المأموم أما إذا كانا مصلوبين أو الإمام فقط فلا تصح لأن الإمام والحالة هذه تلزمه الإعادة اه ز ي وق ل . والاعتبار في المعلق بحبل بمنكبيه أي إذا كان المعلق هو المأموم فقط دون الإمام لأنه تلزمه الإعادة فلا تصح إمامته قوله : ( بما اعتمد عليه ) كخشبتين اعتمد عليهما قوله : ( خلف المقام ) أي مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أي بحيث يكون المقام بينه وبين الكعبة اه ق ل . وظاهر أن المراد بخلف ما يسمى خلفاً عرفاً وإنه كلما قرب منه كان أفضل حج اه م د ويسمى خلفاً بالنظر لما كان عليه ، لأن بابه كان مقابلاً للكعبة فسدوه وفتحوه في الجهة التي قدام الإمام فاندفع ما يقال كان الأولى ، أن يقول أمام المقام ق ل على الجلال
قوله : ( وأن يستدير المأمومون ) أي يسن ذلك إن صلوا في المسجد الحرام ، والصف الأوّل حينئذ في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الأوّل ، الذي يليه أي الذي وراءه لا ما قرب للكعبة فقد قالوا إن الصف الأوّل هو الذي يلي الإمام سواء أحالت مقصورة أو أعمدة أم لا . ولا يمنع الصف تخلل نحو منبر هكذا في شرح م ر ، فقول ق ل وقال شيخنا م ر هو أي الصف الأوّل من المستديرين الأقرب إلى الكعبة في غير جهة الإمام اه . فيه نظر إلا أن يريد(2/320)
"""""" صفحة رقم 321 """"""
في غير شرح المنهاج وقد علمت أنه صحيح لأن المعوّل عليه ما في شرح المنهاج قوله : ( ولا يضر الخ ) أي لانتفاء تقدمهم عليه ولأن رعاية القرب والبعد في غير جهته مما يشق بخلاف الأقرب في جهته ، فيضر فلو توجه الركن فجهته مجموع جهتي جانبيه مع الركنين المتصلين بهما فلا يتقدم عليه المأموم المتوجه له أو لإحدى جهتيه شرح المنهج مع زيادة من ع ش ، وقوله أقرب والقرب المذكور مفوّت لفضيلة الجماعة م ر اه . وذلك لأن لنا وجهاً قوياً يقول بالبطلان حينئذ فروعي إذ الخلاف المذهبي أولى بالمراعاة من غيره اه . قال شيخنا ومثل التقدم هنا في فوات فضيلة الجماعة المساواة اه أ ج .
قوله : ( منه ) أي من قربه إليها فإليها معمول لقرب المقدر .
قوله : ( كما لو وقفا ) أي كما لا يضر كون المأموم أقرب إلى الجدار الذي توجه إليه من قرب الإمام إلى ما توجه لو وقفا فيها واختلفاً جهة كأن كان وجه المأموم إلى وجه الإمام ، أو ظهره إلى ظهره فإن اتحدا جهة بأن كان وجه الإمام إلى ظهر المأموم ضرّ ذلك شرح المنهج بزيادة . وحاصل ما ذكره الشارح أربع صور ، لأن الإمام والمأموم إما أن يكونا داخل الكعبة أو خارجها أو أحدهما داخلها والآخر خارجها ، وقد ذكر الشارح أحكامها قوله : ( لا يتوجه المأموم إلى الجهة ) كأن يكون وجه الإمام إلى ظهره بخلاف ما إذا كان وجهه إلى وجهه ، فيصح قوله : ( وأن يتأخر عنه قليلاً ) أي إن كان الإمام مستوراً بحيث لا يزيد على ثلاثة أذرع وإلا فاتته فضيلة الجماعة اه م د .
قوله : ( أحرم عن يساره ) أي إن أمكن وإلا بأن لم يكن بيساره محل أحرم خلفه ثم يتأخر إليه ، من هو على اليمين فإن خالف ذلك كره وفاتته فضيلة الجماعة كما أفتى به الوالد م ر . فلو أحرم عن يساره أخذ الإمام برأسه وأقامه عن يمينه لما صح عن ابن عباس أنه وقف عن يساره ، فأخذ برأسه وأقامه عن يمينه ويؤخذ منه أنه لو فعل أحد من المقتدين خلاف السنة استحب للإمام إرشاده إليها بيده أو غيرها إن وثق منه ، بالامتثال ولا يبعد أن يكون المأموم في ذلك مثله في الارشاد المذكور . ويكون هذا مستثنى من كراهة الفعل القليل ولا فرق بين الجاهل وغيره وهو الأقرب اه شرح م ر قوله : ( في قيام ) أو ركوع ومنه الاعتدال بخلاف غيرهما ولو كان تشهداً أخيراً ، فلا يسن فيه ذلك لأنه لا يتأتى إلا بعمل كثير ومشقة قوله :(2/321)
"""""" صفحة رقم 322 """"""
( وهو أفضل ) أي تأخرهما أفضل من تقدم الإمام وذلك لأن الإمام متبوع فلا يناسبه الانتقال اه . قوله : ( وإلا فعل الممكن ) فإن كانت السعة خلفهما دون الإمام تأخراً أو بالعكس تقدم الإمام اه أ ج .
قوله : ( وأن يصطف ذكران ) أي رجلان أو صبيان أو رجل وصبي ويسن أن لا يزيد ما بينه وبينهما على ثلاثة أذرع كما بين كل صفين . قوله : ( كامرأة فأكثر ) أي إذا حضرت امرأة أو أكثر ولو محرماً أو زوجة تقوم أو تقمن خلفه اه قوله : ( لفضلهم ) أي بحسب الأصل أو من حيث الجنس فيكون المعنى لفضل جنسهم وإلا فهم مقدّمون على الصبيان ولو كان الصبيان أفضل منهم بنحو علم ، ولو كانوا أي الرجال فسقة كما قال حج وقال شيخنا قوله لفضلهم أي شأنهم ذلك ، فإن حضر معه ذكر وامرأة وقف الذكر عن يمينه والمرأة خلف الذكر أو امرأة وذكران وقفا خلفه وهي خلفهما . أو ذكر وامرأة وخنثى وقف الذكر عن يمين الإمام والخنثى خلفه لاحتمال أنوثته والمرأة خلفه لاحتمال ذكورته قوله : ( فصبيان ) . ولو لم يحضر غيرهم اصطفوا خلف الإمام ولا ينحوا للبالغين لأنهم من جنسهم بخلاف غيرهم .
قوله : ( فخناثى ) ولا يكمل بهم صف من قبلهم وكذلك النساء لا يكمل بهنّ صف من قبلهنّ لاحتمال المخالفة فيهما ، بخلاف الصبيان مع البالغين كما مر . وأفضل صفوف الرجال أولها ثم الذي يليه وهكذا وأفضل كل صف يمينه وإن كان من باليسار يسمع الإمام ويرى أفعاله خلافاً لبعضهم ، حيث ذهب إلى أنه أفضل حينئذ من اليمين الخالي ، عن ذلك معللاً له بأن الفضيلة المتعلقة بذات الصلاة مقدّمة على المتعلقة . بمكانها ويردّه أن في جهة اليمين كالصف الأوّل من صلاة الله وملائكته ، على أهلها ما يفوق سماع القراءة وغيره وما تقدم من تفضيل الأوّل على ما يليه وهكذا محله في غير صلاة الجنازة ، أما هي فيستوي صفوفها عند اتحاد الجنس لاستحباب تعدد الصفوف فيها اه أ ج . مع تقديم وتأخير قوله : ( للاتباع ) أي في الجملة وإلا فلم يكن في زمن النبي خناثى قوله : ( إمامتهن ) أنثه قال الرازي لأنه قياسي وقال بعضهم إمام يطلق على المذكر والمؤنث ، وأنث لئلا يتوهم أن إمامهن الذكر كذلك اه حج .
قوله : ( وسطهنّ ) بسكون السين أكثر من فتحها عملاً بالقاعدة من أن متفرق الأجزاء كالناس والدوابّ يقال بالسكون وقد يفتح وفي متصل الأجزاء كالرأس والدار ، يقال بالفتح وقد يسكن والأوّل ظرف والثاني اسم ز ي وح ل قوله : ( بصراء ) ليس قيداً حتى لو كان فيهم بصير فقط لم يختلف الحكم ، والظاهر أن قوله عراة ليس بقيد أيضاً فلو كانوا مستورين ، والإمام(2/322)
"""""" صفحة رقم 323 """"""
عارياً كان الحكم كذلك أي يقف وسطهم وإن كان المستور مقدماً في الإمامة على العاري فافهم اه قوله : ( إن وجد سعة ) بفتح السين بأن كان لو دخل فيه وسعه وإن عدمت الفرجة اه م د . قوله : ( وله أن يخرق الصف الذي الخ ) فقد نص على ندب سدّ فرج الصفوف وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله ، وأن يفسح لمن يريده فلو خالفوا شيئاً من ذلك كرهت صلاتهم ، وفاتتهم فضيلة الجماعة شرح م ر . فإنه قال إن ارتكاب كل مكروه من حيث الجماعة المطلوبة يفوّتها ، ونقل سم عن ابن حجر مثل ذلك وأقرّه لكن في فتاوى ابن الرملي . أن الصفوف المقطعة تحصل لهم فضيلة الجماعة دون فضيلة الصف الأوّل ، ونقل مثل ذلك عن الشرف المناوي وعن شيخ الإسلام هذا وقد علمت أن المعتمد ما قاله م ر . في شرحه من فوات فضيلة الجماعة كالصف اه أ ج . قال ابن العماد ، يستحب للمأموم أن يبادر إلى الصلاة في الصف الأوّل لمعنيين : أحدهما استماع قراءة الإمام ، الثاني أن المصلي في الصف الأوّل ، أخشع لعدم اشتغال المصلي بمن أمامه وجهة اليمين أفضل قال الترمذي الحكيم لأنه روى إن الرحمة تنزل على من عن يمينه ثم على من عن يساره ، فإن سبق واحد إلى الصف الأوّل لم يجز للغير تأخيره إلا في مسائل : إحداها : إذا كان ممن يتأذى به القوم برائحة كريهة من صنان ونحوه . الثانية : إذا حضر العبد بأذن السيد إلى الصف الأوّل فللسيد تأخيره ، وله أن يأمره بالسبق إلى الصف الأوّل ليحوز له الموضع . الثالثة : إذا تقدمت امرأة إلى الصف الأوّل أمرت بالتأخير للحديث . الرابعة : إذا صف خلف الإمام جاهل لا يصلح للاستخلاف ينبغي أن يؤخر ويتقدم إلى خلف الإمام ، من يصلح للإمامة لقوله ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ) الحديث قوله : ( الذي يليه ) أي يلي نفسه .
قوله : ( فما فوقه ) ولو صفوفاً كثيرة اه أ ج .
قوله : ( لتقصيرهم بتركها ) فإن لم يقصروا فلا كراهة كأن تركوا سد الفرجة لشدة حرها كوقت الحر بالمسجد الحرام ، لعدم تقصيرهم ولو كان عن يمين الإمام محل يسعه وقف فيه ولم يخرق ولو عرضت فرجة بعد كمال الصف في أثناء الصلاة ، فمقتضى تعليلهم بالتقصير عدم الخرق إليها ويحتمل غيره اه شرح م ر وقوله فلو عرضت فرجة أي بأن علم عروضها أما لو وجدها ولم يعلم هل كانت موجودة قبل أو طرأت فالظاهر أنه يخرق ليصلها إذ الأصل . عدم سدها لا سيما إذا كان ذلك من أحوال المأمومين المعتادة لهم اه ع ش .
قوله : ( وإنما يتقيد به ) أي لأنهم لم يدخلوا في الصلاة ، فلم يتحقق تقصيرهم حج قوله : ( تخطي الرقاب الآتي في الجمعة ) والتخطي هو المشي بين القاعدين فهي مغايرة لمسألتنا ، إذ(2/323)
"""""" صفحة رقم 324 """"""
هي شق الصفوف وهم قائمون والفرق حيث جوّزوا هنا خرق صفوف كثيرة ومسألة التخطي بصفين أن سدّ الفرجة التي في الصفوف مصلحة عامة له وللقوم بإتمام صلاته وصلاتهم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة . كما ورد في الحديث بخلاف التخطي فإن الإمام يسنّ له عدم إحرامه حتى يسوّي بين صفوفهم اه أ ج قوله : ( ثم بعد إحرامه ) أما قبله فمكروه اه م ر قوله : ( جر إليه ) أي ندباً أي بشرط أن يكون المجرور حراً وأن يجوز موافقته له وأن يكون الصف المجرور منه أكثر من اثنين . وأن يكون الجر في القيام بعد الإحرام فهذه شروط خمسة لندب الجر وقد جمعها بعضهم في بيت فقال :
لقد سنّ جر الحر من صف عدة
يرى الوفق فاعلم في قيام قد أحرما فإن كان المجرور غير حر فلا جر ، لئلا يدخل في ضمانه حتى لو جره ظاناً حريته فتبين رقه دخل في ضمانه وكذا يمتنع الجرّ ، إن لم يجوّز موافقته لخوف الفتنة أو كان الصف اثنين فلا جر لئلا يصير الآخر منفرداً ، نعم أن أمكنه الخرق ليصطف مع الإمام أو كان مكانه يسع أكثر من اثنين فينبغي أن يخرق في الأولى ، ويجرهما معاً في الثانية والخرق في الأولى أفضل وإن جر قبل الإحرام كره ولم يحرم على المعتمد ، ويفرق بينه وبين ما لو سوّك غيره بغير إذنه بعد الزوال حيث حرم أو أزال دم شهيد بأن هذا مأذون فيه شرعاً لكن تعجل بخلاف ذاك كما ذكره ز ي .
قوله : ( مساعدته ) أي لينال معه فضل المعاونة على البر والتقوى ، مع حصول ثواب صفه الذي كان فيه لأنه لم يخرج منه إلا لعذر اه حج وس ل قوله : ( لأنه الخ ) فيه أنه يدل على بعض المدعي وهو اقتداء القائم بالقاعد لا بالمضطجع قال البيهقي وكان ذلك يوم السبت أو الأحد وتوفي عليه الصلاة والسلام ضحوة يوم الاثنين فكان ناسخاً لخبر الشيخين عن أبي هريرة وعائشة ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) إلى أن قال ( وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين ) فإن قلت لا يلزم من نسخ وجوب القعود وجوب القيام . بل ينبغي أن يقال في الجواب الأصل القيام وإنما وجب القعود لمتابعة الإمام فلما نسخ ذلك زال اعتبار متابعة الإمام ، فلزم وجوب القيام لأنه الأصل اه أ ج .
قوله : ( بالجر ) هذه نسخة وهناك نسخة أخرى وهي ويجوز أن يأتم الحر بالعبد وعليها أن يكون الشارح غير إعراب المتن بخلافه على الأولى قوله : ( ولكن تكره خلفه ) وإن اختص(2/324)
"""""" صفحة رقم 325 """"""
بصفات مرجحة لأنه يخاف منه أن لا يحافظ على الواجبات لقوله ( إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم ) قوله : ( وإنما صحت الخ ) المناسب وإنما جاز أي الائتمام المأخوذ من قوله يجوز أن يأتم الخ قوله : ( كان يصلي خلف الحجاج ) . فيه أن فعل الصحابي ليس بحجة إلا أن يقال إنه فعله بمحضر من الصحابة ، ولم ينكر عليه فصار إجماعاً سكوتياً قوله : ( وليس لأحد من ولاة الأمور ) ومثلهم نظار المساجد قوله : ( لم يصح ) أي تقريره ولا يستحق أجرة بخلاف المؤذن غير الأهل فيحرم على الإمام ، أو نائبه مع الصحة واستحقاق الأجرة على المعتمد وقيل يستحق هنا كالأذان قوله : ( كما قاله بعض المتأخرين ) كالشهاب م ر والشهاب ابن حجر خلافاً لما توهمه عبارة م ر في شرحه ، حيث قال : ويحرم الخ إذ الحرمة لا تنافي الصحة ، بل نقل عنه خارج الشارح الصحة مع الحرمة ، والمعتمد ما قاله الشهاب م ر وابن حجر ، وذلك لأنه مأمور بمراعاة المصالح وليس منها أن يوقع الناس في صلاة مكروهة . ويؤخذ منه كما قاله م ر حرمة نصب كل من يكره الاقتداء به اه . أ ج وسواء كان الناصب له الإمام أو الواقف أو الناظر حج ، قال شيخنا : ويرجع عليه بالمعلوم وإن باشر كالأهل إن لم يباشر ولم ينيب أهلاً ولو شرط ، الواقف مراعاة الخلاف أو اقتضى عرفه المطرد ، ذلك وجبت بأن لا يأتي بمبطل عند المأموم وإلا لم يستحق المعلوم نقله شيخنا عن شيخه م ر . ويجوز الاستنابة في التدريس وسائر الوظائف وإن لم يأذن الواقف إذا استناب مثله أو خيراً منه ، ويستحق المنيب جميع المعلوم خلافاً لما أفتى به النووي وابن عبد السلام من عدم استحقاق واحد منهما شيئاً ز ي في الجعالة اه . رحماني واعتمد م ر تبعاً لوالده وغيره حصول فضيلة الجماعة خلف الفاسق والمعتزلي والرافضي والقدري ، والمتهم والمخالف الذي لا يعتقد وجوب بعض الواجبات ومحل كراهة إمامة الفاسق لغير الفاسق أما لمثله ولو اختلف الفسق فلا تكره ما لم يكن مسبق الإمام أفحش اه م د . على التحرير .
قوله : ( الذي لا يكفر ببدعته ) كالمجسم والرافضي ومثله من يعتقد سنية بعض الأركان كالحنفي ق ل . وكالقائل بخلق القرآن أو عدم الرؤية . وأما ما نصّ الشافعي على تكفير نافي الرؤية والقائل بخلق القرآن فهو مؤول بكفر النعم اه مناوي . وأما من يكفر ببدعته كالمجسم صريحاً ومنكر العلم بالجزئيات فلا يصح أن يكون إماماً بحال كما قاله في التحرير . وقوله : كالمجسم هذا مرجوح وعدم تكفيره هو الراجح ، والمراد به من يعتقد الجسمية فقط وإن كان يلازمها العرض كالبياض والسواد أو لزمها الجهة إذ لازم المذهب ليس بمذهب ، ولا يكفر(2/325)
"""""" صفحة رقم 326 """"""
معتقد الجهة على الراجح فتأمل ق ل وكتب الشوبري قوله : كالمجسم صريحاً قال حج : وهو الذي يتجه ترجيحه من تناقض ما وقع في الروضة والمجموع لكن محله فيمن اعتقد أنه تعالى جسم كالأجسام ، وعليه يحمل إطلاق المجموع أنه يكفر . أما من اعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر ، وعليه يحمل إطلاق الروضة وغيرها بل المشهور عند أئمتنا أنه ليس بكفر اه . وجمع في الإيعاب بينهما بأن ما هنا محله إن صرح بشيء من لوازم الجسمية كالبياض والسواد وما هناك فيما إذا لم يصرح بشيء من ذلك لأن الأصح عند الأصوليين أن لازم المذهب ليس بمذهب . وقوله : ليس بمذهب وإن كان كفراً ما لم يلتزمه صاحبه اه . وذكر حج في فتاويه الحديثية نقلاً عن الأذرعي وغيره أن المشهور عدم تكفير المجسمة وإن قالوا له جسم كالأجسام لأنهم مع ذلك قد لا يعتقدون لوازم الأجسام اه وفي المسايرة وشرحها ومن سماه جسماً وقال : لا كالأجسام يعني في نفي لوازم الجسمية كبعض الكرامية ، فإنهم قالوا : هو جسم بمعنى موجود . وآخرون منهم قالوا : هو جسم بمعنى قائم بنفسه خطأ لكن خطؤه في إطلاق الاسم لا في المعنى اه . وقوله صريحاً بخلاف المجسم ضمناً كالقائل بالجهة أو بلون مثلاً لأن ذلك من لوازم الأجسام ، والمعتمد عدم تكفير المجسمة مطلقاً وكذا الجهوية أي لغلبة التجسم على الناس وأنهم لا يفهمون موجوداً في غير جهة . وعبارة العناني قوله : كالمجسم صريحاً أي المعتقد كونه تعالى كالأجسام ، بخلاف ما إذا اعتقد أنه جسم لا كالأجسام ، والمعتمد أنه لا يكفر مطلقاً سواء كان اعتقاده مطلق التجسم أو أنه كالأجسام فالمجسم من يثبت لله جسماً ، تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً . واحترز بالتصريح عمن يقول بالجهة ، يعني أنه تعالى في جهة ويلزم منه أنه جسم لكنه ليس صريحاً فلا يكفر اه بالحرف وأصله للزيادي . قلت : والقلب إلى التفصيل أميل ، فقد قال حج في الأعلام : والمشهور من المذهب كما قاله جمع متأخرون أن المجسمة لا يكفرون ، لكن أطلق في المجموع تكفيرهم وينبغي حمل الأول على ما إذا قالوا جسم لا كالأجسام ، والثاني ما إذا قالوا جسم كالأجسام لأن النقص اللازم على الأول قد لا يلتزمونه . ومرّ أن لازم المذهب غير مذهب بخلاف الثاني فإنه صريح في الحدوث والتركيب والألوان والاتصال ، فيكون كفراً لأنه أثبت للقديم ما هو منفي عنه بالإجماع وما علم من الدين بالضرورة انتفاؤه عنه ولا ينبغي التوقف في ذلك اه بالحرف .
فتلخص في المجسمة ثلاثة أقوال : التكفير مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، والتفصيل . والله الهادي إلى سواء السبيل . وذكر حج في الكتاب المذكور أن القائلين بالجهة لا يكفرون على الصحيح . قال : نعم إن اعتقدوا لازم قولهم من الحدوث أو غيره كفروا إجماعاً اه فليحفظ . فإن قلت : ما المعتمد فإن الزيادي وق ل والعناني أطبقوا على أن المعتمد عدم تكفير المجسمة مطلقاً وابن حجر فصل . قلت : القلب إلى التفصيل أميل اه . وقوله : ومنكر العلم بالجزئيات(2/326)
"""""" صفحة رقم 327 """"""
وبالمعدوم والبعث والحشر للأجسام فمنّكر العلم بالجزئيات وهو من يثبت لله تعالى العلم بالكليات وينفي العلم بالجزئيات كافر أي لأن أهل السنة على عموم علمه تعالى للكليات والجزئيات ولو الغير المتناهية ، ولذاته الأقدس وللمعدوم قال اللقاني : والمستحيل ومعنى علمه به علمه باستحالته وأنه لو تصور وقوعه لزمه من الفساد كذا وبهذا تميز عن علمنا نحن بالمستحيل اه .
واعلم أن منكر العلم بالجزئيات هم الفلاسفة وقد قالوا أيضاً بقدم العالم وعدم حشر الأجساد وقد قلت في ذلك :
بثلاثة كفر الفلاسفة العدا
إذ أنكروها وهي قطعا مثبته
علم بجزئي حدوث عوالم
حشر لأجساد وكانت ميته اه م د على التحرير . قال النووي كغيره : ويكره للإنسان أن يؤم قوماً وأكثرهم يكرهونه لمعنى مذموم شرعاً كوالٍ ظالم ومن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها ، أو لا يحترز عن النجاسة ، أو يمحق هيئات الصلاة ، أو يتعاطى معيشة مذمومة ، أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم ، أو شبه ذلك سواء نصبه الإمام أم لا . قال : وأما المأمومون الذين يكرهونه فلا يكره لهم الصلاة وراءه ، وهذه الكراهة للتنزية كما صرح به ابن الرفعة والقمولي وغيرهما بخلاف ما إذا كرهه كلهم فإنها للتحريم كما نقله في الروضة كأصلها في الشهادات عن صاحب العدة ونصّ عليه الشافعي رضي الله عنه فقال : ولا يحل لرجل أن يؤمّ قوماً وهم يكرهونه . والأسنوي ظن أن المسألتين واحدة . فقال هنا : وهذه الكراهة للتحريم كما نقله الرافعي في الشهادات عن صاحب العدة ونقله في الحاوي عن الشافعي وذكر لفظه المتقدم وتبعه على ذلك جماعة اه م د .
قوله : ( كالفاسق ) لما كان له تأويل لم يكن فاسقاً فلذا شبهه به قوله : ( لأن ذكوان مولى عائشة كان يؤمها ) عبارة المحلي : وإن عائشة كان يؤمها عبدها ذكوان وهو أنسب لأن الكلام في اقتداء الحرّ بالعبد لا في إمامة العبد للحر وبينهما فرق دقيق اه مرحومي قوله : ( أولى منه ) لأن الإمامة منصب جليل ، فالحرّ أولى به اه برماوي قوله : ( والبالغ بالمراهق ) وخالف الحنفية فقالوا : لا يصح . قال في الكنز وشرحه : وفسد اقتداء رجل بصبي لأنه متنفل فلم يجز اقتداء المفترض به اه . وفي الميزان للشعراني قال الأئمة الثلاثة بعدم صحة إمامة الصبي المميز في الجمعة . وقال الشافعي : يجوز الاقتداء به فيها كغيرها وإن كان البالغ أولى بالإمامة من الصبي بلا خلاف ، ووجه الأول أن منصب الإمامة في الجمعة وغيرها من منصب الإمام الأعظم ، وقد اتفقوا على أن من شرطه أن يكون بالغاً . ووجه الثاني أن المراد عدم إخلاله بواجبات الصلاة(2/327)
"""""" صفحة رقم 328 """"""
وآدابها ، وذلك حاصل بالصبي المميز الذي يميز بين الفرائض والسنن ، ويتحرز عن الصلاة مع الحدث والنجس وأيضاً فإنه لا ذنب عليه بخلاف البالغ فأشبه الإمام العادل المحفوظ من الذنوب اه قوله : ( بالمراهق ) أي الصبي المميز وأصله من قارب سن الاحتلام ق ل قوله : ( لكن البالغ أولى من الصبي ) أي وإن كان الصبي أقرأ أو أفقه لصحة الاقتداء به بالإجماع بخلاف الصبي ، ولهذا نصّ في البويطي على كراهة الاقتداء به اه قوله : ( والحر ) وإن كان أعمى أولى من الرقيق ، أي وإن قلّ ما فيه من الرق إلا إن تميز بنحو فقه أي فيقدم العبد الفقيه على الحر الخالي من الفقه ، أما حر فقيه وعبد أفقه فهما سواء كما حمل السبكي عبارة المجموع على ذلك ، وهذا كله في غير صلاة الجنازة ، أما فيها فالحر أولى مطلقاً لأن دعاءه أقرب إلى الإجابة اه م ر . قوله : ( وفي العبد الفقيه ) أي الأفقه والحر غير الفقيه ، أي غير الأفقه بأن كان فقيهاً فالحرية تعادل زيادة الفقه هكذا يفهم لأن غير الفقيه لا تصح إمامته اه م د . وتكره إمامة الأقلف وإن كان بالغاً اه .
قوله : ( والأعمى والبصير في الإمامة سواء ) أي لتعارض فضيلتهما لأن الأعمى لا ينظر ما يشغله فهو أخشع ، والبصير ينظر الخبث فهو أحفظ عن النجاسة والكلام إذا استويا في سائر الصفات ، وإلا فمن ترجح بصفة قدم بها كأعمى فقيه وبصير غير فقيه ، فالأعمى حينئذ يقدم فقد قال الماوردي : الحر الأعمى أولى من العبد البصير ، ومثل الأعمى والبصير في الاستواء السميع مع الأصم ، والفحل مع الخصي والمجبوب ، والأب مع ابنه ، والقروي مع البلدي اه أ ج . ولو كان البصير لا يتحاشى عن النجاسة قدم الأعمى عليه أو كان الأعمى غير خاشع قدم البصير عليه . وعند الحنفية أن إمامة الأعمى مكروهة لأنه لا يتوقى النجاسة . وفي البدائع إذا كان لا يوازيه غيره في الفضيلة في مسجده فهو أولى كما في شرح الكنز قوله : ( سواء ) أي إن اتفقا في بقية الصفات الآتية وسواء خبر الأعمى والبصير لأنه مصدر بمعنى مستويان .
فائدة : قال الأسنوي : رجل يجوز كونه إماماً لا مأموماً وهو الأعمى الأصم يكون إماماً لاستقلاله بأفعاله لا مأموماً إذ لا طريق له إلى العلم بانتقالات الإمام إلا إن كان بجنبه ثقة يعرّفه بها اه .
قوله : ( الوالي ) هو من له ولاية على ذلك المحل يقدم ولو على المالك اه ق ل قوله : ( الأعلى فالأعلى ) كالباشا فإنه مقدم على القاضي كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( على غيره )(2/328)
"""""" صفحة رقم 329 """"""
ولو على الأفقه والمالك والإمام الراتب فهو مقدم على المقدم بالصفات والمكان اه م د . وقوله والمالك أي إذا أذن في الصلاة في ملكه كما قيده م ر اه قوله : ( فإمام راتب ) ولو كان غيره أفقه منه مثلاً قوله : ( الإمام الأعظم ) أي أو نائبه اه أ ج قوله : ( فهو مقدم على الوالي ) أي في محل ولايته قوله : ( بحق ) فيقدم المستأجر على المؤجر ، ويقدم الموصي له بالمنفعة على وارث الموصي اه ق ل .
قوله : ( ولا على سيد ) أي أذن له في السكنى ، بل يقدم سيده عليه شرح المنهج أي وليس هذا الإذن إعارة كما يدل له عطفه عليها لأن الإعارة تقتضي ملك الانتفاع ، والعبد لا يملك ولو بتمليك سيده كما قرره شيخنا . وعبارة م د قوله : ولا على سيد أي ولا ساكن بحق على سيده ، فإذا أذن السيد لعبده في السكنى بمحل قدم السيد إلا السيد المكاتب للعبد فلا يقدم عليه بل المكاتب هو المقدم لاستقلاله ، فإذا أذن لسيده في دخوله داراً اشتراها مثلاً فهو المقدم لا سيده ، فإن كان السيد معيراً له الدار فالسيد المعير هو المقدم لا المكاتب ، ويؤخذ منه بطريق الأولى عدم تقديمه على قنه المبعض فيما ملكه ببعضه الحر اه شرح م ر قوله : ( غير سيد مكاتب ) أي كتابة صحيحة فمكاتبه يقدم عليه .
قوله : ( فأفقه ) أي في باب الصلاة وإن لم يحفظ إلا الفاتحة ح ل . فالمراد به أعرف الحاضرين بالصلاة ومتعلقاتها ، أي فيقدم على الاقرأ وإن حفظ جميع القرآن إذ الحاجة إلى الفقه أهم لكثرة حوادث الصلاة التي تطرأ فيها . قال ق ل : نعم يقدم عليه الأسن في الجنازة لأن دعاء الأسن أقرب إلى الإجابة اه . أي فقولهم في باب الصلاة أي غير صلاة الجنازة كما قاله م د على التحرير ، ولو كان الأفقه عارياً والفقيه مستوراً فالذي يظهر أن العاري مقدم إذ لا نقص فيه يعارض فضيلته التي زاد بها ، وأيضاً فضيلته ذاتية وذاك كماله بالستر عرضي يمكن زواله لا ذاتي ، ويقاس بما ذكر كل من اختل فيه شرط لا يوجب الإعادة كالتيمم . قاله ابن حجر . وقوله : إذ لا نقص فيه ، فيه نظر فقد قال بعضهم : إن صلاة العراة ونحوهم جماعة صحيحة ولا ثواب فيها لأنها غير مطلوبة اه . قال شيخنا : أي لأن انتفاء طلبها لعدم أهليتهم لها بسبب صفة قائمة بهم اه . فحاصله أن غير العاري مقدم على الأفقه العاري للاعتناء من الشارع بأمر الستر اه م د . قوله : ( فأقرأ ) أي أصح . وعبارة م ر في شرحه : والأوجه أن مراده بالأقرأ الأصح قراءة ، فإن استويا في ذلك فالأكثر قراءة . وبحث الأسنوي أن المتميز بقراءة السبع أو بعضها مقدم على غيره .
قوله : ( فأورع ) أي أكثر ورعاً وهو زيادة على العدالة بالعفة وحسن السيرة شرح المنهج ، والزهد أعلى من الورع لأن الورع ترك الشبهات وأخذ الحلال المحض ولو زاد على الحاجة ،(2/329)
"""""" صفحة رقم 330 """"""
والزهد الاقتصار على ما يحتاج إليه من الحلال المحض وحينئذ فالزاهد مقدم على الورع كما قاله م ر . والزهد قسم من الورع لا قسيم له ، قال أ ج : والحاصل أن الزهد قسم من الورع لا قسيم إذ الورع مقول بالتشكيك ، فأول مراتبه اجتناب الشبهات فإن ترك ما زاد على الحاجة من الحلال كانت المرتبة العليا له اه . قوله : ( فأقدم هجرة ) لو قال : فالمهاجر فالأقدم هجرة لكان أولى ، والهجرة في زمنه الإتيان من غير بلده إليه وبعده من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام اه ق ل .
تنبيه : يندب الخروج من بلد يعمل فيها بالمعاصي إلى بلد لا يعمل فيها بها ق ل . قوله : ( فأسنّ ) أي في الإسلام لا بكبر السن ، فيقدم شاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم ، فإن استويا في الإسلام روعي كبر السن ويقدم من أسلم بنفسه على من أسلم بتبعيته لغيره . وإن تأخر إسلامه لأن فضيلته في ذاته . قال ابن الرفعة : وهو ظاهر إذا كان إسلامه قبل بلوغ من أسلم تبعاً لغيره ، أما بعده فيظهر تقديم التابع اه شرح م ر . وقياس تقديم من أسلم بنفسه على من أسلم تبعاً تقديم من هاجر بنفسه على من هاجر أحد آبائه وإن تأخرت هجرته ، وظاهر تقديم من هاجر أحد أصوله إليه وسلم على من هاجر أحد أصوله إلى دار الإسلام لا على من هاجر بنفسه إليها . وهل يدخل في الأصول هنا الأنثى ومن أدلى بها كأبي الأم ؟ قياس الكفاءة لا ، وقد يفرق بأن المدار على شرف يظهر عادة التفاخر به وهنا على أدنى شرف وإن لم يكن كذلك اه قاله الشوبري . وبما ذكر علم أنه يقدم التابعيّ على الصحابي بأن أسلم ولم يجتمع به ، ثم بعد سنة مثلاً أسلم شخص واجتمع به ثم اجتمعا فيقدم التابعيّ المجتمع بالصحابي على الصحابي لأن سنه في الإسلام أكثر ، ولهذا قالوا الصحابي ليس كفؤاً لبنت تابعي لأن له أصلاً في الإسلام بخلاف الصحابي اه فقد صرحوا بأنه يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل .
قوله : ( وبدناً ) الواو بمعنى الفاء فيه وفيما بعده لأنها مرتبة على المعتمد خلافاً لظاهر كلامه ، ويقدم عليها الأحسن ذكراً أي سيرة ولو تعارضت هذه الثلاثة بأن وجد أنظف ثوباً وآخر أنظف بدناً وآخر أنظف صنعة ، فالذي يظهر تقديم الأنظف ثوباً ثم بدناً ثم صنعة ، قال الزركشي وينبغي رعاية صفات الثوب كالأبيض لقوله ( خَيْرُ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ ) حتى يقدم على لابس الأسود اه م د قوله : ( وصنعة ) أي كسباً فيقدم الزارع والتاجر على غيرهما برماوي قوله : ( فأحسن صوتاً ) أي ولو كانت الصلاة سرية لأن حسن الصوت تميل إليه القلوب في الجملة ولو لسماعه في نحو التكبير اه .
قوله : ( فأحسن صورة ) أي وجهاً وهذا لا يغني عنه أنظف بدناً إذ لا يلزم من الأنظف الأحسن ، وبعد ذلك المتزوّج فالأحسن زوجة ، فالأبيض ثوباً . وقال ع ش : لعل المراد بالصورة سلامته في بدنه من آفة تنقصه كعرج وشلل لبعض أعضائه . والحاصل أن الصفات(2/330)
"""""" صفحة رقم 331 """"""
أربعة عشر : الأفقه ثم الأقرأ ثم الأزهد ثم الأورع ثم الأقدم هجرة ثم الأسنّ ثم الأنسب ثم الأحسن ذكراً ثم الأنظف ثوباً فوجهاً فبدناً فصنعة ثم الأحسن صوتاً فصورة . وقال بعضهم : المراد بحسن الصورة تناسب الأعضاء والمعتمد ترتيبهم كما في هذا النظم :
يقدم الأفقه حيث يوجد
فأقرأ فأورع فأزهد
مهاجر فأقدم في الهجرة
أسنهم أشرفهم في النسبة
أحسنهم ذكراً وبعد الأنظف
ثوباً فجسماً ثم ما يحترف
فخيرهم في الصوت ثم الخلق
فالوجه فالزوجة يا ذا السبق
فأبيض ثوباً فإن نزاع
جرى في الاستواء فالإقراع
هذا كله حيث لا راتب أو أسقط حقه . وإلا قدم الراتب على الكل ، وهو من ولاه الناظر ولاية صحيحة أو كان بشرط الواقف اه .
قوله : ( ولمقدم بمكان ) أي ويباح لمقدم بمكان تقديم لا بصفات ، فلا يباح له ذلك وإن كان يجوز له مع الكراهة ، والمقدم بالمكان هو الوالي والإمام الراتب والساكن بحق ح ف . والذي في شرح م ر : أن التقدم مندوب إذا كان المقدم ساكناً بحق وكان غير أهل للإمامة ، وسكت عن حكم التقديم من الساكن الذي هو أهل ، ومن الوالي والراتب ولعله مراد شيخنا ح ف بقوله أي يباح وعبارة ح ل قوله : والمقدم بمكان أي وإن لم يكن أهلاً للصلاة كالكافر والمرأة لرجال ، وحينئذ يكون أولى بالإمامة من غيره بخلاف من قدمه القوم بالصفة لا يكون أولى بالإمامة من غيره اه . وقوله : كالكافر ، اعترض بأن الكافر والمرأة لا يقال لهما مقدمان لأن المقدم من يسوغ له الصلاة بالقوم . وأجيب بأن هذين يقال لهما مقدمان على فرض زوال المانع اه . قوله : ( لا بصفات ) أي المقدم بالصفات كالأفقه ليس له التقديم اه م د . أي يكره له ذلك كما تقدم .
قوله : ( بمن يعتقد بطلان صلاته ) بأن يظنه ظناً غالباً ، وليس المراد به ما اصطلح عليه الأصوليون وهو الجزم المطابق للواقع اه أ ج . بدليل تمثيله بقوله وكمجتهدين الخ قوله : ( بمن يعتقد ) لم يبرز الضمير مع كون الصلة جرت على غير من هي له لأن الإبراز لا يجب إلا في الوصف وهذا فعل قوله : ( لا إن افتصد ) صوّر المسألة صاحب الخواطر السريعة بما إذا نسي الإمام كونه مفتصداً ، أي وعلم المأموم بذلك لتكون نيته جازمة في اعتقاده بخلاف ما إذا علمه(2/331)
"""""" صفحة رقم 332 """"""
أي الإمام لأنه متلاعب عندنا أيضاً لعدم جزمه بالنية شرح م ر وأقره سم . والحاصل أن الإمام والمأموم إما أن يكونا عالمين بالفصد أو جاهلين به ، أو الإمام عالماً والمأموم جاهلاً أو بالعكس ، فلا يصح الاقتداء في الأولى ويصح في الثلاثة الأخيرة ، ويشترط فيما إذا كان الإمام جاهلاً بالفصد أي ناسياً له وكان المأموم عالماً به أن يعلم أن الإمام جاهل به ليكون جازماً بالنية كما قاله ع ش . قوله : ( اعتباراً باعتقاد المأموم ) يؤخذ منه أنه لو ترك الإمام البسملة لم تصح قدوة الشافعي به ، ولو كان المقتدي به الإمام الأعظم أو نائبه خلافاً لبعضهم .
وسئل الشهاب م ر عن إمام مسجد يصلي بعموم الناس بأن كان راتباً هل يجب عليه أن يراعي الخلاف أو لا ويقتصر على مذهبه ؟ فأجاب بأنه يجب عليه رعاية الخلاف اه . قال شيخنا : أما لو قرر إمام للحنفية مثلاً فلا يلزمه ذلك وهو قضية إفتاء م ر . ثم قال شيخنا بعد ذلك : إذا كان يصلي خلفه شافعي ينبغي وجوب رعاية الخلاف . قلت : وفيه ما فيه إذ هو مقيد بإمامة على مذهب معين ، ولا يلزم الإمام تصحيح صلاة الغير وبهذا فارقت مسألة إفتاء م ر اه أ ج .
قوله : ( فيها نجس ) فلو كان في الخمسة نجسان صحت صلاة كل خلف اثنين فقط أو النجس منها ثلاثة فبواحد فقط ، ولو كان النجس أربعة لم يقتد أحد منهم بأحد ، ولو سمع صوت حدث أو شم بين خمسة وتناكروه وأمّ كل في صلاة فكما ذكر في الأواني شرح م ر قوله : ( فتوضأ ) أو اغتسل به أو غسل به ثوبه ز ي .
قوله : ( أعاد ) أي أعاد كل منهم ما صلاه مأموماً آخر ، فإذ ابتدؤوا بالصبح أعادوا العشاء إلا إمامها فيعيد المغرب فيحرم عليهم الائتمام في العشاء ، ويحرم عليه الائتمام في المغرب اه ابن حجر لتعيين إناءي إماميهما للنجاسة بالنسبة للكل بالنظر لإمام العشاء وبالنسبة لإمامها بالنظر لإمام المغرب اه . وقوله : أعادوا العشاء مقتضاه صحتها مع أن النجاسة منحصرة في إناء إمامها ، ويجاب بأنهم نسبوا انحصار النجاسة في إناء إمامها . وقوله فيحرم أي عند العلم بذلك قوله : ( ما ائتم ) أي أعاد الصلاة التي ائتم فيها آخراً قوله : ( بمقتد ) أي حال اقتدائه ولو حكماً كالفرقة الثانية في صلاة ذات الرقاع ، فإن بان بعد فراغه من صلاته أن إمامه كان مقتدياً فلا إعادة ق ل . وإذا انقطعت القدوة إما بسلام الإمام أو بنية المفارقة فيصح الاقتداء به . والحاصل أنه يصح اقتداء بعض المأمومين بعد سلام الإمام ببعض ، لكنه لا ثواب فيه لأن فيه نية القدوة في أثناء الصلاة إلا في الجمعة فلا يصح كما ذكره الرحماني ، والمشكوك في مأموميته كأن وجد رجلين يصليان وشكّ في أيهما الإمام فلا يصح اقتداؤه بواحد منهما وإن ظنه الإمام ولو(2/332)
"""""" صفحة رقم 333 """"""
بالاجتهاد فيما يظهر خلافاً للزركشي اه قوله : ( ولا بمن تلزمه إعادة ) محله إن علم المأموم بحاله حال الاقتداء أو قبله ونسيَّ فإن لم يعلم مطلقاً أو إلا بعد الصلاة فلا إعادة لصحة القدوة لأن غايته أن الإمام محدث وتبين حديث الإمام بعد الصلاة لا يوجب الإعادة اه ع ش . قوله : ( كمتيمم لبرد ) استشكل هذا بأن النبّي لم يأمر من صلى خلف عمرو بن العاص بالإعادة وهو كان متيمماً للبرد . وأجيب عنه بأن عدم الأمر بالإعادة لا يستلزم عدمها لأنها على التراخي وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز ، ولجواز كونهم عالمين وقضوا ما عليهم اه أ ج .
قوله : ( ولا يأتم رجل بامرأة ) يقرأ المتن بالرفع ويكون من عطف الجمل ، ولا يصح أن يقرأ يأتم بالنصب عطف على يأتم المتقدم لأنه يصير المعنى ، ويجوز أن لا يأتم الرجل بالمرأة وهذا فيه تهافت لأنه ليس مقصوداً ، وإنما المقصود عدم الصحة لا جواز عدم الائتمام . وأما قول الشارح : ولا يصح أن يأتم رجل فهو حل معنى لا إعراب اه قوله : ( رجل ) أي ولو احتمالاً فهو صادق بصورتين ، وكذا المرأة فالصور الباطلة هي منطوق المتن قوله : ( لقوله ) المناسب أن يقول : ولقوله بعطفه على ما قبله قوله : ( ولو أمرهم امرأة ) عام في الصلاة وغيرها .
قوله : ( ويصح اقتداء خنثى بانت أنوثته ) أي سواء بانت قبل الصلاة وهو ظاهر ، أو بانت بعدها ودخل في الصلاة ظاناً أن إمامه رجل ، أو لم يعلم منه شيئاً قوله : ( بانت ذكورته ) أي قبل القدوة وهو ظاهر ، وكذا بعد فراغ الصلاة إن دخل الرجل في الصلاة جازماً بأنه رجل أو لم يظن من حاله شيئاً . قال سم : حاصل هذه المسألة أنه إن علمه خنثى عند الاقتداء لم تنعقد صلاته ، وإن علم خنوثته في أثناء الصلاة فإن تبين في الحال أنه ذكر استمرت الصحة لأنه لم يتردد عند النية وقد بانت الذكورة في الحال ، وإن مضي قبل التبين ركن أو طال الفصل بطلت ، وإن علمه بعد الصلاة فإن لم تبن ذكورته وجب القضاء ، وإن تبينت ولو بعد طول الفصل صحت الصلاة ولا قضاء . وهذا الحاصل عرضته على شيخنا الطبلاوي فجزم به اه ع ش إطفيحي وقرره ح ف غير أنه اعتمد فيما إذا بان الإمام خنثى في أثناء الصلاة أنها تبطل ، وإن ظهر عقبه أنه متضح بالذكورة لمضيّ جزء من الصلاة مع الشكّ ، وعبارة المناوي : ويصح اقتداء رجل بخنثى اتضحت ذكورته وخنثى اتضحت أنوثته بأنثى لكن يكره اه .(2/333)
"""""" صفحة رقم 334 """"""
قوله : ( بأمي ) منسوب إلى الأم كأنه على حاله حين ولدته أمه ، وأصله من لا يكتب ولا يقرأ اه . ثم استعير مجازاً فيما ذكره الشارح ، أو يقال إنه حقيقة عرفيه ومثل الأمي في الحكم المذكور من لا يكبر للإحرام وكذا تارك الفاتحة أو بعضها كالبسملة بخلاف من كبر ولم ينو وكأن وجه المخالفة أنه لا تفسير من المأموم ، فيصح اقتداؤه مع الجهل بحاله اه م د على التحرير قوله : ( أمكنه التعلم أم لا ) علم بحاله أم لا لأن الإمام بصدد تحمل القراءة على المسبوق ، فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل شرح المنهج : فلا يصح اقتداء القارىء بالأمي مطلقاً وقوله : علم القارىء بحاله أم لا شامل لما إذا تردد في كونه أميّاً أو لا ، فلا يصح الاقتداء حينئذ وقد صرح غير واحد بصحة الاقتداء لأن الظاهر من حال المصلي أنه يحسن القراءة ، فإن أسرّ في جهرية تابعه المأموم ووجب عليه البحث عن حاله بعد السلام ، فإن تبين أنه غير قارىء أعاد ، وإن تبين أنه قارىء ولو بقوله : نسيت الجهر أو أسررت لكونه جائزاً وصدقه المأموم لم يعد ، وإِن لم يتبين حاله لم يعد أيضاً وفي كلام بعضهم أنه يعيد لأنه لو كان قارئاً لجهر اه ح ل . قوله : ( كتخفيف مشدد ) مثال لمن يخلّ بحرف وقوله : كأرتّ مثال للأمي كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة ق ل قوله : كتخفيف مشدد أشار إلى أن التعبير بمن يخل بحرف كاف عن زيادة أو تشديدة . وقوله : من الفاتحة قيد لما الكلام فيه اه . وخرج بالفاتحة غيرها ، أما التكبير فإن كان يخل به مع القدرة وائتم به القارىء فإن دخل في الصلاة عالماً بأن إمامه يخل بالتكبير لم تنعقد ، وإن لم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة وجبت الإعادة ، وإن علم في الأثناء وجب الاستئناف ولا تنفعه نية المفارقة ، وأما مع العجز فلا ضرر ، وأما الإخلال في التشهد فإن دخل عالماً بذلك لم تنعقد صلاة المأموم ، فإن لم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة وبعد سلامه لا إعادة ، وإن كان قبل سلام المأموم سجد للسهو وسلم ولا إعادة أيضاً ، وإن علم في أثناء الصلاة انتظره لعله يعيده على الصواب ، فإذا سلم ولم يعده سجد المأموم للسهو أيضاً وكذا حكم السلام كالتشهد اه . وعبارة شرح م ر : وبحث الأذرعي صحة اقتداء من يحسن نحو التكبير أو التشهد أو السلام بالعربية بمن لا يحسنها بها ، ووجهه أن هذه لا مدخل لتحمل الإمام فيها فلم ينظر لعجزه عنها اه . لكن في حاشية البرماوي أن هذا غير مستقيم لما تقدم أن الإخلال ببعض الشدات في التشهد مخل أيضاً ، أي فلا تصح صلاته حينئذ ولا إمامته اه ق ل . على الجلال وح ف . وإنما سجد للسهو حملاً على أنه أخلّ ببعض التشهد سهواً وكان يغير المعنى لأنه حينئذ يبطل عمده ، وما أبطل عمده سنّ السجود لسهوه تأمل .(2/334)
"""""" صفحة رقم 335 """"""
قوله : ( في غير محل الإدغام ) كقوله ) اهدنا الصراط المستقّيم } ) الفاتحة : 6 ) بتشديد التاء اه قوله : ( وألثغ ) هو أعم من الأرت قوله : ( وهو من يبدل حرفاً ) سواء كان مع إدغام أم لا .
قوله : ( كأن يأتي بالمثلثة بدل السين ) قال م ر : نعم لو كانت اللثغة يسيرة بأن لم تمنع أصل مخرجه بأن كان غير صاف لم يؤثر بأن لم يحصل إبدال . وحكى الروياني عن أبي غانم مقري بن سريج قال : انتهى ابن سريج إلى هذه المسألة فقال : لا تصح إمامة الألثغ وكانت لثغته يسيرة . وفيّ أي في أبي غانم مثلها ، فاستحييت أن أقول له هل تصح إمامته فقلت له : هل تصح إمامتي ؟ قال : نعم وإمامتي أيضاً اه عميرة . وسئل الشهاب م ر عمن قرأ الرحيم مالك بإثبات الألف مع الإدغام . فأجاب بحرمة القراءة مع صحة الصلاة . وأجاب الشيخ أبو النصر الطبلاوي بالصحة ، ولا تحرم القراءة بالإدغام مع إثبات الألف بناء على الصحيح أن الشاذ ما وراء العشرة وإن خالف فيه الشيخان ، وهذه قراءة يعقوب من الثلاثة بعد السبعة . وكان والدي رحمه الله يشدد في ذلك تبعاً لجمع ردّاً على من يدعي شذوذها اه . هذا وقد علمت أن المعتمد عند م ر ما عليه الشيخان ، وهو أن الشاذ ما وراء السبعة اه أ ج قوله : ( وإلا ) أي إن لم يمكنه التعلم صحت كاقتدائه بمثله . قال ق ل : لو قال كاقتدائه بمثله به كان مستقيماً أي أولى لأنه يصح اقتداؤه بمثله ، وأكمل منه بخلاف اقتداء غيره به فلا يصح إلا إذا كان مثله اه . قوله : ( فيما يخل به ) بأن اتحدا في الحرف المعجوز عنه ومحله وإن اختلفا في المأتي به كأن يبدل أحدهما سين المستقيم مثلثة والآخر مثناة بأن قال أحدهما : المثتقيم بالمثلثة ، والآخر المتتقيم بالمثناة . ولو مع الإدغام فيصح لاتحاد الحرف المعجوز عنه ، ومنه يؤخذ عدم جواز اقتداء أخرس بأخرس أصليين ، فإن كان أحدهما أصلياً دون الآخر صح اقتداء الأصلي بالطارىء دون عكسه ، فإن كانا عارضين فلا يصح اقتداء أحدهما بالآخر لأن كلاً منهما يحسن ما لا يحسنه الآخر اه ق ل . مع زيادة . وعند حج يصح اقتداء أحدهما بالآخر مطلقاً . وفي شرح م ر : وعلم منه عدم صحة اقتداء أخرس بأخرس ولو عجز إمامه في أثناء صلاته عن القراءة لخرس لزمه مفارقته ، بخلاف ما لو عجز عن القيام لأن اقتداء القائم بالقاعد صحيح ولا كذلك القارىء بالأخرس قاله البغوي في فتاويه ، فلو لم يعلم بخرسه حتى فرغ من صلاته أعاد لأن حدوث الخرس نادر بخلاف طروّ الحدث اه م د على التحرير .
قوله : ( بنحو تأتاء ) أي في الفاتحة أو غيرها بدليل قوله كفأفاء إذ لا فاء في الفاتحة ، والمراد به من يكرر الحرف وإن قدر على عدمه فلا يشترط العذر ، وإنما صحت صلاته مع(2/335)
"""""" صفحة رقم 336 """"""
ذلك لأن المكرر حرف قرآني كما قاله ق ل . وعبارة أ ج : بنحو تأتاء كوأواء أي وهو من يكرر الواو وكذا سائر الحروف لزيادته ونفرة الطبع عن سماعه ، وجاز الاقتداء بهم مع زيادتهم لعذرهم فيها اه أ ج .
قوله : ( و لاحن ) المراد باللحن ما يشمل الإبدال اه م ر قوله : ( بما لا يغير المعنى ) أي ويحرم عمد ذلك مع صحة الصلاة والقدوة اه دميري . والحاصل أن اللحن حرام على العامد العالم القادر مطلقاً ، وأن ما لا يغير المعنى لا يضر في صحة صلاته والقدوة به مطلقاً ، وأما ما يغير المعنى ففي غير الفاتحة لا يضر فيهما إلا إن كان عامداً عالماً قادراً . وأما في الفاتحة فإن قدر وأمكنه التعلم ضرّ فيهما وإلا فكأمي اه ق ل على المحلي قوله : ( كضم هاء لله ) أي وفتح دال نعبد وكسر بائها ونونها لبقاء المعنى ، وضم صاد الصراط وهمزة إهدنا فإن ذلك كله لا يضر في صحة القدوة وإن كان المعتمد لذلك آثماً اه أ ج . وقوله : وضم صاد الصراط أي فكاللحن الذي لا يغير المعنى وإن لم تسمه النحاة لحناً فإن اللحن عندهم كاللغويين تغيير الإعراب والخطأ فيه ، والمراد به هنا الأعم فيشمل إبدال حرف بآخر ، ونصب دال الحمد لله أو جرّها والمراد بتغيير المعنى أن ينقل معنى الكلمة إلى معنى آخر كضم تاء أنعمت وكسرها أو لم يكن لها معنى أصلاً كالزين بالزاي اه .
قوله : ( فإن غير ) أي اللحن قوله : ( ولم يحسن اللاحن الفاتحة ) أي لم يحسن ما لحن به فيها بأن عجز لسانه عنه ولم يمكنه التعلم كما في م ر . وإنما أطلق عليه أنه لم يحسن الفاتحة لأنه إذا لم يحسن ما لحن به صدق عليه أنه لا يحسنها تأمل . قوله : ( فلا يصح اقتداء القارىء به ) أي مطلقاً ولا صلاته إن أمكنه التعلم وإلا صحت كاقتداء مثله به ، ومثل اقتداء القارىء بالأمي اقتداء من يحسن سبع آيات بمن لا يحسن إلاّ الذكر وحافظ نصف الفاتحة الأوّل بنصفها الثاني اه شرح م ر . ومن يحسن الذكر بمن لا يحسن شيئاً كذلك اه أ ج قوله : ( وإن كان اللحن ) أي المغير للمعنى بدليل مثاله وقوله في غير الفاتحة أي وغير بدلها كما ذكره ق ل .
