دعواها ويقول له أشهد انك ان كنت نكحتها فهى طالق إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل بها أعطاه شيئا قليلا على أن يطلقها واحدة ولا يملك رجعتها وإن ترك ذلك القاضى ولم يقبل ذلك المدعى عليه النكاح والمرأة والرجل يعلمان أن دعواها حق فلا تحل لغيره ولا يحل له نكاح أختها حتى يحدث لها طلاقا قال وهما زوجان غير أنا نكره له إصابتها خوفا من أن يعد زانيا يقام عليه الحد ولها هي منعه نفسها لتركه إعطاءها الصداق والنفقة فإن سلم ذلك إليها ومنعته نفسها حتى يقر لها بالنكاح خوف الحبل وأن تعد زانية كان لها إن شاء الله تعالى لان حالها في ذلك مخالفة حاله هو إذا ستر على أن يؤخذ في الحال التى يصيبها فيها لم يخف وهى تخاف الحمل أن تعد بإصابته أو بإصابة غيره زانية تحد وحالها مخالفة حال الذى يقول لم أطلق وقد شهد عليه بزور والقول في البعير يباع فيجحد البيع والدار فيجحد المشترى البيع
ويحلف كالقول في الجارية وأحب للوالى أن يقول له افسخ البيع وللبائع اقبل الفسخ فإن لم يفعل فالبائع في ذلك القول يقبل الفسخ فإن لم يفعل ولم يعلم بالوجه الآخر من أنه كالمفلس له إجارة الدار حتى يستوفى ثمنها ثم عليه تسليمها إليه أو إلى وارثه وكذلك يصنع بالبعير وإن وجد ثمن الدار أو البعير من مال المشترى كان له أخذه وعليه تسليم ما باعه إليه إذا اخذ ثمنه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه في النكاح والبيع وغير ذلك ولو شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا وكان الرجل يعلم أنهما كاذبان وفرق القاضى بينهما وسعه أن يصيبها إذا قدر وإن كانت تعلم أنهما كاذبان لم يسعها الامتناع منه وتسنتر بجهدها ؟ لئلا تعد زانية وإن كانت تشك ولا تدرى أصدقا أم كذبا لم يسعها ترك الزوج الذى شهدا عليه أن يصيبها وأحببت لها الوقوف عن النكاح وإن صدقتهما جاز لها أن تنكح والله وليهما العالم بصدقهم وكذبهما ولو اختصم رجلان في شئ فحكم القاضى لاحدهما فكان يعلم أن القاضى أخطأ لم يسعه أخذ ما حكم به له بعد علمه بخطئه وإن كان ممن يشكل ذلك عليه أحببت أن يقف حتى يسأل فإن رآه أصاب أخذه وإن كان الامر مشكلا في قضائه فالورع أن يقف لان تركه وهو له خير من أخذه وليس له والمقضى عليه بمال للمقضى له إن علم أن القاضى أخطأ عليه وسعه حبسه وإن أشكل عليه أحببت له أن لا يحبسه ولا يسعه حبسه حتى يعلم أن القاضى أخطأ عليه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وهذا مثل أن يشهد رجلان أن فلانا توفى وأوصى له بألف ويجحد الوارث فإن صدقهما وسعه أخذها وإن كذبهما لم يسعه أخذها وإن شك أحببت له الوقوف وفى مثل هذا أن يشهد له رجلان أن فلانا قذفه فإن صدقهما وسعه أن يحده وإن كذبهما لم يسعه أن يحده وإن شك أحببت له أن يقف وحاله فيما غاب عنه من كل ما شهد له به هكذا ولو أقر له رجل بحق لا يعرفه ثم قال مزحت فإن صدقه بأنه مزاح لم يحل له أخذه، وإن كذبه وكان صادقا بالاقرار الاول عنده وسعه وأخذ ما أقر له به وإن شك أحببت له الوقوف فيه.
الخلاف في قضاء القاضى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في قضاء القاضى فقال قضاؤه يحيل الامور عما هي عليه فلو أن رجلين عمدا أن يشهدا على رجل أنه طلق امرأته وهما يعلمان أنهما شهدا بزور ففرق
القاضى بينهما وسع أحدهما فيما بينه وبين الله أن ينكحها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويدخل عليه أن لو شهد له رجلان بزور أن فلانا قتل ابنه وهو يعلم أن ابنه لم يقتل أو لم يكن له ابن فحكم له(7/43)
القاضى بالقود أن يقتله ولو شهد له على امرأة أنه تزوجها بولي ودفع إليها المهر وأشهد على النكاح أن يصيبها، ولو ولدت له جاريته جارية فجحدها فأحلفه القاضى وقضى بابنته جارية له جاز له أن يصيبها، ولو شهد له على مال رجل ودمه بباطل أن يأخذ ماله ويقتله وقد بلغنا أنه سئل عن أشنع من هذا وأكثر فقال فيه بما ذكرنا أنه يلزمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ثم حكى لنا عنه إنه يقول في موضع آخر خلاف هذا القول يقول لو علمت امرأة أن زوجها طلقها فجحدها وحلف وقضى القاضى بأن تقر عنده لم يسعها أن يصيبها وكان لها إذا أراد إصابتها قتله وهذا القول بعيد عن القول الاول.
والقول الاول وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعرفه أهل العلم من المسلمين (قال) فخالفه صاحبه في الزوجة يشهد الرجلان بزور أن زوجها طلقها ففرق الحاكم بينهما فقال لا يحل لاحد الشاهدين أن ينكحها ولا يحل القضاء ما حرم الله (قال) ثم عاد فقال ولا يحل للزوج أن يصيبها فقيل أتكره له ذلك لئلا يقام عليه الحد فنحن نكرهه أم لغير ذلك ؟ قال لذلك ولغيره قلنا أي غير، قال قد حكم القاضى فهو يحل لغيره تزويجها وإذا حل لغيره تزويجها حرم عليه هو إصابتها فقيل له أو لبعض من يقول قوله أرأيت قوله يحل لغيره تزويجها يعنى من جهل أن حكم القاضى إنما كان بشهادة زور فرأى أن حكمه بحق يحل له نكاحها فهو لا يحرم هذا عليه على الظاهر ويحرم عليه إن علم بمثل ما علم الزوج وكذلك لا يحرم عليه في الظاهر لو نكح امرأة في عدتها وقد قالت له ليست على عدة أم يعنى أنه لو علم ما علم الزوج والمرأة أن الشاهدين شهدا بباطل حل له أن ينكحها فهذا الذى عبت على صاحبك خلاف السنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أحفظ عنه في هذا جوابا بأكثر مما وصفت.
الحكم بين أهل الكتاب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذى أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنهم لا ينظرون فيما بين
أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شئ من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن يتدارءوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذى يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شئ منه بحال، وكذلك لو تدراءوا هم ومستأمن لا يرضى حكمهم أو أهل ملة وملة أخرى لا ترضى حكمهم وإن تداعوا إلى حكامنا فجاء المتنازعون معا متراضين فالحاكم بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم وأحب إلينا أن لا يحكم فإن أراد الحكم بينهم قال لهم قبل أن ينظر فيه إنى إنما أحكم بينكم بحكمى بين المسلمين ولا أجيز بينكم إلا شهادة العدول المسلمين وأحرم بينكم ما يحرم في الاسلام من الربا وثمن الخمر والخنزير وإذا حكمت في الجنايات حكمت بها على عواقلكم وإذا كانت جناية تكون على العاقلة لم يحكم بها إلا برضا العاقلة فإن رضوا بهذا حكم به إن شاء وإن لم يرضوا لم يحكم فإن رضى بعضهم وامتنع بعض من الرضا لم يحكم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لى قائل ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا ثم يكون بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم ؟ فقلت له قول الله عزوجل لنبيه (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن جاءوك وجاءوك كأنها على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض وجعل له الخيار فقال(7/44)
(فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) قال فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عزوجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) قلت له فاقرأ الآية (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فسمعت من أرضى علمه يقول وأن احكم بينهم إن حكمت على معنى قوله (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فتلك مفسرة وهذه جملة وفى قوله (فان تولوا) دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه.
الحكم بينهم، ولو كان قوله (وأن أحكم بينهم) إلزاما منه للحكم بينهم ألزمهم الحكم متولين لانهم إنما تولوا بعد الاتيان فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم فيغير عليهم وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عزوجل (وأن أحكم بينهم) في معنى المسلمين انبغى
للوالى أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم وإن تولى عنه زوجان على حرام ردهما حتى يفرق بينهما كما يرد زوجين من المسلمين لو توليا عنه وهما على حرام حتى يفرق بينهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والدلالة على ما قال أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة وبها يهود وبخيبر وفدك ووادى القرى وباليمن كانوا وكذلك في زمان أبى بكر وصدرا من خلافة عمر حتى أجلاهم وكانوا بالشام والعراق واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلى رضى الله تعالى عنهم ولم يسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم إلا رجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم ولا لابي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على وهم بشر يتظالمون ويتدارءون ويختلفون ويحدثون فلو لزم الحكم بينهم لزوم الحكم بين المسلمين تفقد منهم ما يتفقد من المسلمين ولو لزم الحكم إذا جاء الطالب لكان الطالب إذا كان له في حكم المسلمين ما ليس له في حكم حكامه لجأ ولجأ المطلوب إذا رجا الفرج عند المسلمين ولجأوا في بعض الحالات مجتمعين إن شاء الله تعالى ولو حكم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد من أئمة الهدى بعده لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله فالدلالة على أن لم يحكموا بما وصفت بينة إن شاء الله تعالى.
وقلت له لو كان الامر تقول فكانت إحدى الآيتين ناسخة للاخرى ولم تكن دلالة من خبر ولا في الآية جاز أن يكون قول الله عز وجل (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) ناسخا لقوله (وأن احكم بينهم وكانت عليها دلالة بما وصفنا في التنزيل قال فما حجتك في أن لا تجيز بينهم إلا شهادة المسلمين قلت قول الله عزوجل (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) والقسط حكم الله الذى أنزل على نبيه وقول الله عزوجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) والذى أنزل الله حكم الاسلام فحكم الاسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين وقد قال الله (وأشهدوا ذى عدل منكم) وقال تعالى (حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) فلم يختلف المسلمون أن شرط الله في الشهود المسلمين الاحرار العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التى يتنازع فيها الآدميون معينة وكان فيما تداعوا الدماء والاموال وغير ذلك لم ينبغ أن يباح ذلك إلا بمن شرط الله من البينة وشرط الله المسلمين (1) أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من المسلمين ولم يستن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمناه ولا أحد من أصحابه ولم يجمع المسلمون على إجازة شهادتهم بينهم وقلت له أرأيت الكذاب من المسلمين
أتجيز شهادته عليهم ؟ قال لا ولا أجيز عليهم من المسلمين إلا شهادة العدول التى تجوز على المسلمين فقلت له فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنهم بدلوا كتاب الله وكتبوا الكتب بأيديهم (وقالوا هذا من عند
__________
أي أو إلا بسنة الخ أي أنه لا يباح الدم وغيره إلا بشهادة من شرط الله الخ أو بسنة رسول الله الخ، تأمل [ * ](7/45)
الله ليشتروا به ثمنا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) قال فالكذاب من المسلمين على الآدميين أخف في الكذب ذنبا من العاقد الكذب على الله بلا شبهة تأويل وأدنى المسلمين خير من المشركين فكيف ترد عنهم شهادة من هو خير منهم بكذب وتقبلهم وهم شر بكذب أعظم منه ؟ والله أعلم.
الشهادات (أخبر الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي) رحمه الله تعالى: قال قال الله تبار ك وتعالى (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وقال (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال الله عزوجل (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلده) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة أن سعدا قال يارسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتى بأربعة شهداء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة والكتاب يدل على أنه لا يجوز شهادة غير عدل (قال) والاجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه (قال) وسواء أي زنا ما كان زنا حرين أو عبدين أو مشركين لان كله زنا ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا أو على رجل أو عليهما معا لم ينبغ للحاكم أن يقبل الشهادة لان اسم الزنا قد يقع على ما دون الجماع حتى يصف الشهود الاربعة الزنا فإذا قالوا رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فأثبتوه حتى تغيب الحشفة فقد وجب الحد ما كان الحد رجما أو جلدا وإن قالوا رأينا فرجه على فرجها ولم يثبت أنه دخل فيه فلا حد ويعزر فإن شهدوا على أن ذلك دخل في دبرها فقد وجب الحد كوجوبه في القبل فإن شهدوا على
امرأة فأنكرت وقالت أنا عذراء أو رتقاء أريها النساء فإن شهد أربعة حرائر عدول على أنها عذراء أو رتقاء فلا حد عليها لانها لم يزن بها إذا كانت هكذا الزنا الذى يوجب الحد ولا حد عليهم من قبل أنا وإن قبلنا شهادة النساء فيما يرين على ما يجزن عليه فإنا لا نحدهم بشهادة النساء وقد يكون الزنا فيما دون هذا فإن ذهب ذاهب إلى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (1) فقد قال عمر ذلك فيما بلغنا وقال ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم فأخبر أن الصداق يجب بالمسيس وإن لم يكن أرخى سترا ويجب بإرخاء الستر وإن لم يكن مسيس وذهب إلى أنها إذا خلت بينه وبين نفسها فقد وجب لها الصداق وجعل ذلك كالقبض في البيوع الذى يجب به الثمن وهو لو أغلق عليها بابا وأرخى سترا واقام معها حتى تبلى ثيابها وتلبث سنة ولم يقر بالاصابة ولم يشهد عليه بها لم يكن عليه حد عند احد والحد ليس من الصداق بسبيل الصداق يجب بالعقدة فلو عقد رجل على امرأة عقدة نكاح ثم مات أو ماتت كان لها الصداق كاملا وإن لم يرها وليس معنى الصداق من معنى الحدود بسبيل (قال) وإذا شهد أربعة على محصن أنه زنى بذمية حد المسلم ودفعت الذمية إلى أهل
__________
لعل هذا هو جواب قوله (فإن ذهب) وغرض الامام إبداء الفرق بين الصداق والحد فلا يقاس أحدهما بالآخر، فتأمل.
كتبه مصححه.(7/46)
دينها في قول من لا يحكم عليهم إلا أن يرضوا فأما من قال نحكم عليهم رضوا أو لم يرضوا فيحدها حدها إن كانت بكرا فمائة ونفى عام وإن كانت ثيبا فالرجم (قال) وإذا شهد اربعة على رجل أنه وطئ هذه المرأة فقال هي امرأتي وقالت ذلك أو قال هي جاريتي فالقول قولهما ولا يكشفان في ذلك ولا يحلفان فيه إلا أن يحضرهما من يعلم غير ما قالا وتثبت عليه الشهادة أو يقرأن بعد بخلاف ما ادعيا فلا يجوز إلا ما وصفت من قبل أن الرجل قد ينكح المرأة ببلاد غربة وينتقل بها إلى غيرها وينكحها بالشاهدين والثلاثة فيغيبون ويموتون ويشترى الجارية بغير بينة وببينة فيغيبون فتكون الناس أمناء على هذا لا يحدون وهم يزعمون أنهم أتوا ما أحل الله تعالى لهم ونحن لا نعلمهم كاذبين ولا يجوز أن نقول يحد كل من وجدناه يجامع إلا أن يقيم بينة على نكاح أو شراء وقد يأخذ الفاسق الفاسقة فيقول هذه
امرأتي وهذه جاريتي فإن كنت أدرأ عن الفاسق بأن يقول جيرانه رأيناه يدعى أنها زوجته وتقر بذلك ولا يعلمون أصل نكاح درأت عن الصالح الفاضل يقول هذه جاريتي لانه قد يشتريها بغير بينة ويقول هذه امرأتي على أحد هذه الوجوه ثم كان أولى أن يقبل قوله من الفاسق وكل لا يحد إذا ادعى ما وصفت والناس لا يحدون إلا بإقرارهم أو ببينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم فأما بغير ذلك فلا نحد (قال) وهكذا لو وجدت حاملا فادعت تزويجا أو إكراها لم تحد فإن ذهب ذاهب في الحامل خاصة إلى أن يقول قال عمر بن الخطاب الرجم في كتاب الله عزوجل حق على من زنا إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع الحبل إقرار بالزنا أو غير ادعاء نكاح أو شبهة يدرأ بها الحد.
باب إجازة شهادة المحدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتقبل شهادة المحدودين في القذف وفى جميع المعاصي إذا تابوا فأما من أتى محرما حد فيه فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة والعفاف عن الذنب الذى أتى وأما من قذف محصنة على موضع الشتم وغيره من غير مواضع الشهادات فلا تقبل شهادته حتى يختبر هذه المدة في الانتقال إلى أحسن الحال والكف عن القذف وأما من جد في أنه شهد على رجل بالزنا فلم تتم الشهادة فإن كان عدلا يوم شهد فساعة يقول قد تبت وكذب نفسه تقبل شهادته مكانه لانا وإن حددناه حد القاذف فلم يكن في معاني القذفة ألا ترى أنهم إذا كانوا أربعة لم نحدهم ولو كانوا أربعة شاتمين حددناهم والحجة في قبول شهادة القاذف أن الله عزوجل أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا ثم استثنى له إلا أن يتوب والاستثناء في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر وليس عند زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحا لرأى أنفسهم وقد كلمني بعضهم فكان من حجته أن قال إن أبا بكرة قال لرجل أراد أن يستشهده استشهد غيرى فإن المسلمين فسقوني فقلت له لو لم تكن عليك حجة إلا هذه كنت قد أحسنت الاحتجاج على نفسك قال وكيف ؟ قلت أرأيت أبا بكرة هل تاب من تلك الشهادة التى
حد بها قال فإن قلت نعم ؟ قلت فلم يطرح المسلمون عنه اسم الفسق فأى شئ استثنى له بالتوبة ؟ قال فإن قلنا لم يتب قلت فنحن لا نخالفك في أن من لم يتب لم تقبل شهادته قال فما توبته إذا كان حسن(7/47)
الحال قلت إكذابه لنفسه كما قال صاحبكم الشعبى قال فهل في هذا خبر ؟ قلت ما نحتاج مع القرآن إلى خبر ولا مع القياس إذا كنت تقبل شهادة الزانى والقاتل والمحدود في الخمر إذا تاب وشهادة الزنديق إذا تاب والمشرك إذا أسلم وقاطع الطريق والمقطوع اليد والرجل إذا تاب لا تقبل شهادة شاهد بالزنا فلم تتم به الشهادة فجعل قاذفا قال فهل عندك أثر ؟ قلت نعم أخبرنا سفيان أنه سمع الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز وأشهد لاخبرني ثم سمى الذى أخبره أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال لابي بكرة تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان فذهب على حفظى الذى سماه الزهري فسألت من حضرني فقال لى عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقلت لسفيان فهو سعيد ؟ قال نعم إلا أنى شككت فيه فلما أخبرني لم أشك ولم أثبته عن الزهري حفظا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب وسئل الشعبى عن القاذف فقال أيقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته ؟ أخبرنا ابن علية عن ابن أبى نجيح في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت بل هو قبل أن يحد شر حالا منه حين يحد لان الحدود كفارات للذنوب فهو بعد ما يكفر عنه الذنب خير منه قبل أن يكفر عنه فلا أرد شهادته في خير حاليه وأجيزها في شر حاليه وإنما رددتها بإعلانه مالا يحل له فلا أقبلها حتى ينتقل عنها وهذا القاذف فأما الشاهد بالزنا عند الحاكم فلا يحده الحاكم لمحاباة أو شبهة فإذا كان عدلا يوم شهد ثم أكذب نفسه قبلت شهادته مكانه لانه ليس في معاني القذفة.
باب شهادة الاعمى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا رأى الرجل فأثبت وهو بصير ثم شهد وهو أعمى قبلت شهادته لان الشهادة إنما ة قعت ؟ وهو بصير إلا أنه بين وهو أعمى عن شئ وهو بصير ولا علة في رد شهادته فإذا شهد وهو
أعمى على شئ قال أثبته كما أثبت كل شئ بالصوت أو الحس فلا تجوز شهادته لان الصوت يشبه الصوت والحس يشبه الحس فإن قال قائل فالاعمى يلاعن امرأته فأجل إنما حد الله في القذف غير الازواج إذا لم يأتوا بأربعة شهداء فإذا جاءوا بهم خرجوا من الحد وحد الازواج إلا بأن يخرجوا بالالتعان ففرق بين الازواج والاجنبيين في هذا المعنى وجمع بينهم في أن يحدوا معا إذا لم يأت هؤلاء ببينة وهؤلاء بالالتعان أو بينة وسواء قال الزوج رأيت امرأتي تزني أو لم يقله كما سواء أن يقول الاجنبيون رأيناها تزني أو هي زانية لا فرق بين ذلك فأما إصابة الاعمى أهله وجاريته فذلك أمر لا يشبه الشهادات لان الاعمى وإن لم يعرف امرأته معرفة البصير فقد يعرفها معرفة يكتفى بها وتعرفه هي معرفة البصير وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة مضجعها ومجستها ولا يجوز له أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة المجسة والمضجع وقد يوجد من شهادة الاعمى بد لان أكثر الناس غير عمى فإذا أبطلنا شهادته في نفسه فنحن لم لم ندخل عليه ضررا وليس على أحد ضرورة غيره وعليه ضرورة نفسه فهو مضطر إلى الجماع الذي يحل لانه لا يجد أكثر من هذا ولا يبصر أبدا وليس بمضطر إلى الشهادة ولا غير مضطر إلى شهادته وهو يحل له في ضرورته لنفسه ما لا يحل لغيره في ضرورته ألا ترى أنه يجوز له في ضرورته الميتة ولو صحبه من لا ضرورة به كضرورته لم تحل له الميتة أو لا ترى أنه لا يجوز له اجتهاده في نفسه ولا يجوز له اجتهاده في غيره من أهل زمانه فأما عائشة ومن روى عنها الحديث فالحديث(7/48)
إنما قبل على صدق المخبر وعلى الاغلب على القلب وليس من الشهادات بسبيل ألا ترى أنا نقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان بن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول أشهد لسمعت فلانا ونقبل حديث المرأة حتى نحل بها ونحرم وحدها ولا نقبل شهادتها وحدها على شئ ونقبل حديث العبد الصادق ولا نقبل شهادته ونرد حديث العدل إذا لم يضبط الحديث ونقبل شهادته فيما يعرف فالحديث غير الشهادة.
شهادة الوالد للولد والولد للوالد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى عليه لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا لبنى بنيه ولا لبنى بناته وإن تسفلوا ولا لآبائه وإن بعدوا لانه من آبائه وإنما شهد لشئ هو منه وأن بنيه منه فكأنه شهد لبعضه وهذا
مما لا أعرف فيه خلافا ويجوز بعد شهادته لكل من ليس منه من أخ وذي رحم وزوجة لاني لا أجد في الزوجة ولا في الاخ علة أرد بها شهادته خبرا ولا قياسا ولا معقولا وإني لو رددت شهادته لزوجته لانه قد يرثها وترثه في حال رددت شهادته لمولاه من أسفل إذا لم يكن له ولد لانه قد يرثه في حال ورددت شهادته لعصبته وإن كان بينه وبينهم مائة أب ولست أجده يملك مال امرأته ولا تملك ماله فيكون يجر إلى نفسه بشهادته ولا يدفع عنها وهكذا أجده في أخيه ولو رددت شهادته لاخيه بالقرابة رددتها لابن عمه لانه ابن جده الادنى ورددتها بابن جده الذي يليه ورددتها لابي الحد الذي فوق ذلك حتى أردها على مائة أب أو أكثر قال ولو شهد أخوان لاخ بحق أو شهد عليه أحد بحق فجرحاه قبلت شهادتهما ولو رددتها في إحدى الحالين لرددتها في الاخرى (قال) وكذلك لو شهدوا له وهو مملوك أنه أعتق وكذلك لو جرحوا شاهدين شهدا عليه بحد قيلتهم لان أصل الشهادة أن تكون مقبولة أو مردودة فإذا كانت مقبولة للاخ قبلت في كل شئ فإن قال قائل فقد يجرون إلى أنفسهم الميراث إذا صار حرا قيل له أفرأيت إن كان له ولد أحرار أو رأيت إن كان ابن عم بعيد النسب قد يرثونه إن مات ولا ولد له أو رأيت إن كان رجل من أهل العشيرة متراخى النسب أترد شهادتهم له في الحد يدفعونه بجرح من شهدوا على جرحه ممن شهد عليه أو بعتقه فإن قال نعم قيل أفرأيت إن كانوا حلفاء فكانوا يعيرون بما أصاب حليفهم أو كانوا أصهارا فكانوا يعيرون بما أصاب صهرهم وإن بعد صهره وكان من عشيرة صهرهم الادنى أو رأيت إن كانوا اهل صناعة واحدة يعابون معا ويمدحون معا من علم أو غيره فإن رد شهادتهم لم يخل الناس من أن يكون هذا فيهم وإن أجازها في هذا فقد أجازها وفيها العلة التي أبطلها بها (قال) ولا تجوز شهادة أحد غير الاحرار المسلمين البالغين العدول.
شهادة الغلام والعبد والكافر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الغلام قبل أن يبلغ والعبد قبل أن يعتق والكافر قبل أن يسلم لرجل بشهادة فليس للقاضي أن يجيزها ولا عليه أن يسمعها وسماعها منه تكلف فإذا بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر وكانوا عدولا فشهدوا بها قبلت شهادتهم لانا لم نردها في العبد والصبي بعلة سخط في أعمالهما ولا كذبهما ولا بحال سيئة في أنفسهما لو انتقلا عنها وهما بحالهما قبلناهما إنما رددناها لانهما
ليسا من شرط الشهود الذين أمرنا بإجازة شهادتهم ألا ترى أن شهادتهما وسكاتهما في مالهما تلك سواء(7/49)
وأنا لا نسأل عن عدلهما ولو عرفنا عدلهما كان مثل جرحهما في أن لا تقبل شهادتهما في أن هذا لم يبلغ وأن هذا مملوك وفي الكافر وإن كان مأمونا على شهادة الزور في أنه ليس من الشرط الذي أمرنا بقبوله فإذا صاروا إلى الشرط الذي أمرنا بقبوله قبلناهم معا وكانوا كمن لم يشهد إلا في تلك الحال فأما الحر المسلم البالغ ترد شهادته في الشئ ثم تحسن حاله فيشهد بها فلا نقبلها لانا قد حكمنا بإبطالها لانه كان عندنا حين شهد في معاني الشهود الذين يقطع بشهادتهم حتى اختبرنا أنه مجروح فيها بعمل شئ أو كذب فاختبر فرددنا شهادته فلا نجيزها وليس هكذا العبد ولا الصبي ولا الكافر أولئك كانوا عدولا أو غير عدول ففيهم علة أنهم ليسوا من الشرط وهذا من الشرط إلا بأن يختبر عمله أو قوله، والله تعالى الموفق.
شهادة النساء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين في مال يجب للرجل على الرجل فلا يجوز من شهادتهن شئ وإن كثرن إلا ومعهن رجل شاهد ولا يجوز منهن أقل من اثنتين مع الرجل فصاعدا ولا تجيز اثنتين ويحلف معهما لان شرط الله عزوجل الذي أجازهما فيه مع شاهد يشهد بمثل شهادتهما لغيره قال الله عزوجل (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فأما رجل يحلف لنفسه فيأخذ فلا يجوز وهذا مكتوب في كتاب اليمين مع الشاهد والموضع الثاني حيث لا يرى الرجل من عورات النساء فإنهن يجزن فيه منفردات ولا يجوز منهن أقل من أربع إذا انفردن قياسا على حكم الله تبارك وتعالى فيهن لانه جعل اثنتين تقومان مع رجل مقام رجل وجعل الشهادة شاهدين أو شاهدا وامرأتين فإن انفردن فمقام شاهدين أربع وهكذا كان عطاء يقول أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز في شئ من الحدود ولا في شئ من الوكالات ولا الوصية ولا ما عدا ما وصفت من المال وما لا يطلع عليه الرجال من النساء أقل من شاهدين ولا يجوز في العتق والولاء ويحلف المدعى عليه في الطلاق والحدود والعتاق وكل شئ بغير شاهد وبشاهد فإن نكل رددت
اليمين على المدعى وأخذت له بحقه وإن لم يحلف المدعى لم آخذ له شيئا ولا أفرق بين حكم هذا وبين حكم الاموال.
شهادة القاضي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا كان القاضي عدلا فأقر رجل بين يديه بشئ كان الاقرار عنده أثبت من أن يشهد عنده كل من يشهد لانه قد يمكن أن يشهدوا عنده بزور، والاقرار عنده ليس فيه شك.
وأما القضاة اليوم فلا أحب أن أتكلم بهذا كراهية أن أجعل لهم سبيلا إلى أن يجوروا على الناس، والله تعالى الموفق.
رؤية الهلال (قال الشافعي) قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يلزم الامام الناس أن يصوموا إلا بشهادة عدلين فأكثر وكذلك لا يفطرون وأحب إلى لو صاموا بشهادة العدل لانهم لا مؤنة عليهم في الصيام إن(7/50)
كان من رمضان أدوه وإن لم يكن رجوت أن يؤجروا به ولا أحب لهم هذا في الفطر لان الصوم عمل بر والفطر ترك عمل.
أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين رضى الله تعالى عنه أن شاهدا شهد عند علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه على رؤية هلال شهر رمضان فصام أحسبه قال وأمر الناس بالصيام وقال أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان أحسبه (شك الشافعي) قال الربيع رجع الشافعي بعد فقال لا يصام إلا بشاهدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن كان علي رضى الله تعالى عنه: أمر الناس بالصوم فعلى معنى المشورة لا على معنى الالزام، والله تعالى أعلم.
شهادة الصبيان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا تجوز شهادة الصبيان في حال من الاحوال لانهم ليسوا ممن نرضى من الشهداء وإنما أمرنا الله عزوجل أن نقبل شهادة من نرضى ومن قبلنا شهادته قبلناها حين يشهد بها في الموقف الذي يشهد بها فيه وبعده وفي كل حال ولا أعرف مكان من تقبل شهادته قبل أن
يعلم ويجرب ويفارق موقفه إذا علمنا أن عقل الشاهد هكذا فمن أجاز لنا أن نقبل شهادة من لا يدري ما لله تبارك وتعالى اسمه عليه في الشهادة وليس عليه فرض: فإن قال قائل فإن ابن الزبير قبلها قيل: فابن عباس ردها والقرآن يدل على أنهم ليسوا ممن يرضى أخبرنا سفيان عن عمر وعن ابن أبى مليكة عن ابن عباس.
الشهادة على الشهادة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: تجوز الشهادة على الشهادة ولا يجوز أن يشهد على شهادة الرجل ولا المرأة حيث تجوز إلا رجلان ولا يجوز أن يشهد على واحد منهما نساء مع رجل وإن كان ذلك في مال لانهن لا يشهدن على أصل المال إنما يشهدن على تثبيت شهادة رجل أو امرأة وإذا كان أصل مذهبنا أنا لا نجيز شهادة النساء إلا في مال أو فيما لا يراه الرجال لم يجز لنا أن نجيز شهادتهن على شهادة رجل ولا امرأة.
الشهادة على الجراح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أقام رجل شاهدا على جرح خطأ أو عمدا مما لا قصاص فيه حال حلف مع شاهده يمينا واحدة وكان له الارش وإن كان عمدا فيه قصاص بحال لم يحلف ولم يقبل فيه إلا شاهدان ولو أجزنا اليمين مع الشاهد في القصاص أجزناها في القتل وأجزناها في الحدود ووضعناها الموضع الذي لم توضع فيه وسواء كان ذلك في عبد قتله حر أو نصراني قتله حر مسلم أو جرح قال وشهادة النساء فيما كان خطأ من الجراح وفيما كان عمدا لا قصاص فيه بحال جائزة مع رجل ولا يجزن إذا انفردن ولا يمين لطالب الحق معهن وحدهن (1) فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول أن القسامة
__________
(1) قوله فإن ذهب الخ كذا في النسخ وتأمله.(7/51)
تجب بشاهد في النفس فيقتل ولى الدم فالقسامة تجب عنده بدعوى المقتول أو الفوت من البينة ولا يجوز له إلا أن يزعم أن الجرح الذي فيه القود مثل النفس فيقضي فيه بالقسامة ويجعلها خمسين يمينا ولا يفرق بينه وبين القسامة في النفس بحال أو يزعم أن القسامة لا تكون إلا في النفس فأصل حكم الله
تعالى في الشهادة شاهدان أو شاهد وامرأتان في المال وأصل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا أنه حكم باليمين مع الشاهد في الاموال والقصاص ليس بمال قال فلا ينبغي إلا أن لا يجاز على القصاص إلا شاهدان إلا أن يقول قائل في الجراح أن فيها قسامة مثل النفس فإذا أبى من يقول هذا أن يقبل شاهدا وامرأتين ثم يقتص كان ينبغي أن يكون لان يقبل يمينا وشاهدا أشدا إباء.
شهادة الوارث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا شهد وارث وهو عدل لرجل أن أباه أوصى له بالثلث وجاء آخر بشاهدين يشهدان له أن أباه أوصى له بالثلث فهو مثل الرجلين يقيم أحدهما شاهدين على الدار بأنها له ويقيم الآخر شاهدا أنها له لا اختلاف بينهما فمن رأى أن يسوى بين شاهد ويمين في هذا وبين شاهدين أحلف هذا مع شاهده وجعل الثلث بينهما نصفين ومن لم ير ذلك لان الشهادة لم تتم حتى يكون المشهود له مستغنيا عن أن يحلف جعل الثلث لصاحب الشاهدين وأبطل شهادة الوارث إذا كان وحده ولو كان معه وارث آخر تجوز شهادته أو أجنبي كان الثلث بينهما نصفين في القولين معا قال ولو أن الوارث شهد أن أباه رجع عن وصيته للمشهود له وصيره إلى هذا الآخر حلف مع شاهده وكان الثلث له وهذا يخالف المسألة الاولى لانهما في المسألة الاولى مختلفان وهذا يثبت ما ثبتا ويثبت أن أباه رجع فيه قال ولو مات رجل وترك بنين عددا فاقتسموا أو لم يقتسموا ثم شهد أحد الورثة لرجل أن أباه أوصى له بالثلث فإن كان عدلا حلف مع شاهده وأخذ الثلث من أيديهم جميعا وإن كان غير عدل أخذ ثلث ما في يديه ولم يأخذ من الآخرين شيئا وأحلفوا له وهكذا لو كان الشاهد امرأتين من الورثة أو عشرا من الورثة لا رجل معهن أخذ ثلث ما في أيديهن ولم تجز شهادتهن على غيرهن ممن لم يقر ولم يحلف المشهود له مع شهادتهن قال ولو كان الميت ترك ألفا نقدا وألفا دينا على أحد الوارثين فشهد الذي عليه الدين لرجل أنه أوصى له بالثلث فإن كان عدلا أعطاه ثلث الالف التي عليه لانها من ميراث الميت وأعطى الآخر ثلث الالف التي أخذ إذا حلف (1) وإن كان مفلسا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الوارث بدين على أبيه ثم أقر عليه بدين بعده فسواء الاقرار الاول والاقرار الآخر لان الوارث لا يعدو أن يكون إقراره على أبيه يلزمه فيما صار في يديه من ميراث أبيه كما يلزمه ما أقر به في مال نفسه وهو لو أقر
اليوم لرجل عليه بدين وغدا الآخر لزمه ذلك كله ويتحاصان في ماله أو يكون إقراره ساقطا لانه لم يقر على نفسه فلا يلزمه واحد منهما وهذا مما لا يقوله أحد علمته بل هما لازمان معا ولو كان معه وارث وكان عدلا حلفا مع شاهدهما ولو لم يكن عدلا كانت كالمسألة الاولى ويلزمه ذلك فيما في يديه دون ما في يدي غيره قال وإذا مات رجل وترك وارثا أو ورثة فأقر أحد الورثة في عبد تركه الميت أنه لرجل بعينه ثم عاد بعد فقال بل هو لهذا الآخر فهو للاول وليس للآخر فيه شئ ولا غرم على الوارث قال وكذلك لو
__________
(1) أي وإن كان الآخر مفلسا لان عين مال الميت عنده وقد استحق الموصى له منها ثلثها تأمل.(7/52)
وصل الكلام فقال هو لهذا بل هو لهذا كان للاول منهما وذلك أنه حينئذ كالمقر في مال غيره فلا يصدق على إبطال إقرار قد قطعه لآخر بأن يخرجه إلى آخر، وليس في معنى الشاهد الذي شهد بما لا يملك لرجل ثم يرجع قبل الحكم فيشهد به لآخر قال وإذا مات الميت وترك ابنين فشهد أحدهما لرجل بدين فإن كان ممن تجوز شهادته أخذ الدين من رأس المال مما في يدي الوارثين جميعا إذا حلف المشهود له وإن كان ممن لا تجوز شهادته أخذ من يدي الشاهد له من دينه بقدر ما كان يأخذ منه لو جازت شهادته لان موجودا في شهادته انه إنما له في يدي المقر حق وفي يدي الجاحد حق فأعطيته من المقر ولم أعطه من الجاحد شيئا وليس هذا كما هلك من مال الميت ذاك كما لم يترك، ألا ترى أنه لو ترك الفين فهلكت إحداهما وثبت عليه دين ألف أخذت الالف وكذلك لو ثبت لرجل وصية بالثلث أخذ ثلث الالف وكانت الهالكة كما لم يترك ولو قسم الورثة ماله اتبع أهل الدين وأهل الوصية كل وارث بما صار في يديه حتى يأخذوا من يديه بقدر ما صار لهم، ولو أفلسوا فأعطى أهل الدين دينهم من يدي من لم يفلس رجع به على من أفلس وهذا الشاهد لا يرجع ابدا على أخيه بشئ إنما هو أقربه قال ولو ترك الميت رجلا وارثا واحدا فأقر لرجل أن له هذا العبد بعينه ثم أقر به بعد لهذا فهو للاول ولا يضمن للآخر شيئا وسواء دفع العبد إلى المقر له الاول أو لم يدفعه لا فرق بينهما ولو زعمت أنه إذا دفعه إلى الاول ثم أقر به للآخر ضمن للآخر قيمة العبد لانه قد استهلكه بدفعه إلى الاول قلت كذلك لو لم يدفعه (1) من قبل أنى إذا أجزت إقراره الاول ثم أردت أن أخرج ذلك من يدي الاول إلى الآخر بإقرار كنت أقررت في
مال غيري فلا أكون ضامنا لذلك وسواء كان الوارث إذا كان منفردا بالميراث ممن تجوز شهادته أو لا تجوز في هذا الباب من قبل أن لا أقبل شهادته في شئ قد أقر به لرجل وخرج من ملكه إليه قال وهكذا لو أقر أن أباه أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال بل أوصى به لهذا لم أقبل قوله من قبل أنى قد ألزمته أن أخرج من يديه ثلث مال أبيه إليه فإذا أراد إخراجه إلى غيره جعلته خصما للذي استحقه أولا بإقراره فلا أقبل شهادته فيما هو فيه خصم له، قال ولو اقتسم الورثة ثم لحق الميت دين أو وصية بشهادة وارث أو غير وارث فذلك كله سواء ويقال للورثة إن تطوعتم أن تؤدوا على هذا دينه وتثبتون على القسم فذلك وإن أبيتم بعنا لهذا في أحضر ما ترك الميت ونقضنا القسم بينكم ولم نبع على كل واحد منهم بقدر الدين ولا بقدر الوصية، الا ترى أنه لو ترك دارا وأرضا ورقيقا وثيابا ودراهم وترك دينا اعطينا صاحب الدين من الدراهم الحاضرة ولم نحبسه على غائب يباع ولم نبع له مال الميت كله وبعنا له من مال الميت بقدر دينه أو وصيته ! الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي في كل حق للآدميين من مال أو حد أو قصاص وفي كل حد لله تبارك وتعالى قولان: أحدهما: أنها تجوز والآخر لا تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات فمن قال تجوز فشهد شاهدان على رجال بالزنا وأربعة على شهادة آخرين بالزنا لم تقبل الشهادة حتى يصفوا زنا واحدا وفي وقت واحد ويثبت الشاهدان على رؤية الزنا
__________
(1) هذا تعليل لنفي الضمان.
فتنبه.(7/53)
وتغيب الفرج في الفرج وتثبت الشهود على الشاهدين مثل ذلك ثم يقام عليه الحد (قال) وهكذا كل شهادة زنا لا يقبلها الحاكم فيحد بها حتى يشهدوا بها على زنا واحد فإن شهدوا فأبهموا ولم يصفوا أنها رؤية واحدة ثم مات أحدهم أو ماتوا أو غاب أحدهم أو غابوا لم يحدده ولم يحددهم من قبل أنهم لم يثبتوا عليه ما يوجب عليه الحد (قال) وهكذا لو شهد ثمانية على أربعة في هذا القول أقيم عليه الحد (قال) وإذا سمع الرجلان الرجل يقول أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما اشهدا فليس
عليهما أن يقوما بهذه الشهادة فإن قاما بها فليس للقاضي أن يحكم بها لانه لم يسترعهم الشهادة فيكون إنما شهد بحق ثابت عنده وقد يجوز أن يقول أشهد أن لفلان عليه ألف درهم وعده إياها أو من وجه لا يجب لانه غير مأخوذ بها فإذا كان مؤديها إلى القاضي أو يسترعي من يؤديها إلى القاضي لم يكن ليفعل إلا وهي عنده واجبة وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه وإن كان على الصحة حتى يسأله من أين هي له عليه فإن قال بإقرار منه أو ببيع حضرته أو سلف أجازه فإن قال هذا ولم يسأله القاضي كان موضع غبا ورأيته جائزا من قبل أنه إنما شهد بها على الصحة (قال) وإن أشهد شاهد على شهادة غيره فعليه أن يؤديها وليس للقاضي أن يقبلها حتى يكون معه غيره (قال) وإذا سمع الرجل الرجل يقر لرجل بمال وصف ذلك من غصب أو بيع أو لم يصف ولم يشهده المقر فلازم له أن يؤديها وعلى القاضي أن يقبله وذلك أن إقراره على نفسه أصدق الامور عليه (قال) وإذا سمع الرجل الرجل يقول أشهد أن لفلان على فلان حقا لم يلزم فلانا لانه لم يقر به وإقرار غيره عليه لا يلزمه ولا يلزمه شئ من ذلك إلا أن يكون شاهدا عليه والشهادة عليه أن يقوم بها عند الحاكم أو يسترعيها شاهدا فأما أن ينطق بها وهي عنده كالمزاح فيسمع منه ولا يسترعيها فهذا بين أن ما أقر به على غيره ولا يلزم غيره إقراره ولم يكن شاهدا به فيلزم غيره شهادته (قال) وإذا شهد الشاهدان على رجل أنه قد سرق مالا لرجل فوصفا المال ولم يصفا من حيث سرقه أو وصفا من حيث سرقه ولم يصفا المال فلا قطع عليه لانه قد يكون سارقا لا قطع عليه وذلك أن يختلس أو يسرق من غير حرز أو يسرق أقل من ربع دينار فإن مات الشاهدان أو غابا لم يقطع، وإذا ماتا خلى بعد أن يحلف فإذا عابا حبس حتى يحضرا ويكتب إلى قاضي البلد الذي هما فيه فيقفهما ثم يقبل ذلك من قبل كتاب القاضي في السرقة ومن لم يقبل كتاب القاضي في السرقة لم يكتب، وإن كانا وصفا السرقة ولم يصفا الحرز أغرمها السارق ولم يقطع (قال) وإذا شهد شهود الزنا على الزنا لم يقم الحد حتى يصفوا الزنا كما وصفت فإن فعلوا أقيم الحد وإن لم يفعلوا حتى غابوا (1) أو ماتوا أو غاب أحدهم حبس حتى يصفه فإن مات أحدهم خلى سبيله ولا يقيم الحد عليه أبدا حتى يجتمع أربعة يصفون زنا واحدا فيجب بمثله الحد أو يحلفه ويخليه ويكون فيما يسأل الامام الشهود عليه أزنى بامرأة لانهم قد يعدون الزنا وقع على بهيمة ولعلهم أن يعدوا الاستمناء زنا فلا نحده أبدا حتى يثبتوا
الشهادة ويبينوها له فيما يجب في مثله الزنا (قال) وإذا شهد ثلاثة على رجل بالزنا فأثبتوه فقال الرابع رأيته نال منها ولا أدري أغاب ذلك منه في ذلك منها ؟ فمذهب أكثر المفتين أن يحد الثلاثة ولا يحد الرابع ولو كان الرابع قال أشهد أنه زان (2) ثم قال هذا القول انبغي أن يحد في قولهم لانه قاذف لم يثبت الزنا الذي في مثله الحد ولم يحدوا، وهكذا لو شهد أربعة فقالوا رأيناه على هذه المرأة فلم يثبتوا لم
__________
(1) قوله: أو ماتوا لعله مقدم من تأخير إلا فلو ماتوا قبل الوصف خلى سبيل المشهود عليه.
(2) لعله (ثم قالوا) تأمل.(7/54)
يحد ولم يحدوا، ولو قالوا زنى بهذه المرأة ثم لم يثبتوا حدوا بالقذف لانهم قذفة لم يخرجوا بالشهادة (قال) وإذا شهد الشهود على السارق بالسرقة لم يكن للامام أن يلقنه الحجة وذلك أنه لو جحد قطع ولكن لو ادعيت عليه السرقة ولم تقم عليه بينة فكان من أهل الجهالة بالحد إما بأن يكون مسلما بحضرة سرقته جاء من بلاد حرب وإما أن يكون جافيا ببادية أهل جفاء لم أر بأسا بأن يعرض له بأن يقول لعله لم يسرق فأما أن يقول له اجحد فلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على سرقة فاختلفا في الشهادة فقال أحدهما سرق من هذه الدار كبشا لفلان وقال الآخر بل سرقه من هذه الدار أو شهد بالرؤية معا وقالا معا سرقه من هذا البيت وقال أحدهما بكرة وقال الآخر عشية أو قال أحدهما سرق الكبش وهو أبيض وقال الاخر سرقه وهو أسود أو قال أحدهما كان الذي سرق أقرن وقال الآخر أجم غير أقرن أو قال أحدهما كان كبشا وقال الآخر كان نعجة فهذا اختلاف لا يقطع به حتى يجتمعا على شئ واحد يجب في مثله القطع ويقال للمسروق منه كل واحد من هذين يكذب صاحبه فادع شهادة أيهما شئت واحلف مع شاهدك فإن قال أحدهما سرق كبشا ووصفه بكرة وقال الآخر سرق كبشا ووصفه عشية فلم يدع المسروق إلا كبشا حلف على أي الكبشين شاء وأخذه أو ثمنه إن فات، وإن ادعى كبشين حلف مع شهادة كل واحد منهما وأخذ كبشين إذا لم يكونا وصفا أن السرقة واحدة واختلفا في صفتهما فهذه سرقتان يحلف مع كل واحد منهما ويأخذه (قال) وكذلك لو شهد عليه شاهد أنه شرب خمرا اليوم وشاهد آخر أنه شرب خمرا أمس لم يحد من قبل أن أمس غير اليوم، وكذلك لو
شهد عليه شاهدان أنه زنى بفلانة في بيت كذا وشهد آخران أنه زنى بها في بيت غيره فلا حد على المشهود عليه ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم، وإذا شهد شاهد على رجل أنه قذف رجلا اليوم وشهد آخر عليه أنه قذفه أمس فلا يحد من قبل أنه ليس ثم اثنان يشهدان على قذف واحد، وهكذا لو شهدا عليه بالطلاق فقال أحدهما قال لامرأته أمس انت طالق وقال الآخر قال لها اليوم أنت طالق فلا طلاق من قبل أن طلاق أمس غير طلاق اليوم وشهادتهما على ابتداء القول الذي يقع به الآن الحد أو الطلاق أو العتق كشهادتهما على الفعل وليس هذا كما يشهدان عليه بأنه اقر بشئ مضى منه (قال) ويحلف في كل شئ من هذا إذا أبطلت عنه الشهادة استحلفته ولم يكن عليه شئ (قال) وهكذا لو قال أشهد أنه قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فدخلها وقال الآخر أشهد أنه قال لامرأته أنت طالق إن ركبت الدابة فركبتها لم تطلق امرأته لان كل واحد منهما يشهد عليه بطلاق غير طلاق الآخر (قال) وإذا سرق السارق السرقة فشهد عليه أربعة فشهد اثنان أنه ثوب كذا وقيمته كذا وشهد الآخران أنه ذلك الثوب بعينه وقيمته كذا فكانت إحدى الشهادتين يجب فيها القطع والاخرى لا يجب بها القطع فلا قطع عليه من قبل انا ندرأ الحدود بالشبهة وهذا أقوى ما يدرأ به الحد ونأخذه بالاقل من القيمتين في الغرم لصاحب السرقة وليس هذا كالذي يشهد عليه رجلان رجل بألف والآخر بألفين من قبل أنه قد يكون لذلك ألف من وجه وألفان من وجه وهذا لا يكون له إلا ثمن ذلك الثوب الذي اجتمعوا عليه وليس شهود الزيادة بأولى من شهود النقص وأحلفه مع الشاهد الواحد على القيمة إذا ادعى شهادة اللذين شهدا على أكثر القيمتين (قال) ومن شهد على رجل بغير الزنا فلم تتم الشهادة فلا حد على الشاهد ولا بأس أن يفرق القاضي بين الشهود إذا خشي عبثهم أو جهلهم بما يشهدون عليه ثم يوقفهم على ما شهدوا عليه وعلى الساعة التي يشهدون فيها وعلى الفعل والقول كيف كان وعلى من حضر ذلك معهم وعلى ما يستدل به على صحة شهادتهم وشهادة من شهد معهم (قال) وهكذا إذا اتهمهم(7/55)
بالتحامل أو الحيف على المشهود عليه والتحامل لمن يشهدون له أو الجنف له فإن صححوا الشهادة قبلها وإن اختلفوا فيها اختلافا يفسد الشهادة ألغاها (قال) وإذا أثبت الشهود الشهادة على أي حد ما كان ثم
غابوا أو ماتوا قبل أن يعدلوا ثم عدلوا أقيم عليه الحد، وهكذا لو كان عدولا ثم غابوا قبل أن يقام الحد أقيم وهكذا لو خرسوا أو عموا (قال) وإذا كان الشهود عدولا أو عدلوا عند الحاكم أطرد المشهود عليه جرحتهم وقبلها منه على من كان من الناس لا فرق بين الناس في ذلك لانا نرد شهادة أفضل الناس بالعداوة والجر إلى نفسه والدفع عنها ولا نقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به الجارح المجروح فإن الناس قد يجرحون بالاختلاف والاهواء ويكفر بعضهم بعضا ويضلل بعضهم بعضا ويجرحون بالتأويل فلا يقبل الجرح إلا بنص ما يرى هو مثله يجرح كان الجارح فقيها أو غير فقيه لما وصفت من التأويل (قال) وإذا شهد شهود على رجل بحد ما كان أو حق ما كان فقال المشهود عليه هم عبيد أو لم يقله فحق على الحاكم أن لا يقبل شهادة أحد منهم حتى يثبت عنده بخبرة منه بهم أو ببينة تقوم عنده أنهم أحرار بالغون مسلمون عدول فإذا ثبت هذا عنده أخبر المشهود عليه ثم أطرده جرحتهم فإن جاء بها قبلها منه وإن لم يأت بها أنفذ عليه ما شهدوا به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بشئ من معصية ولا ترك مروءة ولا يمحض المعصية ويترك المروءة حتى لا يخلطه بشئ من الطاعة والمروءة فإذا كان الاغلب على الرجل الاظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الاغلب الاظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رددت شهادته وكل من كان مقيما على معصية فيها حد وأخذ فلا نجيز شهادته وكل من كان منكشف الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته، وكذلك كل من جرب بشهادة زور وإن كان غير كذاب في الشهادات ومن كان إنما يظن به الكذب وله مخرج منه لم يلزمه اسم كذاب وكل من تأول فأتى شيئا مستحلا كان فيه حد أو لم يكن لم ترد شهادته بذلك ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين ونصب علما في البلدان من قد يستحل المتعة فيفتى بأن ينكح الرجل المرأة أياما بدراهم مسماة وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم وأن منهم من يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم وأن منهم من قد تأول فاستحل سفك الدماء ولا نعلم شيئا أعظم من سفك الدماء بعد الشرك ومنهم من تأول فشرب كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه وغيره يحرمه، ومنهم من أحل إتيان النساء في أدبارهن وغيره يحرمه، ومنهم من أحل بيوعا محرمة عند غيره
فإذا كان هؤلاء مع ما وصفت وما أشبهه أهل ثقة في دينهم وقناعة عند من عرفهم وقد ترك عليهم ما تأولوا فأخطأوا فيه ولم يجرحوا بعظيم الخطأ إذا كان منهم على وجه الاستحلال كان جميع أهل الاهواء في هذه المنزلة فإذا كانوا هكذا فاللاعب بالشطرنج وإن كرهناها له وبالحمام وإن كرهناها له أخف حالا من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر فأما إن قام رجل بالحمام أو بالشطرنج رددنا بذلك شهادته وكذلك لو قامر بغيره فقامر على أن يعادي إنسانا أو يسابقه أو يناضله وذلك أنا لا نعلم أحدا من الناس استحل القمار ولا تأوله ولكنه لو جعل فيها سبقا متأولا كالسبق في الرمى وفي الخيل قيل له قد أخطأت خطأ فاحشا ولا ترد شهادته بذلك حتى يقيم عليه بعدما يبين له وذلك أنه لا غفلة في هذا على أحد وأن العامة مجتمعة على أن هذا محرم قال وبائع الخمر مردود الشهادة (1) لانه لا فرق بين أحد من المسلمين
__________
لعله: لا خلاف أو نحو ذلك.
تأمل.
كتبه مصححه.(7/56)
في أن بيعها محرم فأما من عصر عنبا فباعه عصيرا فهو في الحال التي باعه فيها حلال كالعنب يشتريه كما يأكل العنب وأحب إلى له أن يحسن التوقي فلا يبيعه ممن يراه يتخذه خمرا فإن فعل لم أفسخ البيع من قبل أنه باعه حلالا ونية صاحبه في إحداث المحرم فيه لا تحرم الحلال ولا ترد شهادته بذلك من قبل أنه قد يعقد ربا ويتخذ خلا فإذا كانت الحال التي باعه فيها حلالا يحل فيها بيعه وكان قد يتخذ حلالا وحراما فليس الحرام بأولى به من من الحلال بل الحلال أولى به من الحرام وبكل مسلم (قال) وإذا شهد الشهود بشئ فلم يحكم به الحاكم حتى يحدث للشهود حال ترد بها شهادتهم لم يحكم عليه ولا يحكم عليه حتى يكونوا عدولا يوم يحكم عليه ولكنه لو حكم بشهادتهم وهم عدول ثم تغيرت حالهم بعد الحكم لم يرد الحكم لانه إنما ينظر إلى عدلهم يوم يقطع الحكم بهم (قال) وإذا شهد الشهود على رجل فادعى جرحتهم أجل في جرحتهم بالمصر الذي هو به وما يقاربه فإن جاء بها وإلا أنفذ عليه الحكم ثم إن جرحهم بعد لم يرد عنه الحكم وإن جاء ببعض ما يجرحهم مثل أن يأتي بشاهد واستأجل في آخر رأيت أن يضرب له أجلا يوسع عليه فيه حتى يجرحهم أو يعوزه ذلك فيحكم عليه (قال) وإذا شهد الرجل بشهادة ثم رجع إلى الحاكم فشك فيها أو قال قد بان لى أني قد غلطت فيها لم يكن
للحاكم أن ينفذها ولا يناله بعقوبة لان الخطأ موضوع عن بني آدم فيها هو أعظم من هذا وقال له لقد كنت أحب أن تتثبت في الشهادة قبل أن تثبت عليها فإن قال قد غلطت على المشهود عليه الاول وهو هذا الآخر طرحتها عن الاول ولم أجزها على الآخر لانه قد أطلعني على أنه قد شهد فغلط ولكن لو لم يرجع حتى يمضي الحكم بها ثم يرجع بعد مضي الحكم لم أرد الحكم وقد مضى وأغرمهما إن كانا شاهدين على قطع دية يد المقطوع في أموالهما حالة لانهما قد أخطأ عليه وإن قال عمدنا أن نشهد عليه ليقطع وقد علمنا أنه سيقطع إذا شهدنا عليه جعلنا للمقطوع الخيار إن شاء أن يقطع يديهما قصاصا وإن شاء أن يأخذ منهما دية يده * أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن علي رضى الله تعالى عنه (قال) وإذا كان الراجع شاهدا واحدا بعد مضي الحكم فالقول فيه كالقول في الاول يضمن نصف دية يده وإن عمد قطعت يده هو فأما إذا أقرا بعمد شهادة الزور في شئ ليس فيه قصاص فأني أعاقبهما دون الحد ولا تجوز شهادتهما على شئ بعد حتى يختبرا ويجعل هذا حادثا منهما يحتاج إلى اختبارهما بعده إذا بينا أنهما أخطأ على من شهدا عليه فأما لو شهدا ثم قالا لا تنفذ شهادتنا فإنا قد شككنا فيها لم ينفذها وكان له أن ينفذ شهادتهما في غيرها لان قولهما قد شككنا ليس هو قولهما أخطأنا (قال) وإذا شهد الشهود لرجل بحق في قصاص أو قذف أو مال أو غيره فأكذب الشهود المشهود له لم يكن له بعد إكذابهم مرة أن يأخذ بشئ من ذلك الذي شهدوا له به وهو أولى بحق نفسه وأحرى أن يبطل احكم به إذا أكذب الشهود وإنما له شهدوا وهو على نفسه أصدق ولو لم يكذب الشهود ولكنهم رجعوا وقد شهدوا به يقذف أو غيره لم يقض له بشئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الرجوع عن الشهادات ضربان فإذا شهد الشاهدان أو الشهود على رجل بشئ يتلف من بدنه أو ينال مثل قطع أو جلد أو قصاص في قتل أو جرح وفعل ذلك به ثم رجعوا فقالوا عمدنا أو ينال ذلك منه بشهادتنا فهي كالجناية عليه ما كان فيه من ذلك قصاص خير بين أن يقتص أو يأخذ العقل وما لم يكن فيه من ذلك قصاص أخذ فيه العقل وعزروا دون الحد، ولو قالوا عمدنا الباطل ولم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل وكان هذا عمدا يشبه الخطأ فيما يقتص منه وما لا يقتص منه ولو قالا أخطأنا أو شككنا لم يكن في شئ من هذا عقوبة ولا قصاص وكان عليهم فيه الارش (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو(7/57)
شهدوا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق بينهما الحاكم ثم رجعوا أغرمهم الحاكم صداق مثلها إن كان دخل بها وإن لم يكن دخل بها غرمهم نصف صداق مثلها لانهم حرموها عليه ولم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها ولا ألتفت إلى ما أعطاها قل أو كثر إنما التفت إلى ما أتلفوا عليه فأجعل له قيمته (قال) وإذا كانوا إنما شهدوا على الرجل بمال يملك فاخرجوه من يديه بشهادتهم إلى غيره عاقبتهم على عمد شهادة الزور ولم أعاقبهم على الخطأ ولم أغرمهم من قبل أنى لو قبلت قولهم الآخر وكانوا شهدوا على دار قائمة أخرجت فرددتها إليه لم يجز أن أغرمهم شيئا قائما بعينه قد أخرجته من ملك مالكه.
وقد قال بعض البصريين إنه ينقض الحكم في هذا كله فترد الدار إلى الذي أخرجها من يديه أولا (1) وإنما منعنا من هذا أنا إن جعلناه عدلا بالاول فأمضينا به الحكم ولم يرجع قبل مضيه أنا إن نقضناه جعلنا للآخر في غير موضع عدالة فنجيز شهادته على الرجوع ولم يكن أتلف شيئا لا يوجد إنما أخرج من يدي رجل شيئا فكان الحكم أن ذلك حق في الظاهر فلما رجع كان كمبتدئ شهادة لا تجوز شهادته وهو لم يأخذ شيئا لنفسه فانتزعه من يديه ولم يفت شيئا لا ينتفع به من أفاته وإنما شهد بشئ انتفع به غيره فلم أغرمه ما أقر بيدي غيره (قال) وإذا شهد الرجل أو الاثنان على رجل أنه أعتق عبده أو أن هذا العبد حر الاصل فرددت شهادتهما ثم ملكاه أو أحدهما عتق عليهما أو على المالك له منهما لانه أقر بأنه حر لا يحل لاحد ملكه ولا أقبل منه أن يقول شهدت أولا بباطل (قال) وهكذا لو قال لعبد لابيه قد أعتقه أبى في وصية وهو يخرج من الثلث ثم قال كذبت لم يكن له أن يملك منه شيئا لانه قد أقر له بالحرية (قال) وإذا شهد الرجلان على رجل بشهادة فأجازها القاضي ثم علم بعد أنهما عبدان أو مشركان أو أحدهما فعليه رد الحكم ثم يقضي بيمين وشاهدان كان أحدهما عدلا وكان مما يجوز فيه اليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا لو علم أنهما يوم شهدا كانا غير عدلين من جرح بين في أبدانهما أو في أديانهما لا أجد بينهما وبين العبد فرقا في أنه ليس لواحد منهما شهادة في هذه الحال فإذا كانوا بشئ ثابت في أنفسهم من فسق أو عبودية أو كفر لا يحل ابتداء القضاء بشهادتهم فقضى بها كان القضاء نفسه خطأ بينا عند كل أحد ينبغي أن يرده القاضي على نفسه ويرده على غيره بل القاضي بشهادة
الفاسق أبين خطأ من القاضي بشهادة العبد، وذلك أن الله عزوجل قال (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال ممن (ترضون من الشهداء) وليس الفاسق واحدا من هذين فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم الله عزوجل وعليه رد قضائه ورد شهادة العبد إنما هو تأويل ليس ببين واتباع بعض أهل العلم ولو كانا شهدا على رجل بقصاص أو قطع فأنفذه القاضي ثم بان له لم يكن عليهما شئ لانهما صادقان في الظاهر وكان على القاضي أن لا يقبل شهادتهما فهذا خطأ من القاضي تحمله عاقلته فيكون للمقضى عليه بالقصاص أو القطع أرش يده إذا كان جاء ذلك بخطأ فإن أقر أنه جاء ذلك عمدا وهو يعلم أنه ليس ذلك له فعليه القصاص فيما فيه قصاص وهو غير محمود (قال) وإذا مات الرجل وترك ابنا وارثا لا وارث له غيره فأقر ان هذه الالف الدرهم لهذا الرجل وهي ثلث مال أبيه أو أكثر دفعنا إليه.
__________
(1) قوله: (وإنما منعنا) إلى قوله (بيدي غيره) كذا في النسخ.
وتأمل.(7/58)
باب الحدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحد حدان حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه وما أراد من تطهيره به أو غير ذلك مما هو أعلم به وليس للآدميين في هذا حق وحد أوجبه الله تعالى على من أتاه (1) من الآدميين فذلك إليهم ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أصل فأما أصل حد الله تبارك وتعالى في كتابه فقوله عزوجل (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) إلى قوله (رحيم) فأخبر الله تبارك اسمه بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما استثنى فاحتمل ذلك ان لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل حد لله عزوجل فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه كما احتمل حين قال النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا في ماعز (ألا تركتموه) أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة والشارب إذا اعترف بالشرب ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه ومن قال هذا قال هذا في كل حد لله عزوجل فتاب صاحيه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا وأخذ بحقوق الآدميين واحتج بالمرتد يرتد عن الاسلام ثم يرجع إلى الاسلام فيسقط عنه القتل فيبطل القطع
عن السارق ويلزمه المال لانه قد اعترف يشيئين احدهما لله عزوجل ولآخر للآدميين فأخذناه بما للآدميين وأسقطنا عنه ما لله عزوجل ومن ذهب إلى أن الاستثناء في المحارب ليس إلا حيث هو جعل الحد على من أتى حد الله متى قدر عليه وإن تقادم فأما حدود الآدميين من القذف وغيره فتقام أبدا لا تسقط (قال الربيع) قول الشافعي رحمه الله تعالى الاستثناء في التوبة للمحارب وحده الذي أظن أنه يذهب إليه (قال الربيع) والحجة عندي في أن الاستثناء لا يكون إلا في المحارب خاصة حديث ماعز حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه ولا نشك أن ماعزا لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره إلا تائبا إلى الله عزوجل قبل أن يأتيه فلما أقام عليه الحد دل ذلك على أن الاستثناء في المحارب خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على السرقة وشهدا أن هذا سرق لهذا كذا وكذا قطع السارق إذا ادعى المسروق المتاع لانه قد قام عليه شاهدان بأنه سرق متاع غيره ولو لم يزيدا على ان قالا هذا سرق من بيت هذا كان مثل هذا سواء إذا ادعى أنه له قطعت السارق لاني اجعل له ما في يديه وما في بيته مما في يديه (قال) ولو ادعى في الحالين معا أن المتاع متاعه غلبه عليه هذا أو باعه إياه أو وهبه له وأذن له في أخذه لم أقطعه لاني أجعله خصم له ألا ترى أنه لو نكل عن اليمين أحلفت المشهود عليه بالسرقة ودفعته إليه ولو أقام عليه بينة دفعته إليه ولو أقام عليه بينة في المسألة الاولى فأقام المسروق بينة أنه متاعه جعلت المتاع للذي المتاع في يديه وأبطلت الحد عن السارق لانه قد جاء ببينة أنه له فلا أقطعه فيما قد أقام البينة أنه له وإن لم أقض به له وأنا أدرأ الحد بأقل من هذا، ولو أقر المسروق منه بعدما قامت البينة على السارق أنه نقب بيته وأخرج متاعه أنه أذن له أن ينقب بيته ويأخذه وأنه متاع له لم أقطعه وكذلك لو شهد له شهود فأكذب الشهود إذا سقط أن أضمنه المتاع بإقرار رب المتاع له لم أقطعه في شئ أنا أقضى به له ولا أخرجه من يديه والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لا يقبل فيها أقل منهم لان كلا جماع
__________
(1) أي لاجل الآدميين فهو من حقوقهم.
تأمل.(7/59)
(قال الشافعي (رحمه الله تعالى: ومن شهد على رجل بحد أو قصاص أو غيره فلم تجز شهادته
بمعنى من المعاني إما بأن لم يكن معه غيره وإما بأن لم يكن عدلا فلا حد عليه ولا عقوبة إلا شهود الزنا الذين يقذفون بالزنا فإذا لم يتموا فالاثر عن عمر وقول أكثر المفتين أن يحدوا والفرق بين الشهادة في الحدود وبين المشاتمة التي يعزر فيها من ادعى الشهادة أو يحد أن يكون الشاهد إنما يتكلم بها عند الامام الذي يقيم الحدود أو عند شهود يشهدهم على شهادته أو عند مفت يسأله ما تلزمه الشهادة لو حكاها لا على معنى الشتم ولكن على معنى الاشهاد عليها فأما إذا قالها على معنى الشتم ثم أراد أن يشهد بها لم يقبل منه وأقيم عليه فيها الحد إن كان حدا أو التعزير إن كان تعزيرا (قال) ولا يجوز كتاب القاضي إلى القاضي حتى يشهد عليه شاهدان بالكتاب بعدما يقرأه القاضي عليهما ويعرفانه وكتابه إليه كالصكوك للناس على الناس لا أقبلها مختومة وإن شهد الشهود أن ما فيها حق وكذلك إن شهد الشاهدان أن هذا كتاب القاضي دفعه إلينا وقال اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان لم أقبله حتى يقرأ عليهم وهو يسمعه ويقر به ثم لا أبالي كان عليه خاتم أو لم يكن فأقبله (قال) وقد حضرت قاضيا أتاه كتاب من قاض وشهود عدد عدول فقال الشهود نشهد أن هذا كتاب القاضي فلان دفعه إلينا وقال اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان فقبله وفتحه فأنكر المكتوب عليه ما فيه وجاء بكتاب معه يخالفه فوقف القاضي عنه وكتب إليه بنسختهما فكتب إليه يخبره أن أحدهما صحيح وأن الآخر وضع في مكان كتاب صحيح فدفعه وهو يرى أنه إياه وذكر المشهود عليه أن ذلك من قبل بعض كتابه أو أعوانه فإذا أمكن هذا هكذا لم ينبغ أن يكون مقبولا حتى يشهد الشهود على ما فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يقبل إلا كتاب قاض عدل وإذا كتب الكتاب وأشهد عليه ثم مات أو عزل انبغى للمكتوب إلى أن يقبله (قال) وكذلك لو مات القاضي المكتوب إليه انبغى للقاضي الوالي بعده أن يقبله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل ما نذهب إليه أنا لا نجيز شهادة خصم على خصمه لان الخصومة موضع عداوة سيما إذا كان الخصم يطلبه بشتم (قال) ولو أن رجلا قذف رجلا أو جماعة فشهدوا عليه بزنا أو بحد غيره لم أجز شهادة المقذوف لانه خصم له في طلب القذف وحددت المشهود عليه بالقذف بشهادة غير من قذفه ولو كانوا شهدوا عليه قبل القذف ثم قذفهم كانت الشهادة ما كانت أنفذتها لانها كانت قبل أن يكونوا له خصماء ولكنهم لو زادوا عليه فيها بعد القذف لم أقبل الزيادة لانها كانت بعد أن كانوا له خصماء (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا قذف رجل رجلا وكان المقذوف عبدا فأقام شاهدين أن سيده أعتقه قبل قذف هذا بساعة أو أكثر حد قاذفة وكذلك لو جنى عليه أو جنى هو كانت جنايته والجناية عليه جناية حر (قال) وكذلك لو أصاب هو حدا كان حده حد حر وطلاقه طلاق حر لاني إنما أنظر إلى العتق يوم يكون الكلام ولا أنظر إليه يوم يقع به الحكم ولو جحده سيده العتق سنة أعتقه يوم أعتقه السيد وحكمت له بأحكام الحر يومئذ ورددته على السيد بإجارة مثله بما استخدمه وهكذا نقول في الطلاق إذا جحده الزوج وقامت به بينة الطلاق من يوم قامت البينة لا من يوم وقع الحكم وهكذا نقول في القرعة وقيم العبيد قيمتهم يوم يقع العتق وهكذا نقول فيمن عتق من الثلث قيمتهم يوم مات المعتق لانه يومئذ وقع العتق ولا ألتفت إلى وقوع الحكم فأما أن يتحكم متحكم فيزعم مرة أنه إنما ينظر إلى يوم تكون البينة لا يوم يقع الحكم ومرة إلى يوم يقع الحكم فلو شاء قائل أن يقول له بخلاف قوله (1) فيجعل ما
__________
(1) قوله: فيجعل ما جعل يوم كانت البينة الخ كذا في الاصل ولعل فيه سقطا والاصل (فيجعل ما جعل يوم كانت البينة أو كان العتق يوم كان الحكم ويجعل ما جعل يوم كان الحكم يوم كانت البينة أو كان العتق) تأمل.(7/60)
جعل يوم كانت البينة أو كان العتق لم يكن عليه حجة ولا يجوز فيه إلا ما قلناه من أن يكون الحكم من يوم وقع العتق ويوم قامت البينة (قال) وإذا أقام شاهدا على رجل أنه غصبه جارية وشاهدا أنه أقر أنه غصبه إياها فهذه شهادة مختلفة ويحلف مع أحد شاهديه ويأخذها (قال) وكذلك لو شهد أحدهما أنها له وشهد الآخر انه أقر أنه غصبه إياها (قال) وإذا شهد شاهدان على رجل أنه غصب رجلا جارية وقد وطئها وولدت له أولادا فله الجارية وما نقص ثمنها ومهرها وأولاده رقيق فإن أقر أنه غصبها ووطئها حد ولا يلحق به الولد، وإن زعم أنها له وأن الشهود شهدوا عليه بباطل فلا حد عليه ويلحق به الولد ويقومون وليس في شهادة الشهود عليه في الجارية أنه غصبها (1) مسلمة في الحد عليه لانهم لم يشهدوا عليه بزنا إنما شهدوا عليه بغصب، وإذا شهد الشهود على رجل أنه غصبه جارية لا يعرفون قيمتها وقد هلكت الجارية لم يقض عليه بقيمة صفة حتى يثبتوا على قيمتها ويقال لهم اشهدوا إن أثبتم على أن قيمتها دينار أو أكثر فلا تأثموا إذا شهدتم بما أحطتم به علما ووقفنم عما لا تحيطون به علما فإن ماتوا ولم يثبتوا
قيل للغاصب قل ما شئت في قيمتها مما يحتمل أن يكون ثمن شر ما يكون من الجواري وأقله ثمنا وأحلف عليه وليس عليك أكثر منه فإن قال لا قيل للمغصوب ادع واحلف فإن فعل فهو له وإن لم يفعل فلا شئ له (قال) ولو شهدوا أنه أخذ من يده جارية ولم يقولوا هي له قضينا عليه بردها إليه وكذلك كل ما أخذ من يديه قضى عليه برده عليه لانه أولى بما في يديه من غيره (قال) ولو شهد شاهدان على رجل بغصب بعينه وقام عليه الغرماء حيا وميتا فالسلعة التي شهدوا بها بعينها للمغصوب له ما كان عبدا أو ثوبا أو دنانير أو دراهم (قال) وإذا أقام رجل شاهدين على دابة أنها له زادوا ولا يعلمونه باع ولا وهب أولا قضيت له بها لانهم لم يشهدوا أنها له إلا وهو لم يبع ولم يهب ولم تخرج من ملكه ولكنه إن دفعه المشهود عليه عنها أحلفته له أنها لفي ملكه ما خرجت منه بوجه من الوجوه (قال) وإذا أقام رجل شاهدين أن هذا الميت مولى له أعتقه ولا وارث له غيره قضى له بميراثه وليس على أحد قضى له ببينة تقوم له أن يؤخذ منه كفيل إنما الكفيل في شئ ذهب إليه بعض الحكام يسأله المقضى له فيتطوع به احتياطا لشئ إن كان وإن لم يأت بكفيل قضى له به (قال) (2) ولو أقام رجل بعد هذا بينة على أنه مولاه أعتقه هو وكانت البينة شاهدين وأكثر فسواء إذا كانا شاهدين تجوز شهادتهما ومن هو أكثر منهما وأعدل لاني أحكم بشهادة هذين كما أحكم بشهادة الجماعة التي هي أعدل وأكثر وهذا مكتوب في غير هذا الموضع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أن رجلا أعتق عبدا له في مرضه الذي مات فيه عتق بتات وهو يخرج من الثلث فهو حر كان الشاهدان وارثين أو غير وارثين إذا كانا عدلين (قال) ولو جاء أجنبيان فشهدا الآخر أنه أعتقه عتق بتات سئلا عن الوقت الذي أعتقه فيه والشاهدا الآخران عن الوقت الذي أعتق العبد فيه فأي العتقين كان أولا قدم وأبطل الآخر وإن كانا سواء أو كانوا لا يعرفون أي ذلك كان اولا أقرع بينهما وإن كان أحدهما عتق بتات والآخر عتق وصية كان البتات أولى فإن كانا جميعا عتق وصية أو عتق تدبير فكله سواء يقرع بينهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أجنبيان لعبد أنه أعتقه وهو الثلث في الوصية وشهد شاهدان وارثان لعبد غيره أنه أعتقه في وصية وهو الثلث فسواء الاجنبيان والوارثان لان الوارثين إذا شهدا على ما يستوظف
__________
(1) لعله (مسكه) تأمل كتبه مصححه.
(2) قوله: ولو اقام رجل بعد هذا بينه الخ أي لا يحكم له بها ولو كانت أكثر من الاولى وأعدل لانى احكم الخ فتدبر.(7/61)
الثلث فليس ههنا في الثلث موضع في أن يوفرا على أنفسهما فيعتق من كل واحد منهم نصفه (قال الربيع) قول الشافعي في غير هذا الموضع أن العبدين إذا استويا في الدعوى والشهادة ولم يدر أيهما عتق اولا فاستوظف به الثلث أنه يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أنهما شهدا أنه رجع عن عتق الاول وأعتق الآخر أجزت شهادتهما إذا كان الثلث وإنما أرد شهادتهما فيما جرا إلى أنفسهما التوفير فأما إذا لم يجرا إلى أنفسهما فلا (قال) ولو شهد أجنبيان لرجل أنه أوصى له بالثلث أو بعبد هو الثلث وشهد الوارثان أنه رجع عن الوصية لهذا المشهود له وأوصى بها لغيره وهو غير وارث أو أعتق هذا العبد أجزت شهادتهما لانهما مخرجان الثلث من أيديهما فإذا لم يخرجاه لشئ يعود عليهما منه ما يملكان ملك الاموال لم أرد شهادتهما فأما الولاء فلا يملك ملك الاموال وقد لا يصير في أيديهما من الولاء شئ ولو كنا نبطلها بأنهما قد يرثان المولى يوما إن مات ولا وارث له غيرهما أبطلناها لذوي أرحامهما وعصبتهما ولكنها لا تبطل في شئ من هذا والشهادة في الوصية مثلها في العتق تجوز شهادة الوارثين فيها كما تجوز شهادة الاجنبيين فإن شهد الاجنبيان لرجل انه أوصى له بالثلث وشهد الوارثان لرجل أنه أوصى له بالثلث كان بينهما سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا شهد أجنبيان لعبد انه أعتقه في وصية وشهد وارثان لعبد أنه أعتقه في وصية ورجع عن العتق الآخر وكلاهما الثلث فشهادة الوارثين جائزة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان بأن الميت أوصى لرجل بعبد بعينه وهو الثلث وشهد وارثان أنه أوصى بذلك العبد بعينه لآخر ورجع في وصية الاولى فشهادتهما جائزة والوصية لمن شهدا له، وكذلك لو شهدا بعبد آخر غيره قيمته مثل قيمته جازت شهادتهما ولو كات أقل من قيمته رددت شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما فضل ما بين قيمة من شهد أنه أوصى به وقيمة من شهدا أنه رجع عن الوصية به فلا أرد من شهادتهما إلا ما رد عليهما الفضل ولو كانت له مع هذا وصايا بغير هذين تستغرق الثلث أجزت شهادتهما من قبل أن الثلث خارج
لا محالة فليسا يردان على أنفسهما من فضل ما بين قيمتهما شيئا لان ذلك الشئ لغيرهما من للوصي لهم به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان لعبد أن مولاه أعتقه من الثلث في وصيته وشهد وارثان لعبد آخر انه رجع في عتق هذا المشهود له وأعتق هذا الآخر وهو سدس مال الميت أبطلت شهادتهما عن الاول لانهما يجران إلى أنفسهما فضل قيمة ما بينهما وأعتقت الاول بغير قرعة وأبطلت حقهما من هذا الآخر لانهما يشهدان له أنه حر من الثلث ولو لم يزيدا على أن يقول نشهد على أنه أعتق هذا أجزت شهادتهما وأقرعت بينهما حتى استوظف الثلث، وإذا شهد أجنبيان لرجل حي أن ميتا أوصى له بثلث ماله وشهد وارثان أن أباهما أعتق هذا العبد من عبيده عتق بتات في مرضه فعتق البتات يبدأ على الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز شهادة الوارثين وليس في هذا شئ ترد به شهادة واحد منهم إذا كانوا عدولا ولو كان العتق عتق وصية فمن بدأ العتق على الوصية بدأ هذا العبد ثم إن فضل منه شئ أعطى صاحب الثلث وإن لم يفضل منه شئ فلا شئ له ومن جعل الوصايا والعتق سواء أعتق من العبد بقدر ما يصيبه وأعطى الموصى له الثلث بقدر ما يصيبه وشهادة الورثة وشهادة غيرهم فيما أوصى به الميت إذا كانوا عدولا سواء ما لم يجروا إلى أنفسهم بشهادتهم أو يدفعوا عنها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان لرجل أن الميت أوصى له بالثلث وشهد شاهدان من الورثة لآخر غيره أن الميت أوصى له بالثلث فشهادتهم سواء ويقتسمان الثلث نصفين في قول أكثر المفتين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو شهد وارث لواحد أنه أوصى له بالثلث وشهد أجنبيان لآخر أنه(7/62)
أوصى له بالثلث كان حكم الشاهدين أن المشهود له يأخذ بهما بغير يمين والشاهد أنه لا يأخذ إلا بيمين وكانا حكمين مختلفين والقياس يحتمل أن يعطى صاحب الشاهدين من قبل أنه أقوى سببا من صاحب الشاهد واليمين وذلك أنه يعطى بلا يمين وقد يحتمل أن يقال إذا اعطيت بشاهد ويمين كما تعطى بشاهدين فاجعل الشاهد واليمين يقوم مقام الشاهدين فيما يعطي بشاهد ويمين فأما أربعة شهود وشاهدان وأكثر من أربعة وشاهدان وأعدل فسواء من قبل أنا نعطي بها عطاء واحدا بلا يمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد وارثان لآخر انه رجع في
الوصية بالثلث لفلان وجعله لفلان فشهادتهما جائزة والثلث للآخر وأصل هذا أن شهادة الوارثين إذا كانا عدلين مثل شهادة الاجنبيين فيما لا يجران إلى أنفسهما ولا يدفعان به عنها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان أن الميت أوصى لرجل بالثلث وشهد وارثان أنه انتزعه منه وأوصى به للآخر وشهد أجنبيان أنه انتزعه من الذي شهد له الوارثان وأوصى به لآخر غيرهما جعلت الاول المنتزع منه لا شئ له بشهادة الوارثين أنه رجع في الوصية للاول ثم انتزعه أيضا من الذي شهد له الوارثان بشهادة الاجنبيين أنه انتزعه من الذي أوصى له به وأوصى به لآخر ثم هكذا كلما ثبتت الشهادة لواحد فشهد آخر أنه انتزعه منه وأعطاه آخر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد شاهدان أنه أوصى به لآخر وشهد شاهدان أن الميت رجع عن أحدهما ولا يدري من هو فشهادتهما باطلة وهو بينهما نصفان قال وإذا شهد شاهدان أن فلانا قال إن قتلت فغلامي فلان حر وشهد رجلان على قتله وآخر أن على أنه قد مات موتا بغير قتل ففى قياس من زعم أنه يقتل به قاتله يثبت العتق للعبد ويقتل القاتل وهذا قياس يقول به أكثر المفتين ومن قال لا أجعل الذين أثبتوا له القتل أولى من الذين طرحوا القتل عن القاتل ولا آخذ القاتل بقتله لان ههنا من يبرئه من قتله وأجعل البينتين تهاترا لا يعتق العبد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال رجل إن مت في سفري هذا أو في مرضى هذا أو سنتى هذه أو بلد كذا وكذا فحضرني الموت في وقت من الاوقات أو في بلد من البلدان فغلامي فلان حر فلم يمت في ذلك الوقت ولا في ذلك البلد ومات بعد قبل أن يحدث وصية ولا رجعة في هذا العتق فلا يعتق هذا العبد لانه أعتقه على شرط فلم يكن الشرط فلا يعتق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد رجلان أن رجلا قال إن مت في رمضان ففلان حر وإن مت في شوال ففلان غيره حر فشهد شاهدان أنه مات في رمضان وآخران أنه مات في شوال (1) فينبغي في قياس من زعم أنه تثبت الشهادة للاول وتبطل للآخر لانه إذا ثبت الموت أولا لم يمت ثانيا، وفي قول من قال أجعلها تهاترا فنبطل الشهادتين معا ولا يثبت الحق لواحد منهما معا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تداعى عبدان فقال أحدهما قال مالكي إن مت من مرضى هذا فأنت حر وقال الآخر قال إن برئت من مرضى هذا فأنت حر فادعى الاول أنه مات من مرضه والثاني أنه مات بعد برئه فالشهادة متضادة شهادة
الورثة وغيرهم سواء إن كانوا عدولا فإن شهدوا لواحد بدعواه عتق ورق الآخر قال وإن شهد الورثة لواحد وشهد الاجنبيون لواحد فالقياس على ما وصفت أولا إلا أن الذي شهد له الوارث، يعتق نصيب من شهد له بالعتق منهم على كل حال لانه يقر أن لا رق له عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان لعبد أن سيده قال إن مت من مرضى هذا فأنت حر فقال العبد مات من
__________
(1) كذا في النسخ ولا يخلو من سقط والمراد ظاهر فتأمل.(7/63)
مرضه ذلك وقال الوارث لم يمت منه فالقول قول الوارث مع يمينه إلا أن يأتي العبد ببينة أنه مات من ذلك المرض.
الايمان والنذور والكفارات في الايمان (أخبرنا الربيع) قال سئل الشافعي فقيل إنا نقول إن الكفارات من أمرين وهما قولك والله لافعلن كذا وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك إن كان جائزا فعله وفي أن تكفر وتدعه وإن كان مما لا يجوز فعله فإنه يؤمر بالكفارة وينهى عن البر وإن فعل (1) ما يجوز له من ذلك بر ولم تكن عليه كفارة والثاني قولك والله لا أفعل كذا وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك وعليك الكفارة إن كان مما يجوز لك فعله ومخيرا في الاقامة على ترك ذلك ولا كفارة عليك إلا أن يكون ما حلف عليه طاعة لله عزوجل فيؤمر بفعله ويكفر عن يمينه ونقول أن قوله بالله وتالله وأشهد بالله وأقسم بالله وأعزم بالله أو قال وعزة الله أو وقدرة الله أو وكبرياء الله أن عليه في ذلك كله كفارة مثل ما عليه في قوله والله ونقول إنه إن قال أشهد ولم يقل بالله أو أقسم ولم يقل بالله أو أعزم ولم يقل بالله أو قال الله انه إن لم يكن أراد به يمينا في ذلك كله أنه لا حنث عليه وإن أراد به يمينا فمثل قوله والله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشئ غير الله عزوجل مثل أن يقول الرجل والكعبة وأبى كذا وكذا ما كان فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله لعمري لا كفارة عليه وكل يمين بغير الله فهي مكروهة منهى عنها من قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت) أخبرنا ابن عيينة قال حدثنا الزهري قال حدثنا سالم عن أبيه قال
سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه فقال (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) قال عمر رضى الله تعالى عنه والله ما حلفت بها بعد ذلك (2) ذاكرا ولا آثرا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكل من حلف بغير الله كرهت له وخشيت أن تكون يمينه معصية وأكره الايمان بالله على كل حال إلا فيما كان لله طاعة مثل البيعة على الجهاد وما أشبه ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن حلف على يمين فرأى خيرا منها فواسع له واختار له أن يأتي الذي هو خير وليكفر عن يمينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) ومن حلف عامدا للكذب فقال والله لقد كان كذا وكذا ولم يكن أو والله ما كان كذا وقد كان كفر وقد أثم وأساء حيث عمد الحلف بالله باطلا فإن قال وما الحجة في أن يكفر وقد عمد الباطل ؟ قيل أقر بها قول النبي صلى الله عليه وسلم (فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) فقد أمره أن يعمد الحنث وقول الله عز وجل (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى) نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلا فأمره الله عزوجل أن ينفعه وقول الله عزوجل (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) ثم جعل فيه الكفارة ومن حلف وهو يرى أنه صادق ثم وجده كاذبا فعليه الكفارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقول الرجل أقسم فليس بيمين فإن قال أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما يمينا بالله فليست
__________
(1) لعله: (ما لا يجوز) تأمل.
كتبه مصححه.
(2) أي متكلما بها عن نفسي ولا مخبرا بها عن غيرى كما يؤخذ من لسان العرب فانظره.(7/64)
بيمين حادثة وإنما هو خبر عن يمين ماضية وإن أراد بها يمينا فهي يمين وإن قال أقسم بالله فإن أراد بها إيقاع يمين فهي يمين وإن أراد بها موعدا أنه سيقسم بالله فليست بيمين وإنما ذلك كقوله سأحلف أو سوف أحلف وإن قال لعمر الله فإن أراد اليمين فهي يمين وإن لم يرد اليمين فليست بيمين لانها تحتمل غير اليمين لان قوله لعمري إنما هو لحقي فإن قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله اليمين أو لا نية له فهي يمين وإن لم يرد بها اليمين فليست بيمين لانه يحتمل وحق الله واجب على كل مسلم وقدرة الله ماضية عليه لا أنه يمين وإنما يكون يمينا بأن لا ينوي شيئا أو بأن ينوي يمينا وإذا قال بالله أو
تالله في يمين فهو كما وصفت إن نوى يمينا أو لم تكن له نية وإن قال (1) والله لافعلن كذا وكذا لم يكن يمينا إلا بأن ينوي يمينا لان هذا ابتداء كلام لا يمين إلا بأن ينويه وإذا قال أشهد بالله فإن نوى اليمين فهى يمين وإن لم ينو يمينا فليست بيمين لان قوله أشهد بالله يحتمل أشهد بأمر الله، وإذا قال أشهد لم يكن يمينا وإن نوى يمينا فلا شئ عليه ولو قال أعزم بالله ولا نية له فليست بيمين لان قوله أعزم بالله إنما هي أعزم بقدرة الله أو أعزم بعون الله على كذا وكذا واستحلافه لصاحبه لا يمينه هو مثل قولك للرجل أسألك بالله أو اقسم عليك بالله أو أعزم عليك بالله، فإن أراد المستحلف بهذا يمينا فهو يمين وإن لم يرد به يمينا فلا شئ عليه، فإن أراد بقوله أعزم بالله أو أقسم بالله أو أسألك بالله يمينا فهي يمين، وكذلك إن تكلم بها وإن لم ينو فلا شئ عليه وإذا قال على عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فليس بيمين إلا أن ينوي بها يمينا وكذلك ليست بيمين لو تكلم بها لا ينوي يمينا فليس بيمين بشئ من قبل أن الله عليه عهدا أن يؤدي فرائضه، وكذلك لله عليه ميثاق بذلك وأمانة بذلك وكذلك الذمة والكفالة.
الاستثناء في اليمين (قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول في الذي يقول والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله أنه إن كان أراد بذلك الثنيا فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل وإن لم يرد بذلك الثنيا وإنما قال ذلك لقول الله عزوجل (ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) أو قال ذلك سهوا أو استهتارا فإنه لا ثنيا وعليه الكفارة إن حنث وهو قول مالك رحمه الله تعالى وأنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسق الثنيا بها أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يصل الاستثناء باليمين فإنه إن كان نسقا بها تباعا فذلك له استثناء وإن كان بين ذلك صمات فلا استثناء له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى من قال والله أو حلف بيمين ما كانت يطلاق أو عتاق أو غيره أو أوجب على نفسه شيئا ثم قال إن شاء الله موصولا بكلامه فقد استثنى ولم يقع عليه شئ من اليمين وإن حنث والوصل أن يكون كلامه نسقا وإن كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر أو العى أو النفس أو انقطاع الصوت ثم وصل الاستثناء فهو موصول وإنما القطع أن يحلف ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهى أو غيره أو يسكت السكات الذين يبين أنه يكون قطعا فإذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء فإن حلف فقال والله
لافعلن كذا وكذا إلا أن يشاء فلان فله أن يفعل ذلك الشئ حتى يشاء فلان فإن مات أو خرس أو غاب لم يفعل وإن قال لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان فليس له أن يفعل ذلك الشئ إلا أن يشاء
__________
(1) كذا في النسخ بالواو والظاهر إسقاطها أو يقرأ بالرفع كما يشير إليه قوله ابتداء كلام تأمل كتبه مصححه.(7/65)
فلان فإن مات فلان أو خرس لم يكن له أن يفعل ذلك الشئ حتى يعلم أن فلانا شاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن حلف فقال والله (1) لافعلن كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يحنث إن شاء فلان وإن مات فلان أو خرس أو غاب عنا معنى فلان حتى يمضي وقت يمينه حنث لانه إنما يخرجه من الحنث مشيئة فلان ولو كانت المسألة بحالها فقال والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يفعل حتى يشاء فلان وإن غاب عنا معنى فلان فلم نعرف شاء أو لم يشاء لم يفعل فإن فعله لم أحنثه من قبل أن يمكن أن يكون فلان شاء.
لغو اليمين قيل للشافعي رحمه الله تعالى فإنا نقول إن اليمين التي لا كفارة فيها وإن حنث فيها صاحبها أنها يمين واحدة إلا أن لها وجهين وجه يعذر فيه صاحبه ويرجى له أن لا يكون عليه فيها إثم لانه لم يعقد فيها على إثم ولا كذب وهو أن يحلف بالله على الامر لقد كان ولم يكن فإذا كان ذلك جهده ومبلغ علمه فذلك اللغو الذي وضع الله تعالى فيه المؤنة عن العباد وقال (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) والوجه الثاني أنه إن حلف عامدا للكذب استخفافا باليمين بالله كاذبا فهذا الوجه الثاني الذي ليست فيه كفارة لان الذي يعرض من ذلك أعظم من أن يكون فيه كفارة وإنه ليقال له تقرب إلى الله بما استطعت من خير أخبرنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار وابن جريج عن عطاء قال ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير فسألناها عن قول الله عزوجل (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قالت هو: لا والله وبلى والله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولغو اليمين كما قالت عائشة رضى الله تعالى عنها والله تعالى أعلم.
قول الرجل لا والله وبلى والله ذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه وعقد اليمين أن يثبتها على الشئ بعينه أن لا
يفعل الشئ فيفعله أو ليفعلنه فلا يفعله أو لقد كان وما كان فهذا آثم وعليه الكفارة لما وصفت من أن الله عزوجل قد جعل الكفارات في عمد المأثم فقال تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال (ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إلى (بالغ الكعبة) ومثل قوله في الظهار (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) ثم أمر فيه بالكفارة ومثل ما وصفت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه).
الكفارة قبل الحنث وبعده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فمن حلف على شئ فأراد أن يحنث فأحب إلى لو لم يكفر حتى يحنث وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه وإن كفر بصوم قبل الحنث لم يجز عنه وذلك أنا نزعم أن الله تبارك وتعالى حقا على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله
__________
(1) لعل فيه سقطا وعبارة المختصر (لافعلن كذا وكذا الوقت إلا أن يشاء الخ) وقال المزني في آخر الكلام قال بخلافه في جامع الايمان.
تأمل كتبه مصححه.(7/66)
أجزأهم وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل وأن المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق التي في الاموال قياسا على هذا فأما الاعمال التي على الابدان فلا تجزى إلا بعد مواقيتها كالصلاة التي لا تجزي إلى بعد الوقت والصوم لا يجزي إلا في الوقت أو قضاء بعد الوقت الحج الذي لا يجزي العبد ولا الصغير من حجة الاسلام لانهما حجا قبل أن يجب عليهما.
من حلف بطلاق امرأته إن تزوج عليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها تطليقة يملك الرجعة ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث والطلاق الذي أوقع، وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فسمى وقتا فإن جاء ذلك الوقت وهي زوجته ولم يتزوج عليها فهي طالق ثلاثا ولو أنه طلقها واحدة أو اثنتين ثم جاء ذلك الوقت وهي في عدتها وقعت عليها التطليقة الثالثة
وإن لم يوقت وكانت المسألة بحالها فقال أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فهذا على الابد لا يحنث حتى يموت أو تموت قبل أن يتزوج عليها وما تزوج عليها من امرأة تشبهها أولا تشبهها خرج بها من الحنث دخل بها أو لم يدخل ولا يخرجه من الحنث إلا تزويج صحيح يثبت فأما تزويج فاسد فليس بنكاح يخرجه من الحنث وإن ماتت لم يرثها وإن مات هو ورثته لم ترثه في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: بعد لا ترث المبتوتة وهو قول ابن الزبير (قال الربيع) صار الشافعي إلى قول ابن الزبير وذلك أنهم أجمعوا أن الله عزوجل إنما ورث الزوجات من الازواج وأنه إن آلى من المبتوتة فلا يكون عليه إيلاء وإن ظاهر فلا ظهار عليه وإن قذفها لم يكن له أن يلاعن ولم يبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما زعموا أنها خارجة في هذه الاشياء من معاني الازواج وإنما ورث الله تعالى الزوجات لم نورثها والله تعالى الموفق.
الاطعام في الكفارات في البلدان كلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجزي في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة ولا يجزئ أن يكون دقيقا ولا سويقا وإن كان أهل بلد يقتاتون الذرة أو الارز أو التمر أو الزبيب أجزأ من كل جنس واحد من هذا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قلنا يجزئ هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا فلكل مسكين مد.
فإن قال قائل: فقد قال سعيد بن المسيب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا أو عشرون صاعا قيل فأكثر ما قال ابن المسيب مد وربع أو ثلث وإنما هذا شك أدخله ابن المسيب والعرق كما وصفت كان يقدر على خمسة عشر صاعا والكفارات بالمدينة وبنجد ومصر والقيروان والبلدان كلها سواء ما فرض الله عزوجل على العباد فرضين في شئ واحد قط ولا يجزئ في ذلك إلا مكيلة الطعام وما أرى أن يجزيهم دراهم وإن كان أكثر من قيمة الطعام وما يقتات أهل البلدان من شئ أجزأهم منه مد ويجزئ أهل البادية مد أقط وإن لم يكن(7/67)
لاهل بلد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أقرب البلدان إليهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: ويعطي الكفارات والزكاة كل من لا تلزمه نفقته من قرابته وهم من عدا الوالد والولد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم متطوعا أعطاهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس له إذا كفر بإطعام أن يطعم أقل من عشرة وإن أطعم تسعة وكسا واحدا كان عليه أن يطعم عاشرا أو يكسو تسعة لانه إنما جعل له أن يطعم عشرة أو يكسوهم وهو لا يجزئه أن يكسو تسعة ويطعم واحدا لانه حينئذ لا أطعم عشرة ولا كساهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا كانت عليه ثلاثة ايمان مختلفة فحنث فيها فأعتق وأطعم وكسا ينوي الكفارة ولا ينوي عن أيها العتق ولا عن أيها الاطعام ولا عن أيها الكسوة أجزأة بنية الكفارة وأيها شاء أن يكون عتقا أو إطعاما أو كسوة كان وما لم يشأ فالنية الاولى تجزيه فإن أعتق وكسا وأطعم ولم يستكمل الاطعام أكمله ونواه عن أي الكفارات شاء ولو كانت المسألة بحالها فكسا وأعتق وأطعم ولم ينو الكفارة ثم أراد أن ينوى كفارة لم تكن كفارة لا تجزئه حتى يقدم النية قبل الكفارة أو تكون معها وأما ما كان عمله قبل النية فهو تطوع لا يجزيه من الكفارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أمر الرجل الرجل أن يكفر عنه من مال المأمور أو استأذن الرجل الرجل أن يكفر عنه من ماله فأذن له أجزأت عنه الكفارة هذه هبة مقبوضة لان دفعه إياها إلى المساكين بأمره كقبض وكيله لهبة وهبها له، وكذلك إن قال أعتق عنى فهي هبة فإعتاقه عنه كقبضه ما وهب له وولاؤه للمعتق عنه لانه قد ملكه قبل العتق وكان العتق مثل القبض كما لو اشتراه فلم يقبضه حتى أعتقه كان العتق مثل القبض، ولو أن رجلا تطوع فكفر عن رجل بإطعام أو كسوة أو عتق ولم يتقدم في ذلك أمر من الحالف لم يجز عنه وكان العتق عن نفسه لانه هو المعتق لما يملك ما لم يهب لغيره فيقبله، وكذلك الرجل يعتق عن أبويه بعد الموت فالولاء له إذا لم يكن ذلك بوصية منهما ولا شئ من أموالهما، ولو أن رجلا صام عن رجل بأمره لم يجزه الصوم عنه وذلك أنه لا يعمل أحد عن أحد عمل الابدان لان الابدان تعبدت بعمل فلا يجزي عنها أن يعمل غيرها ليس الحج والعمرة بالخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأن فيهما نفقة وأن الله فرضهما على من وجد إليهما السبيل والسبيل بالمال.
من لا يطعم من الكفارات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يجزئ أن يطعم في كفارات الايمان إلا حرا مسلما محتاجا فإن أطعم منها ذميا محتاجا أو حرا مسلما غير محتاج أو عبد رجل محتاج لم يجزه ذلك وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا وعليه أن يعيد وهكذا لو أطعم غنيا وهو لا يعلم ثم علم غناه كان عليه أن يعيد، وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته ثم علم أعاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن كان له مسكن لا يستغنى عنه هو وأهله وخادم أعطى من كفارة اليمين والصدقة والزكاة ولو كان له مسكن يفضل عن حاجته وحاجة أهله الفضل الذي يكون بمثله غنيا لم يعط.
ما يجزي من الكسوة في الكفارات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة(7/68)
أو سراويل أو ازار أو مقنعة وغير ذلك للرجل والمرأة لان ذلك كله يقع عليه اسم كسوة، ولو أن رجلا أراد أن يستدل بما تجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين جاز لغيره أن يستدل بما يكفيه في الشتاء أو في الصيف أو في السفر من الكسوة ولكن لا يجوز الاستدلال عليه بشئ من هذا وإذا أطلقه الله فهو مطلق ولا بأس أن يكسو رجالا ونساء وكذلك يكسو الصبيان وإن كسا غنيا وهو لا يعلم رأيت عليه أن يعيد الكسوة.
العتق في الكفارات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أعتق في كفارة اليمين أو في شئ وجب عليه العتق لم يجزه إلا رقبة مؤمنة ويعتق فيها الاسود والاحمر والسوداء والحمراء وأقل ما يقع به اسم الايمان على العجمي أن يصف الايمان إذا أمر بصفته ثم يكون به مؤمنا ويجزي فيه الصغير إذا كان أبواه أو احدهما مؤمنا لان حكمهم حكم الايمان ويجزي في الكفارات ولد الزنا، وكذلك كل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل ضررا بينا مثل العرج الخفيف والعور وشلل الخنصر والعيوب التي لا تضر بالعمل ضررا بينا ويجزي فيه العرج الخفيف ولا يجزي المقعد ولا الاعمى ولا أشل الرجل يابسها ولا اليدين يابسهما ويجزي الاصم والخصى المجبوب وغير المجبوب ويجزي المريض الذي ليس به مرض زمانة مثل الفالج والسبل وما أشبهه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الجارية حاملا من زوجها ثم اشتراها زوجها فأعتقها في كفارة أجزأت عنه وإنما لا تجزي في قول من لا يبيع أم الولد إذا ولدت بعد شرائه إياها ووضعها لستة أشهر فصاعدا لانها تكون بذلك أم ولد فأما ما كان قبل ذلك فلا تكون به أم ولد (قال) ومن كانت عليه رقبة واجبة فأراد أن يشتري رقبة تعتق عليه إذا ملكها بغير عتق فلا تجزي عنه، وما كان يجوز له أن يملكه بحال أجزأ عنه ولا يعتق عليه إلا الآباء وإن بعدوا والبنون وإن سفلوا والدون كلهم أو مولودون وسواء ذلك من قبل البنات والبنين لان كلهم ولد ووالد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن اشترى رقبة بشرط عتقها لم تجز عنه من رقبة واجبة عليه (قال) ويجزي المدبر في الرقاب الواجبة ولا يجزي عنه المكاتب حتى يعجز فيعود رقيقا فيعتقه بعد العجز ويجزي المعتق إلى سنين وهو في أضعف من حال المدبر، ومن اشترى عبدا فأعتقه وهو ممن لا يجزي في الرقاب الواجبة فالعتق ماض ويعود لرقبة تامة فإن كان الذي باعه دلس له بعيب عاد عليه فأخذ منه قيمة ما بينه صحيحا ومعيبا من الثمن وإن كان معيبا عيبا يجزي مثله في الرقاب الواجبة أجزأ عنه وعاد على صاحبه الذي باعه بقيمة ما بين العيب والصحة ولم يكن عليه أن يتصدق بقيمة العيب إذا أخذه من البائع وهو مال من ماله.
الصيام في كفارات الايمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كل من وجب عليه صوم ليس بمشروط في كتاب الله عزوجل أن يكون متتابعا أجزأه أن يكون متفرقا قياسا على قول الله عزوجل في قضاء رمضان (فعدة من أيام أخر) والعدة أن يأتي بعدد صوم لا ولاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم والصائمة من عذر وغير عذر استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف.(7/69)
من لا يجزيه الصيام في كفارة اليمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذي يجب عليه من الكفارة الاطعام أو الكسوة أو العتق من كان غنيا فليس له أن يأخذ من الصدقة شيئا فأما من كان له أن يأخذ من الصدقة فله أن يصوم وليس عليه أن يتصدق ولا يعتق فإن فعل أجزأ عنه وإن كان غنيا وكان ماله غائبا عنه لم يكن له أن يكفر
بصوم حتى يحضره ماله أو يذهب المال إلا بإطعام أو كسوة أو عتق.
من حنث معسرا ثم أيسر أو حنث موسرا ثم أعسر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حنث الرجل موسرا ثم أعسر لم يكن له أن يصوم ولا أرى الصوم يجزي عنه وامرته احتياطا أن يصوم فإذا أيسر كفر وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه ولو أنه حنث معسرا ثم لم يصم حتى أيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم من قبل أنه لم يكفر حتى أيسر وإن صام ولم يكفر أجزأ عنه لان حكمه حين حنث الصيام (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إنما ينظر إلى الكفارة يوم يكفر فإذا كان معسرا كان له أن يصوم وإن كان موسرا كان عليه أن يعتق (قال) ولا يصام في كفارة اليمين ولا في شئ وجب عليه من الصوم بإيجاب يوم من رمضان ولا يوم ولا يصلح صومه متطوعا مثل يوم الفطر والاضحى وأيام التشريق وصيام ما سواها من الايام.
من أكل أو شرب ساهيا في صيام الكفارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويفسد صوم التطوع وصوم رمضان وصوم الكفارة والنذر ما أفسد الصوم ولا خلاف بين ذلك فمن أكل فيها أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه ومن أكل أو شرب عامدا أفسد الصوم عليه لا يختلف إلا في وجوب الكفارة على من جامع في رمضان وسقوطها عمن جامع في صوم غيره تطوعا أو واجبا فإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم من عذر وغير عذر والصائمة استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف.
الوصية بكفارة الايمان وبالزكاة ومن تصدق بكفارة ثم اشتراها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن لزمه حق للمساكين في زكاة مال أو لزمه حج أو لزمته كفارة يمين فذلك كله من رأس المال يحاص به ديون الناس ويخرج عنه في ذلك أقل ما يكفي في مثله فإن أوصى بعتق في كفارة ولم يكن في رأس المال إلا الطعام فإن حمل ثلثه العتق أعتق عنه من الثلث وإن لم يحمله أطعم عنه من رأس المال وإذا اعتق عنه من الثلث لم يطعم عنه من رأس المال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كفر الرجل بالطعام أو بالكسوة ثم اشترى ذلك فدفعه إلى أهله ثم اشتراه منهم فالبيع جائز ولو تنزه عن ذلك كان أحب إلى.(7/70)
كفارة يمين العبد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حنث العبد فلا يجزيه إلا الصوم لانه لا يملك شيئا وإن كان نصفه عبدا ونصفه حرا وكان في يديه مال لنفسه لم يجزه الصيام وكان عليه أن يكفر مما في يديه من المال مما يصيبه فإن لم يكن في يديه مال لنفسه صام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حنث العبد ثم عتق وكفر كفارة حر أجزأت عنه لانه حينئذ مالك ولو صام أجزأ عنه لانه يوم حنث كان حكمه حكم الصيام.
من نذر أن يمشي إلى بيت الله عزوجل (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن نذر تبررا أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لانه لم يأت بما نذر كما نذر والقياس أن لا يكون عليه دم من قبل انه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كمن لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلى قاعدا ولا يطيق القعود فيصلي مضطجعا وإنما فرقنا بين الحج والعمرة والصلاة أن الناس أصلحوا أمر الحج بالصيام والصدقة والنسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يمشي أحد إلى بيت الله إلا حاجا أو معتمرا لابد له منه (قال الربيع) وللشافعي رحمه الله تعالى: قول آخر أنه إذا حلف أن يمشي إلى بيت الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزيه من ذلك إن أراد بذلك اليمين (قال الربيع) وسمعت الشافعي أفتى بذلك رجلا فقال هذا قولك يا أبا عبد الله ؟ فقال هذا هو قول من هو خير منى قال ومن هو ؟ قال عطاء بن أبي رباح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن حلف بالمشي إلى بيت الله ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء أن كل من حلف بشئ من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فرض الله عليه أو تبررا يريد الله به.
فأما على غلق الايمان فلا يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير الغلق وقد قال غير عطاء: عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والتبرر أن يقول لله على إن شفي الله فلانا أو قدم فلان من سفره أو
قضى عني دينا أو كان كذا أن أحج له نذرا فهو التبرر فأما إذا قال إن لم أقضك حقك فعلى المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الايمان لا من معاني النذور وأصل معقول قول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاء ولا كفارة فهذا يوافق السنة وذلك أن يقول لله على إن شفاني أو شفى فلانا أن أنحر ابني أو أن أفعل كذا من الامر الذي لا يحل له أن يفعله فمن قال هذا فلا شئ عليه فيه وفي السائبة وإنما أبطل الله عزوجل النذر في البحيرة والسائبة لانها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وكان فيه دلالة على أن من نذر معصية لله عزوجل أن لا يفي ولا كفارة عليه وبذلك جاءت السنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد
__________
(1) فد تقدم في نسخة البلقيني جمل من هذا الباب في أواخر الجزء الثاني في أبواب عقدها هو على حسب المناسبات مع ترك بعض منه ولكنه بتمامه في الاصول بهذا الموضع فأثبتناه تبعا لها.(7/71)
الملك الايلي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال كانت بنو عقيل حلفاء لثقيف في الجاهلية وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين ثم إن المسلمين أسروا رجلا من بني عقيل ومعه ناقة له وكانت ناقته قد سبقت الحاج في الجاهلية كذا وكذا مرة وكانت الناقة إذا سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلا ترتع فيه ولم تمنع من حوض تشرع فيه قال فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد فيم أخذتني وأخذت سابقة الحاج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بجريرة حلفائك ثقيف) قال وحبس حيث يمر به النبي صلى الله عليه وسلم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقال يا محمد إنى مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو قلتها وأنت تملك أمرك كنت قد افلحت كل الفلاح) قال ثم مر به النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال يا محمد إنى جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تلك حاجتك) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بدا له ففادي به الرجلين اللذين أسرت ثقيف وأمسك الناقة ثم إنه أغار على المدينة عدو فأخذوا سرج النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوا الناقة فيها،
قال وقد كانت عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة إلى النعم فجعلت لا تجئ إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت المدينة قال الناس العضباء العضباء فقالت المرأة إنى نذرت إن الله أنجاني عليها أن انحرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بئسما جزيتيها ولا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك بن آدم) أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلاية عن أبى المهلب عن عمران بن حصين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها أو تنحرها ولا تكفر (قال) وكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لانه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا نذر الرجل أن يحج ماشيا مشي حتى يحل له النساء ثم ركب بعد وذلك كمال حج هذا وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشي حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر وذلك كمال عمرة هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نذر أن يحج ماشيا فمشى ففاته الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ماشيا حل وعليه حج قابل ماشيا كما يكون عليه حج قابل إذا فاته هذا الحج ألا ترى أن حكمه لو كان متطوعا بالحج أو ناذرا له أو كانت عليه حجة الاسلام أو عمرته أن لا يجزئ هذا الحج من حج ولا عمرة فإذا كان حكمه (1) أن يسقط ولا يجزئ من حج ولا عمرة فكيف لا يسقط المشي الذي إنما هو هيئة في الحج والعمرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا نذر الرجل أن يحج أو نذر أن يعتمر ولم يحج ولم يعتمر فإن كان نذر ذلك ماشيا فلا يمشي لانهما جميعا حجة الاسلام وعمرته فإن مشى فإنما مشى حجة الاسلام وعمرته وعليه أن يحج ويعتمر ماشيا من قبل أن اول ما يعمل الرجل من حج وعمرة إذا لم يعتمر ويحج فإنما هو حجة الاسلام وإن لم ينو حجة الاسلام ونوى يه نذرا أو حجا عن غيره أو تطوعا فهو كله حجة الاسلام وعمرته وعليه أن يعود لنذره فيوفيه كما نذر ماشيا أو غير ماش (قال الربيع) هذا إذا كان المشي لا يضر بمن يمشي فإذا كان
__________
(1) أي أن يبطل ويلغو وقوله (لا يسقط المشي) أي لا يلغو فيجب إعادته ماشيا، تأمل ! [ * ](7/72)
مضرا به فيركب ولا شئ عليه على مثل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يتم صومه ويتنحى عن الشمس فأمره بالذي فيه البر ولا يضر به ونهاه عن تعذيب نفسه لانه لا حاجة لله في تعذيبه وكذلك الذي يمشي إذا كان المشي تعذيبا له يضر به تركه ولا شئ عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا قال إن شفى الله فلانا فلله على أن أمشى لم يكن عليه مشى حتى يكون نوى شيئا يكون مثله برا فإن لم ينو شيئا فلا شئ عليه لانه ليس في المشي إلى غير مواضع البربر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو نذر فقال على المشي إلى افريقية أو العراق أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شئ لانه ليس لله طاعة في المشي إلى شئ من البلدان وإنما يكون المشي إلى الموضع الذي يرتجى فيه البر وذلك المسجد الحرام وأحب إلى لو نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة أن يمشي وإلى مسجد بيت المقدس أن يمشي لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس) ولا يبين لى أن أوجب المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس كما يبين لى أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام وذلك أن البر بإتيان بيت الله تعالى فرض والبر بإتيان هذين نافلة وإذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه لان المساجد بيوت الله وهو إذا نذر أن يمشي إلى مسجد مصر لم يكن عليه أن يمشي إليه ولو نذر بر أمرناه بالوفاء به ولم يجبر عليه وليس هذا كما يؤخذ للآدميين من الآدميين هذا عمل فيما بينه وبين الله عزوجل لا يلزمه إلا بإيجابه على نفسه بعينه وإذا نذر الرجل أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة وذلك أن النحر بمكة بر وإن نذر أن ينحر بغيرها ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر أن يتصدق وإنما أوجبته وليس في النحر في غيرها بر لانه نذر أن يتصدق على مساكين ذلك البلد فإذا نذر أن يتصدق على مساكين بلد فعليه أن يتصدق عليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل غلامي حر إلا أن يبدو لى في ساعتي هذه أو في يومي هذا أو أشاء أو يشاء فلان أن لا يكون حرا أو امرأته طالق إلا أن أشاء أن لا تكون طالقا في يومي هذا أو يشاء فلان فشاء أو شاء الذي استثنى مشيئته لم يكن العبد حرا ولا المرأة طالقا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل انا أهدى هذه الشاة نذرا أو أمشى نذرا فعليه أن يهديها وعليه أن يمشي إلا أن
يكون أراد أنى سأحدث نذرا أو أنى سأهديها فلا يلزمه ذلك وهو كما قاله لغير إيجاب فإذا نذر الرجل أن يأتي موضعا من الحرم ماشيا أو راكبا فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو موضعا قريبا من الحرم ليس بالحرم لم يكن عليه شئ لان هذا نذر في غير طاعة وإذا نذر الرجل حجا ولم يسم وقتا فعليه حج يحرم به في أشهر الحج متى شاء وإن قال على نذر حج إن شاء فلان فليس عليه شئ ولو شاء فلان إنما النذر ما أريد الله عزوجل به ليس على معاني الغلق ولا مشيئة غير الناذر وإذا نذر أن يهدي شيئا من النعم لم يجزه إلا أن يهديه وإذا نذر أن يهدي متاعا لم يجزه إلا أن يهديه أو يتصدق به على مساكين الحرم فإن كانت نيته في هذه أن يعلقه سترا على البيت أو يجعله في طيب البيت جعله حيث نوى ولو نذر أن يهدي مالا يحمل مثل الارضين والدور باع ذلك فأهدى ثمنه ويلي الذي نذر الصدقة بذلك وتعليقه على البيت وتطييبه به أو يوكل به ثقة يلي ذلك له وإذا نذر أن يهدي بدنة لم يجزه فيها إلا ثني من الابل أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والانثى والخصى وأكثرها ثمنا أحب إلى وإذا لم يجد بدنة أهدى بقرة ثنية فصاعدا وإذا لم يجد بقرة أهدى سبعا من الغنم ثنيا فصاعدا إن كن معزى أو جذعا فصاعدا إن كن ضأنا وإن كانت نيته على بدنة من الابل دون البقر فلا يجزيه أن يهدي مكانها من البقر(7/73)
والغنم إلا بقيمتها وإذا نذر الرجل هديا ولم يسم الهدى ولم ينو شيئا فأحب إلى أن يهدى شاة وما أهدى من مد حنطة أو ما فوقه أجزأه لان كل هذا هدى وإذا نذر أن يهدي هديا ونوى به بهمة جديا رضيعا أهداه إنما معنى الهدى هدية وكل هذا يقع عليه اسم هدى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نذر أن يهدي شاة عوراء أو عمياء أو عرجاء أو ما لا يجوز أضحية أهداه ولو أهدى تاما كان أحب إلى لان كل هذا هدى الا ترى إلى قول الله عزوجل (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا) فقد يقتل الصيد وهو صغير وأعرج وأعمى وإنما يجزيه بمثله أولا ترى أنه يقتل الجراد والعصفور وهما من الصيد فيجزي الجرادة بتمرة والعصفور بقيمته ولعله قبضة وقد سمى الله تعالى هذا كله هديا وإذا قال الرجل شاتي هذه هدى إلى الحرم أو بقعه من الحرم أهدى وإذا نذر الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة فإذا سمى موضعا من الارض ينحرها فيه اجزأته وإذا نذر الرجل عدد
صوم صامه إن شاء متفرقا وإن شاء متتابعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نذر صيام أشهر فما صام منها بالاهلة صامه عددا ما بين الهلالين إن كان تسعة وعشرين وثلاثين فإن صامه بالعدد صام عن كل شهر ثلاثين يوما وإذا نذر صيام سنة بعينها صامها كلها إلا رمضان فإنه يصومه لرمضان ويوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ولا قضاء عليه كما لو قصد فنذر أن يصوم هذه الايام لم يكن عليه نذر ولا قضاء فإن نذر سنة بغير عينها قضى هذه الايام كلها حتى يوفى صوم سنة كاملة وإذا قال لله على أن أحج عامي هذا فحال بينه وبينه عدو أو سلطان حابس فلا قضاء عليه وإن حال بينه وبينه مرض أو خطأ عدد أو نسيان أو توان قضاه إذا زعمت أنه يهل بالحج فيحصر بعدو فلا يكون عليه قضاء كان من نذر حجا بعينه مثله وما زعمت أنه إذا أحصر فعليه القضاء أمرته أن يقضيه إن نذره فأحصر وهكذا إن نذر أن يصوم سنة بعينها فمرض قضاها إلا الايام التي ليس له أن يصومها فإن قال قائل فلم تأمر المحصر إذا أحصر بالهدى ولا تأمر به هذا ؟ قلت: آمره به للخروج من الاحرام وهذا لم يحرم فأمره بالهدى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أكل الصائم أو شرب في رمضان أو نذر أو صوم كفارة أو واجب بوجه من الوجوه أو تطوع ناسيا فصومه تام ولا قضاء عليه وإذا تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم أو أفطر قبل الليل وهو لا يعلم فليس بصائم في ذلك اليوم وعليه بدله فإن كان صومه متتابعا فعليه أن يستأنفه وإذا قال الله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا فليس عليه صوم صبيحة ذلك اليوم لانه قدم في الليل ولم يقدم في النهار وأحب إلى لو صامه ولو قدم الرجل نهارا وقد أفطر الذي نذر الصوم فعليه قضاء ذلك اليوم وهكذا لو قدم بعد الفجر وهو صائم ذلك اليوم متطوعا أو لم يأكل فعليه أن يقضيه لانه نذر والنذر لا يجزيه إلا أن ينوي صيامه قبل الفجر وهذا احتياط وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره وإنما قلنا بالاحتياط أن جائزا أن يصام وليس هو كيوم الفطر وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا عليه قضاؤه وهذا أصح في القياس من الاول ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أو قضاء رمضان أحببت أن يعود لصومه كنذره وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان ولو أن فلانا قدم يوم الفطر أو يوم النحر أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه لانه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة ولا يقضي ما لا طاعة فيه ولو قال الله
على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الاثنين كان عليه قضاء اليوم الذي قدم فيه فلان وصوم الاثنين كلما استقبله فإن تركه فيما يستقبل قضاه إلا أن يكون يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فلا يصومه ولا يقضيه وكذلك إن كان في رمضان لم يقضه وصامه من رمضان كما لو أن رجلا(7/74)
نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه بالنذر ولم يقضه وكذلك لو نذر أن يصوم يوم الفطر أو الاضحى أو أيام التشريق ولو كانت المسألة بحالها وقدم فلان يوم الاثنين وقد وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما وقضى كل اثنين فيهما ولا يشبه هذا شهر رمضان لان هذا شئ أدخله على نفسه بعدما أوجب عليه صوم يوم الاثنين وشهر رمضان شئ أوجبه الله تعالى لا شئ أدخله على نفسه ولو كانت المسألة بحالها وكان الناذر امرأة فكالرجل وتقضي كل ما مر عليها من حيضتها وإذا قالت المرأة لله على أن أصوم كلما حضت أو أيام حيضتي فليس عليها صوم ولا قضاء لانها لا تكون صائمة وهي حائض وإذا نذر الرجل صوما أو صلاة ولم ينو عددا فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان ومن الصوم يوم لان هذا أقل ما يكون من الصلاة والصوم إلا الوتر (قال الربيع) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة وذلك أنه يروى عن عمر أنه تنفل بركعة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اوتر بركعة بعد عشر ركعات وأن عثمان أوتر بركعة (قال الربيع) فلما كانت ركعة صلاة ونذر أن يصلي صلاة ولم ينو عددا فصلى ركعة كانت ركعة صلاة بما ذكرنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الله على عتق رقبة فأي رقبة أعتق أجزأه.
فيمن حلف على سكنى دار لا يسكنها (سئل الشافعي) رحمه الله تعالى فقيل له فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها ساكن أنه يؤمر بالخروج من ساعة حلف ولا نرى عليه حنثا في أقل من يوم وليلة إلا أن يكون له نية في تعجيل الخروج قبل يوم وليلة فإنه حانث إذا أقام يوما وليلة أو يقول نويت أن لا أعجل حتى أجد منزلا فيكون ذلك له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يسكن الدار وهو فيها ساكن أخذ في الخروج مكانه فإن تخلف ساعة وهو يمكنه الخروج منها حنث ولكنه يخرج منها ببدنه متحولا
ولا يضره أن يتردد على حمل متاعه منها وإخراج أهله لان ذلك ليس بسكن قال فإنا نقول في الرجل يحلف أن لا يساكن الرجل وهما في دار واحدة ليس لها مقاصير كل بيت يدخله ساكنه أو كانت لها مقاصير يسكن كل مقصورة منها ساكنها وكان الحالف مع المحلوف عليه في بيت منها أو في مقصورة من مقاصيرها أو في حجرة المقصورة دون البيت وصاحبه المحلوف عليه في البيت أنه يخرج مكانه حين حلف أنه لا يساكنه في البيت إلى أي بيوت الدار شاء وليس له أن يساكنه في المقصورة التي كانت فيها اليمين وإن كان معه في البيت وليس له مقصورة أو له مقصورة أو كان في مقصورة دون البيت والآخر في البيت دون المقصورة أنه إن أقام في البيت أو في المقصورة يوما وليلة كان حانثا وإن أقام أقل من ذلك لغير المساكنة لم يكن عليه حنث إذا خرج إلى أي بيوت الدار ومقاصيرها شاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يساكن الرجل وهو ساكن معه فهي كالمسألة قبلها يخرج منها مكانه أو يخرج الرجل مكانه فإن أقاما جميعا ساعة بعدما أمكنه أن يتحول عنه حنث وإن كانا في بيتين فجعل بينهما حاجز أو لكل واحد من الحجرتين باب فليست هذه مساكنة وإن كانا في دار واحدة والمساكنة أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما ومدخلهما واحد فأما إذا افترق البيتان والحجرتان فليست مساكنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنما جوابنا في هذه الايمان كلها إذا حلف لا نية له إنما خرجت اليمين منه بلا نية فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قال فإنا نقول إذا نقل أهله وعياله وترك متاعه فإنا(7/75)
نستجب له أن ينتقل بجميع متاعه وأن لا يخلف شيئا من متاعه وإن خلف شيئا منه أو خلفه كله فلا حنث عليه فإن خلف أهله وولده فهو حانث لانه ساكن بعد والمساكنة التي حلف عليها هي المساكنة منه ومن عياله لمن حلف أن لا يساكنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والنقلة والمساكنة على البدن دون الاهل والمال والولد والمتاع فإذا حلف رجل لينتقلن فانتقل ببدنه وترك أهله وولده وماله فقد بر، وإن قال قائل ما الحجة ؟ قيل أرأيت إذا سافر ببدنه أيقصر الصلاة ويكون من أهل السفر أو رأيت إذا انقطع إلى مكة ببدنه أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم ؟ فإذا قال: نعم قيل فإنما النقلة والحكم على البدن لا على مال ولا على ولد ولا على متاع قال: فإنا نقول
فيمن حلف أن لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فتركه عليه بعد اليمين أنا نراه حانثا لانه قد لبسه بعد يمينه، وكذلك نقول فيه إن حلف لا يركب هذه الدابة وهو عليها فإن نزل مكانه وإلا كان حانثا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا حلف أن لا يلبس الثوب وهو لابسه فمثل المسئلتين الاوليين إن لم ينزعه من ساعته إذا أمكنه نزعه حنث وكذلك إن حلف أن لا يركب دابة وهو راكبها فإن نزل مكانه وإلا حنث وهكذا كل شئ من هذا الصنف قيل فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن بيتا ولا نية له وهو من أهل الحضارة فسكن بيتا من بيوت الشعر فإنه إن كان ليمينه معنى يستدل عليه بالامر الذي له حلف مثل أن يكون سمع بقوم أنهدم عليهم بيت فعمهم ترابه فلا شئ عليه في سكناه في بيت شعر وإن لم يكن له نية حين حلف، وإن كان إنما وجه يمينه أنه قيل له إن الشمس محتجبة وإن السكنى في السطوح والخروج من البيوت مصحة ويسرة فحلف أن لا يسكن بيتا فإنا نراه حانثا إن سكن بيت شعر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن حلف الرجل أن لا يسكن بيتا وهو من أهل البادية أو أهل القرية ولا نية له فأي بيت شعر أو أدم أو خيمة أو ما وقع عليه اسم بيت أو حجارة أو مدر سكن حنث قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن دار فلان فسكن دارا بينه وبين رجل آخر أنه يحنث وكذلك إن كانت الدار كلها له فسكن منها بيتا حيث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يسكن دارا لفلان ولم ينو دارا بعينها فسكن دارا له فيها شرك أكثرها كان له أو أقلها لم يحنث ولا يحنث حتى تكون الدار كلها له خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه فلان فاشترى فلان وآخر معه طعاما ولا نية له لم يحنث ولا أقول بقولكم أنكم تقولون فيمن حلف أن لا يأكل من طعام اشتراه فلان فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه أنكم تحنثونه إن أكل منه قبل أن يقتسماه وزعمنا وزعمتم أنهما إن اقتسماه فأكل الحالف مما صار للذي لم يحلف عليه لم يكن عليه حنث والقول فيها على ما أجبتك في صدر المسألة قال فإنا نقول من حلف أن لا يسكن دار فلان فباعها فلان أنه إن كان عقد يمينه على الدار لانها داره لا يحنث إن سكنها وهي لغيره وإن كان إنما عقد يمينه على الدار وجعل تسميته صاحبها صفة من صفاتها مثل قوله هذه الدار المزوقة فذهب تزويقها فأراه حانثا إن سكنها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يسكن دار فلان هذه بعينها وباعها فلان فإن كانت نيته
على الدار حنث بأي وجه سكنها وإن ملكها هو وإن كانت نيته ما كانت لفلان لم يحنث إذا خرجت من ملكه وإن لم يكن له نية حنث إذا قال دار فلان هذه.(7/76)
فيمن حلف أن لا يدخل هذه الدار وهذا البيت فغير عن حاله (قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول لو أن رجلا حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت حتى صارت طريقا أو خربة يذهب الناس فيها ذاهبين وجائين أنه إن كان في يمينه سبب يستدل به على شئ من نيته وما أراد في يمينه حمل على ما استدل به وإن لم يكن لذلك سبب يستدل به على شئ من نيته فإنا لا نرى عليه حنثا في دخولها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يدخل هذه الدار فانهدمت حتى صارت طريقا ثم دخلها لم يحنث لانها ليست بدار قال فإنا نقول فيكن قال والله لا أدخل من باب هذه الدار فحول بابها فدخل من بابها هذا المحدث إنه حانث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يدخل من باب هذه الدار ولا نية له فحول بابها إلى موضع آخر فدخل منه لم يحنث وإن كانت له نية فنوى من باب هذه الدار في هذا الموضع لم يحنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو نوى أن لا يدخل الدار حنث (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يلبس هذا الثوب وهو قميص فقطعه قباء أو سراويل أو جبة إنا نراه حانثا إلا أن تكون له نية يستدل بها على أنه لا حنث عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يلبس ثوبا وهو رداء فقطعه قميصا أو اتزر به أو ارتدى به أو قطعه قلانس أو تبابين أو حلف أن لا يلبس سراويل فاتزر بها أو قميصا فارتدى به فهذا كله لبس وهو يحنث في هذا كله إذا لم تكن له نية فإن كانت له نية لم يحنث إلا على نيته إن حلف أن لا يلبس القميص كما تلبس القمص فارتدى به لم يحنث، وكذلك إن حلف أن لا يلبس الرداء كما تلبس الاردية فلبسه قميصا لم يحنث وإذا حلف الرجل أن لا يلبس ثوب امرأته وقد كانت منت بالثوب عليه أو ثوب رجل من عليه فأصل ما أبنى عليه أن لا أنظر إلى سبب يمينه أبدا وإنما أنظر إلى مخرج اليمين ثم أحنث صاحبها أو أبره على مخرجها وذلك أن الاسباب متقدمة والايمان محدثة بعدها فقد يحدث على مثالها وعلى خلاف مثالها فلما كان هكذا لم أحنثه على سبب يمينه وأحنثه على مخرج
يمينه.
أرأيت لو أن رجلا قال لرجل قد نحلتك داري أو قد وهبتك مالى فحلف ليضربنه أما يحنث إن لم يضربه وليس حلفه ليضربنه بشبه سبب ما قال له فإذا حلف أن لا يلبس هذا الثوب لثوب امرأته فوهبته له أو باعته فاشترى بثمنه ثوبا أو انتفع به لم يحنث ولا يحنث أبدا إلا بلبسه (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل دار فلان فرقي على ظهر بيته أنه يحنث لانه دخلها من ظهرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يدخل دار فلان فرقى فوقها فلم يدخلها وإنما دخوله أن أن يدخل بيتا منها أو عرصتها (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل بيت فلان فدخل بيت فلان المحلوف عليه وإنما فلان ساكن في ذلك البيت بكراء أنه يحنث لانه بيته ما دام ساكنا فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يدخل بيت فلان وفلان في بيت بكراء لم يحنث لانه ليس بيت فلان إلا أن يكون أراد مسكن فلان، ولو حلف أن لا يدخل مسكن فلان فدخل عليه مسكنا بكراء حنث إلا أن يكون نوى مسكنا له يملكه (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل دار فلان فاحتمله إنسان فأدخله قهرا فإنه إن كان غلبه على ذلك ولم يتراخ فلا حنث عليه إن كان حين قدر على الخروج خرج من ساعته فأما إن أقام ولو شاء أن يخرج خرج فإن هذا حانث (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) رحمه الله تعالى: قال إذا حلف أن لا يدخل دار فلان فحمل فأدخلها لم يحنث إلا أن يكون هو أمرهم أن يدخلوه تراخى أو لم يتراخ (قال) فإنا نقول فيمن حلف بالطلاق أن(7/77)
لا يدخل دار فلان فقال إنما حلفت أن لا أدخلها ونويت شهرا أنا نرى عليه أنه إن كانت عليه في يمينه بينة فإنه لا يصدق بنيته وإن دخلها حنث وإن كان لا بينة عليه في يمينه قبل ذلك منه مع يمينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل بطلاق امرأته أن لا يدخل دار فلان فقال نويت شهرا أو يوما فهو كذلك فيما بينه وبين الله عزوجل وعليه اليمين فأما في الحكم فمتى دخلها فهي طالق (قال) فإنا نقول فيمن قال والله لا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه فلان ذلك بيتا إنا نراه حانثا إن أقام معه في البيت حين دخل عليه وذلك أنه ليس يراد باليمين في مثل هذا الدخول ولكن يراد به المجالسة إلا أن تكون نيته يوم حلف أن لا يدخل عليه وأنه كان هو في البيت اولا ثم دخل عليه الآخر فلا حنث عليه
وإذا كان هذا هكذا نيته يوم حلف فإنا لا نرى عليه حنثا إذا كان المحلوف عليه هو الداخل عليه بعد دخوله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يدخل على رجل بيتا فدخل عليه الآخر بيته فأقام معه لم يحنث لانه لم يدخل عليه (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل على فلان بيتا فدخل على جار له بيته فإذا فلان المحلوف عليه في بيت جاره أنه يحنث لانه داخل عليه وسواء كان البيت له أو لغيره وأنه إن دخل عليه مسجدا لم يحنث إلا أن يكون نوى المسجد في يمينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يدخل على رجل بيتا فدخل على رجل غيره بيتا فوجد ذلك المحلوف عليه في ذلك البيت لم يحنث من قبل أنه ليس على ذلك دخل (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه يحنث إذا دخل عليه لانه قد دخل عليه بيتا كما حلف وإن كان قد قصد بالدخول على غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير النية ولا يرفع الخطأ فأما إذا حلف أن لا يدخل عليه بيتا فدخل عليه المسجد لم يحنث بحال.
من حلف على أمرين أن يفعلهما أو لا يفعلهما ففعل أحدهما (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يكسو امرأته هذين الثوبين فكساها أحدهما أنه حانث إلا أن يكون نوى في يمينه أن لا يكسوها إياهما جميعا لحاجته إلى أحدهما أو لانها لا حاجة لها فيهما جميعا فقال أنت طالق إن فعلت فتكون له نيته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يكسو امرأته هذين الثوبين أو هذه الاثواب الثلاثة فكساها أحد الثوبين أو أحد الثلاثة أو كساها من الثلاثة اثنين وترك واحدا لم يحنث وكذلك لو حلف أن لا يأكل هذين القرصين فأكلهما إلا قليلا لم يحنث إلا أن يأتي على الشيئين اللذين حلف عليهما إلا أن يكون ينوى أن لا يكسوها من هذه الاثواب شيئا أو لا يأكل من هذا الطعام شيئا فيحنث، وإذا قال والله لا أشرب ماء هذه الاداوة كله ولا ماء هذا النهر ولا ماء هذه البحر كله فكل هذا سواء ولا يحنث إلا أن يشرب ماء الاداوة كله ولا سبيل إلى أن يشرب ماء النهر كله ولا ماء البحر كله ولكنه لو قال لا أشرب من ماء هذه الاداوة ولا ماء هذا النهر ولا من ماء هذا البحر فشرب منه شيئا حنث إلا أن تكون له نية فيحنث على قدر نيته، وإذا قال والله لا أكلت خبزا وزينا فأكل خبزا ولحما لم يحنث وكذلك كل شئ أكله مع الخبز سوى الزيت وكل
شئ أكل به الزيت سوى الخبز فإنه ليس بحانث وكذلك لو قال لا آكل زيتا ولحما فكذلك كل ما أكل مع اللحم سوى الزيت (قال) فانا نقول لمن قال لامته أو امرأته أنت طالق أو أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين فدخلت إحداهما ولم تدخل الاخرى أنه حانث وإن قال إن لم تدخليهما فأنت(7/78)
طالق أو أنت حرة فإنا لا نخرجه من يمينه إلا بدخولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت هاتين الدارين أو لامته أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين لم يحنث في واحدة منهما إلا بأن تدخلهما معا وكذلك كل يمين حلف عليها من هذا الوجه (قال) فإنا نقول فيمن قال لعبدين له أنتما حران إن شئتما فإن شاءا جميعا الحرية فهما حران وإن شاءا جميعا الرق فهما رقيقان وإن شاء أحدهما الحرية وشاء الآخر الرق فالذي شاء الحرية منهما حر ولا حرية بمشيئة هذا للذى لم يشأ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لعبدين له أنتما حران إن شئتما لم يعتقا إلا بأن يشاءا معا ولم يعتقا بأن يشاء أحدهما دون الآخر، وكذلك إن قال أنتما حران إن شاء فلان وفلان لم يعتقا إلا أن يشاء فلان وفلان ولم يعتقا بأن يشاء أحدهما دون الآخر ولو كان قال لهما أيكما شاء العتق فهو حر فأيهما شاء فهو حر شاء الآخر أو لم يشأ (قال) فإنا نقول في رجل قال والله لئن قضيتني حقى في يوم كذا وكذا لافعلن بك كذا وكذا فقضاه بعض حقه أنه لا يلزمه اليمين حتى يقضيه حقه كله لانه أراد به الاستقصاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان لرجل على رجل حق فحلف لئن قضيتني حقى في يوم كذا وكذا لاهبن لك عبدا من يومك فقضاه حقه كله إلا درهما أو فلسا في ذلك اليوم كله لم يحنث ولا يحنث إلا بأن يقضيه حقه كله قبل أن يمر اليوم الذى قضاه فيه آخر حقه ولا يهب له عبدا.
من حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفى حقه (أخبرنا الربيع) قال: قيل للشافعي فإنا نقول فإن حلف أن لا يفارق غريما له حتى يستوفى حقه ففر منه أو أفلس أنه حانث إلا أن تكون له نية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يفارق غريمه حتى أخذ حقه منه ففر منه غريمه لم يحنث لانه لم يفارقه هو ولو كان قال لا أفترق أنا وهو حنث في قول من لا يطرح الخطأ والغلبة عن الناس ولا يحنث في قول من طرح الخطأ والغلبة عن
الناس فأما إن حلف لا يفارقه حتى يأخذ منه حقه فأفلس فيحنث في قول من لا يطرح الغلبة عن الناس والخطأ ولا يحنث في قول من طرح الخطأ والغلبة عنهم (قال) فإنا نقول فيمن حلف لغريم له أن لا يفارقه حتى يستوفى منه حقه فأحاله على غريم له آخر أنه إن كان فارقه بعد الحمالة فإنه حانث لانه حلف أن لا يفارقه حتى يستوفى ففارقه ولم يستوف لما أحاله ثم استوفاه بعد (قال الربيع) الذى يأخذ به الشافعي أنه إن لم يفرط فيه حتى فر منه فهو مكره فلا شئ عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يفارق الرجل حتى يستوفى منه حقه فأحاله بعد على رجل غيره فأبرأه ثم فارقه حنث وإن كان حلف أن لا يفارقه وله عليه حق لم يحنث لانه وان لم يستوف أولا بالحمالة فقد برئ بالحوالة (قال) فإنا نقول فيمن حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفى حقه منه فاستوفاه فلما افترقا أصاب بعضها نحاسا أو رصاصا أو نقصا بينا نقصانه أنه حانث لانه فارقه ولم يستوف وأنه إن أخذ بحقه عرضا فإن كان يسوى ما أخذه به وهو قيمته لو أراد أن يبيعه باعه ولم يحنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يفارقه حتى يستوفى منه حقه فأخذ منه حقه فيما يرى ثم وجد دنانيره زجاجا أو نحاسا حنث في قول من لم يطرح عن الناس الخطأ في الايمان ولا يحنث في قول من يطرح عن الناس ما لم يعمدوا عليه في الايمان لان هذا لم يعمد أن يأخذ إلا وفاء حقه وهو قول عطاء أنه يطرح عن الناس الخطأ والنسيان ورواه عطاء فإذا حلف أن لا يفارقه حتى يستوفى حقه فأخذ بحقه(7/79)
عرضا فإن كان العرض الذى أخذ قيمة ماله عليه من الدنانير لم يحنث وإن كان قيمته أقل مما عليه من الدنانير حنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لغريمه والله لا أفارقك حتى آخذ حقى فإن كانت نيته حتى لا يبقى عليك من حقى شئ فأخذ منه عرضا يسوى أو لا يسوى برئ ولم يحنث لانه قد أخذ شيئا ورضيه من حقه وبرئ الغريم من حقه وكذلك إن كانت نيته حتى استوفى ما أرضى به من جميع حقى وكذلك إن قال رجل لرجل والله لاقضينك حقك فوهب صاحب الحق حقه للحالف أو تصدق به عليه أو دفع به إليه سلعة لم يحنث إن كانت نيته حين حلف أن لا يبقى على شئ من حقك لانه دفع إليه شيئا رضيه فقد استوفى فإن لم تكن له نية فلا يبرأ أبدا إلا بأن يأخذ حقه
ما كان إن كانت دنانير فدنانير أو دراهم فدراهم لان ذلك حقه ولو أخذ فيه أضعاف ثمنه لم يبرأ لان ذلك غير حقه وحد الفراق أن يتفرقا من مقامهما الذى كانا فيه ومجلسهما.
من حلف أن لا يتكفل بمال فتكفل بنفس رجل (قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل أنه إن استثنى في حمالته أن لا مال عليه فلا حنث عليه وإن لم يستثن ذلك فعليه المال وهو حانث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل لم يحنث لان النفس غير المال قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفل لوكيل له بكفالة عن رجل ولم يعلم أنه وكيل الذى حلف عليه فإنه إذا لم يكن علم بذلك ولم يكن ذلك الرجل من وكلائه وحشمه ولم يعلم أنه من سببه فلا حنث عليه وإن كان ممن علم ذلك منه فإنه حانث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة يكون له عليه فيها سبيل لنفسه فإن نوى هذا فكفل لوكيل له في مال للمحلوف حنث وإن كان كفل في غير مال المحلوف لم يحنث وكذلك إن كفل لوالده أو زوجته أو ابنه لم يحنث.
من حلف في أمر أن لا يفعله غدا ففعله اليوم (قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول في رجل قال لرجل والله لاقضينك حقك غدا فقضاه اليوم أنه لا حنث عليه لانه لم يرد بيمينه الغد إنما أراد وجه القضاء، فإذا خرج الغد عنه وليس عليه فقد بر وهو قول مالك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال لرجل والله لاقضينك حقك غدا فعجل له حقه اليوم فإن لم تكن له نية حنث من قبل أن قضاء غد غير قضائه اليوم كما يقول والله لاكلمنك غدا فكلمه اليوم لم يبر وإن كانت نيته حين عقد اليمين أن لا يخرج غد حتى أقضيك حقك فقضاه اليوم بر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال والله لآكلن هذا الرغيف اليوم فأكل بعضه اليوم وبعضه غدا أنه حانث لانه لم يأكله كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والبساط محال وإنما يقال السبب بساط اليمين عند أصحاب مالك كأنه حلف أن لا يلبس من غزل امرأته فباعت الغزل واشترت طعاما فأكله فهو عندهم حانث لان بساط اليمين عندهم أن لا ينتفع بشئ من غزلها فإذا
أكل منه فقد انتفع به وهو عند الشافعي محال (قال الربيع) قد خرق الشافعي البساط وحرقه بالنار(7/80)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا حلف الرجل فقال والله لآكلن هذا الطعام غدا أو لالبسن هذه الثياب غدا أو لاركبن هذه الدواب غدا فماتت الدواب وسرق الطعام والثياب قبل الغد فمن ذهب إلى طرح الاكراه عن الناس طرح هذا قياسا على الاكراه فان قيل فما يشبهه من الاكراه ؟ قيل لما وضع الله عزوجل عن الناس أعظم ما قال أحد الكفر به أنهم إذا أكرهوا عليه فجعل قولهم الكفر مغفورا لهم مرفوعا عنهم في الدنيا والآخرة وذلك قول الله عزوجل (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره) الآية وكان المعنى الذى عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم وعقلنا أن الاكراه هو أن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف ما حلف ليفعلن فيه شيئا فقد غلب بغير فعل منه وهذا في أكثر من معنى الاكراه ومن ألزم المكره يمينه ولم يرفعها عنه كان حانثا في هذا كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك لو حلف ليعطينه حقه غدا فمات من الغد بعلمه أو بغير علمه لم يحنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك الايمان بالطلاق والعتاق والايمان كلها مثل اليمين بالله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما أذهب إليه أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتججت به من الكتاب والسنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف ليقضين رجلا حقه إلى أجل يسميه إلا أن يشاء أن يؤخره فمات صاحب الحق أنه لا حنث عليه ولا يمين عليه لورثة الميت من قبل أن الحنث لم يكن حتى مات المحلوف ليقضينه وكذلك لو حلف ليقضينه حقه إلى أجل سماه إلا أن يشاء فلان فمات الذى جعل المشيئة إليه، قال فإنا نقول فيمن حلف ليقضين فلانا ماله رأس الشهر أو عند رأس الشهر أو إذا استهل الشهر أو إلى استهلال الهلال أن له ليلة يهل الهلال ويومها حتى تغرب الشمس وكذلك الذى يقول إلى رمضان له ليلة الهلال ويومه وكذلك إذا قال إلى رمضان أو إلى هلال شهر كذا وكذا فله حتى يهل هلال ذلك الشهر فإن قال له إلى أن يهل الهلال فله ليلة الهلال ويومه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف ليقضينه حقه إلى رأس الشهر أو عند رأس الشهر أو إلى استهلال الهلال أو عند استهلال الهلال وجب عليه أن يقضيه حين يهل الهلال فإن حلف ليقضينه ليلة يهل الهلال فخرجت الليلة التى يهل فيها الهلال حنث كما يحنث
لو حلف ليقضينه حقه يوم الاثنين فغابت الشمس يوم الاثنين حنث وليس حكم الليلة حكم اليوم ولا حكم اليوم حكم الليلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال والله لاقضينك حقك إلى رمضان فلم يقضه حقه حتى يهل هلال رمضان حنث وذلك أنه حد بالهلال كما تقول في ذكر حق فلان على فلان كذا وكذا إلى هلال كذا وكذا فإذا هل الهلال فقد حل الحق قال فإنا نقول فيمن قال والله لاقضينك حقك إلى حين أو إلى زمان أو إلى دهر إن ذلك كله سواء وإن ذلك سنة سنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال والله لاقضينك حقك إلى حين فليس في الحين وقت معلوم يبر به ولا يحنث وذلك أن الحين يكون مدة الدنيا كلها وما هو أقل منها إلى القيامة الفتيا لمن قال هذا أن يقال له إنما حلفت على ما لا تعلم ولا نعلم فنصيرك إلى علمنا والورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم لان الحين يقع عليه من حين حلفت ولا تحنث أبدا لانه ليس للحين غاية وكذلك الزمان وكذلك الدهر وكذا كل كلمة منفردة ليس لها ظاهر يدل عليها وكذلك الاحقاب.
من حلف على شئ أن لا يفعله فأمر غيره ففعله (قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول فيمن حلف أن لا يشترى عبدا فأمر غيره فأشترى له(7/81)
عبدا أنه حانث لانه هو المشترى إذا أمر من يشترى له إلا أن يكون له في ذلك نية أو يكون يمينه على أمر قد عرف وجهها أنه إنما أراد أن لا يشتريه هو لانه قد غبن غير مرة في اشترائه فإذا كان كذلك فليس بحانث وإذا كان إنما كره شراء العبد أصلا فأراه حانثا وإن أمر غيره وكذلك لو حلف أن لا يبيع سلعة فأمر غيره فباعها أنه يحنث إلا ان تكون له نية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف أن لا يشترى عبدا فأمر غيره فاشتر له عبدا لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يشتريه ولا يشترى له لانه لم يكن ولى عقدة شرائه والذى ولى عقدة شرائه غيره وعليه العهدة ألا ترى أن الذى ولى عقد شرائه لو زاد في ثمنه على ما يباع به مثله ما لا يتغابن الناس فيه أو برئ من عيب لزمه البيع وكان للامر.
أن لا يأخذ لشراء غيره غير شرائه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يطلق امرأته فجعل أمرها بيدها فطلقت نفسها لم يحنث إلا أن يكون جعل إليها طلاقها، وكذلك لو جعل أمرها إلى
غيرها فطلقها.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه لم يبر إلا أن يكون نوى ليضربن بأمره وهكذا لو حلف أن لا يضربه فأمر غيره فضربه لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يأمر غيره بضربه (قال الربيع) للشافعي في مثل هذا قول في موضع آخر فإذا حلف ليضربن عبده فإن كان مما يلى الاشياء بيده فلا يبر حتى يضربه بيده فإن كان مثل الوالى أو ممن لا يلى الاشياء بيده فالاغلب أنه إنما يأمر، فإذا أمر فضرب فقد بر.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لا يبيع لرجل شيئا فدفع المحلوف عليه سلعة إلى رجل فدفع ذلك الرجل السلعه إلى الحالف فباعها لم يحنث لانه لم يبعها للذى حلف أن لا يبيعها له إلا أن يكون نوى أن لا يبيع سلعة يملكها فلان فيحنث فلو حلف أن لا يبيع له رجل سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفع ذلك الغير إلى الذى حلف أن لا يبيع له السلعة لم يحنث الحالف من قبل أن بيع الثالث غير جائز لانه إذا وكل رجلا يبيع له فليس له أن يوكل بالبيع غيره ولو كان حين وكله أجاز له أن يوكل من رآه فدفعها إليه فباعها فإن كان نوى أن لا يبيع لى بأمرى لم يحنث وإن كان نوى أن لا يبيعها بحال حنث لانه قد باعها.
