ولو كسر له طنبورا أو مزمارا أو كبرا فإن كان في هذا شئ يصلح لغير الملاهي فعليه ما نقص الكسر وإن لم يكن يصلح إلا للملاهي فلا شئ عليه وهكذا لو كسرها نصراني لمسلم أو نصراني أو يهودى أو مستأمن أو كسرها مسلم لواحد من هؤلاء أبطلت ذلك كله قال ولو ان نصرانيا أفسد لنصراني ما أبطل عنه فغرم المفسد شيئا بحكم حاكمهم أو شئ يرونه حقا يلزمه بعضهم بعضا أو شئ تطوع له به وضمنه ولم يقبضه المضمون له حتى جاءنا الضامن أبطلناه عنه لانه لم يقبض ولو لم يأتنا حتى يدفع إليه ثم سألنا إبطاله ففيها قولان أحدهما لانبطله ونجعله كما مضى من بيوع الربا والآخر أن نبطله بكل حال لآنه أخذ منه على غير بيع إنما أخذ بسبب جناية لا قيمة لها.
ولو كان الذى غرم له ما أبطل عنه في الحكم مسلما وقبضه منه ثم جاءني رددته على المسلم كما لو أربى على مسلم أو أربى عليه مسلم وتقابضا رددت ذلك بينهما وكذلك لو أهراق نصراني لمسلم خمرا أو أفسد له شيئا مما أبطله عنه وترافعا إلى وغرم له النصراني قيمته متطوعا أو بحكم ذمى أو بأمر رآه النصراني لازما له ودفعه إلى المسلم ثم جاءني أبطلته عنه ورددت النصراني به على المسلم لانه ليس لمسلم قبض حرام وما مضى من قبضه الحرام وبقى سواء في أنه يرد عنه وأنه لايقر على حرام جهله ولا عرفه بحال.
ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه خوف الربا واستحلال البيوع الحرام وإن فعل لم أفسخ ذلك لانه قد يعمل بالحلال ولا أكره للمسلم أن يستأجر النصراني وأكره أن يستأجر النصراني المسلم ولا أفسخ الاجارة إذا وقعت وأكره أن يبيع المسلم من النصراني عبدا مسلما أو أمة مسلمة وإن باعه لم يبن لى أن أفسخ البيع وجبرت النصراني على بيعه مكانه إلى أن يعتقه أو يتعذر السوق عليه في موضعه فألحقه بالسوق ويتأنى به اليوم واليومين والثلاثة ثم أجبره على بيعه قال وفيه قول آخر أن البيع مفسوخ، وإن باع
مسلم من نصراني مصحفا فالبيع مفسوخ، وكذلك إن باع منه دفترا فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما فرق بين هذا وبين العبد والامة أن العبد والامة قد يعتقان فيعتقان بعتق النصراني وهذا مال لا يخرج من ملك مالكه إلا إلى مالك غيره وإن باعه دفاترفيها رأى كرهت ذلك له ولم أفسخ البيع، وإن باعه دفاتر فيها شعر أو نحو لم أكره ذلك له ولم أفسخ البيع، وكذلك إن باعه طبا أو عبارة رؤيا وما أشبههما في كتاب قال: ولو أن نصرانيا باع مسلما مصحفا أو أحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا مسلما لم أفسخ له البيع ولم أكرهه إلا أنى أكره أصل ملك النصراني فإذا أوصى المسلم للنصراني بمصحف أو دفتر فيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلت الوصية.
ولو أوصى بها النصراني لمسلم لم أبطلها ولو أوصى المسلم للنصراني بعبد مسلم فمن قال أفسخ بيع العبد المسلم لو اشتراه النصراني أبطل الوصية ومن قال أجبره على بيعه أجاز الوصية، وهكذا هبة المسلم للنصراني واليهودى والمجوسي في جميع ما ذكرت، ولو أوصى مسلم لنصراني بعبد نصراني فمات المسلم (1) ثم أسلم النصراني جازت الوصية في القولين معا لانه قد ملكه بموت الموصى وهو نصراني ثم أسلم فيباع عليه، ولو أسلم قبل موته النصراني كان كوصية له بعبد مسلم لا يختلفان، فإذا أوصى النصراني بأكثر من ثلثه فجاءنا ورثته أبطلنا ما جاوز الثلث إن شاء الورثة كما نبطله إن شاء ورثة المسلم ولو أوصى بثلث ماله أو بشئ منه يبنى به كنيسة لصلاة النصراني أو يستأجر به خدما للكنيسة أؤ يعمر به الكنيسة أو يستصبح به فيها أو يشترى به أرضا فتكون صدقة على الكنيسة وتعمر بها أو ما في هذا المعنى كانت الوصية باطلة،
__________
(1) قوله: ثم أسلم النصراني، أي العبد النصراني الموصى به، فتدبر.
كتبه مصححه.(4/225)
وكذلك لو وصى أن يشترى به خمرا أو خنازير فيتصدق بها أو أوصى بخنازير له أو خمرا أبطلنا الوصية في هذا كله، ولو أوصى أن تبنى كنيسة ينزلها مار الطريق أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل كراءها للنصارى أو للمساكين جازت الوصية وليس في بنيان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارة أو غيره في كنائسهم التي لصلواتهم، ولو أوصى أن يعطى الرهبان والشمامسة ثلثه جازت الوصية لانه قد تجوز الصدقة على
هؤلاء، ولو أوصى أن يكتب بثلثه الانجيل والتوراة لدرس لم تجز الوصية لان الله عزوجل قد ذكر تبديلهم منها فقال (الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) وقال (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب) قرأ الربيع الآية ولو أوصى أن يكتب به كتب طب فتكون صدقة جازت له الوصية ولو أوصى أن تكتب به كتب سحر لم يجز.