قوله : ( صحت صلاته ) قال الإمام : ولو قيل ليس لهذا اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه لم يكن بعيداً لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة ، وقواه السبكي شرح المنهج ومقتضاه البطلان . واختاره السبكي وهو ضعيف لأن السورة مطلوبة في الجملة اه ح ل .(2/336)
"""""" صفحة رقم 337 """"""
قوله : ( ولو بان إمامه الخ ) بان من أخوات كان فإمامه اسمها وكافراً خبرها شيخنا عن السيوطي ، والأولى نصبه على التمييز المحوّل عن الفاعل أي ولو بان كفر إمامه لعدم ثبوت ما ذكره كما في ع ش على م ر . والأولى جعله حالاً ، وردّ بأنه ليس المعنى بان في حال كونه كافراً لأن الحال على تقدير في بل المعنى بان كفره ، فالأولى كونه تمييزاً ولو ظهر له حاله في أثناء القدوة وجب الاستئناف ق ل قوله : ( كافراً ) أي أو خنثى أو مجنوناً أو أمياً أو تاركاً الفاتحة في الجهرية ، أو تجب عليه الإعادة أو ساجداً على كمه الذي يتحرك بحركته ، أو تاركاً تكبيرة الإحرام أو قادراً على القيام أو على السترة وكان يصلي من قعود أو عارياً ، وفارق تبين كونه قادراً على القيام في الخطبة وكان قد خطب من قعود حيث لا تجب عليه الإعادة لأن القيام في الخطبة شرط وفي الصلاة ركن والشرط يغتفر فيه . فإن قلت : يرد على هذا الفرق السترة فإنها شرط للصلاة ، فما الفرق بينها وبين قيام الخطبة ؟ أجيب بأن السترة شرط للصلاة ، والقيام المذكور شرط لما هو منزل منزلة الصلاة وهو الخطبة فاغتفر فيه اه ح ف . وقوله : وكان يصلي من قعود فتجب الإعادة في جميع ذلك لأن من شأنها أن لا تخفى اه .
قوله : ( ولو مخفياً ) هي للرد على الرافعي . وقوله : وجبت الإعادة ولا ينقلب نفلاً مطلقاً قوله : ( وجبت الإعادة ) أي إن بان بعد الفراغ من الصلاة ، فإن بان في أثنائها وجب استئنافها اه م د . قوله : ( لتقصيره بترك البحث ) صريحه أن يجب البحث على المأموم عن حال الإمام قبل اقتدائه وليس كذلك على الأصح ، فلو قال لكون الإمام ليس من أهل الإمامة في ذاته لكان أولى اه ق ل . وعبارته على الجلال قوله لتقصيره الخ في هذا التعليل نظر مع ما مرّ من أنه لا يجب البحث عن حال الإمام إلا أن يقال الأمور التي قلّ أن تخفى على أحد نسب تاركها إلى التقصير في البحث عنها ، أو يقال : هذا تعليل من يوجب البحث جرى على لسان غيره وليس مقصوداً عنده اه . ولو اقتدى بمن جهل إسلامه أو شكّ فيه فلا قضاء لأن إقدامه على الصلاة دليل ظاهر على إسلامه ولم يبن خلافه . نعم إن أسرّ في جهرية لزمه البحث ، فإن قال : نسيت الجهر أو أسررت لكونه جائزاً وصدقه المأموم فلا تلزمه الإعادة بل تستحب ، فإن تعذر عليه البحث أو بحث معه فلم يجبه فالإعادة لازمة له ، أما في السرية فلا إعادة عملاً بالظاهر ولا يلزمه البحث عن حاله كما لا يلزمه البحث عن طهارة الإمام اه م ر اه أ ج قوله : ( وقد أسلم ) أي والحال(2/337)
"""""" صفحة رقم 338 """"""
أنه قد أسلم أي تجدد إسلامه قبل الاقتداء . وقوله : فقال بعد الفراغ تفصيل لقوله لو لم يبن كفره إلا بقوله . وقوله : فلا يقبل خبره فيه نظر لأن الكافر يقبل خبره في فعل نفسه فكان الأظهر أن يعلل بالتقصير .
( قاعدة ) : كل ما يوجب الإعادة إذا طرأ في الأثناء أو ظهر أوجب الاستئناف ، ولا يجوز الاستمرار مع نية المفارقة . وكل ما لا يوجب الإعادة مما يمنع صحة الاقتداء ابتداء عند العلم إذا طرأ في الأثناء أو ظهر لا يوجب الاستئناف ويجوز الاستمرار مع نية المفارقة اه ع ش على م ر .
قوله : ( فلا يقبل خبره ) ويستثنى هذا من قولهم يقبل خبر الكافر في فعل نفسه اه م د قوله : ( لا إن بان ذا حدث ) وكذا كل ما يخفى على المأموم عادة كعدم النية وتيممه بمحل يغلب فيه وجود الماء اه ق ل . ومثله ما لو بان تاركاً للفاتحة في السرية أو للتشهد مطلقاً لأن هذا مما يخفى كما قرره شيخنا ح ف . قال الحناطي وغيره : ولو أحرم بإحرامه ثم كبر ثانياً بنية سراً بحيث لم يسمع المأموم لم يضرّ في صحة الاقتداء ، وإن بطلت صلاة الإمام لأن هذا مما يخفى ولا أمارة عليه اه . قوله : ( خفية ) حاصل المعتمد أن الظاهرة هي العينية ، والخفية هي الحكمية أي التي ليس لها طعم ولا لون ولا ريح وأنه لا فرق بين القريب والبعيد ، ولا بين القائم والقاعد ، ولا بين الأعمى والبصير ، ولا بين باطن الثوب وظاهره اه ع ش قال م د . ويفرض الأعمى بصيراً والبعيد قريباً .
قوله : ( بخنثى ) أي ظن ذكورته ابتداء حتى يصح اقتداؤه به أولاً ثم طرأ التردد في خنوثته في الأثناء كما يدل عليه قوله : لتردد المأموم ، وكان الأولى تقديم هذه المسألة بعد شرح قوله : ولا يأتمّ رجل بامرأة . قوله : ( لتردد المأموم في صحة صلاته عندها ) أي عند القدوة فيه تصريح بأن المأموم دخل عالماً بأنه خنثى ، أما إذا لم يعلم خنوثته إلا بعد الصلاة ثم اتضح بالذكورة فإنه لا يعيد شرح م ر . وعلله ابن حجر بقوله لجزمه بالنية . والحاصل أن المقتدي بالخنثى إما أن يكون رجلاً أو امرأة أو خنثى ، وكل منهم إما أن يظن الخنثى المقتدي به حال الاقتداء رجلاً أو امرأة أو خنثى أو لا يظن من حاله شيئاً ، فهذه أربعة مضروبة في الثلاثة المتقدمة باثني عشر . وعلى كل إما أن يظهر الإمام بعد الصلاة رجلاً أو أنثى أو يبقى على خنوثته ، فهذه ست وثلاثون منها صور المرأة المقتدية الاثنا عشر صحيحة ، وأربعة أيضاً صحيحة وهي ما إذا ظنه كل من الرجل والخنثى ذكراً حال الاقتداء به وبان كذلك ، أو لم يظنه شيئاً فبان ذكراً والعشرون الباقية باطلة اه عناني .(2/338)
"""""" صفحة رقم 339 """"""
قوله : ( كما عهد ) أي لما عهد قوله : ( إما أن يكونا بمسجد ) هذه هي الأولى قوله : ( أو بغيره الخ ) هي الصورة الثانية ، وشمل ما إذا كانا في فضاء ، وما إذا كانا في بناء ، وما إذا كان أحدهما في بناء والآخر في فضاء فهي شاملة لأربع صور . قوله : ( أو يكون أحدهما بمسجد ) فيه صورتان قوله : ( وأي موضع ) مبتدأ خبره جملة صلى الخ ، فالرابط محذوف أي صلى فيه الخ قوله : ( ومنه رحبته ) قال م ر : وهي ما كان خارجه محوطاً عليه لأجله في الأصح ، ولم يعلم كونه شارعاً قبل ذلك سواء علم وقفيتها مسجداً أم جهل أمرها عملاً بالظاهر وهو التحويط عليها ، وإن كانت منتهكة غير محترمة . وخرج بالرحبة الحريم وهو الموضع المتصل بالمسجد المهيأ لمصلحته كانصباب الماء وطرح القمامات فيه فليس له حكم المسجد فيما مرّ ولا في غيره ، ويلزم الواقف تمييز الرحبة عن الحريم بعلامة كما قاله الزركشي لتعطى حكم المسجد اه . وقوله : ويلزم الواقف تمييز الخ يدل على أنهما إنما يتميزان بالقصد لا بالكيفية ، وانظر لو احتمل كونها رحبة وكونها حريماً فأدخلها الناظر في تربيعه ووقفها مسجداً هل يسوغ له ذلك أم لا يراجع اه م د . ولو خرج ما كان شارعاً وحجر عليه صيانة للمسجد كرحبة الجامع الأزهر التي بين الطبرسية والابتغاوية فليست بمسجد قطعاً ابن حجر اه م د قوله : ( برؤيته ) بيان لطرق العلم الأربعة فالمراد به ما يشمل الظن قوله : ( أو صوت مبلغ ) أي عدل رواية بأن يكون بالغاً عاقلاً ، حراً كان أو عبداً ، ذكراً أو أنثى وإن لم يكن مصلياً ، وكذا الصبي المأمون والفاسق إذا اعتقد صدقه ، ولو ذهب المبلغ في أثناء صلاته لزمت المأموم نية المفارقة إن لم يرج عوده أو انتصاب مبلغ آخر قبل مضي زمن يسع ركنين في ظنه فيما يظهر اه ح ل قوله : ( نافذة ) أي تنافذاً عادياً فخرجت الطاقات العالية أي يمكن الاستطراق من ذلك المنفذ عادة ولو لم يصل إلى الإمام إلا بازورار وانعطاف بحيث يصير ظهره للقبلة ح ل .
قوله : ( سواء أغلقت أبوابها أم لا ) خرج ما لو سمرت ولو في الأثناء فتبطل الصلاة ق ل . واعتمد شيخنا ح ف عدم البطلان إذا سمرت في الأثناء لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء اه . ومثل تسمير الأبواب ما إذا كان بنحو سطح لا مرقى له من المسجد شرح م ر .(2/339)
"""""" صفحة رقم 340 """"""
قوله : ( أو منارته ) أي المسجد أي الداخلة فيه أو في رحبته قوله : ( فإن لم تكن نافذة ) كأن كانت مسمرة الأبواب قوله : ( فيضر الشباك ) لأنه يمنع الاستطراق . قال شيخنا : وإن كان الاستطراق ممكناً من فرجة من أعلاه لأن المدار على الاستطراق العادي ح ل . وكذا يضر زوال سلم الدكة ابتداء لمن يصلي عليها اه ح ف . ويضر ما لو حال بين جانبي المسجد نهر أو طريق قديم بأن سبق وجوده أو قارناه فيما يظهر فلا يكون كالمسجد الواحد بل كمسجد وغيره ، وهذا بخلاف ما لو كان النهر طارئاً بعد المسجدية فلا عبرة به ولا يخرجهما عن كونهما واقفين بمسجد واحد اه أ ج . قوله : ( والمساجد المتلاصقة ) كالجامع الأزهر والطبرسية والجوهرية اه إطفيحي قوله : ( كمسجد واحد ) فلا يضر غلق أبوابها . وقال ع ش : فلا يضر التباعد وإن كثر ، أي ما لم يحل نهر أو طريق قديم أو مقارن إلى آخر ما ذكر في المسجد الواحد اه أ ج قوله : ( ما لم يتقدم ) هذا ليس خاصاً بهذه المسألة بل كل صور الاقتداء كذلك قوله : ( في غير المسجد الحرام ) كذا قاله الشارح . ولعله سهو أو سبق قلم ق ل . أي لأنه يقتضي جواز التقدم على الإمام في المسجد الحرام مطلقاً ، وليس كذلك وكأنه أراد ما لو استداروا حول الكعبة وكانوا أقرب إليها من الإمام في غير جهته ، وأنت خبير بأن هذا لا يعد تقدماً عليه فالظاهر ما قاله ق ل .
قوله : ( على ثلثمائة ذراع ) أي بذراع اليد المعتدلة وهو شبران م ر . وقوله تقريباً فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع فأقل ، وإنما اغتفروا الثلاثة وفي القلتين رطلين فقط لأن المدار هنا على العرف وثم على قوة الماء وعدمها ولأن الوزن أضبط من الذرع فضايقوا ثم أكثر مما هنا اه أ ج قوله : ( ولا حائل ) بأن لا يكون لو أراد الوصول إلى الإمام يستدبر القبلة ، ويقال لهذا ازورار وانعطاف اه . ق ل . فلا يضر كونها عن يمينه أو يساره سم . وقال بعضهم : المراد به هنا ما يمنع مروراً وإن لم يمنع الرؤية كالشباك ، أو ما يمنع الرؤية وإن لم يمنع المرور كالباب المردود بخلاف الحائل الذي يشترط نفيه في المسجد ، فالمراد به ما يمنع الوصول إلى الإمام وإن لم يمنع الرؤية فيضر الشباك ، فإن لم يمنع الوصول لم يضر ، وإن منع الرؤية كالباب المردود أو المغلق(2/340)
"""""" صفحة رقم 341 """"""
ولذلك قال فيما تقدم سواء أغلقت أبوابها أم لا ، ويضر التسمير في الابتداء أما في الدوام فلا يضر خلافاً لما في الحاشية فافهم . قوله : ( كالباب ) تمثيل للنفي أي وانتفاء الحائل كالباب الخ أي كالانتفاء في الباب الخ .
قوله : ( فلو كان المأموم في المسجد الخ ) هي الحالة الثالثة قوله : ( فإن حال ) محترز قول المتن ولا حائل قوله : ( فانغلق ) يفيد أنه بنفسه ، فإن انغلق بغيره لم يضر أيضاً ما لم يكن بغلق المأموم أو بأمره ق ل . قوله : ( الواقف بحذائه ) أي مقابله يشاهد الإمام أو من معه ، ويقال لهذا رابطة لأهل الصف الذي عن يمينه أو يساره وكذا من خلفهم من الصفوف ، وهو كالإمام بالنسبة لهم فيشترط أن لا يتقدموا عليه في الموقف ولا في الإحرام ، وأن يكون تصح إمامته لهم ، وأن لا يخالفوه في أفعاله وإن خالفوا الإمام حتى لو كان بطيء القراءة وتأخر بثلاثة أركان طويلة وجب عليهم التأخير بها معه ، وأن يعينوه لو تعدد ، وأن لا ينتقلوا من الربط إلى الربط بغيره في صلاتهم ، وإذا بطلت صلاته تابعوا الإمام الأصلي إن علموا بانتقالاته وإلا وجب عليهم نية المفارقة اه ق ل . قوله : ( وإن خرجوا عن المحاذاة ) إذ تعلقهم إنما هو بالرابطة قوله : ( بخلاف العادل ) أي الخارج .
قوله : ( وإن كان الإمام والمأموم بغير مسجد ) هي الحالة الرابعة قوله : ( ولو محوطاً أو مسقفاً ) أو هما ، فأو مانعة خلوّ فتجوّز الجمع لكن كيف يقال فضاء مع كونه محوطاً مسقفاً أو محوطاً فقط . ويجاب بأن المراد بكونه فضاء أن لا يكون بين المأموم والإمام بناء ، فمتى جمعهما مكان من غير بناء بينهما يقال له فضاء بذلك الاعتبار قوله : ( أو شخصين ) بأن كان خلف الإمام ذكر وخنثى وأنثى فإنه يجعل كل واحد صفاً اه ح ف(2/341)
"""""" صفحة رقم 342 """"""
قوله : ( فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع ) الأولى ثلاث بلا تاء لأن تأنيث الذراع أفصح من تذكيرها اه شرح العباب . وعبارة م ر : فلا تضر زيادة غير متفاحشة كثلاثة أذرع ونحوها وما قاربها . وعبارة أ ج قوله : فلا تضر ثلاثة أذرع فما دونها . وقول م ر في شرحه كابن حجر : ولا تضر زيادة ثلاثة أذرع ونحوها وما قاربها ليس المراد منه الزيادة على الثلاثة بل المراد من عبارتهما ما قلناه ونقلناه قبل ذلك عن الشهاب م ر وسم . وقال بعضهم : قول م ر وما قاربها تفسير لقوله ونحوها ، والأولى حذفه لأنه إن كان مراده ما قاربها بأن كان أزيد فلا يصح لأن الزيادة على الثلاثة تضر وإن كان مراده أقل من الثلاثة فهو معلوم بالأولى قوله : ( وإن كانا في بناءين الخ ) هو مقابل قوله شرط في فضاء الخ قوله : ( شرط مع ما مرّ ) هو أن لا يزيد على ثلثمائة ذراع ، وأن يعلم انتقالات الإمام . قال ق ل : ومنه يعني مما مرّ في الحاشية أن لا يكون ازورار وانعطاف في وصول المأموم للإمام ووجود الاستطراق عادة قوله : ( أو وقوف واحد ) أي من المأمومين وهو الرابطة المتقدم ففيه ما ذكر فيه ق ل قوله : ( فإن حال ما يمنع مروراً ) قال القمولي : ولو صلى الإمام بصحن المسجد والمأموم بسطح داره اشترط لصحة الصلاة مكان الاستطراق بينهما من غير ازورار وانعطاف ، ولا تكفي المشاهدة ز ي وأ ج .
قوله : ( أو لم يقف الخ ) قيل : إن التعبير بالواو أولى لأن العطف بأو لا يستقيم إذ المعنى عليه أو لم يكن حائل لكن لم يقف أحد الخ وهو فاسد لأنه كيف يتصور وجود باب مفتوح أو مغلق مع وجود الحائل اه . ويردّ بأن ما ذكر إنما يأتي إذا جعل العطف على قوله حال وهو غير مراد وإنما العطف على القيد وهو ما يمنع الخ دون مقيده ، والمعنى في العطف أو حال ما لا يمنع مروراً ولا رؤية بأن كان فيه باب مفتوح لكن لم يقف أحد بحذائه اه ع ش . ويصح أن يكون معطوفاً على قوله مردود أي أو غير مردود ولم يقف أحد فيما مرّ الخ .
قوله : ( ولا يضر في جميع ما ذكر ) أي من الأحوال الأربعة من قوله ، وإذا كانا بمسجد إلى هنا فلو كان أحدهما بدكان والآخر بأخرى مقابلتها في الصف الثاني صحّ ، ولو وقف بسطح بيته والإمام بسطح المسجد وبينهما هواء فعن الزجاجي الصحة وهو الأصح أي مع إمكان التوصل إليه عادة بأن يجعل بين السطحين نحو اسقالة .(2/342)
"""""" صفحة رقم 343 """"""
قوله : ( إلى سباحة ) بكسر السين أي عوم وهو علم لا ينسى قوله : ( ارتفاعه ) أي ارتفاعاً يظهر في الحس وهو مفوّت لفضيلة الجماعة ، ومحل الكراهة ما لم يوضع نحو المسجد مشتملاً على ارتفاع وانخفاض وإلا فلا كراهة اه إيعاب شوبري ، كالأشرفية والغورية . ولو تعارض إكمال الصف الأول لكن مع ارتفاع والوقوف في الصف الثاني لا مع ارتفاع وقف في الثاني ، وترك تكميل الأول لأن كراهة الارتفاع أشد فإنها تفوّت فضيلة الجماعة اتفاقاً بخلاف تقطيع الصفوف فإنه لا يفوتها على ما في فتاوى م ر اه أ ج . قوله : ( وعكسه ) الضمير عائد إلى الارتفاع أي انخفاض المأموم عن إمامه على ما ذكر . والكراهة في الشقين راجعة إلى المأموم وبها تفوت فضيلة الجماعة كما تقدم . نعم لو ارتفع الإمام وحده أو انخفض وحده فالوجه نسبة الكراهة إليه ق ل قوله : ( كتعليم الإمام ) هذا مثال لارتفاع الإمام لحاجة وفيه نظر لأن من شروط الصلاة العلم بالكيفية قبل الدخول في الصلاة ، فكيف يدخلون غير عالمين بها ؟ ويجاب بأن الكيفية التي تشترط معرفتها قبل الدخول تمييز الفرائض من السنن وهذا معلوم لهم ، وأما معرفة كيفية صورة الفروض والسنن فأراد الإمام تعليمها لهم بالفعل اه .
قوله : ( وكتبليغ المأموم ) هو من المصدر المضاف إلى فاعله ، ولا بد من قصد الذكر فيه ولو مع الإعلام . نعم يعذر الجاهل بهذا لأنه مما يخفى اه ق ل . وعبارة شرح م ر : كتبليغ يتوقف عليه استماع المأمومين اه . قال ع ش : عليه يؤخذ منه أن ما يفعله المبلغون من ارتفاعهم على الدكة في غالب المساجد وقت الصلاة مكروه مفوت لفضيلة الجماعة لأن تبليغهم لا يتوقف على ذلك إلا في بعض المساجد في يوم الجمعة خاصة وهو ظاهر قوله : ( تكبيرة الإحرام ) لو أسقط هذا لكان أخصر وأعم لأن تكبيرات الانتقالات كذلك ، ولكن الذي في خط المؤلف تكبير الإمام فلا أعمية ولا غيرها . ويكفي عند الشارح قصد الذكر في أول تكبيرة لجميع التكبيرات . وقال شيخنا : لا بد من القصد في كل تكبيرة فراجعه ق ل قوله : ( فيسن ارتفاعهما لذلك ) أي تقديماً لمصلحة الصلاة ، فإن لم يجد إلا موضعاً عالياً أبيح ولم يمكن إلا ارتفاع أحدهما فليكن الإمام لما في عكسه من الإخلال بالأدب ، فكان إيثار الإمام بالعلوّ أولى اه م ر وأ ج .
قوله : ( كقيام غير مقيم ) المراد بالقيام التوجه ليشمل المصلي قاعداً فيقعد ، أو مضطجعاً أو نحو ذلك ، ولو كان بطيء النهضة بحيث لو أخر القيام إلى فراغها فاتته فضيلة التحرم مع الإمام قام في وقت يعلم به إدراكه للتحرم ، ومثل ذلك ما لو كان المأموم بعيداً وأراد الصلاة في الصف الأول مثلاً وكان لو أخرّ قيامه إلى فراغ الإقامة وذهب إلى الموضع الذي يصلي فيه فاتته(2/343)
"""""" صفحة رقم 344 """"""
فضيلة التحرم ، وشمل قوله غير مقيم الإمام فقول م ر وأ ج . ولا يقوم أي من أراد الاقتداء جري على الغالب لأن المأمومين هم الذين يبادرون للقيام عند الشروع في الإقامة اه قوله : ( بعد فراغ إقامة ) هذا إذا كان يدرك فضيلة الإحرام مع ذلك ، وإلا فليقم في وقت يدركها فيه اه ق ل . والمراد فراغ جميعها لأنه ما لم يفرغ منها لم يحضر وقت الصلاة وهو مشتغل بالإجابة قبل تمامها .
قوله : ( أما المقيم فيقوم ) أي يتوجه قوله : ( ليقيم قائماً ) أي حيث كان قادراً على القيام إذ هو من سننها ، والأفضل للداخل عندها أو قد قربت استمراره قائماً اه م ر قوله : ( وكره ) أي تنزيهاً قوله : ( ابتداء نفل ) دخل فيه تحية المسجد والراتبة ح ل قوله : ( بعد شروع المقيم في الإقامة ) أي أو قرب شروعه وإنما تكره لمن أراد الصلاة معهم اه أ ج قوله : ( أتمه ) أي ندباً .
قوله : ( ندب له قطعه ) ودخل فيها ما لم يغلب على ظنه تحصيل جماعة أخرى وإلا أتمه ، فالمراد بالجماعة في قوله فوت جماعة الجنس لا خصوص التي أقيمت . قال م ر : ومحل الندب في غير الجمعة ، أما فيها فقطعه واجب لإدراكها بإدراك ركوعها الثاني . وخرج بالنفل الفرض ، فإن كان حاضرة كره وإن كان فائتة فخلاف الأولى لأن الترتيب سنة ، ففي المفهوم تفصيل كما قرره شيخنا . وفي ق ل على الجلال : وخرج بالنفل الفرض فلا يجوز قطع المقضي منه إلا لجماعة تندب فيه بأن تكون في نوعه وليس فورياً ولا المؤدي منه إن ضاق وكذا إن اتسع إلا إن كان لأجل جماعة تندب فيه بعد قلبه نفلاً ، ويندب إتمام الركعتين منه بعد قلبه نفلاً ويسلم منهما إن لم يخف فوت الجماعة . وفي شرح شيخنا ما يفيد أن له أن يسلم من ركعة بعد قلبها نفلاً فراجعه . وعبارة أ ج . وخرج بالنفل الفرض ، فلو أحرم منفرداً بصلاة صبحاً أو غيرها ثم أقيمت جماعة بعد إحرامه وقد قام في غير الثنائية لثالثة سنّ له إتمام صلاته ثم يدخل في الجماعة ، وإن لم يقم لثالثة قلبها نفلاً واقتصر على ركعتين ثم يدخل في الجماعة ، بل لو خاف فوت الجماعة لو تمم ركعتين سنّ له قطع صلاته واستئنافها جماعة واقتصارهم على التمثيل بالركعتين إنما هو للأفضل وإلا فالركعة الواحدة كالركعتين ، ومحل ما ذكر إذا تحقق إتمامها في الوقت لو سلم من ركعتين وإلا حرم السلام . أما إذا كان في فائتة فلا يقلبها نفلاً ليصليها جماعة في حاضرة أو فائتة أخرى ، فإن كانت الجماعة في تلك الفائتة بعينها ولم يكن قضاؤها فورياً جاز له قطعها من غير ندب وإلا فلا يجوز ، ويجب عليه قلب الفائتة نفلاً إن خشي فوت الحاضرة اه .(2/344)
"""""" صفحة رقم 345 """"""
قوله : ( نظم صلاتيهما ) المراد بالنظم الصورة والهيئة الخارجية ، أي توافق هيئة صلاتيهما . ومن التوافق صلاة التسابيح فيصح الاقتداء بمصليها على المعتمد وينتظره المأموم في السجود الأول والثاني إذا طوّل الاعتدال والجلوس بين السجدتين ، وفي القيام إذا طول جلسة الاستراحة كما في شرح م ر قوله : ( في الأفعال الظاهرة ) خرج بالأفعال الأقوال ، فلا يشترط التوافق فيها كالعاجز عن الفاتحة الآتي ببدلها إذا اقتدي بمن يحسنها ، وخرج بالظاهرة الباطنة كنية الاقتداء أو الأداء والقضاء كالصبح بالظهر مثلاً فلا يشترط التوافق فيها كما ذكره بقوله . ويصح الاقتداء لمؤدّ إلى آخره قوله : ( فلا يصح الاقتداء الخ ) أي عدم الصحة من ابتداء الصلاة أي تنعقد النية لا أنّ عدم الصحة إنما هو عند الركوع ولا فرق في عدم الصحة بين أن يعلم نية الإمام لها أو يجهلها وإن بان له ذلك قبل التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة خلافاً للروياني ومن تبعه اه قوله : ( مع اختلافه ) ومنه اقتداء من في سجود السهو بمن في سجود التلاوة لأن فيه اقتداء من في صلاة بمن ليس في صلاة ، ويجوز اقتداء من في سجود التلاوة بمن في سجود الشكر وعكسه اه ح ل قوله : ( أو جنازة ) لو عبر بالواو لأفادت مسائل في المذكورات وهي مكتوبة خلف كسوف أو عكسه ، أو مكتوبة خلف جنازة أو عكسه ، أو جنازة خلف كسوف أو عكسه اه برماوي . والحاصل أن الصور التي لا يصح فيها الاقتداء ستة وعشرون ، وهي مكتوبة ونافلة خلف جنازة وكسوف وتلاوة وشكر وبالعكس أي الأربعة خلفهما فهذه ستة عشر ، والجنازة خلف الكسوف وسجدتي التلاوة والشكر وبالعكس فهذه ستة ، والكسوف خلف سجدتي التلاوة والشكر وبالعكس فهذة أربعة فتمت الصور ما ذكر .
قوله : ( لتعذر المتابعة ) نعم إن كان الإمام في القيام الثاني فما بعده من الركعة الثانية من صلاة الكسوف صحت القدوة في المكتوبة بخلاف صلاة الجنازة خلافاً لحج حيث جوّزه في آخر تكبير الجنازة ، ولا يصح في سجدتي التلاوة والشكر .
قوله : ( ويصح الاقتداء لمؤد ) أي مع حصول فضيلة الجماعة شرح م ر . وهو مشكل لأن الجماعة في هذه غير سنة كما مرّ في صلاة الجماعة في قوله : ولا تسن في مقضية خلف مؤداة وبالعكس بل مكروهة وما لا يطلب لا ثواب فيه ، ومن ثم قال بعضهم : لا يحصل فضل الجماعة وعبارة ز ي : والانفراد هنا أفضل وعبر بعضهم بأولى خروجاً من الخلاف ، وقضيته أنه لا فضل وردّ بقولهم الانتظار أفضل إذ لو كانت الجماعة مكروهة لم يقولوا ذلك قوله : ( وفي طويلة بقصيرة ) عطفه على قوله لمؤدّ بقاض من عطف الخاص على العام لأجل قوله بعد ، والمقتدي في نحو ظهر الخ أو أن قوله لمؤدّ بقاض محمول على المتفقين في العدد حتى لا(2/345)
"""""" صفحة رقم 346 """"""
يتكرر مع قوله : وفي طويلة بقصيرة ز ي . ويمكن اقتداء مصلي الطويلة بمصلي القصيرة مع كونهما مؤداتين كما إذا جمع المغرب مع العشاء جمع تأخير وصلى واحد خلفه العشاء مع صلاته المغرب ، أو جمع العشاء جمع تقديم فصلاها خلف مصلى المغرب ، فعلى هذا يكون عطفه على قوله لمؤد بقاض عطف عام على خاص والباء داخلة على الإمام أو صلاته .
قوله : ( وبالعكس ) راجع لجميع ما قبله اه ق ل . وعبر في شرح المنهج بقوله : وبالعكوس ، ولم يعبر بالعكس لئلا يتوهم رجوعه للأخير فقط وهي قوله : وفي طويلة بقصيرة وسبب ذلك التوهم اختلاف العامل ومجيء المصدر على الأصل وهو الافراد فارتكب خلاف الأصل دفعاً لذلك التوهم ، فلو وافقه الشارح هنا في التعبير بذلك لكان أولى .
قوله : ( ولا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم ) أي لعدم فحش المخالفة فيهما وهذا محترز قوله الظاهرة لأن الاختلاف هنا في النية وهي فعل قلبي فكان المناسب التفريع قوله : ( والمقتدي في نحو الظهر الخ ) بأن كان الإمام يصلي الصبح أو المغرب ، والمأموم يصلي الظهر أو نحوه بدليل قوله فيتم صلاته قوله : ( والأفضل متابعته ) وإن لزم على ذلك تطويل الاعتدال بالقنوت وجلسة الاستراحة بالتشهد لأنه لأجل المتابعة فاغتفر س ل . وعبارة شرح م ر : وما استشكل به جواز متابعة الإمام في القنوت مع أنه غير مشروع للمقتدي فكيف يجوز له تطويل الركن القصير به . ردّ بأنهم اغتفروا ذلك للمتابعة ولا يشكل على ذلك ما مرّ من أنه لو اقتدي بمن يرى تطويل الاعتدال ليس له متابعته بل يسجد وينتظره أو يفارقه ، فهلا كان هنا كذلك لأن تطويل الاعتدال هنا يراه المأموم في الجملة وهناك لا يراه المأموم أصلاً اه قال ع ش . قوله : لأن تطويل الاعتدال هنا الخ . قد يقال يرد عليه ما يأتي له في صلاة التسبيح من أنه يتعين عليه نية المفارقة أو الانتظار في السجود مع أن المقتدي يرى تطويله في الجملة فإنه يقول بصحة صلاة التسبيح في نفسها على تلك الهيئة ، إلا أن يقال لما لم يكن لها وقت معين وكان فعلها بالنسبة لغيرها نادراً نزلت منزلة صلاة لا يقول المأموم بتطويل الاعتدال فيها اه . قوله : ( في قنوت الصبح ) وهل مثل ذلك ما لو اقتدي مصلي العشاء بمصلي الوتر في النصف الثاني من رمضان ، فيكون الأفضل متابعته في القنوت أو لا كما لو اقتدى بمصلي صلاة التسابيح لكونه مثله في النفلية فيه نظر والظاهر الأول ، والفرق بينه وبين المقتدي بصلاة التسبيح مشابهة هذا للفرق بتوقيته وتأكده اه ع ش على م ر . قوله : ( وله فراقه بالنية ) مراعاة لنظم صلاته ، والمفارقة هنا لعذر فلا تفوت بها فضيلة الجماعة كما قاله جمع متأخرون ، وأجروا ذلك في كل مفارقة خير بينها وبين الانتظار شرح م ر اه أ ج .(2/346)
"""""" صفحة رقم 347 """"""
قوله : ( والمقتدي في صبح ) بأن كان الإمام يصلي الظهر أونحوه ، والمأموم يصلي الصبح أو المغرب قوله : ( إذا أتم صلاته الخ ) هو ظاهر بالنسبة للصبح لا بالنسبة للمغرب لأنه في المغرب يجب عليه مفارقته عند قيام الإمام للرابعة ليتشهد ، فهو لم يتم صلاته حين المفارقة فلعل الظاهر أن يقول إذا أتم ما توافقا فيه . ويمكن أن يجاب بأن معنى أتم صلاته قارب أن يتمها تأمل قوله : ( فارقه بالنية ) أي جوازاً في الصبح ووجوباً في المغرب ، كما يدل عليه قول الشارح بخلافه في المغرب ليس له انتظاره تأمل . وهذه المفارقة بعذر فلا كراهة وتحصل فضيلة الجماعة .
قوله : ( والأفضل انتظاره في صبح ) يستفاد من أفضلية الانتظار حصول فضيلة الجماعة ، ومحله إن كان الإمام تشهد وإلا بأن قام بلا تشهد فارقه حتماً أي لأنه يحدث جلوس تشهد لم يفعله الإمام ، وكذا إذا جلس ولم يتشهد لأن جلوسه من غير تشهد كلا جلوس أي فيفارقه حتماً . ومحل الانتظار في الصبح إن لم يخش خروج الوقت قبل تحلل إمامه وإلا فلا ينتظره ، وإذا انتظره أطال الدعاء بعد تشهد كما في شرح م ر . قال ع ش : فإن خشيه فعدم الانتظار أولى ، وإنما لم تجب نية المفارقة لجواز المدّ في الصلاة . وقوله : أطال الدعاء أي ندباً ولا يكرر التشهد ، فلو لم يحفظ إلا دعاءً قصيراً كرره لأن الصلاة لا سكوت فيها ، وإنما لم يكرر التشهد خروجاً من خلاف من أبطل بتكرير الركن القولي قوله : ( ليسلم معه ) أي ليقع السلام في جماعة ، ومع ذلك لو فارقه حصلت له فضيلة الجماعة وإن كان هذا الشقّ مفضولاً بالنسبة للانتظار كما نقله سم عن م ر . قوله : ( لأنه يحدث جلوس تشهد ) يستفاد منه أن له انتظاره في السجود الثاني اه سم قوله : ( ويقنت في الصبح ) في كلامه إجمال . والحاصل أن يقال إنه يقنت ندباً إن أدركه في السجود الأوّل ، وجوازاً إن أدركه قبل هويه للسجدة الثانية ، وإلا تركه وجوباً إن لم ينو المفارقة اه ق ل . ويفارق التشهد الأول بأنهما هنا اشتركا في الاعتدال فلم ينفرد به المأموم ، وثم انفرد بالجلوس ولا يرد على ذلك ما لو جلس الإمام للاستراحة لأن جلسة الاستراحة هنا غير مطلوبة اه م ر وحج و ز ي قوله : ( ولا سجود عليه لتركه ) أي لتحمل الإمام له عنه وإن لم يطلب منه لأن شأنه التحمل شرح م ر قوله : ( وله فراقه ليقنت ) وهو فراق بعذر فلا يكره لكن عدم المفارقة أفضل اه أ ج .
قوله : ( فعلاً ) معمول لقوله موافقته على أنه تمييز .(2/347)
"""""" صفحة رقم 348 """"""
قوله : ( كسجدة تلاوة وتشهد أول ) أي كأن سجد المأموم للتلاوة أو قعد للتشهد الأول بعد ترك الإمام لهما ، فإن فعل المأموم ذلك عامداً عالماً بالتحريم بطلت صلاته ، أو ناسياً أو جاهلاً فلا . وقوله : تركاً كأن ترك المأموم التشهد الأول بعد قعود الإمام له ، فإن تركه عامداً سنّ له العود ، وإن تركه ناسياً وجب عليه العود . فقول الشارح على تفصيل فيه راجع للتشهد فقط بهذا الاعتبار لأن ما ذكر هو المتقدم في سجود السهو ، وأما إذا ترك المأموم سجود التلاوة مع الإمام فحكمه ما تقدم من أنه إذا تركه عامداً عالماً بالتحريم بطلت صلاته أو ناسياً فلا
قوله : ( وتشهد أوّل ) أي أصله ، وأما إتمامه فلا يضر التخلف له . وعبارة شرح م ر في الكلام على التبعية . وقول جماعة إن تخلفه لإتمام التشهد مطلوب فيكون كالموافق هو الأوجه ، وما ذهب إليه جمع من أنه كالمسبوق ممنوع اه . قال أ ج . وحينئذ إذا كمل تشهده وأدرك زمناً خلف الإمام لا يسع الفاتحة أو أدركه راكعاً وجب عليه أن يقرأ الفاتحة ويغتفر له التخلف بثلاثة أركان طويلة اه .
قوله : ( تبعية ) تعبيره بالتبعية أولى من تعبير المنهج بالمتابعة لأنها مفاعلة من الجانبين وليس كذلك ، ولذا عبرّ بذلك شيخ الإسلام في المنهج . قوله : ( بأن يتأخر تحرمه ) أي يقيناً ، والمراد أن يتأخر ابتداء تحرمه عن انتهاء تحرم الإمام ، أي بأن يتأخر جميع تحرمه عن جميع تحرم الإمام ، فلو قارنه في حرف من التكبير لم تنعقد . ومحل هذا الشرط فيما إذا نوى المأموم الاقتداء مع تحرمه ، أما لو نواه في أثناء صلاته أي المأموم فلا يشترط تأخر تحرمه بل يصح تقدمه على تحرم الإمام الذي اقتدي به في الأثناء ، وكذا لو كبّر عقب تكبيره ثم كبر إمامه ثانياً خفية لشكه في تكبيره مثلاً ولم يعلم به المأموم لم يضر على أصح الوجهين وهو المعتمد ، وصلاة المأموم فرادى كما تقدم قوله : ( فإن خالفه ) أي التبعية وذكر الضمير باعتبار تأويلها بالحكم ، أو الضمير راجع للتأخر المفهوم من قوله : يتأخر . والمراد بقوله : فإن خالفه بأن سبق أو قارن أو شك مع طول الفصل لم تنعقد صلاته قوله : ( ولو غير طويلين ) أي طويل وقصير لأن القصيرين لا يتصوران ح ل ففيه تغليب ، وتوالي فعلين طويلين ممكن كالسجدة الثانية مع القيام كأن سجد المأموم السجدة الثانية وقام ، والإمام في الجلوس بين السجدتين أو السجدة الثانية وجلوس التشهد الأخير لأن السبق والتخلف لا فرق بين كونه في ابتداء الصلاة أو في أثنائها اه ا ط ف . قوله : ( وأن لا يتخلف عنه بهما بلا عذر ) علم من هذا أن المأموم لو طوّل(2/348)
"""""" صفحة رقم 349 """"""
الاعتدال بما لا يبطله حتى سجد الإمام وجلس بين السجدتين ثم لحقه لا يضر ، ولا يشكل على هذا ما لو سجد الإمام للتلاوة وفرغ منه والمأموم قائم فإن صلاته تبطل ، وإن لحقه أي أتي به لأن القيام لما لم يفت بسجود التلاوة لرجوعهما إليه لم يكن للمأموم شبهة في التخلف فبطلت صلاته به بخلاف ما نحن فيه فإن الركن يفوت بانتقال المأموم عنه فكان للمأموم شبهة في التخلف لإتمامه في الجملة فلم تبطل صلاته بذلك اه .
قوله : ( بلا عذر ) عبر في الأول بقوله عامداً عالماً ، وهنا بما ذكر إشارة إلى أن العذر هنا أعمّ من النسيان والجهل كبطء القراءة والزحمة . وقوله : بخلاف سبقه بهما ناسياً محترز عامداً عالماً وتأخيره إلى هنا أولى لأنه فسر التبعية بعدم التقدم والتأخر فجعل عدم التخلف جزءاً من مفهوم التبعية فجمع مفهوم القيدين أولى من تفريقه ليكون بيان المفهوم بعد تحقيق المنطوق قوله : ( ولو غير طويلين ) غاية لقوله : أو التخلف بهما . أما غاية السبق فتقدمت قوله : ( بطلت صلاته ) كأن هوي للسجود والإمام قائم للقراءة ، أو هوى إمامه للسجود وهو قائم بعد القراءة الواجبة عامداً عالماً . وعبارة م ر : كأن هوي للسجود أي وزال عن حدّ القائم في الأوجه بخلاف ما إذا كان للقيام أقرب من أقل الركوع فإنه في القيام حينئذ لم يخرج عنه فلا يضرَّ . وقد يفهم ذلك من قولهم هوى للسجود اه . وقولهم بخلاف ما إذا كان للقيام أقرب أو إليهما على حد سواء اه ع ش قوله : ( لفحش المخالفة بلا عذر ) راجع للسبق والتخلف ، والعذر في السبق أن يكون ناسياً أو جاهلاً وفي التخلف ذلك وزيادة عليه من قوله والعذر الخ . وحينئذ هلا جعل قوله في المتن بلا عذر راجعاً للسبق والتخلف ، ويسقط قوله عامداً عالماً . ويقول : والعذر في الأول أن لا يكون عامداً عالماً ، وفي الثاني كأن أسرع الخ . وأجيب بأنه لما كان العذر في التخلف أعم من الجهل والنسيان بخلافه في السبق لا يكون إلا واحداً منهما فصل كلا عن الآخر بقيده قوله : ( بخلاف سبقه بهما ناسياً ) كان الأولى تأخيره عما بعده ، أعني قوله وبخلاف سبقه بركن ليكون الإخراج مرتباً ، وكان الأولى أيضاً تقديم محترز عدم السبق بركنين على قوله وأن لا يتخلف عنه بهما . وأجيب بأن التبعية شيء واحد وصوّرها بشيئين وهما أن لا يسبقه وأن لا يتخلف ، ثم أخذ في المحترز على طريق اللف والنشر الغير المرتب قال بعضهم : سيأتي في الأعذار المبيحة للتخلف أن النسيان والجهل يباح فيهما التخلف بأكثر من ركنين ، فهل يقال بمثله هنا أو لا لأن السبق أفحش في المخالفة وحينئذ إذا استمر نسيانه أو جهله حتى شرع في ركن ثالث بطلت صلاته لم أر فيه نقلاً .
قوله : ( لكن لا يعتد بتلك الركعة ) أي ما لم يعد بعد التذكر أو التعلم ، ويأتي بهما مع الإمام اه شوبري بخلاف التأخر بهما كذلك فإنه لا يمنع حسبان الركعة ، وهل يجب عليه(2/349)
"""""" صفحة رقم 350 """"""
العود للإمام لفحش المخالفة أو لا ؟ والظاهر وجوب العود عند التذكر والتعلم اه قوله : ( وبخلاف سبقه بركن ) وعبارة شرح م ر : وقيل تبطل بالسبق بركن تام في العمد والعلم لمناقضة الاقتداء بخلاف التخلف إذ لا يظهر فيه فحش مخالفة قوله : ( وإن عاد إليه ) أي والحال أنه عاد إليه الخ . لأنه إن لم يعد إليه ولم يبتد رفع الاعتدال بل استمر راكعا لما وصله الإمام لا يقال : إنه سبقه بركن لأنه لا يقال سبقه بركن إلا إذا انتقل لغيره كالاعتدال ، أو عاد للإمام وما دام متلبساً بالركن لا يقال سبق به بل يقال سبقه ببعض ركن كما قرره شيخنا العشماوي والحفناوي . وعبارة شرح م ر : المراد بسبقه بركن انتقاله عنه لا الإتيان بالواجب منه اه . ولا يصح أن تكون الواو للغاية لأن مقتضاها أن يكون التقدير سواء عاد إليه أو لا ، وسواء ابتدأ رفع الاعتدال أو لا ، فتصدق بما إذا استمر في الركوع وهو في هذه الحالة لم يسبق بركن بل بعضه . وفي الشوبري ما نصه : فإن قلت : ما مفاد هذه الغاية ؟ قلت : الإشارة إلى أن الحكم بعدم البطلان عام ، ولو تمّ الركن بنحو الانتقال عنه وإلى أن التحريم لا فرق فيه بين أن يتلبس بالركن الآخر كما صوّره بعضهم أو لا .
قوله : ( أو ابتدأ رفع الاعتدال قبل ركوع إمامه ) لا يخفى أن هذه صورة ما قبل الغاية ، وفي كون هذا سبقاً بركن نظر بل هو سبق ببعض ركن ولا يتحقق السبق به إلا إن شرع في الاعتدال وحينئذ يسنّ العود إن تعمد ما ذكر ويخير إن كان ساهياً وعبارة ق ل . هذا هو السبق بركن وهو الذي في كلامه ، فإن اعتدل فهو سبق بركن وبعض ركن اه .
قوله : ( لكنه في الفعلي ) وكذا بعضه كأن ركع قبله ولم يرفع حتى ركع الإمام ، والدليل على الحرمة حديث الصحيحين ( أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُوَرَتَهُ صُوَرَةَ حِمَارِ ) ومعنى قوله : أن يحول الله رأسه رأس حمار يجعل الله رأسه على صورة رأس الحمار ، ويبقى بدنه بدن إنسان . ومعنى قوله : أو يجعل صورته صورة حمار أي يمسخ صورته كلها فيجعل جميع بدنه بدن حمار ، ويجعل صورته ورأسه رأس حمار ، وفيه دليل على جواز وقوع المسخ أعاذنا الله منه والمسخ لا يكون إلا من شدة الغضب قال الله تعالى ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } ) المائدة 60 ) اه . ابن العماد وهذا أعني قوله : لكنه في الفعلي أي لكن السبق في الفعلي فهو متعلق بضمير المصدر قوله : ( حرام ) أي من الكبائر اه ع ش والسبق ببعض ركن من الصغائر قوله : ( هويّ السجود ) أي وزال عن حد القيام في الأوجه بخلاف(2/350)
"""""" صفحة رقم 351 """"""
ما إذا كان للقيام أقرب من أقل الركوع فإنه في القيام حينئذ لم يخرج عنه فلا يضر ، أي وإن كان بغير عذر وإلا فالفرض عدم الضرر وقد يفهم ذلك من قولهم هويّ السجود شرح م ر قوله : ( يقاس بالتخلف بهما ) أي في التصوير بأن فرغ منهما والإمام فيما قبلهما ح ل بأن ابتدأ المأموم هويّ السجود وإمامه في قيام القراءة قوله : ( وبخلاف المقارنة في غير التحرم ) أي فتضر فيها أو في بعضها حتى لو وقع ذلك في أثنائها ولم يتذكر عن قرب أو ظن التأخر فبان خلافه لم تنعقد صلاته اه أ ج قوله : ( لكنها في الأفعال الخ ) اعلم أن المقارنة على خمسة أقسام : حرام مبطلة أي مانعة من الانعقاد وهي المقارنة في تكبيرة الإحرام ، ومندوبة وهي المقارنة في التأمين ، ومكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة مع العمد وهي المقارنة في الأفعال والسلام ، ومباحة وهي المقارنة فيما عدا ذلك ، وواجبة إذا علم أنه إذا لم يقرأ الفاتحة مع الإمام لم يدركها .
قوله : ( الظاهر الأوّل ) معتمد فإذا قارنه في الركوع فاته سبعة وعشرون ركوعاً كما أفاده شيخنا ح ف . قال ق ل : والمقارنة في أقوال يطلب التأخير فيها كذلك قوله : ( كأن أسرع ) المراد بالإسراع الاعتدال ، فإطلاق الإسراع عليه لأنه في مقابلة البطء الحاصل للمأموم ، وأما لو أسرع الإمام حقيقة بأن لم يدرك معه المأموم زمناً يسع الفاتحة للمعتدل فإنه يجب على المأموم أن يركع مع الإمام ويتركها لتحمل الإمام لها ولو في جميع الركعات ع ش على م ر وق ل .
قوله : ( قبل إتمام موافق له ) والموافق من أدرك من قيام الإمام زمناً يسع الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل لا بالنسبة لقراءة نفسه ، وكذا من شكّ هل أدرك زمناً يسع الفاتحة أو لا على المعتمد م ر . قال حج : لكن لا يدرك أعني الشاك الركعة إلا إذا أدرك الركوع مع الإمام لأنه تعارض عليه أمران : عدم إدراكها ، وعدم تحمل الإمام لها . فرجحنا الثاني احتياطاً ، والذي أفتى به م ر أنه يتخلف ويتم الفاتحة ويكون متخلفاً بعذر فيغتفر له ثلاثة أركان طويلة وهو المعتمد لأن تحمل الإمام رخصة والرخصة لا يصار إليها إلا بيقين اه أ ج . والمواضع التي يغتفر فيها ثلاثة أركان طويلة ، أن يكون بطيء القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة والإمام معتدلها ، أو علم أو شكّ قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة ، أو انتظر سكتة الإمام لقراءته السورة فركع أعني الإمام عقب الفاتحة ، أو كان موافقاً واشتغل بسنة كدعاء افتتاح وتعوّذ ، أو طول السجدة الأخيرة عمداً أو سهواً ، أو كمل التشهد الأول أو نام فيه متمكناً أو شكّ هل(2/351)
"""""" صفحة رقم 352 """"""
هو مسبوق أو موافق ، أو نسي أنه في الصلاة ، أو سمع تكبيرة الإمام بعد الركعة الثانية فظنها تكبيرة التشهد فإذا هي تكبيرة قيام فجلس وتشهد ، ثم قام فرأى الإمام راكعاً اه . وذكر الشارح بعضها كما ترى . وقد نظمها شيخنا العزيزي بقوله :
إن رمت ضبطا للذي شرعا عذر
حتى له ثلاث أركان غفر
من في قراءة لعجزه بطى
أو شك أن قرا ومن لها نسى
وضف موافقا لسنة عدل
ومن لسكتة انتظاره حصل
من نام في تشهد أو اختلط
عليه تكبير الإمام ما انضبط
كذا الذي يكمل التشهدا
بعد إمام قام منه قاصدا
والخلف في أواخر المسائل
محقق فلا تكن بغافل
وإن سها في سجدة عن اقتدا
ففاته إلى الركوع فاهتدى
ومن يشك في الزمان هل يسع
أمّ الكتاب بل قرأ فلا ركع
ومن يرى تكبيرة القيام
عن سجدة من ركعة الإمام
مضافة لجلسة التشهد
ولم يصب حين الجلوس يبتدى
فذا من الأعذار في التخلف
لأم قرآن بها حتما يفى
قوله : ( ويسعى خلفه ) أي على ترتيب صلاة نفسه قوله : ( طويلة ) فلا يعدّ منها الاعتدال والجلوس بين السجدتين قوله : ( بأن لم يفرغ ) أي المأموم من الفاتحة الخ . أشار به إلى أن المراد بالأكثر أن يكون السبق بالثلاثة والإمام متلبس بالرابع ، فإذا كان المأموم لم يركع والإمام قائم للقراءة فقد تلبس بالرابع لأنه سبق بالركوع والسجدتين وما هو متلبس به وهو القيام . قال م ر : فلو كان السبق بأربعة أركان والإمام في الخامس كأن تخلف بالركوع والسجدتين والقيام والإمام حينئذ في الركوع بطلت صلاته اه أ ج قوله : ( قائم عن السجود ) المراد أنه وصل إلى محل تجزىء فيه القراءة كما في م ر ، فلو سكت عن لفظ السجود لكان أولى ق ل . فلا عبرة بشروعه في الانتصاب للقيام أو الجلوس بل لا بد أن يستقر في أحدهما إذ لا يصدق عليه أنه سبق بالأكثر إلا حينئذ لأن ما قبله مقدمة للركن لا منه شيخنا في شرح العباب شوبري قوله : ( تبعه ) اعلم أنه حيث امتنع المشي على نظم صلاته فمشى بطلت إن تعمد وعلم التحريم وإلا فلا لكن لا اعتداد بما أتي به اه سم قوله : ( الموافق ) وهو من أدرك أول القيام في الركعة(2/352)
"""""" صفحة رقم 353 """"""
الأولى أو غيرها وضده المسبوق اه ق ل قوله : ( لم يعد إلى محل قراءتها ) فإن عاد عامداً عالماً بطلت صلاته وإلا فلا قوله : ( لمسبوق ) وهو من لم يدرك مع الإمام زمناً يسع الفاتحة اه شوبري .
قوله : ( كتعوذ ) أي أو دعاء أو لم يشتغل بشيء بأن سكت زمناً بعد تحرمه وقبل أن يقرأ مع علمه بأن الفاتحة واجبة قوله : ( إلا أن يظن إدراكها ) فيه أن هذا لا يكون مسبوقاً لأنه هو الذي لم يدرك مع الإمام زمناً يسع الفاتحة إلا أن يقال إن هذا استثناء منقطع ، أو يقال إنه ظن إدراكها مع الإسراع . وعبارة أ ج قوله : إلا أن يظن إدراكها الخ بخلاف ما إذا جهل حاله أو ظن منه الإسراع وأنه لا يدركها معه فيبدأ بالفاتحة اه .
قوله : ( وسقطت عنه الفاتحة ) فلو تخلف لقراءتها حتى رفع الإمام من الركوع فاتته الركعة كما في شرح المنهج ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف بركنين من غير عذر اه شوبري قوله : ( قرأ وجوباً بقدرها ) ثم إن فرغ مما لزمه والإمام راكع ركع معه وأدرك الركعة ، أو والإمام في الاعتدال لزمه الهوي معه للسجود وفاتته الركعة ، فإن جرى على نظم صلاة نفسه بطلت صلاته ، وإن لم يفرغ حتى أراد الإمام الهوي للسجود وجب عليه نية المفارقة لأنه تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه وبطلان صلاته بهويّ الإمام للسجود لكونه متخلفاً من غير عذر ، ولا مخلص له إلا نية المفارقة ح ل ، فعلم من كلام الشارح والمحشي أن المسبوق الذي اشتغل بالسنة له أربعة أحوال ، والرابعة قول الشارح : فإن ركع مع الإمام الخ . واعلم أن حاصل مسألة المسبوق أنه إذا كان مسبوقاً وركع الإمام في فاتحته فإن لم يكن اشتغل بافتتاح أو تعوذ وجب عليه أن يركع معه ، فإن ركع معه أدرك الركعة ، وإن فاته ركوع الإمام فاتته الركعة ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف بركنين من غير عذر ، وأما إذا اشتغل بافتتاح أو تعوذ فيجب عليه إذا ركع الإمام أن يتخلف ويقرأ بقدر ما فوّته ، فإن خالف وركع معه عمداً بطلت صلاته وإن لم يركع معه بل تخلف فإن أتي بما يجب عليه وأدرك الإمام في الركوع أدرك الركعة ، فإن رفع الإمام من الركوع قبل ركوعه فاتته الركعة ، فإن هوي الإمام للسجود وكمل ما فوته وافقه فيه وإلا فارقه وجوباً اه سم .(2/353)
"""""" صفحة رقم 354 """"""
فرع : وقف عمداً بلا قراءة حتى ركع الإمام جاز التخلف ما لم يخف التخلف بركنين فتجب المفارقة وإلا بطلت قاله شيخ الإسلام ، وهو الوجه الذي لا محيص عنه اه سم .