من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذنى ثم قال لها قبل أن تسأله الاذن أو بعد ما سألته إياه قد أذنت لك فخرجت لم يحنث ولو كانت المسألة بحالها فأذن لها ولم تعلم وأشهد على ذلك لم يحنث لانه قد خرجت بإذنه فإن لم تعلم فأحب إلى في الورع أن لو حنث نفسه من قبل أنها عاصية عند نفسها حين خرجت بغير إذنه وإن كان قد أذن لها فإن قال قائل كيف لم تحنثه وهى عاصية ولا تجعله يارا إلا أن يكون خروجها بعلمها بإذنه ؟ قيل أرأيت رجلا غصب رجلا حقا أو كان له عليه دين فحلله الرجل والغاصب المحلل لا يعلم أما يبرأ من ذلك أرأيت أنه لو مات وعليه دين فحلله الرجل بعد الموت أما يبرأ ؟ قال فإنا نقول فيمن قال لامرأته إن خرجت إلى موضع إلا بإذني فأنت طالق ثم قال لها أخرجي حيث شئت فخرجت ولم يعلم فإنه سواء قال لها في يمينه إن خرجت إلى موضع إلا بأذني أو لم يقل لها إلى موضع فهو سواء ولا حنث عليه لانه إذا قال إن خرجت ولم يقل إلى موضع فإنما هو إلى موضع وإن لم يقله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: مثل ذلك كله أقول لا حنث
عليه قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته أن تخرج إلا في عيادة مريض فأذن لها في عيادة مريض ثم عرضت لها حاجة غير العيادة وهى عند المريض فذهبت فيها فإنه إذا أذن لها إلى عيادة(7/82)
مريض فخرجت إلى غير ذلك لم يحنث لانها ذهبت إلى غير المريض بغير إذنه فلا حنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى مثل ذلك أقول إنه لا حنث عليه قال فإنا (1) نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته بالخروج إلا لعيادة مريض فخرجت من غير أن يأذن لها إلى حمام أو غير ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذنى أو إن خرجت إلى مكان أو إلى موضع إلا بإذنى فاليمين على مرة فإن أذن لها مرة فخرجت ثم عادت لم يحنث لانه قد بر مرة فلا يحنث ثانية وكذلك إن قال لها أنت طالق إن خرجت إلا أن آذن لك فأذن لها فخرجت ثم عادت فخرجت لم يحنث ولكنه لو قال لها أنت طالق كلما خرجت إلا بإذنى أو طالق في كل وقت خرجت إلا بإذنى كان هذا على كل خرجة فأى خرجة خرجتها بغير إذنه فهو حانث ولو قال لها أنت طالق متى خرجت كان هذا على مرة واحدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يدخل دار فلان إلا أن يأذن له فمات الذى حلف على إذنه فدخلها حنث ولو لم يمت والمسألة بحالها فأذن له ثم رجع عن الاذن فدخل بعد رجوعه لم يحنث لانه قد أذن له مرة (قال) فإنا نقول فيمن حلف بعتق غلامه ليضربنه أنه يحال بينه وبين بيعه لانه على حنث حتى يضربه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يبيعه إن شاء ولا يحال بينه وبين بيعه لانه على بر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من حنث بعتق وله مكاتبون وأمهات اولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد يحنث فيهم كلهم إلا في المكاتب فلا يحنث فيه إلا بأن ينويه في مماليكه لان الظاهر من الحكم أن مكاتبه خارج عن ملكه بمعنى داخل فيه بمعنى فهو يحال بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه فلا يكون عليه زكاة مال المكاتب ولا يكون عليه زكاة الفطر فيه وليس هكذا أم ولده ولا مدبروه كل أولئك داخل في ملكه.
له أخذ أموالهم وله أخذ أرش الجناية عليهم وتكون عليه الزكاة في أموالهم لانه ماله فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم فإنما يعنى عبدا في حال دون حال لانه لو كان عبدا بكل
حال كان مسلطا على بيعه وأخذ ماله وما وصفت من أنه يحال بينه وبينه منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل بعتق غلامه ليضربنه غدا فباعه اليوم فلما مضى غد اشتراه فلا يحنث لان الحنث إذا وقع مرة لم يعد ثانية وهذا قد وقع حنثه مرة فهو لا يعتق عليه ولا يعود عليه الحنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يأكل الرؤوس وأكل رءوس الحيتان أو رءوس الجراد أو رءوس الطير أو رءوس شئ يخالف رءوس البقر أو الغنم أو الابل لم يحنث من قبل أن الذى يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرؤوس أنها الرؤوس التى تعمل متميزة من الاجساد يكون لها سوق كما يكون للحم سوق فان كانت بلاد لها صيد ويكثر كما يكثر لحم الانعام ويميز لحمها من رؤوسها فتعمل كما تعمل رءوس الانعام فيكون لها سوق على حدة وللحمها سوق على حدة فحلف حنث بها وهكذا إن كان ذلك يصنع بالحيتان، والجواب في هذا إذا لم يكن للحالف نية فإذا كان له نية حنث وبر على نيته والورع أن يحنث بأى رأس ما كان والبيض كما وصفت هو بيض الدجاج والاوز والنعام فأما بيض الحيتان فلا يحنث به إلا بنية لان البيض الذى يعرف هو الذى يزايل بائضه فيكون مأكولا وبائضه حيا فأما بيض الحيتان فلا يكون هكذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يأكل لحما حنث بلحم الابل والبقر والغنم والوحوش والطير كله لانه كله لحم ليس له اسم دون اللحم ولا
__________
(1) لعله نقوله بالضمير أو سقط من الكلام مقول القول، تأمل.
كتبه مصححه.(7/83)
يحنث في الحكم بلحم الحيتان لان اسمه غير اسمه فالاغلب عليه الحوت وإن كان يدخل في اللحم ويحنث في الورع به (قال الشافعي) رضى الله عنه وإذا نذر حلف أن لا يشرب سويقا فأكله أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه لم يحنث لانه لم يفعل الذى حلف أن لا يفعله واللبن مثله وكذلك إن حلف أن لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يأكل سمنا فأكل السمن بالخبز أو بالعصيدة أو بالسويق حنث لان السمن هكذا لا يؤكل إنما يؤكل بغيره ولا يكون مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا منفردا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يأكل هذه التمرة فوقعت في التمر فأكل التمر كله حنث لانه قد أكلها وإن بقى
من التمر كله واحدة أو هلكت من التمر كله واحدة لم يحنث إلا أن يكون يستيقن أنها فيما أكل وهذا في الحكم والورع أن لا يأكل منه شيئا إلا حنث نفسه إن أكله وإن حلف أن لا يأكل هذا الدقيق ولا هذه الحنطة فأكله حنطة أو دقيقا حنث وإذا خبز الدقيق أو عصده فأكله أو طحن الحنطة أو خبزها أو قلاها فجعلها سويقا لم يحنث لان هذا لم يأكل دقيقا ولا حنطة إنما أكل شيئا قد حال عنهما بصنعة حتى لا يقع عليه اسم واحد منهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما أو لا يأكل شحما فأكل لحما لم يحنث في واحد منهما لان كل واحد منهما غير صاحبه.
وكذلك إن حلف أن لا يأكل رطبا فأكل تمرا أو لا يأكل بسرا فأكل رطبا أو لا يأكل بلحا فأكل بسرا أو لا يأكل طلعا فأكل بلحا لان كل واحد من هذا غير صاحبه وإن كان أصله واحدا وهكذا إن قال لا آكل زبدا فأكل لبنا أو قال لا آكل خلا فأكل مرقا فيه خل فلا حنث عليه لان الخل مستهلك فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يشرب شيئا فذاقه ودخل بطنه لم يحنث بالذوق لان الذوق غير الشرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يكلم فلانا فسلم على قوم وهو فيهم لم يحنث إلا بأن ينويه فيمن سلم عليهم (قال الربيع) وله قول آخر فيما أعلم أنه يحنث إلا أن يعزله بقلبه في أن لا يسلم عليه خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مر عليه فسلم عليه وهو عامد للسلام عليه وهو لا يعرفه ففيها قولان فأما قول عطاء فلا يحنثه فإنه يذهب إلى أن الله عزوجل وضع عن الامة الخطأ والنسيان وفى قول غيره يحنث فإذا حلف أن لا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا أو كتب إليه كتابا فالورع أن يحنث ولا يبين لى أن يحنث لان الرسول والكتاب غير الكلام وإن كان يكون كلاما في حال ومن حنثه ذهب إلى أن الله عزوجل قال (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء) الآية وقال إن الله عزوجل يقول في المنافقين (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم) وإنما نبأهم بأخبارهم بالوحى الذى ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ويخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بوحى الله ومن قال لا يحنث قال إن كلام الآدميين لا يشبه كلام الله تعالى كلام الآدميين بالمواجهة ألا ترى لو هجر رجل رجلا كانت الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث فكتب إليه أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من هجرته
التى يأثم بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لقاض أن لا يرى كذا وكذا إلا رفعه إليه فمات ذلك القاضى فرأى ذلك الشئ بعد موته لم يحنث لانه ليس ثم أحد يرفعه إليه ولو رآه قبل موته فلم يرفعه إليه حتى مات حنث ولو أن قاضيا بعده ولى فرفعه إليه لم يبر لانه لم يرفعه إلى القاضى الذى أحلف ليرفعه إليه وكذلك إذا عزل ذلك القاضى لم يكن عليه أن يرفعه إلى القاضى الذى خلف بعده لانه غير المحلوف عليه ولو عزل ذلك القاضى فإن كانت نيته ليرفعنه إليه إن كان قاضيا فرأى ذلك(7/84)
الشئ وهو غير قاض لم يكن عليه أن يرفعه إليه ولو لم تكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه وإن رآه فعجل ليرفعه ساعة أمكنه رفعه فمات لم يحنث ولا يحنث إلا بأن يمكنه رفعه فيفرط حتى يموت وإن علماه جميعا فعليه أن يخبره وإن كان ذلك مجلسا واحدا وإذا حلف الرجل ماله مال وله عرض أو دين أو هما حنث لان هذا مال إلا أن يكون نوى شيئا فلا يحنث إلا على نيته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها فقد بر وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر وإن كان العلم مغيبا قد تماسه ولا تماسه فضربه بها ضربة لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع فإن قال قائل فما الحجة في هذا ؟ قيل معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة أو غير مجموعة وقد قال الله عزوجل وخذ (بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا نضوا في الزنا بأثكال النخل وهذا شئ مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة ولم يقل ضربا شديدا فأى ضرب ضربه إياه خفيفا أو شديدا لم يحنث لانه ضاربه في هذا كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل لئن فعل عبده كذا ليضربنه ففعل ذلك العبد وضربه السيد ثم عاد ففعله لم يحنث ولا يكون الحنث إلا مرة واحدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لا يهب رجل هبة فتصدق عليه بصدقة فهى هبة وهو حانث وكذلك لو نحله فالنحل هبة وكذلك إن أعمره لانها هبة فأما إن أسكنه فلا يحنث إنما السكنى عارية لم يملكه إياها وله متى شاء أن يرجع فيها وكذلك إن حبس عليه لم يحنث لانه لم يملكه ما حبس عليه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث وإن حلف أن لا يركب دابة العبد فركب دابة العبد لم يحنث لانها ليست للعبد ألا ترى أنه إنما اسمها مضاف إليه كما يضاف اسمها إلى سائسها وإن كان حرا أو يضاف الغلمان إلى المعلم وهم أحرار فيقال غلمان فلان وتضاف الدار إلى القيم عليها وإن كانت لغيره (قال الربيع) قلت أنا ويضاف اللجام إلى الدابة والسرج إلى الدابة فيقال لجام الحمار وسرج الحمار وليس يملك الدابة اللجام ولا السرج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف العبد بالله فحنث أو أذن له سيده فحج فأصاب شيئا مما عليه فيه فدية أو تظاهر أو آلى فحنث فلا يجزيه في هذا كله أن يتصدق ولو أذن له سيده من قبل أنه لا يكون مالكا للمال وأن لمالكه أن يخرجه من يديه وهو مخالف للحر يوهب له الشئ فيتصدق به لان الحر يملكه قبل أن يتصدق به وعليه الصيام في هذا كله (1) فإن كان هذا شئ منه بإذن مولاه فليس له أن يمنعه منه وإن كان منه بغير إذن مولاه فإن كان الصوم يضر بعمل المولى كان له أن يمنعه فإن صام بغير إذن مولاه في الحال التى له أن يمنعه فيها أجزأه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر وكذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أحكام الله وأحكام رسوله في الدنيا فأما السرائر فلا يعلمها إلا الله فهو يدين بها ويجزى ولا يعلمها دونه ملك مقرب ولا نبى مرسل ألا ترى أن حكم الله تعالى في المنافقين أنه يعلمهم مشركين فأوجب عليهم في الآخرة جهنم فقال عزوجل (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار) وحكم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام الاسلام بما أظهروا منه فلم يسفك لهم دما ولم يأخذ لهم مالا ولم يمنعهم أن يناكحوا
__________
(1) لعله: فإن كان هذا أو شئ منه.
أي إن كان ما وجب فيه الفدية والحنث أو شئ الخ، تأمل.(7/85)
المسلمين وينكحوهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفهم بأعيانهم يأتيه الوحى ويسمع ذلك منهم ويبلغه عنهم فيظهرون التوبة والوحى يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة ومثل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الناس (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحدود
فأقام على رجل حدا ثم قام خطيبا فقال (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) وروى عنه أنه قال (تولى الله منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات) وحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته وقذفها برجل بعينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبصروها فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه وإن جل ءت به كذا فلا أراه إلا قد كذب عليها) فجاءت به على النعت المكروه وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أمره لبين لولا ما حكم الله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان لاحد من الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لاحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يأتيه به الوحي وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتول أن يقضى إلا على الظاهر والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه مالا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر وإنما جوابنا في هذه الايمان كلها إذا حلف الرجل لا نية له فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قيل للربيع كل ما كان في هذا الكتاب فإنا نقول فهو قول مالك ؟ قال نعم والله أعلم.
باب الاشهاد عند الدفع إلى اليتامى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ففى هذه الآية معنيان أحدهما الامر بالاشهاد وهو (1) في مثل معنى الآية قبله والله تعالى أعلم من أن يكون الامر بالاشهاد دلالة لا حتما وفى قول الله عزوجل (وكفى بالله حسيبا) كالدليل على الارخاص في ترك الاشهاد لان الله عزوجل يقول (وكفى بالله حسيبا) أي إن لم تشهدوا والله تعالى أعلم والمعنى الثاني أن يكون ولى اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله والاشهاد به عليه يبرأ بالاشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره أو يكون مأمورا بالاشهاد عليه على الدلالة وقد يبرأ بغير شهادة إذا صدقه
اليتيم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والآية محتملة المعنيين معا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود وتسمية الشهود في غيرهما وتلك التسمية تدل على ما يجوز فيهما وفى غيرهما وتدل معهما السنة ثم مالا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه وفى ذكر الله عزوجل
__________
(1) قوله: وهو في مثل معنى الآية قبله هي قوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وقد كان قبل هذا الباب باب الشهادة في البيوع فنقله السراج البلقينى إلى كتاب البيوع في الجزء الثالث فارجع إليه كتبه مصححه.(7/86)
الشهادات دلالة على أن للشهادات حكما وحكمها والله تعالى أعلم أن يقطع بها بين المتنازعين بدلالة كتاب الله تعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع سنذكره في موضعه، قال الله عزوجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم فإن شهدوا) الآية فسمى الله في الشهادة في الفاحشة، والفاحشة ههنا - والله تعالى أعلم - الزنا وفى الزنا أربعة شهود ولا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم لان الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء ودلت السنة على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال محصنون فإن قال قائل الفاحشة تحتمل الزنا وغيره فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره ؟ قيل كتاب الله ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم مالا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عزوجل في اللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا ثم نزلت (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ودل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم فإن قال قائل ما دل على أن لا يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء ؟ قيل له الآيتان من كتاب الله عزوجل يدلان على ذلك، قال الله عزوجل في القذفة (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) يقول لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا وقول الله عزوجل (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلده) ودل على ذلك مع
الاكتفاء بالتنزيل السنة ثم الاثر ثم الاجماع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا مالك عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن سعدا قال يارسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتى بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع فحد الثلاثة ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء.
باب ما جاء في قول الله عزوجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) حتى ما يفعل بهن من الحبس والاذى قال الله جل ثناؤه (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت) فيه دلالة على أمور منها أن الله عزوجل سماهن من نساء المؤمنين لان المؤمنين المخاطبون بالفرائض يجمع هذا أن لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم في الزنا وفى هذه الآية دلالة على أن قول الله عز اسمه (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) كما قال ابن المسيب إن شاء الله تعالى منسوخة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال ابن المسيب نسختها (وأنكحوا الايامى منكم) فهن من أيامى المسلمين وقال الله عز وجل (فأمسكوهن في البيوت) يشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا(7/87)
فالموارثة بأحكام الاسلام ثابتة عليها وإن زنت ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا لا بأس أن ينكح امرأة وإن زنت إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه وأمر الله عزوجل في اللاتى يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا منسوخ بقول الله عزوجل (الزانية والزانى) في كتاب الله ثم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل فأين ما وصفت من ذلك ؟ قيل إن شاء الله تعالى أرأيت إذا أمر الله
في اللاتى يأتين الفاحشة أن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا أليس بينا أن هذا أول ما أمر به في الزانية ؟ فإن قال هذا وإن كان هكذا عندي فقد يحتمل أن يكون عندي حد الزنا في القرآن قبل هذا ثم خفف وجعل هذا مكانه إلا أن يدل عليه غير هذا قيل له إن شاء الله تعالى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن عبادة بن الصامت في هذه الآية (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) قال كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فلا أدرى أسقط من كتابي حطان الرقاشى أم لا ؟ فإن الحسن حدثه عن حطان الرقاشى عن عبادة بن الصامت وقد حدثنيه غير واحد من أهل العلم عن الثقة عن الحسن عن حطان الرقاشى عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا حديث يقطع الشك ويبين أن حد الزانيين كان الحبس أو الحبس والاذى فكان الاذى بعد الحبس أو قبله وأن أول ما حد الله به الزانيين من العقوية في أبدانهما بعد هذا عند قول النبي صلى الله عليه وسلم (قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعز بن مالك ولم يجلده ورجم المرأة التى بعث إليها أنيسا ولم يجلدها وكانا ثيبين (1) فإن قال قائل ما دل على أن هذا منسوخ ؟ قيل له أرأيت إذا كان أول ما حد الله به الزانيين الحبس أو الحبس والاذى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة والتغريب والثيب بالثيب الجلد والرجم) أليس في هذا دلالة على أن أول ما حدهما الله به من العقوبة في أبدانهما الحبس والاذى ؟ فإن قال بلى قيل فإذا كان هذا أولا فلا نجد ثانيا أبدا إلا بعد الاول فإذا حد ثان بعد الاول فخفف من حد الاول شئ فذلك دلالة على ما خفف الاول منسوخ عن الزانى.
باب الشهادة في الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأمر الله عزوجل في
الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من شاهدين لان ما كان دون الكمال مما يؤخذ به الحق لبعض الناس من بعض فهو غير ما أمر بالاخذ به ولا يجوز أن يؤخذ بغير ما
__________
قوله: فإن قال قائل الخ الباب، كذا في غير نسخة، ولا تخلو العبارة من سقط أو تحريف، وحرر.(7/88)
أمرنا بالاخذ به وكذلك يدل على ما دل عليه ما قبله من نفى أن يجوز فيه إلا ذلك رجال لا نساء معهم لان شاهدين لا يحتمل بحال أن يكونا إلا رجلين فاحتمل أمر الله عزوجل بالاشهاد في الطلاق والرجعة ما احتمل أمره بالاشهاد في البيوع ودل ما وصفت من أنى لم ألق مخالفا حفظت عنه من أهل العلم أن حراما أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة أختيار لا فرض يعصى به من تركه ويكون عليه أداؤه، إن فات في موضعه واحتملت الشهادة على الرجعة من هذا ما احتمل الطلاق ويشبه أن تكون في مثل معناه لانهما إذا تصادقا على الرجعة في العدة تثبت الرجعة وإن أنكرت المرأة فالقول قولها كما إذا تصادقا على الطلاق يثبت وإن أنكر الرجل فالقول قوله والاختيار في هذا وفى غيره مما أمر فيه بالشهادة والذى ليس في النفس منه شئ الاشهاد.
باب الشهادة في الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) الآية والتى بعدها وقال في سياقها (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى) الآية فذكر الله عزوجل شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة وذكر شهود الوصية فلم يذكر معهم امرأة فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما وذكر شهود الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصى ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال وعلمت أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية وكان ما حكيت من أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية
وكان ما حكيت من اقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله عزوجل وكان اولى الامور أن يصار إليه ويقاس عليه وذكر الله شهود الدين فذكر فيهم النساء وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه والامر على ما فرق الله بينه من الاحكام في الشهادات أن ينظر كل ما شهد به على أحد فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها مال وكان إنما يلزم بها حق غير مال أو شهد به لرجل وكان لا يستحق به مالا لنفسه إنما يتسحق به غير مال مثل الوصية والوكالة والقصاص والجد وما أشبه فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال لا يجوز فيه امرأة وينظر كل ما شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه ما لا بتجوز فيه شهادة النساء مع الرجال، لانه في معنى الموضع الذي اجازهن الله فيه، فيجوز قياسا لا يختلف هذا القول فلا يجوز غيره والله تعالى أعلم، ومن خالف هذا الاصل ترك عندي ما ينبغي أن يلزمه من معنى القرآن، ولا أعلم لاحد خالفه حجة فيه بقياس ولا خبر لازم، وفى قول الله عزوجل (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تصل إحداهما.
فتذكر إحداهما الاخرى) دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث تجيزهن إلا مع رجل ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا لان الله عزوجل لم يسم منهن أقل من اثنتين ولم يأمر بهن الله إلا مع رجل.
باب الخلاف في هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن خالفنا أحد فقال إن شهدت امرأتان لرجل حلف معها فقد(7/89)
خالفه عدد أحفظ عنهم ذلك من أهل المدينة وغيرهم وهذا أجاز النساء بغير رجل ويلزمه في اصل مذهبه أن يجيز أربعا فيعطى بهن حقا على مذهبه فيكون خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب فإن قال إنى إنما أجزت شهادتهما أنهما مع يمين رجل فينبغي أن لا يحلف امرأة إن أقامت شاهدا والذى يستحق به الرجل هو الذى تستحق به المرأة الحق لا فرق بينهما وهكذا ينبغى أن لا يحلف مشرك ولا عبد ولا حر غير عدل مع انه خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب والله تعالى أعلم وهذا قول لا يجوز لاحد أن يغلط إليه فإن قال إنى أعطى باليمين كما أعطى بشاهد فذلك بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذى لزمنا أن نقول بما حكم به لا أنه من جهة الشهادات ولو كانت من جهة الشهادات ما أحلفنا الرجل وهو شاهد ولا أجزنا شهادته لنفسه ولو جاز هذا ما جاز لغير عدل ولا جاز أن تحلف امرأة ولا عبد ولا كافر
ولا غير عدل فإن قال قائل فما هي ؟ قيل يمين أعطى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطينا بها كما كانت يمينا في المتلاعنين وللنبى صلى الله عليه وسلم سنة في المدعى عليه فأحلفنا في ذلك المرأة والرجل والحر العدل وغير العدل والعبد والكافر لا أنها من الشهادات بسبيل.
باب اليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد حكيت مما ذكر الله عزوجل في كتابه من الشهادات وكان الكتاب كالدليل على أنها يحكم بها على ما فرض الله بغير يمين على من كانت له تلك الشهادات وكانت على ذلك دلالة السنة ثم الآثار ومالا أعلم بين أحد لقيته فحفظت عنه من أهل العلم في ذلك مخالفا قال وذكر الله عزوجل في الزنا أربعة وذكر في الطلاق والرجعة والوصية اثنين ثم كان القتل والجراح من الحقوق التى لم يذكر فيها عدد الشهود الذين يقطع بهم فاحتمل أن تقاس على شهود الزنا وأن تقاس على شهود الطلاق وما سمينا معه فلما احتمل المعنيين معا ثم لم أعلم مخالفا لقيته من أهل العلم إلا واحدا في أنه يجوز فيما سوى الزنا شاهدان فكان الذى عليه أكثر من لقيت من أهل العلم أولى أن يقال به مما انفرد به واحد لا أعرف له متقدما إذا احتمل القياس خلاف قوله وإن احتمل القياس قوله وكذلك شهادة الشهود على الخمر وغير ذلك وكذلك الشهادة على القذف فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول في القذفة (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) الآية وقال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) قيل له هذا كما قال الله عزوجل لان الله حكم في الزنا بأربعة فإذا قذف رجل رجلا بالزنا لم يخرجه من الحد إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان ولا يكون عليه بينة تقطع أقل من أربعة وما لم يتموا أربعة فهو قاذف يحد وإنما أريد بالاربعة أن يثبت عليه الزنا فيخرج من ذلك القاذف ويحد المشهود عليه المقذوف وحكمهم معا حكم شهود الزنا لانهن شهادات على الزنا لا على القذف فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلا حد لانه لم يذكر عدد شهود القذف فكان قياسيا على الطلاق وغيره مما وصفت ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبتون الزنا على المقذوف فيحد ويكون هذا صادقا في الظاهر والله تعالى الموفق.
اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فأكثر ما جعل الله عزوجل من الشهود في الزنا أربعة وفى(7/90)
الدين رجلان أو رجل وامرأتان فكان تفريق الله عزوجل بين الشهادت على ما حكم الله عزوجل من أنها مفترقة واحتمل إذا كان أقل ما ذكر الله من الشهادات شاهدين أو شاهدا وامرأتين أن يكون أراد ما تتم به الشهادة بمعنى لا يكون على المشهود له يمين إذا أتى بكمال الشهادة فيعطى بالشهادة دون يمينه لا أن الله عز وجل حتم أن لا يعطى أحد بأقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين لانه لم يحرم أن يجوز أقل من ذلك نصا في كتاب الله عزوجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول لان عليه دلالة السنة ثم الآثار وبعض الاجماع والقياس فقلنا يقضى باليمين مع الشاهد فسألنا سائل ما رويت منها ؟ فقلنا: أخبرنا عبد الله بن الحرث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو في الاموال (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه لا أحفظ أسمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبى أقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ؟ قال نعم وقضى بها علي رضى الله عنه بين أظهركم قال مسلم وقال جعفر في حديثه في الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فحكمنا باليمين مع الشاهد في الاموال دون ما سواها وما حكمنا فيه باليمين مع الشاهد أجزنا فيه شهادة النساء مع الرجال وما لم نحكم فيه باليمين مع الشاهد لم نجز فيه شهادة النساء مع الرجال استدلالا بمعنى كتاب الله عزوجل الذى وصفت في شهادتهن قبل هذا.
باب الخلاف في اليمين مع الشاهد (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في اليمين مع الشاهد خلافا أسرف فيه على نفسه فقال أرد حكم من حكم بها لانها خلاف القرآن فقلت لاعلى من لقيت ممن خالفنا فيها علما أمر الله بشاهدين أو شاهد وامرأتين ؟ فقال نعم فقلت ففيه أن حتما من الله عز وجل
أن لا يجوز أقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين فقال فإن قلته ؟ قلت له فقله فقال فقد قلته فقلت وتجد من الشاهدان اللذان أمر الله عزوجل بهما فقال حران مسلمان بالغان عدلال قلت ومن حكم بدون ما قلت خالف حكم الله ؟ قال نعم قلت له إن كان كما زعمت فقد خالفت حكم الله عزوجل قال وأين ؟ قلت إذ أجزت شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله عزوجل أن تجوز شهادتهم وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة وهذان وجهان أعطيت بهما من جهة الشهادة ثم أعطيت بغير شهادة في القسامة وغيرها قال فتقول ماذا ؟ قلت أقول إن القضاء باليمين مع الشاهد ليس بخلاف حكم الله عزوجل بل بحكم الله حكمت باليمين مع الشاهد ففرض الله طاعة رسوله فاتبعت رسوله فعن الله قبلت كما قبلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المعنى الذى وصفت من أن اتباع أمره فرض ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه قد قالوا فيه وقلنا وأكثرنا قال أفتوجد في لها نظيرا في القرآن ؟ قلت نعم أمر الله عزوجل في الوضوء بغسل القدمين أو مسحهما فمسحنا ومسحت على الخفين بالسنه وقول الله عز وجل (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما) فحرمنا نحن وأنت كل ذى ناب من السباع بالسنة وقول الله عز وجل (كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) فحرمنا نحن وأنت أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين(7/91)
المرأة وخالتها بالسنة قال الله عزوجل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ودلت السنة على أنه إنما يقطع بعض السراق دون بعض ويجلد مائة بعض الزناة دون بعض فقلنا نحن وأنت به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد خاصا وعاما فكذلك اليمين مع الشاهد تلزمك من حيث لزمك هذا فإن كنت مصيبا باتباع ما وصفنا من السنة مع القرآن لم تسلم من أن تكون مخطئا بترك اليمين مع الشاهد وإن كنت مصيبا بترك اليمين مع الشاهد لم تسلم من أن يكون عليك ترك المسح على الخفين وترك تحريم كل ذى ناب من السباع وقطع كل سارق فقد خالفك في هذا كله بعض أهل العلم ووافقنا في اليمين مع الشاهد عوام من أصحابنا.
ومنهم من خالف أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أثبت من اليمين مع الشاهد وإن كانت اليمين ثابتة لعلة أضعف من كل علة اعتل بها من رد اليمين مع الشاهد فإن كانت لنا
وله بهذا حجة على من خالفنا كانت عليه فيما خالف من الاحاديث.
باب شهادة النساء لا رجل معهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الولاد وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفا لقيته في أن شهادة النساء فيه جائزة لا رجل معهن وهذا حجة على من زعم أن في القرآن دلالة على أن لا يجوز أقل من شاهدين أو شاهد واحد وامرأتين لانه لا يجوز على جماعة أهل العلم أن يخالفوا الله حكما ولا يجهلوه ففيه دلالة على أن أمر الله بشاهدين أو شاهد وامرأتين حكم لا يمين على من جاء به مع الشاهد والحكم باليمين مع الشاهد حكم بالسنة لا مخالف للشاهدين لانه غيرهما ثم اختلفوا في شهادة النساء (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يجوز في شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نأخذ فإن قال قائل فكيف أخذت به ؟ قلت لما ذكر الله عزوجل شهادة النساء فجعل امرأتين يقومان مقام رجل في الموضع الذى أجازهما الله تعالى فيه وكان أقل ما انتهى إليه من عدد الرجال رجلين في الشهادات التى تثبت بها الحقوق ولا يحلف معها المشهود له شاهدين أو شاهدا وامرأتين لم يجز والله تعالى أعلم إذا أجاز المسلمون شهادة النساء في موضع أن يجوز منهن إلا أربع عدول لان ذلك معنى حكم الله عزوجل.
الخلاف في إجازة أقل من أربع من النساء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال بعض الناس تجوز شهادة امرأة وحدها كما يجوز في الخبر شهادة واحد عدل وليس من قبل الشهادات أجزتها وإن كان من قبل الشهادات أجزتها لم أجز إلا ما ذكرت من أربع أو شاهد وامرأتين فقيل لبعض من يقول هذا القول وأين الخبر من الشهادة ؟ قال وأين يفترقان ؟ قلت تقبل في الخبر كما قلت امرأة واحدة ورجلا واحدا وتقول فيه أخبرنا فلان عن فلان أفتقبل هذا في الشهادات ؟ فقال لا قلت والخبر هو ما استوى فيه المخبر والمخبر والعامة من حلال وحرام ؟ قال نعم قلت والشهادة ما كان الشاهد منها خليا والعامة وإنما تلزم المشهود عليه قال نعم قلت أفترى هذا يشبه هذا ؟ قال أما في هذا فلا قلت أفرأيت لو قال لك قائل إذا قبلت في الخبر فلانا عن(7/92)
فلان فأقيل في أن تخبرك امرأة عن امرأة رجل ولدت هذا الولد ؟ قال ولا أقبل هذا حتى أقف التى شهدت أو يشهد عليها من تجوز شهادته بأمر قاطع قلت وأنزلته منزلة الخبر ؟ قال أما في هذا فلا قلت ففى أي شئ أنزلته منزلة الخبر ؟ هل عدوت بهذا أن قلت هو بمنزلة الخبر ولم تقسه في شئ غير الاصل الذى قلت ؟ فأسمعك إذا تضع الاصول لنفسك قال فمن أصحابك من قال لا يجوز أقل من شهادة امرأتين قلت له هل رأيتنى أذكر لك قولا لا تقول به ؟ قال لا قلت فكيف ذكرت لى ما لا أقول به ؟ قال فإلى أي شئ ذهب (1) من ذهب إلى ما ذهبنا إليه من أنه خبر لا شهادة ولا إلى ما ذهبت إليه من أن تقول به على معنى كتاب الله وما أعرف له متقدما يلزم قوله فقلت له أن تنتقل عن قولك الذى يلزمك فيه عندي أن تنتقل عنه أولى بك من ذكر قول غيرك فهذا أمر لم نكلفه نحن ولا أنت ولولا عرضك بترفيع قولك وتخطئة من خالفك كنا شبيها أن ندع حكاية قولك قال فإن شهد على شئ من ذلك رجلان وامرأتان قلت أجيز الشهادة وتكون أوثق عندي من شهادة النساء لا رجل معهن قال وكيف لم تعدهم بالشهادة فساقا ولا تجيز شهادتهم ؟ قلت الشهادة غير الفسق قال فادللني على ما وصفت قلت قال الله عزوجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال له أمهله حتى آتى بأربعة شهداء قال (نعم) والشهود على الزنا نظروا من المرأة إلى محرم ومن الرجل إلى محرم فلو كان النظر لغير إقامة شهادة كان حراما فلما كان لاقامة شهادة لم يجز أن يأمر الله عزوجل ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بمباح لا بمحرم فكل من نظر ليثبت شهادته لله أو للناس فليس بجرح ومن نظر للتلذذ وغير شهادة عامدا كان جرحا إلا أن يعفو الله عنه.
باب شرط الذين تقبل شهادتهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل (اثنان ذوا عدل منكم) وقال عزوجل (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكان الذى يعرف من خوطب بهذا أنه اريد به الاحرار المرضيون المسلمون من قبل أن رجالنا ومن نرضاه أهل ديننا لا المشركون لقطع الله الولاية بيننا وبينهم بالدين
ورجالنا أحرارنا والذين نرضى أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من يملكهم على كثير من أمورهم وأنا لا نرضى أهل الفسق منا وأن الرضا إنما يقع على العدل منا ولا يقع إلا على البالغين لانه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض فإذا لم يلزمه أكثر الفرائض في نفسه لم يلزم غيره فرضا بشهادته ولم أعلم مخالفا لقيته في أنه اريد بها الاحرار العدول في كل شهادة على مسلم غير أن من أصحابنا من ذهب إلى أن يجيز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا فإذا تفرقوا لم تجز شهادتهم عنده.
وقول الله
__________
(1) لعل (من) محرفه عن (ما) النافية.
أي ما ذهب إلى ما ذهبنا إليه فيجيز الواحدة ولا إلى ما ذهبت أنت إليه فلا يجيز أقل من أربع، تأمل كتبه مصححه.(7/93)
تبارك وتعالى (من رجالكم) يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان - والله أعلم - في شئ فإن قال قائل أجازها ابن الزبير قيل فإن ابن عباس ردها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في شهادة الصبيان لا تجوز وزاد ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس لان الله عزوجل قال (ممن ترضون من الشهداء) قال ومعنى الكتاب مع ابن عباس والله تعالى أعلم، فإن قال أردت أن تكون دلالة قيل وكيف تكون الدلالة بقول صبيان منفردين إذا تفرقوا لم يقبلوا ؟ إنما تكون الدلالة بقول البالغين الذين يقبلون بكل حال فأشبه ما وصفت أن يكون دليلا على أن حكم الله فيمن تجوز شهادته هو من وصفت ممن يشبه أن تكون الآية دلت على صفته ولا تجوز شهادة مملوك في شئ وإن قل ولا شهادة غير عدل.
باب شهادة القاذف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأمر الله عزوجل أن يضرب القاذف ثمانين ولا تقبل له شهادة أبدا
وسماه فاسقا إلا أن يتوب فقلنا يلزم أن يضرب ثمانين وأن لا تقبل له شهاده وأن يكون عندنا في حال من سمى بالفسق إلا أن يتوب فإذا تاب قبلت شهادته وخرج من أن يكون في حال من سمى بالفسق قال وتوبته إكذابه نفسه فإن قال قائل فكيف تكون التوبة الاكذاب ؟ قيل له إنما كان في حد المذنبين بأن نطق بالقذف وترك الذنب هو أن يقول القذف باطل وتكون التوبة بذلك وكذلك يكون الذنب في الردة بالقول بها والتوبة الرجوع عنها بالقول فيها بالايمان الذى ترك فإن قال قائل فهل من دليل على هذا ؟ ففيما وصفت كفاية وفى ذلك دليل عن عمر سنذكره في موضعه فإن كان القاذف يوم قذف ممن تجوز شهادته فحد قيل له مكانه إن تبت قبلت شهادتك فإذا أكذب نفسه قبلت شهادته وإن لم يفعل لم تقبل حتى يفعل لان الذنب الذى ردت به شهادته هو القذف فإذا أكذب نفسه فقد تاب وإن قذف وهو ممن لا تجوز شهادته ثم تاب لم تقبل شهادته من قبل أن ردها كان من وجهين أحدهما سوء حاله قبل أن يقذف والآخر القذف فإذا خرج من أحد الوجهين لم يخرج من الوجه الآخر ولكن يكون خارجا من أن يكون فيه علة رد الشهادة بالقذف فإذا أكذب نفسه وثبت عليه علة رد الشهادة بسوء الحال حتى تختبر حاله فإذا ظهر منه الحسن قبلت شهادته، وهكذا لو حد مملوك حسن الحال ثم عتق لم تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف، وهكذا لو حد ذمى حسن الحال فأسلم لم تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف فقال لى قائل: أفتذكر في هذا حديثا فقلت إن الآية لمكتفى بها من الحديث وإن فيه لحديثا (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة قال سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القذف لا تجوز فأشهد لاخبرني ثم سمى الذى أخبره أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال لابي بكرة (تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك) قال سفيان شككت بعدما سمعت الزهري يسمى الرجل فسألت فقال لى عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب فقيل لسفيان شككت في خبره فقال لا هو سعيد إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ؟ رحمه الله تعالى: وبلغني عن ابن عباس مثل هذا المعنى (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال حدثنا(7/94)
إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبى نجيح انه قال في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا نقوله فقلت
من ؟ قال عطاء وطاوس ومجاهد.
باب الخلاف في إجازة شهادة القذف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في القاذف فقال إذا ضرب الحد ثم تاب لم تجز شهادته أبدا وإن لم يضرب الحد أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته فذكرت له ما ذكرت من معنى القرآن والآثار فقال فإنا ذهبنا إلى قول الله عز وجل (ولا تقبل لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا) فقلنا نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة فقلت لقائل هذا أو تجد الاحكام عندك فيما يستثنى على ما وصفت فيكون مذهبا ذهبتم في اللفظ أم الاحكام عندك في الاستثناء على غير ما وصفت ؟ فقال أوضح هذا لى قلت أرأيت رجلا لو قال والله لا أكلمك أبدا ولا أدخل لك بيتا ولا آكل لك طعاما ولا أخرج معك سفرا وإنك لغير حميد عندي ولا أكسوك ثوبا إن شاء الله تعالى أيكون الاستثناء واقعا على ما بعد قوله (أبدا) أو على ما بعد غير حميد عندي أو على الكلام كله قال ؟ بل على الكلام كله قلت فكيف لم توقع الاستثناء في الآية على الكلام كله وأوقعتها في هذا الذى هو أكثر في اليمين على الكلام كله (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) قال محمد بن الحسن إن أبا بكرة قال لرجل أراد استشهاده استشهد غيرى فإن المسلمين فسقوني قلت فالرجل الذى وصفت امتنع من أن يتوب من القذف وأقام عليه وهكذا كل من امتنع أن يتوب من القذف ولو لم يكن لنا في هذا إلا ما رويت كان حجة عليك قال وكيف ؟ قلت إن كان الرجل عندك ممن تاب من القذف بالرجوع عنه فقد أخبر عن المسلمين أنه فسقوه وأنت تزعم أنه إذا تاب سقط عنه اسم الفسق وفيما قال دلالة على أن المسلمين لا يلزمونه اسم الفسق إلا وشهادته غير جائزة قلت ولا يجيزون شهادته إلا وقد أسقطوا عنه اسم الفسق لانهم لا يفرقون بين إسقاط اسم الفسق عنه بالتوبة وإجازة شهادته بسقوط الاسم عنه كما تفرق بينه وإذا كنت تقبل شهادة القاتل والزانى والمستتاب من الردة إذا تاب فكيف خصصت بها القاذف وهو أيسر ذنبا من غيره ؟ قال تأولت فيه القرآن قلت تأولك خطأ على لسانك قال قاله شريح قلت أفتجعل شريحا حجة على كتاب الله وقول عمر بن الخطاب وابن عباس ومن سميت وغيرهم والاكثر من أهل المدينة ومكة ؟ وكيف ؟ زعمت إن لم يطهر بالحد قبلت شهادته وإذا طهر بالحد لم تقبل
شهادته إذا كان تائبا في الحالين والله تعالى أعلم.
باب التحفظ في الشهادة قال الله عز وجل (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وقال الله عزوجل (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وحكى أن إخوة يوسف وصفوا أن شهادتهم كما ينبغى لهم فحكى أن كبيرهم قال (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) (قال) ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما(7/95)
أثبت سمعا من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الاخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه وما شهد به رجل على رجل أنه فعله أو أقر به لم يجز إلا أن يجمع أمرين أحدهما أن يكون يثبته بمعاينة والآخر أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصر حين يكون الفعل وبهذا قلت لا تجوز شهادة الاعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة أو معاينة وسمعا ثم عمى فتجوز شهادته لان الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذى يراه الشاهد أو القول الذى أثبته سمعا وهو يعرف وجه صاحبه فإذا كان ذلك قبل يعمى ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز وإذا كان القول والفعل وهو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت وإذا كان هذا هكذا كان الكتاب أحرى أن لا يحل لاحد أن يشهد عليه والشهادة في ملك الرجل الدار أو الثوب على تظاهر الاخبار بأنه مالك الدار وعلى أن لا يرى منازعا له في الدار والثوب فيثبت ذلك في القلب فيسع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه ينتسب زمانا أو سمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولم ير دلالة يرتاب بها وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له أخبار من يصدق بأنها فلانة ويراها مرة بعد مرة وهذا كله شهادة بعلم كما وصفت وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهد وفى رد اليمين وغير ذلك.
والله تعالى الموفق.
باب الخلاف في شهادة الاعمى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في شهادة الاعمى فقال لا تجوز حتى يكون بصيرا يوم شهد ويوم رأى وسمع أو رأى وإن لم يسمع إذا شهد على رؤية فسألناهم فهل من حجة كتاب أو سنة أو أثر يلزم فلم يذكروا من ذلك شيئا لنا وكانت حجتهم فيه أن قالوا إنا احتجنا إلى أن يكون يرى يوم شهد كما احتجنا إلى أن يكون يرى يوم عاين الفعل أو سمع القول من المشهود عليه ولم تكن واحدة من الحالين أولى به من الاخرى فقلت له أرأيت الشهادة أليست بيوم يكون القول أو الفعل وإن يقم بها بعد ذلك بدهر ؟ قال بلى قلت فإذا كان القول والفعل وهو بصير سميع مثبت ثم شهد به بعد عاقلا أعمى لم تجز شهادته قال فأقول بغير الاول لا يجوز إلا بأمرين قلت أفيجوز أن يشهد على فعل رجل حى ثم يموت الرجل فيقوم بالشهادة وهو لا يرى الرجل ويقوم بالشهادة على آخر وهو غائب لا يراه ؟ قال نعم قلت فما علمتك تثبت لنفسك حجة إلا خالفتها ولو كنت لا تجيزها إذا أثبتها بصيرا وشهد بها أعمى لانه لا يعاين المشهود عليه لان ذلك حق عندك لزمك أن لا تجيزها بصيرا على ميت ولا غائب لانه لا يعاين واحدا منهما أما الميت فلا يعاينه في الدنيا وأما الغائب ببلد فأنت تجيزها وهو لا يراه قال فإن رجعت في الغائب فقلت لا أجيزها عليه فقلت أفترجع في الميت وهو أشد عليك من الغائب ؟ قال لا قال فإن من أصحابك من يجيز شهادة الاعمى بكل حال إذا أثبت كما يثبت أهله فقلت إن كان هذا صوابا فهو أبعد لك من الصواب قال فلم لم تقل به ؟ قلت ليس فيه أثر يلزم فأتبعه ومعنا القرآن والمعقول بما وصفت من أن الشهادة فيما لا يكون إلا بعيان أو عيان وإثبات سمع ولا يجوز أن تجوز شهادة من لا يثبت بعيان لان الصوت يشبه الصوت قال ويخالفونك في الكتاب قلت وذلك أبعد من أن تجوز الشهادة عليه وقولهم فيه متناقض ويزعمون أنه لا يحل لى لو عرفت كتابي ولم أذكر الشهادة أن أشهد إلا وأنا ذاكر ويزعمون أنى إن عرفت كتاب ميت حل لى أن أشهد عليه وكتابي كان(7/96)
أولى أن أشهد عليه من كتاب غيرى ولو جاز أن أفرق بينهما جاز أن أشهد على كتابي ولا أشهد على كتاب غيرى ولا يجوز واحد منهما لما وصفت من معنى كتاب الله عزوجل قال فإنا نحتج عليك في أنك تعطى بالقسامة وتحلف الرجل مع شاهده على ما غاب بأنهم قد يحلفون على ما لا يعلمون قلت يحلفون
على ما يعلمون من أحد الوجوه الثلاثة التى وصفت لك قلت فإن قال لا يكون إلا من المعاينة والسماع فقلت له أترك هذا القول إذا سئلت قال فاذكر ذلك قلت أرأيت الشهادة على النسب والملك أتقبلهما من الوجوه التى قبلناها منها ؟ قال نعم قلت وقد يمكن أن ينتسب الرجل إلى غير نسبه لم ير أباه يقر به ويمكن أن تكون الدار في يد الرجل وهو لا يملكها قد غصبها أو أعاره إياها غائب ويمكن ذلك في الثوب والعبد قال فقد أجمع الناس على إجازة هذا قلنا وإن كانوا أجمعوا ففيه دلالة لك على أن القول كما قلنا دون ما قلت أو رأيت عبدا ابن خمسين ومائة سنة ابتاعه ابن خمس عشرة سنة ثم باعه وأبق عند المشترى فخاصمه فيه فقال أحلفه لقد باعه إياه بريا من الاباق فقلت وقال لك هذا ولد بالمشرق وأنا بالمغرب ولا تمكنني المسألة عنه لانه ليس ها هنا أحد من أهل بلده أثق به قال يحلف على البت وإنما يرجع في ذلك إلى علمه قلت ويسعك ذلك ويسع القاضى ؟ قال نعم قلت أرأيت قوما قتل أبوهم فأمكنهم أن يعترفوا القاتل أو يعاينوه أو يخبرهم من عاينه ممن مات أو غاب ممن يصدق عندهم ولا تجوز شهادتهم عندي أليسوا أولى أن يقسموا من صاحب العبد الذى وصفها أن يحلف ؟ والله تعالى أعلم: باب ما يجب على المرء من القيام بشهادته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وقال (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء () إلى آخر الآية وقال (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) وقال (والذين هم بشهاداتهم قائمون) وقال عز وجل (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم) وقال (واقيموا الشهادة لله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والذى أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض القريب والبعيد ولا يكتم عن أحد ولا يحابى بها ولا يمنعها أحدا قال ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم ولهذا كتاب غير هذا.
باب ما على من دعى يشهد بشهادة قبل أن يسألها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) إلى قوله (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في قول الله عزوجل (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) دلالة على أن عليه فيما علمه الله من الكتاب حقا في منفعة المسلمين ويحتمل ذلك الحق أن يكون كلما دعى لحق كتبه لابد ويحتمل أن يكون عليه وعلى من هو في مثل حاله أن يقوم منهم من يكفى حتى لا تكون الحقوق معطلة لا يوجد(7/97)
لها في الابتداء من يقوم بكفايتها والشهادة عليها فيكون فرضا لازما على الكفاية فإذا قام بها من يكفى أخرج من يتخلف من المأثم والفضل للكافى على المتخلف فإذا لم يقم به كان حرج جميع من دعى إليه فتخلف بلا عذر كما كان الجهاد والصلاة على الجنائز ورد السلام فرضا على الكفاية لا يحرج المتخلف إذا كان فيمن يقوم بذلك كفاية فلما احتمل هذين المعنيين معا وكان في سياق الآية (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) كان فيها كالدليل على أنه نهى الشهداء المدعوون كلهم أن يأبوا قال (ولا يضار كاتب ولا شهيد) فأشبه أن يكون يحرج من ترك ذلك ضرارا وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية وهذا يشبه والله تعالى أعلم ما وصفت من الجهاد والجنائز ورد السلام وقد حفظت عن بعض أهل العلم قريبا من هذا المعنى ولم أحفظ خلافه عن أحد أذكره منهم.
الدعوى والبينات (أخبرنا الربيع) قال (اخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعى).
باب في الاقضية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله * إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) إلى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) وقال
(وأن احكم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) وقال (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن فرضا عليه وعلى من قبله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل والعدل اتباع حكمه المنزل قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) ووضع الله نبيه صلى الله عليه وسلم من دينه وأهل دينه موضع الابانة عن كتاب الله عزوجل معنى ما أراد الله وفرض طاعته فقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) الآية.
وقال (وليحذر الذين يخالفون عن أمره) الآية.
فعلم أن الحق كتاب الله ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليس لمفت ولا لحاكم أن يفتى ولا يحكم حتى يكون عالما بهما ولا أن يخالفهما ولا واحدا منهما بحال فإذا خالفهما فهو عاص لله عزوجل وحكمه مردود فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد بأن يطلبا كما يطلب الاجتهاد بأن يتوجه إلى البيت وليس لاحد أن يقول مستحسنا على غير الاجتهاد كما ليس لاحد إذا غاب البيت عنه أن يصلى حيث أحب ولكنه يجتهد في التوجه إلى البيت.
وهذا موضوع بكماله في كتاب جماع علم الكتاب ثم السنة.
باب في اجتهاد الحاكم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ(7/98)
نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) قال الحسن بن أبى الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده (أخبرنا الربيع) قال: (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا الدراوردى عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بشر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال هكذا حدثنى أبو سلمة عن أبى هريرة ومن أمر أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد ويسعه فيه الاختلاف فيكون فرضا على
المجتهد أن يجتهد برأى نفسه لا برأى غيره وبين أنه ليس لاحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه كما لا يكون لاحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنها في موضع أن يقلد غيره إن رأى أنها في غيرك ذلك الموضع وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز (1) كلف لاحد (قال) والقياس قياسان أحدهما يكون في مثل معنى الاصل فذلك الذى لا يحل لاحد خلافه ثم قياس أن يشبه الشئ بالشئ من الاصل والشئ من الاصل غيره فيشبه هذا بهذا الاصل ويشبه غيره بالاصل غيره (قال الشافعي) وموضع الصواب فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن ينظر فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه إن أشبه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ألحقه بالذى هو أشبه في خصلتين ومن اجتهد من الحكام ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو قد خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو شيئا في مثل معنى هذا رده ولا يسعه غير ذلك وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب فاستيقن الخطأ كان عليه الرجوع ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت ثم أبصر فرأى البيت في غير الجهة التى صلى إليها أعاد وإن كان بموضع لا يراه لم يعد من قبل أنه رجع في المرة الاولى من مغيب إلى يقين وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب وهذا موضوع في كتاب (جماع العلم من الكتاب والسنة) وكتاب القضاء والحق في الناس كلهم واحد ولا يحل أن يترك الناس يحكمون بحكم بلدانهم إذا كانوا يختلفون فيما فيه كتاب أو سنة أو شئ في مثل معناهما حتى يكون حكمهم واحدا إنما يتفرقون في الاجتهاد إذا احتمل كل واحد منهم الاجتهاد وأن يكون له وجه.
باب التثبيت في الحكم وغيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الآية وقال (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأمر الله من يمضى أمره على أحد من عباده أن يكون مستبينا قبل أن يمضيه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان لان الغضبان مخوف على أمرين.
أحدهما قلة التثبت والآخر أن الغضب قد يتغير معه العقل ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن
بن أبى بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحكم الحاكم أو لا يقضى القاضى بين
__________
(1) قوله: لا يجوز كلف لاحد كذا في النسخ، وتأمل.(7/99)
اثنين وهو غضبان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومعقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا أنه أراد أن يكون القاضى حين يحكم في حال لا تغير خلقه ولا عقله والحاكم أعلم بنفسه فأى حال أتت عليه تغير خلقه أو عقله انبغى له أن لا يقضى حتى تذهب وأى حال صيرت إليه سكون الطبيعة واجتماع العقل انبغى له أن يتعاهدها فيكون حاكما عندها وقد روى عن الشعبى وكان قاضيا أنه رؤى أنه يأكل خبزا بجبن فقيل له فقال آخذ حكمي كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة وأن الجوع يحرك حرها وتتوق النفس إلى المأكل فيشتغل عن الحكم وإذا كان (1) مريضا شقيحا أو تعبا شقيحا فكل هذا في حال الغضب في بعض امره أو أشد يتوقى الحكم ويتوقاه على الملالة فإن العقل يكل مع الملالة وجماع ما وصفت.
باب المشاورة (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وشاورهم في الامر) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري قال: قال أبو هريرة ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لاصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله عزوجل (وأمرهم شورى بينهم) (قال الشافعي) قال الحسن إن كان النبي صلى الله عليه وسلم لغنيا عن مشاورتهم ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده إذا نزل بالحاكم الامر يحتمل وجوها أو مشكل انيغى له أن يشاور ولا ينبغى له أن يشاور جاهلا لانه لا معنى لمشاورته ولا عالما غير أمين فإنه ربما أضل من يشاوره ولكنه يشاور من جمع العلم والامانة وفى المشاورة رضا الخصم والحجة عليه.
باب أخذ الولى بالولي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذى وفى * أن لا تزر وازرة وزر أخرى) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن
أبجر عن أبان بن لقيط عن أبى رمثة قال: دخلت مع ابى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من هذا ؟) قال ابني يارسول الله أشهد به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء ابراهيم فقال الله عزوجل (وابراهيم الذى وفى * أن لا تزر وازرة وزر أخرى) (قال الشافعي) رحمه الله: والذى سمعت والله أعلم في قول الله تعالى (ان لا تزر وازرة وزر أخرى) أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره وذلك في بدنه دون ماله وإن قتل أو كان حدا لم يقتل به غيره ولم يؤخذ ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين الله تعالى لان الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم عليه وكذلك أموالهم لا يجنى أحد على أحد في ماله إلا حيث خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته فأما ما سواها فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ بجناية غيرهم وعليهم في اموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة وغير ذلك وليس من وجه الجناية.
__________
(1) قوله: مريضا شقيحا، الشقيح: الناقه من المرض اه.
كتبه مصححه.(7/100)
باب ما يجب فيه اليمين (قال الشافعي) كل من ادعى على امرئ شيئا ما كان من مال وقصاص وطلاق وعتق وغيره أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف استحق وإن لم يحلف لم يستحق ما ادعى ولا يقوم النكول مقام إقرار في شئ حتى يكون مع النكول يمين المدعى فإن قال قائل فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب والاموال وجعلت الايمان كلها تجب على المدعى عليه وتجعلها كلها ترد على المدعى ؟ قيل له إن شاء الله تعالى قلت استدلالا بكتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فإن قال وأين الدلالة من الكتاب ؟ قيل له إن شاء الله قال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فحد الرامى بالزنا ثمانين وقال في الزوج (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
شهداء إلا أنفسهم) إلى قوله (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فحكم الله عزوجل على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأن يأتي بأربعه شهاداء وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة ويسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج أربعة أيمان والتعانها وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفى الولد (1) والتعانه وسن بينهما الفرقة ودرأ الله تعالى عنها الحد بالايمان مع التعانه وكانت أحكام الزوجين إذا خالفت أحكام الاجنبيين في شئ فهى مجامعة له في غيره وذلك أن اليمين فيه قد جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفى ولد فكان الحد والطلاق والنفى معا داخلا فيها ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها إلا بيمين الزوج وتنكل عن اليمين ألا ترى أن الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف وترك الخروج باليمين منه ولم يكن على المرأة حد ولم تلتعن أو لا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للانصاريين (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) فلما لم يحلفوا رد الايمان على اليهود ليبروءا بها فلما لم يقبلها الانصاريون تركوا حقهم أو لا ترى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه بدأ بالايمان على المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين والله أعلم.
هذا كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبى ليلى عن أبى يوسف رحمهم الله تعالى (قال) إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتنى بقباء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول القول قول رب الثوب ويضمن الخياط قيمة الثوب وبه يأخذ (يعنى أبا يوسف) وكان ابن أبى ليلى يقول (القول قول الخياط في ذلك) ولو أن الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب والخياط في عمله فإن أبا حنيفة قال لا ضمان عليه ولا على القصار والصباغ وما اشبه ذلك من العمال إلا فيما جنت ايديهم وبلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه قال لا ضمان عليهم وكان ابن أبى ليلى يقول لهم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم تجن أيديهم فيه.
قال أبو يوسف هم ضامنون إلا أن يجئ شئ غالب (قال الشافعي) رحمه الله
__________
(1) لعله: بالتعانه، تأمل.
كتبه مصححه.(7/101)
تعالى: إذا ضاع الثوب عند الخياط أو الغسال أو الصباغ أو أجير أمر ببيعه أو حمال استؤجر على تبليغه وصاحبه معه أو تبليغه وليس صاحبه معه من غرق أو حرق أو سرق ولم يجن فيه واحد من الاجراء شيئا أو غير ذلك من وجوه الضيعة فسواء ذلك كله فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن من أخذ أجرا على شئ ضمنه ومن قال هذا قاسه على العارية تضمن وقال إنما ضمنت العارية لمنفعة فيها للمستعير فهو ضامن لها حتى يؤديها بالسلامة وهى كالسلف وقد يدخل على قائل هذا أن يقال له إن العارية مأذون لك في الانتفاع بها بلا عوض أخذه منك المعير وهى كالسلف وهذا كله غير مأذون لك في الانتفاع به وإنما منفعتك في شئ تعمله فيه فلا يشبه هذا العارية وقد وجدتك تعطى الدابة بكراء فتنتفع منها بعوض يؤخذ منك فلا تضمن إن عطبت في يديك وقد ذهب إلى تضمين القصار شريح فضمن قصارا احترق بيته فقال تضمنني وقد احترق بيتى ؟ فقال شريح أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرتك ؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عنه ابن عيينة بهذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز إذا ضمن الصناع إلا هذا وأن يضمن كل من أخذ على شئ أجرا ويخلو ما أخذ عليه الاجر من أن يكون مضمونا والمضمون ضامن بكل حال والقول الآخر أن لا يكون مضمونا فلا يضمن بحال كما لا تضمن الوديعة بحال وقد يروى من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله أن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه ضمن الغسال والصباغ وقال لا يصلح الناس إلا ذلك أخبرنا بذلك إبراهيم بن أبى يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضى الله تعالى عنه قال ذلك ويروى عن عمر تضمين بعض الصناع من وجه أضعف من هذا ولم نعلم واحدا منهما يثبت وقد روى عن علي بن أبى طالب أنه كان لا يضمن أحدا من الاجراء من وجه لا يثبت مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وثابت عن عطاء بن أبى رباح أنه قال لا ضمان على صانع ولا على أجير فأما ما جنت أيدى الاجراء والصناع فلا مسألة فيه وهم ضامنون كما يضمن المستودع ما جنت يده والجناية لا تبطل عن أحد وكذلك لو تعدوا ضمنوا (قال الربيع) الذى يذهب إليه الشافعي فيما رأيته أنه لا ضمان على الصناع إلا ما جنت أيديهم ولم يكن يبوح بذلك خوفا من الصناع.
باب الغصب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اغتصب الرجل الجارية فباعها وأعتقها المشترى فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول البيع والعتق فيها باطل لا يجوز لانه باع ما لا يملك وأعتق ما لا يملك وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اغتصب الرجل الجارية فأعتقها أو باعها ممن أعتقها أو اشتراها شراء فاسدا فأعتقها أو باعها ممن أعتقها فالبيع باطل وإذا بطل البيع لم يجز عتق المبتاع لانه غير مالك وهى مملوكة للمالك الاول البائع بيعا فاسدا ولو تناسخها ثلاثون مشتريا فأكثر وأعتقها أيهم شاء إذا لم يعتقها البائع الاول فالبيع كله باطل ويترادون لانه إذا كان بيع المالك الاول الصحيح الملك فاسدا فباعها الذى لا يملكها فلا يجوز بيعه فيها بحال ولا بيع من باع الملك عنه والبيع إذا كان فاسدا لم يملك به ومن أعتق ما لا يملك لم يجز عتقه.
وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها ثم اطلع المشترى على عيب كان بها دلسه البائع له فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ليس له أن يردها بعد الوطئ وكذلك بلغنا عن علي بن أبى طالب(7/102)
رضى الله عنه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ولكنه يقول يرجع عليه بفضل ما بين الصحة والعيب من الثمن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يردها ويرد معها مهر مثلها والمهر في قوله يأخذ العشر من قيمتها ونصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك.
ولو أن المشترى لم يطأ الجارية ولكنه حدث بها عيب عنده لم يكن له أن يردها في قول أبى حنيفة ولكنه يرجع بفضل ما بين العيب والصحة وبه يأخذ صاحبه وكان ابن أبى ليلى يقول يردها ويرد ما نقصها العيب الذى حدث عنده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل الجارية ثيبا فأصابها ثم ظهر منها على عيب كان عند البائع كان له ردها لان الوطئ لا ينقصها شيئا وإنما ردها بمثل الحال التى أخذها بها وإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخراج بالضمان ورأينا الخدمة كذلك كان الوطئ أقل ضررا عليها من خدمة أو خراج لو أدته بالضمان وإن كانت بكرا فأصابها فيما دون الفرج ولم يفتضها فكذلك وإن افتضها لم يكن له ردها من قبل أنه قد نقصها بذهاب العذرة فلا يجوز له أن يردها ناقصة كما لم يكن يجوز عليه أن يأخذها ناقصة ويرجع بما نقصها العيب الذى دلس له من أصل الثمن الذى أعطى فيها إلا أن يشاء البائع أن يأخذها ناقصة
فيكون ذلك له إلا أن يشاء المشترى أن يحبسها معيبة الثمن الذى أعطى فيها إلا أن يشاء البائع أن يأخذها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يشاء المشترى أن يحبسها معيبة ولا يرجع بشئ من العيب ولا نعلمه ثبت عن عمر ولا علي ولا خلافهما أنه قال خلاف هذا القول.
وإذا اشترى الجارية فوطئها فاستحقها رجل فقضى له بها القاضى فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول على الواطئ مهر مثلها على مثل ما يتزوج به الرجل مثلها يحكم به ذوا عدل ويرجع بالثمن على الذى باعه ولا يرجع بالمهر وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول على الواطئ المهر على ما ذكرت لك من قوله ويرجع على البائع بالثمن والمهر لانه قد غره منها فأدخل عليه بعضهم فقال وكيف يرجع عليه في قول ابن أبى ليلى بما أحدث وهو الذى وطئ ؟ أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه أو أهلكه فاستحقه رجل وضمنه بالقيمة أليس إنما يرجع على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها ثم استحقها رجل أخذها ومهر مثلها من الواطئ ولا وقت لمهر مثلها إلا ما ينكح به مثلها ويرجع المشترى على البائع بثمن الجارية الذى قبض منه ولا يرجع بالمهر الذى أخذه رب الجارية منه لانه كشئ استهلكه هو فإن قال قائل من أين قلت هذا ؟ قيل له لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تزوج بغير إذن وليها أن نكاحها باطل وأن لها إن أصيبت المهر كانت الاصابة بشبهة توجب المهر ولا يكون للمصيب الرجوع على من غره لانه هو الآخذ للاصابة ولو كان يرجع به على من غره لم يكن للمرأة عليه مهر لانها قد تكون غارة له فلا يجب لها ما يرجع به عليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل الجارية قد دلس له فيها بعيب علمه البائع أو لم يعلمه فسواء في الحكم والبائع آثم في التدليس إن كان عالما فإن حدث بها عند المشترى عيب ثم اطلع على العيب الذى دلس له لم يكن له ردها وإن كان العيب الذى حدث بها عنده أقل عيوب الرقيق وإذا كان مشتريا فكان له أن يردها بأقل العيوب لان البيع لا يلزمه في معيب إلا أن يشاء فكذلك عليه للبائع مثل ما كان له على البائع ولا يكون له أن يرد على البائع بعد العيب الذى حدث في ملكه كما لم يكن للبائع أن يلزمه البيع وفيه عيب كان في ملكه وهذا معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه قضى أن يرد العبد بالعيب وللمشترى إذا حدث العيب عنده أن يرجع بما نقصها العيب الذى
دلس له البائع ورجوعه به كما أصف لك أن تقوم الجارية سالمة من العيب فيقال قيمتها مائة ثم تقوم(7/103)
وبها العيب فيقال قيمتها تسعون وقيمتها يوم قبضها المشترى من البائع لانه يومئذ تم البيع ثم يقال له ارجع بعشر ثمنها على البائع كائنا ما كان قل أو كثر فإن اشتراها بمائتين رجع بعشرين وإن كان اشتراها بخمسين رجع بخمسة إلا أن يشاء البائع ان يأخذها معيبة بلا شئ يأخذه من المشترى فيقال للمشترى سلمها إن شئت وإن شئت فأمسكها ولا ترجع بشئ.
وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضى احدهما بالعيب ولم يرض الآخر فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ليس لواحد منهما ان يرد حتى يجتمعا على الرد جميعا وكان ابن ابي ليلى يقول لاحدهما ان يرد حصته وان رضى الآخر بالعيب وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجلان الجارية صفقة واحدة من رجل فوجدا بها عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر التمسك فللذي اراد الرد الرد وللذي اراد التمسك التمسك لان موجودا في بيع الاثنين أنه باع كل واحد منهما النصف فالنصف لكل واحد كالكل لو باعه كما لو باع لاحدهما نصفها وللاخر نصفها ثم وجدا بها عيبا كان لكل واحد منها رد النصف والرجوع بالثمن الذي أخذ منه وكان لكل واحد منهما أن يمسك وإن رد صاحبه.
وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نحل وفيه ثمر ولم يشترط شيئا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الثمر للبائع إلا أن يشترط ذلك المشترى.
وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول من اشترى نخلا له ثمر مؤبر فثمره للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري ومن اشترى عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك المشترى وبه يأخذ وكان بن أبي ليلى يقول الثمرة للمشترى وإن لم يشترط لان ثمرة النخل من النخل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل من الرجل النخل قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط ذلك المبتاع وإن كانت لم تؤبر فثمرتها للمشترى لان ثمرها غير منكشف إلا في وقت الابار والابار حين يبدو الانكشاف وما لم يبد الانكشاف في الثمر فهو كالجنين في بطن أمه يملكه من ملك أمه وإذا بدا منه الانكشاف كان كالجنين قد زايل أمه وهذا كله في معنى السنة فإن اشترى عنبا أو تينا أو ثمرا أي ثمر ما كان بعد ما طلع صغيرا كان أو كبيرا فالثمرة للبائع وذلك أنها منكشفة لا حائل دونها في
مثل معنى النخل المؤبر، وهكذا إذا باع عبدا له مال فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع وهذا كله مثل السنة نصا أو شبيه بمعناها لا يخالفه.
باب الاختلاف في العيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو الدابة أو الثوب أو غير ذلك فوجد المشترى به عيبا وقال بعتني وهذا العيب به فأنكر ذلك البائع فعلى المشترى البينة فإن لم تكن له البينة فعلى البائع اليمين بالله لقد باعه وما هذا العيب به فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا أرد اليمين عليه ولا يحولها عن الموضع الذي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول مثل قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أنه إذا اتهم المدعى رد اليمين عليه فيقال احلف وردها فإن أبى أن يحلف لم يقبل منه وقضى عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل الدابة أو الثوب أو أي بيع ما كان فوجد المشترى به عيبا فاختلف المشترى والبائع فقال البائع حدث عندك وقال المشترى بل عندك فإن كان عيبا يحدث مثله بحال فالقول قول البائع مع يمينه على البت بالله لقد باعه وما هذا العيب به إلا أن يأتي المشترى على(7/104)
دعواه ببينة، فتكون البينة اولى من اليمين وان نكل البائع رددنا اليمين على المشترى اتهمناه أو لم نتهمه فإن حلف رددنا على السلعة بالعيب وإن نكل عن اليمين لم نرددها عليه ولم نعطه بنكول صاحبه فقط إنما نعطيه بالنكول إذا كان مع النكول يمينه، فإن قال قائل ما دل على ما ذكرت ؟ قيل قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للانصاريين بالايمان يستحقون بها دم صاحبهم فنكلوا ورد الايمان على يهود يبرءون بها ثم رأى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه الايمان على المدعى عليهم الدم يبرءون بها فنكلوا فردها على المدعين ولم يعطهم بالنكول شيئا حتى رد الايمان وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم النص المفسرة تدل على سنته الجملة وكذلك قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) ثم قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ذلك جملة دل عليها نص حكم كل واحدة منهما والذي قال لا يعدو باليمين المدعى عليهم
يخالف هذا فيكثر ويحمل الحديث ما ليس فيه وقد وضعنا هذا في كتاب الاقضية واليمين بين المتبايعين على البت فيما تبايعا فيه، وإذا باع الرجل بيعا فبرئ من كل عيب فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول البراءة من كل ذلك جائزة ولا يستطيع المشترى أن يرده بعيب كائنا ما كان ألا ترى أنه لو أبرأه من الشجاج برئ من كل شجة ولو أبرأه من القروح برئ من كل قرحة وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يبرأ من ذلك حتى يسمى العيوب كلها باسمائها ولم يذكر أن يضع يده عليها، (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: وإذا باع الرجل العبد أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي نذهب إليه - والله تعالى أعلم - قضاء عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه أنه برئ من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ويقفه عليه وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا وأن فيه معنى من المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه وذلك أن ما كانت فيه الحياة فكان يتغذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر فإذا خفى على البائع أبرئه ببرئه منه فإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر وتقع التسمية على ذلك فلا يبرئه منه إلا أن يقفه عليه وإن أصح في القياس لولا التقليد وما وصفنا من تفريق الحيوان غيره لان لا يبرأ من عيب كان به لم يره صاحبه ولكن التقليد وما وصفنا أولى بما وصفناه، وإذا اشترى الرجل دابة أو خادما أو دارا أو ثوبا أو غير ذلك فادعى فيه رجل دعوى ولم يكن للمدعى على دعواه بينة فأراد أن يستحلف المشترى الذي في يديه ذلك المتاع على دعواه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول اليمين عليه البتة بالله ما لهذا فيه حق وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليه أن يحلف بالله ما يعلم أن لهذا فيه حقا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى اليمين عليه بالبت ما لهذا فيه حق ويسعه ذلك إذا لم يكن يعلم لهذا فيه حقا وهكذا عامة الايمان والشهادات، وإذا اشترى المشترى بيعا على أن البائع بالخيار شهرا أو على أن المشترى بالخيار شهرا فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول البيع فاسد ولا يكون الخيار فوق ثلاثة أيام بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول من اشترى شاة محفلة فهو بخير النظرين ثلاثة أيام إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر أو صاعا من شعير فجعل الخيار كله على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبن أبي ليلى يقول الخيار جائز شهرا كان أو سنة وبه يأخذ (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل العبد أو أي سلعة ما اشترى على أن البائع بالخيار أو المشترى أو هما معا إلى مدة يصفانها فإن كانت المدة ثلاثا أو أقل فالبيع جائز وإن كانت أكثر من ذلك بطرفة عين فأكثر فالبيع منتقض فإن قال قائل وكيف جاز الخيار ثلاثا ولم يجز أكثر من ثلاث ؟ قيل لولا الخبر عن(7/105)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاز أن يكون الخيار بعد تفرق المتبايعين ساعة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل لهما الخيار إلى أن يتفرقا وذلك أن رجل لا يجوز أن يدفع ماله إلى البائع ويدفع البائع جاريته للمشترى فلا يكون للبائع الانتفاع بثمن سلعته ولا للمشترى أن ينتفع بجاريته ولو زعمنا أن لهما أن ينتفعا زعمنا أن عليهما إن شاء أحدهما أن يرد رد فإذا كان من أصل مذهبنا أنه لا يجوز أن أبيع الجارية على أن لا يبيعها صاحبها لانى إذا شرطت عليه هذا فقد نقصته من الملك شيئا ولا يصلح أن أملكه بعوض آخذه منه إلا ما ملكه عليه تام فقد نقصته بشرط الخيار كل الملك حتى حظرته عليه وأصل البيع على الخيار لولا الخبر كان ينبغى أن يكون فاسدا لانا نفسد البيع بأقل منه مما ذكرت فلما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصراة خيار ثلاث بعد البيع وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه جعل (1) لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع انتهينا إلى ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيار ولم نجاوزه إذا لم يجاوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك أن أمره به يشبه أن يكون كالحد لغايته من قبل أن المصراة قد تعرف تصربتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفى يومين حتى لا يشك فيها فلو كان الخيار إنما هو ليعلم استبانة عيب النصربة ؟ أشبه أن يقال له الخيار حتى يعلم أنها مصراة طال ذلك أو قصر كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت طال ذلك أو قصر ولو كان خيار حبان إنما كان لاستشارة غيره أمكنه أن يستشيره في مقامه وبعده بساعة وأمكن فيه أن يدع الاستشارة دهرا فكان الخبر دل على أن خيار ثلاث أقصى غاية الخيار فلم يجز لنا أن نجاوزه ومن جاوزه كان عندنا مشترطا بيعا فاسدا (قال) وإذا اشترى الرجل بيعا على أن البائع بالخيار يوما وقبضه المشترى فهلك عنده فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول المشترى ضامن بالقيمة لانه أخذه على بيع وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو أمين في ذلك لا شئ عليه فيه ولو أن الخيار كان للمشترى فهلك عنده فهو
عليه بثمنه الذى اشتراه به في قولهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل العبد بالخيار ثلاثا أو أقل وقبضه فمات العبد في يدى المشترى فهو ضامن لقيمته وإنما منعنا أن نضمنه ثمنه أن البيع لم يتم فيه ومنعنا أن نطرح الضمان عنه أنه لم يأخذه إلا على بيع يأخذ من المشترى به عوضا فلا نجعل البيع إلا مضمونا ولا وجه لان يكون أمينا فيه إنما يكون الرجل أمينا فيما لا يملك ولا ينتفع به منفعة عاجلة ولا آجلة وإنما يمسكه لمنفعة ربه لا لمنفعة نفسه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسواء في ذلك كان الخيار للبائع أو للمشترى لان البيع لم يتم فيه حتى مات، وإذا اشترى الرجل الجارية فباع نصفها ولم يبع النصف الآخر ثم وجد بها عيبا قد كان البائع دلسه له فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا يستطيع أن يرد ما بقى منها ولا يرجع بما نقصها العيب، ويقول رد الجارية كلها كما أخذتها وإلا فلا حق لك وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول يرد ما في يده منها على البائع بقدر ثمنها وكذلك قولهما في الثياب وفي كل بيع (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو الثوب أو السلعة فباع نصفها من رجل ثم ظهر منها على عيب دلسه البائع لم يكن له أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع ولا يرجع عليه بشئ من نقص العيب من أصل الثمن ويقال له ردها كما هي أو احبس وإنما يكون له أن يرجع بنقص العيب إذا ماتت الجارية أو أعتقت
__________
(1) هو بفتح الحاء المهملة وشد الباء الموحدة، وتقدم في الجزء الثالث (حيان بن سعد) وهو خطأ، فتنبه.(7/106)
فصارت لا ترد بحال أو حدث بها عنده عيب فصار ليس له أن يردها عليه بحال فأما إذا باعها أو باع بعضها فقد يمكن أن يردها وإذا أمكن أن يردها فيلزم ذلك البائع لم يكن له أن يردها ويرجع بنقص العيب كما لا يكون له أن يمسكها بيده ويرجع بنقص العيب (1) (قال) وإذا اشترى الرجل عبدا واشترط فيه شرطا أن يبيعه من فلان أو يهبه لفلان أو على أن يعتقه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول البيع في هذا فاسد وبه يأخذ وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه نحو من ذلك وكان ابن أبى ليلى يقول البيع جائز والشرط باطل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل الرجل العبد على أن لا يبيعه من فلان أو على أن لا يستخدمه أو على أن ينفق عليه كذا أو على أن
يخارجه فالبيع فيه كله فاسد لان هذا كله غير تمام ملك ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق لما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه فالبيع جائز فإن قال رجل ما فرق بين العتق وغيره قيل قد يكون لى نصف العبد فأهبه وأبيعه وأصنع فيه ما شئت غير العتق فلا يلزمنى ضمان نصيب شريكي فيه ولا يخرج نصيب شريكي من يده لان كلا مالك لما ملك فإن أعتقته وأنا موسر عتق على نصيب شريكي الذى لا أملك ولم أعتق وضمنت قيمته وخرج من يدى شريكي بغير أمره وأعتق الحمل فتلده لاقل من ستة أشهر فيقع عليه العتق ولو بعته لم يجز البيع مع خلافه لغيره في هذا وفي أم الولد والمكاتب وما سواهما (قال) وإذا كان لرجل على رجل مال من بيع فحل المال فأخره عنه إلى أجل آخر فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول تأخيره جائز وهو إلى الاجل الآخر الذى أخره عنه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح منهما.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل مال حال من سلف أو من بيع أو أي وجه كان فأنظره صاحب المال بالمال إلى مدة من المدد كان له أن يرجع في النظرة متى شاء وذلك أنها ليست بإخراج شئ من ملكه إلى الذى عليه الدين ولا شيئا أخذ منه به عوضا فنلزمه إياه للعوض الذى يأخذه منه أو نفسده ويرد العوض ولا فرق بين السلف وبين البيع إلا أن يتفاسخا في البيع والمبيع قائم فيجعلانه بيعا غيره بنظرة أو يتداعيان فيه دعوى فيصيرانه بيعا مستأنفا إلى أجل فيلزمها البيع الذى أحدثاه، ولو أن رجلا كان له على رجل مال فتغيب عنه المطلوب حتى حط عنه بعض ذلك المال على أن يعطيه بعضه ثم ظهر له بعد فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ما حط عنه من ذلك المال فهو جائز.
وكان ابن أبى ليلى يقول: له أن يرجع فيما حط عنه لانه تغيب عنه وبه يأخذ ولو أن الطالب قال إن ظهر لى فله مما عليه كذا وكذا لم يكن قوله هذا يوجب عليه شيئا في قولهم جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تغيب الرجل عليه الدين من الرجل فحط عنه وهو متغيب شيئا وأخذ منه البقية ثم قال إنما حططت عنه للتغيب فليس له أن يرجع فيما حط
__________
(1) في بعض النسخ هنا زيادة هذا نصها: (قال الربيع) إذا بعتك عبدا على أن لا تبيعه أو شيئا سواه أو شرطت عليك فيه شرطا ليس يلزمك في عبدك إلا أن تشاء فالبيع فيه باطل من قبل أنى إذا ملكت عليك العوض منه فلك أن تملكه كما كنت أنا مالكه فإذا بعتك على
أن لا تبيعه فقد نقصتك مما كنت أملكه لانه كان لى أن أبيع وأصنع به ما شئت وإذا نقصتك مما كنت أنا أملك فيه فلم تملكه ملكا تاما كما كنت أنا مالكا إلا العتق وحده بحديث بريرة فإن هذا خاص مستخرج من العام ألا ترى أنى لو وهبت لك نصف عبد لم يكن على لك أن أهب لك النصف الآخر وإذا أعتقت نصف عبد لى قوم على عتق الباقي إذا كنت موسرا فالعتق خلاف غيره من جميع الاشياء اه.(7/107)
عنه ولا يكون هذا من معاني الاكراه التى نطرحها عمن أكره عليها لان الاكراه موضوع عن العبد فيما بينه وبين الله وفي الحكم وليس هذا إكراها قد كان يظهر له بعد التغيب ويعدى عليه في التغيب ويظن أنه غاب عنه ولم يغب.
ولو قال الطالب إن ظهر لى فله وضع كذا فظهر له لم يكن له وضع لانه عطية مخاطرة.
وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك البيع فاسد.
وكان ابن أبى ليلى يقول البيع جائز والمال حال وكذلك قولهما في كل مبيع إلى أجل لا يعرف فإن استهلكه المشترى فعليه القيمة في قول أبى حنيفة وإن حدث به عيب رده ورد ما نقصه العيب وإن كان قائما بعينه فقال المشترى لا أريد الاجل وأنا أنقد لك المال جاز ذلك له في هذا كله في قول أبى حنيفة وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء فالبيع فاسد من قبل أن الله عزوجل أذن بالدين إلى أجل مسمى والمسمى الموقت بالاهلة التى سمى الله عزوجل فإنه يقول (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) والاهلة معروفة المواقيت وما كان في معناها من الايام المعلومات فإنه يقول (في أيام معلومات) والسنين فإنه يقول (حولين كاملين) وكل هذا الذى لا يتقدم ولا يتأخر والعطاء لم يكن قط فيما علمت ولا نرى أن يكون أبدا إلا يتقدم ويتأخر ولو اجتهد الامام غاية جهده لدخله التقدم والتأخر (أخبرنا الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال لا تبايعوا إلى العطاء ولا إلى الاندر ولا إلى العصير (قال الشافعي) وهذا كله كما قال لان هذا يتقدم ويتأخر وكل بيع إلى أجل غير معلوم فالبيع فيه فاسد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن هلكت السلعة التى ابتيعت إلى أجل غير معلوم في يدى المشترى رد القيمة وإن نقصت في يديه بعيب ردها وما نقصها العيب فإن قال المشترى أنا
أرضى السلعة بثمن حال وأبطل الشرط بالاجل لم يكن ذلك له إذا انعقد البيع فاسدا لم يكن لاحدهما أن يصلحه دون الآخر ويقال لمن قال قول أبى حنيفة أرأيت إذا زعمت أن البيع فاسد فمتى صلح فإن قال صلح بإبطال هذا شرطه قيل له فلهذا أن يكون بائعا مشتر أو إنما هذا مشتر ورب السلعة بائع.
فإن قال بل رب السلعة بائع قيل له فهل أحدث رب السلعة بيعا غير البيع الاول ؟ فإن قال: لا، قيل فقولك متناقض تزعم أن بيعا فاسدا حكمه كما لم يصر فيه بيع يصير بيعا من غير أن يبيعه مالكه.
باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل ثمرا قبل أن يبلغ من أصناف الغلة كلها فإن ابا حنيفة رحمه الله تعالى قال إذا لم يشترط ترك ذلك الثمر إلى أن يبلغ فإن البيع جائز ألا ترى أنه لو اشترى قصيلا يقصله على دوابه قبل أن يبلغ كان ذلك جائزا ؟ قل ولو اشترى شيئا من الطلع حين يخرج فقطعه كان جائزا وإذا اشتراه ولم يشترط تركه فعليه أن يقطعه فإذا استأذن صاحبه في تركه فأذن له في ذلك فلا بأس بذلك وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا خير في بيع شئ من ذلك حتى يبلغ ولا بأس إذا اشترى شيئا من ذلك قد بلغ أن يشترط على البائع تركه إلى أجل وكان أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه يقول لا خير في هذا الشرط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل أصنافا من الثمار قبل أن يبدو صلاحها فالبيع فاسد لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ولو اشتراه ولم يسم قطعه ولا تركه قبل أن يبدو صلاحه كان البيع فيه فاسدا لانه إنما يشترى ثم(7/108)
يترك إلى أن يبلغ إبانه ولا يحل بيعه منفردا حتى يبدو صلاحه إلا أن يشترى منه شيئا يراه بعينه على أن يقطع مكانه فلا يكون به بأس كما لا يكون به بأس إذا كان موضوعا بالارض فليس هذا من المعنى الذى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمرة أن تباع حتى يبدو صلاحها وقال أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تنجو من العاهة وإنما يمنع من الثمرة ما يترك إلى مدة يكون المنع دونها وكذلك إنما تأتى العاهة على ما يترك إلى مدة تكون العاهة دونها فأما ما يقطع مكانه فهو كالموضوع بالارض، وإذا
اشترى الرجل أرضا فيها نخل فيها حمل فلم يذكر النخل ولا الحمل فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول النخل للمشترى تبعا للارض والثمرة للبائع إلا أن يشترط المشترى.
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اشترى نخلا مؤبرا فثمرته للبائع إلا أن يستثنيه المشترى) وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول: الثمرة للمشترى (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل وفى النخل ثمرة فالثمرة للبائع إذا كان قد أبر وإن لم يؤبر فهو للمشترى والارض بالنخل للمشترى (قال) وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من دار غير مقسومة أو عشرة أجرية من أرض غير مقسومة فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول في ذلك كله البيع باطل ولا يجوز لانه لا يعلم ما اشترى كم هو من الدار وكم هو من الارض وأين موضعه من الدار والارض.
وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول هو جائز في البيع وبه يأخذ وإن كانت الدار لا تكون مائة ذراع فالمشترى بالخيار إن شاء ردها وإن شاء رجع بما نقصت الدار على البائع في قول ابن ابى ليلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل من الدار ثلثا أو ربعا أو عشرة أسهم من مائة سهم من جميعها فالبيع جائز وهو شريك فيها بقدر ما اشترى (قال الشافعي) وهكذا لو اشترى نصف عبد أو نصف ثوب أو نصف خشبة ولو اشترى مائة ذراع من دار محدودة ولم يسم أذرع الدار فالبيع باطل من قبل أن المائة قد تكون نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل فيكون قد اشترى شيئا غير محدود ولا محسوب معروف كم قدره من الدار فنجيزه ولو سمى ذرع جميع الدار ثم اشترى منها مائة ذراع كان جائزا من قبل أن هذا منها سهم معلوم من جميعها وهذا مثل شرائه سهما من أسهم منها، ولو قال اشترى منك مائة ذراع آخذها من أي الدار شئت كان البيع فاسدا * وإن كانت الآجام محظورة وقد حظر فيها سمك فاشتراه رجل فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا يجوز ذلك.
بلغنا عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر) وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وإبراهيم النخعي وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول في هذا شراؤه جائز لا بأس به وكذلك بلغنا عن عمر بن عبد العزيز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان السمك في بئر (1) أو ما جل أو أجمة محظورة وكان البائع والمشترى يريانه فباعه مالكه أو شيئا منه يراه بعينه وهو لا يؤخذ حتى يصاد فالبيع فيه باطل
من قبل أنه ليس ببيع صفة مضمونة ولا بيع عين مقدور عليها حين تباع فيدفع وقد يمكن أن يموت فينتن قبل أن يقبض فيكون على مشتريه في موته المخاطرة في قبضه ولكنه لو كان في عين ماء لا يمتنع فيه ويؤخذ باليد مكانه جاز بيعه كما يجوز إذا أخرج فوضع على الارض، وإذا حبس الرجل في الدين وفلسه القاضى فباع في السجن واشترى وأعتق أو تصدق يصدقة أو وهب هبة فإن أبا حنيفة رضى الله
__________
(1) الماجل: كل ماء في أصل جبل أو واد والاجمة الشجر الملتف فتنبه.
كتبه مصححه.(7/109)
تعالى عنه كان يقول هذا كله جائز ولا يباع شئ من ماله في الدين وليس بعد التفليس شئ الا ترى أن الرجل قد يفلس اليوم ويصيب غدا مالا وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا عتقه ولا هبته ولا صدقته بعد التفليس فيبيع ماله ويقضيه الغرماء وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى مثل قول ابن أبى ليلى ما خلا العتاقة في الحجر وليس من قبيل التفليس ولا نجيز شيئا سوى العتاقة من ذلك أبدا حتى يقضى دينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز بيع الرجل وجميع ما أحدث في ماله كان ذا دين أو غير ذى دين وذا وفاء أو غير ذى وفاء حتى يستعدى عليه في الدين فإذا استعدى عليه فثبت عليه شئ أو أقر منه بشئ انبغى للقاضى أن يحجر عليه مكانه ويقول قد حجرت عليه حتى أقضى دينه وفلسته ثم يحصى ماله ويأمره بأن يجتهد في التسوم ويأمر من يتسوم به ثم ينفذ القاضى فيه البيع بأغلى ما يقدر عليه فيقضى دينه فإذا لم يبق عليه دين أحضره فأطلق الحجر عنه وعاد إلى أن يجوز له في ماله كل ما صنع إلى أن يستعدى عليه في دين غيره وما استهلك من ماله في الحالة التى حجر فيها عليه ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك فهو مردود وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة فباعه بالنسيئة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو جائز وبه يأخذ وكان ابن ابى ليلى يقول البيع جائز والمأمور ضامن لقيمة المتاع حتى يدفعه لرب المتاع فإذا خرج الثمن من عند المشترى وفيه فضل عن القيمة فإنه يرد ذلك الفضل على رب المتاع وإن كان أقل من القيمة لم يضمن غير القيمة الماضية ولم يرجع البائع على رب المتاع بشئ والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دفع الرجل إلى الرجل سلعة فقال بعها ولم يقل بنقد ولا بنسيئة ولا بما رأيت من نقد أو نسيئة
فالبيع على النقد فإن باعها بنسيئة كان له نقض البيع بعد أن يحلف بالله ما وكل أن يبيع إلا بنقد فإن فاتت فالبائع ضامن لقيمتها فإن شاء أن يضمن المشترى ضمنه فإن ضمن البائع لم يرجع البائع على المشترى وإن ضمن المشترى رجع المشترى على البائع بالفضل مما أخذ رب السلعة عما ابتاعها به لانه لم يؤخذ منه إلا ما لزمه من قيمة السلعة التى أتلفها إذا كان البيع فيها لم يتم (قال) وإذا اختلف البيعان فقال البائع بعتك وأنا بالخيار وقال المشترى بعتني ولم يكن لك خيار فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول القول قول البائع مع يمينه وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول المشترى وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تبايع الرجلان عبدا وتفرقا بعد البيع ثم اختلفا فقال البائع بعتك على أنى بالخيار ثلاثا وقال المشترى بعتني ولم تشترط خيارا تحالفا وكان المشترى بالخيار في فسخ البيع أو يكون للبائع الخيار وهذا - والله تعالى أعلم - كاختلافهما في الثمن نحن ننقض البيع باختلافهما في الثمن وننقضه بادعاء هذا أن يكون له الخيار وأنه لم يقر بالبيع إلا بخيار.
وكذلك لو ادعى المشترى الخيار كان القول فيه هكذا (قال) وإذا باع الرجل جارية بجارية وقبض كل واحد منهما ثم وجد أحدهما بالجارية التى قبض عيبا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول يردها ويأخذ جاريته لان البيع قد انتقض وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يردها ويأخذ قيمتها صحيحة وكذلك قولهما في جميع الرقيق والحيوان والعروض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا بايع الرجل الرجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد أحدهما بالجارية التى قبض عيبا ردها وأخذ الجارية التى باع بها وانتقض البيع بينهما وهكذا جميع الحيوان والعروض وهكذا إن كانت مع إحداهما دراهم أو عرض من العروض وإن ماتت الجارية في يدى أحد الرجلين فوجد الآخر عيبا بالجارية الحية ردها وأخذ قيمة الجارية الميتة لانها هي الثمن الذى دفع كما يردها ويأخذ الثمن الذى دفع، وإذا اشترى الرجل بيعا لغيره بأمره فوجد به عيبا فإن أبا حنيفة(7/110)
رضى الله تعالى عنه كان يقول يخاصم المشترى ولا نبالي أحضر الآمر أم لا ولا نكلف المشترى أن يحضر الآمر ولا نرى على المشترى يمينا إن قال البائع الآمر قد رضى بالعيب وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يستطيع المشترى أن يرد السلعة التى بها العيب حتى يحضر الآمر فيحلف ما رضى بالعيب ولو كان
غائبا بغير ذلك البلد، وكذلك الرجل معه مال مضاربة أتى بلادا يتجر فيها بذلك المال فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ما اشترى من ذلك فوجد به عيبا فله أن يرده ولا يستحلف على رضا الآمر بالعيب وكان ابن أبى ليلى يقول لا يستطيع المشترى المضارب أن يرد شيئا من ذلك حتى يحضر رب المال فيحلف بالله ما رضى بالعيب وإن لم ير المتاع وإن كان غائبا أرأيت رجلا أمر رجلا فباع له متاعا أو سلعة فوجد المشترى به عيبا أيخاصم البائع في ذلك أو نكلفه أن يحضر الآمر رب المتاع ألا ترى أن خصمه في هذا البائع ولا نكلفه أن يحضر الآمر ولا خصومة بينه وبينه فكذلك إذا أمره فاشترى له فهو مثل أمره بالبيع أرأيت لو اشترى متاعا ولم يره أكان للمشترى الخيار إذا رآه ام لا يكون له خيار حتى يحضر الآمر ؟ أرأيت لو اشترى عبدا فوجده اعمى قبل أن يقبضه فقال لا حاجة لى فيه أما كان له أن يرده بهذا حتى يحضر الآمر ؟ بلى له أن يرده ولا يحضر الآمر (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا وكل الرجل الرجل أن يشترى سلعة بعينها أو موصوفة أو دفع إليه ما لا قراضا فاشترى به تجارة فوجد بها عيبا كان له أن يرد ذلك دون رب المال لانه المشترى وليس عليه أن يحلف بالله ما رضى رب المال وذلك أنه يقوم مقام المالك فيما اشترى لرب المال ألا ترى أن رب المال لو قال لا أرضى بما اشترى لم يكن له خيار فيما ابتاع ولزمه البيع ولو اشترى شيئا فحابى فيه لم ينتقض البيع وكانت التباعة لرب المال على الوكيل لا على المشترى منه.
وكذلك تكون التباعة للمشترى على البائع دون رب المال فان ادعى البائع على المشترى رضا رب حلف على علمه لا على البت.
وإذا باع الرجل ثوبا مرابحة على شئ مسمى فباع المشترى الثوب ثم وجد البائع قد خانه في المرابحة وزاد عليه في المرابحة.
فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول البيع جائز لانه قد باع الثوب ولو كان عنده الثوب كان له أن يرده ويأخذ ما نقد إن شاء ولا يحطه شيئا وكان ابن أبى ليلى يقول تحط عنه تلك الخيانة وحصتها من الربح وبه يأخذ (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثوبا مرابحة فباعه ثم وجد البائع الاول الذى باعه مرابحة قد خانه في الثمن فقد قيل تحط عنه الخيانة بحصتها من الربح ويرجع عليه به ولو كان الثوب قائما لم يكن له أن يرده وإنما منعنا من إفساد البيع وأن يرده إذا كان قائما ويجعله بالقيمة إذا كان فائتا أن البيع لم ينعقد على محرم عليهما معا وإنما انعقد على محرم على الخائن منهما فإن
قال قائل ما يشبه هذا مما يجوز فيه البيع بحال والبائع فيه غار ؟ قيل يدلس الرجل للرجل العيب فيكون التدليس محرما عليه وما أخذ من ثمنه محرما كما كان ما أخذ من الخيانة محرما ولا يكون البيع فاسدا فيه ولا يكون للبائع الخيار في رده وقيل للمشترى الخيار في أخذه بالثمن الذى سمى له أو فسخ البيع لانه لم ينعقد إلا بثمن مسمى فإذا وجد غيره فلم يرض به المشترى فسد البيع لانه يرد إلى ثمن مجهول عند المشترى لم يرض به البائع، وإذا اشترى الرجل للرجل سلعة فظهر فيها عيب قبل أن ينقد الثمن فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول: له أن يردها إن أقام البينة على العيب وبه يأخذ وكان ابن ابى ليلى رحمه الله تعالى يقول: لا أقبل شهودا على العيب حتى ينقد الثمن (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل السلعة وقبضها ونقد ثمنها أو لم ينقده حتى ظهر منها على عيب يقر به البائع أو يرى أو يشهد عليه فله الرد قبل النقد كما له الرد بعد النقد، وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارا أو متاعا من غير حاجة ولا(7/111)
عذر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز ذلك على ابنه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول بيعه عليه جائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الرجل يلى ماله نفسه فباع أبوه عليه شيئا من ماله بأكثر مما يسوى أضعافا أو بغير ما يسوى في غير حاجة أو حاجة نزلت بأبيه فالبيع باطل وهو كالأجنبي في البيع عليه ولا حق له في ماله إلا أن يحتاج فينفق عليه بالمعروف وكذلك ما استهلك من ماله.
وإذا باع الرجل متاعا لرجل والرجل حاضر ساكت فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا يجوز ذلك عليه وليس سكوته إقرارا بالبيع وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول سكوته إقرار بالبيع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا باع الرجل ثوبا لرجل أو خادما والرجل المبيع ثوبه أو خادمه حاضر البيع لم يوكل البائع ولم ينهه عن البيع ولم يسلمه فله رد البيع ولا يكون صمته رضا بالبيع إنما يكون الصمت رضا البكر وأما الرجل فلا (قال) وإذا باع الرجل نصيبا من داره ولم يسم ثلثا أو ربعا أو نحو ذلك أو كذا وكذا سهما فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز البيع على هذا الوجه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى له الخيار إذا علم إن شاء أخذ وإن شاء ترك وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول إذا كانت الدار بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم يسم وإن كانت أسهما كثيرة لم
يجز حتى يسمى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار بين ثلاثة فقال أحدهم لرجل بعتك نصيبا من هذه الدار ولم يقل نصيبي فالبيع باطل من قبل أن النصيب منها قد يكون سهما من ألف سهم وأقل ويكون أكثر الدار فلا يجوز حتى يكون معلوما عند البائع والمشترى ولو قال بعتك نصيبي لم يجز حتى يتصادقا بأنهما قد عرفا نصيبه قبل عقد البيع، وإذا ختم الرجل على شراء فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ليس ذلك بتسليم للبيع حتى يقول سلمت وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول ذلك تسليم للبيع (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا أتى الرجل بكتاب فيه شراء باسمه وختم عليه ولم يتكلم ولم يشهد ولم يكتب فالختم ليس بإقرار إنما يكون الاقرار بالكلام وإذا بيع الرقيق والمتاع في عسكر الخوارج وهو متاع من متاع المسلمين أو رقيق من رقيقهم قد غلبوهم عليه فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا يجوز ويرد على أهله وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو جائز وإن كان المتاع قائما بعينه والرقيق قائما بعينه وقتل الخوارج قبل أن يبيعوه رد على أهله في قولهم جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ظهر الخوارج على قوم فأخذوا أموالهم مستحلين فباعوها ثم ظهر الامام على من هي في يديه أخرجها من يديه وفسخ البيع ورده بالثمن على من اشترى منه، وإذا باع الرجل المسلم الدابة من النصراني فادعاها نصراني آخر وأقام عليها بينة من النصارى فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا تجوز شهادتهم من قبل أنه يرجع بذلك على المسلم وكان ابن أبى ليلى يقول شهادتهم جائزة على النصراني ولا يرجع على المسلم بشئ وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تجوز شهادة أحد خالف الاسلام ولا تجوز الشهادة حتى يجمع الشاهدان أن يكونا حرين مسلمين بالغين عدلين غير ظنينين فيما يشهدان فيه بين المشركين ولا المسلمين ولا لاحد ولا على أحد، وإذا باع الرجل بيعا من بعض ورثته وهو مريض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز بيعه ذلك إذا مات من مرضه وكان ابن أبى ليلى يقول بيعه جائز بالقيمة وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا باع الرجل المريض بيعا من بعض ورثته بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس به ثم مات فالبيع جائز والبيع لا هبة ولا وصية فيرد، وإذا استهلك الرجل مالا لولده وولده كبير والرجل غنى فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هو دين على الاب وبه يأخذ وكان ابن أبى(7/112)
ليلى يقول لا يكون له دين على أبيه وما استهلك أبوه من شئ لابنه فلا ضمان عليه فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا استهلك الرجل لابنه مالا ما كان من غير حاجة من الاب رجع عليه الابن كما يرجع على الأجنبي ولو أعتق له عبدا لم يجز عتقه والعتق غير استهلاك فلا يجوز بحال عتق غير المالك، وإذا اشترى رجل جارية بعبد وزاد معها مائة درهم ثم وجد بالعبد عيبا وقد ماتت الجارية عند المشترى فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول يرد العبد ويأخذ منه مائة درهم وقيمة الجارية صحيحة فإن كانت الجارية هي التى وجد بها العيب وقد مات العبد رد الجارية وقسم قيمة العبد على المائة الدرهم وعلى قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة الدرهم ويرد (1) ما أصاب العبد من قيمة الجارية وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول في هذا إن وجد بالعبد عيبا رده وأخذ قيمته صحيحا وكذلك الدراهم التى هي في يديه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل جارية بعبد وزاد مع الجارية مائة درهم فتقابضا ثم ماتت الجارية فوجد بالعبد عيبا فله رد العبد وقبض المائة الدرهم التى دفع وقيمة الجارية التى دفع وإنما جعلنا قيمتها على القابض من قبل أنها لو كانت قائمة رددناها بعينها لانها ثمن العبد هي والمائة الدرهم وكذلك إن مات العبد ووجد بالجارية العيب ردها والمائة الدرهم وأخذ قيمته لانه لو كان قائما لاخذه فإذا فات فقيمته تقوم مقامه وكل من ابتاع بيعا فأصاب عيبا رده ورجع بما أعطى في ثمنه، وإذا اشترى الرجل ثوبين من رجل وقبضهما فهلك واحد ووجد بالثوب الآخر عيبا فأراد رده فاختلفا في قيمة الهالك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول القول قول البائع مع يمينه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول المشترى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل ثوبين صفقة واحدة فهلك أحدهما في يده ووجد بالآخر عيبا فاختلفا في ثمن الثوب فقال البائع قيمته عشرة وقال المشترى قيمته خمسة فالقول قول البائع من قبل أن الثمن كله قد لزم المشترى والمشترى إن أراد الثوب رده بأكثر الثمن أو أراد الرجوع بالعيب رجع به بأكثر الثمن فلا نعطيه بقوله الزيادة (قال الربيع) وفيه قول آخر للشافعي أن القول قول المشترى من قبل أنه المأخوذ منه الثمن وهو أصح القولين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى ثوبين أو شيئين في صفقة واحدة
فهلك أحدهما ووجد بالآخر عيبا فليس إلى الرد سبيل ويرجع بقيمة العيب لانه اشتراهما صفقة واحدة فليس له أن ينقضها.
باب المضاربة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعطى الرجل الرجل ثوبا يبيعه على أن ما كان فيه من ربح فبينهما نصفان أو أعطاه دارا يبنيها ويؤاجرها على أن أجرتها بينهما نصفان فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول في ذلك كله فاسد وللذى باع أجر مثله على رب الثوب ولبانى الدار أجر مثله على رب الدار وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو جائز والاجر والربح بينهما نصفان وكان ابن أبى ليلى يجعل هذا بمنزلة الارض للمزارعة والنخل للمعاملة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دفع الرجل إلى الرجل ثوبا أو سلعة يبيعها بكذا فما زاد فهو بينهما نصفان أو بقعة يبنيها على أن يكريها والكراء بينهما
__________
(1) لعله ما أصاب الجارية من قيمة العبد، تأمل.
كتبه مصححه [ * ](7/113)
نصفان فهذا فاسد فإن أدرك قبل البيع والبناء نقض وإن لم يدرك حتى يكون البيع والبناء كان للبائع والبانى أجر مثله وكان ثمن الثوب كله لرب الثوب والدار لرب الدار، وإذا كان مع الرجل مال مضاربة فأدانه ولم يأمره بذلك رب المال ولم ينهه يعنى بقوله فأدانه المشترى به وباع بنسيئة ولم يقرضه ولو أقرضه ضمن فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا ضمان على المضارب وما أدان من ذلك فهو جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول المضارب ضامن إلا أن يأتي بالبينة أن رب المال أذن له في النسيئة ولو أقرضه قرضا ضمن في قولهما جميعا لان القرض ليس من المضاربة.
أبو حنيفة عن حميد بن عبد الله بن عبيد الانصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في العراق ولا يدرى كيف قاطعه على الربح.
أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن عبد الله بن علي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه أن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه أعطى مالا مقارضة يعنى مضاربة أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه أعطى زيد بن خليده مالا مقارضة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة
ولم يأمره ولم ينهه عن الدين فأدان في بيع أو شراء أو سلف فسواء ذلك كله هو ضامن إلا أن يقر له رب المال أو تقوم عليه بينة أنه أذن له في ذلك.
باب السلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان لرجل على رجل طعام أسلم إليه فيه فأخذ بعض طعامه وبعض رأس ماله فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هو جائز بلغنا عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنه عنهما أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا أخذ بعض رأس ماله فقد فسد السلم ويأخذ رأس ماله كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أسلف الرجل الرجل مائة دينار في مكيلة طعام موصوف إلى أجل معلوم فحل الاجل فتراضيا أن يتفاسخا البيع كله كان جائزا وإذا كان هذا جائزا جاز أن يتفاسخا نصف البيع ويثبتا نصف وقد سئل عن هذا ابن عباس فلم ير به بأسا وقال هذا المعروف الحسن الجميل وقول ابن عباس القياس وخالفه فيه غيره * (قال) وإذا أسلم الرجل في اللحم فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا خير فيه لانه غير معروف وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا بأس به ثم رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى إلى قول ابن أبى ليلى وقال إذا بين مواضع اللحم فقال أفخاذ وجنوب ونحو هذا فهو جائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أسلف الرجل في لحم بوزن وصفة وموضع ومن سن معلوم وسمى ذلك الشئ فالسلف جائز.
باب الشفعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا تزوجت امرأة على شقص من دار فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا شفعة في ذلك لاحد وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول للشفيع الشفعة بالقيمة وتأخذ المرأة قيمة ذلك منه وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه كيف يكون ذلك وليس هذا شراء يكون(7/114)
فيه شفعة إنما هذا نكاح أرأيت لو طلقها قبل أن يدخل بها كم للشفيع منها وبم يأخذ بالقيمة أو بالمهر وكذلك إذا اختلعت بشقص من دار في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة بنصيب
من دار غير مقسومة فأراد شريك المتزوج الشفعة أخذها بقيمه مهر مثلها ولو طلقها قبل أن يدخل بها كانت الشفعة تامة كان للزوج الرجوع بنصف ثمن الشفعة وكذلك لو اختلعت بشقص من دار ولا يجوز أن يتزوجها بشقص إلا أن يكون معلوما محسوبا فيتزوجها بما قد علمت من الصداق فإن تزوجها على شقص غير محسوب ولا معلوم كان لها صداق مثلها ولم يكن فيه شفعة لانه مهر مجهول فيثبت النكاح وينفسخ المهر ويرد إلى ربه ويكون لها صداق مثلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل دارا وبنى فيها بناء ثم جاء الشفيع يطلبها بالشفعة فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول يأخذ الشفيع الدار ويأخذ صاحب البناء النقض وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يجعل الدار ولا بناء للشفيع ويجعل عليه قيمة البناء وثمن الدار الذى اشتراها به صاحب البناء والا فلا شفعة له (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا اشترى الرجل نصيبا من دار ثم قاسم فيه وبنى ثم طلبه الشفيع بالشفعة قيل له إن شئت فأد الثمن الذى اشتراه به وقيمة البناء اليوم وإن شئت فدع الشفعة لا يكون له إلا هذا لانه بنى غير متعد فلا يكون عليه هدم ما بنى وإذا اشترى الرجل أرضا أو دارا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لصاحب الشفعة الشفعة حين علم فإن طلب الشفعة وإلا فلا شفعة له وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو بالخيار ثلاثة ايام بعد علمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا بيع شقص من الدار والشفيع حاضر عالم فطلب مكانه فله الشفعة وإن أخر الطلب فذكر عذرا من مرض أو امتناع من وصول إلى السلطان أو حبس سلطان أو ما أشبهه من العذر كان على شفعته ولا وقت في ذلك إلا أن يمكنه وعليه اليمين ما ترك ذلك رضى بالتسليم للشفعة ولا تركا لحقه فيه فإن كان غائبا فالقول فيه كهو في معنى الحاضر إذا أمكنه الخروج أو التوكيل ولم يكن له حابس فإن ترك ذلك انقطعت شفعته وإذا أخذ الرجل الدار بالشفعة من المشترى ونقده الثمن فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول العهدة على المشترى الذى أخذ المال وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول العهدة على البائع لان الشفعة وقعت يوم اشترى المشترى للشفيع (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه فإذا أخذ الرجل الشقص بالشفعة من المشترى فعهدته على المشترى الذى اخذ منه وعهدة المشترى على بائعه إنما تكون العهدة على من قبض المال وقبض منه المبيع ألا ترى أن البائع الاول ليس بمالك ولو أبرأ الآخذ بالشفعة من الثمن لم يبرأ ولو
كان تبرأ إلى المشترى منه من عيب لم يعلم به المستشفع فإن علم المستشفع بعد أخذه بالشفعة كان له رده وإذا كانت الشفعة لليتيم فان أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول له له الشفعة فإن كان له وصى أخذها بالشفعة وإن لم يكن له وصى كان على شفعته إذا أدرك فإن لم يطلب الوصي الشفعة بعد علمه فليس لليتيم شفعة إذا أدرك وكذلك الغلام إذا كان أبوه حيا وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا شفعة للصغير وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الشفعة للشريك الذى لم يقاسم وهى بعده للشريك الذى قاسم والطريق واحدة بينهما وهى بعده للجار الملاصق وإذا اجتمع الجيران وكان التصاقهم سواء فهم شركاء في الشفعة وكان ابن أبى ليلى يقول بقول أبى حنيفة حتى كتب إليه أبو العباس أمير المؤمنين يأمره أن لا يقضى بالشفعة إلا للشريك الذى لم يقاسم فأخذ بذلك وكان لا يقضى إلا للشريك الذى لم يقاسم وهذا قول أهل الحجاز وكذلك بلغنا عن علي وابن عباس رضى الله تعالى عنهما (1) (قال الشافعي)
__________
(1) في بعض النسخ هنا زيادة هذا نصها: [ * ](7/115)
رضى الله تعالى عنه وإذا بيع الشقص من الدار ولليتيم فيه شفعة أو الغلام في حجر أبيه فلولى اليتيم والاب أن يأخذا للذى يليان بالشفعة إن كانت غبطة فإن لم يفعلا فإذا بلغا أن يليا أموالهما كان لهما الاخذ بالشفعة فإذا علما بعد البلوغ فتركا الترك الذى لو احدث البيع في تلك الحال فتركاه انقطعت شفعتهما فقد انقطعت شفعتهما ولا شفعة إلا فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وكذلك لو اقتسموا الدار والارض وتركوا بينهم طريقا أو تركوا بينهم مشربا لم تكن شفعة ولا نوجب الشفعة فيما قسم بشرك في طريق ولا ماء وقد ذهب بعض أهل البصرة إلى جملة قولنا فقالوا لا شفعة إلا فيما بين القوم الشركاء فإذا بقيت بين القوم طريق مملوكة لهم أو مشرب مملوك لهم فإن كانت الدار والارض مقسومة ففيها شفعة لانهم شركاء في شئ من الملك ورووا حديثا عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيها بهذا المعنى أحسبه يحتمل شبيها بهذا المعنى ويحتمل خلافه قال الجار أحق بسقبه إذا كانت الطريق واحدة وإنما منعنا من القول بهذا أن ابا سلمة وأبا الزبير سمعا جابرا وأن بعض حجازيينا يروى عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة شيئا ليس فيه هذا وفيه
خلافه وكان اثنان إذا اجتمعا على الرواية عن جابر وكان الثالث يوافقهما أولى بالتثبت في الحديث إذا اختلف عن الثالث وكان المعنى الذى به منعنا الشفعة فيما قسم قائما في هذا المقسوم ألا ترى أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ولا يجد أحد قال بهذا القول مخرجا من أن يكون قد جعل الشفعة فيما وقعت فيه الحدود فإن قال فإنى إنما جعلتها فيما وقعت فيه الحدود لانه قد بقى من الملك شئ لم تقع فيه الحدود قيل فيحتمل ذلك الباقي أن يجعل فيه الشفعة فإن احتمل فاجعلها فيه ولا تجعلها فيما وقعت فيه الحدود فتكون قد اتبعت الخبر وإن لم يحتمل فلا تجعل الشفعة في غيره وقال بعض المشرقيين الشفعة للجار وللشريك إذا كان الجار ملاصقا أو كانت بين الدار المبيعة والدار التى له فيها الشفعة رحبة ما كانت إذا لم يكن فيها طريق نافذة وإن كان فيها طريق نافذة وإن ضاقت فلا شفعة للجار قلنا لبعض من يقول هذا القول على أي شئ اعتمدتم ؟ قال على الاثر أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الجار أحق بسقبه) فقيل له فهذا لا يخالف حديثنا ولكن هذا جملة وحديثنا مفسر قال وكيف لا يخالف حديثكم ؟ قلنا الشريك الذى لم يقاسم يسمى جارا ويسمى المقاسم ويسمى من بينك وبينه أربعون دارا فلم يجز في هذا الحديث إلا ما قلنا من أنه على بعض الجيران دون بعض فإذا قلناه لم يجز ذلك لنا على غيرنا إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة دل هذا على أن قوله في الجملة (الجار أحق بسقبه) على بعض الجيران دون بعض وأنه الجار الذى لم يقاسم، فإن قال وتسمى العرب الشريك جارا قيل نعم كل من قارب بدنه بدن صاحبه قيل له جار قال فادللني على هذا قيل له قال
__________
= (قال الشافعي) رحمه الله تعالى عن عبد الله بن محمد بن عباد عن العوام عن يحيى بن سعيد عن عون بن أبى رافع عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال قال عمر بن الخطاب إذا وقعت الحدود فلا شفعة أخبرنا الشافعي عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبى بكر بن جرير عن أبان بن عثمان قال إذا وقعت الازقة فلا شفعة والازقة الحدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا معلى بن أسد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن الحكم قال قال إذا وقعت الحدود فلا شفعة.(7/116)
حمل بن مالك بن النابغة كنت بين جارتين لى فضربت إحداهما الاخرى (1) بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة وقال الاعشى لامرأته: * أجارتنا بينى فإنك طالقة * فقيل له فأنت إذا قلت هو خاص على بعض الجيران دون بعض لم تأت فيه بدلالة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تجعله على من لزمه اسم الجوار وحديث إبراهيم بن ميسرة لا يحتمل إلا أحد المعنيين وقد خالفتهما معا ثم زعمت أن الدار تباع وبينها وبين دار الرجل رحبة فيها ألف ذراع فأكثر إذا لم يكن فيها طريق نافذة فيكون فيها الشفعة وإن كانت بينهما طريق نافذة عرضها ذراع لم تجعل فيها الشفعة فجعلت الشفعة لابعد الجارين ومنعتها أقربهما وزعمت أن من أوصى لجيرانه قسمت وصيته على من كان بين داره وداره أربعون دارا فكيف لم تجعل الشفعة على ما قسمت عليه الوصية إذا خالفت حديثنا وحديث إبراهيم بن ميسرة الذي احتججت به ؟ قال فهل قال بقولكم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا نعم ولا يضرنا بعد إذ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقول به أحد قال فمن قال به ؟ قيل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعثمان رضى الله تعالى عنه وقال بعض التابعين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عليه وغيره، وإذا اشترى الرجل الدار وسمى أكثر مما أخذها به فسلم ذلك الشفيع ثم علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هو على شفعته لانه إنما سلم بأكثر من الثمن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول لا شفعة له لانه قد سلم ورضى (2) أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس وعن الحكم عن يحيى عن علي أنهما قالا لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم الحجاج بن ارطاة عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجار أحق بسقبه ما كان) أبو حنيفة عن أبى أمية عن المسور بن محرمة أو عن سعد بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجار أحق بسقبه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل النصيب من الدار فقال أخذته بمائة فسلم ذلك الشفيع ثم علم الشفيع بعد أنه أخذ بأقل من المائة فله حينئذ الشفعة وليس تسليمه بقاطع شفعته إنما سلمه على ثمن فلما علم ما هو دونه كان له الاخذ بالشفعة ولو علم بعد أن الثمن أكثر من الذي سلمه به لم يكن
له شفعة من قبل أنه إذا سلمه بالاقل كان الاكثر أولى أن يسمه به.
باب المزارعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أعطى الرجل الرجل أرضا مزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع أو أعطى نخلا أو شجرا معاملة بالنصف أو أقل من ذلك أو أكثر فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هذا كله باطلا لانه استأجره بشئ مجهول يقول أرأيت لو لم يخرج من ذلك شئ أليس كان عمله ذلك بغير أجر وكان ابن أبى ليلى يقول ذلك كله جائز بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى خيبر بالنصف فكانت كذلك حتى قبض وخلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه وعامة خلافة عمر وبه يأخذ وإنما قياس هذا عندنا مع الاثر ألا ترى أن الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة بالنصف ولا
__________
(1) المسطح كمنبر: عمود الخباء اه.
(2) كذا الاسانيد في هذا الموضع من النسخ.(7/117)
بأس بذلك وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وعن عبد الله بن مسعود وعن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه انهم أعطوا مالا مضاربة وبلغنا عن سعد بن أبى وقاص وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنهما أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع والثلث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دفع الرجل إلى الرجل النخل أو العنب يعمل فيه على أن للعامل نصف الثمرة أو ثلثها أو ما تشارطا عليه من جزء منها فهذه المساقاة الحلال التي عامل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوعة إليه فما أخرج الله منها من شئ فله منه جزء من الاجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا المعاملة في النخل خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمنا المعاملة في الارض البيضاء خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن تحريم ما حرمنا بأوجب علينا من إحلال ما أحللنا ولم يكن لنا أن نطرح بإحدى سنتيه الاخرى ولا نحرم بما حرم ما أحل كما لا نحل بما أحل ما حرم ولم أر بعض الناس سلم من خلاف النبي صلى الله عليه وسلم من واحد من الامرين لا الذي أحلهما جميعا ولا الذي حرمهما جميعا
فأما ما روى عن سعد وابن مسعود أنهما دفعا أرضهما مزارعة فما لا يثبت هو مثله ولا أهل الحديث ولو ثبت ما كان في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وأما قياسه وما أجاز من النخل والارض على المضاربة فعهدنا بأهل الفقه يقيسون ما جاء عمن دون النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما أن يقاس سنة النبي صلى الله عليه وسلم على خبر واحد من الصحابة كأنه يلتمس أن يثبتها بأن توافق الخبر عن أصحابه فهذا جهل إنما جعل الله عزوجل للخلق كلهم الحاجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضا يغلط في القياس، إنما أجزنا نحن المضاربة وقد جاءت عن عمر وعثمان أنها كانت قياسا على المعاملة في النخل فكانت تبعا قياسا لا متبوعة مقيسا عليها، فإن قال قائل فكيف تشبه المضاربة المساقاة ؟ قيل النخل قائمه لرب المال دفعها على أن يعمل فيها المساقي عملا يرجى به صلاح ثمرها على أن له بعضها فلما كان المال المدفوع قائما لرب المال في يدي من دفع إليه يعمل فيه عملا يرجو به الفضل جاز له أن يكون له بعض ذلك الفضل على ما تشارطا عليه وكان في مثل المساقاة فإن قال فلم لا يكون هذا في الارض ؟ قيل الارض ليست بالتي تصلح فيؤخذ منه الفضل إنما يصلح فيها شئ من غيرها وليس بشئ قائم يباع ويؤخذ فضله كالمضاربة ولا شئ مثمر بالغ فيؤخذ ثمره كالنخل وإنما هو شئ يحدث فيها ثم بتصرف لا في معنى واحد من هذين فلا يجوز أن يكون قياسا عليها وهو مفارق لها في المبتدأ والمتعقب ولو جاز أن يكون قياسا ما جاز أن يقاس شئ نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيحل به شئ حرمه كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المفسد للصوم بالجماع رقبة فلم يقس عليها المفسد للصلاة بالجماع وكل أفسد فرضا بالجماع.
باب الدعوى والصلح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل رجل في دار أو دين أو غير ذلك فأنكر ذلك المدعى عليه الدعوى ثم صالحه من الدعوى وهو منكر لذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول في هذا جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى لا يجيز الصلح على الانكار وكان أبو حنيفة يقول كيف لا يجوز هذا وأجوز ما يكون الصلح على الانكار وإذا وقع الاقرار لم يقع الصلح (قال الشافعي)(7/118)
رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه ثم صالح المدعى من دعواه على شئ وهو منكر فالقياس أن يكون الصلح باطلا من قبل أنا لا نجيز الصلح إلا بما تجوز به البيوع من الاثمان الحلال المعروفة فإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من أجاز الصلح على الانكار كان هذا عوضا والعوض كله ثمن ولا يصلح أن يكون العوض إلا بما تصادقا عليه المعوض والمعوض إلا أن يكون في هذا أثر يلزم فيكون الاثر أولى من القياس ولست أعلم فيه أثرا يلزم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبه أقول وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب والمطلوب متغيب فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول الصلح جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول الصلح مردود لان المطلوب متغيب عن الطالب وكذلك لو أخر عنه دينا عليه وهو متغيب كان قولهما جميعا على ما وصفت لك (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا صالح الرجل عن الرجل والمصالح عنه غائب أو أنظره صاحب الحق وهو غائب فذلك كله جائز ولا أبطل بالتغيب شيئا أجيزه في الحضور لان هذا ليس من معاني الاكراه الذي أرده * وإذا صالح الرجل الرجل أو باع بيعا أو أقر بدين فأقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ذلك كله جائز ولا أقبل منه بينة أنه أكرهه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول أقبل البينة على الاكراه وأرد ذلك عليه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا كان الاكراه في موضع أبطل فيه الدم قبلت البينة على الاكراه وتفسير ذلك أن رجلا لو شهر على رجل سيفا فقال لتقرن أو لاقتلنك فقال أقبل منه البينة على الاكراه وأبطل عنه ذلك الاقرار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أكره الرجل الرجل على بيع أو إقرار أو صدقة ثم أقام المكره البينة أنه فعل ذلك كله وهو مكره أبطلت هذا كله عنه والاكراه ممن كان أقوى من المكره في الحال التي يكرهه فيها التي لا مانع له فيها من إكراهه ولا يمتنع هو بنفسه سلطانا كان أو لصا أو خارجيا أو رجلا في صحراء أو في بيت مغلق على من هو أقوى منه، وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما بحق صاحبه بعدما قاما من عند القاضى وقامت عليه بذلك بينة وهو يجحد ذلك فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهما إلا عندي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما عند القاضي في مجلس
الحكم أو غير مجلسه أو علم القاضي فإن ثبت لاحدهما على الآخر حق قبل الحكم أو بعده فالقول فيه واحد من قولين من قال يقضي القاضي يعلمه لانه إنما يقضي بشاهدين على أنه عالم في الظاهر أن ما شهدا به كما شهدا قضى بهذا وكان علمه أولى من شهادة شاهدين وشهود كثيرة لانه لا يشك في علمه ويشك في شهادة الشاهدين ومن قال القاضي كرجل من الناس قال إن حكم بينهما لم يكن شاهدا وكلف الخصم شاهدين غيره وكان حكمه كحكم من لم من لم يسمع شيئا ولم يعلمه وهذا قول شريح قد جاءه رجل يعلم له حقا فسأله أن يقضي له به فقال ائتني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضى لك قال أنت تعلم حقي قال فاذهب إلى الامير فأشهد لك ومن قال هذا قال إن الله عزوجل تعبد الخلق بأن تؤخذ منهم الحقوق إذا تجاحدوا بعدد بينة فلا تؤخذ بأقل منها ولا تبطل إذا جاءوا بها وليس الحاكم على يقين من أن ما شهدت به البينة كما شهدت وقد يكون ما هو أقل منها عددا أزكى فلا يقبل وما تم العدد أنقص من الزكاة فيقبلون إذا وقع عليهم أدنى اسم العدل ولم يجعل للحاكم أن يأخذ بعلمه كما لم يجعل له أن يأخذ بعلم واحد غيره ولا أن يكون شاهدا حاكما في أمر واحد كما لم يكن له أن يحكم لنفسه لو علم أن حقه حق (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي أنه يحكم بعلمه لان علمه أكبر من تأدية(7/119)
الشاهدين الشهادة إليه وإنما كره إظهار ذلك لئلا يكون القاضي غير عدل فيذهب بأموال الناس.
وإذا اصطلح الرجلان على حكم يحكم بينهما فقضى بينهما بقضاء مخالف لرأى القاضي فارتفعا إلى ذلك القاضي فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ينبغى لذلك القاضي أن يبطل حكمه ويستقبل الحكم بينهما وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول حكمه عليهما جائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اصطلح الرجلان على أن يحكم الرجل بينهما في شئ يتنازعان فيه فحكم لاحدهما على الآخر فارتفعنا إلى القاضي فرأى خلاف ما يرى الحكم بينهما فلا يجوز في هذا إلا واحد من قولين إما أن يكون إذا اصطلحا جميعا على حكمه ثبت القضاء وافق ذلك قضاء القاضي أو خالفه فلا يكون للقاضي أن يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم القاضي غيره من خلاف كتاب أو سنة أو إجماع أو شئ داخل في معناه وإما أن يكون حكمه بينهما كالفتيا فلا يلزم واحدا منهما شئ فيبتدئ القاضي النظر بينهما كما يبتدئه بين من لم يحاكم
إلى أحد.
باب الصدقة والهبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة أو تصدقت أو تركت له من مهرها ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا أقبل بينتها وأمضي عليها ما فعلت من ذلك وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشئ أو وضعت له من مهرها أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله، وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوب له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة أو كانت جارية صغيرة فأصلحها أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا يرجع الواهب في شئ من ذلك ولا في كل هبة زادت عند صاحبها خيرا.
ألا ترى أنه قد حدث فيها في ملك الموهوبة له شئ لم يكن في ملك الواهب ؟ أرأيت إن ولدت الجارية ولذا كان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط ؟ وبهذا يأخذ.
وكان ابن أبى ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك كله وفي الولد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل للرجل جارية أو دارا فزادت الجارية في يديه أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها ثم طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا يهدمه ويقال له إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبنى فيها صاحبها ولا يرجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها لانه مبنيا أكثر قيمة منه غير مبنى ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له لان حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك، وإذا وهب الرجل جارية لابنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وأن
كان قد أدرك فهذه الهبة جائزة وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا(7/120)
وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله أو لم يكن وكذلك روى عن أبى بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم في البالغين وعن عثمان أنه رأى أن الاب يجوز لولده ما كانوا صغارا وهذا يدل على أنه لا يجوز لهم إلا في حال الصغر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى، وإذا وهب الرجل دارا لرجلين أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما منها حصته وكان ابن أبى ليلى يقول الهبة جائزة وبه يأخذ وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم أو طعاما أو ثيابا أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم أو لا تنقسم أو عبدا لرجل وقبض جازت الهبة، وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبه يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها جذاذ عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة لانها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا يفسد الهبة أنها كانت لاثنين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة والقبض أن تكون كانت في يدي الواهب فصارت في يدي الموهوبة له لا وكيل معه فيها أو يسلمها ربها ويخلى بينه وبينها حتى يكون لا
حائل دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة، وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز ولا يكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء وكان ابن ابى ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل الرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها لثواب كان فيها الشفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي، وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الهبة في هذا باطلة لا تجوز وبه يأخذ (قال) ولا تكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصيته وكان ابن أبى ليلى يقول هي جائزة من(7/121)
الثلث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات لم يكن للموهوبة له شئ وكانت للورثة الحجاج بن أرطأة عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة.
الاعمش عن إبراهيم قال: الصدقة إذا علمت جازت والهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس للواهب أن يرجع في الهبة إلا قبض منها عوضا قل أو كثر.
باب في الوديعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه فالقول قول رب الوديعة والمستودع ضامن وبهذا يأخذ يعني أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها ثم قال المستودع أمرتني أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة وعلى المستودع البينة بما ادعى، وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه فقال المستودع لا أدرى أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما لانه أتلف ما استودع بجهالته.
ألا ترى أنه لو قال هذا استودعينها ثم قال أخطأت بل هو هذا كان عليه أن يدفع الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن للآخر مثل ذلك لان قوله أتلفه وكذلك الاول إنما أتلفه هو بجهلة وبهذا يأخذ.
وكان ابن أبى ليلى يقول في الاول ليس عليه شئ والوديعة والمضاربة بينهما نصفان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت في يدي الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها له وهي مما يعرف بعينه مثل العبد والبعير والدار فقال هي لاحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه ؟ فإن قالا لا وقال كل وحد منهما هو لى أحلف بالله لا يدري لايهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه أو يحلفا فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له وإن نكلا معا فهو موقوف بينهما.
وفيها قول آخر يحتمل وهو أن يحلف الذي في يديه الوديعة ثم تخرج من يديه ولا شئ عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه ومن قال هذا القول قال هذا شئ ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذي هو في يديه يزعم أنه لاحدهما لا لهما، وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو ضامن لانه خالف وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا ضمان عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أودع الرجل الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت لان المستودع رضى بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره وكان متعديا ضامنا إن تلفت، وإذا مات الرجل وعليه دين
معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة لان الوديعة شئ مجهول ليس بشئ بعينه وقال أبو حنيفة فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب(7/122)
الوديعة إذا علم وكذلك قال ابن ابى ليلى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين أنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة.
الحجاج بن أرطاة عن أبى جعفر وعطاء مثل ذلك.
الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر بالوديعة بعينها أو قامت عليه بينة وعليه دين محيط بماله كانت الوديعة لصاحبها فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء.
باب في الرهن (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدي عدل برضا صاحبه فهلك من عند العدل وقيمته والدين سواء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الرهن بما فيه وقد بطل الدين وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول الدين على الراهن كما هو والرهن من ماله لانه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضوعا على يدي غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا رهن الرجل الرهن فقبضه منه أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه أو في يدي العدل فسواء الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شئ وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا، وإذا مات الراهن وعليه دين والرهن على يدي عدل فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول الرهن بين الغرماء والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم وإذا كان الرهن في يدي المرتهن فهو أحق بها من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: وإذا مات الراهن وعليه دين وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين أو يدي غيره فسواء والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفي حقه منه فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شرعا فيه وإن
نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له يبقي له في مال الميت، وإذا رهن الرجل الرجل دارا ثم استحق منها شقص وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الرهن باطل لا يجوز وبهذا يأخذ حفظي عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفي ماله يباع لدينه وكان ابن أبى ليلى يقول ما بقي من الدار فهو رهن بالحق وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن ثم استحق من الدار شئ كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين الذي كانت الدار به رهنا ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جار أن يكون رهنا والقبض في الرهن مثل القبض في البيع لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن، وإذا وضع الرجل الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الاجل ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول للعدل أن يبيع الرهن ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لابطل الرهن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليس له أن يبيع وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللمسلط أن يبيعه في مرض الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وضع الراهن الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل فإذا حل الحق كان له أن يبيعه ما كان الراهن حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان أو برضا الوارث، لان الميت وإن رضى بأمانته في بيع(7/123)
الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من الورثة الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك الوارث والوكالة ببيعه غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن، وإذا ارتهن الرجل دارا ثم أجرها بأذن الراهن فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة العارية وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هي رهن على حالها والغلة للمرتهن قضاء من حقه (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها إلى المرتهن أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن لانه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن وإنما منعنا
أن نجعل الكراء رهنا أو قصاصا من الدين أن الكراء سكن والسكن هو المرهون ألا ترى أنه لو باعه دارا فسكنها أو استغلها ثم ردها بعيب كان السكن والغلة للمشتري ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن له أن يردها لان ما أخذ من الدار من أصل البيع والكراء والغلة ليس أصل البيع فلما كان الراهن إنما رهن رقبة الدار وكانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون النماء من الكراء والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشتري المالك الرقبة في حينه ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتهن الرجل ثلث دار أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز ما جاز أن يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن وإذا رهن الرجل الرجل دارا أو دابة فقبضها المرتهن فأذن له رب الدابة أو الدار أن ينتفع بالدار أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له من الرهن وما لهذا وإخراجه من الرهن وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن لانه شئ يملكه الراهن دون المرتهن وإذا كان شئ لم يدخل في الرهن فقبض المرتهن الاصل ثم أذن له في الانتفاع بما لم يرهن لم ينفسخ الرهن ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن.
باب الحوالة والكفالة في الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذإ كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله لانه قد أبرأه وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليس له أن يأخذ الذي عليه الاصل فيهما جميعا لانه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع به على الذي عليه الاصل، وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفى ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له ولو كانت حوالة فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما تحول عنه إلا بتجديد عودته عليه ويأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال، وإذا أخذ الرجل من
الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هما كفيلان جميعا وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول قد برئ الكفيل الاول حين أخذ الكفيل الآخر (قال الشافعي) وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرئ الاول(7/124)
فكلاهما كفيل بنفسه، وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هو له ضامن وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز عليه الضمان في ذلك لانه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شئ وما كان لك عليه من حق وما شهد من الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به القاضي على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن لم يكن ضامنا لشئ من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى له ويشهد له ولا يشهد له فلا يلزمه شئ مما شهد له بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة، وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان على الكفيل لان الدين قد توى وكان ابن أبى ليلى يقول الكفيل ضامن وبه يأخذ وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن ترك شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به، (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا أو لم يترك، وإذ كفل العبد المأذون له في التجارة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول كفالته باطلة لانها معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول كفالته جائزة لانها من التجارة، وإذا أفلس المحتال عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت المحتال عليه ولا يترك مالا وكان ابن أبى ليلى يقول له: أن يرجع إذا أفلس وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة لان الكفالة استهلاك مال لا كسب مال وإذا كنا نمنعه أن
يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل أو كثر، وإذا وكل الرجل رجلا في شئ فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ليس له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل بذلك غيره وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب أو مرض فأما إذا كان صحيحا حاضرا فلا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وكيف يكون له أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومة غيره وإنما رضى بخصومته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل أو أراد الغيبة أو لم يردها لان الموكل له رضى بوكالته ولم يرض بوكالة غيره فان قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل، وإذا وكل رجل رجلا بخصومة وأثبت الوكالة عند القاضي ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن تلك الخصومة حق لصاحبه الذي يخاصمه أقر به عند القاضي فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول إقراره جائز وبه يأخذ قال وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه الشهود فإقراره باطل ويخرج من الخصومة وقال أبو يوسف إقراره عند القاضي وعند غيره جائز عليه وكان ابن أبى ليلى يقول إقراره باطل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة ولم يقل في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فليس له أن يقر ولا يبرئ ولا يهب ولا يصالح فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل لانه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله، وإذا وكل رجل رجلا في قصاص أو حد فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا تقبل في ذلك وكالة وبه يأخذ وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص حتى يحضر(7/125)
المدعى وقال أبو يوسف لا أقبل البينة إلا من المدعى ولا أقبل في ذلك وكيلا وكان ابن أبى ليلى يقول تقبل في ذلك الوكالة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له أو قصاص له على رجل قبلت الوكالة على تثبيت البينة، وإذا حضر الحد والقصاص لم أحده ولم أقتص حتى يحضر المحدود له والمقتص له من قبل أنه قد يقر له فيبطل الحق ويكذب البينة فيبطل القصاص ويعفو، وإذا كانت في يدي رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه وكلنى بها فلان لرجل
غائب أقوم له عليها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة وأجعله خصما وبه يأخذ، وقال أبو يوسف رحمه الله بعد أن كان متهما أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم وكان ابن أبى ليلى يقول أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة وكان وكان ابن أبى ليلى بعد ذلك يقول إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته خصما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن كانت الدار في يدي رجل فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه ليست لي هي في يدي وديعة أو هي على بكراء أو أنا فيها وكيل فمن قضى على الغائب سمع من المدعى البينة وأحضر الذي هي في يديه فإن أثبت وكالته قضى عليه وإن لم يثبتها قضى بها للذي أقام عليها البينة وكتب في القضاء إنى قضيت بها ولم يحضرني فيها خصم وزعم فلان أنها ليست له ومن لم يقض على الغائب سأل الذي هي في يديه البينة على ما يقول فإن جاء بها على أنها في يديه بكراء أو وديعة لم يجعله خصما فإن جاء بالبينة على الوكالة جعلته خصما.
(قال الربيع) وحفظي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه يقضي على الغائب، قال وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال قد وكلني بقبضه منك فلان فقال الذي عليه المال صدقت، فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أجبره على أن يعطيه إياه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينه عليه وأقول أنت أعلم فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان للرجل على الرجل مال وهو عنده فجاءه رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فان دفعه لم يبرأ من المال إلا أن يقر رب المال بأنه وكله أو تقوم عليه بينة بذلك وكذلك لو ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال على أن يعطيه إياه وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره فلا يجوز إقراره على غيره، وإذا وكل الرجل رجلا في شئ فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا تثبت وكالته الا أن يأتي معه بخصم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليس معه خصم وقد كان أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال هذا وكيلي في كل حق لي يخاصم فيه قبل ذلك وأثبت وكالته وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وكل الرجل الرجل
عند القاضي بشئ أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه خصم أو لم يحضر وليس الخصم من هذا بسبيل وإنما أثبت له الوكالة على الموكل وقد تثبت له الوكالة ولا يلزم الخصم شئ وقد يقضي للخصم على الموكل فتكون تلك الشهادة إنما هي شهادة للخصم تثبت له حقا على الموكل، وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز بيعه لانه لم يوكله بالبيع إلا أن يقول ما صنعت من شئ فهو جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا وكله في كل قليل وكثير فباع دارا أو غير ذلك كان جائزا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له لم يزد على هذا فالوكالة على هذا غير جائزة من قبل أنه قد يوكله ببيع القليل(7/126)
والكثير ويوكله بحفظ القليل والكثير لا غيره ويوكله بدفع القليل والكثير لا غيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتي يبين الوكالات من بيع أو شراء أو وديعة أو خصومة أو عمارة أو غير ذلك، وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي حاضرة فإن أبا حنفية رحمه الله كان يقول لا أقبل إلا أن يرضى الخصم وكان ابن أبى ليلى يقول نقبل ذلك ونجيزه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله وأقبل الوكالة من الحاضر من النساء والرجال في العذر وغيره وقد كان علي بن أبى طالب رضى الله عنه وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب حاضر فقبل ذلك عثمان رضى الله عنه وكان يوكل قبل عند الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ولا أحسبه أنه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولعل عند أبي بكر رضى الله عنه (قال الشافعي) رحمه الله وكان علي بن أبى طالب رضى الله عنه يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها.
باب في الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان على الرجل دين وكان عنده وديعة غير معلومة بعينها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ما ترك الرجل فهو بين الغرماء وأصحاب الوديعة بالحصص وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليس لصاحب الوديعة شئ لا أن يعرف وديعته بعينها فتكون له خاصة وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هي دين في ماله ما لم يقل قبل الموت قد هلكت ألا ترى أنه لم يعلم لها
سبيل ذهبت فيه وكذلك كل مال أصله أمانة وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان عند الرجل وديعة بعينها وكانت على ديون فالوديعة لرب الوديعة لا تدخل عليه الغرماء فيها ولو كانت بغير عينها مثل دنانير ودراهم وما لا يعرف بعينه حاص رب الوديعة الغرماء إلا أن يقول المستودع الميت قبل أن يموت قد هلكت الوديعة فيكون القول قوله لانه أمين.
وإذا أقر الرجل في مرضه الذي مات فيه بدين وعليه دين بشهود في صحته وليس له وفاء فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول يبدأ بالدين المعروف الذي في صحته فإن فضل عنهم شئ كان للذين أقر لهم في المرض بالحصص ألا ترى أنه حين مرض أنه ليس يملك من ماله شيئا ولا تجوز وصيته فيه لما عليه من الدين فكذلك إقراره له وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو مصدق فيما أقر به والذي أقر له في الصحة والمرض سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت على الرجل ديون معروفة من بيوع أو جنايات أو شئ استهلكه أو شئ أقر به وهذا كله في الصحة ثم مرض فأقر بحق لانسان فذلك كله سواء ويتحاصون معا لا يقدم واحد على الآخر ولا يجوز أن يقال فيه إلا هذا والله تعالى أعلم أو أن يقول رجل إذ مرض فإقراره باطل كإقرار المحجور عليه فأما أن يزعم أن إقراره يلزمه ثم لا يحاص به غرماؤه فهذا تحكم وذلك أن يبدأ بدين الصحة وإقرار الصحة فإن كان عليه دين في المرض ببينة حاص وإن لم يكن ببينة لم يحاص وإذا فرع الرجل أهل دين الصحة ودين المرض بالبينة لم تجز له وصية ولم يورث حتى يأخذ هذا حقه فهذا دين مرة يبدأ على المواريث والوصايا وغير دين إذا صار لا يحاص به.
وإذا استدانت المرأة وروجها غائب فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول أفرض لها على زوجها نفقة مثلها في غيبته ثم رجع عن ذلك فقال لا شئ لها وهي متطوعة فيما أنفقت والدين عليها خاصة وكان ابن أبى ليلى لا يفرض لها نفقة إلا فيما يستقبل وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله وإذا غاب الرجل(7/127)
عن امرأته فلم ينفق عليه فرضت عليه النفقة لما مضى منذ ترك النفقة عليها إلى أن أنفق ولا يجوز أن يكون لو كان حاضرا الزمناه نفقتها وبعنا لها في ماله ثم يغيب عنها أو يمنعها النفقة ولا نجعل لها عليه دينا لان الظلم إذا يقطع الحق الثابت والظلم لا يقطع حقا والذي يزعم أنه يفرض عليه نفقتها في الغيبة يزعم
أنه لا يقضي على غائب إلا زوجها فإنه يفرض عليه نفقتها وهو غائب فيخرجها من ماله فيدفعها إليها فيجعلها أوكد من حقوق الناس مرة في هذا ثم يطرحها بغيبته إن لم تقم عليه وهو لا يطرح حقا بترك صاحبه القيام عليه ويعجب من قول أصحابنا في الحيازة ويقول الحق جديد والترك غير خروج من الحق ثم يجعل الحيازة في النفقة.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا (قال الشافعي) رحمه الله وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفوا حكم عمر ويزعمون أنهم لا يقبلون من أحد ترك القياس وقد تركوه وقالوا فيه قولا متناقضا.
وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول هو قصاص وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يكون قصاصا إلا أن يتراضيا به فإن كان لاحدهما على صاحبه مال مخالف لذلك لم يكن ذلك قصاصا في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله لا يختلفان في وزن ولا عدد وكانا حالين معا فهو قصاص فإن كانا مختلفين لم يكن قصاص إلا بتراض ولم يكن التراضي جائزا إلا بما تحل به البيوع.
وإذا أقر وارث بدين وفي نصيبه وفاء بذلك الدين فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول يستوفي الغريم من ذلك الوارث المقر جميع ماله من نصيبه لانه لا ميراث له حتى يقضي الدين وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إنما يدخل عليه من الدين بقدر نصيبه من الميراث فإن كان هو وأخ له دخل عليه النصف وإن كانوا ثلاثة دخل عليه الثلث والشاهد عنده منهم وحده بمنزلة المقر وإن كانا اثنين جازت شهادتهما في جميع الميراث في قولهما جميعا إذا كانا عدلين فإن لم يكونا عدلين كان ذلك في أنصبائهما على ما فسرنا من قول أبى حنيفة وابن أبى ليلى (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه إذا مات الرجل وترك ابنين غير عدلين فأقر أحدهما على أبيه بدين فقد قال بعض أصحابنا للغريم المقر له أن يأخذ من المقر مثل الذي كان يصيبه مما في يديه لو أقر به الآخر وذلك النصف من دينه مما في يديه وقال غيرهم يأخذ جميع ماله من هذا فمتى أقر له الآخر رجع المأخوذ من يديه على الوارث معه فيقاسمه حتى يكونا في الميراث سواء.
وإذا كتب الرجل بقرض في
ذكر حق ثم أقام بينة أن أصله كان مضاربة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول آخذه به وإقراره على نفسه بالقرض أصدق من دعواه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول أبطله عنه وأجعله عليه مضاربة وهو فيه أمين (قال الشافعي) رحمه الله وإذا أقر الرجل أن للرجل عليه ألف درهم سلفا ثم جاء بالبينة أنها مقارضة سئل الذي له السلف فإن قال نعم هي مقارضة أردت أن يكون له ضامنا أبطلنا عنه السلف وجعلناها مقارضة وإن لم يقر بهذا رب المال وادعاه المشهود له أحلفناه فإن حلف كانت له عليه دينا وكان إقراره على نفسه أولى من شهود شهدوا له بأمر قد يمكن أن يكونوا صدقوا فيه ويكون أصلها مقارضة تعدى فيها فضمن أو يكونوا كذبوا، وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بمال في ذكر حق من شئ جائز فأقام الذى عليه الدين البينة أنه من ربا وأنه قد أقر أنه قد كتب ذكر حق من شئ جائز فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا أقبل منه(7/128)
المخرج ويلزمه المال بإقراره أنه ثمن شئ جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقبل منه البينة على ذلك ويرده إلى رأس المال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بألف درهم فأقام الذي عليه الالف البينة أنها من ربا فإن شهدت البينة على أصل بيع ربا سئل الذي له الالف هل كان ما قالوا من البيع (1) فإن قالوا لم يكن بينه وبينه بيع ربا قط ولا له حق عليه من وجه من الوجوه إلا هذه الالف وهي من بيع صحيح قبلت البينة عليه وأبطلت الربا كائنا ما كان ورددته إلا رأس ماله وإن امتنع من أن يقر بها أحلفته له فإن حلف لزمت الغريم الالف وهي في مثل معنى المسألة قبلها لانه قد يمكن أن يكون أربى عليه في الالف ويكون له ألف غيرها.
وإذا أقر الرجل بمال في ذكر حق من بيع ثم قال بعد ذلك لم أقبض المبيع ولم تشهد عليه بينة بقبضه فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول المال له لازم ولا ألتفت إلى قوله وكان ابن أبى ليلى يقول لا يلزمه شئ من المال حتى يأتي الطالب بالبينة أنه قد قبض المتاع الذي به عليه ذكر الحق وقال أبو يوسف رحمه الله أسأل الذي له الحق أبعت هذا ؟ فإن قال نعم قلت فأقم البينة على أنك قد وفيته متاعه فإن قال الطالب لم أبعه شيئا لزمه المال (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا جاء بذكر حق وبينة على رجل أن عليه ألف درهم من ثمن متاع أو
ما كان فقال الذي عليه البينة إنه باعنى هذا المتاع ولم أقبضه كلفت الذي له الحق بينة أنه قد قبضه أو أقر بقبضه فإن لم يأت بها أحلفت الذي عليه الحق ما قبضت المتاع الذي هذه الالف ثمنه ثم أبرأته من هذه الالف وذلك أن الرجل يشتري من الرجل الشئ فيجب عليه ثمنه بتسليم البائع ما اشترى منه ويسقط عنه الثمن بهلاك الشئ قبل أن يقبضه ولا يلزمه أن يكون دافعا للثمن إلا بأن يدفع السلعة إليه ولو كان الذي له الالف أتى بذكر حق وبشاهدين يشهدان أن عليه ألف درهم من ثمن متاع اشتراه منه ثم قال المشهود عليه لم أقبضه سئل المشهود له بالالف فإن قال هذه الالف من ثمن متاع بعته إياه وقبضه كلف البينة على أنه قبضه وكان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها وإن قال قد أقر لى بالالف فخذه لي بإقراره أخذته له به وأحلفته على دعوى المشهود عليه، وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بالبينة فشهد أحد شاهديه بالالف وشهد الآخر بألفين فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا شهادة لهما لانهما قد اختلفا وكان ابن أبى ليلى يجيز من ذلك ألف درهم ويقضي بها للطالب وبه يأخذ ولو شهد أحدهما بألف وشهد الآخر بألف وخمسمائة كانت الالف جائزة في قولهما جميعا وإنما أجاز هذا أبو حنيفة لانه كان يقول قد سمى الشاهدان جميعا الفا وقال الآخر خمسمائة فصارت هذه مفصولة من الالف (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بشاهدين شهد له أحدهما بألف والآخر بألفين سألتهما فإن زعما أنهما شهدا بها عليه بإقراره أو زعم الذي شهد بألف أنه شك في الالفين واثبت الالف فقد ثبت عليه الالف بشاهدين إن أراد أخذها بلا يمين وإن أراد الالف الاخرى التي له عليها شاهد واحد أخذها بيمين مع شاهد وإن كانا اختلفا فقال الذي شهد بالالفين شهدت بهما عليه من ثمن عبد قبضه وقال الذي شهد عليه بألف شهدت بها عليه من ثمن ثياب قبضها فقد بينا أن أصل الحقين مختلف فلا يأخذ إلا بيمين مع كل واحد منهما فإن أحب حلف معهما وإن أحب حلف مع أحدهما وترك الآخر إذا ادعى ما قالا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسواء ألفين أو ألفا وخمسمائة، وإذا شهد الرجل على شهادة رجل وشهد آخر على شهادة
__________
(1) قوله: فإن قالوا لم يكن إلى آخر الفرع، كذا في النسخ، وتأمله.(7/129)
نفسه في دين أو شراء أو بيع فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا تجوز شهادة شاهد على شهادة شاهد ولا يقبل عليه إلا شاهدان وكذلك بلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول أقبل شهادة شاهد على شهادة شاهد وكذلك بلغنا عن شريح وإبراهيم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين لم أقبل على كل شاهد لا شهادة شاهدين معا (قال الربيع) من قبل أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهد لم يحكم بها الحاكم إلا بشاهد آخر فلما شهدا على شهادة الشاهد الآخر كانا إنما جرا إلى أنفسها إجازة شهادتهما الاولى التي أبطلها الحاكم فلم نجز إلا شهادة شاهدين على كل شاهد، وإذا شهد الشهود على دار أنها لفلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول إن شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غير هؤلاء جازت الشهادة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا تجوز شهادتهم إذا قالوا لا نعلم له وارثا غير هؤلاء حتى يثبتوا ذلك فيقولوا لا وارث له غيرهم.