قوله : ( تتمة ) أي لمسائل القدوة تشتمل على تسعة فروع . الأول : فيما تنتهي به القدوة . الثاني : في حكم قطع القدوة هل يكره أو يفرق بين المعذور وغيره . الثالث : في حكم القدوة في أثناء الصلاة . الرابع : في أن ما أدركه المسبوق هل هو آخر صلاته أو أولها ، وينبني على ذلك إعادة القنوت لمن أدرك الثانية من الصبح مع الإمام . الخامس : في أن من أدرك الركوع مع الإمام هل تحسب له الركعة . السادس : في أن من أدرك الإمام في الركوع يكبر للتحرم ثم للركوع ، ولا يقتصر على تكبيرة فإن اقتصر عليها ونوى بها التحرم فقط صحت صلاته وإلا فلا . وحاصله أن في ذلك ثمان صور : الأولى أن يأتي بتكبيرتين واحدة للإحرام وأخرى للانتقال . الثانية أن يقتصر على تكبيرة وينوي بها التحرم فقط فتنعقد صلاته في هاتين . والست الباقية أن يقتصر على تكبيرة وينوي بها الإحرام والركوع ، أو لم ينو شيئاً أو ينوي بها الركوع فقط ، أو ينوي أحدهما مبهماً أو يشك هل نوى بها التحرم وحده أو لا ، أو يتم تكبيرة الإحرام وهو إلى الركوع أقرب منه إلى القيام ، ففي هذه لا تنعقد الصلاة وكل هذه الصور الست منطوية تحت قوله وإلا فافهم . السابع من الفروع : لو أدركه في الاعتدال مثلاً وافقه فيما اشتمل عليه من الحمد والدعاء ، ولا يوافقه في ذكر انتقاله إليه لأنه لم يدرك انتقاله بل في ذكر انتقاله عنه وهو قول سمع الله لمن حمده ولو اقتدي بإمام ساجد فإنه يهوي إليه من غير تكبير لأنه لم يحسب له لأنه لم يدرك انتقاله ، بل في ذكر انتقاله عنه وهو تكبير الهوي للسجود . الثامن : إن سلم الإمام قام مكبراً ، إن كان محل جلوسه لو كان منفرداً ، ومثل القيام بدله كأن صلى من قعود أو اضطجاع وإلا فإن لم يكن محل جلوسه فلا يكبر من حيث إنه ذكر الانتقالات وإلا فهو ذكر مطلقاً فيثاب عليه . التاسع : في ترتيب جماعة الصلوات في الأفضلية اه م د .
قوله : ( تنقطع قدوة بخروج إمامه ) وإذا انقطعت القدوة بما ذكر لا يكون المأموم باقياً فيها حكماً ، فللمأموم أن يقتدي بغيره ولغيره أن يقتدي به وإذا حصل منه سهو بعد انقطاعها يسجد له وهل يسجد لسهو نفسه الحاصل قبل خروج الإمام أو لا ؟ فيه نظر والظاهر الثاني لتحمل الإمام له قبل الخروج ، وبقي ما لو أخرج الإمام نفسه من الإمامة فهل يحمل السهو الحاصل من المأمومين بعد خروجه نظراً لوجود القدوة الصورية أم لا ؟ فيه نظر والأقرب الأول قياساً على ما لو لم ينو الإمامة ابتداء كما تقدم ذلك عن سم في المقيس عليه نظراً للقدوة الصورية ، لكن تقدم أن الأقرب عدم التحمل فيكون هنا فيما لو أخرج نفسه كذلك ، وهذا يتعين فرضه في(2/354)
"""""" صفحة رقم 355 """"""
غير الجمعة ، أما فيها فإن كان في الركعة الأولى أو لم ينو الإمامة ابتداء لم تنعقد صلاته فلم يتحمل الإمام سهوهم قياساً على ما لو كان الإمام محدثاً لعدم القدوة الصورية وإن كان في الركعة الثانية أو الأولى وكان زائداً على الأربعين ونوى غيرها لم تبطل ، ويحمل سهوهم لوجود القدوة الصورية اه ع ش . وقوله : تنقطع قدوة وهي ربط صلاة المأموم بصلاة الإمام .
قوله : ( أو غيره ) كموت ووقوع نجاسة عليه إن لم يدفعها حالاً . وعبارة ز ي : ومن العذر ما يوجب المفارقة أي بالنية لوجود المتابعة الصورية ، كمن وقع على ثوب إمامه نجس لا يعفى عنه أو انقضت مدّة الخف والمقتدي يعلم ذلك اه . ويؤخذ من قوله لوجود المتابعة الصورية أن محل وجوب نية المفارقة حيث بقي الإمام على صورة المصلين ، أما لو ترك الصلاة وانصرف أو جلس على غير هيئة المصلين أو مات لم يحتج لنية المفارقة اه ع ش على م ر .
قوله : ( وللمأموم قطعها ) وإن كانت الجماعة فرض كفاية لأنه لا يلزم بالشروع فيه إلا في الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة شرح المنهج . والمراد أن للمأموم قطعها ما لم يترتب على قطعها تعطيلها . وإلا امتنع عليه قطعها لأن فرض الكفاية إذا انحصر تعين كما قاله ح ل . وهذا أعني قوله : وللمأموم قطعها مبني على الجديد . وفي قول قديم : لا يجوز قطعها بغير عذر فتبطل الصلاة بقطعها بدون العذر اه . وعبارة أ ج . وللمأموم قطعها بنية المفارقة أي ما لم تتعين الجماعة كأن لم يكن هناك إلا إمام ومأموم وأحرم شخص خلف الآخر فإنه تمتنع عليه المفارقة قبل حصول ركعة ، فإن فارق والحالة هذه أثم والصلاة صحيحة اه سم على حج . قال م ر : وقد تجب المفارقة كأن رأى إمامه متلبساً بما يبطل الصلاة ولم يعلم الإمام به ، كأن رأى في ثوبه نجاسة غير معفو عنها أي وهي خفية تحت ثوبه وكشفها الريح مثلاً أو رأى خفه تخرق . قال ابن حجر : فإن لم يفارقه فوراً بعد علمه بطلت صلاته ، وإن لم يتابعه اتفاقاً كما في المجموع ويوجه بأن المتابعة الصورية موجودة فلا بد من قطعها وهو متوقف على نيته ، وحينئذ فلو استدبر الإمام أو تأخر عن المأموم اتجه عدم وجوبها لزوال الصورة .
قوله : ( وتطويل إمام ) لقراءة أو غيرها لمن لا يصبر ، ولا فرق بين إمام محصورين رضوا بالتطويل وغيرهم وهو ظاهر عند وجود المشقة المذكورة قوله : ( مقصودة ) وهي التي تجبر بسجود السهو أخذاً من تمثيله ح ل
قوله : ( كتشهد أوّل ) أي وقنوت قال في التحفة : وكذا سورة إذ الذي يظهر في ضبط المقصودة أنها ما جبر بسجود السهو ، أو قوي الخلاف في وجوبها ، أو وردت الأدلة بعظم فضلها اه . قلت : ومما وردت الأدلة بعظم فضلها التسبيحات ، خصوصاً وقد نقل عن الإمام أحمد بطلان الصلاة بتركها عمداً ووجود سجود السهو بتركها نسياناً اه أ ج .(2/355)
"""""" صفحة رقم 356 """"""
قوله : ( جاز ) أي مع الكراهة ، ولا يحصل بها فضل الجماعة فيما أدركه مع الإمام ح ل وع ش قال الشهاب عميرة : وخرج بهذا ما لو افتتحها في جماعة ثم نقل نفسه لأخرى . فإنه يجوز قطعاً كما في التحقيق وشرح المهذب اه . وظاهره من غير كراهة ثم القطع هنا مشكل لأن علة الضعيف في اقتداء المنفرد وهي أن يؤدي إلى تحرم المأموم قبل الإمام جارية فيما إذا نقل نفسه من جماعة لجماعة أخرى فلتحرر ع ش . وظاهره جواز الخروج للجماعة الأخرى وإن لم يظهر له نقص في صلاة إمامه الذي نقل نفسه عنه ، وليس كذلك بل صورته أن يحرم خلف جنب أو محدث ثم يتبين الحال لهما فيذهب الإمام فيتطهر ، ويأتي مكان صلاته فيكملها المأموم معه ، أو يربط المأموم صلاته بغير ذلك الإمام . قال ابن حجر : فعلم منه أنه لو لم يظهر له نقص في صلاة إمامه بل نقل نفسه لجماعة أخرى بلا سبب كان ذلك مكروهاً مفوّتاً لفضيلة الجماعة ، بل لو أخرج نفسه بعذر أتم صلاته منفرداً وكره له الاقتداء قاله سم ا ط ف . وعلم من جواز القدوة في خلال الصلاة أنه لا فرق بين أن يقتدي به قبل قراءة الفاتحة أو بعدها في أي ركعة كانت عليه ، فلو نوى القدوة بمن في الركوع قبل قراءة الفاتحة سقطت عنه لكن هذا ظاهر إذا اقتدي بمن في الركوع عقب إحرامه منفرداً ، أما لو مضى بعد إحرامه منفرداً ما يسع الفاتحة أو بعضها من غير قراءة فهل تسقط عنه أو يجب عليه قراءتها في الأوّل وبعضها في الثاني وهل هو الأوّل كالموافق وفي الثاني كالمسبوق ؟ قال سم : فيه نظر والأقرب أنه كالمسبوق في الصورتين أي فيتحمل عنه الإمام الفاتحة أو بعضها في الصورتين لصدق ضابطه عليه ، وهو من لم يدرك مع الإمام بعد إحرامه زمناً يسع الفاتحة ولا عبرة بسكوته بعد إحرامه منفرداً لأنه لا ارتباط له بالإمام قبل اقتدائه اه ا ط ف . قال م ر : ولم يتعرضوا للإمام إذا أراد أن يقتدي بآخر ويعرض عن الإمامة وهو جائز ، ويصير المقتدون به منفردين ولهم الاقتداء بمن اقتدي هو به اه . قال ع ش : قوله : ويصير المقتدون به منفردين وعليه فلو لم يعلم المقتدون باقتداء الإمام بغيره وتابعوه فهل يتبين بطلان صلاتهم لاقتدائهم بمقتد أو لا لعذرهم كما لو كبر الإمام للإحرام فاقتدوا به ثم كبر ثانياً ولم يعلموا تكبيره ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لعذرهم ولا تفوتهم الفضيلة لوجود الجماعة صورة اللهم إلا أن يقال تكبير الإمام ثانياً مما يخفى على المقتدين بخلاف اقتدائه بغيره ، فإنه قد يظهر لهم بقرينة تأخره عن الإمام في الموقف والأفعال اه . وقوله : اللهم الخ هذا هو المتعين فيتبين بطلان صلاتهم لما تقدم أن الاقتداء بالمقتدي لا يصح ولو مع الجهل ، حتى لو تبين الإمام مقتدياً فإنه تجب الإعادة على المأموم اه وهذا بخلاف ما لو نوى الإمامة في الأثناء لا كراهة فيه ولا فوات فضيلة فيها ، والفرق أن الاقتداء بالغير مظنة مخالفة نظم الصلاة لكونه يتبع الإمام في نظم صلاته وإن خالف نظم صلاة المأموم ، ولا كذلك الإمام لأنه مستقل لا يكون تابعاً لغيره سم .(2/356)
"""""" صفحة رقم 357 """"""
قوله : ( وتبعه فيما هو فيه ) أي تبع المأموم وجوباً ولو في ركن قصير كاعتدال الإمام ولو في ركن طويل كالقيام ، أو كان أحدهما قائماً والآخر قاعداً . نعم لو اقتدى من في التشهد الأخير بمن في القيام مثلاً لم يجز له متابعته بل ينتظره ليسلم معه وهو أفضل ، وله فراقه وهو فراق بعذر ولا نظر إلى أنه أحدث جلوساً لم يفعله الإمام لأن المحذور إحداثه بعد نية الاقتداء لا دوامه كما هنا اه . أو اقتدى من في السجدة الأخيرة بعد الطمأنينة بمن في القيام أيضاً لم يجز له رفع رأسه من السجود بل ينتظره فيه إن لم ينو المفارقة ، فإن كان قبل الطمأنينة قام إليه وكل ما فعله المأموم مع الإمام مما فعله قبله غير محسوب له اه ق ل مع زيادة قوله : ( فانتظاره أفضل ) أي نظراً لبقاء صورة الجماعة . وقد نهى عن الخروج من العبادة وإن انتفى ثواب الجماعة بالاقتداء المذكور ، لكن يحصل له فضيلة في الجملة بربط صلاته بصلاة الإمام اه ع ش قوله : ( وما أدركه مسبوق فأول صلاته ) خلافاً للإمام مالك اه ق ل . والمراد بقوله : وما أدركه مسبوق أي مع إمامه مما يعتد به له لا كاعتداله وما بعده لأنه لمحض المتابعة اه أ ج .
قوله : ( فأول صلاته ) لخبر الشيخين ( مَا أَدْرَكَتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وإتمام الشيء إنما يكون بعد أوله شرح المنهج ، وأما خبر مسلم ( فَاقْضِ مَا سَبَقَكَ ) فمحمول على القضاء اللغوي ، بل هو متعين لاستحالة القضاء شرعاً هنا اه شرح م ر . قال سم : قد يمنع دلالة هذه الاستحالة على التعين لجواز أن للقضاء شرعاً معنى آخر كوقوع الشيء في غير محله وإن كان في وقته قوله : ( وفي ثانية مغرب ) وذلك بأن أدرك ركعة من المغرب مع الإمام اه أ ج قوله : ( لأنها ) أي الثانية محلهما أي القنوت والتشهد ، وما فعله مع الإمام كان للمتابعة وهذا إجماع منا ومن المخالف ، وحجة لنا على أن ما يدركه معه أوّل صلاته اه أ ج وا ط ف .
قوله : ( فإن أدركه ) المناسب الواو كما في المنهج قوله : ( في ركوع محسوب ) خرج به ركوع المحدث وركوع زائد ، ومثله الركوع الثاني من الكسوف لمن يصلي الكسوف وراءه وإن كان محسوباً أي للإمام ، فيكون مستثنى من كلامه قوله : ( واطمأنّ يقيناً ) وكان إحرامه في القيام يقيناً وقصد به التحرم فقط ، ولا يسن للإمام انتظاره إلا إذا علم أنه عالم بالشروط ق ل . والمراد بقوله يقيناً أي برؤية الإمام في البصير ، أو وضع يده على ظهره في الأعمى ، أو سماعه بتسبيح الإمام في الركوع . ولا يكفي فيها الظن ولا سماع صوت المبلغ وكذا كل موضع تحمل فيه الإمام عن المأموم شيئاً من الفاتحة . وهذا أعني قوله واطمأن يقيناً في المسبوق ، أما الموافق الذي قرأ الفاتحة كلها فإنه يدرك الركعة بمجرد الركوع وإن لم يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع كما صرّح به البرماوي ، وهو مأخوذ من قوله : فإن أدركه في ركوع الخ(2/357)
"""""" صفحة رقم 358 """"""
قوله : ( أدرك الركعة ) أي ما فاته من قيامها وقراءتها ، والمراد بإدراكها أن يلتقي هو وإمامه في حدّ أقل للركوع حتى لو كان في الهويّ وإمامه في الارتفاع وقد بلغ في ركوعه حدّ الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه كان مدركاً للركعة وإن لم يلتقيا فيه فلا ، وظاهر كلامه أنه لا فرق في إدراكها بذلك بين أن يتم الإمام الركعة ويتمها معه أو لا كأن أحدث في اعتداله أو في ركوعه بعد ما اطمأن معه وهو كذلك ، وسواء قصر بتأخير تحرمه إلى ركوع الإمام من غير عذر أم لا لخبر ( مَنْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامَ صُلْبِهِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا ) ولو ضاق الوقت وأمكنه إدراك الركعة بإدراك ركوعها مع من يتحمل عنه الفاتحة لزمه الاقتداء به كما هو ظاهر اه ز ي وم ر . قال ع ش : وقوله أدرك الركعة أي ما فاته من قيامها وقراءتها أي ولا ثواب له فيها لأنه إنما يثاب على فعله ، وغاية هذا أن الإمام تحمل عنه لعذره . وقال الشوبري أدرك الركعة أي وثوابها اه .
قوله : ( ويكبر مسبوق الخ ) أي يكبر للإحرام وجوباً في القيام أو بدله ، فإن وقع بعضه في غير القيام لم تنعقد فرضاً قطعاً ولا نفلاً على الأصح كما في ق ل على الجلال اه . أ ج . وظاهر كلامهم : ولو جاهلاً وهو مما تعمّ به البلوى ويقع كثيراً للعوام . وفي شرح الإرشاد تقع نفلاً للجاهل ح ل قوله : ( فإن نوى بها التحرم ) أي يقيناً قوله : ( قبل هويه ) أي بأن أتمها وهو إلى القيام أقرب منه إلى أقل الركوع قوله : ( وإلا ) بأن نواهما بها أو الركوع فقط أو أحدهما مبهماً ، أو لم ينو شيئاً شرح المنهج ، أو شكّ هل نوى بها التحرم أو لا ، أو أتم تكبيرة الإحرام وهو إلى الركوع أقرب منه إلى القيام فهذه ست صور كما تقدم ، وقد علمت الحكم فيما تقدم . قال ابن حجر : ومثله هنا وفيما يأتي مريد سجدة التلاوة خارج الصلاة لأنه تعارض في حقه قرينتا الافتتاح والهويّ لاختلافهما ، إذ قرينة الافتتاح تصرفها إليه ، وقرينة الهوي لسجود التلاوة أو الركوع تصرفها إليه ، فلا بد من قصد صارف عنهما وهو نية التحرم فقط لتعارضهما واستشكال الأسنوي له بأن قصد الركن لا يشترط مردود إذ محله عند عدم الصارف وهنا صارف ، وما تقرر فيما إذا كبر واحدة كما ذكر . وأما لو كبر ثنتين وأطلق في الأولى فهل يضر أو لا ؟ قال بعضهم : بالضرر لكن الذي أفتى به الشمس الرملي عدم الضرر . ونصه : سئل شيخنا م ر عما لو وجد الإمام راكعاً فكبر وأطلق ثم كبر أخرى بقصد الانتقال فهل تصح صلاته ؟ فأجاب : تصح صلاته خلافاً لبعضهم اه ما أفتى به اه أ ج .
قوله : ( فما بعده ) الفاء عاطفة على اعتداله وجواب لو قوله وافقه ، وقوله فيه أي فيما أدركه فيه الصادق بالاعتدال وما بعده وكذا بقية الضمائر قوله : ( من تحميد ) أي في الاعتدال ،(2/358)
"""""" صفحة رقم 359 """"""
وهو قوله : ربنا لك الحمد ولا يقول سمع الله لمن حمده شيخنا قوله : ( وتشهد ودعاء ) ظاهر كلامه أنه يوافقه حتى في الصلاة على الآل في غير محل تشهده خرج ، ما إذا كان محل تشهده بأن كان تشهداً أول فلا يأتي بالصلاة على الآل ولا يكمل التشهد ، وهو ظاهر لإخراجه التشهد الأول عما طلب فيه وليس هو حينئذ لمجرد المتابعة .
قوله : ( ودعاء ) أي حتى عقب التشهد والصلاة على النبي ح ل قوله : ( في ذكر انتقاله عنه من تكبير ) فإذا أدركه في السجود لم يكبر للانتقال إليه لأنه لم يتابعه فيه ولا هو محسوب له بخلاف انتقاله عنه للجلوس مثلاً . وقال بعضهم : وفي ذكر انتقاله عنه أي وإن لم يكن معه فيه كأن أحرم والإمام في التشهد الأول فقام عقب إحرام المأموم فيطلب من المأموم أن يكبر أيضاً متابعة له . قال الشوبري : وأفهم كلامه وصرحوا به أنه لا يوافقه في كيفية الجلوس بل يجلس مفترشاً وإن كان الإمام متوركاً ، ومنه يؤخذ أنه لا يوافقه في رفع اليدين عند قيام الإمام من تشهده الأول حيث لم يكن أوّلاً للمأموم اه . وفي ع ش على م ر ما نصه : ويظهر الآن أنه يأتي برفع اليدين عند قيامه من التشهد الأول متابعة له ، ونقل مثله في الدرس عن ابن حجر في شرح الإرشاد وفيه أيضاً أنه يأتي به ولو لم يأت به إمامه اه .
فرع : لو جلس المسبوق بعد سلام الإمام فإن كان في محل جلوسه لو كان منفرداً جاز له التطويل ، وأما إذا لم يكن محل جلوسه لو كان منفرداً فإن طول زيادة على قدر الطمأنينة عامداً عالماً بطلت صلاته وإلا فلا .
قوله : ( لا في ذكر انتقاله ) كأن أدرك الإمام وهو ساجد ، أو في تشهده فإنه ينتقل إليه ساكتاً وذلك لعدم متابعته في ذلك ، وليس بمحسوب له بخلاف الركوع فإنه محسوب له اه أ ج . قوله : ( وإذا سلم إمامه الخ ) أفهم كلامه أنه لا يقوم قبل سلام إمامه ، فإن تعمده من غير نية مفارقة بطلت صلاته وإن كان ساهياً أو جاهلاً لم يعتدّ بجميع ما أتي به فيجلس ولو بعد سلام الإمام ثم يقوم بعد سلام الإمام ، ومتى علم ولم يجلس بطلت صلاته لعدم الإتيان بالجلوس الواجب عليه ، ويفارق من قام عن إمامه عامداً في التشهد الأول حيث اعتدّ بقراءته قبل قيام الإمام بأنه لا يلزمه العود كما مرّ في بابه اه شرح م ر وأ ج قوله : ( وإلا فلا ) أي وإلا بأن كان غير محل جلوسه لو كان منفرداً كأن أدرك الإمام في ثانية أو رابعة رباعية ، أو ثالثة ثلاثية فلا يكبر عند قيامه أو ما قام مقامه لأنه غير محل تكبيره ، وليس فيه موافقة إمامه . ويسنّ أن لا يقوم المسبوق إلا بعد تسليمتي إمامه ويجوز بعد الأولى ، فإن مكث في محل جلوسه لو كان منفرداً جاز ، وإن طال أو في غيره عامداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته ، ومحله إذا زاد على جلسة الاستراحة ، ويلحق بها الجلوس بين السجدتين ، أما قدرها فمغتفر فإن كان ساهياً أو جاهلاً لم تبطل صلاته ويسجد للسهو اه(2/359)
"""""" صفحة رقم 360 """"""
ج . والمعتمد أنه متى زاد على قدر الطمأنينة بطلت صلاته إن كان عامداً عالماً شيخنا . ويكره أن تقام جماعة في مسجد بغير إذن إمامه الراتب قبله أو بعده أو معه إلا إذا كان المسجد مطروقاً أو ليس له إمام راتب أو له راتب وأذن في إقامتها أو لم يأذن وضاق المسجد عن الجميع ، ومحل الكراهة إذا لم يخف فوت الوقت شرح الروض اه مرحومي .
فصل : في صلاة المسافر
قوله : ( المسافر ) أي المتلبس بالسفر ، وهو قطع مسافة مخصوصة سمي بذلك لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، أي يكشفها ويظهرها . وشرع القصر في السنة الرابعة من الهجرة . قاله ابن الأثير : وقيل في ربيع الآخر من السنة الثانية من الهجرة قاله الدولابي ، وقيل بعد الهجرة بأربعين يوماً وأول الجمع في سفر غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة قوله : ( من حيث القصر ) أي لا من حيث الأركان والشروط لاشتراكها مع غيرها في ذلك ، والقصر مبتدأ والخبر محذوف تقديره من حيث القصر والجمع موجودان لأن حيث لا تضاف إلا لجملة قال ابن مالك :
وألزموا إضافة إلى الجمل حيث . . .
وقدم القصر على الجمع لأنه مجمع عليه لأن أبا حنيفة يمنع الجمع إلا للنسك اه أ ط ف . قوله : ( مع كيفية الصلاة ) ففي كلامه زيادة على الترجمة وليس معيباً ، وإنما المعيب أن يترجم لشيء وينقص عنه ق ل . وفيه نظر لأن المصنف لم يترجم والشارح ترجم بهما فليس في كلامه زيادة عن الترجمة قوله : ( وإذا ضربتم ) أي سافرتم قوله : ( يعلى بن أمية ) أي التميمي ، ويقال له يعلى بن منية بنون ساكنة هم مثناة تحتية مخففة وهي أمه ، أسلم يوم فتح مكة وشهد حنيناً والطائف وتبوك مع رسول الله ، وكان يسكن مكة ، وكان جواداً معروفاً بالكرم اه أ ج قوله : ( عجبت مما عجبت منه الخ ) محصل جواب سيدنا عمر أنه تعجب ، وعرضت له هذه الشبهة فسأل عنها النبّي فأجابه بما ذكر قوله : ( فسألت النبّي الخ ) السائل هو عمر لا يعلى بن أمية اه أ ج .(2/360)
"""""" صفحة رقم 361 """"""
قوله : ( صدقة ) أي جواز القصر في الأمن صدقة الخ . فهو خبر لمبتدأ محذوف . فحاصله أن التقييد بالخوف في الآية لا مفهوم له كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( راوه مسلم ) وروى ابن أبي شيبة ( إِنَّ خَيَارَ أُمَّتِي مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَ اللَّهَ وَأَنَّ مُحَمّداً رَسُولَ اللّهِ وَالَّذيِنَ إِذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا وَإِذَا أَسَاؤوا اسْتَغْفَرُوا وَإِذَا سَافَروا قَصَرُوا ) اه .
قوله : ( أهمّ هذه الأمور ) جمعه باعتبار أن الجمع نوعان جمع سفر وجمع مطر . والثالث القصر فسقط اعتراض ق ل . بقوله لو قال الأمرين لكان أولى اه وإنما كان أهم لأنه متفق عليه بين الأئمة بخلاف الجمع ، فبعضهم يقول الجمع للسفر ، وبعضهم يقول الجمع للنسك فقط قوله : ( لغرض صحيح ) هذا من الشروط الزائدة على المتن ، فكان ينبغي أن يذكر معها إلا أن يقال هو داخل في الشرط الأول ، وهو قوله : أن يكون في غير معصية ، وخرج به ما لو سافر لمجرد التنقل في البلاد .
قوله : ( المكتوبة ) أي أصالة وإن وقعت نفلاً كصلاة الصبي والمعادة لكن لا تقصر إلا إذا قصر أصلها ح ل .
قوله : ( دون الثنائية والثلاثية ) إنما لم يقل دون الصبح والمغرب لأجل مناسبة المتن ، وعبر م ر وابن حجر بقولهما لا صبح ومغرب بالإجماع وهو أولى ممن عبر بالثنائية والثلاثية لما يلزم على ذلك من التطويل وهو الاحتياج إلى بيانهما في الجملة وإن كانا معلومين ، فالتعبير بالمقصود ابتداء أولى ، والأولى في التعليل أن يقال : إنما عبر بالصبح والمغرب دون الثنائية والثلاثية خوفاً من دخول الجمعة ، ولأجل الرد على من قال : تقصر الصبح إلى ركعة والمغرب كذلك قال في التحفة . نعم حكي عن بعض أصحابنا جواز قصر الصبح في الخوف إلى ركعة وفي خبر مسلم ( إِنَّ الصَّلاَةَ فُرِضَتْ فِي الخَوْفِ ركْعَةً ) وحملوه على أنه يصليها مع الإمام وينفرد بأخرى ، وعمم ابن عبد السلام ومن تبعه القصر إلى ركعة في الخوف في الصبح وغيره لعموم الحديث المذكور اه أ ج . وعبارة شرح م ر وخرج بما ذكر الصبح والمغرب بالإجماع وأما خبر ( فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَةً فِي الخَوْفِ ) فمحمول على أنه يصليها مع الإمام وينفرد بأخرى ، إذ الصبح لو قصرت لم تكن شفعاً وخرجت عن موضوعها ، والمغرب لا يمكن قصرها إلى ركعتين لأنها لا تكون إلا وتراً ، ولا إلى ركعة لخروجها بذلك عن باقي الصلوات أه .(2/361)
"""""" صفحة رقم 362 """"""
قوله : ( كسفر تجارة ) في غير أكفان الموتى وإلا كره قوله : ( كسفر منفرد ) لا سيما بالليل هذا ما لم يأنس بالله تعالى كبعض الصالحين فإنه لا كراهة فيه ، ويكره سفر اثنين فقط لكن الكراهة فيهما أخف ، وإذا بعد عن الرفقة إلى حد لا يلحقه غوثهم فقال حج : هو كالوحدة كما هو ظاهر . وقال م ر وسم : لا يكون كالوحدة .
قوله : ( أما العاصي بسفره ) ولو صورة كأن هرب الصبي من وليه فلا يقصر ، ولو خرج لجهة معينة تبعاً لشخص لا يعلم سبب سفره أو لتنفيذ كتاب لا يعلم ما فيه فالمتجه إلحاقه بالمباح ، فالشرط أن لا يعلم كون السفر معصية اه م د . وعبارته على التحرير قال في الإمداد : ولو هرب الصبي من وليه فهل يترخص لأنه لا حرمة عليه لعدم تكليفه فسفره غير معصية أو لا ؛ لأن هذا السفر من جنس سفر المعصية وإن لم يأثم المسافر للنظر فيه مجال اه . قال الشيخ : الأوجه الثاني لأن هذا السفر في نفسه ممنوع منه شرعاً وإن لم يأثم اه شوبري وقوله أو لا معتمد قوله : ( ولو في أثنائه ) وهذا يقال عاص بالسفر في السفر بأن أنشأه مباحاً ثم قلبه معصية كأن جعله لقطع الطريق ، وأما العاصي فيه كأن زنى فيه أو شرب فيه خمراً فإنه يقصر مطلقاً .
قوله : ( فلا تناط ) أي لا تعلق .
تنبيه : معنى قولهم الرخص لا تناط بالمعاصي إن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء ، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع معه فعل الرخصة وإلا فلا ، وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه فالعبد الآبق والناشزة والمسافر للمكس ونحوه عاص بالسفر فالسفر نفسه معصية والرخصة منوطة به أي معلقة ومرتبة عليه ترتب المسبب على السبب ، فلا يباح له الترخص ومن سافر سفراً مباحاً فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه ، أي مرتكب المعصية في السفر المباح ، فنفس السفر ليس معصية ولا آثماً به فتباح فيه الرخص لأنها منوطة بالسفر ، وهو في نفسه مباح ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف المحرم لأن الرخصة منوطة باللبس وهو للمحرم معصية ، وفي المغصوب ليس معصية لذاته أي لكونه لبساً بل للاستيلاء على حق الغير ، ولهذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم اه من الأشباه للسيوطي . والحاصل أن المسافر العاصي على ثلاثة أقسام عاص بالسفر كأن سافر لقطع الطريق ، وعاص في السفر كمن زنى وهو قاصد الحج مثلاً ، وعاص بالسفر في السفر كأن أنشأه طاعة ثم قلبه معصية فالثاني له القصر مطلقاً ، والأول والثالث لا يقصران قبل التوبة فإن تابا قصر الثالث مطلقاً ، والأول إن بقي من سفره مرحلتان تنزيلاً لمحل توبته منزلة(2/362)
"""""" صفحة رقم 363 """"""
ابتداء سفره ، ولو شرّك بين معصية وغيرها كأن سافر للتجارة وقطع الطريق فلا يقصر تغليباً للمانع وهو المعصية اه .
قوله : ( نعم له بل عليه الخ ) أي في الفقد الحسي بخلافه في الشرعي كمرض فإنه لا يصح تيممه قبل التوبة على المعتمد اه ع ش . وقوله التيمم أي لفقد الماء قوله : ( فإن تاب فأول الخ ) ظاهره يشمل ما إذا أنشأه مباحاً ثم جعله معصية وهي التي ذكرها الشارح بقوله ولو في أثنائه مع أنه يترخص في هذه المسألة من حين التوبة وإن بقي بينه وبين مقصده دون مرحلتين نظراً لابتداء سفره ، بخلاف ما إذا أنشأه معصية ثم جعله مباحاً أي بأن تاب اه ز ي . أي فكلام الشارح مسلم بالنسبة لهذه دون ما قبلها ، وإنما قال ظاهره الخ لأنه يمكن أن يكون قوله فإن تاب راجعاً لما قبل الغاية كما قرره شيخنا قوله : ( فأول سفره محل توبته ) نعم من سافر يوم الجمعة عصى ، فإن تاب لم يترخص من حين توبته بل حتى تفوت الجمعة ومن وقت فواتها يكون ابتداء سفره كما نقله م ر عن المجموع قوله : ( كأكل الميتة الخ ) وإنما يجعل أكل الميتة من رخص السفر حيث كان سبب الاضطرار السفر اه مرحومي قوله : ( وألحق بسفر المعصية ) قال بعضهم : لا حاجة إلى الإلحاق لأنه منه ق ل . وعبارة ع ش قوله والحق بسفر المعصية هذا سفر معصية فما وجه الإلحاق ؟ سم . أقول : وجه الإلحاق أن الغرض الذي حمله على السفر ليس معصية ولكنه صيره معصية من حيث إتعاب الدابة في السير بلا غرض ، وليس هذا من المعصية في السفر لأن السير نفسه محرم الآن فالتحق بالسفر الذي سببه معصية .
قوله : ( أن يتعب نفسه أو دابته ) أو يحملها ما لا تطيق حمله على الدوام ، أو يضربها فوق العادة أو على العادة وكانت تعبانة أو ينخسها مطلقاً اه م د .
قوله : ( سير يومين ) أو ليلتين معتدلتين ، أو يوم وليلة وإن لم يعتدلا . والمراد بالاعتدال أن يكون مقدار يوم وليلة وهو ثلثمائة وستون درجة اه . وهذا تحديد للمسافة بالزمان . وأشار المصنف لتحديدها بالمسافة بقوله ستة عشر فرسخاً قوله : ( معتدلتين ) أي على الوجه المعتاد من النزول لاستراحة وأكل وصلاة ، فيعتبر زمن ذلك وإن لم يوجد . والأثقال الحيوانات المثقلة بالأحمال ، والظاهر أنه لا فرق بين الإبل وغيرها ، والمشهور على ألسنة المشايخ أن المراد بسير(2/363)
"""""" صفحة رقم 364 """"""
الإبل اه ح ل قوله : ( ستة عشر ) فيه تغيير إعراب المتن لأنه في محل نصب خبر يكون في كلام المصنف والشارح قدر له مبتدأ وأجيب بأن المتن والشارح امتزجا وصارا كالشيء الواحد قوله : ( ولو قطع هذه المسافة ) غاية . فإن قلت : إذا قطع المسافة في لحظة صار مقيماً فكيف يتصور ترخصه فيها ؟ قلنا : لا يلزم من وصول المقصد انتهاء الرخصة لكونه نوى فيه إقامة لا تقطع السفر ، أو أن المراد باللحظة القطعة من الزمان التي تسع الترخص قوله : ( فقد كان ابن عمر وابن عباس الخ ) ذكر القاضي أبو الطيب أن ابن خزيمة رواه في صحيحه عن ابن عباس مرفوعاً م ر على الروض اه مرحومي قوله : ( في أربعة برد ) والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال اه ق ل . والبريد بفتح الموحدة وكسر الراء الرسول ، ومنه قول بعض العرب الحمى بريد الموت أي رسوله ، ثم استعمل في المسافة التي يقطعها وهي اثنا عشر ميلاً والجمع برد بضمتين ، ويقال للدابة التي يركبها أيضاً البريد فهو مستعار من المستعار كما في المصباح قوله : ( ومثله ) أي مثل المذكور من القصر والفطر في أربعة برد كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( بتوقيف ) أي سماع من النبّي أو رؤية فعله لا من قبل الرأي لأنه لا دخل للاجتهاد فيه ، فصح كونه دليلاً كما قاله ق ل . وهذا أعني قوله ومثله إنما يفعل بتوقيف جواب عن سؤال مقدر تقديره إنّ هذا فعل صحابي وفعله ليس بحجة . فأجاب عنه بأن مثله إنما يفعل بتوقيف بلغه عن النبّي فحينئذ يستدل به اه .
قوله : ( معه ) لو أخره عن قوله فلا يحسب لكان أظهر لأنه معمول له قوله : ( والغالب في الرخص الخ ) أشار بقوله : والغالب إلى ما هو الراجح في الأصول أن الرخص لا يدخلها القياس قاله ع ش . وفي س ل : ومن غير الغالب القياس عليها كما في الحجر الوارد في الاستنجاء قيس عليه ما في معناه من كل جامد الخ قوله : ( تحديد ) ولو بالاجتهاد . لا يقال هذا رخصة وهي لا يصار إليها إلا بيقين . لأنا نقول هذا من المواضع التي أقام فيها الفقهاء الظن مقام اليقين تأمل شوبري وعبارة سم . ولا يشترط تيقن التحديد بل يكفي الظن بالاجتهاد قال أ ج : وفارقت المسافة بين الإمام والمأموم والقلتين حيث كان الحكم فيهما على التقريب بأنه لم يرد بيان المنصوص عليه فيهما عن الصحابة بخلاف ما هنا اه قوله : ( خطوة ) بالضم والمراد(2/364)
"""""" صفحة رقم 365 """"""
بالخطوة خطوة البعير ، وبالقدم قدم الآدمي قوله : ( الخطوة ثلاثة أقدام ) والقدم نصف ذراع ، فالخطوة ذراع ونصف ، والذراع أربع وعشرون أصبعاً معترضات فهو أي الميل اثنا عشر ألف قدم قوله : ( والقدمان ذراع ) فهو ستة آلاف ذراع ، والمراد ذراع الآدمي وهو ينقص عن ذراع القياس بنحو ثمنه ق ل . قال عبد البر : وقد حرر بعضهم هذا الذراع بذراع الحديد المستعمل الآن بمصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن ، فعلى هذا فالمسافة بذراع الحديد خمسة آلاف ومائتان وخمسون ذراعاً وهذه فائدة جليلة قلّ من نبّه عليها .
قوله : ( ست شعيرات ) أي توضع بطن هذه لظهر تلك اه شوبري قوله : ( معترضات ) أي في عرض الأصبع كما يدل عليه قوله قبل أصبعاً معترضات ، فجملة المسافة بالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفاً ، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية وثمانون ألفاً ، وبالأصابع ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفاً ، وبالشعيرات أحد وأربعون ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وبالشعرات ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة واثنان وثلاثون ألفاً اه شرح الروض قوله : ( البرذون ) أي البغل . وقال بعضهم : البرذون بكسر الباء وإعجام الذال الفرس الذي أبواه أعجميان والأنثى برذونة ، والجمع براذين وذكر صاحب منطق الطير أن البرذون يقول : اللهم ارزقي قوت يوم بيوم اه من مختصر حياة الحيوان للسيوطي قوله : ( لبني هاشم ) أي بني العباس لتقديرهم لها وقت خلافتهم وليست منسوبة إلى تقدير هاشم جد النبّي قوله : ( الأموية ) هو بضم الهمزة أفصح من فتحها شوبري وفي ع ش على م ر ما نصه قال السيوطي في الأنساب : الأموي بالفتح نسبة إلى أمة بن بجالة بن مازن بن ثعلبة . والأموي بالضم نسبة إلى بني أمية . قال في جامع الأصول بعد ذكر الفتح والضم : والفتح قليل اه ومراده أن المنسوبين إلى أمة قليل والكثير هم المنسوبون إلى بني أمية لا أن في هذه النسبة لغتين مطلقاً فما هنا بالضم لا غير اه . وبهذا تعلم ما في كلام الشوبري قوله : ( إذ كل خمسة منها الخ ) بهذا تعلم أنه لا فرق بينها وبين الهاشمية ، غاية الأمر أن أميالها بالهاشمية ثمانية وأربعون وبالأموية أربعون فيصح التقدير بالأموية أيضاً ، ولكنه إنما احترز عنها لأجل قوله ثمانية وأربعون إذ بعد هذا العدد يجب التقييد بالهاشمية اه .
قوله : ( أن يكون مؤدياً للصلاة ) دخل فيه ما لو سافر وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة(2/365)
"""""" صفحة رقم 366 """"""
فإنه يقصرها سواء شرع فيها في الوقت وهو ظاهر لكونها مؤداة ، أم صلاها بعد خروج الوقت لأنها فائتة سفر كما أشار إليه م ر . وصرح به ز ي والبرماوي حيث قال : مؤداة يقيناً ولو أداء مجازياً بأن شرع فيها بعد شروعه في السفر وأدرك منها ركعة في الوقت وهذا هو المعتمد . وقول ز ي : يكفي إدراك ما يسع ركعة من الوقت بعد الشروع في السفر ، مراده أنه يجوز قصرها لكونها فائتة سفر خلافاً للعلامة الخطيب من منع قصرها لأنها عنده فائتة حضر قوله : ( أو الضروري ) فيه نظر واضح لأن المعنى عليه أن يكون مؤدياً للصلاة في وقتها الضروري مع أنها لا تكون أداء إذا وقعت في وقت الضرورة . وقد يجاب بأن وقت الضرورة يصدق بإدراك ركعة في الوقت اه . وعبارة ق ل : قوله أو الضروري فيه نظر واضح إلا أن يريد به باعتبار المسافر فهو من فائتة السفر قوله : ( فائتة سفر قصر ) أي مقصورة ، ومنها ما لو سافر وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة ، وعلى هذا يحمل كلام شيخنا م ر اه ق ل . وتقدم الكلام عليه .
قوله : ( كأصل النية ) يستفاد منه أنه لا بد أن تقترن بجميع أجزاء التكبيرة كنية الفرضية ح ل . فحينئذ يجب عليه أن ينوي القصر مع قصد الفعل والتعيين ونية الفرضية فلا تكفي نية القصر عند الخروج من البلد ولا بعد التكبير في الأثناء اه م د . والمعتمد أنه يكفي اقتران نية القصر بجزء من التكبير .
قوله : ( ويشترط التحرز عن منافي نية القصر ) هذا من الشروط الزائدة على المتن ، فكان ينبغي أن يذكرها معها فيما يأتي اه ق ل قوله : ( فلو نواه ) أي الإتمام ، وهذا شروع في فروع أربعة على مفهوم الشرط قوله : ( لا يشترط استدامة نية القصر ) أي ذكراً أي استحضاراً وأما(2/366)
"""""" صفحة رقم 367 """"""
حكماً بأن لا يأتي بما ينافيها فيشترط كما مر قوله : ( ولو قام إمامه ) أي شرع في القيام لأنه بمجرد ذلك يحصل التردد في حاله فلا يتوقف على أن ينتصب أو يصير إلى القيام أقرب اه ح ل . وقوله : ولو قام القاصر أي شرع في القيام وإن لم يصر إلى القيام أقرب أو يصير إليهما على حد سواء لأنه شروع في مبطل ح ل . قوله : ( ثم قام ناوياً الإتمام ) فلا تكفي نية الإتمام قبل قعوده ولا يلزمه بها الإتمام ق ل . أي لأن ما وقع في لاغ لاغ فلا يعتدّ به قوله : ( بمقيم ) ولو في صبح شرح المنهج ولو قال : بمتمّ لكان أعم وأولى ، ولو نوى القصر خلف متم انعقدت صلاته ولغت نية القصر هذا إن كان إمامه مسافراً وإلا فلا تنعقد .
قوله : ( أو بمن جهل سفره ) أي ولو بان مسافراً قاصراً فإن علمه متماً ونوى خلفه القصر لم تصح صلاته أفتى بذلك الشهاب م ر . لكن في شرح ولده ما يخالفه وعبارته : وتنعقد صلاة القاصر خلف متم ، وتلغو نية القصر بخلاف المقيم لو نوى القصر لم تنعقد صلاته لأنه ليس من أهل القصر بخلاف المسافر اه . قال الشوبري : وعبارة شرح المهذب متى علم أو ظن أن إمامه مقيم لزمه الإتمام ، فلو اقتدي به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر باتفاق الأصحاب اه . والحاصل أنه متى كان المأموم عالماً بأن إمامه مقيم أو مسافر متم ونوى القصر خلفه لم تنعقد صلاته سواء كان المأموم مسافراً أو مقيماً لتلاعبه في هذه الأربع بخلاف ما إذا كانا مسافرين والإمام متم وقد جهل المقتدي حال الإمام فنوى القصر صحت قدوته ولغت نية القصر . وأتم لعدم تلاعبه مع كونهما من أهل القصر ، فتأمل أفاده شيخنا ح ف .
قوله : ( به ) أي بأحدهما أي المقيم أو من جهل سفره قوله : ( أو أحدث ) أي الإمام وعبارة المنهج : أو بان حدث إمامه ومما يدل على رجوع الضمير للإمام إبرازه خلافاً للمدابغي حيث رجع الضمير للمأموم قوله : ( عن ابن عباس الخ ) قد يقال : هذا قول صحابي . وقوله وفعله لا يحتج بهما . ويجاب بأن ذلك في حكم المرفوع أي المنسوب إلى النبّي كأنّ النبّي قاله لأن قول الصحابي السنة كذا أو من السنة كذا في حكم المرفوع وكذا قوله أمرنا أو نهينا قوله : ( تلك السنة ) هو جواب بالحكم وهو لا يكفي عن الحكمة ، فكان حق الجواب أن يقال لأنه(2/367)
"""""" صفحة رقم 368 """"""
التزم الإتمام بربطها بالمتم م د . وقوله : تلك السنة أي الطريقة قوله : ( وهذا هو الظاهر ) معتمد قوله : ( وإن لم أر من تعرض له ) هذا لا ينفي أنه منقول وأن غيره قاله لأن المصنف إنما نفى رؤيته فقد وافق بحثه المنقول . وفي الأجهوري ما نصه عبارة م ر قد تقتضي أن المسألة في كلامهم وأن فيها خلافاً ، وعبارته والأوجه جواز قصر معادة صلاها أو مقصورة وفعلها ثانياً إماماً أو مأموماً بقاصر اه . قلت : لا يلزم من ثبوتها في كلامهم ثبوت رؤية المؤلف لأنه لم ينفها ، وإنما حكم على نفسه بعدم رؤيتها وحينئذ فيقال : بحث المؤلف وافق المنقول اه قوله : ( ثم محدثاً ) فإن كان ذلك في أثناء الصلاة ونوى المفارقة وأتمها منفرداً فذاك ظاهر ، وإن لم ينو المفارقة عند علمه بحدث الإمام ودام على المتابعة عامداً بطلت صلاته فيعيدها تامة ، وإن كان تبين الحدث بعد ما صلاها وفرغ منها تامة فظاهر ، وأما الإمام فيجب عليه إعادتها تامة على كل حال ، أي وكأن دخل الإمام في الصلاة متطهراً ثم طرأ له الحدث ، أما لو دخل فيها محدثاً وأتمها ثم تبين للإمام ذلك فلا يلزمه الإتمام كما يأتي ، وأما تفصيل المأموم فبحاله قوله : ( لزمه الإتمام ) لتبين موجب الإتمام قبل الحدث في الثانية .
قوله : ( أو بانا معاً ) بأن قال له : شخص إمامك محدث وقال له آخر : إمامك مقيم والقولان متقارنان أي في زمن واحد قوله : ( وفي الظاهر ظنه مسافراً ) بهذا فارق ما لو بان إمامه محدثاً فإنه يلزمه الإتمام كما سيأتي في قوله : أو بان إمامه محدثاً أتمّ لعدم ظنه مسافراً كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( أو غيره ) كأن رعف بتثليث العين وهو دم يخرج من الأنف ، وشمل كلامه القليل والكثير لأنه من دم المنافذ وهي مختلطة بأجنبي فلا يعفى عنها مطلقاً على معتمد م ر . وقال ابن حجر : يعفى عن القليل لأن ما اختلط به ضروري قوله : ( متماً ) أي من المقتدين أو غيرهم ، وخرج ما إذا استخلف قاصراً .
قوله : ( أتم المقتدون به ) وإن لم ينووا الاقتداء به لأنهم مقتدون به حكماً بدليل لحوقهم سهوه شرح المنهج فقول المتن : أن لا يأتم بمقيم أي حقيقة أو حكماً ، ومحل عدم وجوب نية الاقتداء به إذا كان الخليفة من المقتدين وكان موافقاً لنظم صلاة الإمام واستخلف عن قرب بأن لم يمض قدر ركن اه ح ف . وق ل وعبارة م ر متماً وإن لم يكن مقتدياً به أتم المقتدون المسافرون ولو لم ينووا الاقتداء به لصيرورتهم مقتدين به حكماً بمجرد الاستخلاف ، ومن ثم لحقهم سهوه وتحمل سهوهم . نعم لو نووا فراقه عند إحساسهم بأول رعافه أو حدثه قبل تمام استخلافه قصروا كما لو لم يستحلفه هو ولا المأمومون أو استخلف قاصراً اه . بالحرف فالتقييد ليس صحيحاً .(2/368)
"""""" صفحة رقم 369 """"""
وقال ق ل : أتم المقتدون إن لم يحتاجوا إلى نية اقتدائه كأن كان من المقتدين به وموافقاً لنظم صلاته واستخلفه فوراً فيهما ، وإلا فإن نووا الاقتداء به أتموا وإلا فلا اه .
قوله : ( كالإمام إن عاد واقتدى به ) أي حيث يلزمه الإتمام لاقتدائه بمتمّ في جزء من صلاته ، ولو استخلف بعض القوم متماً وبعضهم قاصراً فلكل حكمه اه أ ج قوله : ( فسدت صلاته ) أي بعد أن لزمه الإتمام . وفي نسخة ففسدت بالفاء وهي أظهر لأنها نص في البعدية . وخرج بقوله : ففسدت ما لو بان عدم انعقادها فله قصرها . والضابط كما أفاده الأذرعي أن كل ما عرض فساده بعد موجب الإتمام يجب إتمامه وما لا فلا شرح م ر اه أ ج قوله : ( أو بان إمامه محدثاً ) أي أو ما في معناه من نحو كونه ذا نجاسة خفية قوله : ( ولو بان للإمام حدث نفسه ) أي وفرض المسألة أنه كان ناوياً الإتمام ، وقوله للإمام ومثله المنفرد . قوله : ( لم يلزمه الإتمام ) أي لأن المحدث لا تغنيه صلاته بوجه فهي في حقه كالعدم بخلاف الاقتداء بالمحدث أي مع الجهل بحاله كما هو فرض المسألة فإنه يصح ويغني عن الإعادة قوله : ( ولم ينو القصر ) بأن أطلق . وقوله : لزمه الإتمام لأن إطلاقها يصرفها للإتمام ، فإذا فسدت استقرت في ذمته تامة . قال م ر في الشرح : والضابط أن كل ما عرض فساده بعد موجب الإتمام يجب إتمامه وما لا فلا قوله : ( قال المتولي وغيره قصر ) اعتمده م ر وكذا اعتمد القصر في قوله الآتي وكذا يقال الخ قوله : ( والمذهب خلافه ) أي لأنها صلاة شرعية يبطلها ما يبطل غيرها ق ل . أي ويلزمه عدم قصرها لأنه التزمها أوّلاً تامة بفعلها ، فثبتت في ذمته كذلك كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( وهذا هو الظاهر ) أي ما يفهم من قوله والمذهب خلافه من أنها لا تقصر لأنه يلزم من كونها صلاة شرعية أنها لا تقصر وهو ضعيف . فقوله وهذا هو الظاهر أي عند المؤلف فقد قال م ر : والأوجه الأول وهو قول المتولي لأنها وإن كانت صلاة شرعية لم يسقط بها طلب فعلها ، وإنما يسقط بها حرمة الوقت فقط فكأنها كالعدم وكذا يقال فيمن صلى بتيمم ممن تلزمه الإعادة بنية الإتمام ثم أعادها اه .
قوله : ( في نية القصر ) أي في نية الإمام القصر .(2/369)
"""""" صفحة رقم 370 """"""
قوله : ( لزمه الإتمام ) وكذا إن لم يظهر للمأموم حال الإمام كما سيذكره بقوله ، فإن لم يظهر للمأموم ما نواه الإمام الخ فهو راجع لصورتي الجزم والتعليق اه م د قوله : ( فإن لم يجزم بالنية ) صوابه فإن علق القصر في نيته ق ل قوله : ( جاز له القصر ) ولا يضر التعليق لأن الحكم معلق بصلاة إمامه شرح المنهج لأن محل اختلال النية بالتعليق ما لم يكن تصريحاً بمقتضي الحال وإلا فلا يضر اه ح ل . قوله : ( فهو تصريح بالمقتضي ) بالفتح أي مقتضي الحال وهو قصره إن قصر وإتمامه إن أتم قوله : ( فإن لم يظهر للمأموم ما نواه الإمام ) كأن جنّ الإمام عقب سلامه أو مات أو لم يخبر بشيء قوله : ( لزمه الإتمام احتياطاً ) إذ القصر رخصة لا يصار إليها إلا بيقين ، فلو قال الإمام بعد الخروج من الصلاة كنت نويت الإتمام لزمه الإتمام أو نويت القصر جاز له القصر اه . ولو لزم الإتمام الإمام بعد إخراج المأموم نفسه لم يجب عليه لأنه ليس بإمام له في تلك الحالة .
قوله : ( فأمور ) أي أربعة قوله : ( الأول يشترط ) الأولى حذفه قوله : ( مسافراً ) أي محكوماً عليه بالسفر ولو مقيماً إقامة لا تقطع السفر كأن أقام دون أربعة أيام ، أو كان ينتظر حاجته في كل وقت فإنه يقصر ثمانية عشر يوماً غير يومي الدخول والخروج لأن حكم السفر منسحب عليه . قال ق ل : وهذا الشرط من أفراد ما ذكره الشارح أوّلاً بقوله . ويشترط التحرز الخ قوله : ( لزوال سبب الرخصة ) وهو السفر قوله : ( والثاني يشترط ) الأولى حذفه قوله : ( قصد موضع ) مراده قصد طول السفر اه ق ل قوله : ( معلوم ) أي من حيث المسافة قوله : ( معين ) كأن قصد بيت المقدس أو دمشق ، وغير المعين كأن قصد الشأم إذ الشأم عام وبيت المقدس ونحوه خاص . وقيل المعلوم المعين كالشأم والمعلوم الغير المعين كأن قصد مرحلتين من غير أن يقصد محلاً بعينه ، والثاني أظهر إذ الشأم معين من غيره كاليمن اه أ ج .
قوله : ( أول سفره ) معمول لقصد والمعلوم على سبيل التنازع كما يدل عليه كلامه بعد قوله : ( ليعلم أنه طويل ) عبارته تشمل ما لو قصد كافر مرحلتين ثم أسلم في أثنائهما فإنه يقصر فيما بقي لقصده أوّلاً ما يجوز له فيه القصر لو كان متأهلاً له اه أ ج . قوله : ( فيقصر أولاً )(2/370)
"""""" صفحة رقم 371 """"""
الظاهر أنه بتشديد الواو ويكون ظرفاً ليقصر ، وأما قراءته بسكونها كما يؤخذ من المحشي فيحتاج إلى تقدير أي أو لا فلا .
قوله : ( وهو الذي لا يدري أين يتوجه ) أي لأن سفره معصية إذ إتعاب النفس بالسفر لغير غرض حرام اه . وسواء سلك طريقاً مسلوكاً أم لا فإن ركب طريقاً غير مسلوك سمي راكب التعاسيف فهما مشتركان في أنهما لا يقصدان محلاً معيناً ، وإن اختلفا فيما ذكرناه فإن سلك طريقاً مسلوكاً سمي هائماً فقط ، أو طريقاً غير مسلوك سمي هائماً وراكب التعاسيف فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في مادة وينفرد أحدهما في أخرى ، والتعاسيف جمع تعسف مأخوذ من تعسف ما له أو من عسفه تعسفاً أتعبه اه أ ج قوله : ( ولا طالب غريم ) أي ما لم يجاوز مرحلتين ، فإن جاوزهما قصر فيما بعدهما وهذا غير الاستدراك الآتي قوله : ( وكذا لو قصد الهائم ) أي مع كونه له غرض صحيح . قال بعضهم : وفي كون هذا هائماً نظر اه ق ل قوله : ( نوى الهرب وإن تمكن منه لم يقصر ) أي لمعارضة نية الهرب لعلمه بطوله .
قوله : ( متى تخلصت الخ ) أي أو تمكنت من النشوز نشزت ، والعبد متى تمكن من الهرب هرب لم يقصروا قبل مرحلتين لمنافاة نيتهما لعلمهما بطوله . والحاصل أنه متى علمت الزوجة أو العبد أو الأسير طول المسافة فلهم القصر ما لم ينووا الهرب ونحوه ، فإن نووه فلا قصر إلا بعد بلوغ المسافة ، وإذا لم يعلموا فلا قصر مطلقاً أي سواء نووا الهرب ونحوه أم لا ما لم يبلغوا مسافة القصر ، فلو نووا سير مرحلتين قصر الجندي إن لم يثبت قوله : ( لغرض ديني ) أي ولو مع نية القصر فلا يضر التشريك ، ومثل المرحومي للغرض الديني المذكور بقوله كعيادة مريض أو صلة رحم أو زيارة نبي أو ولي قوله : ( أو دنيوي ) ومنه قصد النزهة ولا يقصر من قصر ابتداء السفر لها ، وهذه خارجة بقوله أو لا لغرض صحيح اه ق ل قوله : ( كسهولة طريق ) أي أو رخص سعر بضاعة أو زيادة اه أ ج .
قوله : ( أو أمن ) أو فرار من المكاسين .(2/371)
"""""" صفحة رقم 372 """"""
قوله : ( جاز له القصر لوجود الشرط الخ ) ومنه ما لو سلك لغرض التجارة أو التنزه قال م ر : لأنه غرض صحيح انضم له ما ذكر ، أما لو كان الغرض التنزه كأن كان لمجرد رؤية البلاد فلا يقصر اه . شرح م ر خلافاً لابن حجر حيث فرق بين التنزه ورؤية البلاد فقال : إن كان الغرض التنزه جاز على الأوجه . قال لأنه غرض مقصود إذ هو إزالة الكدورة النفسية برؤية مستحسن يغسلها عنها ، بخلاف مجرد رؤية البلاد ابتداء أو عند العدول لأنه غرض فاسد ولزوم التنزه له لا نظر إليه على أنه غير مطرد اه أ ج قوله : ( لأنه طول الطريق الخ ) قال م ر : وكذا يؤخذ من التعليل أن محله في المتعمد بخلاف الغالط والجاهل بالأقرب منهما فإن الأوجه قصرهما وإن لم يكن لهما غرض في سلوكه ، أما لو كانا طويلين فيقصر مطلقاً وإن سلك أطولهما لغرض القصر ، وما اعترض به من أنه إذا سلك الأطول لغرض القصر فقط كان إتعاباً للنفس وهو حرام . ويجاب بأن الحرمة هنا بتقدير تسليمها لأمر خارج فلم تؤثر في القصر لبقاء أصل السفر على إباحته اه أ ج قوله : ( أو الجندي ) أي المقاتل وقوله أمره أي الأحد قوله : ( قصروا كما مرّ ) ولهم قصر ما فاتهم فيها لتبين أنها فائتة سفر م ر وزي والأوجه أن رؤية قصر المتبوع العالم بشروط القصر بمجرد مفارقته لمحله كعلم مقصده شرح حج قوله : ( أما المثبت في الديوان فهو مثلهما ) ومثل المثبت من يختل به النظام ولو غير مثبت ق ل .
قوله : ( ومثله ) أي الجندي المثبت الجيش لاختلال النظام برجوعه . وعبارة أ ج : ومثله الجيش أي لأنه تحت أمر الأمير وطاعته فيكون حكمه حكم العبد لأن الجيش إذا بعثه الإمام وأمر أميراً عليهم وجبت طاعته شرعاً ، كما يجب على العبد طاعة سيده والكلام فيما إذا نوى جميع الجيش فنيتهم للرجوع كالعدم لأنهم لا يمكنهم التخلف عن الأمير بخلاف الجندي الواحد من الجيش لأن مفارقته الجيش ممكنة فاعتبرت نيته اه .
قوله : ( مجاوزة سور ) وإن كان ظهره ملصقاً به ز ي والخندق وإن لم يكن به ماء فيما لا سور له كالسور ولا أثر للخندق مع وجود السور اه ع ش . والمراد مجاوزة السور وإن تعدد وإن كان منهدماً حيث بقيت له بقية ولم يهجر بأن جعل سور داخله كما ذكره ح ل . والسور(2/372)
"""""" صفحة رقم 373 """"""
بالهمز وتركه كما قاله ق ل . وفي أ ج هو بالواو وقال الشيخ عميرة : السؤر بالهمز البقية وبعدمها المحيط بالبلد اه قوله : ( بما سافر منه ) أي جانب بلده الذي سافر منه بقرينة قوله أو في صوب سفره شوبري قوله : ( كبلد وقرية ) الفرق بين البلد والقرية أن الأولى الأبنية الكثيرة المجتمعة ، والقرية الأبنية القليلة المجتمعة اه خ ض والأولى ما ذكروه في الجمعة من أن مصر ما كان فيها حاكم شرعي وشرطي ، وسوق والبلد ما خلت عن بعض ذلك ، والقرية ما خلت عن الجميع قوله : ( مطلقاً ) في صوب سفره أو لا قوله : ( في صوب سفره ) لم يتقدم في كلامه ما يخرجه ، ويمكن أن يجعل قوله بما سافر منه مخرجاً له لأنه إذا لم يكن في صوب مقصده صدق عليه أنه ليس له سور في الموضع الذي سافر منه ، وإن صدق أن للبلد الذي سافر منه سوراً في الجملة ع ش . والأولى أن يقال في كلامه سابقاً شيء مقدر ، والتقدير فإن لم يكن له سور في صوب مقصده مختص بأن لم يكن له سور أصلاً أو كان له سور في غير صوب مقصده ، أو كان له سور غير مختص قوله : ( هجر بالتحويط ) خرج ما لو هجر بمجرد ترك التردد إليه شوبري قوله : ( بقرينة ما يأتي ) أي قوله ومزارع قوله : ( بخلاف ما ليس كذلك ) أي خراب ليس كذلك أي لم يهجر بالتحويط على العامر ولم يزرع ولم يندرس .
قوله : ( كما فهمت ) أي المزارع بالأولى لأن البساتين حولها بناء بخلاف المزارع ، فإذا لم تشترط مجاوزة البساتين فبالأولى لا تشترط مجاوزة المزارع هذا مراد الشارح ، وكان الأولى حذف ذلك لأنه إنما يحتاج إليه لو ترك ذكر المزارع مع أنه صرح بها فهي مفهومة بالتصريح لا من البساتين ، وما ذكره سري له من متن المنهج لأنه لم يذكر المزارع .
قوله : ( ولو كان بالبساتين ) أي المتصلة بما سافر منه قوله : ( في بعض فصول السنة ) وكذا في كل السنة كما قاله ح ل . وعبارة ع ش : فلو كانت تسكن في كل السنة واتصلت بالبلد فهما كالقريتين المتصلتين ، وسيأتي حكمهما اه بحروفه قوله : ( لم تشترط مجاوزتها ) أي وإن كانت(2/373)
"""""" صفحة رقم 374 """"""
في هذا الوقت مسكونة ع ش قوله : ( والقريتان المتصلتان ) أي إن لم يكن بينهما سور وإلا اعتبر ق ل . وقوله : المتصلتان أي عرفاً وإن اختلف اسمهما وإلا اكتفى بمجاوزة قرية المسافر . وقول الماوردي : يكفي في الانفصال ذراع جري على الغالب والمعوّل عليه العرف أ ج . قال سم : والحاصل من مسألة القريتين أنهما إن اتصل بنيانهما ولم يكن بينهما سور اشترط مجاوزتهما ، وإن كان بينهما سور اشترط مجاوزته فقط ، وإن اتصل البنيان اه وبه يعلم أنه يقصر بمجاوزة باب زويلة ع ش على م ر . ومثله مجاوزة باب الفتوح لأنهما طرفا القاهرة كما قرره شيخنا ح ف قوله : ( لساكن خيام ) الخيام جمع خيم ككلب وكلاب ، وخيم جمع خيمة كتمر وتمرة ، فخيام جمع الجمع . والخيمة بيت بين أربعة أعواد تنصب وتسقف بشيء من نبات الأرض ، أما المتخذ من ثياب ونحوها فلا يقال له خيمة بل خباء اه أ ج . وقد تطلق عليه خيمة مجازاً وهذا بحسب الأصل ، أما في العرف فصارت الخيمة اسماً لما هو من الثياب ونحوها اه قوله : ( مجاوزة حلة ) بكسر الحاء وهي بيوت مجتمعة أو متفرقة بحيث يجتمع أهلها للسمر أي التحدث ليلاً في موضع واحد ويستعير بعضهم من بعض ويدخل في مجاوزتها عرفاً مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الإبل لأنها معدودة من مواضع إقامتهم شرح المنهج . ويعتبر في القرية أيضاً مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان ونحو ذلك كما مشى عليه جماعة ووافق عليه م ر اه سم ، وضعفه ح ف واعتمد أن القرية يكتفي فيها بأحد أمور ثلاثة : السور أو الخندق إن لم يكن سور أو العمران إن لم يكن سور ولا خندق اه . قال عميرة : بحث الأذرعي اشتراط مجاوزة المقابر المتصلة بالقرية التي لا سور لها سم . وبقي ما لو هجروا المقبرة المذكورة واتخذوا غيرها للدفن هل يشترط مجاوزتها أم لا ؟ فيه نظر والأقرب الأوّل لنسبتها لهم واحترامها . نعم لو اندرست وانقطعت نسبتها لهم فلا يشترط مجاوزتها اه ع ش على م ر .
قوله : ( فقط ) إن أراد بقوله فقط عدم مجاوزة حلة أخرى لأنها كالقرى فيما تقدم فهو صحيح ، وإن أراد عدم مجاوزة مطرح الرماد وملعب الصبيان ومرتكض الخيل ، وإن لم يكن لهم شيء من ذلك فهو ضعيف اه ق ل . ويجاب بأن معناه أنه يكفي مجاوزة الحلة ولا يشترط مجاوزة ما ذكره بعده من العرض ونحوه ويصور ذلك بما إذا اتسعت المذكورات جداً فصح قوله فقط .
قوله : ( ومع مجاوزة عرض واد ) الظاهر أنه معطوف على قوله فقط ، أي مجاوزة الحلة إما فقط إن كانت الحلة بمستو ولم تكن في واد ولا مهبط ومصعد معتدلة ، وأما مع مجاوزة عرض واد الخ أي إن كانت في واد اه . والوادي المكان المتسع بين جبلين ونحوهما ح ف قوله :(2/374)
"""""" صفحة رقم 375 """"""
( مهبط ) كمسجد كما في المصباح أي محل هبوط قوله : ( إن كان ) أي المسافر قوله : ( في ربوة ) أي علوة قوله : ( في وهدة ) أي وطية قوله : ( اكتفى بمجاوزة الحلة عرفاً ) أي مع مجاوزة مرافقها ، ويعتبر في سير السفينة في البحر المتصل ساحله كأهل جدّة والسويس والطور وبولاق ودمياط والإسكندرية جري السفينة أو الزورق إليها آخراً قاله البغوي ، وأقره ابن الرفعة مع ما نقل عن البغوي أن سير البحر يخالف سير البر وكأنه لأن العرف لا يعدّ المسافر فيه مسافراً إلا بعد ركوب السفينة أو الزورق أي آخر مرة وإن لم يصل إليها وإن لم تتحرك من مكانها لأن من بها صار في قوّة المسافر بخلافه في البر فإنه بمجرد مجاوزة العمران ، وإن التصق ظهره به يعدّ مسافراً وهذا هو المعتمد . ومحل ما تقدم ما لم تجر السفينة محاذية للبلد ، فإن سافر من بولاق إلى جهة الصعيد فلا بد من مفارقة العمران اه . وقوله : ومحل ما تقدم الخ لا فرق في هذه الحالة بين بلدة لها سور وغيرها خلاف ما حاوله في شرح الروض اه عبد البر .
قوله : ( وينتهي سفره الخ ) لما بين المحل الذي يصير مسافراً إذا وصل إليه شرع يبين المحل الذي إذا وصل إليه ينقطع سفره . وحاصل ما يقال أنه إذا رجع من سفره إلى وطنه انتهى مطلقاً أي سواء نوى الإقامة به أو لا ، كان له فيه حاجة أم لا ، وأما إذا رجع إلى غير وطنه ولم يكن له حاجة ونوى قبل الوصول إليه إقامة مطلقاً أو أربعة أيام صحاح وكان وقت النية ماكثاً مستقلاً انتهى سفره بمجرد وصول السور أيضاً ، وأما إذا لم ينو أصلاً أو نوى إقامة أقل من أربعة أيام فلا ينتهي سفره بوصول السور وإنما ينتهي بإقامة أربعة أيام صحاح غير يومي الدخول والخروج . وصورتها لم يكن له حاجة . وأما إذا كان له حاجة ولم يتوقعها بل جزم بأنها لا تقضى في الأربعة انتهى سفره بمجرد المكث والاستقرار ، سواء نوى الإقامة بعد الوصول أم لا .
قوله : ( ببلوغ مبدأ سفر ) أي لوصوله إلى ما شرطت مجاوزته وإن لم يدخل فيه . وإن لم ينو إقامة ق ل . وإنما توقف ابتداء السفر على الخروج منه لأن الأصل الإقامة ولا يتحقق قطعها إلا بتحقق السفر وهو متوقف على الخروج والسفر على خلاف الأصل ، فانقطع بمجرد الوصول للوطن وإن كان ماراً به في سفره اه ز ي أ ج . قوله : ( من وطنه ) وإن لم ينو الإقامة بخلاف ما بعده لأن الوطن له قوة لا توجد في غيره قوله : ( رجع من سفره إليه ) كأن يخرج الشامي من مصر إلى مكة ثم يرجع من مكة إلى مصر . وقوله أو لا : كأن يخرج الشاميّ مثلاً من مصر قاصداً مكة فإنه ينتهي سفره ببلوغه سور مكة بالنية المذكورة ، لأن وصوله سور مكة يصدق عليه أنه بلغ مبدأ سفر أي لغير هذا المسافر ، ولذا أتى به الشارح نكرة وبعضهم توهم أنّ المراد مبدأ سفره فارتبك قرره شيخنا ح ف قوله : ( وقد نوى ) حال فلا يكفي في انقطاع سفره(2/375)
"""""" صفحة رقم 376 """"""
مجرد وصوله إليه ، بل لا بد من نية الإقامة وهو مستقل قبل بلوغه ، وأما إذا لم ينو الإقامة أو نواها بعد بلوغه فلا ينتهي سفره بذلك أي ببلوغ الموضع الآخر ، وإنما ينتهي بإقامة أربعة أيام في الأولى وبالنية المذكورة بشرط المكث والاستقلال في الثانية كما في شرح المنهج وشرح م ر قوله : ( وهو مستقل ) خرج غير المستقل كقنّ وزوجة فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه م ر . قال سم : لكن لا يبعد أنه لو نوى الإقامة ماكثاً وهو قادر على المخالفة وصمم على قصد المخالفة أثرت نيته اه أ ج قوله : ( وإما أربعة أيام صحاح ) أي غير يومي الدخول والخروج شرح المنهج إذ في الأول الحط وفي الثاني الرحيل ، وهما من مهمات السفر المقتضي للرخصة اه أ ج . قوله : ( وبإقامته ) أي بالفعل وقد علم أن إربه بكسر أوّله وإسكان ثانيه وبفتحهما أي حاجته لا ينقضي فيها أي الأربعة .
قوله : ( وإن توقعه كل وقت ) من ذلك انتظار الريح لراكب السفينة وخروج الرفقة إليه وإلا سافر وحده ، فإن نوى أن لا يسافر إلا مع الرفقة لم يترخص لعدم جزمه بالسفر ز ي وح ل .
قوله : ( قصر ) أي ترخص إذ له سائر رخص السفر اه أ ج وح ل . فلو قال : ترخص ثمانية عشر لكان أعم لكن اقتصر على القصر لكون الكلام فيه قوله : ( ثمانية عشر يوماً صحاحاً ) أي لا يحسب منها يوما دخوله وخروجه لخبر حسنه الترمذي أنه أقامها بعد فتح مكة لحرب هوازن يقصر الصلاة ، والحديث وإن ضعفه الجمهور إلا أنه اعتضد بشواهد جبرته ، وصحت رواية عشرين على عده يومي دخوله وخروجه ، وتسعة عشر على عد أحدهما اه أ ج قوله : ( ولو غير محارب ) أي مجاهد ، وغرضه بهذه الغاية الردّ على قول ضعيف يخص الترخص بالمقاتل . وبقي قولان ضعيفان أيضاً لم يردّ عليهما لعله لشدّة ضعفهما الأوّل قيل يترخص أبداً . والثاني يترخص أربعة أيام فقط . وعبارة شرح م ر وقيل : يقصر أربعة فقط لأن القصر يمتنع بنية إقامة الأربعة فبفعلها أولى لأنه أبلغ من النية . وفي قول : يقصر أبداً لأن الظاهر أنه لو دامت الحاجة لدام القصر ، وقيل الخلاف فيما فوق الأربعة في خائف القتال لا التاجر ونحوه كالمتفقه فلا يقصران فيما فوقها لأن الوارد إنما كان في القتال والمقاتل أحوج للترخص ، وأجاب الأوّل بأن المرخص إنما هو وصف السفر والمقاتل وغيره فيه سواء اه .
قوله : ( وينتهي أيضاً الخ ) أي يمتنع عليه الترخص في موضعه الذي نوى فيه ، وفي عوده إن لم يبلغ مسافة القصر . ولو قال : وينقطع سفره لكان أنسب ق ل قوله : ( بنية رجوعه ماكثاً ) أي لا سائراً لجهة مقصده لأن نية الإقامة مع السير غير مؤثرة فنية الرجوع معه كذلك اه رملي مرحومي . فلا يقصر في الموضع الذي نوى فيه الرجوع وهو ماكث فإن سار إلى جهة مقصده(2/376)
"""""" صفحة رقم 377 """"""
أو راجعاً إلى وطنه فسفر جديد فيقصر في الرجوع إن كان بينه وبين وطنه مرحلتان فأكثر قوله : ( ولو من طويل ) أي لا فرق بين أن يكون طويلاً أو قصيراً بالنسبة للمحل المرجوع منه إلى المحل الذي يرجع إليه ح ل .
قوله : ( لا إلى غير وطنه لحاجة ) هذا النفي صادق بثلاث صور ؛ بأن نوى الرجوع إلى وطنه مطلقاً ، أي سواء كان لحاجة أو لا ، أو نوى الرجوع إلى غير وطنه لغير حاجة ، ففي هذه الثلاثة ينتهي السفر بمعنى أنه ليس له القصر ولا الجمع ما دام مقيماً في المحل الذي نوى الرجوع فيه ، ووجه أخذ هذه الصور من تلك العبارة أن قوله : إلى غير وطنه نفي ولا السابقة عليه للنفي ونفي النفي إثبات ، فإذا أدخلنا لا على غير وطنه صار معناه أنه رجع إلى وطنه ، أي مطلقاً سواء كان لحاجة أم لا ، وإذا سلطنا لا على لحاجة وأبقينا غير وطنه على حاله كان المعنى رجع إلى غير وطنه لغير حاجة ، فهذه صورة تضم للاثنين السابقتين ، وأما مفهوم هذا النفي فصورة وهي ما إذا رجع إلى غير وطنه لحاجة فلا ينتهي سفره فقوله : لا إلى غير وطنه معطوف على مقدّر تقديره وينتهي سفره بنية رجوعه لوطنه مطلقاً ، أي لحاجة أو لا ، وبنية رجوعه لغير وطنه لغير حاجة ، فالمستثنى منه شامل لثلاث صور قاله سم قوله : ( بأن نوى رجوعه الخ ) لحاجة أو لا ، كأن سافر من مصر إلى دمياط لكن قبل وصوله إلى دمياط بربع يوم مثلاً مكث ببلدة ونوى الرجوع إلى مصر ، وبين البلدة ومصر سفر طويل وهذا مثال لقوله : ولو من طويل كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( فلا يقصر في ذلك الموضع ) أي الماكث فيه الذي نوى فيه الرجوع . وعبارة شرح م ر : امتنع قصره ما دام في ذلك المنزل كما جزموا به .
قوله : ( فإن سافر ) أي لمقصده الأوّل أو غيره ولو لما خرج منه شرح م ر قوله : ( ولو من قصير ) كما لو نوى المصري أن يسافر إلى دمياط ، فلما وصل إلى قليوب نوى الرجوع إلى بلد في الصعيد لحاجة فلا ينتهي سفره بالرجوع ولا بنيته كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( لم ينته سفره بذلك ) أي بالنية المذكورة ، فله القصر في ذلك الموضع وبعد رجوعه ح ل قوله : ( التردد فيه ) أي فإن كان التردّد فيه لوطنه أو لغيره لغير حاجة انتهى سفره ، وإن كان التردّد في الرجوع إلى غير وطنه لحاجة لم ينته سفره بذلك كما قرره شيخنا العشماوي . قال م ر : وما يقع كثيراً في زمننا من دخول بعض الحجاج مكة قبل الوقوف بنحو يوم مع عزمهم على الإقامة بمكة بعد رجوعهم من منى أربعة أيام فأكثر ، هل ينقطع سفرهم بمجرد وصولهم مكة نظراً لنية الإقامة بها ولو في الأثناء أو يستمر سفرهم إلى رجوعهم إليها من منى لأنها من جملة مقصودهم ، فلا(2/377)
"""""" صفحة رقم 378 """"""
تأثير لنيتهم الإقامة القصيرة قبلها ولا الطويلة إلا عند الشروع فيها وهي إنما تكون بعد رجوعهم من منى ودخولهم مكة للنظر في ذلك مجال . والثاني أقرب كما بحثه بعض أهل العصر اه قوله : ( والرابع يشترط ) الأولى حذف قوله يشترط كما تقدم .
قوله : ( إن لم يضره ) فإن ضره أي بنحو ألم يشقّ احتماله عادة فالفطر أفضل ، أما إذا خشي منه تلف منفعة عضو فيجب الفطر ، فإن صام عصى وأجزأه اه ز ي قوله : ( والقصر له أفضل ) محله إن لم يفوّت الجماعة ، فإن كان بحيث لو صلاها تامة صلاها جماعة فالإتمام أفضل ، وذلك لأن محل مراعاة الخلاف ما لم يعارض سنة صحيحة كما قرره شيخنا ح ف . والأولى تقديم قوله والقصر أفضل على قوله والصوم أفضل لأن الكلام في القصر والصوم دخيل فيه قوله : ( إن بلغ ) أي إن كان يبلغ إذ لا يشترط قطعها قوله : ( فالإتمام أفضل ) بل يكره القصر كما نقله الماوردي عن الشافعي إلا في صلاة شدة الخوف فالقصر أفضل اه أ ج قوله : ( خروجاً من خلاف أبي حنيفة ) فإن أبا حنيفة يوجب القصر إن بلغها والإتمام إن لم يبلغها اه شرح المنهج قوله : ( ومعه عياله ) ليس قيداً قوله : ( مطلقاً ) أي معه عياله أو لا وهو في السفينة . وقوله : فالإتمام أفضل أي في الحالة التي يكون الإتمام فيها أفضل ، وذلك إن لم يبلغ ثلاث مراحل هكذا قاله ح ل . وقد يقال : مقتضى مراعاة خلاف الإمام أحمد الإطلاق كما هو صريح عبارة زي وغيره قوله : ( كالإمام أحمد ) فإنه لا يجوز له القصر وقدم على خلاف أبي حنيفة لاعتضاده بالأصل الذي هو الإتمام اه ز ي .
قوله : ( ويجوز للمسافر ) عبارة المنهج : والأفضل ترك الجمع كما أشعر به التعبير بيجوز ، لأنه إذا قيل يجوز كذا يفهم منه عرفاً أن تركه أولى ، وقد يجب القصر والجمع وإنما كان ترك الجمع أفضل للخروج من خلاف من منعه للسفر وهو أبو حنيفة ، ولأن فيه إخلاء أحد الوقتين عن صلاته وقد يجب القصر والجمع في بعض الصور فيما إذا أخرّ الظهر ليجمعها مع العصر(2/378)
"""""" صفحة رقم 379 """"""
جمع تأخير وضاق وقت العصر عن الإتيان بهما تامتين بأن لم يبق منه إلا ما يسع أربع ركعات فيجب قصرهما وجمعهما ز ي قوله : ( سفر قصر ) أي بأن يكون طويلاً الخ ، وعند المالكية يجوز الجمع في السفر القصير أما عندنا فلا جمع في قصير وجمعه في عرفة ومزدلفة لأنه كان مستديماً في سفره الطويل إذ لم يقم قبلهما ولا بعدهما أربعة أيام ، فالجمع للسفر وعند الإمام أبي حنيفة للنسك اه رحماني . قوله : ( أن يجمع ) أي سواء كانتا تامتين أم مقصورتين أم إحداهما تامة والأخرى مقصورة . قال في شرح الخصائص : واختص هو وأمته بقصر الصلاة في السفر وبالجمع بين الصلاتين في السفر الطويل تقديماً وتأخيراً لما رواه الشيخان عن ابن عمر عليه الصلاة والسلام كان إذا عجل السير جمع بين المغرب والعشاء . ورويا عن معاذ قال : ( خرجنا مع رسول الله عام تبوك وكان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ) . ورويا أيضاً عن أنس ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر ) . وذهب الشافعي إلى أنه رخصة والأفضل تركه لأنه مختلف فيه لأن أبا حنيفة ذهب إلى منع الجمع بغير عرفة ومزدلفة ، وتمسك بما رواه الترمذي والحاكم وغيرهما من حديث حنش عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً ( مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْن مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَاباً مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ ) وعليه فلا خصوصية ، ورده الشافعية بضعف هذا الخبر لأن حنَشاً المذكور واهٍ جداً كذبه أحمد والنسائي والدارقطني ، وذكره ابن حبان في الضعفاء وبفرض ثبوته فالمراد بالعذر السفر والمطر كذا مثل به الشافعي للعذر ، وعليه فلا خصوصية ومذهب مالك أنه يجوز الجمع في السفر القصير أيضاً وأنه بالعشاءين اه .
قوله : ( صلاتي الظهر والعصر الخ ) ولا جمع على الأوجه من تردد في الخادم فيما لو نذر أربع ركعات وقت الظهر وأربعاً وقت العصر من يوم واحد ثم سافر قبل دخول وقتهما ، فلا يجوز له الجمع بأن يصلي ثماني ركعات في وقت الظهر أو العصر ، فالنذر إنما يسلك به مسلك الشرع في العزائم دون الرخص وإلا لجاز القصر فيه اه إيعاب اه أ ج .
قوله : ( تقديماً ) أي في وقت الأولى ، وظاهره أنه لا بد من فعلهما بتمامهما في الوقت ، فلا يكفي إدراك ركعة من الثانية فيه شيخنا ح ف . لكن نقل سم عن الروياني أنه يكفي إدراك أقل من ركعة وعبارته قال الروياني : وعندي أنه يجوز الجمع إن بقي من وقت المغرب ما يسع المغرب ودون ركعة من العشاء لأن وقت المغرب يمتدّ إلى طلوع الفجر عند العذر . ووافق م ر على أنه ينبغي جواز الجمع ، قال ع ش على م ر : ويؤيد الجواز ما يأتي من الاكتفاء في جواز الجمع بوقوع تحرم الثانية في السفر وإن أقام بعده ، فلما اكتفى بعقد الثانية في السفر فينبغي أن يكتفي بذلك في الوقت قوله : ( وتأخيراً ) أي في وقت الثانية شمل المتحيرة وفاقد الطهورين(2/379)
"""""" صفحة رقم 380 """"""
ونحوهما ممن تلزمه الإعادة ، وعليه فالفرق بين الجمعين أنه يشترط لجمع التقديم ظن صحة الأولى وهو منتف في المتحيرة بخلاف التأخير فأنه لا يشترط فيه بحال ، وإن أمكن وقوع الأولى مع التأخير في زمن الحيض مع احتمال أن تقع في الظهر لو فعلتها في وقتها اه ع ش .
قوله : ( والجمعة كالظهر في جمع التقديم ) أي كأن دخل المسافر قرية بطريقة يوم الجمعة فالأفضل في حقه الظهر ، لكن لو صلى الجمعة معهم فيجوز له في هذه الحالة أن يجمع العصر معها تقديماً أط ف . وقوله : في جمع التقديم أي ويمتنع جمعها تأخيراً لأنها لا يتأتى تأخيرها عن وقتها كما في شرح م ر . وعبارة ع ش : والجمعة كالظهر في جمع التقديم ، أي إذا لم نشك في صحتها ، أما إذا شككنا في صحتها فلا يجوز الجمع لانتفاء الشرط وهو ظن صحة الأولى اه قوله : ( والأفضل لسائر وقت أولى ) هذا تفصيل لقوله تقديماً وتأخيراً ، فكأنه قيل : وما الأفضل منهما ؟ فقال : والأفضل لسائر وقت أولى الخ . أي سواء كان سائراً وقت الثانية أو نازلاً . وقوله : ولغيره تقديم وهو من كان نازلاً وقت الأولى سواء كان نازلاً وقت الثانية أو سائراً ، فيكون التقديم في صورتين أيضاً وهو ضعيف فيما إذا كان نازلاً فيهما ، بل أفضل فيها التأخير فتضم إلى الاثنين فيكون التقديم في صورة والتأخير في ثلاثة . والمراد بقوله : والأفضل أي لمن أراد الجمع ، فلا يقال ترك الجمع أفضل فهذا تفصيل في مراتب المفضول كأن يقال : زيد أفضل العلماء ، وهذا لا ينافي أن بعضهم أفضل من بعض ، ومتى صحب أحد الجمعين كمال خلا عنه الآخر كان المقترن به أفضل كما في ز ي كأن كان في أحد الجمعين يصلي بالوضوء والآخر بالتيمم ، أو كان في أحدهما يجد ساتر العورة وفي الآخر يصلي مكشوفها ، أو كان في أحدهما من يصلي جماعة وفي الآخر يصلي فرادى .
قوله : ( ولغيره ) بأن كان نازلاً وقت الأولى سائراً وقت الثانية ، أو نازلاً فيهما أو سائراً فيهما هكذا يقتضيه كلامه ، فيكون التقديم أفضل تقديماً لبراءة الذمة كما قاله ابن حجر . والمعتمد أن النازل فيهما جمعه تأخيراً أفضل ، وكذا لو كان سائراً فيهما لأن وقت الثانية وقت للأولى في حالة العذر وغيره ، ووقت الأولى لا يكون وقتاً للثانية إلا في حالة العذر من سفر أو مطر . ولو قال : والأفضل لنازل في وقت أولى سائر في وقت الثانية تقديم ولغيره أي من سائر وقت الأولى أو فيهما أو نازل فيهما تأخير لوافق المعتمد .
قوله : ( أربعة شروط ) ويزاد خامس وهو بقاء وقت الأولى يقيناً ، فإن خرج الوقت في الثانية أو شك في خروجه بطل الجمع والصلاة على الصحيح شوبري وس ل . وتقدم عن الروياني ما يخالفه ، ويزاد سادس وهو ظن صحة الأولى لتخرج المتحيرة ، فإن الأولى لها ليست مظنونة الصحة لاحتمال أنها في الحيض ع ش . وبهذا حصل الفرق بين جمع التقديم(2/380)
"""""" صفحة رقم 381 """"""
والتأخير في المتحيرة وهو أن ظن صحة الأولى شرط في جمع التقديم لا في جمع التأخير اه ا ط ف قوله : ( في أولى ) . فإن قلت : كان المناسب أن تكون نية الجمع في أول الثانية لكونها في غير وقتها ، ويؤيد ذلك تعليل الشارح بقوله : ليتميز التقديم المشروع الخ لأن التقديم إنما هو للثانية . أجيب : بأن الجمع ضم الثانية للأولى ولا يحسب الضم المذكور إلا بنية الجمع في الأولى لتصير الصلاتان كصلاة واحدة تدبر . فلو نوى الجمع فيها ثم رفضه وأعرض عنه فيها ثم رجع إليه ونوى وهو فيها فإنه يكفي لوجود محل النية ، وهو الأولى كما في شرح م ر وع ش عليه ، وأما لو نوى الجمع في الأولى ثم رفضه وأعرض عنه بعد تحللها ثم رجع إليه عن قرب ونواه فقال م ر في شرحه : يجوز وله الجمع وخالفه محشياه ، واعترضا عليه واستوجها ما قاله ابن حجر من عدم جواز الجمع في هذه الحالة لفوات محل النية . وعبارة ابن حجر : ولو نوى تركه بعد التحلل ولو في أثناء الثانية ثم أراده ولو فوراً لم يجز كما بينته في شرح العباب لأن وقت النية انقضى فلم يفد العود إليها شيئاً وإلا لزم إجزاؤها بعد تحلل الأولى اه قوله : ( ولو مع تحلله منها ) وهو حاصل بما ذكر اه بابلي .
قوله : ( بأن لا يطول بينهما فصل ) ولو بعذر ولو احتمالاً لأنه رخصة لا يصار إليها إلا بيقين . قال م ر في شرحه : ومن الفصل الطويل قدر صلاة ركعتين ولو بأخف ممكن كما اقتضى إطلاقهم اه . فيفهم أنه لا يصلي الراتبة بينهما بل يؤخرها . نعم إن أسرع بها إسراعاً مفرطاً على خلاف العادة لم يضر كما نقله سم عن م ر . وعليه يحمل قوله في الشرح بأخف ممكن أي على الوجه المعتاد كما قاله أ ج .
قوله : ( ولو ذكر بعدهما ) تفريع على اشتراط الموالاة ، فكان المناسب التعبير بالفاء . وخرج ببعدهما ما لو علم في أثناء الثانية ترك ركن من الأولى فإن طال الفصل فهو كما بعد الفراغ وإلا بنى على الأولى وبطل إحرامه بالثانية ، وبعد البناء يأتي بالثانية أو من الثانية تدارك وبنى ، ولأجل هذا التفصيل قيد الشارح بقوله بعدهما كما قاله البرماوي قوله : ( أعادهما ) أما الأولى فلترك الركن ، وأما الثانية فلفسادها بعدم شرطها لكن تقع له نفلاً مطلقاً ما لم يكن عليه فرض من نوعها وإلا وقعت عنه كما في شرح م ر اه أ ج قوله : ( بغير جمع تقديم ) وإنما امتنع(2/381)
"""""" صفحة رقم 382 """"""
جمع التقديم لاحتمال أنه من الثانية مع طول الفصل بها ، وبالأولى المعادة بعدها شرح المنهج لأنه إذا أعادهما يبدأ بالظهر مثلاً ثم العصر ، والحال أننا فرضنا أن الظهر التي صلاها أولاً صحيحة فقد طال الفصل بين الظهر الصحيحة والعصر التي صلاها ثانياً بالعصر الفاسدة والظهر المعادة اه ح ل ملخصاً . وهذا أعني قوله بغير جمع تقديم صادق بصورتين جمع التأخير وصلاة كل في وقتها .
قوله : ( إلى عقد الثانية ) ولا يشترط وجوده عند عقد الأولى ، فلو أحرم بها في بلدة ثم سافر جاز له الجمع كما قرره شيخنا . وعبارة ق ل قوله : إلى عقد الثانية أي وإن أقام في أثنائها ، ولا بد من وقوع جميع الثانية في وقت الأولى ، فلو دخل وقتها قبل الإحرام بها بطل الجمع ووجب استئنافها قوله : ( ما بقي قدر يسعها ) أي جميعها تامة أو مقصورة إن أراد قصرها قوله : ( وظاهر الخ ) اقتضت هذه العبارة أنه لو أخر النية إلى وقت يسع ركعة من الأولى أو أقل من ركعة أنه يعصي بتأخير النية إلى ذلك الحدّ ، وأن الصلاة المذكورة لا تكون أداء إذا فعلها في وقت الثانية اعتباراً بوقت النية . وقوله في العبارة الثانية : أو نواه في وقت الأولى ولم يبق منه ما يسعها صادق بالصورتين المتقدمتين . وقد حكم الشارح بأن الصلاة قضاء فيها فتخالف العبارة الأولى في صورة ما إذا كان وقت النية يسع ركعة فإن العبارة الأولى تقتضي أنها أداء والثانية تقتضي أنها قضاء ، وأما الإثم فهو باتفاق فكان الأولى حذف العبارة الأولى والاقتصار على الثانية . وأجيب بحمل الأولى على ما إذا كان الباقي من الوقت يسع ركعة والثانية على ما إذا كان الباقي منه يسع دونها كما عبرّ به في شرح المنهج .
قوله : ( وإن وقعت أداء ) أي وإن أخرها إلى وقت لو فعلها فيه وقعت أداء بأن أخرها إلى أن بقي ما يسع ركعة فلا جمع على المعتمد ، بل تصير الأولى قضاء إن فعلها في وقت الثانية وحينئذ فلا منافاة بين هذه وما قبلها خلافاً لمن زعمها حيث صرح أولاً بالأداء وثانياً بالقضاء قوله : ( صارت الأولى قضاء ) أي فائتة حضر فلا تقصر في السفر شوبري ولا إثم فيه ، وهذا صادق بالصورتين أي سواء قدم الظهر على العصر أو العصر على الظهر ، وإن كان التعليل ظاهراً في صورة ما إذا قدم الظهر على العصر دون العكس قوله : ( وفي المجموع الخ ) غرضه به حكاية خلاف في الصورة التي يظهر فيها التعليل ، وهي ما إذا قدم الظهر على العصر وأقام في(2/382)
"""""" صفحة رقم 383 """"""
أثناء العصر ، فيقول صاحب المجموع : هي أي الظهر أداء اكتفاء بوجود العذر في بعض العصر . وهو ضعيف لأنه مخالف حكماً وتعليلاً قوله : ( وما بحثه ) أي بقوله ينبغي الخ قوله : ( مخالف لإطلاقهم ) أي حيث اشترطوا لصحة الجمع بقاء العذر إلى تمام الثانية ، فإن أقام قبله بطل الجمع فصارت الأولى قضاء لوقوعها خارج وقتها قوله : ( قال السبكي الخ ) غرضه به حكاية خلاف في المسألة الأخرى ، وهي ما إذا قدم العصر قوله : ( وتعليلهم ) أي بأن الأولى تابعة للثانية في الأداء للعذر الخ قوله : ( على تقديم الأولى ) أي الظهر مثلاً قوله : ( فلو عكس ) كأن قدم العصر قوله : ( فقد وجد العذر ) أي السفر . وقوله في جميع المتبوعة أي العصر وقوله وأول التابعة أي الظهر .
قوله : ( وقياس ما مرّ ) أي قوله ودوام سفره إلى عقد الثانية ، وهذا ضعيف قوله : ( كما أفهمه تعليلهم ) أي بعضه وهو قوله وقد زال وهنا لم يزل قوله : ( وأجرى الطاوسي ) معتمد قوله : ( على إطلاقه ) أي من اشتراط دوام السفر إلى تمامها في جمع التأخير وإن قدم المتبوعة ومن الاكتفاء في وقت عقد الثانية إذا جمع تقديماً م د قوله : ( فقال وإنما اكتفي الخ ) غرضه به الفرق بين جمع التقديم والتأخير .
قوله : ( إلا في السفر ) فيه أنه يكون وقتاً لها أيضاً في الحضر بعذر المطر ، ويمكن أن الحصر إضافي أي لا في الحضر بلا عذر قوله : ( وإلا جاز ) بأن انتهى السفر في أثناء الثانية قوله : ( وأن ينصرف إلى غيره ) وهو الحضر فتكون الأولى قضاء .
قوله : ( ونحوه ) بالجر عطفاً على المطر قوله : ( كثلج وبرد ذائبين ) وشفان شرح المنهج(2/383)
"""""" صفحة رقم 384 """"""
ظاهر هذه الكاف أنه بقي شيء آخر من نحو المطر يجوّز الجمع ، ولم أر من ذكر غير هذه الثلاثة ، ولم يعبر بالكاف في الروض بل ظاهر تعبيره أن نحو المطر محصور في هذه الثلاثة وعبارته والشفان كالمطر وكذا ثلج وبرد ذائبان انتهت . وعلى هذا فتكون الكاف استقصائية ، والشفان بفتح الشين وتشديد الفاء وهو اسم لريح بارد يصحبه مطر قليل ولا بد أن يبل كل الثوب كما هو ظاهر قوله : ( ذائبين ) بخلاف ما إذا لم يذوبا وإن حصل بهما مشقة فهو نوع آخر لم يرد . نعم لو كان أحدهما قطعاً كباراً يخشى منه التعثر جاز الجمع كما في الشامل وغيره ، وفي معناه البرد وبه صرح في الذخائر اه شرح م ر قوله : ( ولو جمعة مع العصر ) لو عكس هذه العبارة لكان مستقيماً كما قاله ق ل لأن العصر تابع لا متبوع ، والغالب دخول مع على المتبوع المناسب أن يقول لكان أولى بدليل تعليله بقوله لأن الغالب قوله : ( تقديماً ) لا حاجة إليه لأنه الفرض .
قوله : ( جميعاً ) أي في وقت واحد . ولو قال جمعاً لكان أولى لأن قوله جميعاً يصدق بتراخي إحداهما عن الأخرى شيخنا قوله : ( ولا سفر ) وقع في رواية ، ولا مطر وهو مناف لما نقله عن الشافعي من قوله : أرى ذلك في المطر . قال م ر : وأجيب بأن رواية ولا مطر شاذة أو معناه ولا مطر كثير أو مستدام ، فلعله انقطع في أثناء الثانية قوله : ( ليست إلى الجامع ) أي ليست مفوّضة إلى الذي يريد الجمع أي ليست باختياره حتى يقدر عليها قوله : ( منه ) أي من قوله ليتصل الخ .
قوله : ( ويشترط أن يصلي جماعة الخ ) اشتمل كلامه سابقاً ولاحقاً على خمسة شروط أن يوجد العذر عند التحرم بهما وعند تحلله من الأولى وبينهما ، وأن يصلي جماعة وبمصلى بعيد عرفاً ، وأن يكون بحيث يتأذى بالمطر في طريقه ، وهذه شروط زائدة على الترتيب والولاء ونية(2/384)
"""""" صفحة رقم 385 """"""
الجمع فهي معتبرة هنا أيضاً كما في متن المنهج ، فكان ينبغي للشارح أن ينبّه على ذلك . فجملة الشروط ثمانية اه م د . وقوله : وبينهما جعل هذا مع ما قبله شرطاً ، والظاهر أنهما شرطان . ولو تباطأ المأمومون عن الإمام اعتبر في صحة صلاتهم وصلاته إحرامهم في زمن يسع الفاتحة قبل ركوعه وإلا بطلت صلاته وصلاتهم ، بخلاف ما إذا تباطأ المأمومون عن الإمام في الجمعة فلا بد من إدراكهم زمناً يسع الفاتحة قبل رفع الإمام من الركوع وإلا لم تصح صلاتهم ولا صلاته كما قاله م ر في باب الجمعة ، ويستشكل الفرق بينهما مع أن الجماعة في الجمعة شرط في الركعة الأولى وفي المجموعة بالمطر شرط في جزء منها فقط ، وإذا تباطأ المأمومون عن الإمام في المعادة زمناً بحيث يعد فيه منفرداً لم تصح صلاته ولا صلاتهم ، والفرض أن كلاًّ منهما معيد ، والفرق بينها وبين ما قبلها أن الشارع اعتنى بالجماعة فيها حيث شرطها فيها من أولها إلى آخرها شوبري مع زيادة من تقرير ح ف . لكن نقل عن ع ش على م ر عن سم على ابن حجر أنه سوّى بين الجمعة والمجموعة بالمطر في أنه يعتبر في صحة الصلاة إحرامهم في زمن يسع الفاتحة قبل ركوعه ، لكن لا يشترط هنا بقاؤهم معه إلى الركوع اه . وقد يقال : أيّ داع لاعتبار إدراك زمن يسع الفاتحة مع عدم اشتراط بقاء القدوة إلى الركوع والاكتفاء بجزء في الجماعة اه ع ش قوله : ( أن يصلي جماعة ) أي يصلي الصلاة الثانية جماعة وإن صلى الأولى فرادى لأنها في وقتها على كل حال ، ويكفي وجود الجماعة عند الإحرام بالثانية وإن انفردوا قبل تمام ركعتها الأولى ، بل تكفي الجماعة وإن كرهت له ولم يحصل له فضلها لأنه يكفي وجود صورتها في دفع الإثم والمقاتلة ، ولا بد من نية الإمام الجماعة أو الإمامة وإلا لم تنعقد صلاته ولا صلاتهم إن علموا ذلك سم وح ل وأ ج . قوله : ( بمصلى ) أي مسجد أو غيره أ ج . قوله : ( بخلاف من يصلي في بيته الخ ) هذا محترز قوله بمصلى قوله : ( وبخلاف من يصلي منفرداً ) أي ولو في المسجد خلافاً للقليوبي قوله : ( لانتفاء الجماعة ) أي التي هي سبب الرخصة فيمتنع الجمع في الانفراد قوله : ( مع أن بيوت أزواجه ) أي بعضها أخذاً من الجواب .
قوله : ( بأن للإمام الخ ) قال م ر : والأوجه تقييده بما إذا كان إماماً راتباً أو يلزم من عدم إمامته تعطيل الجماعة اه . ويؤخذ منه ردّ ما بحثه ق ل من جواز الجمع بالمطر لمجاوري الأزهر تبعاً لمن يجوّز لهم الجمع لما علمت من الفرق ، لأنه إنما أبيح للإمام لئلا يلزم تعطيل(2/385)
"""""" صفحة رقم 386 """"""
المسجد عن الإمامة وهو لا يجري في المجاورين قال ع ش على م ر : وظاهره أن المجاورين يؤخرونها إلى وقتها الأصلي وإن أدى تأخيرهم إلى صلاتهم فرادى بأن لم يكن ثم من يصلح للإمامة غير من صلى ، ولعله غير مراد إن أدى تأخيرهم إلى صلاتهم فرادى أي فيجمعون في هذه الصورة تبعاً للإمام تحصيلاً لفضيلة الجماعة .
قوله : ( كمرض ) مثال للغير قوله : ( ولخبر المواقيت ) أي المتقدم وهو ( أَمَّنيِّ جِبْريِلُ عِنْدَ البَّيْتِ ) يعني أنه صلى كل صلاة في وقتها ولم يخل وقتاً عن صلاته ، ولكن ورد نص عن الشارع بإخلاء بعض الأوقات عن الصلاة بسبب خاص وهو السفر والمطر دون غيرهما ، فعملنا بذلك النص وأبقينا خبر المواقيت على ظاهره في غير السببين المذكورين فهما مستثنيان منه قوله : ( فلا يخالف ) أي خبر المواقيت إلا بصريح . قوله : ( في المرض والوحل ) أي لخبر مسلم : ( أن النبي جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر ) شرح الروض اه مرحومي قوله : ( وجرى عليه ابن المقري ) أي فقال : فرع المختار جواز الجمع بالمرض اه مرحومي قوله : ( ) وما جعل عليكم في الدين من حرج } ) الحج : 78 ) ) فيه أن هذا ليس نصاً في الدلالة قوله : ( وعلى ذلك ) أي على القول بجواز الجمع بالمرض تقديماً وتأخيراً بدليل قوله : فمن يحمّ الخ كما قرره شيخنا العشماوي قوله : ( بشرائط جمع التقديم ) وهي الأربعة المتقدمة ، ويجعل المرض هنا كالسفر هناك أ ج فيكون الشرط الرابع دوام المرض إلى عقد الثانية ، والشرط الثاني في جمع التأخير دوام المرض إلى تمامهما .
قوله : ( بالأمرين المتقدمين ) وهما نية الجمع في وقت الأولى والباقي يسعها ، ودوام(2/386)
"""""" صفحة رقم 387 """"""
العذر إلى تمام الثانية قوله : ( لأن تاركهما ) أي الجمعة والجماعة قوله : ( ببدلهما ) وهو الظهر في الأولى والانفراد في الثانية لأن الانفراد بدل وصف الجماعة قوله : ( والجامع ) أي مريد الجمع .
قوله : ( تتمة ) بكسر التاءين اسم لبقية الشيء ، وقد تمّ يتم تماماً إذا كمل قاله البرماوي لكن عبارة المصباح أنها بفتح التاء الأولى وكسر الثانية قوله : ( والذي يجوز في القصير ) لم يقل والذي يختص بالقصير كما قال في الطويل لأن هذه غير خاصة بالقصير قوله : ( والتيمم وإسقاط الفرض ) الاثنان واحد وإلا كانت خمسة قوله : ( وزيد على ذلك ) أي الأربعة الجائز في القصير . قوله : ( ما لو سافر المودع ) بفتح الدال وسيأتي في كلامه أنه لا يختص بالطويل قوله : ( فلو أخذها معه ) ولا يضمنها بذلك لو تلفت م د قوله : ( ولا يختص بالطويل ) راجع للصورتين . قوله : ( عكسه ) أي خلافه وهو أنه مختص بالطويل .
فصل : في صلاة الجمعة
أي في بيان أمور للزومها وأمور لانعقادها وآداب لها دون غيرها قوله : ( بضم الميم ) وهي لغة الحجاز ، والفتح لغة تميم ، والسكون لغة عقيل . وهذه اللغات محلها إذا كان المراد بها اليوم ، أما إذا أريد بها الأسبوع فبالسكون لا غير كما إذا قلت صمت جمعة أي أسبوعاً ، وعليه فالسكون مشترك بين يوم الجمعة وأيام الأسبوع . وقوله : وجمعها جمعات أي بضم الميم إن كان المفرد بضمها ، أو بالفتح إن كان بفتحها ، أو بالكسر إن كان بكسرها ، وأما إذا كان(2/387)
"""""" صفحة رقم 388 """"""
المفرد ساكن الميم جاز في ميم الجمع السكون والضم والفتح وقوله : وجمع هذا جمع للساكن فقط . وفي ع ش على م ر : وأما الجمعة بسكون الميم قاسم لأيام الأسبوع ، وأوّلها السبت على الصحيح اه مصباح . قوله : ( وقيل ) هذا وما بعده علة لتسمية اليوم بيوم الجمعة لا لتسمية الصلاة بذلك مع أن الكلام فيها تأمل . وقال بعضهم : قوله لما جمع في يومها الخ فعليه سميت الصلاة باسم اليوم بجامع الاجتماع في كل فهو من إطلاق المحل على الحال ، وكذا يقال في قوله : لأنه جمع فيه خلق آدم والقول بعده . والحاصل أن المناسبة بين الصلاة واليوم هو مطلق الاجتماع فظهر كلام الشارح وتبين وجه المناسبة تأمل .
قوله : ( لأنه جمع فيه خلق آدم ) أي تصويره وكان بعد العصر حيث خلق من طين فلبسته الروح من أعلى وصارت تنزل شيئاً فشيئاً إلى أسفل ، ولهذا كان ينظر إلى بعض بدنه وهو طين ، ولما وصلت إلى أنفه عطس فانفتحت مجاري رأسه وعروقها ، فلما وصلت إلى فمه قال : الحمد لله . فقالت الملائكة : يرحمك ربك يا آدم قوله : ( مع حواء ) أي بالمدّ مرحومي قوله : ( أفضل الأيام ) أي أيام الأسبوع ، فيخرج يوم عرفة فإنه أفضل منها . والحاصل أن أفضل أيام السنة عرفة ، وأفضل ليالي السنة ليلة القدر ، وأفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة حتى إنه أفضل من يوم عيد الفطر . وعيد الأضحى وفضله أحمد بن حنبل مطلقاً حتى على عرفة كما قاله أ ج قال ز ي وفي خبر البيهقي ( إِنَّ يَوْمَهَا سَيِّدُ الأَيَّامِ وَأَعْظَمُ عِنْدَ الّلهِ مِنْ يَوْمِ الفُطْرِ وَالأَضْحَىَ ) وعبارة الرحماني : يومها أفضل الأيام بعد عرفة ، وليلتها أفضل الليالي بعد ليلة القدر . ورجح الحافظ حج تفضيل ليلة القدر على ليلة الإسراء . والمراد بهما الليلتان المعينتان لانظائرهما من كل سنة ، وليلة المولد أفضل منهما ، ولعل المراد أن ليلة القدر أفضل من ليلة الإسراء بالنسبة لنا ، أما بالنسبة له فليلة الإسراء أفضل إذ وقع له فيها رؤية الباري تعالى بعين رأسه على الصحيح ، ولعل الظاهر أن المراد بوقاية من مات فيه فتنة القبر تخفيف سؤاله إذ عندنا أن سؤال القبر عام إلا ما استثنى ، وفتنة القبر هي نفس السؤال اه .
قوله : ( يعتق الله تعالى فيه الخ ) بضم حرف المضارعة لأنه من أعتق ، ولا يصح الفتح لأنه من عتق وهو قاصر اه مرحومي .
قوله : ( ستمائة ألف عتيق من النار ) كذا عبارة غيره وهي متعينة لأنها الرواية . وفي بعض نسخ الشارح بإسقاط لفظ ألف فلعلها سقطت من قلم الناسخ أ ج . قوله : ( فتنة القبر ) أي سؤال(2/388)
"""""" صفحة رقم 389 """"""
الملكين بأن لا يسأل أو يسأل سؤالاً خفيفاً ، أو المراد بها تلجلجه في جواب الملكين ، أو المراد بها مجيء الشيطان في زوايا القبر وإشارته عند السؤال أنه الرب قوله : ( ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة } ) الجمعة : 9 ) ) وجه الدلالة أن المراد بالذكر فيها الصلاة مجازاً من باب تسمية الشيء باسم جزئه ، ويلزم من وجوب السعي إليها وجوبها اه بابلي . وأتى بالحديث بعدها لأن الذكر ليس نصاً في الصلاة . وقوله : ) إذا نودي للصلاة } ^ أي أذن لها ، أي الأذان الثاني الذي بين يدي الخطيب كما في الكشاف لأنه لم يكن الأذان الأول في زمنه عليه الصلاة والسلام شهاب على البيضاوي . وقوله : من يوم الجمعة من بمعنى في . قوله : ( ) فاسعوا إلى ذكر الله } ) الجمعة : 9 ) ) وهو الصلاة ، وقيل الخطبة ، فأمر بالسعي وظاهره الوجوب ، وإذا وجب السعي وجب ما يسعى إليه ، ولأنه نهى عن البيع وهو مباح ولا ينهى عن فعل مباح إلا لفعل واجب شرح م ر . وصلاتها من خصائص هذه الأمة .
قوله : ( بمكة ) ولعل وقت فرضيتها كان ليلة الإسراء فراجعه م د . وعورض هذا بقول الحافظ حج دلت الأحاديث الصحيحة على أن الجمعة فرضت بالمدينة اه أ ج . وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية يقال لها نقيع الخضمات بفتح النون والخضمات بفتح الخاء والضاد المعجمتين ومثناة فوق بعدهما على ميل من المدينة لبني بياضة بطن من الأنصار . وكانوا أربعين ، وكان ذلك بأمر له ولمصعب بن عمير حين بعثه عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، وهذا يدّل على أنها فرضت بمكة اه عبد البر . قوله : ( أو لأن من شعارها ) فيه نظر لأن هذا لا يسقط الجمعة قوله : ( والجمعة ليست ظهراً مقصوراً ) أشار به للردّ على القول القديم القائل بأنها ظهر مقصورة أ ج . قوله : ( وتتدارك به ) أي بالظهر ، أي إذا فاتت . قوله : ( لأنه لا يغني عنها ) أي إذا فعله مع إمكان فعلها لعدم انعقاده حينئذ . قوله : ( وقد خاب ) أي خسر . وقوله : من افترى أي كذب .
قوله : ( بتقديم السين الخ ) قيد بذلك خوفاً من أن يقرأ تسعة بتقديم المثناة فوق إذ الرسم(2/389)
"""""" صفحة رقم 390 """"""
واحد . ومن النكات اللطيفة الواقعة في القرآن قوله تعالى ) تلك عشرة كاملة } ) البقرة : 196 ) بعد قوله ) ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } ) البقرة 196 ) والسبعة والثلاثة لا تكون إلا عشرة إذ لو لم يقل ذلك لتوهم التسعة لاتحاد الرسم ، فدفع هذا التوهم بقوله تلك عشرة كاملة إذ القرآن في أعلى طبقات البلاغة والبيان ، قال الله تعالى ) كتاب فصلت آياته } ) فصلت : 1 ) وقال ) قرآناً عربياً } ) يوسف : 20 طه : 113 وغيرهما ) أي بينّاً ظاهراً إلى غير ذلك من الآيات اه أ ج .
قوله : ( الإسلام والبلوغ والعقل ) أشار الشارح بقوله : وهو شرط في كل عبادة وبقوله الآتي والتكليف أيضاً شرط في كل عبادة إلى أن الأولى إسقاط هذه الشروط الثلاثة لعدم اختصاصها بالجمعة ، ولذا قال في متن المنهج : إنما تجب أي الجمعة على حرّ ذكر مقيم بمحل جمعة ، وترك الجماعة بلا عذر الخ . والحاصل أن قوله : وهو شرط في كل عبادة غرضه به الاعتراض على ذكر الإسلام ، وكذا قوله والتكليف شرط الخ غرضه الاعتراض على ذكر البلوغ والعقل لأن الثلاثة ليست خاصة بالجمعة ، واقتصاره على المغمى عليه والمجنون فيه مسامحة بل مثلهما السكران ، فالثلاثة على حدّ سواء إن تعدوا وجب القضاء وإلا فلا قوله : ( على صبي ) لكن تصح من المميز وتجزئه عن ظهره كما يأتي ق ل قوله : ( ولا على مجنون ) أي ما لم يتعدّ بجنونه وإلا وجب عليه قضاؤها ظهراً اه م د قوله : ( بخلاف السكران ) أي المتعدي إذ هو المراد عند الإطلاق ومثله المغمى عليه والمجنون فيلزم كلاً منهما قضاؤها ظهراً عند التعدي قوله : ( فإنه يلزمه قضاؤها ظهراً ) أي كما يلزمه قضاء غيرها ، فالوجوب عليه بمعنى انعقاد السبب في حقه . فإن قلت : القضاء فرع الوجوب وهنا لا وجوب . قلت : هو فرعه غالباً اه ح ل .