وإذا وارث غيرهم ببينة أدخله معهم في الميراث ولم تبطل شهادة الاولين في قولهما (قال الشافعي) رضى الله عنه وإذا شهد الشهود أن هذه الدار دار فلان ما ت وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا إلا فلان وفلان قبل القاضي شهادتهم فإن كان الشاهدان من أهل المعرفة الباطنة به قضى لهم بالميراث وإن جاء ورثة غيرهم أدخلتهم عليهم وكذلك لو جاء أهل وصية أو دين فإن كانوا من غير أهل المعرفة الباطنة بالميت احتاط القاضي فسأل أهل المعرفة فقال هل تعلمون له وارثا غيرهم ؟ فإن قالوا نعم قد بلغنا فإنا لا نقسم الميراث حتى نعلم كم هم فنقسمه عليهم فإن تطاول أن يثبت ذلك دعا القاضي الوارث بكفيل بالمال ودفعه إليه ولم يجبره إن لم يأت بكفيل ولو قال الشهود لا وارث له غيرهم قبلته على معنى لا نعلم ولو قالوا ذلك على الاحاطة لم يكن هذا صوابا منهم ولم يكن فيه ما رد شهادتهم لان الشهادة على البت تؤول إلى العلم.
وإذا شهد الشهود على زنا قديم أو سرقة قديمة فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول يدرأ الحد في ذلك ويقضي بالمال وينظر في المهر لانه قد وطئ فإذا لم يقم الحد بالوطئ فلا بد من مهر وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه قال أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول أقبل شهادتهم وأمضى الحد فأما السكران فإن أتى به وهو غير سكران فلا حد عليه وإن
كان أخذ وهو سكران فلم يرتفع إلى الوالى حتى ذهب السكر عنه إلا أنه في يدي الشرط أو عامل الوالى فإنه يحد (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا شهد الشهود على حد لله أو للناس أو حد فيه شئ لله عز وجل وللناس مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وأثبتوا الشهادة على المشهود عليه أنها بعد بلوغه في حال يعقل فيها أقيم عليه الحد ذلك الحد إلا أن يحدث بعده توبة فيلزمه ما للناس ويسقط عنه ما لله قياسا على قول الله عزوجل في المحاربين (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) الآية فما كان من حد لله باب صاحبه من قبل أن يقدر عليه سقط عنه والتوبة مما كان ذنبا بالكلام مثل القذف وما أشبهه الكلام بالرجوع عن ذلك والنزوع عنه والتوبة مما كان ذنبا بالفعل مثل الزنا وما أشبهه فبترك الفعل مدة يختبر فيها حتى يكون ذلك معروفا وإنما يخرج من الشئ بترك الذي به فيه (قال الربيع) للشافعي فيها قول آخر أنه يقام عليه الحد وإن تاب لان الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالحد لم يأته إن شاء الله تعالى إلا تائبا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه وليس طرح الحدود التي لله عزوجل إلا في المحاربين خاصة فأما ما كان للآدميين فإنهم إن كانوا قتلوا فأولياء الدم مخيرون في قتلهم أو أخذ الدية أو أن يعفوا وإن كانوا أخذوا المال أخذ منهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد الشهود عند(7/130)
القاضي بشهادة فادعى المشهود عليه أنهم شهدوا بزور وقال أنا أجرحهم وأقيم البينة أنهم استؤجروا وأنهم قوم فساق فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا أقبل الجرح على مثل هذا وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقبله فأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا وحفظي عن أبى يوسف أنه قال بعد يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به (قال الشافعي) رضى الله عنه وإذا شهد الشهود على الرجل بشهادة فعدلوا انبغى للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود عليه ويمكنه من جرحهم فإن جاء بجرحتهم قبلها وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق ويقبل في جرحتهم أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا فيها عليه وإن كانوا عدولا ويقبل جرحتهم بما تجرح به الشهود من الفسق وغيره وينبغي أن يقف الشهود على جرحتهم ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما يجرحون به مما يراه هو جرحا فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالامر الذي لا جرح في مثله فلا يقبل
حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا كان الجارح من شاء أن يكون في فقه أو فضل، وإذا شهد الوصي للوارث الكبير على الميت بدين أو صدقة في دار أو هبة أو شراء فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا تجوز ذلك وكان ابن أبى ليلى يقول هو جائز وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل فأوصى إلى رجل فشهد الوصي لمن لا يلي أمره من وارث كبير رشيد أو أجنبي أو وارث يليه غير الوصي فشهادته جائزة وليس فيها شئ ترد له وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا شهد الوصي على غير الميت للوارث الكبير بشئ له خاصة فشهادته جائزة في قولهما جميعا (قال الشافعي) وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا ادعى رجل دينا على ميت فشهد له شاهدان على حقه وشهد هو وآخر على وصية ودين لرجل عليه فان أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول شهادتهم جائزة لان الغريم يضر نفسه بشهادته وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا تجوز شهادته وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم تجز لانهم شركاء في الوصية الثلث بينهم وقال أبو يوسف أصحاب الوصايا والغرماء سواء لا تجوز شهادة بعضهم لبعض (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا كان لرجل دين ببينة على ميت ثم شهد هو وآخر معه لرجل بوصية فشهادتهما جائزة ولا شئ فيها مما ترد له إنما ترد بأن يجرا إلى أنفسهما بها وهذان لم يجرا إلى أنفسهما بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم يجز لانهم شركاء في الوصية الثلث بينهم، وإذا شهد الرجل لامرأته فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا تجوز شهادته لها وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول شهادته لها جائزة (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه ترد شهادة الرجل لوالديه وأجداده وإن يعدوا من قبل أبيه وأمه ولولده وإن سفلوا ولا ترد لاحد سواهم زوجة ولا أخ ولا عم ولا خال، وإذا شهد الرجل على شهادة وهو صحيح البصر ثم عمى فذهب بصره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز شهادته تلك إذا شهد بها بلغنا عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه رد شهادة أعمى شهد عنده وكان ابن أبى ليلى يقول شهادته جائزة وبه يأخذ إذا كان شئ لا يحتاج أن يقف عليه (قال الشافعي) رحمه الله وإذا شهد الرجل وهو بصير ثم أدى الشهادة وهو أعمى جازت شهادته من قبل أن أكثر ما في الشهادة السمع والبصر وكلاهما كان فيه يوم شهد فإن قال قائل ليسا فيه يوم يشهد قيل إنما احتجنا إلى
الشهادة يوم كانت فأما يوم تقام فإنما هي تعاد بحكم شئ قد أثبته بصيرا ولو رددناها إذا لم يكن بصيرا لانه لا يرى المشهود عليه حين يشهد لزمنا أن لا نجيز شهادة بصير على ميت ولا على غائب لان الشاهد لا يرى الميت ولا الغائب والذي يزعم أنه لا يجيز شهادته بعد العمى وقد أثبتها بصيرا يجيز شهادة البصير(7/131)
على الميت والغائب، وإذا أقر الرجل بالزنا أربع مرات في مقام واحد عند القاضي فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هذا عندي بمنزلة مرة واحدة ولا حد عليه في هذا وبه يأخذ بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماعز بن مالك أتاه فأقر عنده بالزنا فرده ثم أتاه الثانية فأقر عنده فرده ثم أتاه الثالثة فأقر عنده فرده ثم أتاه الرابعة فأقر عنده فسأل قومه هل تنكرون من عقله شيئا قالوا لا فأمر به فرجم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقيم الحد إذا أقر أربع مرات في مقام واحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالزنا ووصفه الصفة التي توجب الحد في مجلس أربع مرات فسواء هو والذي أقر به في مجالس متفرقة إن كنا إنما احتجنا إلى أن يقر أربع مرات قياسا على أربعة شهود فالذي لم يقم عليه في أربع مرات في مقام واحد وأقامها عليه في أربع مرات في مقامات مختلفة ترك أصل قوله لانه يزعم أن الشهود الاربعة لا يقبلون إلا في مقام واحد (قال) ولو تفرقوا حدهم فكان ينبغي له أن يقول الاقرار أربع مرات في مقام أثبت منه في أربعة مقامات فإن قال إنما أخذت بحديث ماعز فليس حديث ماعز كما وصف ولو كان وصف أن ماعزا أقر في أربعة أمكنة متفرقة أربع مرات ما كان قبول إقراره في مجلس أربع مرات خلافا لهذا لانا لم ننظر إلى المجالس إنما نظرنا إلى اللفظ وليس الامر كما قالا جميعا وإقراره مرة عند الحاكم يوجب الحد إذا ثبت عليه حتى يرجم ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) وحديث ماعز يدل حين سأل أبه جنة أنه رده أربع مرات لانكار عقله، وإذا أقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان لا يرى ذلك شيئا ولا يحده وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا قامت عليه الشهود بذلك أحده (قال الشافعي) رضى الله عنه: وإذا أقر الرجل عند غير قاض بالزنا فينبغي للقاضي أن لا يرجمه حتى يقر عنده وذلك أنه يقر عنده ويقضي برجمه فيرجع فيقبل رجوعه فإذا كان أصل القول
في الاقرار هكذا لم ينبغ أن يرجمه حتى يقر عنده وينبغي إذا بعث به ليرجم أن يقول لهم متى رجع فاتركوه بعد وقوع الحجارة وقبلها وما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز (فهلا تركتموه ؟) إلا بعد وقوع الحجارة، وإذا رجع الرجل عن شهادته بالزنا وقد رجم صاحبه بها فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول يضرب الحد ويغرم ربع الدية وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول أقتله فإن رجعوا أربعتهم قتلتهم ولا نغرمهم الدية فإن رجع ثلاثة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى: ضربوا الحد وغرم كل واحد منهم ربع الدية (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم فرجع أحدهم عن شهادته سأله القاضي عن رجوعه فإن قال عمدت أن أشهد بزور قال له القاضي علمت أنك إذا شهدت مع غير ك قتل ؟ فإن قال نعم دفعه إلى أولياء المقتول فإن شاءوا وقتلوا وإن شاءوا عفوا فإن قالوا نترك القتل ونأخذ الدية كان لهم عليه ربع الدية وعليه الحد في هذا كله وإن قال شهدت ولا أعلم ما يكون عليه القتل أو غيره أحلف ما عمد القتل وكان عليه ربع الدية والحد وهكذا الشهود معه كلهم إذا رجعوا، وإذا شهد الشهود عند القاضي على عبد وحلوه ووصفوه وهو في بلدة أخرى فكتب القاضي شهادتهم على ذلك فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا أقبل ذلك ولا أدفع إليه العبد لان الحلية قد توافق الحلية وهو ينتفع بالعبد حتى يأتي به إلى القاضي الذي كتب له أرأيت لو كانت جارية جميلة والرجل غير أمين أكنت أبعث بها معه ؟ وكان ابن أبى ليلى يختم في عنق العبد ويأخذ من الذي جاء بالكتاب كفيلا ثم يبعث به إلى القاضي فإذا جاءه العبد والكتاب الثاني دعا الشهود فإن شهدوا أنه عبده أبرأ كفيله وقضى بالعبد أنه له وكتب له بذلك كتابا إلى القاضي الذي أخذ منه الكفيل(7/132)
حتى يبرئ كفيله وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا شهد الشهود لرجل على دابة غائبة فوصفوها وحلوها فالقياس أن لا يكلف صاحب الدابة أن يدفعها من قبل أن الحلية قد تشبه الحلية وإذا ختم القاضي الذي هو ببلده في عنقها وبعث بها إلى القاضي المشهود عنده فإن زعم أن ضمانها من الذي هي في يده فقد أخرجها من يديه ولم يبرئه من ضمانها ويقطع عنه منفعتها إلى البلد الذي تصير إليه فإن لم يثبت عليه الشهود أو ماتوا قبل أن تصل إلى ذلك البلد فردت إليه كان قد انقطعت منفعتها
عنه ولم يعط لها إجارة عوضت تلفا غير مضمون له ولو جعل ضمانها من المدفوعة له وجعل عليه كراءها في مغيبها إن ردت كان قد ألزم ضمانها وإنما يضمن المتعدي وهذا لم يتعد وإنما ذهب ابن أبى ليلى وغيره ممن ذهب مذهبه إلى أن قال لا سبيل إلى أخذ هذه الدابة إلا بأن يؤتى بها إلى الشهود أو يذهب بالشهود إليها وليس على الشهود أن يكلفوا الذهاب من بلدانهم والاتيان بالدابة أخف ولرب الدابة في الدابة مثل ما للشهود في أنفسهم من أن لا يكلف الخروج بشئ لم يستحق عليه وهكذا العبد مثل الدابة وجميع الحيوان، وإذا شهد الرجل من أهل الكوفة شهادة بعدل بمكة وكتب بها قاضي مكة إلى قاضي مصر في مصر غير مصره بالشهادة وزكى هناك وكتب بذلك إلى قاضي الكوفة فشهد قوم من أهل الكوفة أن هذا الشاهد فاسق فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول شهادتهم لا تقبل عليه أنه فاسق وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ترد شهادته ويقبل قولهم وقال أبو حنيفة رضى الله عنه لا ينبغي للقاضي أن يفعل ذلك لانه قد غاب عن الكوفة سنين فلا يدري ما أحدث ولعله قد تاب (قال الشافعي) رضى الله عنه: وإذا شهد الرجلان من أهل مصر بشهادة فعدلا بمكة وكتب قاضي مكة إلى قاضي مصر فسأل المشهود عليه قاضي مصر أن يأتيه بشهود على جرحهما فإن كان جرحهما بعداوة أو ظنة أو ما ترد به شهادة العدل قبل ذلك منه وردهما عنه وإن جرحهما بسوء حال في أنفسها نظر إلى المدة التي قد زايلا فيها مصر وصارا بها إلى مكة فإن كانت مدة تتغير الحال في مثلها التغير الذي لو كانا بمصرهما مجروحين فتغيرا إليها قبلت شهادتهما قبل القاضي شهادتهما ولم يلتفت إلى الجرح لان الجرح متقدم وقد حدثت لهما حال بعد الجرح صارا بها غير مجروحين وإن لم تكن أتت عليهما مدة تقبل فيها شهادتهما إذا تغيرا قبل عليهما الجرح وكان أهل بلدهما أعلم بهما ممن عدلهما غريبا أو من أهل بلدهما لان الجرح أولى من التعديل (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عزوجل (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال (ممن ترضون من الشهداء) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم بن خالد عن أبن أبى نجيح عن مجاهد أنه قال عدلان حران مسلمان ثم لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن هذا معنى الآية وإذا لم يختلفوا فقد زعموا أن الشهادة لا تتم إلا بأربع أن يكون الشاهدان حرين مسلمين عدلين بالغين وأن عبدا لو كان مسلما عدلا لم تجز شهادته بأنه ناقص الحرية وهي أحد الشروط الاربعة فإذا زعموا هذا
فنقص الاسلام أولى أن لا تجوز معه الشهادة من نقص الحرية فإن زعموا أن هذه الآية التي جمعت هذه الاربع الخصال حتم أن لا يجوز من الشهود إلا من كانت فيه هذه الخصال الاربعة المجتمعة فقد خالفوا ما زعموا من معنى كتاب الله حين أجازوا شهادة كافر بحال وإن زعموا أنها دلالة وأنها غير مانعة أن يجوز غير من جمع هذه الشروط الاربعة فقد ظلموا من أجاز شهادة العبيد وقد سألتهم فكان أعلى من زعموا أنه أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.
شريح وقد أجاز شريح شهادة العبيد فقال له المشهود عليه أتجيز على شهادة عبد ؟ فقال قم فكلكم سواء عبيد وإماء فإن زعم أنه يخالف شريحا لقول أهل التفسير أن في الآية شرط الحرية فليس في الآية بعينها بيان الحرية وهي محتملة لها وفي الآية(7/133)
بيان شرط الاسلام فلم وافق شريحا مرة وخالفه أخرى وقد كتبنا هذا في كتاب الاقضية ولا تجوز شهادة ذكر ولا أنثى في شئ من الدنيا لاحد ولا على أحد حتى يكون بالغا عاقلا حرا مسلما عدلا ولا تجوز شهادة ذمي ولا من خالف ما وصفنا بوجه من الوجوه.
وإذا شهد الشاهدان من اليهود على رجل من النصارى وشهد شاهدان من النصارى على رجل من اليهود فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز لان الكفر كله ملة واحدة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى لا يجيز ذلك ويقول لانهما ملتان مختلفتان وكان أبو حنيفة يورث اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي ويقول أهل الكفر بعضهم من بعض وإن اختلفت مللهم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى لا يورث بعضهم من بعض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تحاكم أهل الملل إلينا فحكمنا بينهم لم يورث مسلما من كافر ولا كافرا من مسلم وورثنا الكفار بعضهم من بعض فنورث اليهودي النصراني والنصراني اليهودي ونجعل الكفر ملة واحدة كما جعلنا الاسلام ملة لان الاصل إنما هو إيمان أو كفر، وإذا شهد الشهود عند قاضي الكوفة على عبد وحلوه ووصفوه أنه لرجل فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال لا أكتب له وقال ابن أبى ليلى أكتب شهادتهم إلى قاضي البلد الذي فيه العبد فيجمع القاضي الذي العبد في بلده بين الذي جاء بالكتاب وبين الذي عنده العبد فإن كان للذي عنده العبد حجة وإلا بعث بالعبد مع الرجل الذي جاء بالكتاب مختوما في عنقه وأخذ منه كفيلا بقيمته ويكتب إلى القاضي بجواب كتابه بذلك فيجمع قاضي
الكوفة بين البينة وبين العبد حتى يشهدوا عليه بعينه ثم يرده مع الذي جاء به إلى قاضي البلد الذي كان فيه العبد حتى يجمع بينه وبين خصمه ثم يمضي عليه القضاء ويبرأ كفيله وبه يأخذ قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ما لم تجئ تهمة أو أمر يستريبه من الغلام، وإذا سافر الرجل المسلم فحضره الموت فأشهد على وصيته رجلين من أهل الكتاب فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز شهادتهما وبه يأخذ لقول الله عزوجل (وأشهدوا ذي عدل منكم) وكان ابن أبى ليلى يقول ذلك جائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سافر المسلم فأشهد على وصيته ذميين لم نقبلهما لما وصفنا من شرط الله عزوجل في الشهود وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى على شاهد الزور تعزيرا غير أنه يبعث به إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى مسجد قومه إن كان من العرب فيقول القاضي يقرئكم السلام ويقول إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس وذكر ذلك أبو حنيفة عن القاسم عن شريح وكان ابن أبى ليلى يقول عليه التعزير ولا يبعث به ويضربه خمسة وسبعين سوطا قال أبو يوسف رحمه الله أعزره ولا أبلغ به أربعين سوطا ويطاف وبه وقال أبو يوسف بعد ذلك أبلغ به خمسة وسبعين سوطا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا أقر الرجل بأن قد شهد بزور أو علم القاضي يقينا أنه قد شهد بزور عزره ولا يبلغ به أربعين ويشهر بأمره فإن كان من أهل المسجد وقفه في المسجد وإن كان من أهل القبيلة وقفه في قبيلته وإن كان سوقيا وقفه في سوقه وقال إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه واحذروه وإذا أمكن بحال أن لا يكون شاهد زور أو شبه عليه بما يغلط به مثله قيل له لا تقدمن على شهادة إلا بعد إثبات ولم يعزره وإذا شهد شاهدان لرجل على رجل بحق فأكذبهما المشهود له ردت شهادتهما لانه أبطل حقه في شهادتهما ولم يعزرا ولا واحد منهما لانا لا ندري أيهما الكاذب فأما الاولان فقد يمكن أن يكونا صادقين والذي أكذبهما كاذب فإذا أمكن أن يصدق أحدهما ويكذب الآخر لم يعزر واحد منهما من قبل أنا لا ندري أيهما الكاذب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك لو شهد رجلان لرجل بأكثر مما ادعى لم يعزرا لانه قد يمكن أن يكونا صادقين، وإذا اختلف الشاهدان في الموطن الذي شهدا فيه فإن أبا حنيفة(7/134)
رضى الله عنه كان يقول لا نعزرهما ويقول لاني لا أدري أيهما الصادق من الكاذب إذا كانا شهدا على
فعل فإن كانا شهدا على إقرار فإنه كان يقول لا أدري لعلهما صادقان جميعا وإن اختلفا في الاقرار وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يرد الشاهدين وربما ضربهما وعاقبهما وكذلك لو خالف المدعى الشاهدين في قول أبى حنيفة رحمه الله فشهدا بأكثر مما ادعى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا نضربهما ونتهم المدعى عليهما وكان ابن أبى ليلى ربما عزرهما وضربهما وربما لم يفعل (قال الشافعي) رضى الله عنه لا نعزرهما إذا أمكن صدقهما، وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا يسأل عن الشاهد وكان ابن أبى ليلى يقول يسأل عنه وبهذا يأخذ، وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يقبل القاضي شهادة شاهد حتى يعرف عدله طعن فيه الخصم أو لم يطعن ولا تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح ولا غيرها قبل أن يتفرقوا ولا بعد أن يتفرقوا لانهم ليسوا من شرط الله الذي شرطه في قوله (ممن ترضون من الشهداء) وهذا قول ابن عباس رضى الله عنهما وخالفه ابن الزبير وقال نجيز شهادتهم إذا لم يتفرقوا وقول ابن عباس رضى الله عنهما أشبه بالقرآن والقياس لا أعرف شاهدا يكون مقبولا على صبي ولا يكون مقبولا على بالغ، ويكون مقبولا في مقامه ومردودا بعد مقامه، والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب في الايمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى وجاء بالبينة فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا نرى عليه يمينا مع شهوده ومن حجته في ذلك أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعى) فلا نجعل على المدعى ما لم يجعل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحول اليمين عن الموضع الذي وضعها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول على المدعى اليمين مع شهوده وإذا لم يكن له شهود لم يستحلفه وجعل اليمين على المدعى عليه فإن قال المدعى عليه أنا أرد اليمين عليه فإنه لا يرد اليمين عليه إلا أن يتهمه فيرد اليمين عليه إذا كان كذلك وهذا في الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا جاء الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه ولو جعلنا عليه اليمين مع شاهديه لم يكن
لاحلافنا مع الشاهد معنى وكان خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) وإذا ادعى رجل على رجل دعوى ولا بينة له أحلفنا المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل قلنا لصاحب الدعوى لسنا نعطيك بنكوله شيئا إلا أن تحلف مع نكوله فإن حلفت أعطيناك وإن امتنعت لم نعطك ولهذا كتاب في كتاب الاقضية، وإذا ورث الرجل ميراثا دارا أو أرضا أو غير ذلك فادعى رجل فيها دعوى ولم تكن له بينة فأراد أن يستحلف الذي ذلك في يديه فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول اليمين على علمه أنه لا يعلم لهذا فيه حقا وكذلك كان ابن أبى ليلى يقول أيضا وإنما جعل أبو حنيفة رضى الله عنه على هذا اليمين على علمه لان الميراث لزمه إن شاء وإن أبى والبيع لا يلزمه إلا بقول وإذا كان الشئ لا يلزمه إلا بفعله وقبول منه مثل البيع والهبة والصدقة فاليمين في ذلك ألبتة والميراث لو قال لا أقبله كان قوله ذلك باطلا وكان الميراث له لازما فلذلك كانت اليمين على علمه في(7/135)
الميراث وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول اليمين عليه على علمه في جميع ما ذكرت لك من بيع وغير ذلك (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ورث الرجل دارا أو غيرها فادعى رجل فيها دعوى سألناه عن دعواه فإن ادعى شيئا كان في يدي الميت أحلفنا الوارث على علمه ما يعلم له فيها حقا ثم أبرأناه وإن ادعى فيها شيئا كان في يدي الوارث أحلفناه على البت نحلفه في كل ما كان في يديه على البت وما كان في يدي غيره فورثه على العلم وإذا استحلف المدعى عليه على دعواه فحلفه القاضي على ذلك ثم أتى بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقبل منه ذلك لانه بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وشريح أنهما كانا يقولان اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة بهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا أقبل منه البينة بعد اليمين وبعد فصل القضاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى ولم يأت عليه ببينة وأحلفه القاضي فحلف ثم جاء المدعى ببينة قبلتها وقضيت له بها ولم أمنع البينة العادلة التي حكم المسلمون بالاعطاء بها باليمين الفاجرة.
باب الوصايا وإذا أوصى الرجل للرجل بسكنى دار أو بخدمة عبد أو بغلة بستان أو أرض وذلك ثلثه أو أقل فإن
أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز ذلك والوقت في ذلك وغير الوقت في قول ابن أبى ليلى سواء (قال الشافعي) رضى الله عنه: وإذا أوصى الرجل للرجل بغلة داره أو ثمرة بستانه والثلث يحمله فذلك جائز وإذا أوصى له بخدمة عبده والثلث يحمل العبد فذلك جائز وإن لم يحمل الثلث العبد جاز له منه ما حمل الثلث ورد ما لم يحمل، وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلثه فأجاز ذلك الورثة في حياته وهم كبار ثم ردوا ذلك بعد موته فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا تجوز عليهم تلك الوصية ولهم أن يردوها لانهم أجازوا وهم لا يملكون الاجازة ولا يملكون المال وكذلك بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وشريح وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إجازتهم جائزة عليهم لا يستطيعون أن يرجعوا إلى شئ منها ولو أجازوها بعد موته، ثم أرادوا أن يرجعوا فيها قبل أن تنفذ الوصية لم يكن ذلك لهم وكانت إجازتهم جائزة في هذا الموضع في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلث ماله فأجاز ذلك الورثة وهو حي ثم أرادوا الرجوع فيه بعد أن مات فذلك جائز لهم لانهم أجازوا ما لم يملكوا ولو مات فأجازوها بعد موته ثم أرادوا الرجوع قبل القسم لم يكن ذلك لهم من قبل أنهم أجازوا ما ملكوا فإذا أجازوا ذلك قبل موته كانت الوصية وصاحبهم مريض أو صحيح كان لهم الرجوع لانهم في الحالين جميعا غير مالكين أجازوا ما لم يملكوا (قال) وإذا أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبماله كله لآخر فرد ذلك الورثة كله إلى الثلث، فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول الثلث بينهما نصفان لا يضرب صاحب الجميع بحصة الورثة من المال، وكان ابن أبى ليلى يقول الثلث بينهما على أربعة أسهم يضرب صاحب المال بثلاثة أسهم ويضرب صاحب الثلث بسهم واحد وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى الرجل لرجل بثلث ماله، ولآخر بماله كله ولم يجز ذلك الورثة أقسم الوصية على أربعة أسهم لصاحب الكل ثلاثة ولصاحب الثلث واحد قياسا على عول الفرائض ومعقول في الوصية أنه أراد هذا بثلاثة وهذا بواحد.(7/136)
باب المواريث
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك أخاه لابيه وأمه وجده فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول المال كله للجد وهو بمنزلة الاب في كل ميراث، وكذلك بلغنا عن أبى بكر الصديق وعن عبد الله بن عباس وعن عائشة أم المؤمنين وعن عبد الله بن الزبير رضى الله تعالى عنهم أنهم كانوا يقول وان الجد بمنزلة الاب إذا لم يكن له أب وكان ابن أبى ليلى يقول في الجد بقول علي بن أبي طالب رضى الله عنه للاخ النصف وللجد النصف وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود في هذه المنزلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا هلك الرجل وترك جده وأخاه لابيه وأمه فالمال بينهما نصفان وهكذا قال زيد بن ثابت وعلي وعبد الله بن مسعود وروى عن عثمان رضى الله عنهم وخالفهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه فجعل المال للجد وقالته معه عائشة وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عتبة رضى الله عنهم وهو مذهب أهل الكلام في الفرائض وذلك أنهم يتوهمون أنه القياس وليس واحد من القولين بقياس غير أن طرح الاخ بالجد أبعد من القياس من إثبات الاخ معه وقد قال بعض من يذهب هذا المذهب إنما طرحنا الاخ بالجد لثلاث خصال أنتم مجتمعون معنا عليها إنكم تحجبون به بنى الام وكذلك منزلة الاب ولا تنقصونه من السدس وكذلك منزلة الاب وأنكم تسمونه أبا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلت إنما حجبنا به بنى الام خبرا لا قياسا على الاب قال وكيف ذلك ؟ قلت نحن نحجب بنى الام ببنت ابن ابن متسفلة وهذه وإن وافقت منزلة الاب في هذا الموضع فلم نحكم لها نحن وأنت بأن تكون تقوم مقام الاب في غيره وإذا وافقه في معنى وإن خالفه في غيره وأما أن لا ننقصه من السدس فإنا لم ننقصه خبرا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفرأيتنا وإياك أقمناها مقام الاب أن وافقته في معنى وأما اسم الابوة فنحن وأنت نلزم من بيننا وبين آدم اسم الابوة وإذا كان ذلك ودون أحدهم أب أقرب منه لم يرث وكذلك لو كان كافرا والموروث مسلما أو قاتلا والموروث مقتولا أو كان الموروث حرا والاب مملوكا فلو كان إنما ورثنا باسم الابوة فقط ورثنا هؤلاء الذين حرمناهم كلهم ولكنا إنما ورثناهم خبرا لا بالاسم قال فأي القولين أشبه بالقياس ؟ قلت ما فيهما قياس والقول الذي اخترت أبعد من القياس والعقل قال فأين ذلك ؟ قلت أرأيت الجد والاخ إذا طلبا ميراث الميت أيدليان بقرابة أنفسهما ام بقرابة غيرهما ؟ قال وما ذلك قلت أليس إنما يقول الجد
أنا أبو أبي الميت ويقول الاخ أنا ابن أبى الميت ؟ قال بلى قلت فبقرابة أبى الميت يدليان معا إلى الميت قلت فاجعل أبا الميت هو الميت أيهما أولى بكثرة ميراثه ابنه أو أبوه ؟ قال بل ابنه لان له خمسة أسداس ولابيه السدس قلت فكيف حجبت الاخ بالجد والاخ إذا مات أب أولى بكثرة ميراثه من الجد لو كنت حاجبا أحدهما بالآخر انبغى أن تحجب الجد بالاخ قال وكيف يكون القياس فيه ؟ قلت لا معنى للقياس فيهما معا يجوز ولو كان له معنى انبغي أن نجعل للاخ أبدا حيث كان مع الجد خمسة أسداس وللجد السدس وقلت أرأيت الاخوة امثبتي الفرض في كتاب الله قال نعم قلت فهل للجد في كتاب الله فرض ؟ قال لا قلت وكذلك السنة هم مثبتون فيها ولا أعلم للجد في السنة فرضا إلا من وجه واحد لا يثبته أهل الحديث كل التثبيت فلا أعلمك إلا طرحت الاقوى من كل وجه بالاضعف.
وإذا أقرت الاخت وهي الاب وأم وقد ورث معها العصبة بأخ لاب فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول نعطيه نصف ما في يدها لانها أقرت أن المال كله بينهما نصفان فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبه يأخذ(7/137)
وكان ابن أبى ليلى يقول لا نعطيه مما في يدها شيئا لانها أقرت بما في يدي العصبة (1) وهو سواء في الورثة كلهم ما قالا جميعا (قال الشافعي) وإذا مات الرجل وترك أخته لابيه وأمه وعصبته فأقرت الاخت بأخ فالقياس أنه لا يأخذ شيئا وهكذا كل من أقر به وهو وارث فكان إقراره لا يثبت نسبة فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له لحق عليه في ذلك الحق مثل الذي اقر له به لانه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شئ فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الاقرار له وذلك مثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه وقد تصادقا على أنه قد خرج من ملك المالك إلى ملك المشترى فلما لم يسلم للمشتري ما زعم أنه ملكه به سقط الاقرار فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق وقد أحطنا أنه لم يقر له به من دين ولا وصية ولا حق على المقر له إلا الميراث الذي إذا ثبت له ثبت أن يكون موروثا به وإذا لم يثبت له أن يكون موروثا
بالنسب لم يثبت له أن يكون وارثا به، وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته ثم جاءت بولد بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا أقبل هذا ولا أثبت نسبة ولا أورثه بشهادة امرأة وكان ابن أبى ليلى يقول أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل وترك ولدا وزوجة فولدت فأنكر ابنه ولدها فجاءت بأربع نسوة يشهدن بأنها ولدته كان نسبه ثابتا وكان وارثا ولا أقبل فيه أقل من أربع نسوة قياسا على القرآن لان الله عزوجل ذكر شاهدين وشاهدا وامرأتين فأقام امرأتين حيث أجازهما مقام رجل فلما أجزنا النساء فيما يغيب عنه الرجال لم يجز أن نجيز منهن إلا أربعا قياسا على ما وصفت وجملة هذا القول قول عطاء بن أبى رباح، وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمه فأقر في صحته أن أحدهما ابنه ثم مات ولم يبين ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يثبت نسب واحد منهما ويعتق من كل منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يثبت نسب أحدهما ويرثان ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان لرجل أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد بأن أحدهما ابنه ومات ولا يعرف أيها أقر به فإنا نريهما القافة فإن ألحقوا به أحدهما جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد تعتق بموته وأرفقنا الآخر وإن لم تكن قافة أو كانت فأشكل عليهم لم نجعل ابنه واحدا منهما وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه بأنها أم ولد وأرققنا الآخر وأمه وأصل هذا مكتوب في كتاب العتق، وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما والذي هي في يديه منكر لذلك فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا أقضى بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد تركها ميراثا لابيه ولابي صاحبه لا يعلمون له وارثا غيرهما ثم توفي أبو هذا وترك نصيبه منها ميراثا لهذا لا يعلمون له وارثا غيره وكان ابن أبى ليلى يقول أقضى له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع الذي هي في يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث كما وصفت لك في قول أبي حنيفة ولا يقولان لا نعلم في قول ابن أبى ليلى لكن يقولان لا وارث له غيرهما في قول ابن أبى ليلى وقال أبو يوسف أسكنه ولا
__________
(1) لعل مراده وهكذا الحكم في الورثة كلهم على ما قالا من الاعطاء مما في يديها وعدمه، تدبر.(7/138)
يقتسمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي الرجل فأقام ابن عمه البينة أنها دار جدهما أبى أبيهما ولم تقل البينة أكثر من ذلك والذي في يديه الدار ينكر قضيت بها دارا لجدهما ولم أقسمها بينهما حتى تثبت البينة على من ورث جدهما ومن ورث أباهما لاني لا أدري لعل معهما ورثة أو أصحاب دين أو وصايا وأقبل البينة إذا قالوا مات جدهما وتركها ميراثا لا وارث له غيرهما ولا يكونون بهذا شهودا على ما لا يعلمون لانهم في هذا كله إنما يشهدون على الظاهر كشهادتهم على النسب وكشهاتهم على الملك وكشهادتهم على العدل ولا أقبلهم إذا قالوا لا نعلم وارثا غير فلان وفلان إلا أن يكونوا من أهل الخبرة بالمشهود عليه الذين يكون الاغلب منهم أنه لا يخفي عليهم وارث لو كان له وذلك أن يكونوا ذوي قرابة أو مودة أو خلطة أو خبرة بجوار أو غيره فإذا كانوا هكذا قبلتهم على العلم لان معنى البت معنى العلم ومعنى العلم معنى البت، وإذا توفي الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يحدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال ما كان للرجال من المتاع فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للباقي منهما المرأة كانت أو الرجل وكذلك الزوج إذا طلق والباقي الزوج في الطلاق وبه كان يأخذ أبو حنيفة وأبو يوسف ثم قال بعد ذلك لا يكون للمرأة إلا ما يجهز به مثلها في ذلك كله لانه يكون رجل تاجر عنده متاع النساء من تجارته أو صانع أو تكون رهونا عند رجل وكان ابن أبى ليلى يقول إذا مات الرجل أو طلق فمتاع البيت كله متاع الرجل إلا الدرع والخمار وشيهه إلا أن تقوم لاحدهما بينة على دعواه ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا أو بعد ما تفرقا كان البيت للمرأة أو الرجل أو بعد ما يموتان واختلفت في ذلك ورثتهما بعد موتهما أو ورثة الميت منهما والباقي كان الباقي الزوج أو الزوجة فسواء ذلك كله فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الاجماع أن هذا المتاع في أيديهما معا فهو بينهما نصفان كما يختلف الرجلان في المتاع بأيديهما جميعا فيكون بينهما نصفين بعد الايمان فان قال قائل فكيف يكون للرجل النضوح والخلوق والدروع والخمر ويكون للمرأة السيف والرمح والدرع ؟
قيل قد يملك الرجال متاع النساء والنساء متاع الرجال أرأيت لو أقام الرجل البينة على متاع النساء والمرأة البينة على متاع الرجال أليس يقضي لكل بما أقام عليه البينة ؟ فإذا قال بلى قيل أفليس قد زعمت وزعم الناس أن كينونة الشئ في يدي المتنازعين تثبت لكل النصف ؟ فإن قال بلى قيل كما تثبت له البينة فإت قال بلى قيل فلم لم تجعل الزوجين هكذا وهي في أيديهما فإن استعملت عليهم الظنون وتركت الظاهر قيل ذلك فما تقول في عطار ودباغ في أيديهما عطر ومتاع الدباغ تداعياه معا فإن زعمت أنك تعطى الدباغ متاع الدباغين والعطار متاع العطارين قيل فما تقول في رجل غير موسر ورجل موسر تداعيا ياقوتا ولؤلؤا فإن زعمت أنك تجعله للموسر وهو بأيديهما معا خالفت مذهب العامة وإن زعمت أنك تقسمه بينهما ولا تستعمل عليهما الظن فهكذا ينبغي لك أن تقول في متاع الرجل والمرأة (قال) وإذا أسلم الرجل على يدي الرجل ووالده وعاقده ثم مات ولا وارث له فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ميراثه له بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعن ابن مسعود رضى الله عنه وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى لا يورثه شيئا مطرف عن الشعبي أنه قال لا ولاء إلا لذي نعمة الليث بن أبى سليم عن أبى الاشعث الصنعاني عن عمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل فيموت ويترك مالا فهو له وإن أبى فلبيت(7/139)
المال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل الارض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود عن ذلك فقال ماله له (قال فالشافعى) رحمه الله تعالى وإذا أسلم الرجل على يدي رجل ووالاه ثم مات لم يكن له ميراثه من قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنما الولاء لمن أعتق) وهذا يدل على معنين أحدهما أن الولاء لا يكون إلا لمن أعتق والآخر أنه لا يتحول الولاء عمن أعتق وهذا مكتوب في كتاب الولاء.
باب في الاوصياء (قال الشافعي) رحمه الله: ولو أن رجلا أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هذا الآخر ووصى الرجلين جميعا وبهذا يأخذ وكذلك بلغنا عن
إبراهيم وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول هذا الآخر وصى الذي أوصى إليه ولا يكون وصيا للاول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الاول فيكون وصيهما جميعا وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد لا يكون وصيا للاول إلا أن يقول الثاني قد أوصيت إليك في كل شئ أو يذكر وصية الآخر (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أوصى الرجل إلى رجل ثم حضرت الوصي الوفاة فأوصى بماله وولده ووصية الذي أوصي إليه إلى رجل آخر فلا يكون الآخر بوصية الاوسط وصيا للاول ويكون وصيا للاوسط الموصى إليه وذلك أن الاول رضى بأمانة الاوسط ولم يرض أمانة الذي بعده والوصى أضعف حالا في أكثر أمره من الوكيل ولو أن رجلا وكل رجلا بشئ لم يكن للوكيل أن يوكل غيره بالذي وكله به ليستوجب الحق ولو كان الميت الاول أوصى إلى الوصي أن لك أن توصى بما أوصيت به إليك إلى من رأيت فأوصى إلى رجل بتركة نفسه لم يكن وصيا للاول ولا يكون وصيا للاول حتى يقول قد أوصيت إليك بتركة فلان فيكون حينئذ وصيا له ولو أن وصيا لايتام تجر لهم بأموالهم أو دفعها مضاربة.
فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول هو جائز عليهم ولهم بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي وكان ابن أبى ليلى يقول لا تجوز عليهم والوصى ضامن لذلك وقال ابن أبى ليلى أيضا على اليتامى الزكاة في أموالهم فإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن وقال أبو حنيفة رضى الله عنه ليس على يتيم زكاة حتى يبلغ ألا ترى أنه لا صلاة عليه ولا فريضة عليه وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رضى الله عنه وإذا كان الرجل وصيا بتركة ميت يلى أموالهم كان أحب إلى أن يتجر لهم بها لم تكن التجارة بها عندي تعديا وإذا لم تكن تعديا لم يكن ضامنا إن تلفت وقد أتجر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمال يتيم كان يليه وكانت عائشة رضى الله تعالى عنها تبضع بأموال بنى محمد بن أبى بكر في البحر وهم أيتام وتليهم وتؤدي منها الزكاة وعلى ولى اليتيم أن يؤدي الزكاة عنه في جميع ماله كما يؤديها عن نفسه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ فيما يجب عليهما كما على ولى اليتيم أن يعطي من مال اليتيم ما لزمه من جناية لو جناها أو نفقة له من صلاحه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر بن راشد عن أيوب بن أبى تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لرجل إن عندنا مالا ليتيم قد أسرعت فيه الزكاة وذكر أنه دفعه إلى رجل يتجر فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إما قال مضاربة
وإما قال بضاعة وقال بعض الناس لا زكاة في مال اليتيم الناض وفي زرعه الزكاة وعليه زكاة الفطر تؤدي عنه وجناياته التي تلزم من ماله واحتج بأنه لا صلاة عليه وأنه لو كان سقوط الصلاة عنه يسقط(7/140)
عنه الزكاة كان قد فارق قوله إذ زعم أن عليه زكاة الفطر وزكاة الزرع وقد كتب هذا في كتاب الزكاة (قال) ولو أن وصى ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشئ باع عقارا من عقار الميت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك بيعه جائز على الصغار والكبار وكان ابن أبى ليلى يقول يجوز على الصغار والكبار إذا كان ذلك مما لا بد منه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بيعه على الصغار جائز في كل شئ كان منه بدأ ولم يكن ولا يجوز على الكبار في شئ من بيع العقار إذا لم يكن الميت أوصى بشئ يباع فيه أو يكون عليه دين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا مات وأوصى إلى رجل وترك ورثة بالغين أهل رشد وصغارا ولم يوص بوصية ولم يكن عليه دين فباع الوصي عقارا مما ترك الميت كان بيعه على الكبار باطلا ونظر في بيعه على الصغار فإن كان باع عليهم فيما لا صلاح لمعاشهم إلا به أو باع عليهم نظرا لهم بيع غبطة كان بيعا جائزا وإن لم يبع في واحد من الوجهين ولا أمر لزمهم كان بيعه مردودا وإذا أمرناه إذا كان في يده الناض أن يشتري لهم به العقار الذي هو خير لهم من الناض لم نجز له أن يبيع العقار إلا ببعض ما وصفت من العذر.
باب في الشركة والعتق وغيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولاحدهما ألف درهم وللآخر أكثر من ذلك.
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول ليست هذه بمفاوضة وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هذه مفاوضة جائزة والمال بينهما نصفان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وشركة المفاوضة باطلة ولا أعرف شيئا عن الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال بالمال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان فإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذي اشتركا فيه معا من تجارة أو إجارة أو كنز أو
هبة أو غير ذلك فهو له دون صاحبه وإن زعما المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة فيه فاسدة ولا أعرف القمار إلا في هذا أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال كان يجوز فإن قال لا يجوز لانه عطية ما لم يكن للمعطى ولا للمعطى وما لم يعلمه واحد منهما أفتجيزه على مائتي درهم اشتركا بها فإن عدوه بيعا فبيع ما لم يكن لا يجوز أرأيت رجلا وهب له هبة أو أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل أو هبة أيكون الآخر فيها شريكا ؟ لقد أنكروا أقل من هذا (قال) ولو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر كان الخيار للآخر في قول أبي حنيفة رضى الله عنه فإن شاء أعتق العبد كما أعتق صاحبه وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته فيكون الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد ويكون الولاء للشريك كله وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شئ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول هو حر كله يوم أعتقه الاول والاول ضامن لنصف القيمة ولا يرجع بها على العبد وله الولاء ولا يخير صاحبه في أن يعتق العبد أو يستسعيه ولو كان الذي أعتق العبد معسرا كان الخيار في قول أبى حنيفة للشريك الآخر إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق(7/141)
صاحبه والولاء بينهما وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كان معسرا سعى العبد للشريك الذي لم يعتق في نصف قيمته ويرجع بذلك العبد على الذي أعتقه والولاء كله للذي أعتقه وليس للآخر أن يعتق منه شيئا وكان يقول إذا أعتق شقصا في مملوك فقد أعتقه كله ولا يتبعض العبد فيكون بعضه رقيقا وبعضه حرا وبه يأخذ أرأيت ما أعتق منه أيكون رقيقا ؟ فإن كان ما أعتق منه يكون رقيقا فقد عتق فكيف يجتمع في معتق واحد عتق ورق ؟ ألا ترى أنه لا يجتمع في امرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق وبعضها امرأة للزوج على حالها.
وكذلك الرقيق وبهذا يأخذ إلا خصلة لا يرجع العبد بما سعى فيه على الذي أعتقه وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يعتق بعضه وبعضه رقيق وهذا كله بمنزلة العبد ما دام منه شئ رقيق أو يسعى في قيمته أرأيت لو أن الشريك قال نصيب شريكي منه حر وأما نصيبي فلا، هل
كان يعتق منه ما لا يملك ؟ وإذا أعتق منه ما يملك، فكيف يعتق منه ما لا يملك ؟ وهل يقع عتق فيما لا يملك الرجل ؟ (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كان العبد بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه منه فإن كان موسرا بأن يؤدي نصف قيمته فالعبد حر كله والولاء للمعتق الاولى ولا خيار لسيد العبد الآخر وإن كان معسرا فالنصف الاول حر والنصف الثاني لمالكه ولا سعاية عليه وهذا مكتوب في كتاب العتق بحججه إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم كان مما احتجوا به في هذا الكتاب أن قال قائلهم كيف تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك لا يكون كما لا تكون المرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق فإن زعم أن العبد يكون فيه الرق والحرية قياس على المرأة قيل له أيجوز للرجل أن ينكح بعض امرأة فإن قال لا لا تكون إلا منكوحة كلها أو غير منكوحة قيل له أفيجوز أن يشتري بعض عبد فإن قال نعم قيل له فأين العبد من المرأة وقيل له أيجوز له أن يكاتب المرأة على الطلاق ويكون ممنوعا حتى تؤدي الكتابة أو تعجز فإن قال لا قيل أفيجوز هذا له في العبد ؟ فإن قال نعم قيل فلم تجمع بينهما ؟ فإن قال لا يجتمعان قيل وكذلك لا يجتمعان حيث جمعت بينهما ويقال له أيضا أتكون المرأة لاثنين كما يكون العبد مملوكا لاثنين ويكون لزوج المرأة أن يهبها للرجل فتكون زوجة له كما يكون العبد إذا وهبه صار عبدا لمن وهبه له فإن قال لا قيل فما بال المرأة تقاس على المملوك ويقال له أرأيت العبد إذا عتق مرة أيكون لسيده أن يسترقه كما يكون له إذا طلق المرأة مرة أن يكون له رجعتها فإن قال لا قيل فما نعلم شيئا أبعد مما قاسه به منه (قال) ولو أن عبدا بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه ولا رضاه فأنكر ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول المكاتبة باطلة ولصاحبه أن يردها لانها منفعة تصل إليه وليس ذلك له دون صاحبه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول المكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها ولو أن الشريك أعتق العبد كان العتق باطلا في قول ابن أبى ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة فإن أداها إلى صاحبها عتق وكان الذي كاتب ضامنا لنصف القيمة والولاء كله له وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: عتق ذلك جائز ويخير المكاتب فإن شاء ألغى الكتابة وعجز عنها وإن شاء سعى فيها فإن عجز عنها كان الشريك الذي كاتب بالخيار إن شاء ضمن الذي أعتق إن كان موسرا وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق
العبد فإن ضمن الذي أعتق كان له أن يرجع على العبد بما ضمن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فالكتابة مفسوخة وما أخذ منه بينهما نصفان ما لم يؤد جميع الكتابة فإن أدى جميع الكتابة عتق نصف المكاتب وكان كمن ابتدأ العتق في عبد بينه وبين رجل إن كان موسرا عتق كله وإن معسرا عتق منه ما عتق ولو ردت الكتابة قبل(7/142)
الاداء كان مملوكا بينهما ولو أعتقه مالك النصف الذي لم يكاتبه قبل الاداء كان نصفه منه حرا فإن كان موسرا ضمن نصفه الباقي لان الكتابة كانت فيه باطلة ولا أخير العبد لان عقد الكتابة كان فاسدا وإن كان معسرا عتق منه ما عتق وكانت الكتابة بينهما باطلة إلا أن يشاء مالك العبد أن يجددها (قال) ولو أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول ليس للآخر أن يبيعه لما دخل فيه من العتق وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول له أن يبيع حصته، وإذا ورث أحد المتفاوضين ميراثا فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هو له خاصة وبهذا يأخذ، قال وتنتقض المفاوضة إذا قبض ذلك وكان ابن أبى ليلى يقول هو بينهما نصفان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين رجلين فدبره أحدهما فللآخر بيع نصيبه لان التدبير عندي وصية وكذلك للذي دبره أن يبيعه وهذا مكتوب في كتاب المدبر ومن زعم أنه ليس للمدبر أن يبيع المدبر لزمه أن يزعم أن على السيد المدبر نصف القيمة لشريكه إن كان موسرا ويكون مدبرا كله كما يلزمه هذا في العتق إذا جعل هذا عتقا يكون له بكل حال فإن قال فالعتق الذي ألزمته فيه نصف القيمة عتق واقع مكانه قيل فأنت تزعم في الجارية بين الرجلين يطؤها أحدهما فتلد أنها أم ولد وعليه نصف القيمة وهذا عتق ليس بواقع مكانه إنما هو واقع بعد مدة كعتق المدبر يقع بعد مدة، وإن كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما ثم أعتقه الآخر البتة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الذي دبره بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته مدبرا وإن شاء ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا إن كان موسرا ويرجع به المعتق على العبد والولاء بينهما نصفان وكان ابن أبى ليلى يقول التدبير باطل والعتق جائز والمعتق ضامن لنصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى فيه العبد ثم يرجع على المعتق والولاء كله للمعتق وقال أبو يوسف إذا دبره أحدهما
فهو مدبر كله وهو ضامن نصف قيمته وعتق الآخر باطل لا يجوز فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر بتاتا فإن كان موسرا فالعبد حر كله وعليه نصف قيمته وله ولاؤه وإن كان معسرا فنصيبه منه حر ونصيب شريكه مدبر ومن زعم أنه لا يبيع المدبر فيلزمه أن يبطل العتق الآخر ويجعله مدبرا كله إذا كان المدبر الاول موسرا لان تدبير الاول عتق والعتق الاول أولى من الآخر قال وهكذا قال أهل القياس الذين لم يبيعوا المدبر.
باب في المكاتب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كاتب الرجل المكاتب على نفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ماله لمولاة إذا لم يشترط المكاتب ذلك وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول المكاتب له المال وإن لم يشترط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كاتب الرجل عبده وبيد العبد مال فالمال للسيد لانه لا مال للعبد إلا أن يشترظ المكاتب على السيد ماله فيكون له بالشرط وهذا معنى السنة نصا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ولا يعدو المكاتب أن يكون مشتريا لنفسه قرب المكاتب بائع وقد جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم المال أو يكون غير خارج من ملك مولاه فيكون معه كالمعلق فذلك أحرى أن لا يملك على مولاه مالا كان لمولاه قبل الكتابة والمشترى الذي أعطى ماله في العبد أولى أن يكون مالكا لمال العبد بشراء العبد لانه لو مات مكانه مات من ماله من المكاتب الذي لو مات لم يلزمه شئ وإذا قال المكاتب قد عجزت وكسر(7/143)
مكاتبته ورده مولاه في الرق فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز وبهذا يأخذ وقد بلغنا عن عبد الله بن عمر أنه رد مكاتبا له حين عجز وكسر مكاتبته عند غير قاض وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز ذلك إلا عند إلا عند قاض وكذلك لو أتى القاضي فقال قد عجزت فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يرده وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا أرده حتى يجتمع عليه نجمان قد حلا عليه في يوم خاصم إليه ثم قال أبو يوسف يعد لا أرده حتى أنظر فإن كان نجمه قريبا وكان يرجى لم يعجل عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال المكاتب قد عجزت عند محل نجم من نجومه فهو كما قال وهو
كمن لم يكاتب يبيعه سيده ويصنع به ما شاء كان ذلك عند قاض أو لم يكن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي وابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه رد مكاتبا له عجز في الرق (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة أنه شهد شريحا رد مكاتبا عجز في الرق وإذا تزوج المكاتب أو وهب هبة أو أعتق عبدا أو كفل بكفالة أو كفل عنه رجل لمولاه بالذي عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هذا كله باطل لا يجوز وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول نكاحه وكفالته باطل وما تكفل به رجل عنه لمولاه فهو جائز وأما عتقه وهبته فهو موقوف فإن عتق أمضى ذلك وإن رجع مملوكا فذلك كله مردود وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى كيف يجوز عتقه وهبته وكيف تجوز الكفالة عنه لمولاه أرأيت رجلا كفل لرجل عن عبده كفالة اليست باطلا فكذلك مكاتبه وبهذا يأخذ وبلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال لا يجوز أن يكفل الرجل للرجل بمكاتبة عبده لانه عبده وإنما كفل له بماله وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كان له مال حاضر فقال أودية اليوم أو غدا فإنه كان يقول يؤجله ثلاثة أيام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تزوج المكاتب أو وهب أو أعتق أو كفل عن أحد بكفالة فذلك كله باطل لان في هذا إتلافا لماله وهو غير مسلط على المال أما التزوج فأبطلناه بالعبودية التي فيه أنه لا يكون للعبد أن ينكح إلا بإذن سيده ولو كفل رجل لرب المكاتب بالكتابة كانت الكفالة باطلة من قبل أنه إنما تكفل له بماله عن ماله.
باب في الايمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر ثم باعه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا يعتق لان العتق إنما وقع عليه بعد البيع وبعدما خرج من ملكه وصار لغيره وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يقع العتق من مال البائع ويرد الثمن على المشترى لانه حلف يوم حلف وهو في ملكه وكذلك لو قال البائع إن كلمت فلانا فأنت حر فباعه ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يعتق ألا ترى أنه قد خرج من ملك البائع الحالف أرأيت لو أعتقه المشتري أيرجع إلى الحالف وقد صار مولى للمشترى ؟ أرأيت لو أن المشتري ادعاه وزعم أنه ابنه فأثبت القاضي نسبه وهو رجل من العرب وجعله أبنه ثم كلم البائع ذلك الرجل الذي حلف عليه أن لا يكلمه أبطل
دعوى هذا ونسبه ويرجع الولاء إلى الاول وكان ابن أبى ليلى يقول في هذا يرجع الولاء إلى الاول ويرد الثمن ويبطل النسب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا ليس ببيع خيار بشرط فهو حر حين عقد البيع وإنما زعمت أنه يعتق من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) (قال الشافعي) وتفرقهما تفرقهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه فلما(7/144)
كان لمالك العبد الحالف بعتقه إجازة البيع ورده كان لم ينقطع ملكه عنه الانقطاع كله ولو ابتدأ العتق في هذه الحال لعبده الذي باعه عتق فعتق بالحنث ولو كان باعه بيع خيار كان هكذا عندي لاني أزعم أن الخيار إنما هو بعد البيع ومن زعم أن الخيار يجوز مع عقد البيع لم يعتق لان الصفقة اخرجته من ملك الحالف خروجا لا خيار له فيه فوقع العتق عليه وهو خارج من ملكه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لو قال رجل لغلامه أنت حر لو كلمت فلانا أو دخلت الدار فباعه وفارق المشتري ثم كلم فلانا أو دخل الدار لم يعتق لان الحنث وقع وهو خارج من ملكه وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا ثم طلقها واحدة بائنة أو واحدة يملك الرجعة وانقضت عدتها ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يقع عليه الطلاق الذي حلف به لانها قد خرجت من ملكه ألا ترى أنها لو تزوجت زوجا غيره ثم كلم الاول فلانا وهي عند هذا الرجل لم يقع عليها الطلاق وهي تحت غيره وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يقع عليها الطلاق لانه حلف بذلك وهي في ملكه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو قال لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا ثم خالعها ثم كلم فلانا لم يقع عليها طلاق من قبل أن الطلاق وقع وهي خارجة من ملكه وهكذا لو طلقها واحدة فانقضت عدتها ثم كلم فلانا لم يقع عليه الطلاق لان الطلاق لا يقع إلا على زوجة وهي ليست بزوجة ولو نكحها نكاحا جديدا لم يحنث بهذا الطلاق وإن كلمه كلاما جديدا لان الحنث لا يقع إلا مرة وقد وقع وهي خارجة من ملكه (قال) وإذا قال الرجل كل امرأة أتزوجها أبدا فهى طالق ثلاثا وكل مملوك أملكه فهو حر لوجه الله تعالى فاشترى مملوكا وتزوج امرأة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول يقع العتق على المملوك والطلاق على المرأة ألا ترى أنه طلق بعد ما ملك وأعتق بعد ما ملك وقد بلغنا عن علي رضى الله عنه أنه كان يقول لا طلاق
إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك فهذا إنما وقع بعد الملك كله ألا ترى أنه لو قال إذا تزوجتها أو ملكتها فهي طالق صارت طالقا وبهذا يأخذ ألا ترى أن رجلا لو قال لامته كل ولد تلدينه فهو حر ثم ولدت بعد عشر سنين كان حرا فهذا عتق ما لم يملك ألا ترى أن رجلا لو كانت عنده امرأة فقال لها إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها في العدة أو بعدها أن ذلك واقع عليها لانه حلف وهو يملكها ووقع الطلاق وهو يملكها أرأيت لو قال لعبد له إن اشتريتك فأنت حر فباعه ثم اشتراه أما كان يعتق وكان ابن أبى ليلى يقول لا يقع في ذلك عتق ولا طلاق إلا أن يوقت وقتا فإن وقت وقتا في سنين معلومة أو قال ما عاش فلان أو فلانة أو وقت مصرا من الامصار أو مدينة أو قبيلة لا يتزوج ولا يشتري منها مملوكا فإن ابن أبى ليلى يوقع على هذا الطلاق وأما قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه يوقع في الوقت وغير الوقت وقد بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال إذا وقت وقتا أو قبيلة أو ما عاشت فلانة وقع، وإذا قال الرجل إن وطئت فلانة فهي حرة فاشتراها فوطئها فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا تعتق من قبل أنه حلف وهو لا يملكها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول تعتق فإن قال إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة فاشتراها فوطئها فهي حرة في قولهما جميعا (قال الربيع) للشافعي رحمه الله تعالى هاهنا جواب.
باب في العارية وأكل الغلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعار الرجل الرجل أرضا يبنى فيها ولم يوقت وقتا ثم بدا له أن(7/145)
يخرجه بعدما بنى فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول نخرجه ويقال للذي بنى أنقض بناءك وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول الذي أعاره ضامن لقيمة البنيان والبناء للمعير وكذلك بلغنا عن شريح فإن وقت له وقتا فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعار الرجل الرجل بقعة من الارض يبنى فيها بناء فبناه لم يكن لصاحب البقعة أن يخرجه من بنائة حتى يعطيه قيمته قائما يوم يخرجه ولو وقت له وقتا وقال أعرتكها عشر سنين وأذنت لك في البناء مطلقا كان هكذا ولكنه لو قال فإن انقضت العشر السنين كان عليك
أن تنقض بناءك كان ذلك عليه لانه لم يغر إنما هو غر نفسه (قال) وإذا أقام الرجل البينة على أرض ونخل أنها له وقد أصاب الذي هو في يديه من غلة النخل والارض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الذي كانت في يديه ضامن لما أخذ من الثمر وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا ضمان عليه في ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت النخل والارض في يدي الرجل فأقام رجل عليها البينة أنها له منذ عشر سنين وقد أصاب الذي هي في يديه ثمرها منذ عشر سنين أخرجت من يديه وضمن ثمرها وما أصاب منها من شئ فدفعه إلى صاحب البينة فإن كانت الارض تزرع فزرعها للزارع وعليه كراء مثل الارض وإن كان لم يزرعها فعليه كراء مثل الارض (قال) وإذا زرع الرجل الارض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الزرع للذي كانت في يديه وهو ضامن لما نقص الارض في قول أبى حنيفة ويتصدق بالفضل وكان ابن أبى ليلى يقول لا يتصدق بشئ وليس عليه ضمان (قال) وإذا أخذ الرجل أرض رجل إجارة سنة وعملها وأقام فيها سنتين فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو ضامن لما نقص الارض في السنة الثانية ويتصدق بالفضل ويعطي أجر السنة الاولى وكان ابن أبى ليلى يقول عليه أجر مثلها في السنة الثانية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الارض ليزرعها سنة فزرعها سنتين فعليه كراؤها الذي تشارطا عليه في السنة الاولى وكراء مثلها في السنة الثانية ولو حدث عليها في السنة الثانية حدث ينقصها كان ضامنا، وهكذا الدور والعبيد والدواب وكل شئ استؤجر (قال) وإذا وجد الرجل كنزا قديما في أرض رجل أو داره فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول هو لرب الدار وعليه الخمس وليس للذي وجده منه شئ وكان ابن أبى ليلى يقول هو للذي وجده وعليه الخمس ولا شئ لصاحب الدار والارض فيه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وجد الرجل كنزا جاهليا في دار رجل فالكنز لرب الدار وفيه الخمس وإنما يكون الكنز لمن وجده إذا وجده في موضع لا يملكه أحد وإذا كان الكنز إسلاميا ولم يوجد في ملك أحد فهو لقطة يعرفه سنة ثم هو له.
باب في الاجير والاجارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الاجير والمستأجر في الاجرة فإن أبا حنيفة رضى الله
عنه كان يقول القول قول المستأجر مع يمينه إذا عمل العمل وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول الاجير فيما بينه وبين أجر مثله إلا أن يكون الذي ادعى أقل فيعطيه إياه وإن لم يكن عمل العمل تحالفا وترادا في قول أبى حنيفة وينبغي كذلك في قول ابن أبى ليلى وقال أبو يوسف بعد: إذا كان شئ متقارب قبلت قول المستأجر وأحلفته وإذا تفاوت لم أقبل وأجعل للعامل أجر مثله إذا حلف (قال(7/146)
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استأجر الرجل أجيرا فتصادقا على الاجارة واختلفا كم هي فإن كان لم يعمل تحالفا وترادا الاجارة وإن كان عمل تحالفا وترادا أجر مثله كان أكثر مما ادعى أو أقل مما أقر به المستأجر إذا أبطلت العقد وزعمت أنها مفسوخة لم يجز أن أستدل بالمفسوخ على شئ ولو استدللت به كنت لم أعمل المفسوخ ولا الصحيح على شئ (قال) وإذا استأجر الرجل بيتا شهرا يسكنه فسكنه شهرين أو استأجر دابة إلى مكان فجاوز ذلك المكان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الاجر فيما سمى ولا أجر له فيما لم يسم لانه قد خالف وهو ضامن حين خالف ولا يجتمع عليه الضمان والاجرة وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول له الاجر فيما سمى وفيما خالف إن سلم وإن لم يسلم ذلك ضمن ولا نجعل عليه أجرا في الخلاف إذا ضمنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الدابة إلى موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذي تكاراها إليه الكراء الذي تكاراها به وعليه من حين تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع وإذا عطبت لزمه الكراء إلى الموضع الذي عطبت فيه وقيمتها وهذا مكتوب في كتاب الاجارات (قال) وإذا تكارى الرجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم فحمل عليها أكثر من ذلك فعطبت الدابة فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول هو ضامن قيمة الدابة بحساب ما زاد عليها وعليه الاجر تاما إذا كانت قد بلغت المكان وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عليه قيمتها تامة ولا أجر عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الدابة على أن يحمل عليها عشرة مكاييل مسماة فحمل عليها أحد عشر مكيالا فعطبت فهو ضامن لقيمة الدابة كلها وعليه الكراء وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجعل عليه الضمان بقدر الزيادة كأنه تكاراها على أن يحمل عليها عشرة مكاييل فحمل عليها أحد عشر فيضمنه سهما من أحد عشر سهما ويجعل الاحد عشر كلها قتلتها ثم
يزعم أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه تكاراها مائة ميل فتعدى بها على المائة ميلا أو بعض ميل فعطبت ضمن الدابة كلها وكان ينبغي في أصل قوله أن يجعل المائة والزيادة على المائة قتلتها فيضمنه بقدر الزيادة لانه يزعم أنه ضامن للدابة حين تعدى بها حتى يردها ولو كان الكراء مقبلا ومدبرا فماتت في المائة ميل، وإذا غرقت سفينة الملاح فغرق الذي فيها وقد حمله بأجر فغرقت من مده أو معالجته السفينة فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول هو ضامن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا ضمان عليه في المد خاصة (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا فعل من ذلك الفعل الذي يفعل بمثلها في ذلك الوقت الذي فعل لم يضمن وإذا تعدى ذلك ضمن والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب القسمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار صغيرة بين اثنين أو شقص قليل في دار لا يكون بيتا فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول أيهما طلب القسمة وأبى صاحبه قسمت له ألا ترى أن صاحب القليل ينتفع بنصيب صاحب الكثير وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يقسم شئ منها (قال الشافعي) وإذا كانت الدار أو البيت بين شركاء فسأل أحدهم القسمة ولم يسأل ذلك من بقي فإن كان يصل إليه بالقسم شئ ينتفع به وإن قلت المنفعة قسم له وإن كره أصابه وإن كان لا يصل إليه منفعة ولا إلى أحد لم يقسم له.(7/147)
باب الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أتى الرجل إلى الامام في أيام التشريق وقد سبقه بركعة فسلم الامام عند فراغه فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول يقوم الرجل فيقضي ولا يكبر معه لان التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يكبر ثم يقوم فيقضى (قال) وإذا صلى الرجل في أيام التشريق وحده أو المرأة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا تكبير عليه ولا تكبير على من صلى في جماعة في غير مصر جامع ولا تكبير على المسافرين وكان ابن أبى ليلى يقول عليهم التكبير أبو يوسف عن عبيدة عن ابراهيم أنه قال التكبير على المسافرين وعلى المقيمين وعلى الذي يصلي
وحده وفي جماعة وعلى المرأة وبه يأخذ مجالد عن عامر مثله.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سبق الرجل بشئ من الصلاة في أيام التشريق فسلم الامام وكبر لم يكبر المسبوق بشئ من الصلاة وقضى الذي عليه فإذا سلم كبر وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما يتبع الامام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة ويكبر في أيام التشريق المرأة والعبد والمسافر والمصلى منفردا وغير منفرد والرجل قائما وقاعدا ومضطجعا وعلى كل حال، وإذا أدرك الامام وهو راكع فكبر معه ثم لم يركع حتى رفع الامام رأسه فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة أخبرنا بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يركع ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى ينهي عن القنوت في الفجر وبه يأخذ ويحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقنت إلا شهرا واحدا حارب حيا من المشركين فقنت يدعو عليهم وأن أبا بكر رضى الله عنه لم يقنت حتى لحق بالله عزوجل وأن ابن مسعود رضى الله عنه لم يقنت في سفر ولا في حضر وأن عمر بن الخطاب لم يقنت وأن ابن عباس رضى الله عنه لم يقنت وأن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لم يقنت وقال يا أهل العراق أنبئت أن إمامكم يقوم لا قارئ قرآن ولا راكع يعني بذلك القنوت وأن عليا رضى الله عنه قنت في حرب يدعو على معاوية فأخذ أهل الكوفة عنه ذلك وقنت معاوية بالشام يدعو على علي رضى الله فأخذ أهل الشام عنه ذلك وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يرى القنوت في الركعة الاخيرة بعد القراءة وقبل الركوع في الفجر ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قنت بهاتين (3) السورتين (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق) وكان يحدث عن ابن عباس رضى الله عنهما عن عمر رضى الله عنه بهذا الحديث ويحدث عن علي رضى الله عنه أنه قنت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن أدرك الامام راكعا فكبر ولم يركع حتى يرفع الامام رأسه سجد مع الامام ولم يعتد بذلك السجود لانه لم يدرك ركوعه ولو ركع بعد رفع الامام رأسه لم يعتد بتلك الركعة لانه لم يدركها مع الامام ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه فقرأ ولا صلى مع الامام فيما أدرك مع
الامام ويقنت في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك علمناه القنوت في الصبح قط وإنما قنت النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه قتل أهل بئر معونة خمس عشر ليلة يدعو على قوم من المشركين في الصلوات كلها ثم ترك القنوت في الصلوات كلها فأما في صلاة الصبح فلا أعلم أنه تركه بل نعلم أنه قنت في الصبح قبل قتل أهل بئر معونة وبعد.
وقد قنت بعد رسول(7/148)
الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعلي بن أبى طالب رضى الله عنهم كلهم بعد الركوع وعثمان رضى الله عنه في بعض إمارته ثم قدم القنوت على الركوع وقال ليدرك من سبق بالصلاة الركعة.
باب صلاة الخوف (قال) وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في صلاة الخوف: يقوم الامام وتقوم معه طائفة فيكبرون مع الامام ركعة وسجدتين ويسجدون معه فينفتلون من غير أنه يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو ثم تأتى الطائفة التى كانت باءزاء العدو فيستقبلون التكبير ثم يصلى بهم الامام ركعة أخرى وسجدتين ويسلم الامام فينفتلون هم من غير تسليم ولا يتكلموا فيقوموا بإزاء العدو وتأتى الاخرى فيصلون ركعة وحدانا ثم يسلمون وذلك لقول الله عزوجل (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) وكذلك بلغنا عن عبد الله بن عباس وإبراهيم النخعي وكان ابن أبى ليلى يقول يقوم الامام والطائفتان جميعا إذا كان العدو بينهم وبين القبلة فيكبر ويكبرون ويركع ويركعون جميعا ويسجد الامام والصف الاول ويقوم الصف الآخر في وجوه العدو فإذا رفع الامام رفع الصف الاول رؤوسهم وقاموا وسجد الصف المؤخر فإذا فرغوا من سجودهم قاموا ثم تقدم الصف المؤخر ويتأخر الصف الاول فيصلى بهم الامام الركعة الاخرى كذلك ويحدث بذلك ابن أبى ليلى عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كان العدو في دبر القبلة قام الامام وصف معه مستقبل القبلة والصف الآخر مستقبل العدو ويكبر ويكبرون جميعا ويركع ويركعون جميعا ثم يسجد الصف الذى مع الامام سجدتين ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجئ الآخرون فيسجدون ويصلى بهم الامام الركعة الثانية فيركعون جميعا ويسجد معه الصف الذى معه ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجئ الآخرون
فيسجدون ويفرغون ثم يسلم الامام وهم جميعا (قال الشافعي) وإذا صلى الامام صلاة الخوف مسافرا جعل طائفة من أصحابه بينه وبين العدو وصلى بطائفة ركعة ثم ثبت قائما يقرأ وصلوا لانفسهم الركعة التى بقيت عليهم وتشهدوا وسلموا ثم انصرفوا وقاموا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التى كانت بإزاء العدو فكبروا لانفسهم وصلى بهم الركعة التى كانت بقيت عليه فإذا جلس في التشهد قاموا فصلوا الركعة التى بقيت عليهم ثم جلسوا فتشهدوا فإذا رأى الامام أن قد قضوا تشهدهم سلم بهم وبهذا المعنى صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وقد روى عنه في صلاة الخوف خلاف هذا وهذا مكتوب في كتاب الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل بينه وبينهم ولا سترة وحيث لا يناله النبل وكان العدو قليلا مأمونين وأصحابه كثيرا وكانوا بعيدا منه لا يقدرون في السجود على الغارة عليه قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع صلى بأصحابه كلهم فإذا ركع ركعوا كلهم وإذا رفع رفعوا كلهم وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفا يكونون على رأسه قياما فإذا رفع رأسه من السجدتين فاستوى قائما أو قاعدا في مثنى اتبعوه فسجدوا ثم قاموا بقيامه وقعدوا بقعوده وهكذا صلى الله عليه وسلم في غزاة الحديبية بعسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة وكان خالد في مائتي فارس منتبذا من النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر والنبى صلى الله عليه وسلم في ألف وأربعمائة ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جهر الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراء عمدا فإن أبا حنيفة(7/149)
رحمه الله تعالى كان يقول قد أساء وصلاته تامة وكان ابن أبى ليلى يقول يعيد بهم الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جهر الامام في الظهر أو العصر أو خافت في المغرب أو العشاء فليس عليه إعاده وقد أساء إن كان عمدا، وإذا صلى الرجل أربع ركعات بالليل ولم يسلم فيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا بأس بذلك وكان ابن أبى ليلى يقول أكره ذلك له حتى يسلم في كل ركعتين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى صلاة الليل والنهار من النافلة سواء يسلم في كل ركعتين، وهكذا جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وقد يروى عنه خبر يثبت أهل
الحديث مثله في صلاة النهار ولو لم يثبت كان إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين كان معقولا في الخبر عنه أن أراد والله تعالى أعلم الفرق بين الفريضة والنافلة ولا تختلف النافلة في الليل والنهار كما لا تختلف المكتوبة في الليل والنهار لانها موصولة كلها (قال) وهكذا ينبغى أن تكون النافلة في الليل والنهار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والتكبير على الجنائز أربع وما علمت أحدا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه يثبت مثله أنه كبر إلا أربعا وكان أبو حنيفة يكبر على الجنائز اربعا وكان ابن أبى ليلى يكبر خمسا على الجنائز (قال الشافعي) ويجهر في الصلاة ب (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل أم القرآن وقبل السورة التى بعدها فإن جمع في ركعة سورا جهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل كل سورة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يكره أن يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) وكان ابن أبى ليلى يقول إذا جهرت فحسن وإذا أخفيت فحسن (قال) وذكر عن ابن أبى ليلى عن رجل توضأ ومسح على خفيه من حدث ثم نزع الخفين قال يصلى كما هو وحدث بذلك عن الحكم عن إبراهيم وذكر أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال لا يصلى حتى يغسل رجليه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا صلى الرجل وقد مسح على خفيه ثم نزعهما أحببت له أن لا يصلى حتى يستأنف الوضوء لان الطهارة إذا انتقضت عن عضو احتملت أن تكون على الاعضاء كلها فإذا لم يزد على غسل رجليه أجزأه وقد روى عن ابن عمر أنه توضأ وخرج إلى السوق ثم دعى لجنازة فمسح على خفيه وصلى كان أحب إلى وإن كان إنما يعدها عقدا ولا يلفظ بعددها لفظا لم يكن عليه شئ وإن لفظ بشئ من ذلك لفظا فقال واحدة وثنتان وهو ذاكر لصلاته انتقضت صلاته وكان عليه الاستئناف، قال وإذا توضأ الرجل بعض وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول يتم ما قد بقى ولا يعيد على ما مضى وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إن كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم ما بقى وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك أعاده على ما جف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ورأيت المسلمين جاءوا بالوضوء متتابع نسقا على مثل ما توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم فمن جاء به كذلك ولم يقطعه لغير عذر من انقطاع الماء وطلبه بنى على وضوئه ومن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفا أنه أخذ في عمل غيره فأحب إلى
أن يستأنف وإن أتم ما بقى أجزأه.
ابن ابى ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يتشهد ويسلم وبه يأخذ، أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى بذلك بأسا وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو ترك المصلى مسح وجهه من التراب حتى يسلم كان أحب إلى فإن فعل فلا شئ عليه.(7/150)
باب الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان على رجل دين ألف درهم وله على الناس دين ألف درهم وفى يده ألف درهم فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول ليس عليه زكاة فيما في يديه حتى يخرج دينه فيزكيه وكان ابن أبى ليلى يقول عليه فيما في يديه الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت في يدى رجل ألف درهم وعليه مثلها فلا زكاة عليه وإن كانت المسألة بحالها وله دين ألف درهم فلو عجل الزكاة كان أحب إلى وله أن يؤخرها حتى يقبض ماله فإن قبضه زكى مما في يديه وإن تلف لم يكن عليه فيه زكاة (قال الربيع) آخر قول الشافعي إذا كانت في يديه ألف وعليه ألف فعليه الزكاة (قال الربيع) من قبل أن الذى في يديه إن تلف كان منه وإن شاء وهبها وإن شاء تصدق بها فلما كانت في جميع أحكامها مالا من ماله وقد قال الله عزوجل (خذ من أموالهم صدقة) كانت عليه فيها الزكاة، قال وكان ابن أبى ليلى يقول زكاة الدين على الذى هو عليه فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بل هي على صاحبه الذى هو له إذا خرج كذلك بلغنا عن علي ابن أبى طالب رضى الله عنه وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل دين على الناس فإن كان حالا وقد حال عليه الحول في يدى الذى هو عليه أو أكثر من حول فإن كان يقدر على أخذه منه فتركه فعليه فيه الزكاة وهو كمال له وديعة في يدى رجل عليه أن يزكيه إذا كان قادرا عليه وإن كان لا يدرى لعله سيفلس له به أو كان متغيبا عنه فعليه إذا كان حاضرا طلبه منه بألح ما يقدر عليه فإذا نض في يديه فعليه الزكاة لما مضى في يديه من السنين فإن تلف قبل أن يقبضه فلا زكاة عليه فيه وهكذا إذا كان
صاحب الدين متغيبا عنه، قال وإذا كانت أرض من أرض الخراج فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ليس فيها عشر لا يجتمع عشر وخراج وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عليه فيها العشر مع الخراج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا زرع الرجل أرضا من أرض الخراج فعليه في زرعها العشر كما يكون عليه في زرع أرض لرجل تكاراها منه، وهى لذلك الرجل أو هي صدقة موقوفة، قال وإذا كانت الارض من أرض العشر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في كل قليل وكثير أخرجت من الحنطة والشعير والزبيب والتمر والذرة وغير ذلك من أصناف الغلة العشر ونصف العشر والقليل والكثير في ذلك سواء وإن كانت حزمة من بقل وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن أبى ليلى يقول ليس في شئ من ذلك عشر إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا يكون فيه العشر حتى يبلغ خمسة أوسق فصاعدا والوسق عندنا ستون صاعا والصاع مختوم بالحجاجى وهو ربع بالهاشمي الكبير وهو ثمانية أرطال والمد رطلان وبه يأخذ وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس في البقول والخضراوات عشر ولا أرى في شئ من ذلك عشرا إلا الحنطة والشعير والحبوب وليس فيه شئ حتى يبلغ خمسة أوسق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا زرع الرجل أرضا من أرض العشر فلا زكاة عليه حتى يخرج منها خمسة أوسق من كل صنف مما أخرجت مما فيه الزكاة وذلك ثلثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس في الخضر زكاة والزكاة فيما اقتيت ويبس وداخر مثل الحنطة والذرة والشعير والزبيب والحبوب التى في هذا المعنى التى ينبت الناس، قال وإذا كان لرجل إحدى واربعون بقرة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إذا حال عليها الحول ففيها مسنة وربع عشر مسنة وما زاد فبحساب ذلك إلى أن تبلغ ستين بقرة وأظنه حدثه أبو(7/151)
حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن أبى ليلى يقول لا شئ في الزيادة على الاربعين حتى تبلغ ستين بقرة وبه يأخذ وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا شئ في الاوقاص والاوقاص عندنا ما بين الفريضتين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس في البقر صدقة حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم ليس في الزيادة على الثلاثين صدقة حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين
ففيها مسنة ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان ثم ليس في الفضل على الستين صدقة حتى تبلغ سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة ثم ليس في الفضل على السبعين صدقة حتى تبلغ ثمانين فإذا بلغت الثمانين ففيهما مسنتان ثم هكذا صدقتها ولك صدقة من الماشية فلا شئ فيها فيما بين الفريضتين وكل ما كان فوق الفرض الاسفل لم يبلغ الفرض الاعلى فالفضل فيه عفو صدقته صدقة الاسفل قال وإذا كان للرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم فحال عليها الحول فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في الزكاة يضيف أقل الصنفين إلى أكثرهما ثم يزكيه إن كانت الدنانير أقل من عشره دراهم بدينار تقوم الدراهم دناينر ثم يجمعها جميعا فتكون أكثر من عشرين مثقالا من الذهب فيزكيها في كل عشرين مثقالا نصف مثقال فما زاد فليس فيه شئ من الزكاة حتى يبلغ أربعة مثاقيل فيكون فيها عشر مثقال وإذا كانت الدنانير أكثر من عشرة دراهم بدينار قوم الدنانير دراهم وأضافها إلى الدارهم فتكون أكثر من مائتي درهم ففى كل مائتين خمسة دراهم ولا شئ فيما زاد على المائتين حتى يبلغ أربعين درهما فإذا بلغت ففى كل أربعين زادت بعد المائتين درهم وكان ابن أبى ليلى يقول لا زكاة في شئ من ذلك حتى يبلغ الذهب عشرين مثقالا وتبلغ الفضة مائتي درهم ولا يضيف بعضها إلى بعض ويقول هذا مال مختلف بمنزلة رجل له ثلاثون شاة وعشرون بقرة وأربعة أبعرة فلا يضاف بعضها إلى بعض وقال ابن أبى ليلى ما زاد على المائتي الدرهم والعشرين المثقال من شئ فبحساب ذلك ما كان من قليل أو كثير وبهذا يأخذ في الزيادة، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه ليس فيما زاد على المائتين شئ حتى يبلغ أربعين درهما وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يقوم الذهب ولا الفضة إنما الزكاة على وزنه جاءت بذلك السنة إن كان له منها خمسة عشر مثقالا ذهبا لم يكن عليه فيها زكاه ولو كان قيمتها ألف درهم لان الحديث إنما جاء في عشرين مثقالا ولو كان له مع ذلك أربعون درهما لم يزكه حتى يكون خمسين درهما فإذا كمل من الاخرى أوجبت فيه الزكاة وكذلك لو كان نصف من هذا ونصف من هذا ففيه الزكاة فيضيف بعضه إلى بعض ويخرجه دراهم أو دنانير وإن شاء زكى الذهب والفضة بحصتهما أي ذلك فعل أجزأه ولو كان له مائتا درهم وعشرة مثاقيل زكى المائتي الدرهم بخمسة دراهم وزكى العشرة
مثاقيل بربع مثقال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم فحال عليها الحول فلا زكاة فيها ولا يضم الذهب إلى الورق وهو صنف غيرها يحل الفضل في بعضها على بعض يدا بيد كما لا يضم التمر إلى الزبيب وللتمر بالزبيب أشبه من الفضة بالذهب وأقرب ثمنا بعضه من بعض وكما لا تضم الابل إلى البقر ولا البقرة إلى الغنم، قال ولو أن رجلا له مائتا درهم وعشرة مثاقيل ذهبا فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول إذا حال عليها الحول يضيف بعضه إلى بعض ويزكيه كله وقال ابن أبى ليلى هذان مالان مختلفان تجب الزكاة على الدراهم ولا تجب على الذهب وقال أبو يوسف فيه الزكاة كله ألا ترى أن التاجر يكون له المتاع للتجارة وهو مختلف فيقومه ويضيف بعضه إلى بعض ويزكيه وكذلك الذهب والفضة وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أمر(7/152)
رجلا تاجرا أن يقوم تجارته عند الحول فيزكيها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان له مائتا درهم وتسعة عشر مثقالا زكى المائتين ولم يزك عشر مثقالا كما يكون له خمسة أوسق تمرا وخمسة أوسق زبيبا إلا صاعا فيزكى التمر ولا يزكى الزبيب.
باب الصيام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اكتحل الرجل في شهر رمضان أو غير رمضان وهو صائم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا بأ س بذلك وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يكره ذلك ويكره أن يدهن شاربه بدهن يجد طعمه وهو صائم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا بأس أن يكتحل الصائم ويدهن شاربه ورأسه ووجهه وقدميه وجميع بدنه بأى دهن شاء غالية أو غير غالية، وإذا صام الرجل يوما من شهر رمضان فشك أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أنه من رمضان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال يجزيه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجزيه ذلك وعليه قضاء يوم مكانه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصبح الرجل يوم الشك من رمضان وقد بيت الصوم من الليل على أنه من رمضان فهذه نية كاملة تؤدى عنه ذلك اليوم إن كان من شهر رمضان وإن لم يكن من شهر رمضان أفطر (قال الربيع) قال الشافعي في موضع آخر لا يجزيه لانه صام على الشك، وإذا
أفطرت المرأة يوما من رمضان متعمدة ثم حاضت من آخر النهار فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ليس عليها كفارة وعليها القضاء وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عليها الكفارة وعليها القضاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أصاب الرجل امرأته في شهر رمضان ثم مرض الرجل في آخر يومه فذهب عقله أو حاضت المرأة فقد قيل على الرجل عتق رقبة وقيل لا شئ عليه فأما إذا سافرا فإن عليه عتق رقبة وذلك أن السفر شئ يحدثه فلا يسقط عنه ما وجب عليه بشئ يحدثه (قال) وإذا وجب على الرجل صوم شهرين من كفارة إفطار من رمضان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ذانك الشهران متتابعان ليس له أن يصومها إلا متتابعين وذكر أبو حنيفة نحوا من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليسا بمتتابعين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا لم يجد المجامع في شهر رمضان عتقا فصام لم يجز عنه إلا شهران متتابعان وكفارته الظهار ولا يجزى عنه الصوم ولا الصدقة وهو يجد عتقا (قال) وإذا توضأ الرجل للصلاة المكتوبة فدخل المال حلقه وهو صائم في رمضان ذاكرا لصومه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إن كان ذاكرا لصومه حين توضأ فدخل الماء حلقه فعليه القضاء وإن كان ناسيا لصومه فلا قضاء عليه وذكر أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن أبى ليلى يقول لا قضاء عليه إذا توضأ لصلاة مكتوبة وإن كان ذاكرا لصومه وقد ذكر عن عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: إذا توضأ لصلاة مكتوبة وهو صائم فدخل الماء حلقه فلا شئ عليه وإن كان توضأ لصلاة تطوع فعليه القضاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا توضأ الرجل للصلاة وهو صائم فتمضمض ودخل الماء جوفه وهو ناس لصومه فلا شئ عليه.
ولو شرب وهو ناس لم ينقض ذلك صومه.
وإذا كان ذاكرا لصومه فدخل الماء جوفه فأحب إلى أن يعيد الصوم احتياطا.
وأما الذى يلزمه فلا يلزمه أن يعيد حتى يكون أحدث شيئا من ازدراد أو فعل فعلا ليس له دخل به الماء جوفه.
فأما إذا كان إنما أراد المضمضة فسبقه شئ في حلقه بلا إحداث ازدارد(7/153)
تعمد به الماء إلا إدخال النفس وإخراجه فلا يجب عليه أن يعيد الصوم.
وهذا خطأ في معنى النسيان أو أخف منه.
باب في الحج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا تشعر البدن ويقول الاشعار مثلة وكان ابن أبى ليلى يقول الاشعار في السنام من الجانب الايسر وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتشعر البدن في أسنمتها والبقر في أسنمتها أو مواضع الاسنمة ولا تشعر الغنم والاشعار في الصفحة اليمنى وكذلك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشعر في الشق الايمن وبذلك تركنا قول من قال لا يشعر إلا في الشق الايسر وقد روى أن ابن عمر أشعر في الشق الايسر أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن نافع أن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما كان لا يبالى في أي الشقين أشعر في الايمن أو الايسر، قال وإذا أهل الرجل بعمرة فأفسدها فقدم مكة وقضاها فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول يجزيه أن يقضيها من التنعيم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجزيه أن يقضيها إلا من ميقات بلاده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أهل الرجل بعمرة من ميقات فأفسدها فلا يجزيه أن يقضيها إلا من الميقات الذى أبتدأ منه العمرة التى أفسدها ولا نعلم القضاء في شئ من الأعمال إلا بعمل مثله فأما عمل أقل منه فهذا قضاء لبعض دون الكل وإنما يجزى قضاء الكل لا البعض ومن قال له أن يقضيها خارجا من الحرم دخل عليه خلاف ما وصفنا من القياس وخلاف الآثار وقد ظننت أنه إنما ذهب إلى أن عائشة رضى الله تعالى عنها إنما كانت مهلة يعمرة وأنها رفضت العمرة وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تقضيها من التنعيم وهذا ليس كما روى إنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة فكانت قارنة وإنما كانت عمرتها شيئا استحبته فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بها فاعتمرت لا أن عمرتها كانت قضاء وإذا أصاب الرجل من صيد البحر شيئا سوى السمك فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول لا خير في شئ من صيد البحر سوى السمك وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا بأس بصيد البحر كله (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه ولا بأس بأن يصيد المحرم جميع ما كان معاشه في الماء من السمك وغيره قال الله عزوجل (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) فقال بعض أهل العلم بالتفسير طعامه كل ما كان فيه
وهو شبه ما قال والله تعالى أعلم وقال أبو يوسف رحمه الله سألت أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه عن حشيش الحرم فقال أكره أن يرعى من حشيش الحرم شيئا أو يحتش منه.
قال وسألت ابن أبى ليلى عن ذلك فقال لا بأس أن يحتش من الحرم ويرعى منه، قال وسألت الحجاج بن أرطاة فأخبرني أنه سأل عطاء بن أبى رباح فقال لا بأس أن يرعى وكره أن يحتش وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا بأس أن يرعى نبات الحرم شجره ومرعاه ولا خير في أن يحتش منه شئ لان الذى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أن يختلى خلاها إلا الاذخر والاختلاء الاحتشاش نتفا وقطعا وحرم أن يعضد شجرها ولم يحرم أن يرعى قال أبو يوسف رحمه الله تعالى سألت أبا حنيفة رضى الله عنه قال لا بأس أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل وبه يأخذ قال وسمعت ابن أبى ليلى يحدث عن(7/154)
عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل شيئا وحدثنا شيخ عن رزين مولى علي بن عبد الله بن عباس أن علي بن عبد الله كتب إليه أن يبعث إليه بقطعة من المروة يتخذها مصلى يسجد عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا خير في أن يخرج من حجارة الحرم ولا ترابه شئ إلى الحل لان له حرمة ثبتت باين بها ما سواها من البلدان ولا أرى والله تعالى أعلم أن جائزا لاحد أن يزيله من الموضع الذى باين به البلدان إلى أن يصير كغيره (قال الشافعي) وقد أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الازرق عن أبيه عن عبد الاعلى ابن عبد الله بن عامر قال قدمت مع أمي أو قال جدتى مكة فأتتها صفية بنت شيبة فأكرمتها وفعلت بها فقالت صفية ما أدرى ما أكافئها به فأرسلت إليها بقطعة من الركن فخرجت بها فنزلنا أول منزل فذكر من مرضهم وعلتهم جميعا قال فقالت أمي أو جدتى ما أرانا أتينا إلا أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم فقالت لى وكنت أمثلهم انطلق بهذ القطعة إلى صفية فردها وقل لها إن الله جل وعلا وضع في حرمه شيئا فلا ينبغى أن يخرج منه قال عبد الاعلى فقالوا لى فما هو إلا أن تجينا دخولك الحرم فكأنما أنشطنا من عقل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقال غير واحد من أهل العلم لا ينبغى أن يخرج من الحرم شئ إلى غيره، وإذا أصاب الرجل حماما من حمام الحرم فإن أبا حينفة رحمه الله كان يقول عليه قيمته
وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عليه شاة وسمعت ابن أبى ليلى يقول في حمام الحرم عن عطاء بن أبى رباح شاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل بمكة حماما من حمامها فعليه شاة اتباعا لعمر وعثمان وابن عباس وابن عمر ونافع ابن عبد الحرث وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وقد زعم الذى قال فيه قيمة أنه لا يخالف واحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف أربعة في حمام مكة، وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن المحرم يصيب الصيد فيحكم عليه فيه عناق أو جفرة أو شبه ذلك فقال لا يجزى في هدى الصيد إلا ما يجزى في هدى المتعة الجذع من الضأن إذا كان عظيما أو الثنى من المعز والبقر والابل فما فوق ذلك لا يجزى ما دون ذلك ألا ترى إلى قول الله عزوجل في كتاب في جزاء الصيد (هديا بالغ الكعبه) وسألت ابن أبى ليلى عن ذلك فقال يبعث به وإن كان عناقا أو حملا قال أبو يوسف رحمه الله أخذ بالاثر في العناق والجفرة وقال أبو حنيفة رحمه الله في ذلك كله قيمته وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل صيدا صغيرا فداه بشاة صغيرة لان الله عزوجل يقول (مثل) والمثل مثل الذى يفدى فإذا كان كبيرا كان كبيرا وإذا كان الذى يفدى صغيرا كان صغيرا ولا أعلم من قال لا يجوز أن يفدى الصيد الصغير بصغير مثله من الغنم إلا خالف القرآن والآثار والقياس والمعقول وإذا كان يزعم أن الصيد محرم كله فزعم أنه تفدى الجرادة بتمرة أو أقل من تمرة لصغرها وقلة قيمتها وتفدى بقرة الوحش ببقرة لكبرها فكيف لم يزعم أنه يفدى الصغير بالصغير وقد فدى الصغير بصغير والكبير بكبير وقد قال الله عزوجل (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وإنما رفع وخفض بالمثل عنده فكيف يفدى بتمرة ولا يفدى بعناق وما للضحايا وهدى المتعة وجزاء الصيد هل رآه قياس جزاء الصيد حين أصاب المحرم البقرة بأن قال يكفيه شاة كما يكفى المتمتع أو المضحي أو قاسه حين أصاب المحرم جرادة بأن قال لا يجزى المحرم إلا شاة كما لا يجزى المضحي والمتمتع إلا شاة فإن قال لا قيل ألان جزاء الصيد كما قال الله تبارك وتعالى مثل وإنما (المثل) صغيرا أو كبيرا على قدر المصاب فإن قال نعم قيل فما أضلك عن الجفرة إذا كانت مثل ما أصيب وإن كنت تقلد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وحده في أقضية لا(7/155)
حجة لك في شئ منها الا تقليده فكيف خالفته ومعه القرآن والقياس والمعقول وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وقد قضى عمر رضى الله عنه في الارنب بعناق وفى اليربوع بجفرة وقضى في الضب بجدى قد جمع الماء والشجر وقضى ابن مسعود رضى الله عنه في اليربوع بجفرة أو جفر وقضى عثمان رضى الله عنه في أم حبين بحلان من الغنم يعنى حملا وذكر عن خصيف الجزرى عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه داود بن أبى هند عن عامر مثله وسمعت ابن أبى ليلى يقول عن عطاء بن أبى رباح في البيضة درهم وقال أبو حنيفة رحمه الله قيمتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب المحرم بيض نعام أو بيض حمام أو بيضا من الصيد ففيه قيمته قياسا على الجرادة وعلى ما لم يكن له مثل من النعم.
باب الديات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وللمقتول ورثة صغار وكبار فان أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول للكبار أن يقتلوا صاحبهم إن شاءوا وكان ابن أبى ليلى يقول ليس لهم أن يقتلوا حتى يكبر الاصاغر وبه يأخذ، حدثنا أبو يوسف عن رجل عن أبى جعفر أن الحسن بن علي رضى الله عنهما قتل ابن ملجم بعلي وقال أبو يوسف وكان لعلي رضى الله عنه أولاد صغار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وله ورثة صغار وكبار أو كبار غيب فليس لاحد منهم أن يقتل حتى تبلغ الصغار وتحضر الغيب ويجتمع من له سهم في ميراثه من زوجة أو أم أو جدة على القتل فإذا اجتمعوا كان لهم أن يقتلوا فإذا لم يجتمعوا لم يكن لهم أن يقتلوا وإذا كان هذا هكذا فلايهم شاء من البالغين الحضور أن يأخذ حصته من الدية من مال الجاني بقدر ميراثه من المقتول وإذا فعل كان لاولياء الغيب وعلى أولياء الصغار أن يأخذوا لهم حصصهم من الدية لان القتل قد حال وصار مالا فلا يكون لولى الصغير أن يدعه وقد أمكنه أخذه فإن قال قائل كيف ذهبت إلى هذا دون غيره من الاقاويل وقد قال بعض أهل العلم أي ولاة الدم قام به قتل وإن عفا الآخرون فأنزله بمنزلة الحد وقال غيره من أهل العلم يقتل البالغون ولا ينتظرون الصغار وقال غيره يقتل الولد ولا ينتظرون الزوجة ؟ قيل ذهبنا إليه أنه السنة التى لا ينبغى أن تخالف أو في مثل معنى السنة والقياس على الاجماع
فإن قال فأين السنة فيه ؟ قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا أخذوا القصاص وإن أحبوا فالدية) فلما كان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لولاة الدم أن يقتلوا ولهم أن يأخذوا المال وكان إجماع المسلمين أن الدية موروثة لم يحل لوارث أن يمنع الميراث من ورث معه حتى يكون الوارث يمنع نفسه من الميراث وهذا معنى القرآن في قول الله عزوجل (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وهذا مكتوب في كتاب الديات ووجدنا ما خالفه من الاقاويل لا حجة فيه لما وصفت من السنة بخلافهم ووجدت مع ذلك قولهم متناقضا إذ زعموا انهم امتنعوا من أن يأخذوا الدية من القاتل لانه إنما عليه دم لا مال فلو زعموا أن واحدا من الورثة لو عفا حال الدم مالا ما لزموا قولهم ولقد نقضوه فأما الذين قالوا هو كالحد يقوم به أي الورثة شاء وإن عفا غيره فقد خالفوا بينه وبين الحد من أجل أنهم يزعمون أن للورثة العفو عن القتل ويزعمون أنه لا عفو لهم عن الحد ويزعمون أنهم لو اصطلحوا في القتل على الدية جاز ذلك ويزعمون أنهم لو(7/156)
اصطلحوا على مال في الحد لم يجز وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل لم يدر أيهم أصابه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو على عاقلة القبيلة التى وجد فيها إذا لم يدع ذلك أولياء القتيل على غيرهم وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول هو على عاقلة الذين اقتتلوا جميعا إلا أن يدعى أولياء القتيل على غير أولئك وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل فادعى أولياؤه على أحد بعينه أو على طائفة بعينها أو قالوا قد قتلته إحدى الطائفتين لا يدرى أيتهما قتلته قيل لهم إن جئتم بما يوجب القسامة على إحدى الطائفتين أو بعضهم أو واحد بعينه أو أكثر قيل لكم أقسموا على واحد فإن لم تأتوا بذلك فلا عقل ولا قود ومن شئتم أن نحلفه لكم على قتله أحلفناه ومن أحلفناه أبرأناه وهكذا إن كان جريحا ثم مات ادعى على أحد أو لم يدع عليه إذا لم أقبل دعواه فيما هو أقل من الدم لم أقبلها في الدم وما أعرف أصلا ولا فرعا لقول من قال تجب القسامة بدعوى الميت ما القسامة التى قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن سهل إلا على خلاف ما قال فيها دعوى ولا لوث من بينة، وإذا أصيب الرجل وبه جراحة فاحتمل فلم يزل مريضا حتى مات فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى
عنه كان يقول ديته على تلك القبيلة التى أصيب فيهم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليس عليهم شئ، وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القصاص لكل وارث وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يجعل لكل وارث قصاصا إلا الزوج والمرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الزوج والمرأة الحرة والجدة وبنت الابن وكل وارث من ذكر أو أنثى فله حق في القصاص وفى الدية، وإذا وجد القتل في قبيلة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول القسامة على أهل الخطة والعقل عليهم وليس على السكان ولا على المشترين شئ وبه يأخذ ثم قال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد على المشترين والسكان وأهل الخطة وكان ابن أبى ليلى يقول الدية على السكان والمشترين معهم وأهل الخطة، وكذلك إذا وجد في الدار فهو على أهل القبيلة قبيلة تلك الدار والسكان الذين فيها في قول ابن ابى ليلى، وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول على عاقلة أرباب الدور خاصة وإن كانوا مشترين وأما السكان فلا وبهذا يأخذ (رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى إلى قول ابن أبى ليلى وقول أبى حنيفة المعروف ما بقى من أهل الخطة رجل فليس على المشترى شئ) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وجد الرجل قتيلا في دار رجل أو أهل خطة أو سكان أو صحراء أو عسكر فكلهم سواء لا عقل ولا قود إلا ببينة تقوم أو بما يوجب القسامة فيقسم الاولياء فإذا ادعى الاولياء على واحد وألف أحلفناهم وأبرأناهم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للانصاريين (فتبرئكم يهود بخمسين يمينا) فلما أبوا أن يقبلوا أيمانهم لم يجعل على يهود شيئا وقد وجد القتيل بين أظهرهم ووداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده متطوعا، وإذا قطع رجل يد امرأة أو امرأة يد رجل فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول ليس في هذا قصاص ولا قصاص فيما بين الرجال والنساء فيما دون النفس ولا فيما بين الاحرار والعبيد فيما دون النفس ولا قصاص بين الصبيان في النفس ولا غيرها وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول القصاص بينهم في ذلك وفى جميع الجراحات التى يستطاع فيها القصاص (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: القصاص بين الرجل والمرأة في الجراح وفى النفس وكذلك العبيد بعضهم من بعض وإذا كانوا يقولون القصاص بينهم في النفس وهى الاكثر كان الجرح الذى هو الاقل أولى لان الله عزوجل ذكر النفس والجراح في كتابه ذكرا واحدا وأما الصبيان فلا قصاص بينهم، وإذا قتل الرجل رجلا بعصا
أو بحجر فضربه ضربات حتى مات من ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا قصاص بينهما(7/157)
وكان ابن أبى ليلى يقول بينهما القصاص وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل الرجل بحديدة تمور أو بشئ يمور فمار فيه موران الحديد فمات من ذلك ففيه القصاص وإذا أصابه بعصا أو بحجر أو مالا يمور موران السلاح فأصله شيئان إن كان ضربه بالحجر العظيم والخشبة العظيمة التى الاغلب منها انه لا يعاش من مثلها وذلك أن يشدخ بها رأسه أو يضرب بها جوفه أو خاصرته أو مقتلا من مقاتله أو حمل عليه الضرب بشئ أخف من ذلك حتى بلغ من ضربه ما الاغلب عند الناس ان لا يعاش من مثله قتل به وكان هذا عمد القتل وزيادة أنه أشد من القتل بالحديد لان القتل بالحديد أوحى وإن ضربه بالعصا أو السوق أو الحجر الضرب الذى الاغلب منه أنه يعاش من مثله فهذا الخطأ شبه العمد ففيه الدية مغلظة ولا قود فيه وإذا عض الرجل يد الرجل فانتزع المعضوض يده فقلع سنا من أسنان العاض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان عليه في السن لانه قد كان له أن ينزع يده من فيه وبه يأخذ وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا عض يد رجل فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته فأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (أيعض أحدكم أخاه عض الفحل) وكان ابن أبى ليلى يقول هو ضامن لدية السن وهما يتفقان فيما سوى ذلك مما يجنى في الجسد سواء في الضمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا عض الرجل يد الرجل أو رجله أو بعض جسده فانتزع المعضوض ما عض منه من في العاض فسقط بعض ثغره أو كله فلا شئ عليه لانه كان للمعضوض أن ينزع يده من في العاض ولم يكن متعديا بالانتزاع فيضمن وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا عض يد رجل فانتزع المعضوض يده في العاض فسقطت ثنيته أو ثنيتاه فأهدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في، في فحل) وإذا نفحت الدابة برجلها وهى تسير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان على صاحبها لانه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الرجل جبار) وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو
ضامن في هذا لما أصابت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يضمن قائد الدابة وسائقها وراكبها ما أصابت بيد أو فم أو رجل أو ذنب ولا يجوز إلا هذا (1) ولا يضمن شيئا إلا أن يحملها على أن تطأ شيئا فيضمن لان وطأها من فعله فنكون حينئذ كأداة من أداته جنى بها فأما أن نقول يضمن عن يدها ولا يضمن عن رجلها فهذا تحكم فإن قال لا يرى رجلها فهو إذا كان سائقا لا يرى يدها فينبغي أن يقول في السائق يضمن عن الرجل ولا يضمن عن اليد وليس هكذا بقول فأما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الرجل جبار فهو والله تعالى أعلم غلط لان الحفاظ لم يحفظوا هكذا، وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في الرجل إذا قتل العبد إن قيمته على عاقلة القاتل وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول: لا تعقله العاقلة ثم رجع أبو يوسف فقال هو مال لا تعقله العاقلة وعلى القاتل قيمته ما بلغ حالا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قتل الرجل العبد خطأ عقلته عاقلته لانها إنما تعقل جناية حر في نفس محرمة قد يكون فيها القود قال ويكون فيها الكفارة كما تكون في الحر بكل حال فهو بالنفوس أشبه منه بالاموال هو لا يجامع الاموال في معنى إلا في أن ديته قيمته فأما ما سوى ذلك فهو مفارق للاموال مجامع للنفوس في أكثر أحكامه وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) قوله: ولا يضمن شيئا الخ هذا تقييد للضمان قبله أي أن ضمانه لا يكون إلا في هذه الحالة، تأمل.(7/158)
باب السرقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة والسرقة تساوى عشرة دراهم فصاعدا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أقطعه ويقول ان لم أقطعه جعلته عليه دينا ولا قطع في الدين وكان ابن أبى ليلى يقول لا أقطعه حتى يقر مرتين وبهذا يأخذ ثم رجع إلى قول أبى حنيفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة وثبت على الاقرار وكانت مما تقطع فيه اليد قطع وسواء إقراره مرة أو أكثر فإن قال قائل كما لا أقطعه إلا بشاهدين فهو إذا شهد عليه شاهدان قطعه ولم يلتفت إلى رجوعه لو كان أقر وهو لو أقر عنده مائة مرة ثم رجع لم يقطعه فإن قال قائل فهكذا لو رجعت الشهود لم نقطعه، قيل لو رجع الشهود عن الشهادة عليه ثم عادوا فشهدوا عليه بما رجعوا
عنه لم تقبل شهادتهم، ولو أقر ثم رجع ثم أقر قبل منه فالاقرار مخالف للشهادات في البدء والمتعقب، وإن كان المسروق منه غائبا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال لا أقطعه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول اقطعه إذا أقر مرتين وإن كان المسروق منه غائبا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان المسروق منه غائبا حبس السارق حتى يحضر المسروق منه لانه لعله أن يأتي له بمخرج يسقط عنه القطع أو القطع والضمان، وإن كانت السرقة تساوى خمسة دراهم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا قطع فيها بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي رضى الله عنه وعن ابن مسعود أنهم قالوا لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول تقطع اليد في خمسة دراهم ولا تقطع في دونها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن عبد الله بن عمر بن حفص وسفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القطع في ربع دينار فصاعدا) وبه نأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم التى تخالف هذا فإنها ليست من وجه يثبت مثله لو انفرد، وأما ما روى عن علي رضى الله عنه وابن مسعود فليست في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ولا أعلمه ثابتا عن واحد منهما وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل انه سمع قتاده يسأل أنس بن مالك رحمه الله تعالى عنه عن القطع فقال حضرت أبا بكر الصديق رضى الله عنه قطع سارقا في شئ ما يسوى ثلاثة دراهم أو قال ما يسرنى أنه لى بثلاثة دراهم وثبت عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت (القطع في ربع دينار فصاعدا) وهو مكتوب في كتاب السرقة (قال) وإذا شهد الشاهدان على رجل بالسرقة والمسروق منه غائب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا أقبل الشهادة والمسروق منه غائب أرأيت لو قال لم يسرق منى شيئا أكنت أقطع السارق وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول أقبل الشهادة عليه واقطع السارق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة والمسروق منه غائب قبلت الشهادة وسألت عن الشهود وأخرت القطع إلى أن يقدم المسروق منه (قال) وإذا اعترف الرجل بالسرقة مرتين وبالزنا أربع مرات ثم أنكر بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ندرأ عنه الحد فيهما جميعا ونضمنه السرقة وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعترف عنده
ماعز بن مالك وأمر به أن يرجم هرب حين أصابته الحجارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهلا خليتم سبيله) حدثنا بذلك أبو حنيفة رحمه الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن ابى ليلى يقول لا أقبل رجوعه فيهما جميعا وأمضى عليه الحد (قال الشافعي) وإذا أقر الرجل بالزنا أو(7/159)
بشرب الخمر أو بالسرقة ثم رجع قبلت رجوعه قيل أن تأخذه السياط أو الحجارة أو الحديد وبعد جاء يسبب أو لم يأت به عير أو لم يعير قياسا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماعز (فهلا تركتموه) وهكذا كل حد لله فأما ما كان للادميين فيه حق فيلزمه ولا يقبل رجوعه فيه وأغرمه السرقة لانها حق للادميين، وإذا دخل الرجل من أهل الحرب إلينا بأمان فسرق عندنا سرقة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول يضمن السرقة ولا يقطع لانه لم يأخذ الامان لتجرى عليه الاحكام وكان ابن أبى ليلى يقول تقطع يده وبه يأخذ ثم رجع إلى قول أبى حنيفة رضى الله عنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان فسرق ضمن السرقة ولا يقطع ويقال له ننبذ إليك عهدك ونبلغك مأمنك لان هذه دار لا يصلح أن يقيم فيها إلا من يجرى عليه الحكم (قال الربيع) لا يقطع إذا كان جاهلا فإن كان عالما قطع (قال الشافعي) رحمه الله لا ينبغى لاحد أن يعطى أحدا أمانا على أن لا يجرى عليه حكم الاسلام ما دام مقيما في دار الاسلام.
باب القضاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أثبت القاضى في ديوانه الاقرار وشهادة الشهود ثم رفع إليه ذلك وهو لا يذكره فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا ينبغى له أن يجيزه وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يجيز ذلك وبه يأخذ قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن كان يذكره ولم يثبته عنده أجازه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجيزه حتى يثبته عنده وإن ذكره (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا وجد القاضى في ديوانه خطا لا يشك أنه خطه أو خط كاتبه بإقرار رجل لآخر أو بثبت حق عليه بوجه لم يكن له أن يقضى به حتى يذكر منه أو يشهد به عنده كما لا يجوز إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة أن يشهد، وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض والقاضى لا يعرف كتابه ولا خاتمه فإن أبا حنيفة رحمه
الله كان يقول لا ينبغى للقاضى الذى أتاه الكتاب أن يقبله حتى يشهد شاهدا عدل على خاتم القاضى وعلى ما في الكتاب كله إذا قرئ عليه عرف القاضى الكتاب والخاتم أو لم يعرفه ولا يقبله إلا بشاهدين على ما وصفت لانه حق وهو مثل شهادة على شهادة ثم رجع أبو يوسف رحمه الله وقال لا يقبل الكتاب حتى يشهد الشهود أنه قرأه عليهم وأعطاهم نسخة معهم يحضرونها هذا القاضى مع كتاب القاضى وكان ابن أبى ليلى يقول إذا شهدوا على خاتم القاضى قبل ذلك منهم وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على كتاب القاضى إلى القاضى عرف المكتوب إليه كتاب القاضى وخاتمه أو لم يعرفه فهو سواء في الحكم ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين يشهدان أن هذا كتاب فلان قاضى بل كذا إلى فلان قاضى بلد كذا ويشهدان على ما في الكتاب إما بحفظ له وإما بنسخة معهما توافق ما فيه ولا أرى أن يقبله مختوما وهما يقولان لا ندرى ما فيه لان الخاتم قد يصنع على الخاتم ويبدل الكتاب وإذا قال الخصم للقاضى لا أقر ولا أنكر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا أجبره على ذلك ولكنه يدعو المدعى بشهوده بهذا يأخذ (قال) وكان ابن أبى ليلى لا يدعه حتى يقر أو ينكر وكان أبو يوسف إذا سكت يقول له احلف مرارا فإن لم يحلف قضى عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تنازع الرجلان وادعى أحدهما على الآخر دعوى فقال المدعى عليه لا أقر ولا أنكر قيل للمدعى إن أردت نحلفه عرضنا عليه اليمين فإن حلف برئ إلا أن تأتى ببينة وإن نكل قلنا لك(7/160)
احلف على دعواك وخذ فإن أبيت لم نعطك بنكوله شيئا دون يمينك مع نكوله، وإذا انكر الخصم الدعوى ثم جاء بشهادة الشهود على المخرج منه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول أقبل ذلك منه وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا أقبل منه بعد الانكار مخرجا وتفسير ذلك أن الرجل يدعى قبل الرجل الدين فيقول ماله قبلى شئ فيقيم الطالب البينة على ماله ويقيم الآخر البينة أنه قد أوفاه إياه وقال أبو حنيفة المطلوب صادق بما قال ليس قبلى شئ وليس قوله هذا بإكذاب لشهوده على البراءة (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ادعى الرجل على الرجل دينا فأنكر المدعى عليه فأقام عليه المدعى بينة فجاء المشهود عليه بمخرج مما شهد به عليه قبلته منه وليس إنكاره الدين إكذابا للبينة فهو صادق انا ليس عليه شئ في الظاهر إذا جاء بالمخرج منه ولعله أراد أولا أن يقطع عنه المؤنة، وإذا أدعى رجل
قبل رجل دعوى فقال عندي المخرج فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ليس هذا عندي بإقرار إنما يقول عندي البراءة وقد تكون عند البراءة من الحق ومن الباطل وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هذا إقرار فإن جاء بمخرج وإلا ألزمه الدعوى وأبو حنيفة يقول إن لم يأت بالمخرج لم تلزمه الدعوى إلا ببينة (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ادعى الرجل على الرجل حقا فقال المدعى عليه عندي منها المخرج فسأل المدعى القاضى أن يجعل هذا إقرارا يأخذه به إلا أن يجئ منه بالمخرج فليس هذا بإقرار لانه قد يكون عنده المخرج بأن لا يقربه ولا يوجد عليه بينة ولا يأخذ المدعى إلا ببينة يثبتها ويقبل من المدعى عليه المخرج وإن شهد عليه.
قال وإذا أقر الرجل عند القاضى بشئ فلم يقض به القاضى عليه ولم يثبته في ديوانه ثم خاصمه إليه فيه بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله قال إذا ذكر القاضى ذلك أمضاه عليه وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله لا يمضى ذلك عليه وإن كان ذاكرا له حتى يثبته في ديوانه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل عند الحاكم فأثبت الحاكم إقراره في ديوانه أو كان ذاكرا لاقراره ولم يثبت في ديوانه فسواء فإن كان ممن يأخذ بالاقرار عنده أخذه به ولا معنى للديوان إلا الذكر وإذا كان القاضى ذاكرا فسواء كان في الديوان أو لم يكن (قال الربيع) وكان الشافعي يجيز الاقرار عند القاضى وإنما كره أن يتكلم بإجازته لحال ظلم بعض القضاة.
باب الفرية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال رجل لرجل من العرب: يا نبطى أو لست بنى فلان لقبيلة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا حد عليه في ذلك وإنما قوله هذا مثل قوله يا كوفى، يا بصرى، يا شامى.
حدثنا أبو يوسف عمن حدثه عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس بذلك وأما قوله لست من بنى فلان فهو صادق ليس هو من ولد فلان لصلبه وإنما هو من ولد الولد إن القذف ههنا إنما وقع على أهل الشرك الذين كانوا في الجاهلية وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول فيهما جميعا الحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال رجل لرجل من العرب يا نبطى وقفته فإن قال عنيت نبطى الدار أو نبطى اللسان أحلفته بالله ما أراد أن ينفيه وينسبه إلى النبط فإن حلف نهيته عن أن يقول ذلك القول وأدبته على الاذى وإن أبى أن يحلف أحلفت المقول له لقد أراد نفيك فإذا حلف سألت
القائل عمن نفى فإذا قال ما نفيته ولا قلت ما قال جعلت القذف واقعا على أم المقول له لقد أراد نفيك فإذا حلف سألت القائل عمن نفى فإذا قال ما نفيته ولا قلت ما قال جعلت القذف واقعا على أم المقول(7/161)
له فإن كانت حرة مسلمة حددته إن طلبت الحد فإن عفت فلا حد لها وإن كانت ميتة فلابنها القيام بالحد وإن قال عنيت بالقذف الاب الجاهلي أحلفته ما عنى به أحدا من أهل الاسلام وعزرته ولم أحده وإن قال لست من بنى فلان لجده ثم قال إنما عنيت لست من بنيه لصلبه إنما أنت من بنى بنيه لم أقبل ذلك منه وجعلته قاذفا لامه فإن طلبت الحد وهى حرة كان لها ذلك إلا أن يقول نفيت الحد الاعلى الذى هو جاهلي فأعزره ولا أحد لان القذف وقع على مشركة.
وإذا قال الرجل لرجل لست ابن فلان وأمه أمة أو نصرانية وأبوه مسلم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا حد على القاذف إنما وقع القذف ههنا على الام ولا حد على قاذفها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول في ذلك عليه الحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نفى الرجل الرجل من أبيه وأم المنفى ذمية أو أمة فلا حد عليه لان القذف إنما وقع على من لا حد له ولكنه ينكل عن أذى الناس بتعزير لا حد.
قال وإذا قذف رجل رجلا فقال: يا ابن الزانيين وقد مات الابوان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إنما عليه حد واحد لانها كلمة واحدة وبهذا يأخذ قلت إن فرق القول أو جمعه فهو سواء وعليه حد واحد وكان ابن أبى ليلى يقول عليه حدان ويضربه الحدين في مقام واحد وقد فعل ذلك في المسجد (قال الشافعي) رحمه الله وإذا قال الرجل للرجل يا ابن الزانيين وأبواه حران مسلمان ميتان فعليه حدان ولا يضربهما في موقف واحد ولكنه يحد ثم يحبس حتى إذا برأ جلده حد حدا ثانيا وكذلك لو فرق القول أو جمعه أو قذف جماعة بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فلكل واحد منهم حده ألا ترى أنه لو قذف ثلاثة بالزنا فلم يطلب واحد الحد وأقر آخر بالزنا حد للطالب الثالث حدا تاما ولو كانوا شركاء في الحد ما كان ينبغى أن يضرب إلا ثلث حد لان حدين قد سقطا عنه أحدهما باعتراف صاحبه والآخر بترك صاحبه الطلب وعفوه وإذا كان الحد حقا لمسلم فكيف يبطل بحال أرأيت لو قتل رجل ثلاثة أو عشرة معا أما كان عليه لكل واحد منهم دية إن قتلهم خطأ وعليه القود إن قتلهم عمدا ودية لكل من لم يقد منه
لانهم لا يجدون إلى القود سبيلا.
وإذا قال الرجل للرجل يا ابن الزانيين أو قالت المرأة للرجل يا ابن الزانيين والابوان حيان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إذا كانا حيين بالكوفة لم يكن على قاذفهما الحد إلا أن يأتيا يطلبان ذلك ولا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا عليه جميعا وبه يأخذ.
قال ولا يكون في هذا أبدا إلا حد واحد وكان ابن أبى ليلى يضربهما جميعا حدين في مقام واحد ويضرب المرأة قائمة ويضربهما حدين في كلمة واحدة ويقيم الحدود في المسجد أظن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال لا ولا يكون على من قذف بكلمة واحدة أو كلمتين أو جماعة أو فرادى إلا حد واحد فإن أخذه بعضهم فحد له كان لجميع ما قذف بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وقال لا تقام الحدود في المساجد (قال الشافعي) ولا يقام على رجل حدان وجبا عليه في مقام واحد ولكنه يحد أحدهما ثم يحبس حتى يبرأ ثم يحد الآخر ولا يحد في مسجد، ومن قذف أبا رجل وأبوه حى لم يحد له حتى يكون الاب الذى يطلب وإذا مات كان للابن أن يقوم بالحد وإن كان له عدد بنين فأيهم قام به حد له وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا عليه جميعا ولكنه يقيم عليه أحدهما ثم يحبس حتى يخف الضرب ثم يضرب الحد الآخر وإنما الحدان في شرب وقذف أو زنا وقذف أو زنا وشرب فأما قذف كله وشرب كله مرارا أو زنا مرارا فإنما عليه حد واحد، قال ولو كان الابوان المقذوفان حيين كانا بمنزلة الميتين في قول ابن أبى ليلى وأما في قول أبى حنيفة فلا حق للولد حتى يجئ الولدان أو أحدهما يطلب قذفه وإنما عليه حد واحد في ذلك كله (قال(7/162)
الشافعي) رحمه الله تعالى: وتضرب الرجال في الحدود قياما وفى التعزيز وتترك لهم أيديهم يتقون بها ولا تربط ولا يمدون وتضرب النساء جلوسا وتضم عليهن ثيابهن ويربطن لئلا ينكشفن ويلين رباط ثيابهن أو تليه منهن امرأة، وإذا قذف الرجل رجلا ميتا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يأخذ بحد الميت إلا الولد أو الوالد وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول يأخذ أيضا الاخ والاخت واما غير هؤلاء فلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يأخذ حد الميت ولده وعصبته من كانوا، وإذا قذف الرجل امرأته وشهد عليه الشهود بذلك وهو يجحد فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول
إذا رفع إلى الامام خبره حبسه حتى يلاعن وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا جحد ضربته الحد ولا أجبره على اللعان منها إذا جحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على رجل أنه قذف امرأته مسلمة وطلبت أن يحد لها وجحد شهادتهما قيل له إن لاعنت خرجت من الحد وإن لم تلاعن حددناك.
باب النكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تزوج المرأة بغير مهر مسمى فدخل بها فإن لها مهر مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: نساؤها أخواتها وبنات عمها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول نساؤها أمها وخالاتها (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة بغير مهر فدخل بها فلها صداق مثلها من نسائها ونساؤها نساء عصبتها الاخوات وبنات العم وليس الام ولا الخالات إذا لم يكن بنات عصبتها من الرجال ونساؤها اللاتي يعتبر عليها بهن من كان مثلها من أهل بلدها وفي سنها وجمالها ومالها وأدبها وصراحتها لان المهر يختلف باختلاف هذه الحالات وإذا زوج الرجل ابنته وهى صغيرة ابن اخيه وهو صغير يتيم في حجره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول النكاح جائز وله الخيار إذا أدرك وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز ذلك عليه حتى يدرك ثم رجع أبو يوسف وقال إذا زوج الولى فلا خيار وهو مثل الاب (قال الشافعي) رحمه الله ولا يجوز نكاح الصغار من الرجال ولا من النساء إلا أن يزوجهن الآباء والاجداد إذا لم يكن لهن آباء وإذا زوجهن أحد سواهم فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان فيه وإن كبرا فإن دخل عليها فأصابها فلها المهر ويفرق بينهما ولو طلقها قبل أن يفسخ النكاح لم يقع طلاقه ولا ظهاره ولا إيلاؤه لانها لم تكن زوجة قط.
وإذا تزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول هو جائز بلغنا ذلك عن عبد الله بن جعفر أنه فعل ذلك وبه يأخذ تزوج عبد الله بن جعفر امرأة علي رضى الله عنه وابنته جميعا، وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز النكاح وقال كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل لها نكاح صاحبتها فلا ينبغى للرجل أن يجمع بينهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا بأس أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها (قال الشافعي) فإن قال قائل لم زعمت أن الآباء يزوجون الصغار قيل زوج أبو بكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم عائشة وهى بنت ست أو سبع وبنى بها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت تسع فالحالان اللذان كان فيهما النكاح والدخول كانا وعائشة صغيرة ممن لا أمر لها في نفسها وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة فإن قال قائل فإذا أجزت هذا للاباء ولم تلتفت إلى القياس في أنه لا يجوز أن يعقد على حرة صغيرة نكاح ثم يكون لها الخيار لان أصل النكاح لا يجوز أن يكون فيه خيار إلا في الاماء إذا تحولت حالهن والحرائر لا تحول حالهن ولا يجوز أن يعقد(7/163)
عليهن مالهن منه بد ثم يلزمهن فكيف لم تجعل الاولياء قياسا على الآباء ؟ قيل لافتراق الآباء والاولياء وأن الاب يملك من العقد على ولده ما لا يملكه منه غيره ألا ترى أنه يعقد على البكر بالغا ولا يرد عنها وإن كرهت ولا يكون ذلك للعم ولا للاخ ولا ولى غيره فإن قال قائل: فإنا لا نجيز للاب أن يعقد على البكر بالغا ونجعله فيها وفي الثيب مثل غيره من الاولياء قيل فأنت تجعل قبضه لمهر البكر قبضا ولا تجعل ذلك لولى غيره إلا وصى بمال وتجعل عقده عليها صغيرة جائزا لا خيار لها فيه وتجعل لها الخيار إن عقد عليها ولى غيره ولو كان مثل سائر الاولياء ما كنت قد فرقت بينه وبين الاولياء وهذا مكتوب في كتاب النكاح وإذا نظر الرجل إلى فرج المرأة من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول تحرم على ابنه وعلى أبيه وتحرم عليه أمها وابنتها بلغنا ذلك عن إبراهيم وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه خلا بجارية له فجردها وأن أبنا له استوهبها منه فقال له إنها لا تحل لك وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه قال (ملعون من نظر إلى فرج وأمها) وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يحرم من ذلك شئ ما لم يلمسه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا لمس الرجل الجارية حرمت على ابيه وابنه ولا تحرم عليه بالنظر دون اللمس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يتزوج الرجل ابنة الرجل وامرأة الرجل فيجمع بينهما لان الله عزوجل إنما حرم الجمع بين الاختين وهاتان ليستا بأختين وحرم الام والبنت إحداهما بعد الاخرى وهذه ليست بأم ولا بنت وقد جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي رضى الله عنه وابنته وعبد الله بن صفوان بين امرأة رجل وابنته وإذا نظر الرجل إلى فرج امته من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تحل لابيه ولا لابنه ولا تحل له أمها ولا بنتها وبه يأخذ وكان
ابن أبى ليلى رضى الله عنه يقول هي له حلال حتى يلمسها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا زنا الرجل بالمرأة فلا تحرم عليه هي إن أراد أن ينكحها ولا أمها ولا ابنتها لان الله عزوجل إنما حرم بالحلال والحرام ضد الحلال، وهذا مكتوب في كتاب النكاح من أحكام القرآن.
وإذا تزوج الرجل المرأة بشاهدين من غير أن يزوجها ولى والزوج كفؤ لها فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: النكاح جائز ألا ترى أنها لو رفعت أمرها إلى الحاكم وأبى وليها أن يزوجها كان للحاكم أن يزوجها ولا يسعه إلا ذلك ولا ينبغى له غيره فكيف يكون ذلك من الحاكم والولى جائزا ولا يجوز ذلك منها وهى قد وضعت نفسها في الكفاءة بلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أن امرأة زوجت ابنتها فجاء أولياؤها فخاصموا الزوج إلى علي رضى الله تعالى عنه فأجاز علي النكاح وكان ابن أبى ليلى لا يجيز ذلك وقال أبو يوسف هو موقوف وإن رفع إلى الحاكم وهو كفؤ اجزت ذلك كأن القاضى ها هنا ولى بلغه أن ابنته قد تزوجت فأجاز ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كل نكاح بغير ولى فهو باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ثلاثا.
وإذا تزوج الرجل المرأة فأعلن المهر وقد كان أسر قبل ذلك مهرا وأشهد شهودا عليه وأعلم الشهود أن المهر الذى يظهره فهو كذا وكذا سمعة يسمع بها لقوم وأن أصل المهر هو كذا وكذا الذى في السر ثم تزوج فأعلن الذى قال فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول المهر هو الاول وهو المهر الذى في السر والسمعة باطل الذى أظهر للقوم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول السمعة هي المهر والذى أسر باطل أبو يوسف عن مطرف عن عامر قال إذا أسر الرجل مهرا وأعلن أكثر من ذلك أخذ بالعلانية.
أبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن شريح وإبراهيم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تزوج الرجل امرأة بمهر علانية وأسر قبل ذلك مهرا أقل منه فالمهر مهر العلانية الذى وقعت عليه عقدة النكاح إلا أن يكون شهود المهرين واحدا فيثبتون على أن المهر مهر السر وأن المرأة والزوج عقدا النكاح عليه وأعلنا الخطبة بمهر غيره أو(7/164)
يشهدون أن المرأة بعد العقد أقرت بأن ما شهد لها به منه سمعة لا مهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدي عدل ورضا المنكوحة والناكح إلا في الامة فإن سيدها يزوجها
والبكر فإن أباها يزوجها ومن لم يبلغ فإن الآباء يزوجونهم وهذا مكتوب في كتاب النكاح (قال) وإذا زوج الرجل ابنته وقد أدركت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا كرهت ذلك لم يجز النكاح عليها لانها قد ادركت وملكت امرها فلا تكره على ذلك، بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها) فلو كانت إذا كرهت اجبرت على ذلك لم تستأمر وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول النكاح جائز عليها وإن كرهت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إنكاح الاب خاصة جائز على البكر بالغة وغير بالغة والدالة على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها) ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فجعل الايم أحق بنفسها وأمر في هذه بالمؤامرة والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس لانه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآمروا النساء في بناتهن) ولقول الله عزوجل (وشاورهم في الامر) ولو كان الامر فيهن واحدا لقال الايم والبكر أحق بنفسيهما وهذا كله مستقصى بحججه في كتاب النكاح، وإذا تزوج الرجل المرأة ثم اختلفا في المهر فدخل بها وليس بينهما بينة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك: لها مهر مثلها إلا أن يكون ما ادعت أقل من ذلك فيكون لها ما ادعت، وكان ابن أبى ليلى يقول إنما لها ما سمى لها الزوج وليس لها شئ غير ذلك وبه يأخذ ثم قال أبو يوسف بعد أن أقر الزوج بما يكون مهر مثلها أو قريبا منه قبل منه وإلا لم يقبل منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تزوج الرجل المرأة دخل بها أو لم يدخل فاختلفا في المهر تحالفا وكان لها مهر مثلها كان أقل مما ادعت أو أقل مما أقر به الزوج أو اكثر كالقول في البيوع الفائتة إلا أنا لا نرد العقد في النكاح بما يرد به العقد في البيوع ونحكم له حكم البيوع الفائتة لان البيوع الفائتة يحكم فيها بالقيمة وهذا يحكم فيه بالقيمة والقيمة فيه مهر مثلها كما هي في البيوع قيمة مثل السلعة، وإذا أعتقت الامة وزوجها حر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يجعل لها الخيار إن شاءت اختارت نفسها وإن شاءت أقامت مع زوجها وكان ابن أبى ليلى يقول لا خيار لها ومن حجة ابن أبى ليلى في بريرة أنه يقول كان زوجها عبدا ومن حجة أبى حنيفة في ذلك أنه يقول إن الامة لا تملك نفسها ولا نكاحها وقد بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خير بريرة حين عتقت وقد بلغنا عن عائشة رضى الله عنها أن زوج بريرة كان حرا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أعتقت الامة فإن كانت تحت عبد فلها الخيار وإن كانت تحت حر فلا خيار لها وذلك أن زوج بريرة كان عبدا وهذا مكتوب في كتاب النكاح وإذا تزوجت وزوجها غائب كان قد نعى إليها فولدت من زوجها الآخر ثم جاء زوجها الاول فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول الولد للاول وهو صاحب الفراش وقد بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وكان ابن أبى ليلى يقول الولد للاخر لانه ليس بعاهر والعاهر الزانى لانه متزوج وكذلك بلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء زوجها المنعى حيا فسخ النكاح الآخر واعتدت منه وكانت زوجة الاول كما هي وكان الولد للاخر لانه نكحها نكاحا حلالا في الظاهر حكمه حكم الفراش (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم على أبيه وابنه بالنظر دون اللمس.(7/165)
باب الطلاق قال أبو يوسف عن الاشعث بن سوار عن الحكم عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان يقول في الحرام إن نوى يمينا فيمين وإن نوى طلاقا فطلاق وهو ما نوى من ذلك.
وإذا قال الرجل كل حل على حرام فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى عنه كان يقول القول قول الزوج فإن لم يعن طلاقا فليس بطلاق وإنما هي يمين يكفرها وإن عنى الطلاق ونوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى طلاقا ولم ينو عددا فهى واحدة بائنة وكذلك إذا قال لامرأته هي على حرام وكذلك إذ قال لامرأته خلية أو برية أو بائن أو بتة فالقول قول الزوج وهو ما نوى إن نوى واحدة فهى واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فثلاث بلغنا ذلك عن شريح وإن نوى اثنتين فهى واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فليس بطلاق غير أن عليه اليمين ما نوى طلاقا وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول في جميع ما ذكرت هي ثلاث تطليقات لا ندينه في شئ منها ولا نجعل القول قوله في شئ من ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لامرأته أنت على حرام فإن نوى طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق
والقول في ذلك قوله مع يمينه وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق ويكفر كفارة يمين قياسا على الذى يحرم أمته فيكون عليه فيها الكفارة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أمته فأنزل الله عزوجل (لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك) وجعلها الله يمينا فقال (قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم) وإذا قال الرجل لامرأته أمرك في يدك فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إذا كان الزوج نوى ثلاثا فهى ثلاث وإن كان نوى واحدة فهى واحدة بائنة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هي ثلاث ولا يسأل الزوج عن شئ (قال الشافعي) وإذا خير الرجل امرأته أو ملكها امرها فطلقت نفسها تطليقة فهو يملك الرجعة فيها كما يملكها لو ابتدأ طلاقها، وكان أبو حنيفة يقول في الخيار إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فلا شئ وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إن اختارت نفسها فواحدة يملك بها الرجعة وإن اختارت زوجها فلا شئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق أنت طالق بانت بالاولى ولم يكن عليها عدة فتلزمها الثنتان وإنما أحدث كل واحدة منهما لها وهى بائن منه حلال لغيره وهكذا قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق طلقت بالتطليقة الاولى ولم يقع عليها التطليقتان الباقيتان وهذا قول أبى حنيفة بلغنا عن عمر بن الخطاب وعن علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وإبراهيم بذلك لان امرأته ليست عليها عدة فقد بانت منه بالتطليقه الاولى وحلت للرجال ألا ترى أنها لو تزوجت بعد التطليقة الاولى قبل أن يتكلم بالثانية زوجا كان نكاحها جائزا فكيف يقع عليها الطلاق وهي ليست بامرأته وهي امرأة غيره وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عليها الثلاث التطليقات إذا كانت من الرجل في مجلس واحد على ما وصفت لك وإذا شهد شاهد على رجل أنه طلق امرأته واحدة وشهد آخر أنه طلقها اثنتين فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول شهادتهما باطلة لانهما قد اختلفا وكان ابن أبى ليلى يقول يقع عليها من ذلك تطليقة لانهما قد اجتمعا عليها وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد الرجل أنه سمع رجلا يقول لامرأته أنت طالق واحدة وشهد آخر أنه سمعه يقول لها أنت طالق ثنتين فهذه شهادة مختلفة فلا تجوز ولو شهدا فقالا نشهد أنه طلق امرأته وقال أحدهما قد أثبت الطلاق ولم أثبت عدده وقال الآخر قد أثبت(7/166)
الطلاق وهو ثنتان لزمته واحدة لانهما يجتمعان عليها، وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وقد دخل بها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك لها السكنى والنفقة حتى تنقضي عدتها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لها السكنى وليس لها النفقة وقال أبو حنيفة لم ؟ وقد قال الله عزوجل في كتابه (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه جعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا ولا حبل بها فلها السكنى وليس لها نفقة وهذا مكتوب في كتاب الطلاق.
وإذا آلى الرجل من امرأته فحلف لا يقربها شهرا أو شهرين أو ثلاثا لم يقع عليه بذلك إيلاء ولا طلاق لان يمينه كانت على أقل من أربعة أشهر حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن عامر الاحوال عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس رضى الله عنهما وهو قول أبى حنيفة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول: هو مول منها إن تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء والايلاء تطليقة بائنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لا يطأ أمرأته أربعة أشهر أو أقل لم يقم عليه حكم الايلاء لان حكم الايلاء إنما يكون بعد مضى الاربعة الاشهر فيوم يكون حكم الايلاء يكون الزوج لا يمين عليه وإذا لم يكن عليه يمين فليس عليه حكم الايلاء وهكذا مكتوب في كتاب الايلاء، وإذا حلف الرجل لا يقرب امرأته في هذا البيت أربعة أشهر فتركها أربعة أشهر فلم يقربها فيه ولا في غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ليس عليه في هذا إيلاء ألا ترى أن له أن يقربها في غير ذلك البيت ولا تجب عليه الكفارة وإنما الايلاء كل يمين تمنع الجماع أربعة اشهر لا يستطيع أن يقربها إلا ان يكفر يمينه وبه يأخذ وكان بن أبى ليلى يقول في هذا هو مول إن تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء والايلاء تطليقة بائنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل لا يقرب امرأته في هذا البيت أو في هذه الغرفة أو في موضع يسميه فليس على هذا حكم الايلاء إنما حكم الايلاء على من كان لا يصل إلى أن يصيب امرأته بحال إلا لزمه الحنث فأما من يقدر على إصابة امرأته بلا حنث فلا حكم للايلاء عليه، وإذا ظاهر الرجل من امرأته فقال أنت على كظهر أمي يوما أو وقت وقتا أكثر من ذلك فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول هو مظاهر منها لا
يقربها في ذلك الوقت حتى يكفر كفارة الظهار فإذا مضى ذلك الوقت سقطت عنه الكفارة وكان له أن يقربها بغير كفارة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو مظاهر منها أبدا وإن مضى ذلك الوقت فهو مظاهر لا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ظاهر الرجل من امرأته يوما فأراد أن يقربها في ذلك اليوم كفر كفارة الظهار وإن مضى ذلك اليوم ولم يقربها فيه فلا كفارة للظهار عليه كما قلنا في المسألة في الايلاء إذا سقطت اليمين سقط حكم اليمين والظهار يمين لا طلاق، وإذا ارتد الزوج عن الاسلام وكفر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول بانت منه امرأته إذا ارتد لا تكون مسلمة تحت كافر وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هي امرأته على حالها حتى يستتاب فإن تاب فهى امرأته وأن أبى قتل وكان لها ميراثها منه (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ارتد الرجل عن الاسلام فنكاح امرأته موقوف فإن رجع إلى الاسلام قبل أن تنقضي عدتها فهما على النكاح الاولى وإن انقضت عدتها قبل رجوعه إلى الاسلام فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق وإن رجع إلى الاسلام فخطبها لم يكن هذا طلاقا وهذا مكتوب في كتاب المرتد (قال) وإذا رجعت المرأة من أهل الاسلام إلى الشرك كان هذا والباب الاول سواء في قولهما جميعا غير أن أبا حنيفة كان يقول يعرض على المرأة الاسلام فإن أسلمت خلى سبيلها وإن أبت حبست في السجن حتى تتوب ولا تقتل.
بلغنا ذلك عن ابن عباس(7/167)
رضى الله عنهما وكان ابن أبى ليلى يقول إن لم تتب قتلت وبه يأخذ ثم رجع إلى قول أبى حنيفة وكيف تقتل وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء في الحروب من أهل الشرك فهذه مثلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أرتدت المرأة عن الاسلام فلا فرق بينها وبين الرجل تستتاب فإن تابت وإلا قتلت كما يصنع بالرجل فخالفنا في هذا بعض الناس فقال يقتل الرجل إذا ارتد ولا تقتل المرأة واحتج بشئ رواه عن ابن عباس لا يثبت أهل الحديث مثله وقد روى شبيه بذلك الاسناد عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه انه قتل نسوه ارتددن عن الاسلام فلم نر ان نحتج به إذا كان إسناده مما لا يثبته أهل الحديث واحتج من خالفنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء في دار الحرب وقال إذا نهى عن قتل المشركات اللاتى لم يؤمن فالمؤمنة التى ارتدت عن الاسلام أولى أن لا تقتل قيل
لبعض من يقول هذا القول قد رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الكبير الفاني وعن قتل الاجير ورويت أن أبا بكر الصديق نهى عن قتل الرهبان أفرأيت إن ارتد شيخ فان أو أجير أتدع قتلهما أو أرتد رجل راهب اتدع قتله ؟ قال لا قيل ولم ؟ ألان حكم القتل على الردة حكم قتل حد لا يسع الوالى تعطيله مخالف لحكم قتل المشركين في دار الحرب، قال نعم قلت فكيف احتججت بحكم دار الحرب في قتل المرأة ولم تره حجة في قتل الكبير الفاني والاجير والراهب ثم قلت لنا أن ندع أهل الحرب بعد القدرة عليهم ولا نقتلهم وليس لنا أن ندع مرتدا فكيف ذهب عليك افتراقهما في المرأة فإن المرأة تقتل حيث يقتل الرجل في الزنا والقتل ؟ وإذا قال الرجل كل امرأة أتزوجها فهى طالق فإن أبا حنيفة كان يقول هو كما قال وأى امرأة تزوجها فهى طالق واحدة وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يقع عليه الطلاق لانه عمم فقال كل امرأة أتزوجها فإذا سمى امرأة مسماة أو مصرا بعينه أو جعل ذلك إلى أجل فقولهما فيه سواء ويقع به الطلاق (قال الربيع) للشافعي فيه جواب (قال) وإذا قال الرجل لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق أو قال إذا تزوجت إلى كذا وكذا من الاجل امرأة فهى طالق أو قال كل امرأة أتزوجها من قرية كذا وكذا فهى طالق أو من بني فلان فهى طالق فهما جمعيا كانا يقولان إذا تزوج تلك فهى طالق وإن دخل بها فإن أبا حنيفة كان يقول لها مهر ونصف مهر مهر بالدخول ونصف مهر بالطلاق الذى وقع عليها قبل الدخول وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لها نصف مهر ويفرق بينهما في قولهما جميعا (قال) وإذا قذف الرجل امرأته وقد وطئت وطئا حراما قبل ذلك فإن أبا حنيفة كان يقول لا حد عليه ولا لعان وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول عليه الحد.
ولو قذفها غير زوجها لم يكن عليه حد في قول أبى حنيفة وكان ابن أبى ليلى يقول عليه الحد ينبغى في قول ابن أبى ليلى أن يكون مكان الحد اللعان (قال الشافعي) وإذا وطئت المرأة وطئا حراما مما يدرأ عنها الحد فيه ثم قذفها زوجها سئل فإن قذفها حاملا وانتفى من ولدها لو عن بينهما لان الولد لا ينفى إلا بلعان وإن قذفها غير حامل بالوطئ الاول أو بزنا غيره فلا حد عليه وعليه التعزير، وكذلك إن قذفها بأجنبى فقال عنيت ذلك الوطئ الذى هو محرم فلا حد عليه وعليه التعزير، وإذا قال الرجل لامرأته لا حاجة لى فيك فإن أبا حنيفة كان يقول ليس هذا بطلاق وإن أراد به الطلاق وبه يأخذ وقال أبو حنيفة وكيف
يكون هذا طلاقا وهو بمنزلة لا أشتهيك ولا أريدك ولا أهواك ولا أحبك ؟ فليس في شئ من هذا طلاق (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لامرأته لا حاجة لى فيك فإن قال لم أرد طلاقا فليس بطلاق وإن قال أردت طلاقا فهو طلاق وهى واحدة إلا أن يكون أراد أكثر منها ولا يكون طلاقا إلا أن يكون أراد به إيقاع طلاق فإن كان إنما قال لا حاجة لى فيك سأوقع عليك الطلاق فلا طلاق حتى يوقعه(7/168)
بطلاق غير هذا، وإذا قذف الرجل وهو عبد امرأته وهى حرة وقد أعتق نصف العبد أحد الشريكين وهو يسعى للاخر في نصف قيمته فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هو عبد ما بقى عليه شئ من السعاية وعليه حد العبد وكان ابن أبى ليلى يقول هو حر وعليه اللعان وبه يأخذ، وكذلك لو شهد شهادة أبطلها أبو حنيفة وأجازها ابن أبى ليلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويحد العبد والامة في كل شئ حد العبد والامة حتى تكمل فيهما جميعا الحرية ولو بقى سهم من ألف سهم فهو رقيق (قال الشافعي) وكذلك لا يحد له حتى تكمل فيه الحرية ولا يقص له من جرح حتى يستكمل العبد الحرية، ولو قذف رجل هذا العبد الذى يسعى في نصف قيمته لم يكن عليه حد في قول أبى حنيفة لانه بمنزلة العبد وكان على قاذفه الحد في قول ابن أبى ليلى وبه يأخذ، ولو قطع هذا العبد يد رجل متعمدا لم يكن عليه القصاص في قول أبى حنيفه وبه يأخذ وهو بمنزلة العبد وكان عليه القصاص في قول ابن أبى ليلى وهو بمنزلة الحر في كل قليل أو كثيرا أو حد أو شهادة أو غير ذلك وهو في قول أبى حنيفه بمنزلة العبد ما دام عليه درهم من قيمته وكذلك هو في قولهما جميعا لو أعتق جزء من مائة جزء أو بقى عليه جزء من مائة جزء من كتابته إن شاء الله تعالى، وإذا كانت أمة بين اثنين ولها زوج عبد أعتقها أحد موليها وقضى عليها بالسعاية للاخر لم يكن لها خيار في النكاح في قول أبى حنيفة حتى تفرغ من السعاية وتعتق وكان لها الخيار في قول ابن أبى ليلى يوم يقع العتق عليها وبه يأخذ، ولو طلقت يومئذ كانت عدتها وطلاقها في قول أبى حنيفة عدة أمة وطلاق أمة وكانت عدتها وطلاقها في ابن أبى ليلى عدة حرة وطلاق حرة ولو لم يكن لها زوج وأرادت أن تتزوج لم يكن لها ذلك حتى يأذن الذى له عليها السعاية فهى في قول أبى حنيفة بمنزلة الامة وفى قول ابن أبى ليلى بمنزلة الحرة (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا كانت أمة تحت عبد لم يكن لها الخيار حتى تكمل فيها الحرية فيوم تكمل فيها الحرية فلها الخيار فإن طلقت وهى لم تكمل فيها الحرية كانت عدتها عدة أمة وحكمها في كل شئ حكم أمة، وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء فلان وفلان غائب لا يدرى أحى هو أو ميت أو فلان ميت قد علم بذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يقع عليها الطلاق وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يقع عليها الطلاق قال أبو حنيفة وكيف يقع عليها الطلاق ولم يشأ فلان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء فلان وفلان ميت قبل ذلك أو مات فلان بعدما قال ذلك وقبل أن يشاء فلا تكون طالقا أبدا بهذا الطلاق إذ لو كان فلان حاضرا حيا ولم يشأ لم تطلق وإنما يتم الطلاق بمشيئته فإذا مات قبل أن يشاء علمنا أنه لا يشاء أبدا ولم يشأ قبل فتطلق بمشيئته، وإذا قذف الرجل امرأته وقامت لها البينة وهو يجحد فإن أبا حنيفة كان يقول يلاعن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يلاعن ويضرب الحد.
وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له مولاه طلقها فإن أبا حنيفة كان يقول ليس هذا بإقرار بالنكاح إنما أمره بأن يفارقها فكيف يكون هذا إقرار بالنكاح وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هذا إقرار بالنكاح (قال الشافعي) وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له مولاه طلقها فليس هذا بإقرار بالنكاح من مولاه في قول من يقول إن أجازه مولاه فالنكاح يجوز وأما في قولنا فلو أجازه له المولى لم يجز لان أصل ما نذهب إليه أن كل عقدة نكاح وقعت والجماع لا يحل أن يكون فيها أو لاحد فسخها فهى فاسدة لا نجيزها إلا أن تجذد ومن أجازها بإجازة أحد بعدها فإن لم يجزها كانت مفسوخة دخل عليه أن يجيز أن ينكح الرجل المرأة على أنه بالخيار وعلى أنها بالخيار والخيار لا يجوز عنده في النكاح كما يجوز في البيوع.