قوله : ( الحرية ) أي الكاملة بدليل المحترز . وقوله : فلا تجب على من فيه رقّ أي وإن قل ، ولا فرق فيه بين أن يكون بينه وبين سيده مهايأة ووقعت الجمعة في نوبته أو لا اه أ ج . لكن يستحب لمالك القنّ أن يأذن له في حضورها م ر قوله : ( وشمل ذلك المكاتب ) إنما خصه بالذكر للردّ على من أوجبها عليه دون القن قاله الأذرعي اه أ ج قوله : ( وخنثى ) نعم إن اتضح بالذكورة قبل فعلها ولو بعد فعله الظهر وجب عليه فعلها إن تمكن منها وإلا وجب عليه فعل الظهر ، ولا يكفيه ظهره الأول إن كان فعله قبل فوات الجمعة اه برماوي . قوله : ( لنقصهما )(2/390)
"""""" صفحة رقم 391 """"""
لكن تجزئهما عن ظهرهما إن فعلوها كما يأتي قوله : ( الصحة ) لو قال عدم العذر لكان أعم وأولى كما أشار إليه الشارح اه ق ل . قوله : ( ولا على معذور ) وليس من الأعذار ما جرت به عادة المشتغلين بالسبب من خروجهم للبيع ونحوه بعد الفجر حيث لم يترتب على عدم خروجهم ضرر كفساد متاعهم ، فتنبه لذلك فإنه يقع في قرى مصرنا كثيراً اه ع ش . وليس فوات الدرس عذراً لإسقاطها ولو كان العلم فرض عين ولا مجرد الوحشة بالانقطاع عن الرفقة ، وهل مثل ذلك سفر المراكب يومها المشهور بالمعاش للتدارك بيوم الاثنين بعده أو يفرق فيه نظر والظاهر هو الأول .
قوله : ( مما يتصور هنا ) احترز به عن شدة الريح فإنها عذر في صلاة الليل لا في صلاة النهار ، فإذا وجدت نهاراً لا تكون عذراً في ترك الجمعة ، وقد يقال : ألحقوا ما بعد الفجر بالليل لوجود الظلمة فيه ، فتكون شدة الريح عذراً في حق من بعدت داره وتوقف حضوره الجمعة على السعي من الفجر وهو تصوير حسن ع ش على م ر ملخصاً . وانظر وجه حسنه مع اشتراط بلوغ صوت المنادي لمعتدل السمع وصوت المنادي لا يصل إلى محل يجب فيه السعي من الفجر ا ط ف . وأجيب بأن محل اشتراط بلوغ صوت المنادي في غير المقيم بمحلها ، أما المقيم بمحلها فلا يشترط فيه سماع صوت المنادي كما يدل عليه قول متن المنهج مقيم بمحل جمعة أو بمستو بلغه فيه معتدل سمع صوت عال عادة الخ حيث أطلق في الأول وقيدّ فيما بعده كما نبّه عليه سم فيكون كلام ع ش في التصوير مفروضاً في المقيم بمحل الجمعة ، فإذا كانت داره بعيدة بحيث لا يصل إلا إن سار بعد الفجر وجب عليه السعي حينئذ وإن لم يسمع النداء ، فإذا وجدت شدة ريح حينئذ كانت عذراً في حقه كما قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( ومن الأعذار الاشتغال بتجهيز الميت ) صريحه أن هذا ليس من أعذار الجماعة فراجعه ق ل . مع أنه منها بالأولى لكونها فرض كفاية والجمعة فرض عين ، ومن الأعذار اشتغال صاحب الزرع بحصاده أو حرثه وكان لو تركه في هذا الوقت لتلف الزرع ولم يحصل الإنبات . ومثله أيضاً ما لو احتاج إلى كشف عورته بحضرة الناس ولم يمكنه إلا كذلك فتسقط عنه(2/391)
"""""" صفحة رقم 392 """"""
الجمعة بالطريق الأولى لأنها تسقط بدون ذلك من الأعذار ، بخلاف ما لو خاف خروج الوقت فيلزمه كشف عورته بحضرة الناس وعلى من حضر غضّ بصره اه م ر خ ض . والفرق أن للجمعة بدلاً قال أ ج نقلاً عن التحفة . ومن العذر هنا على الأقرب حلف غيره عليه أن لا يصليها لخشية محذور عليه لو خرج إليها لأن في تحنيثه مشقة عليه بإلحاقه الضرر لمن لم يتعد بحلفه إذ هو معذور في ظنه الباعث له على الحلف بشهادة قرينة به فإبراره كأنيس مريض بل أولى اه . ومنه أيضاً من حلف أنه لا يصلي خلف زيد فولى زيد إماماً في الجمعة فتسقط عنه الجمعة ، وقيل في هذه : يصلي خلفه ولا يحنث لأنه مكره شرعاً كمن حلف ليطأنّ زوجته الليلة فإذا هي حائض ، وكما لو حلف أنه لا ينزع ثوبه فأجنب واحتاج إلى نزعه لتعذر غسله فيه ، والفرق بأن للجمعة بدلاً فيه نظر ، ومحل الخلاف في الجمعة إذا كان الحالف زائداً على الأربعين وإلا فيصلي خلفه من غير خلاف اه . قال الشوبري : وهل الأعذار مسقطات للوجوب أو موجبات للترك خلاف وقضية كلام القمولي ترجيح الأول اه إيعاب . أي بمعنى أن الأعذار مسقطة للوجوب أي مانعة من تعلق الوجوب بالمعذور اه .
قوله : ( وذكر الرافعي في الجماعة ) أي في صلاة الجماعة قوله : ( إذا لم يكن مقصراً فيه ) أي الحبس بأن كان معسراً وعجز عن بينة إعساره اه قوله : ( فيكون هنا ) أي في الجمعة كذلك أي عذراً قوله : ( فالقياس أن الجمعة تلزمهم ) اعتمده م ر خلافاً لحج قال المرحومي : قوله تلزمهم أي لأن إقامتها في المسجد ليست بشرط ، والتعدد أي تعدد الجمعة يجوز عند عسر الاجتماع فعند تعذره بالكلية أولى قوله : ( وإذا كان فيهم من لا يصلح لإقامتها ) الأولى التعبير بقوله وإذا لم يكن فيهم من يصلح لما يلزم على عبارته من الإيهام إذ تقتضي أن فيهم من يصلح ومن لا يصلح ، والفرض أنه لم يكن فيهم من يصلح أصلاً ولذا عبر م ر بقوله إذا لم يكن فيهم من يصلح أصلاً اه أ ج قوله : ( التي لا يعسر ) وكذا إن عسر بالأولى .
قوله : ( أن له ذلك ) ظاهره أنه لا يجب عليه ، ويظهر الوجوب وفي شرح م ر الجواز ق ل قوله : ( والزمن ) هو من به عاهة أضعفت حركته وإن كان شاباً فهو معطوف على الشيخ لا على الهرم قوله : ( ولو آدمياً ) أي إن لم يزر به قوله : ( واستنبط بعضهم ذلك ) أي مجموع ذلك إذ ليس في الدليل شاب ولا في المدلول كهل فتأمل ق ل . وفيه أن الكهل موجود في(2/392)
"""""" صفحة رقم 393 """"""
المدلول . واعترض قوله : واستنبط بأن الاستنباط يحتاج لتأمل كاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، فالأولى أن يقول وأخذ بعضهم الخ . قوله : ( والزمانة ) هي مسألة مستقلة لم يتقدم لها ذكر وقد يقال : قد تقدم ذكر الهرم والزمن فاحتاج لتعريف الهرم والزمانة لاشتقاقهما منهما تأمل . قوله : ( يجدها ) أي زائدة على ما في الفطرة ق ل قوله : ( خلافاً للقاضي حسين ) فإنه أوجب عليه الحضور إن كان يحسن المشي بالعصا ويمكن حمله على ما إذا كان الجامع قريباً بحيث لا يتضرر كما سيأتي في الاستدراك قوله : ( ممن لا تلزمه جمعه ) كالصبي والرقيق والمرأة والمريض والمسافر بخلاف المجنون قوله : ( أولى ) فيه نظر لأن صحتها ممن يصح ظهره تبع لمن تجب عليه الجمعة ، وحينئذ ليست الصحة منه أولى شوبري لأنه لا يلزم من صحتها من الأصل صحتها من التابع بالأولى . وبعضهم وجه الأولوية بقوله : لأنها إذا صحت ممن لا عذر لهم صحت ممن له عذر بالأولى ، أو يقال : لأنها إذا صحت من الكامل الأصلي صحت من الناقص التابع بالأولى مع أنها في الصورة أنقص من الظهر وإن كانت أكمل في الواقع س ل . وقال ق ل على الجلال : المراد بالصحة الإجزاء كما قاله الأصوليون ، والمراد بالإجزاء الكفاية في سقوط الطلب أي لأنها إذا أجزأت الكاملين مع قصرها وإن كانت أكمل في المعنى فتجزىء الناقصين بالأولى . وعبر الرافعي بالإجزاء بدل الصحة .
قوله : ( قبل إحرامه ) أما بعد إحرامه فيمتنع لحرمة قطع الفرض . لكن قال م ر : ما لم يطوّل الإمام صلاته كأن قرأ الجمعة والمنافقين ، فإن طوّل كذلك جاز الانصراف ولو بعد الإحرام اه أ ج . والحاصل أن نحو المريض له الانصراف قبل دخول الوقت وهو الزوال مطلقاً ويمتنع بعد الإحرام مطلقاً ما لم يحصل له مشقة تحتمل ، وأما بعد دخول الوقت وقبل الإحرام فإن زاد ضرره بانتظاره فعلها ولم تقم جاز له الانصراف ، وإن لم يزد ضرره أو أقيمت فلا قوله : ( أو أقيمت الصلاة ) أي أو زاد ضرره لكن أقيمت الصلاة .(2/393)
"""""" صفحة رقم 394 """"""
قوله : ( والفرق بين المستثنى ) وهو نحو المريض ، والمستثنى منه وهو الضمير في ينصرف الراجع لمن لا تلزمه الجمعة ، أي حيث لا يجوز للأول الانصراف قبل الإحرام بعد دخول الوقت بالشرط السابق وهو أن لا يزيد ضرره ويجوز ذلك للثاني . وحاصل الفرق أن عذر نحو المريض يزول بالحضور بخلاف غيره كالرقيق والمرأة فإن عذرهما مستمر .
قوله : ( والأولى أن يعبر بالإقامة ) لأنها أعم من الاستيطان الذي هو شرط للانعقاد ، وليس الكلام فيه بل الكلام في الوجوب والمشروط للوجوب الإقامة ولو بدون استيطان كمجاوري الأزهر . قوله : ( على مسافر ) أي وإن نقص العدد بسبب سفره وتعطلت الجمعة على غيره بواسطة سفره لأنه لا يلزمه أن يحصل الجمعة لغيره ، وكذا يقال في المعذور السابق وفاقاً لم ر وخلافاً لأحد كلامين لأبيه ، قال : وهذا شبيه بما لو مات أو جنّ واحد منهم ولخبر ( لاَ ضَرَرَ ولاَ ضِرَارَ فِي الإِسْلاَمِ ) خلافاً لصاحب التعجيز . ولهذا قال الأذرعي : لم أره لغيره وكأنه أخذه مما مرّ آنفاً من حرمة تعطيل بلدهم عنها لكن الفرق واضح ، فإن هؤلاء معطلون لغير حاجة بخلاف المسافر برماوي .
قوله : ( مباحاً ) الأولى إسقاطه لأنه يقتضي أن المسافر سفر معصية تلزمه الجمعة ، ولعل معناه أنه يعصي بتركها في بلده ، ويحتمل أن معناه أنه إن وجدها تقام في طريقه وجبت وإلا فلا م د وقال شيخنا العشماوي : قوله مباحاً قيد معتبر فتجب الجمعة على العاصي بسفره لأن سقوطها رخصة ، وهي لا تناط بالمعاصي خلافاً لما في المحشي . وقوله : ولو قصيراً نعم إن خرج إلى قرية يبلغ أهلها نداء قريته لزمته لأن هذه مسافة يجب قطعها للجمعة فلا تعدّ سفراً مسقطاً لها سم . وعبارة ح ل قوله ولو قصيراً في هذا تصريح بأن السفر لمحل لا يسمع فيه نداء الجمعة يسمى سفراً شرعاً . وقد قالوا في النفل في السفر في صوب مقصده لا بد أن يسافر لمحل يسمى الذهاب إليه سفراً شرعاً بأن لا يسمع فيه نداء الجمعة . والحاصل أن من جاوز المحل المعتبر مجاوزته يقال له مسافر شرعاً ، ثم إن كان بمحلّ لا يسمع فيه نداء الجمعة جاز له التنفل صوب مقصده وترك الجمعة وإن سمع فيه نداء ليس له ذلك لأنه يجب عليه السعي لمحل الجمعة اه .(2/394)
"""""" صفحة رقم 395 """"""
قوله : ( لاشتغاله الخ ) منه يؤخذ عدم الوجوب على نحو الحصادين إذا أخرجوا قبل الفجر إلى مكان لا يسمعون فيه النداء أي نداء بلدتهم ، إذ لو اعتبر البلوغ من غير بلدتهم أيضاً لكان من خرج أي قبل الفجر إلى قرية بينه وبينها مرحلة وبقربها بلدة يسمع نداءها تجب عليه الجمعة ولا يقول به أحد اه ح ل . وقال شيخنا العزيزي : ومن هذا ما يقع في بلاد الريف من أن الفلاحين يخرجون للحصاد من نصف الليل ثم يسمعون النداء من بلدهم أو من غيرها فتجب عليهم الجمعة فيما يسمعون منه النداء ، وإنما وجبت على من ذكر لأنهم إما في حكم المقيمين أو لدخولهم في قول المصنف أو مسافر له أي للمستوى من محلها ، فإن لم يسمعوا لا جمعة عليهم وإن أقاموا بغيطانهم أو رجعوا إلى بلادهم بعد ذلك ، وذكر أيضاً قوله : أو مسافر له أي للمستوى دخل في ذلك الضيافة ، ومن يسافر للسواقي أو للحراثة من محل الجمعة ، فإذا سافر إلى ذلك المستوى إن سمع النداء من محلها ولو من غير بلده وجب عليه الذهاب وإلا فلا . والحال أنه خرج من المحل قبل الفجر فانظره مع ما قاله ح ل . وكلام ح ل هو المعتمد شيخنا ووافقه العناني لأنهم يقال لهم مسافرون والمسافر لا تجب عليه الجمعة وإن سمع النداء من غير بلده اه . قال بعضهم : ويستفاد منه مسألة تقع كثيراً ، وهي أن الشخص يسافر يوم الخميس إلى قرية قريبة من بلده لكن لا يسمع فيها النداء من بلده ، ويصبح يوم الجمعة في تلك القرية وهو غير عازم على الإقامة بل يرجو منها قضاء حاجته ، فحينئذ لا تلزمه الجمعة مع أهل تلك القرية لأنه يقال له مسافر اه .
قوله : ( وأهل القرية ) مبتدأ خبره قوله فيما يأتي لزمتهم ، والضمير في قوله وهو راجع لقوله جمع ، وقوله من طرف يليهم متعلق بقوله أو بلغهم والمراد بالطرف آخر محل لا تقصر فيه الصلاة لمن سافر منه . قوله : ( المستوطنين ) هو داخل فيما قبله وهو قوله من أهل الكمال . قوله : ( أو بلغهم ) أي أو نقصوا لكن بلغهم الخ والعبرة في الصوت والسمع بالاعتدال ، والعبرة في البلدين بطرفيهما المتقابلين واستواء المكان وعدم الحائل وكل ذلك بالفرض لا بالفعل فلا حاجة لما ذكره الشارح وطوّله اه ق ل قوله : ( عال ) أي معتدل قوله : ( لزمتهم ) أي الجمعة في بلدهم في الأولى ، ويحرم عليهم تركها فيها وإن صلوا في غيرها وفي البلد الذي سمعوا منه في(2/395)
"""""" صفحة رقم 396 """"""
الثانية ق ل قوله : ( ولا جاوز سمعه الخ ) أي فلا عبرة بسماعه . قال ع ش : ويفرق بين ما هنا ووجوب الصوم برؤية حديد البصر الهلال بأن المدار على وجود الهلال وقد وجد ، ولا كذلك هنا إذ ليس المراد مجرد السماع بل السماع بالفعل أو بالقوة بسمع معتدل فلا يعتبر غيره اه ا ج .
قوله : ( ويعتبر كون المؤذن على الأرض ) ويعتبر في البلوغ العرف بحيث يعلم منه أن ما سمعه نداء جمعة وإن لم يبن له كلمات الأذان فيما يظهر خلافاً لمن اشترط ذلك شرح م ر . قال ع ش : حتى لو لم يكن هناك مؤذن وفرض أنه لو أذن لسمعه وجب السعي إلى الجمعة إذ المدار على ما يصير البلدين كبلدة واحدة . قوله : ( كطبرستان ) بفتح الطاء والباء وكسر الراء وسكون المهملة بعدها تاء فوقية وبعدها ألف ونون اسم بلد ببلاد العجم قاله في المصباح . وفي تهذيب الأسماء واللغات بفتح الراء قال ع ش : والكثير الكسر اه أ ج . قوله : ( لم تلزمهم الجمعة ) بل ولا تصح منهم في بلدهم ق ل . قوله : ( ولو ارتفعت قرية ) أي على جبل مثلاً فالمعتبر زوال الجبل من تحتها ونزولها على المستوى في محاذاة محلها ، وزوال الانخفاض بصعودها على المستوى محاذية لمحلها كما اعتمده م ر في شرحه اه ق ل . قوله : ( ولو ساوت لم تسمع ) اختلف في معنى المساواة ، فقيل إنه بعد زوال الارتفاع وتجعل هي مكانه على وجه الأرض وهذا هو المعتمد م ر . وقال الشيخ عميرة : معناه أن تبسط مسافة الارتفاع ممتدة على وجه الأرض إلى غير جهة بلد النداء ، وتجعل هي على طرف المبسوط أي بقدر ذلك وكذا يقال في المسألة الثانية .
قوله : ( ولو وجدت قرية ) لا يخفى أن هذه هي المسألة من المسألتين السابقتين قريباً أعني قوله : وأهل القرية إن كان فيهم جمع الخ فهي مكررة إلا أن يقال إن هذا أعم مما تقدم باعتبار قوله سواء سمع النداء أو لا .(2/396)
"""""" صفحة رقم 397 """"""
قوله : ( ويحرم عليهم ذلك ) أي خلافاً لمن صرح بالجواز اه م ر . قوله : ( ولو وافق الخ ) صورة مستثناة من قوله السابق أو بلغهم صوت الخ ع ش ، فكان الأولى أن يقول : نعم لو وافق الخ قوله : ( فحضر الخ ) ليس بقيد بل المدار على الذهاب إليه وعدمه ، فمتى توجهوا إليه ولم يدركوه سقط عنهم العود للجمعة لوجود المشقة ، وأما لو حضروا لبيع أسبابهم فلا يسقط عنهم الحضور سواء رجعوا إلى محلهم أم لا ع ش . قوله : ( فلهم الرجوع ) أي تخفيفاً عليهم ، ومن ثم لو تركوا المجيء للعيد وجب عليهم الحضور للجمعة على الأوجه اه م د .
قوله : ( وترك الجمعة ) أي للمشقة اه ع ش . قوله : ( قبل انصرافهم ) كأن دخل عقب سلامهم من العيد شرح المنهج وم ر . وكذا بعده حيث لم يصلوا إلى محل تقصر فيه الصلاة ح ل قوله : ( ويحرم على من لزمته الخ ) بأن كان من أهلها وإن لم تنعقد به ، كمقيم لا يجوز له القصر اه خ ض . ولو طرأ مسقط كجنون أو موت بعد سفره سقط إثم تضييعه الجمعة لا إثم قصد تعطيلها على ما حققه سم . قال أ ج : فتلخص أن إثم الإقدام باق م د . وعبارته على التحرير : ولو عصى بالسفر ثم مات أو جنّ سقط الإثم عنه كمن أفسد صومه بجماع ثم مات فإنه تسقط عنه الكفارة لأنه لم يفسد صوم يوم ، ومحل المنع أيضاً ما لم يجب السفر فوراً ، فإن وجب كذلك كإنقاذ ناحية وطئها الكفار أو أسراء اختطفوهم وظنّ أو جوّز إدراكهم وحج تضيق وقته وخاف فوته فيجب السفر كما في شرح م ر . فالحرمة مقيدة بشروط ثلاثة أن لا تمكنه في طريقه ، ولم يتضرر بتخلفه ولم يجب السفر فوراً . قوله : ( السفر الخ ) فإذا سافر فهو عاص ويمتنع عليه رخص السفر حتى يخرج وقتها أو إلى اليأس من إدراكها ، وخرج بالسفر النوم قبل الزوال فلا يحرم وإن علم فوت الجمعة به كما اعتمده شيخنا م ر . لأنه ليس من شأن النوم الفوات ، وخالفه غيره ويكره السفر ليلتها بأن يجاوز السور قبل الفجر . قال في الإحياء : لأنه ورد في حديث ضعيف جداً أن من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه أي قالا : لا نجاه الله من سفره ، ولا أعانه على قضاء حاجته . وإذا كان هذا في سفر الليل الذي لا إثم فيه فيكون في سفر النهار الذي فيه الإثم أولى كما قاله شيخنا ح ف قوله : ( بعد الزوال ) قدم هذا لأنه لم يختلف فيه بخلاف السفر بعد الفجر فإنه وقع فيه خلاف اه شيخنا . وسيأتي قول الشارح : وقبل الزوال وأوله الفجر كبعده .
قوله : ( إلا أن يغلب على ظنه الخ ) ظاهره جواز السفر ، وإن لزم عليه تعطيل جمعة بلده(2/397)
"""""" صفحة رقم 398 """"""
كأن يكون من الأربعين وبه صرح ز ي وم ر وسم . واستوجه ق ل الحرمة ونصّه ظاهره جواز السفر له وإن لزم عليه تعطيل جمعة بلده كأن يكون من الأربعين . والوجه في هذه حرمة السفر عليه بخلاف مثل ذلك في التخلف عن الرفقة كما هو ظاهر ، ولكن الذي في شرح شيخنا م ر والعلامة سم الجواز قوله : ( لحصول المقصود ) وهو إدراكها ، فلو تبين خلاف ظنه بعد السفر فلا إثم والسفر غير معصية كما هو ظاهر . نعم إن أمكن عوده وإدراكها فيتجه وجوبه اه شرح م ر وسم على التحفة . قوله : ( أو يتضرر بتخلفه ) أي وكانت رفقته خرجوا قبل الفجر ولم يتمكن هو من الخروج إلا بعد الفجر ، أو كانت رفقته لا تلزمهم الجمعة كالصبيان مثلاً .
قوله : ( فلا يحرم ) أي ولو بعد الزوال . قال في الروض وشرحه : وإلا أي وإن لم يخش ضرراً ولا أمكنه إدراكها فيما ذكر وسافر عصى بسفره لتفويتها به بلا ضرر ، ولم يترخص ما لم تفت الجمعة ويحسب ابتداء سفره من فواتها لأنها سبب المعصية اه مرحومي . قوله : ( أما مجرد انقطاعه ) أي مجرد وحشته بانقطاعه الخ . وعبارة غيره خرج بالضرر مجرد الوحشة خلافاً للإسنوي ومن تبعه ، أي أنه إذا كان لو تخلف عن الرفقة لأجل حضور الجمعة استوحش ولا يحصل له ضرر فإنه لا يكون عذراً . قوله : ( بخلاف نظيره ) أي إذا كان بحيث لو حصل الماء للطهارة ذهبت الرفقة واستوحش فإن له العدول للتيمم ، أي فإنه عذر فيه قال ع ش : وليس من التضرر ما جرت به العادة من أن الإنسان قد يقصد السفر في وقت مخصوص لأمر لا يفوت بفوات ذلك الوقت كالذين يريدون زيادة سيدي أحمد البدوي نفعنا الله به فيريدون السفر في يوم الجمعة في ركب والسفر فيه يفوّت جمعة ذلك اليوم لكن يوجد غيره في بقية ذلك اليوم أو فيما يليه من بقية الأيام على وجه يحصل معه التمكن من السفر في الحالة المذكورة اه . قوله : ( لأن الظهر يتكرر ) أي فخفف فيه .
قوله : ( وقبل الزوال الخ ) مبتدأ خبره قوله كبعده وما بينهما اعتراض ، لكن فيه نظر لأن قبل وبعد عند ذكر المضاف إليه تلزم النصب على الظرفيه أو تجرّ بمن ، وهنا جرت بالكاف وجعلت مبتدأ والمبتدأ لازم للرفع إلا أن يقال إنه ليس مبتدأ حقيقة بل صفة المبتدأ والتقدير ، والسفر قبل الزوال الخ وقوله كبعده التقدير كالسفر بعده ، فلم يدخل الكاف على بعد ولعل فيه خلافاً حتى فصله عما قبله مع كون الحكم واحداً وإلا فكان الأخصر أن يقول : ويحرم على من لزمته السفر بعد الفجر ، وعبارة المنهج : وبفجر حرم على من لزمته سفر تفوت به لا إن خشي ضرراً اه .(2/398)
"""""" صفحة رقم 399 """"""
قوله : ( ولذلك ) أي لكونها مضافة لليوم ، والمراد بإضافتها إليه نسبتها إليه فالإضافة لغوية وإلا فاليوم مضاف إليها نحو يوم الجمعة قوله : ( يجب السعي قبل الزوال ) وقد صح ( مَنْ سَافَرَ بَعْدَ الفَجْر يَوْمَ الجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلِكَاهُ فَيَقُولاَنِ : لاَ نَجّاهُ اللَّهُ مِنْ سَفِرِهِ ، وَلاَ أَعَانَهُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ ) قاله م ر الكبير وقرره شيخنا ح ف . قوله : ( على بعيد الدار ) أي من حين الفجر كذا قالوه ، وظاهر أنه لا يلزمه قبله وإن لم يدرك الجمعة إلا به حج ز ي وشوبري قوله : ( إن خفي عذره ) والعذر الخفي كالجوع والعطش والخوف من الغريم والخوف من العقوبة وفقد المركوب اللائق والوحل والمطر . قوله : ( وسن لمن رجا زوال عذره ) أي رجا قريباً ع ش قوله : ( إلى فوات الجمعة ) لأنه قد يزول عذره ويتمكن من فرض أهل الكمال أ ج . ويحصل الفوات برفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية ق ل . فإن قلت : يرد على ذلك ما سيأتي في غير المعذور أنه لا يحصل اليأس إلا بالسلام ، فلو أحرم بالظهر قبله لم يصح . قلت : يفرق بينهما بأن الجمعة ثم لازمة فلا ترتفع إلا بيقين وهو لا يحصل إلا بالسلام لاحتمال أن يتذكر الإمام ترك شيء يوجب القيام للركوع فيدرك الجمعة حينئذ ولا كذلك ما هنا إذ لا تلزمه الجمعة أ ج .
قوله : ( أن تكون البلد ) أي أن توجد الأبنية المجتمعة . وقوله مصراً كانت أو قرية بيان للبلد بمعنى الأبنية وهذا ما سلكه الشهاب العبادي وهو أولى مما سلكه الشارح إذ ما سلكه سم يندفع به ما اشتمل عليه المتن من الإيهام إذ البلد لا يكون مصراً أو قرية إلا بالتأويل المذكور ، أعني تأويلها بالأبنية ، وفي المصباح يطلق البلد والبلدة على كل موضع من الأرض عامراً كان أو خلاء اه . وعلى هذا لا يحتاج كلام المصنف إلى تأويل وما ذكره سم من تأويله البلد بالأبنية . وقول شيخنا . البلد لا تكون مصراً أو قرية إلا بالتأويل مبني على العرف . قوله : ( في خطة أبنية ) بكسر الخاء أرض خط عليها أعلام للبناء فيها والتعبير بالخطة للجنس فيشمل الواحد إذا كثر فيها عدد معتبر شرح م ر . وقال ق ل : لو أسقط لفظ خطة لكان أولى إذ الخطة علامات الأبنية قبل وجودها وليست كافيه ، وقد يقال : المراد الخطة المشتملة على البناء . وأجيب بأن إضافة خطة للأبنية بيانية شيخنا وشملت الأبنية ما لو كانت من خشب أو غيره .(2/399)
"""""" صفحة رقم 400 """"""
قوله : ( المجمعين ) بكسر الميم المشددة أي المصلين الجمعة . قوله : ( وأقاموا ) أي أهلها أو ذريتهم على قصد عمارتها أو مطلقاً ، أو على قصد الرحيل حتى يرحلوا على ما هو الظاهر ق ل . وقوله : أو ذريتهم لأنهم من الأهل وإن لم يكونوا وقت موت آبائهم من أهل الوجوب اه . قوله : ( على عمارتها ) أي لأجل عمارتها وإن لم يشرعوا فيها ، فالشرط أن يقصدوا العمارة بخلاف ما إذا أطلقوا أو قصدوا عدم العمارة فتكون على في عبارتهم بمعنى اللام ، أو أنه ضمن أقاموا معنى عزموا فعداه بعلى والمعتمد الصحة في الصورة الإطلاق .
قوله : ( ليعمروه ) بفتح الياء وسكون العين وضم الميم قال تعالى ) إنما يعمر مساجد الله } ) التوبة : 18 ) قوله : ( استصحاباً للأصل ) لأن الأصل وجود الأبنية في الأولى وعدمها في الثانية .
قوله : ( خارج الأبنية ) أي أو خارج السور ، فالمراد أنّ ما يجوز قصر الصلاة فيه للمسافر من ذلك المحل لا تصح الجمعة فيه ولو تبعاً لأهله ، وكذا لا تصح الخطبة فيه ولا سماعها ممن هو فيه ق ل . قال الشيخ م ر : ولو أقيمت الجمعة في محل تصح فيه فامتدّت الصفوف يميناً وشمالاً ووراء مع الاتصال المعتبر حتى خرجت إلى خارج القرية مثلاً صحت جمعة الخارجين إن كانوا بمكان لا يقصر فيه من سافر من تلك البلدة كما أفتى به الوالد ، فعلى هذا تصح الجمعة على المراكب الراسية بساحل بولاق تبعاً لمن في المدرسة السنانية الناشئة بالساحل لأن المراكب لا تقصر الصلاة فيها ، بل لا بد من سيرها كما تقرر في باب القصر قوله : ( وإن خالف في ذلك الخ ) لعله أشار إلى قول شيخنا م ر بصحتها في ذلك المحل لمن يمتنع عليه القصر نحو من في المراكب في ساحل بولاق وهو غير مستقيم ، فلا تصح منهم لأن العبرة بكون المحل محل قصر وإن امتنع فيه القصر لبعض الأفراد فتأمل ق ل . قوله : ( وتجوز في الفضاء المعدود ) بأن يكون بينها أي بين خطة البلد . قوله : ( مصراً كانت أو قرية ) جعله مرتبطاً بلفظ بلد السوداء التي في الشارح ، فلو قدمه بجنب المتن كان أحسن لأن تأخيره لم يفد شيئاً ، والمصر ما فيه حاكم شرعي وحاكم شرطي وأسواق للمعاملة ، والبلد ما فيه بعض ذلك ، والقرية ما خلت عن الجميع . وخصّ أبو حنيفة الصحة بالمصر اه ق ل وقوله أو قرية . وفي(2/400)
"""""" صفحة رقم 401 """"""
الجامع الصغير قال ( لاَ تَسْكُنِ الكُفُورَ فَإِنَّ سَاكِنِ الكُفُورِ كَسَاكِنِ القُبُورِ ) رواه البخاري في الأدب والبيهقي عن ثوبان . والمراد بالكفور القرى البعيدة عن المدن التي هي مجمع العلماء والصلحاء كما في شرح الجامع .
قوله : ( بحيث ) أي بمكان لا تقصر فيه الصلاة قوله : ( في الكن ) كزريبة خارجة عنها أي غير متصلة بأبنيتها لكنها داخلة السور . قوله : ( البزري ) قال في التحفة : وغرض ابن البزري أنه يكفي اتصال المسجد إما بالفعل أو باعتبار ما كان وهو ضعيف . وفي بعض النسخ البارزي مرحومي . قال في التحفة : هو بكسر الباء الموحدة نسبة لبزر الكتان اه . والذي في طبقات الأسنوي بفتح الباء الموحدة ثم راء مهملة ثم زاي معجمة نسبة إلى برزة قرية بدمشق . وهو أبو عبد الله محمود ابن أحمد الدمشقي ويعرف أيضاً بالخشني بخاء معجمة مضمومة وشين معجمة مفتوحة بعدها نون وكان يحفظ مختصر المزني اه . وعليه فلعل ما ذكره الأسنوي غير هذا اه أ ج . قوله : ( وخرب ) بابه علم . قوله : ( فرسخ ) عبارة حج فراسخ .
قوله : ( والضابط ) أي لصحة الجمعة في المسجد المنفصل عن البلد قوله : ( أن لا يكون ) أي ابتداء أو دواماً ق ل اعتمده م ر وابن حجر . قوله : ( قبل مجاوزته ) بخلاف ما لو كانت خيامهم في خلال الأبنية وهم مستوطنون فتلزمهم الجمعة ، وتنعقد بهم لأنهم في خلال الأبنية فلا يشترط كونهم في أبنية اه حج .
فرع : لو كان بقرية مسجد ثم خرب ما حوله فصار منفرداً ولم يهجر بل استمر الناس يترددون إليه في الصلوات وغيرها صحت الجمعة فيه ولو بعد العمران عنه ، إذ بقاؤه عامراً بالتردد إليه للصلاة يصير ما بينه وبين العامر من الخراب كخراب تخلل بين العمران ، وهو معدود من البلد أفتى به البلقيني وغيره اه أ ج وابن شرف على التحرير .
قوله : ( لأنهم على هيئة المستوفزين ) أي المسافرين أي شأنهم ذلك وإن أقاموا بها أبداً(2/401)
"""""" صفحة رقم 402 """"""
قوله : ( مقيمين حول المدينة ) أي في محل لا يسمعون نداءها منه كما هو فرض المسألة ق ل . قوله : ( أربعين رجلاً ) وإن كان بعضهم صلاها في قرية أخرى . وحكمة هذا العدد أنه مقدار زمن بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنه مقدار زمن ميقات موسى وأنه كما قيل مقدار عدد لم يجتمع مثله إلا وفيهم وليّ لله تعالى ، وشرطهم صحة إمامة كل واحد منهم بالباقين وإن كانوا من الجن حيث علمت ذكورتهم ولو كانوا على غير سورة الآدميين على المعتمد ، ومنه يعلم أنه لو كان الأربعون من الآدميين الذين اتفقت أميتهم بأن اتفقوا في الحرف المعجوز عنه وليسوا مقصرين صحت جمعتهم لأنفسهم ق ل وعبارة ز ي : ولو كانوا أربعين فيهم أمي قصر في التعلم لم تصح جمعتهم لبطلان صلاته فينقصون ، فإن لم يقصر صحت جمعتهم إن كان الإمام قارئاً اه . وهذا يدل على أنه لا يشترط صحة إمامة كل واحد منهم بالباقين .
وقد اختلف في العدد الذي تنعقد به الجمعة . وللعلماء فيه خمسة عشر قولاً :
أحدها : تصح من الواحد ؛ رواه ابن حزم . وتأمل هذا القول مع أنهم أجمعوا على أن الجماعة شرط في صحتها كما في شرح المشكاة لابن حجر وعبارته : وفيه أي قوله : ( الجمعة حَقٌّ واجبٌ على كل مُسْلم في جَمَاعَةٍ ) أن الجماعة شرط في صحتها وهو إجماع وإنما اختلفوا في العدد الذي تحصل به ومذهبنا أنه لا بد من أربعين كاملين .
الثاني : اثنان كالجماعة وهو قول النخعيّ وأهل الظاهر .
الثالث : اثنان مع الإمام عند أبي يوسف ومحمد والليث .
الرابع : ثلاثة معه عند أبي حنيفة وسفيان الثوري .
الخامس : سبعة عند عكرمة .
السادس : تسعة عند ربيعة .
السابع : اثنا عشر عند ربيعة أيضاً في رواية ومالك .
الثامن : مثله غير الإمام عند إسحاق .
التاسع : عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك .
العاشر : ثلاثون كذلك .
الحادي عشر : أربعون بالإمام عند الإمام الشافعي وهو المعتمد .
الثاني عشر : أربعون غير الإمام عند الشافعي أيضاً ، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة .
الثالث عشر : خمسون عند أحمد في رواية وحكيت عن عمر بن عبد العزيز .
الرابع عشر : ثمانون حكاه المازري .(2/402)
"""""" صفحة رقم 403 """"""
الخامس عشر : جمع كثير بغير حصر .
ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل قاله في فتح الباري اه مواهب شوبري . وعبارة خ ض وتنعقد بأربعين من الجن بخلاف الملائكة لأنهم غير مكلفين أو منهم ومن الإنس ، قوله القمولي ؛ أي إن علم وجود الشروط فيهم وقيده الدميري في حياة الحيوان بما إذا تصوّروا بصورة بني آدم ، ولا يعارض ذلك ما نقل من كفر مدعي رؤيتهم عملاً بإطلاق الكتاب لأنه محمول على من ادعى رؤيتهم على ما خلقوا عليه ، وكلامنا فيمن ادعى ذلك على صورة بني آدم فشرط كل أن تصح صلاته لنفسه وأن تكون مغنية عن القضاء كما في شرح م ر وإن لم يصح كونه إماماً للقوم ، قال م ر في شرحه : ومحل ذلك أي الاكتفاء بأربعين في غير صلاة ذات الرقاع أما فيها فيشترط زيادتهم على الأربعين ليحرم الإمام بأربعين ويقف الزائد في وجه العدوّ ، ولا يشترط بلوغهم أربعين على الصحيح لأنهم تبع للأولين اه . وقوله : ولا يشترط بلوغهم أي الزائد على الأربعين ظاهره ولو حال التحرم . قوله : ( ومنهم الإمام ) سواء كان هو الخطيب أو لا . ويشترط في الخطيب صحة إمامته لهم أيضاً فلا تصح الخطبة من أمي أو أرتّ أو نحوه ق ل قوله : ( وهو الذكور ) أتي به توطئة لما بعده وإلا فهو علم من قوله رجلاً . قوله : ( المستوطنون الخ ) أي إن كان للمتوطن مسكن واحد فإن كان له مسكنان فالعبرة بما كثرت فيه إقامته ، فإن استوت إقامته فيهما فالعبرة بما فيه أهله وماله ، فإن استويا في الكل فالعبرة بالمحل الذي هو فيه حالة إقامة الجمعة حج أ ج . وفي ق ل على التحرير : ولو توطن ببلدين اعتبر ما فيه أهله وماله فما إقامته فيه أكثر فإن استوت انعقدت به في كل منهما قوله : ( لا يظعنون ) هو تفسير للاستيطان .
قوله : ( لأنه لم يجمع بحجة الوداع الخ ) اعترض هذا في المجموع بأنه عليه الصلاة والسلام منذ خرج من المدينة لم يقم إقامة تقطع السفر فهو مسافر فكيف يصح الاستدلال به اه ابن شرف . وقضيته أنه لو أقام أربعون ببلد سنين وكانوا عازمين على الرحيل وليس بها غيرهم لا تجب عليهم الجمعة لعدم انعقادها بهم لكونهم غير متوطنين وهو مشكل وإن كان هو المذهب كما قاله عميرة ، لكن قال ابن قاسم يكفي في الدليل أن غالب أحوالها التعبد ولم تثبت إقامتها بغير مستوطنين رحماني قوله : ( لم يجمع ) هو بالميم المشددة المكسورة أي لم يصلّ الجمعة قوله : ( مع عزمه على الإقامة ) أي بمكة بعد عرفة فهو باق على سفره ؛ فلذا جمع تقديماً والجمع للسفر وقيل كان مقيماً والجمع للنسك كما قال به أبو حنيفة . وهذا ظاهر كلام المصنف لتعليله بعدم التوطن ، إذ لو كان غير مقيم لعلل بعدم الإقامة إلا أن يقال عدم التوطن(2/403)
"""""" صفحة رقم 404 """"""
لا ينافي عدم الإقامة فهي المرادة منه فتأمل ق ل على التحرير . قال ابن حجر : ويقع لكثير من الحجاج دخوله مكة قبل الوقوف بنحو يوم ناوين الإقامة بمكة بعد رجوعهم من منى أربعة أيام فأكثر والأقرب أنه لا ينقطع سفرهم حتى يرجعوا من منى لمكة فلم تؤثر نيتهم لتلك الإقامة قبله رحماني اه قوله : ( أياماً ) أي غير قاطعة للسفر أي دون أربعة أيام . قوله : ( لعدم التوطن ) الأولى لعدم الإقامة لأنه يوهم أنه كان مقيماً غير متوطن وليس كذلك اه عبد البر . فعدم إقامته الجمعة بعرفة للسفر ولعدم الأبنية فيها لا لعدم التوطن ، ومن ثم قال شيخنا العزيزي هذا التعليل وهو قوله لعدم التوطن مشكل قديماً وحديثاً .
قوله : ( تقديماً ) أي للسفر اه عبد البر .
قوله : ( ولو نقصوا فيها بطلت ) هو شامل لما لو نقصوا في الركعة الأولى منها وشامل لما لو نقصوا في الركعة الثانية وشامل لما إذا عادوا فوراً وشامل لما إذا عادوا بعد طول الفصل عرفاً ، وهو كذلك إلا في المسألة الأولى فإنهم إذا عادوا فوراً وكان قبل الركوع مع تمكنهم من الفاتحة فحينئذ يبنى على ما مضى ، وأما إذا نقصوا بعد ركوع الأولى أو قبله ولم تمكنهم الفاتحة وإن عادوا فوراً فيهما فيجب الاستئناف زي . قوله : ( بطلت ) أي الجمعة فقط إن تعذر استئناف جمعة أخرى فيجب الظهر بناء على ما صلوه منها بدليل قوله فيتمها الخ . وبطلت الصلاة من أصلها إن أمكن استئناف جمعة أخرى كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( جاز بناء على ما مضي ) أي مع إعادة ما فعل حال نقصهم . قوله : ( بعد طول الفصل ) ضبطه حج بما يسع ركعتين بأقل مجزىء . قوله : ( إن عادوا قريباً ) أي قبل إحرام الإمام أخذاً من قوله : جاز البناء أي من الإمام اه ح ل . قوله : ( لذلك ) أي لانتفاء الموالاة .
قوله : ( ولو أحرم أربعون ) أي ولو مترتبين كأن كانوا كلما أحرم واحد أو أكثر بطلت صلاة مثله من الأولين اه ق ل . قوله : ( وإن لم يكونوا سمعوا الخطبة ) أي وإن لم يقرؤوا الفاتحة حيث لم يتمكنوا منها بأن ركع الإمام عقب إحرامهم ؛ لكن محل هذا إن قرأها الأوّلون(2/404)
"""""" صفحة رقم 405 """"""
قبل انفضاضهم سواء كان ذلك في الركعة الأولى ولو بعد الرفع من ركوعها أو في الثانية قبل الرفع من ركوعها اه شيخنا . قوله : ( وإن أحرموا عقب انفضاض الأوّلين الخ ) فإحرامهم عقب انفضاض الأوّلين بالشرط المذكور صيرهم كأنهم أحرموا معه ولم يحصل انفضاض ، وهذا عام في الأولى والثانية فإن لم يكن إحرامهم عقب انفضاض الأوّلين فإن كان في الأولى وأدركوا الفاتحة والركوع مع الإمام صح كالمتباطئين ، وإن كان في الثانية بطلت لخلوّ صلاة الإمام عن العدد في جزء منها ح ل وقول ح ل : وهذا عام في الأولى والثانية غير ظاهر كما يؤخذ من عبارة الأجهوري والعناني . قوله : ( سمعوا الخطبة ) ويشترط أيضاً أن يكون ذلك في الركعة الأولى وأن يدركوا الفاتحة قبل ركوع الإمام . وعبارة الأجهوري : ويشترط أيضاً أن يتمكنوا من الفاتحة قبل ركوعه . والمراد أن يدركوا الفاتحة والركوع قبل قيام الإمام عن أقل الركوع لأنهم حينئذ أدركوا الفاتحة والركعة اه . قوله : ( ومن بان محدثاً ) مثله كما هو ظاهر من بان ذا نجاسة خفية ، وانظر هل الخطبة كذلك حتى إذا بان أن الخطيب كان محدثاً أو ذا نجاسة خفية تصح الخطبة والجمعة لا يبعد أنها كذلك لأنها لا تزيد على الصلاة ؛ ولهذا لو خطب الخطيب قاعداً وبان قادراً على القيام لا يضر م ر .
قوله : ( فإن خرج الوقت ) أي يقيناً أو ظناً ولو بخبر عدل بخروجه على الأوجه عملاً بخبر العدل كما في غالب أبواب الفقه ، ومن ثم رجحه جمع منهم الأذرعي وألحق به الفاسق إذا وقع في القلب صدقه بخلاف مجرد الشك فإنه لا يضر احتياطاً لانعقادها ويضر في الابتداء فيمنع الانعقاد كما قاله الرحماني . وعبارة ابن شرف : فإن خرج الوقت أي يقيناً لا ظناً حتى لو ظن أن الوقت لا يسعها لم تنقلب ظهراً إلا بعد خروجه ، كما لو حلف أن يأكل ذا الطعام غداً فأتلفه قبل الغد فإنه لا يحنث إلا بعد مجيء الغد ، ولو نوى الجمعة إن كان الوقت باقياً وإلا فالظهر صحت إن كان الوقت باقياً ؛ لأنه تصريح بمقتضى الحال قياساً على نظيره في الصوم كما قاله ابن شرف ومثله في م ر . وخالف ابن حجر وقال بعدم الصحة . وفرق بين المسألتين فراجعه . وعبارة شرح م ر : ولو شكوا في خروجه في أثنائها لم يؤثر لأن الأصل بقاؤه كما يفهم من قوله ، فلو خرج الوقت ولو سلم الإمام الأولى وتسعة وثلاثون في الوقت وسلمها(2/405)
"""""" صفحة رقم 406 """"""
الباقون خارجه صحت جمعة الإمام ومن معه فقط دون المسلمين خارجه فلا تصح جمعتهم ، وكذا جمعة المسلمين فيه لو نقصوا عن الأربعين . وإنما صحت الجمعة للإمام وحده فيما لو كانوا محدثين دونه لأن سلامه وقع في الوقت فثبتت فيه صورة الصلاة ، بخلاف ما إذا خرج الوقت قبل السلام ؛ ولأن المحدث تصح صلاته فيما إذا فقد الطهورين بخلاف الجمعة خارج الوقت ؛ ولأنه هنا مقصر بتأخير الصلاة إلى خروج بعضها عن الوقت بخلافه في ذلك اه شرح م ر . قوله : ( أو شك في ذلك ) أي الخروج أو الضيق أي قبل الشروع فيها ، فلا ينافي ما سيأتي من قوله بخلاف ما لو شك في خروجه أي وهم فيها .
قوله : ( صليت ظهراً ) قال سم : لا يخفى ما في إعادة الضمير إلى الجمعة من التجوّز ، إذ لا معنى لكون الجمعة تصلى ظهراً ؛ لكنه أعاده إليها نظراً لأنها الواجبة أو لا . ويمكن أن الضمير في صليت عائد على الصلاة المعلومة من المقام لا للجمعة ، ولو قال صلى الظهر بحذف التاء لسلم من الاعتراض في إعادة الضمير مؤنثاً .
تنبيه : لو بان الإمام جنباً أو محدثاً صحت إن تمّ العدد بغيره وإلا فلا تصح ، ومثله ترك بعضهم القراءة أو البسملة كما يقع في الأرياف من المأمومين المالكية فليتنبه له عميرة .
قوله : ( بخلاف ما لو شك في خروجه ) أي وهم فيها كما هو الفرض أما لو شكوا في خروج الوقت قبل الإحرام فيتعين عليهم الإحرام بالظهر ، فلو أحرموا عند الشك بالظهر فبانت سعة الوقت تعين عدم انعقاد الظهر سم على حج . قال ع ش : وتنعقد له نفلاً مطلقاً . قلت : محله إن لم تكن عليه فائتة من نوعها وإلا وقعت عنها اه أ ج .
قوله : ( وتسعة ) معطوف على الإمام وقوله في الوقت متعلق بقوله سلم قوله : ( أو بعضهم ) أي بعض من معه . قوله : ( فلا تصح جمعتهم ) أي الجميع حتى الإمام . قوله : ( فإن قيل ) وارد على عدم صحة جمعة الإمام .(2/406)
"""""" صفحة رقم 407 """"""
قوله : ( والرابع من الشروط ) كان الأولى تأخير الشروط الزائدة بعد فراغ كلام المتن أو كان يذكر هذا الرابع عند قوله : وأن يكون العدد الخ ، بأن يزيد ويقول من أول الخطبة إلى آخر الصلاة . قوله : ( لتخرج مسألة الانفضاض ) أي فإن فيها تفصيلاً ، وهو أنه إن أحرم أربعون قبل انفضاض الأولين تمت لهم الجمعة وإن لم يسمعوا الخطبة ، وإن أحرموا عقب انفضاض الأولين تمت لهم الجمعة أيضاً بشرط أن يسمعوا الخطبة وأن يكون في الركعة الأولى وأن يدركوا الفاتحة مع الإمام قبل رفعه عن أقل الركوع وإلا فلا . وخروج مسألة الانفضاض إنما هو فيما إذا أحرموا قبل انفضاض الأولين لأنهم لم يسمعوا الخطبة حينئذ ، وإن انفضوا في الخطبة وحضر آخرون بعد مضيّ بعض الأركان حال الغيبة لم يكف ، إذ شرط الصحة سماع الأركان . فإن عاد المنفضون عن قرب ولم يفتهم ركن جاز بناء على ما مضى وإن طال الفصل وجب الاستئناف لترك الموالاة اه أ ج . فخروجها بالنسبة لطول الفصل تأمل والأولى أن يراد بمسألة الانفضاض نقصهم في الصلاة أو في الخطبة كما قاله بعض مشايخنا . قوله : ( ولو عظم الخ ) وهذا أحد قولين للشافعي ، والقول الثاني : يجوز إذا عظم البلد وعسر الاجتماع تعدد الجمعة بقدر الحاجة . قوله : ( ولأن الاقتصار على واحدة الخ ) انظر هل هذا يعارض ما تقدم في صلاة الجماعة من وجوب تعدد محالها لأجل ظهور الشعار ، إلا أن يقال : اعتنوا بالجمعة لأنها تجب في الأسبوع مرة فلم ينظروا للمشقة بخلاف الجماعة ح ل . قوله : ( من إظهار شعار الاجتماع ) إضافته لما بعده بيانية . قوله : ( في مساجد العشائر ) وهي التي يجتمع فيها أهل الحارة للصلاة وقيل مساجد العشائر هي مساجد القبائل لكل قبيلة مسجد . وقال م د : قيل مساجد العشائر مساجد في المدينة خارجها كانوا يتركونها يوم الجمعة ويأتون مسجده .
قوله : ( ولا يجوز إجماعاً ) هذا هو القول الثاني فكأنه قال محل القول بالمنع ما إذا لم يعسر الاجتماع وإلا جاز . قوله : ( كبر المحل ) بكسر الباء في المحسوسات كما هنا وبضمها في(2/407)
"""""" صفحة رقم 408 """"""
المعاني نحو : ) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّه } ) غافر : 35 ، الصف : 3 ) هكذا ذكره بعض الحواشي ، وهو غير ظاهر ، بل الظاهر أن كسر الباء واجب في السن ويجب ضمها في الجسم كما هنا والمعنى ولذا قال بعضهم :
كبرت بكسر الباء في السن واجب
مضارعه بالفتح لا غير يا صاحِ
وفي الجسم والمعنى كبرت بضمها
مضارعه بالضم جاء بإيضاحِ
ع ش .
قوله : ( على عسر الاجتماع ) . وأجيب أيضاً بأن المجتهد لا ينكر على مجتهد اه مرحومي . قوله : ( بمن يصلي ) أي بالفعل لا بمن تلزمه . وعبارة م ر : وهل المراد اجتماع من تلزمه أو من تصح منه وإن كان الغالب أنه لا يفعلها أو من يفعلها في ذلك المحل غالباً ؛ كل محتمل ولعل أقربها الأخير اه . فكلام الشارح ضعيف نعم إن حملنا قول الشارح هنا على من يصلي في ذلك المحل أي غالباً ، لا بالفعل وافق ما اعتمده م ر اه أ ج . وعبارة ق ل على التحرير : إلا إن عسر اجتماع الناس ، أي الحاضرين عند شيخنا م ر ، أو من يغلب حضوره عند شيخنا زي ، أو من تلزمه عند الخطيب ، أو من تصح منه عند ابن عبد الحق ؛ ووافقه بعض المتأخرين . فيدخل فيه الأرقاء والصبيان والنساء . فعلى هذا القول يكون التعدد في مصر كله لحاجة ، فلا تجب الظهر حينئذ كما نقل عن ابن عبد الحق اه شيخنا . والمراد بمن يعسر اجتماعهم من يفعلها غالباً حتى لو كان الغالب يختلف باختلاف الأزمنة اعتبرنا كل زمن بحسبه اه .
وقد استفيد من كلامه أمران : الأول : أن غالب ما يقع من التعدد غير محتاج إليه إذ كل بلد لا تخلو غالباً عن محل يسع الناس ولو نحو خرابة وحريم البلد . والثاني : أن نحو ما يقع من التعدد في نحو طندتا في زمن المولد محتاج إليه كله فلا تجب الظهر هناك حينئذ ، لأن من يغلب فعله لم يقيد بكونه من أهل تلك البلدة اه شيخنا . ثم عسر الاجتماع إما لكثرتهم ، قال في الأنوار : أو لقتال بينهم أو بعد أطراف البلد ؛ أي بأن يكون من بطرفها لا يبلغهم الصوت بشروطه الآتية كما ذكره في العباب وشرحه . وعبارة أ ج : ومن الحاجة ما لو كان بين أهل البلد قتال فكل فئة بلغت أربعين يلزمها الجمعة ولو بعدت أطراف البلد وكان البعيد بمحل لا يسمع منه نداءها وكان إذا خرج عقب الفجر لا يدركها ، لأنه لا يلزمه السعي إليها إلا بعد الفجر ،(2/408)
"""""" صفحة رقم 409 """"""
وحينئذ فإن اجتمع من أهل المحل البعيد أربعون صلوا الجمعة وإلا فالظهر وتقدم أنه لا يشترط سماع الأذان لمن في البلد بل يشترط سماع من بخارجها .
قوله : ( فالاحتياط الخ ) مرتبط بقوله يجوز التعدد بحسب الحاجة ومحل كون ذلك احتياطاً ومندوباً إذا أريد رعاية القول الضعيف بمنع التعدد مطلقاً ، وأما إذا لم يراع فلا وجه لإعادة الظهر ولا تنعقد إذا كان التعدد بقدر الحاجة فقط ، وكذا إذا زادت على قدر الحاجة وصلى مع من لم يزد عليها بأن أحرموا قبل غيرهم فلا تصح الظهر أيضاً لا فرادى ولا جماعة بخلاف من زاد على الحاجة يقيناً أو ظناً أو شكاً فيجب عليهم الظهر ولو فرادى ، فلم يبق في المسألة صورة لصلاتها ظهراً احتياطاً اه ق ل . وأنت خبير بأن فعل الظهر احتياطاً إنما هو لرعاية القول بمنع التعدد مطلقاً ، وهو وإن كان ضعيفاً لكنه تطلب مراعاته فيندب فعل الظهر ولو فرادى مراعاة لهذا القول كما صرح به م ر ع ش .