وإذا طلق الرجل امرأته(7/169)
بائنة فأراد أن يتزوج في عدتها خامسة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أجيز ذلك وأكرهه له وكان ابن أبى ليلى يقول هو جائز وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا فارق الرجل امرأته بخلع أو فسخ نكاح كان له أن ينكح أربعا وهى في العدة وكان له أن كان لا يجد طولا لحرة وخاف العنت على نفسه أن ينكح أمة مسلمة لان المفارقة التي لا رجعة له عليها غير زوجة وإذا طلق الرجل
امرأة ثلاثا وهو مريض فإن أبا حنيفة رضى اله تعالى عنه كان يقول إن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها منه وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لها الميراث ما لم تتزوج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقى له عليها غيرها وهو مريض ثم مات بعد انقضاء عدتها فإن عامة أصحابنا يذهبون إلى أن لها منه الميراث ما لم تتزوج وقد خالفنا في هذا بعض الناس بأقاويل فقال أحدهم لا يكون لها الميراث في عدة ولا في غير عدة وهذا قول ابن الزبير وقال غيره هي ترثه ما لم تنقض العدة ورواه عن عمر بإسناد لا يثبت مثله عند أهل العلم بالحديث وهو مكتوب في كتاب الطلاق وقال غيره وترثه وإن تزوجت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا ترث مبتوتة في عدة كانت أو غير عدة وهو قول ابن الزبير وعبد الرحمن طلق امرأته إن شاء الله على أنها لا ترث وأجمع المسلمون أنه إذا طلقها ثلاثا ثم آلى منها لم يكن موليا وإن تظاهر لم يكن متظاهرا وإذا قذفها لم يكن له أن أن يلاعنها ويبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما أجمعوا جميعا أنها خارجة من معاني الازواج لم ترثه وإذا طلق الرجل امرأته في صحته ثلاثا فجحد ذلك الزوج وادعته عليه المرأة ثم مات الرجل بعد أن استحلفه القاضى فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول لا ميراث لها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لها الميراث إلا أن تقر بعد موته أنه كان طلقها ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها ثلاثا ألبتة فأحلفه القاضى بعد إنكاره وردها عليه ثم مات لم يحل لها أن ترث منه شيئا إن كانت تعلم أنها صادقة ولا في الحكم بحال لانها تقر أنها غير زوجة فإن كانت تعلم أنها كاذبة حل لها فيما بينها وبين الله أن ترثه، وإذا خلا الرجل بامرأته وهى حائض أو وهى مريضة ثم طلقها قبل أن يدخل بها.
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لها نصف المهر، وبه يأخذ: وكان ابن أبى ليلى يقول لها المهر كاملا وإذا قال الرجل لامرأته إن ضممت إليك امرأة فأنت طالق واحدة فطلقها فبانت منه وانقضت العدة ثم تزوج امرأة اخرى ثم تزوج تلك المرأة التى حلف عليها فإن أبا خنيفة كان يقول لا يقع عليها الطلاق من قبل أنه لم يضمها إليها وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول يقع عليها الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لامرأته إن ضممت إليك امرأة فأنت طالق ثلاثا فطلقها وانقضت عدتها ثم نكح غيرها ثم نكحها بعد نكحا جديدا فلا طلاق
علها وهو لم يضم إليها امرأة إنما ضمها هي إلى امرأة * وإذا قال الرجل إن تزوجت فلانة فهي طاق فتزوجها على مهر مسمى ودخل بها فإن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه كان يقول هي طالق واحدة بائنة وعليها العدة ولها مهر ونصف، نصف من ذلك بالطلاق ومهر بالدخول وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لها نصف مهر بالطلاق وليس لها بالدخول شئ ومن حجته في ذلك أن رجلا آلى من امرأته فقدم بعد أربعة أشهر فدخل بامرأته ثم أتى ابن مسعود فأمره أن يخطبها فخطبها وأصدقها صداقا مستقبلا ولم يبلغنا أنه جعل في ذلك الوطئ صداقا ومن حجة أبى حنيفة أنه قال قد وقع الطلاق قبل الجماع فوجب لها نصف المهر وجامعها بشبهة فعليه المهر ولو لم أجعل عليه الحد وقال أبو حنيفة كل جماع يدرأ فيه الحد ففيه صداق لابد من الصداق إذا درأت الحد وجب الصداق وإذا لم أجعل الصداق(7/170)
فلابد من الحد قال أبو يوسف حدثنى محدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال فيه لها مهر ونصف مهر مثل قول أبى حنيفة وإذا قال الرجل لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت الدار فإن أبا حنيفة وابن أبى ليلى قالا: لا يقع الطلاق ولو قال أنت طالق إن شاء الله ولم يقل إن دخلت الدار فإن أبا حنيفة رضى الله عنه قال لا يقع الطلاق وقال هذا والاول سواء وبه يأخذ أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في ذلك لا يقع الطلاق ولا العتاق وأخبرنا عبد الملك ابن أبى سليمان عن عطاء بن أبى رباح أنه قال لا يقع الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لامرته أنت طالق إن شاء الله تعالى فلا طلاق ولا عتاق، وإذا طلق الرجل امرأته واحدة فانقضت عدتها فتزوجت زوجا ودخل بها ثم طلقها ثم تزوجها الاول فإن أبا حنيفة قال هي على الطلاق كله وبه يأخذ وقال ابن أبى ليلى هي على ما بقى (قال الشافعي) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فانقضت عدتها ونكحت زوجا غيره ثم أصابها ثم طلقها أو مات عنها فانقضت عدتها فنكحت الزوج الاول فهى عنده على ما بقى من الطلاق يهدم الزوج الثاني الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين وقولنا هذا قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وعدد من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفنا في بعض هذا بعض الناس فقال إذا هدم الزوج ثلاثا هدم واحدة واثنتين واحتج بقول ابن عمر وابن عباس
رضى الله عنهم وسألنا فقال من أين زعمتم أن الزوج يهدم الثلاث ولا يهدم ما هو أقل منها ؟ قلنا زعمناه بالامر الذى لا ينبغى لاحد أن يدفعه قال وما هو ؟ قلنا حرمها الله بعد الثلاث حتى تنكح زوجا غيره وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عزوجل أن النكاح الذى أحلها الله به بعد الثلاث إصابة الزوج وكانت محرمة قبل الزوج لا تحل بحال إلا بالزوج فكان للزوج حكم هدم الثلاث لهذا المعنى وكانت في الواحدة والثنتين حلالا فلم يكن للزوج ها هنا حكم فزعمنا أنه يهدم حيث كانت لا تحل له إلا به وكان حكمه قائما ولا يهدم حيث لا حكم له وحيث كانت حلالا بغيره وكان أصل المعقول أن أحدا لا يحل له يفعل غيره شئ فلما أحل الله له بفعل غيره أحللنا له حيث أحل الله له ولم يجز أن نقيس عليه ما خالفه لو كان الاصل للمعقول فيه وقد رجع إلى هذا القول محمد بن الحسن بعدما كان يقول بقول أبى حنيفة، والله أعلم.
باب الحدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقيم الحد على البكر وجلد مائة جلدة فإن ابا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا أنفيه من قبل أنه بلغنا عن علي بن أبى طالب أنه نهى عن ذلك وقال كفى بانفي فتة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ينفي سنة إلى بلد غير البلد الذي فجر به وروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعلى رضى الله عنهما (قال الشافعي) وينفي الزانيان البكران من موضعهما الذي زنيا به إلى بلد غيره بعد ضرب مائة وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني ونفى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضى الله تعالى عنهم وقد خالف هذا بعض الناس وهذا مكتوب في كتاب الحدود بحججه، وإذا زنى المشركان وهما ثيبان فإن أبا حنيفة رضى الله عنه قال ليس على واحد منهما الرجم وكان ابن أبى ليلى يقول عليهما الرجم ويروى ذلك عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا ويهودية وبه يأخذ، أبو يوسف قال أبو حنيفة لا تقام(7/171)
الحدود في المساجد وروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى قول نقيم الحدود في المساجد وقد فعل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تحاكم إلينا أهل الكتاب
ورضوا أن نحكم بينهم فترافعوا في الزنا وأقروا به رجمنا الثيب وضربنا البكر مائة ونفيناه سنة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا وهو معنى كتاب الله تبارك وتعالى فإن الله عزوجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (إن حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط) وقال (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) ولا يجوز أن يحكم بينهم في شئ من الدنيا إلا بحكم المسلمين لان حكم الله واحد لا يختلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تقام الحدود في المساجد وإذا وطئ الرجل جارية أمة فقال ظننت أنها تحل لى فإن أبا حنيفة كان يقول يدرأ عنه الحد فإذا أقر بذلك في مقام واحد أربع مرات لم يحد وبه يأخذوا عليه المهر وقال ابن أبى ليلى وأنا أسمع أقر عندي رجل أنه وطئ جارية أمه فقال له وطئتها ؟ قال نعم فقال له أوطئتها ؟ قال نعم فقال له أوطئتها ؟ قال نعم قال له الرابعة وطئتها ؟ قال نعم قال ابن أبى ليلى فأمرت به فجلد الحد وأمرت الجلواز فأخذه بيده فأخرجه من باب الجسر نفيا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل جارية أمه وقال ظننتها تحل لى أحلف ما وطئها إلا وهو يراها حلالا ثم درئ عنه الحد وأغرم المهر فإن قال قد علمت أنها حرام على قبل الوطئ ثم وطئتها حد ولا يقبل هذا إلا ممن أمكن فيه أنه يجهل مثل هذا فأما من أهل الفقه فلا قال أبو حنيفة: ليس ينبغي للحاكم أن يقول له أفعلت ولا نوجب عليه الحد بإقرار أربع مرات في مقام واحد ولو قال: وطئت جارية أمي في أربعة مواطن لم يكن عليه حد لان الوطئ قد يكون حلالا وحراما فلم يقر هذا بالزناد، والله أعلم.
اختلاف علي وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما أبواب الوضوء والغسل والتيمم (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال سأل رجل عليا رضى الله عنه عن الغسل فقال اغتسل كل يوم إن شئت فقال لا الغسل الذي هو الغسل قال يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر وهم لا يرون شيئا من هذا واجبا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن خالد عن أبى إسحق أن عليا رضى الله عنه قال في التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين هكذا يقولون ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
باب الوضوء
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن أبى السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال توضأ علي رضى الله تعالى عنه فغسل ظهر قدميه وقال لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهر قدميه لظننت أن باطنهما أحق، أبو معاوية عن الاعمش عن أبى ظبيان قال رأيت عليا رضى الله عنه بال ثم توضأ ومسح على النعلين ثم دخل المسجد فخلع نعليه وصلى ابن مهدى عن سفيان عن حبيب عن زيد بن وهب أنه رأى عليا رضى الله عنه فعل ذلك ابن مهدى عن سفيان عن الزبير بن عدي عن أكتل بن سويد بن غفلة أن عليا رضى الله عنه فعل ذلك محمد بن عبيد عن محمد بن أبى إسماعيل عن معقل(7/172)
الخثعمي أن عليا فعل ذلك (قال الشافعي) رحمه الله ولسنا ولا إياهم ولا أحد نعلمه يقول بهذا من المفتين خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء بن السائب عن أبى البحتري عن علي رضى الله عنه في الفأرة تقع في البئر فتموت قال تنزح حتى تغلبهم قال ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول بما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا) وأما هم فيقولون ينزح منها عشرون أو ثلاثون دلوا عمرو بن الهيثم عن شعبه عن أبى إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله بأبى أنت وأمى إن أبى قد مات قال (اذهب فواره)) فقلت إنه مات مشركا قال (اذب فواره) فواريته ثم أتيته قال (اذهب فاغتسل) وهم لا يقولون بهذا هم يزعمون أنه ليس على من مس ميتا مشركا غسل ولا وضوء عمرو بن الهيثم عن الاعمش عن إبراهيم بن أبى عبيدة عن عبد الله قال القبلة من اللمس وفيها الوضوء عن شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله مثله وهم يخالفون هذا فيقولون لا وضوء من القبلة ونحن نأخذ بأن في القبلة الوضوء وقال ذلك ابن عمر وغيره وعن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله أنه قال الماء من الماء (قال الشافعي) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهذا القول كان في أول الاسلام ثم نسخ (قال الشافعي) أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن شقيق عن عبد الله قال الجنب لا يتيمم وليسوا يقولون بهذا ويقولون لا نعلم أحدا يقول به ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الجنب أن يتيمم ورواه ابن علية عن عوف الاعرابي عن أبى رجاء عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه أمر رجلا أصابته جناية أن يتيمم ويصلى (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبى إسحاق عن الحرث بن الازمع قال سمعت ابن مسعود يقول إذا غسل الجنب رأسه بالخطمى فلا يعيد له غسلا وليسوا يقولون بهذا يقولون ليس الخطمى بطهور وإن خالطه الماء الطهور إنما الطهور الماء محضا فأما غسل رأسه بالماء بعد الخطمى أو قبله فأما الخطمى فلا يطهر وحده.
أبواب الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد عن عقيل عن ابن الحنيفة أن عليا رضى الله تعالى عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) وبهذا نقول نحن لا يحرم بالصلاة إلا بالتكبير وقال صاحبهم يحرم بها بغير التكبير بالتسبيح ورجع صاحباه إلى قولنا وقولنا لا تنقضي الصلاة إلا بالتسليم فمن عمل عملا مما يفسد الصلاة فيما بين أن يكبر إلى أن يسلم فقد أفسدها لا فيما بين أن يكبر إلى أن يجلس قدر التشهد (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن شعية عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله تعالى عنه قال إذا وجد أحدكم في صلاته في بطنه رزا أو قيئا أو رعافا فلينصرف فلتيوضأ فإن تكلم استقبل الصلاة وإن لم يتكلم احتسب بما صلى وليسوا يقولون بهذا يقولون ينصرف من الرز وإن انصرف من الرعاف فصلاته تامة ويخالفونه في بعض قوله ويوافقونه في بعضه وإن كانوا يثبتون هذه الرواية فيلزمهم أن يقولوا في الرز ما يقولون في الرعاف لانه لم يخالفه في الرز غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علمته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا هشيم عن حصين قال حدثنا أبو ظبيان قال كان علي رضى الله عنه يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح فيقول الصلاة فإذا قام(7/173)
الناس نعم ساعة الوتر هذه فإذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا ابن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن حبان بن الحرث قال أتيت عليا رضى الله عنه وهو معسكر بدير أبى موسى فوجدته يطعم فقال ادن فكل فقلت إنى أريد الصوم فقال وأنا أريده فدنوت فأكلت فلما فرغ قال يا ابن التياح أقم الصلاة وهذان خبران عن علي رضى الله عنه كلاهما يثبت أنه كان يغلس
بأقصى غاية التغليس وهم يخالفونه فيقولون يسفر يالفجر أشد الاسفار ونحن نقول بالتغليس به وهو يوافق ما روينا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في التغليس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا هشيم وغيره عن ابن حبان التيمي عن أبيه عن علي رضى الله عنه قال (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) قيل ومن جاز المسجد ؟ قال من أسمعه المنادي ونحن وهم نقول يحب لمن لا عذر له أن لا يتخلف عن المسجد فإن صلى فصلاته تجزى عنه إلا أنه قد ترك موضع الفضل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا وكيع عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن زاذان أن عليا رضى الله عنه كان يغتسل من الحجامة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا (قال الشافعي) أخبرنا شريك عن عمران بن ظبيان عن حكيم بن سعد أن رجلا من الخوارج قال لعلي رضى الله عنه (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك) الآية فقال علي رضى الله عنه (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) وهو راكع وهم يقولون من فعل هذا يريد به الجواب فصلاته فاسدة (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن شعبة عن أبى إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن علي رضى الله عنه قال إذا ركعت فقلت (اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت) فقد تم ركوعك وهذا عندهم كلام يفسد الصلاة وهم يكرهون هذا وهذا عندي كلام حسن وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيه به ونحن نأمر بالقول به وهم يكرهونه (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحرث عن الحرث الهمداني عن علي رضى الله تعالى عنه كان يقول بين السجدتين (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني) وزاد ابن علية عن شعبة عن أبى إسحاق ونسى إسناده وهم يكرهون هذا ولا يقولون به (قال الشافعي) أخبرنا هشيم على مغيرة على أبى رزين أن عليا رضى الله عنه كان يسلم عن يمينه وعن شماله سلام عليكم سلام عليكم (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن شعبة عن الاعمش عن أبى رزين عن علي رضى الله عنه مثله سواء وليسوا يأخذون به ويزيدون فيه (ورحمة الله وبركاته) (قال الشافعي) أخبرنا ابن مهدى عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن معقل أن عليا رضى الله عنه قنت في المغرب يدعو على قوم بأسمائهم وأشياعهم فقلنا آمين هشيم عن رجل عن ابن معقل أن عليا رضى الله عنه قنت بهم فدعا على قوم يقول (اللهم العن فلانا بادئا وفلانا) حتى عد نفرا وهم يفسدون
صلاة من دعا لرجل باسمه أو دعا على رجل فسماه باسمه ونحن لا نفسد بهذا صلاته لانه يشبه ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن الحباب عن سفيان عن أبى إسحاق عن الحرث عن علي رضى الله عنه أن رجلا قال إنى صليت ولم أقرأ قال أتممت الركوع والسجود ؟ قال نعم قال تمت صلاتك وهم لا يقولون بهذا ويزعمون أن عليه إعادة الصثلاة هشيم عن منصور عن الحسن عن علي رضى الله تعالى عنه قال (اقرأ فيما أدركت مع الامام) وهم لا يقولون بهذا يقولون إنما يقرأ فيما يقضي لنفسه فأما وهو وراء الامام فلا قراءة عليه ونحن نقول كل صلاة صليت خلف الامام والامام يقرأ قراءة لا يسمع فيها قرأ فيها هشيم ويزيد عن حجاج عن أبى إسحاق عن الحرث عن علي رضى الله تعالى عنه في إمام صلى بغير وضوء قال يعيد ولا يعيدون وهذا موافق للسنة وما روينا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان(7/174)
وابن عمر رضى الله تعالى عنهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى عنه أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبى حكيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الضلوات ثم أشار إليهم ثم رجع وعلى جلده أثر الماء (قال الشافعي) أخبرنا وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود ابن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (قال الشافعي) أخبرنا حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن الحسن عن أبى بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن ابن عون عن ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال إنى كنت جنبا فنسيت (قال الشافعي) أخبرنا وكيع عن إسرائيل عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله تعالى عنه قال إذا أحدث في صلاة بعد السجدة فقد تمت صلاته ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أمنا نحن فنقول انقضاء الصلاة بالتسليم للحديث الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما هم فيقولون كل حدث يفسد الصلاة إلا حدثا كان بعد التشهد أو أن يجلس مقدار التشهد فلا يفسد الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا هشيم عن أصحابه عن أبى إسحاق عن أبى الخليل عن علي رضى الله عنه كان إذا افتتح الصلاة قال (لا إله إلا أنت سبحانك ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من
المشركين إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) وقد روينا من حديثنا عن علي رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا الكلام إذا افتتح الصلاة وبهذا ابتدأ يقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضيل عن الاعرج عن عبيدالله بن ابى رافع عن علي رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وهم يخالفونه ولا يقولون منه بحرف يقولون إن سبحانك اللهم وبحمدك كلام (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي عن وكيع عن الاعمش عن أبى إسحاق عن الحرث عن علي رضى الله تعالى عنه كان إذا تشهد قال (بسم الله وبالله) وليسوا يقولون بهذا وقد روى عن علي رضى الله عنه فيه كلام كثيرهم يكرهونه (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن السدى عن عبد خير أن عليا رضى الله عنه قرأ في الصبح ب (سبح اسم ربك الاعلى) فقال سبحان ربى الاعلى وهم يكرهون هذا ونحن نستحبه وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ يشبهه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن علي رضى الله عنه كره الصلاة في جلود الثعالب ولسنا ولا إياهم نقول بهذا بل نقول نحن وإياهم لا بأس بالصلاة في جلود الثعالب إذا دبغت (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير عن علي رضى الله عنه في المستحاضة تغتسل لكل صلاة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا ولا أحد علمته (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن هلال عن وهب ابن الاجدع عن علي رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا بل نكره جميعا الصلاة بعد العصر والصبح نافلة ابن مهدى عن سفيان عن أبى إسحق عن عاصم عن علي رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى دبر كل صلاة ركعتين إلا العصر والصبح وهذا يخالف الحديث الاول (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن شعبة عن أبى إسحق عن عاصم بن(7/175)
ضمرة قال: كنا مع علي رضى الله تعالى عنه في سفر فصلى العصر ثم دخل فسطاطه فصلى ركعتين وهذه الاحاديث يخالف بعضها بعضا إذا كان على يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي بعد العصر ولا الصبح فلا يشبه هذا أن يكون صلى ركعتين بعد العصر وهو يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصليهما.
باب الجمعة والعيدين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبى إسحق قال رأيت عليا رضى الله عنه يخطب نصف النهار يوم الجمعة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول لا يخطب إلا بعد زوال الشمس وكذلك روينا عن عمر وعن غيره (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح عن أبى إسحق قال رأيت عليا رضى الله عنه يخطب يوم الجمعة ثم لم يجلس حتى فرغ ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول يجلس الامام بين الخطبتين ونقول يجلس على المنبر قبل الخطبة وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والائمة بعده (أخبرنا الربيع) قال ؟ أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن الحرث ين ثور أن عليا رضى الله عنه صلى الجمعة ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال أتموا ولسنا ولا إياهم ولا أحد يقول بهذا ولست أعرف وجه هذا إلا أن يكون يرى أن الجمعة عليه هو ركعتان لانه يخطب وعليهم أربع لانهم لا يخطبون فإن كان هذا مذهبه فليس يقول بهذا أحد من الناس (قال الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبى حصين عن أبى عبد الرحمن أن عليا رضى الله عنه قال من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول يصلى أربعا (أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن منهال عن عباد بن عبد الله أن عليا كان يخطب على منبر من آجر فجاء الاشعث وقد امتلا المسجد وأخذوا مجالسهم فجعل يتخطى حتى دنا وقال غلبتنا عليك هذه (1) الحمراء فقال علي ما بال هذه الضياطرة يختلف أحدهم ثم ذكر كلاما وهم يكرهون للامام أن يتكلم في خطبته ويكرهون أن يتكلم أحد والامام يخطب وقد تكلم الاشعث ولم ينهه علي رضى الله عنه وتكلم علي وأحسبهم يقولون يبتدئ الخطبة ولسنا نرى بأسا وبالكلام في الخطبة
تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن شعبة عن محمد بن النعمان عن أبى قيس الاودي عن هذيل أن عليا رضى الله عنه أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس يوم العيد أربع ركعات في المسجد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أبو أحمد عن سفيان عن أبى قيس الاودي عن هذيل عن علي مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن ليث عن الحكم عن حنش بن المعتمر أن عليا رضى الله عنه قال صلوا يوم العيد في المسجد أربع ركعات ركعتان للسنة وركعتان للخروج (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبى إسحق أن عليا رضى الله تعالى عنه أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس يوم العيد في المسجد ركعتين وهذان حديثان مختلفان ولسنا ولا
__________
(1) المراد بهم الفرس، والضياطرة: جمع ضيطر، وهو الضخم، انظر اللسان.(7/176)
إياهم نقول بواحد منهما يقولون الصلاة مع الامام ولا جماعة إلا حيث هو فإن صلى قوم جماعة في موضع فليست بصلاة العيد ولا قضاء منها وهي كنافلة لو تطوع بها رجل في جماعة ونحن نقول إذا صلاها أحد صلاها وقرأ وفعل كما يفعل الامام فيكبر في الاولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن أبى إسحق عن علي رضى الله تعالى عنه في الفطر إحدى عشرة تكبيرة وفي الاضحى خمس وليسوا يأخذون بهذا.
باب الوتر والقنوت والآيات (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عبد الرحيم عن زاذان أن عليا رضى الله تعالى عنه كان يوتر بثلاث يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل وهم يقولون يقرأ ب (سبح اسم ربك الاعلى) والثانية ب (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة يقرأ بفاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد) وأما نحن فنقول يقرأ فيها ب (قل هو الله أحد) وقل أعود برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) يفصل بين كل ركعتين والركعة بالتسليم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن السلمي أن أن عليا رضى الله عنه كان يقنت في الوتر
بعد الركوع وهم لا يأخذون بهذا يقولون يقنت قبل الركوع فإن لم يقنت قبل الركوع لم يقنت بعده وعليه سجدتا لاسهو (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عطاء عن أبى عبد الرحمن أن عليا رضى الله تعالى عنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا هشيم عن معقل أن عليا رضى الله عنه قنت في صلاة الصبح وهم لا يرون القنوت في الصبح ونحن نراه للسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الصبح.
أخبرنا بذلك سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح فقال (اللهم أنج الوليد ابن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة) وذكر الحديث ونقول من أوتر أول الليل صلى مثنى مثنى حتى يصبح (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أبى هروة الغنوي عن حطان بن عبد الله قال: قال علي رضى الله عنه (الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة يصلى ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل وإن شاء صلى ركعتين ركعتين حتى يصبح وإن شاء أوتر آخر الليل) وهم يكرهون أن ينقص الرجل وتره ويقولون إذا أوتر صلى مثنى مثنى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يزيد بن هرون عن حماد عن عاصم عن أبى عبد الرحمن أن عليا رضى الله عنه خرج حين ثوب المؤذن فقال أين السائل عن الوتر ؟ نعم ساعة الوتر هذه ثم قرأ (والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس) وهم لا يأخذون بهذا ويقولون ليست هذه من ساعات الوتر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عباد عن عاصم الاحول عن قزعة عن علي رضى الله تعالى عنه أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات خمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة ولسنا نقول بهذا نقول لا يصلي في شئ من الآيات إلا في كسوف الشمس والقمر ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضى الله تعالى عنه لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به ويقولون يصلى ركعتين في الزلزلة في كل ركعة ركعة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن يونس عن الحسن أن عليا رضى الله عنه صلى(7/177)
في كسوف الشمس خمس ركعات وأربع سجدات ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن نفقول بالذي
روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وأربع سجدات أخبرنا بذلك مالك عن يحيى عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين وسجدتين في كل ركعة ركعتين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة بمثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وقالوا هم يصلى ركعتين كما يصلى سائر الصلوات ولا يركع في كل ركعة ركعتين فخالفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوا ما رووه عن علي رضى الله تعالى عنه الجنائز (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبي عن عبد الله بن معقل قال صلى على على سهل حنيف فكبر عليه ستا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن ابن أبى زياد عن عبد الله بن معقل أن عليا رضى الله تعالى عنه كبر على سهل بن حنيف خمسا ثم التفت إلينا وقال إنه بدرى وهذا خلاف الحديث الاول ولسنا ولا إياهم نأخذ بهذا التكبير عندنا وعندهم على الجنائز أربع وذلك الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن عمير بن سعيد أن عليا رضى الله عنه كبر (1) على ابن المكفف أربعا وهذا خلاف الحديثين قبله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن أشعث عن الشعبي عن قرظة أن عليا رضى الله تعالى عنه أمره أن يصلى على قبر سهل بن حنيف وهم لا يأخذون بهذا ولا يقولون به يقولون لا يصلى على قبر وأما نحن فنأخذ به لانه موافق ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر (أخبر الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان عن الزهري عن أبى أمامة بن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد بن ثابت الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر.
سجود القرآن (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي رضى الله تعالى عنه قال عزائم السجود (ألم تنزيل) و (حم تنزيل) و (النجم) و (اقرأ بسم ربك الخلق) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه (أخبرنا اربيع) قال أخبرنا الشافعي
__________
(1) لعله على أبي مكنف وهو كمحسن زيد الخيل صحابي اه.
كتبه مصححه.(7/178)
قال أخبرنا هشيم عن أبى عبد الله الجعفي عن أبى عبد الرحمن السلمى عن علي رضى الله تعالى عنه قال كان يسجد في الحج سجدتين وبهذا نقول وهذا قول العامة قبلنا يروى عن عمر وابن عمر وابن عباس وهم ينكرون السجدة الآخرة في الحج وهذا الحديث عن علي رضى الله تعالى عنه يخالفونه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن محمد بن قيس عن أبى موسى أن عليا رضى الله تعالى عنه لما أتى بالمخدج خر ساجدا ونحن نقول لا بأس بسجدة الشكر ونستحبها ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها وعن أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما وهم ينكرونها ويكرهونها ونحن نقولا لا بأس بالسجدة لله تبارك وتعالى في الشكر.
الصيام (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا ابن مهدى عن سفيان عن أبى إسحق عن عبيد ابن عمرو أن عليا رضى الله تعالى عنه نهى عن القبلة للصائم فقال ما يريد إلى خلوف فمها ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقولا لا بأس بقبلة الصبائم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان وغيره عن إسمعيل عن أبى السفر عن علي رضى الله تعالى عنه أنه صلى الصبح ثم قال هذا حين يبين الخيط الابيض من الخيط الاسود ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا إنما السحور قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر حرم الطعام والشراب على الصائم.
أبواب الزكاة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن حبيب بن أبى ثابت
عن ابن أبى رافع أن عليا رضى الله تعالى عنه كان يزكى أموالهم وهم أيتام في حجره وبهذا نأخذ وهو موافق لما روينا عن عمر وابن عمر وعائشة في زكاة أموال اليتامى وهم يخالفونه فيقولون ليس على مال اليتيم زكاة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبى إسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه أنه قال (في خمس وعشرين من الابل خمس من الغنم) ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه نأخذ بهذا والثابت عندنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عباد بن محمد عن محمد بن يزيد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب (في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر) وكان عمر يأمر عماله بذلك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو كامل وغيره عن حماد بن سلمة عن ثمامة عن أنس قال أعطاني أبى كتابا كتبه له أبو بكر فقال هذه فريضة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر.
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شريك عن أبى إسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله تعالى عنه قال إذا زادت الابل على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن الهيثم وغيره عن شعية عن أبى إسحق عن عاصم عن علي(7/179)
رضى الله تعالى عنه مثله وبهذا نقول وهو موافق للسنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عباد ومحمد بن يزيد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب (فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو كامل عن حماد بن سلمة عن ثمامة عن أنس عن (3) أبى زكريا أنه كتب له السنة فذكر هذا وهم لا يأخذون بهذا يقولون إذا زادت على عشرين ومائة استقبل بالفرائض أولها وكان في كل خمس شاة إلى أن يبلغ بها خمسين ومائة ثم في كل خمسين حقة وهذا قول متناقض لا أثر ولا قياس فيخالفون ما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر والثابت عن علي عندهم إلى
قول إبراهيم وشئ يغلط به عن علي رضى الله تعالى عنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابو معاوية عن الاعمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن الحرث أن عثمان أهديت له حجل وهو مرم فأكل القوم إلا عليا فإنه كره ذلك ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول بحديث أبى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأكلوا لحم الصيد وهم حرم.
أخبرنا بذلك مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى قتادة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن صالح بن كيسان عن أبى محمد عن أبى قتادة نحوه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن علي رضى الله تعالى عنه فيمن أصاب بيض نعام قال يضرب بقدرهن نوقا قيل له فإن أربعت منهن ناقة ؟ قال فإن من البيض ما يكون مارقا ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه نأخذ بهذا نقول يغرم ثمنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن علي فيمن يجعل عليه المشي ؟ قال يمشي فإن عجز ركب وأهدى بدنة وهم يقولون يمشي إن أحب وكان مطيقا وإلا ركب وأهدى شاة ونحن نقول ليس لاحد أن يركب وهو يستطيع أن يمشي بحال وإن عجر ركب وأهدى فإن صح مشى الذي ركب وركب الذي الذي شمى حتى أتى به كما نذر (قال الربيع) وقد قال الشافعي غير هذا قال عليه كفارة يمين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي في هذه الآية (وأتموا الحج والعمرة لله) قال أن يحرم الرجل من دويرة أهله وهم يقولون أحب إلينا أن يحرم من الميقات (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن أبى إسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي مثله بهذا نقول وهو موافق للنسة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن علي رضى الله تعالى عنه في الضبع كبش (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن أبان عن سفيان عن سماك عن عكرمة أن عليا رضى الله تعالى عنه قضى في الضبع بكبش وبهذا بقول وهو يوافق ما ذكرنا عن عمر وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما هم فيقولون يغرم قيمتها في الموضع الذي أصابها فيه لا يجعلون فيها شيئا موقتا.
أبواب الطلاق والنكاح
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن معاوية بن سويد بن مقرن أنه وجد في كتاب أبيه عن علي رضى الله تعالى عنه أن لا نكاح إلا بولي فإذا بلغ الحقائق النص فالعصبة أحق وبهذا نقول لانه يوافق ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال(7/180)
(أيما امرأة لم ينكحها الولاة فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) أخبرنا بذلك الزنجي عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها وهم يقولون إذا كان الزوج كفوا وأخذت صداق مثلها جاز النكاح وإن كان غير ولى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن حنش أن رجلا تزوج امرأة فزنى بها قبل أن يدخل بها فرفع إلى علي ففرق بينهما وجلده الحد وأعطاها نصل الصداق ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن رجل عن الشعبي عن علي رضى الله تعالى عنه في رجل تزوج امرأة بها جنون أو جذام أو برص قال إذا لم يدخل بها فرق بينهما فإن كان دخل بها فهي امرأته إن شاء طلقها وإن شاء أمسك وهم يقولون هي امرأته على كل حال إن شاء طلق وإن شاء أمسك (أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن مطرف عن الشعبي عن علي رضى الله تعالى عنه في النصراني تسلم امرأته قال هو أحق بها ما لم يخرجها من دار الهجرة ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد خير عن علي رضى الله تعالى عنه في الرجل يتزوج المرأة ثم يموت ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا أن لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها وبهذا نقول إلا أن يثبت حديث بروع وقد رويناه عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضيا لله عنهم وهم يخالفونه ويقولون لها صداق نسائها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن عباد عن حماد بن سلمة عن بديل عن ميسرة عن أبى الوضى أن أخوين تزوجا أختين فاهديت كل واحدة منهما إلى أخي زوجها فأصابها فقضى علي رضى الله عنه على كل واحد منهما صداق وجعله يرجع به على الذي غره وهم يخالفونه ويقولون لا يرجع بالصداق وبه يقول الشافعي لا يرجع بالصداق (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن جرير بن حازم عن عيس عن عاصم الاسدي عن زاذان عن علي رضى الله عنه يقول في الخيار إن اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها ولسنا ولا إياهم نقول بهذا القول أما نحن فنقول إن اختارت زوجها فلا شئ ويروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك طلاقا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن الحكم عن إبراهيم أن عليا رضى الله تعالى عنه قال في الخلية والبرية والحرام ثلاثا ثلاثا ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول إن نوى الطلاق فهو ما نوى من الطلاق إن كانت واحدة فواحدة وإن أراد اثنتين فاثنتين ويملك الرجعة وأما هم فيقولون إن نوى واحدة فواحدة وإن نوى اثنتين فلا يكون اثنتين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن داود عن الشعبي عن علي رضى الله عنه في الحرام ثلاث ولسنا ولا إياهم نقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن يزيد ومحمد بن عبيد وغيرهما عن إسماعيل عن الشعبي عن رياش بن عدي الطائي قال أشهد أن عليا رضى الله عنه جعل ألبتة ثلاثا ولسنا ولا إياهم نقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وسفيان بن عيينة عن الشيباني عن الشعبي عن عمرو بن سلمة أن عليا رضى الله عنه وقف المولى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن الشيباني عن بكير بن الاخنس عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عليا رضى الله تعالى عنه وقف المولى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ليت عن مجاهد عن مروان شهد عليا رضى الله عنه وقف المولى وهكذا نقول وهو موافق لما روينا عن عمر وابن عمر وعائشة وعثمان زيد(7/181)
بن ثابت وبضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم وقفوا المولى وهم يخالفونه ويقولون لا يوقف إذا مضت أربعة أشهر بانت منه.
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عبيد عن إسماعيل عن العشبي أن عليا رضى الله عنه كان يؤجل المتوفى عنها لا ينظر بها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي قال نقل علي رضى الله تعالى عنه أم كلثوم بعد قتل عمر بسبع ليال ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بحديث فريعة ابنة مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله ونحن نقول بهذا وهم في المتوفى عنها والمبتوتة وهم يروون عن علي رضى الله عنه أنه نقل ابنته في عدتها من عمر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن أشعث عن الكم عن أبى صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي رضى الله عنه قال العدة من يوم يموت أو يطلق وبهذا نقول ويقولون يقول نا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عمن سمع الحكم يحدث عن أبى صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي رضى الله تعالى عنه قال الحامل المتوفى عنها لها النفقة من جميع المال وليسوا يقولون بهذا وينكرون هذا القول فيقولون ما نقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى الضحى عن علي رضى الله تعالى عنه قال الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بآخر الاجلين وليسوا يقولون بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبى سلمة قال سألت ابن عباس وأبا هريرة عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال ابن عباس آخر الاجلين وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت قال أبو سلمة فدخلت على أم سلمة فسألتها عن ذلك فقالت ولدت سبيعة الاسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر شيخ فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا فرجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قد حللت فانكحى من شئت) فبهذا نقول وهم يقولون بقولنا فيه وينكرون ما روى عن علي رضى الله عنه ويخالفونه، وعن صالح بن مسلم عن الشعبي أن عليا رضى الله عنه قال في التي تتزوج في عدتها قال تتم ما بقي من عدتها من الاول وتستأنف من الآخر عدة جديدة وكذلك نقول وهو موافق لما روينا عن عمر وهم يقولون عليها عدة واحدة وينكرون ما روى علي رضى الله عنه ويخالفونه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وأبو معاوية محمد بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبي عن شريح أن رجلا طلق امرأته فذكرت أنها قد حاضت في شهر ثلاث حيض فقال علي رضى الله عنه لشريح قل فيها فقال إن جاءت ببينة من بطانة أهلها يشهدون صدقت فقال له علي قالون وقالون بالرومية أصبت وهم لا يأخذون بهذا ويخالفونه، أما بعضهم فيقول لا تنقضي العدة في أقل من أربعة وخمسين يوما (قال الربيع) قول الشافعي أقل ما تنقضي العدة فيمن
تحيض ثلاثة وثلاثون يوما لان أقل الحيض يوم وليلة وأقل الطهر خمس عشرة ليلة وقال بعضهم أقل ما تنقضي منه تسعة وثلاثون يوما (1) وأما نحن فنقول بم روى عن علي رضى الله عنه لانه موافق ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجعل للحيض وقتا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إنه لا تنقضي عدتها في أقل من ثلاثة وثلاثين يوما (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت قالت فاطمة بنت أبى حبيش لرسول الله صلى الله عليه
__________
(1) كذا في النسخ وليتأمل.(7/182)
وسلم إنى لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلى) فلم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لها وقتا في الحيضة فيقول كذا وكذا يوما ولكنه قال إذا أقبلت وإذا أدبرت، وروى عن سليمان التيمي عن أبى عمرو الشيباني عن أبن مسعود في العزل قال هو الوأد الخفي ولسنا نقول بهذا لا يرون بالعزل باسا وروى عن عمرو بن الهيثم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي رضى الله عنه أنه كره العزل وليسوا يأخذون بهذا ولا يرون بالعزل بأسا ونحن نروى عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنه فلم يذكر عنه نهيا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء بن أبى رباح عن جابر قال كنا نعزل والقرآن ينزل (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يزيد بن هارون عن الاشعث عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه قال اكتموا الصبيان النكاح فإن كل طلاق جائز الا طلاق المعتوه ولسنا نأخذ بهذا ونقول لا طلاق لصغير حتى يبلغ ولا نجيز طلاق المعتوه ولا المبرسم ولا النائم، ويروى عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عليا رضى الله عنه قال لا طلاق لمكره وهم يخالفون هذا ويقولون طلاق المكره جائز، وحماد عن قتادة عن خلاس أن رجلا طلق امرأته فأشهد على طلاقها وراجعها وأشهد على رجعتها واستكتم الشاهدين حتى انقضت عدتها فرفع ذلك إلى علي رضى الله عنه ففرق بينهما ولم يجعل له عليها رجعة وعزر الشاهدين وهم يخالفون هذا ويجعلون الرجعة ثابتة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن داود
عن سماك عن أبى عطية الاسدي أنه تزوج امرأة أخيه وهي ترضع أبن أخيه فقال والله لا أقربها حتى تفطمه فسأل عليا رضى الله عنه عن ذلك فقال علي إن كنت إنما تريد الاصلاح لك ولابن أخيك فلا إيلاء عليك وإنما الايلاء ما كان في الغضب، والله أعلم.
المتعة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبى حازم قال سمعت ابن سمعود يقول كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشئ وليسوا يأخذون بهذا ويخالفون ما روى عن عبد الله (أخبرنا الربيع) قال أخبر ما الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري قال حدثنى حسن و عبد الله أبنا محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضى الله عنه أنه قال لابن عباس أن رسول اله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة ولحوم الحمر الاهلية زمن خيبر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري قال أخبرني الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وبهذا يقول الشافعي (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال بيع الامة طلاقها وهم يثبتون مرسل إبراهيم عن عبد الله ويروون عنه أنه قال إذا قلت قال عبد الله فقد حدثنى غير واحد من أصحابه وهم لا يقولون بقول عبد الله هذا ويقولون لا يكون بيع الامة طلاقها وهكذا نقول ونحتج بحديث بريرة أن عائشة رضى الله عنها اشترتها ولها زوج ثم أعتقتها(7/183)
فجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ولو كان بيعها طلاقها لم يكن للخيار معنى وكانت قد بانت من زوجها بالشراء وروينا عن عثمان وعبد الرحمن بن عوف أنهما لم يريا بيع الامة طلاقها.
أخبرنا بذلك سفيان عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اشترى من عاصم بن عدي جارية فأخبر أن لها زوجا فردها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن الهيثم عن شعبة عن
الحكم عن سالم بن أبى الجعد عن أبيه عن ابن مسعود في الرجل يزنى بامرأة ثم يتزوجها قال لا يزالان زانيين ولسنا ولا إياهم نقول بهذا هما آثمان حين زنيا ومصيبان الحلال حين تناكحا غير زانيين وقد قال عمر وابن عباس نحو هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شريك عن أبى حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله قال إذا قال الرجل لامرأته استلحقي بأهلك أو وهبها لاهلها فقبلوها فهي تطليقة وهو أحق بها وبهذا نقول إذا أراد الطلاق وهم يخالفونه يزعمون أنها تطليقة بائنة.
عبد الله بن موسى عن ابن أبى ليلى عن طلحة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لا يكون طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء وهم يخالفونه في عامة الطلاق فيجعلونه بائنا وأما نحن فنجعل الطلاق كله يملك الرجعة إلا طلاق الخلع وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر في ألبتة أنها واحدة يملك فيها الرجعة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمى محمد بن علي عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة أنه طلق امرأته ألبتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أردت ؟) فقال والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد عن المطلب قال قال لى عمر وطلقت امرأتي ألبتة أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت وروى عن زيد ابن ثابت في التمليك وطلقت نفسها واحدة يملك الرجعة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي ومغيرة عن إبراهيم عن عبد الله في الخيار إن اختارت نفسها فواحدة وهو أحق بها وهكذا نقول نحن وهم يخالفونه ويرون الطلاق فيه بائنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حفص عن الاعمش عن إبراهيم في اختاري وأمرك بيدك سواء وبهذا نقول وهم يخالفونه فيفرقون بينهما أبو معاوية ويعلى عن الاعمش عن إبراهيم عن مسروق أن امرأة قالت لزوجها لو أن الامر الذي بيدك بيدي طلقت نفسي فقال قد جعلت الامر إليك فطلقت نفسها ثلاثا فسأل عمر عبد الله عن ذلك فقال هي واحدة وهو أحق بها فقال عمر وأنا أرى ذلك وبهذا نقول إذا جعل الامر إليها ثم قال لم أرد إلا واحدة فالقول قوله وهى تطليقة يملك الرجعة وهم يخالفون هذا فيجعلونها واحدة بائنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن سيار أبى الحكم وأبى الحكم وأبى حيان عن الشعبي أن رجلا قال من يذبح
للقوم شاة وأزوجه اول بنت تولد لى فذبح لهم رجل من القوم فأجاز عبد الله النكاح ولسنا ولا إباهم ولا أحد من الناس علمته يقول بهذا يجعلون للذابح أجر مثله ولا يكون هذا نكاحا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود قال يكره أن يطأ الرجل امرأته إذا فجرت أو يطأها وهي مشركة وهم لا يقولون بهذا ويقولون لا بأس أن يطأها قبل الفجور وبعده (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن ابن أبى ليلى عن الشعبي عن عبد الله في الحامل المتوفى عنها لها النفقة من جميع المال ولسنا ولا أحد يقول بهذا إذا مات الميت وجب الميراث لاهله، والله أعلم.(7/184)
ما جاء في البيوع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إسماعيل عن الشعبي عن عبيدة قال قال علي رضى الله تعالى عنه استشارني عمر في بيع أمهات الاولاد فرأيت أنا وهو أنها عتيقة فقضى به عمر حياته وعثمان بعده فلما وليت رأيت أنها رقيق ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بقول عمر لا تباع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن نسير بن ذعلوق عن عمرو بن راشد الاشجعي أن رجلا باع نجيبة واشترط (1) ثنياها فرغب فيها فاختصما إلى عمر فقال اذهبا إلى علي رضى الله عنه فقال علي اذهبا بها إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها وليسوا يقولون بهذا وهو عندهم بيع فاسد فخالفوا عليا ولا نعلم له مخالفا في هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وهم يثبتون هذه الرواية عن علي رضى الله عنه فإن يثبتوها فيلزمهم أن يقولوا به لانه ليس له دافع عندهم ونحن نقول هذا فاسد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن عثمان البتى عن الحسن أن عليا رضى الله عنه قضى بالخلاص وليسوا يقولون بهذا يقولون إن استحق البائع الثمن الذي قبض ولم يكن عليه أن يخلصها بثمن ولا غير ذلك وليسوا يروون خلاف هذا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيلزمهم إذا ثبتوا هذا في أصل قولهم أن يقولوا به (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن ضمرة عن علي
رضى الله تعالى عنه قال كسب الحجام من السحت وليسوا يأخذون بهذا ولا يرون بكسب الحجام بأسا ونحن لا نرى يذلك بأسا ونروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم يعطه إياه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وحفص وغيرهما عن الحجاج عن ابن عمرو بن حريث عن أبيه أنه باع عليا رضى الله عنه درعا منسوجة بالذهب بأربعة آلاف درهم إلى العطاء وليسوا يقولون بهذا هذا عندهم بيع مفسوخ لانه إلى غير أجل (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمر وعن علي رضى الله عنه فيمن اشترى ما أحرز العدو قال هو جائز وهم يقولون إن صاحبه إذا جاء بالخيار إن أحب أخذه بالثمن أخذه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله قال لا بأس بالدرهم بالدرهمين ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بالاحاديث التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل وعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل وقد كان عبد الله لقى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهوه فلما رجع قال ما أرى به بأسا وما أنا بفاعله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن سليمان التيمي عن أبى عثمان عن ابن مسعود قال من ابتاع مصراة فهو بالخيار إن شاء ردها وصاعا من طعام وهكذا نقول وبهذا مضت السنة وهم يزعمون أنه إذا حلبها فليس له ردها لانه قد أخذ منها شيئا (أخبرنا الربيع) قال: أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله أنه قال في أم الولد تعتق من نصيب ولدها ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بحديث عمر أنه أعتق أمهات الاولاد إذا مات ساداتهن ويقولون جميعا تعتق من رأس المال، (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن
__________
(1) الثنيا بالضم من الجزور الرأس والقوائم اي اشتراط أن له رأسها وأرجلها.
كتبه مصححه.(7/185)
حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه كره شراء المصاحف وبيعها وليسوا يقولون بهذا لا يرون بأسا ببيعها وشرائها ومن الناس من لا يرى بشرائها بأسا، ونحن نكره بيعها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع أن عليا رضى الله عنه قال لا يحل أكل الثوم إلا مطبوخا وليسوا يقولون بهذا
بل ينكرونه ويقولون ما يقول بهذا أحد ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مساجدنا يؤذينا بريح الثوم) وهذا الذي نأخذ به.
باب الديات (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه قال الخطأ شبه العمد بالخشبة والحجر الضخم ثلث حقاق وثلث جذاع وثلث ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وفي الخطأ خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت لبون ونحن نروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في شبه العمد أربعون خلفة في بطونها أولادها وروى عن عمر أنه قضى به ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة وبهذا نقول وهم يقولون بخلاف هذا ويقولون في الحجر الضخم والخشبة هذا عمد فيه القود ويعيبون مذهب صاحبهم بأنه يقول هو خطأ (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الطنافسي عن عبد الله بن حبيب بن أبى ثابت عن الشعبي عن مسروق قال كنت عند علي رضى الله عنه فأتاه ثلاثة فشهدوا على اثنين أنهما غرقا صبيا وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فقضى علي رضى الله عنه على الثلاثة بخمسي الدية وقضى على الاثنين بثلاثة أخماس الدية ولسنا ولا أحد علمناه يقول بهذا يقولون لولى الدم أن يدعى على إحدى الطائفتين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن علي رضى الله عنه في الرجل يقتل المرأة قال إن أراد أولياء المرأة أن يقتصوا لم يكن ذلك لهم حتى يعطوا نصف الدية وليسوا يقولون بهذا يقولون بينهما القصاص في النفس وينكرون هذا القول ويقولون ما نعلم أحدا يقوله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يزيد بن هرون عن هشام عن الحسن أن عليا رضى الله عنه قضى بالدية اثنى عشر ألفا وهم يقولون الدية عشرة آلاف (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبى زائدة عن مجالد عن الشعبي عن علي رضى الله تعالى عنه أنه قضى في القامصة والقارصة والواقصة جارية ركبت جارية فقرصتها جارية فقمصت فوقصت المحمولة فاندق عنقها فجعلها أثلاثا وليسوا يقولون بهذا وينكرون الحكم به ويقولون ما يقول هذا أحد ويزعمون أن ليس على الموقوصة شئ وأن ديتها على العاقلة (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عباد بن العوام عن عمرو بن عامر عن قتادة عن خلاس عن علي رضى الله عنه أن غلامين كانا يلعبان بقلة فقال أحدهما حذار، وقال الآخر حذار فأصابت ثنيته فكسرتها فرفع إلى علي رضى الله عنه فلم يضمنه وهم يضمنون هذا ويخالفون ما رووا فيه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد عن قتادة عن خلاس عن علي قال: إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فإنما هو كسيفه أو سوطه يقتل المولى ويحبس العبد في السجن (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبى جحيفة قال قلت لعلي رضى الله عنه هل عندكم من النبي صلى الله عليه وسلم غير ما في أيدي الناس ؟ قال: لا إلا أن يؤتى الله عبدا فهما في القرآن وما(7/186)
في الصحيفة قلت وما في الصحيفة ؟ قال العقل وفكاك الاسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر وهم يخالفون هذا ويقولون يقتل المؤمن بالكافر ويخالفون ما رووا عن علي رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عبيد بن القعقاع قال: كنت رابع أربعة نشرب الخمر فتطاعنا بمدية كانت معنا فرفعنا إلى علي رضى الله عنه فسجننا فمات منا اثنان فقال أولياء المتوفيين أقدنا من الباقيين فسأل علي رضى الله عنه القوم ما تقولون ؟ فقالوا نرى أن تقيدهما قال فلعل أحدهما قتل صاحبه قالوا لا ندري قال وأنا لا أدري وسأل الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما فقال مثل مقالة القوم فأجابه بمثل ذلك فجعل دية المقتولين على قبائل الاربعة ثم أخذ دية جراح الباقيين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك عن حنش بن المعتمر أن ناسا حفروا بئرا لاسد فازدحم الناس عليها فتردى فيها رجل فتعلق برجل وتعلق الآخر بآخر فجرحهم الاسد فاستخرجوا منها فماتوا فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السلاح فقال علي رضى الله تعالى عنه لم تقتلون مائتين من أجل اربعة ؟ تعالوا فلنقض بينكم بقضاء إن رضيتم وإلا فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للاول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا على البئر فمنهم من رضى ومنهم من لم يرض فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه القصة وقالوا إن عليا رضى الله عنه قضى بكذا
وكذا فأمضى قضاء علي رضى الله تعالى عنه وهم لا يأخذون بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن الاعمش عن شقيق عن عبد الله في جراحات الرجال والنساء تستوى في السن والموضحة وما خلا فعلى النصف وهم يخالفون هذا فيقولون على النصف من كل شئ (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا سعيد عن أبى معشر عن إبراهيم عن عبد الله في الذي يقتص منه فيموت قال علي الذي اقتص منه الدية ويرفع عنه بقدر جراحته وليسوا يقولون بهذا بل نقول نحن وهم لا شئ على المقتص لانه فعل فعلا كان له أن يفعله.
باب الاقضية (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الاجلح عن الشعبي عن علي رضى الله عنه اختصم إليه ناس ثلاثة يدعون ولدا فسألهم أن يسلم بعضهم لبعض فأبوا فقال أنتم شركاء متشاكسون ثم أقرع بينهم فجعله لواحد منهم خرج سهمه وقضى عليه بثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أصبت وأحسنت (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت الشعبي يحدث عن أبى الخليل أو ابن الخليل أن ثلاثة نفر اشتركوا في طهر فلم يدر لمن الولد فاختصموا إلى علي رضى الله عنه فأمرهم أن يقترعوا وأمر الذي أصابته القرعة أن يعطي للآخرين ثلثي الدية وليسوا يقولون بهذا وهم يثبتون هذا عن علي رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم يخالفونه والذي يقولونه هم ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس لاحد أن يخالفه ولو ثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا به ونحن نقول ندعو القافة له فإن ألحقوه بأحدهم فهو ابنه وإن ألحقوه بكلهم أو لم يلحقوه بأحدهم فلا يكون له ويوقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء ولا يكون له أبوان في الاسلام وهم يقولون هو ابنهم يرثهم ويرثونه وهو للباقي منهم (أخبرنا الربيع) قال(7/187)
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن سماك عن أبى عبيد بن الابرص أن رجلا استأجر نجارا يضرب له مسمارا فانكسر المسمار فخاصمه إلى علي رضى الله عنه فقال أعطه درهما مكسورا وهم يخالفون هذا ولا يقولون به ونحن لا نقول به ومن ضمن الاجير ضمنه قيمة المسمار ولم يجعل له شيئا إذا لم يتم العمل فإن
تم العمل فله ما استأجره عليه إن كانت الاجارة صحيحة وإن كانت الاجارة فاسدة فله أجر مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن موسى بن طريف الاسدي قال دخل علي رضى الله عنه بيت المال (1) فأضرط به وقال لا أمسى وفيك درهم فأمر رجلا من بنى أسد فتسمه إلى الليل فقال الناس لو عوضته فقال إن شاء ولكنه سحت وهم يخالفون هذا ويقولون لا بأس بالجعل على القسم وهم يقولون قال علي سحت وهم يروون عن علي رضى الله عنه إن شاء أعطيته وهو سحت ونحن وهم نقول لا يحل لاحد أن يعطى السحت كما لا يحل لاحد أن يأخذه ولا نرى عليا رضى الله عنه يعطى شيئا يراه سحتا إن شاء الله تعالى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي قال أتى علي رضى الله عنه في بعض الامر فقال ما أراه إلا جورا ولولا أنه صلح لرددته وهم يخالفون هذا ويقولون إذا كان جورا فهو مردود ونحن نروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من اصطلح على شئ غير جائز فهو رد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حفص بن غياث عن ابن أبى ليلى عن الحكم عن حنش أن عليا رضى الله عنه رأى الحلف مع البينة وهم يخالفون هذا ولا يستحلفون أحدا مع بينته وهم يروون عن شريح أنه استحلف مع البينة ولا نعلمهم يروون عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافهما.
باب اللقطة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن أبى قيس قال سمعت هذيلا يقول رأيت عبد الله أتاه رجل بصرة مختومة فقال قد عرفتها ولم أجد من يعرفها فقال استمتع بها وهذا قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود أشبه بالسنة وقد خالفوا هذا كله ورووا حديثا عن عامر عن أبيه عن عبد الله أنه اشترى جارية فذهب صاحبها فتصدق بثمنها وقال اللهم عن صاحبها فإن كره فلى وعلى الغرم ثم قال هكذا نفعل باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التي لا حجة فيها وخالفوا حديث عبد الله بن مسعود الذي يوافق السنة وهو عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذي عن عامر وهم يخالفونه فيما هو فيه بعينه
يقولون إن ذهب البائع فليس للمشترى أن يتصدق بثمنها ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء.
باب الفرائض (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن
__________
(1) أي استخف به وسخر منه، انظر اللسان.
كتبه مصححه.(7/188)
سلمة عن علي رضى الله عنه أنه كان يشرك بين الجد والاخوة حتى يكون سادسا وليسوا يقولون بهذا أما صاحبهم فيقول الجد أب فيطرح الاخوة وأما هم ونحن فنقول بقول زيد يقاسم الاخوة ما كانت المقاسمة خيرا له ولا ينقص من الثلث من رأس المال وهم ينكرون قول علي ويقولون ما يقول هذا أحد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله يورثان الارحام دون الموالى (3) وكان علي رضى الله عنه أشدهم في ذلك وليسوا يقولون بهذا يقولون إذا لم يكن أهل فرائض مسماة ولا عصبة ورثنا الموالى ونقول نحن لا نورث أحدا غير من سميت له فريضة أو عصبة وهم يورثون الارحام وليسوا بعصبة ولا مسمى لهم إذا لم تكن أموال وقالوا القول قول زيد والقياس عليه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن ابن أبى ليلى عن الشعبي عن الحرث عن علي رضى الله عنه أنه ورث نفرا بعضهم من بعض ويقولون في هذا بقولنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن سفيان الثوري عن أبى قيس عن هذيل عن عبد الله أنه لم يشرك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أن عبد الله أشرك ونحن نقول بشرك وهم يخالفونه ويقولون لا نشرك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن سفيان الثوري عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله في ابنتين وبنات ابن وبنى ابن للبنتين الثلثان وما بقي فلبني الابن دون البنات وكذلك قال في الاخوة والاخوات للاب مع الاخوات لاب وأم ولسنا ولا أحد علمته يقول بهذا إنما يقول الناس للبنات أو الاخوات الثلثان وما بقي فلبني الابن وبنات الابن أو الاخوة والاخوات من الاب للذكر مثل حظ الانثيين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم قال كان عبد الله يشرك الجد مع الاخوة
فإذا كثروا أوفاه السدس ولسنا ولا أحد يقول بهذا أما نحن فنقول إنه إذا كان مع الاخوة لم ننقصه من الثلث وأما بعضهم فكان يطرح الاخوة ويجعل المال للجد وبذلك يقولون (أخبرنا الربيع) قال أخبر الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم قال: كان عبد الله يجعل الاكدرية من ثمانية للام سهم وللجد سهم وللاخت ثلاثة أسهم وللزوج ثلاثة أسهم ولسنا ولا أحد يقول بهذا ولكنهم يقولون بما روى عن زيد بن ثابت نجعلها من تسعة للام سهمان وللجد سهم وللاخت ثلاثة أسهم وللزوج ثلاثة أسهم ثم يقاسم الجد الاخت فيجعل بينهما للذكر مثل حظ الانثيين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي عن رجل عن الثوري عن إسمعيل بن رجاء عن إبراهيم (اخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عمن سمع الشعبي يقول في جد وأم وأخت فللاخت ثلاثة أسهم وللام سهم وللجد سهمان وليسوا يقولون بهذا إنما يقولون بقول زيد يجعلها من تسعة للام ثلاثة أسهم وللجد أربعة أسهم وللاخت سهمان (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الله قال أهل الكتاب والمملوكون يحجبون ولا يورثون وليسوا يقولون بهذا يقولون بقول زيد لا يحجبون ولا يرثون وهم يقولون في هذا بقولنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن يونس عن ابن سيرين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان الثوري عن الاعمش عن إبراهيم أن عبد الله سئل عن رجل مات وترك أباه مملوكا ولم يدع وارثا قال يشتري من ماله فيعتق ثم يدفع إليه ما ترك وليسوا يقولون بهذا يقولون لا يرث المملوك ولا يورث ونحن نقول ماله في بيت المال وكذلك يقولون هم إن لم يوص به.(7/189)
باب المكاتب (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن طارق عن الشعبي أن عليا رضى الله تعالى عنه قال في المكاتب يعتق منه بحساب وقال ابن عمر وزيد بن ثابت هو عبد ما بقي عليه شئ وروى ذلك عمرو بن شعيب وبذلك نقول ويقولون به معنا وهم يخالفون الذي رووا عن علي رضى الله تعالى عنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حجاج عن يونس بن أبي اسحق عن أبيه عن الحارث
عن علي رضى الله عنه يعتق من المكاتب بقدر ما أدى ويرث بقدر ما أدى وليسوا يقولون بهذا (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا رجل عن حماد عن قتادة عن خلاس عن علي رضى الله تعالى عنه قال: يستسعى المكاتب بعد العجز وليسوا ولا أحد من الناس يقول بهذا إنما نقول إذا عجز فهو رقيق وحدثنا أن عليا رضى الله تعالى عنه قال لا نعجز المكاتب حتى يدخل نجما في نجم وليسوا ولا أحد من المفتين يقول بهذا نحن وهم نقول إذا حلت نجومه فإن لم يجد فهو عاجز رقيق ولا ينتظر بتعجيزه النجم الآخر وكذلك يقول مفتو الناس لا أعلمهم يختلفون فيه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن خالد الخياط عن يونس بن أبي اسحق عن أبيه عن أبي الاحوص قال: قال عبد الله إذا أدى المكاتب قيمته فهو حر ونحن نروى عن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة أنه عبد ما بقي عليه شئ وبه نقول.
باب الحدود (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي أن عليا رضى الله تعالى عنه جلد سراحه يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال أجلدها بكتاب الله وأرجمها بسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليسوا يقولون بهذا يقولون ترجم ولا تجلد والسنة الثابتة أن تجلد البكر ولا ترجم وترجم الثيب ولا تجلد وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا ولم يجلده وقال لانيس (اغد يا انيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) فغدا أنيس فاعترفت فرجمها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبى إسحق عن أشياخه أن عليا رضى الله تعالى عنه جلد امرأة في الزنا وعليها درع قيل لى جديد، وكذلك يقول المفتون ولا أعلمهم يختلفون في ذلك.
هشيم عن الشيباني عن الشعبي أن عليا نفى إلى البصرة.
ابن مهدى عن سفيان عن أبى إسحق عن أشياخه أن عليا رضى الله تعالى عنه نفى إلى البصرة وليسوا يأخذون بهذا ويزعمون أنه لا نفى على أحد وأما نحن فنأخذ به لانه موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبى هريرة وزيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين اللذين اختصما إليه (لاقضين بينكما بكتاب الله عزوجل على ابنك جلد مائة وتغريب عام) ابن مهدى عن سفيان عن نسير بن ذعلوق عن خليد الثوري أن
رجلا أقر عند على بحد فجهد عليه أن يخبره ما هو فأبى فقال اضربوه حتى ينهاكم وهم يخالفون هذا ولا يقولون به ولا أعلمهم يروون عن أحد من أصحاب النبي خلاف هذا فإن كانوا يثبتون مثل هذه الرواية عن علي رضى الله تعالى عنه فيلزمهم أن يقولوا بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان وإسرائيل عن عبد الاعلى عن أبى جميلة عن علي رضى الله تعالى عنه قال(7/190)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) وهم يخالفون هذا إلى غير فعل أحد علمته من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نقول به وهو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بذلك مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبى هريرة وزيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة إذا زنت فقال (إذا زنت أمة أحدكم فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها في الرابعة ولو بضفير حبل) قال ابن شهاب لا ادري بعد الثالثة أو الرابعة والضفير الحبل (أخبرنا الربيع) قال اخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن أبى هريرة وزيد بن خالد نحوه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن عادت فزنت فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها فإن عادت زناها فليبعها ولو بضفير من شعر - يعني الحبل) وهم يخالفون ما رووا عن علي رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وما روينا نحن عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرتد عن حجر بن عنبس قال شهد رجلان على رجل عند علي رضى الله تعالى عنه أنه سرق فقال السارق لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا لنزل عذرى فأمر بالناس فضربوا حتى اختلطوا ثم دعا الشاهدين فلم يأتيا فدرأ الحد وليسوا يأخذون بهذا يقولون لا نسترهب الشهود يقولون نقف الشاهدين فإن شهدا وكانا عدلين قطع وإن لم يكونا عدلين لم تجز الشهادة وما علمت أحدا يأخذ بقولهم هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان
عن عاصم بن كليب عن أبيه قال لم أر السارق قط أكثر منهم في زمان علي رضى الله تعالى عنه ولا رأيته قطع أحدا منهم قلت وكيف كان يصنع قال كان يأمر الشهود أن يقطعوا وليسوا يأخذون بهذا يقولون إذا شهد الشهود فمن شاء الحاكم أن يأمر بقطعه قطع ولا يأمر بذلك الشهود ونحن نقول بهذا ولم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم والائمة بعده أمروا شاهدين بقطع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي أن رجلين أتيا عليا رضى الله تعالى عنه فشهدا على رجل أنه سرق فقطع يده ثم آتياه بآخر فقالا هذا الذي سرق وأخطأنا على الاول فلم يجز شهادتهما على الآخر وغرمهما دية يد الاول وقال لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما وبهذا نقول إذا قالا أخطأنا على الاول غرمتهما دية يد المقطوع وإن قالا عمدنا أن نشهد عليه بباطل قطعت أيديهما بيده قودا، وهذا أشبه بالقياس إن كان يجوز أن يقتل اثنان بواحد فلم لا تقطع يدان بيد واليد أقل من النفس وإذا جاز الكثير فلم لا يجوز القليل ؟ وهم يخالفون عليا رضى الله عنه في الشاهدين إذا تعمدا ويقولون لا تقطع أيديهما بيد ولا تقطع يدان بيد وهم يقولون يقتل اثنان بواحد ولا تقطع يدان بيد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن رجل عن علي بن عبد الاعلى عن أبيه عن ابى جحيفة أن عليا رضى الله عنه أتى بصبي قد سرق بيضة فشك في احتلامه فأمر به فقطعت بطون أنامله وليسوا ولا أحد علمته يقول بهذا يقولون ليس على الصبي حد حتى يحتلم أو يبلغ خمس عشرة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن حماد بن زيد عن عمرو ابن دينار أن عليا رضى الله تعالى عنه قطع من شطر القدم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن مغيرة عن الشعبي أن عليا كان يقطع الرجل من القدم ويدع العقب يعتمد عليه وليسوا ولا أحد علمناه يقول بهذا القول بل يقولون(7/191)
تقطع الرجل من الكعب الذي فيه المفصل بين الساق والقدم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن ابن حصين عن سويد بن غفلة أن عليا رضى الله عنه أتى بزنادقة فخرج بهم إلى السوق فحفر لهم حفرا فقتلهم ثم رمى بهم في الحفر فحرقهم بالنار وهم يخالفون هذا فيقولون لا يحرق بالنار أحد أما نحن فروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يعذب احد بعذاب الله فقلنا
به ولا نحرق حيا ولا ميتا.
ابن علية عن سليمان التيمي عن أبى عمرو الشيباني أن رجلا تنصر بعد إسلامه فأتى به إلى علي رضى الله تعالى عنه فجعل يعرض عليه فقال لا أدري ما تقول غير أنه يشهد أن المسيح ابن الله فوثب إليه علي رضى الله تعالى عنه فوطئه وأمر الناس أن يطؤوه ثم قال كفوا فكفوا عنه فإذا هو قد مات وهم لا يأخذون بهذا يقولون لا يقتل الامام أحدا بهذه القتلة ولا يقتل إلا بالسيف.
أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبى المغيرة في قوم دخلوا على امرأة في دار قوم فخرج إليهم بعض أهل الدار فقتلوهم فأصبحوا وقد جاءت عشائرهم إلى علي رضى الله تعالى عنه فرفعوهم إليه فقال علي رضى الله تعالى عنه وما جمع هؤلاء في دار واحدة ليلا وقال بيده فقلبها ظهرا لبطن ثم قال لصوص قتل بعضهم بعضا قوموا فقد أهدرت دماءهم فقال الحسن أنا أضمن هذه الدماء فقال أنت أعلم بنفسك وليسوا يقولون بهذا أما نحن فنروي عن علي رضى الله عنه أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله فسئل علي رضى الله تعالى عنه فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته أخبرنا بذلك مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب وبهذا نقول نحن وهم إلا أنهم يقولون في اللص يدخل دار رجل فيقتله ينظر إلى المقتول فإن لم يكن يعرف باللصوصية قتل القاتل وإن كان يعرف باللصوصية درئ عن القاتل القتل وكانت عليه الدية وهذا خلاف ما رووا عن علي رضى الله تعالى عنه ابن مهدى عن سفيان عن الشيباني عن بعض أصحابه أن رجلا أتى عليا رضى الله تعالى عنه برجل فقال إن هذا يزعم أنه احتلم على أم الآخر فقال أقمه في الشمس واضرب ظله وليسوا يقولون بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن أبى بشر عن شبيب بن أبى روح أن رجلا كان تواعد جارية له مكانا في خلاء فعلمت جارية بذلك فأتته فحسبها جاريته فوطئها ثم علم فأتى عمر فقال أئت عليا فسأل عليا رضى الله تعالى عنه فقال أرى أن تضرب الحد في خلاء وتعتق رقبة وعلى المرأة الحد وليسوا يقولون بهذا يقولون يدرأ عنه الحد بالشبهة فأما نحن فنقول في المرأة تحد كما رووا عن علي رضى الله تعالى عنه لانها زنت وهي تعلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدى عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي قال كنت عند علي رضى الله تعالى عنه فأتته امرأة فقالت إن زوجي وقع على جاريتي فقال إن تكوني صادقة نرجمه وإن تكوني كاذبة نجلدك وبهذا نأخذ لان زناه
بجارية امرأته كزناه بغيرها إلا أن يكون ممن يعذر بالجهالة ويقول كنت أرى أنها لي حلال وهم يخالفون هذا ويدرءون عنه الحد كان جاهلا أو عالما.
وعن عمر بن شعيب قال رأيت رجلا يستقي على بئر قد قطعت يده وتركت إبهامه فقلت من قطعك ؟ فقال علي وهم يخالفون هذا ويقولون تقطع من مفصل الكف ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن سعيد بن عبد الله عن حضين بن المنذر أن عليا رضى الله تعالى عنه جلد الوليد في الخمر أربعين وهم يخالفون هذا ويقولون يجلد ثمانين ونحن نروى عن علي رضى الله تعالى عنه أنه جلد الوليد بالمدينة بسوط له طرفان أربعين فذلك ثمانون وبه نقول (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بذلك سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن علي رضى الله تعالى عنه (أخبرنا(7/192)
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن ابن أبى ذئب عن القاسم بن الوليد عن يزيد أراه ابن مذكور أن عليا رضى الله تعالى عنه رجم لوطيا وبهذا نأخذ نرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن وهذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب يقول السنة أن يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن (رجع الشافعي) فقال لا يرجم إلا أن يكون قد أحصن وعكرمة يرويه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبهم يقول ليس على اللوطي حد ولو تلوط وهو محرم لم يفسد إحرامه ولا غسل عليه ما لم يمن وقد خالفه بعض اصحابه فقال اللوطي مثل الزاني يرجم إن أحصن ويجلد إن لم يحصن ولا يكون اللوطي أشد حالا من الزاني وقد بين الله عزوجل فرقا بينهما فأباح جماع النساء بوجهين أحدهما النكاح والآخر ملك اليمين وحرم هذا من كل الوجوه فمن أين يشتبهان (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال جاء رجل إلى علي رضى الله عنه فقال إنى سرقت فطرده، ثم قال: إني سرقت فقطع يده وقال إنك شهدت على نفسك مرتين وهم يخالفون هذا ويقولون حتى يقول أربع مرات وإنما تركنا نحن أن نقول الاعتراف بمنزلة الشهادة لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أنيسا الاسلمي أن يغدو على امرأة فإن اعترفت رجمها ولو يقل أربع مرات ولو كان الاقرار يشبه الشهادة كان لو أقر أربع مرات ثم رجع بطل عنه الحد وهم يقولون في الزنا لا يحد الزاني
حتى يقر أربعا قياسا على الشهادات ويخالفون ما رووا عن علي رضى الله تعالى عنه ويقولون في السرقة إقراره مرة وأكثر سواء ويخالفون ما رووا عن علي رضى الله عنه وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون القياس فيه.
وكيع عن سفيان الثوري عن سماك عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبى بكر كتب إلى علي يسأله عن مسلم زنى بنصرانية فكتب إليه أن أقم الحد على المسلم وادفع النصرانية إلى أهل دينها وهم يقولون أيضا يقام الحد على النصرانية ويخالفون هذا الحديث.
يزيد بن هرون عن أيوب عن قتادة عن خلاس عن علي رضى الله عنه في حرين باع أحدهما صاحبه فقطعهما على جميعا وهم يخالفون هذا وينكرون القول فيه، أبو بكر بن عياش قال حدثنى أبو حصين عن عامر الكاهلي قال كنت عند علي رضى الله عنه إذ أتى برجل فقال ما شأن هذا ؟ فقالوا يا أمير المؤمنين وجدناه تحت فراش امرأة فقال لقد وجدتموه على نتن فانطلقوا به إلى نتن مثله فمرغوه فيه فمرغوه في عدرة وخلى سبيله وهم يخالفون هذا ويقولون يضرب ويرسل وكذلك قول المفتين لا يختلفون في ذلك، سفيان عن مطرف عن الشعبي عن ابن مسعود أنه كان يقول لا نرى على الذي يصيب وليدة امرأته حدا ولا عقرا، رجل عن شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش عن عبد الله أن رجلا أتاه فذكر له أنه أصاب جارية امرأته فقال استغفر الله ولا تعد وهم يخالفون هذا ويقولون يعزر وأما نحن فنقول إن كان من أهل الجهالة وقال قد كنت أرى أنها حلال لي فأنا ندرأ عنه الحد وعزرناه وإن كان عالما حددناه حد الزاني، ابن مهدي عن سفيان عن عيسى بن أبى عزة عن الشعبي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في قيمة خمسة دراهم ونحن نأخذ بهذا إلا أنا نقطع في ربع دينار وخمسة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع دينار وهم يخالفون هذا ويقولون لا قطع في أقل من عشرة دراهم، رجل عن شعبة عن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله أنه وجد امرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين فذهبوا فشكوا ذلك إلى عمر رضى الله عنه فقال لم فعلت ذلك ؟ قال لانى أرى ذلك قال وأنا أرى ذلك وأصحابنا يذهبون إلى أنه يبلغ بالتعزير هذا وأكثر منه إلى ما دون الثمانين بقدر الذنوب وهم يقولون لا يبلغ بالتعزير في شئ أربعين فيخالفون ما رووا(7/193)
عن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما، يزيد بن هرون عن ابن ابى عروبة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله في أم الولد تزني بعد موت سيدها تجلد وتنفي وهم لا يقولون بهذا يقولون لا ينفي أحد زان ولا غيره ونحن نقول ينفي الزاني بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وأبى بن كعب وأبى الدرداء وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهم كلهم قد رأوا النفي، جرير عن منصور عن زيد بن وهب أن عبد الله دخل المسجد والامام راكع فركع ثم دب راكعا، ابن عيينة عن عمرو عن أبى عبيدة عن رجل عن مجالد عن الشعبي عن عمه قيس بن عبد عن عبد الله مثله وهكذا نقول نحن وقد فعل هذا زيد بن ثابت وهم ينهون عن هذا ويخالفونه، ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى عبيدة قال كان عبد الله يصلي الصبح نحوا من صلاة أمير المؤمنين يعني ابن الزبير وكان ابن الزبير يغلس، رجل عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبى عمرو والشيباني قال كان عبد الله يصلي بنا الصبح بسواد أو قال بغلس فيقرأ بسورتين وبهذا جاءت السنة وهو قولنا وهم يخالفونه ويقولون بل يسفر والذي أخذنا به أن سفيان أخبرنا عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس، مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مثله، ابن علية عن عوف عن سيار بن سلمة أبى المنهال عن أبى برزة الاسلمي أنه سمعه يصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان يصلي الصبح ثم ينصرف وما يعرف الرجل منا جليسه وكان يقرأ بالستين إلى المائة، ابن إدريس عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فقيل له زيد في الصلاة أو قالوا صليت خمسا فاستقبل القبلة فسجد سجدتين، رجل عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وبهذا نأخذ وهو يوافق ما روينا عن أبى هريرة وابن عمر رضى الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين وهم لا يأخذون بهذا ويزعمون أنه إن لم يكن جلس في الرابعة قدر التشهد فسدت صلاته، أبو معاوية وحفص عن الاعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم ثم سجد سجدتي السهو بعد الكلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وذلك لانه إنما ذكر السهو بعد
السلام فسأل فلما استيقن أنه قد سها سجد سجدتي السهو ونحن نأخذ بهذا، مالك عن داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة عن أبى أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، ابن علية وهشيم عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة وابن عمر في ركعتين وقال عمران في ثلاث فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت فقال كل ذلك لم يكن ثم أقبل على الناس فقال أكما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا نعم فاستقبل القبلة فأتم ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتي السهو وهم يخالفون هذا كله ويقولون لا يسجد للسهو بعد الكلام، رجل عن الاعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة قط إلا لوقتها إلا بالمزدلفة فإنه جمع بين المغرب والعشاء وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان صلاها بعد الفجر لم يقل قبل وقتها ولقال في وقتها الاول، ابن مهدي عن شعبة عن أبى إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله يصلي الصبح بجمع ولو أن متسحرا تسحر لجاز ذلك (قال الشافعي) ولم يختلف أحد في أن لا يصلي أحد الصبح غداه جمع ولا في غيرها إلا بعد الفجر وهم يخالفونه أيضا في قوله إن النبي صلى(7/194)
الله عليه وسلم لم يجمع إلا بين المغرب والعشاء فيزعمون أن الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك نقوله نحن للسنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ذلك حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال فراح النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حين زالت الشمس فخطب ثم صلى الظهر والعصر معا وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غير ذلك الموطن، مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء، مالك عن أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في سفره إلى تيوك، أخبرنا الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم ينزل فيصليهما معا، أخبرنا أبو خالد الاحمر عن ابن عجلان عن
حسين بن عبد الله عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس وهو في المنزل جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر وإذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر حتى يصليها في وقت العصر وهذه مواطن قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم فيها غير عشية عرفة وليلة جمع، ابن علية عن أيوب عن محمد بن عجلان أن ابن مسعود كان يقرأ في الآخرتين بفاتحة الكتاب وبهذا نقول ولا يجزيه إلا أن يقرأها فإن نسى أعاد وهم يقولون إن شاء قرأ وإن شاء لم يقرأ وإن شاء سبح، محمد بن عبيد عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه أن عبد الله صلى به وبعلقمة فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وقال هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وليسوا يقولون بهذا ونحن معهم يكونان خلف الامام فأما نحن فنأخذ بحديث مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قوموا لاصلى لكم) فقمت إلى حصير فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه قال دخلت على عمر بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه، أخبرنا الاعمش عن إبراهيم عن علقمة والاسود قالا دخلنا على عبد الله في داره فصلى بنا فلما ركع طبق بين كفيه فجعلهما بين فخذيه فلما انصرف قال كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فخذيه وأقام أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره وليسوا يقولون بهذا ولا نحن أما نحن فنأخذ بحديث رواه يحيى القطان عن عبد الحميد بن جعفر قال حدثنى محمد بن عمرو بن عطاء عن أبى حميد الساعدي أنه سمعه في عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع وضع يديه على ركبتيه، أخبرنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال حدثني علي بن يحيى بن خلاد الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة عن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل (إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك).
أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال صلى عبد الله بأصحابه الجمعة ضحى خشيت الحر عليكم وليسوا يقولون بهذا ولا يقول به أحد صلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمر وعثمان والائمة بعد في كل جمعة بعد زوال الشمس.
أخبرنا يحيى بن عباد عن شعبة عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي عن الاسود عن عبد الله أنه كان يوتر بخمس أو سبع.
سفيان عن الاعمش عن إبراهيم عن عبد الله أنه كان يكره أن يكون ثلاثا وتر ولكن خمسا أو سبعا وليسوا يقولون(7/195)
بهذا يقولون صلاة الليل مثنى مثنى إلا الوتر فإنها ثلاث موتصلات لا يصلى الوتر أكثر من ثلاث وأما نحن فنقول بالسنة الثابتة أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مثله أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح فليوتر بواحدة) سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله هشيم وأبو معاوية وابن علية وغير واحد عن ابن عون وعاصم عن ابن سيرين عن يحيى بن الجزار أظنه عن عبد الله أنه صلى وعلى بطنه فرث ودم وليسوا يقولون بهذا يقولون إذا كان على بطنه مقدار الدرهم الكبير أعاد الصلاة وإن كان أقل لم يعد ولم نعلم أحدا ممن مضى قال إذا كان الدم في الثوب أو على الجسد مقدار الدرهم أعاد الصلاة وإن كان أقل لم يعد أخبرنا هشيم عن حصين عن خارجة بن الصلت أن ابن مسعود ركع فمر به رجل فقال السلام عليك يا أبا عبد الرحمن فقال عبد الله صدق الله ورسوله فلما قضى صلاته قيل له كأن الرجل راعك قال أجل إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقا وحتى يسلم الرجل على الرجل للمعرفة) وليسوا يقولون بهذا وهو عندهم نقض للصلاة إذا تكلم بمثل هذا حين يريد به الجواب وهم لا يروون خلاف هذا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكلام في الصلاة ولو كان هذا عنده من الكلام المنهى عنه لم يتكلم به أخبرنا يزيد بن هرون عن محمد بن إسحق عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه قال رأيت ابن مسعود إذا مر بين يديه رجل وهو يصلى التزمه حتى يرده ونحن نقول بهذا وهو
يوافق ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يأخذون به وأحسبهم يقولون إن هذا ينقض الصلاة ولا يروون قولهم هذا عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعون قول عبد الله وهو موافق السنة أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى إسحق عن أبى الاحوص عن عبد الله قال إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى وإذا فاتك الركوع فصل أربعا وبهذا نقول لانه موافق معنى ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف هذا بعضهم فزعم أنه إذا لم يدرك الخطبة صلى أربعا رجع بعضهم إلى أن قال مثل قولنا وقال بعضهم إذا أدرك الامام في شئ من الصلاة وإن كان جالسا صلى ركعتين فخالف هذا الحديث والذي قبله أخبرنا رجل عن الاعمش عن المسيب بن رافع عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله هيئت عظام ابن آدم للسجود فاسجدوا حتى بالمرافق وليسوا يقولون بهذا ولا نعلم أحدا يقول بهذا فأما نحن فأخبرنا سفيان عن داود بن قيس عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاع من نمرة ساجدا فرأيت بياض إبطيه أخبرنا سفيان قال أخبرنا عبد الله بن أخى يزيد بن الاصم عن عمه يزيد بن الاصم عن ميمونة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو أرادت بهيمة أن تمر من تحته لمرت مما يجافي أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم قال خبط عبد الله الحصا بيده خبطة في المسجد فقال لبيك وسعديك * رجل عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الاسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله نحوه وهذا عندهم فيما أعلم كلام في الصلاة يكرهونه وأما نحن فنقول كل شئ من الكلام خاطبت به الله عزوجل ودعوته به فلا بأس به وذلك لان سفيان حدثنا عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى(7/196)
هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الآخرة من صلاة الصبح قال (اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف) وهم يخالفون هذا كله ويقولون القنوت قبل الركوع ابن مهدي عن سفيان الثوري عن الاعمش عن عمارة عن الاسود قال كان عبد الله لا يقصر الصلاة إلا في حج أو عمرة وهم يخالفون هذا ويقولون تقصر الصلاة في كل سفر بلغ ثلاثا وغيرهم
يقول كل سفر بلغ ليلتين أخبرنا إسحق بن يوسف وغيره عن محمد بن قيس عن عمران بن عمير مولى ابن مسعود عن أبيه قال سافرت مع ابن مسعود إلى ضيعة بالقادسية فقصر الصلاة بالنجف وليسوا ولا أحد علمته من المفتين يقول بهذا، أما هم فيقولون تقصر الصلاة في أقل من مسيرة ثلاث ليال قواصد ولا أعلمهم يروون هذا عن أحد ممن مضى ممن قوله حجة بل يروون عن حذيفة خلاف قولهم رواه أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال استأذنت حذيفة من المدائن فقال آذن لك على أن لا تقصر حتى ترجع وهم يخالفون هذا ويقولون يقصر من الكوفة إلى المدائن وأما نحن فنأخذ في القصر بقول ابن عمر وابن عباس تقصر الصلاة في مسيرة أربع برد، أخبرنا بذلك ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال تقصر الصلاة إلى عسفان والى الطائف وجده وهذا كله من مكة على أربعة برد ونحو من ذلك أخبرنا مالك عن نافع عن سالم عن ابن عمر أنه خرج إلى ذات النصيب فقصر الصلاة قال مالك وهى أربع برد وهم يخالفون روايتهم عن حذيفة وابن مسعود وروايتنا عن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم، ابن مهدى عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله لا تغيروا بسوادكم فإنما سوادكم من كوفتكم يعني لا تقصروا الصلاة إلى السواد وهم يقولون إن أراد من السواد مسيرة ثلاث قصر إليه الصلاة وهذه أحاديث يروونها في صلاة السفر مختلفة يخالفونها كلها، ابن مهدى عن سفيان عن أشعث بن سليم عن عبد الله بن زياد قال سمعت عبد الله يقرأ في الظهر والعصر وهذا عندنا لا يوجب سهوا ولا نرى بأسا إن تعمد الجهر بالقراءة ليعلم من خلفه أنه يقرأ وهم يكرهون هذا يكرهون أن يجهر بشئ من القراءة في الظهر والعصر ويوجبون السهو على من فعله ونحن نوافق هذا وهم يخالفونه، ابن مهدي عن سفيان عن أبى إسحق عن الاسود أن عبد الله كان يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، ابن مهدي عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن عمرو ابن مرة عن أبى وائل عن عبد الله مثله وليسوا يقولون بهذا يقولون يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وأما نحن فنقول بما روى عن ابن عمر وابن عباس يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق فنترك قول ابن مسعود لقول ابن عباس وابن عمر وأما هم فيخالفون قول من سمينا وما رووا
عن ابن مسعود معا والذي قلنا أشبه الاقاويل والله تعالى أعلم بما يعرف أهل العلم وذلك أن للتلبية وقتا تنقضي إليه وذلك يوم النحر وأن التكبير إنما يكون خلف الصلاة وأول صلاة تكون بعد انقضاء التلبية يوم النحر صلاة الظهر وآخر صلاة تكون بمنى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ابن مهدى عن سفيان عن أبى إسحق عن سليم بن حنظلة قال: قرأت السجدة عند عبد الله فنظرت إليه فقال أنت أعلم فإذا سجدت سجدنا وبهذا نقول ليست السجدة بواجبة على من قرأ وعلى من سمع وأحب إلينا أن يسجد وإذا سجد القارئ أحببنا للسامع أن يسجد وقد روينا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر ورووا ذلك عن ابن مسعود وهم يخالفون هذا ويزعمون أنها واجبة على السامع أن يسجد وإن لم(7/197)
يسجد الامام فيخالفون روايتهم عن ابن مسعود وروايتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر، ابن عيينة عن عبده عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد في صلى الله عليه وسلم ويقول إنما هي توبة نبى ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها وهم يخالفون ابن مسعود ويقولون هي واجبة، ابن علية عن داود بن أبى هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله في الصلاة على الجنائز لا وقت ولا عدد، رجل عن شعبة عن رجل قال سمعت زر بن حبيش يقول صلى عبد الله على رجل ميت فكبر عليه خمسا ونحن نروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أربعا، مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر على النجاشي أربعا ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه كبر على ميت إلا أربعا وهم يقولون قولنا ونقول التكبير على الجنائز أربعا أربعا لا يزاد فيها ولا ينقص فخالفوا ابن مسعود وقالوا في هذا بروايتنا، أخبرنا هشيم عن يزيد بن أبى زياد عن أبى جحيفة عن عبد الله أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع قال (اللهم ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد) ونحن نستحب هذا ونقول به لانه موافق ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم يكرهون هذا كراهة شديدة، أخبرنا إسحق بن يوسف الازرق عن سفيان عن أبى إسحق عن علقمة عن عبد الله قال صلى العصر قدر ما يسير الراكب فرسخين وهم يقولون تؤخر العصر قدر ما يسير الراكب فرسخا فيخالفون ما رووا ما لم يدخل الشمس
صفرة وأما نحن فنقول يصلى العصر في أول وقتها لانا روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس بيضاء نقية.
هشيم عن منصور عن الحسن عن رجل من هذيل أن ابن مسعود كان يقرأ بفاتحة الكتاب في الجنائز وهم يخالفون هذا ولا يقرءون على الجنائز وأما نحن فنقول بهذا نقول يقرأ الامام بفاتحة الكتاب، أخبرنا بذلك إبراهيم بن سعد عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده فسألته عن ذلك فقال سنة وحق، أخبرنا ابن علية عن ابن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنائز ويقول إنما فعلت لتعلموا أنها سنة، أخبرنا إسحق بن يوسف عن سفيان الثوري عن أبى إسحق عن أبى الاحوص عن عبد الله قال التكبير تحريم الصلاة وانقضاؤها التسليم وليسوا يقولون بهذا يزعمون أن من جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته ولا شئ عليه وأما نحن فنقول تحريم الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم لانه يوافق ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) وهكذا نقول لا يخرج من الصلاة حتى يسلم لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل حد الخروج من التسليم فكل حدث كان يفسد الصلاة فيما بين التكبير إلى التسليم فهو يفسدها لان من الدخول فيها إلى الخروج منها صلاة فلا يجوز أن يكون في صلاة فيعمل ما يفسدها ولا تفسد هشيم عن حصين قال أخبرني الهيثم أنه سمع ابن مسعود يقول لان أجلس على الرضف أحب إلى من أن أتربع في في الصلاة وهم يقولون قيام صلاة الجالس التربع ونحن نكره ما يكره ابن مسعود من تربع الرجل في الصلاة وهم يخالفون ابن مسعود ويستحبون التربع في الصلاة.
أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال صلى عثمان بمنى أربعا فقال عبد الله صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبى بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق قال الاعمش فحدثني(7/198)
معاوية ابن قرة أن عبد الله صلاها بعد أربعا فقيل له عبت على عثمان وتصلى أربعا قال الخلاف شر
وهم يقولون لا يصلح للمسافر أن يصلى أربعا فإن صلى أربعا فلم يجلس في الثانية مقدار التشهد فسدت صلاته فيروون عن عبد الله أنه فعل ما إن فعله أحد فسدت صلاته، أخبرنا حفص عن الاعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث وهم يستحبون أن يقرأ في أقل من ثلاث أخبرنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبى إسحق عن عبد الرحمن بن يزيد قال رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبى بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس وهما من كتاب الله عزوجل وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي أخبرنا ابن مهدي وغيره عن سفيان الثوري عن أبى إسحق عن هيبرة بن (1) يريم قال كان عبد الله يعطينا العطاء في زبل صغار ثم يأخذ منها زكاة وهم يقولون لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ولا نأخذ من العطاء ونحن نروى عن أبى بكر أنه كان لا يأخذ من العطاء زكاة وعن عمر وعثمان ونحن نقول بذلك أخبرنا ابن علية وابن أبى زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن مسعود أنه كان يقول لولى اليتيم أحص ما مر من السنين فإذا دفعت إليه ماله قلت له قد أتى عليه كذا وكذا فإن شاء زكى وإن شاء ترك ولو كان ابن مسعود لا يرى عليه زكاة لم يأمره بالاحصاء لان من لم تجب عليه زكاة لا يؤمر بإحصاء السنين كما لا يؤمر الصبي بإحصاء سنيه في صغره للصلاة ولكن كان ابن مسعود يرى عليه الزكاة وكان لا يرى أن يزكيها الولى وكان يقول يحسب الولى السنين التي وجبت على الصبي فيها الزكاة فإذا بلغ الصبي ودفع إليه ماله أعلمه ذلك وهم يقولون ليس في مال الصبي زكاة ونحن نقول يزكى لانا روينا ذلك عن عمر وعلي وعائشة وابن عمر وروينا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف ابن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ابتغوا في أموال اليتامى لئلا تذهبها أو تستهلكها الصدقة).
باب الصيام أخبرنا ابن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى إسحق عن عبيد بن عمير أن عليا سئل عن القبلة للصائم فقال ما يريد إلى خلوف فمها وليسوا يقولون بهذا يقولون لا بأس بقبلة الصائم أخبرنا إسمعيل بن
أبى خالد عن أبى السفر عن علي رضى الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال هذا حين يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود وليسوا ولا أحد علمناه يقول بهذا إنما السحور قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد حرم الطعام والشراب على الصائم أخبرنا رجل عن الشيباني عن أبى ماوية أن عليا رضى الله عنه خرج يستسقى يوم عاشوراء فقال من كان منكم أصبح صائما فليتم صيامه ومن كان مفطرا فلا يأكل وليسوا يقولون بهذا يقولون من أصبح مفطرا فلا يصوم أخبرنا رجل من شعبة عن أبى إسحق عن عبد الله بن مرة عن الحرث عن علي رضى الله عنه أنه كره صوم يوم الجمعة وهم يستحبون صوم يوم الجمعة فيخالفون عليا رضى الله تعالى عنه أخبرنا رجل عن شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن
__________
(1) يريم بالمثناة التحتية المفتوحة.
كتبه مصححه.(7/199)
عبد الله أنه كره القبلة للصائم وليسوا يأخذون بهذا وأما نحن فنروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل وهو صائم وعن غير واحد من أصحابه ونقول لا بأس أن يقبل الصائم أخبرنا ابن مهدى وإسحق الازرق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن المستوردين بن الاحنف قال جاء رجل فصلى معه الظهر فقال إنى ظللت اليوم لا صائم ولا مفطر كنت أتقاضى غريما لى فماذا ترى ؟ قال إن شئت صمت وإن شئت أفطرت أخبرنا رجل بشر بن السرى وغيره عن سفيان الثوري عن الاعمش عن طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن أن حذيفة بدا له بعدما زالت الشمس فصام وهم لا يرون هذا ويزعمون أنه لا يكون صائما حتى ينوى الصوم قبل الزوال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال أحدكم بالخيار ما لم يأكل أو يشرب وأما نحن فنقول المتطوع بالصوم متى شاء نوى الصيام فأما من عليه صوم واجب فعليه أن ينويه قبل الفجر والله أعلم.
باب الحج (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله قال الحج أشهر معلومات ليس فيها عمرة وليسوا يأخذون بذلك ويزعمون أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة في أشهر الحج وأما نحن فروينا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه في حجته منهم من قرن الحج مع العمرة ومنهم من تمتع بالعمرة إلى الحج ومنهم من أفرد الحج أخبرنا بذلك مالك عن ابن شهاب عن عروة من عائشة رضى الله تعالى عنها قالت وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فهذا قلنا لا بأس بالعمرة في أشهر الحج وقد كان ابن مسعود فيمن شهد تلك الحجة فيما علمنا أخبرنا ابن مهدى عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الاعلى عن سويد بن غفلة قال قال لى عمر يا أبا أمية حج واشترط فإن لك ما شرطت ولله عليك ما اشترطت وهم يخالفون هذا ولا يرون الشرط شيئا وأما نحن فنقول يشترط وله الشرط لانه موافق ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر ضباعة بنت الزبير بالشرط وما روى عن عائشة أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير فقال (أما تريدين الحج ؟) فقالت إنى شاكية فقال (حجى واشترطي أن محلى حيث حبستنى) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لى عائشة يا ابن أختى هي تستثنى إذا حججت قلت ماذا أقول ؟ قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهى عمرة أخبرنا ابن عيينة عن منصور عن أبى وائل عن مسروق عن عبد الله أنه لبى على الصفا في عمرة بعد ما طاف بالبيت وليسوا ولا أحد من الناس علمناه يقول بهذا وإنما اختلف الناس عندنا فمنهم من قال يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم وهو قول ابن عمر ومنهم من قال إذا استلم الركن وهو قول ابن عباس وبهذا نقول أخبرنا رجل عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وبه يقولون هم أيضا فأما بعد الطواف بالبيت فلا يلبى أحد أخبرنا ابن مهدى عن شعبة عن أبى إسحق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك) وليسوا ولا أحد علمناه يقول هذا فخالفوه لان تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمين إلى اليوم زيادة على هذه التلبية (والملك لا شريك لك) أخبرنا ابن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى إسحق(7/200)
عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله تنفل بين المغرب والعشاء يجمع وليسوا يقولون بهذا بل ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاهما ولم يصل بينهما شيئا أخبرنا الوليد بن مسلم عن ابن أبى ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء ولم يتطوع بينهما ولا على أثر واحدة منهما وبهذا نقول أخبرنا ابن علية عن أبى حمزة ميمون عن إبراهيم عن الاسود عن عبد الله قال نسكان أحب إلي أن يكون لكل منهما شعث وسفر وهو يزعمون أن القرآن أفضل وبه يفتون من استفتاهم وعبد الله كان يكره القرآن أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزرى عن أبى عبيدة عن عبد الله أنه حكم في اليربوع جفرا أو جفرة وهم يخالفونه ويقولون نحكم فيه بقيمته في الموضع الذى يصاب فيه ولو يبلغ أن يكون غير جفرة لم يهد إلا الثنى فصاعدا ما يكون أضحية.
فيخالفونه من وجهين ولا يقولون علمته في قولهم هذا بقول أحد من السلف وأما نحن فنقول به لانه مثل ما روينا عن عمر وهو قول عوام فقهائنا.
والله أعلم.
كتاب اختلاف مالك والشافعي رضى الله عنهما أخبرنا أبو محمد الربيع بن سليمان المرادى المؤذن صاحب الشافعي رحمه الله تعالى قال سألت الشافعي بأى شئ تثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال قد كتبت هذه الحجة في كتاب (جماع العلم) فقلت أعد من هذا مذهبك ولا تبال أن يكون فيه في هذا الموضع فقال الشافعي إذا حدث الثقة عن الثقة حتى ينتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نترك لرسول الله حديثا أبدا إلا حديثا وجد عن رسول الله حديث يخالفه وإذا اختلفت الاحاديث عنه فالاختلاف فيها وجهان أحدهما أن يكون بها ناسخ ومنسوخ فنعمل بالناسخ ونترك المنسوخ والآخر أن تختلف ولا دلالة على أيها الناسخ فنذهب إلى أثبت الروايتين فإن تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديثين بكتاب الله وسنة نبيه فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته ولا يعدو حديثان اختلفا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجد فيهما هذا أو غيره مما يدل على الا ثبت من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له عنه وكان يروى عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يوافقه لم يزده قوة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مستغن بنفسه وإن كان يروى عمن دون رسول الله حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه
وحديث رسول الله أولى أن يؤخذ به ولو علم من روى خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنته أتبعها إن شاء الله فقلت للشافعي أفيذهب صاحبنا هذا المذهب ؟ قال نعم في بعض العلم وتركه في بعض قلت فاذكر ما ذهب إليه صاحبنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يرو عن الائمة أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على شيئا يوافقه فقال نعم سأذكر من ذلك إن شاء الله ما يدل على ما وصفت وأذكر أيضا ما ذهب إليه من حديث رسول الله وفيه عن بعض الائمة ما يخالفه ليكون أثبت للحجة عليكم في اختلاف أقاويلكم فتستغنون مرة بالحديث عن النبي دون غيره وتدعون له ما خالفه ثم تدعون الحديث مرة أخرى بغير حديث يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن ذلك أنه أخبرنا مالك عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس، قال: وأخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة كلاهما قالا إن الشمس خسفت فصلى النبي صلى الله عليه وسلم(7/201)
ركعتين ووصفاهما في كل ركعة ركعتين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأخذنا نحن وانتم به وخالفنا غيركم من الناس فقال تصلى ركعتين كصلاة الناس وروى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله وخالفنا غيرهم من الناس فقال تصلى ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا بأن ابن عباس صلى في زلزلة ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا غيره بأن علي بن أبى طالب صلى ركعتين في كل ركعة أربع ركعات أو خمس وكانت حجتنا عليهم أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في أحد بعده حجة لو جاء عنه شئ يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن يسر بن سعيد وعن الاعرج يحدثونه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) فقلنا نحن وانتم بهذا وخالفنا بعض الناس فيه فقال هو مدرك العصر وصلاته الصبح فائتة من قبل أنه خرج إلى وقت نهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكانت حجتنا عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عما لا يلزم من الصلوات وهذه صلاة لازمة قد بينها وأخبر أنه
مدرك في الحالين معا أفرأيتم لو احتج عليكم رجل فقال كيف ثبتم حديث أبى هريرة وحده عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه أحد علمته عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبى هريرة ولم تردوه بأن هذا لم يرو عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت ما كانت حجتنا عليه إلا أنه إذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عمن سواه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) فأخذنا نحن وأنتم به أفرأيتم إن قال لنا قائل إن الحر والبرد لم يحدثا بعد ولم يذهبا بعد فلما لم يأت عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أمرو بالابراد ولم ترووه عن واحد منهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحض على أول الوقت وذلك في الحر والبرد سواء هل الحجة إلا ثبوت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن حضه على أول الوقت لا يدفع أمره بتأخير الظهر في شدة الحرة ولو لم يرو عن احد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استغنى فيه بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة (إنها ليست بنجس) قال فأخذنا نحن وانتم به فقلنا لا بأس بالوضوء بفضل الهرة وخالفنا بعض الناس فكره الوضوء بفضلها واحتج بأن ابن عمر كره الوضوء بفضلها أفرأيتم إن قال لكم قائل حديث حميدة عن كبشة لا يثبت مثله والهرة لم تزل عند الناس بعد النبي الله صلى الله عليه وسلم فنحن نوهنه بأن لم يرو عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ما يوافق ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) والكلب لا يؤكل لحمه ولا الهرة فلا أتوضأ بفضلها فهل الحجة عليه إلا أن المرأتين إن كانتا معروفتين ثبت حديثهما وأن الهر غير الكلب الكلب نجس مأمور بغسل الاناء منه سبعا ولا نتوضأ بفضله وفى الهرة حديث انها ليست بنجس فنتوضأ بفضها ونكتفى بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون أحد بعده قال به ولا يكون في أحد قال بخلاف ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة ولا في أن لم يرو إلا من وجه واحد إذا كان الوجه معروفا (قال(7/202)
الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر عن عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) فقلنا نحن وأنتم به وخالفنا بعض الناس فقال لا يتوضأ من مس الذكر واحتج بحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوافق قوله فكانت حجتنا عليه أن حديثه مجهول لا يثبت مثله وحديثنا معروف واحتج علينا بأن حذيفة وعلي بن أبى طالب وابن مسعود وابن عباس وعمران بن الحصين وعمار بن ياسر وسعد بن أبى وقاص قالوا ليس في مس الذكر وضوء وقالوا رويتم عن سعد قولكم وروينا عنه خلافه ورويتموه عن ابن عمر ومن رويناه عن أكثر لا توضئون لو مسستم أنجس منه فكانت حجتنا أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في قول أحد خالفه حجة على قوله فقال منهم قائل أفلا نتهم الرواية عن رسول الله إذا جاء عن مثل من وصفت وكان من مس ما هو أنجس منه لا يجب عليه عندكم وضوء فقلت لا يجوز لعالم في دينه أن يحتج بما يرى الحجة في غيره قال ولم لا تكون الحجة فيه ؟ والغلط يمكن فيمن يروى فقلت له أرايت إن قال لك قائل أتهم جميع ما رويت عمن رويته عنه فأخاف غلط كل محدث منهم عمن حدث عنه إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه قال لا يجوز أن يتهم حديث أهل الثقة قلت فهل رواه عن أحد منهم إلا واحد عن واحد ؟ قال نعم قلت ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واحد عن واحد ؟ قال نعم قلت فإننا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بصدق المحدث عندي وعلمنا أن من سمينا قاله بحديث الواحد عن الواحد ؟ قال نعم قلت وعلمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله علمنا بأن من سمينا قاله ؟ قال نعم قلت فإذا استوى العلمان من خبر الصادقين أيهما كان أولى بنا أن نصير إليه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأن نأخذ به أو الخبر عمن دونه ؟ قال بل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ثبت قلت ثبوتهما واحد قال فالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يصار إليه وإن أدخلتم على المخبرين عنه أنهم يمكن فيهم الغلط دخل عليكم في كل حديث روى مخالف الحديث الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قلتم ثبت خبر الصادقين فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى عندنا أن يؤخذ به (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الزبير المكى
عن أبى الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في سفره إلى تبوك فأخذنا نحن وأنتم به وخالفنا فيه غيرنا فروى عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا بالمزدلفة وروى عن عمر أنه كتب أن الجمع بين الصلاتين إلا من عذر من الكبائر فكانت حجتنا عليه أن ابن مسعود وإن قال لم يفعل فقال غيره فعل فقول من قال فعل أولى أن يؤخذ به لانه شاهد والذى قال لم يفعل غير شاهد وليس في قول أحد خالف ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة لما وصفت من أنا إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا وغيره قال غيره فلا يشك مسلم في أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى أن يؤخذ به وإن أدخلت أن الرجال المحدثين يمكن فيهم الغلط في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أدخلنا ذلك في حديث من روى عنه ما يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في حديث من روى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمكن لانه لا يروى النبي عليه السلام شيئا سماعا إلا أصحابه وأصحابه خير ممن بعدهم وعامة من يروى عمن دونه التابعون فكيف يتهم حديث الافضل ولا يتهم حديث الذى هو دونه ؟ ولسنا نتهم منهم واحدا ولكنا نقبلهما معا والحجة فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما قال غيره ولا يوهن الجمع في السفر بأن يقول رجل سافر أبو بكر غازيا وحاجا وعمر(7/203)
حاجا وغازيا وعثمان غازيا وحاجا ولم يثبت أن أحدا منهم جمع في سفر بل يكتفى بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يوهنه أن لم يحفظ أنه عمل به بعده ولا يزيده قوة أن يكون عمل به بعده ولو خولف بعدما أوهنه وكانت الحجة فيما روى عنه دون ما خالفه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن داود ابن الحصين عن أبى سفيان مولى بن أبى أحمد عن ابى هريرة قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال قصرت الصلاة أم نسيت يارسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كل ذلك لم يكن) ثم أقبل على الناس فقال (أصدق ذو اليدين ؟) فقالوا نعم فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقى من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس فقلنا نحن وأنتم بهذا وخالفنا غيرنا فقال الكلام في الصلاة عامدا يقطعها وكذلك يقطعها الكلام وإن ظن المصلى أنه قد أكمل ثم تكلم
وروى عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن مما أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة) فقلنا هذا لا يخالف حديثنا نهى عن الكلام عامدا فأما الكلام ساهيا فلم ينه عنه والدليل على ذلك أن حديث ابن مسعود بمكة قبل الهجرة وحديث أبى هريرة بالمدينة بعد حديث ابن مسعود بزمان فلم نوهن نحن وانتم هذا الحديث بأن لم يرو عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على انهم فعلوا مثل هذا ولا قالوا من فعل مثل هذا جاز له واكتفينا بالخبر لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نحتج فيه إلى أن يعمل به بعده غيره (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الاعرج عن عبد الله بن بحينة قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس وقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فأخذنا نحن وأنتم بهذا وقلنا وقلتم يسجد للسهو في النقص من الصلاة قبل التسليم.
فخالفنا بعض الناس وقال تسجدان بعد التسليم واحتج بروايتنا فقال من احتج عن مالك سجدهما النبي صلى الله عليه وسلم في الزيادة بعد السلام فسجدتهما كذلك وسجدهما في النقص قبل السلام فسجدتهما كذلك ولم نوهن هذا بأن لم يرو عن أحد من الائمة فيه شئ يخالفه ولا يوافقه واكتفينا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح ابن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لانفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاء الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التى بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم (قال الشافعي) أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله (1) بن عمر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم عن صالح بن خوات عن خوات بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه فأخذنا نحن وهو بهذا حتى حكى لنا عنه غير ما عرضنا عليه وخالفنا بعض الناس فقال فيه بخلاف قولنا فقال لا تصلى صلاة الخوف اليوم فكانت حجتنا عليه ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من حجته أن قال قد اختلفت الاحاديث في صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم نعلم أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا ثبت عن علي أن واحدا منهم صلى صلاة الخوف ولا أمروا بها والصلاة
خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الفضل ليست كهى خلف غيره وبأن لم يرو عن خلفائه حديث يثبت بصلاتها ولم يزالوا محاربين ومحاربا في زمانهم فهذا يدل على أنه كان للنبى صلى الله عليه وسلم خاصة
__________
(1) أي ابن حفص بن عاصم العمرى عن أخيه عبيد الله الخ، فتنبه.
كتبه مصححه.(7/204)
فكانت حجتنا عليه أن هذا إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام إلا بدلالة لانه لا يكون شئ من فعله خاصا حتى تأتينا الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أنه خاص وإلا اكتفينا بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عمن بعده كما قلنا فيما قبله.
باب ما جاء في الصدقات (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة) فأخذنا نحن وأنتم بهذا وخالفنا فيه بعض الناس فقال: قال الله تبارك وتعالى لنبيه عليه السلام (خذ من أموالهم صدقة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء العشر) لم يخصص الله عز وجل مالا دون مال ولم يخصص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مالا دون مال فهذا الحديث يوافق كتاب الله والقياس عليه وقال لا يكون مال فيه صدقة وآخر لا صدقة فيه وكل ما أخرجت الارض من شئ وإن حزمة بقل ففيه العشر فكانت حجتنا عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله معنى ما أراد إذ أبان ما يؤخذ منه من الاموال دون ما لم يرد والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء جملة والمفسر يدل على الجملة (قال الشافعي) وقد سمعت من يحتج عنه فيقول كلاما يريد به قد قام بالامر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأخذوا الصدقات في البلدان أخذا عاما وزمانا طويلا فما روى عنهم ولا عن واحد منهم أنه قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة قال وللنبى صلى الله عليه وسلم عهود ما هذا في واحد منها وما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو سعيد الخدرى (قال الشافعي) فكانت حجتنا على أن المحدث به لما كان ثقة اكتفى بخبره ولم نرده بتأويل ولا بأنه لم يروه غيره ولا بأنه لم يرو عن أحد من الائمة مثله
اكتفاء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما دونها وبأنها إذا كانت منصوصة بينة لم يدخل عليها تأويل كتاب إذ النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى الكتاب ولا تأويل حديث جملة يحتمل أن يوافق قول النبي صلى الله عليه وسلم المنصوص ويخالفه وكان إذا احتمل المعنيين أولى أن يكون موافقا له ولا يكون مخالفا فيه ولم يوهنه أن لم يروه إلا واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان ثقة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) فقلنا نحن وأنتم بهذا وقلنا في هذا دليل على أنه من باع نخلا لم تؤبر فالثمرة للمشترى فخالفنا بعض الناس في هذا فقال إذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالثمرة إذا أبرت للبائع إلا أن يشترط المبتاع علمناه إذا أبر فقد زايل أن يكون مغيبا في شجره لم يظهر كما يكون الحمل مغيبا لم يظهر وكذلك إذا زايلها وإن لم يؤبر فهو للبائع وقال هكذا تقولون في الامة تباع حاملا حملها للمشترى فإذا فارقها فولدها للبائع والثمر إذا خرج من النخلة فقد فارقها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكانت حجتنا عليهم أن قلنا إن الثمرة قبل الابار وبعده اتبعنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر به ولم نجعل أحدهما قياسا على الآخر ونسوى بينهما إن ظهرا فيها ولم نقسمها على ولد الامة ولا نقيس سنة على سنة ولكن نمضى كل سنة على وجهها ما وجدنا السبيل إلى إمضائها ولم نوهن هذا الحديث بقياس ولا شئ مما وصفت ولا بأن اجتمع هذا فيه وإن لم يرو فيه عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي قول ولا حكم ولا أمر يوافقه واستغنينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه عما سواه(7/205)
باب في بيع الثمار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشترى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل يارسول الله وما تزهى ؟ قال حتى تحمر وقال أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه قال فأخذنا بهذا الحديث نحن وأنتم وقلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم يدل على معنيين أحدهما أن بدو
صلاحها الحمرة ومثلها الصفرة وأن قوله إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه أنه إنما يمنع من الثمرة ما يترك إلى مدة يكون في مثلها التلف فقلنا كل من ابتاع ثمرة قد بدا صلاحها فله تركها حتى تجد وخالفنا بعض الناس في هذا فقال من اشترى ثمرة قد بدا صلاحها لم يكن له تركها وذلك أن ملك النخل والماء الذى به صلاح النخل للبائع يستبقى نخله وماءه ولا يجوز أن يشترطه لانه لا يعرف حصة الثمرة من الثمن من حصة الاجارة فكانت حجتنا عليه أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه يدل على أنه إنما يمنع ما يترك لا ما يكون على مشتريه أن يقطفه مكانه ورأينا أن من خالفنا فيه قد ترك السنة وتر ك ما تدل عليه السنة لو احتج علينا بأنه لم يرو عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي قول ولا قضاء يوافق هذا استغنينا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سواه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره عن سعد بن أبى وقاص أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الرطب بالتمر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها قال فأخذنا نحن وأنتم بالاحاديث كلها حين وجدنا لها كلها مخرجا فقلنا المزابنة بيع الجزاف كله بشئ من صنفه كيلا والرطب بالتمر إذا كان الرطب ينقص شئ واحد متفاضل أو مجهول فقد حرم أن يباع إلا مستويا وذلك إذا كان موضوعا بالارض وأحللنا بيع العرايا بخرصها تمرا وهى داخلة في معنى المزابنة والرطب بالتمر إذا كان لهما وجه معا وخالفنا في هذا بعض الناس فلم يجز بيع العرايا وردها بالحديثين وقال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان فأخذنا بأحدهما وكان الذى أخدنا به أشبه بسنته في النهى عن التمر بالتمر إلا كيلا بكيل فرأينا لنا الحجة ثابتة بما قلنا على من خالفنا إذا وجدنا للحديثين وجها نمضيهما فيه معا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا كانت لنا حجة كانت عليكم في الحديثين يكونان هكذا فتنسبهما إلى الاختلاف وقد يوجد لهما وجه يمضيان فيه معا فلم ندعه بما وصفنا من حجة غيرنا بحديثنا ولا بأن لم يرو عن أبى بكر ولا
عمر ولا عثمان ولا علي واستغنينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فجاءته إبل فقال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضى الرجل بكره فقلت لم أجد في الابل إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء فأخذنا نحن وأنتم بهذا وقلنا لا بأس ان يستسلف الحيوان إلا الولائد وأن(7/206)
يسلف في الحيوان كله قياسا على هذا وخالفنا بعض الناس في هذا لا يستسلف الحيوان ولا يسلف فيه وروى عن ابن مسعود أنه كره السلف فيه وعن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم نر في واحد دون النبي صلى الله عليه وسلم حجة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الربيع) معنى قول الشافعي في هذا الذى نهى عنه ههنا قرض الامة خاصة (1) لان له أخذها منه فأما العبد فيجوز وقال هذا قول الشافعي.
باب في الاقضية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأخذنا نحن وأنتم به وإنما أخذنا نحن به من قبل أنا رويناه من حديث المكيين موتصلا صحيحا وخالفنا فيه بعض الناس فما احتج في شئ منه قط علمته أكثر من حججه فيه وفى ثلاث مسائل معه فزعم أن القرآن يدل على أن لا يجوز أقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (واليمين على المدعى عليه) وقاله عمر فكان هذا دلالة على أن لا تجوز يمين إلا على المدعى عليه ولا يحلف مدع واحتج بابن شهاب وعطاء وعروة وهما رجلا مكة والمدينة في زمانهما أنكراه غاية النكرة واحتج بأن لم يحفظ عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان فيه شئ يوافقه ولا عن علي من وجه يصح عنده ولا عن واحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه يصح ولا عن ابن المسيب ولا القاسم ولا أكثر التابعين وبأنا أحلفنا في المال ولم نحلف في غيره وأن ربيعة بن أبى عبد الرحمن قال إنما أخذنا باليمين مع الشاهد أنا وجدناه في
كتب سعد وقال تأخذون بيمين وشاهد بأن وجدتموهما في كتاب وتردون الاحاديث القائمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكانت حجتى عليه أن قلت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة وما ثبت عن رسول الله لم يوهنه أن لا يوجد عند غيره ولم يتأول معه قرآن ولم يدفعه أن أنكره عروة وابن شهاب وعطاء لانه ليس في الانكار حجة إنما الحجة في الخبر لا في الانكار ورأينا هذا لنا حجة ثابتة فإذا كان مثل هذا يكون لنا حجة فعليك مثله وأحرى وأولى أن لا يوجد عليه ما يوهنه منه (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من حلف على منبرى هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار) فأخذنا نحن وأنتم بهذا الحديث وقلنا فيه دلالة على أن امرءا لا يحلف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مجبورا على اليمين لا متطوعا بها وإنما يجبر الناس على الايمان الحكام وخالفنا بعض الناس في هذا واحتج فيه بأن قال هاشم بن هاشم ليس بالمشهور بالحفظ وعبد الله بن نسطاس ليس بالمعروف ولو احتججنا عليكم بمثل هذا رددتموه وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحلف على المنبر وقد يتطوع الرجل فيحلف على المنبر كما يتطوع فيحلف بطلاق وعتاق ولم يستحلف ولم تحفظوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره أنه احلف أحدا على منبر في غرم ولا غيره واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين الزوجين فحكى اللعان ولم يحك أنه كان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أو رأيت أهل البلدان أيجلبون إلى المدينة أو يحلفون ببلدانهم ؟ فكيف تكون الايمان على
__________
(1) بمراجعة الجزء الثالث في صفات الحيوان إذا كانت دينا يعلم المراد، ا ه كتبه مصححه.(7/207)
الناس مختلفة فلم نر له في هذا حجة وقلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهره أنه لا يحلف أحد على منبر إلا مجبورا كما وصفنا.
كتاب العتق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاوءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) فأخذنا نحن وأنتم بهذا الحديث وأبطلنا
به الاستسعاء وشركنا الرق والحرية في العبد إذا كان المعتق للعبد مفلسا وخالفنا فيه بعض الناس ووهنه بأن قال رواه سالم عن ابن عمر فلم يقل فيه وإلا فقد عتق منه ما عتق ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أيوب وربما قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقل وأكثر ظنى أنه شئ كان يقوله نافع برأيه ووهنه بأن قال حديث رواه ابن عمر وحده وقد روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه وعن غير أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه الاستسعاء ووهنه بأن قال لم يرو عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ما يوافقه بل روينا عن عمر خلافه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكانت حجتنا عليه أن سالما وإن لم يروه فنافع ثقة وليس في قول أيوب ربما قاله وربما لم يقله إذا قاله عنه غيره حجة وما روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه فالحفاظ يروونه لا يخالف حديثنا وغيرهم يروونه يخالف حديثنا ولو خالفه كان حديثنا أثبت منه والحديث الذى ذكره يخالف حديثنا لا يثبت ولا يرويه الحفاظ يخالف حديثنا وإذا كانت لنا الحجة بهذا على من خالفنا فهكذا ينبغى لنا أن نلزم أنفسنا في الحديث كله وأن نستغني بخبر الصادقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يأت عن أحد من خلفائه ما يوافقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأدخلوا علينا فيه أن عبدا يكون نصفه حرا ونصفه عبدا فلا يكون له بالحرية أن يرث ولا يورث وتكون حقوق الحرية كلها فيه معطلة إلا أنه يترك لنفسه يوما ثم يكسب في يومه فيمنع أن يهب ماله فقلنا لا نترك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدخله من القياس ما وصفت ولا أكثر ولا موضع القياس مع السنة فقلت للشافعي قد فهمت ما كتبت مما أخذت وأخذنا به من حديث رسول الله ووجدت فيها ما وصفت من من أنا ثبتنا أحاديث كثيرة لم تأت إلا من وجه واحد وليس فيه عن أحد من خلفائه شئ يوافقه ولا يخالفه ووجدنا فيه ما نثبته عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه عن بعض خلفائه شئ يخالفه فذهبنا إلى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا ما خالفه (1) في القسامة وقد روينا عن عمر في القسامة خلاف ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم صرنا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك روينا عن عمر في الضرس وغيرها وذهبنا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم دون ما روينا عن عمر وعن ابن عمر في أشياء وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قلت للشافعي أفتبين لى أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم تركناه لغيره ؟ فقال كثير فقلت للشافعي فما حجة فعل هذا ؟ فقال قد جهدت أن أجد لكم شيئا يكون عندي أو عند أحد من أهل
__________
(1) لعله وقد فعلنا كذلك في القسامة فقد روينا الخ، تأمل.
كتبه مصححه.(7/208)
العلم حجة يعذر بها فلم أجده وذلك أن الذين رويتم عنهم ما اخذتم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقتموهم والذين رويتم عنهم ما تركتم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لكم أن تقولوا هم متهمون فإن قلتم قد يغلطون فقد يجوز لغيركم أن يقول لا نأخذ من أهل الغلط وإن قلتم يغلطون في بعض ويحفظون في بعض جاز لغيركم أن يقول إنما يدل على غلط المحدث أن يخالفه غيره ممن هو أحفظ منه أو أكثر منه فإن قلتم فيه لا يخالف به عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحبه غلط مرة وحفظ جاز عليك أن يقال غلط حيث زعمت أنه حفظ وحفظ حيث زعمت أنه غلط وجاز عليك وعلى غيرك أن يقال كله يحتمل الغلط فندعه ونطلب العلم من حديث غيرهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا لا يوجد إلا من حديث أهل الصدق ولا يجوز فيه إلا أن يقبل فلا يترك شئ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما روى عن النبي نفسه وبالناس الحاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ألزمهم الله من اتباع امره فقلت للشافعي فاذكر مما روى شيئا فقال الشافعي لا أرب لى في ذكره وإن سألتنى عن قولى لاوضح الحجة فيما جبيتك أنت نفسك في قولك وقد أعطيتك جملة تغنيك إن شاء الله لا تدع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أبدا إلا أن يأتي عن رسول الله خلافه فتفعل فيه بما قلت لك في الاحاديث إذا اختلفت فقلت للشافعي فلست أريد مسألتك ما كرهت من ذكر أحد ولكني أسألك في أمر أحب أن توضح لى فيه الحجة قال فسل.
باب صلاة الامام إذا كان مريضا بالمأمومين جالسا وصلاتهم خلفه قياما سألت الشافعي هل للامام أن يؤم الناس جالسا وكيف يصلون وراءه أيصلون قعودا أو قياما ؟ فقال يأمر من يقوم فيصلى بهم أحب إلى وإن أمهم جالسا وصلوا خلفه قياما كان صلاتهم وصلاته مجزية عنهم معا وكان كل صلى فرضه كما يصلى الامام إذا كان صحيحا قائما ويصلى خلفه من لم يقدر على القيام جالسا فيكون كل صلى فرضه وإنما اخترت أن يوكل الامام إذا مرض رجلا صحيحا يصلى
بالناس قائما أن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أياما كثيرة وإنا لم نعلمه صلى بالناس جالسا في مرضه إلا مرة لم يصل بهم بعدها علمته حتى لقى الله فدل ذلك على أن التوكيل بهم والصلاة قاعدا جائزان عنده معا وكان صلاتهم مع غيره بأمره أكثر منه فقلت للشافعي فهل حفظت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اقعدوا ثم أمرهم حين فرغ من الصلاة إذا صلى الامام قاعدا أن يصلوا قعودا أجمعون ؟ فقال نعم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الايمن فصلى في بيته قاعدا وصلى خلفه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام يعنى ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى خلفه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال (إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا) فقلت للشافعي فقد رويت هذا فكيف لم تأخذ به ؟ فقال هذا منسوخ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وما نسخه ؟ فقال الحديث الذى ذكرت لك يدلك على أن هذا كان في صرعة صرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت فما نسخه ؟ فقال صلى رسول الله صلى(7/209)
الله عليه وسلم بالناس في مرضه الذى مات فيه جالسا والناس خلفه قياما لم يأمرهم بجلوس ولم يجلسوا ولولا أنه منسوخ صاروا إلى الجلوس بمتقدم أمره إياهم بالجلوس ولو ذهب ذلك عليهم لامرهم بالجلوس وقد صلى أبو بكر إلى جنبه بصلاته قائما ومرضه الذى مات فيه اخر فعله وبعد سقطته لانه لم يركب في مرضه الذى مات فيه حتى قبضه الله بأبى هو وأمى قلت فاذكر الحديث الذى رويته في هذا فقال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه فأتى أبا بكر وهو قائم يصلى بالناس فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (كما انت) فجلس رسول الله إلى جنب أبى بكر وكان أبو بكر يصلى بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة بمثل معناه لا يخالفه وأوضح منه قال وصلى أبو بكر إلى جنبه قائما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن يحيى بن سعيد عن ابن أبى مليكة عن عبيد بن عمير قال أخبرتني الثقة كأنه يعنى عائشة ثم ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جانبه بمثل معنى حديث هشام بن عروة عن أبيه، قال وروى عن إبراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد عن عائشة بمثل معنى حديث هشام وعبيد بن عمير، فقلت للشافعي فإنا نقول لا يصلى أحد بالناس جالسا ونحتج بأنا روينا عن ربيعة أن أبا بكر صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن كان هذا ثابتا فليس فيه خلاف لما أخذنا به ولا ما تركنا من هذه الاحاديث قلت ولم ؟ قال قد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما وليالي لم يبلغنا أنه صلى بالناس إلا صلاة واحدة وكان أبو بكر يصلى بالناس في أيامه تلك وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس مرة لا تمنع أن يكون صلى أبو بكر مرة ومرات لم يمنع ذلك أن يكون صلى خلفه أبو بكر أخرى كما كان أبو بكر يصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر عمره فقلت للشافعي فقد ذهبنا إلى توهين حديث هشام بن عروة بحديث ربيعة قال وإنما ذهبتم إليه لجهالتكم بالحديث والحجج حديث ربيعة مرسل لا يثبت مثله ونحن لم نثبت حديث هشام بن عروة عن أبيه حتى اسنده هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة والاسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ووافقه عبيد بن عمير فكيف احتججتم بما لا يثبت من الحديث على ما ثبت ؟ وهو إذا ثبت حتى يكون أثبت حديث يكون كما وصفت لا يخالف حديث عروة ولا أنس ولا موافقه ولا بمعنى فيوهن حديثنا وهذا منكم جهالة بالحديث وبالحجة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أو رأيت إذ جهلتم الحديث والحجة فلو كان حديث هشام بن عروة عن أبيه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأبى بكر غير ثابت فيكون ناسخا لحديث أنس وعائشة عن النبي بأمره إذا صلى جالسا يصلى من خلفه جلوسا أما كنتم خالفتم حديثين ثابتين عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير حديث ثابت عنه وهو لا يحل خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إلى حديث عنه ينسخ حديثه الذى خالفه إليه أو يكون أثبت منه ؟ فلو لم يثبت حديث هشام حتى يكون ناسخا للحديثين لزمكم أن تأمروا من صلى خلف الامام قائما أن يجلس إذا جلس كما روى أنس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره وإن كان حديث هشام ناسخا
فقد خالفتم الناسخ والمنسوخ إلى قول أنفسكم وخلاف السنة ضيق على كل مسلم فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرنا ؟ فقال نعم بعض الناس روى عن جابر الجعفي عن الشعبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يؤم أحد بعدى جالسا) قلت فما كانت حجتك عليه فقال الشافعي قد علم الذى احتج بهذا أن ليست فيه حجة وأن هذا حديث لا يثبت مثله بحال على شئ ولو لم يخالفه غيره فقلت(7/210)
للشافعي فإن قلت لم يعمل بهذا أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشافعي قد بينا لك قبل هذا ما نرى أنا وأنتم نثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يعمل به بعده استغناه بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سواه فلا حاجة لنا بإعادته فقلت للشافعي فهل قال قولك هذا أحد من المشرقيين ؟ فقال نعم أبو حنيفة يقول فيه بقولنا ويخالفه صاحباه فقلت للشافعي أفرأيت حديثهم عندهم في هذا يثبت ؟ فقال لا فقلت فلم يحتجون به ؟ قال الله أعلم فأما الذى احتج به عليها فسألناه عنه فقال لا يثبت لانه مرسل ولانه عن رجل يرغب الناس عن الرواية عنه فقلت فهذا سوء نصفة (فقال الشافعي) رحمه الله تعالى أجل وأنتم أسوأ منه نصفة حين لا تعتدون بحديثهم الذى هو ثابت عندهم وتخالفون وما رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له عنه والله أعلم.
باب رفع اليدين في الصلاة قال سألت الشافعي أين ترفع الايدى في الصلاة ؟ قال يرفع المصلى يديه في أول ركعة ثلاث مرات وفيما سواها من الصلاة مرتين مرتين يرفع يديه حين يفتتح الصلاة مع تكبيرة الافتتاح حذو منكبيه ويفعل ذلك عند تكبيرة الركوع وعند قوله (سمع الله لمن حمده) حين يرفع رأسه من الركوع ولا تكبيرة للافتتاح إلا في الاول وفى كل ركعة تكبير ركوع وقول سمع الله لمن حمده عند رفع راسه من الركوع فيرفع يديه في هذين الموضعين في كل صلاة والحجة في هذا أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وكان لا يفعل ذلك في السجود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا
افتتح الصلاة وإذا أراد أن يركع وإذا أراد رفع رأسه من الركوع ولا يرفع في السجود قال وروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند افتتاح الصلاة وحين يريد أن يركع وإذا رفع من الركوع قال ثم قدمت عليهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا ابتدأ الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك فقلت للشافعي فإنا نقول يرفع يديه حين يفتتح الصلاة ثم لا يعود لرفعهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأنتم إذا تتركون ما روى مالك عن رسول الله ثم عن ابن عمر فكيف جاز لكم لو لم تعلموا علما إلا أن تكونوا رويتم رفع اليدين في الصلاة عن النب صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا ؟ وعن ابن عمر مرتين فاتبعتم النبي صلى الله عليه وسلم في إحداهما وتركتم اتباعه في الاخرى ولو جاز أن يتبع أحد أمريه دون الآخر جاز لرجل أن يتبع أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث تركتموه ويتركه حيث اتبعتموه ولكن لا يجوز لاحد علمه من المسلمين عندي أن يتركه إلا ناسيا أو ساهيا فقلت للشافعي فما معنى رفع اليدين عند الركوع ؟ فقال مثل معنى رفعهما عند الافتتاح تعظيما لله وسنة متبعة يرجى فيها ثواب الله ومثل رفع اليدين على الصفا والمروة وغيرهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أرأيت إذا كنتم تروون عن ابن عمر شيئا فتتخذونه أصلا يبنى عليه فوجدتم ابن عمر يفعل شيئا في الصلاة فتركتموه عليه وهو موافق ما روى عن النبي(7/211)
صلى الله عليه وسلم أفيجوز لاحد أن يفعل ما وصفتم من إتخاذ قول ابن عمر منفردا حجة ثم تتركون معه سنة رسول الله لا مخالف له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهم ممن تثبت روايته ؟ من جهل هذا انبغى أن لا يجوز له أن يتكلم فيما هو أدق من العلم قلت فهل خالفك في هذا غيرنا ؟ قال نعم بعض المشرقيين وخالفوكم فقالوا يرفع يديه حذو أذنيه في ابتداء الصلاة فقلت هل رووا فيه شيئا ؟ قال نعم ما لا نثبت نحن ولا أنتم ولا أهل الحديث منهم مثله وأهل الحديث من أهل المشرق يذهبون مذهبنا في رفع الايدى ثلاث مرات في الصلاة فتخالفهم مع خلافكم السنة وأمر العامة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب الجهر بآمين سألت الشافعي عن الامام إذا قال (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هل يرفع صوته بآمين ؟ قل نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم فقلت وما الحجة فيما قلت من هذا ؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا أمن الامام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين قال وفى قول رسول الله (إذا أمن الامام فأمنوا) دلالة على أنه أمر الامام أن يجهر بآمين لان من خلفه لا يعرف وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه ثم بينه ابن شهاب فقال كان رسول الله يقول آمين فقلت للشافعي فإنا نكره للامام أن يرفع صوته بآمين فقال هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن عندنا وعندكم علم إلا هذا الحديث الذى ذكرنا عن مالك انبغى أن نستدل بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بآمين وأنه أمر الامام أن يجهر بها فكيف ولم يزل أهل العلم عليه ؟ وروى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين يجهر بها صوته ويحكى مطه إياها وكان أبو هريرة يقول للامام لا تسبقني بآمين وكان يؤذن له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال كنت أسمع الائمة ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ومن خلفهم آمين حتى إن للمسجد للجة (قال الشافعي) رأيتك في مسألة إمامة القاعد ومسألة رفع اليدين في الصلاة ومسألة قول الامام آمين خرجت من السنة والآثار ووافقت منفردا من بعض المشرقيين الذي ترغب فيما يظهر عن أقاويلهم.
باب سجود القرآن سألت الشافعي عن السجود في (إذا السماء انشقت ؟) فقال فيها سجدة فقلت وما الحجة أن فيها سجدة ؟ (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم (إذا السماء انشقت) فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سجد فيها (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الاعرج أن عمر بن الخطاب قرأ (والنجم إذا هوى) فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة أخرى (قال الشافعي) وأخبرنا بعض(7/212)
أصحابنا عن مالك أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلم أن يأمر القراء أن يسجدوا في (إذا السماء انشقت) وسألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك ؟ قال أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سجد في سورة الحج سجدتين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن رجل من أهل مصر أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين فقلت للشافعي فإنا نقول اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شئ فقال الشافعي إنه يجب عليكم أن لا تقولوا اجتمع الناس إلا لما إذا لقى أهل العلم فقيل لهم اجتمع الناس على ما قلتم أنهم اجتمعوا عليه قالوا نعم وكان أقل قولهم لك أن يقولوا لا نعلم من أهل العلم مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه فأما أن تقولوا اجتمع الناس وأهل المدينة معكم يقولون ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه فأمران أسأتم النظر بهما لانفسكم في التحفظ في الحديث وأن تجعلوا السبيل لمن سمع قولكم اجتمع الناس إلى رد قولكم ولا سيما إذ كنتم إنما أنتم معتضدون على علم مالك رحمه الله وإياه وكنتم تروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في (إذا السماء انشقت) وإن أبا هريرة سجد فيها ثم تروون عمر بن عبد العزيز انه أمر من يأمر القراء أن يسجدوا فيها (قال) وأنتم تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلا من أصول العلم فتقولون كان لا يحلف الرجل للمدعى عليه إلا أن يكون بينهما مخالطة فتركتم قول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) لقول عمر ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في (إذا السماء انشقت) ومعه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى أبى هريرة فتتركونه ولم تسموا أحدا خالف هذا وهذا عندكم العلم لان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه ثم أبو هريرة في الصحابة ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين والعمل يكون عندكم بقول عمر وحده وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في (إذا السماء انشقت) وأن عمر أمر بالسجود فيها وأن عمر بن
الخطاب سجد في (النجم) ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل وهذا من أصحاب رسول الله وهذا من علماء التابعين فيقال قولكم اجتمع الناس لما تحكون فيه غير ما قلتم بين في قولكم أن ليس كما قلتم ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في (النجم) ثم لا تروون عن غيره خلافه ثم رويتم عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في سورة الحج سجدتين وتقولون ليس فيها إلا واحدة وتزعمون أن الناس اجمعوا أن ليس فيها إلا واحدة ثم تقولون أجمع الناس وأنتم تروون خلاف ما تقولون وهذا لا يعذر أحد بأن يجهله ولا يرضى أحد أن يكون موجودا عليه لما فيه مما لا يخفى على أحد يعقل إذا سمعه أرأيت إذا قيل لكم أي الناس أجمع على أن لا سجود في المفصل وأنتم تروون عن أئمة الناس السجود فيه ولا تروون عن غيرهم خلافهم أليس تقولون أجمع الناس أن في المفصل سجودا أولى بكم من أن تقولوا أجمع الناس أن لا سجود في المفصل ؟ فإن قلتم لا يجوز إذا لم نعلمهم أجمعوا أن نقول أجمعوا فقد قلتم أجمعوا ولم ترووا عن واحد من الائمة قولكم ولا أدرى من الناس عندكم أخلق كانوا لم يسم واحد منهم وما ذهبنا بالحجة عليكم إلا من قول أهل المدينة وما جعلنا الاجماع إلا إجماعهم فأحسنوا النظر لانفسكم واعلموا أنه لا يجوز أن تقولوا أجمع الناس بالمدينة حتى لا يكون بالمدينة مخالف من أهل العلم ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه اخترنا كذا ولا تدعوا الاجماع فتدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه فما أعلمه يؤخذ على أحد نسب إلى علم أقبح من هذا قلت للشافعي أرأيت إن كان قولى اجتمع الناس عليه أعنى من رضيت من أهل المدينة وإن كانوا مختلفين فقال الشافعي أفرأيتم إن قال من يخالفكم(7/213)
ويذهب إلى قول من خالف قول من أخذت بقوله أجمع الناس أيكون صادقا فإن كان صادقا وكان بالمدينة قول ثالث يخالفكما أجمع الناس على قول فإن كنتم صادقين معا بالتأويل فبالمدينة إجماع من ثلاثة وجوه مختلفة وإن قلتم الاجماع هو ضد الخلاف فلا يقال إجماع إلا لما لا خلاف فيه بالمدينة قلت هذا الصدق المحض فلا تفارقه ولا تدعوا الاجماع أبدا إلا فيما لا يوجد بالمدينة فيه اختلاف وهو لا يوجد بالمدينة إلا وجد بجميع البلدان عن أهل العلم متفقين فيه لم يخالف أهل البلدان أهل المدينة إلا ما اختلف فيه أهل المدينة بينهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى واجعل ما وصفنا على هذا الباب كافيا
لك دالا على ما سواه إذا أردت أن تقول أجمع الناس فإن كانوا لم يختلفوا فيه فقله وإن كانوا اختلفوا فيه فلا تقله فإن الصدق في غيره.
باب الصلاة في الكعبة وسألت الشافعي عن الرجل يصلى في الكعبة المكتوبة فقال يصلى فيها المكتوبة والنافلة وإذا صلى الرجل وحده فلا موضع يصلى فيه أفضل من الكعبة فقلت أفيصلى فوق ظهرها ؟ فقال إن كان بقى فوق ظهرها من البناء شئ يكون سترة صلى فوق ظهرها المكتوبة والنافلة وإن لم يكن بقى عليه بناء يستر المصلى لم يصل إلى غير شئ من البيت فقلت للشافعي فما الحجة فيما ذكرت ؟ فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرك ؟ فقال نعم دخل أسامة وبلال وعثمان بن طلحة فقال أسامة نظر فإذا هو إذا صلى في البيت في ناحية ترك شيئا من البيت لظهره فكره أن يدع شيئا من البيت لظهره فكبر في نواحى البيت ولم يصل فقال قوم لا تصلح الصلاة في الكعبة بهذا الحديث وهذه العلة، فقلت للشافعي فما حجتك عليهم ؟ فقال قال بلال صلى وكان من قال صلى شاهدا ومن قال لم يصل ليس بشاهد فأخذنا بقول بلال وكانت الحجة الثابتة عندنا أن المصلى خارجا من البيت إنما يستقبل منه موضع متوجهه لا كل جدرانه فكذلك الذى في بطنه يستقبل موضع متوجهه لا كل جدرانه ومن كان البيت مشتملا عليه فكان يستقبل موضع متوجهه كما يستقبل الخارج منه موضع متوجهه كان في هذا الموضع أفضل من موضع الخارج منه أين كان فقلت للشافعي فإنا نقول يصلى فيه النافلة ولا يصلى فيه المكتوبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا القول غاية في الجهل إن كان كما قال من خالفنا لا تصلى فيه النافلة ولا تصلى فيه المكتوبة وأن كان كما رويتم فإن النافلة في الارض لا تصلح إلا حيث تصلح المكتوبة والمكتوبة إلا حيث تصلح النافلة أو رأيت المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم النوافل حول المدينة وبين المدينة ومكة وبالمحصب ولم يصل هنالك مكتوبة أيحرم أن يصلى هنالك مكتوبة وإن صلاته النافلة في موضع من الارض تدل على أن الصلاة المكتوبة تجوز فيه.
باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة
سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شئ ؟ قال نعم والذى أختار أن أصلى عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي فما الحجة في أن يجوز بواحدة فقال الحجة فيه السنة(7/214)
والآثار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى ؟) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصل بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبى وقاص كان يوتر بركعة، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته قال وكان عثمان يحيى الليل بركعة هي وتره وأوتر معاوية بواحدة فقال ابن عباس أصاب به، فقلت للشافعي فإنا نقول لا نحب لاحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر فقال الشافعي لست أعرف لما تقول وجها والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم تكروهون أن يصلى ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ثم سلم تأمرونه فإفراد الركعة لان من سلم من الصلاة فقد فصلها مما بعدها ألا ترى أن الرجل يصلى النافلة ركعات فيسلم في كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم منهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التى قبلها وبعدها لخروجه من كل صلاة بالسلام فإن كان إنما أردتم أنكم كرهتم أن يصلى واحدة لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى أكثر منها فإنما نستحب أن يصلى إحدى عشر ركعة يوتر منها بواحدة وإن كان أردتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى) فأقل مثنى أربع فصاعدا وواحدة غير مثنى وقد أمر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن فقلت للشافعي فما معنى هذا ؟ قال هذه نافلة يسع أن نوتر بواحدة وأكثر ونختار ما وصفت من غير أن نضيق غيره وقولكم والله يغفر لنا
ولكم لا يوافق سنة ولا أثرا ولا قياسا ولا معقولا قولكم خارج من كل شئ من هذا وأقاويل الناس إما أن يقولوا لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض المشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن لئلا يكون الوتر واحدة (1) وأنتم تأمرون بالسلام فيها فإذا أمرتم به فهى واحدة وإن قلتم كرهناه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوتر بواحدة ليس قبلها شئ فلم يوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليس قبلهن شئ وقد استحسنتم أن توتروا بثلاث.
باب القراءة في العيدين والجمعة سألت الشافعي بأى شئ تحب أن يقرأ في العيدين فقال ب (ق) و (اقتربت الساعة) وسألته بأى شئ تستحب أن يقرأ في الجمعة فقال في الركعة الاولى بالجمعة وأختار في الثانية (إذا جاءك المنافقون) ولو قرأ (هل أتاك حديث الغاشية) أو (سبح اسم ربك الاعلى) كان حسنا لانه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كلها فقلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال إبراهيم وغيره عن جعفر عن أبيه عن عبيد الله بن أبى رافع عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في أثر سورة الجمعة
__________
(1) كذا في الاصل ويظهر أن فيه سقطا، تأمل وحرر.
كتبه مصححه.(7/215)
(إذا جاءك المنافقون) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا مالك عن ضمرة بن سعيد المازنى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ان الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة على أثر (سورة الجمعة) فقال كان يقرأ ب (هل أتاك حديث الغاشية) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ضمرة بن سعيد المازنى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثى ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ به في الاضحى والفطر ؟ فقال كان يقرأ ب (ق والقرآن المجيد) و (اقتربت الساعة) فقلت للشافعي فإنا لا نبالي بأى سورة قرأ فقال ولم لا تبالون وهذه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت لانه يجزيه فقال أو رأيتم إذ أمرنا بالغسل للاهلال والصلاة في المعرس وغير ذلك اقتداء بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لو قال قائل لا نستحبه أو لا نبالي أن لا نفعله لانه ليس بواجب هل الحجة عليه إلا كهى عليكم ؟ أو رأيتم إذا
استحببنا ركعتي الفجر والوتر وركعتين بعد المغرب وأن يطيل في الصبح والظهر ويخفف في المغرب لو قال قائل لا أبالى أن لا أفعل من هذا شيئا هل الحجة عليه إلا أن تقول قولكم لا أبالى جهالة وترك للسنة ؟ ينبغى أن تستحبوا ما صنع رسول الله بكل حال.
باب الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبى الزبير المكى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر قال مالك أرى ذلك في مطر (قال الشافعي) فزعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولم يكن له وجه عندكم إلا أن ذلك في مطر ثم زعمتم أنتم أنكم تجمعون بين المغرب والعشاء بالمدينة وكل بلد جامع ولا تجمعون بين الظهر والعصر في المطر (قال الشافعي) وإنما ذهب الناس في هذا مذاهب فمنهم من قال جمع بالمدينة توسعة على أمته لئلا يحرج منهم أحد إن جمع بحال وليس لاحد أن يتأول في الحديث ما ليس فيه وقالت فرقة نوهن هذا لان النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت في الصلاة فكان هذا خلافا لما رووا من أمر المواقيت فردوا أن يجمع أحد في الحضر في مطر أو غيره وامتنعوا من تثبيته وقالوا خالفه ما هو أقوى منه وقالوا لو ثبتناه لزمنا مثل قول من قال يجمع لانه ليس في الحديث ذكر مطر ولا غيره، بل قال من حمل الحديث أراد أن لا تحرج امته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فذهبتم ومن ذهب مذهبكم المذهب الذى وصفت من الاحتجاج في الجمع في المطر ورأى أن وجه الحديث هو الجمع في المطر ثم خالفتموه في الجمع في الظهر والعصر في المطر أرأيتم إن قال لكم قائل بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر ولا نجمع بين المغرب والعشاء في المطر هل الحجة عليه إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يجز أن يؤخذ ببعضه دون بعض ؟ فكذلك هي على من قال يجمع بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر وقلما نجد لكم قولا يصح والله المستعان أرأيتم إذا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء هل تعدون أن يكون لكم بهذا حجة فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر
والعصر وإن لم تكن لكم بهذا حجة على من خالفكم فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء(7/216)
لا يجوز غير هذا وأنتم خارجون من الحديث ومن معاني مذاهب أهل العلم كلها والله المستعان أو رأيتم إذ رويتم الجمع في السفر لو قال قائل كما قلتم أجمع بين المغرب والعشاء لان أكثر الاحاديث جاءت فيه ولا أجمع بين الظهر والعصر لانهما في النهار والليل أهول من النهار هل الحجة عليه إلا أن الجمع رخصة فيها فلا يجوز أن يمنع أحد من بعضها دون بعض فكذلك هي عليكم والله أعلم.
باب إعادة المكتوبة مع الامام سألت الشافعي عن الرجل يصلى في بيته ثم يدرك الصلاة مع الامام قال يصلى معه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بنى الديل يقال له بسر بن محجن عن أبيه أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام رسول الله فصلى ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما منعك أن تصلى مع الناس ؟ ألست برجل مسلم ؟) قال بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت) (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الامام فلا يعدلهما، فقلت للشافعي فإنا نقول يعيد كل صلاة إلا المغرب فإنه إذا أعاد لها صارت شفعا (قال الشافعي) وقد رويتم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص فيه صلاة دون صلاة فلم يحتمل الحديث إلا وجهين أحدهما وهو أظهرهما أن يعيد كل صلاة بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وسعة الله أن يوفيه أجر الجماعة والانفراد وقد روى مالك عن ابن عمر وابن المسيب أنهما أمرا من صلى في بيته أن يعود لصلاته مع الامام وقال السائل أيتهما أجعل صلاتي ؟ فقال أو ذلك إليك ؟ إنما ذلك إلى الله وروى عن أبى أيوب الانصاري أنه أمر بذلك وقال من فعل ذلك فله سهم جمع أو مثل سهم جمع وإنما قلنا بهذا لما وصفنا من أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة وأنه بلغنا أن الصلاة التى أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين أن يعودا لها صلاة الصبح أو يقول رجل إن أدرك العصر أو الصبح لم يعد لهما لانه لا نافلة بعد واحدة منهما
فهكذا قال بعض المشرقيين وأما ما قلتم فخلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم من الوجهين وخلاف ابن عمر وابن المسيب وابن العمل ؟ وقولكم إذا أعاد المغرب صارت شفعا فكيف تصير شفعا وقد فصل بينهما بسلام أترى العصر حين صليت بعدها المغرب شفعا أو العصر وترا أو ترى كذلك العشاء إذا صليت بعد المغرب أو ترى ركعتين بعد أو قبل المغرب تصيران وترا بأن المغرب قبلهما أو بعدهما ام كل صلاة فصلت بسلام مفارقة للصلاة قبلها وبعدها ؟ ولو كنتم قلتم يعود للمغرب ويشفعها بركعة فيكون تطوع بأربع كان مذهبا فأما ما قلتم فليس له وجه.