قوله : ( أن يعيدها ) أي مراعاة لهذا القول . قوله : ( فلو سبقها جمعة في محل الخ ) اعلم أن للمسألة خمسة أحوال ؛ لأنه إما أن تعلم السابقة ولم تنس ، أو يعلم وقوعهما معاً ، أو يشك في المعية والسبق ، أو تعلم عين السابقة ثم تنسى ، أو يعلم سبق واحدة لا بعينها . ففي الأولى وهي ما إذا علمت السابقة ولم تنس يجب الظهر على المسبوقة ، وفي الثانية والثالثة يجب على الجميع إعادة الجمعة ، وهل يجب مع ذلك في الثالثة إعادة الظهر لأن احتمال السبق في إحداهما يقتضي وجوب الظهر على الأخرى أو يندب فقط لأن الأصل عدم جمعة مجزئة في حق كل منهما ؟ قال الإمام بالأول والمعتمد الثاني . وأما في الرابعة والخامسة وهما أن تعلم السابقة ثم تنسى أو يعلم سبق واحدة لا بعينها ، فإنه يجب استئناف الظهر لوجود جمعة لأحد الفريقين ، فلا تتأتى إقامة جمعة بعدها مع عدم براءة ذمتهم بفعلها لكونها سبقت بالمبهمة اه م د .
قوله : ( سبق التحرم ) أي من الإمام بتمام التكبير وهو الراء من الإمام دون تكبير من خلفه ؛ فإذا أحرم إمام أوّلاً بها ثم آخر بعده أيضاً واقتدى بالثاني تسعة وثلاثون ثم بالأول مثله ، فالجمعة للأول إذ بإحرامه تعينت جمعته للسبق وامتنع على غيره افتتاح جمعة أخرى اه أ ج . قوله : ( استؤنفت الجمعة ) بأن يجتمع الفريقان ويصلوا الجمعة ، أي إن أمكن فإن لم يمكن(2/409)
"""""" صفحة رقم 410 """"""
عودهم واجتماعهم وجب الظهر على الجميع ولو من أول الوقت ، لكن استئناف الجمعة قد أيس منه في مصرنا فلم يبق إلا أن يصلوا الظهر فقط جماعة أو فرادى اه ق ل . وفي المدابغي على التحرير : وإذا عسر الاجتماع جاز التعدد بقدر الحاجة ، فلو زاد عليها بطلت للكل إن وقعوا معاً أو شك في المعية والسبق وصحت للسابق إن علم إلى تمام الحاجة . ويلزم في الأولتين إعادة الجمعة للكل إن أمكن وإلا صلوا ظهراً ، وفي الثالثة يلزم المسبوقين الظهر اتفاقاً ، فما يقع المساجد في بعض الآن من صلاة الظهر بعد الجمعة على أنها معادة باطل لأنه إن كان شاكاً في جمعته فالظهر واجبة عليه عيناً ولو فرادى ، أو غير شاك فلا تصح الظهر منه لأن الجمعة لا تعاد ظهراً ق ل . قلت : إذا تعددت الجمعة لحاجة صحت للجميع على الأصح وتسن الظهر مراعاة لمقابله أو لغير حاجة في جميعها أو في بعضها ووقع إحرام الأئمة معاً أو شكاً في السبق والمعية بطلت على الجميع ، ثم إن أمكن استئناف جمعة بخطبتيها وجب أي وسن معها الظهر كما في شرح المنهج أي في مسألة الشك . وأما مسألة المعية فلا تسن صلاة الظهر بل لا تصح ، أو مرتباً وعلم السبق صحت للسابقات إلى انتهاء الحاجة وبطلت فيما زاد ثم من غلب على ظنه أنه من السابقات لا تجب عليه الظهر بل تسن له فقط أو من الزائدات أو شك وجبت الظهر اه رحماني .
والحاصل أن صلاة الظهر بعد الجمعة إما واجبة أو مستحبة أو ممنوعة ؛ فالواجبة في مثل مصر والمستحبة فيما إذا تعددت بقدر الحاجة من غير زيادة ، والممتنعة فيما إذا أقيمت جمعة واحدة بالبلد فيمتنع فعل الظهر حينئذ اه أ ج .
قوله : ( قال الإمام الخ ) مرتبط بمسألة الشك فقط .
قوله : ( وحكم الأئمة بأنهم ) أي الشاكين الخ وأشار لذلك في البهجة بقوله :
قلت إذا لم يدر بالسبق ولا
بالاقتران فالإمام استشكلا
براءة بجمعة إذا احتملْ
سبق فلا تصح أخرى فلْيَقُلْ
في هذه إن السبيل المبري
إعادة الجمعة ثم الظهرِ
قوله : ( وإلا ) مركب من إن الشرطية ولا النافية وجواب الشرط محذوف ؛ أي وإن لا يكن ما قاله الإمام مستحباً فهو غير صحيح . والفاء في قوله : ( فالجمعة ) كافية واقعة موقع لام التعليل ، والمعنى : لأن الجمعة كافية .(2/410)
"""""" صفحة رقم 411 """"""
قوله : ( مريضان ) أو مسافران أو صحيحان مقيمان وأدركا الإمام في ركعة وإلا فهما فاسقان لا تقبل شهادتهما كما قرره شيخنا العشماوي . وكتب أ ج على قوله ( مريضان ) أي أو مسافران خارج المسجد ؛ وإخبار العدل الواحد كاف في ذلك كما استظهره الشيخ اه شرح م ر . قوله : ( ولا يمكن إقامة جمعة بعدها ) لأن صحة الأولى مانعة من صحة غيرها بعدها . قوله : ( عليه ) أي على المحتاج . قوله : ( ففي ذلك التفصيل ) وهو أنهما إن وقعتا معاً أو شك استؤنفت جمعة أو سبقت إحداهما ولم تتعين أو تعينت ونسيت صليت ظهراً أ ج .
قوله : ( وفرائضها الخ ) تعبيره هنا بالفروض وفيما تقدم بالشروط تفنن وإلا فكلها شروط . قوله : ( إذ الفرض الخ ) تعليل لقوله لا يخالف ، قال ق ل : لا حاجة إلى هذا في التعبير بالفرض ، وإنما ذكروا ذلك في التعبير بالشرط عن الركن ، فلو قال التعبير بالفرض يوهم أنها أركان وليس كذلك لكان صواباً ولو أسقط لفظ قد لكان أولى . ويجاب بأنها للتحقيق . قوله : ( كما مر ) أي في قوله وشرائط صحة فعلها ثلاثة بل ثمانية كما ستراه . وتعبيره هنا بالفرائض وتغيير الأسلوب حيث لم يعطفها على الشروط السابقة يوهم أن هذه ليست شروطاً . قوله : ( وهو الشرط السادس خطبتان ) الأولى تقدم خطبتين كما في شرح التحرير وذلك لإِيهام صنيعه أن ذات الخطبتين شرط للجمعة وأن تقدمهما شرط لهما ؛ وليس كذلك . وعبارة ق ل على التحرير : قوله تقدم خطبتين أي لأنهما شرط والشرط يتقدم على المشروط وليسا بدلاً عن الركعتين الأوليين على الأصح قوله : ( وكونهما قبل الصلاة بالإجماع إلا من شذ ) وهذا بعد أول الإسلام وإلا فقد قال الدماميني في شرح البخاري : إن صلاة الجمعة كانت في صدر الإسلام كغيرها من صلاة العيد والاستسقاء ، فيخطب بعد الصلاة ، فاتفق له ( صلى الله عليه وسلم ) مرة أنه صلى ثم أخذ(2/411)
"""""" صفحة رقم 412 """"""
يخطب فبينما هو يخطب إذ دخل عليهم تجارة فخرجوا من عنده وتركوه قائماً يخطب ، فنزل قوله تعالى : ) وإذا رأوا تجارة } ) الجمعة : 11 ) الآية فقدمت الخطبة من حينئذ اه أ ج . ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة . ويحتج بهذا الحديث من يرى الجمعة باثني عشر رجلاً كمالك ، وليس فيه أنه أقام لهم الجمعة حتى يكون حجة لاشتراط هذا العدد اه . وبهذا يعلم ما في قول الشارح : ولم يصلّ إلا بعدهما . وأجيب بأن قوله : ( لم يصل إلا بعدهما ) أي بعد نزول الآية اه . وعبارة الرحماني : وكانتا في صدر الإسلام بعد الصلاة فقدمتا . وسببه : أن أهل المدينة أصابهم جوع فقدم دحية بن خليفة الكلبي بتجارة من الشام والنبي يخطب للجمعة فانصرفوا ولم يبق إلا ثمانية أنفس أو اثنا عشر أو أربعون فقال : ( والذي نَفْسي بيَدِهِ لو خَرَجُوا جَميعاً لأَضْرَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الوَادِي نَاراً ) وكانوا يستقبلون العير بالطبل والتصفيق ؛ وهو المراد باللهو في الآية . وخص مرجع الضمير بالتجارة لأنها المقصودة .
قوله : ( وأركانهما خمسة ) جمعها بعضهم نظماً فقال :
وخطبة أركانها قد تعلم
خمسة تعدّ يا أخي وتفهم
حمد الإله والصلاة الثاني
على نبيّ جاء بالقرآن
وصية ثم الدعا للمؤمنين
وآية من الكتاب المستبين
قوله : ( افتقرت إلى ذكر الله تعالى ) فيه أن هذا لا يدل على خصوص ذكره بالصلاة لأن الذكر أعم تأمل . قوله : ( ولفظ الحمد ) أي مادته كما يستفاد من قوله الآتي ، ولا يتعين لفظ الحمد أي المعرف باللام . قوله : ( أو نحو ذلك ) كالبشير أو النذير . ويفرق بينه وبين تعين لفظ الجلالة في الحمد لله بأن لها مزية على غيرها من أسمائه وصفاته لأنها قطبها لأنه يفهم من ذكرها سائر صفات الكمال اه سم . وعبارة أ ج : فإن قلت لم تعين لفظ الجلالة في الحمد ولم يتعين لفظ محمد في الصلاة . قلت : قال سم : إن للفظ الجلالة بالنسبة لبقية أسمائه تعالى وصفاته مزية تامة ، فإن له الاختصاص التام به تعالى لأنه لم يسمّ به سواه ويفهم منه عند ذكره سائر صفات الكمال كما نص عليه العلماء بخلاف بقية أسمائه تعالى وصفاته ، ولا كذلك لفظ(2/412)
"""""" صفحة رقم 413 """"""
محمد من أسمائه اه . أي أن لفظ محمد لا يفهم منه عند ذكره سائر صفات الكمال فلهذا لم يتعين لفظه اه . قوله : ( وصلى الله عليه ) أي لا يكفي الإتيان بالضمير وإن تقدم ذكره على المعتمد وكان يصلي علي نفسه . قوله : ( الوصية بالتقوى ) وهي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه . قوله : ( لأن الغرض الوعظ ) قد يقال والغرض من الحمد الثناء ومن الصلاة الدعاء وهو حاصل بغير لفظهما فما الفرق اه ابن حجر . ويمكن أن يقال : إن الحمد والصلاة تعبد بلفظهما فتعينتا ولا كذلك الوصية بالتقوى اه شوبري . قوله : ( والحث على طاعة الله ) أي أو الزجر عن معصيته فيكفي أحد هذين لاستلزام كل الآخر . وقول م ر : بل لا بد من الحث على الطاعة أي مطابقة أو استلزاما اه أ ج . ملخصاً . ولا يكفي اقتصاره فيها على التحذير من غرور الدنيا وزخرفتها ، فقد يتواصى به منكرو المعاد أي يكون وصية له بترك غرور الدنيا وزخرفتها اه شرح م ر . ( وقد كان يواظب على الوصية بالتقوى في خطبته ) رواه مسلم ؛ وفيه عن جابر ابن سمرة : أن النبي كان إذا خطب يوم الجمعة احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش ، ويقول : ( بُعِثْتُ أنا والساعَة كهَاتَيْنِ ) كما في شرح الدميري .
قوله : ( وراقبوه ) أي أو راقبوه ؛ فالواو بمعنى ( أو ) فيكفي أحدهما .
قوله : ( قراءة آية ) أي مفهمة وعدا أو وعيداً أو وعظاً أو غيرها ، ومثلها بعض آية طويلة . وخالفه في التحفة فقال : لا يكتفي ببعض آية وإن طال اه . فخرج نحو ( ثم نظر ) الخ لعدم الإفهام . وبحث الأسنوي الاكتفاء بآية نسخ حكمها وبقيت تلاوتها وعدم الاكتفاء بآية نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، فالأولى قوله تعالى : ) والذين يتوفون منكم ويَذِرُونَ أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحَوْلِ } ) البقرة : 240 ) والثانية قوله تعالى : ) الشَّيْخُ والشيخةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجِمُوهُمَا ألبتَّة } ^ أي المحصن والمحصنة اه عبد البر .
قوله : ( قال الماوردي إنه يجزىء أن يقرأ بين قراءتيهما ) هذا ليس زائداً على قراءته آية في إحداهما فهو تأييد له . والظاهر أنه أتي به توطئة لما بعد ، وحينئذ سقط استشكال المرحومي(2/413)
"""""" صفحة رقم 414 """"""
حيث قال ما نصه : كان ينبغي للمصنف أن يبين ما في كلام الماوردي من عسر الفهم حيث ذكره أو يسقطه كما أسقطه غيره اه بحروفه . وقال شيخنا : لا يخفى أن في فهم هذا الكلام عسراً ؛ لأنه إن أتي بالآية قبل الفصل بين الخطبتين بالجلوس فقد أتى بها في الأولى أو بعد الفصل فقد أتي بها في الثانية ، وأما السنية التي ذكرها فهي حالة الفصل بين الخطبتين ، فإن كان يفصل بالجلوس لقدرته على القيام فلا تجزىء القراءة حالة الجلوس لأن شرطها القيام لكونها من الأركان وإن كان يفصل بالسكوت لكونه يخطب من جلوس لعدم قدرته على القيام فلا تتصور القراءة حالة السكوت اه . قال العلامة أ ج : قلت : كلام الماوردي في غاية الحسن ، إذ هو مفروض في غير ما ذكره هذا القائل ، إذ قوله ( أن يقرأ بين قراءتيهما ) أي بين قراءة أحدهما ، أي يجزىء قراءة الآية بين أركان كل واحدة منهما بدليل قوله : ( وكذا قبل الخطبة الخ ) وذلك التأويل على حد قوله تعالى : ) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ) الرحمن : 22 ) أي من أحدهما وهو البحر الملح ؛ فالمراد من كلامه عدم تعين محلها وأن الترتيب بين الأركان غير واجب ، فتأمله يظهر لك حسن كلام الإمام الماوردي . وردّ قول من قال في فهمه عسر وقوله بين قراءة إحداهما يلزم عليه إضافة بين لمفرد مع أنها لا تضاف إلا لمتعدد . ويجاب بأنه على حذف مضاف أيضاً ، والتقدير : بين قراءة أجزاء أحدهما ، والضمير راجع للخطبتين .
قوله : ( في الأولى ) أي بعد فراغها ح ل ؛ أي لتكون في مقابلة الدعاء للمؤمنين في الثانية . ويستحب قراءة في كل خطبة جمعة للاتباع ، رواه مسلم : ولا يشترط رضا الحاضرين كما لم يشترطوه في قراءة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وإن كانت السنة التخفيف ، ولا يجزىء عن الخطبة آية تشتمل على الأركان كلها أي ما عدا الصلاة هنا على النبي ، إذا ليس لنا آية تشتمل على ذلك أي لفظ الصلاة وذلك لأنه لا يسمى خطبة اه .
قوله : ( ولو قرأ آية سجدة ) ولا يجوز السجود للحاضرين مطلقاً ، أي سواء سجد هو أم لا ق ل ؛ لأنه ربما فرغ قبلهم من السجود فيكونون معرضين عنه . قوله : ( بأخروي ) فلا يكفي الدنيوي ولو لم يحفظ الأخروي اه م د . لكن قال الإطفيحي : إن الدنيوي يكفي حيث لم يحفظ الأخروي قياساً على ما تقدم في العجز عن الفاتحة ، بل ما هنا أولى . وجزم ابن عبد السلام والغزالي بتحريم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع ذنوبهم وعدم دخولهم النار ، لأنا نقطع بخبر اللَّه عز وجل وخبر رسول الّله وسلم أنّ فيهم من يدخل النار . وأما الدعاء(2/414)
"""""" صفحة رقم 415 """"""
بالمغفرة في قوله تعالى حكاية عن نوح : ) رب اغفر لي ولوالديّ } ) نوح : 28 ) الآية فإنه ورد بصيغة الفعل في سياق الإثبات وذلك لا يقتضي العموم لأن الأفعال نكرات ويجوز قصد معهود خاص وهو أهل زمانه مثلاً اه شرح م ر أ ج . وأيضاً شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا . قوله : ( في الخطبة الثانية ) المراد المفعولة ثانياً ولو على عكس الترتيب المعهود ، شوبري . قوله : ( ولو خص به الحاضرين ) عبارة البرماوي : فلو خص أربعين من الحاضرين كفى أو دونهم أو غيرهم لم يكف ، فذكر المؤمنات في كلامه للكمال والتعميم ، ولو لم يذكرهن دخلن تغليباً اه . قوله : ( بخلاف ما لو خص به الغائبين ) كأن قال اللهم ارحم زيداً وعمراً وبكراً وكانوا غائبين عن المسجد كما قرره شيخنا ع ش . قال ابن شرف : ولو انصرف من خصهم وأقام الجمعة بأربعين غيرهم ولم يدع لهم كفى .
قوله : ( ولا بأس بالدعاء للسلطان بعينه ) أي بخصوصه . قوله : ( إن لم يكن في وصفه مجازفة ) أي مبالغة خارجة عن الحد كأن يقول : أخفى أهل الشرك والضلال مثلاً كما أفاده شيخنا العشماوي . وفيه أن المجازفة في وصفه ليست من الدعاء حتى يحترز عنها ، إلا أن يقال إن الدعاء قد يشتمل عليها ، كأن يقول : اللهم انصر السلطان الذي أخفى جميع أهل الشرك .
قوله : ( مجازفة ) هي المبالغة في الأوصاف ، ومحله إن لم يخش من تركها ضرراً وفتنة وإلا وجبت كما في قيام بعضهم أي الناس لبعض ؛ ولا يشترط في خوف الفتنة غلبة الظن اه حج . والحاصل أن الدعاء للسلطان بخصوصه مباح ؛ ولذا قال : لا بأس به . وأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم عموماً بالصلاة بالصلاح والهداية والعدل فسنة اه م د .
قوله : ( ويسن الدعاء لأئمة المسلمين الخ ) قال : ( لاَ تُشْغِلُوا قُلُوبَكُمْ بسَبِّ المُلُوكِ وَلَكِنْ تَقَرَّبُوا إِلَى اللَّه تعالى بالدَّعَاءِ لهم يَعْطِفِ اللَّهُ تعالى قُلُوبَهُمْ عَلَيْكُمْ ) رواه البخاري عن عائشة . قوله : ( ويشترط أن يكونا عربيتين ) ومحل اشتراط كون أركان الخطبة بالعربية إن كان في القوم عربي وإلا كفى كونها بالعجمية إلا في الآية فهي كالفاتحة ، ويجب أن يتعلم واحد منهم العربية فإن لم يتعلمها واحد منهم عصوا كلهم ولا تصح جمعتهم مع القدرة على التعلم ، برماوي . وعبارة م د على التحرير : قوله : ( عربية ) وإن كان القوم عجماً ، وفائدتها العلم بالوعظ في الجملة ، وقوله الجملة أي في غير هذه الصورة ؛ قاله الرحماني . والظاهر أن المراد أن يعرف بقرينة أنه واعظ وإن لم يعرف ما وعظ به . وقوله ( فإن لم يتعلمها واحد منهما عصوا(2/415)
"""""" صفحة رقم 416 """"""
كلهم ) أي ولا تصح خطبتهم قبل التعلم فيصلون ظهراً . وهذا كله مع إمكان التعلم ، فإن لم يمكن خطب واحد منهم بلسانه وإن لم يفهمه الحاضرون بأن اختلفت لغاتهم وظاهره وإن أحسن ما أحسنه القوم فلا يتعين أن يخطب به كما شمله كلامهم ، فإن لم يحسن أحد منهم الترجمة فلا جمعة لهم لانتفاء شرطها . قوله : ( لاتباع السلف والخلف ) السلف الصحابة والخلف من عداهم من التابعين وتابعيهم أو السلف المتقدمون وقال حج : الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين الثلثمائة أو الأربعمائة اه رحماني . قوله : ( خطب بغيرها ) أي بلغته ولو لم يفهمها القوم . وظاهره ولو أحسن ما يفهمونه زي وهو ظاهر بالنسبة لما عدا الآية من الأركان ، أما هي ففيه نظر لأن القرآن لا يترجم عنه فلينظر ماذا يفعل حينئذ اه ابن حجر . وينبغي أن يأتي فيه ما في الصلاة في هذه الحالة من كونه يأتي بدلها بذكر ثم دعاء ثم يقف بقدرها شوبري . وعبارة م د : قوله خطب بغيرها أي إن أحسن أحد منهم الترجمة ، فإن لم يحسن أحد منهم ذلك فلا جمعة لهم لانتفاء شرطها ، فلو لم يحسن إلا بعض الأركان أتى به اه .
قوله : ( فيكفي في تعلمها واحد ) فلو تركوا التعلم مع القدرة عصوا ولا جمعة فيصلون الظهر شرح المنهج . قوله : ( وأن يقوم الخ ) قال ابن حجر في شرح الإرشاد : وعدّ القيام والجلوس هنا شرطين لأنهما ليسا بجزء من الخطبة ، إذ هي الذكر والوعظ ؛ وفي الصلاة ركنين لأنهما في جملة الأعمال وهي تكون أذكاراً وغير أذكار اه . أي لما كان مسمى الصلاة الأقوال والأفعال عد القيام والجلوس من أركانها ومسمى الخطبة الأقوال جعل القيام والجلوس شرطاً لها . قوله : ( فإن عجز عنه ) أي بالمعنى السابق في الصلاة ق ل . قوله : ( خطب جالساً ) أي ثم مضطجعاً كالصلاة ، ويجوز الاقتداء به سواء قال لا أستطيع أم سكت ؛ لأن الظاهر أن ذلك للعذر ، فإن بانت قدرته لم يؤثر والأولى للعاجز الاستنابة اه شرح م ر .
قوله : ( وأن يجلس ) فلو تركه ولو سهوا لم تصح خطبته فيما يظهر إذ الشروط يضر الإخلال بها ولو مع السهو م ر شوبري . ويسن أن يكون بقدر سورة الإخلاص وأن يقرأها فيه ، فلو ترك الجلوس بينهما حسبتا واحدة فيجلس ويأتي بخطبة أخرى ومن خطب قاعداً لعذر فصل بينهما وجوباً بسكتة فوق سكتة التنفس والعيّ ، ومثله من خطب قائماً ولم يقدر على الجلوس أو خطب مضطجعاً لعجزه اه . فيفصل كل منهما بسكتة اه أ ج . قوله : ( فصل بينهما بسكتة ) أي فوق سكتة التنفس والعيّ اه أ ج .(2/416)
"""""" صفحة رقم 417 """"""
قوله : ( ويشترط ولاء بينهما ) فلو علم ترك ركن ولم يدر هل هو من الأولى أو الثانية هل تجب إعادتهما أم إعادة الثانية فقط ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يجلس ثم يأتي بالخطبة الثانية لاحتمال أن يكون المتروك من الأولى فيكون جلوسها لغواً فتكمل بالثانية ، ويجعل مجموعها خطبة واحدة فيجلس بعدها ويأتي بالثانية ، وبتقدير كون المتروك من الثانية فالجلوس بعدها لا يضرّ لأن غايته أنه جلوس بعد الخطبة وهو لا يضر وما يأتي به بعده تكرير بما أتي به من الخطبة الثانية واستدراك لما تركه منها ، اه ع ش على م ر . قال م ر : أما لو شك في ترك الركن بعد الفراغ من الخطبة لم يؤثر كالشك في ترك ركن بعد الفراغ من الصلاة خلافاً للروياني . قوله : ( وبين أركانهما ) ولا يضر تخلل الوعظ بين أركانهما وإن طال ق ل .
فرع : أفتى شيخنا م ر فيما لو ابتدأ الخطيب في سرد الأركان ، أي ذكرها متتابعة ، ثم أعادها كما اعتيد الآن ، كأن قال : الحمد لله والصلاة على رسول الله أوصيكم بتقوى الله وطاعته ، لقوله تعالى : ) من عمل صالحاً فلنفسه } ) فصلت : 46 ) الآية ، الحمد لله الذي الخ . بأنه يحسب ما أتي به أوّلاً ؛ لأن ما أتي به ثانياً بمنزلة التأكيد فهو بمنزلة تكرير الركن ، وذلك لا يؤثر اه سم ملخصاً .
قوله : ( وطهر ) فلو أحدث في أثناء الخطبة استأنفها وإن سبقه الحدث وقصر الفصل ؛ لأنهما عبادة واحدة فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة . ومن ثم لو أحدث بين الخطبة والصلاة وتطهر عن قرب لم يضر شرح م ر . وقوله : ( فلا تؤدى بطهارتين ) لعل المراد من شخص واحد ، وإلا فالاستخلاف فيها جائز اه شوبري . وعبارة العناني : ولو أحدث في أثناء الخطبة واستخلف من حضر جاز للثاني البناء على خطبة الأوّل ، بخلاف ما لو أُغمي عليه ، والفرق زوال الأهلية في الثاني دون الأوّل اه . قوله : ( ومكانه ) وهو المنبر فلا تصح الخطبة مع قبض حرفه وعليه نجاسة تحت يده كذرق الطير مطلقاً ، ولا في محل آخر إن كان المنبر ينجرّ بجره ؛ ومن النجاسة العاج الملصوق على المنابر لتنجيسها اه ق ل . والمعتمد الصحة إذا كان في جانب المنبر نجاسة ليست تحت يد القابض سواء كان المنبر ينجرّ بجره أم لا ؛ لأن علوّه عليه مانع من جره عادة . ويفرق بينه وبين القابض لطرف شيء على نجس لم يتحرك بحركته بأن صلاة القابض المذكور إنما بطلت لحمله ما هو متصل بنجس ولا يتخيل في مسألتنا أنه حامل المنبر اه م ر . قوله : ( وإسماع الأربعين ) أي بالفعل بأن يكون صوت الخطيب مرتفعاً يسمعه الحاضرون لو أصغوا . هذا في الإسماع ، وأما السماع منهم فبالقوّة على المعتمد مرحومي ومثله ق ل . وعبارة ق ل : وإسماع الأربعين بأن يرفع صوته بقدر ما يسمعون وإن لم يسمعوا لوجود(2/417)
"""""" صفحة رقم 418 """"""
لغط ؛ قال شيخنا : أو نوم بخلافه لصمم أو بعد اه . وذكر خلافه في حاشية التحرير ، فقال : فلا يضر نحو لغط ويضر نوم الخ . واعتمده مشايخنا . قال الرحماني : قلت : الظاهر أن المضر النوم الثقيل لا مجرد النعاس ، إذ هو كالتشاغل كالمحادثة اه . فكلام الرحماني جمع بين الكلامين وهو الظاهر اه . وهل المراد بسماع الأركان في آن واحد أو لا يشترط حتى لو سمع الأركان عشرون مثلاً وذهبوا فجاء عشرون فأعاد لهم الأركان ثم حضر من سمع أوّلاً ؟ هل يكتفي بذلك نظراً لسماع الأربعين ؟ فيه نظر ، والظاهر الأوّل ؛ وبه أفتى شيخ الإسلام . قال شيخنا : ووجهه أن المقصود ظهور الشعار ولا يوجد إلا بأربعين في آن واحد اه أ ج . قوله : ( ومنهم الإمام ) المعتمد أنه لا يشترط في الخطيب أن يسمع نفسه فيكفي كونه أصم لأنه يفهم ما يقول ، فيكفي إسماع تسعة وثلاثين سواه أ ج .
قوله : ( فعلم ) أي من اشتراط الإسماع لأنه لا يتحقق إلا بالسماع اه حلبي .
قوله : ( وإن لم يفهموا معناهما ) مثل القوم الخطيب لا يشترط فيه معرفة أركانهما ، كمن يؤمّ القوم ولا يعرف معنى الفاتحة خلافاً لما بحثه الزركشي من اشتراط ذلك في حقه اه شرح م ر أج . قوله : ( أو نحوه ) كالنوم . قوله : ( وسن لمن يسمعهما سكوت مع إصغاء ) قال الرحماني : ويكره الكلام من المستمعين حال الخطبة خلافاً للأئمة الثلاثة حيث قالوا إنه يحرم ، وحملنا الآية على الندب . نعم إن دعت له ضرورة وجب أو سن كالتعليم لواجب والنهي عن محرم ، ولا يكره قبل الخطبة وبعدها وبينهما ولو لغير حاجة ، ويجب رد السلام وإن كره ابتداؤه . فإن قلت : ما الفرق بين ابتداء السلام وبين الرد ؟ قلت : لأن هذا دعاء للغير وهو لا يجب ، والرد تأمين وتركه مخيف للمسلم وتقدم حرمة الصلاة ؛ ولو فرضاً مضيقاً أي قضاؤه فوري من صعود المنبر وسجود التلاوة والشكر كالصلاة فيمتنع لما فيه من الإعراض ، ولو سجدها الخطيب . وقضية العلة أن البعيد المشتغل بتلاوة يسجد لها ؛ وفيه نظر . ويشترط في الخطبة تمييز فروضها من سننها كما في الصلاة بالتفسير المارّ عن فتاوى الغزالي سم . قوله :(2/418)
"""""" صفحة رقم 419 """"""
( ذكر في التفسير ) عبارة م ر : كما ذكره كثير من المفسرين بل أكثرهم . قوله : ( ووجب رد السلام ) أي إذا سلم داخل على مستمع الخطبة والخطيب يخطب فيجب عليه الرد وإن كان السلام مكروها أ ج . أي ويكون مستثنى من سن الإنصات كما قاله ع ش . وإنما لم يجب الرد على قاضي الحاجة لأن الخطاب منه ومعه يعد سفهاً وقلة مروءة فلا يلائمه إيجاب الرد ، بخلافه هنا فإنه يلائمه ، إذ عدم مشروعيته لعارض لا لذاته بخلافه ثم فلا إشكال اه شرح م ر أ ج . قوله : ( تشميت ) بالمعجمة والمهملة ق ل . قوله : ( ورفع الصوت ) المعتمد أنه يباح ثم المراد الرفع الذي ليس ببليغ ، أما البليغ كما يفعله العوام فبدعة منكرة اه أج . قوله : ( وعلم من سنّ الإنصات فيهما ) أي السكوت مع الإصغاء لهما . قوله : ( عدم حرمة الكلام ) نعم هو مكروه حالة الخطبة فقط بعد اتخاذه مكاناً واستقراره فيه دون ما عدا ذلك . ودليل الكراهة خبر مسلم : ( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ وَالإِمَامُ يَخْطُب يَوْمَ الجُمعةِ أنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ ) .
قوله : ( ما أعددت لها ) عدل عن جواب سؤاله إشارة إلى أنه لا ينبغي له أن يتعلق بالسؤال عنها ؛ لأنها من الغيب ، فهو من تلقي السائل بغير ما يتطلب تنزيلاً لسؤاله منزلة غيره تنبيها على أن ذلك الأولى ، له كقوله ) يسئلونك ماذا ينفقون } ) البقرة : 215 ) ) ويسئلونك عن الأهلة } ) البقرة : 189 ) أو أن الذي ينبغي له التعلق بالعمل الذي ينفع فيها . فأجابه السائل بقوله ( حب الله ورسوله ) إشارة إلى أنه لم يعتمد على عمله الظاهر بل طرحه إشارة إلى أنه لا ينفع إلا بفضل اللَّه وقبوله كما قرره شيخنا ح ف قوله : ( وذلك أولى من السكوت الخ ) ولا يكره الكلام قبل الخطبة ولو بعد الجلوس على المنبر ولا بعدها ولا بين الخطبتين ولا كلام الداخل إلا إن اتخذ له مكاناً واستقرّ فيه ؛ لأنه قبل ذلك يحتاج إلى الكلام غالباً اه قوله : ( وسن كونهما على منبر ) أي ولو في مكة ، خلافاً للسبكي حيث قال : يخطب على باب الكعبة كما فعله يوم الفتح . قال في التحفة : وإنما خطب على بابها بعد الفتح لتعذر منبر حينئذ ولم يحدث المنبر بمكة إلا معاوية بن أبي سفيان . وهو بكسر الميم مشتق من ( النبر ) وهو الارتفاع . ويستحب أن يكون المنبر على يمين مصلى الإمام لأن منبره ( صلى الله عليه وسلم ) ،(2/419)
"""""" صفحة رقم 420 """"""
هكذا وضع ، وكان يخطب قبله على الأرض وعن يساره جذع نخلة يعتمد عليها . وينبغي أن يكون بين المنبر والقبلة قدر ذراع أو ذراعين . ويكره منبر كبير يضيق على المصلين .
قوله : ( وأن يسلم على من عند المنبر ) ويجب الرد في هذه وما بعدها ع ش . والمراد أنه يسلم على من عند المنبر إن خرج من الخلوة المعهودة ، فإن دخل من أول الجامع سلم على كل من مر عليه كغيره كما في ق ل قوله : ( وأن يقبل عليهم ) أي على جهتهم بوجهه ، لأنه اللائق بأدب الخطاب ، ولأنه أبلغ لقبول الوعظ وتأثيره ، ومن ثم كره خلافه اه م د . قوله : ( إذا صعد ) بكسر العين م د . والصواب بفتح العين ؛ لأن مصدره الصعود وهو من باب قعد ، قال ابن مالك :
وفعل اللازم مثل قعدا
له فعول باطراد كغدا قوله : ( أو نحوه ) أي كأن لم يكن منبر ولكنه استند إلى ما يستند إليه م د قوله : ( وأن يسلم عليهم ) أي لإقباله عليهم . ويجب رد السلام عليه في الحالين ، وهو فرض كفاية كالسلام في باقي المواضع . ويندب رفع صوته ولأنه أبلغ في الإعلام اه أ ج قوله : ( ثم يجلس ) أي بعد سلامه على المستراح ليستريح من تعب الصعود اه م د قوله : ( فيؤذن واحد ) أي يستحب أن يكون المؤذن واحداً لا جماعة ؛ لأنه لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد ، فإن أذنوا جماعة كره ذلك . وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه عثمان رضي الله عنه ، وقيل معاوية لما كثر الناس .
تنبيه : ما جرت به العادة من اتخاذ مرق في زمننا يخرج بين يدي الخطيب يقرأ الآية وإذا فرغ المؤذن قرأ الحديث فبدعة حسنة إذ لم تفعل في زمنه بين يديه ، بل كان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير جاويش يصيح بين يديه فإذا دخل المسجد سلم عليهم فعلم أن هذه بدعة حسنة إذ في قراءة الآية ترغيب في الإتيان بالصلاة على النبّي في هذا اليوم العظيم المطلوب فيه إكثارها . وفي قراءة الخبر بعد الأذان وقبل الخطبة تيقظ للمكلف لاجتناب الكلام المحرم أو المكروه على اختلاف العلماء . وقد كان النبي يقول هذا الخبر على المنبر في خطبته ؛ والخبر المذكور صحيح اه م ر .
قوله : ( فصيحة ) الفصيح الخالص من تنافر الكلمات والحروف والتعقيد والغرابة والجزل الحسن أي حلوة الألفاظ ؛ فعلم أن المبتذل يعني الكثير الاستعمال بين الناس لا يقابل الفصيح ؛ وأما الركيك فتمكن مقابلته للجزل لأنه لا حسن فيه اه م د . قال في التحفة : ويؤخذ من ندب البلاغة فيها حسن ما يفعله بعض الخطباء من تضمنها آيات وأحاديث مناسبة لما هو فيه قوله :(2/420)
"""""" صفحة رقم 421 """"""
( قريبة للفهم ) أي لأكثر الحاضرين اه أ ج قوله : ( ومتوسطة ) ومن عبر بقصيرة كالمنهاج أراد التوسط اه أ ج قوله : ( واقصروا ) بضم الصاد كما في المنهج اه .
قوله : ( مقبلاً عليهم ) أي إلى جهتهم ، فلا يقال هذا إنما يأتي فيمن في مقابلته لا من عن يمينه ويساره . وقوله ويسن لهم أن يقبلوا عليه أي على جهته ، فلا يطلب ممن على يمينه أو يساره أن ينحرف إليه ح ل قوله : ( وأن يشغل يسراه ) بفتح الياء والغين لأنه من شغل الثلاثي ؛ قال تعالى ) شَغَلَتْنا أمْوَالُنا } ) الفتح : 11 ) أي لا بضم الياء وكسر الغين من المزيد ، إذ هي لغة رديئة . والمراد أنه يشغل يسراه بالسيف بعد أخذه من المرقى باليمين وبعد نزوله يناوله له باليمين أيضاً كما قاله ق ل . وحكمة الاعتماد على السيف الإشارة إلى أن هذا الدين قام بالسلاح ؛ ولهذا يسن قبضه باليسرى على عادة من يريد الجهاد به ، وليس هذا تناولاً حتى يكون باليمين بل هو استعمال وامتهان بالاتكاء فكانت اليسار به أليق مع ما فيه من تمام الإشارة إلى الحكمة المذكورة ؛ عبد البر قال في زيادة الروضة : ويكره الدقّ على درج المنبر في صعوده ، لكن أفتى الغزالي باستحباب الدق لتنبيه الحاضرين قوله : ( بنحو سيف ) فإن لم يجد شيئاً من ذلك جعل اليمنى على اليسرى أو أرسلهما والغرض أن يخشع ولا يعبث اه مرحومي قوله : ( وأن يكون جلوسه ) ويشترط أن لا يطوّ له بحيث يقطع الموالاة ، فلو طال بحيث انقطعت الموالاة بطلت خطبته بخلاف ما لو طال بعض الأركان بمناسب له اه تحفة .
قوله : ( بقدر سورة الإخلاص ) وأن يقرأها أيضاً سواء إمام محصورين وغيرهم ق ل . ولو ترك الجمعة في الأولى قرأها مع المنافقين في الثانية ، أو قرأ المنافقين في الأولى قرأ الجمعة في الثانية ، كي لا تخلو صلاته عنهما شرح المنهج ، وقراءة بعض من ذلك أفضل من قراءة قدره من غيرهما إلا آية الكرسي وحكم سبح والغاشية ما تقدم في الجمعة والمنافقين اه ح ل .(2/421)
"""""" صفحة رقم 422 """"""
قوله : ( والركن الثاني ) المناسب لكلام المصنف السابق أن يقول : والفرض الثاني ، وكذا يقال فيما بعده رعاية لعبارة المتن السابقة قوله : ( أن تصلي ركعتين ) في عدّ هذا من الشروط نظر ؛ لأن عدد الصلاة لم يعدّ من شروط الصلاة في صلاة من الصلوات فكيف يعدّ شرطاً في الجمعة ؟ وروى الحافظ المنذري عن أنس أن النبي قال : ( مَنْ قَرَأَ إذا سَلَّمَ الإمامُ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ أنّ يُثْنِيَ رِجْلَهُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ وقُلْ هُوَ الله أحَدٌ والمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعاً سبعاً غَفَرَ الله له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنِبَّهِ وما تَأخَّرَ وأُعْطِيَ مِنَ الأجْرِ بِعَدَدِ كُلّ منْ آمَنَ بالله ورَسُولِه ) وروى ابن السني من حديث عائشة أن النبي قال : ( مَنْ قَرَأ بَعْدَ صَلاةِ الجمعة ) قُلْ هو الله أَحَدٌ } ) الاخلاص 1 ) ) وقُلْ أَعُوذُ بربَّ الفَلَقِ } ) الفلق 1 ) ) وقَلْ أَعُوذُ بَربَّ النَّاسِ } ) الناس : 1 ) سَبْعَ مَرَّاتٍ أعَاذِهُ الله بها مِنَ السّوُّءِ إلى الجمعة الأُخْرَى ) . قال أبو طالب المكي : ويستحب له بعد الجمعة أن يقول ( يا غني يا حميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود ، أغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك ) أربع مرات ؛ دميري على المنهاج قوله : ( ولو في الركعة الأولى ) فلو نووا كلهم المفارقة بعد الركعة الأولى وأتموا صلاتهم فرادى صحت جمعتهم وجمعة الإمام ، خلافاً لمن توهم فيه ويشترط استمرار صلاتهم على الصحة . وعبارة عبد البر على التحرير : قوله في الركعة الأولى أي بتمامها بأن يستمر معه إلى السجود الثاني ، فلو صلى الإمام بأربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل منهم وحده أجزأتهم الجمعة ؛ نعم يشترط بقاء العدد إلى سلام الجميع ، فمتى أحدث منهم واحد لم تصح جمعة الباقين أي إن أحدث قبل أن يصلي ركعته الثانية اه . ولو بان الإمام محدثاً صحت إن تم العدد بغيره وإلا فلا تصح ، ومثله ترك بعضهم القراءة أو البسملة كما يقع في بلاد الأرياف من المأمومين المالكية ؛ فليتنبه له . ويشكل بما إذا كان الإمام متطهراً دون المأمومين فإنها تصح له ، وعلى هذا إذا صحت له هل يجوز للمأمومين إنشاء جمعة أخرى ؟ فيه نظر ، قاله عميرة ، ونقله الرحماني على التحرير . وفي ق ل عليه : أما في الثانية فيجوز أن ينوي كل منهم المفارقة ويتمها لنفسه ، ويشترط أن لا تبطل صلاة واحد من الأربعين قبل سلام نفسه وإلا بطلت صلاة الكل وإن كان هو الآخر وإن ذهب الأولون إلى أماكنهم ويلزمهم إعادتها جمعة إن أمكن وإلا فظهرا . ويلغز ، فيقال : شخص أحدث في المسجد فبطلت صلاة من في بيته ؛ فتأمل .(2/422)
"""""" صفحة رقم 423 """"""
فرع : لو فاتته الجمعة فأخر القضاء إلى الجمعة الأخرى فصلى الحاضرة مع الإمام ثم أدرك جمعة ثانية في البلد فأراد قضاء الثانية معهم فالظاهر امتناع ذلك أيضاً ؛ لأن الجمعة الفائتة لا تقضى جمعة وإنما يصلي ظهر بدلها ، وأما إعادتها فتتصور إذا تعددت لحاجة في البلد أو انتقل فاعلها إلى بلد أخرى على الأوجه أي فإنها تعاد جمعة في هذين الصورتين اه عبد البر .
قوله : ( ورجح البلقيني الثاني ) معتمد .
قوله : ( قال البلقيني الخ ) حاصله أنه اختلف هل يشترط تقدم إحرام من تنعقد بهم لتصح لغيرهم أو لا يشترط ؟ وهذا الخلاف مبني على خلاف آخر وهو هل تصح الجمعة خلف الصبي والعبد أم لا ؟ فإن قلنا تصح قلنا لا يشترط ، وإن قلنا لا تصح قلنا يشترط ؛ وهذا قياس مع الفارق ، لأن تقدم إحرام الإمام ضروري فلا يلزم من جواز الصلاة خلفه جواز تقدم إحرام غير الكاملين ولا يلزم من عدم جواز الصلاة خلفه عدم جواز تقدم إحرام غير الكاملين قوله : ( لا تصح الجمعة خلف الصبي الخ ) لأنها لا تنعقد بهم ويلزم من صحتها خلفهم تقدم إحرام من لا تنعقد بهم .
قوله : ( وهيئاتها ) مبتدأ خبرها ( أربع ) في كلام المتن ، وجعله الشارح خبراً لمبتدأ محذوف فيلزم عليه خلوّ المبتدأ عن الخبر . وأجيب بأنه يقدر قبل قوله والمذكور منها تقديره كثيرة قوله : ( أي الحالة الخ ) دفع به ما قد يقال إن هيئة الشيء ما كانت منه كهيئات الصلاة ، فإنها منها ، والغسل وما عطف عليه ليس من نفس صلاة الجمعة بل هو مقدم عليها ؛ فلذا يفسره بقوله ( أي الحالة الخ ) واللام فيها للجنس فشمل الأربعة ، وإلا فالمناسب أن يقول : أي الحالات ، كما قرره شيخنا العشماوي . فالمراد بالهيئات هنا الأحوال التي تطلب لأجلها في يومها أو ليلتها قوله : ( لمريد حضورها ) أي إذا جاز له الحضور فخرجت المرأة إذا أرادت المجيء بغير إذن حليلها فلا يندب لها الغسل ، هكذا يؤخذ من ح ل . لكن اعتمد شيخنا ح ف أنه يسن الغسل مطلقاً حرم الحضور أو لا . وعبارة أ ج : قوله ( وإن لم تجب عليه الجمعة )(2/423)
"""""" صفحة رقم 424 """"""
ظاهره ولو كان منهياً عن الحضور كامرأة بغير إذن حليل ؛ وهو كذلك لأن الحرمة لأمر خارج وهو المخالفة . وأما الغسل فطلب للجماعة اه قوله : ( إذا جاء أحدكم ) أي أراد مجيئها ؛ وقال : ( اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فإنه مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجمعة فله كَفَّارَةُ ما بين الجُمُعَةِ إلى الجُمُعَةِ وزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ ) . إن قلت : إذا كان شخص ملازماً للغسل في كل جمعة فأين الثلاثة الزائدة ؟ قلت : أجيب بأنه ربما طرأ له سفر أو مرض ، فإن لم يطرأ له ذلك كتب الله له ثواباً جزيلاً في مقابلة تلك الثلاثة اه ، قرره ح ف . وقال بعض العارفين : حكمة الأمر بالغسل أن الله خلق سبعة أيام وهي أيام الجمعة ، فإذا انقضت جمعة دارت الأيام فلا تنصرف عنك دورة إلا عن طهارة تحدثها فيها إكراماً لذلك وتقديساً . واختلف في غسل الجمعة ، فذهب أبو هريرة والحسن البصري ومالك إلى وجوبه أخذاً بظاهر الحديث . وذهب الجمهور إلى ندبه لحديث : ( مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ) الخ اه .
قوله : ( وتفارق الجمعة العيد ) أي غسل العيد اه قوله : ( ومثله يأتي في التزيين ) أي فيستحب لحاضر الجمعة دون من لم يحضر ويستحب يوم العيد لمن يحضر صلاته وغيره قوله : ( أي متأكد ) وقال بعض الحنفية كان واجباً في أول الإسلام ثم نسخ قوله : ( من الفجر الصادق ) إلى صعود الخطيب إلى المنبر أو فراغ الصلاة قوله : ( وتقريبه من ذهابه ) أي لأنه أفضى إلى الغرض من التنظيف ، وإن قال الأذرعي : الأقرب أنه إن كان بجسده عرق كثير وريح كريه أخر وإلا بكر قوله : ( فمراعاة الغسل أولى ) للاختلاف في وجوبه ولتعدي نفعه للغير ، بخلاف التبكير ؛ ولا يبطله حَدَثٌ ولا جنابة سم قوله : ( فإن عجز عن الماء ) أي ماء الغسل أخذاً من تصويره . ويدل على هذا قول بعضهم : هذا إن وجد ماء لوضوئه ، فإن فقد الماء بالكلية سُنَّ له بعد تيممه عن حدثه تيمم عن الغسل قوله : ( كأن توضأ ثم عدمه ) صوّره بما ذكر ليكون عجز عن الماء للغسل فقط كما يدل عليه قوله ( أو كان جريحاً في غير أعضاء الوضوء ) فيكون العجز عن الماء حساً أو شرعاً بالنسبة للغسل فقط . والظاهر أن هذا لا يتعين ، وإنما صوره بما ذكر ليكون المطلوب منه تيمماً واحداً عن الغسل ، فلو كان عليه حدث أصغر ولم يجد ماء لوضوئه أيضاً وأراد التيمم عن غسل الجمعة أو نحوه فلا بد من تيممين ، بخلاف ما لو كان عليه حدث أكبر وأراد غسلاً مسنوناً فإنه يكفيه تيمم واحد بنيتهما . قال الشوبري : ويفرق بين(2/424)
"""""" صفحة رقم 425 """"""
هذه والتي قبلها بأن التيمم في هذه بدل عن غسل جميع البدن بخلاف التي قبلها ، فإنه يدل عن غسل الأعضاء الأربعة ويدل عن غسل جميع البدن فافترقا . وما ذكر من أنه لا بد من تيممين استظهره أ ج ونقله عن إفتاء م ر .
قوله : ( في غير أعضاء الوضوء ) أي ليكون قادراً على الوضوء قوله : ( بنية الغسل ) أي بدلاً عنه قوله : ( عن غسل الجمعة ) أي بدلاً عن غسل الجمعة قوله : ( قال الشافعي الخ ) هذا يقتضي أن هذا مطلوب إرشاداً . والشاهد في قوله ( ومن طاب ريحه الخ ) أو فيه وفيما قبله أيضاً ؛ لأن نظافة الثوب تقتضي نظافة البدن غالباً قوله : ( قل همه ) الفرق بين الهم والغم كما قاله الحليمي أن الهم ينشأ عنه النوم والغم ينشأ عنه عدمه قوله : ( ويسن السواك ) هو مثل تنظيف الجسد فلذا ذكره هنا ، وقوله ( وهذه الأمور ) أي الأربعة المذكورة في المتن قوله : ( وأخذ الظفر ) أي لغير محرم ومن أراد التضحية . وكيفية إزالة الظفر في الرجلين أن يبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى كالتخليل في الوضوء وفي اليدين على ما قاله النووي أن يبدأ بسبابة اليمنى ويختم بسبابة اليسرى ويجعل إبهام كل يد متصلاً بها أي بالسبابة . وقال غيره : يبدأ في اليمنى بالخنصر ثم في اليسرى بالوسطى ثم بالإبهام ثم بالبنصر ثم بالسبابة على ترتيب هذه الأحرف يمينها خوابس ويسارها أوخسب . قالوا : وهذه الكيفية تمنع ملازمتها من الرمد ، وقد جرّب . وليس لأخذه مدة مقدرة ، وكذا أخذ الشعر المذكور . وكان يقص أظفاره كل خمسة عشر يوماً . وقد نظم بعضهم فقال :
في قص الاظفار يوم السبت آكلة
تبدو وفيما يليه تذهب البَرَكَهْ
وعالم فاضل يبدو بتلوَهما
وإن يكن بالثلاثا فاحْذَرِ الهلكَهْ
ويورثُ السَّوءَ في الأخلاق رابعها
وفي الخميس الغنْى يأتى لمن سَلَكَهْ
والعلم والحلم زيداً في عروبتها
عن النبي روينا فاقتفوا نُسُكَهْ
وروى وكيع عن مجاهد قال : كان يستحب دفن الأظفار . وروى بسند ضعيف : أن النبي كان يأمر بدفن الشعر والأظفار ، وذكر ذلك كله العلقمي . قال في التحفة : وينبغي المبادرة(2/425)
"""""" صفحة رقم 426 """"""
بغسل محل القلم لأن الحك به قبله يخشى منه البرص ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة الجمعة .
قوله : ( فينتف إبطه ) والأصل في ذلك : ( أنه كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل الخروج إلى الصلاة ) . قال في الأنوار : يستحب قلم الأظفار في كل عشرة أيام وحلق العانة كل أربعين يوماً . قال م ر : وهذا جرى على الغالب ، والمعتبر في ذلك أنه موقت بطولها عادة ويختلف حينئذ باختلاف الأشخاص والأحوال اه أ ج قوله : ( ويقص شاربه ) أي حتى تبدو حمرة الشفة وهو المراد بالإحفاء المأمور به في خبر الصحيحين ، ويكره استئصاله وحلقه ونوزع في الحلق لصحة وروده ؛ ولذا ذهب إليه الأئمة الثلاثة على ما قيل . فإن قلت : ما جوابنا عن خبر الحلق ؟ قلت : هي واقعة فعلية محتملة أنه كان يقص ما يمكنه قصه ويحلق ما لا يتيسر قصه من معاطفه التي يعسر قصها . وأشار إلى هذا الجمع بعض المتأخرين ، وله وجه ظاهر إذ به يجتمع الحديثان على قواعدنا فليتعين ، لأن الجمع بينهما ما أمكن واجب . وكره المحب الطبري نتف الأنف ، قال : بل نقصه لحديث فيه . قيل : في حديث : ( إن في إبقائه أماناً من الجذام ) اه أ ج قوله : ( ويحلق عانته ) أي أو ينتفها ؛ لكن الحلق أولى للرجل والنتف أولى للمرأة لما قيل إن الحلق يقوّي الشهوة ، فالرجل أولى به والنتف يضعفها فالمرأة أولى به اه برماوي . قوله : ( وجب قطعاً ) أي من غير خلاف عند أمر الزوج لها كما قاله شيخنا قوله : ( والعانة الخ ) لم يذكر ما حوالي الدبر من الذكر والأنثى وظاهره أنه لا يسمى عانة فراجعه ق ل قوله : ( أما حلق الرأس الخ ) علم منه أن حلق الرأس تارة يسن ، وذلك في ثلاثة مواضع : في النسك ، وسابع الولادة ، وكافر أسلم ، وتارة يكره وذلك للمضحي في عشر ذي الحجة ، وتارة يباح فيما عدا ذلك ؛ فاحفظه . وخرج بالحلق القَزَعُ ، بقاف ثم زاي معجمة مفتوحتين ثم عين مهملة ، وهو حلق بعض الرأس ولو من أماكن متعددة فهو مكروه مطلقاً قوله : ( فلا يندب إلا في النسك ) اعترض بأنه ركن في النسك فكيف يجعل سنة . ويجاب بأن السنة استيعاب الرأس وأما الركن فهو ثلاث شعرات قوله : ( وأما في غير ذلك فهو مباح ) أي إلا إن تأذى ببقاء شعره أو شقّ عليه تعهده فيندب ، وخبر : ( مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أرْبَعِينَ مرة في أربعين أرْبعاءَ صَارَ فَقِيَهَا ) ، لا أصل له ، اه ابن حجر . قال م ر : ويستحب له دفن ما يزيله من ظفر وشعر ودم(2/426)
"""""" صفحة رقم 427 """"""
اه . قلت : ينبغي تقييده بغير ظفر عورة وشعرها ، أما لو كان منها كعانة الرجل وظفر وشعر امرأة وخنثى فينبغي وجوب الستر لحرمة النظر إليه ؛ لكن هل يكتفي بالقائها في الأخلية لوجود الستر أو لا ؟ الظاهر الاكتفاء لكن مع الكراهة قوله : ( فهو مباح ) وهو بدعة وقد يندب وقد يجب لنحو تأذّ ببقائه ؛ اه ق ل قوله : ( من أراد أن يضحي يكره له ذلك في عشر ذي الحجة ) هذا صريح في استثناء الجمعة الواقعة في عشر ذي الحجة إذ لا تخلو عنها ضرورة . فإن قلت : لم قدم ما ورد من النهي في عشر ذي الحجة على ما ورد من الطلب في يوم الجمعة ؟ قلت : أجاب شيخنا بقوله : ما ورد من النهي في عشر ذي الحجة المخصص لما ورد من الطلب في كل جمعة ، وكأنهم قالوا ما ورد من عموم الطلب كل جمعة محله في غير جمعة تقع في عشر ذي الحجة . على أن العشر مستثنى من العام حتى يضحي ، اه أ ج . قوله : ( والطيب ) أي ما لم يكن صائماً أو محرماً وإلا فيكره للأول ويحرم على الثاني ، وهذا في حقّ الذكر ، أما المرأة والخنثى فيكره لهما الطيب والزينة ومفاخر الثياب عند إرادتهما حضورها ، نعم يسن لهما قطع الرائحة الكريهة اه ز ي . وأفضل الطيب المسك قوله : ( البسوا ) من لبس من باب علم في المحسوسات ، قال تعالى : ) يلبسون ثياباً } ^ الخ وأما في المعاني فمن باب ضرب كقوله : ) وللبسنا عليهم } ^ الخ . وقوله ( البياض ) أي ذا البياض ، وإلا فهو معنى والمعنى لا يلبس . قال أ ج : وأن تكون جديدة . وقيده بعض المتأخرين بحثاً بغير أيام الشتاء والوحل ، وهو ظاهر حيث خشي تلويثهما . وفي المجموع : الأولى ترك لبس السواد ما لم يخش مفسدة بل المواظبة على لبسه بدعة . فإن قلت : صح أنه دخل مكة وعليه عمامة سوداء ، وأنه خطب بالناس وعليه عمامة سوداء ، وأنه عمم علياً بعمامة سوداء وأرسله إلى خيبر ؛ ونقل لبس السواد عن كثير من الصحابة والتابعين ؟ قلت : هذه كلها وقائع فعلية محتملة ، فقدم القول وهو الأمر بلبس البياض عليها على أنه ليس فيها لبسه يوم الجمعة بل في نحو الحرب ، لأنه أرهب ، وفي لبسه يوم الفتح الإشارة إلى أن ملته لا تتغير إذ كل لون غيره يقبل التغير اه .(2/427)
"""""" صفحة رقم 428 """"""
قوله : ( ويسن للإمام الخ ) ولا يندب له التبكير بل يجوز ، فيستحب له التأخير إلى وقت الخطبة اقتداء به والخلفاء الراشدين . ويلحق به من به سلس بول ونحوه فلا يندب له التبكير اه أ ج قوله : ( في وقت قراءة الخطبة ) خرج به حال صعوده على المنبر فلا يكره الكلام قوله : ( وقد مرّ دليل ذلك ) هو قوله تعالى : ) وإذا قرىء القرآن } ^ الخ قوله : ( ويكره ) أي كراهة تنزيه على المعتمد قوله : ( رقاب الناس ) أي قريباً منها وهو المناكب . والمراد بالرقاب الجنس فيكره تخطى رقبة أو رقبتين كما قاله ح ل . ويؤخذ من التعبير بالرقاب أن المراد بالتخطّي أن يرفع رجله بحيث يحاذي في تخطيه أعلى منكب الجالس ، وعليه فما يقع من المرور بين الناس ليصل إلى نحو الصف الأول مثلاً ليس من التخطي بل من خرق الصفوف إن لم يكن ثمّ فرج في الصفوف يمشي فيها . ومن التخطي المكروه ما جرت به العادة من التخطي لتفرقة الأجزاء أو تبخير المسجد أو سقي الماء أو السؤال لمن يقرأ في المسجد والكراهة من حيث التخطي كما في ع ش على م ر . قال في الروض وشرحه : ويحرم أن يقيم أحداً ليجلس مكانه ، لخبر الصحيحين : ( لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثم يَجْلِسُ فيه ولكن يَقُولُ تَفَسَّحوا وتَوَسَّعَوا ) فإن قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة في جلوس غيره ، وأما هو فإن انتقل إلى مكان أقرب إلى الإمام أو مثله لم يكره وإلا كره إن لم يكن عذر ؛ لأن الايثار بالقرب مكروه . وأما قوله تعالى : ) ويؤثرون على أنفسهم } ^ فالمراد الايثار في حظوظ النفس اه ، مرحومي . نعم إن آثر قارئاً أو عالماً ليعلم الإمام أو يردّ عليه إذا غلط فالمتجه أنه لا كراهة لكونه مصلحة عامة اه شرح م ر قوله : ( فقد آذيت ) أي الناس بتخطيك . ولم يحمل على الحرمة لأن الايذاء هنا لغرض . قوله : ( وآنيت ) بالمد والقصر أي أخرت المجيء وأبطأت قوله : ( الإمام ) وكالإمام الرجل المعظم في نفوس الناس لصلاح أو ولاية ؛ لأن الناس يتبركون به ويسرون بتخطيه سواء ألف موضعاً أو لا ، فإن لم يكن معظماً لم يتخط وإن كان له محل مألوف وكالإمام من جلس في ممر الناس فلا يكره تخطيه ، وكذا لو سبق من لا تنعقد بهم الجمعة كالعبيد والصبيان إلى الجامع ؛ وتوقف سماع أركان الخطبتين على تخطي الكاملين فإنه يجب عليهم التخطي بل قد يجب إقامتهم من محلهم إذا توقف ذلك عليه . وبه يقيد قولهم ( إذا سبق الصبي إلى الصف الأول لا يقام من محله ) . والحاصل أن التخطي يوجد فيه ستة أحكام ، فيجب إن توقف الصحة عليه وإلا فيحرم مع التأذي ، ويكره مع عدم الفرجة أمامه ، ويندب في الفرجة القريبة لمن لم(2/428)
"""""" صفحة رقم 429 """"""
يجد موضعاً وفي البعيدة لمن لا يرجو سدّها ولم يجد موضعاً ؛ وخلاف الأولى في القريبة لمن وجد موضعاً وفي البعيدة لمن رجا سدّها ووجد موضعاً ، ويباح في هذه لمن لم يجد له موضعاً كما ذكره ق ل على الجلال قوله : ( فرجة ) بضم الفاء وفتحها ، ويقال : وكسرها ؛ وهي الخلاء الظاهر ؛ وعبارة البرماوي : وهي خلاء ظاهر أقله ما يسع واقفاً ؛ وخرج بها السعة فلا يتخطى إليها مطلقاً اه . وحاصل المعتمد أنه إذا وجد فرجة لا يكره له التخطّي مطلقاً ، أي سواء كانت قريبة أو بعيدة رجا تقدم أحد إليها أم لا . وأما استحباب تركه فإذا وجد موضعاً استحب ذلك ، وإلا فإن رجا انسدادها فكذلك وإلا فلا يستحب تركها اه قاله الشوبري . وقوله : ( وإلا فإن رجا انسدادها ) فكذلك فيه شيء ؛ لأنه إذا لم يجد موضعاً يكون معذوراً ولا بد فماذا يفعل . قوله : ( إلا بتخطي رجل ) أي صف أو صفين كما صوّبه ق ل وعبارته : صوابه صف أو صفين ، إذ لا يتصوّر تخطي رجل لأنه إذا كان بأحد جانبيه فرجة فالمرور منها ليس من التخطي ق ل . وليس كما ذكر ، بل المراد الرجل ولا يكون إلا من صف أو الرجلان ولو من صفين كما في شرح البهجة . ومثال تخطي الرجل فقط ما إذا كان في آخر الصف بجنب الحائط قوله : ( بإخلاء فرجة ) لو قال بإخلائها كما في شرح المنهج لكان أولى لأن المقام للاضمار قوله : ( لكن يسنّ ) فالتخطي خلاف الأولى لا مكروه .
قوله : ( فإن زاد في التخطي الخ ) قال في شرح الروض : وتفارق إباحة التخطي حيث قيدت بما ذكر إباحة خرق الصفوف حيث لم تتقيد بذلك بأن في ترك خرقها إدخالاً للنقص على صلاته وصلاتهم ، بخلاف تخطي الرقاب فإنه إذا صبر تقدموا عند إقامة الصفوف وتسويتها للصلاة فإنه يندب للإمام أن يأمر بتسويتها كما فعل اه مرحومي .
قوله : ( ولو من صف ) ذكر الغاية غير مستقيم كما قاله ق ل . وهو مبني على اعتراضه السابق ، وقد علمت رده . ويتصوّر قوله : ولو من صف واحد ، بما إذا كانت الصلاة حول الكعبة واستداروا حولها فإن الدائرة بتمامها صف واحد وحينئذ فيتصوّر التخطي أكثر من اثنين من صف واحد ، فتأمله .
قوله : ( ورجا أن يتقدموا ) فإن لم يرج سدها فلا يكره التخطي ولو لأكثر من رجلين .
قوله : ( كره ) أي إن وجد غيرها أو كانت بعيدة ق ل .(2/429)
"""""" صفحة رقم 430 """"""
قوله : ( إذا كانوا لا يسمعونها ) أي أركان الخطبة ، ويجوز أن يبعث من يقعد له في مكانه ليقوم عنه إذا قدم هو ولغيره تنحية فرش من بعثه قبل حضوره حيث لم يكن به أحد والجلوس في محله ، لكنه إن رفعه بيده أو غيرها دخل في ضمانه . نعم ما جرت به العادة من فرش السجادات بالروضة الشريفة ونحوها من الفجر أو طلوع الشمس قبل حضور أصحابها مع تأخرهم إلى الخطبة أو ما يقاربها لا بعد في كراهته بل يقال بتحريمه لما فيه من تحجير المسجد من غير فائدة عند غلبة الظن بحصول ضرر لمن نحاها وجلس في مكانها ، ويؤيده حرمة صوم المرأة مع حضور حليلها وإن جاز له وطؤها ؛ لأنه يهاب قطع الصوم وإن كان جائزاً له ، وبه فارق من بعث من يقعد له لأن الجالس به فائدة وهي إحياء البقعة اه شرح م ر أ ج .
قوله : ( ويسن أن يقرأ الكهف ) فيه ردّ على من شذ فكره ذكر ذلك من غير سورة ، وحكمة تخصيصها أن الله تعالى ذكر فيها أهوال يوم القيامة ويوم الجمعة يشبهها لما فيه من اجتماع الخلق ولأن القيامة تقوم يوم الجمعة .
قوله : ( وليلتها ) وقراءتها في اليوم أفضل من الليل وفي أوله أفضل من آخره مسارعة للخير ما أمكن . وسئل الشمس م ر عمن قرأ نصف الكهف ليلاً ونصفها نهاراً : هل يحصل له الثواب المخصوص أو لا ؟ أجاب بأنه لا يحصل له الثواب المخصوص ، وإنما يحصل له أصل الثواب اه من الفتاوى . ويستحب الإكثار من قراءتها ، وأقل الإكثار ثلاث مرات ؛ وهي أفضل من الصلاة على النبي ، فقد ورد ( أن من داوم على العشر آيات أولها أمن من فتنة الدجال ) .
قوله : ( أضاء له من النور الخ ) كناية عن غفران الذنوب أو حصول الثواب مجازاً ق ل .
قوله : ) البيت العتيق } ) الحج : 33 ) إن أريد به البيت المعمور فهو ظاهر إذ لا تفاوت بين الناس في القرب منه ، وإن أريد به الكعبة لزم زيادة النور مع زيادة البعد عنه . قيل : ولا مانع منه . وقيل : الأقرب أعظم من حيث الكيفية . وقيل غير ذلك ، فراجعه ق ل . وقوله : ) البيت العتيق } ) الحج : 33 ) أي الكعبة ؛ وإنما سميت الكعبة عتيقاً لأن الله أعتقها من الجبابرة ، أو معناه القديم أو لأنه أعتقها من الغرق أيام الطوفان .
قوله : ( ما بين أن يجلس الخ ) أي الجلوس الأول في ابتداء الخطبة ، ولا يعارض خبر :(2/430)
"""""" صفحة رقم 431 """"""
( الْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ ) فقد قال في المجموع : يحتمل أنها منتقلة تكون يوماً في وقت ويوماً في وقت آخر كما هو المختار في ليلة القدر .
واعلم أن وقت الخطبة يختلف باختلاف أوقات البلدان بل البلدة الواحدة ، والظاهر أن ساعة الإجابة في حق أهل كل محل من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة ، ويحتمل أنها مبهمة بعد الزوال ، فقد يصادفها أهل محل دون غيره بالتقدم والتأخر شرح م ر . وعبارة سم : لا يخفى أن وقت جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة يختلف باختلاف الخطباء لاختلاف وقت الخطبة باختلاف الخطباء ، بل يختلف في حق الخطيب الواحد إذ قد يتقدم في بعض الجمع ويتأخر في بعض ، فهل تلك الساعة متعددة فهي في حق كل خطيب ما بين جلوسه إلى آخر الصلاة وتختلف في حق الخطيب الواحد ؟ فيه نظر ، وظاهر الخبر التعدد ولا مانع منه . ثم رأيت شيخنا ابن حجر سئل عن ذلك ، فأجاب بقوله : لم يزل في نفسي ذلك منذ سنين حتى رأيت الناشري نقل عن بعضهم أنه قال يلزم على ذلك أن تكون ساعة الإجابة في حق جماعة غيرها في حق جماعة آخرين . وهو غلط ظاهر ، وسكت عليه . وفيه نظر . ومن ثم قال بعض المتأخرين : ساعة الإجابة في حق كل خطيب وسامعيه ما بين أن يجلس إلى أن تنقضي الصلاة كما صرح في الحديث ، فلا دخل للعقل في ذلك بعد صحة النقل فيه . ويجاب أيضاً بأن تلك الساعة تنتقل ، فقد يصادفها أهل محل ولا يصادفها أهل محل آخر .
قوله : ( إلى أن تنقضي الصلاة ) ظاهره أنه يدعو حال التلبس بالخطبة ، وهو كذلك ؛ لكن يشكل على ذلك أمره بالإنصات حال الخطبة . وأجاب البلقيني بأنه ليس من شروط الدعاء التلفظ بل استحضار ذلك بقلبه كاف في ذلك . وقال الحليمي : إن الدعاء يكون إذا جلس الإمام قبل أن يفتتح الخطبة أو بين الخطبتين أو بين الخطبة الأولى والصلاة أو في الصلاة بعد التشهد ؛ وما قاله الحليمي أظهر اه أ ج .
قوله : ( بلغني ) أي عن النبي ، فهو حديث مرفوع .
قوله : ( ويكثر من الصلاة على رسول الله ) وأقل الإكثار منها ثلثمائة مرة . فإن قلت :(2/431)
"""""" صفحة رقم 432 """"""
ما الحكمة في خصوصية الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها ؟ أجاب ابن القيم بأن رسول الله سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه مزية ليست لغيره ، مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده ، فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة وأعظم كرامة تحصل لهم فإنها تحصل لهم يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة وهو عيد لهم في الدنيا ويوم يسعفهم الله فيه بطلباتهم وحوائجهم ولا يردّ سائلهم ؛ وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده فناسب أن يكثروا من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته .
قوله : ( فإن صلاتكم معروضة عليّ ) ظاهره أنها تعرض عليه كل وقت الجمعة وغيرها . وفيه رد على ما اشتهر من أنها تعرض عليه في غير الجمعة وليلتها أما في يوم الجمعة وليلتها فيسمعها أي الصلاة عليه بنفسه اه . قلت : وكونها تعرض عليه لا يمنع السماع ، أي فيسمعها وتعرض عليه ، فقد قال بعض الأولياء : إنه يحضر مجالس الذكر وإن بعضهم اجتمع به ، فهو روح جسد الكونين اه أ ج . وقال السملاوي في شرح الفضائل : وقد يسمع صلاة من يصلي عليه منا يوم الجمعة بأذنيه وإن كان في أقصى الأرض وفي غير الجمعة يسمع صلاة من أخلص في محبته وتبلغه الملائكة صلاة غيره ؛ قاله ق ل اه . والذي ذكره غيره نقلاً عن ابن حجر على الهمزية أنه إنما يسمع صلاة القريب منه قرباً عادياً بأن كان في الحجرة الشريفة بحيث لو كان حيّاً لسمع ذلك ، وأما غيره فيبلغه الملك مطلقاً أي سواء كان في يوم الجمعة أم لا أخلص في محبته أم لا .
قوله : ( عن أبي هريرة ) قال الحفاظ : هذا الحديث غير ثابت ق ل ومرحومي .
قوله : ( التشاغل بالبيع ) وحرمة ما ذكر في حق من جلس له في غير الجامع ، أما من سمع النداء فقام قاصداً الجمعة فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع فإنه لا يحرم عليه لكن البيع في المسجد مكروه .
قوله : ( فإن باع صح بيعه ) ولو تبايع اثنان من تلزمه ومن لا تلزمه أثما ، كما لو لعب شافعي مع حنفي الشطرنج ومحله في شراء ما لا يحتاجه لعبادته ، أما ما يحتاجه كشراء ماء(2/432)
"""""" صفحة رقم 433 """"""
طهره وسترته المحتاج إليها وما دعت إليه حاجة الطفل والمريض من شراء دواء أو طعام ونحوهما فلا يعصي الولي والبائع إذا كانا يدركان الجمعة ، بل يجوز ذلك عند الضرورة ولو فاتت الجمعة كإطعام المضطر وبيعه ما يأكله ، ونحو ذلك . والأقرب حرمة ذلك على من منزله بباب المسجد أو قريباً منه وكالاشتغال بالبيع الاشتغال بالعيادة والكتابة . والأوجه أن ولي الطفل إذا باع من ما له وقت النداء للضرورة وهناك مشتريان من تلزمه يشتري بدينار ومن لا تلزمه بنصف دينار فإنه يبيع للثاني لئلا يوقع الأول في معصية شرح م ر ملخصاً اه أ ج .
قوله : ( لأن النهي لمعنى خارج عن العقد ) وهو التشاغل عن صلاتها .
قوله : ( ويكره قبل الأذان المذكور بعد الزوال ) واستثنى الأسنوي من ذلك نحو مكة مما يفحش فيه التأخير فلا كراهة لما فيه من الضرر .
قوله : ( لدخول وقت الوجوب ) قيده ابن الرفعة بمن لا يلزمه السعي حينئذ وإلا حرم ذلك من وقت وجوب السعي ولو قبل الوقت اه أ ج .
قوله : ( ومن دخل الخ ) خرج به ما لو كان جالساً فليس له أن يقوم يصلي إلى فراغ الخطبتين ولو حال الدعاء للسلطان ، كما قاله حج ، وقال م ر في الفتاوى : وليس له أن ينشىء صلاة ما بقي شيء من توابع الخطبة اه أ ج . وقال ابن قاسم : إذا شرع في الدعاء للسلطان جاز له أن يقوم ليصلي اه . ويمكن حمل كلام سم على ما إذا تمت الأركان ولم يبق إلا الأمر الجائز ، وكلام غيره على ما إذا بقي شيء من الأركان فليتأمل أ ج . والمعتمد الحرمة مطلقاً لأن التوابع ملحقة بالأركان اه أ ج . ونقل الحلبي على المنهج عن شرح البهجة للمؤلف أنه ينتهي التحريم بانتهاء الخطبتين بفراغ أركانهما وإن كان مشتغلاً بغير الأركان كالترضي عن الصحابة والدعاء للسلطان ، وللحاضر الصلاة حال اشتغاله بما ذكر ولا يحرم ؛ نعم يكره من حيث كونها بقرب الإقامة اه .
قوله : ( لصلاة الجمعة ) قيد فتكره الصلاة في غير خطبة الجمعة مع الصحة كما في ق ل على التحرير . ولو قال الشارح : ومن دخل والإمام يقرأ في الخطبة للجمعة الخ ، لكان أوضح .
قوله : ( يقرأ في الخطبة ) أي في أولها أو أثنائها أخذاً من قوله الآتي أما الداخل الخ .
قوله : ( أو وهو جالس بينهما ) ومثله جلوسه قبل الخطبة ، وعبارة المناوي : ويلزم من شرع في صلاة قبله أي قبل جلوس الخطيب تخفيفها عند جلوسه على المنبر اه .(2/433)
"""""" صفحة رقم 434 """"""
قوله : ( يصلي ركعتين ) أي تحية المسجد ، بدليل قوله الآتي هذا إن صلى الخ وإن كان كلامه شاملاً لها ولسنة الجمعة ؛ لكن الحامل للشارح على حملها على تحية المسجد قوله ركعتين ولم يقل سنة الجمعة خفيفة كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( قم ) فيه أن التحية تفوت بالجلوس . والجواب أن الجالس سهواً أو جهلاً لا تفوته التحية إلا إن طال الفصل .
قوله : ( وتجوّز ) أي خفف فيهما .
قوله : ( إن صلى سنة الجمعة ) أي صلاها خارج المسجد ، أي محل كونه يصلي ركعتين تحية المسجد وإن لم يتقدم التقييد بالتحية في كلامه لأنه ملاحظ له كما فهمه الشارح ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( وحصلت التحية ) أي سواء نواها أم لا لحصولها بدون نية ما لم ينفها ، فإذا نفاها لم تصح الصلاة ولم تنعقد سم على المتن .
قوله : ( فاطلاقهم الخ ) أي إطلاقهم المنع من الصلاة مطلقاً سواء كانت ذات سبب وغيرها ولم يفصلوا كما فصلوا في الصلاة في الأوقات المكروهة بين ذي السبب وغيره . وقوله : ومنعهم هذا من أفراد ما دخل تحت إطلاقهم فهو من عطف الخاص ، وهذا أعني قوله فإطلاقهم مفرّع على قوله فلا يصلي شيئاً ويكون مفروضاً في داخل والإمام يخطب وكان المكان غير مسجد ويصح أن يفرض في الجالس إذا قام ينشىء صلاة والإمام يخطب .
قوله : ( وهو الظاهر ) وهو كذلك لمنع الصلاة مطلقاً في هذا الوقت إجماعاً ؛ نعم إن حصل معه التحية لم يمتنع كما مر ق ل .
قوله : ( لم يصل التحية ) أي لم تندب له التحية بدليل ما بعده .(2/434)
"""""" صفحة رقم 435 """"""
قوله : ( الاقتصار على الواجبات ) قال م ر في شرحه : وفيه نظر ، والفرق بينه وبين ما استدل به واضح ؛ وحينئذ فالأوجه أن المراد به ترك التطويل عرفاً اه بحروفه . وبه تعلم أن ما ذكره الشارح ضعيف ، والمعتمد أن المراد التخفيف عرفاً فإن طوّل عرفاً بطلت .
قوله : ( ويجب أيضاً تخفيف الصلاة الخ ) فإن زاد على الواجب عمداً بطلت صلاته لإعراضه .
قوله : ( لغير الخطيب ) لو سكت عن هذه لكان أقوم ق ل . وقال بعضهم : وأما الخطيب فله سجدة التلاوة إذا قرأ آيتها بخلاف الحاضرين .
قوله : ( نافلة ) ليس بقيد بل مثله الفرض كما تقدم . وعبارة ق ل على التحرير : فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً ولو مقضية فورية .
قوله : ( بعد صعوده المنبر وجلوسه ) عبارة شيخ الإسلام في التحرير : وبعد جلوس خطيب . قال الشوبري : انظر قبله وبعد شروعه في الصعود نظرنا فرأيناها لا تحرم ، وكتب أيضاً : انظر قبيل الصعود بزمن لا يسع فراغ الصلاة قبل جلوس الإمام أو قبل شروعه اه . والظاهر أنه يصلي ويخفف .
قوله : ( وإن لم يسمع الخطيب لإعراضه ) والمراد أن شأن المصلي الاعراض عما سوى صلاته ومن ثم بحث أن الطواف ليس مثلها وكذا سجدة التلاوة والشكر اه مناوي . وتقدم عن الرحماني أن سجود التلاوة والشكر كالصلاة فيمتنع لما فيه من الاعراض ، ولو سجدها الخطيب ، فحرر المعتمد في ذلك اه تقدم تحريره . وهو أن المأموم لا يسجد وإن سجد الخطيب .
قوله : ( ونقل الماوردي فيه الإجماع ) أي إجماع الأئمة الأربعة .(2/435)
"""""" صفحة رقم 436 """"""
قوله : ( لم تنعقد ) والفرق بينها وبين الصلاة في المكان المغصوب أن النهي هنا لذات الصلاة وهناك لأمر خارج وهو شغل ملك الغير من غير إذنه .
قوله : ( تتمة ) أي في ثلاث مسائل ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به وجواز الاستخلاف وعدمه وما يجوز للمزحوم وما يمتنع عليه .
قوله : ( مع إمام الجمعة ) مراده به الجنس ليشمل الإمام الأصلي وخليفته . وخرج بإمام الجمعة غيره ، كأن اقتدي بإمام الجمعة مسبوق ثم لما سلم إمام الجمعة وقام المسبوق ليأتي بالركعة التي عليه اقتدي به آخر ونوى الجمعة وأدرك معه ركعة فلا يدرك الجمعة بذلك بل لا تصح نية الجمعة حينئذ ، لأنه يؤدي إلى انشاء جمعة فأكثر بعد أخرى كما قرره شيخنا . وعبارة الشوبري : قوله مع إمام الجمعة احترز به عما لو أدركها مع مسبوق فلا يكون مدركاً للجمعة ، وجرى عليه شيخنا ، وخالفه حج فأفتى بإدراك الجمعة بإدراك ركعة مع مسبوق قام يتم صلاته .
قوله : ( ركعة ) بأن يدرك مع الإمام ركوعها وسجدتيها شرح م ر . والمراد أنه أدركه في ركوع محسوب له لا كمحدث وأتم معه الركعة اه .
قوله : ( ولو ملفقة ) أي من ركوع الأولى وسجود الثانية كما يأتي في مسألة الزحمة والغاية للرد .
قوله : ( لم تفته الجمعة ) أي بشرط بقاء الجماعة والعدد إلى تمام الركعة ، فلو فارقه القوم بعد الركعة الأولى ثم اقتدي به شخص وصلى ركعة لم تحصل له الجمعة لفقد شرط وجود الجماعة في هذه الصورة ، كما يؤخذ مما قدمه في الشروط ع ش على م ر .
قوله : ( بمفارقته ) أي المأموم إما بالنية أو بخروج الإمام من الصلاة إما بحدث أو غيره ، فالمراد بالمفارقة الأعم ، وقوله أو بسلامه أي الإمام . وكان الأولى الإظهار بأن تقول : أو بسلام الإمام لأن في كلامه تشتيت الضمائر .
قوله : ( ويسن أن يجهر فيها ) ويلغز بها ويقال : لنا منفرد يصلي بعد الزوال الصلاة المفروضة يجهر فيها .
قوله : ( فقد أدرك الصلاة ) أي الجمعة أي أدركها حكماً لا ثواباً كاملاً شرح م ر .(2/436)
"""""" صفحة رقم 437 """"""
قوله : ( وإن أدرك دون الركعة فاتته الجمعة فيتم بعد سلام إمامه ظهراً ) إنما لم يقل أو مفارقته مع مناسبته لما تقدم إشارة إلى أنه لا يجوز له المفارقة إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة ، لاحتمال أن الإمام يتذكر ترك ركن فيأتي به فيدرك معه ركعة اه . وهذا صريح في أنه يتابعه في الزائد . ويعارضه قولهم : لا يتابع المأموم الإمام في الزائد حملاً على أنه سها . وأجيب بأن صورة ذلك أن المأموم علم أن الإمام ترك ركناً بأن أخبره معصوم بذلك أو كتب له الإمام به كما قرره شيخنا العشماوي وأشار إليه ح ل و زي .
قوله : ( وينوي وجوباً ) أي إن كان ممن تجب عليه الجمعة وإِلا بأن كان مسافراً أو عبداً أو نحوهما ممن لا تلزمه الجمعة ، فينوي ذلك استحباباً . وعليه يحمل كلام الروض والأنوار حيث عبر الأول بالاستحباب والثاني بالوجوب اه شوبري .
قوله : ( موافقة للإمام ) مقتضاه أنه لو كان الإمام زائداً على الأربعين ولم ينو الجمعة كأن نوى الظهر لا تجب نية الجمعة حينئذ على من ذكر ح ل ، أي لأنه لا موافقة هنا ؛ وليس كذلك بل ينوي الجمعة مطلقاً أي إن كان من أهل الوجوب أخذاً من التعليل الثاني ح ف .
قوله : ( ولأن اليأس ) لا يقال السلام لا يحصل به اليأس بمجرده لاحتمال أن يتذكر قبل طول الفصل ترك ركن فيعود إليه فيضم إلى ما قبل السلام ما بعده عند قرب الفصل ؛ لأنا نقول بالسلام زالت القدوة والأصل التمام . وإنما نظر للاحتمال المذكور مع قيام الصلاة لتقوّيه بقيامها وقد ضعف بالسلام ، ولو نظر لذلك لم يقيد بقرب الفصل لاحتمال التذكر مع الطول فيستأنف فليتأمل ، شوبري .
قوله : ( إِلا بالسلام ) إذ قد يتدارك إمامه ترك ركن فيأتي بركعة فيدرك الجمعة . وهذا ، أي قوله إِلا بالسلام يحمل على من لا عذر له فلا يشكل بما مر فيمن له عذر وأمكن زواله من أن اليأس يحصل برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية ؛ ويفرق بأن لمن مر ثم إن يصلي الظهر قبل فوت الجمعة فلا يفوت عليه بمجرد احتمال إدراكها فضيلة تعجيل الظهر ؛ بخلاف من هنا فإن الجمعة لازمة له فلا يبتدىء غيرها مع قيام احتمال إدراكها شرح المنهج .
قوله : ( جمعة أو غيرها ) خلفه عن قرب أو لا هذه أربعة وسواء كان مقتدياً به أو لا ، فهذه ثمانية من ضرب اثنين في الأربعة ؛ وسواء كان موافقاً لنظم صلاة الإمام أو لا ؛ والحاصل من ضرب اثنين في ثمانية بستة عشر ، وحاصل مسألة الاستخلاف كما يؤخذ من شرح المنهج : أنه إذا كان في غير جمعة جاز مطلقاً ، يعني سواء كان الخليفة مقتدياً بالإمام قبل بطلان صلاته(2/437)
"""""" صفحة رقم 438 """"""
أم لا خلفه عن قرب أم لا ، لكنهم يحتاجون لتجديد نية الاقتداء في هذه وفيما لو كان منفرداً قبل الاستخلاف وخالف نظم صلاته نظم صلاة الإمام ، فإن كان منفرداً ولم يخالف نظم صلاته صلاة الإمام فلا يحتاجون لتجديد نية اقتداء ؛ أما في الجمعة فلا بد أن يكون مقتدياً به قبل الاستخلاف وأن يكون عن قرب ، فإن كان منفرداً قبل ذلك أو طال الفصل امتنع استخلاف في الجمعة لاحتياج المقتدين فيهما إلى تجديد النية المؤدّي لإنشاء جمعة بعد أخرى أو لفعل الظهر ، أي من الخليفة ، مع إمكان الجمعة ؛ وكل ممتنع . هذا كله بالنظر لجواز الاستخلاف .
قوله : ( عن قرب ) خرج به ما لو انفردوا بركن ، فإن الاستخلاف يمتنع في غير الجمعة بغير تجديد نية اقتداء من المأمومين وفيها مطلقاً كما في شرح المنهج ، وقال ع ش : قوله : عن قرب بأن لم ينفردوا بركن قوليّ أو فعليّ أو مضي زمن يمكن فيه وقوع ركن .
قوله : ( قبل بطلانها ) ظرف لقوله مقتد .
قوله : ( جاز ) أي الاستخلاف والمراد به ما يشمل الواجب ، فقد صرحوا بأن الاستخلاف في أولى الجمعة واجب وسواء استخلفه الإمام أم القوم أم بعضهم ، ولو استخلفوا واحداً والإمام آخر فمقدمهم أولى ما لم يكن الإمام راتباً اه . وقوله : وكذا لو خلفه غير مقتدٍ به أي عن قرب .
قوله : ( في قصة أبي بكر ) أي حيث كان يصلي إماماً بالناس في مرض النبي ، فأحسّ النبي بالخفة يوماً فدخل يصلي وأبو بكر محرم بالناس ، فتأخر أبو بكر وقدمه واقتدي به بعد خروجه من الإمامة . لكن فيه أن أبا بكر لم تبطل صلاته بل أخرج نفسه من الإمامة وتأخر عنه واقتدى به ، والمدّعي أن الصلاة بطلت . وأجيب بأنه إذا جاز الاستخلاف مع عدم بطلان الصلاة فمع بطلانها بالأولى ح ل باختصار . وأجيب أيضاً بأنه راجع للتعليل لا للمتن .
قوله : ( وكذا لو خلفه الخ ) مفهوم قوله مقتد وقيده بقيدين ، الأول : لصحة الاستخلاف ، والثاني : لعدم الاحتياج لنية الاقتداء .
قوله : ( إن لم يخالف إمامه ) أي إمام غير الجمعة ، أو الضمير راجع للخليفة . وسمي إمامه لأنه قائم مقامه متم ما فعله فكأنه تابع له وإِلا فهو غير مقتد به . وكتب ق ل على قوله : إن لم يخالف الخ : أي واستخلفه عن قرب . وهذان القيدان لصيرورة الخليفة إماماً لهم من غير نية منهم ، وإِلا فلا يصير إماماً لهم إلا بنيتهم الاقتداء به . وكتب أيضاً قوله : إن لم يخالف إمامه في نظم صلاته بأن استخلف في الأولى أو في ثالثة الرباعية ، فإن استخلف في الثانية أو في(2/438)
"""""" صفحة رقم 439 """"""
الأخيرة لم يجز بلا تجديد نية الاقتداء ، أما في الجمعة فلا يجوز ذلك فيها لأن فيه إنشاء جمعة بعد أخرى إن نوى الخليفة الجمعة أو فعل الظهر قبل فوات الجمعة ، أي إن نوى الظهر ؛ وذلك لا يجوز لأن الفرض أنهم من أهل لزوم الجمعة ولا يرد المسبوق لأنه تابع لا منشىء اه شرح المنهج . وإذا استخلف راعى نظم صلاتهم فيتشهد في ثانيتهم وإن كانت أولى له .
قوله : ( ثم إن كان الخليفة الخ ) مرتبط بقوله وإذا بطلت صلاة إمام بالنسبة للجمعة فهو مفرع على الأول كما يدل عليه كلامه ، وعبارة م ر : ثم على الأول إن كان الخليفة الخ .
قوله : ( أدرك الركعة الأولى ) بأن أدركه قبل فوات الركوع شرح م ر ؛ أي أدرك ما تدرك به الركعة الأولى بأن أدركه في قيامها أو ركوعها ، ففي قوله أدرك الركعة الأولى مسامحة ، والمراد أدرك الركعة مع الإمام .
قوله : ( وإِلا ) أي وإن لم يدرك الأولى بأن لم تكن تمت ، كأن استخلفه في اعتدالها فما بعده شرح م ر .
قوله : ( فتتم لهم لا له ) بشرط أن يكون زائداً على الأربعين ، وإِلا فلا تصح جمعتهم م ر .
قوله : ( مع الإمام ) أي جنس الإمام الصادق بالأصلي والخليفة .
قوله : ( وهو لم يدركها ) أي الركعة الأولى أخذاً مما بعده ولو أريد ركعة مطلقاً لم يحتج إلى ما ذكره بعده ق ل .
قوله : ( كذا ذكره الشيخان الخ ) راجع لقوله وإِلا فتتم لهم لا له . قوله : ( وقضيته ) أي كلام الشيخين حيث قالا : إن أدرك الأولى تمت جمعتهم وجمعته وإِلا فتتم لهم لا له ، زي .
قوله : ( وإن أدرك معه ركوع الثانية ) بأن اقتدي به في اعتدال الأولى أو في الثانية وأدرك معه ركوعها وسجودها واستخلف في التشهد لأنه يصدق عليه أنه لم يدرك الأولى .
قوله : ( ويراعي المسبوق ) أي الخليفة نظم صلاة الإمام ، أي وجوباً في الواجب وندباً في المندوب كما قاله زي ؛ أي فيقنت لهم في الصبح وإن كان يصلي الظهر مثلاً ويترك القنوت في الظهر مثلاً وإن كان هو يصلي الصبح ، وإذا استخلف في ثانية الجمعة وكان أدرك الإمام فيها تشهد عقبها وجوباً . ولو قال الشارح ويراعي الخليفة لكان صواباً كما قاله ق ل . وعبارة المدابغي : ويراعي المسبوق نظم صلاة الإمام لا نظم صلاته هو ، فلا يجب عليه الجلوس للتشهد الأول ويجب عليه الجلوس للتشهد في الجمعة ؛ لأنه من تتمة صلاة المأمومين ؛ فإذا(2/439)
"""""" صفحة رقم 440 """"""
كان مسبوقاً كأن أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه يتشهد عقبها فإذا تشهد أشار إليهم بما يفهمهم فراغ صلاتهم لينووا مفارقته وانتظارهم له ليسلموا معه أفضل مع أمن خروج الوقت وإِلا حرم الانتظار اه حج . وهذا ، أعني قوله ويراعي الخ ربما يقتضي أن الإمام لو قرأ الفاتحة وخرج من الصلاة واستخلفه أن الخليفة يركع بالقوم ويترك الفاتحة وتفوته الركعة ، وليس كذلك ؛ إلى آخر ما أطال به حج وسم . إِلا أن يقال : المراد المراعاة فيما يخل تركه بنظم الصلاة ، فلا يرد ما ذكر .
قوله : ( أشار إليهم ) أي لينووا مفارقته . والمراد بقوله أشار إليهم أي بعد تشهده عند قيامه كما في شرح م ر .
قوله : ( فأمكنه الخ ) وصورته أن يكون على مرتفع والإنسان في منخفض وإِلا لم يكن متمكناً منه .
قوله : ( من إنسان أو غيره ) أي بشرط أن لا يتضرر ، لقول عمر : ( إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه ) . وصورته : أن يكون الساجد على شاخص أي مرتفع والمسجود عليه في وهدة شرح م ر . ولا يضمنه لو تلف ولو قنا على المعتمد خلافاً لق ل ؛ لأنه لم يستول على ما يسجد عليه ، بخلاف ما إذا جر رقيقاً من الصف وتلف فإنه يضمنه لوجود الاستيلاء كما أفاده شيخنا العشماوي .
قوله : ( فلينتظر تمكنه منه ندباً ) أي وله نية المفارقة .
قوله : ( ولو في جمعة ) أي في ثانيتها بدليل قوله ووجوباً في أولى جمعة .
قوله : ( فإن تمكن الخ ) مرتب على قوله فلينتظر أي فإذا انتظر يكون له حالتان : إما أن يتمكن منه قبل ركوع الإمام ، أو فيه . وفي الأولى أربعة أحوال مرتبة على قوله سجد أي ثم بعد السجود : إما أن يجده قائماً ، أو راكعاً ، أو فرغ من ركوعه ، أو يجده سلم ؛ وكلها موجودة في كلامه .
قوله : ( قبل ركوع إمامه ) عبارة م ر : قبل شروعه في ركوعه . قوله : ( فكمسبوق ) أي يركع معه ويتحمل عنه الفاتحة أو بعضها .
قوله : ( فيما هو فيه ) شامل لما إذا كان في الاعتدال فيلزمه القيام ليهوي معه للسجود .
قوله : ( فإن وجده قد سلم ) أي قبل رفع رأسه من السجود الثاني ، بخلاف ما إذا رفع(2/440)
"""""" صفحة رقم 441 """"""
رأسه منه فسلم الإمام بعد فإنه يتمها جمعة ؛ لأنه أدرك ركعة مع الإمام أي قيامها وقراءتها واعتدالها اه م ر .
قوله : ( فاتته الجمعة ) لأنه لم يدرك ركعة مع الإمام ، اه شرح م ر .
قوله : ( إن تمكن ) أي من السجود .
قوله : ( ركوعه الأول ) لأنه أتي به وقت الاعتدال بالركوع والثاني أتي به للمتابعة شرح المنهج .
قوله : ( فركعته ملفقة ) أي من ركوع الأولى أي وقيامها وقراءتها واعتدالها وسجود الثانية شرح المنهج ، أي والجلوس بين السجدتين والسجود مفرد مضاف فيعم كما قاله شيخنا ح ف .
قوله : ( فإن سجد الخ ) أي فإن لم يركع معه بل سجد على ترتيب صلاة نفسه عامداً عالماً بأنّ واجبه الركوع بطلت صلاته ، وإِلا بأن سجد على ترتيب صلاة نفسه ناسياً لذلك أو جاهلاً به فلا تبطل .
قوله : ( عالماً ) أي بأن الواجب عليه المتابعة لإمامه شرح م ر .
قوله : ( بطلت صلاته ) ويلزمه التحرم بالجمعة إن أمكنه ما لم يسلم الإمام اه مرحومي .
قوله : ( لعذره ) ولو عامياً مخالطاً للعلماء لخفائه على العوام اه شرح م ر .
قوله : ( فإذا سجد ثانياً ) بأن فرغ من سجدتيه وقام وقرأ وركع وسجد سجدتيه وهو على نسيانه أو جهله . وقوله : ولو منفرداً أي في الحس ؛ لأنه لم يتابع الإمام في موضع ركعته متابعة حسية حيث جرى على غير تبعية الإمام ، غير أنا ألحقناه في الحكم بالاقتداء الحقيقي لعذره اه أج . وعبارة شيخه ق ل : بأن استمر سهوه فقام لنفسه في الثانية وقرأ وركع وسجد ولو بعد سلام الإمام كما أشار إليه بقوله ولو منفرداً اه م د . وقول ق ل : ولو بعد سلام الإمام الخ لا يناسب قول الشارح بعد فإن كمل قبل سلام الإمام فالأولى كلام أج ، وهو الذي صرح به م ر شيخنا . وقوله وقام وقرأ الخ فليس المراد أنه أتى بسجدتين بلا قراءة وقيام اه . فيحسب له السجود الثاني وتكون الركعة ملفقة أيضاً من هذا السجود الثاني مع الركوع الأول والاعتدال . ومثال غير المنفرد وهو المقتدي حساً أن يتذكر الحال والإمام ساجد السجود الأول في الركعة الثانية فيسجد معه عامداً فيحسب له هذا السجود الثاني ويضم للركوع الأول فتكون ركعته ملفقة أيضاً .
قوله : ( ولو منفرداً ) أي عن موافقة الإمام بدليل قوله فإن كمل الخ .
قوله : ( فإن كمل ) أي هذا السجود ، وقوله قبل سلام الإمام أي إتمامه اه .(2/441)
"""""" صفحة رقم 442 """"""
فصل : في صلاة العيدين
وهي من خصائص هذه الأمة كما قاله المناوي في شرح الخصائص ؛ قال السيوطي : العيدان والاستسقاء والخسوف والكسوف من خصائص هذه الأمة . ومن المعلوم أن صلاة الأضحى أفضل من صلاة الفطر لثبوتها بنص القرآن وهو قوله : ) فصل لربك وانحر } ) الكوثر : 2 ) قال م ر في شرحه : والأصح تفضيل يوم من رمضان على يوم عيد الفطر اه .
قوله : ( من العود ) فأصله عود قلبت الواو ياء لوقوعها ساكنة بعد كسرة .
قوله : ( وقيل لكثرة عوائد الله ) قال الجوهري : والعائدة العطف والمنفعة يقال هذا الشيء أعود عليك من كذا أي أنفع اه مرحومي . والأولى أن تفسر الأعواد بالنعم .
قوله : ( وإنما جمع بالياء الخ ) شروع في سؤال أجاب عنه بجوابين .
قوله : ( للزومها في الواحد ) في هذا نظر لانتقاضه بنحو ميزان ، فإن الياء لازمة في الواحد وجمعه بالواو ، قال تعالى : ) ونضع الموازين القسط } ) الأنبياء : 47 ) فالظاهر في التعليل هو ما حكاه بقيل ؛ ولهذا عكس في المصباح فقدم التعليل الثاني وحكى الأول بقيل ، فقال : جمع العيد على أعياد فرقاً بينه وبين أعواد الخشب ، وقيل : للزوم الياء في واحده ، وقد كان يوماً العيدين للجاهلية يومي لعب فأمرنا بإظهار الذكر فيهما إغاظة للمشركين وشكراً على ما أولينا قبلهما من تتميم رمضان وما اشتمل عليه عشر ذي الحجة لا سيما الحج . قال في الإتحاف : وإنما كان يوم الفطر من رمضان عيداً لجميع الأمة إشارة لكثرة العتق قبله كما أن يوم النحر هو العيد الأكبر لكثرة العتق في يوم عرفة قبله ، إذ لا يوم يرى أكثر عتقاً منه ، فمن أعتق قبله فهو الذي بالنسبة إليه عيد ومن لا فهو في غاية الإبعاد والوعيد اه .
قوله : ( أراد به صلاة الأضحى ) وقيل : المراد صلّ الصلاة المفروضة بالمزدلفة وانحر البدن بمنى ، وقيل : إن ناساً كانوا يصلون وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه أن يصلي له وينحر له تقرباً . والكوثر نهر في الجنة أو القرآن أو النبوّة أو كثرة الأتباع والأمة اه رحماني .
فائدة : جعل الله للمؤمنين في الدنيا ثلاثة أيام : عيد الجمعة والفطر والأضحى ، وكلها(2/442)
"""""" صفحة رقم 443 """"""
بعد إكمال العبادة وطاعتهم . وليس العيد لمن لبس الجديد بل هو لمن طاعته تزيد ، ولا لمن تجمل باللبس والركوب بل لمن غفرت له الذنوب . وأما عيدهم في الجنة فهو وقت اجتماعهم بربهم ورؤيته في حضرة القدس ، فليس شيء عندهم ألذّ من ذلك .
قوله : ( والذبح ) أي ذبح الأضحية .
قوله : ( وأول عيد صلاه النبي عيد الفطر ) وكان في المكان المعروف الآن في المدينة بمصلي العيد خارج سورها في منزل الحاج المصري اه ق ل . قوله : ( فهي سنة ) الظاهر تفريعه على الدليلين قبله ، لكن بواسطة حمل الأمر على الندب لأنه أدنى المراتب وحمل فعله أي النبي على ذلك لما ذكر . وقال أبو حنيفة : هي واجبة عيناً وعند أحمد فرض كفاية وعندنا كمالك سنة . ودليلنا حديث : ( هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قال : لا إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ ) . قلت : وهذا بناء على أنه استثناء منقطع . وقال أبو حنيفة وغيره : إِلا أن تطوع فعليك الإتمام ؛ واستدلوا به على لزوم إتمام كل نفل شرع فيه . واستدل الأولان بآية : ) فصل لربك وانحر } ) الكوثر : 2 ) والأمر للوجوب . وأجيب : بأنا لا نسلم أن المراد صلّ العيد ، ولئن سلمناه لاقتضى وجوب النحر علينا وأنتم لا تقولون به ، وإن سلمنا فهو خاص به كما اختص به النحر ، فإذا أدخلتم معه الأمة وجب إدخال الجميع فلما دل الدليل على إخراج بعضهم كما زعمتم كان ذلك قادحاً في القياس اه رحماني .
قوله : ( عن الصلاة ) أي عن عدد الواجب منها .
قوله : ( خمس صلوات ) مقول القول .
قوله : ( إِلا أن تطوع ) استثناء منقطع أو المراد تطوعه بإيجاب صلاة عليه بالنذر أو غير ذلك .
قوله : ( لمواظبته ) وتركه لصلاة عيد النحر في منى لا ينافي المواظبة مع أنه لا دليل على تركها مطلقاً لاحتمال أنه صلاها فرادى سم .
قوله : ( بمنى ) ليس بقيد ، حتى لو نزلوا بمكة لم تسن لهم الجماعة أيضاً ، فإن صلوها جماعة كان خلاف السنة . وحكمته التخفيف عليهم لاشتغالهم بأعمال التحلل والتوجه إلى مكة عن إقامة الجماعة والخطبة اه .(2/443)
"""""" صفحة رقم 444 """"""
قوله : ( على شروط الجمعة ) أي من اعتبار الجماعة والعدد وغيرهما شرح الروض .
قوله : ( ما بين طلوع الشمس ) أي ابتداء طلوعها ولو للبعض زي . ولا يعتبر تمام الطلوع خلافاً لما في العباب ؛ لأن ما لم يظهر من قرص الشمس تابع لما ظهر طلوعاً وغروباً ق ل .
قوله : ( يوم العيد ) المراد به يوم يعيد الناس ولو ثاني شوال كما يأتي في قوله ( أما شهادتهم بعد اليوم بأن شهدوا بعد الغروب الخ ) .
قوله : ( ويسن تأخيرها الخ ) فهذه صلاة فعلها في أوّل وقتها مفضول اه ق ل . ولم يكره على المعتمد خلافاً لما في شرح الروض .
قوله : ( لترتفع ) أي إلى أن ترتفع فلو فعلها قبل ارتفاعها لم يكره على المعتمد ؛ لأنها ذات سبب متقدم م ر . والرمح قدر سبعة أذرع في رأى العين . وفي البرماوي ما نصه : ويندب تأخيرها للارتفاع كرمح كما فعلها النبي وللخروج من الخلاف ، فإن لنا وجهاً أن وقتها لا يدخل إِلا بالارتفاع اه .
قوله : ( بنية صلاة عيد الفطر أو الأضحى ) فلا بد أن يعين عيد الفطر أو الأضحى في نيته ، ولا يقال الوقت يعين لأنه لا يعين عندنا عبد البر .
قوله : ( يكبر ) أي مع رفع يديه كما في التحرم ولا يضر الرفع لو والاها على المعتمد اه ق ل .
قوله : ( سبعاً ) أي يقيناً فعند الشك يأخذ بالأقل كما يأتي ، ومنه ما لو شك في أيها أحرم به فيجعلها الأخيرة ويعيدهن بخلاف ما لو شك هل نوى الإحرام بواحدة منهن فإنه ليس في صلاة فيعيدها اه حج زي .
قوله : ( بعد دعاء ) ظرف لقوله يكبر .
قوله : ( كآية معتدلة ) وضبطه بعضهم بقدر سورة الإخلاص .(2/444)
"""""" صفحة رقم 445 """"""
قوله : ( ويمجد ) أي يعظم بتسبيح وتحميد . وخرج بقوله بين ما قبلها وما بعدها قل .
قوله : ( ويحسن ) أي يستحب ؛ ويؤخذ منه أنه يجوز توالي التكبيرات وحينئذ فلا تبطل صلاته بتوالي الرفع كما في الزيادي . وعبارة ق ل : وله تواليها ولو مع رفع اليدين ، ولا تبطل صلاته على المعتمد اه . قال الرحماني : وهذا مستثنى من العمل الكثير المبطل ، فقول ابن حجر لو اقتدى بحنفي والاها فارقه ممنوع وإن وجهه سم بأنه عمل كثير في غير محله المطلوب عندنا وهو مبطل والتكبير عندهم بعد القراءة وتوجيه الأوّل أنه مطلوب في الجملة فاغتفر فيه التوالي ولو في غير محله المطلوب . وحكمة طلب الفصل في تكبير الصلاة عدم توالي الحركات فيها المطلوب تركه بحسب الأصالة .
قوله : ( في ذلك ) أي البين من قوله بين كل الخ شوبري .
قوله : ( أن يقول سبحان الله ) أي سراً سم .
قوله : ( وهي الباقيات ) هذا تفسير ابن عباس وجماعة ، وقال البيضاوي : هي أعمال الخير التي تبقى للشخص ثمرتها ، وقيل : هي الصلوات وأعمال الحج وصيام رمضان .
قوله : ( خمساً ) أي يقيناً . ولو اقتدى بمخالف وافقه ندباً في العدد وفي محله ، فلو خالفه كره ولو قضى العيد كبر على المعتمد رحماني . فإن قلت : يشكل على موافقة الإمام ما يأتي من أنه لا يوافقه إذا زاد في تكبيرات الجنازة . قلت : لأنها ثم أركان ، وجرى خلاف في زيادة الركن القولي بخلاف ما هنا ، فإذا زاد ولو على ما يعتقده المأموم تابعه اه . وعبارة ق ل : ولو نقص إمامه عن السبع أو الخمس تابعه ولا يزيد عليه سواء نقص باعتقاد أو لا ولا يتابعه لو زاد . وفي حاشية الشوبري : فرع لو اقتدى بحنفي كبر ثلاثاً أو مالكي كبر ستاً تابعه ولم يزد عليه مع أنها سنة ليس في الإتيان بها مخالفة فاحشة ، بخلاف تكبيرات الانتقالات وجلسة الاستراحة ونحو ذلك فإنه يأتي بها . وعللوه بما ذكرناه من عدم المخالفة الفاحشة . ولعل الفرق أن تكبيرات الانتقالات مجمع عليها فكانت آكد ، وأيضاً فإن الاشتغال بالتكبيرات هنا قد يؤدي إلى عدم سماع قراءة الإمام بخلاف التكبير في حال الانتقال ، وأما جلسة الاستراحة فلثبوت حديثها في الصحيحين حتى لو ترك إمامه هنا جميع التكبيرات لم يأت بها اه شرح م ر .
قوله : ( بالصفة السابقة ) أي قوله يقف ندباً الخ .
قوله : ( قبل التعوذ ) ظرف لقوله يكبر .(2/445)
"""""" صفحة رقم 446 """"""
قوله : ( في الجميع ) أي التكبير والجهر والرفع .
قوله : ( كغيرها من تكبير الخ ) الظاهر أنه راجع لقوله ندباً وهو أولى من رجوعه إلى ويرفع يديه لأنه لا يرفع يديه في جميع التكبيرات بل في بعضها ، ومن رجوعه إلى قوله ويجهر لأنه لا يجهر في التكبيرات إِلا عند الحاجة إليه . وعبارة شرح م ر : كغيرها من معظم تكبيرات الصلوات اه . فيصح رجوعه للرفع اه شيخنا خليفي اه مدابغي .
قوله : ( مطلقاً ) أي سواء قضاها يوم العيد أو بعده مرحومي ، وسواء قضاها ليلاً أو نهاراً .
قوله : ( لأنه من هيئاتها ) ولأن القضاء يحكي الأداء . ويؤخذ منه أنه يجهر في القضاء أيضاً ، وهو كذلك وإن فعلت في وقت السر اه زي . وذلك لأنها صلاة نهارية وشرع الجهر فيها فبقيت على أصلها ففارقت غيرها من بقية الصلوات اه أ ج .
قوله : ( لم يتداركها ) أي لتلبسه بفرض ، فإن عاد لم تبطل صلاته بخلاف ما لو تذكرها في ركوعه أو بعده وعاد للقيام ليكبر وهو عامد عالم فإن صلاته تبطل شرح م ر . فيؤخذ منه أن معنى قوله لم يتداركها أي لا يسن له ذلك كما قاله أ ج . وقوله : لم يتداركها أي لا في الأولى ولا في الثانية إن كان الفائت من الأولى ، ولو أدرك الإمام في الثانية كبر معه خمساً ثم في ثانيته لا يكبر إِلا خمساً ، إذ لو زاد خالف سنة الاقتصار على خمس بخلاف ما لو ترك الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة فيقرؤها مع المنافقين في الثانية ولا يسن الاقتصار على المنافقين في الثانية وفرق بينهما اه سم .
قوله : ( ولو تذكرها بعد التعوّذ ) تداركها فلا تفوت به ولا يفوت الافتتاح بها ، ويفوت بالتعوّذ ويفوت الكل بالقراءة ولو ناسياً ، وهو يجري في سائر الصلوات اه ق ل .
قوله : ( لا يكون مستفتحاً ) بل قارئاً .
قوله : ( ويندب أن يقرأ بعد الفاتحة الخ ) قال الأذرعي : إنه يقرؤهما وإن لم يرض المأمومون بالتطويل شرح م ر . قال في الكفاية : المعنى في ذلك أن يوم العيد شبيه بيوم(2/446)
"""""" صفحة رقم 447 """"""
المحشر والسورتان فيهما أهوال المحشر ؛ و ق ، قال الواحدي : جبل محيط بالدنيا من زبرجد وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة وما بينهما ظلمة ؛ كذا نقله الواحدي عن أكثر المفسرين . وقال مجاهد : هو فاتحة السورة سم على المنهج .
قوله : ( ويخطب بعدهما ) ولو خرج الوقت كما في شرح الروض ، ولو قدمت الخطبة على الصلاة لم يعتدّ بها كالراتبة بعد الفريضة إذا قدمت كما قاله في شرح المنهج ؛ وهو يقتضي أنها تحرم لأنه متعاط عبادة فاسدة كالأذان قبل الوقت ونوزع في التحريم إذا قصد الخطبة اه زي . وفي ق ل : فلو قدمهما لم يصح ويحرم إن تعمد لأنه تلبس بعبادة فاسدة اه .
قوله : ( لجماعة ) أي ولو من العبيد والصبيان وكذا النساء ، لكن لا يخطب لهنّ إِلا ذكر ، ولو قامت واحدة وعظتهنّ بغير خطبة فلا بأس ؛ والخناثى كالنساء اه ق ل .
قوله : ( لا لمنفرد ) عبارة الشيخ عبد البر : ومن يصلي وحده لا يخطب لعدم فائدته اه .
قوله : ( لا في شروط ) كالقيام والستر والطهارة والجلوس بينهما ، ويسن الجلوس قبلهما للاستراحة كما أفاده عبد البر .
قوله : ( وحرمة قراءة الجنب الخ ) لأنه لا بد لصحة الخطبة من قصد القراءة لكون الجنابة صارفة ، ومتى قصدها حرم عليه ، وإذا لم يقصدها لم تصح الخطبة ، تأمل . وهذا ، أعني قوله وحرمة قراءة الجنب الخ جواب اعتراض وارد على قوله لا في شروط فكان مقتضاه أنها لا تحرم قراءة الآية ؛ لأن الطهارة ليست شرطاً . فأجاب بأن حرمة القراءة لكون الآية قرآناً لا لكون الطهارة شرطاً ، وكان الأولى أن يبدل قوله ليس لكونها ركناً فيها بقوله ليس لكون الطهارة شرطاً وعبارة المرحومي : أي ليست الحرمة لأجل كون الآية ركناً فيقتضي اشتراط كون الخطيب متطهراً حال الخطبة ، بل الحرمة لأجل قرآنيتها لأن في الآية جهتين كونها ركناً في الخطبة وكونها قرآناً ، فالحرمة لأجل الجهة الثانية لا للأولى .
قوله : ( لكن لا يخفى أنه يعتبر الخ ) استدراك على قوله لا في شروط .