باب القراءة في المغرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحرث(7/217)
سمعته يقرأ (والمرسلات عرفا) فقالت يا بنى لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب ؟ فقلت للشافعي فإنا نكره أن يقرأ في المغرب بالطور والمرسلات ونقول يقرأ بأقصر منهما فقال وكيف تكرهون ما رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ؟ الامر رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه فاخترتم إحدى الروايتين على الاخرى ؟ أو رأيتم لو لم أستدل على ضعف مذهبكم في كل شئ إلا أنكم تروون عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم تقولون نكرهه ولم ترووا غيره فأقول إنكم اخترتم غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم لا أعلم إلا أن أحسن حالكم أنكم قليلوا العلم ضعفاء المذهب.
باب القراءة في الركعتين الاخيرتين سألت الشافعي أتقرأ خلف الامام أم القرآن في الركعة الاخيرة تسر ؟ فقال الشافعي أحب ذلك وليس بواجب عليه فقلت وما الحجة فيه ؟ فقال أخبرنا مالك عن أبى عبيد مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسى أخبره أنه سمع قيس بن الحرث يقول أخبرني عبد الله الصنابحى أنه قدم المدينة في
خلافة أبى بكر الصديق فصلى وراء أبى بكر المغرب فقرأ في الركعتين الاوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) فقلت للشافعي فإنا نكره هذه ونقول ليس عليه العمل لا يقرأ على أثر أم القرآن في الركعة الثالثة بشئ فقال الشافعي وقال سفيان بن عيينة لما سمع عمر بن عبد العزيز بهذا عن أبى بكر الصديق قال إن كنت لعلى غير هذا حتى سمعت بهذا فأخذت به قال فهل تركتم للعمل عمل أبى بكر وابن عمر وعمر بن عبد العزيز ؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى وحده يقرأ في الاربع جميعا في كل ركعة بأم القرآن وبسورة من القرآن قال وكان يقرأ أحيانا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا كله ونقول لا يزاد في الركعتين الاخيرتين على أم القرآن (قال الشافعي) هذا خلاف أبى بكر وابن عمر من روايتكم وخلاف عمر بن عبد العزيز من رواية سفيان وقولكم لا يجمع السورتين في الركعتين الاوليين هو خلاف ابن عمر من روايتكم وخلاف عمر من روايتكم لانكم أخبرتم أن عمر قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة أخرى وخلاف غيرهما من رواية غيركم فأين العمل ما نراكم رويتم في القراءة في الصلاة في هذا الباب شيئا إلا خالفتموه فمن اتبعتم ما أراكم قلتم بمعنى نعرفه إذا كنتم تروون عن أحد الشئ مرة فتبنون عليه أيسعكم أن تخالفوهم مجتمعين ؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما.
فقلت للشافعي إنا نخالف هذا نقول يقرأ في الصبح بأقل من هذا لان هذا تثقيل على الناس (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة فقلت والله لقد كان إذا يقوم حين يطلع الفجر قال أجل.
فقلت للشافعي فإنا نقول لا يقرأ في الصبح بهذا ولا بقدر نصف هذا لانه تثقيل (قال الشافعي) أخبرنا مالك(7/218)
عن يحيى بن سعيد وربيعة ابن أبى عبد الرحمن أو الفرافصة ابن عمير الحنفي قال ما أخذت سورة
يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها فقلت للشافعي فإنا نقول لا يقرأ بهذا هذا تقثيل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر الاول من الفصل في كل ركعة سورة، قلت للشافعي فإنا نقول لا يقرأ بهذا في السفر هذا تثقيل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقد خالفتم في القراءة في الصلاة كل ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبى بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ابن عمر ولم ترووا شيئا يخالف ما خالفتم عن احد علمته من الناس فأين العمل ؟ خالفتموهم من جهتين من جهة التثقيل وجهة التخفيف وقد خالفتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم جميع ما رويتم عن الائمة بالمدينة بلا رواية رويتموها عن أحد منهم هذا مما يبين ضعف مذهبكم إذ رويتم هذا ثم خالفتموه ولم يكن عندكم فيه حجة فقد خالفتم الائمة والعمل وفى هذا دليل على أنكم لم تجدوا من خلق الله خلقا قط يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبى بكر وعمر وعثمان وابن عمر في القراءة في الصلاة ولا في أمر واحد شيئا ثم يخالفه غيركم وأنه لا خلق أشد خلافا لاهل المدينة منكم ثم خلافكم ما رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى فرض الله طاعته وما رويتم عن الائمة الذين لا تجدون مثلهم فلو قال لكم قائل أنتم أشد الناس معاندة لاهل المدينة وجد السبيل إلى أن يقول ذلك لكم على لسانكم لا تقدرون على دفعه عنكم ثم الحجة عليكم في خلافكم أعظم منها على غيركم لانكم ادعيتم القيام بعلمهم واتباعهم دون غيركم ثم خالفتموهم بأكثر مما خالفهم به من لم يدع من اتباعهم ما ادعيتم فلئن كان هذا خفى عليكم من أنفسكم إن فيكم لغفلة ما يجوز لكم معها أن تفتوا خلقا والله المستعان وأراكم قد تكلفتم الفتيا وتطاولتم على غيركم ممن هو أقصد وأحسن مذهبا منكم.
باب المستحاضة سألت الشافعي عن المستحاضة يطبق عليها الدم دهرها فقال إن الاستحاضة وجهان أحدهما أن تستحاض المرأة فيكون دمها مشتبها لا ينفصل إما ثخين كله وإما رقيق كله وإذا كان هكذا نظرت عدد الليالي والايام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها فتركت الصلاة فيهن إن كانت تحيض خمسا من أول الشهر تركت الصلاة خمسا من أوله ثم اغتسلت عند مضى أيام حيضها كما
تغتسل الحائض عند طهرها ثم توضأ لكل صلاة وتصلى وليس عليها أن تعيد الغسل مرة أخرى ولو اغتسلت من طهر إلى طهر كان أحب إلى وليس ذلك بواجب عليها عندي والمستحاضة الثانية المرأة لا ترى الطهر فيكون لها أيام من الشهر ودمها أحمر إلى السواد محتدم ثم يصير بعد تلك الايام رقيقا إلى الصفرة غير محتدم فأيام حيض هذه أيام احتدام دمها وسواده وكثرته فإذا مضت اغتسلت كغسلها لو طهرت من الحيضة وتوضأت لكل صلاة وصلت، فقلت للشافعي وما الحجة فيما ذكرته من هذا ؟ فقال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت قالت فاطمة بنت أبى حبيش يارسول الله إنى لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا هب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلى) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة(7/219)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لتنظر عدة الليالي والايام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفز بثوب ثم لتصلى) قال فدل جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت من انفراق حال المستحاضتين وفى قوله دليل على أنه ليس للحائض أن تستظهر بطرفة عين وذلك أنه أمر إحداهما إذا ذهبت مدة الحيض أن تغسل عنها الدم وتصلى وأمر الاخرى أن تربص عدد الليالى والايام التى كانت تحيضهن ثم تغتسل وتصلى والحديثان جميعا ينفيان الاستظهار فقلت للشافعي فإنا نقول تستظهر الحائض بثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلى ونقول تتوضأ لكل صلاة (قال الشافعي) فحديثا كم اللذان تعتمدون عليهما عن رسول الله يخالفان الاستظهار والاستظهار خارج من السنة والآثار والمعقول والقياس وأقاويل أكثر أهل العلم فقلت ومن أين ؟ فقال الشافعي أرأيتم استظهارها من أيام حيضها أم أيام طهرها ؟ فقلت هي من أيام حيضها فقال فأسمعكم عمدتم إلى امرأة كانت أيام حيضها خمسا فطبق عليها الدم فقلتم نجعلها ثمانيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إذا مضت أيام حيضها قبل الاستحاضة أن تغتسل وتصلى
وجعلتم لها وقتا غير وقتها الذى كانت تعرف فأمرتموها أن تدع الصلاة في الايام التى أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصلى فيها قال أفرأيتم إن قال لكم قائل لا يعرف السنة تستظهر بساعة أو يوم أو يومين أو تستظهر بعشرة أيام أو ست أو سبع بأى شئ أنتم أولى بالصواب من أحد إن قال ببعض هذا القول هل يصلح أن يوقت العدد إلا بخبر عن رسول الله أو إجماع من المسلمين ؟ ولقد وقتموه بخلاف ما رويتم عن رسول الله وأكثر أقاويل المسلمين ثم قلتم فيه قولا متناقضا فزعمتم أن أيام حيضها إن كانت ثلاثا استظهرت بمثل أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كان أيام حيضها اثنى عشر استظهرت بمثل ربع أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كانت أيام حيضها خمسة عشر لم تستظهر بشئ وإن كانت أربعة عشر استظهرت بيوم وإن كانت ثلاثة عشر استظهرت بيومين فجعلتم الاستظهار مرة ثلاثا ومرة يومين ومرة يوما ومرة لا شئ فقلت للشافعي فهل رويتم في المستحاضة عن صاحبنا شيئا غير هذا ؟ فقال نعم شيئا عن سعيد بن المسيب وشيئا عن عروة بن الزبير (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن سمى مولى أبى بكر أن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب ليسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة فإن غلبها الدم استثفرت (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة قال مالك الامر عندنا على حديث هشام بن عروة فقلت للشافعي فإنا نقول بقول عروة وندع قول ابن المسيب ؟ فقال الشافعي أما قول ابن المسيب فتركتموه كله ثم ادعيتم قول عروة وأنتم تخالفونه في بعضه فقلت وأين ؟ قال قال عروة تغتسل غسلا واحدا يعنى كما تغتسل المتطهرة وتتوضأ لكل صلاة يعنى توضأ من الدم للصلاة لا تغتسل من الدم إنما ألقى عنها الغسل بعد الغسل الاول والغسل إنما يكون من الدم وجعل عليها الوضوء ثم زعمتم أنه لا وضوء عليها فخالفتم الاحاديث التى رواها صاحبنا وصاحبكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وعروة وأنتم تدعون أنكم تتبعون أهل المدينة وقد خالفتم ما روى صاحبنا عنهم كله إنه لبين في قولكم أنه ليس أحد أترك على أهل المدينة لجميع أقاويلهم منكم مع ما تبين في غيره ثم ما أعلمكم ذهبتم إلى قول أهل بلد غيرهم فإذا انسلختم من قولهم وقول أهل البلدان ومما رويتم وروى غيركم والقياس والمعقول فأى موضع
تكونون به علماء وأنتم تخطئون مثل هذا وتخالفون فيه أكثر الناس ؟(7/220)
باب الكلب يلغ في الاناء أو غيره سألت الشافعي عن الكلب يلغ في الاناء في الماء لا يكون فيه قلتان أو في اللبن أو المرق قال يهراق الماء واللبن والمرق ولا ينتفعون به ويغسل الاناء سبع مرات وما مس ذلك الماء واللبن من ثوب وجب غسله لانه نجس فقلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) (قال الشافعي) فكان بينا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الكلب يشرب الماء في الاناء فينجس الاناء حتى يجب غسله سبعا أنه إنما ينجس بمماسة الماء إياه فكان الماء أولى بالنجاسة من الاناء الذى إنما نجس بمماسته وكان الماء الذى هو طهور إذا نجس فاللبن والمرق الذى ليس بطهور أولى أن ينجس بما نجس الماء فقلت للشافعي فإنا نزعم أن الكلب إذا شرب في الاناء فيه اللبن بالبادية شرب اللبن وغسل الاناء سبعا لان الكلاب لم تزل بالبادية فقال الشافعي هذا الكلام المحال أيعدو الكلب أن يكون ينجس ما يشرب منه ولا يحل شرب النجس ولا أكله أو لا ينجسه فلا يغسل الاناء منه ولا يكون بالبادية فرض من النجاسة إلا وبالقرية مثله وهذا خلاف السنة والقياس والمعقول والعلة الضعيفة وأرى قولكم: لم تزل الكلاب بالبادية حجة عليكم فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسل الاناء من شرب الكلب سبعا والكلاب في البادية في زمانه وقبله وبعده إلى اليوم فهل زعمتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك على أهل القرية دون أهل البادية أو أهل البادية دون أهل القرية ؟ أو زعم لكم ذلك أحد من أئمة المسلمين أو فرق الله بين ما ينجس بالبادية والقرية ؟ أو رأيت أهل البادية هل زعموا لكم أنهم يلقون ألبانهم للكلاب ما تكون الكلاب مع أهل البادية إلا ليلا لانها تسرح مع مواشيهم ولهم أشج على ألبانهم وأشد لها إبقاء من أن يخلوا بينها وبين الكلاب وهل قال لكم أحد من أهل البادية ليس يتنجس بالكلب وهم أشد تحفظا من غيرهم أو مثلهم أو لو قاله لكم منهم قائل أيؤخذ الفقه من أهل البادية وإن اعتللتم بأن الكلاب مع أهل البادية ؟ أفرأيتم إن اعتل عليكم مثلكم من
أهل الغباوة بأن يقول الفأر والوزغان واللحكاء والدواب لاهل القرية ألزم من الكلاب لاهل البادية وأهل القرية أقل امتناعا من الفأر ودواب البيوت من أهل البادية من الكلاب فإذا ماتت فأرة أو دابة في ماء رجل قليل أو زيته أو لبنه أو مرقه لم تنجسه هل الحجة عليه إلا أن يقال الذي ينجس في الحال التى ينجس فيها ينجس ما وقع فيه كان كثيرا بقرية أو بادية أو قليلا فكذلك الكلاب بالبادية والفأر والدواب بالقرية أولى أن لا تنجس إن كان فيما ذكرتم حجة وما علمت أحدا روى عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين أنه قال فيه إلا بمثل قولنا إلا أن من أهل زماننا من قال يغسل الاناء من الكلب مرة واحدة وكلهم قال ينجس جميع ما يشرب منه الكلب من ماء ولبن ومرق وغيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن ممن تكلم في العلم من يختال فيه فيشبه والذى رأيتكم تختالونه لا شبهة فيه ولا مؤنة على من سمعه في أنه خطأ إنما يكفى سامع قولكم أن يسمعه فيعلم أنه خطأ لا ينكشف يتكلف ولا بقياس يأتي به فإن ذهبتم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذا ماتت الفأرة في السمن الجامد أن تطرح وما حولها فدل ذلك على نجاستها فقد أخبر أن النجاسة تكون من الفأرة وهى في البيوت وإنما قال في الفأرة قولا عاما وفى الكلب قولا عاما فإن ذهبتم إلى أن الفأرة تنجس على أهل القرية ولا تنجس على أهل البادية فقد سويتم بين قوليكم وزدتم في الخطأ وإن قلتم إن ما لم يسم من(7/221)
الدواب غير الفأرة والكلب لا ينجس فاجعل الوزغ لا ينجس لانه لم يذكر فأما أن تقولوا الوزغ ينجس ولا خير فيه قياسا وتزعمون أن الكلب ينجس مرة ولا ينجس أخرى فلا يجوز هذا القول.
باب ما جاء في الجنائز سألت الشافعي عن الصلاة على الميت الغائب وعلى القبر فقال أستحبها فقلت له وما الحجة فيها ؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس النجاشي اليوم الذى مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف وكبر أربع تكبيرات (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر مسكينة توفيت من الليل قال وقد روى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قوم ببلد
آخر قلت للشافعي نحن نكره الصلاة على ميت غائب وعلى القبر فقال فقد رويتم على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على النجاشي وهو غائب ورويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ميت وهو في القبر غائب فكيف كرهتم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد موصول من وجوه أنه صلى على قبور وصلت عائشة على قبر أخيها وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الثقات غير مالك وإنما الصلاة دعاء للميت وهو إذا كان ملففا ؟ بيننا يصلى عليه فإنما ندعو بالصلاة بوجه علمنا فكيف لا ندعو له غائبا وهو في القبر بذلك الوجه ؟ !.
باب الصلاة على الميت في المسجد (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد، قلت للشافعي فإنا نكره الصلاة على الميت في المسجد فقال أرويتم هذا أنه صلى على عمر في المسجد فكيف كرهتم الامر فيه وقد ذكره صاحبكم أذكر حديثا خالفه عن النبي صلى الله عليه وسلم فاخترتم أحد الحديثين على الآخر فقلت ما ذكر فيه شيئا علمناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكيف يجوز أن تدعوا ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب النبي أنهم فعلوه بعمر وهذا عندكم عمل مجتمع عليه لانه لا نرى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا حضر موت عمر فتخلف عن جنازته فتركتم هذا بغير شئ رويتموه وكيف أجزتم أن ينام في المسجد ويمر فيه الجنب طريقا ولا يجوز أن يصلى فيه على ميت (أخبرنا الربيع) مات سعيد فخرج أبو يعقوب البويطى وخرجنا معه فصف بنا وكبر أربعا وصلينا عليه، وكان أبو يعقوب الامام فأنكر الناس ذلك علينا وما بالينا.
باب في فوت الحج سألت الشافعي هل يحج أحد عن أحد ؟ قال نعم يحج عمن لا يقدر أن يثبت على المركب والميت قلت وما الحجة قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن الفضل بن(7/222)
العباس كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم فقالت يارسول الله ان فريضة الله في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال (نعم) وذلك في حجة الوداع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا جعل على نفسه أن لا يبلغ أحد من ولده الحلب فيحلب فيشرب ويسقيه إلا حج وحج به معه فبلغ رجل من ولده الذى قال الشيخ وقد كبر الشيخ فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال إن أبى قد كبر ولا يستطيع أن يحج أفأحج عنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وذكر مالك أو غيره عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إن أمي عجوز كبيرة لا تستطيع أن نركبها على البعير وإن ربطتها خفت أن تموت أفأحج عنها ؟ قال (نعم) فقلت للشافعي فإنا نقول ليس على هذا العمل فقال خالفتم ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم من روايتكم ومن رواية غيركم علي بن أبى طالب يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى هذه الاحاديث وعلي وابن عباس وابن المسيب وابن شهاب وربيعة بالمدينة يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل وهذا أشبه شئ يكون مثله عندكم عملا فتخالفونه كله لغير قول أحد من خلق الله علمته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع من عدا أهل المدينة من أهل مكة والمشرق واليمن من أهل الفقه يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل، فقلت للشافعي فإن من حجة بعض من قال هذا القول أنه قال أنه روى عن ابن عمر لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد فجعل الحج في معنى الصيام والصلاة فقال الشافعي وهذا قول الضعف فيه بين من كل وجه قال أرأيتم لو قال ابن عمر لا يحج أحد عن أحد وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا أن يحج عن أحد كان في قول أحد حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأى أنفسكم ولرأى مثلكم ولرأى بعض التابعين فتجعلونه لا حجة في قوله إذا شئتم لانكم لو كنتم ترون في قوله حجة لم تخالفوه لرأى أنفسكم ثم تقيمون قوله مقاما تردون به السنة والآثار ثم تدعون في قوله ما ليس فيه من النهى عن الحج قياسا وما للحج والصلاة والصيام ؟ هذا شريعة وهذا شريعة فإن قلتم قد يشتبهان لانه عمل على اليدن أفرأيتم إن
قال لكم قائل أنتم تزعمون أن الحج في معنى الصلاة والصوم وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تحج عن أبيها فأنا آمر الرجل أن يصلى عن الرجل ويصوم عنه هل الحجة عليه إلا أنه لا تقاس شريعة على شريعة ؟ فكذلك الحجة عليكم.
أو رأيتم ما فرقت بينه السنة مما هو أشد تقاربا منها فكيف فرقتم بينه ؟ فإن قلتم ما هو ؟ قلت نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر ونهى عن المزابنة وأجاز بيع العرايا وهى داخلة في المزابنة وداخلة في بيع الرطب بالتمر لو لم يجزها، فلما أجازها فرقنا بينهما بالسنة وقلنا تجوز العرايا وهى رطب بتمر وكيل بجزاف ؟ ولا يجوز ذلك إذا وضع بالارض فكان التمر والرطب في الارض معا فهذا أولى أن لا يفرق بينه بأنه شئ واحد (1) بعضه حلال بما أحله به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضه منهى عنه بما نهى عنه رسول الله وقد خالف هذا بعض المشرقيين فرأينا لنا عليهم بهذا حجة فالحجة عليكم بنصه أن يحج أحد عن أحد وأنتم تروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تروون عن أحد من أصحابه خلافه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكيف تقيسونه بالصوم
__________
(1) أي وقد فرق بينه فبعضه الخ تأمل.
كتبه مصححه.(7/223)
والصلاة أفرأيتم إذا كنتم تجيزون أن يحج أحد عن أحد إذ أوصى بذلك فخالفتم ما قلتم من أن لا يحج أحد عن أحد وأجزتم مثل ما رددتم فيه السنة أفيجوز لو أوصى أن يصلى عنه أو يصام عنه ؟ فإن أجزتموه فقد دخلتم فيما كرهتم من أن يكون عمل آخر لغيره وإن لم تجيزوه فقد فرقتم بين الصلاة والصوم والحج.
والله أعلم.
باب الحجامة للمحرم سألت الشافعي عن الحجامة للمحرم فقال يحتجم ولا يحلق شعرا ويحتجم من غير ضرورة فقلت وما الحجة ؟ فقال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم وهو يومئذ بلحى جمل (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، فقلت للشافعي فإنا نقول: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد منه وقال مالك مثل ذلك قال الشافعي ما روى مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يذكر في حجامة النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره ضرورة أولى بنا من الذى رواه عن ابن عمر ولعل ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه ولعل ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله فقال برأيه فكيف إذا سمعت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت بخلاف ما سمعت عنه لقول ابن عمر وأنتم لم تثبتوا أن ابن عمر كرهه للناس قد يتوقى المرء في نفسه ما لا يكره لغيره وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأى أنفسكم أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح له الاغتسال والاكل والشرب فلا يبالى كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره ؟ فالذي لا يجوز له إلا لضرورة فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدى فينبغي أن تقولوا إذا احتجم من ضرورة أن يفتدى وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقولون في الحجامة قولا متناقضا.
باب ما يقتل المحرم من الدواب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبهذا نأخذ وهو عندنا جواب على المسألة فكل ما جمع من الوحش أن يكون غير مباح اللحم في الاجلال وأن يكون مضرا قتله المحرم لان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر المحرم أن يقتل الفأرة والغراب والحدأة مع ضعف ضرها إذ كانت مما لا يؤكل لحمه كان ما جمع أن لا يؤكل لحمه وضره أكثر من ضرها أولى أن يكون قتله مباحا في الاحرام، قلت قد قال مالك لا يقتل المحرم من الطير ما ضر إلا ما سمى وقال بعض أصحابه كان قول النبي صلى الله عليه وسلم (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم جناح) يدل على أن ما سواهن على المحرم في قتله(7/224)
جناح (قال الشافعي) رحمه الله أفرأيتم الحية أسميت ؟ فقد زعم مالك عن ابن شهاب أن عمر أمر
بقتل الحيات في الحرم قلت فيراها كلبا عقورا قال أو تعرف العرب أن الحية كلب عقور ؟ إنما الكلب عندها السبع والكلاب التي خلقها الله متقاربة كخلق الكلب، فإن قلتم إنها قد تضر فتقتل، قيل غير مكابرة كما زعم صاحبكم أن الكلب العقور ما عدا على الناس فأخافهم وهى لا تعدو مكابرة، وإن ذهبتم إلى أنها تضر هكذا فقد أمر عمر بن الخطاب أن يقتل الزنبور في الاحرام والزنبور إنما هو كالنحلة فكيف لم تأمروا بقتل الزنبور وقد أمر به عمر وأمرتم بقتل الحية إذ أمر بها عمر ؟ ما أسمعكم تأخذون من الاحاديث إلا ما هو يتم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلتم يقتل المحرم الفأرة الصغيرة ولا يقتل الغراب الصغير وإذا قلتم هذا فقد أباحه النبي صلى الله عليه وسلم ومنعتموه فإن قلتم إنما أباح قتله على معنى أنه يضر والصغير لا يضر في حاله تلك فالفأرة الصغيرة لا تضر في حالها تلك فلا بد أن تخالفوا النبي صلى الله عليه وسلم في الغراب الصغير والفأرة الصغيرة وهذا حجة عليكم إزعمتم أن الغراب يقتل لمعنى ضرره فينبغي أن تقتل العقاب لانها أضر منه، فإن قال لا بل الحديث جملة لا المعنى، قيل فلم لا يقتل الغراب الصغير لانه غراب ؟ سألت الشافعي عمن حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يرمى قال يفعل ولا فدية ولا حرج، وكذلك كل ما كان يعمل في ذلك اليوم فقدم منه شيئا قبل شئ ناسيا أو جاهلا عمل ما يبقى عليه ولا حرج، فقلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو بن العاص قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس بمنى يسألونه فجاءه رجل فقال يارسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال (اذبح ولا حرج) فجاء رجل فقال يارسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمى فقال (ارم ولا حرج) فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا كله نأخذ.
باب الشركة في البدنة سألت الشافعي هل يشترى السبعة جزورا فينحرونها عن هدى إحصار أتمتع ؟ قال نعم قلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا مالك عن ابى الزبير المكى عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نحروا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية بدنة عن سبعة وبقرة عن سبعة والعلم يحيط أنهم من أهل بيوتات شتى لا من أهل بيت واحد فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة متمتعين ومحصورين وعن كل سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة إذا لم يجدوا شاة وسواء اشتروها وأخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أو ملكوها بأى وجه ما كان ملك ومن زعم أنها تجزئ عن سبعة لو وهبت لهم أو ملكوها بوجه غير الشراء كانت المشتراة أولى أن تجزئ عنهم قلت للشافعي فإنا نقول لا تذبح البدنة إلا عن واحد ولا البقرة وإنما يذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته فأما أن يخرج كل إنسان منهم حصته من ثمنها ويكون له حصة من لحمها فلا وإنما سمعنا لا يشترك في البدنة في النسك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد يجوز أو يقال لا يشترك في النسك أن يوجب الرجل النسيكة ثم يشرك فيها غيره وليس في هذا لاحد حجة لانه كلام عربي ولا حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم(7/225)
وأصحابه أهل الحديبية فكان ينبغى أن يكون هذا العمل عندكم لا تخالفونه لانه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وألف وأربعمائة من أصحابه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الارض قال جابر لو كنت أبصر لاريتكم موضع الشجرة وأنتم تجعلون قول الواحد وفعله حجة في بعض الاشياء فإذا وجدتم السنة وفعل ألف وأربعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو أوجب عليكم أن تجعلوه حجة.
باب التمتع في الحج سألت الشافعي عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال حسن غير مكروه وقد فعل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اخترنا الافراد لانه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد غير كراهية للتمتع ولا يجوز إذا كان فعل التمتع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مكروها فقلت للشافعي وما الحجة فيما ذكرت ؟ قال الاحاديث الثابتة من غير وجه وقد حدثنا مالك بعضها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحرث بن نوفل أنه سمع سعد بن أبى
وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبى سفيان وهما يتذاكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد بئسما قلت يا ابن أخى فقال الضحاك فإن عمر قد نهى عن ذلك فقال سعد قد صنعها رسول الله وصنعناها معه فقلت للشافعي قد قال مالك قول الضحاك أحب إلى من قول سعد وعمر أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد (قال الشافعي) عمر وسعد عالمان برسول الله وما قال عمر عن رسول الله شيئا يخالف ما قال سعد إنما روى مالك عن عمر أنه قال افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج ولم يرو عنه أنه نهى عن العمرة في أشهر الحج (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة وكنت ممن أهل بعمرة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل انت من عمرتك قال إنى لبدت رأسي وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر هديى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال لان أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلى من أعتمر بعد الحج في ذى الحجة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فهذان الحديثان من حديث مالك موافقان ما قال سعد من أنه عمل بالعمره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج فكيف جاز لكم وأنتم ترون هذا أن تكرهوا العمرة فيه وأنتم تثبتون عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما وصفت وادعيتم من خلاف عمر وسعد وعمر لم يخالف سعدا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أختار شيئا غير مخالف لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تتركون أنتم على عمر اختياره وحكمه هو أكثر من الاختيار لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تتركونه لما جاء عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تتركونه لقولكم فإذا جاز لكم هذا فكيف يجوز لكم أن تحتجوا بقوله على السنة وأنكم تدعون أنه خالفها وهو لا يخالفها وما رويتم عنه يدل على أنه لا يخالفها فادعيتم خلاف ما رويتم وتخالفون اختياره.(7/226)
باب الطيب للمحرم
سألت الشافعي عن الطيب قبل الاحرام بما يبقى ريحه بعد الاحرام وبعد رمى الجمرة والحلاق قبل الافاضة فقال جائز وأحبه ولا أكرهه لثبوت السنة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والاخبار عن غير واحد من أصحابه فقلت وما الحجة فيه ؟ فقال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت فقلت للشافعي فإنا نكره الطيب للمحرم ونكره الطيب قبل الاحرام وبعد الاحلال قبل أن يطوف بالبيت ونروى ذلك عن عمر بن الخطاب فقال الشافعي إنى أراكم لا تدرون ما تقولون فقلت ومن أين ؟ فقال أرأيتم نحن وأنتم بأى شئ عرفنا أن عمر قاله أليس إنما عرفنا بأن ابن عمر رواه عن عمر فقلت بلى فقال وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب بخبر عائشة فقلت بلى قال وكلاهما صادق فقلت نعم فإذا علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر نهى عن الطيب علما واحدا هو خبر الصادقين عنهما معا فلا أحسب أحدا من أهل العلم يقدر أن يترك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لغيره فإن جاز أن يتهم الغلط على بعض من بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم ممن حدثنا جاز مثل ذلك على من بيننا وبين عمر ممن حدثنا بل من روى عن عائشة تطيب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ممن روى عن ابن عمر نهى عمر عن الطيب روى عن عائشة سالم والقاسم وعروة والاسود بن يزيد وغيرهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأراكم إذا أصبتم لم تعقلوا من أين أصبتم وإذا أخطأتم لم تعرفوا سنة تذهبون إليها فتعذروا بان تكونوا ذهبتم إلى مذهب بل أراكم إنما ترسلون ما جاء على ألسنتكم عن غير معرفة إنما كان ينبغى أن تقولوا من كره الطيب للمحرم إنما نهى عن الطيب أنه حضر النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة حين سأله أعرابي أحرم وعليه جبة وجلوق فأمره بنزع الجبة وغسل الصفرة.
فقلت للشافعي أفترى لنا بهذا حجة أو إنما هذا شبهة وما الحجة على من قال هذا قال إن كان قاله بهذا فقد ذهب عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب فقال بما حضر وتطيب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الاسلام سنة عشر وأمر الاعرابي قبل ذلك بسنتين في سنة ثمان فلو كانا مختلفين كان إباحته التطيب ناسخا لمنعه وليسا بمختلفين إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل (قال الشافعي) وأمر الرجل أن يغسل الزعفران عنه وقد تطيب سعد بن أبى وقاص وابن عباس للاحرام وكانت الغالية ترى في مفارق ابن عباس مثل الرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال قال عمر من رمى الجمرة فقد حل ما حرم عليه إلا النساء والطيب وقال سالم قالت عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا ينبغى أن يكون الصالحون من أهل العلم فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأى أنفسكم فالعلم إذا إليكم تأتون منه ما شئتم وتدعون منه ما شئتم تأخذون بلا تبصر لما تقولون ولا حسن روية فيه أرأيتم إذا خالفتم السنة هل عرفتم ما قلتم كرهتم الطيب قبل الاحرام لانه يبقى بعد الاحرام وقد كان الطيب حلالا فإذ كرهتموه إذا كان يبقى بعد الاحرام فلا وجه لقوكم إلا أن تقولوا وجدناه إذا كان محرما ممنوعا أن يبتدئ طيبا فإذا تطيب قبل يحرم فما يبقى كان كابتداء الطيب في(7/227)
الاحرام قلت فأنتم تجيزون بأن يدهن المحرم بما يبقى لينه وذهابه الشعث ويرجل الشعر قال وما هو ؟ قلت ما لا طيب فيه مثل الزيت والشيرق وغيره قال هذا لا يصلح للمحرم أن يبتدئ الادهان به ولو فعل وجبت عليه كفارة المتطيب عندنا وعندكم وإنما كان ينبغى أن تقولوا لا يدهن بشئ يبقى في رأسه لينة ساعة أو تجيزوا الطيب إذا كان قبل الاحرام ولو لم يكن في هذا سنة تتبع انبغى أن لا يقال إلا واحد من هذين القولين.
باب في العمرى قال سألت الشافعي عمن أعمر عمرى له ولعقبه فقال هي للذى يعطاها لا ترجع إلى الذى أعطاها فقلت وما الحجة ؟ فقال السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنما هي للذى يعطاها) لا ترجع إلى الذى أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال وبها نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الامصار بغير المدينة وأكابر أهل
العلم وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال أتخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن حجتنا فيه أن مالكا قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ما أجابه القاسم عن العمرى بشئ وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب إلى أن يقول العمرى من المال والشرط فيها جائز فقد شرط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم فإن قال قائل وما هي ؟ قيل الرجل يشترى العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل فإن قال السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذت بالسنة مرة وتركتها مرة ؟ قول القاسم لو كان قصد به قصد العمرى فقال إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل ولم ؟ قيل نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبى سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح ممن روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال به مما قاله أناس بعده قد يمكن أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله ولا بلغهم عنه شئ وأنهم لناس لا نعرفهم فإن قال قائل لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله أو من أهل العلم لا يجهلون للنبى صلى الله عليه وسلم سنة ولا يجمعون أبدا من جهة الرأى ولا يجمعون إلا من جهة السنة قيل له أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لاهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاثة فإذا قيل لكم تتركون قول القاسم والناس إنها تطليقة قلتم لا ندرى من الناس الذين يروى هذا عنهم القاسم فإن لم يكن قول القاسم والناس حجة عليكم في رأى أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة أبعد ولئن كان حجة لعله(7/228)
أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الاعرج عن حبيب بن أبى ثابت قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال إنى وهبت لابنى ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال إنى تصدقت عليه بها قال ذلك أبعد لك منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن حبيب بن أبى ثابت مثله إلا أنه قال أضنت واضطربت يعنى كبرت واضطربت (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرة عن طاوس عن حجر المدرى عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العمرى للوارث) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله سبيل الميراث) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال حضرت شريحا قضى لاعمى بالعمرى فقال له الاعمى يا أبا أمية بما قضيت لى ؟ فقال له شريح لست أنا قضيت لك ولكن محمد صلى الله عليه وسلم قضى لك منذ أربعين سنة قال (من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات) (قال الشافعي) فتتركون ما وصفت من العمرى مع ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهذا عندكم عمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم أفتى في رجل قال لامه قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس.
والله أعلم.
باب ما جاء في العقيقة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن ابراهيم ابن الحرث التيمى قال تستحب العقيقة ولو بعصفور قلت للشافعي فإنا نقول ليس عليه العمل ولا نلتفت إلى قول تستحب قال قد يمكن أن لا يكون استحبها إلا أهل العلم بالمدينة (قال الشافعي) أخبرنا الثقفى عن يحيى بن سعيد
عن سليمان بن يسار أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمائة درهم وأن اليهود والنصارى إذا أصيبوا يقضى لهم بقدر ما يعقلهم قومهم فيما بينهم قلت فإنا نقول في اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ولا نلتفت إلى رواية سليمان بن يسار إن الناس (قال الشافعي) سليمان مثل القاسم في السن أو أسن منه فإن كانت لكم حجة بقول القاسم الناس فهى عليكم بقول سليمان بن يسار ألزم لانه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في اليهودي والنصراني قول.
باب في الحربى يسلم سألت الشافعي عن المشركين الوثنيين الحربيين يسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج أقام المسلم منهما في دار الاسلام أو خرج فقال ذلك كله سواء ولا يحل للزوج إصابتها (2) ولا له أن يصيبها إذا(7/229)
كان واحد منهما مسلما ونظرتهما انقضاء العدة فإن انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما وكذلك ولو كان الزوج المسلم فانقضت عدة المرأة قبل أن تسلم هي انقطعت العصمة بينهما لا اختلاف بين الزوج والمرأة في ذلك.
فقلت له علام اعتمدت في هذا ؟ فقال على ما لا أعلم من أهل العلم بالمغازي في هذا اختلافا من أن أبا سفيان أسلم قبل امرأته وأن امرأة صفوان وعكرمة أسلمتا قبلهما ثم استقروا على النكاح وذلك أن آخرهم إسلاما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة وفيه أحاديث لا يحضرني ذكرها وقد حضرني منها حديث مرسل وذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب أن صفوان بن أمية هرب من الاسلام ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وشهد حنينا والطائف مشركا وامرأته مسلمة واستقر على النكاح قال ابن شهاب فكان بين اسلام صفوان وامرأته نحو من شهر فقلت له أرأيت إن قلت مثل إذا أسلمت قبل زوجها خرجت من الدار أو لم تخرج ثم أسلم الزوج فهما على النكاح ما لم تنقض العدة وإذا أسلم الزوج قبل المرأة وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها الاسلام فلم تسلم لان الله تبارك وتعالى يقول (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (قال الشافعي) إذا يدخل عليكم والله أعلم خلاف التأويل والاحاديث والقياس وما القول في رجل يسلم قبل امرأته والمرأة قبل زوجها إلا واحد من قولين أنتم قوم لم تعرفوا فيه الاحاديث أو عرفتموها فرددتموها بتأويل القرآن فإذا تأولتم قول الله (ولا تمسكوا
بعصم الكوافر) لم تعدوا أن تكونوا أردتم بقوله تبارك وتعالى أنه إذا أسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما مكانه وأنتم لم تقولوا بهذا وزعمتم أن العصمة إنما تقطع بينهما إذا عرض على الزوجة الاسلام فأبت وقد يعرض عليها الاسلام من ساعتها ويعرض عليها بعد سنة وأكثر فليس هذا بظاهر الآية ولم تقولوا في هذا بخبر ولا يجوز أن يقال بغير ظاهر الآية إلا بخبر لازم فقلت فإن قلت يعرض عليها الاسلام من ساعتها (قال الشافعي) أفليس يقيم بعد إسلامه قبل يفرق بينهما ؟ أو رأيتم إن كانت غائبة عن موضع إسلامه أو بكماء لا تكلم أو مغمى عليها فإن قلتم تطلق فقد تركتم العرض وإن قلتم ينتظر بها فقد أقامت في حباله وهى كافرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة مثلها قال الله تعالى (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعونهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) فسوى بينهما وكيف فرقتم بينهما ؟ (قال الشافعي) هذه الآية في معنى تلك لا تعدو هاتان الآيتان أن تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين فقد انقطعت العصمة بينهما أو يكون لا يحل له في تلك الحال ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة ولم يسلم المتخلف عن الاسلام منهما فإن كان هذا المعنى لم يصلح أن تكون المدة إلا بخبر يلزم لان رجلا لو قال مدتهما ستة أشهر أو يوم لم يجز هذا من قبل الرأى إنما يجوز من جهة الاخبار اللازمة فلما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة أبى سفيان وكان أبو سفيان قد أسلم هو وامرأته هند مقيمة بمكة هي دار حرب لم تسلم وأمرت بقتله ثم أسلمت بعد أيام فاستقرا على النكاح وهرب عكرمة بن ابى جهل وصفوان بن أمية من الاسلام وأسلمت زوجتاهما ثم أسلما فاستقرا على النكاح وكان ابن شهاب حمل أحد الحديثين أو هما معا فذكر فيه توقيت العدة دل ذلك على انقطاع العصمة بين الزوجين إن انقضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الاسلام منهما لا أن انقطاع العصمة هو أن يكون أحدهما مسلما ويكون الفرج ممنوعا حين يسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقيل لبعض من يذهب إلى التفريق بين الزوج يسلم قبل المرأة والمرأة تسلم قبل الزوج أتجهلون امرأة أبى سفيان ؟ قالوا لا ولكن كان الذى بين إسلامهما يسيرا قيل أما علمتم أن أبا سفيان قد أسلم وقد أقامت هند على الكفر ثم أسلمت فاستقر على النكاح ؟ قال بلى قيل أو ليس بقيت(7/230)
عقدته عليها وقد أسلم قبلها قال بلى قيل فلو كان معنى الآية (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) على أنه متى أسلم حرمت كنتم قد خالفتم الآية وقولكم وعلمتم أن السنة في هند على غير ما قلتم وإذا كان (لا تمسكوا بعصم الكوافر) جاءت عليهم مدة لم تسلم فيها فالمدة لا تجوز إلا بخبر يلزم مثله (قال الشافعي) وأنتم إذا قلتم لا يفسخ بينهما حتى يعرض عليها الاسلام فتأباه فإذا عرض عليها الاسلام فأبته انفسخ النكاح قيل فإذا كانت ببلاد نائية فإذا انقضت عدتها انفسخ النكاح وإن لم يعرض عليها الاسلام وهذا خارج من الوجهين والمعقول إن كان يقطع العصمة أن يسلم الزوج قبلها انبغى أن نخرجها من يده قبل عرض الاسلام وإن كان ذلك بمدة فالمدة التى نذهب إليها نحن وأنتم العدة.
باب في أهل دار الحرب سألت الشافعي عن أهل الدار من أهل الحرب يقتسمون الدور ويملك بعضهم على بعض على ذلك القسم ويسلمون ثم يريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسمه على قسم الاسلام فقال ليس ذلك له قلت ما الحجة في ذلك قال ؟ الاستدلال بمعنى الاجماع والسنة قلت وأين ذلك ؟ قال أرأيت أهل دار الحرب إذا سبى بعضهم بعضا وغصب بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ثم أسلموا أهدرت الدماء وأقررت الارقاء في يدى من أسلموا وهم رقيق لهم والاموال لانهم ملكوها عليهم قبل الاسلام فإذا ملكوا بقسم الجاهلية فما ذلك الملك بأحق وأولى أن يثبت لمن ملكه من ملك الغصب والاسترقاق لمن كان حرا مع أنه أخبرنا مالك عن ثور بن يزيد الديلى أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهى على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الاسلام لم تقسم فهى على قسم الاسلام) (قال الشافعي) نحن نروى فيه حديثا أثبت من هذا بمثل معناه.
باب البيوع سألت الشافعي عن الرجل يأتي بذهب إلى دار الضرب فيعطيها الضراب بدنانير مضروبة ويزيده على وزنها، قال هذا الربا بعينه المعجل قلت وما الحجة ؟ قال أخبرنا مالك عن موسى بن أبى تميم عن سعيد بن يسار عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال لا
تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثل بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، فقلت للشافعي فإنا نزعم أنه لا بأس بهذا قال فهذا الذى نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه فكيف أجزتموه ؟ قال هذا من ضرب قولكم في اللحم أنه لا بأس أن يباع بعضه ببعض بغير وزن بالبادية وحيث ليس موازين فإن كان اللحم من الطعام الذى نهى عنه إلا مثلا بمثل فقد أجزتموه وإن لم يكن منه فلم تحرمونه في القرية وتجيزونه في البادية وأنتم لا تجيزون بالبادية تمرا بتمر إلا مثلا بمثل وإن لم يكن في البادية مكيال وأجزتم هذا في الخبز أن يباع بعضه ببعض بغير وزن إذا تحرى في القرية والبادية وفى البيض وما أشبهه.(7/231)
باب متى يجب البيع سألت الشافعي متى يجب البيع حتى لا يكون للبائع نقضه ولا للمشترى نقضه إلا من عيب ؟ قال إذا تفرق المتبايعان بعد عقدة البيع من المقام الذى تبايعا فيه فقلت وما الحجة في ذلك ؟ قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) فقلت له فإنا نقول ليس لذلك عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه (قال الشافعي) الحديث بين لا يحتاج إلى تأويل ولكني أحسبكم التمستم العذر من الخروج منه بتجاهل كيف وجه الحديث وأى شئ فيه يخفى عليه قد زعمتم أن عمر قال لمالك ابن أوس حين اصطرف من طلحة بن عبيد الله بمائة دينار فقال له طلحة أنظرني حتى يأتي خازني من الغابة فقال لا والله لا تفارقه حتى تقبض منه فزعمتم أن الفراق فراق الابدان فكيف لم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أن الفراق فراق الابدان) فإن قلتم ليس هذا أردنا إنما أردنا أن يكون عمل به بعده فابن عمر الذى سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ابتاع الشئ يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع أخبرنا بذلك سفيان عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر وقد خالفتم النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر جميعا.
باب بيع البرنامج
سألت الشافعي عن بيع الساج المدرج والقبطية وبيع الاعدال على البرنامج على أنه واجب بصفة أو غير صفة قال لا يجوز من هذا شئ إلا لمشتريه الخيار إذا رآه قلت وما الحجة في ذلك ؟ قال أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى ابن حبان وعن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة فقلت للشافعي فإنا نقول في الساج المدرج والقبطي المدرج لا يجوز بيعهما لانهما في معنى الملامسة ونزعم أن بيع الاعدال على البرنامج يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فالاعدال التى لا ترى أدخل في معنى الغرر المحرم من القبطية والساج يرى بعضه دون بعض ولانه لا يرى من الاعدال شئ وأن الصفقة تقع منها على ثياب مختلفة فقلت للشافعي إنما نفرق بين ذلك لان الناس أجازوه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ما علمت أحدا يقتدى به في العلم أجازه فإن قلتم إنما أجزناه على الصفقة فبيوع الصفقات لا تجوز إلا مضمونة على صاحبها بصفة يكون عليه أن يأتي بها بكل حال وليس هكذا بيع البرنامج أرأيت لو هلك المبيع أيكون على بائعه أن يأتي بصفة مثله فإن قلتم لا فهذا لا بيع عين ولا بيع صفة.
باب بيع الثمر سألت الشافعي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه نهى البائع والمشترى (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وفيه دلائل بينة منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال(7/232)
وصلاحه أن ترى فيه الحمرة أو الصفرة لان الآفة قد تأتى عليه أو على بعضه قبل بلوغه أو يجد بسرا وهو في الحال التى نهى عنها ظاهر يراه البائع والمشترى كما كانا يريانه إذاريئت فيه الحمرة بما وصفنا من معنى أن الآفة ربما كانت فقطعته أو نقصته كانت كل ثمرة مثله لا يحل أن تباع أبدا حتى تزهى وينضج منها ذلك وبهذا قلنا وقد قلتم بالجملة وقلنا لا يحل بيع القثاء ولا الخربز وإن ظهر وعظم حتى يرى فيه النضج (قال الشافعي) وقلنا فإذا لم يحل بيع القثاء والخربز حتى يرى فيه النضج كان بيع ما لم يخرج من القثاء والخربز أحرم لانه لم يبد صلاحه ولم يخلق ولا يدرى لعله لا يكون فقلت للشافعي فإنا نقول
إذا ظهر شئ من القثاء حل أن تباع ثمرته تلك وما خلق من القثاء من نبت أصله (قال الشافعي) وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فلم أجزتم بيع شئ لم يخلق بعد ؟ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين وبيع السنين بيع الثمر سنين فإن زعمتم أنه يجوز في النخل إذا طابت العام أن ثمرته قابلا فقد خالفتم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الوجهين وإن زعمتم أن بيع ثمرة لم تأت لا يحل فكذلك كان ينبغى أن تقولوا في القثاء والخربز سألت الشافعي عن القثاء والخربز والفجل يشترى أيكون لمشتريه أن يبيعه قبل أن يقبضه فقال لا ولا يباع شئ منه بشئ منه متفاضلا يدا بيد قلت للشافعي وما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر فقلت للشافعي فإنا نقول كما قلت لا يباع حتى يقبض ولا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا خلاف السنة في بعض القول قلت ومن أين ؟ قال زعمتم أنه لا يباع حتى يقبض وزعمتم أنه لا يباع بعضها ببعض نسيئة وهذا في حكم الطعام من التمر والحنطة ثم زعمتم أنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد وهذا خلاف حكم الطعام وهذا قول لا يقبل من أحد من الناس إما أن تكون خارجة من الطعام فلا بأس عندكم أن تباع قبل أن تقبض ويباع منها واحد بعشرة من صنفه نسيئة أو تكون طعاما فلا يجوز الفضل في الصنف منها على الآخر من صنفه يدا بيد.
باب ما جاء في ثمن الكلب سألت الشافعي عن الرجل يقتل الكلب للرجل فقال ليس عليه غرم فقلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبى مسعود الانصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن قال مالك وإنما أكره بيع الكلاب الضوارى وغير الضوارى لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب (قال الشافعي) نحن نجيز الرجل أن يتخذ الكلاب الضوارى ولا نجيز له أن يبيعها لنهى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا حرمنا ثمنها في الحال التى يحل اتخاذها فيه اتباعا لامر النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل أن يكون لها ثمن بحال قلت للشافعي فإنا نقول أو قتل رجل لرجل كلبا غرم له ثمنه فقال الشافعي هذا
خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس عليه وخلاف أصل قولكم كيف يجوز أن تغرموه ثمنه في الحال التي تفوت فيها نفسه وأنتم لا تجعلون له ثمنا في الحال التى يحل أن ينتفع به فيها فإن قال قائل فإن من المشرقيين من زعم أنه إذا قتل ففيه ثمنه ويروى فيه أثر فأولئك يجيزون بيعه حيا ويردون الحديث الذى في النهى عن ثمنه ويزعمون أن الكلب سلعة من السلع يحل ثمنه كما يحل ثمن الحمار(7/233)
والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما ويقولون لو زعمنا أن ثمنه لا يحل زعمنا أنه لا شئ على من قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها فإذا دبغت حل بيعها ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لانه لا يحل ثمنها حتى تدبغ ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له لا تحل إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل ثمنها ولو استهلكها مستهلك وهى خمر أو بعدما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك الحال لان أصلها محرم ولم تصر خلا لانهم يعقلون ما يقولون وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث الذى ثبتناه نحن وأنتم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم محجوجون بأنكم لم تتبعوه وأنتم تثبتونه ولا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا أو رأيتم لو قال لكم قائل لا أجعل له ثمنا إذا قتل لانه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ هل الحجة عليه إلا أن يقال ما كان له مالك وكان له ثمن في حياته كان له ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الاخرى.
باب في الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) قال وبهذا نقول وتقولون في الجملة ثم خالفتموه في معان وقد زعمتم وزعمنا أن لا يضم صنف طعام إلى غيره لانا إذا ضممناها فقد أخذنا فيما دون خمسة أوسق فإن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أنه لا يكون في خمسة أوسق صدقة حتى تكون من صنف واحد ثم زعمتم أنكم تضمون الحنطة والسلت
والشعير معا لان سعدا لم يجز الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل (قال الشافعي) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (بيعوا الحنطة بالشعير كيف شئتم يدا بيد) ولم يقل في السلت شيئا علمته والسلت غير الحنطة والتمر من الزبيب أقرب من السلت من الحنطة وأنتم لا تضمون أحدهما إلى الآخر وزعمتم أنكم تضمون القطنية كلها بعضها إلى بعض وتزعمون أن حجتكم فيها أن عمر أخذ من القطنية العشر ونحن وأنتم نأخذ من القطنية والحنطة والتمر والعشور أفيضم بعض ذلك إلى بعض وأخذ عمر من الحنطة والزبيب نصف العشر أفيضم الزبيب إلى الحنطة ؟ إن هذا لاحالة عما جاء عن عمر وخلافه هذا قول متناقض أنتم تحلون التفاضل إذا اختلف الصنفان فكيف حل لكم أن تضموها وهي عندكم مختلفة ؟ وكيف جاز لكم أن يحل فيها التفاضل وهى عندكم طعام من صنف واحد ؟ ما أعلم قولكم في القطنية والسلت والشير إلا خلافا للسنة والآثار والقياس.
باب النكاح بولي سألت الشافعي عن النكاح فقال كل نكاح بغير ولى فهو باطل فقلت وما الحجة في ذلك ؟ قال أحاديث ثابتة فأما من حديث مالك فإن مالكا أخبرنا عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها(7/234)
وإذنها صماتها) (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن المسيب كان يقول قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذى الرأى من أهلها أو السلطان (قال الشافعي) وثبتم هذا وقلتم لا يجوز نكاح إلا بولي ونحن نقول فيه بأحاديث من أحاديث الناس أثبت من أحاديثه وأبين (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عكرمة قال جمع الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فجعلت أمرها بيد رجل فزوجها رجلا فجلد عمر الناكح والمنكح وفرق بينهما (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لا نكاح إلا بولي مرشد
وشاهدي عدل (قال الشافعي) وهذا قول العامة بالمدينة ومكة.
قلت للشافعي نحن نقول في الدنية لا بأس بأن تنكح بغير ولى ونفسخه في الشريفة فقال الشافعي عدتم لما سددتم من أمر الاولياء فنقضتموه فقلتم لا بأس أن تنكح الدنية بغير ولى فأما الشريفة فلا (قال الشافعي) السنة والآثار على كل امرأة فمن أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها وتخالفون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمن بعده في الدنية ؟ أرأيتم لو قال لكم قائل بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لانها أقرب من أن تدلس بالنكاح وتصير إلى المكروه من الشريفة التى تستحيى على شرفها وتخاف من يمنعها أما كان أقرب إلى أن يكون أصاب منكم ؟ فإن الخطأ في هذا القول لابين من أن يحتاج إلى تبيينه بأكثر من حكايته (قال الشافعي) النساء محرمات الفروج إلا بما أبيحت به الفروج من النكاح بالاولياء والشهود والرضا ولا فرق بين ما يحرم منهن وعليهن في شريفة ولا وضيعة وحق الله عليهن وفيهن كلهن واحد لا يحل لواحد منهن ولا يحرم منها إلا بما حل للاخرى وحرم منها.
باب ما جاء في الصداق سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال الصداق ثمن من الاثمان فما تراضى به الاهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت وما الحجة في ذلك ؟ قال السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (التمس ولو خاتما من حديد) فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن قلت للشافعي فإنا نقول لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فأي شئ يعطيها لو أصدقها درهما ؟ قلنا نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت فهذا قليل (قال الشافعي) هذا شئ خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه وعمر بن الخطاب يقول ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول لو أصدقها سوطا فما فوقة جاز وربيعة بن أبى عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبى
حنيفة ثم أخطاء ثم قوله لان أبا حنيفة قال لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبى حنيفة أو خالفتم ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده(7/235)
فإلى قول من ذهبتم ؟ فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم يكون الصداق ربع دينار قال وقال بعض أصحاب أبى حنيفة إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشئ يسير قلنا أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها ؟ قالوا نعم قلنا فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشئ يسير فجعلتموها تملك رقبتها ويباح فرجها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحة إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنئ فقير ؟ أو رأيتم وحين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع ؟ فقالوا الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا فلو قال رجل لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم لان ذلك صداق النبي صلى الله عليه وسلم وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم ؟ أو قال رجل لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم لان الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس أرأيتم إن كان الرجل يصدق المرأة صداق مثلها عشرة دراهم ألف درهم فيجوز ولا يكون له رده ويصدق المرأة عشرة وصداق مثلها آلاف فيجوز ولا يكون لها رد ذلك كما تكون البيوع يجوز فيها التغابن برضا المتبايعين فلم يكون هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي لقول الله جل ثناؤه (إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس قال وكذا روى عن ابن عباس وشريح وهو معنى القرآن.
باب في الرضاع (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم بهن (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل الله في القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر رضعات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبى عبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها (قال الشافعي) فرويتم عن عائشة أن(7/236)
الله أنزل كتابا أن يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات وأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهي مما يقرأ من القرآن، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن ورويتم عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ورويتم عن ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأى حفصة بقول ابن المسيب وأنتم تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأى أنفسكم مع أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما روت عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأى أبى هريرة وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل (قال الشافعي) أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحرم المصة ولا المصتان) فقلت للشافعي أسمع ابن الزبير من النبي صلى الله عليه
وسلم ؟ فقال: نعم وحفظه عنه وكان يوم توفي النبي ابن تسع سنين.
باب ما جاء في الولاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الولاء لمن أعتق) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبهذا أقول فقلت للشافعي إنا نقول في السائبة ولاؤه للمسلمين وفي النصراني يعتق المسلم ولاؤه للمسلمين (قال الشافعي) وتقولون في الرجل يسلم على يدي الرجل أو يلتقطه أو يواليه لا يكون لواحد من هؤلاء ولاء لان واحدا من هؤلاء لم يعتق والعتق يقوم مقام النسب ثم تعودون فتخرجون من الحديثين وأصل قولكم فتقولون إذا أعتق الرجل عبده سائبة لم يكن له ولاؤه وإذا أعتق الذمي عبده المسلم لم يكن له ولاؤه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يعدو المعتق عبده سائبة والنصراني يعتق عبده مسلما أن يكونا مالكين يجوز عتقهما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) فمن قال لا ولاء لهذين فقد خالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الولاء من المعتق الذي جعله له رسول الله أو يكون كل واحد منهما في حكم من لا يجوز له العتق إذا كانا لا يثبت لهما الولاء فإذا أعتق الرجل عبده سائبة أو النصراني عبده مسلما لم يكن واحد منهما حرا لانه لا يثبت لهما الولاء وأنتم والله يعاقبنا وإياكم لا تعرفون ما تتركون ولا ما تأخذون فقد تركتم على عمر أنه قال للذي التقط المنبوذ ولاؤه لك وتركتم على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس أنها وهبته ولاء سليمان بن يسار وتركتم حديث عبد العزيز بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يسلم على يدي الرجل له ولاؤه وقلتم الولاء لا يكون إلا لمعتق ولا يزول بهبة ولا شرط عن معتق ثم زعمتم في السائبة وله معتق وفي النصراني يعتق المسلم وهو معتق أن لا ولاء لهما فلو أخذتم ما أصبتم فيه بتبصر كان السائبة والنصراني أولى أن تقولوا: ولاء السائبة لمن أعتقه والمسلم للنصراني إذا أعتقه وقد فرقتم بينهما كان ما خالفتموه لما خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) أولى أن تتبعوه لان فيه آثارا مما لا أثر فيه.(7/237)
باب الافطار في شهر رمضان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا فقال إنى لا أجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فقال له (خذ هذا فتصدق به) فقال يارسول الله ما أجد أحوج منى فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال كله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب أن اعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أصبت أهلى في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله (هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟) قال لا قال (فهل تستطيع أن تهدى بدنة) قال لا قال (فاجلس) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فأعطاه إياه (قال الشافعي) رحمه الله بهذا نقول يعتق رقبة لا يجزيه غيرها إذا وجدها وكفارته كفارة الظهار وزعمتم أن أحب إليكم أن لا تكفروا لا بإطعام يا سبحان الله العظيم كيف تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا تخالفونه ولا تخالفون إلى قول أحد من خلق الله ما رأينا أحدا قط في شرق ولا غرب قبلكم ولا بلغنا عنه أنه قال مثل هذا وما لاحد خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب في اللقطة سألت الشافعي عمن وجد لقطة فقال يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك ؟ قال السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى بن كعب وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها وأبى من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم
بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها (قال الشافعي) فرويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك وقلتم نكره أكل اللقطة (1) للغنى والمسكين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال إنى وجدت لقطة فماذا ترى ؟ فقال له ابن عمر عرفها قال قد فعلت قال زد قال قد فعلت قال لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها (قال الشافعي) فابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر كره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون لو تركها ضاعت.
__________
(1) قوله: للغنى والمسكين، كذا في الاصل، وانظره مع بقية العبارة وحرر.
كتبه مصححه.(7/238)
باب المسح على الخفين سألت الشافعي عن المسح على الخفين فقال يمسح المسافر والمقيم إذا لبسا على كمال الطهارة فقلت وما الحجة ؟ قال السنة الثابتة وقد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك ثم توضأ ومسح على الخفين وصلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبى وقاص وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه عبد الله بن عمر فقال له سعد خل أباك فسأله فقال له عمر إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما قال ابن عمر وإن جاء أحدنا من الغائط ؟ قال وإن جاء أحدكم من الغائط، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر بال في السوق ثم توضأ ومسح على خفيه ثم صلى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال وتوضأ ومسح على الخفين ثم صلى (قال الشافعي) فخالفتم ما روى صاحبكم عن عمر بن الخطاب وسعد بن
أبى وقاص وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وابن شهاب فقلتم لا يمسح المقيم وقد أخبرنا مالك عن هشام أنه رأى أباه يمسح على الخفين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال يضع الذي يمسح على الخفين يدا من فوق الخفين ويدا من تحت الخفين ثم يمسح، فقلت للشافعي فإنا نكره المسح في الحضر والسفر قال هذا خلاف ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلاف العمل من أصحابه والتابعين بعدهم فكيف تزعمون أنكم تذهبون إلى العمل والسنة جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود حين افتتح خيبر (أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث ابن رواحة فيخرص بينة وبينهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلى.
باب ما جاء في الجهاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبى محمد مولى أبى قتادة الانصاري عن أبى قتادة الانصاري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل على فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له ما بال الناس ؟ فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتلا له عليه بينة فله سلبه) فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا له عليه بينة في الثالثة) فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يا أبا قتادة ؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل صدق يارسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد يقاتل عن الله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدق فأعطه إياه) قال أبو قتادة فأعطانيه فبعث الدرع فابتعت به مخرفا في بنى سلمة فإنه لاول مال تأثلته في الاسلام قال مالك(7/239)
المخرف النخيل (قال الشافعي) وبهذا نقول السلب للقاتل في الاقبال وليس للامام أن يمنعه بحال لان
إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم السلب حكم منه وقد أعطى رسول الله السلب يوم حنين وأعطاه ببدر وأعطاه في غير موطن.
فقلت للشافعي فإنا نقول إنما ذلك على الاجتهاد من الامام فقال تدعون ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدل على أن هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم للقاتل فكيف ذهبتم إلى أنه ليس بحكم ؟ أو رأيتم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه أعطى من حضر أربعة أخماس الغنيمة فلو قال قائل هذا من الامام على الاجتهاد هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم على العام والحكم حتى تأتي دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن قوله خاص فيتبع قول النبي صلى الله عليه وسلم فأما أن يتحكم متحكم فيدعى أن قولى النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما ح 1 حكم والآخر اجتهاد بلا دلالة فإن جاز هذا خرجت السنن من أيدي الناس فإن قلتم لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا إلا يوم حنين (قال الشافعي): ولو لم يقله إلا يوم حنين أو آخر غزوة غزاها أو أولى لكان أولى ما آخذ به والقول الواحد منه يلزم لزوم الاقاويل مع أنه قد قال وأعطاه ببدر وحنين وغيرهما وقولكم ذلك من الامام على الاجتهاد فإن لم يكن للقاتل وكان لمن حضر فكيف كان له أن يجتهد مرة فيعطيه ويجتهد أخرى فيعطيه غيره ؟ وأي شئ يجتهد إذا ترك السنة إنما الاجتهاد قياس على السنة فإذا لزم الاجتهاد له صار تبعا للسنة وكانت السنة ألزم له أو كان يجوز له في هذا شئ إلا ما سن رسول الله أو أجمع المسلمون عليه أو كان قياسا عليه فقلت فهل خالفك في هذا غيرنا ؟ فقال نعم بعض الناس قلت فما أحتج به (قال الشافعي) قال إذا قال الامام قبل لقاء العدو من قتل قتيلا فله سلبه فهو له وإن لم يقله فالسلب الغنيمة بين من حضر الوقعة إذا أخذ خمسة فقلت للشافعي فما كانت حجتك ؟ قال الحديث الذي روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بعد تقضي حرب حنين لا قبل الوقعة فقلت قد خالف الحديث (قال الشافعي) وأنتم قد خالفتموه فإن كان له عذر بخلافه فهو أقرب للعذر منكم فان قلتم تأوله فكيف جاز أن يتأول فيقول فلعل النبي إنما أعطاه إياه من قبل أنه قال ذلك قبل الوقعة فإن قلت هذا تأويل قيل والذي قلت تأويل أبعد منه وقلت للشافعي ما رأيت ما وصفت لك أنا أخذنا به من الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو أصح رجالا وأثبت عند أهل الحديث أو ما سألناك عنه مما كنا نتركه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل نلقاك (قال الشافعي) عقل فيما زعمتم أنكم تتركون من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أثبت من الاكثر مما كنتم تأخذون به وأولى ففي ما تركتم مثل ما أخذتم به والذي أخذتم به ما لا يثبته أهل الحديث فقلت مثل ماذا ؟ فقال مثل أحاديث أرسلها عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب وغيره ومثل أحاديث منقطعة فقلت فكيف أخذت بها ؟ قال ما أخذت بها إلا لثبوتها من غير وجه من روايتكم ورواية أهل الصدق فقلت للشافعي أرجو أن أكون قد فهمت ما ذكرت من الحديث وصرت إلى ما أمرت به ورأيت الرشد فيما دعيت إليه وعلمت أن بالعباد كما قلت الحاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت في مذاهبنا ما وصفت من تناقضها والله اسأله التوفيق وأنا أسألك عما روينا في كتابنا الذي قدمنا على الكتب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فسل منه عما حضرك وفقنا الله وإياك لما يرضى وعصمنا وإياك بالتقوى وجعلنا نريده بما نقول ونصمت عنه إنه على ذلك قادر (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما.
فقلت للشافعي فإنا نكره للامام أن يقرأ بقريب(7/240)
من هذا لان هذا يثقل قال أفرأيت إن قال لكم قائل: أبو بكر يقرأ بسورة البقرة في الصبح في روايتكم في الركعتين معا وأقل أمره أنه قسمها في الركعتين وأنك تكره هذا فكيف رغبت عن قراءة أبى بكر وأصحابه متوافرون صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من والاسلاء وأهله بالوضع الذي هو به وقد أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن أنس أن أبا بكر صلى بالناس الصبح فقرأ بسورة البقرة فقال له عمر قربت الشمس أن تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين ورويت عن عمر وعثمان تطويل القراءة وكرهتها كلها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى عبيدة مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسى أخبره أنه سمع قيسا يقول أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبى بكر فصلى وراء أبى بكر المغرب فقرأ في الركعتين الاوليين بأم القرآن وسورة، سورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) الآية قلت للشافعي فإنا نكره القراءة في الركعتين الآخرتين والركعة الاخرى بشئ غير أم
القرآن فهل تستحبه أنت ؟ فقال نعم وقال لي الشافعي فكيف تكرهونه وقد رويتموه عن أبى بكر وروى ابن عيينة عن عمر بن عبد العزيز أنه حين بلغه عن أبى بكر أخذ به (قال الشافعي) رحمه الله: وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الركعتين الاخيرتين بأم القرآن وسورة ويجمع الاحيان السور في الركعة الواحدة فقلت للشافعي فهذا أيضا مما نكرهه فقال أرويتم عن ابن عمر عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى فكيف كرهتم هذا وخالفتموهما معا ؟ فقلت للشافعي أتستحب أنت هذا ؟ قال: نعم وأفعله.
باب ما جاء في الرقية سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن يرقى الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت أيرقى أهل الكتاب المسلمين ؟ فقال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله فقلت وما الحجة في ذلك ؟ قال: غير حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر أرقيها بكتاب الله فقلت للشافعي فإنا نكره رقية أهل الكتاب فقال ولم وأنتم تروون هذا عن أبى بكر ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف.
باب في الجهاد سألت الشافعي عن القوم يدخلون بلاد الحرب أيخربون العامر ويقطعون الشجر المثمر ويحرقونه والنخل والبهائم أو يكره ذلك كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أما كل ما لا روح فيه من شجر مثمر وبناء عامر وغيره فيخربونه ويهدمونه ويقطعونه وأما ذوات الارواح فلا يقتل منها شئ إلا ما كان يحل بالذبح ليؤكل فقلت له وما الحجة في ذلك وقد كره أبو بكر الصديق أن يخرب عامرا أو يقطع مثمرا أو يحرق نخلا أو يعقر شاة أو بعيرا إلا لمأكلة وأنت أخبرتنا بذلك عن مالك عن يحيى بن سعيد أن(7/241)
أبا بكر الصديق أوصى يزيد بن أبى سفيان حين بعثه إلى الشام فقال الشافعي هذا من حديث مالك
منقطع وقد يعرفه أهل الشام بإسناد أحسن من هذا فقلت للشافعي وقد روى أصحابنا سوى هذا عن أبى بكر فبأى شئ تخالفه أنت ؟ فقال بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حرق أموال بنى النضير وقطع وهدم لهم وحرق وقطع بخيبر ثم قطع بالطائف وهى آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل بها، فقلت للشافعي فكيف كرهت عقر ذوات الارواح وتحريقها إلا لتؤكل ؟ فقال بالسنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها) قيل وما حقها قال (يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيلقيه) فرأيت إباحة قتل البهائم المأكولة غير العدو منها في الكتاب والسنة إنما هو أن تصاد فتؤكل أو تذبح فتؤكل وقد نهى عن تعذيب ذوات الرواح (قال الشافعي) رحمه الله (1) فقال فإنا نقول شبيها بما قلت قلت قد خالفتم ما رويتم عن أبى بكر فقد خالفتموه بما وصفت فما أعرف ما ذهب إليه الذي اتبعناه فقلت إن كان خالفه لما وصفت مما روى عن أبى بكر لانه راى أنه ليس لاحد أن يخالف ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا ينبغي أن يقول أبدا يترك مرة حديث رسول الله بقول الواحد من أصحاب رسول الله ثم يترك قول ذلك الواحد لرأى نفسه فالعمل إذا إليه يفعل فيه ما شاء ولين ذلك لاحد من أهل دهرنا، سألت الشافعي عن الرجل يقر بوطئ أمته فتاتي بولد فينكره فيقول قد كنت أعزل عنها ولم أكن أحبسها في بيتي فقال يلحق به الولد إذا أقر بالوطئ ولم يدع استبراء بعد الوطئ ولا ألتفت إلى قوله كنت أعزل عنها لانها قد تحبل وهو يعزل ولا إلى تضييعه إياها بترك التحصين لها وإن من أصحابنا لمن يريه القافة مع قوله فقلت فما الحجة فيما ذكرت ؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد أو اتركوا، فقلت للشافعي صاحبنا يقول لا نلحق ولد الامة وإن أقر بالوطئ بحال حتى يدعى الولد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن صفية عن عمر في إرسال الولائد يوطأن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم (قال الشافعي) فهذه رواية صاحبنا وصاحبكم عن عمر من وجهين ورواه غيره عنه ولم ترووا أن أحدا خلفه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين فكيف جاز أن يترك ما روى عن عمر لا إلى قول أحد من أصحابه ؟ فقلت للشافعي فهل
خالفك في هذا غيرنا ؟ قال نعم بعض المشرقيين قلت فما كانت حجتهم ؟ قال كانت حجتهم أن قالوا انتفى عمر من ولد جارية له وانتفى زيد بن ثابت من ولد جاريته وانتفى ابن عباس من ولد جارية له فقلت فما حجتك عليهم ؟ فقال أما عمر فروى عنه أنه أنكر حمل جارية له فأقرت بالمكروه وأما زيد وابن عباس فإنما أنكرا إن كانا فعلا أن ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما فحلال لهما فكذلك ينبغي لهما في الامة وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من زنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس منه وإنما قلت هذا فيما بينة وبين الله كما تعلم المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها إلا الامتناع منه بجهدها وعلى الامام أن يحلفها ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكانت حجتنا عليهم من قولهم أنهم زعموا أن ولد الامة لا يلحق إلا بدعوة حادثة وأن للرجل بعدما يحصن الامة وتلد منه أولادا يقر بهم أن ينفي بعدهم ولدا أو يقر بآخر بعده وإنما جعلوا له النفي
__________
(1) قوله فقال فإنا نقول إلى قوله (سألت) كذا في الاصل ولا يخلو من سقط أو تحريف.
فتأمله.(7/242)
أنهم زعموا أنه لا يلحق ولد الامة بحال إلا بدعوة حادثة ثم قالوا إن أقر بولد جارية ثم حدث بعد أولاد ثم مات ولم يدعهم ولم ينفهم لحقوا به وكان الذي اعتدوا في هذا أن قالوا القياس أن لا يلحق ولكنا استحسنا (قال الشافعي) إذا تركوا القياس فجاز لهم فقد كان لغيرهم ترك القياس حيث قاسوا والقياس حيث تركوا وترك القياس عندنا لا يجوز وما يجوز في ولد الامة إلا واحد من قولين إما قولنا وإما لا يلحق به إلا بدعوة فيكون لو حصن سرية وأقر بولدها ثم ولدت بعد عشرة عنده ثم مات ولم تقم بينة باعتراف بهم نفوا معا عنه.
باب فيمن أحيا أرضا مواتا سألت الشافعي عمن أحيا أرضا مواتا فقال إذا لم يكن للموات مالك فمن أحيا من أهل الاسلام فهو له دون غيره ولا أبالى أعطاه إياه السلطان أو لم يعطه لان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يتم لمن أعطاه من عطاء السلطان فقلت فما الحجة فيما قلت ؟ قال ما رواه مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض أصحابه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال من أحيا أرضا ميتة فهي له (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان وغيره بإسناد غير هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا مواتا أنها له أكثر له من عطية الوالى، فقلت للشافعي فإنا نكره أن يحيى الرجل أرضا ميتة إلا بإذن الوالى (قال الشافعي) رحمه الله فكيف خالفتم ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وهذا عندكم سنة وعمل بعدهما وأثبتم للوالى أن يعطى وليس للوالي أن يعطى أحدا ما ليس له ولا يمنعه ماله ولا على أحد حرج أن يأخذ ماله وإذا أحيا أرضا ميتة فقد أخذ ماله ولا دافع عنها فيقال للرجل فيما لا دافع عنه وله أخذه لا تأخذ إلا بإذن سلطان فإن قال قائل (1) للرجل فيما لا بد للسلطان أن يكشف أمره فهو لا يكشف الا وهو معه خصم والظاهر عنده أنه لا مالك لها فإذا أعطاها رجلا، ثم جاءه من يستحقها دونه ردها إلى مستحقها وكذلك لو أخذها وأحياها بغير إذنه فلا أثبتم للسلطان فيها معنى إنما كان له معنى لو كان إذا أعطاه لم يكن لاحد استحقها أخذها من يديه فأما ما كان لاحد لو استحقها بعد إعطاء السلطان إياها أخذها من يديه فلا معنى له إلا بمعنى أخذ الرجل إياها لنفسه (قال الشافعي) وهذا التحكم في العلم تدعون ما تروون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر لا يخالفهما أحد علمناه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لرأيكم وتضيقون على غيركم أوسع من هذا، فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرنا ؟ فقال ما علمت أحدا من الناس خالف في هذا غيركم وغير من رويتم هذا عنه إلا أبا حنيفة فإنى أراكم سمعتم قوله فقلتم به ولقد خالفه أبو يوسف فقال فيه مثل قولنا وعاب قول أبى حنيفة بخلاف السنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومما في معنى ما خالفتم فيه ما رويتم فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمن بعده لا مخالف له أن مالكا أخبرنا عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) كذا في الاصل، وحرر.
كتبه مصححه.(7/243)
قال (لا ضرر ولا ضرار ؟) قال ثم أتبعه في كتابه حديثا كأنه يرى أنه تفسيره (قال الشافعي) أخبرنا مالك
عن ابن شهاب عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره) قال ثم يقول أبو هريرة مالى أراكم عنها معرضين ؟ والله لارمين بها بين أكتافكم (قال الشافعي) ثم أتبعهما حديثين لعمر كأنه يراهما من صنفه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن سلمة فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا بمحمد بن مسلمة وأمره أن يخلى سبيله فقال ابن مسلمة لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع ؟ تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فقال محمد لا فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد الرحمن عمر فقضى عمر أن يمر به فمر به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فرويتم في هذا الكتاب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا ثابتا وحديثين عن عمر بن الخطاب ثم خالفتموها كلها فقلتم في كل واحد منها لا يقضي بها على الناس وليس عليها العمل ولم ترووا عن أحد من الناس علمته خلافها ولا خلاف واحد منها فعمل من تعنى تخالف به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن يكون ذلك العمل مردودا عندنا وتخالف عمر مع السنة لانه يضيق خلاف عمر وحده فإذا كانت معه السنة كان خلافه أضيق مع أنك أحلت على العمل وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا نعرفه ما بقينا.
والله أعلم.
باب في الاقضية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر إنى أراك تجيعهم والله لاغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك قال أربعمائة درهم قال عمر أعطه ثمانمائة قال مالك في كتابه ليس عليه العمل ولا تضعف عليهم الغرامة ولا يقضي بها على مولاهم وهي في رقابهم ولا يقبل قول صاحب
الناقة فقلت للشافعي بما قال مالك نقول ولا نأخذ بهذا الحديث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فهذا حديث ثابت عن عمر يقضي به بالمدينة بين المهاجرين والانصار (1) فإن خالفه غيره لازم لنا فتدعون لقول عمر السنة والآثار لان حكمه عندكم حكم مشهور ظاهر لا يكون إلا عن مشورة من أصحاب رسول الله فإذا حكم كان حكمه عندكم قولهم أو قول الاكثر منهم فإن كان كما تقولون فقد حكم بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في ناقة المزني وأنتم تقولون حكمه بالمدينة كالاجماع من عامتهم فإن كان قضاء عمر رحمه الله عندكم كما تقولون فقد خالفتموه في هذا وغيره وإن لم يكن كما تقولون فلا ينبغي أن يظهر منكم خلاف ما تقولون أنتم وأنتم لا تروون عن أحد أنه خالفه فتخالفون بغير
__________
(1) قوله فإن خالفه غيره لعله (وإن خالفه) بالواو أي هو حديث ثابت لازم لنا وإن الخ وحرر.(7/244)
شئ رويتموه عن غيره ولا أسمعكم إلا وضعتم أنفسكم موضعا تردون وتقبلون ما شئتم على غير معنى ولا حجة فإن كان يجوز أن يعمل بخلاف قضاء عمر فكيف لم تجيزوا لغيركم ما أجزتم لانفسكم وكيف أنكرنا وأنكرتم على من خالف قول عمر والواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا ؟ باب في الامة تغر بنفسها (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت بنفسها رجلا فذكرت أنها حرة فولدت أولادا فقضى أن يفدي ولده بمثلهم قال مالك وذلك يرجع إلى القيمة قلت للشافعي فنحن نقول بقول مالك (قال الشافعي) فرويتم هذا عن عمر أو عثمان ثم خالفتم أيهما قاله ولم نعلمكم رويتم عن أحد من الناس خلافه ولا تركه بعمل ولا إجماع ادعاه فلم تركتم هذا ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ؟ أرأيتم إذا اتبعتم عمر في أن في الضبع كبشا وفي الغزال عنزا وقيمتهما تخالف قيمة الضبع والغزال فقلتم البدن قريب من البدن فكيف لم تتبعوا قول عمر أو عثمان في مثلهم في البدن كما جعلتم المثل في هذين الموضعين بالبدن ؟ باب القضاء في المنبوذ
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبى جميلة رجل من بنى سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ قال وجدتها ضائعة فأخذتها فقال له عريفه يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال أكذلك ؟ قال نعم فقال عمر اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) تركتم ما روى عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الولاء لمن أعتق) فزعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنما الولاء لمن أعتق) وهذا نفي أن يكون الولاء إلا لمعتق والمنبوذ غير معتق فلا ولاء له فمن أجمع على ترك السنة والخلاف لعمر فياليت شعري من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمعون فإنا لا نعرفهم والله المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف ؟ إن هذه لغفلة طويلة ولا أعرف أحدا يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله وأجده يترك ما يروى في اللقيط عن عمر للسنة ويدع السنة فيه وفي موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أسد توجيها من قولكم قالوا نتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لانه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق من لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل المسلم على يدي الرجل المسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن(7/245)
النبي صلى الله عليه وسلم وقال في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنما الولاء لمن أعتق) أن لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لانكم خالفتموه حيث ينبغي لكم أن توافقوه ووافقتموه حيث كانت لكم شبهة لو خالفتموه.
باب القضاء في الهبات (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبى غطفان بن طريف المرى عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا (قال الشافعي) فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها إن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته، ولو أعطى أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشئ وله فيه الخيار عبدا أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الامة المبيعة وكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك.
الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة لانه استكرهها قال مالك لا تنفي العبيد * فقلت للشافعي نحن لا ننفي العبيد قال ولم ؟ ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا التابعين علمته خلاف ما رويتم عن عمر ؟ أفيجوز لاحد يعقل شيئا من الفقه أن يترك قول عمر ولا يعلم له مخالفا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لرأى نفسه أو مثله ويجعله مرة أخرى حجة على السنة وحجة فيما ليست فيه سنة وهو إذا كان مرة حجة كان كذلك أخرى فإن جاز أن يكون الخيار إلى من سمع قوله يقبل منه مرة ويترك أخرى جاز لغيركم تركه حيث أخذتم به وأخذه حيث تركتموه فلم يقم الناس من العلم على شئ تعرفونه وهذا لا يسع أحدا عندنا والله أعلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر وماذا سرق ؟ قال سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم * (قال الشافعي) بهذا نأخذ لان العبد ملك لسيده أخذ من ملكه فلا يقطع مالك من سرق من ملك من كان معه في بيته يأمنه أو كان خارجا
فكذلك لا يقطع من سرق من ملك امرأته بحال بخلطة امرأته زوجها وهذا معنى قول عمر لانه لم يسأله أتأمنونه أو لا تأمنونه قال وهذا مما خالفتم فيه عمر لا مخالف له علمناه فقلتم بقطع العبد فيما سرق لامرأة سيده إن كان لا يكون معهم في منزل يأمنونه.
باب في إرخاء الستور (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر بن(7/246)
الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال إذا دخل بامرأته فأرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) وروى عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس واحتجا أو أحدهما بقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا لا يلتفت إلى الاغلاق وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس والقول في المسيس قول الزوج وقال غيرهم يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وأن عمر قال ما ذنبهن ؟ إن جاء العجز من قبلكم فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين وهما قول الله تبارك وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد ونصفه الثاني بالدخول ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها فهو كالقبض في البيوع فقد وجب نصف المهر الآخر ولم يذهبا إلى مسيس وعمر يدين ثم يقضي بالمهر وإن لم يدع المسيس لقوله ما ذنبهن إن كان العجز من قبلكم ثم زعمتم أنه لا يجب المهر بالغلق والارخاء إذا لم تدع المرأة جماعا وإنما يجب بالجماع ثم عدتم فأبطلتم الجماع ودعوى الجماع فقلتم إذا كان استمتع بها سنة حتى تبلى ثيابها وجب المهر ومن حد لكم سنة ؟ ومن حد لكم إيلاء الثياب ؟ وإن بليت الثياب قبل السنة فكيف لم يجب المهر ؟ أرأيت إن قال إنسان إذا استمتع بها يوما وقال آخر يومين وقال آخر شهرا وقال آخر عشر سنين أو ثلاثين سنة ما الحجة فيه إلا أن يقال هذا توقيت لم يوقته عمر ولا زيد وهما اللذان
انتهينا إلى قولهما ولا يوقت إلا بخبر يلزم فهكذا أنتم فما أعرف لما تقولون من هذا إلا أنه خروج من جميع أقاويل أهل العلم في القديم والحديث وما علمت أحدا سبقكم به فالله المستعان فإن قلتم إنما يؤجل العنين سنة فهذا ليس بعنين والعنين عندكم إنما يؤجل سنة من يوم ترافعه امرأته إلى السلطان ولو أقام معها قبل ذلك دهرا.
باب في القسامة والعقل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بنى سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم اتحلفون بالله خمسين يمنا ما مات منها ؟ فأبوا وتحرجوا من الايمان فقال للآخرين احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين (قال الشافعي) فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن كنتم ذهبتم إلى ما ذهبنا إليه من أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الايمان على المدعى عليهم فلما لم يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا وهكذا يجب عليكم في كل أمر وجدتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الاشياء كلها وما كان شئ من الاشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لان الحكم في هذا أشهر من غيره وأنه قد كان يمكنكم أن تقولوا هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دم عمد فنتبع ما(7/247)
حكم به النبي صلى الله عليه وسلم كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد منهما خلاف الآخر فإن صرتم إلى أن تقولوا إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ونجعل الخطأ قياسا على العمد فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن تختلف أقاويلكم.
باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قضى عمر في الاضراس ببعير بعير وقضى معاوية في الاضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الاضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء * فقلت للشافعي فإنا نقول في الاضراس خمس خمس ونزعم أنه ليس في الترقوة وفي الضلع حكم معروف وإنما فيها حكومة باجتهاد قال فقد خالفتم حديث زيد بن أسلم عن عمر كله فقلتم في الاضراس خمس خمس وهكذا نقول لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السن خمس كانت الضرس سنا قال فهذا كما قلنا في المسألة قبلها وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس مما أقبل من الفم مما اسمه سن فإذا كانت لنا ولكم حجة بأن نقول الضرس سن ونذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيها ونخالف غيره لظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأن توجه لغيره أن لا يكون خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا ينبغي لنا أن لا نترك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا لقول غيره فأما أن تتركوا قول عمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتتركوا قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول عمر مرة فهذا مالا يجهل عالم أنه ليس لاحد إن شاء الله.
قال وخالفتم عمر في الترقوة والضلع فقلتم ليس فيهما شئ موقت (قال الشافعي) وأنا أقول بقول عمر فيهما معا لانه لم يخالفه واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمته فلم أر أن أذهب إلى رأيي وأخالفه (قال الشافعي) وروى مالك عن سعيد أنه روى عن عمر في الاضراس بعير بعير وعن معاوية خمسة أبعرة وقال فيهما بعيرين بعيرين فإذا كان سعيد يعرف عن عمر شيئا ثم يخالفه ولم يذهب أيضا إلى ما ذهبنا إليه من الحديث وكنتم تخالفون عمر ثم تخالفون سعيدا فأين ما تدعون أن سعيدا إذا قال قولا لم يقل به إلا عن علم وتحتجون بقوله في شئ وها أنتم تخالفونه في هذا وغيره فأين ما زعمتم من أن العلم بالمدينة كالوراثة لا يختلفون فيه وحكايتهم إذا حكوا وحكيتم عنهم اختلافا فكذلك حكاية غيركم في أكثر الاشياء إنما
الاجماع عندهم فيما يوجد الاجماع فيه عند غيرهم وأن أولى علم الناس بعد الصلاة أن يكون عليه إجماع بالمدينة الديات لان ابن طاوس قال عن أبيه ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم من عقل وصدقات فإنما نزل به الوحى وعمر من الاسلام بموضعه الذي هو به من الناس فقد خالفتموه في الديات وخالفتم ابن المسيب بعده فيها ولا أرى دعواكم الموروث كما ادعيتم وما أراكم قبلتم عن عمر هذا وما أجدكم تقبلون العلم إلا عن أنفسكم.(7/248)
باب في النكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبى الزبير أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت (قال الشافعي) وقد خالفتم هذا وقلتم النكاح مفسوخ ولا حد عليه فخالفتم عمر وعمر لو تقدم فيه لرجم يعني لو أعلمت الناس أنه لا يجوز النكاح بشاهد وامرأة حتى يعرفوا ذلك لرجمت فيه من فعله بعد تقدمي.
باب ما جاء في المتعة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فزعا وقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يشبه قوله في الاول ومذهب عمر في هذا أن المتعة إذا كانت محرمة عنده وكان الناس يفعلونها مستحلين أو جاهلين وهو اسم نكاح فيدرأ عنهم بالاستحلال أنه لو كان تقدم فيها حتى يعلمهم أن حكمه أنها محرمة ففعلوها رجمهم وحملهم على حكمه وإن كانوا يستحلون منها ما حرم كما قال يستحل قوم الدينار بالدينارين يدا بيد فيفسخه عليهم من يراه حراما فخالفتم عمر في المسألتين معا وقلتم: لا حد على من نكح بشاهد وامرأة ولا من نكح نكاح متعة كما زعمت فيهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك وإنما يكون ذلك لزوجها
غرما على وليها إذا كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها وإلا فليس عليه غرم وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها ويترك لها قدر ما استحلها به إذا مسها، فقلت للشافعي فإنا نقول بقول مالك وسألت عن قوله في ذلك فقال إنما حكم عمر أن لها المهر بالمسيس وأن المهر على وليها لانه غار والغار - علم أو لم يعلم - يغرم أرأيت رجلا باع عبدا ولم يعلم أنه حر أليس يرجع عليه بقيمته أو باع متاعا لنفسه أو لغيره فاستحق أو فسد البيع أو كان لمشتريه الخيار فاختار رده ألا يرجع بقيمة ما غرم على من غره علم أو لم يعلم ؟ قال ورويتم الحديث عن عمر وخالفتموه فيه بما وصفته فلو ذهبتم فيه إلى أمر يعقل فقلتم إذا كان الصداق ثمنا للمسيس لم يرجع به الزوج عليها ولا على ولى لانه قد أخذ المسيس كما ذهب بعض المشرقيين إلى هذا كان مذهبا فأما ما ذهبتم إليه فليس بمذهب وهو خلاف عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق في رجل قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله أن مره يوافيني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال من أنت ؟ فقال أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال عمر أنشدك برب هذه البنية هل أردت بقولك حبلك على غاربك الطلاق ؟ فقال الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت الفراق فقال عمر هو ما أردت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فبهذا نقول وفيه دلالة على أن كل كلام أشبه الطلاق لم نحكم به طلاقا حتى يسأل قائله فإن كان أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم يرد طلاقا لم يكن طلاقا ولم نستعمل الاغلب من الكلام على رجل احتمل غير الاغلب فخالفتم عمر في هذا فزعمتم أنه طلاق وأنه لا يسأل عما أراد.(7/249)
باب في المفقود (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال أيما أمرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا قال والحديث الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود مثل ما روى مالك عن ابن المسيب عن عمر وزيادة فإذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالاول
المفقود بالخيار بين امرأته والمهر ومن قال بقوله في المفقود قال بهذا كله اتباعا لقول عمر وعثمان وأنتم تخالفون ما روى عن عمر وعثمان معا فتزعمون أنها إذا نكحت لم يكن لزوجها الاول فيها خيار هي من الآخر، فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر فقال الشافعي قد رأينا من ينكر قضية عمر كلها في المفقود ويقول هذا لا يشبه أن يكون من قضاء عمر فهل كانت الحجة عليه إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك وكيف جاز أن يروى الثقات عن عمر حديثا واحدا فتأخذ ببعضه وتدع بعضا أرأيت إن قال لك قائل آخذ بالذي تركت منه وأترك الذي أخذت به هل الحجة عليه إلا أن يقال من جعل قوله غاية ينتهي إليها أخذ بقوله كما قال فأما قولك فإنما جعلت الغاية في نفسك لا فيمن روى عنه الثقات فهكذا الحجة عليك لانك تركت بعض قضية عمر وأخذت ببعضها (قال الربيع) لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي يقين موته لان الله قال (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) فجعل على المتوفي عدة، وكذلك جعل على المطلقة عدة لم يبحها إلا بموت أو طلاق وهى معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال (إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف أحدكم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فأخبر أنه إذا كان على يقين من الطهارة فلا تزول الطهارة إلا بيقين الحدث وكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزول قيد نكاحها بالشك ولا يزول إلا بيقين وهذا قول علي بن أبى طالب.
باب في الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لابي عبيدة بن الجراح خذ منا من خيلنا ومن رقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه إن احبوا فخذها منهم وارددها عليهم قال مالك يعني ردها إلى فقرائهم (قال الشافعي) وقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس شاتين أو عشرة أو عشرين درهما، فقلت للشافعي فإنا نقول لا تؤخذ في الخيل صدقة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) (قال الشافعي) فقد رويتم وروى غيركم عن عمر هذا فإن كنتم تركتموه لشئ رويتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهكذا فاصنعوا في
كل من روى عن أحد شيئا يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وأنكم لتخالفون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما هو أبين من هذا وتعلمون فيه بأن الرجل من أصحابه لا يقول قولا يخالفه وتقولون لا يخفي على الرجل من أصحابه قوله ثم يأتي موضع آخر فيختلف كلامكم ولو شاء رجل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس على مسلم في عبده وفرسه صدقة إذا كان فرسه مربوطا(7/250)
له مطية فأما خيل تتناتج فنأخذ منها كما أخذ عمر بن الخطاب فقد ذهب هذا المذهب بعض المفتين ولو ذهبتم هذا المذهب لكان له وجه يحتمل فإن لم تقولوا وصرتم إلى اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وجملة كل شئ عليه فهكذا فاصنعوا في كل شئ ولا تختلف اقاويلكم إن شاء الله.
باب في الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب صلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له ما قرأت قال فكيف كان الركوع والسجود قالوا حسنا قال فلا بأس، قلت للشافعي فإنا نقول من نسى القراءة في الصلاة أعاد الصلاة ولا تجزئ صلاة إلا بقراءة قال فقد رويتم هذا عن عمر وصلاته بالمهاجرين والانصار فزعمتم أنه لم ير إذا كان الركوع والسجود حسنا بأسا ولا تجدون عنه شيئا أحرى أن يكون إجماعا منه ومن المهاجرين والانصار عليه عادة من هذا إذا كان علم الصلاة ظاهرا فكيف خالفتموه فإن كنتم إنما ذهبتم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة إلا بقراءة) فينبغي أن تذهبوا في كل شئ هذا المذهب فإذا جاء شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم تدعوه لشئ إن خالفه غيره كما قلتم ههنا وهذا موضع لكم فيه شهود لانه شبهة لو ذهبتم إليه بأن تقولوا لا صلاة إلا بقراءة لمن كان ذاكرا والنسيان موضوع كما ان نسيان الكلام عندكم موضوع في الصلاة فإذا أمكنكم أن تقولوا هذا في الصلاة فلم تقولوه وصرتم إلى جملة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وتركتم ما رويتم عن عمر ومن خلفه من المهاجرين والانصار لجملة حديث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فكيف لم تصنعوا هذا فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوصا بينا لا يحتمل ما خالفه مثل ما احتمل هذا من التأويل بالنسيان ؟
باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الاحرام فقال لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدى المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له ما الحجة فيه ؟ فقال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن ربيعة ابن عبد الله أنه رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا فقلت للشافعي فإن صاحبنا يقول لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا أو حلمة من بعير قال وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره ؟ فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الاسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن تقلدوه (قال) وقد تتركون قول ابن عمر لرأى أنفسكم ولرأى غير ابن عمر فإذا تركتم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طيب المحرم لقول عمر وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلي ابن عمر فيما لا يحصى لرأى أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما هويتم وهذا ما لا يجوز عند أحد من أهل العلم فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر خاص الفقه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال لا يصدرن أحد من الحاج حتى(7/251)
يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل ثناؤه (ثم محلها إلى البيت العتيق) فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت (قال) وقال مالك من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شئ إلا أن يكون قريبا فيرجع فلا انتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس (من نسى من نسكه شيئا فليهرق دما) وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده (من نسى من نسكه شيئا فليهرق دما) ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن.
باب ما جاء في الصيد سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لان الله تبارك وتعالى يقول (فجزاء مثل ما قتل من النعم) والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك أن أبا الزبير حدثه عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش وفى الغزال بعنز وفى الارنب بعناق وفى اليربوع بجفرة فقلت للشافعي فإنا نخالف ما روينا عن عمر في الارنب واليربوع فيقول لا يفديان بجفرة ولا بعناق (قال الشافعي) هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله عندنا وأمر عمر وأمر عثمان بن عفان وابن مسعود وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في تنزيل الكتاب شئ يحتاج إلى تأويل لان الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم المثل أبدا فماله مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأى النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به وهذا إذا كان كذا فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين وقولكم لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها وكل ما فدى فإنما القدر قيمته والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة فكيف تجاوز الثنية التى تجوز ضحية في البقرة فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفديه بصغير دون الثنية (قال الشافعي) فتصيرون إلى قول عمر في النهى عن الطيب قبل الاحرام وتتركون فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وتصيرون إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تخالفون عمر ولا مخالف له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وابن مسعود ومن التابعين عطاء وأصحابه (قال الشافعي) وقد جهدت أن أجد أحدا يخبرني إلى أي شئ ذهبتم في ترككم ما رويتم عن عمر في اليربوع والارنب فما وجدت أحدا يزيدنى على أن ابن عمر قال الضحايا والبدن والثنى فما فوقه (قال الشافعي) وأنتم أيضا تخالفون في
هذا لان قول ابن عمر لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثنى فما فوقه فإن كان هذا فأنتم تجيزون الجذعة من الضأن ضحية وإن كان قول ابن عمر أن الثنى فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه(7/252)
أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دحلتم في مثله (قال الشافعي) وقد أخطأ من جعل الصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه في هذا شئ يجوز لاحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والاثر عن عمر وعثمان وابن مسعود والقياس والمعقول ثم تناقضه فإن قال قائل فجزاء الصيد ضحايا قلنا معاذ الله أن يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد (1) والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها تمرة والتمرتين وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك فإن قال قائل فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن قيل أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من شاة ؟ فإن قال لا قيل أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج ؟ فإن قال بلى قيل أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه هديا بالغ الكعبة للمساكين الحاضرى الكعبة ؟ فإن قال بلى: قيل فكما تحكم لمالك الصيد على رجل لو قتله بالبدن منه ؟ فإن قال نعم قيل فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة فإن قال نعم قيل أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدى التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال قد يفترقان قيل أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لانها أقرب الاشياء من المثل وكذلك البقر والغزال ؟ فإن قال نعم قيل فإذا كان هذا بدلا لشئ أتلف فكان على أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لى أن أعطى دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لى فتجعل في الجرادة تمرة ؟ (قال الشافعي) فإن قال فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية قيل فمن قال لك إن شيئا يكون بدلا من شئ فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزى فيما قتل منه مما هو أعلى منها وإذا كان شئ دون الضحية لم تطرحه عنى بل تجعله على بمثل من الثمن لانه لا يجوز ضحية فهو في قولك ليس من معاني الضحايا فإن قال أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية ؟ قيل نعم فكما
يجوز أن يكون تمرة وقبضة من طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم على في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم على وافيا فمثلت الصيد الصغير مرة بالانسان الحى يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الانسان الحر فلا يفرق بين قيمته منقوصا وصغيرا وكبيرا لان الانسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على المال يتلف فيقومه بالحال التى أتلف فيها لا بغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال ما معنى قول الله (هديا) قلت الهدى شئ فصلته من مالك إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدى على تمرة وبعير وما بينهما من كل ثمرة ومأكول يقع عليه اسم الهدية على ما قل وكثر فإن قال أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها ؟ قلت نعم كما يجوز أن تتصدق بتمرة والهدى غير الضحية والضحية غير الهدى الهدى بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست بدلا من شئ (قال الشافعي) وقد قال هذا مع عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الائمة علمته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عبد
__________
(1) قوله: والبدل يكون الخ كذا في النسخة ولا يخفى ما فيه ولعل أصل العبارة (والبدل منه ما يكون بقرة مثله وأرفع وأخفض منها إلى التمرة والتمرتين وذلك الخ) وذلك الخ تأمل.
كتبه مصححه.(7/253)
الكريم الجزرى عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى فيه ابن مسعود بجفرة مجفرة (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد أن ابن مسعود حكم في اليربوع بجفرة أو جفرة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبى السفر أن عثمان قضى في أم حيين بحلان من الغنم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق قال خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال عمر: احكم فيه فقال: أنت خير منى - يا أمير المؤمنين - وأعلم فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني فقال أربد أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذاك فيه (قال الشافعي) لا
أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن عمر تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح وروى المشرقيون عن علي لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال المشرقيون - لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التى توفى عنها زوجها يقينا فقلتم عمر أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم وعلى عالم بكتاب الله وأنتم لا تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط ؟ قلتم لا يقال لما روى عن عمر لم ؟ ولا كيف ؟ ولا يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عثمان وابن مسعود وعطاء وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف والله المستعان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال من أصاب ولد ظبى صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو مريضا فداه بمريض وأحب إلى لو فداه بواف (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إنى أجريت أنا وصاحبى فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى ؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه تعالى نحكم أنا وأنت فحكما عليه بعنز وذكر في الحديث أن عمر قال هذا عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي) أخبرنا الثقفى عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال لو كان معى حاكم لحكمت في الثعلب بجدى قلت للشافعي فإن صاحبنا يقول: إن الرجلين إذا أصابا ظبيا حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول.
(قال الشافعي) وهذا خلاف قول عمر وعبد الرحمن بن عوف في روايتكم وابن عمر في رواية غيركم إلى قول غير أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم ؟ قال ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد منهما كفارة عتق رقبة وفى النفس شيئان أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد والابدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم لو أن مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا لم يغرموا إلا دية أو قيمة
فإن قال قائل فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل بالقيمة والدية فإن قال ومن أين ؟ قيل تفدى النعامة ببدنة والجرادة بتمرة وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شئ لا يزاد فيها ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا وقول عمر وعبد الرحمن معنى القرآن لان الله جل ثناؤه يقول (فجزاء مثل ما قتل من النعم) فجعل فيه المثل فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول الله والله أعلم - ثم لا تمتنعون من رد قول عمر لرأى أنفسكم ومعه عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي)(7/254)
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في نفر أصابوا صيدا قال عليهم كلهم جزاء واحد (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بنى هاشم قال سئل ابن عباس عن نفر أصابوا صيدا قال عليهم جزاء قيل على كل واحد منهم جزاء ؟ قال إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد.
والله أعلم.
باب الامان لاهل دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول لا تحلف فإذا أدركه قتله وانى والذى نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك وليس هذا بالامر المجتمع عليه ولا يقتل به فقلت للشافعي فإنا نقول بقول مالك (قال الشافعي) قد خالفتم ما رويتم عن عمر ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه علمناه وأما قوله ليس هذا بالامر المجتمع عليه فليس في مثله هذا اجتماع وهو لا يروى شيئا يخالفه ولا يوافقه فأين الاجماع فيما لا رواية فيه ؟ فإن كان ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مسلم بكافر) وهذا كافر لزمه إذا جاء شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك كل ما خالفه أما أن يترك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرة ويلزمه أخرى فهذا لا يجوز لاحد.
باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان وخالفه في تخمير المحرم وجهه سألت الشافعي أيخمر المحرم وجهه ؟ فقال نعم ولا يخمر رأسه وسألته عن المحرم يصطاد من أجله
الصيد قال لا يأكله فإن أكله فقد أساء ولا فدية عليه فقلت وما الحجة ؟ فقال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتى بلحم صيد فقال لاصحابه كلوا فقالوا ألا تأكل أنت ؟ قال إنى لست كهيئتكم إنما صيد من أجلى فقلت إنا نكره تخمير الوجه للمحرم ويكرهه صاحبنا ويروى فيه عن ابن عمر أنه قال ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإن كنت ذهبت إلى أن عثمان وابن عمر اختلفا في تخمير الوجه فكيف أخذت بقول ابن عمر دون قول عثمان ومع عثمان زيد بن ثابت ومروان وما هو أقوى من هذا كله ؟ قلت وما هو ؟ قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بميت مات محرما أن يكشف عن رأسه دون وجهه ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما فدلت السنة على أن للمحرم تخمير وجهه وعثمان وزيد رجلان وابن عمر واحد ومعهما مروان فكان ينبغى عندك أن يكون هذا أشبه بالعمل وبدلالة السنة وعثمان الخليفة وزيد ثم مروان بعدهما وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يباع ويتبرأ صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف ما كان به داء علمه وقد رأى ابن عمر ان التبرؤ يبرئه مما علم لم يعلم فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول عثمان الخليفة (1) عن قضاه
__________
(1) كذا في النسخة بدون نقط ولعله محرف وأصله قد قضاه بين الخ وحرر.
كتبه مصححه.(7/255)
بين المهاجرين والانصار كأنه قول عامتهم وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر فعثمان إذ كان معه ما وصفت في تخمير المحرم وجهه من دلالة السنة ومن قول زيد ومروان أولى أن يصار إلى قوله مع أنه قول عامة المفتين بالبلدان * فقلت للشافعي فإنا نقول ما فوق الذقن من الرأس قال الشافعي ينبغى أن يكون من شأنك الصمت حين تسمع كلام الناس حتى تعرف منه فإنى أراك تكثر أن تكلم بغير روية فقلت وما ذلك ؟ فقال وما تعنى بقولك وما فوق الذقن من الرأس ؟ أتعنى أن حكمه حكم الرأس في الاحرام ؟ فقلت نعم فقال أفتخمر المرأة المحرمة ما فوق ذقنها فإن للمحرمة أن تخمر رأسها فقلت لا قال.
أفيجب على الرجل إذا لبد رأسه حلقه أو تقصيره ؟ فقلت نعم قال أفيجب عليه أن يأخذ من شعر ما فوق الذقن من وجهه ؟ فقلت لا فقال لى الشافعي وفرق الله بين حكم الوجه والرأس فقال اغسلوا وجوهكم فعلمنا أن الوجه ما دون الرأس وأن الذقن من الوجه وقال (امسحوا برءوسكم) فكان الرأس غير الوجه فقلت نعم قال وقولك لا كراهة لتخمير الوجه بكماله ولا إباحة تخميره بكماله أنه يجب على من وضع نفسه معلما أن يبدأ فيعرف ما يقول قبل أن يقوله ولا ينطق بما لا يعلم وهذه سبيل لا أراك تعرفها فاتق الله وامسك عن أن تقول بغير علم ولم أر من أدب من ذهب مذهبك إلا أن يقول القول ثم يصمت وذلك أنه (قال فيما نرى) يعلم انه لا يصنع شيئا بمناظرة غيره إلا بما أن صمت أمثل به * قلت للشافعي فمن أين قلت أي صيد صيد من أجل محرم فأكل منه لم يغرم فيه ؟ فقال لان الله جل ثناؤه إنما أوجب غرمه على من قتله فقال عزوجل (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فلما كان القتل غير محرم لم يكن على المحرم فيما جنى غيره فدية كما لو قتل من أجله مسلما لم يكن على المقتول من أجله عقل ولا كفارة ولا قود فإن الله قضى أن لا تزر وازرة وزر أخرى قال ولما كان الصيد مقتولا فأمسك المحرم عن أكله ومن أجله صيد لم يكن عليه فيه فدية بأن صيد من أجله لم يجز أن يكون صيدا مقتولا لا فدية فيه حين قتل ويأكله بشر لا فدية عليهم فإذا أكله واحد فداه وإنما نقطع الفدية فيه بالقتل فإذا كان القتل ولا فدية لم يجز أن تكون فدية لانه لم يحدث بعدها قتلا يوجب فدية قلت إن الاكل غير جائز للمحرم وإنما أمرته بالفدية لذلك قال وكذلك لا يجوز للمحرم أكل ميتة ولا شرب خمر ولا محرم ولا فدية عليه في شئ من هذا وهو آثم بالاكل والفدية في الصيد إنما تكون بالقتل * فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرنا ؟ فقال ما علمت أحدا غيركم زعم أن من أكل لحم صيد صيد من أجله فداه بل علمت أن من المشرقيين من قال له أن يأكله لانه مال لغيره أطعمه إياه ولولا اتباع الحديث فيه لكان القول عندنا قوله ولكنه خالف الحديث فخالفناه فإن كانت لنا عليه حجة بخلاف بعض الحديث فهى لنا عليك بخلافك بعضه وهو يعرف ما يقول وإن زل عندنا ولستم والله يعافينا وإياكم تعرفون كثيرا مما تقولون أرأيت لو أن رجلا أعطى رجلا سلاحا ليقويه على قتل حر أو عبد فقتله المعطى كان على المعطى عقل أو قود ؟ قال لا ولكنه مسئ آثم بتقوية القاتل قلت وكذلك
لو قتله ولا علم له بجناية على قتله ورضيه قال نعم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أفلا ترى هذا أولى أن يكون عليه عقل أو قود أو كفارة ممن قتل من أجله صيد لا يعلمه فأكله ؟ فإذا قلت إنما جعل العقل والقود بالقتل فهذا غير قاتل (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن أبا أيوب الانصاري قال كان الرجل يضحى بالشاة الواحدة عنه وعن أهله ثم تباهى الناس فصارت مباهاة.(7/256)
باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين فقلت للشافعي ما لغو اليمين ؟ قال الله أعلم اما الذى نذهب إليه فهو ما قالت عائشة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لغو اليمين قول الانسان لا والله وبلى والله، فقلت للشافعي وما الحجة فيما قلت ؟ قال الله أعلم اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو يكون الخطأ (قال الشافعي) فخالفتموه وزعمتم أن اللغو حلف الانسان على الشئ يستيقن أنه كما حلف عليه ثم يوجد على خلافه (قال الشافعي) وهذا ضد اللغو هذا هو الاثبات في اليمين يقصدها يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) ما عقدتم ما عقدتم به عقد الايمان عليه ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة وكانت أولى أن تتبع منكم لانها أعلم باللسان منكم مع علمها بالفقه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة التشهد قال فخالفتموها فيه إلى قول عمر.
باب في بيع المدبر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أن عائشة دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الاعراب ممن يسئ ملكتها فبيعت قال فخالفتموها فقلتم لا يباع مدبر ولا مدبرة ونحن نقول بقول عائشة وغيرها.
باب ما جاء في لبس الخز فقلت للشافعي فما تقول في لبس الخز ؟ قال لا بأس به إلا أن يدعه رجل ليأخذ بأقصد منه فأما لان لبس الخز حرام فلا (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها
كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه (قال الشافعي) وروينا أن القاسم دخل عليها في غداة بادرة وعليه مطرف خز فألقاه عليها فلم تنكره، فقلت للشافعي فإنا نكره لبس الخز فقال أو ما رويتم هذا عن عائشة ؟ فقلت بلى فقال لاى شئ خالفتموها ومعها بشر لا يرون به بأسا فلم يزل القاسم يلبسه حتى بيع في ميراثه فيما بلغنا فإذا شئتم جعلتم قول القاسم حجة وإذا شئتم تركتم ذلك على عائشة والقاسم ومن شئتم والله المستعان.
باب خلاف ابن عباس في البيوع (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال سمعت ابن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد أن يبيعها فقال ابن عباس تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك وذلك فيما نرى لانه أراد بيعها من صاحبه الذى اشتارها منه بأكثر من الثمن الذى ابتاعها به ولو باعها من غير الذى اشتراها منه لم يكن ببيعه بأس وقلتم به وليس هذا قول ابن عباس ولا(7/257)
تأويل حديث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال أما الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله (قال الشافعي) وبقول ابن عباس نأخذ لانه إذا باع شيئا اشتراه قبل أن يقبضه فقد باع مضمونا له على غيره وأصل البيع لم يبرأ إليه منه وأكل ربح ما لم يضمن وخالفتموه فأجزتم بيع ما لم يقبض سوى الطعام من غير صاحبه الذى اتبع به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أعلم بين صاحبه الذى ابتيع منه وغيره فرقا لئن لم يكن ذلك فهل الحجة عليه إلا أن يقال مخرج قول النبي صلى الله عليه وسلم عام فلا يصلح أن يكون خاصا فكيف نهى عنه ابن عباس وأنتم لا تروون خلاف هذا عن أحد علمته وعن ابن عباس أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت قبل أن تقضى فأمر ابنتها أن تمشى عنها.
فقلت للشافعي فإنا نقول لا يمشى أحد عن أحد (قال الشافعي) أحسب ابن عباس إنما ذهب إلى أن المشى إلى قباء نسك فأمرها أن تنسك عنها وكيف خالفتموه ولا أعلمكم رويتم عن أحد أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم خلافه.
باب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبى الزبير عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة (قال الشافعي) وبهذا نأخذ قال مالك عليه عمرة وبدنة وحجة تامة ورواه عن ربيعة فترك قول ابن عباس بخبر ربيعة ورواه عن ثور بن يزيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس (قال الشافعي) وهو سئ القول في عكرمة لا يرى لاحد أن يقبل حديثه وهو يروى سفيان عن عطاء عن ابن عباس خلافه وعطاء ثقة عنده وعند الناس قال والعجب له أن يقول في عكرمة ما يقول ثم يحتاج إلى شئ من علمه يوافق قوله ويسميه مرة ويروى عنه ظنا ويسكت عنه مرة فيروى عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره وسكت عن عكرمة وإنما حدث به ثور عن عكرمة وهذا من من الامور التى ينبغى لاهل العلم أن يتحفظوا منها فيأخذ بقول ابن عباس من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغير معنى هل رأى أحد قط تم حجة يعمل في الحج بشئ ما لا ينبغى له فقضاه بعمرة فكيف يعتمر عنده وهو في بقية من حجه ؟ فإن قلتم نعمره بعد الحج فكيف يكون حج قد خرج منه كله وقضى عنه حجة الاسلام وقد خرج من إحرامه في الحج ثم نقول أحرم بعمرة عن حج ما علمت أحدا من مفتى الامصار قال هذا قبل ربيعة إلا ما روى عن عكرمة.
وهذا من قول ربيعة عفا الله عنا وعنه ومن ضرب من أفطر يوما من رمضان قضى باثنى عشر يوما ومن قبل امرأته وهو صائم أعتكف ثلاثة أيام وما أشبه هذا من أقاويل كان يقولها قال والعجب لكم وأنتم لا تستوحشون من الترك على ربيعة ما هو أحسن من هذا فكيف تتبعونه فيه.
باب خلاف زيد بن ثابت في الطلاق سألت الشافعي عن الرجل يملك امرأته أمرها فتطلق نفسها ثلاثا فقال القول قول الزوج فإن قال(7/258)
إنما ملكتها أمرها في واحدة لا في ثلاث كان القول قوله وهى واحدة وهو أحق بها فقلت له ما الحجة
في ذلك ؟ قال أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبى عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد ما شأنك ؟ فقال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أحق بها، فقلت للشافعي فإنا نقول هي ثلاث إلا أن يناكرها وروى شبيها بذلك عن ابن عمر ومروان بن الحكم (قال الشافعي) ما أراكم تبالون من خالفتم فإن ذهبتم إلى قول ابن عمر ومروان دون قول زيد فبأى وجه ذهبتم إليه فهل يعدو المملك امرأته أمرها إذا طلقت نفسها ثلاثا أن يكون أصل التمليك إخراج جميع ما في يده من طلاقها إليها فإذا طلقت نفسها لزمه ولم تنفعه مناكرتها أولا يكون إخراج جميعه فيكون محتملا لاخراج الجميع والبعض فيكون القول قوله فيه وإذا كان القول قول الزوج فلو ملكها واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يكن لها أن تطلق إلا واحدة واسمعكم إذا اخترتم - والله يغفر لنا ولكم - لا تعرفون كيف موضع الاختيار وما موضع المناكرة فيه إلا ما وصفت.
والله أعلم.
باب في عين الاعور (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الاشج عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا أطفئت أو قال بخقت بمائة دينار قال مالك ليس بهذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شئ مؤقت (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن أنس بن مالك كبر حتى لا يقدر على الصيام فكان يفتدى وخالفه مالك فقال ليس عليه بواجب (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ربيعة عن أبى بكر بن حزم أنه كان يصلى في قميص فقلت إنا نكره هذا فقال كيف كرهتم ما استحب أبو بكر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها كانت تبيع ثمارها وتستثنى منها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة قوم فقال لاهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائط فلا بأس أن يستثنى منه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوزه (قال الشافعي) أيضا يروى عن القاسم وعمرة الاستثناء ولم يرو عنهما حد الاستثناء ولو جاز أن يستثنى منه سهما من ألف سهم ليجوز تسعة أعشاره واكثر ولا أدرى من اجتمع لكم على هذا
والذى يروى خلاف ما يقول (قال الشافعي) ولا يجوز الاستثناء إلا أن يكون البيع واقعا على شئ والمستثنى خارج من البيع وذلك أن يقول أبيعك ثمر حائطي إلا كذا وكذا نخلة فيكون النصف خارجا من البيع أو أبيعك ثمره إلا نصفه أو إلا ثلثه فيكون ما استثنى خارجا من البيع (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ربيعة أن رجلا أتى القاسم فقال إنى أفضت وأفضت معى بأهلى فعدلت إلى شعب فذهبت لادنو منها فقالت امرأتي لم أقصر من شعر رأسي بعد فأخذت من شعر رأسها بأسنانى ثم وقعت بها قال فضحك القاسم ثم قال فمرها فلتأخذ من رأسها بالجلمين (قال الشافعي) وهذا كما قال القاسم إذا قصر من رأسها بأسنانه أجزأ عنها من الجلمين قال مالك يهريق دما وخالف القاسم لقول نفسه (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم من أين القاسم يرمى جمرة العقبة ؟ قال من حيث تيسر قال مالك لا أحب أن يرميها إلا من بطن المسيل ولم يرو فيها خلافا عن أحد.(7/259)
باب خلاف عمر بن عبد العزيز في عشور أهل الذمة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون للتجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقص من عشرين دينارا ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من أموالهم من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول (قال الشافعي) ويقول عمر نأخذ لا يؤخذ منهم إلا مرة في الحول وخالفتموه إن اختلفوا في السنة مرارا وخالفتم عمر بن عبد العزيز في عشرين دينارا إن نقص ثلث دينار فأخبرت عنه أنه قال إن جازت جواز الوازنة أخذت منه الزكاة ولو نقصت أكثر وإن لم تجز جواز الوازنة وهى تنقص ثلث دينار أو أكثر أو أقل لم يؤخذ منها زكاة وزعمتم أن الدراهم إن نقصت عن مائتي درهم وهى تجوز جواز الوازنة أخذت منها الزكاة (قال الشافعي) لسنا نقول بهذا إذا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) فهو كما قال رسول الله صلى لله عليه وسلم فلو نقصت حبة لم يكن فيها صدقة لان ذلك دون خمس أواق وأنتم لم تقولوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذى روى ليس فيما دون خمس أواق صدقة وهو سنة ولا بقول عمر بن العزيز (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون فقال فيه العشر وخالفه مالك فقال لا يؤخذ العشر إلا من زيته وجواب ابن شهاب على حبه (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إنما الصدقة في العين والحرث والماشية قال مالك لا صدقة إلا في عين أو حرث أو ماشية وقال مالك في العرض الذى يدار صدقة (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن أن سعيدا يعنى ابن المسيب وسليمان بن يسار سئلا هل في الشفعة سنة ؟ فقالا جميعا نعم الشفعة في الدور والارضين ولا تكون الشفعة إلا بين القوم الشركاء (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وتأخذون في الجملة وفى هذا يعنى أن تكون الشفعة إلا فيما كانت له أرض فإنه يقسم وقد روى مالك عن عثمان أنه قال لا شفعة في بئر ولا فحل نخل وقال مالك لا شفعة في طريق ولا عرصة دار، وإن صلح فيها القسم وقال فيمن اشترى شقصا من دار أو حيوان، أو عرض الشفعة في الشقص بقدر ما يصيبه من الثمن، ثم خالفتم معنى هذا في المكاتب، فجعلتم نجومه تباع وجعلتموه أحق بما يباع منه بالشفعة.
باب خلاف سعيد وأبى بكر في الايلاء (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد يعنى ابن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن أنهما كانا يقولان في الرجل يولى من امرأته إذا مضت أربعة أشهر فهى تطليقة ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة وقال مالك إن مروان كان يقضى في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الاربعة الاشهر فهى تطليقة وله عليها الرجعة ما كانت في العدة قال مالك وعلى ذلك رأى ابن شهاب (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب أنه سئل عن المرأة(7/260)
يطلقها زوجها في بيت بكراء على من الكراء ؟ فقال سعيد على زوجها قال فإن لم يكن عند زوجها ؟ قال فعلى الامير.
باب في سجود القرآن سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية بسورة الحج فسجد فيها سجدتين، فقلت للشافعي فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة (قال الشافعي) فقد خالفتم ما رويتم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تتخذون قوله عمر وحده حجة وابن عمر وحده حجة حتى تردوا بكل واحد منهما السنة وتبنون عليهما عددا من الفقه ثم تخرجون من قولهما لرأى أنفسكم هل تعلمون يستدرك على أحد قول العورة فيه أبين منها فيما وصفت من أقاويلكم، وسألت الشافعي عما روى صاحبنا وحده في المحصب فقال أخبرنا مالك عن ابن عمر قال كان يصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكه من الليل فيطوف بالبيت، قلت للشافعي نحن نقول لا ينبغى لعالم أن يفعله (قال الشافعي) ما على العالم من النسك ما ليس على غيره قلت هو العالم والجاهل (قال الشافعي) فإن تركاه ؟ قلت: لا فدية على واحد منهما، قال ولكنكم من أصل مذهبكم أن من ترك من نسكه شيئا أهراق دما فإن كان نسكا فقد تركتم أصل قولكم وإن كان منزل سفر لا منزل نسك فلا تأمر عالما ولا جاهلا أن ينزله.
باب غسل الجنابة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه الماء قال مالك ليس عليه العمل (قال الشافعي) هذا ما تركتم على ابن عمر ولم ترووا عن أحد خلافه فإذا وسعكم الترك على ابن عمر لغير مثله لم يجز لكم أن تقولوا قوله حجة على مثله وأنتم تدعون عليه لانفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز تركه لانفسكم.
باب في الرعاف (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم
يتكلم (قال الشافعي) فمالك روى عن ابن المسيب وابن عباس مثله (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يقول من أصابه رعاف أو من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور بن مخرمة يستأنف ثم زعمتم أنه إنما يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروى عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك، لما رويتم عن ابن عمر وابن عباس وابن المسيب في رواية غيركم أنه يبنى في المذى وزعمتم أنكم لا تبنون في المذى.(7/261)
باب الغسل بفضل الجنب والحائض (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا قال مالك لا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض، قلت للشافعي أنت تقول بقول مالك ؟ قال نعم ولست أرى قول أحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة إنما تركته لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وعائشة فإذا اغتسلا معا كان كل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه وأنتم تجعلون قول ابن عمر حجة على السنة وتجعلون سنة أخرى حجة عليه إن كنتم تركتموه على ابن عمر فلعلكم لا تكونون تركتموه عليه إلا بشئ عرفتموه.
باب التيمم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمربد الغنم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد العصر، قلت للشافعي فإنا نقول إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت فإن تيمم قبل آخر الوقت وصلى ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وقد تيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شئ صالح فلم يعد الصلاة فكيف خالفتموه في الامرين معا ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه
غيركم كنتم شبيها أن تقولوا تخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم تخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن يصلى ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه.
باب الوتر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع قال كنت مع ابن عمر بمكة والسماء متغيمة فخشى ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة (قال الشافعي) وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضعين فتقولون لا يوتر بواحدة ومن أوتر لا يشفع وتره ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال لا يشفع وتره فقلت للشافعي ما تقول أنت في هذا ؟ قال بقول ابن عمر أنه يوتر بركعة، قلت أفتقول يشفع وتره ؟ فقال لا فقلت وما حجتك فيه ؟ قال روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال إذا أوترت فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر.
باب الصلاة بمنى والنافلة في السفر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلى وراء الامام بمنى أربعا فإذا(7/262)
صلى لنفسه صلى ركعتين (قال الشافعي) هذا يدل على أن الامام إذا كان من أهل مكة صلى بمنى أربعا لانه لا يحتمل إلا هذا أو يكون الامام من غير أهل مكة يتم بمنى لان الامام في زمان ابن عمر من بنى أمية وقد أتموا بإتمام عثمان قال وهذا يدل على أن المسافر لو أتم بقوم لم تفسد صلاتهم عند ابن عمر لان صلاته لو كانت تفسد لم يصل معه (قال الشافعي) وبهذا نقول وأنتم تخالفون ما رويتم عن ابن عمر لغير رأى أحد رويتموه يخالف ابن عمر بل مع ابن عمر فيه غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوافقه وتخالفونه ابن مسعود عاب إتمام الصلاة بمنى ثم قام فأتمها فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر ولو كان ذلك يفسد صلاته لم يتم وخالف فيه ولكنه رآه واسعا فأتم، وإن كان الفضل عنده في القصر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلى مع الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل (قال الشافعي) ومعروف عن ابن عمر عيب النافلة في
النهار في السفر قال مالك لا بأس بالنافلة في السفر نهارا، قال فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي كيف خالفتم ابن عمر واستحببتم ما كره ولم أعلمكم تحفظون فيه شيئا يخالف هذا يدل على أن احتجاجكم بقول ابن عمر استتار من الناس لانه لا ينبغى لاحد أن يخالف الحجة عنده.
باب القنوت (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت في شئ من الصلوات (قال الشافعي) وأنتم ترون القنوت في الصبح (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أظنه عن أبيه (الشك من الربيع) أنه كان لا يقنت في شئ من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته (قال الشافعي) وأنتم تخالفون عروة فتقولون يقنت بعد الركوع فقلت للشافعي فأنت تيقنت في الصبح بعد الركوع ؟ فقال نعم لان النبي صلى الله عليه وسلم قنت ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان قلت فقد وافقناك قال أجل من حيث لا تعلمون وموافقتكم في هذا حجة عليكم في غيره فقلت من أين ؟ قال أنتم تتركون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحج عن الرجل بقياس على قول ابن عمر وتقولون لا يجهل ابن عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي قد يذهب على ابن عمر بعض السنن ويذهب عليه حفظ ما شاهد منها فقال الشافعي أو يخفى عليه القنوت والنبى صلى الله عليه وسلم يقنت عمره وأبو بكر أو يذهب عليه حفظه ؟ فقلت نعم (قال الشافعي) أقاويلكم مختلفة كيف نجدكم تروون عنه إنكار القنوت ويروى غيركم من المدنيين القنوت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فهذا يبطل أن العمل كما تقول في كل أمر ويبطل قولكم لا يخفى على ابن عمر سنة وإذا جاز عليه أن ينسى أو يذهب عليه ما شاهد كان أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أن تحج عن أبيها من العلم من هذا أولى أن يذهب عليه ولا يجعل قوله حجة على ألسنة وأنها عليك في رد الحديث زعمت أن يكون لا يذهب على ابن عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في التشهد (قال الشافعي) وخالفته إلى قول عمر فإذا كان التشهد وهو من الصلاة وعلم العامة مختلف فيه بالمدينة تخالف فيه ابن عمر وعمر وعائشة فأين الاجتماع والعمل ما كان ينبغى لشئ أن يكون أولى أن يكون مجتمعا عليه من التشهد وما روى فيه مالك صاحبك إلا ثلاثة أحاديث
مختلفة كلها حديثا منها يخالفان (3) فيها عمر وعمر يعلمهم التشهد على المنبر ثم تخالف فيها ابنه وعائشة(7/263)
فكيف إذا ادعى أن يكون الحاكم إذا حكم ثم قال أو عمل أجمع عليه بالمدينة وما يجوز ادعاء الاجماع إلا بخبر ولو ذهب ذاهب يجيزه كانت الاحاديث ردا لاجازته.
باب الصلاة قبل الفطر وبعده (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر لم يكن يصلى يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلى يوم الفطر قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أن أباه كان يصلى قبل يغدو إلى المصلى أربع ركعات (قال الشافعي) والذى يروى الاختلاف فأين الاجماع إذا كانوا يختلفون في مثل هذا من الصلاة وما تقولون أنتم قالوا لا نرى بأسا أن يصلى قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) فإذا خالفتم ابن عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر في هذا لقول الرجل من التابعين أيجوز لغيركم خلافه لقول رجل من التابعين أو تضيقون على غيركم ما توسعون على أنفسكم فتكونون غير منصفين ويكون هذا غير مقبول من أحد ويجوز أن تدع على ابن عمر لرجل من التابعين ولرأى صاحبك وتجعل قول ابن عمر حجة على السنة في موضع آخر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في صلاة الخوف بشئ خالفتموه فيه ومالك يقول لا أراه حكى إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن أبي ذئب يرويه عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك فيه (قال الشافعي) فإذا تركتم على ابن عمر رأيه وروايته في صلاة الخوف بحديث يزيد بن رومان عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تتركون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت من حديث يزيد بن رومان لرأى ابن عمر ثم تدعون حديث يزيد بن رومان لقول سهل ابن أبى حثمة فتدعون السنة لقول سهل فما أعرف لكم في العلم مذهبا يصح والله المستعان.
باب نوم الجالس والمضطجع (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو قاعد ثم يصلى ولا يتوضأ (قال
الشافعي) وهكذا نقول وإن طال ذلك لا فرق بين طويلة وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الارض ونقول إذا كان مضجعا أعاد الوضوء (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه.
فقلت للشافعي فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) ولا يجوز في النوم قاعدا إلا أن يكون حكمه حكم المضطجع قليله وكثيره سواء أو خارجا من ذلك الحكم فلا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره.
فقلت للشافعي فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوؤه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره والخروج من أقاويل الناس قول ابن عمر كما حكى مالك وهو لا يرى في النوم قاعدا وضوءا وقول الحسن من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس فعليه الوضوء وقولكم خارج منهما (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال في السوق فتوضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعى للجنازة فمسح على خفيه ثم صلى(7/264)
قلت للشافعي فإنا نقول لا يجوز هذا إنما يسمح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف فقال الشافعي إنى لارى خلاف ابن عمر عليكم خفيفا لرأى أنفسكم لا بل لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا يخالف قول ابن عمر وإن جاز زلل ابن عمر عندكم وإنما زعمتم أن الحجة في قول انفسكم فلم تكلفتم الرواية عن غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم لا حجة.
باب إسراع المشى إلى الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سمع الاقامة وهو بالبقيع فأسرع المشى إلى المسجد (قال الشافعي) وكرهتم زعمتم إسراع المشى إلى المسجد فقلت للشافعي نحن نكره الاسراع إلى المسجد إذا أقمت الصلاة (قال الشافعي) فإن كنتم كرهتموه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة) فقد اصبتم وهكذا ينبغى لكم في كل أمر لرسول الله فيه سنة فأما أن قياسا قول ابن عمر ويخطئ القياس عليه حجة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر امرأة تحج عن أبيها ورجلا يحج عن أبيه فقال (لا يحج أحد عن أحد) لان ابن عمر
قال (لا يصلى أحد عن أحد) فكيف يجوز لمسلم أن يدع ما يروى رسول الله إلى ما يروى عن غيره ثم يدعه لقياس يخطئ فيه وهو هنا يصيب في ترك ما روى عن ابن عمر إذ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ثم يزيد فيخرج إلى خلاف ابن عمر معه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع.
باب رفع الايدى في التكبير سألت الشافعي عن رفع الايدى في الصلاة فقال يرفع المصلى يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود فقلت للشافعي فما الحجة في ذلك ؟ فقال أخبرنا هذا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قولنا فقلت فإنا نقول يرفع في الابتداء ثم لا يعود (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع عن الركوع رفعهما كذلك وهو يرى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من لركوع رفعهما كذلك ثم خالفتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمر فقلتم لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة وقد رويتم عنهما أنهما رفعا في الابتداء وعند الرفع من الركوع (قال الشافعي) أفيجوز لعالم أن يترك على النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر لرأى نفسه أو على النبي صلى الله عليه وسلم لرأى ابن عمر ثم القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر ويصيب فيه يترك على ابن عمر لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض ؟ أرأيت إن جاز له أن يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في الصلاة مرتين أو ثلاثا وعن ابن عمر فيه اثنتين ويأخذ بواحدة ويترك واحدة أيجوز لغيره ترك الذى أخذ به وأخذ الذى ترك أو يجوز لغيره تركه عليه ؟ (قال الشافعي) لا يجوز له ولا لغيره ترك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال ما معنى رفع الايدى (قال(7/265)
الشافعي) هذه الحجة غاية من الجهل معناه تعظيم الله واتباع السنة معنى الرفع في الاول معنى الرفع الذى خالف فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع ثم خالفتم فيه
روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر معا لغير قول واحد روى عنه رفع الايدى في الصلاة تثبت روايته يروى ذلك عن رسول الله ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا ويروى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه فقد ترك السنة.
باب وضع الايدى في السجود (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذى يضع عليه وجهه قال ولقد رأيته في يوم شديد البرد يخرج يديه من تحت برنس له (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهذا يشبه سنة النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبع فذكر منها كفيه وركبتيه (قال الشافعي) ففعل في هذا بما أمر به ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فأفضى بيده إلى الارض وإن كان البرد شديدا كما يفضى بجبهته إلى الارض فإن كان فبهذا كله نقول وخالفتم هذا عن ابن عمر حيث وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقلتم لا يفضى بيديه إلى الارض في حر ولا برد إن شاء الله.
باب من الصيام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة قال مالك وأهل العلم يرون عليها من ذلك القضاء قال مالك عليها القضاء لان الله عزوجل يقول (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (قال الشافعي) وإذا كان له أن يخالف ابن عمر لقول القاسم ويتأول في خلاف ابن عمر القرآن ولا يقلده فيقول هذا أعلم بالقرآن منا ومذهب ابن عمر يتوجه لان الحامل ليست بمريضة المريض يخاف على نفسه والحامل خافت على غيرها لا على نفسها فكيف ينبغى أن يجعل قول ابن عمر في موضع حجة ثم القياس على قوله حجة على النبي صلى الله عليه وسلم ويخطئ القياس فيقول حين قال ابن عمر لا يصلى أحد عن أحد لا يحج أحد عن أحد قياسا على قول ابن عمر وترك قول النبي صلى الله عليه وسلم له (1) وكيف جاز أن يترك من استقاء في رمضان ؟ فقال عليه القضاء ولا كفارة عليه ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه ولا كفارة فقلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فليس عليه القضاء.
فقلت للشافعي فإنا نقول ذلك من استقاء فعليه القضاء ولا كفارة عليه (قال الشافعي) فما رويتم من هذا عن عمر أنه أفطر وهو يرى الشمس غربت ثم طلعت فقال الخطب يسير وقد
__________
(1) قوله: وكيف جاز أن يترك من استقاء الخ كذا في النسخة وفيه سقط ولعل أصل العبارة (وكيف جاز أن يتركه وسألت الشافعي عن استقاء الخ) وبعد ذلك ففى بقية الباب ما لا يخفى على متأمل، فحرر كتبه مصححه.(7/266)
اجتهدنا - يعنى قضاء يوم مكان يوم - الحجة لنا عليكم وأنتم إن وافقتموهما في هذا الموضع تخالفونهما فيما هو مثل معناه قال فقلت للشافعي وما هذا الموضع الذى نخالفهما في مثل معناه ؟ فقال روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلا جامع امرأته نهارا في رمضان أن يعتق أو يصوم أو يتصدق لا يجزيه إلا بعد أن لا يجد عتقا ولا يستطيع الصوم فقلتم لا يعتق ولا يصوم ويتصدق فخالفتموه في اثنتين ووافقتموه في واحدة ثم زعمتم أن من أفطر بغير جماع فعليه كفارة ومن استقاء أو افطر وهو يرى أن الليل قد جاء فلم كانا عندكم مفطرين ؟ ثم زعمتم أن ليس عليهما كفارة بالاجماع فلم تحسنوا الاتباع ولا القياس والله يغفر لنا ولكم.
فقلت للشافعي فكيف كان يكون القياس على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المجامع نهارا فقال ما قلنا من أن لا يقاس عليه شئ غيره وذلك أنا لا نعلم أحدا خالف في أن لا كفارة على من تقيأ ولا من أكل بعد الفجر وهو يرى الفجر لم يطلع ولا قبل تغيب الشمس وهو يرى أن الشمس غربت ولم يجز أن يجمع الناس على خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس يجوز فيه إلا ما قلنا من أن لا كفارة إلا في الجماع استدلالا بما وصفت من الامر الذى لا أعلم فيه مخالفا وأن أنظر فأى حال جعلت فيها الصائم مفطرا يجب عليه القضاء جعلت عليه الكفارة فأقول ذلك في المحتقن والمستعط والمزدرد الحصى والمفطر قبل تغيب الشمس والمتسحر بعد الفجر وهو يرى أن الفجر لم يطلع والمستقئ وغيره ويلزمك في الآكل الناسي أن يكون عليه كفارة لانك تجعل ذلك فطرا له وأنت تترك الحديث نفسه ثم تدعى فيه القياس ثم لا تقوم من القياس على شئ تعرفه.
باب في الحج
قال سألت الشافعي هل يغسل المحرم رأسه من غير جنابة ؟ فقال نعم والماء يزيده شعثا وقال الحجة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رأسه ثم غسله عمر قلت كيف ذكر مالك عن ابن عمر ؟ قال أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام قال ونحن ومالك لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه في غير احتلام ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم قلت فهكذا نقول (قال الشافعي) وإذا ترك قول ابن عمر لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر فهكذا ينبغى أن تتركوا عليه لكل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه وإذا وجد في الرواية عن ابن عمر ما يخالف ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر فينبغي في مرة أخرى أن لا تنكروا أن يذهب على ابن عمر للنبى صلى الله عليه وسلم سنة وقد يذهب عليه وعلى غيره السنن ولو علمها ما خالفها ولا رغب عنها إن شاء الله فلا تغفل في العلم وتختلف أقاويلك فيه بلا حجة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم فقلت للشافعي فإنه يخالف ابن عمر ويقول بقول ابن المسيب فقال الشافعي إن من استجاز خلاف ابن عمر ولم يرو خلافه إلا عن ابن المسيب حقيق أن لا يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول ابن عمر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول (ما استيسر من الهدى) بعير أو بقرة (قال الشافعي) ونحن وأنت نقول (ما استيسر من الهدى) شاة ويرويه عن ابن عباس وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبى صلى الله عليه وسلم واجبا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ(7/267)
من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال مالك ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قلت فإنا نقول ليس على أحد الاخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس (قال الشافعي) وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذى الحليفة قلت فإنا نقول يقصر الصلاة إذا جاوز
البيوت (قال الشافعي) فهذا مما تركتم على ابن عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن محمد بن أبى بكر الثقفى أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله ؟ قال كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن ابن عمر قال كل ذلك قد رأيت الناس يفعلونه وأما نحن فنكبر.
قلت للشافعي فإنا نقول يلبى حتى تزول الشمس ويلبى وهو غاد من منى إلى عرفة ولا يكبر إذا زالت الشمس من يوم عرفة (قال الشافعي) فهذا خلاف ما روى صاحبكم عن ابن عمر من اختيار التكبير وكراهتكم التكبير مع خلاف ابن عمر خلاف ما زعمتم أنه كان يصنع مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر عليه فقد كانوا يختلفون في النسك وبعده فكيف ادعيت الاجماع في كل أمر وأنت تروى الاختلاف في النسك زمان النبي وبعد النبي صلى الله عليه وسلم وتروى الاختلاف في الصوم مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فتقول عن أنس سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصيام على المفطرين ولا المفطرون على الصائمين وقد اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده في غير شئ.
قلت للشافعي فما تقول أنت فيه ؟ فقال أقول إن هذا خير وأمر يتقرب به إلى الله عزوجل الامر فيه والاختلاف واسع وليس الاجماع كما ادعيتم إذا كان بالمدينة إجماع فهو بالبلدان وإذا كان بها اختلاف اختلف البلدان فأما حيث تدعون الاجماع فليس بموجود.
قال وسألت الشافعي عن العمر في أشهر الحج فقال حسنة استحسنها وهى أحب منها بعد الحج لقول الله عزوجل (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) ولقول رسول الله (دخلت العمرة في الحج) ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه (من لم يكن معه هدى أن يجعل إحرامه عمرة) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال والله لان اعتمر قبل أن أحج وأهدى أحب إلى من أعتمر بعد الحج في ذى الحجة فقلت للشافعي فانا نكره العمرة قبل الحج (قال الشافعي) فقد كرهتم ما رويتم عن ابن عمر أنه أحبه منها وما رويتم عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة ومنا من أهل بحج فلم كرهتم ما روى أنه فعل مع النبي صلى الله عليه وسلم وما ابن عمر استحسنه وما أذن الله فيه من التمتع إن هذا لسوء الاختيار والله المستعان.
باب الاهلال من دون الميقات قال سألت الشافعي عن الاهلال من دون الميقات فقال حسن قلت له وما الحجة فيه ؟ قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء وإذا كان ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقت المواقيت وأهل من أيلياء وإنما روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما وقت المواقيت قال يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه ولكنه أمر أن لا يجاوزه(7/268)
حاج ولا معتمر إلا بإحرام (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت للشافعي فإنا نكره أن يهل أحد من وراء الميقات (قال الشافعي) وكيف كرهتم ما اختار ابن عمر لنفسه وقاله معه علي بن أبى طالب وعمر بن الخطاب في رجل من أهل العراق إتمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك ما أعلمه يؤخذ على أحد أكثر مما يؤخذ عليكم من خلاف ما رويت وروى غيرك عن السلف.
باب في الغدو من منى إلى عرفة قال سألت الشافعي عن الغدو من منى إلى عرفة يوم عرفة فقال ليس فيه ضيق والذى أختار أن يغدو إذا طلعت الشمس (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو من منى إلى عرفة إذا طلعت الشمس قال فقلت للشافعي فإنا نكره هذا ونقول يغدو من منى إذا صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس (قال الشافعي) فكيف لم تتبعوا ابن عمر وقد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وكان الحج خاصة مما ينسب ابن عمر عندهم إلى العلم به وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجد آخر أنه غدا من منى حين طلعت الشمس وقال محمد بن على السنة أن يغدو الامام من منى إذا طلعت الشمس فعمن رويتم كراهية هذا ؟ باب قطع التلبية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر حج في الفتنة فأهل ثم
نظر فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أنى قد أوجبت الحج مع العمرة ونحن لا نرى بهذا بأسا فقلت للشافعي فإنا نكره أن يقرن الحج مع العمرة فقال الشافعي فكيف كرهتم غير مكروه وخالفتم من لا ينبغى لكم خلافه ؟ وما نراكم تبالون من خالفتم إذا شئتم.
باب النكاح (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن عباس وابن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه كان يقول لا تنكح الامة على الحرة فإن أطاعت فلها الثلثان (قال الشافعي) وهذا مما تركتم بغير رواية عن غيره عندكم علمتها فقلت للشافعي فإنا نكره أن ينكح أحد أمة وهو يجد طولا لحرة (قال الشافعي) فقد خالفتم ما رويتم عن ابن عباس وابن عمر لانهما لم يكرها في روايتكم إلا الجمع بين الحرة والامة لا أنهما كرها ما كرهتم وهكذا خالفتم ما رويتم عن ابن المسيب وهل رويتم في قولكم شيئا عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه فقلت ما علمت فقال فكيف استجزتم خلاف من شئتم لقول أنفسكم ؟(7/269)
باب التمليك (قال الشافعي) اخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول إذا ملك الرجل امرأته فالقضاء ما قضيت إلا أن يناكرها الرجل فيقول لها لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبى عتيق وعيناه تدمعان.
فقال له زيد ما شأنك ؟ قال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ما حملك على ذلك ؟ فقال له القدر فقال له زيد ارتجعها إن شئت وإنما هي واحدة وأنت أملك بها (قال الشافعي) اخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد أن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت أنت الطلاق فسكت ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فقالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فاختصما إلى
مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال عبد الرحمن فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك قلت للشافعي إنا نقول في المخيرة إذا اختارت نفسها هي ثلاث وفى التى يجعل أمرها بيدها أو تملك امرها أيما تملك القضاء ما قضت إلا أن يناكرها زوجها (قال الشافعي) هذا خلاف ما رويتم عن زيد بن ثابت وخلا مارى غيركم عن علي بن أبى طالب وابن مسعود وغيرهما فأجعلك اخترت قول ابن عمر على قول من خالفه في المملكة فإلى قول من ذهبت في المخيرة ؟ وعمن تقول أن اختاري وأمرك بيدك سواء وأنت لا نعلمك رويت في المخيرة عن واحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا يوافق قولك فإن رويت في هذا اختلافا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ادعيت الاجماع ؟ وإذا حكيت فأكثر ما تحكى الاختلاف.
باب المتعة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها الصداق ولم تمس فحسبها ما فرض لها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن القاسم بن محمد مثله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول لكل مطلقة متعة فقلت للشافعي فإنا نقول خلاف قول ابن شهاب لقول ابن عمر (قال الشافعي) فبقول ابن عمر قلتم وأنتم تخالفونه قال فقلت للشافعي وأين ؟ قال زعمتم أن ابن عمر قال لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم تمس فحسبها نصف الصداق وهذا يوافق القرآن فيه وقوله فيمن سواها من المطلقات أن لها متعة يوافق القرآن لقول الله جل ثناؤه (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) وقال الله جل ذكره (وللمطلقات متاع بالمعروف) قلت فإنما ذهبنا إلى أن هذا إنما هو لمن ابتدأ الزوج طلاقه فيها أرأيت المختلعة والمملكة فإن هاتين طلقتا بأنفسهما قال أليس الزوج ملكها ذلك وملكه التى حلف أن لا تخرج فخرجت وملكه رجلا يطلق امرأته ثم فرقت بينهن وبين المطلقات في المتعة ثم فرقت بين أنفسهن وكلهن طلقها غير الزوج إلا أن ابتداء الطلاق الذي به كان من الزوج ؟ فإن قلت لان الله إنما ذكر المطلقات والمطلقات المرأة يطلقها زوجها فإن اختلعت عندك فليس الزوج هو المطلق لانه أدخل قبل الطلاق شيئا لزمك أن تخالف معنى القرآن لان الله عزوجل يقول (والمطلقات يتربصن بأنفسهن(7/270)
ثلاثة قروء) فإن زعمت أن المملكة والمختلعة ومن سمينا من النساء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء مطلقات لان الطلاق جاء من الزوج إذا قبل الخلع وجعل إليهن الطلاق وإلى غيرهن فطلقهن فهو المطلق وعليه يحرمن فكذلك المختلعات ومن سمينا منهن مطلقات لهن المتعة في كتاب الله ثم قول ابن عمر، والله أعلم.
باب الخلية والبرية (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا (قال الشافعي) مذهب ابن عمر فيه ومن ذهب مذهبه أن الخلية والبرية تقوم مقام قوله لامرأته أنت طالق ثلاثا ولا ينويه شيئا من ذلك ومن قال لمدخول بها وغير مدخول بها أنت طالق ثلاثا وقعت عليه عندنا وعند عامة المفتين وعندكم (قال الشافعي) لنا: قد خالفتم ابن عمر في بعض هذا القول ووافقتموه في بعض فقلتم الخيلة والبرية ثلاث في المدخول بها فلا يدين ويدين في التي لم يدخل بها ثلاثا أراد أو واحدة فلا أنتم قلتم كما قال ابن عمر ومن قال قوله فيقول لا التفت أن يدين المطلق وأستعمل عليها الاغلب ولا أنتم ذهبتم إذ كان الكلام منه يحتمل معنيين إلى أن يجعل القول قوله مع يمينه ولكنكم خالفتم هذا معا في معنى ووافقتموه معا في معنى وما للناس فيها قول إلا قد خرجتم منه إنما قال الناس قولين أحدهما أن قال بعضهم قول ابن عمر أولئك استعملوا الاغلب فجعلوا الخلية والبرية والبتة ثلاثا كقوله أنت طالق ثلاثا وآخرون قالوا بقول عمر في البتة يدين فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة فواحدة وآخرون ذهبوا إلى أن الكلمة احتملت معنيين فجعلوا عليه الاقل فجعلوا الخلية والبرية واحدة إذا أراد بها الطلاق وقولكم خارج من هذا مخالف لما رويتم وجميع الآثار في بعضه وزدتم قولا ثالثا هو داخل في أحد القولين وهو أن يملك الرجل امرأته أمرها فرويتم عن ابن عمر القضاء ما قضت إلا أن يناكرها ثم زعمتم أنه إن ملك امرأته أمرها وهي مدخول بها فهكذا وإن كانت غير مدخول بها نويتموه والبتة ليست مذهبكم إنما البتة مذهب من لا يوقع عليها الطلاق إذا احتمل الكلام الطلاق وغيره إلا بإرادة الطلاق كما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر وغيرهما.
باب في بيع الحيوان قد سألت الشافعي عن بيع الحيوان فقال: لا ربا في الحيوان يدا بيد ونسيئة ولا يعدو الربا في زيادة الذهب والورق والمأكول والمشروب فقلت وما الحجة فيه ؟ فقال فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت وعن ابن عباس وغيره من رواية أهل البصرة ومن حديث مالك أحاديث (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن عليا باع جملا له يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب كان يقول لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث المضامين والملاقيح وحبل الحبلة (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل قال لا بأس به (قال الشافعي) وبهذا(7/271)
كله نقول وخالفتم هذا كله ومثل هذا يكون عندكم العمل لانكم رويتم عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورجلين من التابعين أحدهما أسن من الآخر وقلتم لا يجوز البعير بالبعيرين إلا أن تختلف رحلتهما ونجابتهما فيجوز فإن أردتم بها قياسا على التمر بالتمر فذلك لا يصلح إلا كيلا بكيل ولو كان أحد التمرين خيرا من الآخر ولا يصلح شئ من الطعام بشئ من الطعام نسيئة وأنتم تجيزون بعض الحيوان ببعض نسيئة فلم تتبعوا فيه من رويتم عنه إجازته ممن سميت ولم تجعلوه قياسا على غيره وقلتم فيه قولا متناقضا خارجا من السنة والآثار والقياس والمعقول لعمري إن حرم البعير بالبعيرين مثله في الرحلة والنجابة ما يعدو أن يحرم خيرا والخبر يدل على إحلاله وقد خالفتموه ولو حرمتموه قياسا على ما الزيادة في بعضه على بعض الربا لقد خالفتم القياس وأجزتم البعير بالبعيرين مثله وزيادة دراهم وليس يجوز التمر بالتمر وزيادة دراهم ولا شئ من الاشياء وما علمت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولكم وإن عامة المفتين بمكة والامصار لعلى خلاف قولكم وإن قولكم وإن قولكم لخارج من الآثار يخالفها كلها ما رويتم منها وروى غيركم خارج من القياس والمعقول فكيف جاز لاحد قول يستدرك فيه ما وصفت ثم لا يستدرك في قليل من قوله بل في كثير والله المستعان (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن عروة بن أذمنة قال خرجت مع جدة لى عليها مشى إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض الطريق عجزت فسألت عبد الله بن عمر فقال عبد الله مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت قال مالك وعليها الهدى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال كان على مشى فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبى رباح وغيره فقالوا عليك هدى فلما قدمت المدينة سألت فأمروني أن أمشى من حيث عجزت فمشيت مرة أخرى (قال الشافعي) فرويتم عن ابن عمر أنه أمرها أن تمشى ورويتم ذلك عمن سأل بالمدينة ولم ترووا عنهم أنهم أمروها بهدى فخالفتم في أمرها بهدى وهذا عندكم إجماع بالمدينة ورويتم أن عطاء وغيره امروه بهدى ولم يأمروه بمشى فخالف في رواية نفسه عطاء وابن عمر والمدنيين ولا أدري أين العمل الذي تدعون من قولكم ولا أين الاجماع منه هذا خلافهما فيما رويتم وخلاف رواية غيركم عن ابن عمر وغيره وما يجوز من هذا إلا واحد من قولين إما قول ابن عمر يمشى ما ركب حتى يكون بالمشى كله وإما أن لا يكون عليه عودة لانه قد جاء بحج أو عمرة وعليه هدى مكان ركوبه وإما أن يمشي ويهدى فقد كلفه الامرين معا وإنما ينبغي أن يكون عليه أحدهما والله أعلم.
باب الكفارات (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال (من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة) (قال الشافعي) فخالفتم ابن عمر فقلتم التوكيد وغيره سواء يجزيه فيه إطعام عشرة مساكين نراكم تستوحشون من خلاف ابن عمر بحال وما نعرف لكم مذهبا غير أنا رأيناكم إذا وافقتم قول ابن عمر أو غيره من الصحابة أو من بعدهم من التابعين قلتم هم أشد تقدما في العلم وأحدث برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عهدا فأحرى أن لا نقول إلا بما يعملون وأئمتنا المقتدى بهم فكيف تخالفونهم وعظمتم خاطتهم غاية التعظيم ولعل من خالفهم ممن عبتم عليه خلاف من وافقكم منه أن يكون خلافه لان من رواه عن مثلهم لم تعرفوه لضيق عليكم ثم تخالفونهم لغير قول أحد من الناس مثلهم ولا يسمع روايتكم وتتركون ما شئتم لغير حجة فيما أخذتم ولا ما تركتم وما صنعتم من هذا غير جائز لغيركم عندكم(7/272)
وكذلك هو غير جائز لكم عند أحد من المسلمين لانه إذا لم يجز من يخالف بعض الاثر فيحسن الاحتجاج والقياس كان أن يكون لكم إذا كنتم لا تحسنون عند الناس حجة ولا قياسا أبعد قلتم إن زكاة الفطر وصدقة الطعام وجميع الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام (قال الشافعي) وما علمته قال هذا القول قبلكم أحد من الناس وما أدرى إلى أي شئ ذهبتم إلى عظم ذنب المتظاهر فالقاتل أعظم من المتظاهر ذنبا فكيف رأيتم أن كفارة القاتل بمد النبي صلى الله عليه وسلم وكفارة المتظاهر بمد هشام ومن شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله الكفارات على رسوله قبل أن يولد أبو هشام فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون مد هشام فإن زعمت أنهم كفروا بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا به الصدقات وأخرجوا به الزكاة لان الله عزوجل أنزل الكفارات فقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم كم قدر كيلها كما ابان ذلك في زكاة الفطر وفي الصدقات فكيف أخذتم مد هشام وهو غير ما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس وكفر به السلف إلى أن كان لهشام مد وإن زعمت أن ذلك غير معروف فمن عرفهم أن الكفارة بمد هشام ومن زعم أن الكفارات مختلفة أرأيت لو قال قائل كل كفارة بمد هشام إلا كفارة الظهار فإنما بمد النبي صلى الله عليه وسلم هل الحجة عليه إلا أن نقول لا يفرق بينهما إلا كتاب أو سنة أو إجماع أو خبر لازم.
فقال للشافعي فهل خالفك في أن الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحد ؟ فقال معاذ الله أن يكون زعمنا أن مسلما قط غيركم قال إن شيئا من الكفارات بمد غير النبي صلى الله عليه وسلم قال فما شئ يقوله بعض المشرقيين ؟ قلت قول متوجه وإن خالفناه قال وما هو ؟ قلت قالوا الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم يطعم المسكين مدين مدين قياسا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة أن يطعم في فدية الاذى كل مسكين مدين مدين ولم تبلغ جهالتهم ولا جهالة أحد أن يقول إن كفارة بغير مد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت للشافعي فلعل مد هشام مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشافعي لا هو مد وثلث أو مد ونصف، فقلت للشافعي أفتعرف لقولنا وجها ؟ فقال: لا وجه لكم يعذر أحد من العالمين بأن يقول مثله ولا يفرق مسلم غيركم بين مكيلة الكفارات إلا أنا نقول هي مد مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين وقال بعض المشرقيين مدان مدان فأما أن يفرق أحد بين
مكيلة شئ من الكفارات فلا.
باب زكاة الفطر (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة (قال الشافعي) هذا حسن وأستحسنه لمن فعله والحجة بأن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف صدقة العباس قبل أن تحل ويقول ابن عمر وغيره، فقلت للشافعي فإنا نكره لاحد أن يؤدي زكاة الفطر إلا مع الغدو يوم الفطر وذلك حين يحل بعد الفجر (قال الشافعي) قد خالفتم ابن عمر في روايتكم وما روى غيركم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسلف صدقة عباس بن عبد المطلب قبل محلها لغير قول واحد علمتكم رويتموه عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا التابعين فلست أدرى لاى معنى تحملون ما حملتم من الحديث إن كنتم حملتموه لتعلموا الناس أنكم قد عرفتموه فخالفتموه بعد المعرفة فقد وقعتم بالذي أردتم وأظهرتم للناس خلاف السلف وإن كنتم حملتموه(7/273)
لتأخذوا به فقد أخطأتم ما تركتم منه وما تركتم منه كثير في قليل ما رويتم وإن كانت الحجة عندكم ليست في الحديث فلم تكلفتم روايته واحتججتم بما وافقتم منه على من خالفه ؟ ما تخرجون من قلة النصفة والخطأ فيما صح إذ تركتم مثله وأخذتم بمثله ولا يجوز أن يكون شئ مرة حجة ومرة غير حجة.
باب في قطع العبد (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له سرق وهو آبق فأبى سعيد بن العاص أن يقطعه فأمر به ابن عمر فقطعت يده، فقلت للشافعي فإنا نقول لا يقطع السيد يد عبده إذا أبى السلطان يقطعه فقال الشافعي قد كان سعيد بن العاص من صالحي ولاة أهل المدينة فلما لم ير أن يقطع الآبق أمر ابن عمر بقطعه وفي هذا دليل على أن ولاة أهل المدينة كانوا يقضون بآرائهم ويخالفون فقهاءهم وأن فقهاء أهل المدينة كانوا يختلفون فيأخذ امراؤهم برأى بعضهم دون بعض وهذا أيضا العمل لانكم كنتم توهمون أن قضاء من هو أسوأ حالا من سعيد ومثله لا يقضى إلا بقول الفقهاء وأن فقهاءهم زعمتم لا يختلفون وليس هو كما توهمتم في قول فقهائهم ولا قضاء امرائهم وقد خالفتم رأى سعيد وهو الوالى وابن عمر وهو المفتى فأين العمل ؟
إن كان العمل فيما عمل به الوالى فسعيد لم يكن يرى قطع الآبق وأنتم ترون قطعه وإن كان العمل في قول ابن عمر فقد قطعه وأنتم ترون أن ليس لنا أن نقطعه وما درينا ما معنى قولكم العمل ولا تدرون فيما خبرنا وما وجدنا لكم منه مخرجا إلا أن تكونوا سميتم أقاويلكم العمل والاجماع فتقولون على هذا العمل وعلى هذا الاجماع تعنون أقاويلكم وأما غير هذا فلا مخرج لقولكم فيه عمل ولا إجماع لان ما نجد عندكم من روايتكم ورواية غيركم اختلاف لا إجماع الناس معكم فيه لا يخالفونكم قلت للشافعي قد فهمت ما ذكرت أنا لم نصر إلى الاخذ به من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما تركنا من الآثار عن التابعين بالمدينة من رواية صاحبنا نفسه وتركنا مما روى وخالفنا فيه فهل تجد فيما روى غيرنا شيئا تركناه ؟ قال نعم أكثر من هذا في رواية صاحبكم لغير قليل فقلت له قلنا علم ندخله مع علم المدنيين قال أي علم هو ؟ قلت علم المصريين وعلم غير صاحبنا من المدنيين (قال الشافعي) ولم أدخلتم علم المصريين دون علم غيرهم مع علم أهل المدينة ؟ فقلت أدخلت منه ما أخذوا عن أهل المدينة قال ومن ذلك علم خالد ابن أبى عمران ؟ قلت نعم (قال الشافعي) فقد وجدتك تروى عن خالد بن أبى عمران أنه سأل سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار فنظرت فيما ثبت أنت عن هؤلاء النفر فرأيت فيه أقاويل تخالفها ووجدتك تروى عن ابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد فوجدتك تخالفهم ولست أدرى من تبعتم إذا كنت تروى أنت وغيرك عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء تخالفها ثم عمن رويت عنه هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن التابعين ثم عمن بعدهم فقد أوسعت القرون الخالية والباقية خلافا ووضعت نفسك بموضع أن لا تقبل إلا إذا شئت وأنت تغيب على غيرك ما هو أقل من هذا وعند من عبت عليه عقل صحيح ومعرفة يحتج بها عما يقول ولم نر ذلك عندك والله يغفر لنا ولك قال ويدخل عليك من هذا خصلتان فإن كان علم أهل المدينة إجماعا كله أو الاكثر منه فقد خالفته لا بل قد خالفت أعلام أهل المدينة من كل قرن في بعض أقاويلهم وإن كان في علمهم افتراق فلم ادعيت لهم الاجماع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما حفظت لك مذهبا واحدا في شئ من العلم استقام لك فيه قول ولا حفظت أنك ادعيت الحجة في شئ إلا تركتها في مثل الذي ادعيتها فيه وزعمت أنك تثبت السنة من وجهين أحدهما أن تجد الائمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(7/274)
قالوا بما يوافقها والآخر أن لا تجد الناس اختلفوا فيها وتردها إن لم تجد للائمة فيها قولا وتجد الناس اختلفوا فيها ثم تثبت تحريم كل ذي ناب من السباع واليمين مع الشاهد والقسامة وغير ذلك مما ذكرنا هذا هذا كله لا تروى فيه عن أحد من الائمة شيئا يوافقه بل أنت تروى في القسامة عن عمر خلاف حديثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتروى فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف حديثك الذي أخذت به ويخالفك فيها سعيد بن المسيب برأيه وروايته ويخالفك فيها كثير من أهل المدينة ويردها عليك أهل البلدان ردا عنيفا وكذلك أكثر أهل البلدان ردوا عليك اليمين مع الشاهد ويدعون فيها أنها تخالف القرآن ويردها عليك بالمدينة عروة والزهرى وغيرهما وبمكة عطاء وغيره ويرد كل ذي ناب من السباع عائشة وابن عباس وغيرهما ثم رددت أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب للاحرام وبمنى قبل الطواف ابن أبى وقاص وابن عباس كما تطيب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا أكثر المفتين بالبلدان فتترك هذا لان رويت أن عمر كره ذلك ولا يجوز لعالم أن يدع قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد سواه فإن قلت قد يمكن الغلط فيمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا يمكن الغلط فيمن روى ما رويت عن عمر فإن جعلت الروايتين ثابتتين معا فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال به وإن أدخلت التهمة على الراويين معا فلا تدع الرواية عن أحد أخذت عنه وأنت تتهمه، قلت للشافعي أفيجوز أن تتهم الرواية ؟ قال لا إلا أن يروى حديثان عن رجل واحد مختلفان فذهب إلى أحدهما فأما رواية عن واحد لا معارض لها فلا يجوز أن تتهم ولو جاز أن تتهم لم يجز أن نحتج بحديث المتهمين بغير معارض روايته فأما أن يروى رجل عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويروى آخر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يخالفه فليس هذه معارضة هذه رواية عن رجل وهذه عن آخر وكل واحد منهما غير صاحبه ثم لم تثبت على ما وصفت من مذهبك حتى تركت قول عمر في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته فقلت لا يكون للذي التقطه ولاؤه ولا أحسب حجة لك في هذه إلا أن تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) وهذا غير معتق ورويت عن عمر أنه بدأ في القسامة المدعى عليهم فأبوا فردها على المدعين فأبوا الايمان فأغرم المدعى عليهم نصف الدية فخالفته أنت فقلت يبدأ المدعون ولا نغرم المدعى عليهم إذا لم يحلف من أنه بدأ المدعين ولم يجعل على المدعى عليهم غرامة حين لم يقبل المدعون أيمانهم ورويت عن عمر أنه قال في المؤمن يؤمن العلج ثم يقتله لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قتلته فخالفته وقلت لا يقتل
مؤمن بكافر مع ما وصفنا مما تركت على عمر والرجل من الصحابة ثم تتخلص إلى أن تترك عليه لرأى نفسك ولا يجوز إذا كانت السنة حجة على قول من تركها أن لا يوافقها إلا أن تكون كذلك أبدا ولا يجوز هذا القول المختلط المتناقض ورويت عن عمر في الضرس جمل وعن ابن المسيب في الضرس جملان ثم تركت عليهما معا قولهما ولا أعلم لك حجة في هذا أقوى من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (في السن خمس) وأن الضرس قد يسمى سنا ثم صرت إلى أن رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمرأة أن تحج عن أبيها وهذا قول علي بن أبى طالب وابن عباس وابن المسيب وربيعة وكل من عرفت قوله من كل أهل بلد غير أصحابك لا أعلمهم يختلفون فيه فتركته لقياس زعمت على قول ابن عمر لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد فقلت والحج يشبههما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ورويت عن ابن عمر أنه سمع الاقامة فأسرع المشي إلى المسجد فتركته عليه لا أعلم لك حجة في تركه عليه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة) ورويت عن ابن عمر أنه كان ينضح في عينيه الماء إذا اغتسل من الجنابة وخالفته ولم ترو عن أحد من الناس خلافه ورويت عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ثم خالفته وهو يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير قول أحد من الناس(7/275)
رويته عنه ورويت عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه حتى يخرجهما في شدة البرد وتروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يسجد على سبع فيها الكفان فخالفت ابن عمر فيما يوافق فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كنت تخالف ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطيب للمحرم لقول عمر وما رويت عن عمر في تقريد البعير وهو محرم لقول ابن عمر وما رويت عن ابن عمر فيما وصفنا وغيره لقول نفسك فلا أسمع العلم إذا إلا علمك ولا أعلمك تدري لاي شئ تحمل الحديث إذا كنت تأخذ منه ما شئت وتترك منه ما شئت ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تعتمدوا على أمر تعرفونه.
فقلت للشافعي إنما ذهبنا إلى أن نثبت ما اجتمع عليه أهل المدينة دون البلدان كلها فقال الشافعي هذه طريق الذين أبطلوا الاحاديث كلها وقالوا نأخذ بالاجماع إلا أنهم ادعوا إجماع الناس وادعيتم أنتم إجماع بلد هم يختلفون على لسانكم والذي يدخل عليهم يدخل عليك معهم للصمت كان أولى بكم من هذا القول قلت ولم ؟ قال لانه
كلام ترسلونه لا بمعرفة فإذا سئلتم عنه لم تقفوا منه على شئ ينبغي لاحد أن يقبله أرأيتم إذا سئلتم من الذين اجتمعوا بالمدينة ؟ أهم الذين ثبت لهم الحديث وثبت لهم ما اجتمعوا عليه وإن لم يكن فيه حديث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قلتم نعم قلت يدخل عليكم في هذا أمران أحدهما أنه لو كان لهم إجماع لم تكونوا وصلتم إلى الخبر عنهم إلا من جهة خبر الانفراد الذي رددتم مثله في الخبر عن رسول الله فإن ثبت خبر الانفراد فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يؤخذ به والآخر أنكم لا تحفظون في قول واحد غيركم شيئا متفقا فكيف تسمون إجماعا لا تجدون فيه عن غيركم قولا واحدا ؟ وكيف تقولون أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مختلفون على لسانكم وعند أهل العلم ؟ فإن قلتم إنا ذهبنا إلى أن إجماعهم أن يحكم أحد الائمة أبو بكر أو عمر أو عثمان رضى الله عنهم بالمدينة بحكم أو يقول القول فقال الشافعي إنه قد احتج لكم بعض المشرقيين بأن قال ما قلتم وكان حكم الحاكم وقول القائل من الائمة لا يكون بالمدينة إلا علما ظاهرا غير مستتر وهم يجمعون أنهم أعلم الناس بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلب الناس لما ذهب علمه عنهم منها يسألون عنها على المنبر وعلى المواسم وفي المساجد وفي عوام الناس ويبتدئون فيخبرون بما لم يسألوا عنه فيقبلون ممن أخبرهم ما أخبرهم إذا ثبت لهم فإذا حكم أحدهم الحكم لم تجوز أن يكون حكم به إلا وهو موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير مخالف لها فإن جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فخالفه من وجهة الانفراد اتهم لما وصفت فقلت للشافعي هذا المعنى الذي ذهبنا إليه بأى شئ احتججت عليه (قال الشافعي) أول ما نحتج به عليكم من هذا أنكم لا تعرفون حكم الحاكم منهم ولا قول القائل إلا بخبر الانفراد الذي رددتم مثله إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الفرض من الله وما روى عمن دونه لا يحل محل قول النبي صلى الله عليه وسلم أبدا فكيف أجزتم خبر الانفراد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورددتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت للشافعي فما رد عليك ! فقال ما كان عنده في هذا شئ أكثر من الخروج منه وأنا أعلم - إن شاء الله - أنه يعلم أنه يلزمه فهل عندكم في هذا حجة ؟ فقلت ما يحضرني قال فقلت للشافعي وما حجتك عليه سوى هذا ؟ فقال الشافعي قد أوجدتكم أن عمر - مع فضل علمه وصحبته وطول عمره وكثرة مسألته وتقواه قد حكم أحكاما بلغه بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ فرجع عن حكمه إلى ما بلغه عن رسول الله ورجع الناس عن بعض حكمه بعده إلى ما بلغهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد يعزب عن الكثير الصحبة الشئ من العلم يحفظه الاقل علما وصحبة منه فلا يمنعه ذلك من قبوله وأكتفيت من ترديد هذا بما وصفت في كتاب هذا وكتاب جماع العلم (قال الشافعي) ولو لم يكن هذا هكذا ما كان على الارض أحد أعلمه أترك لما زعم أن الصواب فيه منكم قلت فكيف ؟ قال(7/276)
قد تركتم على عمر بن الخطاب من زوايتكم ؟ منها ما تركتموه وزعمتم لان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يخالفه ومنها ما تركتموه لان ابن عمر خالفه ومنها ما تركتموه لرأى أنفسكم لا يخالف عمر فيه أحد يحفظ عنه فلو كان حكم الحاكم وقوله يقوم المقام الذي قلت كنت خارجا منه فيما وصفنا وفيما روى الثقات عن عمر أنكم لتخالفون عنه إكثر من مائة قول منها ما هو لرأى أنفسكم ومثلكم وحفظت أنك تروى عن أبى بكر ستة أقاويل تركتم عليه منها خمسة اثنين في القراءة في الصلاة وأخرى في نهيه عن عقر الشجر وتخريب العامر وعقر ذوات الارواح إلا لمأكلة وحفظت أنك تركت على عثمان أنه كان يخمر وجهه وهو محرم من روايتكم وغير ذلك وما تركت عليهم من رواية الثقات من أهل المدينة أضعاف ما تركتم عليهم من روايتكم لغفلة ولقلة روايتكم وكثرة روايتهم فإن ذهبتم إلى غيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ترووا عن أحد قط شيئا علمته إلا تركتم بعض ما رويتم وإن ذهبتم إلى التابعين فقد خالفتم كثيرا من اقاويلهم وإن ذهبتم إلى تابعي التابعين فقد خالفتم أقاويلهم مما رويتم وروى غيركم ما كتبنا منه في هذا الكتاب شيئا يدل على ما رويتم وما تركنا من رواية غيركم أضعاف ما كتبنا فإن أنصفتم بأقاويلكم فلا تشكوا في أنكم لم تذهبوا مذهبا علمناه إلا فارقتموه كان كانت حجتكم لازمة فحالكم بفراقها غير محمودة وإن كانت غير لازمة دخل عليكم فراقها والضعف في الحجة بما لا يلزم قال فقلت للشافعي فقد سمعتك تحكى أن بعض المشرقيين قام بحجتنا فيما ذكرنا من الاجماع فأحب أن تحكى لى ما قلت وقال لك فقال لى الشافعي فيما حكيت الكفاية مما لم أحك وما تصنع بما لم تقله أنت في حجتك ؟ فقلت للشافعي قد ذكرت الذي قام بالعذر في بعض ترك الحديث ووصفت أنه منسوب إلى البصرة فقال لى الشافعي هو كما ذكرت وقد جاء منه على ما لم تأت عليه لنفسك ولو لم أر في مذهبه شيئا تقوم به حجة فقلت فاذكر منه ما حضرك (قال الشافعي) قلت له أرأيت الفرض علينا وعلى من قبلنا في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس واحدا ؟ قال بلى فقلت إذا كان أبو بكر خليفة النبي صلى الله
عليه وسلم والعامل بعده فورد عليه خبر واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر لا مدة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم يمكنه فيها أن يعمل بالخبر فلا يترك ما تقول فيه ؟ قال أقول أنه يقبله ويعمل به فقلت قد ثبت إذا بالخبر ولم يتقدمه عمل من أحد بعد عن النبي صلى الله عليع ؟ وسلم يثبته لانه لم يكن بينهما إمام فيعمل بالخبر ولا يدعه وهو مخالف في هذا حال من بعده (قال الشافعي) فقلت أرأيت إذا جاء الخبر في آخر عمره ولا يعمل به ولا بما يخالفه في أول عمره وقد عاش أكثر من سنة يعمل فما تقول فيه ؟ قال يقبله فقلت فقد قبل خبرا لم يتقدمه عمل (قال الشافعي) لو أجبت إلى النصفة على أصل قولك يلزمك أن لا يكون على الناس العمل بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأن يعمل به من بعده أو يترك العمل لانه إذا كان للامام الاول أن يدعه لم يعمل به كان جميع من بعده من الائمة في مثل حاله لانه لابد أن يبتدئ العمل به الامام الاول أو الثاني أو من بعده قال فلا أقول هذا (قال الشافعي) فما تقول في عمر وأبو بكر إمام قبله إذا ورد خبر الواحد لم يعمل به أبو بكر ولم يخالفه ؟ قال يقبله قلت أيقبله ولم يعمل به أبو بكر قال نعم ولم يخالفه قلت أفيثبت ولم يتقدمه عمل ؟ قال نعم قلت وهكذا عمر في آخر خلافته وأولها ؟ قال نعم قلت وهكذا عثمان ؟ قال نعم قلت زعمت أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يلزم ولم يتقدمه عمل قبله وقد ولى الائمة ولم يعملوا به ولم يدعوه قال فلا يمكن أن تكون للنبى صلى الله عليه وسلم سنة إلا عمل بها الائمة بعده (قال الشافعي) فقلت له وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء لا يحفظ عن أحد من خلفائه فيها شئ ؟ فقال نعم سنن كثيرة ولكن من أين ترى ذلك (قال الشافعي) فقلت استغنى فيها فالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعده وذلك أن بالخلق الحاجة إلى الخبر عنه وأن عليهم اتباعه ولعل منها ما لم يرد على من بعده قال فمثل لى ما(7/277)
عملت أنه ورد على من بعده من خلفائه فلم يحك عنه فيه شئ قلت قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لا أشك أن قد ورد على جميع خلفائه لانهم كانوا القائمين بأخذ العشر من الناس ولم يحفظ عن واحد منهم فيها شئ قال صدقت هذا بين قلت وله أمثال كثيرة قد كتبناها في غير هذا الموضع فقلت إذا كان يرد علينا الخبر عن بعض خلفائه ويرد علينا الخبر عنه يخالفه فنصير إلى الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لان لكل غاية وغاية العلم كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه أتعلم أن السنة ما
كانت موجودة مستغنى بها عن غيرها ؟ قال نعم وقد سمعتك ذكرت مالا أجهل من أنه قد يرد عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القول يقوله توجد السنة بخلافه فإن وجدها من بعده صار إليها فهذا يدل على ما ذكرت من استغناء السنة عما سواها وبالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحو من ثلاثين ألف رجل إن لم يزيدوا لعلك لا تروى عنهم قولا واحدا عن ستة نعم إنما تروى القول عن الواحد والاثنين والثلاثة والاربعة متفرقين فيه أو مجتمعين والاكثر التفرق فأين الاجماع (قال الشافعي) رحمه الله قلت له ضع لقولك إذا كان الاكثر مثالا قال نعم كأن خمسة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا قولا متفقين عليه وقال ثلاثة قولا مخالفا لقولهم فالاكثر أولى أن يتبع فقلت هذا قلما يوجد وإن وجد أيجوز أن تعده إجماعا وقد تفرقوا موافقة ؟ قال نعم على معنى أن الاكثر مجتمعون قلت فإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من العدد على ما وصفت فهل فيمن لم ترووا عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دلالة موافقة الاكثر فيكونون أكثر بعددهم ومن موافقهم أو موافقة الثلاثة الاقلين فيكون الاقلون الاكثرين بمن وافقهم لا تدري لعلهم متفرقون ولا تدري أين الاقل وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ممن له أن يقول في العلم قال ما أدرى كيف قولهم لو قالوا وإن لهم أن يقولوا قلت والصدق فيه أبدا أن لا يقول أحد شيئا لم يقله أحد أنه قاله ولو قلت وافقوا بعضهم قال غيرك بل خالفوه قال ولا ليس الصدق أن تقول وافقوا ولا خالفوا بالصمت قلت هذا الصدق قلت فترى ادعاء الاجماع يصح لمن ادعاه في شئ من خاص العلم (قال الشافعي) وقلت له فهكذا التابعون بعدهم وتابعو التابعين وقال وكيف تقول أنت ؟ قلت ما علمت بالمدينة ولا بأفق من آفاق الدنيا أحدا من أهل العلم ادعى طريق الاجماع (2) إلا بالفرض وخاص من العلم إلا حدثنا ذلك الذي فيه إجماع يوجد فيه الاجماع بكل بلد ولقد ادعاه بعض أصحاب المشرقيين فأنكر عليه جميع من سمع قوله من أهل العلم دعواه الاجماع حيث ادعاه وقالوا أو من قال ذلك منهم لو أن شيئا روى عن نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن نفر من التابعين فلم يرو عن مثلهم خلافهم ولا موافقتهم ما دل على إجماع من لم يرو عنه منهم لانه لا يدري مجتمعون أم مفترقون لو قالوا وسمعت بعضهم يقول لو كان بيننا من السلف مائة رجل وأجمع منهم عشرة على قول أيجوز أن ندعى أن التسعين مجتمعون معهم وقد نجدهم يختلفون في بعض الامور ولو جاز لنا إذا قال لنا قائل شيئا أخذنا به لم نحفظ عن غيره قولا يخالفه ولا يوافقه أن ندعى موافقته جاز لغيرنا ممن خالفنا أن
يدعى موافقته له ومخالفته لنا ولكن لا يجوز أن يدعى على أحد فيما لم يقل فيه شئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لى فكيف يصح أن تقول إجماعا ؟ قلت يصح في الفرض الذي لا يسع جهله من الصلوات والزكاة وتحريم الحرام وأما علم الخاصة في الاحكام الذي لا يضير جهله على العوام والذي إنما علمه عند الخواص من سبيل خبر الخواص وقليل ما يوجد من هذا فنقول فيه واحد من قولين نقول لا نعلمهم اختلفوا فيما لا نعلمهم اختلفوا فيه ونقول فيما اختلفوا فيه اختلفوا واجتهدوا فأخذنا أشبه أقاويلهم بالكتاب والسنة وإن لم يوجد عليه
__________
(1) كذا في النسخة، ولعل أصله (كان بالفرض أو خاض) الخ تأمل.(7/278)
دلالة من واحد منهما وقلما يكون إلا أن يوجد أو أحسنها عند أهل العلم في ابتداء التصرف والمعقب ويصح إذا اختلفوا كما وصفت أن نقول روى هذا القول عن نفر اختلفوا فيه فذهبنا إلى قول ثلاثة دون اثنين وأربعة دون ثلاثة ولا نقول هذا إجماع فإن الاجماع قضاء على من لم يقل ممن لا ندري ما يقول لو قال وادعاء رواية الاجماع وقد يوجد مخالف فيما ادعى فيه الاجماع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال قد علمت أنهم اختلفوا في الرأى الذي لا متقدم فيه من كتاب ولا سنة أفيوجد فيما اختلفوا فيه كتاب وسنة ؟ قلت نعم قال وأين ؟ قلت قال الله عزوجل (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبو موسى الاشعري لا تحل المرأة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وذهبوا إلى أن الاقراء الحيض وقال هذا ابن المسيب وعطاء وجماعة من التابعين والمفتين بعدهم إلى اليوم وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر الاقراء الاطهار فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت وقال هذا القول بعض التابعين وبعض المفتين إلى اليوم وقال الله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فقال علي ابن أبى طالب تعتد آخر الاجلين وروى عن ابن عباس مثل قوله وقال عمر بن الخطاب إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت وفي هذا كتاب وسنة وفي الاقراء قبله كتاب ودلالة من سنة وقال الله جل ثناؤه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر (1)) فهي تطليقة وروى عن عثمان وزيد بن ثابت خلافه وقال علي بن أبى طالب وابن عمر ونفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الانصار لا يقع عليها طلاق ويوقف فإما أن يفئ وإما أن يطلق ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين فأنكر المسح علي بن أبى طالب وعائشة وابن عباس وأبو هريرة وهؤلاء أهل علم بالنبي
صلى الله عليه وسلم ومسح عمر وسعد وابن عمر وأنس بن مالك وهؤلاء أهل علم به والناس مختلفون في هذه الاشياء وفي كل واحد منها كتاب أو كتاب وسنة قال ومن أين ترى ذلك ؟ فقلت تحتمل الآية المعنيين فيقول أهل اللسان بأحدهما ويقول غيرهم منهم بالمعنى الآخر الذي يخالفه والآية محتملة لقولهما معا لاتساع لسان العرب وأما السنة فتذهب على بعضهم وكل من ثبتت عنده السنة قال بها إن شاء الله ولم يخالفها لان كثيرا متها ؟ يأتي واضحا ليس فيه تأويل (قال الشافعي) وذكرت له مس الذكر فان عليا وابن عباس وعمار بن ياسر وحذيفة وابن مسعود لا يرون فيه الوضوء وابن المسيب وغيره بالمدينة لا يرون منه الوضوء وسعدا وابن عمر يريان فيه الوضوء وبعض التابعين بالمدينة وفيه للنبي صلى الله عليه وسلم سنة بأن يتوضأ منه أخذنا بها وقد يروى عن سعيد أنه لا يرى منه الوضوء (قال الشافعي) رحمه الله وقلت الاجماع من أقوام مما يقدر عليه فكيف تكلف من ادعى الاجماع من المشرقيين حكاية خبر الواحد الذي لا يقوم به حجة فنظمه فقال حدثني فلان عن فلان وترك أن يتكلف هذا في الاجماع فيقول حدثنى فلان عن فلان لنص الاجماع الذي يلزم أولى به من نص الحديث الذي لا يلزم عنده قال إنه يقول يكثر هذا عن أن ينص فقلت له فينص منه أربعة وجوه أو خمسة فقد طلبنا أن نجد ما يقول فما وجدنا أكثر من دعواه بل وجدنا بعض ما يقول الاجماع متفرقا فيه (قال الشافعي) فقال فإن قلت إذا وجدت قرنا من أهل العلم ببلد علم يقولون القول يكون أكثرهم متفقين عليه سميت ذلك إجماعا وافقه من قبله أو خالفه فأما من قبلهم فلا يكون الاكثر منهم يتفقون على شئ بجهالة ما كان قبلهم ولا يتركون ما قبلهم أبدا إلا بأنه منسوخ أو عندهم ما هو أثبت منه وإن لم يذكروه قلت أفرأيت إذا أجزت لهم خلاف من فوقهم وهم لم يحكوا لك أنهم تركوا على من قبلهم قولهم لشئ علموه اتجيز ذلك
__________
(1) كذا في النسخة، وفيه سقط طاهر، ولعل أصله (روى عن سعيد وأبى بكر إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة وروى عن عثمان ألخ) كما يؤخذ ذلك مما سبق قريبا فحرر، كتبه مصححه.(7/279)
بتوهمك عليهم أنهم لا يدعونه إلا بحجة ثابتة وإن لم يذكروها وقد يمكن أن لا يكونوا علموا قول من قبلهم فقالوا بآرائهم أتجيز لمن بعدهم أن يدعوا عليهم أقاويلهم التي قبلتها منهم ثم يقولون لمن بعدهم ما قلت لهم هم لا يدعونها إلا بحجة وإن لم يذكروها قال فإن قلت نعم ؟ قلت إذا تجعل العلم أبدا للآخرين كما قلت أولا قال
فإن قلت لا ؟ قلت فلا تجعل لهم أن يخالفوا من قبلهم قال فإن قلت أجيز بعض ذلك دون بعض ذلك دون بعض قلت فإنما زعمت أنك أنت العلم فما أجزت جاز وما رددت رد أفتجعل هذا لغيرك في البلدان فما من بلاد المسلمين بلد إلا وفيه علم قد صار أهله إلى اتباع قول رجل من أهله في أكثر أقاويله أفترى لاهل مكة حجة إن قلدوا عطاء فما وافقه من الحديث وافقوه وما خالفه خالفوه في الاكثر من قوله ؟ أو ترى لاهل البصرة حجة بمثل هذا في الحسن أو ابن سيرين أو لاهل الكوفة في الشعبي وإبراهيم ولاهل الشام وكل من وصفنا أهل علم وإمامة في دهره وفوق من بعدهم وإنما العلم اللازم الكتاب والسنة وعلى كل مسلم اتباعهما قال فتقول أنت ماذا ؟ قلت أقول ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعهما فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم ثم كان قول الائمة أبى بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فيتبع القول الذي معه الدلالة لان قول الامام مشهور بأنه يلزمه الناس ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتى الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا تعنى العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الامام وقد وجدنا الائمة يبتدئون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون على أن يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الائمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين في موضع أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم والعلم طبقات شتى الاولى الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة ثم الثانية الاجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفا منهم والرابعة اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، الخامسة القياس على بعض الطبقات ولا يصار إلى شئ غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وبعض ما ذهبتم إليه خلاف هذا ذهبت إلى أخذ العلم من أسفل قال فتوجدني بالمدينة قول نفر من التابعين متابعا الاغلب الاكثر من قول من قال فيه نتابعهم وإن خالفهم أحد منهم كان أقل عددا منهم فنترك قول الاغلب الاكثر لمتقدم قبله أو لاحد في دهرهم أو بعدهم ؟ قلت نعم قال فاذكر منه واحدا قلت إن لبن الفحل لا يحرم قال فمن قاله من التابعين أو السابقين ؟ (قال الشافعي) أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال أخبرني مروان
بن عثمان بن أبى سعيد بن المعلى الانصاري أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزنى امرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنها ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت بنت الرجل خطبها فقال له الناس ويلك إنها اختك فرفع ذلك إلى هشام ابن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك أنه ليس ذلك برضاع، أخبرنا الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن القاسم أنه كان يقول كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبى بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بنى أبى بكر (قال) أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمه زينب بنت أبى سلمة أرضعتها أسماء بنت أبى بكر امرأة الزبير فقالت زينب بنت أبى سلمة فكان الزبير يدخل على وأنا امتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول أقبلي على فحدثيني أراه أنه أبى وما ولد فهم إخوتي ثم إن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلى فخطب أم كلثوم بنتى على حمزة بن الزبير وكان حمزه(7/280)
للكلبية فقلت لرسوله وهل تحل له إنما هي بنت أخته فأرسل إلى عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ليس لك بأخ أنا وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلى عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع بن خديج أن رافع بن خديج كان يقول الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا (قال الشافعي) وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان ابن يسار وعن عطاء بن يسار أن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا (قال الشافعي) وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن مروان بن عثمان بن أبى المعلى أن عبد الملك كان يرى الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قلت لعبد العزيز من عبد الملك ؟ قال ابن مروان (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا قال عبد العزيز وذلك كان رأى ربيعة ورأى فقهائنا وأبو بكر حدث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في اللقاح واحد وقال حديث رجل
من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا إلا أنه روى عن الزهري خلافهم فما التفتم إليه وهؤلاء أكثر وأعلم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت جاء عمى من الرضاعة أفلح ابن أبى القعيس يستأذن على بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال إنه عمك فأذونوا له فقال وما في هذا حديثها أم أبى بكر أرضعته فليس هذا برضاع من قبل الرجل ولو كان من قبل الرجل لكانت عائشة اعلم بمعنى ما تركت وكان أصحاب رسول الله والتابعون ومن أدركنا متفقين أو أكثرهم على ما قلنا ولا يتفق هؤلاء على خلاف سنة ولا يدعون شيئا إلا لما هو أقوى منه قال قد كان القاسم بن محمد ينكر حديث أبى القعيس ويدفعه دفعا شديدا ويحتج فيه أن رأى عائشة خلافه (قال الشافعي) فقلت له أتجد بالمدينة من علم الخاصة أولى أن يكون علما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل فقد تركناه وتركتموه ومن يحتج بقوله إذا كنا نجد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم كالدلالة على ما نقول أفيجوز لاحد ترك هذا العام المتصل ممن سمينا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين من بعدهم بالمدينة أن يقبل أبدا عمل أكثر من روى عنه بالمدينة إذا خالف حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا ليس من هذا الحديث لعلمهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا قلت فقد ترك من تحتج بقوله هذا ولا أعلم له حجة في تركه إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاد) فقال لى فلذلك تركته ؟ فقلت نعم فأنا لم يختلف بنعمة الله قولى في أنه لا أذهب إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ إلى أن أدعه لاكثر أو أقل مما خالفنا في لبن الفحل وقد يمكن أن يتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان من النساء دون الرجل فأخذت بأظهر معانيه وإن أمكن فيه باطن وتركتم قول الاكثر ممن روى عنه بالمدينة ولو ذهبت إلى الاكثر وتركت خبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما عدوت ما قال الاكثر من المدنيين أن لا يحرم لبن الفحل (قال الشافعي) وقد وصفت حديث الليث بن سعد عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال الزهري وإن ناسا ليقولون يقوم سلعة فالزهري قد جمع قول أهل المدينة ابن المسيب ومن خالفه فخرج صاحبكم من جميع ذلك وهذا عندكم كالاجماع ما هو دونه عندكم إجماع بالمدينة وقلتم قولا خارجا من قول أهل العلم بالمدينة وأقاويل بنى آدم وذلك أنكم قلتم مرة كما قال ابن المسيب جراحه في ثمنه كجراح الحر في ديته في الموضحة والمأمومة والمنقلة ثم(7/281)
خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم (قال الشافعي) وقد أخبرنا مالك عن أبى حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رجلا خطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في صداقها (التمس ولو خاتما من حديد) وحفظنا عن عمر قال في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال لم تحل الموهوبة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا حلت له، أخبرنا ابن أبى يحيى قال سألت ربيعة كم أقل الصداق ؟ قال ما تراضى به الاهلون فقلت وإن كان دورهما ؟ قال وإن كان نصف درهم قلت وإن كان أقل قال لو كان قبضة حنطة أو حبة حنطة قال فهذا حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخبر عن عمر وعن ابن المسيب وعن ربيعة وهذا عندكم كالاجماع، وقد سألت الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار ؟ فقال لا والله ما علمت أحدا قاله قبل مالك وقال الدراوردي أراه أخذه عن أبى حنيفة، قلت للشافعي فقد فهمت ما ذكرت وما كنت أذهب في العلم إلا إلى قول أهل المدينة فقال الشافعي ما علمت أحدا انتحل قول أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لاهل المدينة منكم ولو شئت أن أعد عليكم ما أملا به ورقا كثيرا مما خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم وفيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله، فقلت للشافعي إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه وفيه ذكر أن الناس اجتمعوا وفيه الامر المجتمع عليه عندنا وفيه الامر عندنا (قال الشافعي) فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الاجماع بالمدينة وفي غيرها لا يجوز أن يكون وفي القول الذي ادعيتم فيه الاجماع اختلاف وأكثر ما قلتم الامر المجتمع عليه مختلف فيه وإن شئتم مثلت لكم شيئا أجمع وأقصر وأحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت فاذكر ذلك قال تعرفون أنكم قلتم اجتمع الناس أن سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شئ ؟ قلت نعم (قال الشافعي) وقد رويتم عن أبى هريرة أنه سجد في (إذا السماء انشقت) وأخبرهم أن النبي سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة مر القراء أن يسجدوا في (إذا السماء انشقت) وأن عمر سجد في النجم قلت نعم وإن عمرو ابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين ؟ قلت نعم قال فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وأبى
هريرة وعمر بن عبد العزيز فمن الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل وهؤلاء الائمة الذين ينتهي إلى أقاويلهم ما حفظنا نحن وأنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل ولو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما جاز أن يقول أجمع الناس وهم مختلفون قلت فتقول أنت أجمع الناس أن المفصل فيه سجود ؟ قال لا أقول اجتمعوا ولكن أعزى ذلك إلى من قاله وذلك الصدق ولا أدعى الاجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع أفترى قولكم اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شئ يصح لكم أبدا قلت فعلى اي شئ أكثر الفقهاء ؟ قال على إن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لانكم لا تعدون في الحج إلا سجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروى عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين أو تعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم أرأيتم الرجل يدعى على الرجل الحق أليس يحلف له ! فإن لم يحلف رد اليمين على المدعى فحلف وأخذ حقه وقلتم هذا مالا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وأنه ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الانسان يجب ان يعرف وجه الصواب، فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله تعالى قال بلى وهكذا نقول (قال الشافعي) أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمين مع الشاهد يقولون بما(7/282)
قلتم ؟ قلت مماذا ؟ قال أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على المدعى فإن حلف أخذ حقه ؟ قلت لا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق ؟ قلت بلى قال فقد رويتم عليهم مالا يقولون قلت نعم ولكن لعله زلل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أو يجوز لزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز الزلل في الاكثر جاز في الاقل وفيما قلتم المجتمع عليه وقولكم المجتمع عليه أكثر من هذا الزلل لانكم إذا زللتم في أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لانهم أقل من الناس كلهم (قال الشافعي) وقولكم في اليمين مع الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم وأنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والزهري وعروة ينكرانها بالمدينة وعطاء
ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم لا تحفظون أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن نثبتها به قلت فأنت تثبتها قال من غير الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل به ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة (قال الشافعي) وزعمت أن ما أشكل فيما احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد يقولون نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة اعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكون عنها وهذا سنة غير القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على ان لا يعطى أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حجة والله المستعان إنما الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حجة فهو إشكال ما بان من الحجة لا يبان ما أشكل منها (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحرث إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن مالك بهذا الاسناد مثله (قال الشافعي) وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الائمة في القديم ولا في الحديث أفتى فيما دون الموضحة بشئ (قال الشافعي) فنفيتم أن يكون احد من الائمة في قديم أو حديث قضى دون الموضحة بشئ وأنتم والله يغفر لنا ولكم تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشئ موقت ولست أعرف لمن قال هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان وما عليه أن يسكت عن رواية ما روى من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشئ كان حائزا له أن يقول لم نعلم أحدا من الائمة قضى فيها بشئ وقد روى عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام ولا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشئ ولا نجد وقد روينا أن زيد بن
ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت جميع ما ثبت مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول ما علمنا أولا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد، قال سألت الشافعي من أي شئ يجب الوضوء ؟ قال من أن ينام الرجل مضجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو(7/283)
يمس ذكره قلت فهل قال قائل ذلك (قال الشافعي) نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا والله يغفر لنا وله قلت ونحن نقوله (قال الشافعي) إنكم مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت نعم قال فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاث ؟ فأنت توجب الوضوء من اثنين أو ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بنى آدم غيركم والله المستعان ثم تؤكدونه بأن تقولوا الامر عندنا قال فإن كان الامر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت كلمة لا معنى لها فلم تكلفتموها ؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون، والله أعلم.(7/284)
كتاب جماع العلم(7/285)
كتاب جماع العلم أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عزوجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لاحد بعده إلا اتباعه وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة
سأصف قولها إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقا متباينا وتفرق غيرهم ممن نسبته العامة إلى الفقه فيه تفرقا.
أما بعضهم فقد أكثر من التقليد والتخفيف من النظر والغفلة والاستعجال بالرياسة وسأمثل لك من قول كل فرقة عرفتها مثالا يدل على ما وراءه إن شاء الله تعالى.
باب حكاية قول الطائفة التي ردت الاخبار كلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال لى قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال عزوجل في القرآن (تبيانا لكل شئ) فكيف جاز عند نفسك أو لاحد في شئ فرضه الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الامر فيه فرض ومرة الامر فيه دلالة ؟ وإن شاء ذو إباحة وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر أو حديثان أو ثلاثة حتى يبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطى في حديثه بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوه على أن تقولوا له بئسما قلت أفيجوز أن يفرق بين شئ من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه بخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنتم تعطون بها وتمنعون بها ؟ قال فقلت إنما نعطى من وجه الاحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض قال ومثل ماذا ؟ قلت إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة وإبائه اليمين وحلف صاحبه والاقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن اعطينا(7/287)
بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة قال وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها قال لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله
كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحد الشك في جرف منه أو يجوز أن يقوم شئ مقام الاحاطة وليس بها ؟ فقلت له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والفرق بين ما دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة قال نعم قلت فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول قال أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر ؟ فإن أوجدته كان أزيد في ايضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع عن قوله لقولك فقلت إن سلكت سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك قال فاذكر شيئا إن حضرك قلت قال الله عزوجل (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) قال فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة ؟ قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه ؟ قلت تعنى بأن يبين لهم عن الله عز وجل مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال إنه ليحتمل ذلك قلت فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الاول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام ؟ قلت وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا قال يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابا وسنة فيوكنا شيئين ويحتمل أن يكونا شيئا واحدا قلت فأظهرهما أولاهما وفي القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه قال وأين هي ؟ قلت قول الله عزوجل (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان قبل فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة ؟ قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها قال فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الاولى وقلت افترض الله علينا اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم قال وأين ؟ قلت قال الله عزوجل (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وقال الله عزوجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)
قال ما من شئ أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان بعض قال أصحابنا إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لقد فرض الله عزوجل علينا اتباع أمره فقال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قال إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهى عما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت والفرض علينا وعلى من هو قبلنا ومن بعدنا واحد ؟ قال نعم فقلت فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئا فقد دلنا على الامر الذي يؤخذ به فرصة ؟ قال نعم قلت فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عزوجل في اتباع
__________
(1) كذا في النسخة وفيه سقط وتحريف لم نهتد إليهما فحرر وقد أنفردت هنا نسخة سقيمة جدا لم نعثر على غيرها بعد البحث والتنقيب وتنتهى إلى كتاب القرعة، كتبه مصححه.(7/288)
أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب على أن أقبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقلت له أيضا يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه قال فاذكر منه شيئا قلت قال الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين) وقال في الفرائض (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس) فزعمنا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والاقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه من كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن على الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيته الحق ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى، قلت له لسان العرب واسع وقد تنطق بالشئ عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها
ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى قال فاذكر منها شيئا قلت قال الله عزوجل (الله خالق كل شئ) فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام وقال (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام وفيه الخصوص وقال (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم وقال (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لان فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا وقال (وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) دل على أن العادين فيه أهلها دونها وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي فقال هو كما قلت كله ولكن بين لى العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص قلت فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عامة ؟ قال بلى: قلت وتجد الحيض مخرجات منه ؟ قال نعم: وقلت وتجد الزكاة على الاموال عامة وتجد بعض الاموال مخرجا منها ؟ قال بلى: قلت وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض ؟ قال نعم قلت وفرض المواريث للاباء والامهات والولد عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة قال نعم ونحن نقول ببعض هذا فقلت فما ذلك على هذا ؟ قال السنة لانه ليس فيه نص قرآن قلت فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عزوجل به من الابانة عنه ما أنزل خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ؟ قال نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لى خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان قلت فما لزمه ؟ قال أفضى به عظيم إلى عظيم من الامر فقال من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال في كل ايام وقال ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض وقال غيره ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الاول أو قريب منه ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما والخطأ قال ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما ولكن هل من حجة في أن(7/289)
تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة ؟ قلت نعم قال ما هو ؟ قلت ما تقول في هذا الرجل إلى جنبي امحرم الدم والمال ؟ قال نعم قلت فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه قال أقتله قودا وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له قال قلت أو يمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط ؟ قال نعم قلت فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة قال أمرت بقبول الشهادة قلت أفتجد في كتاب الله تعالى نصا أن تقبل الشهادة على القتل ؟ قال لا ولكن استدلالا أنى لا أؤمر بها إلا بمعنى قلت أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون الحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية ؟ قال فإن الحجة في هذا أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين قلنا الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وأن لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله وإن أخطأ بعضهم فقلت له أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والاجماع دونه قال ذلك الواجب على وقلت له نجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة وهي غير إحاطة ؟ قال كذلك أمرت قلت فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله وإنا لنطلب في المحدث أكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة البشر لا نقبل حديث واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات قال فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى مع ما وصفت من بيان الخطأ فيه وما يلزمهم من اختلاف أقاويلهم وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم فقال لى قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق إن شاء الله تعالى أفرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله عزوجل ولا خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شئ وإبطاله من أين وسعك القول بما قلت منه ؟ وأتى لك بمعرفة الصواب والخطأ فيه ؟ وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك أو تقول فيه متعسفا ؟ فمن أباح لك أن تحل وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذى عليه ؟ فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قلبه بلا
مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه فأبن من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة وإلا كان قولك بمالا حجة لك فيه مردودا عليك فقلت له ليس لى ولا لعالم أن يقول في إباحة شئ ولا حظره ولا أخذ شئ من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم فما لم يكن داخلا في واحد من هذه الاخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا على اجتهاد به (1) على طلب الاخبار اللازمة ولو جاز لنا أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول إلا من حيث وصفت فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولى عليك مسألتان إحداهما أن تذكر الحجة في أن لك أن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق أن تقول على غير قياس ؟ واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك قلت إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شئ والتبيين من وجوه منها ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وأمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم فإذا أمرهم بطلب ما افترض ذلك - ذلك والله أعلم - على
__________
(1) لعله: (بعد طلب الاخبار) تأمل.(7/290)
دلالتين إحدهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشئ أن يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا والاخرى أنه كلفه بالاجتهاد في التأخى لما أمره بطلبه قال فاذكر الدلالة على ما وصفت قلت قال الله عزوجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) وشطره قصده وذلك تلقاؤه قال أجل قلت وقال (هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال (1) (وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر) وخلق الجبال والارض وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغنى بعضها عن بعض قال هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت قلت أما على إحاطة من أتى إذا توجهت أصبت ما أكلف وإن لم أكلف
أكثر من هذا فنعم قال أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك ؟ قلت أفهذا شئ كلفت الاحاطة في أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد قال فما كلفت ؟ قلت التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الاحاطة بصواب موضع البيت آدمى إلا بعيان فأما ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمى قال فنقول أصبت قلت نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به فقال ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به وإن من قال كلفت الاحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلى إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخى والاجتهاد لا الاحاطة فقال اذكر غير هذا إن كان عندك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له قال الله عزوجل (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل) على المثل يجتهدان فيه لان الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل وهذا يدل ما دلت عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلى حيث شاء من غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا ويدل على أنه لا يجوز لاحد أن يقول في شئ من العلم إلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا ومثل هذا إن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم نكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله وبين أن لا يجوز لاحد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا قال: أفتوجد نية بدلالة مما يعرف الناس ؟ فقلت نعم قال وما هي ؟ قلت أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه قال لا يريه إلا أهل العلم به قلت لان حالهم مخالفة حال أهل الجهالة بأن يعرفوا أسواقه يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه ومالا ينقصه ؟ قال نعم قلت ولا يعرف ذلك غيرهم ؟ قال نعم قلت ومعرفتهم فيه الاجتهاد بأن
يقيسوا الشئ بعضه ببعض على سوق سومها ؟ قال نعم قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة ؟ قال نعم قلت فإن قال
__________
(1) مراده أن القرآن دل على ذلك لا أن لفظ (القرآن) هكذا، فتنبه.(7/291)
غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد إذ كنت على غير إحاطة من أن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم إن هؤلاء يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف فقال ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة قلت ولو قال أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة فنحن نقول فيه على غير قياس ونكتفي في الظن بسعر اليوم والتأمل لم يكن ذلك لهم ؟ قال نعم قلت فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وبما قال العلماء وعاقل ليس له أن يقول من جهة القياس والوقف في النظر ولو جاز لعالم أن يدع الاستدلال بالقياس والاجتهاد فيه جاز للجاهلين أن يقولوا ثم لعلهم أعذر بالقول فيه لانه يأتي الخطأ عامدا بغير اجتهاد ويأتونه جاهلين قال افتوجدني حجة في غير ما وصفت أن للعالمين أن يقولوا ؟ قلت نعم، قال: فاذكرها، قلت لم أعلم مخالفا في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في أمور ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على أنهم إنما حكموا اجتهادا إن شاء الله تعالى قال افتوجدني هذا من سنة ؟ قلت نعم أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبى عبيد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن يسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) وقال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثنى أبو سلمة عن أبى هريرة (قال الشافعي) فقال فأسمعك تروى (فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر).
باب حكاية قول من رد خبر الخاصة (أخبرنا الربيع) قال قال محمد بن إدريس الشافعي فوافقنا طائفة في أن تثبيت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم لازم للامة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد أن يخالفها ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا أحفظ أن أحكى كلام
المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا أنه قيل لى وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فأثبت أشياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى العصمة والتوفيق قال فكانت جملة قولهم أن قالوا لا يسع أحدا من الحكام ولا من المفتين أن يفتى ولا يحكم إلا من جهة الاحاطة والاحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله وذلك الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يفترقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا أن لا نقبل منهم إلا ما قلنا مثل أن الظهر أربع لان ذلك الذي لا منازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه قلت له لست أحسبه يخفي عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة قال وكيف ؟ قلت علم العامة على ما وصفت لا تلقي أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم ذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطئ عنده وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الاولى وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به(7/292)
كله على الله كما زعمت فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال فأنا أحدث لك غير ما قال قلت فاذكره قال العلم من وجوه منها ما نقلته عامة عن عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض قلت هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد، ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على الظاهر قال ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكموا عمن قبلهم الاجتماع عليه وإن لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لان الرأي إذا كان تفرق فيه قلت فصف لى ما بعده قال ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم
الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط ثم آخر هذا القياس ولا يقاس منه الشئ بالشئ حتى يكون مبتدؤه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ إلى أن ينقضي سواء فيكون في معنى الاصل ولا يسع التفرق في شئ مما وصفت من سبيل العلم والاشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها والاجماع حجة على كل شئ لانه لا يمكن فيه الخطأ قال فقلت أما ما ذكرت من العلم الاول من نقل العوام عن العوام فكما قلت أفرأيت الثاني الذي قلت لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحكى عمن قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب إلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الاسلام غير مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا ؟ قال بل هو وجه غير هذا قلت فصفه قال هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لانهم منفردون بالعلم دونهم مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم تقم بهم على أحد حجة وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن يرد إلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها ؟ دلتني على حال من قبلهم إن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن لانهم (1) لا يجتمعون من جهة فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لانى لا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قبوله فأما ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فلم تقم حجة بأمر يمكن فيه الغلط قال فقلت له هذا تجويز إبطال الاخبار وإثبات الاجماع لانك زعمت أن إجماعهم حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وأن افتراقهم غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وقلت له ومن أهل العلم الذي إذا أجمعوا قامت بإجماعهم حجة قال هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه قلت فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون قولهم حجة ؟ قال فإن قلت لا ؟ قلت أفرأيت إن مات أحدهم أو غلب على عقله أيكون للتسعة أن يقولوا ؟ قال فإن قلت نعم ؟ وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول ؟ قال فإن قلت لا قلت فأي
شئ قلت فيه كان متناقضا قال فدع هذا قلت فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهى إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في
__________
(1) في العبارة سقط ولعل الاصل (لانهم لا يجتمعون من جهة إلا وهم مجتمعون من كل جهة) تأمل كتبه مصححه.(7/293)
الفقهاء الذين لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون منهم قال فإن قلت إنهم داخلون فيهم ؟ قلت فإن شئت فقله قال فقد قلته قلت فما تقول في المسح على الخفين ؟ قال فإن قلت لا يمسح أحد لانى إذا اختلفوا في شئ رددته إلى الاصل والاصل الوضوء قلت وكذلك تقول في كل شئ ؟ قال نعم قلت فما تقول في الزانى الثيب أترجمه قال: نعم، قلت: كيف ترجمه وممن نص بعض الناس علماء أن لا رجم على زان لقول الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فكيف ترجمه ولم ترده إلى الاصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة قال إن أعطيتك هذا دخل على فيه شئ يجاوز القدر كثرة أجل قال فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه غير الجواب الاول قلت فقل قال لا أنظر إلى إلى قليل من المفتيين وأنظر إلى الاكثر قلت أفتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم قال ما أستطيع أن أجدهم ولكن الاكثر قلت أفعشرة أكثر من تسعة قال هؤلاء متقاربون قلت فحدهم بما شئت قال ما أقدر أن أحدهم قلت فكأنك أردت أن تعجل هذا القول مطلقا غير محدود فإذا أخذت بقول اختلف فيه قلت عليه الاكثر وإذا أردت رد قول قلت هؤلاء الاقل أفترضي من غيرك بمثل هذا الجواب رأيت حين صرت إلى أن دخلت فيما عبت من التفرق أرأيت لو كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت أنك لا تقبل إلا من الاكثر فقال ستة فاتفقوا وخالفهم أربعة أليس قد شهدت للستة بالصواب وعلى الاربعة بالخطأ ؟ قال فإن قلت بلى ؟ قلت فقال الاربعة في قول غيره فاتفق اثنان من الستة معهم وخالفهم أربعة قال فآخذ بقول الستة قلت فتدع قول المصيبين بالاثنين وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليهم مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ فهذا قول متناقض وقلت له أرأيت قولك لا تقوم الحجة إلا بما أجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل
إلى إجماعهم كلهم ولا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم أو تنقل عامة عن عامة عن كل واحد منهم ؟ قال ما يوجد هذا قلت فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وإن لم تقبل عن كل واحد إلا بنقل العامة لم نجد في أصل قولك ما اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لانه لا سبيل إليه ابتداء لانهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخبر عنهم بنقل عامة عن عامة قلت فأسمعك قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما قلدوه الفقه ونسبوه إليه فأسمعك قلدت من لا ترضاه وأفقه الناس عندنا وعند أكثرهم أتبعهم للحديث وذلك أجهلهم لان الجهل عندك قبول خبر الانفراد وكذلك أكثر ما يحتاجون فيه إلى الفقهاء ويفضلونهم به مع أن الذي ينصف غير موجود في الدنيا قال فكيف لا يوجد ؟ قال هو أو بعض من حضر معه فإنى أقول إنما أنظر في هذا إلى من يشهد له أهل الحديث الفقه فقلت ليس من بلد إلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه إلى الجهل أو إلى أنه لا يحل له أن يفتى ولا يحل لاحد أن يقبل قوله وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم فعلمنا أن من أهل مكة من كان لا يكاد يخالف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه ثم أفتى بها الزنجي ابن خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم من يميل إلى قول سعيد بن سالم وأصحاب كل واحد من هذين يضعفون الآخر ويتجاوزون القصد وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب ثم يتركون بعض قوله ثم حدث في زماننا منهم مالك كان كثير منهم من يقدمه وغيره يسرف عليه في تضعيف مذاهبهم وقد رأيت ابن أبى الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه ورأيت المغيرة وابن أبى حازم(7/294)
والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبى ليلى يذمون مذاهب أبى يوسف وآخرين يميلون إلى قول ابى يوسف يذمون مذاهب ابن أبى ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي ثم لعل كل صنف من
هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان، وهكذا رأيناهم فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا فإذا كان أهل الامصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض من يفتى منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتى لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت يعنى آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتى بجهالته يعنى الذي زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم من أهل زمانهم فأين اجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام ؟ وكما وصفت رأيهم أو رأى أكثرهم وبلغني عمن غاب عنى منهم شبيه بهذا فإن اجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء إذا اجتمعوا على شئ قبلته قال وإنهم إن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم أو تأويل أو غفلة أو نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا فقيل له فإن لم يجمعوا لك على واحد منهم أنه في غاية (3) فكيف جعلته عالما ؟ قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم قلت نعم ويجتمعون لك على أن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام وما أسمك وطريقك إلا بطريق التفرق، إلا أنك تجمع إلى ذلك أن تدعى الاجماع وإن في دعواك الاجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى الاجماع في علم الخاصة قال فهل من إجماع ؟ قلت نعم نحمد الله كثير في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها فذلك الاجماع هو الذي لو قلت أجمع الناس لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الاجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه ودون الاصول غيرها فأما ما ادعيت من الاجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك وتحكى عن أهل كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا ؟ قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الاجماع فيما ادعى من ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله إلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته وعابوه ؟ وإنما ادعاء إجماع فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الاجماع على الامة في الدنيا قال إنما عبناه أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الاجماع ولا يجوز الاجماع إلا على ما وصفت من أن لا يكون مخالف فلعل الاجماع عنده الاكثر وإن خالفهم الاقل فليس ينبغي أن يقول إجماعا ويقول
الاكثر إذا كان لا يروى عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شئ في شئ لم يجز أن ينسب إلى أن يكون مجمعا على قوله كما لا يجوز أن يكون منسوبا إلى خلافه فقلت له إن كان ما قلت من هذا كما قلت فالذي يلزمك فيه أكثر، لان الاجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان أن يوجد في الدنيا أبعد قال وقلت قولك وقول من قال الاجماع خلاف الاجماع قال فأوجدني ما قلت، قلت إن كان الاجماع قبلك إجماع الصحابة أو التابعين أو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمر تسميه إجماعا قال ما هو ؟ اجعل له مثالا لاعرفه قلت كأنك ذهبت إلى أن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الاجماع ما أجمع(7/295)
عليه هؤلاء قال نعم قلت زعمت أنهم لم يجتمعوا قط في مجلس علمته وإنما استدللت على إجماعهم بنقل الخبر عنهم وأنك لما وجدتهم يقولون في الاشياء ولا تجد فيها كتابا ولا سنة استدللت على أنهم قالوا بها من جهة القياس فقلت القياس العلم الثابت الذي أجمع عليه أهل العلم أنه حق قال هكذا قلت وقلت له قد يمكن أن يكونوا قالوا ما لم تجده أنت في كتاب ولا سنة وإن لم يذكروه وما يرون لم يذكروه وقالوا بالرأي دون القياس قال إن هذا وإن أمكن عليهم فلا أظن بهم أنهم علموا شيئا فتركوا ذكره ولا أنهم قالوا الا من جهة القياس فقلت له لانك وجدت أقاويلهم تدل على أنهم ذهبوا إلى أن القياس لازم لهم أو إنما هذا شئ ظننته لانه الذي يجب عليهم وقلت له فلعل القياس لا يحل عندهم محله عندك قال ما أرى إلا ما وصفت لك فقلت له هذا الذي رويته عنهم من أنهم قالوا من جهة القياس توهم ثم جعلت التوهم حجة قال فمن أين أخذت القياس أنت ومنعت أن لا يقال إلا به ؟ قلت من غير الطريق التي أخذته منها وقد كتبته في غير هذا الموضع وقلت أرأيت الذين نقلوا لك عنهم أنهم قالوا فيما تجد أنت فيه خيرا فتوهمت أنهم قالوه قياسا وقلت إذا وجدت أفعالهم مجتمعة على شئ فهو دليل على إجماعهم أنقلوا إليك عنهم أنهم قالوا من جهة الخبر المنفرد فروى ابي المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون من الامة وعن أبي سعيد الخدري في الصرف شيئا فأخذ به وله فيه مخالفون من الامة وروى عطاء عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في
المخابرة شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون وروى الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم وروى الحسن عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم ورووا لك عنهم أنهم عاشوا يقولون بأقاويل يخالف كل واحد منهم فيها قضاء صاحبه وكانوا على ذلك حتى ماتوا قال نعم قد رووا هذا عنهم فقلت له فهؤلاء جعلتهم أئمة في الدين وزعمت أن ما وجد من فعلهم مجمعا عليه لزم العامة الاخذ به ورويت عنهم سننا شتى وذلك قبول كل واحد منهم الخبر على الانفراد وتوسعهم في الاختلاف ثم عبت ما أجمعوا عليه لا شك فيه وخالفتهم فيه فقلت لا ينبغي قبول الخبر على الانفراد ولا ينبغي الاختلاف وتوهمت عليهم أنهم قاسوا فزعمت أنه لا يحل لاحد أن يدع القياس ولا يقول إلا بما يعرف أن قولك الاجماع خلاف الاجماع بهذا وبأنك زعمت أنهم لا يسكتون على شئ علموه وقد ماتوا لم يقل أحد منهم قط الاجماع علمناه والاجماع أكثر العلم لو كان حيث ادعيته أو ما كفاك عيب الاجماع أنه لم يرو عن أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى الاجماع إلا فيما لا يختلف فيه أحد إلا عن أهل زمانك هذا فقال فقد ادعاه بعضهم قلت أفحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى أن تدخل فيما ذممت في أكثر مما عبت ألا تستدل من طريقك أن الاجماع هو ترك ادعاء الاجماع ولا تحسن النظر لنفسك إذا قلت هذا إجماع فيوجد سواك من أهل العلم من يقول لك معاذ الله، أن يكون هذا إجماعا بل فيما ادعيت أنه إجماع اختلاف من كل وجه في بلد أو أكثر من يحكى لنا عنه من أهل البلدان قال وقلت لبعض من حضر هذا الكلام منهم نصير بك إلى المسألة عما لزم لنا ولك من هذا قال وما هو ؟ قلت: أفرأيت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شئ تثبت، قال أقول القول الاول الذي قاله لك صاحبنا، فقلت: ما هو ؟ قال زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه، قلت فاذكر الاول منها قال خبر العامة عن العامة قلت أكقولكم الاول مثل أن الظهر أربع ؟ قال نعم، فقلت هذا مما لا يخالفك فيه أحد علمته فما الوجه الثاني ؟ قال تواتر الاخبار ؟ فقلت له حدد لي تواتر الاخبار بأقل مما(7/296)
يثبت الخبر واجعل له مثالا لعلم ما يقول وتقول قال نعم إذا وجدت هؤلاء النفر للاربعة الذين جعلتهم
مثالا يروون واحد فتتفق روايتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم شيئا أو أحل شيئا استدللت على أنهم بتباين بلدانهم وأن كل منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه وقبله عنه من أداه الينا ممن لم يقبل عن صاحبه أن روايتهم إذا كانت هذا تتفق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغلط لا يمكن فيها قال فقلت له لا يكون تواتر الاخبار عندك عن أربعة في بلد ولا إن قبل عنهم أهل بلد حتى يكون المدني يروى عن المدنى والمكي يروى عن المكي والبصري عن البصري والكوفي عن الكوفي حتى ينتهي كل واحد منهم بحديثه إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير الذي روى عنه صاحبه ويجمعوا جميعا على الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم للعلة التي وصفت قال نعم لانهم إذا كانوا في بلد واحد أمكن فيهم التواطؤ على الخبر ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة فقلت له لبئسما نبثت به على من جعلته إماما في دينك إذا ابتدأت وتعقبت قال فاذكر ما يدخل على فيه فقلت له أرأيت لو لقيت رجلا من أهل بدر وهم المقدمون ومن اثنى الله تعالى عليهم في كتابه فأخبرك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تلفه حجة ولا يكون عليك خبره حجة لما وصفت اليس من بعدهم أولى أن لا يكون خبر الواحد منهم مقبولا لنقصهم عنهم في كل فضل وأنه يمكن فيهم ما أمكن فيمن هو خير منهم وأكثر منه ؟ قال بلى فقلت أفتحكم فيما تثبت من صحة الرواية فاجعل أبا سلمة بالمدينة يروى لك انه سمع جابر بن عبد الله يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل أبى سلمة وفضل جابر واجعل الزهري يروى لك أنه سمع ابن المسيب يقول سمعت عمر أو أبا سعيد الخدري يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم واجعل أبا إسحق الشيباني يقول سمعت الشعبي أو سمعت إبراهيم التيمي يقول أحدهما سمعت البراء بن عازب أو سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسميه واجعل أيوب يروى عن الحسن البصري يقول سمعت أبا هريرة أو رجلا غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بتحليل الشئ أو تحريم له أتقوم بهذا حجة ؟ قال نعم فقلت له أيمكن في الزهري عندك أن يغلط على ابن المسيب وابن المسيب على من فوقه وفي أيوب أن يغلط على الحسن والحسن على من فوقه ؟ فقال فإن قلت نعم قلت يلزمك أن تثبت خبر الواحد على ما يمكن فيه الغلط ممن لقيت وممن هو دون من فوقه ومن فوقه دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وترد خبر الواحد من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خير ممن بعدهم فترد الخبر بأن يمكن فيه الغلط عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خير الناس وتقبله عمن لا يعد لهم في الفضل لان كل واحد من هؤلاء ثبت عمن فوقه ومن فوقه ثبت عمن فوقه حتى ينتهي الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه الطريق التي عبت قال هذا هكذا إن قلته ولكن أرأيت إن لم أعطك هذا هكذا ؟ قلت لا يدفع هذا إلا بالرجوع عنه أو ترك الجواب بالروغان والانقطاع والروغان أقبح قال فإن قلت لا أقبل من واحد نثبت عليه خبرا إلا من أربعة وجوه متفرقة كما لم أقبل عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أربعة وجوه متفرقة قال فقلت له فهذا يلزمك أفتقول به ؟ قال: إذا نقول به.
لا يوجد هذا أبدا قال فقلت أجل وتعلم أنت أنه لا يوجد أربعة عن الزهري ولا ثلاثة الزهري رابعهم عن الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجل ولكن دع هذا قال وقلت له من قال أقبل من أربعة دون ثلاثة ؟ أرأيت إن قال لك رجل لا أقبل إلا من خمسة أو قال آخر من سبعين ما حجتك عليه ومن وقت لك الاربعة ؟ قال أنما مثلتهم قلت أفتحد من يقبل منه ؟ قال لا قلت أو تعرفه فلا تظهره لما(7/297)
يدخل عليك فتبين انكساره وقلت له أو لبعض من حضر معه فما الوجه الثالث الذي يثبت به عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال إذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواحد من أصحابه الحكم حكم به فلم يخالفه غيره استدللنا على أمرين أحدهما أنه إنما حدث به في جماعتهم والثاني أن تركهم الرد عليه بخبر يخالفه إنما كان عن معرفة منهم بأن ما كان كما يخبرهم فكان خبرا عن عامتهم قلت له فلما رأيتكم تنتقلون إلى شئ إلا احتججتم بأضعف مما تركتم فقال ابن لنا ما قلت، قلت له أيمكن لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بالمدينة رجلا أو نفرا قليلا ما تثبته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يكون أتى بلدا من البلدان فحدث به واحدا أو نفرا أو حدث به في سفر أو عند موته واحدا أو أكثر قال فإن قلت لا يمكن أن يحدث واحدهم بالحديث إلا وهو مشهور عندهم قلت فقد تجد العدد من التابعين يروون الحديث فلا يسمون إلا واحدا ولو كان مشهورا عندهم بأنهم سمعوا من غيره سمعوا من سمعوه منه وقد نجدهم يختلفون في الشئ قد روى فيه الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم فيقول بعضهم قولا يوافق الحديث وغيره قولا يخالفه قال فمن أين ترى ذلك ؟ قلت لو سمع الذي قال بخلاف الحديث، الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال إن شاء الله تعالى بخلافه وقلت له قد روى اليمين مع الشاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وغيره ولم يحفظ عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علمته خلافها فيلزمك أن تقول بها على أصل مذهبك وتجعلها إجماعا فقال بعضهم ليس ما قال من هذا مذهبنا قلت ما زلت أرى ذلك فيه وفي غيره مما كلمتمونا به والله المستعان قال فاليمين مع الشاهد إجماع بالمدينة فقلت لا هي مختلف فيها غير أنا نعمل بما اختلف فيه إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطريق الذي يثبت منها قال وقلت له من الذين إذا اتفقت اقاويلهم في الخبر صح وإذا اختلفوا طرحت لاختلافهم الحديث قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) خبر الخاصة قال لا قلت فهل يستدرك عنهم العلم بإجماع أو اختلاف بخبر عامة ؟ قال ما لم أستدركه بخبر العامة نظرت إلى إجماع أهل العلم اليوم فإذا وجدتهم ما أجمعوا عليه استدللت على أن اختلافهم عن اختلاف من مضى قبلهم قلت له أفرأيت استدلالا بأن إجماعهم خبر جماعتهم ؟ قال فنقول ماذا ؟ قلت أقول لا يكون لاحد أن يقول حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا بخبر الجماعة عن الجماعة قال فإن قلته ؟ قلت فقله إن شئت قال قد يضيق هذا جدا فقلت له وهو مع ضيقه غير موجود ويدخل عليك خلافه في القياس إذا زعمت للواحد أن يقيس فقد أجزت القياس والقياس قد يمكن فيه الخطأ وامتنعت من قبول السنة إذا كان يمكن فيمن رواها الخطأ فأجزت الاضعف ورددت الاقوى وقلت لبعض أرأيت قولك إجماعهم يدل لو قالوا لك مما قلنا به مجتمعين ومتفرقين ما قبلنا الخبر فيه والذي ثبت مثله عندنا عمن قبلنا ونحن مجمعون على أن جائزا لنا فيما ليس فيه نص ولا سنة أن نقول فيه بالقياس وإن اختلفنا أفتبطل أخبار الذين زعمت أن أخبارهم وما اجتمعت عليه أفعالهم حجة في شئ وتقبله في غيره ؟ أرأيت لو قال لك قائل أنا اتبعهم في تثبيت أخبار الصادقين وإن كانت منفردة وأقبل عنهم القول بالقياس فيما لا خبر فيه فأوسع أن يختلفوا فأكون قد تبعتهم في كل حال أكان أقوى حجة وأولى باتباعهم وأحسن ثناء عليهم أم أنت ؟ قال بهذا نقول قلت نعم وقلت أرأيت قولك إجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه
__________
(1) كذا في النسخة ولعل أصله قلت في أخبر الخاصة الخ، تأمل.(7/298)
وسلم ما معناه ؟ أتعنى أن يقولوا أو أكثرهم قولا واحدا أو يفعلوا فعلا واحدا قال لا أعنى هذا وهذا غير موجود ولكن إذا حدث واحد منهم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعارضه منهم معارض بخلافه فذلك دلالة على رضاهم به وأنهم علموا أن ما قال منه كما قال قلت أو ليس قد يحدث ولا يسمعونه ويحدث ولا علم لمن سمع حديثه منهم أن ما قال كما قال وأنه خلاف ما قال وإنما على المحدث أن يسمع فإذا لم يعلم خلافه فليس له رده قال قد يمكن هذا على ما قلت ولكن الائمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أبدا أن يحدث محدثهم بأمر فيدعوا معارضته إلا عن علم بأنه كما قال وقال فأقول فإذا حكم حاكمهم فلم يناكروه فهو علم منهم بأن ما قال الحق وكان عليهم أن يقيموا على ما حكم فيه قلت أفيمكن أن يكونوا صدقوه بصدقه في الظاهر كما قبلوا شهادة الشاهدين بصدقهما في الظاهر ؟ قال فإن قلت لا ؟ فقلت إذا قلت لا فيما عليهم الدلالة فيه بأنهم قبلوا عبر الواحد وانتهوا إليه علمت انك جاهل بما قلنا وإذا قلت فيما يمكن مثله لا يمكن كنت جاهلا بما يجب عليك قال فتقول ماذا ؟ قلت أقول إن صمتهم عن المعارضة قد يكون علم بما قال وقد يكون عن غير علم به ويكون قبولا له ويكون عن وقوف عنه ويكون أكثرهم لم يسمعه لا كما قلت واستدلالا عنهم فيما سمعوا قوله ممن كان عندهم صادقا ثبتا قال فدع هذا قلت لبعضهم هل علمت أن أبا بكر في إمارته قسم مالا فسوى فيه بين الحر والعبد وجعل الجد أبا ؟ قال نعم قلت فقبلوا منه القسم ولم يعارضوه في الجد في حياته ؟ قال نعم ولو قلت عارضوه في حياته قلت فقد أراد أن يحكم وله مخالف قال نعم ولا أقوله قال فجاء عمر ففضل الناس في القسم على النسب والسابقة وطرح العبيد من القسم وشرك بين الجد والاخوة ؟ قال نعم قلت وولى على فسوى بين الناس في القسم قال نعم قلت فهذا على أخبار العامة عن ثلاثتهم عندك قال نعم قلت فقل فيها ما أحببت قال فتقول فيها أنت ماذا ؟ قلت أقول إن ما ليس فيه نص كتاب ولا سنة إذا طلب بالاجتهاد فيه المجتهدون وسع كلا إن شاء الله تعالى أن يفعل ويقول بما رآه حقا لا على ما قلت فقل أنت ما شئت قال لئن قلت العمل الاول يلزمهم كان ينبغي للعمل الثاني والثالث أن يكون مثله لا
يخالفه ولئن قلت بل لم يكونوا وافقوا أبا بكر على فعله في حياته ليدخل على أن له يمضي له اجتهاده وإن خالفهم قلت أجل قال فإن قلت لا أعرف هذا عنهم ولا أقبله حتى أجد العامة تنقله عن العامة فتقول عنهم حدثنا جماعة ممن مضى قبلهم بكذا فقلت له ما نعلم أحدا شك في هذا ولا روى عن أحد خلافه فلئن لم تجز أن يكون مثل هذا ثابتا فما حجتك على أحد إن عارضك في جميع ما زعمت أنه إجماع بأن يقول مثل ما قلت فقال جماعة ممن حضر منهم فإن الله عزوجل ذم على الاختلاف فذممناه فقلت له في الاختلاف حكمان أم حكم ؟ قال حكم قلت فأسألك قال فسل قلت أتوسع من الاختلاف شيئا ؟ قال لا قلت أفتعلم من أدركت من أعلام المسلمين الذين افتوا عاشوا أو ماتوا وقد يختلفون في بعض أمور يحكون عمن قبلهم ؟ قال نعم: قلت فقل فيهم ما شئت قال فإن قلت قالوا بما لا يسعهم قلت فقد خالفت اجتماعهم قال أجل قال فدع هذا قلت أفيسعهم القياس قال نعم قلت فإن قاسوا فاختلفوا يسعهم أن يمضوا على القياس ؟ قال فإن قلت لا ؟ قلت فيقولون إلى أي شئ نصير ؟ قال إلى القياس قلت قالوا قد فعلنا فرأيت القياس بما قلت ورأى هذا القياس بما قال ؟ قال فلا يقولون حتى يجتمعوا قلت من أقطار الارض ؟ قال: فإن قلت نعم: قلت فلا يمكن أن يجتمعوا ولو امكن اختلفوا قال فلو اجتمعوا لم يختلفوا.
قلت قد اجتمع اثنان فاختلفا فكيف إذا اجتمع الاكثر ؟ قال ينبه بعضهم بعضا قلت ففعلوا فزعم كل واحد من المختلفين أن الذي قاله القياس قال فإن قلت يسع(7/299)
الاختلاف في هذا الموضع قلت قد زعمت أن في اختلاف كل واحد من المختلفين حكمين وتركت قولك ليس الاختلاف إلا حكما واحدا قال ما تقول أنت ؟ قلت الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه وما لم يكن فيه من هذا واحد كان لاهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع فإن ورد امر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشئ وغيره بخلافه وهذا قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت ؟ قلت له الاستدلال بالكتاب والسنة والاجماع قال فاذكر
الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عزوجل (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءتهم البينة) فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف ؟ فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة فكان الاغلب على أنها في جهة والاغلب على غيري في جهة ما الفرض علينا ؟ فإن قلت الكعبة فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن نأوا عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما امكنهم وغلب بالدلالات في قلوبهم فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف وكان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه وقلت قال الله (ممن ترضون من الشهداء) وقال (ذوي عدل منك) أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكانا عند أحد الحاكمين عدلين وعند الآخر غير عدلين قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما وعلى الآخر الذي هما عنده غير عدلين أن يردهما قلت له فهذا الاختلاف قال نعم فقلت له أراك إذن جعلت الاختلاف حكمين فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه قلت فهكذا قلنا وقلت له قال الله عزوجل (ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فإن حكم عدلان في موضع بشئ وآخران في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد اجتهد وأدى ما عليه وإن اختلفا وقال (والآتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع وأضربوهن فإن أطعنكم) الآية وقال عزوجل (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلا واحدا وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها وزوج الاخرى لا يخاف به نشوزها ؟ قال يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجر والضرب ولا يسع الآخر الضرب وقلت وهكذا يسع الذي يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الاخذ منها ولا يسع الآخر وإن استوى فعلاهما قال نعم قال: قال وإن قلت هذا فلعل غيري يخالفني وإياك ولا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة
الاختلاف قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبى هريرة قال وماذا: قلت ما وصفنا من أن الحكام والمفتيين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا(7/300)
فيه وأفتوا وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم عندهم وهذا عندك إجماع فكيف يكون إجماعا إذا كان موجودا في أفعالهم الاختلاف ؟ والله أعلم.
بيان فرائض الله تعالى (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) فرض الله عزوجل في كتابه من وجهين أحدهما أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر والآخر أنه أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه بقوله عزوجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وبقوله تبارك اسمه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) إلى (تسليما) وبقوله عزوجل (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) مع غير آية في القرآن بهذا المعنى فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله عزوجل قبل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت عليه ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عزوجل ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفرق بين ما فرق منها ونجمع بين ما جمع منها فلا يقاس فرع شريعة على غيرها وأول ما نبدأ به من الشرائع الصلاة فنحن نجدها ثابتة على البالغين غير المغلوبين على عقولهم ساقطة عن الحيض أيام حيضهن ثم نجد الفريضة منها والنافلة مجتمعتين في أن لا يجوز الدخول في واحدة منهما إلا بطهارة الماء في الحضر والسفر ما كان موجودا أو التيمم في السفر وإذا كان الماء معدوما وفى الحضر أو كان المرء مريضا لا يطيق الوضوء لخوف تلف في العضو أو زيادة في العلة ونجدهما
مجتمعتين في أن لا يصليا معا إلا متوجهين إلى الكعبة ما كانا في الحضر ونازلين بالارض ونجدهما وإذا كانا مسافرين تفترق حالهما فيكون للمصلى تطوعا إن كان راكبا أن يتوجه حيث توجهت به دابته يومئ إيماء ولا نجد ذلك للمصلى فريضة بحال أبدا إلا في حال واحدة من الخوف ونجد المصلى صلاة تجب عليه إذا كان يطيق ويمكنه القيام لم تجز عنه الصلاة إلا قائما ونجد المتنفل يجوز له أن يصلى جالسا ونجد المصلى فريضة يؤديها في الوقت قائما فإن لم يقدر أداها جالسا فإن لم يقدر أداها مضطجعا ساجدا إن قدر وموميا إن لم يقدر.
ونجد الزكاة فرضا تجامع الصلاة وتخالفها ولا نجد الزكاة تكون إلا ثابتة أو ساقطة فإذا ثبتت لم يكن فيها إلا أداؤها مما وجبت في جميع الحالات مستويا ليست تختلف بعذر كما اختلفت تأدية الصلاة قائما أو قاعدا ونجد المرء إذا كان له مال حاضر تجب فيه الزكاة وكان عليه دين مثله زالت عنه الزكاة حتى لا يكون عليه منها شئ في تلك الحال والصلاة لا تزول في حال يؤديها كما أطاقها (قال الربيع) وللشافعي قول آخر إذا كان عليه دين عشرين دينارا وله مثلها فعليه الزكاة يؤديها من قبل أن الله عزوجل قال (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فلما كانت هذه العشرون لو وهبها جازت هبته ولو تصدق بها جازت صدقته ولو تلفت كانت منه فلما كانت أحكامها كلها تدل على أنها مال من ماله وجبت عليه فيها الزكاة لقول الله تبارك وتعالى (خذ من أموالهم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ونجد المرأة ذات المال تزول عنها الصلاة في أيام حيضها ولا تزول عنها الزكاة وكذلك الصبى والمغلوب على عقله.(7/301)
باب الصوم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ونجد الصوم فرضا بوقت كما أن الصلاة فرض بوقت ثم نجد الصوم مرخصا فيه للمسافر أن يدعه وهو مطيق له في وقته ثم يقضيه بعد وقته وليس هكذا الصلاة لا يرخص في تأخير الصلاة عن وقتها إلى يوم غيره ولا يرخص له في أن يقصر من الصوم شيئا كما يرخص في أن يقصر من الصلاة ولا يكون صومه مختلفا باختلاف حالاته في المرض والصحة ونجده إذا جامع في صيام شهر رمضان وهو واجد وأعتق وإذا جامع في الحج نحر بدنة وإن جامع في الصلاة استغفر ولم
تكن عليه كفارة والجماع في هذه الحالات كلها محرم ثم يكون جماع كثير محرم لا يكون في شئ منه كفارة ثم نجده يجامع في صوم واجب عليه في قضاء شهر رمضان أو كفارة قتل أو ظهار فلا يكون عليه كفارة ويكون عليه البدل في هذا كله ونجد المغمى عليه والحائض لا صوم عليهما ولا صلاة فإذا أفاق المغمى عليه وطهرت الحائض فعليهما قضاء ما مضى من الصوم في أيام إغماء هذا وحيض هذه وليس على الحائض قضاء الصلاة في قول أحد ولا على المغمى عليه قضاء الصلاة في قولنا، ووجدت الحج فرضا على خاص وهو من وجد إليه سبيلا ثم وجدت الحج يجامع الصلاة في شئ ويخالفها في غيره فأما ما يخالفها فيه فإن الصلاة يحل له فيها أن يكون له أن يمضى فيها ويكون عليه أن يستأنف صلاة غيرها بدلا منها ولا يكفر ويفسد حجه فيمضى فيه فاسدا لا يكون له غير ذلك ثم يبدله ويفتدى والحج في وقت والصلاة في وقت فإن أخطأ رجل في وقته لم يجز عنه الحج ثم وجدتهما مأمورين بأن يدخل المصلى في وقت فإن دخل المصلى قبل الوقت لم تجز عنه صلاته وإن دخل الحاج قبل الوقت أجزأ عنه حجه ووجدت للصلاة أولا وآخرا فوجدت أولها التكبير وآخرها التسليم ووجدته إذا عمل ما يفسدها فيما بين أولها وآخرها أفسدها كلها ووجدت للحج أولا وآخرا ثم أجزأ بعده فأوله الاحرام ثم آخر أجزائه الرمى والحلاق والنحر فإذا فعل هذا خرج من جميع إحرامه في قولنا ودلالة السنة إلا من النساء خاصة وفى قول غيرنا إلا من النساء والطيب والصيد ثم وجدته في هذه الحال إذا أصاب النساء قبل يحللن له نحر بدنة ولم يكن مفسدا لحجه وإن لم يصب النساء حتى يطوف حل له النساء وكل شئ حرمه عليه الحج معكوفا على نكسه من حجه من البيتوتة بمنى ورمى الجمار والوداع يعمل هذا حلالا خارجا من إحرام الحج وهو لا يعمل شيئا في الصلاة إلا وإحرام الصلاة قائم عليه ووجدته مأمورا في الحج بأشياء إذا تركها كان عليه فيها البدل بالكفارة من الدماء والصوم والصدقة وحجة ومأمورا في الصلاة بأشياء لا تعدو واحدا من وجهين إما أن يكون تاركا لشئ منها فتفسد صلاته ولا تجزيه كفارة ولا غيرها إلا استئناف الصلاة أو يكون إذا ترك شيئا مأمورا يه من غير صلب الصلاة كان تاركا لفضل والصلاة مجزية عنه ولا كفارة عليه ثم للحج وقت آخر وهو الطواف بالبيت بعد النحر الذى يحل له به النساء ثم لهذا آخر وهو النفر من منى ثم الوداع وهو مخير في النفر إن أحب تعجل في يومين وإن أحب
تأخر، أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لا يمسكن الناس على بشئ فإنى لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى هذا منقطع ونحن نعرف فقه طاوس ولو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين فيه أنه على ما وصفت إن شاء الله تعالى قال (لا يمسكن الناس على بشئ) ولم يقل لا تمسكوا عنى بل قد أمر أن يمسك عنه وأمر الله عزوجل بذلك (قال الشافعي) أخبرنا ابن(7/302)
عيينة عن ابى النضر عن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا أعرفن ما جاء أحدكم الامر مما أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول ما ندرى، هذا وما وجدنا في كتاب الله عزوجل اتبعناه) وقد أمرنا باتباع ما أمرنا واجتناب ما نهى عنه وفرض الله ذلك في كتابه على خليقته وما في أيدى الناس من هذا إلا تمسكوا به عن الله تبارك وتعالى ثم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن دلالته ولكن قوله إن كان قاله (لا يمسكن الناس على بشئ) يدل على أن رسوله صلى الله عليه وسلم إذ كان بموضع القدوة فقد كانت له خواص أبيح له فيها ما لم يبح للناس وحرم عليه منها ما لم يحرم على الناس فقال (لا يمسكن الناس على بشئ) من الذى لى أو على دونهم فإن كان على ولى دونهم لا يمسكن به وذلك مثل أن الله عزوجل إذا أحل له من عدد النساء ما شاء وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له قال الله تعالى (خالصة لك من دون المؤمنين) فلم يكن لاحد أن يقول قد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع ونكح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة بغير مهر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيا من المغانم وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لان الله عزوجل قد بين في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك له دونهم وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق فلم يكن لاحد أن يقول على أن أخير امرأتي على ما فرض الله عزوجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إن كان قاله (لا يمسكن الناس على بشئ فإنى لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله) وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك أمره وافترض عليه أن يتبع ما
أوحى إليه ونشهد أن قد اتبعه فما لم يكن فيه وحى فقد فرض الله عزوجل في الوحى اتباع سنته فيه فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله عزوجل قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال عز وعلا (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وأخبرنا عن صدقة بن يسار عن عمر بن عبد العزيز سأل بالمدينة فاجتمع له على أنه لا يبين حمل في أقل من ثلاثة أشهر (قال الشافعي) إن الله عزوجل وضع نبيه صلى الله عليه وسلم من كتابه ودينه بالموضع الذى أبان في كتابه فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول فيما أنزل الله عليه إلا بما أنزل عليه وأنه لا يخالف كتاب الله وأنه بين عن الله عز وعلا معنى ما أراد الله وبيان ذلك في كتاب الله عزوجل قال الله تبارك وتعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى) وقال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (اتبع ما أوحى إليه من ربك) وقال مثل هذا في غير آية وقال عزوجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فلا وربك لا يؤمنون) الآية (قال الشافعي) أخبرنا الدراوردى عن عمرو بن أبى عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما تركت شيئا مما أمركم الله تعالى به إلا وقد أمرتكم به ولا تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه) (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبى النضر عن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) ومثل هذا إن الله عزوجل فرض الصلاة والزكاة والحج جملة في كتابه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى ما أراد الله تعالى من عدد الصلاة ومواقيتها وعدد ركوعها وسجودها وسنن الحج وما يعمل المرء منه(7/303)
ويجتنب وأى المال تؤخذ منه الزكاة وكم ووقت ما تؤخذ منه وقال الله عزوجل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال عز ذكره (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فلو صرنا إلى ظاهر القرآن قطعنا من لزمه اسم سرقة وضربنا كل من لزمه اسم زنا مائة جلدة ولما قطع النبي في ربع
دينار ولو يقطع في أقل منه ورجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما استدللنا على أن الله عزوجل إنما أراد بالقطع والجلد بعض السراق دون بعض وبعض الزناة دون بعض ومثل هذا لا يخالفه المسح على الخفين قال الله عزوجل (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فلما مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين استدللنا على أن فرض الله عزوجل غسل القدمين إنما هو على بعض المتوضئين دون بعض وأن المسح لمن أدخل رجليه في الخفين بكمال الطهارة استدلالا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه لا يمسح والفرض عليه غسل القدم كما لا يدرأ القطع عن بعض السراق وجلد المائة عن بعض الزناة والفرض عليه أن يجلد ويقطع فإن ذهب ذاهب إلى أنه قد يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سبق الكتاب المسح على الخفين فالمائدة نزلت قبل المسح المثبت بالحجاز في غزاة تبوك والمائدة قبله فإن زعم أنه كان فرض وضوء قبل الوضوء الذى مسح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض وضوء بعده فنسخ المسح فليأتنا بفرض وضوأين في القرآن فإن لا نعلم فرض الوضوء إلا واحدا وإن زعم أنه مسح قبل يفرض عليه الوضوء فقد زعم أن الصلاة بلا وضوء ولا نعلمها كانت قط إلا بوضوء فأى كتاب سبق المسح على الخفين المسح كما وصفنا من الاستدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان جميع ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرائض الله تبارك وتعالى مثل ما وصفنا من السارق والزانى وغيرهما (قال الشافعي) ولا تكون سنة أبدا تخالف القرآن، والله تعالى الموفق.(7/304)
كتاب صفة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل النهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتى عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم إما أراد به نهيا عن بعض الامور دون بعض وإما أراد به النهى للتنزيه عن المنهى والادب والاختيار ولا نفرق بين نهى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنة وقد يمكن أن يجهلها بعضهم فمما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان على التحريم لم يختلف أكثر العامة فيه أنه نهى عن الذهب بالورق إلا هاء وهاء وعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ونهى عن بيعتين في بيعة فقلنا والعامة معنا إذا تبايع المتبايعان ذهبا بورق أو ذهبا بذهب فلم يتقابضا قبل أن يتفرقا فالبيع مفسوخ وكانت حجتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عنه صار محرما وإذا تبايع الرجلان بيعتين في بيعة فالبيعتان جميعا مفسوختان بما انعقدت وهو أن يقول أبيعك على أن تبيعني لانه إنما انعقدت العقدة على أن ملك كل واحد منهما عن صاحبه شيئا ليس في ملكه ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ومنه أن أقول سلعتي هذه لك بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل فقد وجب عليه بأحد الثمنين لان البيع لم ينعقد بشئ معلوم وبيع الغرر فيه أشياء كثيرة نكتفي بهذا منها ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار والمتعة فما انعقدت على شئ محرم علي ليس في ملكى بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لانى قد ملكت المحرم بالبيع المحرم فأجرينا النهى مجرى واحدا إذا لم يكن عنه دلالة تفرق بينه ففسخنا هذه الاشياء والمتعة والشغار كما فسخنا البيعتين ومما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحالات دون بعض واستدللنا على أنه إنما أراد بالنهي عنه أن يكون منهيا عنه في حال دون حال بسنته صلى الله عليه وسلم وذلك أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فلولا الدلالة عنه كان النهى في هذا مثل النهى في الاول فيحرم إذا خطب الرجل امرأة أن يخطبها غيره فلما قالت فاطمة بنت قيس قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حللت فآذنينى) فلما حلت من عدتها أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ولكن انكحي أسامة بن زيد) قالت فكرهته فقال (انكحي أسامة) فنكحته فجعل الله فيه خيرا وأغتبطت به استدللنا على أنه لا ينهى عن الخطبة ويخطب على خطبة إلا ونهيه عن الخطبة حين ترضى المرأة فلا يكون بقى إلا العقد فيكون إذا خطب أفسد ذلك على الخاطب المرضى أو عليها أو عليهما معا وقد يمكن أن يفسد ذلك عليهما ثم لا يتم ما بينها وبين الخاطب ولو أن فاطمة أخبرته أنها رضيت واحدا منهما لم يخطبها إن شاء الله تعالى على أسامة ولكنها أخبرته بالخطبة واستشارته فكان في حديثها دلالة على أنه لم ترض ولم ترد فإذا كانت المرأة بهذه الحال جاز أن(7/305)
تخطب وإذا رضيت المرأة الرجل وبدا لها وأمرت بأن تنكحه لم يجز أن تخطب في الحال التى لو زوجها فيها الولى جاز نكاحه فإن قال قائل فان حالها إذا كانت بعد أن تركن بنعم مخالفة حالها بعد الخطبة وقبل أن تركن فكذلك حالها حين خطبت قبل الركون مخالفة حالها قبل أن تخطب وكذلك إذا أعيدت عليها الخطبة وقد كانت امتنعت فسكتت والسكات قد لا يكون رضا فليس ههنا قول يجوز عندي أن يقال الا ما ذكرت بالاستدلال ولولا الدلالة بالسنة كانت إذا خطبت حرمت على غير خاطبها الاول أن يخطبها حتى يتركها الخاطب الاول ثم يتفرق نهى النبي صلى الله عليه وسلم على وجهين فكل ما نهى عنه مما كان ممنوعا إلا بحادث يحدث فيه يحله فأحدث الرجل فيه حادثا منهيا عنه لم يحله وكان على أصل تحريمه إذا لم يأت من الوجه الذى يحله وذلك مثل أن أموال الناس ممنوعة من غيرهم وأن النساء ممنوعات من الرجال إلا بأن يملك الرجل مال الرجل بما يحل من بيع أو هبة وغير ذلك وأن النساء محرمات إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فإذا اشترى الرجل شراء منهيا عنه فالتحريم فيما اشترى قائم بعينه لانه لم يأته من الوجه الذى يحل منه ولا يحل المحرم وكذلك إذا نكح نكاحا منهيا عنه لم تحل المرأة المحرمة (1) عنه من فعل شئ في ملكى أو شئ مباح لى ليس بملك لاحد فذلك نهى اختيار ولا ينبغى أن نرتكبه فإذا عمد فعل ذلك أحد كان عاصيا بالفعل ويكون قد ترك الاختيار ولا يحرم ما له ولا ما كان مباحا له وذلك مثل ما روى عنه أنه أمر الآكل أن يأكل مما يليه ولا يأكل من رأس الثريد ولا يعرس على قارعة الطريق فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أو عرس على قارعة الطريق أثم بالفعل الذى فعله إذا كان عالما بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم ذلك طعام عليه وذلك أن الطعام غير الفعل ولم يكن يحتاج إلى شئ يحل له به الطعام كان حلالا فلا يحرم الحلال عليه بأن عصى في الموضع الذى جاء منه الاكل ومثل ذلك النهى عن التعريس على قارعة الطريق، الطريق له مباح وهو عاص بالتعريس على الطريق ومعصيته لا تحرم عليه الطريق وإنما قلت يكون فيها عاصيا إذا قامت الحجة على الرجل بأنه كان علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، والله أعلم.
__________
(1) كذا في النسخة وفيه سقط ظاهر ولعل الاصل (وما نهى عنه من فعل شئ الخ) تأمل.(7/306)
كتاب إبطال الاستحسان(7/307)
كتاب إبطال الاستحسان الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله وكما ينبغى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله بعثه بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فهدى بكتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بما أنعم عليه وأقام الحجة على خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال (وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى رحمة) وقال (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وفرض عليهم اتباع ما أنزل عليه وسن رسوله لهم فقال (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله) فأعلم أن معصيتة في ترك أمره وأمر رسوله ولم يجعل لهم إلا اتباعه وكذلك قال لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال (ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم * صراط الله) مع ما أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه فقال (فاستمسك بالذى أوحى إليك) وقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وأعلمهم أنه أكمل لهم دينهم فقال عزوجل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وأبان الله عزوجل لخلقه أنه تولى الحكم فيما أثابهم وعاقبهم عليه على ما علم من سرائرهم وافقت سرائرهم علانيتهم أو خالفتها وإثما جزاهم بالسرائر فأحبط عمل كل من كفر به ثم قال تبارك وتعالى فيمن فتن عن دينه (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) فطرح عنهم حبوط أعمالهم والمأثم بالكفر إذا كانوا مكرهين وقلوبهم على الطمأنينة بالايمان وخلاف الكفر وأمر بقتال الكافرين حتى يؤمنوا وأبان ذلك عزوجل حتى يظهروا الايمان ثم أوجب للمنافقين إذا أسروا نار جهنم فقال (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار) وقال (إذا جاءك والمنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة) يعنى والله تعالى أعلم من القتل فمنعهم من القتل ولم يزل عنهم في الدنيا أحكام
الايمان مما أظهر وامنه وأوجب لهم الدرك الاسفل من النار يعلمه بسرائرهم وخلافها لعلانيتهم بالايمان فأعلم عباده مع ما أقام عليهم من الحجة بأن ليس كمثله أحد في شئ أن علمه بالسر والعلانية واحد فقال تعالى ذكره (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقال عز وعلا (يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور) مع آيات أخر من الكتاب (قال الشافعي) فعرف جميع خلقه في كتابه أن لا علم إلا ما علمهم فقال عزوجل (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) وقال (لا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء) (قال الشافعي) ثم من عليهم بما آتاهم من العلم وأمرهم بالاقتصار عليه وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان) وقال عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) وقال لنبيه (قل ما(7/309)
كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم) ثم أنزل على نبيه أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعنى والله أعلم ما تقدم من ذنبه قبل الوحى وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب فعلم ما يفعل به من رضاه عنه وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة وسيد الخلائق وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تقف ما ليس لك به علم) وجاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل في امرأة رجل رماها بالزنا فقال له يرجع فأوحى الله إليه آية اللعان فلاعن بينهما وقال الله تعالى (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله) وقال (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام) الآية وقال لنبيه (يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * فحجب عن نبيه علم الساعة وكان من جاور ملائكة الله المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد الله أقصر علما من ملائكته وأنبيائه لان الله عز وجل فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بعد من الامر شيئا وأولى أن لا يتعاطوا حكما على غيب أحد لا بدلالة ولا ظن لتقصير علمهم عن علم أنبيائه الذين فرض الله تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتينهم أمره فإنه عزوجل ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره ففرض على نبيه أن يقاتل أهل الاوثان حتى
يسلموا وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الاسلام ثم بين الله ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالاسلام إلا الله فقال عزوجل لنبيه (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) (قرأ الربيع) إلى قوله (فلا ترجعوهن إلى الكفار) يعنى والله تعالى أعلم بصدقهن بإيمانهن قال (فإن علمتموهن مؤمنات) يعنى ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الايمان لانكم لا تعلمون من صدقهن بالايمان ما يعلم الله فاحكموا لهن بحكم الايمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) (قال الشافعي) ثم اطلع الله رسوله على قوم يظهرون الاسلام ويسرون غيره ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الاسلام ولم يجعل له أن يقضى عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) الآية (قال الشافعي) أسلمنا يعنى أسلمنا بالقول بالايمان مخافة القتل والسباء ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله يعنى إن أحدثوا طاعة رسوله وقال له في المنافقين وهم صنف ثان (إذا جاءك المنافقون) إلى (اتخذوا إيمانهم) جنة يعنى والله تعالى أعلم أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الايمان جنة من القتل وقال في المنافقين (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم) الآية فأمر بقبول ما أظهروا ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم خلاف حكم الايمان وكذلك حكم نبيه صلى الله عليه وسلم على من بعدهم بحكم الايمان وهم يعرفون أو بعضهم بأعيانهم منهم من تقوم عليه البينة بقول الكفر ومنهم من عليه الدلالة في أفعاله فإذا أظهروا التوبة منه والقول بالايمان حقنت عليهم دماؤهم وجمعهم ذكر الاسلام وقد أعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم في الدرك الاسفل من النار فقال (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار) فجعل حكمه عليهم عزوجل وسرائرهم وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين بقوله وما أقروا بقوله وما جحدوا من قول الكفر مما لم يقروا به ولم تقم به بينة عليهم وقد كذبهم على قولهم في كل وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثى عن عبيد الله بن عدى ين الخيار أن رجلا سار النبي صلى الله عليه وسلم فلم ندر ما ساره حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أليس(7/310)
يشهد أن لا إله إلا الله ؟) قال بلى ولا شهادة له فقال (أليس يصلى ؟) قال بلى ولا صلاة له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك الذين نهانى الله تعالى عنهم) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أسامة بن زيد قال شهدت من نفاق عبد الله بن أبى ثلاثة مجالس أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وسحابهم على الله) (قال الشافعي) فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فرض الله أن يقاتلهم حتى يظهروا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها يعنى إلا بما يحكم الله تعالى عليهم فيها وحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم والله العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه وبذلك مضت أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق وأعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون وأن الله يدين بالسرائر، أخبرنا مالك عن هشام بن عروة وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم العجلاني وهو أحيمر سبط نضو الخلق فقال يا رسول الله رأيت شريك بن السحماء يعنى ابن عمه وهو رجل عظيم الاليتين أدعج العينين حاد الخلق يصيب فلانة يعنى امرأته وهى حبلى وما قربتها منذ كذا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكا فجحد ودعا المرأة فجحدت فلاعن بينها وبين زوجها وهى حبلى ثم قال (أبصروها فإن جاءت به أدعج عظيم الاليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب) فجاءت به أدعج عظيم الاليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا (إن أمره لبين لولا ما قضى الله) يعنى أنه لمن زنا لولا ما قضى الله من أن لا يحكم على أحد إلا بإقرار أو اعتراف على نفسه لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة، وقال (لولا ما قضى الله لكان لى فيهما قضاء غيره) ولم يعرض لشريك ولا للمرأة والله أعلم وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ثم علم بعد أن الزوج هو الصادق (قال الشافعي) أخبرني عمى محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزتية البتة ثم أتى إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال يارسول الله إنى طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة ؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضى الله عنهما (قال الشافعي) وفى جميع ما وصفت ومع غيره مما استغنيت بما كتبت عنه مما فرض الله تعالى على الحكام في الدنيا دليل على أن حراما على حاكم أن يقضى أبدا على أحد من عباد الله إلا بأحسن ما يظهر وأخفه على المحكوم عليه وإن احتمل ما يظهر منه غير أحسنه كانت عليه دلالة بما يحتمل ما يخالف أحسنه وأخفه عليه أو لم تكن لما حكم الله في الاعراب الذين قالوا آمنا وعلم الله الايمان لم يدخل في قلوبهم وما حكم الله تعالى به في المنافقين الذين أعلم الله أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم كذبة بما اظهروا من الايمان وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين حين وصف قبل أن تلد إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الاليتين فلا أراه إلا قد صدق فجاء به على الوصف الذى قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها فلا أراه إلا قد صدق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين) أي لقد زنت وزنى بها شريك الذى رماه زوجها بالزنى ثم لم يجعل الله إليهما سبيلا إذا لم يقرا ولم تقم عليهما بينة وأبطل في حكم الدنيا عليهما استعمال الدلالة التى لا يوجد في الدنيا دلالة بعد دلالة الله على المنافقين(7/311)
والاعراب أقوى مما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مولود امرأة العجلاني قبل يكون ثم كان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والاغلب على من سمع الفزارى يقول للنبى صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود وعرض بالقذف أنه يريد القذف ثم لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن التعريض ظاهر قذف فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه حكم القاذف والاغلب على من سمع قول ركانة لامرأته أنت طالق البتة أنه يعقل أنه قد أوقع الطلاق بقوله طالق وأن البتة إرادة شئ غير الاول أنه أراد الابتات بثلاث ولكنه لما كان ظاهرا في قوله واحتمل غيره لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بظاهر الطلاق وذلك واحدة (قال الشافعي) فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالا على أن ما أظهروا يحتمل غير ما أظهروا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من
خلاف التنزيل والسنة وذلك أن يقول قائل من رجع عن الاسلام ممن ولد على الاسلام قتلته ولم أستتبه ومن رجع عنه ممن لم يولد على الاسلام استتبته ولم يحكم الله تعالى على عباده إلا حكما واحدا مثل أن يقول من رجع عن الاسلام ممن أظهر نصرانية أو يهودية أو دينا يظهر كالمجوسية استتبته فإن أظهر التوبة قبلت منه ومن رجع إلى دين يخفيه لم أستتبه (قال الشافعي) وكل قد بدل دينه دين الحق ورجع إلى الكفر فكيف يستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض وكل باطل فإن قال لا أعرف توبة الذى يسر دينه، قيل ولا يعرفها إلا الله وهذا مع خلافه حكم الله ثم رسوله كلام مجال يسأل من قال هذا هل تدرى لعل الذى كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة والذى كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة ؟ فإن قال نعم قيل فتدرى لعلك قتلت المؤمن الصادق بالايمان واستحييت الكاذب بإظهار الايمان فإن قال ليس على إلا الظاهر قيل فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة والمنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسرون بدينهم فيقبل منهم ما يظهرون من الايمان فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يعتل بشئ له وجه ولكنه يخالفها ويعتل بما لا وجه له كأنه يرى النصرانية واليهودية لا تكون إلا بإتيان الكنائس، أرأيت إذا كانوا ببلاد لا كنائس فيها أما يصلون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم ؟ قال وما وصفت من حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين أن جاءت به المتلاعنة على النعت المكروه يبطل حكم الدلالة التى هي أقوى من الذرائع فإذا أبطل الاقوى من الدلائل أبطل له الاضعف من الذرائع كلها وابطل الحد في التعريض بالدلالة، فإن من الناس من يقول: إذا تشاتم الرجلان فقال أحدما ما أبى بزان ولا أمي بزانية حد لانه إذا قاله على المشاتمة فالاغلب إنما يريد به قذف أم الذى يشاتم وأبيه وإن قاله على غير المشاتمة لم أحده إذا قال لم أرد القذف مع إبطال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم التعريض في حديث الفزارى الذى ولدت امرأته غلاما أسود فإن قال قائل فإن عمر حد في التعريض في مثل هذا قيل واستشار أصحابه فخالفه بعضهم ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة ويبطل مثله من قول الرجل لامرأته أنت طالق البتة لان طالق إيقاع طلاق ظاهر والبتة تحتمل زيادة في عدد الطلاق وغير زيادة فعليه الظاهر والقول قوله في الذى يحتمل غير الظاهر حتى لا يحكم عليه أبدا إلا بظاهر ويجعل
القول قوله في غير الظاهر قال وهذا يدل على أنه لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه لا يفسد بشئ تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا بأغلب وكذلك كل شئ لا نفسده إلا بعقده ولا نفسد البيوع بأن يقول هذه ذريعة وهذه نية سوء ولو جاز أن نبطل من البيوع بأن يقال متى خالف أن تكون ذريعة إلى الذى لا يحل كان أن يكون اليقين من البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يرد به من الظن ألا ترى أن رجلا لو(7/312)
اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع، قال وكذلك لو باع البائع سيفا من رجل يراه أنه يقتل به رجلا كان هكذا وكذلك لو اشترى فرسا وهو يراها عقوقا فقال هو والله ما اشتريتها بمائة إلا لعقاقها وما تسوى لولا العقاق خمسين وقال اليائع ما أردت منها العقاق لم يفسد البيع بهذه النية إذا انعقدت صفقة البيع على الفرس ولم يشترط فيها العقاق ولو اشترط فيها العقاق فسد البيع لانه بيع ما لا يدرى أيكون أو لا يكون ألا ترى لو أن رجلا شريفا نكح دنية أعجمية أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهما أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة لم يحرم النكاح بهذه النية لان ظاهر عقدته كانت صحيحة إن شاء الزوج حبسها وإن شاء طلقها فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الاسلام على أن العقود إنما يثبت بالظاهر عقدها ولا يفسدها نية العاقدين كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة أولى أن لا تفسد يتوهم غير عاقدها على عاقدها ثم سيما إذا كان توهما ضعيفا والله تعالى أعلم.
باب إبطال الاستحسان (قال الشافعي) وكل ما وصفت مع ما أنا ذاكر وساكت عنه أكتفاء بما ذكرت منه عما لم أذكر من حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم ثم حكم المسلمين دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا أن يحكم ولا أن يفتى إلا من جهة خبر لازم وذلك الكتاب ثم السنة أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه أو قياس على بعض هذا لا يجوز له أن يحكم ولا يفتى بالاستحسان إذ لم يكن الاستحسان واجبا ولا في واحد من هذه المعاني فإن قال قائل فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا ؟ قيل قال الله عزوجل (أيحسب
الانسان أن يترك سدى) فلم يختلف أهل العمل بالقرآن فيما علمت أن السدى الذى لا يؤمر ولا ينهى ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى وقد أعلمه الله أنه لم يتركه سدى ورأى أن قال أقول بما شئت وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا وفى السنن فخالف منهاج النبيين وعوام حكم جماعة من روى عنه من العالمين فإن قال فأين ما ذكرت من القرآن ومنهاج النبيين صلى الله عليه وسلم أجمعين ؟ قيل قال الله عزوجل لنبيه عليه الصلا والسلام (اتبع ما أوحى إليك من ربك) وقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) الآية ثم جاءه قوم فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم فقال أعلمكم غدا يعنى أسأل جبريل ثم أعلمكم فأنزل الله عزوجل (ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) الآية وجاءته امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوسا فلم يجبها حتى انزل الله عزوجل (قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها) وجاءه العجلاني يقذف امرأته قال لم ينزل فيكما وانتظر الوحى فلما نزل دعاهما فلاعن بينهما كما أمره الله عزوجل وقال لنبيه (أن أحكم بينهم بما أنزل الله) وقال عزوجل (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق) الآية وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق إلا وقد علم الحق ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصا أو دلالة من الله فقد جعل الله الحق في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليس تنزل بأحد نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصا أو جملة فإن قال وما النص والجملة ؟ قيل النص ما حرم الله وأحل نصا حرم الامهات والجدات والعمات والخالات ومن ذكر معهن وأباح من سواهن وحرم الميتة والدم(7/313)
ولحم الخنزير والفواحش ما ظهر منها وما بطن وأمر بالوضوء فقال (اغسلوا وجوهكم وأيديكم) الآية فكان مكتفى بالتنزيل في هذا عن الاستدلال فيما نزل فيه مع أشباه له فإن قيل فما الجملة ؟ قيل ما فرض الله من صلاة وزكاة وحج فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها وكيف الزكاة وفى أي المال هي وفى أي وقت هي وكم قدرها وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل فيه وما يخرج به منه (قال الشافعي) فإن قيل فهل يقال لهذا كما قيل للاول قبل عن الله ؟ قيل نعم فإن قيل فمن أين قيل ؟ قبل عن الله لكلامه جملة وقبل تفسيره عن الله بأن الله فرض طاعة نبيه
فقال عزوجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) مع ما فرض من طاعة رسوله فإن قيل فهذا مقبول عن الله كما وصفت فهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحى ؟ قيل الله أعلم * أخبرنا مسلم بن خالد عن طاوس (قال الربيع) هو عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن عنده كتابا من العقول نزل به الوحى (قال الشافعي) وما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط إلا بوحى فمن الوحى ما يتلى ومنه ما يكون وحيا إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم فيستن به * أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ولا شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه وإن الروح الامين قد ألقى في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها فأجملوا في الطلب) (قال الشافعي) وقد قيل ما لم يتل قرآنا إنما ألقاه جبريل في روعه بأمر الله فكان وحيا إليه وقيل جعل الله إليه لما شهد له به من أنه يهدى إلى صراط مستقيم أن يسن وأيهما كان فقد ألزمهما الله تعالى خلقه ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سن لهم وفرض عليهم اتباع سنته (قال الشافعي) فإن قال قائل فما الحجة في قبول ما اجتمع الناس عليه ؟ قيل لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين لم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا لزوم قول جماعتهم وكان معقولا أن جماعتهم لا تجهل كلها حكما لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن الجهل لا يكون إلا في خاص وأما ما اجتمعوا عليه فلا يكون فيه الجهل فمن قبل قوله جماعتهم فبدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قولهم (قال الشافعي) رحمة الله وإن قال قائل أرأيت ما لم يمض فيه كتاب ولا سنة ولا يوجد الناس اجتمعوا عليه فأمرت بأن يؤخذ قياسا على كتاب أو سنة أيقال لهذا قبل عن الله ؟ قيل نعم قبلت جملته عن الله فإن قيل ما جملته ؟ قيل الاجتهاد فيه على الكتاب والسنة فإن قيل أفيوجد في الكتاب دليل عن ما وصفت ؟ قيل نعم نسخ الله قبلة بيت المقدس وفرض على الناس التوجه إلى البيت فكان على من رأى البيت أن يتوجه إليه بالعيان وفرض الله على من غاب عنه البيت أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام لان البيت في المسجد الحرام فكان المحيط بأنه أصاب البيت بالمعاينة والمتوجه قصد البيت ممن غاب عنه قابلين عن الله معا التوجه إليه وأحدهما على الاحاطة والآخر متوجه بدلالة فهو على إحاطة
من صواب جملة ما كلف وعلى غير إحاطة كإحاطة الذى يرى البيت من صواب البيت ولم يكلف الاحاطة (قال الشافعي) فإن قيل فبم يتوجه إلى البيت ؟ قيل قال الله تعالى (هو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) وقال (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وكانت العلامات جبالا يعرفون مواضعها من الارض وشمسا وقمرا ونجما مما يعرفون من الفلك ورياحا يعرفون مهابها على الهواء تدل على قصد البيت الحرام فجعل عليهم طلب الدلائل على شطر المسجد الحرام فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وكان معقولا(7/314)
عن الله عزوجل أنه إنما يأمرهم بتولية وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لا بما استحسنوا ولا بما سنح في قلوبهم ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم لانه قضى أن لا يتركهم سدى وكان معقولا عنه أنه إذا أمرهم أن يتوجهوا شطره وغيب عنهم عينه أن لم يجعل لهم أن يتوجهوا حيث شاءوا لا قاصدين له بطلب الدلالة عليه (قال الشافعي) وقال الله عزوجل (واشهدوا ذوى عدل منكم) قال (ممن ترضون من الشهداء) فكان على الحكام أن لا يقبلوا إلا عدلا في الظاهر وكانت صفات العدل عندهم معروفة وقد وصفتها في غير هذا الموضع وقد يكون في الظاهر عدلا وسريرته غير عدل ولكن الله لم يكلفهم ما لم يجعل لهم السبيل إلى عمله ولم يجعل لهم إذا كان يمكن إلا أن يردوا من ظهر منه خلاف العدل عندهم وقد يمكن أن يكون الذى ظهر منه خلاف العدل خيرا عند الله عز وجل من الذى ظهر منه العدل ولكن كلفوا أن يجتهدوا على ما يعلمون من الظاهر الذى لم يؤتوا أكثر منه (قال الشافعي) وقال الله جل ثناؤه (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) فكان معقولا عن الله في الصيد النعامة وبقر الوحش وحماره والثيتل والظبى الصغير الكبير والارنب واليربوع وغيره ومعقولا أن النعم الابل والبقر والغنم وفى هذا ما يصغر عن الغنم وعن الابل وعن البقر فلم يكن المثل فيه في المعقول وفيما حكم به من حكم من صدر هذه الامة إلا أن يحكموا في الصيد بأولى الاشياء شبها منه من النعم ولم يجعل لهم إذ كان المثل يقرب قرب الغزال من العنز والضبع من الكبش أن يبطلوا
اليربوع مع بعده من صغير الغنم وكان عليهم أن يجتهدوا كما أمكنهم الاجتهاد وكل أمر الله جل ذكره وأشبه لهذا تدل على إباحة القياس وحظر أن يعمل بخلافه من الاستحسان لان من طلب أمر الله بالدلالة عليه فإنما طلبه بالسبيل التى فرضت عليه ومن قال أستحسن لا عن أمر الله ولا عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله ما قال ولم يطلب ما قال بحكم الله ولا بحكم رسوله وكان الخطأ في قول من قال هذا بينا بأنه قد قال أقول وأعمل بما لم أومر به ولم أنه عنه وبلا مثال على ما أمرت به ونهيت عنه وقد قضى الله بخلاف ما قال فلم يترك أحدا إلا متعبدا (قال الشافعي) في قول الله عزوجل (أيحسب الانسان أن يترك سدى) إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أدى ما كله وحكم وأفتى من حيث أمر فكان في النص مؤديا ما أمر به نصا وفى القياس مؤديا ما أمر به اجتهادا وكان مطيعا لله في الامرين ثم لرسوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد فيروى أنه قال لمعاذ (بم تقضى ؟) قال بكتاب الله قال (فإن لم يكن في كتاب الله) قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فإن لم يكن) قال اجتهد قال (الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم (قال الشافعي) ومن استجاز أن يحكم أو يفتى بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوجا بأن معنى قوله أفعل ما هويت وإن لم أومر به مخالف معنى الكتاب والسنة فكان محجوجا على لسانه ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفا فإن قيل ما هو ؟ قيل لا أعلم أحدا من أهل العلم رخص لاحد من أهل العقول والآداب في أن يفتى ولا يحكم برأى نفسه إذا لم يكن عالما بالذى تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والاجماع والعقل لتفصيل المشتبه فإذا زعموا هذا قيل لهم ولم لم يجز لاهل العقول التى تفوق كثيرا من عقول أهل العلم بالقرآن والسنة والفتيا أن يقولوا فيما قد نزل مما يعلمونه معا أن ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع(7/315)
وهم أوفر عقولا وأحسن إبانة لما قالوا من عامتكم ؟ فإن قلتم لانهم لا علم لهم بالاصول قيل لكم فما حجتكم في علمكم بالاصول إذا قلتم بلا أصل ولا قياس على أصل ؟ هل خفتم على أهل العقول
الجهلة بالاصول أكثر من أنهم لا يعرفون الاصول فلا يحسنون أن يقيسوا بما لا يعرفون وهل أكسبكم علمكم بالاصول القياس عليهم أو أجاز لكم تركها ؟ فإذا جاز لكم تركها جاز لهم القول معكم لان أكثر ما يخالف عليهم ترك القياس عليها أو الخطأ ثم لا أعلمهم إلا أحمد على الصواب إن قالوا على غير مثال منكم لو كان أحد يحمد على أن يقول على غير مثال لانهم لم يعرفوا مثالا فتركوه وأعذر بالخطأ منكم وهم أخطأوا فيما لا يعلمون ولا أعلمكم إلا أعظم وزرا منهم إتركتم ما تعرفون من القياس على الاصول التى لا تجهلون فإن قلتم فنحن تركنا القياس على غير جهالة بالاصل قيل فإن كان القياس حقا فأنتم خالفتم الحق عالمين به وفى ذلك من المأثم ما إن جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم وإن زعمتم أن واسعا لكم ترك القياس والقول بما سنج في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته مسامعكم حججتم بما وصفنا من القرآن ثم السنة وما يدل عليه الاجماع من أن ليس لاحد أن يقول إلا بعلم وما لا تختلفون فيه من أن الحاكم لو تداعى عنده رجلان في ثوب أو عبد تبايعاه عيبا لم يكن للحاكم إذا كان مشكلا أن يحكم فيه وكان عليه أن يدعو أهل العلم به فيسألهم عما تداعيا فيه هل هو عيب فإن تطالبا قيمة عيب فيه وقد فات سألهم عن قيمته فلو قال أفضلهم دينا وعلما إنى جاهل بسوقه اليوم وإن كنت عالما بها قبل اليوم ولكني أقول فيه لم يسعه أن يقبل قوله بجهالته بسوق يومه وقبل قول من يعرف سوق يومه ولو جاء من يعرف سوق يومه فقال إذا قست هذا بغيره مما يباع وقومته على ما مضى وكان عيبه دلنى القياس علي كذا ولكني أستحسن غيره لم يحل له أن يقبل استحسانه وحرم عليه إلا أن يحكم بما يقال إنه قيمة مثله في يومه وكذلك هذا في امرأة أصيبت بصداق فاسد يقال كم صداق مثلها في الجمال والمال والصراحة الشباب واللب والادب فلو قيل مائة دينار ولكنا نستحسن أن نزيدها درهما أو ننقصها لم يحل له وقال للذى يقول أستحسن أن أزيدها أو أنقصها ليس ذلك لى ولا لك وعلى الزوج صداق مثلها وإذا حكم بمثل هذا في المال الذى نقل رزيته على من أخذ منه ولم يوسع فيه الاستحسان والزم فيه القياس وأهل العلم به ولم يجهل لاهل الجهالة قياسا فيه لانهم لا يعلمون ما يقيسون عليه فحلال الله وحرامه من الدماء والفروج وعظيم الامور أولى أن يلزم الحكام والمفتين (قال الشافعي) أفرأيت إذا قال الحاكم والمفتى في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال أستحسن فلا بد أن يزعم
أن جائزا لغيره أن يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن فيقال في الشئ الواحد بضروب من الحكم والفتيا فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وان قال الذى يرى منهم ترك القياس بل على الناس اتباع ما قلت قيل له من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس اتباعك ؟ أو رأيت إن ادعى عليك غيرك هذا أتطيعه ام تقول لا أطيع إلا من أمرت بطاعته ؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد وإنما الطاعة لمن أمر الله أو رسوله بطاعته والحق فيما أمر الله ورسوله باتباعه ودل الله ورسوله عليه نصا أو استنباطا بدلائل أو رأيت إذ أمر الله بالتوجه قبل البيت وهو مغيب عن المتوجه هل جعل له أن يتوجه إلا بالاجتهاد بطلب الدلائل عليه ؟ أو رأيت إذا أمر بشهادة العدل فدل على أن لا يقبل غيرها هل يعرف العدل من غيره إلا بطلب الدلائل على عدله ؟ أو رأيت إذا أمر بالحكم بالمثل في الصيد هل أمر أن يحكم إلا بأن يحكم بنظره ؟ فكل هذا اجتهاد وقياس أو رأيت إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الحكم(7/316)
هل يكون مجتهدا على غير طلب عين وطلب العين لا يكون إلا باتباع الدلائل عليها وذلك القياس لان محالا أن يقال اجتهد في طلب شئ من لم يطلبه باحتياله والاستدلال عليه لا يكون طالبا لشئ من سنح على وهمه أو خطر بباله منه (قال الشافعي) وإنه ليلزم من ترك القياس أكثر مما ذكرت وفى بعضه ما قام عليه الحجة وأسأل الله تعالى لى ولجميع خلقه التوفيق وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالى أن يدع أحدا ولا ينبغى للمفتي أن يفتى أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب وعلم ناسخه ومنسوخه وخاصة وعامه وأدبه وعالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس فإن عدم واحدا من هذه الخصال لم يحل له أن يقول قياسا وكذلك لو كان عالما بالاصول غير عاقل للقياس الذى هو الفرع لم يجز أن يقال لرجل قس وهو لا يعقل القياس وإن كان عاقلا للقياس وهو مضيع لعلم الاصول أو شئ منها لم يجز أن يقال له قس على مالا تعلم كما لا يجوز أن يقال قس لاعمى وصفت له اجعل كذا عن يمينك وكذا عن يسارك فإذا بلغت كذا فانتقل متيامنا وهو لا يبصر ما قيل له يجعله يمينا ويسارا أو يقال سر بلادا ولم يسرها قط
ولم يأتها قط وليس له فيها علم يعرفه ولا يثبت له فيها قصد سمت يضبطه لانه يسير فيها عن غير مثال قويم وكما لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة أن يقال له قوم عبدا من صفته كذا لان السوق تختلف ولا لرجل أبصر بعض صنف من التجارات وجهل غير صنفه والغير الذى جهل لا دلالة عليه ببعض علم الذى علم قوم كذا كما لا يقال لبناء انظر قيمة الخياطة ولا لخياط انظر قيمة البناء فإن قال قائل فقد حكم وأفتى من لم يجمع ما وصفت قيل فقد رأيت أحكامهم وفتياهم فرأيت كثيرا منها متضادا متباينا ورأيت كل واحد من الفريقين يخطئ صاحبه في حكمه وفتياه والله تعالى المستعان فإن قال قائل أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله ؟ قيل لا يجوز فيه عندنا والله تعالى أعلم أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدا لان علم الله عزوجل وأحكامه واحد لاستواء السرائر والعلانية عنده وأن علمه بكل واحد جل ثناؤه سواء فإن قيل من له أن يجتهد فيقيس على كتاب أو سنة هل يختلفون ويسعهم الاختلاف ؟ أو يقال لهم إن اختلفوا مصيبون كلهم أو مخطئون أو لبعضهم مخطئ وبعضهم مصيب ؟ قيل لا يجوز على واحد منهم إن اختلفوا إن كان ممن له الاجتهاد وذهب مذهبا محتملا أن يقال له أخطأ مطلقا ولكن يقال لكل واحد منهم قد أطاع فيما كلف وأصاب فيه ولم يكلف علم الغيب الذى لم يطلع عليه أحد فإن قال قائل فمثل لى من هذا شيئا قيل لامثال أدل عليه من الغيب عن المسجد الحرام واستقباله فإذا اجتهد رجلان (3) بالطريقين عالمان بالنجوم والرياح والشمس والقمر فرأى أحدهما القبلة متيامنا منه ورأى أحدهما القبلة منحرفة عن حيث رأى صاحبه كان على كل واحد منهما أن يصلى حيث يرى ولا يتبع صاحبه إذا أداه اجتهاده إلى غير ما أدى صاحبه اجتهاده إليه ولم يكلف واحد منهما صواب عين البيت لانه لا يراه وقد أدى ما كلف من التوجه إليه بالدلائل عليه فإن قيل فيلزم أحدهما اسم الخطأ قيل أما فيما كلف فلا وأما خطأ عين البيت فنعم لان البيت لا يكون في جهتين فإن قيل فيكون مطيعا بالخطأ قيل هذا مثل جاهد يكون مطيعا بالصواب لما كلف من الاجتهاد وغير آثم بالخطأ إذ لم يكلف صواب المغيب العين عنه فإذا لم يكلف صوابه لم يكن عليه خطأ ما لم يجعل عليه صواب عينه فإن قيل أفتجد سنة تدل على ما وصفت ؟ قيل نعم.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو
بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم(7/317)
فاجتهد فأصاب فله أجران إذا اجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثنى أبو سلمة عن أبى هريرة فإن قال قائل فما معنى هذا ؟ قيل ما وصفت من أنه إذا اجتهد فجمع الصواب بالاجتهاد وصواب العين التى اجتهد كان له حسنتان وإذا أصاب الاجتهاد وأخطأ العين التى أمر يجتهد في طلبها كانت له حسنة ولا يثاب من يؤدى في أن يخطئ العين ويحسن من يؤدى أن يكف عنه وهذا يدل على ما وصفت من أنه لم يكلف صواب العين في حال فإن قيل ذم الله على الاختلاف قيل الاختلاف وجهان فما أقام الله تعالى به الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة منه ليس عليهم إلا اتباعه ولا لهم مفارقته فإن اختلفوا فيه فذلك الذى ذم الله عليه والذى لا يحل الاختلاف فيه فإن قال فأين ذلك ؟ قيل قال الله تعالى (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ؟ ما جاءتهم البينة) فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل أو سنة قائمة فلا يحل له الخلاف ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس وان لم يكن في قولهم كتاب أو سنة ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد فذهب إلى معنى يحتمل ما ذهب إليه ويكون عليه دلائل لم يكن في (1) من خلاف لغيره وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتابا نصا ولا سنة قائمة ولا جماعة ولا قياسا بأنه إنما نظر في القياس فأداه إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما أدى إليه صاحبه فإن قال ويكون هذا في الحكم ؟ قيل نعم فإن قيل فمثل هذا إذا كان في الحكم دلالة على موضع الصواب قيل قد عرفناها في بعضه وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الاصلين شبه فيذهب ذاهب إلى أصل والآخر إلى أصل غيره فيختلفان فإن قيل فهل يوجد السبيل إلى أن يقيم أحدهما على صاحبه حجة في بعض ما اختلفا فيه ؟ قيل نعم إن شاء الله تعالى بأن تنظر النازلة فإن كانت تشبه أحد الاصلين في معنى والآخر في اثنين صرفت إلى الذى أشبهته في الاثنين دون الذى أشبهته في واحد وهكذا إذا كان شبيها بأحد الاصلين أكثر فإن قال قائل فمثل من هذا شيئا قيل لم يختلف الناس في أن لا دية للعبد يقتل خطأ مؤقتة إلا قيمته فإن كانت قيمته مائة درهم أو أقل أو أكثر
إلى أن تكون أقل من عشرة آلاف درهم فعلى من قتله وذهب بعض المشرقيين إلى أنه إن زادت ديته على عشرة ألاف درهم نقصها من عشرة ألاف درهم وقال لا أبلغ بها دية حر وقال بعض أصحابنا نبلغ بها دية أحرار فإذا كان ثمنه مائة درهم لم يزد عليها صاحبه لان الحكم فيها أنها ثمنه وكذلك إذا زادت على دية أحرار أخذها سيده كما تقتل له دابة تسوى ديات أحرار فتؤخذ منه كان وهذا عندنا من قول من قال من المشرقيين أمرا لا يجوز الخطأ فيه لما وصفت ثم عاد بعض المشرقيين فقال يقتل العبد بالعبد وآخذ الاحرار بالعبيد ولا يقص العبد من حر ولا من العبد فيما دون النفس فقلت لبعض من تقدم منهم ولم قتلتم العبد والاعبد بالعبد قودا ولم تقيدوا العبد من العبد فيما دون النفس ؟ قال من أصل ما ذهبنا إليه في العبيد إذا قتلوا خطأ أن فيهم اثمانهم وأثمانهم كالدواب والمتاع فقلنا لا نقص لبعضهم من بعض في الجراح لانهم أموال فقلت لهم أفيقاس القصاص على الديات والاثمان ام القصاص مخالف للديات والاثمان ؟ فإن كان يقاس على الديات فلم تصنع شيئا قتلت عبدا يسوى ألف دينار بعبد يسوى خمسة دناينر وقتلت به عبيدا كلهم ثمنه أكثر من ثمنه ولم تصنع شيئا حين قتلت بعض العبيد ببعض وأنت تمثلهم بالبهائم والمتاع وأن لا تقتل بهيمة ببهيمة لو قتلتها فإن زعمت أن الديات أصل
__________
(1) بياض بالاصل.(7/318)
والديات عبرة لانك تقتل الرجل بالمرأة وديتها نصف دية الرجل فلم تذهب مذهبا بتركك القصاص بين العبيد فيما دون النفس إذا قتلت العبد بالعبد كان أن يتلف بعضه ببعضه أقل وإن اختلفت أثمانهم مع ما يلزمك من هذا القول قال وما يلزمنى بقولى هذا ؟ قلت أنت تزعم أن من قتل عبدا فعليه الكفارة وعليه ما على من قتل الحر من الاثم لانه مسلم عليه فرض الله وله حرمة الاسلام ولا تزعم هذا فيمن قتل بعيرا أو حرق متاعا وتزعم أن على العبد حلالا وحراما وحدودا وفرائض وليس هذا على البهائم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن الله عزوجل حكم على عباده حكمين حكما فيما بينهم وبينه أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا كما فعل بهم فيما أعلنوا وأعلمهم إقامة للحجه عليهم وبينها لهم أنه علم سرائرهم وعلم علانيتهم فقال (يعلم السر وأخفى) وقال (يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور) وخلقه
لا يعلمون إلا ما شاء عزوجل وحجب علم السرائر عن عباده وبعث فيهم رسلا فقاموا بأحكامه على خلقه وابان لرسله وخلقه أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا وأباح دماء أهل الكفر من خلقه فقال (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وحرم دماءهم إن أظهروا الاسلام فقال (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) وقال (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة وقتالهم حتما وفرضا عليهم إن لم يظهروا الايمان ثم أظهره قوم من المنافقين فأخبر الله نبيه عنهم أن ما يخفون خلاف ما يعلنون فقال (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) وقال (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنه فأعرضوا عنهم) مع ما ذكر به المنافقين فلم يجعل لنبيه قتلهم إذا أظهروا الايمان ولم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مناكحة المسلمين ولا موارثتهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ورأيت مثل هذا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقال المقداد أرأيت يارسول الله لو أن مشركا قاتلني فقطع يدى ثم لاذ منى بشجرة فأسلم أفأقتله ؟ قال (لا تقتله) قال والله تبارك وتعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) قال عز وجل (ويدرأ عنها العذاب) الآية فحكم بالايمان بينهما إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الاجنبيون ودرأ عنه وعنها بها على أن أحدهما كاذب وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحد إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته بنفى زوجها وقذفها بشريك بن السحماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظروها فإن جاءت به - يعنى الولد أسخم أدعج عظيم الاليتين فلا أراه إلا صدق) وتلك صفة شريك الذى قذفها به زوجها وزعم أن حبلها منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا اراه إلا كذب عليها) وكانت تلك الصفة صفة زوجها فجاءت به يشبه شريك بن السحماء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين لولا ما حكم الله) أي لكان لى فيه قضاء غيره يعنى والله أعلم لبيان الدلالة بصدق زوجها فلما كانت الدلالة لا تكون عند العباد إحاطة دل ذلك على إبطال كل ما لم يكن
إحاطة عند العباد من الدلائل إن لم (1) يقروا به من الحكم عليه لم يمتنع مما وجب عليه أو تقوم عليه بينة فيؤخذ من حيث أمر الله أن يؤخذ لا يؤخذ بدلالة وطلق ركانة بن عبد يزيد امرأته البتة ثم أتى النبي
__________
(1) كذا في النسخة بهذا التحريف وحرر.
كتبه مصححه.(7/319)
صلى الله عليه وسلم فأحلفه ما أراد الا واحدة وردها عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما كان كلامه محتملا لان لم يرد إلا واحدة جعل القول قوله كما حكم الله فيمن أظهر الايمان بأن القول قوله في الدنيا فينكح المؤمنات ويوارث المؤمنين وأعلم بأن سرائرهم على غير ما أظهروا وأنه يغلب على من سمع طلاق البتة أنه يريد الابتات الذى لا غاية له من الطلاق وجاءه رجل من بنى فزارة فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فجعل يعرض بالقذف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل ؟) قال نعم قال (ما ألوانها) قال حمر قال (فهل فيها من أورق) قال نعم قال (فأنى أتاه ؟) قال لعله نزعه عرق قال ولعل هذا نزعة عرق) ولم يحكم عليه بحد ولا لعان إذ لم يصرح بالقذف لانه قد يحتمل أن لا يكون أراد قذفا وإن كان الاغلب على سامعه أنه أراد القدف مع أن أحكام الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم تدل على ما وصفت من أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بالظن.
وإن كانت له عليه دلائل قريبة فلا يحكم إلا من حيث أمره الله بالبينة تقوم على المدعى عليه أو إقرار منه بالامر البين وكما حكم الله أن ما أظهر فله حكمه كذلك حكم أن ما أظهر فعليه حكمه لانه أباح الدم بالكفر وإن كان قولا فلا يجور في شئ من الاحكام بين العباد أن يحكم فيه إلا بالظاهر لا بالدلائل.(7/320)
كتاب الرد على محمد بن الحسن(7/321)
كتاب الرد على محمد بن الحسن باب الديات
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه في الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وزن سبعة وقال أهل المدينة على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، حدثنا بذلك أبو حنيفة رضى الله عنه عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب وزاد وعلى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الغنم ألف شاة، أخبرنا سفيان الثوري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن عن الشعبى، قال على أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار، وقال أهل المدينة إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فرض على أهل الورق اثنى عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن كلا الفريقين روى عن عمر وانظر أي الروايتين أقرب إلى ما قال المسلمون في غير هذا فهو الحق أجمع المسملون جميعا لا اختلاف بينهم في القولين كافة أهل الحجاز وأهل العراق أن ليس في أقل من عشرين دينارا من الذهب صدقة وليس في أقل من مائتي درهم من الورق صدقة فجعلوا لكل دينار عشرة دراهم ففرضوا الزكاة على هذا فهذا لا اختلاف فيه بينهم فإذا فرضوا هذا في الصدقة فكيف ينبغي لهم أن يفرضوا الدية كل دينار بعشرة دراهم أو يفرضوا كل دينار باثنى عشر درهما إنما ينبغي أن يفرضوا الدية بما يفرضون عليه الزكاة وقد جاء عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه وعبد الله بن مسعود أنهما قالا لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم فجعلوا الدينار بمنزلة العشرة الدراهم فعلى هذا الاحرى ما فرضوا في مثل هذا فإن زاد سعر أو نقص لم ينظر في ذلك ألا ترى لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير وجب في ذلك الزكاة وجعل في كل صنف منها زكاة وجعل دينار على عشرة دراهم فهذا أمر واضح ليس ينبغي لهم أن يفرضوا الدية فيه إلا على ما فرضت عليه الزكاة ونحوها ونحن فيما نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين فرض الدية دراهم من أهل المدينة لان الدراهم على أهل العراق وإنما كان يؤدي الدية أهل العراق وقد صدق أهل المدينة أن عمر رضى الله عنه فرض الدية اثنى عشر ألف درهم ولكنه فرضها اثنى عشر ألف درهم وزن ستة، أخبرنا الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال كانت الدية الابل فجعلت الابل الصغير والكبير كل بعير بمائة
وعشرين درهما وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم (3) وقيل لشريك بن عبد الله أن رجلا من المسلمين قال شريك قال أبو إسحق فأتى رجل منا رجل من العدو وضربه فأصاب رجلا منا فكبه على وجهه(7/323)
حتى وقع على حاجبيه وأنفه ولحيته وصدره فقضى فيه عثمان بن عفان رضى الله عنه اثنى عشر ألف درهم وكانت الدراهم يومئذ وزن ستة (قال الشافعي) روى مكحول وعمرو بن شعيب وعدد من الحجازيين أن عمر فرض الدية اثنى عشر ألف درهم ولم أعلم بالحجاز أحدا خالف فيه عن الحجازيين ولا عن عثمان بن عفان وممن قال الدية اثنا عشر ألف درهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة ولا أعلم بالحجاز أحدا خالف في ذلك قديما ولا حديثا ولقد روى عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدية اثنى عشر ألف درهم وزعم عكرمة أنه نزل فيه (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) فزعم محمد بن الحسن عن عمر حديثين مختلفين قال في أحدهما فرض الدية عشرة آلاف درهم وقال في الآخر اثني عشر ألفا وزن ستة قلت لمحمد بن الحسن أفتقول إن الدية اثنا عشر ألف درهم وزن ستة فقال لا (1) فقلت من أين زعمت أن كنت أعلم بالدية فيما زعمت من أهل الحجاز لانك من أهل الورق ولانك عن عمر قلتها فإن عمر قضى فيها بشئ لا تقضى به قال لم تكونوا تحسبون قلت أفتروى شيئا تجعله أصلا في الحكم فأنت تزعم أن من تروى عنه لا يعرف قضى به وكيف تقضي بالدية وزن سبعة أفرأيت ما جعلت فيه الزكاة وغير ذلك مما جعلت فيه القطع وجاء تسمية دراهم ليس فيها وزن ستة ولا وزن سبعة وقال لك قائل بل هي على وزن ستة لا وزن سبعة لان عمر لا يفرض الدية وزن ستة ويفرض فيما سواها وزن سبعة ما تقول ؟ قال أقول إن الدراهم إذا جاءت جملة فهي على وزن الاسلام قلنا: فكيف أخرجت الدية من وزن الاسلام إذا كان وزن الاسلام عندك وزن سبعة ثم زعمت أنك أعلم بالدية منهم لانكم من أهلها وزعمت لنا أن الدراهم إنما كانت صنفين، أحدهما الدرهم وزن مثقال والآخر كل عشرة دراهم وزن ستة حتى ضرب زياد دراهم الاسلام فلو قال لك قائل كل درهم جاءت به الزكاة أو في الدية أو في القطع أو غير ذلك فهو يوزن المثقال وقال آخر بوزن ستة وقال آخر كل درهم فهو بوزن الاسلام (3) قيل له فهكذا ينبغي لك أن تقول في الدية (قال
الشافعي) يقول لقائل قوله أرأيت لو قال لك قائل قد خرجت من حديث أبى إسحق الهمداني إن الدية اثنا عشر ألفا وزن ستة ومن حديث الشعبي أن الدية عشرة آلاف درهم لانه لم يذكر فيما تروون فيها وزن ستة كما حدث أبو إسحق لان أبا إسحق يذكر وزن ستة فهو أولى بها وقال آخرون وزن المثاقيل لان الاكثر أولى بها فإن قال بل وزن الاسلام فادعى محمد على أهل الحجاز أنهم أعلم بالدية منهم وإنما عمر قبل الدية من أهل الورق ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالدية منه إذا كان منهم فمن كان الحاكم منهم أولى بالمعرفة بالدراهم منه إذا كان الحكم إنما وقع بالحاكم وقال محمد بن الحسن فرض المسلمون الزكاة في كل عشرين دينارا وفي مائتي درهم كل دينار بعشرة دراهم فإن قيل له ومن أخبرك أنهم فرضوا الزكاة قياسا ؟ أرأيت إذا فرضت الزكاة في أربعين من الغنم وفي ثلاثين من البقر أقاسوا البقر على الغنم ؟ فإن قاسوها فالقياس لا يصلح إلا عددا وعدد البقر أقل من عدد الغنم أو بالقيمة فقيمة ثلاثين من البقر أكثر من قيمة أربعين من الغنم وهكذا خمس من الابل لا عددها عدد واحد منها ولا قيمتها قيمة واحد منها قال ما الزكاة بقياس قلنا ولذلك كانت الدواب سوى البقر والغنم والابل لا زكاة فيها والتبر سوى الذهب والورق لا زكاة فيه وكل واحد منها أصل في نفسه لا قياس على غيره قال نعم قلنا فكيف زعمت أن الذهب يقاس على الورق والورق يقاس على الذهب فإن زعمت أن أحدهما قياس على الآخر فأيهما
__________
(1) في الكلام هنا تحريف فليحرر.(7/324)
الاصل ؟ فإن زعمت أنه الذهب لزمك أن تقول عشرين دينارا إذا كانت فيها الزكاة فلو كانت أربعين درهما تسوى عشرين دينارا كانت فيها الزكاة أو ألف درهم لا تسوى عشرين دينارا لم يكن فيها الزكاة وإن زعمت أن الورق هي الاصل قيل لك فيها كما قيل لك في الذهب والورق قال فما هي ؟ قلنا كما قلت في الماشية كل واحد منهما أصل في نفسه قال فالدية قلنا فأصل الدية الابل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقومها عمر ألف دينار واثنى عشر ألف درهم الذهب على أهل الذهب والورق على أهل الورق فاتبع في ذلك قضاء عمر كما قضى قال فكيف كان الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان رضى الله عنهما ؟ قيل أما ما روى من الاخبار بينا فعلى اثنا عشر درهما بدينار وقطع
عثمان سارقا في أترجة ثمن ثلاثة دراهم من صرف اثنا عشر درهما بدينار وقضى في امرأة قتلت في الحرم بدية وثلث ثمانية آلاف درهم (قال الشافعي) أخبرنا بذلك سفيان عن ابن أبى نجيح عن أبيه وأما الدلالة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فبمثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا) وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم وهذا يشبه قضاء عثمان وقيل لمحمد بن الحسن من زعم لك أن في عشرة دنانير ومائة درهم زكاة ؟ أرأيت من قال في وسقين ونصف زبيب ووسقين ونصف تمر زكاة ؟ قال ليس ذلك له حتى يكون من كل واحد منهما ما يجب فيه الزكاة قال وكذلك في عشرين شاة وخمس عشرة بقرة ؟ قال نعم قيل ولم ؟ قال لان كل واحد منهما صنف غير صنف صاحبه قيل وكذلك الحنطة والشعير لا يضم واحد منهما إلى صاحبه ؟ قال نعم قيل فالحنطة من الشعير والتمر من الزبيب أقرب أو الذهب من الورق في القيمة واللون ؟ قال وما للقرب ولهذا ؟ وكل واحد منهما صنف قيل فكيف جمعت بين الابعد المختلف من الفضة والذهب وأبيت أن تجمع ما بين الاقرب المختلف ؟ قال فإنا نقول هذا قلنا فمن قال قولك هذا هل تجد به أثرا يتبع ؟ قال لا قلنا فقياس ؟ قال لا قلنا فلا قياس ولا أثر قال فإن بعض أصحابكم يقوله معنا قلنا فإن كانت الحجة إنما هي لك بأن ذلك الصاحب يقوله معك يجمع بين الحنطة والشعير والسلت فيضم بعضها إلى بعض ويجمع بين القطنية قال هذا خطأ قلنا وما دلك على خطئه ؟ أليس إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فإنما عنى من صنف واحد لا من صنفين قال نعم قلنا أفرأيت إن قال لك هي صنف واحد ؟ قال إذا يقول لى ما يعرف العقل غيره فلا أقبله منه ما قيمتها ولا خلقتها بواحدة قلنا فالذهب أبعد من الورق في القيمة والخلقة من الحنطة من الشعير والسلت فأراك تتخذ قوله إذا وافقك حجة وتزعم في موضع غيره من قوله أنه يخطئ ويحيل وقلنا له لا يثبت عن ابن مسعود ما ذكرت من القطع في عشرة دراهم وأنت تروى عن الثوري عن عيسى بن أبى عزة عن الشعبي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في خمسة دراهم قال هذا مقطوع قلنا والذي رويت عنه القطع في عشرة دراهم عن ابن مسعود مقطوع بروايته عن رجل أدنى في الثقة عندك من رواية هذا وأما روايتنا عن علي فجعفر بن محمد يروى عن أبيه أن علي ابن أبى
طالب رضى الله عنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا.