قوله : ( يعتبر في أداء السنة ) أي وفي صحة الخطبة أيضاً في هذا المحل وفي غيره من سائر الخطب الإسماع والسماع ، وكون الخطبة عربية ، وكذا كون الخطيب ذكراً على المعتمد ق ل .
قوله : ( الفطرة ) أي أحكامها ، وهي بكسر الفاء .(2/447)
"""""" صفحة رقم 448 """"""
قوله : ( وكلها بعد الصلاة ) نعم يصح تقديم خطبة الاستسقاء كما يأتي ق ل .
قوله : ( إلا الثلاثة الباقية ) وهي التي في يوم التروية ، أي يوم السابع والتي في يوم العيد والتي في يوم النفر من منى ، يعلمهم في كل واحدة ما أمامهم من المناسك ؛ وهذه الثلاثة متروكة الآن أ ج .
قوله : ( ولاء ) بأن لا يفصل بينها ، وقوله أفراداً أي بأن يفرد كل تكبيرة بنفس ويفوت بالشروع في الخطبة ق ل . وأفراداً بفتح الهمزة وكسرها الأوّل جمع والثاني مفرد ؛ وعبارة أ ج : قال ابن قاسم : لا يبعد فوات هذا التكبير بالشروع في أركان الخطبة كما يفوت التكبير في الصلاة بالشروع في القراءة اه .
قوله : ( تشبيهاً ) راجع لقوله تسعاً وسبعاً .
قوله : ( وسنّ غسل للعيدين ) ولو لغير مميز فيغسله وليه ، كما قيل به في غسل إسلام الكافر الصغير تبعاً لأبيه .
قوله : ( لأنه يوم زينة ) مقتضاه أنه يطلب من الحائض والنفساء كما في غسل الإحرام وهو كذلك اه .
قوله : ( ويدخل وقته بنصف الليل ) ولكن فعله بعد الفجر أفضل ويخرج بالغروب ، ويندب التطيب للذكر بأحسن ما يجده عنده من الطيب ، والتزين بأحسن ثيابه ، وأفضلها البيض إِلا أن يكون غيرها أحسن فهو أفضل منها هنا لا في الجمعة ؛ والفرق أن المراد هنا إظهار النعم(2/448)
"""""" صفحة رقم 449 """"""
وثَمَّ إظهار التواضع . وهل التزين هنا أفضل منه في الجمعة أو هو فيها أفضل أو يستويان ؟ فيه نظر ، والأقرب تفضيل ما هنا على الجمعة ؛ بدليل أنه طلب هنا أعلى الثياب قيمة وأحسنها منظراً ولم يختص التزين فيه بمريد الحضور بل طلب حتى من النساء في بيوتهنّ كما في ع ش على م ر . ويستحب إزالة الشعر والظفر والريح الكريهة ، ويدخل وقت المندوبات بنصف الليل كالغسل ؛ ولكن هذا في غير التبكير ، أما هو فبعد الفجر والمستسقى يوم العيد يترك الزينة والطيب وذو الثوب الواحد يغسله ندباً لكل جمعة وعيد اه أ ج .
قوله : ( وتبكير ) معطوف على غسل ويدخل وقت التبكير بالفجر كما في شرح م ر . وقال ابن حجر : الأولى دخوله بنصف الليل .
قوله : ( وحكمته اتساع وقت الأضحية ) كتب إلى عمر حين ولاه البحرين ( أن عَجِّلِ الأَضْحَى وَأَخِّرِ الفِطْرَ ) رواه البيهقي وقال : هو مرسل اه خ ض .
قوله : ( بمسجد أفضل لشرفه ) قال في الأنوار : يستحب الاجتماع في موضع واحد ويكره تعدده بلا حاجة وللإمام المنع منه زي .
قوله : ( إِلا لعذر كضيقه ) والكلام في غير المساجد الثلاثة ، أما هي ففعلها فيها أفضل مطلقاً لشرفها وسهولة الحضور إليها مع اتساعها ، ومن لم يلحق مسجد المدينة بالمسجد الحرام فذاك قبل اتساعه اه أ ج .
قوله : ( وإذا خرج لغير المسجد استخلف ندباً من يصلي ويخطب فيه ) عبارة خضر على التحرير : فإن ضاق استخلف من يصلي بالبعض بالصحراء أو بمكان آخر كما استخلف عليّ أبا مسعود الأنصاري في ذلك ؛ رواه الشافعي بإسناد صحيح . فإن استخلف من يصلي وسكت عن الخطبة لم يخطب كما صرح به الجيلي لكونه افتياتاً على الإمام ، إِلا إن علم رضاه بذلك فيخطب اه . وبه تعلم ما في كلام الشارح ، فإنه يقتضي أن الخليفة يكون في المسجد ، وكلام خضر يفيد أنه في غيره فتأمل .
قوله : ( وأن يذهب الخ ) ولا يتقيد ذلك بالعيد بل يجري في سائر العبادات كالحج وعيادة المريض ، إلا في الغزاة فالأولى لهم الركوب إرهاباً للعدّو اه ح ل .
قوله : ( ويرجع في قصير ) أفاد بذلك سنتين كون الرجوع في آخر وكونه قصيراً ، قال م(2/449)
"""""" صفحة رقم 450 """"""
ر : ويرجع في طريق آخر غير الذي ذهب إليه ويخص بالذهاب أطولهما اه . وبهذا يندفع قول ق ل لو سكت عن قصير لكان أولى اه ثم رأيت حج في الفتاوى ذكر أن أصل السنة يحصل بالذهاب في قصير والرجوع في طويل وكمالها يحصل بالعكس ، فليحفظ .
قوله : ( كجمعة ) أي كما يطلب ذلك في الجمعة .
قوله : ( ويمسك عن الأكل في عيد الأضحى ) وحكمته امتياز يوم العيد عما قبله بالمبادرة بالأكل أو تأخيره شرح المنهج ، أي ولو كان مفطراً فيما قبل عيد الفطر لعذر أو غيره وصائماً فيما قبل عيد الأضحى ؛ لأن المراد شأنه ذلك اه شوبري . وعبارة المرحومي : وأن يأكل قبلها في عيد فطر ، أي ليتميز عما قبله الذي كان الأكل فيه حراماً وليعلم نسخ تحريم الفطر قبل صلاته فإنه كان محرماً قبلها أوّل الإسلام بخلافه قبل صلاة الأضحى والشرب كالأكل اه .
قوله : ( أي عيد الفطر والأضحى ) وتكبير ليلة الفطر آكد من تكبير ليلة الأضحى بالنظر للمرسل أما المقيد في الأضحى فإنه أفضل من المرسل حتى من مرسل ليلة الفطر اه ابن شرف .
قوله : ( ودليله الخ ) ذكر أدلة ثلاثة : الأوّل : الآية ، والثاني : القياس ، والثالث : إظهار سرور العبد . كل دليل لدعوى مما قبله ، والدعاوى ثلاثة : ليلة عيد الفطر ، وليلة عيد الأضحى ، ورفع الصوت .
قوله : ( واستثنى الرافعي منه ) أي من رفع الصوت .
قوله : ( ونحوهم ) كالزوج والنساء ، أما بحضرة من ذكر فلا يكره لها رفع الصوت ؛ لكن ينبغي أن يكون دون رفع الرجل ، وكذا يقال في كل ما جاز لها رفع الصوت فيه كالتلبية وقراءة القرآن ونحو ذلك م د .
قوله : ( إلى أن يدخل الإمام في الصلاة ) ومنه يعلم أنه لا يسنّ التكبير عقب صلاة عيد الفطر ، فما جرت به العادة من التكبير عقبها فهو خلاف السنة . وظاهر كلامهم أن التكبير في حق من يريد الجماعة يستمر طلبه منه إلى إحرام الإمام وإن تأخر إحرامه إلى الزوال أو إلى ما بعده وفي حق المنفرد إلى إحرامه كذلك ، أما في حق من لم يصلّ أصلاً فإلى الزوال ؛ فاحفظ ذلك اه م د .(2/450)
"""""" صفحة رقم 451 """"""
قوله : ( إذ الكلام مباح إليه ) أي إلى دخول الإمام في الصلاة بالتحريم .
قوله : ( فالتكبير أولى ما يشغل به ) قد يقتضي أنه أولى من الصلاة على النبي ومن قراءة الكهف ليلة العيد إذا كانت ليلة جمعة ، فليحرر شوبري . والمعتمد أنه أفضل ، أي الاشتغال به أفضل من الاشتغال بهما ؛ لأنه شعاره ما لم يكن ما ذكر ورداً له في الجمعة .
قوله : ( خلف صلاة الفرائض ) قال شيخنا ق ل : يفوت التكبير بطول الفصل بعد الصلاة أو الإعراض عنه اه . قلت : في شرح م ر أنه إذا تركه عمداً أو سهواً لا يفوت ولو طال الفصل فيتداركه لأنه شعار الأيام لا تتمة للصلاة بخلاف سجود السهو ؛ وهذا أي محل الخلاف بين ق ل وم ر في التكبير الذي يرفع به الصوت ويجعله شعار اليوم ، أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه لم يمنع منه كما نقله في الروضة عن الإمام وأقره اه أ ج . وينبغي تأخير المرسل عن أذكار الصلاة بخلاف المقيد فإنه يقدمه عليها ، ومن المرسل التكبير ليلة عيد الفطر خلف الصلوات لأن الفطر ليس فيه مقيد .
قوله : ( والنوافل ) ولو مطلقة وذات سبب لا سجدة تلاوة وشكر ق ل . ومنها صلاة الكسوف والاستسقاء وإن قال ابن الرفعة : لم أقف فيهما على نقل شرح العباب .
قوله : ( ولو فائتة ) وقضاها في أيام العيد ، ولا فرق في المقضية بين أن تكون من أيام العيد أو غيرها . وهذا بخلاف ما لو فاتته صلاة فيها وقضاها في غير العيد وأيام التشريق فلا يكبر كما في المجموع ، بل قال : إنه لا خلاف فيه لأن التكبير شعار الوقت اه أ ج .
قوله : ( وصلاة جنازة ) عبارة شيخ الإسلام في شرح التحرير : ولو صلاة جنازة . وهذه الغاية للرد على الخلاف ، ولا يرد عليه أنها مبنية على التخفيف ؛ لأنه واقع بعدها لا فيها . ويحمل كلام من استثناها كصاحب التنقيح على ما فيه تأخير ، خصوصاً إذا خيف تغير الميت بنحو ظهور ريح كما ذكره خ ض والرحماني .
قوله : ( من بعد صلاة صبح ) الذي يظهر دخول وقت التكبير بمجرد الفجر ، وإن لم تفعل الصبح حتى لو صلى فائتة أو غيرها قبلها كبر أو يستمر وقته إلى الغروب آخر أيام التشريق ،(2/451)
"""""" صفحة رقم 452 """"""
حتى لو قضى فائتة قبيل الغروب كبر وتقييدهم بالعصر جري على الغالب من عدم الصلاة بعدها ، فلا مفهوم له خلافاً لابن حجر شوبري اه . فجملة الصلوات التي يكبر عقبها غير الحاج ثلاث وعشرون : ثلاثة في يوم عرفة ، والباقي الأربعة بعده اه خ ض . قال القليوبي في حاشيته هنا : ولو قال من وقت صلاة صبح أو أسقط لفظ صلاة لكان أعم وأولى اه . ليشمل ما إذا صلى نافلة أو مقضية قبل صلاة الصبح . وقوله : إلى بعد فيه جر بعد بإلى مع أنها لا تجر إِلا بمن قال بعضهم بيتاً :
اجرر بمن لا غير قبل بعد مع
لدن ودون عند فافهم تتبع قوله : ( أيام التشريق ) سميت بذلك لإشراقها بضوء الشمس والقمر ، وقيل : لتشريق اللحم فيها ، أي نشره وتقديده اه أ ج .
قوله : ( الثلاثة ) نص عليها للرد على مالك القائل إنها ثنتان اه ق ل .
قوله : ( وأما الحاج ) خرج المعتمر والظاهر أنه كغيره إِلا في زمن اشتغاله بأعمالها اه ق ل ، أي فجملة ما يكبره خلفه من الفرائض خمسة عشر فرضاً كما في متن البهجة على المعتمد . وعبارة أج : وأما الحاج فيكبر الخ أي فلا يكبر ليلة الأضحى خلافاً للقفال بل يلبي لأن التلبية شعاره والمعتمر يلبي إلى أن يشرع في الطواف شرح م ر .
وقوله : ( ليلة الأضحى ) جري على الغالب من أن الإحرام بالحج لا يكون إِلا بعد عيد الفطر ، فلو فرض أن شخصاً أحرم بالحج ليلة عيد الفطر إذ ميقاته الزماني يدخل بدخول شوّال فإنه يصير حاجاً ، إذ المراد بالحاج المحرم بالحج حينئذ فيلبي ولا يكبر اه .
قوله : ( من ظهر يوم النحر ) أي لمن تحلل ذلك الوقت ، فإن تقدّم التحلل عليه أو تأخر عنه اعتبر التحلل مطلقاً لأن شعار من لم يتحلل التلبية ق ل . ويسن له إذا رأى شيئاً من بهيمة الأنعام في ذي الحجة التكبير ، قاله صاحب التنبيه وغيره . والظاهر أن من علم كمن رأى فالتعبير بها ، أي بالرؤية جري على الغالب شرح م ر .
قوله : ( إلى عقب صبح ) المعتمد أنه يستمر إلى غروب الشمس زي ، فالحاج وغيره مختلفان في المبدأ ومشتركان في النهاية .
قوله : ( عقب الصلاة يسمى مقيداً ) ولو تعارض عليه التكبير المقيد وأذكار الصلاة قدّمه على الأذكار وإن كان لا يفوت اه سم .(2/452)
"""""" صفحة رقم 453 """"""
قوله : ( المحبوبة ) أي المسنونة كما في المحرر .
قوله : ( بعد التكبيرة الثالثة ) أي وبعد ما بعدها من لا إله إلا الله الخ س ل .
قوله : ( كبيراً ) حال أو معمول لمحذوف ، أي : كبرت كبيراً أي رباً كبيراً أي عظيماً .
قوله : ( كثيراً ) صفة لمحذوف ، أي : حمداً . وقوله : بكرة هي أول النهار ، والبكرة : الغدوة ، والجمع بكر ؛ وقوله وأصيلاً هو من العصر إلى الغروب ، وجمعه : أصل وآصال ، أي أول النهار وآخره ، والمراد جميع الأزمنة .
قوله : ( صدق وعده ) أي في وعده أي بنصر نبيه وجنده هم المسلمون ، فالضمير إما لله أو للعبد ؛ والأحزاب كفار قريش وغيرهم من القبائل ، وكانوا عشرة آلاف وأميرهم أبو سفيان ابن حرب قبل إسلامه ، غزا بهم المدينة وهي غزوة الخندق فأرسل الله عليهم ريحاً ليلاً هدمت الخيام وأكفأت القدور فهزمهم بها من غير قتال ، وأنزل فيهم سورة الأحزاب .
قوله : ( ونصر عبده ) وأما كلمة وأعز جنده فغير وارده فلم تطلب ، لكن نص العلقمي على أنها واردة . وأما الصلاة على النبيّ فلا يبعد استحبابها لقوله تعالى : ) ورفعنا لك ذكرك } ) الشرح : 4 ) مع تفسيره بلا أذكر إِلا وتذكر معي كما قاله ع ش . قوله : ( وهزم الأحزاب ) أي الذين تحزبوا في غزوة الخندق لحربه عليه الصلاة والسلام ؛ فاللام للعهد أو المراد كل من تحزب من الكفار لحربه عليه الصلاة والسلام فتكون استغراقية كما في القسطلاني ؛ وعبارة تفسير البيضاوي على قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } ) الأحزاب : 9 ) يعني الأحزاب ، وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء أي قدر اثني عشر ألفاً ) فأرسلنا عليهم ريحاً } ) الأحزاب : 9 ) ريح الصبا ) وجنوداً لم تروها } ) الأحزاب : 9 ) وهي الملائكة . رُوي أنه عليه الصلاة والسلام لما سمع بإقبالهم ، ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم ، ومضى على الفريقين قريب شهر لا حرب بينهم إِلا الترامي بالنبل والحجارة حتى بعث الله عليهم صَباً أي ريحاً باردة في ليلة شاتية ، فأخصرتهم وسَفَت التراب في وجوههم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وهاجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر ، فقال طلحة بن خليد الأسدي : أما محمد فقد رماكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال اه .(2/453)
"""""" صفحة رقم 454 """"""
قوله : ( وتقبل شهادة هلال شوّال الخ ) ويكفي فيها واحد بالنسبة للإحرام بالحج وإخراج الزكاة وصلاة العيد والفطر ، أما لوقوع طلاق أو عتق فلا بد من اثنين شيخنا .
قوله : ( يوم الثلاثين ) أي بأن شهدوا برؤية الهلال الليلة الماضية كما في المرحومي . قال شيخنا ح ف : تسميته يوم الثلاثين إنما هو بحسب الظاهر ، أي بالنظر لما قبل شهادتهم ، وإِلا فهو أول شوّال .
قوله : ( وإلا ) بأن كان بعد الزوال أو قبله بدون الزمن المذكور شرح المنهج .
قوله : ( فلا تقبل في صلاة العيد ) أي في ترك صلاة العيد أي بالنسبة لتركها كما يدل عليه قوله في شرح المنهج ، إذ لا فائدة في قبولها إِلا ترك الصلاة فلا يصغي إليها اه . وعبارة شرح م ر : لأن شوّالاً قد دخل يقيناً وصوم ثلاثين قد تمّ ، فلا فائدة في شهادتهم إِلا المنع من صلاة العيد . واستشكله الأسنوي بما حاصله أن قضاءها يمكن ليلاً ، وهو أقرب وأحوط ؛ وأيضاً فالقضاء هو مقتضى شهادة البينة الصادقة كما أنها مقبولة في فوات الجمعة واستيفاء القصاص ورجم الزاني وغير ذلك فكيف يترك العمل بها وتنوى من الغد أداء مع علمنا بالقضاء لا سيما عند بلوغ المخبرين عدد التواتر ؟ اه سم .
قوله : ( فتصلى من الغد ) الظاهر ولو للرائي شوبري ، وليس يوم الفطر أول شوّال مطلقاً بل يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحون ويوم عرفة الذي يظهر لهم أنه هو وإن كان العاشر فقد صح أنه قال : ( الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ ) وروى الشافعي : ( عَرَفَةُ يَوْمَ يُعْرِّفُونَ ) اه أج .
قوله : ( والعبرة فيما لو شهدوا قبل الزوال الخ ) فإن عدلوا قبل الغروب فتصلي العيد قضاء متى شاء قضاءها ولو بعد شهر ، خلافاً لمقابل الأظهر القائل إنه لا يجوز قضاؤها بعد شهر ؛ وإن كان التعديل بعد الغروب صليت من الغد أداء . قوله : ( وعدلوا بعده ) أي وقبل الغروب .
قوله : ( بوقت التعديل ) لأنه وقت جواز الحكم بها ، فتصلي العيد قضاء شرح المنهج . وإذا شهدوا قبل الغروب وعدلوا بعده فتصلى من الغد أداء اعتباراً بوقت التعديل .
قوله : ( في التهنئة ) التهنئة ضد التعزية فهي الدعاء بعود السرور ، والتعزية حمل المصاب على الصبر بوعد الأجر والدعاء له .(2/454)
"""""" صفحة رقم 455 """"""
قوله : ( عن ذلك ) أي عما يفعله الناس .
قوله : ( فيه ) أي في الكلام على التهنئة .
قوله : ( على ذلك ) أي الجواب المذكور .
قوله : ( مشروعة ) أي مسنونة ، وهذا هو المعتمد م د .
قوله : ( تقبل الله الخ ) قضية هذا أن هذا من التهنئة ، ومنه : أعاده الله عليكم بخير ، والمراد : تقبل الله منكم صلاة العيد والأضحى والقيام .
قوله : ( وساق ما ذكر ) أي ما ذكره البيهقي .
قوله : ( والتعزية ) الظاهر أنه معطوف على ما من قوله بما يحدث . ووجه الاحتجاج بالتعزية على التهنئة أنها تفهم بطريق المقايسة ؛ لأنه إذا سنت التعزية على المصيبة سنت التهنئة على السرور .
قوله : ( كعب بن مالك ) هو كعب بن مالك الخزرجي ، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا } ) التوبة : 118 ) الآية ، والثلاثة : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، اه مرحومي .
خاتمة : اجتماع الناس بعد العصر للدعاء كما يفعله أهل عرفة ، قال الإمام أحمد : لا بأس به ؛ وكرهه الإمام مالك ، وفعله الحسن وسبقه ابن عباس . قال النووي : وهو بدعة حسنة ، رحماني . وقال الشيخ الطوخي بحرمته لما فيه من اختلاط النساء بالرجال كما هو مشاهد الآن . قال النووي رحمه الله : ومن البدع المذمومة المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف في ليال معروفة من السنة كليلة النصف من شعبان لما فيه من إضاعة المال في غير محله ، ومن البدع المنكرة أيضاً ما يفعل في الجوامع من إيقاد القناديل وتركها إلى أن تطلع الشمس وترتفع ؛ وهو فعل اليهود في كنائسهم كما نبه على ذلك الشيخ زين الدين التفتازاني . وأكثر ما يفعل ذلك في يوم العيد وهو حرام ، ومما يشبه ذلك أيضاً وقود الشمع الكثير ليلة عرفة بمنى ؛ وقد ذكر النووي في شرح المهذب أنه حرام شديد الحرمة اه . من أحكام المساجد لابن عبدان والله أعلم .(2/455)
"""""" صفحة رقم 456 """"""
فصل : في صلاة الكسوف
كان الأولى أن يقدّم عليها صلاة الاستسقاء كما صنع شيخ الإسلام في تحريره لمناسبة اشتراكها مع العيدين في الكيفية ، ووجه ذكرها عقب صلاة العيد تمام مشابهتها لها بخلاف الكسوف أبعد الشبه فيها زيادة القيام والركوع ، ولأن وقتها أي صلاة الاستسقاء المختار وقت صلاة العيد اه . وبما ذكر اندفع الاعتراض على شيخ الإسلام بأنه كان ينبغي أن يقدم صلاة الكسوفين لأنها أفضل من صلاة الاستسقاء ، وكما صنع في المنهج . وعبارة ق ل عليه : وإنما قدم الاستسقاء عقب العيد لمشاركته له في كيفية الصلاة والخطبة من طلب التكبير فيها وإن أبدل في خطبة الاستسقاء بالاستغفار اه .
قوله : ( الأفصح ) والواقع أيضاً لأن الكسوف الستر والخسف الذهاب بدليل ما بعده . وقوله لا حقيقة له أي من حيث ذهاب ضوئها كما سيذكره ، وإلا فهو يستتر هنا حقيقة عرفية ق ل .
قوله : ( وإنما القمر يحول بيننا وبينها الخ ) وأبطله ابن العربي بأنهم زعموا أن الشمس أضعاف القمر فكيف يحجب الأصغر الأكبر إذا قابله ؟ قسطلاني في شرح البخاري . وسئل م ر : هل القمر في كل شهر هو الموجود في آخر أم لا ؟ فأجاب بأن في كل شهر قمراً جديداً . فإن قيل : ما الحكمة في كون قرص الشمس لا يزيد ولا ينقص وقرص القمر يزيد وينقص ؟ أجيب بأن الشمس يؤذن لها أن تسجد تحت العرش لله في كل ليلة والقمر لا يؤذن له إلا ليلة الرابع عشر من الشهر فإذا أهلّ الهلال يزيد كل ليلة فرحاً أن يؤذن له في السجود تلك الليلة ثم بعد ذلك ينقص ويدق غماً إلى آخر الشهر اه عبد البر في حاشيته على المنهج . والكسوف لغة : التغير إلى السواد ، يقال : كسفت الشمس إذا اسوّدت وذهب شعاعها ، ومنه قولهم : فلان كاسف الحال أي متغيره ، وقال أهل اللغة : الخسوف المحو والكسوف الاستتار .
قوله : ( بظلمته ) أي بجرمه المظلم ق ل .
قوله : ( لأن ضوءه من ضوء الشمس ) أي مستفاد .
قوله : ( بحيلولة ظل الأرض ) أي جرمها كما هو الصواب اه ق ل . ولا مانع من ذلك وإن كانت الشمس في السماء الرابعة وهو في سماء الدنيا ؛ لأن قدرة الله صالحة ، فإذا حال(2/456)
"""""" صفحة رقم 457 """"""
جرم الأرض بينه وبينها انمحى النور عن جرمه ولهذا لا يكون الخسوف إلا في أنصاف الأشهر عند المقابلة وما وقع في غيرها فمن خرق العادات والله يفعل ما يشاء . قال النيسابوري : وقد جعل الله الشمس قدر الأرض اثنتي عشرة مرة وجعل سيرها في البروج من السنة إلى السنة لأن البروج اثنا عشر وهي تسير في كل شهر في برج منها فترجع في السنة إلى المنزل الذي ابتدأت منه السير ، وتكون في الشتاء في أسفل البروج وفي الصيف في أعلى البروج ولا تجتمع مع القمر في سلطانه لئلا يبطل كل واحد منهما خاصية صاحبه ، إذ في الشمس خصائص لا توجد في القمر وبالعكس ؛ لأن الله جعل الشمس طباخة للثمار والفاكهة ولولاها ما نبت زرع ولا خرجت فاكهة ، ولها خصائص أخر مذكورة في محلها ، وجعل الله القمر صباغاً لسائر أنواع الفاكهة وفيه خواصّ أخر . قال السيوطي في الفلك المشحون : الحكمة في كسوف الشمس وخسوف القمر أن الله تعالى لما أجرى في سابق علمه أن الكواكب تعبد من دونه وخصوصاً النيرّين فقضى عليهما بالكسوف والخسوف وصيرّ ذلك دلالة على أنهما مع إشراق نورهما وما يظهر مع حسن آثارهما مأموران في مصالح العباد مسيران وفي النار يوم القيامة مكوّران فسبحان الحكيم . قال ابن العماد : سبب كسوف الشمس تخويف العباد بحبس ضوئها ليرجعوا إلى الطاعة ؛ لأن هذه النعمة إذا حبست لم ينبت زرع ولم يجفّ ثمر ولم يحصل له نضج . وقيل : سببه تجلي الله تعالى عليهما فإنه ما تجلَّى لشيء إلا خضع ، فقد تجلّى للجبل فجعله دكًّا . وقيل : سببه أن الملائكة تجرها وفي السماء بحر فإذا وقعت فيه حال سيرها استتر ضوؤها . وسبب مغيب الشمس أنها تغيب في عين حمئة لقوله تعالى : ) تغرب في عين حمئة } ) الكهف : 86 ) أي ذات حمأ أي طين . وقيل : سبب غروبها أنها عند وصولها لآخر السماء تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش ، فتقول : يا رب إن قوماً يعصونك ، فيقول : ارجعي من حيث شئت فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق . ومن خواص الشمس أنها ترطب بدن الإنسان إذا نام فيها وتسخن الماء البارد وتبرد البطيخ الحار . ومن خواص القمر أنه إذا نام فيه الإنسان يصفر لونه ويثقل رأسه ويسوّس العظام ويبلي ثياب الكتان . وسئل الإمام عليّ عن السواد الذي فيه ، فقال : إنه أثر مسح جناح جبريل ؛ وذلك أن الله خلق نور القمر سبعين جزءاً ومثله الشمس ثم أمر جبريل فمسحه بجناحه فمحا من القمر تسعة وستين جزءاً فحوّلها إلى الشمس فأذهب عنه الضوء وأبقى فيه النور ، فذلك قوله تعالى : ) فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } ) الأسراء : 12 ) . وإذا نظرت إلى السواد الذي فيه وجدته حروفاً أولها الجيم وثانيها الميم وثالثها الياء واللام والألف آخر الكل أي جميلاً ، وقد شاهدت ذلك وقرأته مراراً اه كذا بخط شيخنا الحفني نقلاً عن ابن العماد .
قوله : ( ألبتة ) بقطع الهمزة والنصب دائماً ق ل .(2/457)
"""""" صفحة رقم 458 """"""
قوله : ( واسجدوا لله ) أي صلوا .
قوله : ( آيتان ) تثنية آية وهي العلامة المخلوقة لله الدالة على وحدانيته وعظم قدرته ، أو على تخويف عباده من بأسه وسطوته . وهذا الحديث قاله لما كسفت الشمس يوم موت ولده من مارية القبطية وهو إبراهيم عليه السلام ، فتحدث الناس بأن كسوفها لأجل موته ؛ وكان موته عاشر ربيع الأول وعاش إبراهيم عليه السلام ستة عشر شهراً وثمانية أيام ، وقيل سنة وعشرة أشهر وستة أيام ، وقيل عاش ثمانية عشر شهراً ؛ كان مولده في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي سنة عشر وخسفت الشمس يومئذ اه .
قوله : ( ولا لحياته ) استشكلت هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن الكسوف لموت إبراهيم عليه السلام كما تقدم ولم يذكروا الحياة . فالجواب : أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقد أن يكون سبباً للإيجاد فعمم الشارع المنفي لدفع هذا التوهم شوبري . وقال بعضهم : قوله ولا لحياته لأن المصيبة كما تكون بموت الشخص تكون بحياته كاليزيد والحجاج .
قوله : ( فإذا رأيتم ذلك ) أي شيئاً منه لاستحالة اجتماعهما عادة في وقت واحد وإن كان ذلك جائزاً في القدرة الإلهية .
قوله : ( فصلوا ) أي الصلاة المعروفة لأنه من المجمل المبين بفعله ق ل .
قوله : ( وادعوا ) ندباً وإنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة الخارق تعرض عن الدنيا وتتوجه للحضرة العليا فيكون حينئذ أقرب للإجابة . لا يقال هذا يدل على تكرر صلاة الكسوف إذا لم تنجل وهو غير مشروع ؛ لأنا نقول : المراد مطلق الصلاة وقد يراد صلاة الكسوف وتكون الغاية لمجموع الأمرين بأن يمتد الدعاء إلى الانجلاء . وفيه أنه يسن عند الكسوف الدعاء بكشفه وصلاة تخصه ، وأنها تسن جماعة ، وأن الكواكب لا فعل لها ولا تأثير استقلالاً بل بأمر الله ؛ ولما خسف القمر في السنة الخامسة جعلت اليهود يرمونه بالسهم ويضربون بالطاس أي بالنحاس ويقولون سحر القمر ، فصلّى عليه الصلاة والسلام صلاة الخسوف ، فيستفاد من هذا أن الضرب على الطاس ونحوها عند خسوف القمر فعل اليهود فينكر حينئذ لعموم نهيه عليه الصلاة والسلام عن التشبه بالكفار اه عناني .
قوله : ( ما بكم ) أي الذي حل بكم من الخوف بسبب تغير تلك الآية وهو لا يزول إلا بانجلائها .(2/458)
"""""" صفحة رقم 459 """"""
قوله : ( وواظب عليها ) لا يخفى أنه لم يتكرر كسوفهما في زمنه فما معنى المواظبة تأمل اللهم إلا أن يقال واظب لو وقع أو المراد أمر بذلك وواظب الناس عليها بعده ق ل . وقرر شيخنا العشماوي أن الذي في كتب الحديث أن خسوف القمر وقع مرتين في زمنه وكسوف الشمس لم يقع في زمنه إلا مرة ، فالمراد المواظبة في الجملة .
قوله : ( ولأنها الخ ) أصل الكلام : ولأنها كصلاة الاستسقاء في أنها ذات ركوع الخ ، فقوله ذات ركوع بيان للجامع بين المقيس والمقيس عليه كما قرره شيخنا ح ف . وأشار بهذا التعليل لرد القول بوجوبها كما يرشد إليه بقية كلامه اه شوبري .
قوله : ( كصلاة الاستسقاء ) ولما كانت صلاة الاستسقاء متفقاً على عدم وجوبها جعلها أصلا مقيساً عليه للرد على القائل بوجوبها أي صلاة الكسوف ، تأمل .
قوله : ( على مستوى الطرفين ) وهو المباح لأنه استوى فعله وعدم فعله وهما الطرفان ، فمعنى قوله لا يجوز تركها أي لا يباح تركها بل هو مكروه .
قوله : ( وفوات صلاة كسوف الشمس الخ ) بمعنى يمتنع فعلها بعد ذلك لا بمعنى فوات الأداء وتقييد الفوات بالصلاة يقتضي أن الخطبة لا تفوت بذلك وهو كذلك إذ في مسلم أن خطبة النبي لصلاة الكسوف إنما كانت بعد الإنجلاء اه عبد البر مع زيادة .
قوله : ( بالإنجلاء ) أي التام يقيناً ، فله الشروع فيها مع الشك فيه ، وإذا تبين الحال عمل بمقتضاه . قال : فإن قلت : لم فاتت صلاة الخسوف بالإنجلاء ولم تفت صلاة الاستسقاء بالسقيا ؟ قلت : لأنه لا غنى للناس عن مجيء الغيث ، فتكون صلاتهم ثم لطلب الغيث المستقبل وهنا لأجل الخسوف وقد زال بالانجلاء ؛ والمعتمد في صلاة الاستسقاء إذا فعلت بعد السقيا أنه إنما ينوي بها الشكر على ما حصل فافهم ولو حال دون الشمس سحاب وشك في الانجلاء أو الكسوف وقال منجم واحد أو أكثر انجلت أو انكسفت لم يؤثر فتصلي في الأولى(2/459)
"""""" صفحة رقم 460 """"""
أداء ، إذ الأصل بقاء الكسوف دون الثاني ، إذ الأصل عدمه ؛ وقول المنجمين لا يعوّل عليه ، ولا يرد على ذلك جواز العمل بقولهم في دخول الوقت والصوم لأن هذه الصلاة خارجة عن القياس فاحتيط لها ، وبأن دلالة علمه أي المنجم على ذينك أي الوقت والصوم أقوى منها هنا وذلك لفوات سببها اه م ر . ولو أحرم بها كسنة الظهر ظناً بقاء الوقت فبان خلافه وقعت نفلاً مطلقاً ، بخلافها في الكيفية المعروفة إذ ليس لنا نفل مطلق على صورتها ولا توصف بأداء ولا قضاء سواء أدرك ركعة في الوقت أم لا ، انظر خ ض .
قوله : ( وبغروبها كاسفة ) انظر هل المراد بغروبها حقيقة أو حكماً حتى يدخل فيه أيام الدجال فلا يصلى لها إذا كسفت فيما يقدر أنه ليل لأن هذا ليل تقدير ؟ أو المراد بغروبها حقيقة لا حكماً فيصلي لها إذا كسفت فيما يقدر أنه ليل لا نهار موجودة . بالفعل وينتفع بها في ذلك الوقت ؟ مال شيخنا زي إلى أنه يصلي لها إذا كسفت فيما يقدر أنه ليل ويجهر بالقراءة في صلاتها لأنه ليل تقديراً ، فالوجه أن يراد بهما ما يعم الحقيقي والحكمي . ويلغز فيقال : لنا صلاة كسوف شمس يجهر فيها بالقراءة وصلاة خسوف قمر مع طلوع الشمس . ويؤيد ما قاله شيخنا زي أنه يصلي للقمر إذا خسف بعد الفجر لأنه ينتفع به في ذلك الوقت انتفاعاً تاماً وهو من النهار حقيقة ، فعهد لنا أنا نصلي لأحد الكسوفين في غير وقته المعهود اه عبد البر .
قوله : ( وبطلوع الشمس ) أي جزء منها اتفاقاً .
قوله : ( لا بطلوع الفجر ) أي ولا بغروب القمر خاسفاً كما لو استتر بغمام . ويفارق غروب الشمس كاسفة بأن الليل محل سلطانه كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة ق ل على التحرير : قوله : ولا بطلوع الفجر لأنه ينتفع بضوئه فيه فهو محل سلطانه فألحق بالليل ، بل هو ليل حقيقة عند علماء الهيئة لأن النهار عندهم من ظهور الشمس والليل عدمه اه . ولا يقال إن طلوع الفجر يصيرها قضاء ؛ لأن ما قبل الفجر هنا كما بعده فالوقت واحد فلم يخرج أي الوقت اه شرح العباب لابن حجر اه خ ض .
قوله : ( لم تقض ) أي لم يصح قضاؤها . وعبارة أج : لم تقض أي لم يطلب قضاؤها بل لا يصح اه .
قوله : ( لم تبطل بلا خلاف ) لكن إذا غربت وقد بقي الركعتان أو ركعة جهر بالقراءة ، كما إذا طلعت الشمس في خسوف القمر حيث يسر فيما بقي ، كما لو صلى من الصبح ركعة وطلعت الشمس أو غربت بعد فصل ركعة من العصر حيث يسر في ركعة الصبح ويجهر في(2/460)
"""""" صفحة رقم 461 """"""
ركعة العصر . أما لو شرع فيها ظاناً بقاءه فتبين الانجلاء قبل تحرمه بطلت ، ولا تنعقد نفلاً مطلقاً إن صليت على الهيئة المذكورة إذ ليس لنا نفل من هيئتها اه سم .
قوله : ( فيحرم بنية صلاة الكسوف ) ولا بد من تعيين كونها للشمس أو للقمر ثم إن نواها بركوعين تعين أو كسنة الظهر مثلاً تعين وإن أطلق فسيأتي ق ل .
قوله : ( ثم يعتدل ) أي قائلاً : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويقول ذلك في كل رفع ، وهذا هو المعتمد خلافاً للماوردي في أنه لا يقول ذلك في الرفع الأوّل بل يرفع مكبراً لأنه ليس اعتدالاً اه أج مع زيادة .
قوله : ( كسنة الظهر ) إنما آثر الظهر لأنها أول صلاة ظهرت فلو نواها كسنة الظهر ثم عنّ له بعد الإحرام أن يزيد ركوعاً في كل ركعة لم يجز ؛ وهذا هو المعتمد برماوي .
قوله : ( ويحمل ) أي قولهم إن هذا أقلها .
قوله : ( ولا يجوز زيادة ركوع ثالث ) فتبطل بذلك كما لا تصح النية به ق ل ولا يكررها .
قوله : ( في الصحيحين ) أي في صلاته لكسوف الشمس من حديث أبي موسى .
قوله : ( بعد الفاتحة وسوابقها الخ ) صريح في أنها لا تكبير فيها كالعيدين ولا استغفار ، وأما خطبتاها فسيأتي يقول لكن لا يكبر فيهما الخ . نعم لا يبعد سن الاستغفار فيهما كالاستسقاء اه م د .
قوله : ( البقرة ) أي لأنها فسطاط القرآن وسنامه ولبابه تعلمها عمر بن الخطاب لفقهها وما تحتوي عليه في اثني عشر سنة ، وابنه عبد اا ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; في ثمان سنين . وقال ابن العربي : فيها ألف أمر(2/461)
"""""" صفحة رقم 462 """"""
وألف نهي وألف حكم وألف خبر ، أخذها بركة وتركها حسرة لا يستطيعها البَطَلَةُ وهم السحرة لمجيئهم بالباطل إذا قرئت في بيت لم تدخله مردة الشياطين ثلاثة أيام اه . دميري .
قوله : ( كمائتي آية منها ) أي الآيات المعتدلة .
قوله : ( ونص في البويطي ) أي في كتابه ؛ وهو يوسف بن يعقوب بن يحيى القرشي من بويط قرية من صعيد مصر الأدنى ، كان خليفة الشافعي رضي الله عنه مات سنة اثنين وثلاثين ومائتين اه أج . قوله : ( أو قدرها ) ذكر ذلك في هذا وما بعده مدرج في النص المذكور ، فكان الأولى إسقاطه ق ل . وظاهر كلامهم كما قال الأذرعي استحباب هذه الإطالة وإن لم يرض المأمومون بها . ويفرق بينها وبين المكتوبة بالندور أو بأن له الخروج منها بخلاف المكتوبة ، وأيضاً القاعدة أن كل أمر ورد الشرع بخصوص شيء فيه لا يفتقر إلى رضاهم اه شرح م ر . وسيذكر الشارح بعض ذلك .
قوله : ( وفي الثالث النساء ) إن قلت : هذا النص يقتضي تطويل القيام الثالث على الثاني إذ النساء أطول من آل عمران وهو خلاف الأصل ، بخلاف النص الأول فيه تطويل الثاني على الثالث وهو الأصل ، إذ الثاني فيه مائتان والثالث مائة وخمسون ، وبين النصين على ما تقرر تفاوت كبير فكيف يقول الشارح ليس اختلافاً الخ ؟ قلت : نعم نظر بعضهم في ذلك بما ذكر ؛ ولكنهم ردوه بأنه يستفاد من مجموع النصين تخييره بين تطويل الثالث على الثاني ونقصه عنه اه أج .
قوله : ( وفي الرابع قدر خمسين ) هلا قال : قدر ستين ؟ قال الشوبري : قال ع ش : ووجه ما قاله إنه جعل نسبة الرابع للثالث كنسبة الثاني للأول وقد نقص عنه عشرين ، فكذلك الرابع ينقص عن الثالث عشرين .(2/462)
"""""" صفحة رقم 463 """"""
قوله : ( ونص ) أي عليه في كتاب البويطي ، وقوله إنه يطوّلها خبر قوله والصحيح والمراد يطوّل السجدات نحو الركوع ، وهذا هو المعتمد .
قوله : ( قياس ما قالوه في صلاة الوتر الخ ) معتمد في المقيس دون المقيس عليه كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة أج : قوله : في صلاة الوتر هذا على طريقته التي قدمها في الوتر من أنه إذا نوى الوتر وأطلق تخير . والذي اعتمده م ر أنه إذا أطلق في الوتر حمل على ثلاث ، وأما الكسوف فيتخير اه .
فرع : لو نذر صلاتها هل يكفيه أيّ كيفية منها فيه ؟ نظر سم . قال شيخنا : ينبغي الاكتفاء ولو بركعتين كسنة الظهر لأنه أقل ما ينطلق عليه اسم صلاة الكسوف قياساً على ما لو نذر التصدق فيتصدق بأقل متموّل ، نعم لو نذر كيفية بعينها تعينت ولا يكفيه غيرها كما لو نذر التصدق بدرهم لا يكفيه التصدق بدينار اه .
قوله : ( أن يكون هنا كذلك ) معتمد وإن كان المقيس عليه ضعيفاً . والفرق أن عدد ركعات الكسوف لم تختلف وإنما اختلفت الكيفية ، وأما الوتر فعدد ركعاته مختلفة م د .
قوله : ( كنظيره في العيد ) قال في التحفة : قضيته أنه إن ضاق الجامع خرج لفعلها في الصحراء ، وليس كذلك بل يصليها في المسجد وإن ضاق ؛ وإنما لم تسن في الصحراء لأن خروجهم إليها يعرّضها للفوات بالانجلاء اه . قال شيخنا : اللهم إلا أن تكون الصحراء قريبة كما يؤخذ من التعليل اه أج . قوله : ( خطبتين ) أي وإن انجلت الشمس ؛ وذلك لأن المقصود منهما الوعظ وهو لا يفوت بذلك ، قاله الأجهوري . ويدلك على ذلك تقييد الشارح فيما تقدم بقوله : وفوات صلاة الكسوف الخ فقيد بالصلاة فافهم .
قوله : ( كخطبتي عيد ) أي فلا يكفي خطبة واحدة ، ولا يعتبر فيها الشروط المعتبرة في(2/463)
"""""" صفحة رقم 464 """"""
خطبة الجمعة فلا يشترط فيهما قيام ولا جلوس بين الخطبتين ولا طهر ، وإنما ذلك سنة كما في خطبة العيد ؛ نعم يعتبر لأداء السنة الإسماع والسماع وكون الخطبة عربية .
قوله : ( لكن لا يكبر فيهما ) لعدم وروده ، قال الناشري : ويحسن أن يستغفر لأنه لم يرد فيه نص اه . قلت : وما قاله الناشري لائق بالحال ؛ لأن الكسوف مما يخوّف الله به عباده خصوصاً إذا كثرت ذنوبهم فعند ذلك يطلب الدعاء والاستغفار منه اه أج .
قوله : ( وعتق ) الأولى أن يقول وإعتاق لأن الفعل المتعدي أعتق لا عتق لأنه لازم ، تقول : عتق العبد ، ولا تقول : عتقت العبد ، بل تقول : أعتقت العبد اه مرحومي .
قوله : ( أنه يخرج في ثياب بذلة ) أي فهو سنة .
قوله : ( فلا يدرك شيئاً منها ) أي من الركعة التي فاته منها ما فاته ، ومحله إذا أراد صلاتها بركوعين أما إذا أراد صلاتها كسنة الظهر وأدرك الركوع الثاني من الركعة الثانية فإنه يدرك الركعة كما تقدم في صلاة الجماعة اه أج .
قوله : ( ويجهر الخ ) ظاهره ولو في أيام الدجال في الوقت المحكوم عليه بأنه ليل . وعبارة سم : لو كسفت الشمس في أيام الدجال في الوقت المحكوم فيه بأنه ليل فلا إشكال أنه يجهر بالقراءة لأنه وقت جهر ، لكن هل ينوي كسوف الشمس لأنه وقت شمس حقيقة وإن كانت في ليل حكماً أو كسوف القمر لأنه وقت قمر حكماً للحكم على ذلك الزمان بأنه ليل ؟ قال م ر بالثاني ، ولا تردّد عندي في الأول ، فليتأمل اه بحروفه .
قوله : ( أو ملحقة بها ) أي إذا كانت بعد الفجر .
قوله : ( ولو اجتمع الخ ) حاصله أنه إن اجتمع فرض جمعة أو غيرها مع كسوف ، فإن خاف فوت الفرض فقط قدمه أو فوت الكسوف فقط قدمه أو فوتهما قدم الفرض لأنه أهم . وعبارة المنهج : أو اجتمع كسوف وفرض كجمعة قدم إن ضاق وقته وإلا فالكسوف .(2/464)
"""""" صفحة رقم 465 """"""
تنبيه : إذا قدم الكسوف على فرض غير الجمعة فظاهر إطلاقهم تقديم الخطبة أيضاً ، ويحتمل خلافه لأنها لا تفوت بالانجلاء . وأيضاً فقولهم يقتصر على الفاتحة يرشد إلى ذلك . ثم رأيت في تحرير العراقي نقلاً عن التنبيه أنه يصلي الكسوف ثم الفرض ثم يخطب ولو بعد خروج الوقت اه عميرة زي اه مرحومي .
قوله : ( ولم يأمن الفوات ) بأن خاف الفوات .
قوله : ( فعلى هذا ) إلى قوله هذا إن خيف فوته مفرع على قوله ثم الآكد ، لأن معنى قوله ثم الآكد أي ثم بعد استوائهما خوفاً ، فالآكد وهما الآن مستويان في الخوف . وقوله فإن لم يخف فوت الفرض مفرع على قوله قدم الأخوف ومعنى ( لم يخف فوت الفرض ) لم يشتد خوف الفوات ، لأن فرض المسألة لم يأمن الفوات وهو خوف الفوات فيقتضي أنه موجود في كل الصور ، فتأمل ، قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( هذا إن خيف فوته ) أي اشتد خوف فوته لأن فرض المسألة أنه خائف الفوات .
قوله : ( فإن لم يخف فوت الفرض قدم الكسوف ) أي صلاته ثم يصلي الفرض ثم يخطب للكسوف لأن الخطبة لا تفوت بالانجلاء ولو كان وقت الفرض متسعاً اه مرحومي .
قوله : ( متعرضاً للكسوف ) أي فيما بين أركان الخطبة . والمراد بقوله متعرضاً للكسوف أي لما يقال في خطبته بأن يأتي بالحديث المشهور ، وهو إن الشمس والقمر الخ . وقوله : ولا يصح الخ أي فلا بد من قصد الخطبة للجمعة ولا يكفي الإطلاق لوجود الصارف ح ل .
قوله : ( قدمت الجنازة ) اتسع الوقت أو ضاق .
قوله : ( خوفاً من تغيير الميت ) لأن الميت مظنة للتغيير ح ل . قال السبكي : قضية تعليلهم بخوف تغيير الميت أن تقديم الجنازة على الفرض ولو جمعة عند اتساع الوقت واجب(2/465)
"""""" صفحة رقم 466 """"""
اه . ومن ثم تعلم أن الناس مخطئون فيما يفعلونه الآن من تأخير الجنازة من اتساع وقت الفرض ، قال القرافي : وهذا خطأ ظاهر يجب اجتنابه اه عميرة زي . قال ح ل : وهذا محله ما لم يكن التأخير يسيراً لمصلحة الميت لكثرة المصلين عليه وإلا فلا ينبغي منعه ، فلو خيف تغير الميت قدمت الجنازة على الفرض وإن خيف فوت وقته .
قوله : ( والعيد مع الكسوف كالفرض ) أي فيقدم منهما ما خيف فوته ، فإن خيف فوتهما معاً قدم العيد لأنه أفضل من الكسوف .
قوله : ( والقصد منهما واحد ) وهو الوعظ .
قوله : ( مع أنهما تابعان للمقصود ) وهو الصلاة ، والظاهر أنه يراعي العيد فيكبر في الخطبة لأن التكبير حينئذ لا ينافي الكسوف لأنه غير مطلوب في خطبته لا أنه ممتنع فيها شوبري .
قوله : ( عند الزلازل ) قال في المختار : والزلازل الشدائد ، وقوله : كالصواعق قال فيه الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد ، يقال صعقتهم السماء من باب قطع إذا ألقت عليهم الصاعقة ، والصاعقة أيضاً صيحة العذاب ، وعن بعضهم أن الصاعقة ثلاثة الموت ، كقوله : ) فصعق من في السموات } ) الزمر : 68 ) والعذاب كقوله : ) أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } ) فصلت : 13 ) والنار كقوله : ) ويرسل الصواعق } ) الرعد : 13 ) وتطلق الصاعقة مجازاً على قصفة رعدها هائل معها نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه ، والقصفة صوت الرعد أو شدة صوته ؛ وأصل القصف الكسر ، ومعنى أتت عليه أهلكته كما ذكره شيخ الإسلام على البيضاوي .
مسألة : هل للزلزلة سبب أم لا ؟ الجواب : نعم قال الشبرخيتي عن القزويني : وسبب الزلزلة أن بعوضة خلقها الله تبارك وتعالى وسلّطها على الثور الذي عليه الأرض فهي تطير أبداً بين عينيه ، فإذا دخلت أنفه حرك الثور رأسه فيتحرك جانب من جوانب الأرض ؛ ويقال إن عروق جبل ق ذاهبة في أصول بلاد الأرض ، فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب أهل بلدة أمر ملكاً بتحريك ذلك العرق الذي هو راسخ تحتها فتزلزل تلك البلدة . وجبل ق هو المحيط بالدنيا . وحديث الثور ضعيف ، بل أنكره بعضهم . وقيل : سبب الزلزلة تحريك الحوت . وذكر محمد بن علي الترمذي عن عكرمة : أن الزلزلة وكسوف الشمس من تجلّي الرب تعالى . وعن(2/466)
"""""" صفحة رقم 467 """"""
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : رجفت المدينة في حياة عمر رضي الله عنه ، فخطب الناس ثم قال : إن هذا لا يكون في بلدة حتى يكثر فيها الزنا والربا ، فإذا رجفت ثانية لم أقم بين ظهرانيكم . قال ابن عباس : ما زلزلت ثانية حتى قبض عمر رضي الله عنه اه . وقد وقعت الزلزلة في عهد النبي ثم في عهد عمر ثم في عهد علي . وكان ابن عباس أميراً على البصرة في خلافة علي . وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين في خلافة المتوكل كانت زلزلة مهولة بدمشق سقطت منها دور وهلك تحتها خلق وامتدت إلى أنطاكية فهدمتها وإلى الجزيرة فأخربتها ، وإلى الموصل فيقال هلك من أهلها خمسون ألفاً . وفي سنة اثنين وأربعين في خلافته أيضاً زلزلت الأرض زلزلة عظيمة بتونس وأعمالها ونيسابور وطبرستان وأصبهان وتقطعت جبال وتشققت الأرض بقدر ما يدخل الرجل في الشق . وفي سنة خمسة وأربعين في خلافته أيضاً عمت الزلازل الدنيا فأخربت المدن والقلاع والقناطر وسقط من أنطاكية جبل في البحر ، وسمع من السماء أصوات هائلة وزلزلت مصر ، وسمع أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة فماتت خلق من أهل بلبيس وغارت عيون مكة . وفي سنة أربع وأربعين وثلثمائة زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت ودامت ثلاث ساعات . وكانت زلزلة لطيفة يوم الجمعة بعد العصر ليلة أربعة عشر من شهر ذي الحجة ختام سنة ثمان ومائتين وألف ، وهبت ريح شديدة ليلة السبت لثمان ليال من شهر شوّال سنة عشر ومائتين وألف ودامت ثلاث درج فغرق منها سفن كثيرة ومات خلق كثيرون في البحر ؛ ختم الله لنا بخاتمة السعادة .
قوله : ( والريح الشديدة ) اعلم أن الرياح أربع : الصبا وهي من تجاه الكعبة أي قدامها ، والدبور من ورائها ، والشمال من جهة شمالها ، والجنوب من جهة يمينها . ولكل منها طبع ، فالصبا حارة يابسة ، والدبور باردة رطبة ، والجنوب حارة رطبة ، والشمال باردة يابسة ، فإذا أردت فأسند ظهرك لباب الكعبة فإن الشمال عن شمالك . ولا ينافي هذا ما ورد في حديث أنها سبعة ؛ لأن ما زيد على الأربعة يرجع إليها . وقد نظهما بعضهم فقال :
صبا ودَبُور والجنوب وشمأل
هي الأربع اللاتي تهب لكعبةِ
فمن وجهها ريح الصبا وهي حارة
ويابسة عكس الدبور لحكمةِ
لمبنى جنوب حارة وهي رطبة
شمال بعكس للجنوب وتمت
جمع الريح أرواح ورياح . والهواء بالمدّ : الريح الهابة بين السماء والأرض ، والهوى بالقصر : العشق والمحبة .
قوله : ( وأن يصلي في بيته ) قال الشافعي رضي الله عنه : وهذه الكيفية تأتي في غير الكسوفين كالزلازل ، لكن فرادى لا جماعة ق ل على التحرير . وتقدم عن عبد البر أنه لا يسن لذلك صلاة بل إنما يطلب الدعاء عندها فحرره .(2/467)
"""""" صفحة رقم 468 """"""
قوله : ( لئلا يكون ) علة لجميع ما قبله ، وقوله غافلاً أي في هذا الوقت ، وقوله لأنه الخ سقط منه العاطف .
قوله : ( اللهم اجعلها رياحاً ) أي رحمة ولا تجعلها ريحاً أي عذاباً الخ . انظر وجه هذه التفرقة بين الجمع حيث جعله بمعنى الرحمة وجعل المفرد بمعنى العذاب مع أن الرياح جمع ريح والريح تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب . ويجاب بأنه لشفقة النبي يجعل دعاءه بالرياح لطلب الرحمة ودعاءه بدفع الريح بمعنى العذاب ، وإنما كان الرياح لطلب الرحمة لأنها تكون بحرية وغربية وشرقية وقبلية فاختلافها سبب لرحمة الناس لأن كل واحد من الناس يطلب ما يناسبه منها .
فصل : في صلاة الاستسقاء
وشرعت صلاته في السنة السادسة من الهجرة .
قوله : ( طلب السقيا ) فالسين والتاء للطلب ، والسقيا إعطاء الماء .
قوله : ( عند حاجتهم إليها ) لهم أو لغيرهم ، قال في شرح المهذب : يستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب ؛ نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ولم يتعرضوا للصلاة ، وظاهر كلامهم أنها لا تشرع لكن صرح الغزالي في البسيط كالإمام تبعاً للرافعي بجواز فعلها ، وإن تأخرت الإجابة استسقوا وصلوا ثانياً وثالثاً ، فقد صرح الرافعي بأن التكرار مستحب وهو في المرة الأولى آكد . وفي مختصر ابن الحاجب : قال أصبغ : استسقي بمصر خمسة وعشرون يوماً متوالية وحضره ابن القاسم وأشهب وغيرهم . وسكت الشيخ عن إعادة الخطبة وصرح في الحكاية بإعادة الصلاة والخطبة اه .
قوله : ( ويستأنس ) لم يقل ويستدل ؛ لأن هذا شرع موسى عليه السلام وشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره أي دليل يوافقه ، والذي من خصائصنا كونها بهذه الكيفية المخصوصة فلا ينافي ما ذكروه من أن العيدين والكسوفين والاستسقاء من الخصوصيات .(2/468)