أخبرنا بذلك حاتم بن إسماعيل قال هذا منقطع قلنا وحديثكم مقطوع عن رجل لا نعرفه فإن قال قائل فإنا جمعنا بين الذهب والفضة في الزكاة من قبل أنهما ثمن لكل شئ قيل له إن شاء الله تعالى أفيكونان ثمنا لكل شئ مجموعين فإن قال ما تعنى بمجموعين ؟ قيل يقال لك أرأيت من استهلك لرجل متاعا يغرم قيمته ذهبا وورقا أو أحدهما فإن قال بل أحداهما وإنما يقوم الورق على أهل الورق الذين هي أموالهم والذهب على أهل الذهب(7/325)
الذين هي أموالهم قيل فما أسمعك جمعت بينهما في قيمة ما استهلك ولا في دية وما أنت إلا تفرد كل منهما على حدته فكيف لم تفردهما هكذا في الزكاة ؟ أو رأيت إذا كانا والابل والبقر والغنم تجتمع في أنها أثمان للاحرار المقتولين اتجمع بينها في الزكاة فإن قلت لا وليس اجتماعها في شئ يدل اجتماعها في غيره قيل فهكذا ما أخرجت الارض مما فيه الزكاة وفيه العشر كله فهو مجتمع في أن فيه العشر كما في الذهب والورق ربع العشر ويفترق في أنه ليس بثمن لكل شئ كما الذهب والورق عندك ثمن لكل شئ ويفترق في أنه مأكول كما الذهب والورق عندك غير مأكول افتجمع بينه لاجتماعه فيما وصفنا ؟ فإن قال لا ولا يدلني اجتماعه في معنى ولا في معان أن أجمع بينه في كل شئ قيل فهكذا فافعل في الجمع بين الذهب والفضة.
أخبرنا سفيان قال أخبرنا المغيرة عن إبراهيم أنه قال لا يكون شبه العمد إلا في النفس والعمد ما أصبت بسلاح والخطأ إذا تعمدت الشئ فأصبت غيره وشبه العمد كل شئ تعمدت ضربه بلا سلاح.
القصاص بين العبيد والاحرار قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا قود بين العبيد والاحرار إلا في النفس فإن العبد إذا قتل حرا متعمدا أو قتله لحر متعمدا قتل به وقال أهل المدينة ليس بين العبيد والاحرار قود إلا أن يقتل العبد الحر فيقتل العبد الحر وقال محمد بن الحسن كيف يكون نفسان تقتل بصاحبتها إن قتلتها الاخرى ولا تقتل بها الاخرى إن قتلتها ؟ قالوا لنقصان العبد عن نفس الحر فهذا الرجل يقتل المرأة عمدا وديتها نصف دية الرجل فيقتل بها وكذلك الوجه الاول وقد بلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: إذا
قتل الحر العبد متعمدا قتله به.
أخبرنا محمد بن أبان ابن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم أنه قال: ليس بين الرجال والنساء ولا بين الاحرار والمملوكين فيما بينهم قصاص فيما دون النفس (قال الشافعي) إذا كان الحر القاتل للعبد فلا قود بينهما في نفس ولا غيرها وإذا قتل العبد الحر أو جرحه فلاولياء الحر أن يستقيدوا منه في النفس وللحر أن يستقيد منه في الجراح إن شاء أو يأخذ الارش في عنقه إن شاء ويدع القود قال محمد بن الحسن إن المدنيين زعموا أنهم إنما تركوا إقادة العبد من الحر لنقص نفس العبد عن نفس الحر وقد يقيدون المرأة من الرجل وهي أنقص نفسا منه (قال الشافعي) رحمه الله: ولا أعرف من قال هذا له ولا احتج به عليه من المدنيين إلا أن يقوله له من ينسبونه إلى علم فيتعلق به وإنما منعنا من قود العبد من الحر ما لا اختلاف بيننا فيه والسبب الذي قلناه له مع الاتباع أن الحر كامل الامر في أحكام الاسلام والعبد ناقص الامر في عام أحكام الاسلام وفي الحدود فيما يتصف منها بأن حده نصف حد الحر ويقذف فلا يحد له قاذفه ولا يرث ولا يورث ولا تجوز شهادته ولا يأخذ سهما إن حضر القتال وأما المرأة فكاملة الامر في الحرية والاسلام وحدها وحد الرجل في كل شئ سوا وميراثها ثابت بما جعل الله لها وشهادتها جائزة حيث أجيزت وليست ممن عليه فرض الجهاد فلذلك لا تأخذ سهما ولو كان المعنى الذي روى محمد عمن روى عنه من المدنيين أنه لنقص الدية كان المدنيون قد يجعلون في نفس العبد قيمته وإن كانت عدد ديات أحرار فكان ينبغي لهم أن لا يقتلوا العبد الذي قيمته ألفا دينار بحر إنما قيمته ألف دينار ولكن الدية ليست عندهم من معنى القصاص بسبيل وقول محمد بن الحسن ينقض بعضه بعضا أرأيت إذا قتله به وأقاد النفس التي هي جماع البدن كله من الحر بنفس العبد فكيف لا(7/326)
يقصه منه في موضحة إذا كان الكل بالكل فالبعض بالبعض أولى فإن جاز لاحد أن يفرق بينهم جاز لغيره أن يقصه منه في الجراح ولا يقصه منه في النفس ثم جاز لغيره أن يبعض الجراح فيقصه في بعضها ولا يقصه في بعض في الموضع الذي ذكر الله عزوجل فيه القصاص فقال (النفس بالنفس) الآية إلى قوله (والجروح القصاص) وأصل ما يذهب إليه محمد بن الحسن في الفقه أنه لا يجوز أن يقال بشئ من الفقه إلا بخبر لازم أو قياس وهذا من قوله ليس بخبر لازم فيما علمت وضد القياس فأما قول محمد
بن الحسن رحمه الله تعالى كيف يكون نفسان تقتل إحداهما بالاخرى ولا تقتل الاخرى بها فلنقص القاتل فإذا كان القاتل ناقص الحرمة لم يكن النقص يمنعه من أن يقتل إذا قتل من هو أعظم حرمة منه والنقص لا يمنع القود وإنما يمنع الزيادة.
فإن قال قائل: فأوجدنيه يقول مثل هذا قيل نعم وأعظم منه يزعم أن رجلا لو قتل أباه قتل له ولو قتله ابوه لم يقتل به لفضل الابوة على الولد وحرمتهما واحدة يزعم أن رجلا لو قتل عبده لم يقتله به ولو قتله عبده قتله به ولو قتل مستأمنا لم يقتل به ولو قتله المستأمن يقتل به.
الرجلان يقتلان الرجل أحدهما ممن يجب عليه القصاص قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الصغير والكبير يقتلان الرجل جميعا عمدا إن على الكبير نصف الدية في ماله وعلى الصغير نصف الدية على عاقلته وقال أهل المدينة يقتل الكبير ويكون على الصغير نصف الدية قال محمد بن الحسن.
وكيف يقتل الكبير وقد شركه في الدم من لا قود عليه أرأيتم لو أن رجلا قتل نفسه هو ورجل آخر معه أكان على ذلك الرجل القود وقد شركه في دم المقتول نفسه ؟ ينبغي لمن قال القول الاول أن يقول هذا أيضا أرأيتم لو أن رجلا وجب عليه القود في قطع يده فقطعت يده وجاء رجل آخر فقطع رجله فمات من القطعين جميعا أيقتل الذي قطع الرجل وقد شركه في الدم حد من حدود الله ؟ أرأيتم لو أن رجلا عقره سبع وشجه رجل موضحة عمدا فمات من ذلك كله أيقتل صاحب الموضحة الضارب وقد شركه في الدم من ليس في فعله قود ولا أرش ؟ ينبغي لمن قال هذا أن يقول لو أن رجلا وصبيا سرقا سرقة واحدة أنه يقطع الرجل ويترك الصبي وينبغي له أيضا أن يقول لو أن رجلين سرقا من رجل ألف درهم لاحدهما فيها شرك قطع الذي لا شرك له ولا يقطع الذي له الشرك أرأيتم رجلا وصبيا رفعا سيفا بأيديهما فضربا به رجلا ضربة واحدة فمات من تلك الضربة أتكون ضربة واحدة بعضها عمد فيه القود وبعضها خطأ فإن كان ذلك عندكم فأيها العمد وأيها الخطأ ؟ أرأيتم إن رفع رجلان سيفا فضربا به أحدهما متعمدين لذلك فمات من تلك الضربة وهي ضربته وضربة صاحبه ولم ينفرد أحدهما بضربة دون صاحبه أيكون في هذا قود ليس في هذا قود إذا أشرك في الدم شئ لا قود فيه ولا تبعيض في شئ من النفس أرأيتم رجلا ضرب رجلا فشجه موضحة خطأ ثم ثنى فشجه
موضحة عمدا فمات في مكانه من ذلك جميعا ينبغي في قولكم أن تجعلوا على عاقلته نصف الدية بالشجة الخطأ وتقتلوه بالشجة العمد فيكون رجل واحد عليه في نفس واحدة نصف الدية والقتل وينبغي لكم أن تقولوا لو أن رجلا وجب له على رجل قصاص في شجة موضحة فاقتص منه ثم زاد على حقه متعمدا فمات المقتص منه من ذلك أنه يقتل الذي اقتص بالزيادة التي تعمد أخبرنا عباد بن العوام قال حدثنا هشام بن حسان عن الحسن البصري انه سئل عن قوم قتلوا رجلا عمدا فيهم مصاب(7/327)
قال تكون فيه الدية أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا عمر ابن عامر عن إبراهيم النخعي أنه قال إذا دخل خطأ في عمد فهي دية (قال الشافعي) إذا قتل الرجل البالغ والصبى معه أو المجنون معه رجلا وكان القتل منهما جميعا عمدا فلا يجوز عندي والله أعلم لمن قتل اثنين بالغين قتلا رجلا عمدا برجل إلا أن يقتل الرجل ويجعل نصف الدية على الصبي والمجنون وأصل هذا أن ينظر إلى القتل فإذا كان عمدا كله لا يخالطه خطأ فاشترك فيه اثنان أو ثلاثة فمن كان عليه القود منهم أقيد منه ومن زال عنه القود أزاله وجعل عليه حصته من الدية (قال الربيع) ترك الشافعي العاقلة لانه عمد عنده ولكنه مطروح عنه للصغر والجنون فإن قال قائل ما يشبه هذا ؟ قيل له الرجلان يقتلان الرجل عمدا فيعفو الولى عن أحدهما أو يصالحه فلا يكون له سبيل على المعفو عنه ولا المصالح ويكون له السبيل على الذي لم يعف عنه فيقتله فيأخذ من أحد القاتلين بعض الدية أو يعفو عنه ويقتل الآخر فإن قال قائل فهذان كان عليهما القود فزال عن أحدهما بإزالة الولى قيل له أفرأيت إن ازاله الولى عنه أزال عن غيره ؟ فإن قال لا قيل وفعلهما واحد فإن قال نعم قيل ويحكم على كل واحد منهما حكم نفسه لا حكم غيره فإن قال نعم قيل فإذا كان هذا عندك هكذا في هذين فكيف إذا قتل الرجلان الرجل عمدا واحد القاتلين ممن عليه القود والآخر ممن لا قود عليه كيف لم تقد من الذي عليه القود وتأخذ الدية من الذي لا قود عليه مثل الصبي والمجنون والاب (قال الشافعي) ويقال له إن كنت إنما رفعت القود في الصبي والمجنون يقتلان الرجلى ومعهما عاقل من قبل أن القلم مرفوع عنهما فحكمت بأن أحدهما خطأ فقد تركت هذا الاصل في الرجل المستأمن يقتله مسلم ومستأمن إذا كنت تحكم على المستأمن وتجعل على المسلم حصته من الدية أو
رأيت أبا رجل ورجلا أجنبيا قتلا رجلا لم تقتل الاجنبي وتجعل على الاب نصف الدية إذا كان هؤلاء ممن يعقل ويكون عليه القود ولا يكون القلم عنه مرفوعا وتجعل عليه الدية في ماله لا على عاقلته وتجعل عمده عمدا لا خطأ وتفرق بينه وبين الصغير والمعتوه فتزعم أن عمد أولئك خطأ وأن عمدهما على عاقلتهما فما الحجة في أن تجمع بين ما فرقت بينه ؟ فإن زعم أن حجته أن عمد الصبي والمعتوه خطأ تعقله عاقلته وعمد الاب يقتل ابنه معه غيره أو ليس معه غيره عمد يزول عنه القود لمعنى فيه ويجعل عليه الدية في ماله دون عاقلته وكذلك عمد المستأمن يقتل المستأمن مع المسلم إذا حكم عليه فإذا زعم أن الاجنبي إذا شرك الاب والمستأمن إذا شرك المسلم في القتل قتل الذي عليه القود فقد ترك الاصل الذي إليه ذهب فأما ما أدخل على أصحابنا فأكثره لا يدخل عليهم وذلك قوله في الرجل تقطع يده في الحد أو القصاص ثم يقطع آخر رجله فيموت هذا لا قصاص فيه لانه مات من جناية حق وجناية باطل ولانه لو مات من قطع اليد لم يكن له دية لان يده قطعت في غير معصية الله عزوجل فلما كان للاباحة فيه موضع لم يجز أن يقتل به من قتله وقتله غير منفرد به ولا شركة فيه بتعد وعليه عقل ولا وقود قال وكذلك لو ضربه السبع فجرحه وضربه آخر لم يكن عليه قود من قبل أن جناية السبع لا عقل فيها ولا قود فأما جناية المجنون والصبي فثابتة عليهما إن لم تكن بقود فبعقل وإذا كانت جنايتهما غير لغو والنفس مقتولة قتل عمد ومن قوله أن تقتل العشرة بواحد إذا قتلوه عمدا ويجعل كل واحد منهم كأنه قاتل على الانفراد حتى لو أزال القود عن بعضهم أخذ القود من الباقين لان أصل القتل كان عمدا فإذا كان القتل خطأ لم يقتل فإن قال فقتل الصبي والمعتوه خطأ قيل له هذا محال أن تزعم أنه خطأ وهو عمد ولكن قد كانت فيهما علة يمنع بها القصاص فإن قال قائل أجعله على العاقلة كما أجعل خطأه قيل وهذا إن رد عليك وجعل في أموالهما لم تجد فيه حجة ولو كانت فيه حجة كانت عليك في الرجل يقتل ابنه(7/328)
مع الاجنبي وأنت لا تجعل الدية إلا في مال الاب لا على العاقلة وفي المستأمن يقتل المستأمن معه مسلم.
والله أعلم.
في عقل المرأة
(قال الشافعي) قال أبو حنيفة رضى الله عنه في عقل المرأة إن عقل جميع جراحها ونفسها على النصف من عقل الرجل في جميع الاشياء وكذلك أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علي بن أبى طالب أنه قال عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها وقال أهل المدينة عقلها كعقله إلى ثلث الدية فأصبعها كأصبعه وسنها كسنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته فإذا كان الثلث أو أكثر من الثلث كان على النصف قال محمد بن الحسن وقد روى الذي قال أهل المدينة عن زيد بن ثابت قال يستوى الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث ثم النصف فيما بقي أخبرنا ابو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم عن زيد بن ثابت أنه قال يستوى الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث ثم النصف فيما بقى وأخبرنا أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال قول علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه في هذا أحب إلي من قول زيد وأخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنهما أنهما قالا عقل المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دونها فقد اجتمع عمر وعلي على هذا فليس ينبغي أن يؤخذ بغيره ومما يستدل به على صواب قول عمر وعلى أن المرأة إذا قطعت أصبعها خطأ وجب على قاطعها في قول أهل المدينة عشر دية الرجل فإن قطع أصبعين وجب عليه عشرا الدية فإن قطع ثلاث أصابع وجب عليه ثلاثة أعشار الدية فإن قطع أربع أصابع وجب عليه عشرا الدية فإذا عظمت الجراحة فل العقل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القياس الذي لا يدفعه أحد يعقل ولا يخطئ به أحد فيما نرى أن نفس المرأة إذا كان فيها من الدية نصف دية الرجل وفي يدها نصف ما في يده ينبغي أن يكون ما صغر من جراحها هكذا فلما كان هذا من الامور التي لا يجوز لاحد أن يخطئ بها من جهة الرأي وكان ابن المسيب يقول في ثلاث أصابع المرأة ثلاثون وفي أربع عشرون ويقال له حين عظم جرحها نقص عقلها فيقول هي السنة وكان يروى عن زيد بن ثابت أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل ثم تكون على النصف من عقله لم يجز أن يخطئ أحد هذا الخطأ من جهة الرأى لان الخطأ إنما يكون من جهة الرأي فيما يمكن مثله فيكون رأى أصح من رأى فأما هذا فلا أحسب أحدا يخطئ بمثله إلا اتباعا لمن لا يجوز خلافه عنده فلما قال ابن المسيب هي السنة أشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن
عامة من أصحابه ولم يشبه زيد أن يقول هذا من جهة الرأى لانه لا يحتمله الرأى فإن قال قائل فقد يروى عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه خلافه قيل فلا يثبت عن علي ولا عن عمر ولو ثبت كان يشبه أن يكونا قالاه من جهة الرأي الذي لا ينبغي لاحد أن يقول غيره فلا يكون قلة علم من قبل أن كل أحد يعقل ما قالا إذا كانت النفس على نصف عقل نفسه واليد كان كذلك ما دونهما ولا يكون فيما قال سعيد السنة إذا كانت تخالف القياس والعقل إلا عن علم اتباع فيما نرى والله تعالى أعلم وقد كنا نقول به على هذا المعنى ثم وقفت عنه وأسأل الله تعالى الخيرة من قبل أنا قد نجد منهم من يقول السنة ثم لا نجد لقوله السنة نفاذا بأنها عن النبي صلى الله عليه وسلم فالقياس أولى بنا فيها على النصف من عقل الرجل ولا يثبت عن زيد كثبوته عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه، والله تعالى أعلم.(7/329)
باب في الجنين قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه في الرجل يضرب بطن الامة فتلقى جنينا ميتا إن كان غلاما ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان جارية ففيها عشر قيمتها لو كانت حية وقال أهل المدينة فيه عشر قيمة أمه وقال محمد بن الحسن كيف فرض أهل المدينة في جنين الامة الذكر والانثى شيئا واحدا وأنما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين الحرة غرة عبدا أو أمة فقدر ذلك بخمسين دينارا والخمسون من دية الرجل نصف عشر ديته ومن دية المرأة عشر ديتها وينبغي أن يكون ذلك أيضا من قيمة الجنين لو كان حيا ليس من قيمة أمه أرأيتم لو ألقت الجنين حيا فمات كم كان يكون فيه ؟ أليس إنما يكون فيه قيمته لا اختلاف بيننا وبينكم في ذلك ؟ قالوا بلى قيل لهم فما تقولون إن كانت قيمته عشرين دينارا فغرم قاتله عشرين دينارا ثم ألقت آخر ميتا أليس يغرم في قولكم عشر ثمن أمه وأمه جارية تساوى خمسمائة ؟ دينار قالوا بلى يغرم عشر قيمتها وهو خمسون دينارا قيل لهم فيكون القاتل غرم في الذي ألقته حيا أقل من الذي غرم فيه ميتا وإنما ينبغي أن يغرم أكثر في الذي ألقته حيا لانه يغرم في الجنين الحر إذا ألقته حيا فمات الدية كاملة وإذا ألقته ميتا غرم غرة وإنما ينبغي أن يقاس جنين الامة على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين الحرة فيغرم في الميت أقل مما يغرم في الحي وقد غرمتموه
أنتم في جنين الامة إذا كان حيا فمات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا ضرب الرجل بطن الامة فألقت جنينا حيا ثم مات ففي الجنين قيمة نفسه فإذا ألقته ميتا ففيه عشر قيمة أمه لانه ما لم تعرف فيه حياة فإنما حكمه حكم أمه إذا لم يكن حرا في بطنها وهكذا قال بن المسيب والحسن وابراهيم النخعي وأكثر من سمعنا منه من مفتي الحجازيين وأهل الآثار فخالفنا محمد بن الحسن وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى في جنين الامة فقالا فيه إذا خرج فيه حيا كما قلنا وقالا فيه إذا خرج ميتا فإن كان غلاما ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وان كان جارية ففيها عشر قيمتها لو كانت حية (قال الشافعي) وكلمني محمد بن الحسن وغيره ممن يذهب مذهب بما سأحكى إن شاء الله تعالى وإن كنت لعلى لا أفرق بين كلامه وكلام غيره وأكثر كلامه فقال من أين قلت هذا ؟ قلت أما نصا فعن سعيد بن المسيب والحسن وابراهيم قال ليس يلزمني قول واحد من هؤلاء ولا يلزمك قلت ولكن ربما غالطت بقول الواحد منهم وقلت قلته قياسا على السنة قال إنا لنزعم أن قولنا هو القياس على السنة والمعقول قلت فإن شئت فأسأل وإن شئت سألتك قال سل فقلت أليس الاصل جنين الحرة ؟ قال بلى قلت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين الحرة بغرة ولم يذكر عنه أنه سأل عنه أذكر وأنثى فكان الجنين هو الحمل قلنا فلما كان الجنين واحدا فسواء كان ذكرا أو أنثى ؟ قال بلى قلت هكذا قلنا فجمعنا بين جنينها فجعلنا في كل واحد منهما خمسا من الابل وخمسين دينارا إذا لم تكن غرة قلت أفرأيت لو خرجا حيين فماتا قال ففي الغلام مائة من الابل وفي الجارية خمسون قلنا وسواء كانا ابني أم ولد من سيدها قيمة أمهما عشرون دينارا أو كانا ابني حرة لا يلتفت إلى أمهما قال نعم إنما حكمهما حكم أنفسهما مختلفين في الذكر منهما مائة من الابل وفي الانثى خمسون قلت ثم سويت بينهما إذا لم يكن فيهما حياة أليس هذا يدل على أن حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما ؟ قال فلا أعطيك ذلك ولكن أجعل حكمهما حكم أنفسهما بكل حال قلت فإذا لم تعط هذا فكيف فرقت بين حكمهما إذا عرفت حياتهما ولم تعرف قال اتباعا قلت في الجنينين من الحرة دلالة من خبر بأن حكمهما حكم أنفسهما أم إنما قلت يحتمل أن يكون حكمهما حكم(7/330)
أنفسهما قال ما فيه خبر ولكنه يحتمل قلنا أفيحتمل أن يكون حكمهما حكم غيرهما إذا لم تعرف حياتهما
وحكم نفسهما إذا عرفت حياتهما ؟ قال نعم قلنا فإذا كانا يحتملان معا فكيف لم تصر إلى ما قلنا حيث فرقت بين حكمهما ولا تزعم أن أصلهما واحد وأن حكمهما يتفرق وإذا كان يحتمل فزعمت أن كل قولين أبدا أحتملا فأولاهما بأهل العلم أن يصيروا إليه أولاهما بالقياس والمعقول فقولنا فيه القياس والمعقول وقولك خلافهما قال وكيف ؟ قلنا بما وصفنا من أنا إذا لم نفرق بين أصل حكمهما وهو جنين الحرة لان الذكر والانثى فيه سواء لم يجز أن تفرق بين فرعي حكمهما وهو جنين الامة في الذكر والانثى ومن قبل أننى وإياك نزعم أن دية الرجل ضعف دية المرأة وأنت في الجنين تزعم أن دية المرأة ضعف دية الرجل وقلت فكيف زعمت أنهما لو سقطا حيين فكانت قيمتهما سواء أو مختلفة كان فيهما قيمتهما ما كانت وإن ميتين كان في الذكر منهما نصف عشر قيمته لو كان حيا وفي الانثى عشر قيمتها لو كانت حية أليس قد زعمت أن عقل الانثى من أصل عقلها في الحياة ما أعلمك إلا نكست القياس فقلبته قال فأنت سويت بينهما قلت من أجل أننى زعمت أن أصل حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما كما سويت بين الذكر والانثى في جنين الحرة فلم أفرق بين قياسهما وجعلت كلا يحكم فيه حكم أمه إذا كان مل أمه عتيقا بعتقها ورقيقا برقها وأنت قلبت فيه القياس قال فقولنا يحتمل قلنا ما يحتمل إلا النكس والقياس كما وصفنا في الظاهر فمعنا القياس والمعقول ونزعم أن الحجة تثبت بأقل من هذا وقال محمد بن الحسن يدخل عليكم في قولكم أن تكون دية جنين الامة ميتا أكثر من ديته حيا في بعض الحالات قيل ليس يدخل علينا من هذا شئ من قبل أنا نزعم أن الدية إنما هي بغيره كانت أكثر أو أقل وأنت يدخل عليك في غير هذا أكثر منه مع ما دخل عليك من خلاف القياس مع السنة قال وأين ذلك ؟ قلت أرأيت رجلا لو جنى على أطراف رجل فيها عشر ديات في مقام فسيح ؟ قال يكون فيه عشر ديات قلنا فإن جنى هذه الجناية التي فيها عشر ديات ثم قتله مكانه قال فدية واحدة قلنا فقد دخل عليك إذا زعمت أنه إذا زاد في الجناية الموت نقصت جنايته منه تسع ديات قال إنما يدخل هذا على من قبل أننى أجعل البدن كله تبعا للنفس قلنا فكيف تجعله تبعا للنفس وهو متقدم قبلها وقد أصابه وله حكم ؟ فإن جاز لك هذا رددت أصبح منه أنهم زعموا لك أن جنين الامة لم يكن له حكم قط إنما كان حكمه بأمه (قال الشافعي) وكيف يكون الحكم لمن لم يخرج حيا قط ؟.
باب الجروح في الجسد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الشفتين الدية وهما سواء السفلى والعليا وأيهما قطعت كان فيها نصف الدية وقال أهل المدينة فيهما الدية جميعا فإن قطعت السفلى ففيها ثلثا الدية قال محمد بن الحسن ولم قال أهل المدينة هذا ؟ ألان السفلى أنفع من العليا ؟ فقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاصبع الخنصر والابهام فريضة واحدة فجعل في كل واحدة عشر الدية وروى ذلك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخنصر والابهام سواء مع آثار كثيرة معروفة قد جاءت فيها قال محمد بن الحسن أخبرنا مالك قال حدثنا داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المرى أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس فيه خمس من الابل فردني مروان إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم كالاضراس ؟ فقال ابن عباس(7/331)
لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا بألاصابع عقلها سواء فهذا مما يدلك على أن الشفتين عقلهما سواء وقد جاء في الشفتين سوى هذا آثار (قال الشافعي) الشفتان سواء والاصابع سواء والدية على الاسماء ليست على قدر المنافع وهكذت بلغني أن مالكا يقول وهو الذي قصد محمد بن الحسن قصد الرواية عنه رواية عن أهل المدينة فلم تكن ينبغي له إذا كان الذي قصد قصده بالرواية أن يروى عنه ما لا يقول ويروى عن غيره من أهل المدينة ما قد تركه مالك عليه إلا أن ينصه فيسمى من قال ذلك فأما أن يغالط به فليس ذلك له أسمعه إذا سمى واحدا من أهل المدينة في كل دهر أهل المدينة وهو يعيب على غيره أدنى من هذا فإن قال قائل ما الحجة في أن الشفتين والاصابع سواء ؟ قلنا له دلالة السنة ثم ما لم أعلم الفقهاء اختلفوا فيه فإن قال وما ذلك ؟ قيل قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاصابع بعشر عشر والاصابع مختلفة الجمال والمنفعة فلما رأيناه إنما قصد قصد الاسماء كان ينبغي في كل ما وقعت عليه الاسماء أن يكون هكذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (في العين خمسون وفي اليد خمسون) فلم أعلم الفقهاء اختلفوا في أن في اليسرى من اليدين ما في اليمنى واليمنى أنفع من اليسرى فلو كان إذ قال في اليد خمسون عنى بها اليمنى وكان للناس أن يفضلوا بين اليدين أنبغى أن يكون في اليسرى أقل من خمسين
ولو كان قصد في اليد التي جعل فيها خمسون قصد اليسرى انبغى أن يكون في اليمنى أكثر من خمسين فلما رأينا مذاهب الفقهاء على التسوية بينهما وأنهم إنما ذهبوا إلى الاسماء والسلامة فإذا جمع العضوان وأكثر الاسماء والسلامة كانا سواء وهكذا هذا في العينين والاسنان سواء والثنية أنفع من الرباعية وهما سواء في العقل.
باب في الاعور يفقأ عين الصحيح قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الاعور يفقأ عين الصحيح وفق ء الصحيحة من عينيه إن كان عمدا فللصحيح القود لا شئ له غير ذلك وإن كان خطأ فإن على ما قلته نصف الدية وليس له غير ذلك وقال أهل المدينة في الاعور يفقا عين الصحيح إن أحب أن يستقيد فله القود وإن أحب فله الدية ألف دينار أو اثناء عشر ألف درهم، وقال أبو حنيفة في عين الاعور الصحيحة إذا فقئت إن كان عمدا ففيها القود وإن كان خطأ فعلى عاقلة التي فقأها نصف الدية وهي وعين الصحيح سواء وقال أهل المدينة في عين الاعور إذا فقئت الدية كاملة وقال محمد بن الحسن فكيف صارت عين الاعور أفضل من عين الصحيح ؟ هذا عقل أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في العينين جميعا فجعل في كل عين نصف الدية فإن فقئت عين رجل فغرم الفاقئ نصف الدية ثم إن رجلا آخر عدا على العين الاخرى ففقأها خطأ لم يجب على الفاقئ الثاني الدية كاملة فيكون الرجل قد أخذ في عينيه دية ونصفا وإنما أوجب فيهما دية ففى الاولى نصف الدية وكذا في الثانية نصف الدية وليس يتحول ذلك بفق ء الاولى ولا تزاد إحداهما في عقلها على الذي أوجبه الله عزوجل شيئا يفق ء الاخرى ينبغي لمن قال هذا في العينين أن يقول ذلك في اليدين وأن يقوله في الرجلين ليس هذا بشئ والامر فيه على الامر الاول ليس يزداد شيئا لعين فقئت ولا غير ذلك (قال الشافعي) في الاعور يفقأ عين الصحيح والصحيح يفقأ عين الاعور كلاهما سواء إن كان الفق ء عمدا فالمفقوءة عينه بالخيار إن شاء فله القود وإن كان خطأ فله العقل خمسون من الابل على العاقلة في سنتين ثلثاها مضى سنة وثلثها في مضى السنة الثانية فإن قال قائل ما(7/332)
الحجة في هذا ؟ قيل السنة فإن قال وأين السنة ؟ قلنا إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي العين
خمسون) فإن أصاب الصحيح عين الاعور أصاب عينا أو عينين فإن قال عينا قلنا فإنما جعل رسول الله في العين خمسين فمن جعل فيها أكثر من الخمسين فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال فهل من حجة أكثر من هذا قلنا لا أكثر من السنة هي الغاية وما دونها تبع لها فإن قال ففيها زيادة ؟ قيل نعم موجود في السنة إذا كان في العين خمسون وفي العينين مائة فإذا كانتا إذا فقئتا معا كانت فيهما مائة فما بالهما إذا فقئتا معا يكون في كل واحدة منهما خمسون وإذا فقئت إحداهما بعد ذهاب الاخرى كانت فيها مائة أزاد تفرق الجناية في عقلها أو خالف تفريق الجناية بينهما أو رأيت لو أن رجلا أقطع اليد والرجلين قطعت يده الباقية أليس إن جعلنا فيه خمسين فقد جعلناها في جميع ما في بطشه ووافقنا السنة ولم نزد على الجاني غير جنايته وإن جعلنا فيها مائة من الابل كنا قد جعلنا عليه ما لم يجن وخالفنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في اليد، والله سبحانه أعلم.
باب ما لا يجب فيه أرش معلوم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في العين القائمة إذا فقئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت وفي كل نافذة في عضو من الاعضاء أنه ليس في شئ من ذلك أرش معلوم وفي ذلك كله حكومة عدل أخبرني أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في العين قائمة واليد الشلاء والرجل العرجاء واللسان الاخرس وذكر الخصى حكومة عدل وقال بعض أهل المدينة بمثل قول أبى حنيفة منهم مالك بن أنس قال نرى في ذلك الاجتهاد وقال بعضهم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار وكل نافذة من عضو من الاعضاء ثلث دية ذلك العضو (قال الشافعي) وفي ذكر الخصى الدية وكذلك ذكر الرجل تقطع أنثياه ويبقى ذكره تاما كما هو فإن قال قائل ما الحجة ؟ قيل أرأيت الذكر إذا كانت فيه دية أبخبر لازم هي فإن قال نعم قيل ففى الخبر اللازم أنه ذكر غير خصى فإن قال لا قيل فلم خالفتم الخبر ؟ فإن قال لانه لا يحبل قيل أفرأيت الصبي يقطع ذكره أو الشيخ الذي قد انقطع عنه أمر النساء أو المخلوق خلقا ضعيفا لا يتحرك فإن زعم أن في هذه الدية فقد جعلوها فيما لا يحبل ولا يجامع به وذكر الخصى يجامع به أشد ما كان الجماع قط ولا أعلم في الذكر نفسه منفعة إلا مجرى البول والجماع وهما قائمان وجماعه أشد من جماع غير الخصى فأمر الولد فشئ ليس من الذكر إنما هو بمنى يخرج من الصلب قال الله عزوجل
(يخرج من بين الصلب والترائب) ويخرج فيكون ولا يكون ومن أعجب قول أبى حنيفة أنه زعم إن قطع أولا ثم قطعت الانثيان بعد ففي الذكر الدية وفي الانثيين الدية وإن قطعت الانثيان قبل ثم قطع الذكر ففي الانثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل فإن قالوا فإنما أبطلنا الدية في الذكر إذا ذهب الانثيان لان أداته التي يحبل بها الانثيان فهل في الانثيين منفعة أو جمال غير أنهما أداة للذكر فإن قالوا لا، قيل لهم أرأيتم الذكر إذا استؤصل فعلمنا أنه لا يبقى منه شئ يصل إلى فرج امرأة فتحبل به لم زعمتم أن في الانثيين الدية إذ الانثيان إذا كانتا أداة الذكر أولى أن لا يكون فيهما دية لانه لا منفعة فيهما ولا جمال إلا أن تكونا أداة للذكر وقد ذهب الذكر والذكر فيه منفعة بالجماع فأبطلتم فيه الدية وفيه منفعة وهو الذي له الاداة وأثبتموها في الانثيين اللتين لا منفعة فيهما وانما هما أداة لغيرهما وقد بطلتا بأن ذهب الشئ الذي هما أداة له والذكر لا يبطل بذهاب أداته لانه يجامع به وتنال منه فإن قالوا فإنما جعلناها على الاسماء(7/333)
والانثيان قائمتان قيل فهكذا الذكر قائم وهكذا احتججنا نحن وأنتم في التسوية بين الاصابع والشفتين والعينين وكل ما لزمه الاسم ولم نلتفت إلى منافعهما كذا كان ينبغي لكم أن تقفوا في الذكر وهكذا قلنا وأنتم اليد اليمنى الباطشة الكاتبة الرفيقة كاليد اليسرى الضعيفة التي لا تبطش ولا تكتب فأما العين القائمة فإن مالكا أخبرنا عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة بمائة دينار وأصل ما تذهبون إليه زعمتم أن لا تخالفوا الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو قلتم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار كنتم وافقتم زيد بن ثابت إذ لم نعلم أحدا خالفه فإذا قلتم قد يحتمل قول زيد بن ثابت أن يكون اجتهد فيها فرأى الاجتهاد فيها قدر خمسها قيل فقد يحتمل ذلك ويحتمل أن يكون حكم به فأما كل نافذة في عضو فلا أعلم أحدا قال هذا أكثر من سعيد بن المسيب وجراح البدن مخالفة جراح الرأس فيها حكومة فإن قال قائل فما الحجة في أن جراح البدن مخالفة جراح الرأس ؟ قيل قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الابل وكان الذي أحفظ عن بعض من أحفظ عنه ممن لقيت أن الموضحة إنما تكون في الوجه والرأس والوجه رأس كله لانه إذا قطع قطع معا وإن كان يتفرق في الوضوء وكأن الرأس إذا ذهب ذهب الوجه فلو قست الموضحة في الضلع على الموضحة في الرأس
قضيت بنصف عشر بعير لانى أقضى في الضلع إذا كسر ببعير وذلك أنى أقضى في الرأس إذا كسر ولم يكن مأموما بعشر من الابل فيدخل على أحد إن قال هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الموضحة بخمس من الابل فإن زعم أن الموضحة في البدن داخلة في الموضحة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لان الاسم يجمعهما دخل عليه أن يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاس الموضحة في الجسد أو يخالف القياس فيقول قولا محالا فيجعل في الموضحة في الضلع خمسا من الابل والضلع نفسه لو كسر لم يكن فيه إلا بعير وفي اليد الشلاء ولسان الاخرس حكومة (قال الربيع) حفظى عن الشافعي أن في كل ما دون الموضحة من الجراح وفي الضلع والترقوة حكومة.
باب دية الاضراس قال أبو حنيفة رضى الله عنه في كل ضرس خمس من الابل مقدم الفم ومؤخره سواء وقال بعض أهل المدينة مثل قول أبى حنيفة منهم مالك بن أنس وقال بعضهم في كل ضرس بعير وروى بعضهم أن سعيدا قال لو كنت أنا انا لجعلت في الاضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء أخبرنا محمد بن ابان بن صالح القرشي عن حماد عن النخعي في الاسنان في كل سن نصف العشر مقدم الفم ومؤخره سواء، أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المرى أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس إن فيه خمسا من الابل قال فردني مروان إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم مثل الاضراس ؟ فقال ابن عباس لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا بالاصابع عقلها سواء.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن شريح قال الاسنان عقلها سواء في كل سن نصف عشر الدية، وأخبرنا بكير بن عامر عن الشعبي أنه قال الاسنان كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية (قال الشافعي) وفي الاضراس خمس خمس والاضراس أسنان فإن قال قائل ما الحجة فيما قلت ؟ قيل له قال النبي صلى الله عليه وسلم (وفي السن خمس من الابل) فكانت الضرس سنا في فم لا تخرج من اسم السن فإن قيل فقد تسمى باسم دون السن قيل وكذلك الثنيتان يميزان من(7/334)
الرباعيتين والرباعيتان تميزان من الثنيتين فإن كنت إنما تفرق بينها بالتمييز فاجعل أي هذا شئت سنا
واحكم في غيره أقل أو أكثر منه فإن قال لا هي عظام بادية الجمال والمنفعة مجتمعة مخلوقة في الفم قيل وهكذا الاضراس وهكذا الاصابع مجتمعة في كف متباينة الاسماء من إبهام ومسبحة ووسطى وبنصر وخنصر ثم استوى بينها من قبل جماع الاصابع مع تباين منفعتها والضرس أنفع في المأكول من الثنيتين والثنيتان أنفع في إمساك اللسان من الضرس فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن فلو لم تكن فيه حجة غير قول شريح وابراهيم والشعبي لم يكونوا عنده حجة فأما ما روى عن ابن عباس فلو ذهب غيره إلى أن عمر يخالفه هل كانت عليه حجة بتقليد ابن عباس إلا وعليه له بتقليد عمر حجة.
باب جراح العبد قال أبو حنيفة رضى الله عنه كل شئ يصاب به العبد من يد أو رجل أو عين أو موضحة أو منقلة أو مأمومة أو غير ذلك فهو من من قيمته على مقدار ذلك من الحر في كل قليل أو كثير له أرش معلوم من الحر السن والموضحة وما سوى ذلك ففي موضحته أرشها نصف عشر قيمته وفي يده نصف قيمته وكذلك عينه وفي المأمومة والحائفة ثلث قيمته وفي منقلته عشر ونصف عشر قيمته وقال أهل المدينة في موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته عشر ونصف العشر من ثمنه ومأمومته وجائفته في كل واحد منهما ثلث ثمنه فوافقوا أبا حنيفة في هذا الخصال الاربع وقالوا فيما سوى ذلك ما نقص من ثمنه قال محمد بن الحسن كيف جاز لاهل المدينة أن يتحكموا في هذا فيختاروا هذه الخصال الاربع من بين الخصال ؟ أرأيت لو أن أهل البصرة قالوا فنحن نزيد خصلتين أخريين وقال أهل الشام فإنا نزيد ثلاث خصال أخر ما الذي يرد به عليهم فينبغي أن ينصف الناس ولا يتحكم فيقول قولوا بقولي ما قلت من شئ إلا أن يأتي أهل المدينة فيما قالوا من هذا بأثر فتنقاد له وليس عندهم في هذا أثر يفرقون به بين هذه الاشياء فلو كان عندهم جاءونا به فيما سمعنا من آثارهم فإذا لم يكن هذا فينبغي الانصاف فإما أن يكون هذا على ما قال أبو حنيفة في الاشياء كلها وإما أن تكون الاشياء كلها شيئا واحدا فيكون في ذلك كله من هذه الخصال أو غيرها ما نقص من العبد من قيمته (قال الشافعي) أخبر ما سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه (قال الشافعي) وبقول ابن المسيب نقول فقال لى
بعض من يخالفني فيه نقول يقوم العبد سلعة فما نقصت جراحته من ثمنه كان في جراحته كما نقول ذلك في المتاع أرأيت إذ كنت تزعم أن عقل العبد في ثمنه بالغا ما بلغ فلم لم تقل هكذا في البعير يقتل والمتاع يهلك ؟ قلت قلته من قبل ما يلزمك مثله زعمت أن دية المرأة نصف دية الرجل وأن جراحها بقدر ديتها كجراح الرجل في قدر ديته وقلت لغيره ممن يخالفنا ممن أصحابنا أنت تزعم أن دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة ثم تزعم أن جراحهم في دياتهم كجراح الحر في ديته فلما كنا نحن وأنتم نقول دية العبد ثمنه خبرا لم يكن يجوز أن يقال في جراحه إلا هكذا لانا لم نبطل الجراح باختلاف الديات، قال فهل يجامع البعير والمتاع في رقبته بثمنه ؟ قلنا نعم ديته ثمنه وهي قيمته وهكذا الحر يجامع البرذون فيكون ثمنه مثل دية الحر ولكنه في البرذون قيمته، فإن قال ما فرق بينهما ؟ ولم قسته على الحر دون الدابة قلنا بما لا تخالفنا فيه مما يدل عليه كتاب الله قضى الله في النفس تقتل خطأ بدية مسلمة إلى(7/335)
أهل المقتول وتحرير رقبة وقضى بمثل ذلك في المعاهد فجعلنا نحن وأنت في المسلم والذمي رقبتين والديتان مختلفتان وكل دية، وكذلك جعلنا نحن وأنت في المرأة والرجل رقبتين وديتاهما مختلفتان، فإن زعمت أن العبد إذا قتل كان على قاتله رقبة مؤمنة يعتقها فإنما جعل الله تعالى الرقبة في القتل حيث ذكر الله الدية وإنما الرقبة في النفس مع القيمة والمتاع قيمة لا رقبة معها أو رأيت لو لم يكن عليه من الدلالة ما وصفت وجهلنا هذا أو عمينا عنه فكان يجامع البعير في أن فيه قيمة وفي المتاع قيمة ويجامع الاحرار في أن فيه كفارة وفي أن العبد إذا قتل العبد كان بينهما قصاص وإذا جرحه كان بينهما قصاص عندنا وفي أن عليه ما على الحر في بعض الحدود وأن عليه الفرائض من الصوم والصلاة والكف عن المحارم ألم يكن الواجب على العالمين إذا كان آدميا أن يقيسوه على الآدميين ولا يقيسوه على البهائم ولا على المتاع وأصل ما يذهب إليه أهل العلم بالقياس أن يقولوا لو كان شئ له أصلان وآخر لا أصل فيه فأشبه الذي لا أصل فيه أحد الاصلين في معنيين والآخر في معنى كان الذي أشبهه في معنيين أولى أن يقاس عليه من الذي أشبهه في معنى واحد فهو آدمى مجامع للآدميين فيما وصفت وليس من البهائم ولا المتاع الذي لا فرض عليه بسبيل (قال الشافعي) وهذه الحجة على أصحابنا وعلى من يخالفنا من أصحاب أبى حنيفة
رحمه الله في بعض هذا وليس من شئ يدخل عليهم في أصل قولهم إلا الجراح ويلزمهم أكثر منه لانهم يقصون العبد من الحر في النفس أما من قال من أصحابنا موضحته ومأمومته ومنقلته وجائفته في ثمنه كجراح الحر في ديته فهذا لا معنى لقوله ولقد خرج فيه من جميع اقاويل بنى آدم من القياس والمعقول وإنه ليلزمه ما قال محمد وأكثر منه وإن خالف ما روى عن ابن شهاب عن سعيد بن شهاب عن سعيد بن المسيب فإنه روى عنه ما وصفنا من أن عقل العبد في ثمنه وروى عن غيره ولا نراه أراد إلا المدنيين أنهم قالوا يقوم سلعة فلا هو قومه سلع ولا هو جعل عقله في ثمنه فخرج من قول المتفقين والمختلفين.
باب القصاصن بين المماليك قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا قصاصن بين المماليك فيما بينهم إلا في النفس وقال أهل المدينة القصاص بين المماليك كهيئته بين الاحرار نفس الامة بنفس العبد وجرحها كجرحه، وقال أبو حنيفة إذا قتل عبد عبدا متعمدا فلمولى العبد المقتول القصاص وليس له غير ذلك إلا أن يعفو فإن عفا رجع العبد القاتل إلى مولاه ولا سبيل لمولى العبد المقتول عليه، وقال أهل المدينة مولى العبد المقتول بالخيار فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أعطى ثمن المقتول وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل أن يقتله وذلك كله في القصاص بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل، قال محمد بن الحسن إذا قتل العبد العبد عمدا وجب عليه القصاص ينبغي لمن قال (1) هذا الوجه أن يقول في الحر يقتل الحر عمدا أن ولى المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية، أرأيتم إذا أراد ان يأخذ الدية فقال القاتل أقل أو دع ليس لك غير ذلك فأبى ولى المقتول أن يقتل أله أن يأخذ الدية ؟ أو رأيت لو أن رجلا حرا قطع يد رجل حر عمدا فقال المقطوعة يده آخذ دية العبد فقال القاطع اقطع أو دع
__________
(1) أي قول أهل المدينة وقوله (أن يقول الخ) أي وعم لا يقولون ذلك وأورد عليه ما أورد، تأمل.(7/336)
أكان يجبر القاطع على أن يعطيه دية اليد ليس هذا بشئ وليس له إلا القصاص اما أن يأخذ وإما أن
يعفو قال الله عزوجل في كتابه (أن النفس بالنفس والعين بالعين)، (قرأ الربيع) إلى (والجروح قصاص) فما استطيع فيه القصاص فليس فيه إلا القصاص كما قال الله عزوجل وليس فيه دية ولا مال وما كان من خطأ فعليه ما سمى الله في الخطأ من الدية المسلمة إلى أهله فمن حكم بغير هذا فهو مدع فعليه البينة في نفس العبد وغير ذلك فمن وجب له القصاص في عبد أو حر لم يكن له أن يصرفه إلى عقل ومن وجب له عقل فليس له أن يصرفه إلى قود في حر ولا مملوك فمن فرق بين المملوك في هذا وبين الحر فليأت عليه بالبرهان من كتاب الله عزوجل الناطق ومن السنة المعروفة (قال الشافعي) قال الله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) إلى (لعلكم تتقون) وقال الشافعي فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان في أهل الانجيل إذا قتلوا العقل ولم يكن فيهم قصاص وكان في أهل التوراة القصاص ولم يكن فيهم دية فحكم الله عزوجل في هذه الامة بأن في العمد الدية إن شاء الولى أو القصاص إن شاء فأنزل الله عزوجل (يا أيها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) إلى قوله (لعلكم تتقون) (قال الشافعي) وذلك والله أعلم بين في التنزيل مستغني به عن التأويل وقد ذكر عن ابن عباس بعضه ولم أحفظ عنه بعضه فقال والله أعلم في كتاب الله عزوجل أنه أنزل فيما فيه القصاص وكان بينا أن ذلك إلى ولى الدم لان العفو إنما هو لمن له القود وكان بينا أن قول الله عزوجل (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) أن يعفو ولى الدم القصاص ويأخذ المال لانه لو كان ولى الدم إذا عفا القصاص لم يبق له غيره لم يكن له إذا ذهب حقه ولم تكن دية يأخذها شئ يتبعه بمعروف ولا يؤدي إليه بإحسان، وقال الله عزوجل (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) فكان بينا أنه تخفيف القتل بأخذ المال، وقال (ولكم في القصاص حياة) أن يمتنع بها من القتل فلم يكن المال (1) إذا كان الولى في حال يسقط عنه القود إذا أراد، قال وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في تفسير هذه الآية شبيها بما وصفت في أحد المعنيين ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معناه أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبى ذئب عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبى شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من (قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا العقل وإن أحبوا فلهم القود)
أخبرنا الثقة عن معمر عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الكتاب والسنة معا يدلان دلالة لا إشكال فيها أن لولى الدم أن يقتص أو يعفو القتل ويأخذ المال أي ذلك شاء أن يفعل فعل ليس إلى القاتل من ذلك شئ وإذا كان هذا في النفس كان فيما دون النفس من الجراح هكذا وكان ذلك للرجل في عبده فإذا قتل عبد رجل فسيده بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة عبده المقتول في عنق العبد القاتل فإن أداها سيد العبد القاتل متطوعا فليس لسيد العبد إلا ذلك إذا عفا القصاص وإن أبى سيد العبد القاتل أن يؤديها لم يجبر عليها وبيع العبد القاتل فإن كان ثمنه أقل من قيمة العبد المقتول أو ثمنه فليس لسيد العبد المقتول إلا ذلك وإن كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل، قال وإذا بان الفضل في العبد القاتل خير سيد العبد بين أن يباع بعضه حتى يوفى هذا ثمنه ويبقى هذا على ما بقي من ملكه أو يباع كله فيرد عليه فضله وأحسبه سيختار بيعه كله لان ذلك أكثر لثمنه، وكل نفسين أبدا قتلت إحداهما بالاخرى جعلت القصاص بينهما فيما دون النفس لانى إذا جعلت القصاص في النفس التي هي أكثر كان جميع(7/337)
البدن فأنا مضطر إلى أن أقيد في الاقل من البدن إلا أن يكون فيه خبر يلزم يخالف هذا ولا خبر فيه يلزم يخالف هذا والكتاب يدل على هذا وذلك أن الله عزوجل حين ذكر القصاص جملة قال (النفس بالنفس والعين بالعين) إلى (والجروح قصاص) وقد احتج بهذا محمد بن الحسن على أصحابنا وهو حجة عليه وذلك أنه يقال له إن كان العبد ممن دخل في هذه الآية فلم يفرق الله بين القصاص في الجروح والنفس وإن كان غير داخل في هذه الآية فاجعل العبدين بمنزلة البعيرين لا يقص أحدهما من الآخر فأما ما أدخل محمد بن الحسن على من أدخل عليه من أصحابنا من أنهم جعلوا لسيد العبد الخيار في أن يقتل أو يأخذ ثمن عبده ولم يجعلوا ذلك في الاحرار ولا فرق بين العبيد والاحرار فكما قال يدخل عليه منه ما أدخل غير أنهم قد أصابوا في العبد الكتاب والسنة وإن كانوا قد غفلوا عنهما في الاحرار وهو غفل عنه فيهما جميعا واحتج محمد بن الحسن بأن الله تبارك وتعالى ذكر في العمد القصاص وفي الخطأ الدية ثم زعم أن من جعل في العمد الدية فقد خالف حكم الله فإن كان هذا كما ذكر كان ممن قد دخل في خلاف حكم الله من قبل أنه إذا كان زعم من حكم الله أن لا يكون في
عمد مال فإنما أنزله بمنزلة الحدود التي يقذف بها المرء فلا يكون عليه مال بقذفه إنما يكون عليه عقوبة في بدنه فيلزمه فيما لا يقيد منه من العمد أن يبطله ولا يجعل فيه مالا فإن قال إنما أجعل فيه المال إذا لم أستطع فيه القود قلنا فمن استثنى لك هذا ؟ إن كان أصل حكم الله كما وصفت في العمد والخطأ وقد يكون الدم بين مائة فيعفو أحدهم أو يصالح فيجعل محمد الدية للباقين بقدر حقوقهم منها فقد جعل أيضا في العمد الذي يستطاع فيه القصاص ما لا رضيه أولياء الدم أو لم يرضوه فإن قال فإنما جعلنا فيه مالا حين دخله العفو فكان يلزمه على أصل قوله واحد من قولين أن يجعله كالرجلين قذف أبوهما فأيهما قام بالحد فله الحد ولو عفا الآخر لم يكن له عفو ويزعم أنه إذا كان الاحرار يعفون بشركهم في الدم فحقن الدم بعفو أحدهم لم يكن للآخرين مال لانه لم يكن لهم مال إنما وجب لهم ضربة سيف لا تتحول مالا فإن قال فأنت تقول مثل هذا معى قلت أجل على ما وصفت من حكم الله عزوجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم على خلاف ما قلت أنت كله وذلك للاثار.
باب دية أهل الذمة أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال: قال أبو حنيفة رضى الله عنه ودية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم وعلى من قتله من المسلمين القود وقال أهل المدينة دية اليهودي والنصراني إذا قتل أحدهما نصف دية الحر المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال أهل المدينة لا يقتل مؤمن بكافر قال محمد بن الحسن: قد روى أهل المدينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بكافر وقال (أنا أحق من أوفى بذمته) قال محمد أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنا أحق من أوفى بذمته) ثم أمر به فقتل فكان يقول بهذا القول فقيههم ربيعة بن أبى عبد الرحمن وقد قتله أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة فرق بين قتل الغيلة وقتل غير الغيلة وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه أمر أن يقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة فقتله به وقد بلغنا(7/338)
عن على بن أبى طالب أنه كان يقول إذا قتل المسلم النصراني قتل به فأما ما قالوا في الدية فقول الله عز
وجل أصدق القول ذكر الله الدية في كتابه فقال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) ثم ذكر أهل الميثاق فقال (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة ولم يقل في أهل الميثاق نصف الدية كما قال أهل المدينة وأهل الميثاق ليسوا مسلمين فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة إلى أهل والاحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورة معروفة أنه جعل دية الكافر مثل دية المسلم وروى ذلك أفقههم وأعلمهم في زمانه وأعلمهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهاب الزهري فذكر أن دية المعاهد في عهد أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم مثل دية الحر المسلم فلما كان معاوية جعلها مثل نصف دية الحر المسلم فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه بالاحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية، أخبرنا ابن المبارك عن معمر بن راشد قال حدثنى من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز: أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بنى هاشم عن أبى الجنوب الاسدي قال اتى علي بن أبى طالب رضى الله عنه برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال قد عفوت عنه قال فلعلهم هددوك أو فرقوك ؟ قال لا ولكن قتله لا يرد على أخى وعوضونى فرضيت قال أنت أعلم من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال دية المعاهد دية الحر المسلم.
حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن رجلا من بنى بكر ابن وائل قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا فدفع الرجل إلى ولى المقتول إلى رجل يقال له حنين من أهل الحيرة فقتله فكتب عمر بعد ذلك إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية.
أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عثمان بن عفان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهوه عن قتله قال فجعل ديته ألف دينار.
أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن ابن المسيب قال دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
وأخبرنا ابن عبد الله عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء.
أخبرنا خالد عن مطرف عن
الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا يقتل مؤمن بكافر ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس وغيرهم وسألني بعضهم وسألته وسأحكي ما حضرني منه إن شاء الله تعالى فقال ما حجتك في أن لا يقتل مؤمن بكافر ؟ فقلت ما لا ينبغي لاحد دفعه مما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين.
ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ثم الاخبار عمن بعده فقالوا وأين ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين من الاحكام ؟ فأما الثواب والعقاب فما لا أسأل عنه ولكن أسأل عن أحكام الدنيا فقيل له يحضر المؤمن والكافر قتل الكفار فنعطي نحن وأنت المؤمن السهم ونمنعه الكافر وإن كان أعظم غناء منه ونأخذ ما أخذنا من مسلم بأمر الله صدقة يطهره الله بها ويزكيه ويؤخذ ذلك من الكفار صغارا قال الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فوجدت الكفار في حكم الله ثم حكم رسوله في موضع العبودية للمسلمين صنفا متى قدر عليهم تعبدوا وتؤخذ منهم أموالهم لا يقبل منهم غير ذلك وصنفا يصنع(7/339)
ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإعطاء الجزية إذا لزمهم فهو صنف من العبودية فلا يجوز أن يكون من كان خولا للمسلمين في حال أو كان خولا لهم بكل حال إلا أن يؤدي جزية فيكون كالعبد المخارج في بعض حالاته كفؤا للمسلمين.
وقد فرق الله عزوجل بينهما بهذا وبأن أنعم على المسلمين فأحل لهم حرائر نساء أهل الكتاب وحرم المؤمنات على جميع الكافرين مع ما يفترقون فيه سوى هذا قال إن فيما دون هذا لفرقا ولكن ما السنة ؟ قلت أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبى حسين عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح (لا يقتل مسلم بكافر) قال هذا مرسل قلت نعم وقد يصله غيرهم من أهل المغازي من حديث عمران بن الحصين وحديث غيره ولكن فيه حديث من أحسن إسنادكم، أخبرنا ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن ابن أبى جحيفة قال سألت عليا رضى الله تعالى عنه فقلت هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ سوى القرآن ؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتى الله عبدا فهما في القرآن وما في الصحيفة قلت وما في الصحيفة ؟ قال العقل وفكاك الاسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر قال هذا حديث ثابت عندنا معروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مؤمن بكافر) غير أنا تأولناه
وروى سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده) فذهبنا إلى أنه عنى الكفار من أهل الحرب الذين لا عهد لهم لان دماءهم حلال فأما من منع دمه العهد فيقول من قتله به فقلنا حديث سعيد مرسل ونحن نجعله لك ثابتا هو عليك مع هذه الاحاديث قال فما معناه ؟ قلنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) ثم إن كان قال (ولا ذو عهد في عهده) فإنما قال ولا يقتل ذو عهد في عهده تعليما للناس إذ سقط القود بين المؤمن والكافر أنه لا يحل لهم قتل من له عهد من الكافرين قال فيحتمل معنى غير هذا ؟ قلنا لو احتمله كان هذا أولى به لانه الظاهر قال وما يدلك على أنه الظاهر ؟ قلنا لان ذوي العهد من الكافرين كفار قال فهل من سنة تبين هذا ؟ قلنا نعم وفيه كفاية قال وأين هي ؟ قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فهل زعمت أن هذا على الكافرين غير أهل العهد فتكون قد تأولت فيه مثل ما تأولت في الحديث الآخر ؟ قال لا ولكنها على الكافرين من كانوا من أهل العهد وغيرهم لان اسم الكفر يلزمهم قلنا ولا تجد بدا إذا كان هذا صوابا عندك من أن تقول مثل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مؤمن بكافر) أو يكون ذلك صوابا فترد هذا فتقول يرث الكافر المسلم إذا كان من أهل العهد ولا يرثه إذا كان من أهل الحرب فتبعضه كما بعضت حديث (لا يقتل مؤمن بكافر) قال ما أقوله قلنا لم ؟ ألان الحديث لا يحتمله ؟ قال بلى هو يحتمله ولكن ظاهره غيره قلنا فكذلك ظاهر ذلك الحديث على غير ما تأولت وقد زعمت أن معاذا ومعاوية ورثا مسلما من كافر ثم تركت الذي رويت نصا عنهما وقلت لا حجة في احد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أردت أن تجعل سعيد بن جبير متأولا حجة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأتيك بنفسه فلا تقبله منه وتقول رجل من التابعين لا يلزمني قوله قال فليس بهذا وحده قلته قلنا وقد يلزمك في هذا ترك ما ذهبت إليه لانك إذا (1) لم تقد المسلم من الحربى للعلة التي ذكرت فقد لا تقيده وله عهد قال وأين قلت ؟ المستأمن يقتله المسلم لا تقتله به وله عهد هو به حرام الدم والمال فلو لم يلزمك حجة إلا هذا لزمتك قال ويقال لهذا معاهد ؟ قلنا نعم
__________
(1) لعله (لم تقد الحربى من المسلم) تأمل.(7/340)
لعهد الامان وهذا مؤمن قال فيدل على هذا بكتاب أو سنة ؟ قلنا نعم قال الله عزوجل (براءة من الله ورسوله) إلى قوله (أنكم غير معجزي الله) فجعل لهم عهدا إلى مدة ولم يكونوا أمناء بجزية كانوا أمناء بعهد ووصفهم باسم العهد وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضى الله عنه بأن من كان عنده من النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته قال ما كنا نذهب إلا أن العهد عهد الابد قلنا فقد أوجدناك العهد إلى مدة في كتاب الله عزوجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) فجعل له العهد إلى سماع كلام الله وبلوغ مأمنه والعهد الذي وصفت على الابد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه ما استقام بها كانت له فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال فأقدت المعاهد الذي العهد فيه إلى المشرك ولم تقد المعاهد الذي عقد له العهد إلى مدة بمسلم ثم هما جميعا في الحالين ممنوعا الدم والمال عندك معاهدين أفرأيت لو قال لك قائل اقيد المعاهد إلى مدة من قبل أنه ممنوع الدم والمال وجاهل بأن حكم الاسلام لا يقتل المؤمن به ولا أقيد المعاهد المقيم ببلاد الاسلام لانه عالم أن لا يقتل مسلم به فقد رضى العهد على ما لم يرضه عليه ذلك ألا يكون أحسن حجة منك ؟ قال فإنا قد روينا من حديث ابن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مؤمنا بكافر قلت أفرأيت لو كنا نحن وأنت نثبت المنقطع بحسن الظن بمن رواه فروى حديثان أحدهما منقطع والآخر متصل بخلافه أيهما كان أولى بنا أن نثبته الذي ثبتناه وقد عرفنا من رواه بالصدق أو الذي ثبتناه بالظن ؟ قال بل الذي ثبتناه متصلا فقلت فحديثنا متصل وحديث ابن البيلماني منقطع وحديث ابن البيلماني خطأ وإن ما رواه ابن البيلماني فيما بلغنا أن عمرو بن أمية قتل كافرا كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي صلى الله عليه وسلم به ولو كان ثابتا كنت أنت قد خالفت الحديثين معا حديث ابن البيلمانى (3) والذي قتله عمرو بن أمية قبل بنى النضير وقبل الفتح بزمان وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) عام الفتح قلت فلو كان كما تقول كان منسوخا قال فلم لم تقبل به وتقول هو منسوخ وقلت هو خطأ ؟ قلت عاش عمرو بن أمية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دهرا طويلا وأنت إنما تأخذ العلم من بعد ليس لك به مثل معرفة أصحابنا وعمرو قتل اثنين وداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم عمرا على أن قال (قتلت رجلين لهما
منى عهد لادينهما) قال فإنما قلت هذا مع ما ذكرنا بأن عمر كتب في رجل من بنى شيبان قتل رجلا من أهل الحيرة وكتب أن اقتلوه ثم كتب بعد ذلك لا تقتلوه قلنا أفرأيت لو كتب أن اقتلوه وقتل ولم يرجع عنه أكان يكون في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ؟ قال لا قلنا فأحسن حالك أن تكون احتججت بغير حجة أرأيت لو لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ نقيم الحجة عليك به ولم يكن فيه إلا ما قال عمر أكان عمر يحكم بحكم ثم يرجع عنه إلا عن علم بلغه هو أولى من قوله فهذا عليك أو أن يرى أن الذي رجع إليه أولى به من الذي قال فيكون قوله راجعا أولى أن تصير إليه ؟ قال فلعله أراد ان يرضيه بالدية قلنا فلعله أراد ان يخيفه بالقتل ولا يقتله قال ليس هذا في الحديث قلنا وليس ما قلت في الحديث قال فقد رويتم عن عمرو بن دينار أن عمر كتب في مسلم قتل نصرانيا إن كان القاتل قتالا فاقتلوه وإن كان غير قتال فذروه ولا تقتلوه قلنا فقد روينا فإن شئت فقل هو ثابت ولا ننازعك فيه قال فإن قلته ؟ قلت فاتبع عمر كما قال فأنت لا تتبعه فيما قال ولا فيما قلنا فنسمعك تحتج بما عليك قال فيثبت عندكم عن عمر في هذا شئ ؟ قلت لا ولا حرف وهذه أحاديث منقطعات أو ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف جميعا قال فقد روينا فيه أن عثمان بن عفان رضى الله عنه أمر(7/341)
بمسلم قتل كافرا أن يقتل فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعوه فوداه بألف دينار ولم يقتله فقلت هذا من حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتا فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه قال وما على فيه ؟ قلنا زعمت أنه أراد قتله فمنعه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليهم فهذا عثمان في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعين أن لا يقتل مسلم بكافر فكيف خالفتم ؟ قال فقد أراد قتله قلنا فقد رجع فالرجوع أولى به قال فقد روينا عن الزهري أن دية المعاهد كانت في عهد أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم دية مسلم تامة حتى جعل معاوية نصف الدية في بيت المال قلنا أفتقبل عن الزهري مرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أبى بكر أو عن عمر أو عن عثمان فنحتج عليك بمرسله ؟ قال ما يقبل المرسل من أحد وإن الزهري لقبيح المرسل قلنا وإذا أبيت أن تقبل المرسل
فكان هذا مرسلا وكان الزهري قبيح المرسل عندك أليس قد رددته من وجهين قال فهل من شئ يدل على خلاف حديث الزهري فيه ؟ قلنا نعم إن كنت صححته عن الزهري ولكنا لا نعرفه عن الزهري كما نقول قال وما هو قلت أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف وفي دية المجوسي بثمانمائة درهم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن عن دية المعاهد فقال: قضى فيه عثمان بن عفان رضى الله عنه بأربعة آلاف قال فقلنا فمن قبله ؟ قال فحسبنا (قال الشافعي) وهم الذين سألوه آخرا قال سعيد بن المسيب عن عمر منقطع قلنا إنه ليرغم أنه قد حفظ عنه ثم تزعمونه أنتم أنه خاصة وهو عن عثمان غير منقطع قال فبهذا قلت قلت نعم وبغيره قال فلم قال أصحابك نصف دية المسلم قلت روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مسلم بكافر وديته نصف دية المسلم) قال فلم لا تأخذ به أنت ؟ قلت لو كان ممن يثبت حديثه لاخذنا به وما كان في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة قلنا فيكون لنا مثل مالهم قال نعم قال فعندهم فيه رواية غير ذلك قلت له نعم شئ يروونه عن عمر بن عبد العزيز قال هذا أمر ضعيف قلنا فقد تركناه قال فإن من حجتنا فيه أن الله عزوجل قال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وقال (فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فلما سويت وسوينا بين قتل المعاهد والمسلم في الرقبة بحكم الله كان ينبغي لنا أن نسوي بينهما في الدية قلنا الرقبة معروفة فيهما والدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل الوحى فإنما قبلت الدلالة على عددها عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله عزوجل بطاعته أو عمن بعده إذا لم يكن موجودا عنه قال ما في كتاب الله عدد الدية قلنا ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد دية المسلم مائة من الابل وعن عمر من الذهب والورق فقبلنا نحن وأنت عن النبي صلى الله عليه وسلم الابل وعن عمر الذهب والورق إذا لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ قال نعم قلنا فهكذا قبلنا عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد دية المسلم وعن عمر عدد دية غيره ممن خالف الاسلام إذا لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ نعرفه أرأيت إذا عشوت إلى أن
كلتيهما اسم دية أفى فرض الله من قتل المؤمن الدية والرقبة ومن قتل المؤمنة مثل ذلك لانها داخلة في ذلك ؟ قال نعم فرض الله عزوجل على من قتلها تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة قلنا فلما ذكر أن المؤمن يكون فيه تحرير رقبة ودية هل سوى بينهما في الدية المسلمة ؟ قال لا قلنا وهى أولى بمساواته مع الاسلام(7/342)
والحرية فإن مؤمنا يحتمل مؤمنا ومؤمنة كما يحتمل المؤمنين الرجال والنساء (3) والكافرين الذين ذكر منفردا فيه أو رأيت الرجل يقتل الجنين أليس عليه فيه كفارة بعتق رقبة ودية مسلمة ؟ قال بلى قلت لانه داخل في معنى مؤمن ؟ قال نعم قلت فلم زعمت أن ديته خمسون دينارا وهو مساو في الرقبة أو رأيت الرجل يقتل العبد أليس عليه تحرير رقبة لانه قتل مؤمنا ؟ قال بلى قلت ففيه دية أو هي قيمته ؟ قال بل هي قيمته وإن كانت عشرة دراهم أو أكثر قلت فترى الديات إذا لزمت وكان عليه أن يؤدي دياتهم إلى أهليهم وأن يعتق رقبة في كل واحد منهم سواء فيه أعلاهم وأدناهم ساويت بين دياتهم قال لا قلت فلم أردت أن تسوى بين الكافر والمسلم إذا استويا في الرقبة وأن تلزم قاتلهما أن يؤدي دية ولم تسو بين المسلمين الذين هم أولى أن تسوى بينهم من الكفار (قال الشافعي) فقال بعض من يذهب مذهب بعض الناس أن مما قتلنا به المؤمن بالكافر والحر بالعبد آيتين قلنا فاذكر إحداهما فقال إحداهما قول الله عزوجل في كتابه (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) قلت وما أخبرنا الله عزوجل أنه حكم به على أهل التوراة حكم بيننا ؟ قال نعم حتى يبين أنه قد نسخه عنا فلما قال (النفس بالنفس) لم يجز أن تكون كل نفس بكل نفس إذا كانت النفس المقتولة محرمة أن تقتل قلنا فلسنا نريد أن نحتج عليك بأكثر من قولك إن هذه الآية عامة فزعمت أن فيها خمسة أحكام مفردة وحكما سادسا جامعا فخالفت جميع الاربعة الاحكام التي بعد الحكم الاول والحكم (3) الخامس والسادس جماعتها في موضعين في الحر يقتل العبد والرجل يقتل المرأة فزعمت أن عينه ليس بعينها ولا عين العبد ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد ولا أذنه بأذنها ولا أذن العبد ولا سنه بسنها ولا سن العبد ولا جروحه كلها بجروحها ولا جروح العبد وقد بدأت أولا بالذي زعمت أنك أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض فزعمت أن الرجل يقتل عبده فلا تقتله به ويقتل ابنه فلا تقتله به ويقتل المستأمن فلا تقتله به وكل هذه نفوس محرمة قال اتبعت
في هذا أثرا قلنا فتخالف الاثر الكتاب ؟ قال لا قلنا فالكتاب إذا على غير ما تأولت فلم فرقت بين أحكام الله عزوجل على ما تأولت ؟ قال بعض من حضره دع هذا فهو يلزمه كله قال والآية الاخرى قال الله عزوجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فقوله (فلا يسرف في القتل) دلالة على أن من قتل مظلوما فلوليه أن يقتل قاتله قيل له فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه والعبد يقتله سيده والمستأمن يقتله المسلم قال فلى من كل هذا مخرج قلت فاذكر مخرجك قال إن شاء الله تبارك وتعالى لما جعل الدم إلى الولى كان الاب وليا فلم يكن له أن يقتل نفسه قلنا أفرأيت إن كان له ابن بالغ أتخرج الاب من الولاية وتجعل للابن أن يقتله ؟ قال لا أفعل قلت فلا تخرجه بالقتل من الولاية ؟ قال لا قلت فما تقول في ابن عم لرجل قتله وهو وليه ووارثه لو لم يقتله وكان له ابن عم هو أبعد منه أفتجعل للابعد أن يقتل الاقرب ؟ قال نعم قلنا ومن أين وهذا وليه وهو قاتل قال القاتل يخرج بالقتل من الولاية قلنا والقاتل يخرج بالقتل من الولاية قال نعم قلنا فلم لم تخرج الاب من الولاية وأنت تخرجه من الميراث ؟ قال اتبعت في الاب الاثر قلنا فالاثر يدلك على خلاف ما قلت قال فاتبعت فيه الاجماع قلنا فالاجماع يدلك على خلاف ما تأولت فيه القرآن قلنا فالعبد يكون له ابن حر فيقتله مولاه أيخرج القاتل من الولاية ويكون لابنه أن يقتل مولاه ؟ قال لا بالاجماع قلت فالمستأمن يكون معه ابنه أيكون له أن يقتل المسلم الذى قتله قال لا بالاجماع قلت أفيكون الاجماع على خلاف الكتاب ؟ قال لا قلنا فالاجماع إذا يدلك على أنك قد أخطأت في تأويل كتاب الله عزوجل وقلنا له لم يجمع معك أحد على أن لا يقتل الرجل بعبده إلا من مذهبه أن لا يقتل الحر بالعبد ولا يقتل المؤمن(7/343)
بالكافر فكيف جعلت إجماعهم حجة وقد زعمت أنهم أخطئوا في أصل ما ذهبوا إليه ؟ والله أعلم.
باب العقل على الرجل خاصة قال أبو حنيفة رضى الله عنه تعقل العاقلة من الجنايات الموضحة والسن فما فوق ذلك وما كان دون ذلك فهو في مال الجاني لا تعقله العاقلة وقال أهل المدينة لا تعقل العاقلة شيئا من ذلك حتى يبلغ الثلث فإذا بلغ الثلث عقلته العاقلة وكذلك ما زاد على الثلث فهو على العاقلة، وقال محمد بن الحسن
قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاصبع عشرا من الابل وفي السن خمسا من الابل وفي الموضحة خمسا فجعل ذلك في مال الرجل أو على عاقلتة وذلك في الكتاب الذي كتبه كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم مجتمع في العينين والانف والمأمومة والجائفة واليد والرجل فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ذلك من بعض فكيف افترق ذلك عند أهل المدينة لو كان في هذا افتراق لاوجب على العاقلة ما وجب عليها وأوجب في مال الرجل ما وجب عليه ليس الامر هكذا ولكن أدنى شئ فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم الموضحة والسن فجعل ذلك على العاقلة وما كان دون ذلك فهو على الجاني في ماله وقد بلغنا عن رسول صلى الله عليه وسلم في المرأتين اللتين ضربت إحداهما بطن الاخرى فألقت جنينا ميتا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بغرة على العاقلة فقال أولياء المرأة القاتلة من العاقلة كيف ندى من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هذا من إخوان الكهان) فالجنين قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أولياء المرأة ولم يقض به في مالها وإنما حكم في الجنين بغرة فعدل ذلك بخمسين دينارا ليس فيه اختلاف بين أهل العراق وبين أهل الحجاز فهذا اقل من ثلث الدية وقد جعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة فهذا يبين لك ما قبله مما اختلف القوم فيه، أخبرنا أبو حنيفة رضى الله عنه عن حماد عن إبراهيم النخعي قال تعقل العاقلة الخطأ كله إلا ما كان دون الموضحة والسن مما ليس فيه أرش معلوم، أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشى عن حماد عن إبراهيم قال لا تعقل العاقلة شيئا دون الموضحة وكل شئ كان دون الموضحة ففيه حكومة عدل، أخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم أن امرأة ضربت بطن ضرتها بعمود فسطاط فألقت جنينا ميتا وماتت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديتها على العاقلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة على العاقلة فقالت العاقلة أتكون الدية فيمن لا شرب ولا أكل ولا استهل فدم مثله يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سجع كسجع الجاهلية أو شعر كشعرهم كما قلت لكم فيه غرة عبد أو أمة) فهذا قد قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بغرة عبد أو أمة وهو أقل من ثلث الدية وهذا حديث مشهور معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) العقل عقلان فعقل العمد في مال الجاني دون عاقلته
قل أو كثر وعقل الخطأ على عاقلة الجاني قل ذلك العقل أو كثر لان من غرم الاكثر غرم الاقل فإن قال قائل فهل من شئ يدل على ما وصفت ؟ قيل له نعم ما وصفت أولا كاف منه إذا كان أصل حكم العمد في مال الجاني فلم يختلف أحد في أنه فيه قل أو كثر ثم كان أصل حكم الخطأ في الاكثر في مال العاقلة فهكذا ينبغي أن يكون في الاقل فإن قال فهل من خبر نص عن النبي الله صلى الله عليه وسلم ؟ قيل نعم قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بالدية ولا يجوز لو لم يكن عنه خبر غير هذا إذ سن(7/344)
أن دية الخطأ على العاقلة إلا أن يكون كل خطأ عليها أو يتوهم متوهم فيقول كان أصل الجنايات على جانيها فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة في الخطأ قلنا ما بلغ أن يكون دية فعلى العاقلة وما نقص من الدية فعلى جانيه وأما أن يقول قائل تعقل العاقلة الثلث ولا تعقل دونه أفرأيت إن قال له إنسان تعقل التسعة الاعشار أو الثلثين أو النصف ولا تعقل دونه فما حجته عليه ؟ فإن قال قائل فهل من خبر يدل على ما وصفت ؟ قيل نعم قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وقضى به على العاقلة وذلك نصف عشر الدية وحديثه في أنه قضى في الجنين على العاقلة أثبت إسنادا من أنه قضى بالدية على العاقلة، وإذا قضى بالدية على العاقلة حين كانت دية ونصف عشر الدية لانهما معا من الخطأ فكذلك يقضي بكل خطأ والله تعالى أعلم وإن كان درهما واحدا، وقال أبو حنيفة رضى الله عنه يقضي عليهم بنصف عشر الدية ولا يقضي عليهم بما دونه ويلزمه في هذا مثل ما لزم من قال يقضي عليهم بثلث الدية ولا يقضي عليهم بما دونه فإن قال قائل فإنه قد احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بنصف عشر الدية على العاقلة وأنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيما دون نصف العشر بشئ قيل له فإن كنت إنما اتبعت الخبر فقلت اجعل الجنايات على جانيها إلا ما كان فيه خبر لزمك لاحد إن عارضك أن تقول وإذا جنى جان ما فيه دية أو ما فيه نصف عشر الدية فهي على عاقلته وإذا جنى ما هو أقل من دية وأكثر من نصف عشر دية ففي ماله حتى تكون امتنعت من القياس عليه ورددت ما ليس فيه خبر نص إلى الاصل من أن تكون الجناية على جانيها وإن رددت القياس عليه فلا بد من واحد من وجهين أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يقض فيما دون الموضحة
بشئ أن يكون ذلك هدرا لا عقل فيه ولا قود كما تكون اللطمة واللكزة أو يكون إذا جنى جناية اجتهدت فيها الرأي فقضيت فيها بالعقل قياسا على الذي قضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الجنايات فإذا كان حق أن يقضى في الجنايات فيما دون الموضحة بعقل قياسا فالحق أن يقضى على العاقلة بالجناية الخطأ ما كانت قلت أو كثرت لا يجوز إلا ذلك والله تعالى أعلم ولقلما رأيت بعض الناس عاب شيئا إلا شرك في طرف منه إلا أنه قد يحسن أن يتخلص بأكثر مما يتخلص به غيره مما لعل فيه مؤنة على من جهل موضع الحجة فأما من علمها فليست عليها مؤنة فيها إن شاء الله تعالى وقال بعض من ذهب إلى أن تعقل العاقلة الثلث كأنه إنما جعل عليهم الثلث فصاعدا لان الثلث يفدح وما دونه لا يفدح قلنا فلم لم تجعل هذا في دم العمد وأنت تزعم أنه لو لزمه مائة دية عمدا لم يكن عليهم أن يعينوه فيها بفلس أو رأيت لو كانت العلة فيه ما وصفت فجنى جانيان أحدهما معسر بدرهم والآخر موسر بألف ألف أما يكون الدرهم للمعسر به أفدح من ألف ألف دينار للموسر بها الذي لا يكون جزءا من ألف من ماله فلو كان الامر كما وصفت كان ينبغي أن ينظر في حال الجاني فإن كانت جنايته درهما ففدحه جعلته على العاقلة وإن كانت جنايته ألفين ولا تفدحه لم تجعل على العاقلة منها شيئا فإن قال لو قلت هذا خرجت من السنة قيل قد خرجت من السنة ولم تقل ذا ولا شيئا له وجه قال بعضهم فإن يحيى بن سعيد قال من الامر القديم أن تعقل العاقلة الثلث فصاعدا قلنا القديم قد يكون ممن يقتدي به ويلزم قوله ويكون من الولاة الذين لا يقتدى بهم ولا يلزم قولهم فمن أي هذا هو ؟ قال أظن أنه أعلاها وأرفعها قلت أفنترك اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بنصف عشر الدية على العاقلة لظن ليس مما أمرنا به لو لم يكن في هذا إلا القياس ما تركنا القياس للظن ولئن أدخلت التهمة على الرواية على الرجال المأمونين عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس ذلك لكم لانها تقوم مقام الشهادة للتهمة على(7/345)
الذي ألقى كلمة ظن أولى أن تكون مدخلة ولقلما رأيت بعض من ذهب هذا المذهب يذهب إلا إلى ظن يمكن عليه مثل ما أمكن فيستوى هو وغيره في حجته ويكون اليقين أبدا من روايته ورواية أصحابه عليه وكذلك يكون عليه القياس فما حجة من كان عليه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
قطع الله به العذر والقياس والمعقول وقول عوام أهل البلدان من الفقهاء إلا ما وصفت من ظن هو وغيره فيه يستويان ولو كان الظن له دون غيره ما كان الظن وحده يقوم مقامها فكيف إذا كان يمكن غيره فيه مثل ما يمكنه وكان يخالف اليقين من الخبر والقياس فإن قال قائل ما الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالجنين على العاقلة ؟ قيل أخبرنا الثقة (وهو يحيى بن حسان) عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة.
باب الحر إذا جنى على العبد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال قال أبو حنيفة رضى الله عنه في العبد يقتل خطأ إن على عاقلة القاتل القيمة بالغة ما بلغت إلا أنه لا يجاوز بذلك دية الحر المسلم فينقص من ذلك ما تقطع فيه الكف لانه لا يكون أحد من العبيد إلا وفي الاحرار من هو خير منه ولا يجاوز بدية الحر وإن كان خيرا فاضلا ما فرض من الديات وقال أهل المدينة لا تحمل عاقلة قاتل العبد من قيمة العبد شيئا وإنما ذلك على القاتل في ماله بالغا ما بلغ إن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر من ذلك لان العبد سلعة من السلع وقال محمد بن الحسن إذا كان العبد سلعة من السلع بمنزلة المتاع والثياب فلا ينبغي أن يكون على عبد قتل عبدا قود لانه بمنزله سلعة استهلكها فلا قود فيها وذكر أهل المدينة أن في العبد قيمته بالغة ما بلغت وإن كانت القيمة أكثر من ذلك فينبغي إن قتل رجل مولى العبد أن تكون فيه الدية وإن قتل العبد كانت فيه ديتان إذا بلغت عشرين ألفا فيكون في العبد من الدية أكثر مما يكون في سيده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في العبد يقتل فيه قيمته بالغة ما بلغت وهذا يروى عن عمر وعن على ولو لم يرو عن واحد منهما كانت لنا فيه حجة على من خالفنا فيه بأن يزعم أن فيه قيمته بما بينه وبين أن يبلغ دية الحر فينقصه منها عشرة دراهم فإذا كان العبد يقتل وقيمته تسعة آلاف وتسعمائة وتسعون فلا ينقص عن قاتله منها شئ أنهم اجتمعوا على أنهم إنما يؤدون قيمة في بعير قتل أو متاع استهلك ومتى رأوا رجلا يغرم الاكثر ويجنى جناية فيبطل عنه بعضها فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن من أن في الاحرار من هو خير من العبيد أفرأيت خير الاحرار المسلمين عنده وشر المجوس عنده كيف سوى بين دياتهم فإن زعم أن الديات ليست على الخير ولا على الشر وأنها مؤقتات فيؤدي في مجوسي سارق فاسق منقطع الاطراف في السرقة ما
يؤدي في خير مسلم على ظهر الارض فإن كانت حجته وفي الاحرار من هو خير من العبيد حجة فهي عليه في المجوسي قد يكون في العبيد من هو خير من الاحرار لانهم مسلمون معا والتقوى والخير حيث جعله الله تبارك وتعالى لا يكون كافر أبدا خيرا من مسلم فأما قوله لو قتل رجل مولى العبد فيدخل عليه لو قتل رجل رجلا وبعيره أن عليه أن يؤدي في الحر المسلم المالك للبعير أقل مما يؤدي في البعير فإن كان بهذا يصير البعير خيرا من المسلم فلا ينبغي لاحد أن يزعم أن بهيمة خير من مسلم وإن كان هذا ليس من الخير ولا من الشر في شئ وكانت دية المسلم مؤقتة لا ينقص منها شر الناس ولا يزيد فيها خيرهم وكان من استهلك من شئ من المال ففيه قيمته بالغة ما بلغت فكيف لم يقل هذا في العبيد ؟ وكيف إذا(7/346)
نقص العبيد لم ينقص الابل وكيف إذا نقص من دية العبد لم ينقص أقل ما يقع عليه اسم النقصان أرأيت لو قال له رجل آخر أنقصه ثلاثة أرباعه فأجعله نصف امرأة لان حده نصف حدها أو قال له رجل آخر لا بل أجعل ديته مؤقتة كما قد تكون دية الاحرار مؤقتة ألا يكون هؤلاء أقرب أن يكون لقولهم علة تشتبه إذا كان لا شبهة لقوله أنقصه ما تقطع فيه اليد أو رأيت لو قال آخر بل أنقصه ما تجب فيه الزكاة أو قال آخر بل أنقصه نصف عشر الدية لان ذلك أقل ما انتهى إليه النبي في الجراح ما الحجة عليه إلا أن هذا كله ليس من طريق القيمة ولا طريق الدية أو رأيت لو أن رجلا قتل مكاتبا وعبدا للمكاتب وقيمة المكاتب مائة وقيمة عبده تسعة آلاف أليس يجعل في عبد المكاتب أكثر مما يجعل في سيده ؟ ولا أعلم أنه احتج بشئ له وجه ولا شئ إلا وهو يخطئ في أكثر منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن كانت حجته بأن إبراهيم النخعي قاله فهو يزعم أن إبراهيم وغيره من التابعين ليسوا بحجة على أحد.
باب ميراث القاتل قال أبو حنيفة رضى الله عنه من قتل رجلا خطأ أو عمدا فإنه لا يرث من الدية ولا من القود ولا من غيره شيئا وورث ذلك أقرب الناس من المقتول بعد القاتل إلا أن يكون القاتل مجنونا أو صبيا فإنه لا يحرم الميراث بقتله إذ القلم مرفوع عنهما وقال أهل المدينة بقول أبى حنيفة في القتل عمدا وقالوا في القتل
خطأ لا يرث من الدية ويرث من ماله وقال محمد بن الحسن كيف فرقوا بين ديته وماله ينبغي إن ورث من ماله أن يرث من ديته هل رأيتم وارثا ورث من ميراث رجل ميراثا من بعض دون بعض إما أن يرث هو من ذلك كله وإما أن لا يرث من ذلك شيئا أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن النخعي قال لا يرث قاتل ممن قتل خطأ أو عمدا ولكن يرثه أولى الناس به يعده.
أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قتل أخاه خطأ فلم يورثه وقال لا يرث قاتل شيئا (قال الشافعي) يدخل على محمد بن الحسن من قوله إنه يورث الصبى والمغلوب على عقله إذا قتلا شييه بما أدخل على أصحابنا لانه هو لا يفرق بينهما في الموضع الذي فرق بينهما فيه هو يزعم أن على عاقلتهما الدية وعلى عاقلة البالغ الدية وهو يزعم أنه لا مأثم على قاتل خطأ إذا تعمد غير الذي قتل مثل أن يرمى صيدا ولا يرمى إنسانا فيعرض الانسان فيصيبه السهم وهذا عنده مما رفع عنه القلم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (وضع الله عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (قال الشافعي) وهو يدخل على أصحابنا ما أدخل عليهم من أنهم يورثون قاتل الخطأ من المال دون الدية وهي لو كانت في مال القاتل لم تعد أن تكون دينا عليه (قال الشافعي) فلو أن رجلا كان لابيه عليه دين فمات أبوه ورثه من ماله وورثه من الدين الذي عليه لانه مال له وليس في الفرق بين أن يرث قاتل الخطأ ولا يرث قاتل العمد خبر يتبع إلا خبر رجل فإنه يرفعه ولو كان ثابتا كانت الحجة فيه ولكن لا يجوز أن يثبت له شئ ويرد آخر لا معارض له.(7/347)
باب القصاص في القتل قال أبو حنيفة لا قصاص على قاتل إلا قاتل قتل بسلاح وقال أهل المدينة القود بالسلاح فإذا قتل القاتل بشئ لا يعاش من مثله يقع موقع السلاح أو أشد فهو بمنزلة السلاح وإذا ضربه فلم يزل يضربه ولم يقلع عنه حتى يجئ من ذلك شئ لا يعيش هو من مثله أو يقع موقع السلاح أو أشهد فهذا أيضا فيه القصاص قال محمد بن الحسن من قال القصاص في السوط والعصا فقد ترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور المعروف وخطبته يوم فتح مكة حين خطب (الا إن قتيل الخطأ العمد مثل
السوط والعصا فيه مائة من الابل منها أربعون في بطونها أولادها) فإذا كان ما تعمد به من عصا أو حجر فقتله به ففيه القصاص بطل هذا الحديث فلم يكن له معنى إلا أن قتيل الخطأ العمد هو ما تعمد ضربه بالسوط أو بالعصا أو نحو ذلك فأتى على نفسه فإن كان الامر كما قال أهل المدينة فقد بطلت الدية في شبه العمد إذا كان كل شئ تعمدت به النفس من صغير أو كبير فقتلت به كان فيه القصاص فالدية في شبه العمد في أي شئ فرضت إنما هو خطأ في قول أهل المدينة أو عمد فشبه العمد الذي غلظت فيه الدية أي شئ هو في النفس ما ينبغي أن يكون لشبه العمد في النفس معنى في قولهم.
أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قتل في عمية في رميا تكون بينهم بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ ومن قتل عمدا فهو قود يده فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل (قال الشافعي) القتل ثلاثة وجوه قتل عمد وهو ما عمد المرء بالحديد الذي هو أوحى في الاتلاف وبما الاغلب أنه لا يعاش من مثله بكثرة الضرب وتتابعه أو عظم ما يضرب به مثل فضخ الرأس وما أشبهه فهذا كله عمد والخطأ كلما ضرب الرجل أو رمى يريد شيئا وأصاب غيره فسواء كان ذلك بحديد أو غيره وشبه العمد وهو ما عمد بالضرب الخفيف بغير الحديد مثل الضرب بالسوط أو العصا أو اليد فأتى على يد الضارب فهذا العمد في الفعل الخطأ في القتل وهو الذي تعرفه العامة بشبه العمد وفي هذا الدية مغلظة فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها (قال الشافعي) أخبرنا عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الابل مغلظة منها اربعون خلفة في بطونها أولادها) (قال الشافعي) فاحتج محمد بن الحسن على من احتج عليه من أصحابنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا وتركه فإن كانت فيه عليهم حجة فهي عليه لانه يزعم أن دية شبه العمد أرباع خمس وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة فأول ما يلزم محمدا في هذا أن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دية شبه العمد (أربعون خلفة في بطونها أولادها) وهو لا يجعل خلفة واحدة فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد حدد خلافه وإن كان ليس
بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس ينصف من احتج بشئ إذا احتج عليه بمثله قال هو غير ثابت عنده وروى عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه مثل ما قلنا في شبه العمد (ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة) من حديث سلام بن سليم ومن حديث آخر (ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة) وروى عن عمر بن الخطاب في شبه العمد مثل ما قلنا وخالف ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وما روى عن علي وعن عمر واحتج عليهم بخلافهم ما قد خالف هو بعضه فإن كانت له عليهم به حجة فهي عليه معهم.(7/348)
باب قتل الغيلة وغيرها وعفو الاولياء قال أبو حنيفة رضى الله عنه من قتل رجلا عمدا قتل غيلة أو غير غيلة فذلك إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا وقال أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة من غير نائرة ولا عداوة فإنه يقتل وليس لولاة المقتول أن يعفوا عنه وذلك إلى السلطان يقتل فيه القاتل وقال محمد بن الحسن قول الله عزوجل أصدق من غيره قال الله عزوجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) وقال عزوجل (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد) إلى قوله (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) فلم يسم في ذلك قتل الغيلة ولا غيرها فمن قتل وليه فهو وليه في دمه دون السلطان إن شاء قتل وإن شاء عفا وليس إلى السلطان من ذلك شئ أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حماد عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أتى برجل قد قتل عمدا فأمر بقتله فعفا بعض الاولياء فأمر بقتله فقال ابن مسعود رضى الله عنه كانت لهم النفس فلما عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره قال فما ترى قال أرى أن تجعل الدية عليه في ماله وترفع حصة الذي عفا فقال عمر وأنا أرى ذلك.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن النخعي قال: من عفا من ذي سهم فعفوه عفو فقد أجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الاولياء ولم يسألوا أقتل غيلة كان ذلك أو غيره (قال الشافعي) كل من قتل في حرابة أو صحراء أو مصر أو مكابرة أو قتل غيلة على مال أو غيره أو قتل نائرة فالقصاص والعفو إلى الاولياء وليس إلى السلطان من ذلك شئ إلا
الادب إذا عفا الولى.
باب الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله قال أبو حنيفة رضى الله عنه في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه بسلاح فيموت مكانه إنه لا قود على الممسك والقود على القاتل ولكن الممسك يوجع عقوبة ويستودع في في السجن وقال أهل المدينة إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا وقال محمد بن الحسن كيف يقتل الممسك ولم يقتل وإذا أمسكه وهو يرى أنا لا يريد قتله فتقتلون الممسك قالوا لا إنما نقتله إذا ظن أنه يريد قتله قيل لهم فلا نرى القود في قولكم يجب على الممسك إلا بظنه والظن يخطئ ويصيب أرأيتم رجلا دل على رجل فقتله والذي دل يرى أنه سيقتله إن قدر عليه أيقتل الدال والقاتل جميعا وقد دل عليه في موضع لا يقدر على أن يتخلص منه ينبغي في قولكم أن تقتلوا الدال كما تقتلون الممسك أرأيتم رجلا أمر رجلا يقتل رجل فقتله أيقتل القاتل والآمر ينبغي في قولكم أن يقتلا جميعا أرأيتم رجلا حبس امرأة لرجل حتى زنى بها أيحدان جميعا أو يحد الذي فعل الفعل ؟ فإن كانا محصنين أيرجمان جميعا ؟ ينبغي لمن قال يقتل الممسك أن يقول يقام الحد عليهما جميعا أرأيتم رجلا سقى خمرا أيحدان جميعا حد الخمر أم يحد الشارب خاصة أرأيتم رجلا أمر رجلا أن يفترى على رجل فافترى عليه أيحدان جميعا أم يحد القاذف خاصة ينبغي في قولكم أن يحدا جميعا هذا ليس بشئ لا يحد إلا الفاعل ولا يقتل إلا القاتل ولكن(7/349)
على الآخر التعزير والحيس.
أخبرنا إسماعيل بن عياش الحمصي قال أخبرنا عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبى رباح عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر فقال يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حد الله الناس على الفعل نفسه وجعل فيه القود فقال تبارك وتعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) فكان معروفا عند من خوطب بهذه الآية أن السلطان لولى المقتول على القاتل نفسه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اعتبط مسلما يقتل فهو قود يده) وقال الله تبارك وتعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال (الذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ولم أجد أحدا من خلق الله تعالى يقتدى به حدا أحدا قط على غير فعل نفسه أو قوله فلو أن رجلا حبس رجلا لرجل فقتله قتل به القاتل وعوقب الحابس ولا يجوز في حكم الله تعالى إذا قتلت القاتل بالقتل أن أقتل الحابس بالحبس والحبس غير القتل ومن قتل هذا فقد أحال حكم الله عزوجل لان الله إذا قال (كتب عليكم القصاص في القتلى) فالقصاص أن يفعل بالمرء مثل ما فعل.
وقلنا أرأيت الحابس إذا اقتصصنا منه والقصاص هو أن يفعل به مثل ما فعل هل ثم قتل فيقتل به وإنما ثم حبس والحبس معصية وليس فيها قصاص فيعزر عليها وسواء حبسه ليقتله أو لا بقتله ولو كان الحبس يقوم مقام القتل إذا نوى الحابس أن يقتل المحبوس انبغى لو لم يقتل أن يقتله لانه قد فعل الفعل الذي يقيمه مقام القتل مع النية ولكنه على خلاف ما قال صاحبنا وعلى ما قال محمد بن الحسن في الجملة وعامة ما أدخل محمد على صاحبنا يدخل وأكثر منه ولكن محمد لا يسلم من أن يغفل في موضع آخر فيدخل في أكثر مما عاب على صاحبنا فيكون جميع ما احتج به على صاحبنا في هذا الموضع حجة عليه فإن قال قائل: وما ذلك ؟ قيل يزعم أن قوما لو قطعوا الطريق فقتلوا ولهم قوم ردء حيث يسمعون الصوت وإن كانوا لا يرون ما فعل هؤلاء من القتل قتل القاتلون بقتلهم والرادون بأن هؤلاء قتلوا بقوتهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت لمحمد بن الحسن رحمه الله أو رويت في هذا شيئا ؟ فلم يذكر رواية فقلت له أرأيت رجلا شديدا أراد رجل ضعيف أن يقتله فقال لرجل شديد لولا ضعفي قتلت فلانا فقال أنا أكتفه لك فكتفه وجلس على صدره ورفع لحيته حتى أبرز مذبحه وأعطى الضعيف سكينا فذبحه فزعمت أنك تقتل الذابح لانه هو القاتل ولا تلتفت إلى معونة هذا الذي كان سببه لان السبب غير الفعل وإنما يؤاخذ الله الناس على الفعل أكان هذا أعون على قتل هذا أو الردء على قتل من مر في الطريق ؟ ثم تقول في الردء لو كانوا حيث لا يسمعون الصوت وإن كانوا يرون القوم ويعززونهم ويقوونهم لم يكن عليهم شئ إلا التعزير فمن حد لك حيث يسمعون الصوت قال فصاحبكم يقول معي مثل هذا في الردء يقتلون قلت فتقوم لك بهذا حجة على غيرك إن كان قولك لا يكون حجة أفيكون قول صاحبنا الذي تستدرك عليه مثل هذا حجة ؟ قال فلا تقوله قلت لا ولم أجد أحدا يعقل يقوله ومن قاله خرج من حكم الكتاب والقياس والمعقول ولزمه كثير مما احتججت به فلو
كنت إذا احتججت في شئ أو عبته سلمت منه كان (قال الشافعي) ورى عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت وهو لا يحبسه حتى يموت فخالف ما احتج به.(7/350)
باب القود بين الرجال والنساء قال أبو حنيفة لا قود بين الرجال والنساء إلا في النفس.
وكذلك أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وقال أهل المدينة نفس المرأة بنفس الرجل وجرحها بجرحه قال محمد بن الحسن أرأيتم المرأة في العقل أليست على النصف من دية الرجل ؟ قالوا بلى: قيل لهم فكيف قطعت يده بيدها ويده ضعف يدها في العقل ؟ قالوا أنت تقول مثل هذا أنت تقتله بالمرأة ودية المرأة على النصف من دية الرجل قيل لهم ليست النفس كغيرها ألا ترى أن عشرة لو قتلوا رجلا ضربوه بأسيافهم حتى قتلوا به جميعا.
ولو أن عشرة قطعوا يد رجل واحد لم تقطع أيديهم فلذلك اختلف النفس والجراح.
فإن قلتم إنا نقطع يدي رجلين بيد رجل فأخبرونا عن رجلين قطعا يد رجل جميعا جزها أحدهما من أعلاها والآخر من أسفلها حتى التقت الحديدتان في النصف منها أتقطع يد كل واحد منهما وإنما قطع نصف يده ؟ ليس هذا مما ينبغي أن يخفي على أحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا قتل الرجل المرأة قتل بها وإذا قطع يدها قطعت يده بيدها فإذا كانت النفس التي هي الاكثر بالنفس فالذي هو أقل أولى أن يكون بما هو أقل وليس القصاص من العقل بسبيل.
ألا ترى أن من قتل الرجل بالمرأة فقد يقتله بها وعقلها نصف عقله.
قال محمد بن الحسن يقتل الحر بالعبد ودية الحر عنده ألف دينار ولعل دية العبد خمسة دنانير فلو كان تفاوت الدية يمنع القتل لم يقتل رجل بامرأة ولا حر بعبد لانه لا يكون في العبد عنده إلا أقل من دية حر ولا عبد بعبد إذا كان القاتل أكثر قيمة من المقتول.
فإن زعم أن القصاص في النفس ليس من معنى العقل بسبيل فكذلك ينبغي له أن يقول في الجراح لان الله تبارك وتعالى ذكرها ذكرا واحدا فلم يفرق بينهما في هذا الموضع الذي حكم بها فيه فقال جل ثناؤه (النفس بالنفس إلى والجروح قصاص) فلم يوجب في النفس شيئا من القود إلا أوجب فيما سمى مثله.
فإذا زعم محمد أن من حجته
أن عشرة يقتلون رجلا واحدا فيقتلون به ولو قطعوا يده لم تقطع أيديهم فلو قالوا معه قوله لم تكن عليهم حجة بل كانت عليه بقوله وذلك أنهم يقدرون على أن يقتلوه فإذا جعلت العشرة كل واحد منهم يقتل كأنه قاتل نفس على الكمال فكذلك فاجعل عليهم عشر ديات إذا قتلوا إنسانا فإن قلت معنى القصاص غير معنى الدية قلنا وكذلك في النفس ايضا فإن قلت نعم قالوا لك لا نسمع ما احتججت به إلا عليك مع أنهم يقطعون أو من قطع منهم يدين بيد وإذا يدين بيد فإنما يشبه أن يكونوا قاسوها على النفس فقالوا إذا أفاتا شيئا لا يرجع كإفاتة النفس التى لا ترجع قضينا عليهما باشتراكهما في الافاتة قضاء كل من فعل فعلا على الانفراد.
باب القصاص في كسر اليد والرجل قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا قصاص على أحد كسر يدا أو رجلا لانه عظم ولا قود في عظم الا السن وقال أهل المدينة من كسر يدا أو رجلا أقيد منه ولا يعقل ولكنه لا يقاد حتى يبرأ جرح صاحبه وقال محمد بن الحسن الآثار في أنه لا قود في عظم أكثر من ذلك.
أخبرنا محمد بن أبان القرشي عن حماد عن إبراهيم قال ليس في عظم قصاص إلا السن وقال أبو حنيفة لا قصاص في شئ من ذلك وفي اليد نصف الدية في ماله وفي الكسر حكومة عدل في ماله ولم أكن لاضع الحديد في غير(7/351)
الموضع الذي وضعها فيه القاطع ولا أقتص من عظم فلذلك جعلت في ذلك الدية قال وقد اجتمعنا نحن وأهل المدينة أنه لا قود في مأمومة فينبغي لمن رأى القود في العظام أن يرى ذلك في المأمومة لانها عظم كسر فوصل إلى الدماغ ولم يصب الدماغ وينبغي له أيضا أن يجعل في المنقلة القود وإن اقتص من عظم اليد والرجل ولم يقتص من كسر عظم الرأس فقد ترك قوله وليس بينهما افتراق وينبغي له أيضا أن يقتص من الهاشمة وهي الشجة التي هشمت عظم الرأس فإن لم يقتص من هذا فقد ترك قوله في كسر اليد والرجل وقد قال مالك بن أنس رضى الله عنه ذات يوم كنا لا نقص من الاصابع حتى قص منها عبد العزيز بن المطلب قاض عليهم فقصصنا منها فليس يعدل أهل المدينة في الاشياء بما عمل به عامل في بلادهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: معقول في كتاب الله عزوجل في القصاص إذ قال جل
وعلا (النفس بالنفس) الآية إنما هو إفاتة شئ بشئ فهذا سواء وفي قوله (والجروح القصاص) إنما هو أن يفعل بالجارح مثل ما فعل بالمجروح فلا نقص من واحد إلا في شئ يفات من الذي أفات مثل عين وسن وأذن ولسان وغير هذا مما يفات فهذا يفات إفاتة النفس أو جرح فيؤخذ من الجارح كما أخذ من المجروح فإذا كان على الابتداء يعلم أنه يقدر على أنه يقص منه فلا يزاد فيه ولا ينقص اقتص منه وإذا كان لا يقدر على ذلك فلا قصاص فيه قال وأولى الاشياء أن لا يقص منه كسر اليد والرجل لمعنيين أحدهما أن دون عظمهما حائلا من جلد وعروق ولحم وعصب ممنوع إلا بما وجب عليه فلو استبقينا أنا نكسر عظمه كما كسر عظمه لا نزيد فيه ولا ننقص فعلنا ولكنا لا نصل إلى العظم حتى ننال مما دونه مما وصفت مما لا يعرف قدره مما هو أكثر أو أقل مما نال من غيره والثاني أنا لا نقدر على أن يكون كسر ككسر أبدا فهو ممنوع من الوجهين والمأمومة والمنقلة والهاشمة أولى أن يكون فيها قصاص من حيث إن من جناها فقد شق بها اللحم والجلد فنشق اللحم والجلد كما شقه ونهشم العظم أو ننقله أو نؤمه فنخرقه فإن قال لا يقدر على العظم وهو بارز فهو لم يتعذر دونه فكذلك لا يقدر على العظم دونه غيره.
كتاب سير الاوزاعي (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس قال: قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا غنم جند من المسلمين غنيمة في أرض العدو من المشركين فلا يقتسمونها حتى يخرجوها إلى دار الاسلام ويحوزوها وقال الاوزاعي لم يقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أصاب فيها مغنما إلا خمسه وقسمه قبل ان يقف من ذلك غزوة بنى المصطلق وهوازن ويوم حنين وخيبر وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حين افتتحها صفية وقتل كنانة بن الربيع واعطى أخيه دحية ثم لم يزل المسلمون على ذلك بعده وعليه جيوشهم في أرض الروم في خلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان رضى الله عنهما في البر والبحر ثم هلم جرا وفي أرض الشرك حين هاجت الفتنة وقتل الوليد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى أما غزوة بنى المصطلق فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح بلادهم وظهر عليهم فصارت بلادهم دار الاسلام وبعث الوليد بن عقبة فأخذ صدقاتهم وعلى هذه الحال كانت خيبر حين افتتحها وصارت دار الاسلام وعاملهم على النخل وعلى هذا كانت حنين وهوازن ولم يقسم فئ حنين إلا بعد منصرفه
عن الطائف حين سأله الناس وهم بالجعرانة أن يقسمه بينهم فإذا ظهر الامام على دار وأثخن أهلها فيجرى حكمه عليها فلا بأس أن يقسم الغنيمة فيها قبل أن يخرج وهذا قول أبى حنيفة أيضا وإن كان(7/352)
مغيرا فيها لم يظهر عليها ولم يجر حكمه فإنا نكره أن يقسم فيها غنيمة أو فيئا من قبل أنه لم يحرزه ومن قبل أنه لو دخل جيش من جيوش المسلمين مددا لهم شركوهم في تلك الغنيمة ومن قبل أن المشركين لو استنقذوا ما في أيديهم ثم غنمه جيش آخر من جيوش المسلمين بعد ذلك لم يرد على الاولين منه شئ وأما ما ذكر عن المسلمين أنهم لم يزالوا يقسمون مغانمهم في خلافة عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما في أرض الحرب فإن هذا ليس يقبل إلا عن الرجال الثقات فعمن هذا الحديث وعمن ذكره وشهده وعمن روى ؟ ونقول أيضا إذا قسم الامام في دار الحرب فقسمه جائز فإن لم يكن معه حمولة يحمل عليها المغنم أو احتاج المسلمون إليها أو كانت علة فقسم لها المغنم ورأى أن ذلك أفضل فهو مستقيم جائز غير أن أحب ذلك إلينا وأفضله أن لا يقسم شيئا من ذلك إذا لم يكن به إليه حاجة حتى يخرجه إلى دار الاسلام.
قال أبو يوسف عن مجاهد بن سعيد عن الشعبي عن عمر أنه كتب إلى سعد بن أبى وقاص إنى قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركه في الغنيمة قال أبو يوسف وهذا يعلم أنهم لم يحرزوا ذلك في أرض الحرب قال محمد بن إسحق سئل عبادة بن الصامت عن الانفال فقال فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنزلت (يسئلونك عن الانفال) الآية انتزعه منا حين اختلفنا وساءت أخلاقنا فجعله الله عزوجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يجعله حيث شاء.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وذلك عندنا لانهم لم يحرزوه ويخرجوه إلى دار الاسلام الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنائم بدر إلا من بعد مقدمه المدينة والدليل على ذلك أنه ضرب لعثمان وطلحة في ذلك بسهم سهم فقالا وأجزنا فقال وأجركما ولم يشهدا وقعه بدر) أشياخنا عن الزهري ومكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقسم غنيمة في دار الحرب * قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وأهل الحجاز يقضون بالقضاء فيقال لهم عمن ؟ فيقولون بهذا جرت السنة وعسى أن يكون قضى به عامل السوق أو عامل ما من الجهات وقول الاوزاعي على هذا
كانت المقاسم في زمان عمر وعثمان رضى الله عنهما وهلم جرا غير مقبول عندنا * الكلبي من حديث رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة فأصاب هنالك عمرو بن الحضرمي وأصاب أسيرا أو اثنين وأصاب ما كان معهم من أدم وزيت وتجارة من تجارة أهل الطائف فقدم بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقسم ذلك عبد الله بن جحش حتى قدم المدينة وأنزل الله عزوجل في ذلك (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) حتى فرغ من الآية فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم المغنم وخمسه محمد بن إسحق عن مكحول عن الحرث بن معاوية قال قيل لمعاذ بن جبل إن شرحبيل ابن حسنة باع غنما وبقرا أصابها بقنسرين نحلها الناس وقد كان الناس يأكلون ما أصابوا من المغنم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبيعونه فقال معاذ لم (1) شرحبيل إذا لم يكن المسلمون محتاجين إلى لحومها فقووا على خلتها فليبيعوها فليكن ثمنها في الغنيمة والخمس وإن كان المسلمون محتاجين إلى لحومها فلتقسم عليهم فيأكلونها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أموال أهل خيبر وفيها الغنم والبقر فقسمها وأخذ الخمس وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم الناس ما أصابوا من الغنم والبقر إذا كانوا محتاجين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى، القول ما قال الاوزاعي وما احتج به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف عند أهل المغازي لا
__________
(1) بياض بالاصل.(7/353)
يختلفون في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غير مغنم في بلاد الحرب فأما ما احتج به أبو يوسف من أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على بنى المصطلق وصارت دارهم دار إسلام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون في نعمهم فقتلهم وسباهم وقسم أموالهم وسبيهم في دارهم سنة خمس وإنما أسلموا بعدها بزمان وإنما بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقا سنة عشر وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ودارهم دار حرب وأما خيبر فما علمته كان فيها مسلم واحد وما صالح إلا اليهود وهم على دينهم إن ما حول خيبر كله دار حرب وما علمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقلت من موضعها حتى تقسم ما ظهرت عليه ولو كان الامر كما قال لكان قد أجاز أن يقسم الوالى ببلاد
الحرب فدخل فيما عاب وأما حديث مجالد عن الشعبي عن عمر أنه قال من جاءك منهم قبل تنفق القتلى فأسهم له فهو إن لم يكن ثابتا داخل فيما عاب على الاوزاعي فإنه عاب عليه غير الثقات المعروفين ما علمت الاوزاعي قال عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا إلا ما هو معروف، ولقد احتج على الاوزاعي بحديث رجال وهو يرغب عن الرواية عنهم فإن كان حديث مجالد ثابتا فهو يخالفه هو يزعم أن المدد إذا جاءه ولما يخرج المسلمون من بلاد الحرب والقتلى نظراؤهم لم ينفقوا ولا ينفقون بعد ذلك بأيام لم يكن لهم سهم مع أهل الغنيمة فلو كانت الغنيمة عنده إنما تكون للاولين دون المدد إذا نفقت القتلى انبغى أن يعطى المدد ما بينهم وبين أن تنفقي القتلى قال وبلغني عمه أنه قال وإن قسم ببلاد الحرب كان جائزا وهذا ترك لقوله ودخول فيما عاب على الاوزاعي وبلغني عنه أنه قال وإن قسم ببلاد الحرب ثم جاء المدد قبل تنفقي القتلى لم يكن للمدد شئ وهذا يناقض قوله وحجته عليه بحديث عن عمر لا يأخذ به ويدعه من كل وجه وقد بلغني عنه أنه قال وإن نفقت القتلى وهم في بلاد الحرب لم يخرجوا منها ولم يقتسموا شركهم المدد وكل هذا القول خروج مما احتج به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنما الغنيمة لمن شهد الوقعة لا للمدد وكذلك روى عن أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما وأما ما احتج به من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنائم بدر حتى ورد المدينة وما ثبت من الحديث بأن قال والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان وطلحة رضى الله تعالى عنهما ولم يشهدا بدرا فإن كان كما قاله فهو يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لانه يزعم أن ليس للامام أن يعطي أحدا لم يشهد الوقعة وليس كما قال غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر بسير شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر وكانت غنائم بدر كما يروى عبادة بن الصامت غنمها المسلمون قبل تنزل الآية في سورة الانفال فلما تشاحوا عليها انتزعها الله من أيديهم بقوله عزوجل (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلها خالصة وقسمها بينهم أدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من المهاجرين والانصار وهم بالمدينة وإنما أعطاهم من ماله وإنما نزلت (واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه) بعد غنيمة بدر ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لخلق لم يشهدوا الوقعة بعد نزول الآية ومن
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤلفة وغيرهم فإنما من ماله أعطاهم لا من شئ من أربعة الاخماس وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر وقبل نزول الآية وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام فوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) وليس مما خالفه فيه الاوزاعي بسبيل.(7/354)
أخذ السلاح قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا بأس أن يأخذ الرجل السلاح من الغنيمة إذا احتاج إليه بغير إذن الامام فيقاتل به حتى يفرغ من الحرب ثم يرده في المغنم وقال الاوزاعي يقاتل ما كان الناس في معمعة القتال ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب فيعرضه للهلاك وانكسار سنه من طول مكثه في دار الحرب وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إياك وإيا الغلول أن تركب الدابة حتى يحسر قبل أن يؤدى إلى المغنم أو تلبس الثوب حتى يخلق قبل أن ترده إلى المغنم) قال أبو يوسف قد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال الاوزاعي ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى ووجوه تفسير لا يفهمه ولا يبصره إلا من أعانه الله تعالى عليه فهذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غنى يبقى بذلك على دابته وعلى ثوبه أو يأخذ ذلك يريد به الحاحة فأما رجل مسلم في دار الحرب ليس معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب الغنيمة ولا يستطيع أن يمشى فإذا كان هذا فلا يحل للمسلمين تركه ولا بأس بتركيبه إن شاءوا وإن كرهوا وكذلك هذه الحال في السلاح والحال في السلاح أبين وأوضح ألا ترى أن قوما من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت ولهم غناء في المسلمين أنه لا بأس أن يأخذوا سيوفا من الغنيمة فيقاتلوا بها ما داموا في الحرب أرأيت إن لم يحتاجوا إليها في معمعة القتال واحتاجوا إليها بعد ذلك بيومين وأغار عليهم العدو يقومون هكذا في وجه العدو بغير سلاح أرأيت لو كان المسلمون كلهم على حالهم كيف يصنعون يستأسرون هذا الرأى توهين لمكيدة المسلمين ولجنودهم وكيف يحل هذا ما دام في المعمعة ويحرم بعد ذلك وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثقات حديث مسند عن الرجال المعروفين بالفقه المأمونين عليه أنه كان يغنم الغنيمة فيها
الطعام فيأكل أصحابه منها إذا احتاج الرجل شيئا يأخذه وحاجة الناس إلى السلاح في دار الحرب وإلى الدواب والى الثياب أشد من حاجتهم إلى الطعام، أبو إسحق الشيباني عن محمد بن أبى المجالد عن ابن أبى أوفى قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيير يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ حاجته (قال الشافعي) كان أبو حنيفة إنما جعل السلاح والثياب والدواب قياسا على الطعام من غنى يجد ما يشرى به طعاما أو فقير لا يجد ما يشرى به أحل لهم أكله وأكله استهلاك له فهو إن أجاز لمن يجد ما يشترى به طعاما أن يأكل الطعام في بلاد العدو فقاس السلاح والدواب عليه جعل له أن يستهلك الطعام ويتفكه بركوب الدواب كما يتفكه بالطعام فيأكل فالوذا ويأكل السمن والعسل وإن اجتزأ بالخبز اليابس بالملح والجبن واللبن وأن يبلغ بالدواب استهلاكها ويأخذ السلاح من بلاد العدو فيتلذذ بالضرب بها غير العدو وكما يتلذذ بالطعام لغير الجوع وكان يلزمه إذا خرج بالدواب والسلاح من بلاد العدو أن يجعله ملكا له في قول من قال يكون ما بقى من الطعام ملكا له ولا أحسب من الناس أحدا يجيز هذا وكان له بيع سلاحه ودوابه وأخذ سلاح ودواب كما تكون له الصدقة بطعامه وهبته وأكل الطعام من بلاد العدو فقد كان كثير من الناس على هذا ويصنعون مثله في دوابهم وسلاحهم وثيابهم.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو نزعت سهما من جبل من بلاد العدو ما كنت بأحق به من أخيك) وما أعلم ما قال الاوزاعي إلا موافقا للسنة معقولا لانه يحل في حال الضرورة الشئ، فإذا انقضت الضرورة لم يحل وما علمت قول أبى حنيفة قياسا ولا خبرا.(7/355)
سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه يضرب للفارس بسهمين سهم له وسهم لفرسه ويضرب للراجل بسهم وقال الاوزاعي أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرس بسهمين ولصاحبه بسهم واحد والمسلمون بعد لا يختلفون فيه، وقال أبو حنيفة الفرس والبرذون سواء، وقال الاوزاعي كان أئمة المسلمين فيما سلف حتى هاجت الفتنة لا يسهمون للبراذين قال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يكره أن تفضل بهيمة على رجل مسلم ويجعل سهمها في القسم أكثر من سهمه.
فأما البراذين فما كنت أحسب أحدا يجهل هذا ولا يميز بين الفرس والبرذون ومن كلام العرب المعروف الذى لا تختلف فيه العرب أن تقول هذه الخيل ولعلها براذين كلها أو جلها ويكون فيها المقاريف أيضا ومما نعرف نحن في الحرب أن البراذين أوفق لكثير من الفرسان من الخيل في لين عطفها وقودها وجودتها مما لم يبطل الغاية وأما قول الاوزاعي على هذا كانت أئمة المسلمين فيما سلف فهذا كما وصف من أهل الحجاز أو رأى بعض مشايخ الشام ممن لا يحسن الوضوء ولا التشهد ولا أصول الفقه صنع هذا فقال الاوزاعي بهذا مضت السنة وقال أبو يوسف بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن غيره من أصحابه أنه أسهم للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم وبهذا أخذ أبو يوسف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الاوزاعي في الفارس أن له ثلاثة أسهم (قال الشافعي) وأخبرنا عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأما ما حكى أبو يوسف عن أبى حنيفة أنه قال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم فلو لم يكن في هذا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان محجوجا بخلافه لان قوله لا أفضل بهيمة على مسلم خطأ من وجهين أحدهما أنه كان إذا كان أعطى بسبب الفرس سهمين كان مفضلا على المسلم إذ كان إنما يعطى المسلم سهما انبغى له أن لا يسوى البهيمة بالمسلم ولا يقربها منه وإن هذا كلام عربي وإنما معناه أن يعطى الفارس سهما له وسهمين بسبب فرسه لان الله عزوجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال عزوجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) فإذا أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفنا فإنما سهما الفرس لراكبه لا للفرس والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه بعنائه والمؤنة عليه فيه وما ملكه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تفضيل الاوزاعي الفرس على الهجين واسم الخيل يجمعهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن الاسود بن قيس عن علي بن الاقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت الخيل من يومها وأدركت الكوادن ضحى وعلى الخيل المنذر بن أبى حمصة الهمداني ففضل الخيل على الكوادن وقال لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك فبلغ ذلك عمر فقال (1) هبلت الوادعى أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهم يروون في هذا أحاديث كلها أو بعضها أثبت مما احتج به أبو
يوسف فإن كان فيما احتج به حجة فهى عليه ولكن هذه منقطعة والذى نذهب إليه من هذا التسوية بين الخيل العراب والبراذين والمقاريف ولو كنا نثبت مثل هذا ما خالفناه وقال أبو حنيفة إذا كان الرجل في الديوان راجلا ودخل أرض العدو غازيا راجلا ثم ابتاع فرسا يقاتل عليه وأحرزت الغنيمة وهو
__________
(1) جملة دعائية والغرض منها الاعجاب بعلمه وقوله (لقد أذكرت به) أي ولدت شهما اه.
كتبه مصححه.(7/356)
فارس أنه لا يضرب له إلا سهم راجل وقال الاوزاعي لم يكن للمسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ديوان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسهم للخيل وتتابع على ذلك أئمة المسلمين وقال أبو يوسف ليس فيما ذكر الاوزاعي حجة ونحن أيضا نسهم للفارس كما قال فهل عنده أثر مسند عن الثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم سهم فارس لرجل غزا معه راجلا ثم استعار أو أشترى فرسا فقاتل عليه عند القتال ويفسرها هكذا وعليه في هذا أشياء أرأيت لو قاتل عليه بعد يوم ثم باعه من آخر فقاتل عليه ساعة أكل هؤلاء يضرب لهم بسهم فرس وإنما هو فرس واحد هذا لا يستقيم وإنما توضع الامور على ما يدخل عليه الجند فمن دخل فارسا أرض الحرب فهو فارس ومن دخل راجلا فهو راجل على ما عليه الدواوين منذ زمن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه إلى يومك هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الاوزاعي وقد زعم أبو يوسف أن السنة جرت على ما قال وعاب على الاوزاعي أن يقول قد جرت السنة بغير رواية ثابتة مفسره ثم ادعاها بغير رواية ثابتة ولا خبر ثابت ثم قال الامر كما جرى عليه الديوان منذ زمان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وهو لا يخالف في أن الديوان محدث في زمان عمر وأنه لم يكن ديوان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبى بكر ولا صدر من خلافة عمر وأن عمر إنما دون الديوان حين كثر المال والسنة إنما تكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل بسهم فهذا الدليل على ما قال الاوزاعي لانه لا يسهم عنده ولا عنده إلا لمن حضر القتال فإذا لم يكن حاضر القتال فارسا فكيف يعطى بفرسه ما لا يعطى ببدنه وأما قوله إن قاتل هذا عليه يوما وهذا يوما أيعطى كل واحد سهم فارس فلا يعطى بفرس في موضعين كما لا يعطى لو قاتل في موضعين إلا أن تكون غنيمة فلا يعطى بشئ واحد في
موضعين والسهم للفارس المالك لا لمن استعار الفرس يوما ولا يومين إذا حضر المالك فارسا القتال ولو بعضنا بينهم سهم الفرس ما زدناه على سهم فرس واحد كما لو أسهمنا للراجل ومات لم نزد ورثته على سهم واحد وكذلك لو خرج سهمه إلى بعير اقتسموه فقال بعض من يذهب مذهبه إنى إنما أسهمت للفارس إذا دخل بلاد الحرب فارسا للمؤنة التى كانت عليه في بلاد الاسلام قلنا فما تقول إن اشترى فرسا قبل أن يفرض عليه الديوان في أدنى بلاد الحرب بساعة ؟ قال يكون فارسا إذا ثبت في الديوان قلنا فما تقول في خراساني أو يمانى قاد فرسا من بلاده حتى أتى بلاد العدو فمات فرسه قبل أن تنتهى الدعوة إليه ؟ قال فلا يسهم له سهم فرس قلنا فقد أبطلت مؤنة هذين في الفرس وهذان أكثر مؤنة من الذى اشتراه قبل الديوان بساعة * وقال أبو حنيفة في الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل أنه لا يضرب له بسهم في الغنيمة وقال الاوزاعي أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من المسلمين قتل بخيبر فاجتمعت أئمة الهدى على الاسهام لمن مات أو قتل.
وقال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يضرب لاحد ممن استشهد معه بسهم في شئ من المغانم قط وأنه لم يضرب لعبيدة بن الحرث في غنيمة بدر ومات بالصفراء قبل أن يدخل المدينة.
وقال أبو يوسف ما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في الفئ وغيره حال ليست لغيره وقد أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ولرسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه في بدر ولم يشهدها فقل وأجرى يارسول الله ؟ قال (وأجرك) قال وأسهم أيضا لطلحة بن عبيد الله في بدر ولم يشهدها فقال وأجرى ؟ (وأجرك) ولو أن إماما من أئمة المسلمين أشرك قوما لم يغزوا مع الجند لم يتسع ذلك له وكان مسيئا فيه وليس للائمة في(7/357)
هذا ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لاحد من الغنيمة ممن قتل يوم بدر ولا يوم حنين ولا يوم خيبر وقد قتل بها رهط معروفون فما نعلم أنه أسهم لاحد منهم وهذا ما لا يختلف فيه فعليك من الحديث بما تعرف العامة وإياك والشاذ منه فإنه حدثنا ابن أبى كريمة عن أبى جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى
فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس فقال (إن الحديث سيفشو عنى فما أتاكم عنى يوافق القرآن فهو عنى وما أتاكم عنى يخالف القرآن فليس عنى) مسعر بن كدام والحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن البخترى عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه قال (إذا أتاكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه الذى هو أهدى والذى هو أتقى والذى هو أحيا) أشعت بن سوار وإسمعيل بن أبى خالد عن الشعبى عن قرظة بن كعب الانصاري أنه قال أقبلت في رهط من الانصار إلى الكوفة فشيعنا عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يمشى حتى انتهينا إلى مكان قد سماه ثم قال هل تدرون لم مشيت معكم يا معشر الانصار ؟ قالوا نعم لحقنا قال إن لكم الحق ولكنكم تأتون قوما لهم دوى بالقرآن كدوى النحل فاقتلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم فقال قرظة لا أحدث حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا كان عمر فيما بلغنا لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشاهدين ولولا طول الكتاب لاسندت الحديث لك وكان علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرواية تزداد كثرة ويخرج منها ما لا يعرف ولا يعرفه أهل الفقه ولا يوافق الكتاب ولا السنة فإياك وشاذ الحديث وعليك بما عليه الجماعة من الحديث وما يعرفه الفقهاء وما يوافق الكتاب والسنة فقس الاشياء على ذلك فما خالف القرآن فليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن جاءت به الرواية.
حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذى مات فيه (إنى لاحرم ما حرم القرآن والله لا يمسكون على بشئ فاجعل القرآن والسنة المعروفة لك إماما قائدا واتبع ذلك وقس عليه ما يرد عليك مما لم يوضح لك في القرآن والسنة).
حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة هوازن أن وفد هوازن سألوه فقال أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس إذا صليت الظهر فقوموا وقولوا إنا نتشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا ففعلوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم) فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الانصار مثل ذلك وقال عباس بن مرداس أما ما كان ولي ولبنى سليم فلا وقالت بنو سليم أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال الاقرع بن حابس أما ما كان لى ولبنى تميم فلا وقال عيينة أما ما كان لى ولبنى فزارة فلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك بحصته من هذا السبى فله بكل رأس ست فرائض من أول فئ نصيبه فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم فرد الناس ما كان في أيديهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا حال لا تشبه حال الناس ولو أن إماما أمر جندا أن يدفعوا ما في أيديهم من السبى إلى أصحاب السبى بست فرائض كل رأس لم يجز ذلك له ولم ينفذ ولم يستقم ولا تشبه الائمة في هذا والناس النبي صلى الله عليه وسلم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا قد نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهذا حيوان بعينه بحيوان بغير عينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أما ما ذكر من أمر بدر وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لعبيدة بن الحرث فهو عليه إن كان كما زعم أن الغنيمة(7/358)
أحرزت وعاش بعد الغنيمة وهو يزعم في مثل هذا أن له سهما فإن كان كما قال فقد خالفه وليس كما قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وأعطى عبيدة سهمه وهو حى ولم يمت عبيدة إلا بعد قسم الغنيمة فأما ما ذكر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان ولطلحة بن عبيد الله فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسهم لسبعة أو ثمانية من أصحابه لم يشهدوا بدرا وإنما نزل تخميس الغنيمة وقسم الاربعة الاسهم بعد الغنيمة (قال الشافعي) وقد قيل أعطاهم من سهمه كسهمان من شهد فأما الرواية المتظاهرة عندنا فكما وصفت قال الله عزوجل (يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحو ذات بينكم) فكانت غنائم بدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء وإنما نزلت (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) بعد بدر على ما وصفت لك يرفع خمسها ويقسم أربعة أخماسها وافرا على من حضر الحرب من المسلمين إلا السلب فإنه سن أنه للقاتل في الاقبال فكان السلب خارجا منه وإلا الصفى فإنه قد اختلف فيه فقيل كان يأخذه من سهمه من الخمس وإلا البالغين من السبى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن فيهم سننا فقتل بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين فالامام في البالغين من السبى مخير فيما حكيت أن النبي صلى الله عليه وسلم سنه فيهم فإن أخذ من أحد منهم فدية فسبيلها سبيل الغنيمة وإن استرق منهم أحدا
فسبيل المرقوق سبيل الغنيمة وإن أقاد بهم بقتل أو فادى بهم أسيرا مسلما فقد خرجوا من الغنيمة وذلك كله كما وصفت وأما قوله في سبى هوازن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوهبهم من المسلمين فكما قال وذلك يدل على أنه يسلم كلمسلمين حقوقهم من ذلك إلا ما طابوا عنه أنفسا وأما قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن ست فرائض بكل سبى شح به صاحبه فكما قال ولم يكرههم على أن يحتالوا عليه بست فرائض إنما أعطاهم إياها ثمنا عن رضا ممن قبله ولم يرض عيينة فأخذ عجوزا وقال أعير بها هوازن فما أخرجها من يده حتى قال له بعض من خدعه عنها أرغم الله أنفك فوالله لقد أخذتها ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا جدها بماجد فقال حقا ما قال ؟ قال إى والله قال فأبعدها الله واباها ولم يأخذ بها عوضا، وأما قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان عليه أن يبدأ بنفسه فيما أمر به أن لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحيوان نسيئة واستسلف بعيرا وقضى مثله وإذا زعم أن الحيوان لا يجوز نسيئة لانه لا يكال ولا يوزن ولا يذرع ولا يعلم إلا بصفة وقد تقع الصفة على البعيرين وهما متفاوتان فهو محجوج بقوله لانه لا يجيز الحيوان نسيئة في الكتابة ومهر النساء والديات وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها في الديات بصفة إلى ثلاث سنين فقد أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم نسيئة فكيف زعم أنه لا يجيزها نسيئة وإن زعم أن المسلمين أجازوها في الكتابة ومهور النساء نسيئة فقد رغب عما اجاز المسلمون ودخل بعضهم فيه وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمسكن الناس على بشئ فإنى لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله) فما أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فيه حكم إلا بما أحله الله به وكذلك ما حرم شيئا قط فيه حكم إلا بما حرم بذلك أمر وكذلك افترض عليه قال الله عزوجل (فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم) ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه وشهد له أنه على صراط مستقيم وكذلك قال (ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) فأخبر أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله وشهد له بأنه هاد مهتد وكذلك يشهد له(7/359)
قوله (لا يمسكن الناس على بشئ) فإن الله أجل له أشياء حظرها على غيره مثل عدد النساء وأن لا تهب المرأة بغير مهر وفرض عليه أشياء خففها عن غيره مثل فرضه عليه أن يخير نساءه ولم يفرض هذا على غيره فقال (لا يمسكن الناس على بشئ) يعنى مما خص بدونهم فإن نكاحه أكثر من أربع ولا يحل لهم أن يبلغوه لانه انتهى بهم إلى الاربع ولا يجب عليهم ما وجب عليه من تخيير نسائه لانه ليس بفرض عليهم فأما ما ذهب إليه من إبطال الحديث وعرضه على القرآن فلو كان كما ذهب إليه كان محجوجا به وليس يخالف القرآن الحديث ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبين معنى ما أراد الله خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما من بفرض الله فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله عزوجل قبل لان الله تعالى أبان ذلك في غير موضع من كتابه قال الله عزوجل (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) الآية وقال عزوجل (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبى النضر قال أخبرني عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما أعرفن ما جاء أحدكم الامر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندرى ما هذا ما وجدنا في كتاب الله عزوجل أخذنا به) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى دخل من رد الحديث عليه ما احتج به على الاوزاعي فلم يجز له المسح على الخفين ولا تحريم جمع ما بين المرأة وعمتها ولا تحريم كل ذى ناب من السباع وغير ذلك، قال أبو حنيفة رحمه الله إذا دخل الجيش أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا بها إلى دار الاسلام مددا لهم ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا بها إلى دار الاسلام فهم شركاء فيها، وقال الاوزاعي قد كانت تجتمع الطائفتان من المسلمين بأرض الروم ولا تشارك واحدة منهما صاحبتها في شئ أصابته من الغنيمة لا ينكر ذلك منهم والى جماعة ولا عالم، وقال أبو يوسف حدثنا الكلبى وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث أبا عامر الاشعري يوم حنين إلى أوطاس فقاتل من بها ممن هرب من حنين وأصاب المسلمون يومئذ سبايا وغنائم فلم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من غنائم أهل حنين أنه فرق بين أهل أوطاس وأهل حنين ولا نعلم إلا
أنه جعل ذلك غنيمة واحدة وفيئا واحدا وحدثنا مجالد عن عامر الشعبى وزياد بن علاقة الثعلبي أن عمر كتب إلى سعد بن أبى وقاص قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل أن تنفق القتلى فأشركه في الغنيمة.
محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه بعث عكرمة بن أبى جهل في خمسمائة من المسلمين مددا لزياد بن لبيد وللمهاجرين أبى أمية فوافقوا الجند قد افتتح البحثر في اليمن فأشركهم زياد بن لبيد وهو ممن شهد بدرا في الغنيمة وقال أبو يوسف فما كنت أحسب أحدا يعرف السنة والسيرة يجهل هذا ألاتى أنه لو غزا أرض الروم جند فدخل فأقام في بعض بلادهم ثم فرق السرايا وترك الجند ردءا لهم لولا هؤلاء ما اقترب السرايا أن يبلغوا حيث بلغوا وما أظنه كان للمسلمين جند عظيم في طائفة أخطأهم أن يكون مثل هذا فيهم وما سمعنا بأحد منهم قسط الغنائم مفترقة على كل سرية أصابت شيئا ما أصابت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: احتج أبو يوسف أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عامر إلى أوطاس فغنم غنائم فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين من كان مع أبى عامر وهذا كما قال وليس مما قال الاوزاعي وخالقه هو فيه بسبيل أبو عامر كان في جيش النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بحنين فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في اتباعهم وهذا جيش(7/360)
واحد كل فرقة منهم ردء للاخرى وإذا كان الجيش هكذا فلو أصاب الجيش شيئا دون السرية أو السرية شيئا دون الجيش كانوا فيه شركاء لانهم جيش واحد وبعضهم ردء لبعض وإن تفرقوا فساروا أيضا في بلاد العدو فكذلك شركت كل واحدة من الطائفتين الاخرى فيما أصابوا فأما جيشان مفترقان فلا يرد واحد منهما على صاحبه شيئا وليسا بجيش واحد ولا أحدهما ردء لصاحبه مقيم له عليه ولو جاز جاز أن يشرك أهل طرسوس وغذقذونة من دخل بلاد العدو لانه قد يعينونهم أو ينفروا إليهم حين ينالون نصرتهم في أدنى بلاد الروم وإنما يشترك الجيش الواحد الداخل واحدا وإن تفرق في ميعاد اجتماع في موضع وأما ما احتج به من حديث مجالد أن عمر كتب فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركهم في الغنيمة فهذا غير ثابت عن عمر ولو ثبت عنه كنا أسرع إلى قبوله منه وهو إن كان يثبته عنه فهو محجوج به لانه يخالفه هو يزعم أن الجيش لو قتلوا قتلى وأحرزوا غنائمهم بكرة وأخرجوا الغنائم إلى بلاد
الاسلام عشية وجاءهم المدد والقتلى يتشحطون في دمائهم لم يشركوهم ولو قتلوهم فنفقوا وجاءوا والجيش في بلاد العدو قد أحرزوا الغنائم بعد القتل بيوم وقبل مقدم الجيش المدد بأشهر شركوهم فخالف عمر في الاول والآخر واحتج به فأما ما روى عن زياد بن لبيد أنه أشرك عكرمة فإن زيادا كتب فيه إلى ابى بكر رضى الله تعالى عنه إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة فكلم زياد أصحابه فطابوا نفسا أن أشركوا عكرمة وأصحابه متطوعين عليهم وهذا قولنا وهو يخالفه ويروى عنه خلاف ما رواه عنه أهل العلم بالغزو، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في المرأة تداوى الجرحى وتنفع الناس لا يسهم لها ويرضخ لها وقال الاوزاعي أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء بخيبر وأخذ المسلمون بذلك بعده قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ما كنت أحسب أحدا يعقل الفقه يجهل هذا ما يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء في شئ من غزوه وما جاء في هذا من الاحاديث كثير لولا طول ذلك لكتبت لك من ذلك شيئا كثيرا ومحمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن ابن هرمز قال كتب نجدة إلى ابن عباس كان النساء يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه ابن عباس كان النساء يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يرضخ لهن من الغنيمة ولم يكن يضرب لهن بسهم والحديث في هذا كثير والسنة في هذا معروفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا كما قال أبو حنيفة يرضخ لهن ولا يسهم والحديث في هذا كثير وهذا قول من حفظت عنه من حجازيينا، (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أنه أخبره أن ابن عباس كتب إلى نجدة كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى وذكر كلمة أخرى وكتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لهن بسهم فلم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة وإنما ذهب الاوزاعي إلى حديث رجل ثقة وهو منقطع روى أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بيهود ونساء من نساء المسلمين وضرب لليهود وللنساء بمثل سهمان الرجال والحديث المنقطع لا يكون حجة عندنا وإنما اعتمدنا على حديث ابن عباس أنه متصل وقد رأيت أهل العلم بالمغازي قبلنا يوافقون ابن عباس، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيمن يستعين به المسلمون من أهل الذمة فيقاتل معهم العدو لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم، وقال الاوزاعي أسهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن غزا معه من يهود وأسهم ولاة المسلمين بعده لمن استعانوا به على عدوهم من أهل الكتاب والمجوس، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ما كنت أحسب أحدا من أهل الفقه يجهل هذا ولا يشك الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما(7/361)
أنه قال استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم والحديث في هذا معروف مشهور والسنة فيه معروفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والقول ما قال أبو حنيفة وعذر الاوزاعي فيه ما وصفت قبل هذا وقد رأيت أهل العلم بالمغازي يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رضخ لمن استعان به من المشركين وقد روى فيه حديثا موصولا لا يحضرني ذكره.
سهمان الخيل قال أبو حنيفة رضى الله عنه في الرجل يكون معه فرسان لا يسهم له إلا لواحد وقال الاوزاعي يسهم للفرسين ولا يسهم لاكثر من ذلك وعلى ذلك أهل العلم وبه عملت الائمة، قال أبو يوسف لم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه أسهم للفرسين إلا حديث واحد وكان الواحد عندنا شاذا لا نأخذ به، وأما قوله بذلك عملت الائمة وعليه أهل العلم فهذا قول أهل الحجاز وبذلك مضت السنة وليس يقبل هذا ولا يحمل هذا الجهال فمن الامام الذى عمل بهذا والعالم الذى أخذ به حتى ننظر أهو أهل لان يحمل عنه مأمون هو على العلم اولا ؟ وكيف يقسم للفرسين ولا يقسم لثلاثة من قبل ماذا ؟ وكيف يقسم للفرس المربوط في منزله لم يقاتل عليه وإنما قالت على غيره ؟ فتفهم في الذى ذكرنا وفيما قال الاوزاعي وتدبره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحفظ عمن لقيت ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد وبهذا آخذ، أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن عبد الله بن الزبير بن العوام رضى الله تعالى عنهم كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهم له وسهمين لفرسه وسهم في ذوى القربى سهم أمه صفية يعنى يوم خيبر وكان سفيان بن عيينة يهاب أن يذكر يحيى بن عباد والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد وروى مكحول أن الزبير حضر خيبر فأسهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم سهم له وأربعة أسهم لفرسيه فذهب
الاوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعا وهشام بن عروة أحرص لو أسهم لابن الزبير لفرسين أن يقول به فأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه بحرصه على زيادته، وإن كان حديث مقطوعا لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازى فقلنا إنهم لم يرووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه السكب والظرب والمرتجز ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يسهم لصبى في الغنيمة، وقال الاوزاعي يسهم لهم وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم بخيبر لصبى في الغنيمة وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وقال أبو يوسف ما سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لصبى وإن هذا لغير معروف عن أهل العلم ولو كان هذا في شئ من المغازى ما خفى علينا محمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن رجل أن ابن عباس كتب إلى نجدة في جواب كتابه كتبت تسألني عن الصبى متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم فإنه يخرج من اليتم إذا احتلم ويضرب له بسهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى حدثنا عن عبد الله بن عمر أو عبيد الله (شك أبو محمد الربيع) عن نافع عن ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن اربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازنى قال نافع فحدثت بذلك عمر بن عبد(7/362)
العزيز فكتب إلى عماله في المقاتلة فلو كان هذا كما قال الاوزاعي لاجازه النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وما أحد من المهاجرين والانصار ولد له ولد في سفر من أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا محمد بن أبى بكر فإن أسماء ولدته بذى الحليفة في حجة الاسلام فثبت من هذه الاحاديث والفتيا والله أعلم أن غزوهم ومقامهم فيه كان أقل مدة من أن يتفرغوا للنساء والاولاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحجة في هذا مثل الحجة في المسألة قبل في النساء وأهل الذمة يرضخ للغلمان ولا يسهم لهم ولا يسهم للنساء ويرضخ قال أبو حنيفة في رجل من المشركين يسلم ثم يلحق بعسكر المسلمين في دار الحرب أنه لا يضرب له بسهم إلا أن يلقى المسلمون قتالا فيقاتل معهم وقال الاوزاعي من أسلم في دار
الشرك ثم رجع إلى الله وإلى أهل الاسلام قبل أن يقتسموا غنائمهم فحق على المسلمين إسهامه وقال أبو يوسف فكر في قول الاوزاعي ألا ترى أنه أفتى في جيش من المسلمين دخل في دار الحرب مددا للجيش الذى فيها أنهم لا يشركون في المغانم وقال في هذا أشركه وإنما أسلم بعدما غنموا والجيش المسلمون المدد الذين شددوا ظهورهم وقووا من ضعفهم وكانوا ردءا لهم وعونا لا يشركونهم ويشرك الذى قاتلهم ودفعهم عن الغنيمة بجهده وقوته حتى أعان الله عليه فلما رأى ذلك أسلم فأخذ نصيبه.
سبحان الله ما أشد هذا الحكم والقول وما نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف أنه أسهم لمثل هذا وبلغنا أن رهطا أسلموا من بنى قريظة فحقنوا دماءهم وأموالهم ولم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لاحد منهم في الغنيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى معلوم عند غير واحد ممن لقيت من أهل العلم بالغزوت أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة أخبرنا الثقة من أصحابنا عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ يثبت ما روى عن أبى بكر وعمر لا يحضرني حفظه فمن شهد قتالا ثم أسلم فخرج من دار الحرب أو كان مع المسلمين مشركا فأسلم أو عبدا فأعتق وجاء من حيث جاء شرك في الغنيمة ومن لم يأت حتى تنقضي الحرب وإن لم تحرز الغنائم لم يشرك في شئ من الغنيمة لان الغنيمة إنما كانت لمن حضر القتال ولو جاز أن يشرك في الغنيمة من لم يحضر القتال ويكون ردءا لاهل القتال غازيا معهم جاز أن يسهم لمن قارب بلاد العدو من المسلمين الذين هم مجموعون على الغوث لمن دخل بلاد الحرب من المسلمين قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في التاجر يكون في أرض الحرب وهو مسلم ويكون فيها الرجل من أهل الحرب قال أسلم فيلحقان جميعا بالمسلمين بعدما يصيبون الغنيمة أنه لا يسهم لهما إذا لم يلق المسلمون قتالا بعد لحاقهما وقال الاوزاعي يسهم لهما وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى وكيف يسهم لهذين ولا يسهم للجند الذين هم ردء لهم ومعونة ؟ ما أشد اختلاف هذا القول ؟ ! وعلم ألله أنه لم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف أنه أسهم لهؤلاء وليسوا عندنا ممن يسهم لهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى في التاجر المسلم والحربي يسلم في بلاد الحرب يلتقيان بالمسلمين لا يسهم لواحد منهما إلا أن يلقيا مع المسلمين قتالا فيشتركان فيما غنم المسلمون وهذا مثل قولنا الاول وكان ينبغى لابي حنيفة إذا قال هذا أن يقوله في المدد فقد قال في المدد خلافه فزعم أن المدد يشركون الجيش ما لم يخرج بالغنيمة من بلاد الحرب فإن قال على أولئك عناء لم يكن على هذين فقد ينبغثون من أقصى بلاد الاسلام بعد الوقعة بساعة ولا يجعل لهم شيئا فلو جعل لهم ذلك بالعناء جعله ما لم تقسم الغنيمة ولو جعله بشهود(7/363)
الوقعة كما جعله في الاولين لم يجعله إلا بشهود الوقعة فهذا قول متناقض.
قال أبو حنيفة في الرجل يقتل الرجل ويأخذ سلبه لا ينبغى للامام أن ينفله إياه لانه صار من الغنيمة قال الاوزاعي مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل علجا فله سلبه وعملت به أئمة المسلمين بعده إلى اليوم وقال أبو يوسف حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال إذا نفل الامام أصحابه فقال من قتل قتيلا فله سلبه فهو مستقيم جائز وهذا النفل وأما إن لم ينفل الامام شيئا من هذا فلا ينفل أحد دون أحد والغنيمة كلها بين جميع الجند على ما وقعت عليه المقاسم وهذا اوضح وأبين من أن يشك فيه أحد من أهل العلم (قال الشافعي) القول فيها ما قال الاوزاعي وأقول قوله.
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح عن أبى محمد مولى أبى قتادة عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا حديث ثابت صحيح لا مخالف له علمته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قاله بعد تقضى الحرب لانه وجد سلب قتيل أبى قتادة في يدى رجل فأخرجه من يديه وهذا يدل على خلاف قول أبى حنيفة لان الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا قبل الحرب إنما قاله بعد تقضى الحرب (قال الشافعي) رحمه الله: فالسلب لمن قتل مقبلا في الحرب مبارزا أو غير مبارز قاله الامام أو لم يقله وهذا حكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم من سنه.
بعده قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بئر معونة وقد قاله من بعده من الائمة.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الاسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى بشر بن علقمة قال بادرت رجلا يوم القادسية
فبلغ سلبه اثنى عشر ألفا فنفلنيه سعد وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الرجل يأخذ العلف فيفضل معه شئ بعدما يخرج إلى بلاد الاسلام فإن كانت الغنيمة لم تقسم أعاده فيها وإن كانت قد قسمت باعه فتصدق بثمنه وقال الاوزاعي كان المسلمون يخرجون من أرض الحرب بفضل العلف والطعام إلى دار الاسلام ويقدمون به على أهليهم وبالقديد ويهدى بعض إلى بعض لا ينكره إمام ولا يعيبه عالم وإن كان أحد منهم باع شيئا منه قبل أن تقسم الغنائم ألقى ثمنه في الغنيمة وإن باعه بعد القسمة يتصدق به عن ذلك الجيش.
وقال أبو يوسف أبا عمرو ما أشد اختلاف قولك تشدد فيما احتاج المسلمون إليه في دار الحرب من السلاح والدواب والثياب إذا كان من الغنيمة وتنهى عن السلاح إلا في معممة القتال وترخص في أن يخرج بالطعام والعلف من الغنيمة إلى دار الاسلام ثم يهديه إلى صاحبه هذا مختلف فكيف ضاق الاول مع حاجة المسلمين إليه واتسع هذا لهم وهم في بيوتهم والقليل من هذا والكثير مكروه ينهى عنه أشد النهى ؟ بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل لى من فيئكم ولا هذه - وأخذ وبرة من سنام بعير - إلا الخمس والخمس مردود فيكم فأدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة) فقام إليه رجل بكبة من شعر فقال هب هذا إلى أخيط برذعة بغير لى أدبر فقال أما نصيبي منه فهو لك فقال إذا بلغت هذا فلا حاجة لى فيها وقد بلغنا نحو من هذا من الآثار والسنة والمحفوظة المعروفة وكيف يرخص أبو عمرو في الطعام والعلف ينتفع به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أما قول أبى يوسف يضيق أبو عمرو في السلاح ويوسع في الطعام فإن أبا عمرو لم يأخذ الفرق بين السلاح والطعام من رأيه فيما نرى والله تعالى أعلم.
إنما أخذه من السنة وما لا اختلاف فيه من جواز الطعام في بلاد العدو أن يأكله غنيا كان أو فقيرا وليس لاحد قدر على سلاح وكراع غنى عنه أن يركب ولا يتسلح السلاح وبكل هذين مضت السنة وعليه الاجماع فإن الذى قال(7/364)
الاوزاعي أن يتصرف بفضل الطعام للقياس إذا كان يأخذ الطعام في بلاد العدو فيكون له دون غيره من الجيش ففضل منه شئ إنما فضل من شئ قد كان له دون غيره والله أعلم.
ولو لم يجز له أن يحبس ذلك بعد خروجه من بلاد العدو لم يخرجه منه إلا أداؤه إلى المغنم لانه للجيش كلهم ولاهل الخمس
لا يخرجه منه التصدق به لانه تصدق بمال غيره فإن قال لا أجد أهل الجيش ووجد أمير الجيش أو الخليفة أداه إلى أيهما شاء.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الرجل يقع على الجارية من الغنيمة أنه يدرأ عنه الحد ويؤخذ منه العقر والجارية وولدها من الغنيمة ولا يثبت نسب الولد.
وقال الاوزاعي وكان من سلف من علمائنا يقولون عليه أدنى الحدين مائة جلدة ومهر قيمة عدل ويلحقونها وولدها به لمكانه الذى له فيها من الشرك: قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن كان له فيها نصيب على ما قال الاوزاعي فلا حد عليه وفيها العقر.
بلغنا عن عبد الله بن عمر في جارية بين اثنين وطئها أحدهما أنه قال لا حد عليه وعليه العقر.
أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه قال (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الامام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة فإذا وجدتم لمسلم مخرجا فادرءوا عنه الحد) قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وبلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الرجل زانيا فعليه الرجم إن كان محصنا والجلد إن كان غير محصن ولا يلحق الولد به لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر والعاهر الزانى ولا يثبت نسب الزانى أبدا ولا يكون عليه المهر وهو زان أرأيت رجلا زنى بامرأة وشهدت عليه الشهود بذلك وأمضى عليه الامام الحد أيكون عليه مهر وهل يثبت ونسب الولد منه ؟ وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم غير واحد وعن أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما والسلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أقاموا الحدود على الزناة ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه قضى مع ذلك بمهر ولا أثبت منه نسب الولد حدثنا أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال لا يجتمع الحد والصداق الصداق درء الحد وبلغنا عن عمر وعلي رضى الله تعالى عنهما في غير حديث في المرأة يؤتى بها وقد فجرت فتقول جعت فأعطاني وتقول الاخرى عطشت فسقاني كل واحدة منها تقول هذا وإن كان هذا الذى وطئ الجارية له نصيب فيها فذلك أحرى أن يدرأ عنه الحد أرأيت الذى وطئ الجارية له فيها نصيب لو أعتق جميع السبى أكان يجوز عتقه فيهم ولا يكون للمسلمين عليهم سبيل فإن كان عتقه يجوز في جماعتهم فقد أخطأ السنة حيث جعل غنيمة المسلمين مولى لرجل واحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما علمت أن أبا يوسف احتج
بحرف من هذا إلا عليه زعم أن الرجل إذا وقع بالجارية من السبى لا يثبت للولد نسب ولا يؤخذ منه مهر لانه زنا ويدرأ عنه الحد ويحتج بأن ابن عمر قال في رجل وقع على جارية له فيها نصيب يدرأ عنه الحد وعليه العقر فإن زعم أن الواقع على الجارية له فيها شرك فإن ابن عمر قال في الرجل يقع على الجارية بينه وبين آخر عليه العقر ويدرأ عنه الحد ونحن وهو نلحق الولد به فلو قاس أبو حنيفة رحمه الله تعالى الواقع على الجارية من الجيش على الواقع على الجارية بينه وبين آخر لحق النسب وجعل عليه المهر ودرأ عنه الحد وإن جعله زانيا كما قال لزمه أن يحده إن كان ثيبا حد الزنا بالرجم وحده حد الكبر إن كان بكرا فجعله زانيا غير زان وقياسا على شئ وخالف بينهما وبين ما قاسها عليه والاوزاعي ذهب في أدنى الحدين إلى شئ.
روى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في مولاة لحاطب زنت فاستهلت بالزنا فرأى أنها تجهله وهى ثيب فضربها مائة وهى ثيب وما احتج به من أن الرجل من الجيش(7/365)
لو أعتق لم يجز عتقه حجة عليه وهو أيضا لا يقول في عتق الرجل من الجيش قولا مستقيما فزعم أن الجيش إذا أحرزوا الغنيمة فأعتق رجل من الجيش لم يجز عتقه وإن كان له فيهم شرك لانه استهلاك ويقول فإن قسموا بين أهل كل راية فأعتق رجل من أهل الراية جاز العتق لانه شريك فجعله مرة شريكا يجوز عتقه وأخرى شريكا لا يجوز عتقه.
في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها قال أبو حنيفة رحمه تعالى في المرأة إذا سبيت ثم سبى زوجها بعدها بيوم وهما في دار الحرب أنهما على النكاح وقال الاوزاعي ما كانا في المقاسم فهما على النكاح وإن اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما وأخذها لنفسه أو زوجها لغيره بعدما يستبرئها بحيضة على ذلك مضى المسلمون ونزل به القرآن وقال أبو يوسف إنما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم أصابوا سبايا وأزواجهم في دار الحرب وأحرزوهم دون أزواجهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن وغير الحبالى حتى يستبرأن بحيضة حيضة) وأما المرأة سبيت هي وزوجها وصارا مملوكين قبل أن تخرج الغنيمة إلى دار الاسلام فهما على النكاح وكيف يجمع المولى بينهما إن شاء في قول
الاوزاعي على ذلك النكاح فهو إذا كان صحيحا فلا يستطيع أن يزوجها أحدا غيره ولا يطأها هو وإن كان النكاح قد انتقض فليس يستطيع أن يجمع بينهما إلا بنكاح مستقبل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى أوطاس وبنى المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء وقسم السبى وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها ولا هل سبى زوج مع امرأته ولا غيره وقال وإذا استؤمين بعد الحرية فاستبرئت أرحامهن بحيضة ففى هذا دلالة على أن تصييرهن إماءا بعد الحرية قطعا للعصمة بينهن وبين أزواجهن وليس العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استيمائهن بعد حريتهن (قال الشافعي) وأبو يوسف قد خالف الخبر والمعقول أرأيت لو قال قائل بل انتظر بالتى سبيت أن يخلوا رحمها فإن جاء زوجها مسلما وأسلمت ولم يسب معها كانا على النكاح وإلا حلت ولا أنتظر بالتى سبى معها زوجها إلا الاستبراء ثم أصيبها لان زوجها قد أرق بعد الحرية فحال حكمه كما حال حكمها أما كان أولى أن يقبل قوله لو جاز أن يفرق بينهما من أبى يوسف قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإن سبى أحدهما فأخرج إلى دار الاسلام ثم أخرج الآخر بعده فلا نكاح بينهما وقال الاوزاعي إن أدركها زوجها في العدة وقد استردها زوجها هي في عدتها جمع بينهما فإنه كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين نسوة ثم أتبعهن ازواجهن قبل أن تمضى العدة فردهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم قال أبو يوسف قول الاوزاعي هذا ينقض قوله الاول زعم في القول الاول إن شاء ردها إلى زوجها وإن شاء زوجها غيره وإن شاء وطئها وهى في دار الحرب بعد.
وزعم أنهم إذا خرجوا إلى دار الاسلام فهى مردودة على زوجها وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك فكيف استحل أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع السباء وأخرج بهن إلى دار الاسلام فقد انقطعت العصمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في السبايا أن لا توطأ الحبالى حتى يضعن والحيال حتى يستبرأن بحيضة ولو كان عليهن عدة كان أزواجهن أحق بهن فيها إن جاءوا ولم يأمر بوطئهن في عدة والعدة أكثر من ذلك ولكن ليس عليهن(7/366)
عدة ولا حق لازواجهن فيهن إلا أن المسلمين يستبرئونهن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بين
واضح وليس فيه اختلاف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذه داخلة في جواب المسألة قبلها.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب فأصابه المسلمون فأدركه سيده في الغنيمة بعد القسمة أو قبلها أنه يأخذه بغير قيمة وإن كان المشركون أسروه فأصابه سيده قبل القسمة أخذه بغير شئ وإن أصابه بعد القسمة أخذه بالقيمة وقال الاوزاعي إن كان أبق منهم وهو مسلم استتيب فإن رجع إلى الاسلام رده إلى سيده وإن أبى قتل وإن أبق وهو كافر خرج من سيده ما كان يملكه وأمره إلى الامام إن شاء قتله وإن شاء صلبه ولو كان أخذ أسيرا لم يحل قتله ورد على صاحبه بالقيمة إن شاء وقال أبو يوسف لم يرجع هذا العبد عن الاسلام في شئ من الوجوه ولم تكن المسألة على ذلك وإنما كان وجه المسألة أن يحوز المشركون العبد إليهم كما يحوزون العبد الذى اشتروه وأما قوله في الصلب فلم تمض بهذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما نعلم ولم يبلغنا ذلك في مثل هذا وإنما الصلب في قطع الطريق إذا قتل وأخذ المال.
قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد وبعير أحرزهما العدو ثم ظفر بهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبهما (إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك) قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في عبد أحرزه العدو فظفر به المسلمون فرده على صاحبه.
قال وحدثنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى يذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولهم ويرد عليهم لقطاءهم) قال أبو يوسف فهذا عندنا على العبد الآبق وشبهه وقوله ويرد متسربهم على قاعدهم فهذا عندنا في الجيش إذا غنمت السرية رد الجيش على الفقراء القعد فيهم بهذا الحديث وقال أبو يوسف الذى ياسره العدو وقد أحرزوه وملكوه فإذا أصابه المسلمون فالقول فيه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا أبق إليهم فهذا مما لا يجوز ألا ترى أن عبيد المسلمين لو حاربوا المسلمين وهم على الاسلام لم يلحقوا بالعدو فقاتلوا وهم مقرون بالاسلام فظهر المسلمون عليهم فأخذوهم أنه يردون إلى مواليهم فأما الصلب فليس يدخل فيما ههنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فرق أبو حنيفة بين العبد إن أبق إلى العدو والعبد يحرزه العدو ولا فرق بينهما وهما لسيدهما إذا ظفر بهما وحالهم قبل يقسمان وحالهم
بعد القسمة سواء وإن كان للسيد أن يأخذهما قبل القسم أخذهما بعده وقد قال هذا بعض أهل العلم وإن لم يكن له أخذ أحدهما إلا بثمن لم يكن له أن يأخذ الآخر إلا بثمن قال أبو حنيفة إذا كان السبى رجالا ونساء وأخرجوا إلى دار الاسلام فإنى أكره أن يباعوا من أهل الحرب فيتقووا قال الاوزاعي كان المسلمون لا يرون ببيع السبايا بأسا وكانو يكرهون بيع الرجال إلا أن يفادى بهم أسارى المسلمين وقال أبو يوسف لا ينبغى أن يباع منهم رجل ولا صبى ولا امرأة لانهم قد خرجوا إلى دار الاسلام فأكره أن يردوا إلى دار الحرب ألا ترى انه لو مات من الصبيان صبى ليس معه أبواه ولا أحدهما صليت عليه لانه في أيدى المسلمين وفى دارهم وأما الرجال والنساء فقد صاروا فيئا للمسلمين فأكره أن يردوا إلى دار الحرب أرأيت تاجرا مسلما أراد أن يدخل دار الحرب برقيق للمسلمين كفار أو رقيق من رقيق أهل الذمة رجالا ونساء أكنت تدعه وذلك ؟ ألا ترى أن هذا مما يتكثرون وتعمر بلادهم ألا ترى أنى لا أترك تاجرا يدخل إليهم بشئ من السلاح والحديد وشئ من الكراع مما يتقوون به في القتال ألا ترى أن هؤلاء قد صاروا مع المسلمين ولهم في ملكهم ولا ينبغى أن يفتنوا ولا يصنع(7/367)
بهم ما يقرب إلى إلى الفتنة وأما مفاداة المسلم بهم فلا بأس بذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا سبى المسلمون رجالا ونساء وصبيانهم معهم فلا بأس أن يباعوا من أهل الحرب ولا بأس في الرجال البالغين بأن يمن عليهم أو يفادى بهم ويؤخذ منهم على أن يخلوا والذى قال أبو يوسف من هذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم بدر فقتل بعضهم وأخذ الفدية من بعضهم ومن على بعض ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة نن أثال فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك ثم أسلم بعد ومن على غير واحد من رجال المشركين ووهب الزبير (1) بن باطا لثابت ابن قيس بن شماس ليمن عليه فسأل الزبير أن يقتله وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى بنى قريظة فيهم النساء والولدان فبعث بثلث إلى نجد وثلث إلى تهامة وثلث قبل الشام فبيعوا في كل موضع من المشركين وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا برجلين.
أخبرنا سفيان بن عيينة وعبد الوهاب الثقفى عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين (قال
الشافعي) فأما الصبيان إذا صاروا إلينا ليس مع واحد منهم أحد والديه فلا نبيعهم منهم ولا يفادى بهم لان حكمهم حكم آبائهم ما كانوا معهم فإذا تحولوا إلينا ولا والد مع أحد منهم فإن حكمه حكم مالكه وأما قول أبى يوسف يقوى بهم أهل الحرب فقد يمن الله عليهم بالاسلام ويدعون إليه فيمن على غيرهم بهم وهذا مما يحل لنا أرأيت صلة أهل الحرب بالمال وإطعامهم الطعام أليس بأقوى لهم في كثير من الحالات من بيع عبد أو عبدين منهم وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسماء بنت أبى بكر فقالت إن أمي أتتنى وهى راغبة في عهد قريش أفأصلها ؟ قال نعم وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فكسا ذا قرابة له بمكة وقال الله عزوجل (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) مع ما وصفت من بيع النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين سبى بنى قريظة فأما الكراع والسلاح فلا أعلم أحدا رخص في بيعهما وهو لا يجيز أن نبيعهما.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا أصاب المسلمون أسرى فأخرجوهم إلى دار الاسلام رجالا ونساء وصبيانا وصاروا في الغنيمة فقال رجل من المسلمين أو اثنان قد كنا أمناهم قبل أن يؤخذوا أنه لا يصدقون على ذلك لانهم أخبروا عن فعل أنفسهم وقال الاوزاعي هم مصدقون على ذلك وأمانهم جائز على جميع المسلمين لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يعقد على المسلمين أدناهم) ولم يقل إن جاء على ذلك ببينة وإلا فلا أمان لهم قال أبو يوسف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معان ووجوه لا يبصرها إلا من أعانه الله تعالى عليها وهذا من ذلك إنما معنى الحديث عندنا يعقد على المسلمين أولهم ويسعى بذمتهم أدناهم القوم يغزون قوما فيلتقون فيؤمن رجل من المسلمين المشركين أو يصالحهم على أن يكونوا ذمة فهذا جائز على المسلمين كما أمنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص وأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما غنيمة أحرزها المسلمون فقال رجل منهم قد كنت أمنتهم قبل الغنيمة فإنه لا يصدق ولا يقبل قوله أرأيت إن كان إذا غزا فاسقا غير مأمون على قوله أرأيت إن كانت امرأة فقالت ذلك تصدق أرأيت إن قال ذلك عبد أوصى أرأيت إن قال ذلك رجل من أهل الذمة استعان به المسلمون في حربهم له فيهم أقرباء أيصدق أو كان مسلما له فيهم قرابات أيصدق فليس يصدق واحد من هؤلاء وهل جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
__________
(1) أي وهب النبي الزبير بن باطا لثابت ليمن عليه جزاء يد عنده فسأل الزبير ثابتا أن يقتله اه كتبه مصححه.(7/368)
يعقد لهم أدناهم في مثل هذا مفسرا هكذا قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفا لهذا عن الثقة ادعى رجل وهو في أسارى بدر أنه كان مسلما فلم يقبل ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى عليه الفداء وأخذ ما كان معه في الغنيمة ولم يحسب له من الفداء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بذلك أما ما ظهر من أمرك فكان علينا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى حالهم قبل أن يملكهم المسلمون مخالفة حالهم بعدما يملكونهم فإذا قال رجل مسلم أو امرأة قد أمنتهم قبل أن يصيروا في أيدى المسلمين فإنما هي شهادة تخرجهم من أيدى مالكيهم ولا تقبل شهادة الرجل على فعل نفسه ولكن إن قام شاهدان فشهدا أن رجلا أو امرأة من المسلمين أمنهم قبل أن يصيروا أسرى فهم آمنون أحرار وإذا أبطلنا شهادة الذى أمنهم فحقه منهم باطل لا يكون له أن يملكه وقد زعم أن لا ملك له عليه.
والله تعالى أعلم.
حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا حصر المسلمون عدوهم فقام العدو على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم قال يرمونهم بالنبل والمنجنيق يعمدون بذلك أهل الحرب ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين قال الاوزاعي يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله عزوجل يقول (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) حتى فرغ من الآية فكيف يرمى المسلمون من لا يرونه من المشركين قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تأول الاوزاعي هذه الآية في غير ولو كان يحرم رمى المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك أيضا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والاطفال والصبيان وقد حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف وأهل خيبر وقريظة والنضير وأجلب المسلمون عليهم فيما بلغنا أشد من قدروا عليه وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق فلو كان يجب على المسلمين الكف عن المشركين إذا كان في ميدانهم الاطفال لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لم يقاتلوا لان مدائنهم وحصونهم لا تخلو
من الاطفال والنساء والشيخ الكبير الفاني والصغير والاسير والتاجر وهذا من أمر الطائف وغيرها محفوظ مشهور من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، ثم لم يزل المسلمون والسلف الصالح من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في حصون الاعاجم قبلنا على ذلك لم يبلغنا عن أحد منهم أنه كف عن حصن برمى ولا غيره من القوة لمكان النساء والصبيان ولمكان من لا يحل قتله لمن ظهر منهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أما ما احتج به من قتل المشركين وفيه الاطفال والنساء والرهبان ومن نهى عن قتله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بنى المصطلق غارين في نعمهم وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم يعنى صلى الله عليه وسلم أن الدار مباحة لانها دار شرك وقتال المشركين مباح، وإنما يحرم الدم بالايمان كان المؤمن في دار حرب أو دار إسلام وقد جعل الله تعالى فيه إذا قتل الكفارة وتمنع الدار من الغارة إذا كانت دار إسلام أو دار أمان بعقد يعقد عقده المسلمون لا يكون لاحد أن يغير عليها وله أن يقصد قصد من حل دمه بغير غارة على الدار فلما كان الاطفال والنساء وإن نهى عن قتلهم لا ممنوعى الدماء بإسلامهم ولا إسلام آبائهم ولا ممنوعى الدماء بأن الدار ممنوعة استدللنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن قصد قتلهم بأعيانهم إذا(7/369)
عرف مكانهم فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل فإغارته وأمره بالغارة ومن أغار لم يمتنع من أن يصيب وقوله هم منهم يعنى أن لا كفارة فهم أي أنهم لم يحرزوا بالاسلام ولا الدار ولا يختلف المسلمون فيما علمته أن من أصابهم في الغارة فلا كفارة عليه فأما المسلم فحرام الدم حيث كان ومن أصابه إثم بإصابته إن عمده وعليه القود إن عرفه فعمد إلى إصابته والكفارة إن لم يعرفه فأصابه وسبب تحريم دم المسلم غير تحريم دم الكافر الصغير والمرأة لانهما منعا من القتل بما شاء الله والذى نراه والله تعالى أعلم منعا له أن يتحولا فيصيرا رقيقين أنفع من قتلهما لانه لا نكاية لهما فيقتلان للنكاية فإرقاقهما أمثل من قتلهما والذى تأول الاوزاعي يحتمل ما تأوله عليه ويحتمل أن يكون كفه عنهم بما سبق في علمه من أنه أسلم منهم طائفة طائعين والذى قال الاوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن وإذا كنا في سبعة من أن لا نقاتل أهل حصن غيره وإن لم يكن فيهم مسلمون كان تركهم إذا كان فيهم
المسلمون أوسع وأقرب من السلامة من المأثم في إصابة المسلمين فيهم ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل مسلم فإن اصبناه كفرنا وما لم تكن هذه الضرورة فترك قتالهم أقرب من السلامة وأحب إلى.
ما جاء في أمان العبد مع مولاه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان العبد يقاتل مع مولاه جاز أمانه وإلا فأمانه باطل وقال الاوزاعي أمانه جائز أجازه عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ولم ينظر كان يقاتل أم لا وقال أبو يوسف في العبد القول ما قال أبو حنيفة ليس لعبد أمان ولا شهادة في قليل ولا كثير ألا ترى أنه لا يملك نفسه ولا يملك أن يشترى شيئا ولا يملك أن يتزوج فكيف يكون له أمان يجوز على جميع المسلمين وفعله لا يجوز على نفسه أرأيت لو كان عبدا كافرا ومولاه مسلم هل يجوز أمانه أرأيت إن كان عبدا لاهل الحرب فخرج إلى دار الاسلام بأمان وأسلم ثم أمن أهل الحرب جميعا هل يجوز ذلك ؟ أرأيت إن كان عبدا مسلما ومولاه ذمى فأمن أهل الحرب هل يجوز أمانه ذلك ؟ حدثنا عاصم بن سليمان عن الفضل بن يزيد قال كنا محاصري حصن قوم فعمد عبد لبعضهم فرمى بسهم فيه أمان فأجاز ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فهذا عندنا مقاتل على ذلك يقع الحديث وفى النفس من إجازته أمانه إن كان يقاتل ما فيها لولا هذا الاثر ما كان له عندنا أمان قاتل أو لم يقاتل ألا ترى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم يسعى يذمتهم أدناهم) وهو عندنا في الدية إنما هو سواء ودية العبد ليست دية الحر وربما كانت ديته لا تبلغ مائة درهم فهذا الحديث عندنا إنما هو على الاحرار ولا تتكافأ دماؤهم مع دماء الاحرار ولو أن المسلمين سبوا سبيا فأمن صبى منهم بعد ما تكلم بالاسلام وهو في دار الحرب أهل الشرك جاز ذلك على المسلمين فهذا لا يجوز ولا يستقيم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الاوزاعي وهو معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاثر عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وقال أبو يوسف لا يثبت إبطال أمان العبد ولا إجازته أرأيت حجته بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسلمون يد واحدة على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى يذمتهم أدناهم) أليس العبد من المؤمنين ومن أدنى المؤمنين أو رأيت عمر بن الخطاب
رضى الله تعالى عنه حين أجاز امان العبد ولم يسأل يقاتل أو لا يقاتل أليس ذلك دليلا على أنه إنما(7/370)
أجازه على أنه من المؤمنين أو رأيت حجته بأن دمه لا يكافئ دمه فإن كان إنما عنى أن معنى الحديث أن مكافأة الدم بالدية فالعبد الذى يقاتل هو عنده قد يبلغ هو بديته دية حر إلا عشرة دراهم ويجعله أكثر من دية المرأة فإن كان الامان يجوز على الحرية والاسلام فالعبد يقاتل خارج من الحرية وإن كان يجيزه على الاسلام فالعبد لا يقاتل داخل في الاسلام وإن كان يجيزه على القتال فهو يجيز أمان المرأة وهى لا تقاتل وأمان الرجل المريض والجبان وهو لا يقاتل وما علمته بذلك يحتج إلا للاوزاعي على نفسه وصاحبه حتى سكت وإن كان يجيز الامان على الديات انبغى أن لا يجيز أمان المرأة لان ديتها نصف دية الرجل والعبد لا يقاتل يكون أكثر دية عنده وعندنا من الحرة أضعافا فإن قال هذا للمرأة دية فكذلك ثمن العبد للعبد دية فإن أراد مساواتهما بثمن الحر فالعبد يقاتل يسوى خمسين درهما عنده جائز الامان والعبد لا يقاتل ثمن عشرة آلاف إلا عشرة غير جائزة وهو أقرب من دية الحر عن المرأة.
وطئ السبايا بالملك قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الامام قد قال من أصاب شيئا فهو له فأصاب رجل جارية لا يطؤها ما كان في دار الحرب وقال الاوزاعي له أن يطأها وهذا حلال من الله عزوجل بأن المسلمين وطئوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابوا من السبايا في غزاة بنى المصطلق قبل أن يقفلوا ولا يصلح للامام أن ينفل سرية ما أصابت ولا ينفل سوى ذلك إلا بعد الخمس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث قال أبو يوسف ما أعظم قول الاوزاعي في قوله هذا حلال من الله أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عزوجل بينا بلا تفسير.
حدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم وكان من أفضل التابعين أنه قال إياكم أن يقول الرجل إن الله أحل هذا أو رضيه فيقول الله له لم أحل هذا ولم أرضه ويقول إن الله حرم هذا فيقول الله كذبت لم أحرم هذا ولم أنه عنه وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا افتوا بشئ أو نهوا عنه قالوا هذا
مكروه وهذا لا بأس به فأما نقول هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا.
قال أبو يوسف وأما ما ذكر الاوزاعي من الوطئ فهو مكروه بغير خصلة يكره أن يطأ في دار الحرب ويكره أن يطأ من السبى قبل أن يخرجوه إلى دار الاسلام.
أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه نهى أن يوطأ السبى من الفئ في دار الحرب.
أخبر ما بعض أصحابنا عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل سعد بن معاذ يوم بنى قريظة سيف بن أبى الحقيق قبل القسمة والخمس وقال أبو يوسف أرأيت رجلا أغار وحده فأرق جارية أيرخص له في وطئها قبل أن يخرجها إلى دار الاسلام ولم يحرزها ؟ فكذلك الباب الاول.
وأما النفل الذي ذكر أنه بعد الخمس فقد نقضه بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينفل في البداة الربع وفي الرجعة الثلث ولم يذكر أن هذا بعد الخمس وصدق وقد بلغنا هذا وليس فيه الخمس فأما النفل قبل الخمس فقد نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة بدر فيما بلغنا قبل أن تخمس (قال الشافعي) وإذا قسم الامام الفئ في دار الحرب ودفع إلى رجل في سهمه جارية فاستبرأها فلا بأس أن يطأها وبلاد الحرب لا تحرم الحلال من الفروج المنكوحة والمملوكة وقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة المريسيع بامرأة أو امرأتين من(7/371)
نسائه والغزو بالنساء أولا لو كان فيه مكروه بأن يخاف على المسلمات أن يؤتى بهن بلاد الحرب فيسبين أولى أن يمنع من رجل أصار جارية في ملكه في بلاد الحرب يغلبون عليها فيسترق ولد إن كان في بطنها وليس هذا كما قال أبو يوسف وهو كما قال الاوزاعي قد أصاب المسلمون نساءهم المسلمات ومن كان من سبائهم وما نساؤهم إلا كهم فإذا غزوا أهل قوة بجيش فلا بأس أن يغزوا بالنساء وإن كانت الغارة التي إنما يغير فيها القليل على الكثير فيغنمون من بلادهم إنما ينالون غرة وينحبون ركضا كرهت الغزو بالنساء في هذا الحال وأما ما ذكر أبو يوسف من النفل فإن الخمس في كل ما أوجف عليه المسلمون من صغيره وكبيره بحكم الله إلا السلب للقاتل في الاقبال الذي جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قتل.
وأما ما ذكر من أمر بدر فإنما كانت الانفال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله عزوجل (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول) فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ثم نزل عليه منصرفه
من بدر (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول) فجعل الله له ولمن سمى معه الخمس وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوجف الاربعة الاخماس بالحضور للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم.
بيع السبى في دار الحرب قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أكره أن يبيعها حتى يخرجها إلى دار الاسلام قال الاوزاعي لم يزل المسلمون يتبايعون السبايا في أرض الحرب ولم يختلف في ذلك اثنان حتى قتل الوليد قال أبو يوسف ليس يؤخذ في الحكم في الحلال والحرام بمثل هذا أن يقول لم يزل الناس على هذا فأكثر ما لم يزل الناس عليه مما لا يحل ولا ينبغي مما لو فسرته لك لعرفته وأبصرته عليه العامة مما قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يؤخذ في هذا بالسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف من أصحابه ومن قوم فقهاء وإذا كان وطؤها مكروها فكذلك ييعها لانه لم يحرزها بعد (قال الشافعي) قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال خيبر بخيبر وجميع مالها دار شرك وهم غطفان ودفعها إلى يهود، وهم له صلح معاملة بالنصف لانهم يمنعونها بعده صلى الله عليه وسلم وأنفسهم به وقسم سبى بنى المصطلق وما حوله دار كفر ووطئ المسلمون ولسنا نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل من غزاة حتى يقسم السبى فإذا قسم السبى فلا بأس بابتياعه وإصابته والابتياع أخف من القسم ولا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق ولا طعام ولا شئ غيره.
الرجل يغنم وحده قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا خرج الرجل والرجلان من المدينة أو من المصر فأغارا في أرض الحرب فما أصابا بها فهو لهما ولا يخمس قال الاوزاعي إذا خرجا بغير إذن الامام فإن شاء عاقبهما وحرمهما وإن شاء خمس ما أصابا ثم قسمه بينهما وقد كان هرب نفر من أهل المدينة كانوا أسارى في أرض الحرب بطائفة من أموالهم فنفلهم عمر بن عبد العزيز ما خرجوا به بعد الخمس وقال أبو يوسف قول الاوزاعي يناقض بعضه بعضا ذكر في أول هذا الكتاب أن من قتل قتيلا فله سلبه وأن السنة(7/372)
جاءت بذلك وهو مع الجند والجيش إنما قوى على قتله بهم وهذا الواحد الذي ليس معه جند ولا جيش إنما هو لص أغار يخمس ما أصاب فالاول أحرى أن يخمس وكيف يخمس فيئا مع هذا ولم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وقد قال الله عزوجل في كتابه (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) وقال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) فجعل الفئ في هذه الآية لهؤلاء دون المسلمين وكذلك هذا الذي ذهب وحده حتى أصاب فهو له ليس معه فيه شريك ولا خمس وقد خالف قوله عمر بن عبد العزيز هؤلاء أسرى أرأيت قوما من المسلمين خرجوا بغير أمر الامام فأغاروا في دار الحرب ثم انفلتوا من أيديهم وخرجوا بغنيمة فهل يسلم ذلك لهم ؟ أرأيت إن خرج قوم من المسلمين يحتطبون أو يتصيدون أو لعلف أو لحاجة فأسرهم أهل الحرب ثم انفلتوا من أيديهم بغنيمة هل تسلم لهم ؟ وإن ظفروا بتلك الغنيمة قيل أن يأسرهم أهل الحرب هل تسلم لهم ؟ فإن قال به فقد نقض قوله وإن قال لا فقد خالف عمر بن عبد العزيز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الانصار سرية وحدهما وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الواحد يتسرى وحده وأكثر منه من العدد ليصيب من العدو غرة بالحيلة أو يعطب فيعطب في سبيل الله وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أربعة أخماسه للموجفين فسواء قليل الموجفين وكثيرهم لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه والسلب لمن قتل منهم والخمس بعده حيث وضعه الله ولكنا نكره أن يخرج القليل إلى الكثير بغير إذن الامام وسبيل ما أوجفوا عليه بغير إذن الامام كسبيل ما أوجفوا عليه بإذن الامام ولو زعمنا أن من خرج بغير إذن الامام كان في معنى السارق زعمنا أن جيوشا لو خرجت بغير إذن الامام كانت سراقا وأن أهل حصن من المسلمين لو جاءهم العدو فحاربوهم بغير إذن الامام كانوا سراقا وليس هؤلاء بسراق بل هؤلاء المطيعون لله المجاهدون في سبيل الله المؤدون ما افترض عليهم من النفير والجهاد والمتناولون نافلة الخير والفضل فأما ما احتج به من قول الله عزوجل (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) وحكم الله في أن مالا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سمى معه فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة بنى النضير فقاتلوهم بين
بيوتهم لا يوجفون بخيل ولا ركاب ولم يكلفوا مؤنة ولم يفتتحوا عنوة وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معهم والاربعة الاخماس التي تكون لجماعة المسلمين لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا يضمها حيث يضع ماله ثم أجمع أئمة المسلمين على أن ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو لجماعة المسلمين لان أحدا لا يقوم بعده مقامه صلى الله عليه وسلم ولو كانت حجة أبى يوسف في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب كان ينبغي أن يقول يخمس ما أصابا وتكون الاربعة الاخماس لهما لانهما موجفان فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول هذا لجماعة المسلمين أو الذين زعم أنهم ذكروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الحشر فما قال بما تأول ولا بكتاب في الخمس فإن الله عزوجل أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف.(7/373)
في الرجلين يخرجان من العسكر فيصيبان جارية فيتبايعانها قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا خرج رجلان متطوعان من عسكر فأصابا جارية والعسكر في دار الحرب فاشترى أحدهما حصة الآخر منه أنه لا يجوز ولا يطؤها المشترى وقال الاوزاعي ليس لاحد أن يحرم ما أحل الله فإن وطأه إياها مما أحل الله له كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده وإن المسلمين غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفية إلى جانبه فقالوا يا رسول الله هل في بنت حيى من بيع ؟ فقال (إنها قد أصبحت كنتكم) فاستدار المسلمون حتى ولوا ظهورهم وقال أبو يوسف إن خيبر كانت دار إسلام فظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى عليها حكمه وعاملهم على الاموال فليس بشبيه خيبر ما يذكر الاوزاعي وما يعني به وقد نقض قوله في هذين الرجلين قوله الاول حيث زعم في الاول أنهم يعاقبون ويؤخذ ما معهم ثم زعم ههنا أنه جائز في الرجلين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد وصفنا أمر خيبر وغيرها في الوطئ في المسائل قبل هذا وليس هذا كما قالا وهو أن اللذين أصابا الجارية ليست لهما الخمس فيها لمن جعله الله له في سورة الانفال وسورة الحشر ولهما أربعة أخماسها فيقاسمهما الامام بالقيمة والبيع كما يفعل الشركاء ثم يكون وطؤها لمن اشتراها بعد استبرائها في
بلاد الحرب كان أو غيرها.
إقامة الحدود في دار الحرب قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره إلا أن يكون إمام مصر والشام والعراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره وقال الاوزاعي من أمر على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الامصار أقام الحدود في عسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع وقال أبو يوسف ولم يقيم الحدود غير القطع وما للقطع من بين الحدود إذا خرج من الدرب فقد انقطعت ولايته عنهم لانه ليس بأمير مصر ولا مدينة إنما كان أمير الجند في غزوهم فلما خرجوا إلى دار الاسلام انقطعت العصمة عنهم.
أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو والحدود في هذا كله سواء.
حدثنا بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى عمير بن سعد الانصاري وإلى عماله أن لا يقيموا أحدا على أحد من السملمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة وكيف يقيم أمير سرية حدا وليس هو بقاض ولا أمير يجوز حكمه أو رأيت القواد الذين على الخيول أو أمراء الاجناد يقيمون الحدود في دار الاسلام فكذلك هم إذا دخلوا دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يقيم أمير الجيش الحدود حيث كان من الارض إذا ولى ذلك فإن لم يول فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أن يأتوا بالمشهود عليه إلى الامام إلى ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد الاسلام ولا فرق بين دار الحرب ودار الاسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لان الله عزوجل يقول (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما * والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني الثيب الرجم وحد الله القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الاسلام ولا في بلاد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا(7/374)
ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الاسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الاسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله عليه ما شاء
منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئا أو أن يقول قائل إن الحدود بالامصار والى عمال الامصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الاسلام فالحد ساقط عنه وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله ومن أصاب حدا في المصر ولا والى للمصر يوم يصيب الحد كان للوالى الذي يلي بعدما أصاب أن يقيم الحد فكذلك عامل الجيش إن ولى الحد اقامه وإن لم يول الحد فأول من يليه يقيمه عليه وكذلك هو في الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي اتصلت ببلاد الحرب مثل طرسوس والحرب وما أشبههما وما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه منكر غير ثابت وهو يعيب أن يحتج بحديث غير ثابت ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ يقول مكحول عن زيد بن ثابت.
ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإذا أصاب المسلمون غنائم من متاع أو غنم فعجزوا عن حمله ذبحوا الغنم وحرقوا المتاع وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك وقال الاوزاعي نهى أبو بكر أن تعقر بهيمة إلا لمأكلة وأخذ بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح الشاة والبقرة ليأكل طائفة منها ويدع سائرها.
وبلغنا أنه من قتل نحلا ذهب ربع أجره ومن عقر جوادا ذهب ربع أجره وقال أبو يوسف قول الله في كتابه أحق أن يتبع قال الله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) واللينة فيما بلغنا النخلة وكل ما قطع من شجرهم وحرق من نخلهم ومتاعهم فهو من العون عليهم والقوة وقال الله عزوجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وإنما كره المسلمون أن يحرقوا النخل والشجر لان الصائفة كانت تغزو كل عام فيتقوون بذلك على عدوهم ولو حرقوا ذلك خافوا أن لا تحملهم البلاد والذي في تخريب ذلك من خزى العدو ونكايتهم أنفع للمسلمين وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال حدثنا بعض مشايخنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين حاصر الطائف أمر بكرم لبنى الاسود ابن مسعود أن يقطع حتى طلب بنو الاسود إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها لنفسه ولا يقلعها فكف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أما كل ما لا روح فيه
للعدو فلا بأس أن يحرقه المسلمون ويخربوه بكل وجه لانه لا يكون معذبا إنما المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الارواح قد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بنى النضير وحرقها وقطع من أعناب الطائف وهي آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم لقى فيها حربا وأما ذوات الارواح فإن زعم أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة أن تكون مأكولة (قال الشافعي) وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها) قيل وما حقها ؟ قال (إن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمى به) (قال الشافعي) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة عن أكلها(7/375)
فقد أحل إماتة ذوات الارواح لمعنيين أحدهما أن يقتل ما كان فيه ضرر لضرره وما كان فيه المنفعة للاكل منه وحرم أن تعذب التي لا تضر لغير منفعة الاكل فإذا ذبحنا غنم المشركين في غير الموضع الذي نصل فيه إلى أكل لحومها فيه فهو قتل لغير منفعة وهم يتقوون بلحومها وجلودها فلم نشك في أن يتقوى بها المشركون حين ذبحناها وإنما أراد أن يذبحها قطعا لقوتهم فإن قال ففي ذبحها قطع للمنفعة لهم فيها في الحياة قيل قد تنقطع المنفعة عنهم بأبنائهم لو ذبحناهم وشيوخهم والرهبان لو ذبحناهم فليس كل ما قطع المنفعة وبلغ غيظهم حل لنا فما حل لنا منه فعلناه وما حرم علينا تركناه وما شككنا فيه أنه يحل أو يحرم تركناه وإذا كان يحل لنا لو أطعمناهم من طعامنا فليس يحرم علينا لو تركنا أشياء لهم إذا لم نقدر على حملها كما ليس بمحرم علينا أن نترك مساكنهم أو نخيلهم لا نحرقها فإذا كان مباحا أن نترك هذا لهم وكنا ممنوعين أن نقتل ذا الروح المأكول إلا للمنفعة بالاكل كان لاولى بنا أن نتركه إذا كان ذبحه لغير منفعة.
قطع أشجار العدو قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق ذلك لان الله عز وجل يقول (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) وقال الاوزاعي أبو بكر يتأول هذه الآية وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين وقال أبو يوسف أخبرنا الثقة من أصحابنا عن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا وهم محاصرو بنى قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين وقطع المسلمون نخلا من نخلهم فانزل الله عزوجل (يخربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين) وانزل الله عزوجل (ما قطعتم من لينة أو تركتموها) قال وأخبرنا محمد بن إسحق عن عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال لما بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى طليحة وبنى تميم قال أي واد أو دار غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذانا حتى تسألهم ما يريدون وما ينقمون وأي دار غشيتها فلم تسمع منها أذانا فشن عليهم الغارة واقتل وحرق ولا نرى أن أبا بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم فنهى عنه لذلك فيما نرى لا أن تخريب ذلك وتحريقه لا يحل ولكن من مثل هذا توجيه.
حدثنا بعض أشياخنا عن عبادة بن نسى عن عبد الرحمن ين غنم أنه قيل لمعاذ بن جبل إن الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستلقحونها ويقاتلون عليها أفنعقر ما حسر من خيلنا ؟ قال ليسوا بأهل أن ينقصوا منكم إنما هم غدا رقكم وأهل ذمتكم.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إنما الكراهية عندنا لانهم كانوا لا يشكون في الظفر عليهم وأن الامر في أيديهم لما رأوا من الفتح فأما إذا اشتدت شوكتهم وامتنعوا فإنا نأمر بحسير الخيل أن يذبح ثم يحرق لحمه بالنار حتى لا ينتفعون به ولا يتقوون منه بشئ وأكره أن نعذبه أو نعقره لان ذلك مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يقطع النخل ويحرق وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها ولعل أمر أبى بكر بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا إنما هو لانه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين فلما كان مباحا له أن يقطع ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بنى النضير فلما أسرع في النخل قيل له قد وعدكها الله فلو استبقيتها لنفسك فكف القطع استبقاء لا أن القطع محرم فإن قال قائل: قد ترك في بنى النضير قيل ثم قطع بالطائف وهي بعد هذا كله وآخر غزاة لقي فيها قتالا.(7/376)
باب ما جاء في صلاة الحرس قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا كان الحرس يحرسون دار الاسلام أن يدخلها العدو فكان في
الحرس من يكتفي به فالصلاة أحب إلى قال الاوزاعي بلغنا أن حارس الحرس يصبح وقد أوجب (1) في ما لم يمض في هذا المصلى مثل هذا الفضل قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا احتاج المسلمون إلى حرس فالحرس أفضل من الصلاة فإذا كان في الحرس من يكفيه ويستغني به فالصلاة لانه قد يحرس أيضا وهو في الصلاة حتى لا يغفل عن كثير مما يجب عليه من ذلك فيجمع أجرهما أفضل.
أخبرنا محمد بن إسحق والكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل واديا فقال (من يحرسنا في هذا الوادي الليلة ؟) فقال رجلان نحن فأتيا رأس الوادي وهما مهاجري وأنصاري فقال أحدهما لصاحبه أي الليل أحب إليك ؟ فاختار أحدهما أوله والآخر آخره فنام أحدهما وقام الحارس يصلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن كان المصلى وجاه الناحية التي لا يأتي العدو إلا منها وكانت الصلاة لا تشغل طرفه ولا سمعه عن رؤية الشخص وسماع الحس فالصلاة أولى لانه مصل حارس وزائد أن يمتنع بالصلاة من النعاس وإن كانت الصلاة تشغل سمعه وبصره حتى يخاف تضييعه فالحراسة أحب إلى أن يكون الحرس جماعة فيصلى بعضهم دون بعض فالصلاة أعجب إلى إذا بقي من الحرس من يكفي وإذا كان العدو في غير جهة القبلة فكذلك إذا كانوا جماعة أن يصلى بعضهم أحب إلى لان ثم من يكفيه وإن كان وحده والعدو في غير جهة القبلة فالحراسة أحب إلى من الصلاة تمنعه من الحراسة.
خراج الارض وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى: أيكره أن يؤدي الرجل الجزية على خراج الارض ؟ فقال لا إنما الصغار خراج الاعناق وقال الاوزاعي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من يدل طائعا فليس منا) وقال عبد الله بن عمر وهو المرتد على عقبيه وأجمعت العامة من أهل العلم على الكراهية لها وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى القول ما قال أبو حنيفة لانه كان لعبد الله بن مسعود ولخباب بن الارث وللحسين بن علي ولشريح أرض خراج.
حدثنا مجالد عن عامر الشعبي عن عتبة بن فرقد السلمى أنه قال لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه إنى اشتريت أرضا من أرض السواد فقال عمر أكل أصحابها أرضيت ؟ قال لا قال فأنت فيها مثل صاحبها حدثنا ابن أبى ليلى عن الحكم بن عتبة أن دهاقين السواد من عظمائهم أسلموا في زمان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وعلي بن أبى طالب
ففرض عمر على الذين أسلموا في زمانه الفين ألفين وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه أخرج هؤلاء من أرضهم وكيف الحكم في أرض هؤلاء ؟ أيكون الحكم لهم أم لغيرهم ؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أما الصغار الذي لا شك فيه فجزية الرقبة التي يحقن بها الدم وهذه لا تكون على مسلم وأما خراج الارض فلا يبين أنه صغار من قبل أن لا يحقن به الدم الدم محقون بالاسلام وهو يشبه أن يكون ككراء الارض بالذهب والورق وقد اتخذ أرض الخراج قوم من أهل الورع والدين وكرهه قوم احتياطا.
__________
(1) كذا في النسخة بهذا التحريف وغرض الاوزاعي تفضيل الحراسة مطلقا على الصلاة، وحرر.(7/377)
شراء أرض الجزية وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الرجل المسلم يشتري أرضا من أرض الحزية فقال هو جائز وقال الاوزاعي رحمه الله تعالى لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن ذلك ويكتبون فيه ويكرهه علماؤهم وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد أحببتك في هذا.
المستأمن في دار الاسلام وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن قوم من أهل الحرب خرجوا مستأمنين للتجارة فزنى بعضهم في دار الاسلام أو سرق هل يحد ؟ قال لا حد عليه ويضمن السرقة لانه لم يصالح ولم تكن له ذمة قال الاوزاعي رحمه الله تعالى تقام عليه الحدود وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة ليس تقام عليه الحدود لانهم ليسوا بأهل ذمة لان الحكم لا يجري عليهم أرأيت إن كان رسولا لملكهم فزنى أترحمه ؟ أرأيت إن زنى رجل بامرأة منهم مستأمنة أترجمها ؟ أرأيت إن لم أرجمهما حتى عادا إلى دار الحرب ثم خرجا بأمان ثانية أمضى عليهما ذلك الحد أرأيت إن سبيا أيمضي عليهما حد الحر أم حد العبد وهما رقيق لرجل من المسلمين ؟ أرأيت إن لم يخرجا ثانية فأسلم أهل تلك الدار وأسلماهما أو صارا ذمة أيؤخذان ؟ وإن أخذوا بذلك في دار الحرب ثم خرجوا إلينا أنقيم عليهم الحد (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى إذا خرج أهل دار الحرب إلى بلاد الاسلام بأمان فأصابوا حدودا فالحدود عليهم وجهان فما كان منها لله لا حق فيه للآدميين فيكون لهم عفوه وإكذاب شهود شهدوا لهم به فهو معطل لانه لا حق فيه لمسلم إنما هو لله ولكن يقال لهم لم تؤمنوا.
على هذا فإن كففتم وإلا رددنا عليكم الامان وألحقناكم بمأمنكم فإن فعلوا ألحقوهم بمأمنهم ونقضوا الامان بينهم وبينهم وكان ينبغي للامام إذا أمنهم أن لا يؤمنهم حتى يعلمهم أنهم إن أصابوا حدا أقامه عليهم وما كان من حد للادميين أقيم عليهم ألا ترى أنهم لو قتلوا قتلناهم ؟ فإذا كنا مجتمعين على أن نقيد منهم حد القتل لانه للآدميين كان علينا أن نأخذ منهم كل ما كان دونه من حقوق الآدميين مثل القصاص في الشجة وأرشها ومثل الحد في القذف والقول في السرقة قولان أحدهما أن يقطعوا ويغرموا من قبل أن الله عزوجل منع مال المسلم بالقطع وأن المسلمين غرموا من استهلك مالا غير السرقة وهذا مال مستهلك فغرمناه قياسا عليه والقول الثاني أن يغرم المال ولا يقطع لان المال للآدميين والقطع لله فإن قال قائل فما فرق بين حدود الله وحقوق الآدميين ؟ قيل أرأيت الله عزوجل ذكر المحارب وذكر حده ثم قال (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) ولم يختلف أكثر المسلمين في أن رجلا لو أصاب لرجل دما أو مالا ثم تاب أقيم عليه ذلك فقد فرقنا بين حدود الله عزوجل وحقوق الآدميين بهذا وبغيره.
بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لو أن مسلما دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين(7/378)
لم يكن بذلك بأس لان أحكام المسلمين لا تجري عليهم فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز قال الاوزاعي الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الاسلام من ذلك وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله تعالى عليه دماءهم وأموالهم ؟ وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستحل ذلك وقال أبو يوسف القول ما قال الاوزاعي لا يحل هذا ولا يجوز وقد بلغتنا الآثار التي ذكر الاوزاعي في الربا وإنما أحل أبو حنيفة هذا لان بعضن المشيخة
حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ربا بين أهل الحرب وقال أبو يوسف وأهل الاسلام في (3) في قولهم أنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الاسلام أبطله ولكنه كان يقول إذا تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الاسلام فهو مستقيم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: القول كما قال الاوزاعي وأبو يوسف والحجة كما احتج الاوزاعي وما احتج به أبو يوسف لابي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه.
في أم ولد الحربى تسلم وتخرج إلى دار الاسلام قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في أم ولد أسلمت في دار الحرب ثم خرجت إلى دار الاسلام وليس بها حمل أنها تزوج إن شاءت ولا عدة عليها وقال الاوزاعي أي امرأة هاجرت إلى الله بدينها فحالها كحال المهاجرات لا تزوج حتى تنقضي عدتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى مثلها تستبرأ بحيضة لا ثلاث حيض.
المرأة تسلم في أرض الحرب قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه في امرأة أسلمت من أهل الحرب وخرجت إلى دار الاسلام وليست بحبلى أنه لا عدة عليها ولو أن زوجها طلقها لم يقع عليها طلاقه قال الاوزاعي بلغنا أن المهاجرات قدمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجهن بمكة مشركون فمن أسلم منهم فأدرك امرأته في عدتها ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى على ام الولد العدة وعلى المرأة الحرة العدة كل واحدة منهن ثلاث حيض لا يتزوجن حتى تنقضي عددهن ولا سبيل لازواجهن ولا للموالي عليهن آخر الابد أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد زينب إلى زوجها بنكاح جديد وإنما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ولا عدة عليهن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبايا (يوطأن إذا استبرئن بحيضة) فقال السباء والاسلام سواء قال أبو يوسف رحمه الله تعالى.
حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن عبدين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف فأعتقهما.
وحدثنا بعض أشياخنا أن أهل الطائف خاصموا في عبيد خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأعتقهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك عتقاء الله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا خرجت امرأة الرجل من دار الحرب مسلمة وزوجها كافر مقيم بدار الحرب لم تزوج حتى تنقضي(7/379)
عدتها كعدة الطلاق فإن قدم زوجها مهاجرا مسلما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح الاول وكذلك لو خرج زوجها قبلها ثم خرجت قبل أن تنقضي عدتها مسلمة كانا على النكاح الاول ولو أسلم أحد الزوجين وهما في دار الحرب فكذلك لا فرق بين دار الحرب ودار الاسلام في هذا ألا ترى أنهما لو كانا في دار الحرب وقد أسلم أحدهما لم يحل واحد منهما لصاحبه حتى يسلم الآخر إلا أن تكون المرأة كتابية والزوج المسلم فيكونا على النكاح لانه يصلح للمسلم أن يبتدئ بالنكاح كتابية فإن قال قائل ما دل على أن الدار في هذا وغير الدار سواء ؟ قيل أسلم أبو سفيان بن حرب بمر وهي دار خزاعة وهي دار إسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة مقيمة بمكة وهي دار كفر ثم أسلمت هند في العدة فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح وأسلم أهل مكة وصارت مكة دار إسلام وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبى جهل وهما مقيمان في دار الاسلام وهرب زوجاهما إلى ناحية البحرين باليمن يجوز وهي دار كفر ثم رجعا فأسلما وأزوجهما في العدة فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح الاول ولا أن يكون يروى حديثا يخالف بعضه وإذا خرجت أم ولد الحربى مسلمة لم تنكح حتى ينقضي استبراؤها وهي حيضة لا ثلاث حيض وأم الولد مخالفة للزوجة أم الولد مملوكة فإذا خرجت إلى دار الاسلام من دار الكفر فقد عتقت أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر عبدا من عبيد الطائف خرجوا مسلمين وسأل ساداتهم بعدما أسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أولئك عتقاء الله) ولم يردهم ولم يعوضهم منهم.
غير أن من أصحابنا من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من خرج إلينا من عبد فهو حر) فقال إذا قال ذلك الامام أعتقهم وإذا لم يقل أجعلهم على الرق ومنهم من قال يعتقون قاله الامام أو لم يقله وبهذا القول نقول إذا خرجت أم الولد فهي حرة (1) ولو سبقت سيدها الحرة لانها تخرج من رق حال المسبية استؤميت واسترقاقها بعد الحرية أكثر من انفساخ ما بينها وبين زوجها وتستبرأ بحيضة ولا سبيل لزوجها الاول عليها.
وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سبى هوازن ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها أولا ترى أن الامة تخرج مملوكة فتصير حرة فكيف يجوز أن يجمع بين اثنين مختلفين هذه تسترق بعد الحرية وتلك تعتق بعد الرق.
الحربية تسلم فتزوج وهي حامل قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كانت المرأة المسلمة التي جاءت من دار الحرب حاملا فتزوجت فنكاحها فاسد وقال الاوزاعي ذلك في السبايا فأما المسلمات فقد مضت السنة أن أزواجهن أحق بهن إذا أسلموا في العدة وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن تزوجهن فاسد وإنما قاس أبو حنيفة هذا على السبايا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن) قال فكذلك المسلمات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا سبيت المرأة حاملا لم توطأ بالملك حتى تضع وإن خرجت مسلمة فنكحت قبل أن تضع فالنكاح مفسوخ وإذا خرج زوجها قبل أن تضع فهو أحق بها ما كانت العدة وهذه معتدة وهذه مثل المسألة الاولى.
__________
(1) قوله ولو سبقت سيدها الحرة، إلى قوله (من انفساخ ما بينها الخ) فيه سقط واضح وتحريف فليتأمل.(7/380)
في الحربى يسلم وعنده خمس نسوة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في رجل من أهل دار الحرب تزوج خمس نسوة في عقدة ثم أسلم هو وهن جميعا وخرجوا إلى دار الاسلام: إنه يفرق بينه وبينهن وقال الاوزاعي بلغنا أنه قال أيتهن شاء وقال أبو يوسف رحمه الله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال وقد بلغنا من هذا ما قال الاوزاعي وهو عندنا شاذ والشاذ من الحديث لا يؤخذ به لان الله تبارك وتعالى لم يحل إلا نكاح الاربع فما كان من فوق ذلك كله فحرام من الله في كتابه فالخامسة ونكاح الام والاخت سواء في ذلك كله حرام فلو أن حربيا تزوج أما وابنتها أكنت أدعمهما على النكاح أو تزوج أختين في عقدة النكاح ثم أسلموا أكنت أدعهما على النكاح وقد دخل بالام والبنت أو بالاختين فكذلك الخمس في عقدة ولو كن في عقد متفرقات جاز نكاح الاربع وفارق الآخرة أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم أنه قال في ذلك نثبت الاربع الاول ونفرق بينه وبين الخامسة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
أخبرنا الثقة أحسبه ابن علية فإن لا يكن ابن علية فالثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق سائرهن) أخبرنا الثقة عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن عبد المجيد بن عوف عن نوفل بن معاوية الديلي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أختر منهن أربعا وفارق واحدة) فعمدت إلى عجوز أقدمهن عاقر عندي منذ خمسين أو ستين سنة فطلقتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لي قائل كلمنا على حديث الزهري وأعفنا من حديث نوفل بن معاوية الديلي قلت ما ذاك فافعل قال فقد يحتمل أن يكون قال له أمسك الاوائل وفارق الاواخر قلت وتجده في الحديث أو تجد عليه دلالة منه ؟ قال لا ولكن يحتمله قلت ويحتمل أن يكون قال له أمسك أربعا إن كن شبابا وفارق العجائز أو أمسك العجائز وفارق الشباب قال قل كل كلام إلا وهو يحتمل ولكن الحديث على ظاهره قلنا فظاهر الحديث بخلاف ما قلتم ولو لم يكن فيه حديث كنت قد أخطأت أصل قولك قال وأين ؟ قلت في النكاح شيئان عقدة وتمام فإن زعمت أنك تنظر في العقدة وتنظر في التمام فتقول أنظر كل نكاح مضى في الشرك فإن كان في الاسلام أجزته فأجيزه وإن كان له كان في الاسلام لم أجزه فأرده تركت أصل قولك قال فأنا أقوله ولا أدع أصل قولى قلت أفرأيت غيلان أليس بوثني ونساؤه وثنيات وشهوده وثنيون ؟ قال أجل قلت فلو كان في الاسلام فتزوج بشهود وثنيين أو ولى وثنى أيجوز نكاحه ؟ قال لا قلت فأحسن حاله في النكاح حال لو ابتدأ فيها النكاح في الاسلام رددته مع أنا نروى أنهم قد قد ينكحون بغير شهود وفي العدة وما جاز في أهل الشرك إلا واحد من قولين أما ما قلت إن خالف السنة فنفسخه كله ونكلفه بأن يبتدئ النكاح في الاسلام وإما أن لا تنظر إلى العقدة وتجعله معفوا لهم كما عفى لهم ما هو أعظم منه من الشرك والدماء والتباعات وتنظر إلى ما أدركه الاسلام من الازواج فإن كن عددا أكثر من أربع امرته بفراق الاكثر لانه لا يحل الجمع بين أكثر من أربع وإن كن اختين أمرته بفراق إحداهما لانه لا يحل الجمع بينهما وإن كن ذوات محارم فرقت بينه وبينهن فتكون قد عفوت العقدة ونظرت إلى ما أدركه الاسلام منهن فإن كان يصلح أن يبتدئ نكاحه في الاسلام أقررته معه وإن كان لا يصلح رددته كما حكم الله ورسوله فيما أدرك من المحرم قال الله عزوجل (اتقوا الله
وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين) الآية إلى قوله (وهم لا يظلمون) ووضع رسول الله صلى الله عليه(7/381)
وسلم بحكم الله كل ربا أدركه الاسلام ولم يقبض ولم يأمر أحدا قبض ربا في الجاهلية أن يرده وهكذا حكم في الازواج عفا العقدة ونظر فيما أدركه مملوكا بالعقدة فما حل فيه من العدد أقره وما حرم من العدد نهى عنه.
في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيشتري دارا أو غيرها سئل أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه عن رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى دارا أو أرضا أو رقيقا ثيابا فظهر عليه المسلمون قال أما الدور والارضون فهي فئ للمسلمين وأما الرقيق والمتاع فهو للرجل الذي اشتراه وقال الاوزاعي فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال (من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن) ونهى عن القتل إلا نفرا قد سماهم إلا أن يقاتل أحدا فيقتل وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد (ما ترون أنى صانع بكم ؟) قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم جعل شيئا قليلا ولا كثيرا من متاعهم فيئا وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا كغيره فهذا من ذلك وتفهم فيما أتاك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لذلك وجوها ومعاني فأما الرجل الذي دخل دار الحرب فالقول فيه كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى المتاع والثياب والرقيق للذي اشترى والدور والارضون فئ لان الدور والارضين لا تحول ولا يحوزها المسلم والمتاع والثياب تحرز وتحول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الاوزاعي ولكنه لم يصنع في الحجة بمكة ولا أبو يوسف شيئا لم يدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وإنما دخلها سلما وقد سبق لهم أمان والذين قاتلوا وأذن في قتلهم هم أبعاض قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دور ولا مال إنما هم قوم هربوا إليها فأي شئ يغنم ممن لا مال له ؟ وأما غيرهم ممن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال فلم يعقد لهم أمان وادعى خالد أنهم بدءوه ثم أسلموا قبل أن يظهروا لهم حمى شئ ومن لم يسلم صار إلى قبول الامان بإلقاء السلاح ودخول داره وقد
تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أغلق داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن) فمال من يغنم مال من له أمان ولا غنيمة على مال هذا وما يقتدي فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما صنع أرأيت حين قلنا نحن وهو في رجال أهل الحرب المأمور به إن الامام مخير بين أن يقتلهم أو يفادي بهم أو يمن عليهم أو يسترقهم أليس إنما قلنا ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار فيهم بهذه السيرة كلها أفرأيت إن عارضنا أحد بمثل ما عارض به أبو يوسف فقال ليس لامام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا شئ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ما ليس للناس أو قال في كل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من إعطاء السلب وقسم الاربعة الاخماس ليس هذا للامام هل الحجة عليه إلا أن يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم بين الحق والباطل فما فعل فهو الحق وعلينا أن نفعله فكذلك هي على أبى يوسف ولو دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فترك لهم أموالهم قلنا فيما ظهر عليه عنوة لنا أن نترك له ماله كما لنا في الاساري أن نحكم فيهم أحكاما مختلفة كما حكم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل قد خص الله رسوله بأشياء قيل كلها مبينة في كتاب والله عزوجل أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيهما معا ولو جاز إذا كان مخصوصا بشئ فيبينه الله ثم(7/382)
رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقال في شئ لم يبينه الله عزوجل ثم رسوله صلى الله عليه وسلم إنه خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس لعل هذا من الخاص برسول الله صلى الله عليه وسلم جاز ذلك في كل حكمه فخرجت أحكامه من أيدينا ولكن لم يجعل الله هذا لاحد حتى يبين الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أنه خاص وقد أسلم بنا سعية القرظيان من بنى قريظة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حائم عليهم قد حصرهم فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما دورهما وأموالهما من النخل والارض وغيرها والذي قال أبو حنيفة من هذا خلاف السنة والقياس وكيف يجوز أن يغنم مال المسلم وقد منعه الله بدينه ؟ وكيف ولو جاز أن يغنم ماله بكينونته في بلاد الحرب جاز أن يغنم كل ما عليه من ثيابه وفي يديه من ماله ورقيقه أرأيت لو قال رجل لا تغنم دوره ولا أرضوه من قبل أنه لا يقدر على تحويلهما بحال فتركه إيها ليس برضا بأن يقرها بين المشركين إلا بالضرورة ويغنم كل مال استطاع أن يحوله من ذهب أو
ورق أو عرض من العروض لان تركه ذلك في بلاد العدو الذين هو بين أظهرهم رضا منه بأن يكون مباحا ما الحجة عليه ؟ هل هي إلا أن الله عزوجل منع بالاسلام دماءهم وأموالهم إلا بحقها فحيث كانوا فحرمة الاسلام لهم ثابتة في تحريم دمائهم وأموالهم ولو جاز هذا عندنا جاز أن يسترق المسلم بين ظهراني المشركين فيكون حكمه حكم من حوله ولكن الله عزوجل فرق بالاسلام بين أهله وغيرهم.
اكتساب المرتد المال في ردته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليه عن المرتد عن الاسلام إذا اكتسب مالا في ردته ثم قتل على الردة فقال ما اكتسب في بيت المال لان دمه حلال فحل ماله وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى مال المرتد الذي كان في دار الاسلام والذي اكتسب في الردة ميراث بين ورثته المسلمين وبلغنا عن علي بن أبى طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا ميراث المرتد لورثته المسلمين وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إنما هذا فيما كان له قبل الردة وقال أبو يوسف هما سواء ما اكتسب المرتد في الردة وقبل ذلك لا يكون فيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى كل ما اكتسب المرتد في ردته أو كان له قبل الرده سواء وهو فئ لان الله تبارك وتعالى منع الدماء بالاسلام ومنع الاموال بالذي منع به الدماء فإذا خرج الرجل من الاسلام إلى أن يباح دمه بالكفر كما كان يكون مباحا قبل أن يسلم يباح معه ماله وكان أهون من دمه لانه كان ممنوعا تبعا لدمه فلما هتكت حرمة الدم كانت حرمة المال أهتك وأيسر من الدم وليس قتلنا إياه على الردة كقتلنا إياه على الزنا ولا القتل ولا المحاربة تلك حدود لسنا نخرجه بها من أحكام الاسلام وهو فيها وارث موروث كما كان قبل أن يحدثها وليس هكذا المرتد: المرتد يعود دمه مباحا بالقول بالشرك وقال أبو حنيفة يكون ميراث المرتد لورثته من المسلمين فقيل لبعض من يذهب مذهبه ما الحجة لكم في هذا ؟ فقالوا روينا عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه قتل رجلا وورث ميراثه ورثته من المسلمين قلنا أما الحفاظ منكم فلا يروون إلا قتله ولا يروون في ميراثه شيئا ولو كان ثابتا عن علي رضى الله تعالى عنه لم يكن فيه حجة عندنا وعندكم لانا وإياكم نروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أفيعدو(7/383)
المرتد أن يكون كافرا أو مسلما ؟ قال بل كافر قلنا فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرث مسلم كافرا ولا يرث كافر مسلما قال فإن قلت لا يذهب مثل هذا عن علي بن أبى طالب وأقول بهذا الحديث وأقول إنما عنى به بعض الكافرين دون بعض قلنا فيعارضك غيرك بما هو أقوى عليك في الحجة من هذا فيقول إن عليا قد أخبر بحديث الاشجعيين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بروع بنت واشق فاتهمه ورده وقال بخلافه وقال معه ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت فزعمت أن لا حجة في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما قلت لو ثبت وزعمت أن عمارا حدث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب أن يتيمم فرده عليه عمر وأقام على أن لا يتيمم الجنب هو وابن مسعود وتأول ابن مسعود فيه القرآن فزعمت أن قول من قال كان أولى من قول من رده وهو كما قلت فكيف لم تقل بمثل هذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر) وأنت لا تروى عن علي أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولا أخبر به عنه، وقد روى عن معاذ بن جبل أنه ورث مسلما من ذمى فقال نرثهم ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال قائل بهذا وقال لا يذهب على معاذ شئ حفظه أسامة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بهذا مشركي أهل الاوثان دون أهل الكتاب ألا يكون هذا أولى أن يكون له شبهة منك ؟ أو رأيت إذ زعمت أن حكم المرتد مخالف في الميراث حكم المشرك غيره لم لم تورثه هو من ورثته من المسلمين كما تورثهم منه فتكون قد قلت قولا واحد أخرجته فيه من جملة المشركين بما ثبت له من حرمة الاسلام ؟ فما قلت فيه بما رويت عن علي رضى الله تعالى عنه لانه لم يقل لا يرث المسلم وإذا ورث عقلنا أنه يورثه ولا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالقياس لان المسلمين الذي أدركنا نحن وأنت لا يختلفون في أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر غير ما ادعيت في المرتد وكذلك قالوا في المملوكين وإما ورثوا في هذين الوجهين من يورثون منه ولم يتحكموا فيورثون من رجل ولا يورثونه.
ذبيحة المرتد
قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا تؤكل ذبيحة المرتد وإن كان يهوديا أو نصرانيا لانه ليس بمنزلته لا يترك المرتد حتى يقتل أو يسلم وقال الاوزاعي معنى قول الفقهاء أن من تولى قوما فهو منهم وكان المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أكلوا ما وجدوا في بيوتهم من اللحم وغيره ودماؤهم حلال وقال أبو يوسف طعام أهل الكتاب وأهل الذمة سواء لا بأس بذبائحهم وطعامهم كله فأما المرتد فليس يشبه أهل الكتاب في هذا وإن والاهم ألا ترى أنى أقبل من أهل الكتاب جميعا ومن أهل الشرك الجزية ولا أقبل من المرتد الجزية والسنة في المرتد مخالفة للسنة في المشركين والحكم فيه مخالف للحكم فيهم ألا ترى أن امرأة لو ارتدت عن الاسلام إلى النصرانية فتزوجها مسلم لم يجز ذلك وكذلك لو تزوجها نصراني لم يجز ذلك أيضا ولو تزوج مسلم نصراينة جاز ذلك.
أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس عن علي رضى الله تعالى عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم فكره نكاح نسائهم وقال لا بأس بأكل ذبحائهم وقال أبو يوسف فالمرتد أشد من ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تؤكل ذبيحة المرتد.(7/384)
العبد يسرق من الغنيمة سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن العبد يسرق من الغنيمة وسيده في ذلك الجيش أيقطع ؟ قال: لا وقال الاوزاعي يقطع لان العبد ليس له من الغنيمة شئ ولان سيده لو أعتق شيئا من ذلك السبى وله فيهم نصيب كان عتقه باطلا وقد بلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه قطع رقيقا سرقوا من دار الامارة وقال أبو يوسف لا يقطع في ذلك حدثنا بعض أشياخنا عن ميمون بن مهران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبدا من الجيش سرق من الخمس فلم يقطعه وقال مال الله بعضه في بعض.
حدثنا بعض أشياخنا عن سماك بن حرب عن النابغة عن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه أن رجلا سرق مغفرا من المغنم فلم يقطعه وقال أبو يوسف وعلى هذا عامة فقهائنا لا يختلفون فيه.
أما قوله لا حق له في المغنم، فقد حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضخ للعبيد في المغنم ولم يضرب لهم بسهم.
حدثنا بعض أشياخنا عن عمير مولى آبى اللحم عن العبد
الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر يسأله قال فقال لى تقلد هذا السيف فتقلدته فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرثي المتاع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال أبو حنيفة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للاحرار بالسهمان ورضخ للعبيد فإذا سرق أحد حضر المغنم شيئا لم أر عليه قطعا لان الشركة بالقليل والكثير سواء.
الرجل يسرق من الغنيمة لابيه فيها سهم سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الرجل يسرق من الغنيمة وقد كان أبوه في ذلك الجند أو أخوه أو ذو رحم محرم أو امرأة سرقت من ذلك وزوجها في الجند فقال لا يقطع واحد من هؤلاء وقال الاوزاعي يقطعون ولا يبطل الحد عنهم وقال أبو يوسف لا يقطعون وهؤلاء والعبيد في ذلك سواء أرأيت رجلا يسرق من أبيه أو أخيه أو امرأته والمرأة من زوجها هل يقطع واحد من هؤلاء ؟ ليس يقطع واحد من هؤلاء وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لابيك) فكيف يقطع هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن كان السارق من هؤلاء شهد المغنم لم يقطع لانه شريك ولا يقطع الرجل ولا أبوه فيما سرق من مال ابنه أو أبيه لانه شريك فيه فأما المرأة يحضر زوجها الغنيمة أو الاخ وغيره فكل هؤلاء سراق لان كل واحد من هؤلاء لو سرق من صاحبه شيئا لم يأتمنه عليه قطعته.
الصبى يسبى ثم يموت سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالاسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لانه لم يقر بالاسلام وقال الاوزاعي مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه كان مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان وهو ينقض قول الاوزاعي أنه لا بأس أن يباع السبى ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا(7/385)
فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة رحمه اله تعالى إذا كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالاسلام وإذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سبى رسول الله
صلى الله عليه وسلم نساء بنى قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بيت عجوز وولدها من النبي صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبايا أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والابل والمال وفيهم الصغير والكبير وقد يحتمل هذا أن يكون من أجل أن أمهات الاطفال معهم ويحتمل أن يكون في الاطفال من لا أم له فإذا سيوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين وكذلك لو سبوا مع آبائهم ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الاسلام لم يكن لنا أن نصلى عليهم وهم على دين الامهات والآباء إذا كان السباء معا ولنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين لانا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم من آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بالغة من أصحابه ففدى بها رجلين.
المدبرة وأم الولد تسبيان هل يطؤهما سيدهما إذا دخل بأمان ؟ سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن المدبرة أسرها العدو وأم الولد فدخل سيدهما بأمان فقال إنه لا بأس أن يطأهما إن لقيهما لانهما له ولانهم لم يحوز وهما وقال الاوزاعي لا يحل له أن يطأ فرجا يطؤه المولى سرا والزوج الكافر علانية ولو لقيها وليس لها زوج ما كان له أن يطأها حتى يخلوا بينها وبينه ويخرج بها ولو كان له ولد منها كانوا أملك به منه وقال أبو يوسف قول الاوزاعي هذا ينقض بعضه بعضا قال الاوزاعي في غير هذا المسألة لا بأس أن يطأ السبى في دار الحرب وكره أن يطأ أم الولد التي لا شأن له في ملكها كيف هذا ؟ قال أبو يوسف كان أبو حنيفة يكره أن يطأ الرجل امرأته أو مدبرته أو أمته في دار الحرب لانها ليست بدار مقام وكره له المقام فيها وكره له أن يكون له فيها نسل على قياس ما قال في مناكحتهم ولكنه كان يقول أم الولد والمدبرة ليس يملكهما العدو وكان يقول إن وطئهما في دار الحرب فقد وطئ ما يملك ولم يكن يقول إن كان لها زوج هنالك يطؤها أن لمولاها أن يطأها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: زعم أبو يوسف أن قول الاوزاعي ينقض بعضه بعضا روى عنه أنه قال لا بأس في بوطئ السبى ببلاد العدو وهو كما قال الاوزاعي وقد وطئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
الاستبراء في بلاد العدو وعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بالصهباء وهي غير بلاد المسلمين يومئذ والسبي قد جرى عليهم الرق وانقطعت العصم بينهم وبين من يملكهم بنكاح أو شراء وكره الاوزاعي أن يطأ الرجل أم ولده وهي زوجة لغيره وأبو حنيفة كان أولى أن يكره هذا في أصل قوله من الاوزاعي من قبل معنيين أحدهما ما يزعم أن شاهدين لو شهدا على رجل بزور أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق القاضي بينهما كان لاحدهما أن ينكحها حلالا وهو يعلم أنها زوجة لغيره والثاني أنه يكره أن يطأ الرجل ما ملكت يمينه في بلاد العدو فهو أولى أن ينسب في تناقض القول في هذا من الاوزاعي وليس هو كما قال الاوزاعي للرجل أن يطأ أم ولده وأمته في بلاد العدو وليس يملك العدو من المسلمين شيئا ألا ترى أن المسلمين لو ظفروا بشئ أحرزه العدو وحضر صاحبه قبل القسم كان أحق به من المسلمين الذين(7/386)
أوجفوا عليه ولو كان العدو ملكوه ملكا تاما ما كان إلا لمن أوجف عليه كما يكون سائر ملكهم غير أنا نحب للرجل إذا شركه في بضع جاريه غيره أن يتوقى وطأها للولد.
الرجل يشتري أمته بعدما يحرزها العدو قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا اشترى الرجل أمته فليس له أن يطأها وقال الاوزاعي يطؤها وقال أبو يوسف: قال أبو حنيفة لا يطؤها وكان ينهى عن هذا أشد النهى ويقول قد أحرزها أهل الشرك ولو أعتقوها جاز عتقهم فكيف يطؤها مولاها وليست هذه كالمدبرة وأم الولد لان أهل الشرك يملكون الامة ولا يملكون أم الولد ولا المدبرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل أمته من المشركين بعدما يحرزونها فأحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها كما لا يطؤها لو نكحت نكاحا فاسدا وأصيبت حتى يستبرئها بحيضة وقد صارت إلى من كان يستحلها وكذلك أم الولد والمدبرة وليس يملك العدو على أحد من المسلمين شيئا ملكا صحيحا لما وصفت من أنه يوجف على ما أحرزوا المسلمون فيملكونه ملكا يصح عن المشركين فيأتي صاحبه قبل أن يقسم فيكون أحق به من الموجفين عليه وكيف يملك العدو على المسلمين وقد منع الله أموال المسلمين بدينه وخولهم عدوهم من المشركين فجعلهم يملكون رقابهم وأموالهم متى قدروا عليها ؟ أفيجوز أن يكون من يملكونه متى قدروا عليه أن يملك
عليهم ؟ هذا محال أن يملك على من أملكه متى قدرت عليه ولو أعتقوا جميع ما أحرزوا من رقيق المسلمين لم يجز لهم عتق وإذا كان الغاصب من المسلمين لا يجوز له العتق فيما غصب فالمشرك أولى أن لا يجوز له ذلك فإن قال قائل قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أسلم على شئ فهو له فهذا مما لا يثبت ولو ثبت كان من أسلم على شئ يجوز له ملكه فهو له فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قيل أرأيت لو استرقوا أحرارا من المسلمين فأسلموا عليهم أيكونون لهم فإن قال لا قيل فيدل هذا على خلافك الحديث وأن معناه كما قلنا فإن قال ما هذا الذي يجوز لهم ملكه ؟ قيل مثل ما كان يجوز للمسلمين ملكه.
فإن قال فأين ذلك ؟ قيل مثل سبى المسلمين لهم وأخذهم لاموالهم فذلك لهم جائز حلال فإن سبى بعضهم بعضا وأخذ بعضم مال بعض ثم أسلم السابى الآخذ فهو له لانه أخذ رقبة ومالا غير ممنوع وأما مال المسلمين فما منعه الله تعالى بالاسلام حتى لو أن مسلما أخذ منه شيئا كان عليه رده ولم يكن له ملكه فالمشرك أولى أن لا يملك على المسلم على المسلم.
الحربى يسلم في دار الحرب وله بها مال قال أبو حنيفة في الرجل من أهل الحرب يسلم في دار الحرب وله بها مال ثم يظهر المسلمون على تلك الدار إنه يترك له ما كان في يديه من ماله ورقيقه ومتاعه وولده الصغار وما كان من أرض أو دار فهو فئ وامرأته إذا كانت كافرة فإذا كانت حبلى فما في بطنها فئ وقال الاوزاعي كانت مكة دار حرب ظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وفيها رجال مسلمون فلم يقبض لهم رسول الله صلى(7/387)
الله عليه وسلم دار ولا أرضا ولا امرأة وأمن الناس وعفا عنهم قال أبو يوسف قد نقض الاوزاعي حجته هذه ألا ترى أنه قد عفا عن الناس كلهم وأمنهم الكافر منهم والمؤمن ولم يكن في مكة غنمة ولا فئ فهذه لا تشبه الدار التي تكون فيئا يقتسمها المسلمون بما فيها (قال الشافعي) الذي قال الاوزاعي كما قال إلا أنه لم يصنع شيئا في احتجاجه بمكة وقد بيناها في مسألة قبل هذه فتركنا تكريرها ولكن الحجة في هذا أن ابني سعية القرظيين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر بنى قريظة فأسلما فأحرز لهما إسلامهما دماءهما وجميع أموالهما من النخل والدور وغيرها وذلك معروف في بنى قريظة وكيف يجوز
أن يحرز لهم الاسلام الدماء ولم يؤسروا ولم يحرز لهم الاموال ؟ وكيف يجوز أن يحرز لهم بعض الاموال دون بعض ؟ أرأيت لو لم يكن في هذا خبر أما كان القياس إذا صار الرجل مسلما قبل أن يقدر عليه أن يقال إن حكمه حكم المسلم فيما يحرز له الاسلام من دمه وماله أو يقال يكون غير محرز له من ماله إلا ما لم يكن يستطيع تحويله أما ما يستطيع تحويله من ثيابه وماله وماشيته فلا، لان تركه إياه في بلاد الحرب المباحة رضا منه بأن يكون مباحا إذ أمكنه تحويله فلم يحوله ألا يكون قوله أشد من قول من قال يحرز له جميع ماله إلا ما لا يستطيع تحويله ؟ هذا القول خارج من القياس والعقل والسنة.
الحربى المستأمن يسلم في دار الاسلام قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه في الرجل من أهل الحرب يخرج مستأمنا إلى دار الاسلام فيسلم فيها ثم يظهر المسلمون على الدار التي فيها أهله وعياله هم فئ أجمعون وقال الاوزاعي يترك له أهل وعياله كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه من المسلمين أهله وعياله حين ظهر على مكة قال أبو يوسف ليس في هذا حجة على أبى حنيفة وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل الشرك ممن أهله بمكة أموالهم وعيالهم وعفا عنهم جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذه مثل المسألة الاولى بل خروج المسلم الذي كان مشركا إلى دار الاسلام أولى أن يحرز له دمه وماله وعياله الذين لم يبلغوا من ولده ومن المسلم في بلاد الشرك فكيف يترك للاول بعض ماله ولا يترك لهذا الذي هو خير حالا منه بعض ماله ؟ بل جميع ماله كله له وكل مولود له لم يبلغ متروك له وكل بالغ من ولده وزوجته يسبى لان حكمهم حكم أنفسهم لا حكمه ومن أحرز له الاسلام دمه قبل أن يقدر عليه أحرز له الاسلام ماله وماله أصغر قدرا من دمه والحجة في هذا مثل الحجة في الاولى وقد أصاب الاوزاعي فيها وحجته بمكة وأهلها ليست بشئ ليست مكة من هذا بسبيل لا في هذه ولا في المسألة الاولى.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لو كان هذا الرجل أسلم في دار الحرب كان له ولده الصغار لانهم مسلمون على دينه وما سوى ذلك من أهله وماله فهو فئ.
وقال الاوزاعي حال هذا كحال المهاجرين من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يرد إليه أهله وماله كما رده لاولئك قال أبو يوسف قد فرغنا من القول في هذا والقول فيه كما قال أبو حنيفة رحمه الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: القول فيه ما قال الاوزاعي والحجة فيه مثل الحجة في الاولين.(7/388)
المستأمن يسلم ويخرج إلى دار الاسلام وقد استودع ماله قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لو كان أخذ من ماله شيئا فاستودعه رجلا من أهل الحرب كان فيئا أيضا وقال الاوزاعي لا واحتج في ذلك بصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقال أحق من اقتدى به وتمسك بسنته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال شريح إن السنة سبقت قياسكم هذا فاتبعوا ولا تبتدعوا فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالاثر وقال أبو يوسف ليس يشبه الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشبه الحكم في الاعاجم وأهل الكتاب الحكم في العرب ألا ترى أن مشركي العرب من غير أهل الكتاب لا ينبغي أن تؤخذ منهم جزية ولا يقبل منهم إلا الاسلام أو القتل وأن الجزية تقبل من مشركي الاعاجم وأن إماما لو ظهر على مدينة من مدائن الروم أو غيرها من أهل الشرك حتى تصير فيئا أو غنيمة في يده لم يكن له أن يفتك منها شيئا ولا يصرفها عن الذي افتتحوها يخمسها ويقسمها بينهم وأن السنة هكذا كان الاسلام على (1) وليس هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرمها فلم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي) وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى هوازن وسبى يوم بنى المصطلق ويوم خيبر في غزوات من غزواته ظهر على أهلها وسبى ولم يصنع في شئ من ذلك ما صنع في مكة لو كان الامر على ما صنع في مكة ما جاز لاحد من الناس أن يسبى أحدا أبدا ولا كانت غنيمة ولا فئ ولكن الامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة على غير ما عليه المقاسم والمغانم فتفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغنم من مكة غنيمة من كافر ولا مسلم ولا سبى منها لا من عيال مسلم ولا من عيال كافر وعفا عنهم جميعا وقد جاءته هوازن فكانت سنته ما أخبرت به وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك بحقه من السبى كل رأس بستة فرائض فكان القول في هذا غير القول في أهل مكة
الله صلى الله عليه وسلم لم يغنم من مكة غنيمة من كافر ولا مسلم ولا سبى منها لا من عيال مسلم ولا من عيال كافر وعفا عنهم جميعا وقد جاءته هوازن فكانت سنته ما أخبرت به وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك بحقه من السبى كل رأس بستة فرائض فكان القول في هذا غير القول في أهل مكة وما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق كما صنع ليس لاحد بعده في مثل هذا ماله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قد كثر التردد في مكة والامر فيها على خلاف ما قالا معا وقد بينا هذا ولم تختلف سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا يستن إلا بما علم من بعده أن يستن إلا ما بين الله له إنه جعله له خالصا دون المؤمنين وبينه هو عليه السلام ولم يختلف فيه من بعده وأما قوله الحكم في العرب غير الحكم في العجم فقد ادعى أن مكة دار حرب وهي دار محرم فزعم ان النبي صلى الله عليه وسلم حكم فيها خلاف حكمه في العرب وهوازن وبنى المصطلق ولم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ من ذلك ولا غيره بشئ اختلف ولكنه سبى من ظفر به عنوة وغنمه من عربي وعجمي ولم يسب عربيا ولا عجميا تقدم إسلامه الظفر به ولا قبل أمانه وترك قتاله وأهل مكة أسلموا ومنهم من قال الامان ولا شئ لهم بها فيؤخذ إنما هم قوم من غير أهلها لجأوا إليها وأما قوله لا تؤخذ الجزية من العرب فنحن كنا على أحرص لولا أن الحق في غير ما قال فلم يكن لنا أن نقول إلا الحق وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر الغساني ويروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية فأما عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ومن بعده الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بنى تغلب وتنوخ
__________
(1) بياض بالاصل ولعله (على عهد السلف) أو نحو ذلك، تأمل.
كتبه مصححه.(7/389)
وهراة وخليط من خليط العرب وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية فضعف عليهم الصدقة وذلك جزية وإنما الجزية على الاديان لا على الانسان ولولا أن نأثم بتمني الباطل وددنا أن الذي قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجري صغار على عربي ولكن الله عزوجل أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به، والله أعلم.
تم الجزء السابع من كتاب الام للامام محمد ادريس ويليه الجزء الثامن(7/390)
كتاب الأم- الامام الشافعي ج 8
كتاب الأم الامام الشافعي ج 8(8/)
الام تأليف الامام ابى عبد الله محمد بن ادريس الشافعي (204 150) مع..الجزء الثامن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(8/1)
الطبعة الاولى 1400 ه 1980 م الطبعة الثانية 1403 ه 1983 م(8/2)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب القرعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: قال الله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) إلى قوله (يختصمون) وقال الله عزوجل (وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأصل القرعة في كتاب الله عزوجل في قصة المقترعين على مريم والمقارعي يونس مجتمعة فلا تكون الرعة والله أعلم إلا بين قوم مستوين في الحجة ولا يعدو والله تعالى أعلم المقترعون على مريم أن يكونوا كانوا سواء في كفالتها فتنافسوها فلما كان أن تكون عند واحد منهم أرفق بها لانها لو صيرت عند كل واحد منهمن يوما أو أكثر وعند غيره مثل ذلك كان أشبه أن يكون أضربها من قبل أن الكافل إذا كان واحدا كان أعطف له
عليها وأعلم بما فيه مصلحتها للعلم بأخلاقها وما تقبل وما ترد وما يحسن به اغتذاؤها فكل من اعتنف كفالتها كفلها غير خابر بمنا يصلحها ولعله لا يقع على صلاحها حتى تصير إلى غيره فيعتنف من كفالتها ما اعتنق غيره وله وجه آخر يصح وذلك أن ولاية واحد إذا كانت صبية غير ممتنعة مما يمتنع منه من عقل يسترما ينبغي ستره كان أكرم لها وأستر عليها أن يكفلها واحد دون الجماعة (قال) ويجوز أن تكون عند كافل ويغرم من بقى مؤنتها بالحصص كما تكون الصبية عند خالتها وعند أمها ومؤنتها على من عليه مؤنتها (قال) ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم أن يكونوا تشاحوا على كفالتها وهو أشبه والله تعالى أعلم أو يكونوا تدافعوا كفالتها فاقترعوا أيهم تلزمه فإذا رضى من شح على كفالتها أن يمونها لم يكلف غيره أن يعطيه من مؤنتها شيئا برضاه بالتطوع بإخراج ذلك من ماله (قال) وأي المعنيين كان فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفع عن نفسه وتخلص له ما يرغب فيه لنفسه وتقطع ذلك عن غيره ممن هو في مثل حاله (قال) وهكذا معنى قرعة يونس صلى الله عليه وسلم لما وقفت بهم السفينة فقالوا ما يمنعها من أن تجري إلا علة بها وما علتها إلا ذو ذنب فيها فتعالوا نقترع فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس عليه السلام فأخرجوه منها وأقاموا فيها وهذا مثل معنى القرعة في الذين اقترعوا على كفالة مريم لان حال الركبان كانت مستوية وإن لم يكن في هذا حكم يلزم أحدهم في ماله شيئا لم يلزمه قبل القرعة ويزيل عن آخر شيئا كان يلزمه فهو يثبت على بعض حقا ويبين في بعض أنه برئ منه كما كان في الذين اقترعوا على كفالة مريم غرم وسقوط غرم (قال الشافعي) وقرعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل موضوع أقرع فيه في مثل معنى الذين اقترعوا على كفالة مريم سواء لا يخالفه وذلك أنه أقرع بين مماليك أعتقوا معا فجعل العتق تاما لثلثهم وأسقط عن ثلثيهم بالقرعة وذلك أن المعتق في مرضه أعتق ماله ومال غيره فجاز عتقه في ماله ولم يجز في مال غيره فجمع النبي صلى الله عليه وسلم العتق في ثلثه ولم يبعضه كما يجمع القسم بين أهل المواريث ولا يبعض عليهم وكذلك كان إقراعه لنسائه أن يقسم لكل واحدة منهن في الحضر فلما(8/3)
كان السفر كان منزلة يضيق فيها الخروج بكلهن فأقرع بينهن فأيتهن خروج سهمها خرج بها معه وسقط حق غيرها في غيبته بها فإذا حضر عاد للقسم لغيرها ولم يحسب عليها أيام سفرها وكذلك قسم خيبر
فكان أربعة أخماسها لمن حضر ثم أقرع فأيهم خرج سهمه على جزء مجتمع كان له بكماله وانقطع منه حق غيره وانقطع حقه عن غيره (أخبرنا) ابن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن ابن المسيب أن امرأة أعتقت ستة مملوكين لها عند الموت ليس لها مال غيرهم فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة، أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن رجل عن أبى المهلب عن عمران ابن حصين أن رجلا من الانصار إما قال أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين ليس له شئ غيرهم وإما قال أعتق عند موته ستة مملوكين ليس له مال غيرم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة (أخبرنا) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد) فذكر الحديث (أخبرنا) ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن أبى الزناد أن عمر ابن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه قضى في رجل أوصى بعتق رقيقه وفيهم الكبير والصغير فاستشار عمر رجالا منهم خارجة بن زيد بن ثابت فأقرع بينهم قال أبو الزناد وحدثني رجل عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بينهم (أخبرنا) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قمية العدل فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) (قال الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة ويعتق) وربما قال (قيمة لاوكس فيها ولا شطط) (أخبرنا) ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن أبى الزناد أن رجلا أعتق ثلث رقيقه فأقرع بينهم أبان بن عثمان (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن أن رجلا في زمان أبان ابن عثمان أعتق رقيقا له جميعا لم يكن له مال غيرهم فأمر أبان بن عثمان بذلك الرقيق فقسموا أثلاثا ثم أسخهم بنيهم على أيهم خرج سهم الميت فيعتق فخرج السهم على أحد الا ثلاث فعتق قال مالك: ذلك أحسن ما سمعت (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ وحديث القرعة عن عمران بن حصين وابن المسيبب موافق قول بن عمر في العتق لا يختلفان في شئ حكى فيهما ولا في واحد منهما وذلك أن المعتق أعتق رقيقه عند الموت
ولا مال له غيرهم إن كان أعتقهم عتق بتات في حياته فهكذا فيما أرى الحديث فقد دلت السنة على معاني منها أن عتقن البتات عند الموت إذا لم يصح المريض قبل يموت فهو وصية كعتقه بعد الموت فلما أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق الثلث وأرق الثلثين استدللنا على أن المعتق أعتق ماله ومال غيره فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ماله ورد مال غيره كما لو كان الرقيق لرجل فباع ثلثهم أو وهبه فقسمناهم ثم أقرعنا فأعطينا المشترى إذا رضى الثلث بحصصهم أو الموهوب له الثلث والشريك الثلثين بالقرعة إذا خرج سهم المشتري أو الموهوب كان له ما خرج عليه سهمه وما بقى لشريكه فكان العتق إذا كان فيما يتحرى خروجا من ملك كما كانت الهبة والبيع خروجا من ملك فكان سبيلهم إذا اشترك فيهم القسم (قال) ولو صح المعتق من مرضه عتقوا كلهم حين صار مالكا لهم غير ممنوع منهم وذلك مرض لا يدري أيموت منه أويعش وكذلك لو مات وهم يخرجون من ثلثه عتقوا كلهم فلما مات وأعتق ثلثهم وأرق الثلثين كان مثل معنى حديث ابن عمر لا يخالفه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(8/4)
من أعتق شقصا له في عبد وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قمة عدل فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) فإذا كان المعتق الشقص له في العبد إذا كان موسرا فدفع العوض من ماله إلى شريكه عتق عليه وإذا لم يدفع العوض عتق منه ما عتق وكان المالك الشريك معه على ملكه وكل واحد من الحديثين موافق لصاحبه إذا أعسر المعتق لم يخرج من يد شريكه ماله بلا عوض يأخذه وإذا أيسر المعتق تم العتق وكان لشريكه العوض فأعطى مثل ما خرج منه وتم العتق وكل واحد من الحديثين يبطل الاستسعاء بكل حال ويتفقان في ثلاثة معان أبطال الاستسعاء وثبوت الرق بعدن العتق في حال عسرة المعتق ونفاذ العتق إن كان المعتق موسرا ثم ينفرد حديث عمران بن حصين وابن المسيب يمعنيين أحدهما أن عتق البتات عند الموت إذا لم يصح صاحبه وصية وأن الوصية تجوز لغير القرابة ولك أن المماليك ليسوا بذوي قرابة للمعتق والمعتق عربي والمماليك عجم وهذا يدل على خلاف ما قال بعض أهل العلم أن قوله الله تبارك وتعالى (الوصية للوالدين والاقربين) منسوخة بالمواريث والآخر أن الوصايا إذا جووز بها الثلث ردت إلى الثلث وهذا الحجة في أن لا يجاوز بالوصايا
الثلث وذلك أنه لو شاء رجل أن يقول إنما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد ولم يعلمه أنه لا يجوز له أن يوصى بأكثر من الثلث وفي هذا حجة لنا على من زعم أن من لم يدع وارثا يعرف أوصى بماله كله فحديث عمران بن حصين يدل على خمسة معان وحديث نافع يدل على ثلاثة كلها في حديث عمران.
باب القرعة في المماليك وغيرهم (قال الشافعي) رضى الله عنه كانت قرعة العرب قداحا يعملونها منحوتة مستوية ثم يضعون على كل قدح منها علامة رجل ثم يحركونها ثم يقبضون بها على جزء معلوم فأيهم خرج سهمه عليه كان له (قال) وأحب القرعة إلى وأبعدها من أن يقدر المقرع فيها على الحيف فيما أرى أن يقطع رقاعا صغارا مستوية فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماء هم ثم تجعل في بنادق طين مستوية لا تفاوت بينهما فإن لم يقدر على ذلك إلا بوزن وزنت ثم تستجف قليلا ثم تلقى في ثوب رجل لم يحضر الكتاب ولا إدخالها في البنادق ويغطي عليها ثوبه ثم يقال أدخل يدك فأخرج بندقة فإذا أخرجها فضبت وقرأ اسم ضاحبها ثم دفع إليه الجزء الذي أقرع عليه ثم يقال أقرع على السهم الذي يليه ثم هكذا ما بقي من السهمان شئ حتى ينفذ وهكذا في الرقيق وغيره سواء فإذا مات ميت وترك رقيقا قد أعتقهم كلهم أو اقتصر بعتقه على الثلث أو أعتق ثلثيهم ولا مال له غيرهم وقيمتهم سواء جزئوا ثلاثة أجزاء فكتب سهم العتق في واحد وسهما الرق في اثنين ثم أمر الذي يخرج السهام فقيل أخرج على هذا الجزء ويعرف الذي يخرج عليه فإن خرج سهم العتق عتق الجزء الذي أمر أن يخرج عليه وبقي الجزءان الآخران فإن أراد الورثة أن يقرع بينهم فكان اثنين كتبنا اسميهما ثم قلنا أخرج على أهؤلاء فأيهم خرج سهمه فهو له والباقي للثاني فإن كان ورثته اثنين كتبنا اسميهما فأيهما خرج سهمه على الرقيق أخذ جزءه الذي خرج عليه وإن كانوا أكثر وكانت حقوقهم مختلفة أخذنا الثلثين اللذين بقيا رقيقين واسنأنفنا قسمهم ثم أقرعنا بينهم قرعة جديدة مستأنفة وإن خرج سهم الرق أولا على جزء رقوا ثم قيل أخرج فإن خرج سهم العق على الجزء الثاني عتقوا ورق الثالث وإن خرج سهم الرق على الجزء الثاني عتق الجزء(8/5)
الثالث وإن اختلفت قيمهم جهد قاسمهم على تعديلهم فضم القليل الثمن إلى الكثير الثمن حتى يعتدلوا فإن لم يعتدلوا لتفاوت قيهم فكانوا ستة مماليك قيمة واحد منهم مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة جعل الواحد جزءا والاثنين جزءا والثلاثة جزءا ثم أقرع بينهم فإن خرج سهم الواحد منهم في العتق عتق وكذلك إن خرج سهم الاثنين أو الثلاثة وإنما التعديل بينهم بالقيم استوت قيمهم أو اختلفت وإن كان الواحد قيمته مائتين والاثنان قيمتهما خمسين والثلاثة قيمتهم خمسين أقرع بينهم فإن.
خرج سهم الواحد عتق منه الثلث من جميع المال وذلك نصف العبد وبقى نصفه والجزءان رقيقا فإن خرج العتق على الاثنين عتقا ثم أعيدت القرعة فأقرع بين الواحد والثلاثة يبدأ تجزئتهم أثلاثا فأيهم خرج سهمه بالعتق عتق منه ما بقي من الثلث ورق ما بقى منه ومن غيره وإن بقي من الثلث شئ يسير فخرج سهم العتق على الواحد عتق منه ما بقي من حصة العتق وإن خرج على اثنين أو ثلاثة وكانوا لا يخرجون معا جزئوا ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأيهم خرج عليه سهم العتق عتق كله فإن خرج سهم العتق على واحد عتق كله أو ما حمل ما بقي من العتق منه فإن عتق كله وفضل فضل أقرع بين الذين بقوامعه في جزئه لان العتق قد صار فيهم دون غيرهم حتى يستكمل الثالث ولا تخرج القرعة أبدا من سهم الذين خرج لهم سهم العتق أولا حتى تكمل فيهم الحرية فإن عتق واحد منهم ثم أقرع بين من بقي فخرجت القرعة على اثنين أقرع بينهما أيضا فأيهما خرج سهمه في العتق عتق أو عتق منه ما حمل الثلث فإن عتق كله وبقي من الثلث شئ عتق ما حمل الثلث من الباقي منهما وإذا كانوا ثلاثة أجزاء مختلفي القييم فأقرع بينهم فخرج سهم القرعة على جزء منهم ولهم عدد لا يحتملهم الثلث أقرع بين الجزء الذي خرج عليهم سهم العتقن فأعتق من خرج سهمه منهم فإن بقي من العتق شئ أقرع بين من بقي من الجزء خاصة لان الجزء من الاثنين عاد رقيقا ولا تخرج القرعة من الجزء الذي خرج له أولا سهم العتق حتى يستوظف الثلث أو يفضل فضل من العتقن فيكون الجزءان الباقيان فيه سواء تبتدأ القرعة بينهم فيجزؤون أثلاثا فإن لم يكن الباقون رقيقا إلا اثنين أقرع بينهما فأيهما خرج له سهم العتق عتق منه بقدر ما بقي من العتق وأرق ما بقي ولا تبتدأ القرعة بينهم أبدا إلا على تجزئة ثلاثة أجزاء ما أمكن ذلك وإن كان المعتقان أثنين لا مال له غيرهما فهذان لا يمكن فيهما التجزئة فيقرع بينهما فأيهما خرج سهم العتق عتق منه ما حمل ثلث المال
فإن خرج على قليل القيمة فأعتقن كله وبقي من الثلث شئ عتق من الباقي ما بقى من الثلث ورق ما بقى منه وإن كانوا ثمانية قيمتهم سواء ففيهم قولان لان أحدهما أن يجعلوا أربعة أسهم ثم يقرع بينهم فإن خرج سهم الواحد أو الاثنين عتق ثم جزئ الباقون كذلك فأعيد فيهم القرعة فأيهم خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث فإن خرج سهم اثنين ولا يحملهم الثلث أقرع بينهما فأيهما خرج له العتق عتق ورق الباقي فإن عتق وبقي من الثلث شئ عتق من الباقي بقدر ما حمل الثلث منه وكان ما بقي رقيقا ومن قال هذا القول أشبه أن يقول كانت قيم الذين جزأهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء لانه لا يعتق اثنين ويرق أربعة إلا والاثنان الثلث كاملا لا زيادة فيه ولا نقص وإن كانوا سبعة جعلهم سبعة أسهم ثم أقرع بينهم حتى يستكمل الثلث والقول الثاني أن يجزئهم ثلاثة أجزاء فإن كانوا سعبة قيمهم سواء ضم الواحد إلى اثنين منهم فإن خرج له سهم العتق أقرع بينهم فأعتق من خرجت قرعته بكماله وكان ما بقي من العتق فيمن لم يخرج سهمه وهذا القول أصح وشهبه بمعنى السنة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء وهذا القول موافق للحديث اختلفت قيهم أو لم تختلف وذلك أنى جعلت لكل واحد منهم حصة من القرعة فإذا صارت على الثلاثة أعدت عليهم القرعة فإن وقعت على الاثنين عتقا(8/6)
واستأنفت القرعة على الخمسة الباقين من السبعة اختلفت قيمهم أو اتفقت وكذلك إن كانوا ثمانية أو أكثر ولا يجوز عندي أبدا أن يقرع بين الرقيق قلوا أو كثروا إلا على ثلاثة أسهم وذلك أنه لا يعدو الرقيق الذين أقرع بينهم أن تكون قيمهم سواء أو ضم الاقل ثمنا إلى الاكثر حتى إذا اعتدلت قيمهم فهو كما أقرع بينهم على ثلاثة أسهم وقد كان يمكن فيهم كانت قيمهم سواء أو مختلفة أن يقرع بينهم على ستة أسهم كما يقرع بين الورثة فإذا خرج سهم واحد أعتقه ثم أعاد القرعة على من بقى حتى يستوظف الثلث وكان ذلك أحب إلى الرقيق لانه إن يقرع على الخمسة الباقين مرتين أحب إليهم من أن يقرع بينهم مرة وقرعة مرتين وثلاث ولا ضرر فيها على الورثة لانه لا يخرج في مرة ولا مرتين ولا ثلاث إلا الثلث فلما أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم علين ثلاثة أسهم لم يجز أن يقرع بينهم إلا على ثلاثة أسمهم وإن اختلفت قيمهم وعددهم والله تعالى أعلم.
ولو جاز إذا اختلفت قيمهم جاز إذا اتفقت قيمهم أن
يقرع بينهم على قدر عدد الرقيق كما يقرع على قدر عدد الورثة ولكن القرعة بين الرقيق للعتق والورثة للقسم قد تختلف في موضع وإن اتفقت في غيره فإن قال قائل كيف يقسم الرقيق بالقيمة ثم يضم القليل الثمن إلى كثيره ؟ أفرايت إذا فعلت هذا في العتق كيف تصنع فيما يقسم بين الورثة ؟ قلنا بالقيمة، قيل فإن اختلفت قيمهم فكان ما يبقى منهم متباين القيمة ففي عبد ثمن ألف وعبدين ثمن خمسمائة والورثة رجلان ؟ قيل يقرع بينهم فإن خرج سهم الاول على الواحد رد على أخيه مائتين وخمسين وإن خرج على اثنين أخد من صاحبه مائتين وخمسين وإن قال صاحبه ليس عندي أخذ العبدين وكان شريكه في العبد الذي صار في يده بقدر ما بقي له حتى يستوفى نصف ميراث الميت وذلك أن يكون له ربع العبد وللآخر ثلاثة أرباعه وهكذا قيمة كل ما اختلفت أثمانه من أرض وثياب ودار وغير ذلك بين الورثة وفيها قول آخر يصح ان تنظر قيمهم فإذا كانت كما وصفت قيل للورثة إن أحببتم أن يقرع على ما وصفنا فأيكم خرج سهمه على كثير الثمن رد ما فيه من فضل القيمة وأيكم خرج على قليل الثمن أخذه وما بقى من القيمة فإن رضوا معا بهذا أقرعنا وان لم يرضوا قلنا: انتم قوم لكم ما لا يعتدل في القسم فكأنكم ورثتم مالا ينقسم فأنتم على مواريثكم فيه حتى تصطلحوا على ما أحببتم أو تبيعوا فتقسموا الثمن ولا نكرهكم على البيع وبهذا أقول فإن قيل وكيف لم تقل بالقيمة على الرقيق فإذا خرج سهم الكثير الثمن عتق كله وصار عليه ما بقي دينا للورثة إن رضى ذلك العبد قيل لا يشبه الرقيق الورثة لان الرقيق لا مال لهم ولو كان لهم مال كان لماليكهم فلا يجوز أن أخرج عبد بقي فيه نصفه رقيقا إلى الحرية وأحيل عليه وارثا مالكا له بدين لعله لا يأخذه أبدا بغير رضاه وأنا لو خالفت حديث عمران بن حصين وابن عمر وابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم ودخلت في الاستسعاء أخطأت القياس على ما أقسم بين الورثة فإن قيل فكيف يخطئه من قال هذا القول ؟ قيل إنما يقسم علين الورثة بالقيم ويزاد عليهم ويزداون برضاهم فإذا أسخطوا أشرك بينهم فيما لا يحتمل القسم وقسم بينهم ما احتمله بالقيمة والعبيد لا أموال لهم يرضون بأن يعطوها ونحن لا نجبر من له حق في ميراث من رقيق ولا غيره أن يأخذ شيئا ويعطى معه أو يعطى إلا برضاه وإنما يقسم الرقيق بالقيمة ما اعتدلت القيمة بالقيمة فإذا اختلفت أقرغ بينهم ثم أعتق بالقيمة حتى يستوظف الثلث فإن كانوا ستة قيمهم سواء وكان خمسة
أسداسهم يخرجون أحرارا جزئوا ثلاثة أجزاء أقرع بينهم فإذا خرج سهم الحر على حر أقرع بينهم حتى يخرج سهم الرق على واحد ويعتق الباقون والجزءان اللذان لم يخرج عليهما سهم الرق حران وسواء في القرعة الرقيقن الذين أعتقهم عتق بتات في مرضه ثم مات والذين أعتقهم بعد موته إذا كان الرقيق(8/7)
معتقين عتق بتات معا أو كانوا معتقين بعد الموت معا ولو كان له رقيق قد أعتقهم عتق بتات في مرضه وآخرين أعتقهم بعد موته بدئ بالذين أعتقهم عتق البتات حتى لا يبقى منهم أحد فإن لم يفضل من الثلث شئ لم يعتق من الذين أعتقهم بعد الموت أحد وسواء كانوا مبدبرين أو موصى بعتقهم وإن فضل عن المعتقين عتق بتات من الثلث شئ أقرع بين المدبرين والموصى بعتقهم فاعتق من خرج عليه سهم العتق كما وصفت في القرعة قبل هذا وإنما سوينا بين المدبرين والموصى بعتقهم أنه كان له في المدبرين الرجوع وأنه لا تجري فيهم حرية إلا بعد موته وخروجهم من الثلث وكانت حال الموصى بعتقهم بأعيانهم والمدبرين حالهم سواء لا يختلفون عندنا لان كليهما يعتق بالموت ويرق إن أحب صاحبه في حايته ولو رجع في المدبرين والموصى بعتقهم قبل يموت كان ذلك له.
باب عتق المماليك مع الدين (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: فإذا كان على الميت دين يحيط بماله بيع الرقيق ولا يعتق منهم أحد ولو كان عليه دين يحيط ببعض ماله جزئ الرقيق أجزاء ثم كتب سهم العتق وسهم الرق على قدر الدين عليه فإن كان الدين ثلثا كتب الدين سهما والعتق سهمين ثم أقرع بينهم فأيهم خرج عليه سهم الدين فهو سهم الرق فيباعون فيوفى ما عليه من دينه وإن وقع على جزء وكانوا أكثر من دينه أقرع بينهم بالعتق والرق فأيهم خرج عليه سهم الرق بيع فيه فإن بقى منه شئ جزئ الباقي منهم مع الباقين ثم استؤنف بينهم القرعة كأنه لم يترك غيرهم إن خرج سهم الرق على جزء أقل من دينه بيعوا ثم أعيدت القرعة على من بقي حتى يباع له بقدر دينه وهكذا إن كان دينه أكثر من الثلث زيد له في سهام الرق والقرعة حتى يستوفى حقه ويبدأ أبدا بسهم الرق فإن قال قائل: كيف أقرعت بالعتق والرق ثم بعت من خرجت عليه قرعة الرق ولم تعتق من خرجت له قرعة العتق ؟ قيل له إن الدين أولى من العتق فلما
كانوا مستوين في العتق والرق لم أميز بينهم إلا بالقرعة فإذا خرجت قرعة الرق برئ من خرجت قرعته بثبوت الرق من العتق فبعته وكان من بقى مستوين في العتق والرق للورثة فأعدت القرعة بينهم فمن خرجت له قرعة العتق عتق ومن خرجت عليه قرعة الرق رق فإن ترك عبد واحدا أعتقه وعليه دين بيع منه بقدر الدين ثم عتق ثلث ما يبقى منه ورق ثلثاه ولو أعتقهم بعد قضاء دينه ولم أعلم عليه دينا غير الذي قضيت به فهتقت ثلثهم ثم ظهر عليه دين يحيط بهم رددت عتقهم وبعثهم في الدين عليه وكذلك أبيع من في يد الورثة منهم وأخذت كل مال في أيديهم إذا اغترقه الدين فإن قال قائل كيف ترد الحكم وقد كان صوابا ؟ قلت كان صوابا على الظاهر عندنا فلما صار الظاهر عندنا أن ما حكمنا أولا به على غير ما حكمنا به رددناه ولم نرد ظاهر الباطن مغيب وإنما رددنا الحكم بالظاهر لظاهر حكم أحق منه ولو كان الذي ظهر عليه من الدين لا يحيط برقيقه كلهم عدت فأقرعت بينهم قرعة الرق وقرعة العتق وبدأت بقرعة العتق فأيهم خرج عليه رددت عتقه وبعته أو بعت منه ما يقضي به دين الميت فإذا فعلت حال الحكم في بعض أمرهم كأنى كنت اعتقت اثنين قيمتهما مائة ودفعت إلى الورثة أربعة قيمتهم مائتان ثم ثبت على الميت مائة دينار فإن كان الوارث واحدا فاختار إخراج المائة فأخرجها نقص ثلث مال الميت ونقصت من عتق اللذين عتقا ما زذا على الثلث ثم أقرعت بينهما بسهم الرق وسهم العتق فأيهم خرج عليه سهم الرق أرققت منه ما جاوز الثلث وذلك أنهما عتق وثلث الميت في الظاهر مائة(8/8)
دينار ثم صار ثلث الميت ستة وثلاثين وثلثي دينار والذين لهم الدين خرج لهم سهم العتق بكماله حرا وصار بعض الذي خرج عليه سهم الرق حرا وبعضه مملوكا فأعتقنا منه ما بقي من ثلث مال الميت وذلك ستة عشر سهما وثلثا سهم من خمسين سهما وإن كان الورثة اثنين فصاعدا نقصنا قسم الاربعة الاسهم وبعنا منهم حتى يوفى الغريم حقه ثم عدنا بالقرعة في الرق والحرية على الاثنين كما وصفت ثم استأنفنا القسم بين الورثة على من بقي ممن كان في أيديهم من الرقيق وعلى من بقى من العبيد المعتق بعضهم المرق بعضهم فقسمناهم قسما مستأنفا بالقيمة وكلما ظهر عليه دين صنعنا به كما وصفت من نقض القسم وغيره في المسألة قبل هذا ولو لم يظهر عليه دين ولكن استحق أحد العبيد الذين في أيدي الورثة نقضنا
القسم وعدنا على العتق فنقصنا بعضه بالقرعة لان ثلث مال الميت نقص ولو استحق أحد العبدين اللذين عتقا بقى الآخر حرا وأقرعنا بين اللذين في أيدي الورثة فأعتقنا ممن خرجت له قرعة العتق ما بقي من الثلث ونقضنا القسم بينهم فاستأنفناه جديدا.
باب العتق ثم يظهر للميت مال (قال الشافعي) رضى الله عنه: ولو أرققنا ثلثيهم وأعتقنا الثلث ثم ظهر له مال يخرجون معا فيه من الثلث أعتقنا من أرققنا منهم ودفعنا إلى الورثة مالهم كان قبل المعتق ودفعنا إلى المماليك ما اكتسبوا بعد عتق المالك إياهم وما كان للرقيق المعتقين من مال في أيديهم وأيدي غيرهم قبل عتق الميت عتق بتات أو قبل موت المعتق عتق تدبير أو وصية فهو للورثة كله كأن الميت تركه ويحسب الرقيق وما أخذ مما في أيديهم من المال ثم يعتق منهم ثلث جميع ما ترك الميت فإن اكتسب الرقيق المعتقون عتق بتات بعد العتق وقبل القرعة مالا أو وهب لهم أو أفادوه بوجوه أو الرقيق الموصى بعقتهم بعد الموت بتدبير أو غيره أحصى جميع ما اكتسب كل واحد منهم ثم نظر إلى ما ترك الميت فإن ترك من المال ما يخرج جميع الرقيق من ثلثه عتقوا كلهم وكان لكل واحد منهم ما أفاد واكتسب لا يحسب من ميراث الميت وإن لم يحسب فكان الرقيق لا يخرجون معا من ثلث مال الميت فأحصى مال كل واحد منهم ووقف ثم حسب قيمة الرقيق والمعتقين وجميع ما ترك الميت فكان الميت ترك ألفا ورقيقا يسوون ألفا وكان من يعتق من الرقيق ثلثيهم وذلك ثلث مال الميت كاملا فأقرعنا بينهم فأعتقنا ثلثيهم وخلينا بينهم وبين أموالهم لانها أموال اكتسبوها وهم أحرار وأرققنا ثلث الرقيق واستخرجنا ما في أيديهم مما أفادوا واكتسبوا فكان مائة اكتسبها مملوكان فزاد مال الميت فأقرعنا بين المماليك الباقين حتى نستوظف ثلث مال الميت فأي مماليكه خرج عليهم سهم العتق عتق كله أو عتق منه ما حمل ما بقي من الثلث وإذا عتق كله انبغى أن أرجع إليه ماله الذي دفعته إلى الورثة وإذا دفعت ذلك إليه فكان ذلك ينقص مال الميت حتى لا يخرج من الثلث حسبت ماله وقيمته ثم أعتق منه بقدر ما عتق ودفعت إليه من ماله بقدر ما عتق منه فإن عتق نصفه أعطيته نصف ماله أو ثلثه أعطيته ثلث ماله فكان موقوفا في يديه يأكله في يومه الذي يفرغ فيه لنفسه من خدمة مالكه وعلى هذا الاصل حساب ما زاد من مال الميت ونقص.(8/9)
باب كيف قيم الرقيق (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: وإذا كان الرقيق أعتقوا عتق بتات في مرض المعتق أو رقيق أعتقوا بتدبير أو وصية فمات المدبر أو الموصى ولم يرفع إلى الحاكم حتى تغيرت قيم الرقيق بزيادة أو تقصان فالقول في قيم الرقيق أنهم يقومون في يوم وقع لهم العتق ولا ينظر إلى زيادتهم ولا نقصانهم بعد ذلك وذلك أن الرقيق الذين عتقوا عتق بتات كان العتق لهم تاما لو عاش وتاما لو كمات فخرجوا من الثلث وواقع على جماعتهم إنما يردون بأن لا يدع الميت ما لا يخرجون به فيردون أو يرد منهم من رد فإذا تم عتق بعضهم ورد في بعض فإنما أعتقوا بالعتق المتقدم في حياة المعتق لا أن أيهم يعتق بالحكم بالقرعة لان الحكم بالقرعة حكم مستأنف كأنهم عتقوا يومئذ ولا أن القرعة أوقعت لمعتق عتقا لم يكن له ولا زادته ما لم يستوجب إنما فرقت بين العتق والرق فأما زيادة في شئ بأمر لم يكن فلا ولكنه تمييز بين من يرق ويعتق ممن وقع له العتق بالقول المتقدم فإذا كان هذا هكذا انبغى أن تكون القيمة يوم يقع العتق لا يوم يقع الحكم وأما المدبرون والمعتقون بوصية فقيمتهم يوم يموت الميت لانه وقع لهم يومئذ ومن قال هذا القول انبغى أن يقول إن ان المعتقون إماء أو كان فيهم إماء حبالى قومهن حبالى فإن استأخرت قيمهن إلى أن يلدن فقيمتهن حبالى وأيتهن عتقت فولدها حر معها لانها لما وقعت لها القرعة وهي حامل فكان حكم حملها حكمها يعتق بعقتها ويرق برقها ولو كان زايلها قبل العتق كان حكمه غير حكمها وهكذا كل من رق منهن رق معها ولدها لا حكم للولد إلا حكم أمهاتهم ولو ولدت بعد العتق وقبل القرعة ثم عتقت كان ولدها أحرارا مثلها ولو ولدت قبل تعتق عتق بتات كان ولدها كغيره من رقيق سيدها وما كان في أيدي هؤلاء الرقيق المعتقين عتق بتات عند الموت أو المعتقين بعد الموت من مال قبل أن يقع العتق على المعتقين فهو كله مال تركه الميت فيؤخذ فيكون ميراثا كما ترك من مال سواه وكذلك أرش كل جنية جنيت على أحده منهم قبل وقوع العتق (1) وإن لم يوجد إلا بعد العتق وكل ما وهب لهم أو صار لهم من أجرة ومهر جارية وغير ذلك فكله مال من مال الميت لانه وجب قبل وقوع العتق لهم وهم رقيق ومال الرقيق لمالكه ولو زوج أمة منهم بمائة دينار فلم يدخل بها الزوج حتى أعتقها فالمائة للسيد
إذا دخل بها أو مات عنها والمائة وجبت بالعقد كاملة وهي مملوكة إلا أن يطلق فيكون له أن يرجع بنصف المائة ويكون الخمسون للسيد (قال) وما أفاد العبيد المعتقون والاماء بعد وقوع العتق من كسب وهبة وأرش جناية وغير ذلك وقف ومنعوه فإن خرجوا من الثلث فهم أحرار وأموالهم التي اكسبوا وأفادوا أو صارت لهم بأي وجه ما كان أموال أحرار لم يملكها الميت قط فيدفع إلى كل واحد منهم ماله وإن لم يحرجوا كلهم من الثلث أقرع بينهم فأيهم وقعت له الحرية عتق وصير إليه ماله الذي صار له بعد وقوع الحرية بالكلام بها في عتقن البتات أو موت المعتق بموته وصار من معه رقيقا فأخذ ما في أيديهم من الاموال وما وجب لهم من أرش الجناية ومهر المنكوحة وغيرها مما ملكوه فإذا أخذ فقد زاد مال الميت وإذا زاد مال الميت وجب علينا أن نعتق ما حمل ثلث الزيادة من الرقيق فعلينا نقض قسم الرقيق الذين قسمناهم بين الورثة والاقتراع بينهم فأيهم خرج عليه سهم العتق أعتقناه أو ما حمل ما يبقى من ثلث مال الميت وصار ما بقي من الرقيق وما بقي من أحدهم إن عتق بعضه مماليك فإن أرادوا الورثة أن
__________
(1) قوله: وإن لم يوجد الخ لعله (دون ما لم يوجد الخ) فحرر.
كتبه مصححه.(8/10)
يقتسموها عندنا قسمتهم مستقبلا كأنا وجدنا مال الميت زاد بما في أيدي العبيد والاماء الذين خرج عليهم الرق ألفا ومائتين فكان ثلث مال الميت منها أربعمائة دينار وقيمة الرقيق الذين أعتقهم الميت ألفا فصار لهم من العتق الخمسان على معنى وذلك أنا نقرع بينهم فإذا خرج سهم العتن من الرقيق على واحد قيمته أربعمائة ولم يكن كسب شيئا نأخذه من يده عتق ورق من بقي وصح المعنى فإن خرج سهم العتق على واحد قيمته أربعمائة أوقعنا له العتق، وإذا نظرنا فكنا قد أخذنا من ماله شيئا كان علينا أن نرده عليه فكأنا أخذنا من كسبه أربعمائة فإذا أردنا ردها عليه وجدنا مال الميت ينقص فينقص عتقهم فنقف الاربعمائة ونعتق منه ثلث ثمانمائة فيكون ثلثاه حرا وثلثة مملوكا ثم يكون له ثلثا أربعمائة ثم نزيده في العتق بقدر ثلثي أربعمائة فإذا تم زدناه في العتق شيئا ثم ردناه عليه من ذلك بقدره حتى يصير إليه من كسبه وماله بقدر ما يعتق منه إن عتق ثلاثة أرباعه صيرنا ليه ثلاثة أرباع ماله ثم رددنا ما بقي من كسبه ميراثا للوارث وهذا من الدور وأصل هذا أن تنظر أبدا إلى الرقيق إذا عجز ثلث مال الميت فأعتقت
نصفهم بالقرعة ثم زاد مال الميت بأي وجه ما كان فأحسب ثلث الزيادة ثم أعتق ممن يبقى من الرقيق المعتقين بقدر ما زاد مال الميت.
باب تبدئة بعض الرقيق على بعض في العتق في الحياة (قال الشافعي) رضى الله تعالى ولو أن رجلا قال في مرضه غلامي هذا حر لوجه الله ثم قال بعد وغلامي هذا حر ثم قال بعد لآخر ذلك وليس له مال غيرهم وقفنا أمرهم فإن مات أعتقنا الاول فإن كان الثلث كاملا عتق كله وإن كان أكثر من الثلث عتق منه ما حمل الثلث دون ما بقي والعبدان معه وإن كان أقل من الثلث عتق كله وعتق من الثاني ما حمل الثلث فإن خرج الثاني من الثلث فهو حر كله وإن خرج من الثلث وبقي فضل في الثلث عتق الفضل من الثالث ولو كانوا أربعة فأكثر والمسألة بحالها كان القول كما وصفت فإن قال معهم وأعتقوا الرابع وصية أو إذا مت أو كان الرابع مدبرا كان القول فيها كما وصفت وبدئ عتق البتات لانه وقع في الحياة على كل عتق بعد الموت بتدبير أو وصية والتدبير وصية لان له أن يرجع فيه ما كان حيا وأنه لا يقع إلا بعد الموت وإن فضل عن ثلثه فضل عن الذين أتقهم عتق بتات عتق من المدبر أو ممن أوصى بعتقه ما حمل الثلث ورق ما بقي وكذلك لو قال سالم حر وغائم حر وزيادة حر وقفنا عتقهم فإذا مات بدأنا يسالم لان الحرية قد كانت وقعت له قبل غانم إن عاش فإن فضل فضل عتق غانم فإن فضل عتق زياد أو ما حمل الثلث منه وإذا بدى عتق بعضهم على بعض عتق البتات كان كما وصفت لك لا قرعة إذا كان تبدئة لان عتق كل واحد منهم يقع بالكمال على معنى إن عاش المعتق أو يخرج المعتق من الثلث إن ماث المعتق وما جنى علين الرقيق بعد وقوع العتق وقبل القرعة من جناية فهي موقوفة حتى يقرع بينهم فأيهم خرج سهمه كان حرا وكانت الجناية عليه كالجناية على الحر وموقوفة وما أصاب في تلك الحال من حد فإذا خرج سهمه حد فيه حد الاحرار فإذا شهد في تلك الحال وقفت شهادته فإذا عتق جازت وما ورث في تلك الحال وقف فإذا خرج سهمه فكالحر لا تختلف أحكامه ويجري الولاء ويرث و يورث لما وصفت من أن الحرية وقعت بالقول بالمتقدم في عتق البتات والقول المتقدم في موت المعتق في التدبير وعتق الوصية وهكذا إن جنوا وقفت جنايتهم فأيهم عتق عقلت عنه عاقلته من قرابته فإن لم يحتملوا فمواليه وأيهم رق فجنايته جناية(8/11)
عبد يخير سيده بين أن يفديه أو يباع منه في الجناية ما تؤدي به أو تأتى على جميع ثمنه (قال) ولو كان الجاني بعضن هؤلاء المعتقين فعتق بالقرعة نصفه قيل لمالكه إن شئت فافتد النصف الذي تملك بنصف أرش الجناية تاما وإلا بيع عليك ما تملك منه حتى تؤدي نصف جميع الجناية فإن كان في نصفه فضل عن نصف الجناية بيع بقدر نصف الجناية إلا أن تشاء أن يباع كله ويرد عليك الفضل من ثمنه وكان ما بقى من نصف الجناية في مال إن اكتسبه في يومه الذي يكون فيه لنفسه يؤخذ منه الفضل عن مصلحته في نفقته وكسوته وما بقي دين عليه متى عتقن اتبع به فإن أعتق ثلاثة مماليك ليس له مال غيرهم ومات فلم يقرع بينهم حتى مات منهم واحد أو اثنان أقرع على الموتى والاحياء فإن خرج سهم الحى حرا عتق وأعطى كل مال أفاده من يوم تكلم سيده بالعتق وكان الميتان رقيقين إن كانت قيمتهما سواء فإن كان للميتين مال أحصى فكأنهما تركا ألفا كسباها بعد كلام السيد بالعتق كل واحد منهما خمسمائة فزاد مال الميت فأقرعنا بينهما فخرج سهم الحرية على أحدهما فحسبناكم يعتق منه بتلك الخمسمائة التي كانت للمستفيد كأنه قيمة خمسمسائة فوجدناه ثلثه ثم نظرنا إلى الخمسمائة الدرهم التي كسبها بعد عتق سيده فأعطيناه ثلثها وهو مائة وستة وستون وثلثا درهم وبقي ثلثاها وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فزدناه في مال الميت فكنا إذا زدناه في العتق رجع علينا بفضل ما أخذنا من ماله فانتقصناه من العتق قال أبو يعقوب يقدر ذلك على أن يعتق منه ما يكون له من ماله بقدر ما عتق منه غير محسوب ذلك من مال الميت لان ذلك إنما تحسبه نصيب حر فهو له دون السيد (قال الشافعي) وقال بعض من ينسب إلى العلم في الرقيق يعتقون فلا يحملهم الثلث يقومون يوم يقرع بينهم ولا أنظر إلى قيمهم يوم يكون العتق لان العتق إنما يقع بالقرعة كأنه ذهب إلى أنه إذا لم يدر أيهم عتق ولا أيهم رق وليست في واحد منهم حرية تامة إنما تتم بالقرعة (قال الشافعي) ومن مات منهم لم يعتق ومات رقيقا وأخذ ماله ورثة سيده فأقرع بين الاحياء كأنه لم يدع رقيقا غيرهم (قال الشافعي) وإذا كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه منه وهو موسر ففيها قولان أحدهما أنه يوقف عتقه فإن وجد له مال يبلغ قيمته دفع إلى شريكه من ماله أحب أو كره قيمته وبان عتقه بالدفع (قال) وسواء في العتق العبد والامة والمرتفع والمتضع من الرقيق
والكافر والمسلم لا افتراق في ذلك ومن قال هذا القول انبغى أن يقول لما قضى رصول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق فبين في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعتق بالقول إذا كان له مال أو القيمة في ماله وإن لم يرض شركاؤه بالعتق استدللنا على أن عتقه إذا كان ذا مال ودفعت قيمته إخراجا له من أيدي مالكيه معه أحبوا أو كرهوا فإذا كان هذا هكذا وقع العتق والولاء ثابت للمعتق والغرم لازم له في قيمة ملك شركائه من العبد فإذا كان هذا هكذا فلو أعتق واحد من شركائه أو كلهم بعدما يقع عليه عتقه بالقول لم يقع عليه لانه خارج عن ملكه تام العتق على المعنى الذي وصفت من دفع الثمن ويقال لك الثمن فإن شئت فخذه وإن شئت فدعه والولاء للذين سبقا بالعتق ولو أعتقا جميعا معا لزمهما العتق وكان الولاء لهما والغرم لشريك إن كان معهما عليهما سواء فأما إذا تقدم أحد المعتقين من موسر فالعتق تام الولاء له وما كان من عتق بعده فليس بجائز وهو عتق مالا يملك وإن كا ن أحد شركائه غائبا تم العتق ووقف حقه له حتى يقدم أو يوكل من يقبضه فإن أقام الغائب البينة أنه أعتقه في وقت قبل الوقت الذي أعتقه الحاضر وكان هو موسرا فهو حر وله ولاؤه ويبطل عتق الحاضر لانه أعتق حرا وإن كان معسرا عتق نصيبه منه وله ولاؤه وعتق الباقي على الحاضر وضمن(8/12)
لشريكه قيمته ولو أعتقه واحد ثم آخر وقف العتق منهما فإن كان الاول موسرا دفع ثمنه وعتق عليه وكان عتق الآخر باطلا وإن كان معسرا عتق على الثاني نصيبه فإن كن موسرا عتق عليه نصيب صاحبه وأعطاه قيمته و كان الولاء بينهما على قدر ما أعتق للاول الثلث وللآخر الثلثان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل على الذي يعتق نصيبا له في عبد أن يعتق عليه كله إذا كان موسرا مدفوعا من ماله إلى شركائه قضى على المعتق الآخر بذلك والقضاء بقليل الغرم إذا أعتق أولى من القضاء بكثيره أو في مثل معناه وفي قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (فكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه) دلالتان إحداهما إن على المرء إذا فعل فعلا يوجب لغيره إخراج شئ من ماله أن يخرج منه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إلا أن يكون لا مال له غير قيمة العبد فأما في مال الناس فهذا
صحيح وقد يحتمل أن يقاس عليه ما جعل الله من مال ويحتمل أن يفرق بينه والقول الثاني أنى أنظر إلى المعتق شركا له في عبد فإذا كان حينئذ موسرا ثم قوم عليه بعدما أعسر كان حرا وأتبع بما ضمن منه ولم ألتفت إلى تغير حاله إنما أنظر إلى الحال التي وقع عليها فيها الحكم فإن كان ممن يضمن ضمن وهذا القول الذي يصح فيه القياس ولو أعتق عبدا قيمته ألف ولم نجد له حين أعتق إلا مائة أعتقنا منه خمس النصف فعتق نصفه وعشره وكان ما بقي منه رقيقا وهكذا كلما قصر عن مبلغ قيمة شريكه عتق منه بقدر ما وجد للمعتق ورق ما بقي منه مما لم يحتمله ماله ولو أعتق رجل شقصا من عبد في صحته ثم مات قبل يقوم عليه قوم عليه في جميع ماله إذا كان العتق وهو موسر لان يخرج من ماله لانه وجب عليه بأن يكون موسرا واجد المال يدفع يوم أعتق ولا يمنعه الموت من حر لزمه في الصحة كما لو جنى جناية ثم مات لم يمنعه الموت من أن يحكم بها في ماله أو على عاقلته وسواء أخر ذلك أو قدم وكذلك لو كان العبد له خالصا فأعتق بعضه ثم مات كان حرا كله بالقول المتقدم منه ولو لم يدع مالا غيره، لان العتق وقع في الصحة وهو غير محجور عن ماله ومتى أعتق شركا له في عبد وكان له مال يعتق مه قوم عليه يومئذ ودفع إليه قيمته وعتق كله فإن أعتقه ولا مال له فالعبد رقيق ويعتق منه ما يملك المعتق وإن أيسر بعد ذلك لم يقوم عليه وسواء أيسر بعد الحكم أو قبله إنما انظر إلى الحال التي يعتق بها فإن كان موسرا دافعا عتق في قول من يرى العتق إنما يقع باليسر والدفع ويعتق في قول من يرى العتق وإنما يقع باليسر وإن لم يكن دافعا إذا كان موسرا يوم أعتق وإن كان غير موسر دافع لم يعتق لانه يومئذ وقع الحكم وإن أيسر بعده وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال في المعتق شركا له في عبد إن كان موسرا قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق وإنما جعله يخرج من ملك الذي لم يعتق بعتق شريكه بأن يكون شريكه موسرا دافعا لقيمته وهذا في قول من قال لا يعتق إلا بالدفع والقول الآخر أنه يعتق باليسر وإن لم يكن دافعا بأن يكون موسرا غير دافع وإذا أخرجه من ملك المعتق عليه بأمرين اليسر والددفع لم يجز أن يخرج من ملكه بأمر واحد وهو قول يجد من قاله مذهبا وأصح في القياس أن ينظر إلى المعتق حين يقع العتق فإن كان موسرا بقيمته فقد وقع العتق وضمن القيمة، وإن أعدم بعد أتبع بالقيمة ولو كانت المعتقة جارية حبلى يوم أعتق بعضها فلم تقوم حتى
ولدت قومت حبلى وعتق ولدها معها لانها كانت حبلى يوم أعتقت فيعتق ولدها بعقتها ويرقون برقها ليس بمنفصل عنها ولو زعمت أن العتق إنما يقع يوم يكون الحكم انبغى أن لا يعتق الولد معها لانه لم يعتق الولد ألا ترى أنه لو أعتق جارية ساعة ولدت لم يعتق ولدها معها إنما يعتق ولدها بعتقها إذا كانت حبلى فأما إذا ولدت فحكم ولدها حكم ولد غيرها.(8/13)
عتق الشرك في المرض (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه وإذا أعتق شركا له في عبد في مرضه الذي مات فيه عتق بتات ثم مات كان في ثلثه ما أعتق منه لنفسه ولغيره إذا حمله الثلث فأمره في ثلثه كأمر الصحيح في كل ماله لا يختلف إذا اعتقه عتق بتات وكذلك إذا أعتق من عبد له سهما من مائة سهم في مرضه ثم مات وثلثه يحمله عتق عليه كله لانه أوقع العتق عليه وهو حي مالك لثلث ماله أو كله وكان كمن أعتق عبده كله ولو أوصى بعتق ثلث مملوك له بعد موته لم يعتق منه إلا ما عتق وذلك أن العتق إنما وقع بالموت وهو لا يملك شيئا يوم يقوم عليه فيه كله وماله كله لوارثه إلا ما أخذ من ثلثه فلما لم يأخذ من عبده إلا ثلثه كان لا مال له يقوم عليه فيه العبد فيعتق بالقيمة والدفع.
اختلاف المعتق وشريكه (قال الشافعي) رضى الله تعالى عته إذا أعتق رجل شركا له في عبد ولم يترافعا إلى السلطان إلا بعد أشهر فحكم عليه السلطان بالقيمة يوم أعتق فاختلفا في القيمة يوم وقع العتق فقال المعتق كانت قيمته ثلاثين وقال المعتق عليه، كات قيمته أربعين ففيها قولان أحدهما أن القول قول المعتق لانه موسر واجد دافع فإذا أعتق العبد بهذا لم يؤخذ من ماله إلا ما زعم هو أنه لزمه والقول الثاني أن يكون القول قول رب العبد ولا يخرج ملكه من يده إلا بما رضى كما يكون إذا اختلفا في الثمن والعبد قائم كان القول قول رب المال والمبتاع بالخيار وفي هذا سنة وهو لا يصح قياسا على البيع من قبل أن البيع إذا كان قائما فللمبتاع رد العبد أو أخذه بما قال البائع وليس لمعتق ههنا رد العتق ولكن لو قال قائل في هذا إذا اختلفا تحالفا وكان على المعتق قيمة العبد كما يكون على المشتري قيمة الفائت إذا اختلفا في ثمنه كان
مذهبا ولو اختلفا فقال الذي له الغرم العبد خباز أو كاتب أو يصنع صناعة تزيد في عمله.
وقال المعتق ليس كذلك نظر فإن وجد كان يصنع تلك الصناعة أقيم بصناعته وإن لم يوجد ذلك لم يؤخذ بقول الذي له الغرم، وكان القول قول المعتق لانه مدعين عليه زيادة القيمة وإن كانت صناعته مما يحدث في مثل تلك المدة التي ترافعا فيها من يوم وقع العتق فالقول قول المعتق ولو قال المعتق أعتقت هذا العبد وهو آبق أو سارق أو معيب عيبالا يرى في بدنه وقال الذي له الغرم ليس بآبق ولا سارق فالقول قوله وهو على البراءة من العيب حتى يعلم العيب لان العبد قائم بعينه لا يرى فيه عيب وهو يدعى فيه عيبا يطرح عنه بعض ما لزمه ومن قلنا القول قوله في هذا وغيره فقال الذي يخالفه وهو يعلم أن ما قلت كما قلت فأحلفوه أحلفناه على دعواه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على صاحبه فإن حلف استحق وإن لم يحلف أبطلنا حقه في اليمين ولم نعطه إذا تركها على ما ادعى وذلك مثل قوله أعتقت العبد وهو آبق فقلنا القول قول الذي له الغرم فإن قال المعتق هو يعلم أنه آبق أحلف كما وصفت وذلك أنه قد يكون يعلم مالا يوجد عليه بينة وما أشبه هذا ولو كان العبد المعتق بعضه ميتا أو غائبا فاختلفا فيه فقال المعتق هو عبد أسود زنجي يسوى عشرة دنانير وقال المعتق عليه هو عبد يربري أو فارسي يسوى ألف دينار، فالقول قول المعتق الذدي يغرم إلا أن يأتي الذي له الغرم ببينة على ما قال أو يحلف له المعتق إن أراده ولو تصادقا على أنه بربري واختلفا في ثمنه فالقول قول المعتق مع يمينه ولو تصادقا على أنه بربري(8/14)
وقيمته ألف لو كان ظاهرا وخمسمائة لو كان غير ظاهر وادعى المعتق أنه غير ظاهر فالقول قول الذي له الغرم إلا أن يأتي المعتق ببينة على ما ادعى.
وإن شاء أحلفناه على ما ذكر إن قال هو يعلم ما قلت إنما يصدق المعتق على القيمة إذا لم يذكر عيبا وقال قيمة السلعة كذا لما يكون مثله قيمة لمثل العبد بلا عيب فأما إذا ذكر عيبا فالغرم لازم وهو مدع طرحه أو طرح يعضه لان القيمة إنما هي على البراءة من العيب حتى يعلم عيبا.
باب من يعتق على الرجل والمرأة إذا علما (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه ومن ملك أباه أو جده أو ابنه أو ابن ابنه وإن تباعد أو جدا من
قبل أب أو أم أو ولدا من ابن أو بنت وإن تباعد ممن يصير إليه نسب المالك من أب أو أم أو يصير إلى المالك نسبه من أب أو أم حتى يكون المالك ولدا أو والدا بوجه عتق عليه حين يصح ملكه له ولا يعتق عليه غير من سميت لا أخ ولا أخت ولا زوجة ولا غيرهم من ذوي القرابة ومن ملك ممن يعتق عليه شقصا بهبة أو شراء أو أي وجه ما ملكه من وجوه الملك سوى الميراث عتق عليه الشقص الذي ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وعتق عليه وإلا عتق منه ما ملك ورق ما بقي لغيره وإذا كان الرجل إذا ملك أحدا يعتق عليه بالملك فكان حكمه أبدا إذا ملكه كمن أعق وهو إذا ملك من يعتق عليه وقد كان قادرا علين أن لا يملكه في حكم المعتق شركا له في عبد لا يختلفان وهو إذا وهب له أو أوصى له به فله أن يرد الهبة والوصية وكل ما ملك غير الميراث فقبوله في الحال التي له رده فيها كاشترائه شقصا منه وشراؤه وقبوله كعتقه ولكنه لو ورث بعض من يعتق عليه لم يكن له رد الميراث من قبل أن الله عزوجل حكم أن ألزم الاحياء ملك الموتى على ما فرض لهم فليس لاحد أن يرد ملك الميراث ولو ورث عبدا زمنا أو أغمى كان عليه نفقته وليس هكذا ملك غير الميراث ما سوى الميراث يدفع فيه المرء الملك عن نفسه وإذا ملك ممن يعتق عليه شقصا عتق عليه ما ملك منه ولم يقوم عليه ما بقي منه لانه لم يجر ملكه بنفسه إنما ملكه من حيث ليس له دفعه وسواء كان الذي يملك فيعتق عليه مسلما أو كافرا أو صغيرا أو كبيرا لا اختلاف في ذلك ولو ورث صبي لم يبلغ أو معتوه لا يعقل أو مولى عليه أبا أو من يعتق عليه عتق على كل واحد من هؤلاء من ملك بالميراث وإن ملك أحد هؤلاء شقصا بالمثراث عتق عليهم الشقص ولم يعتق غيره بقيمته لما وصفت من أنهم لم يكونوا يقدرون على رد ذلك الملك (قال الشافعي) ولو أن صبيا أو معتوها وهب له أبوه أو ابنه أو أوصى له به أو تصدق به عليه ولا مال للصبي وله ولى كان على وليه قبول هذا كله له ويعتق عليه حين يقبله ولو تصدق عليه بنصفه أو ثلثه أو أوصى له به أو وهب له والصبي أو المعنوه معسران كان لوليه قبول ذلك عليه وعتق منه ما صار إليه من أبيه أو ولده وإن كان موسرا فوهب له نصف ابنه أو نصف أبيه لم يكن للولى أن يقبل ذلك وذلك أنه يعتق عليه النصف ويكون موسرا فيكون الحكم علين الموسر عتق ما يبقي وليس للولي أن يقبل هذا كله له من قبل أن قوله ضرر على مال الصبي والمعتوه ولا منفعة لهما فيه عاجلة وما كان هكذا لم يكن للولى أن يقبله له فإن قبله
فقبوله مردود عنه لان في قبوله ضررا على الصبي أو ضررا على شريك الصبي وذلك أنه إنما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق على المالك الشريك بقيمة أخذها فإذا لم يأخذ القيمة عتق عليه بغير حق حتى يصح ملكه عليه.(8/15)
أحكام التدبير بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع بن سليمان: قال أخبرنا الشافعي رضى الله تعالى عنه، قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إن أبا مذكور رجلا من بنى عذرة كان له غلام قبطي فأعتقه عن دير منه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بذلك العبد فباع العبد وقال (إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كن له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول ثم إن وجد بعد ذلك فضلا فليتصدق على غيرهم) وقد زاد مسلم في الحديث شيئا هو نحو من سياق حديث الليث بن سعد (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد وحماد بن سلمة عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال أعتق رجل من بنى عذرة عبداله عن دبر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ألك مال غيره ؟) فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يشتريه منى ؟) فاشتراه نعيم بن عبد الله الغدوى بثمانمائة درهم فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم قال (أبدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل عن نفسك شئ فلاهلك فإن فضل شئ فلذوي قرابتك فإن فضل عن ذوي قرابتك شئ فهكذا وهكذا) يريد عن يمينك وشمالك (قال الشافعي) قول جابر والله أعلم رجلا من بنى عذرة يعني حلفاء أو أو جيرانا في عدادهم في الانصار وقال مرة رجلا منا يعني بالحلف وهو أيضا منهم بالنسب ونسبه أخرى إلى قبيلة كما سماه مرة ولم يسمه أخرى (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يشتريه منى ؟) فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم وأعطاه الثمن (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن
عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث حماد بن زيد (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وعن أبى الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول دبر رجل منا غلاما له ليس له مال غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من يشتريه منى ؟) فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام قال عمرو وسمعت جابرا يقول عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير وزاد أبو الزبير (يقال له يعقوب) (قال الشافعي) هكذا سمعت منه عامة دهري ثم وجدت في كتابي دبر رجل منا غلاما له فمات فإما أن يكون خطأ من كتابي أو خطأ من سفيان فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ لحديث أبى الزبير من سفيان ومع ابن جريج حديث الليث وغيره وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا يخبر فيه حياة الذي دبره وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أحفظ لحديث عمرو من سفيان وحده وقد يستدل على حفظ الحديث من خطئه بأقل مما وجدت في حديث ابن جريج والليث عن أبى الزبير وفي حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وغير حماد يرويه عن عمرو كما رواه حماد بن زيد وقد أخبرني غير واحد ممن لقى سفيان قديما أنه لم يكن يدخل في حديثه مات وعجب بعضهم حين أخبرته أنى وجدت في كتابي مات فقال لعل هذا خطأ منه أو زلة منه حفظتها عنه (قال الشافعي) وإذا باع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدبرا ولم يذكر فيه دينار ولا حاجة لان صاحبه قد لا يكون له مال غيره ولا يحتاج إلى ثمنه فالمدبر ومن لم يدبر من العبيد سواء يجوز بيعهم متى شاء مالكهم وفي كل حق لزم مالكهم(8/16)
يجوز بيعهم متى شاء مالكهم وفي كل ما يباع فيه مال سيدهم إذا لم يوجد له وفاء إلا ببيعهم وذلك أن التدبير لا يعدو ما وصفنا من أن لا يكون حائلا دون البيع فقد جاءت بذلك دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكون حائلا فنحن لا نبيع المكاتب في دين سيده للحائل من الكتابة فقد يؤول إلى أن يكون عبدا إذا عجز فإذا منعناه وقد يؤول إلى أن يكون عبدا يباع إذا عجز من البيع وبعنا المدبر فذلك دلالة على أن التدبير وصية كما وصفنا (قال الشافعي) ومن لم يبع أم الولد لم يبعها بحال وأعتقها بعد موت السيد فارغة من المال وكل هذا يدل على أن التدبير وصية (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه باع مدبرا احتاج صاحبه إلى ثمنه (قال
الشافعي) أخبرنا الثقة عن معمر عن عمرو بن مسلم عن طاوس قال يعود الرجل في مدبره، أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال المدبر وصية يرجع صاحبه فيه متى شاء (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس قال سألني ابن المنكدر كيف كان أبوك يقول في المدبر ايبيعه صاحبه ؟ قال قلت: كان يقول يبيعه إذا احتاج صاحبه إلى ثمنه فقال ابن المنكدر ويبيعه وإن لم يحتج إليه (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن معمر عن أيوب بن أبى تميمة أن عمر بن عبد العزيز باع مدبرا في دين صاحبه (قال الشافعي) ولا أعلم بين الناسن اختلافا في أن تدبير العبد أن يقول له سيده صحيحا أو مريضا أنت مدبر وكذلك إن قال له أنت مدبر وقال أردت عتقه بكل حال بعد موتي أو أنت عتيقي أو أنت محرر أو أنت حر إذا مت أو متى مت أو بعد موتي أو ما أشبه هذا من الكلام فهذا كله تدبير.
وسواء عندي قال أنت حر بعد موتي أو متى مت إن لم أحدث فيك حدثا أو ترك استثناء أن يحدث فيه حدثا لان له أن يحدث فيه نقض التدبير (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لعبده أنت حر إذا مضت سنة أو سنتان أو شهر كذا أو سنة كذا أو يوم كذا فجاء ذلك الوقت وهو في ملكه فهو حر وله أن يرجع في هذا كله بأن يخرجه من ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما كما رجع في بيعه وإن لم يرجع فيه إن كان قال هذا لامة فالقول فيها قولان أحدهما أن كل شئ كائن لا يختلف بحال فهو كالتدبير وولدها فيه كولد المدبرة وحالها حال المدبرة في كل شئ إلا أنها تعتق من رأس المال وهذا قول يحتمل القياس وبه نقول ويحتمل أن يقال ويعتق ولد المدبرة وولد هذه بعتقها والقول الثاني أنها تخالف المدبرة لا يكون ولدها بمنزلتها تعتق هي دون ولدها الذين ولدوا بعد هذا القول (قال الشافعي) ولو قال في صحته لعبده أو لامته متى ما قدم فلان فأنت حر أو متى ما برئ فلان فأنت حر فله الرجوع بان يبيعه قبل مقدم فلان أو برء فلان وإن قدم فلان أو برئ فلان قبل أن يرجع عتق عليه من رأس ماله إذا كان قدم فلان أو كان الذي أو قع العتق عليه والقائل مالك حي مريضا كان أو صحيحا لانه لم يحدث في المرض شيئا وهذا موضع يوافقنا فيه جميع من خالفنا من الناس في أن يجعل له الرجوع قبل يقدم فلان أن يبرأ فلان وإذا سئلوا عن الحجة فالوا إ ن هذا قد يكون ولا يكون فليس كما هو كائن فقيل لهم أو ليس إنما يعتق المدبر والمعتق إلى سنة إذا كان العبد المعتق حيا والسيد ميتا وقد مضت السنة ؟ أو ليس قد يموت هو قبل
يموت السيد وتكون السنة وليس له يقين حكم يعتق به ؟ وقد يفقد سيد المدبر فلا يعرف موته ولا يعتق وقد يمكن أن يكون قد مات ولكن لم يستيقن معرفته إنما يعقن باليقين (قال الشافعي) ولا أعلم بين ولد الامة يقال لها إذا قدم فلان فأنت حرة وبين ولد المدبرة والمعتقة إلى سنة فرقا يبين بل القياس أن يكونوا في حال واحدة ولو قال إذا قدم فلان فأنت حر، متى مت، أو إذا جاءت السنة فأنت حر، متى مت فمات كان مدبرا في ذلك الوقت ولو قال أنت حر إن مت من مرضى هذا أو في سفري هذا أو في عامي(8/17)