ولو أوصى أن يشترى بثلثه سلاحا للمسلمين جاز ولو أوصى أن يشترى به سلاحا للعدو من المشركين لم يجز، ولو أوصى بثلثه لبعض أهل الحرب جاز لانه لم يحرم أن يعطوا مالا وكذلك لو أوصى أن يفتدى منه أسير في أيدى المسلمين من أهل الحرب قال: ومن استعدى على ذمى أو مستأمن أعدى عليه وإن لم يرض ذلك المستعدى عليه إذا استعدى عليه في شئ فيه حق للمستعدى وإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم يذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم أعمالا من رباء لم نكشفهم عنها لان ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم يكن لها طالب يستحقها وكذلك لا يكشفون عما استحلوا من نكاح المحارم فإن جاءتنا محرم للرجل قد نكحته فسخنا النكاح فإن جاءتنا امرأة نكحها على أربع أجبرناه بأن يختار أربعا ويفارق سائرهن وإن لم تأتنا لم نكشفه عن ذلك فإن قال قائل فقد كتب عمر يفرق بين كل ذى محرم من المجوس فقد يحتمل أن يفرق إذا طلبت ذلك المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه مهرها وتركنا لهم على الشرك أعظم من تركنا لهم على نكاح ذات محرم وجمع أكثر من أربع ما لم يأتونا فإن جاءنا منهم مسروق بسارق قطعناه له وإن جاءنا منهم سارق قد استعبده مسروق بحكم له أبطلنا العبودية عنه وحكمنا عليه حكمنا على السارق قال: وللنصراني الشفعة على المسلم وللمسلم الشفعة عليه ولا يمنع النصراني أن يشترى من مسلم ماشية فيها صدقة ولا أرض زرع ولا نخلا وإن أبطل ذلك الصدقة فيها كما لايمنع الرجل المسلم أن يبيع ذلك مفرقا من جماعة فتسقط فيه الصدقة قال: ولايكون لذمى أن يحيى مواتا من بلاد المسلمين فإن أحياها لم تكن له بإحيائها وقيل له خذ عمارتها وإن كان ذلك فيها والارض للمسلمين لان إحياء الموات فضل من الله تعالى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم أحياه ولم يكن له قبل يحييه كالفئ وإنما جعل الله تعالى الفئ وملك ما لا مالك له لاهل دينه لا لغيرهم.
كتاب قتال أهل البغى وأهل الردة
باب فيمن يجب قتاله من أهل البغى (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وإن طائفتان من المؤمنين افتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فذكر الله عزوجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو(4/226)
أضعف إذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالاصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغى قبل دعائهم لان على الامام الدعاء كما أمر الله عزول قبل القتال وأمر الله عزوجل بقتال الفئة الباغية وهى مسماة باسم الايمان حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت لم تكن لاحد قتالها لان الله عزوجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغى إلى أن تفئ (قال الشافعي) والفئ الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفئ بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره إلى طاعته في الكف عما حرم الله عزوجل قال وقال أبو ذؤيب يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهل في وقعة فقتل: لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا * يوم الاميلح لاغابوا ولاجرحوا عقوا بسهم فلم يشعر به أحد * ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولامال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الاصلاح بينهم أولا قبل الاذن بقتالهم فأشبه هذا والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الاموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل قول الله عزوجل فإن (فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عزوجل (بالعدل) أخذ الحق لبعض الناس من بعض (قال الشافعي) وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال أدركت الفتنة الاولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه (قال الشافعي) وهذا كما قال الزهري عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمتقول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولاغرم له مالا أتلفه ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغى من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل دون ماله فهو شهيد) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الاتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم (من قتل دون ماله فهو شهيد) إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو قتل ليؤخذ ماله ولايقال له، قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد (قال الشافعي) وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان، منهم قوم اغروا بعد الاسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالاسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد بمنع الحق قال ومن رجع عن شئ جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول عمر لابي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا(4/227)
إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) في قول أبى بكر (هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه) معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالايمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا
الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبى بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لابي بكر بعد الاسار فقال شاعرهم: ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر * لعل منايانا قريب وما ندرى أطعنا رسول الله ما كان وسطنا * فيا عجبا ما بال ملك أبى بكر فإن الذى يسألكمو فمنعتم * لكا لتمر أو أحلى إليهم من التمر سنمنعهم ما كان فينا بقية * كرام على العزاء في ساعة العسر وقالوا لابي بكر بعد الاسار ما كفرنا بعد إيماننا ولك شححنا على أموالنا (قال الشافعي) وقول أبى بكر لا تفرقوا بين ما جمع الله يعنى فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها ولعل مذهبه فيه أن الله عزوجل يقول (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل (قال الشافعي) فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقى أخا بنى بدر الفزارى فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمضى أبو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففى هذ الدليل على أن من منع ما فرض الله عزوجل عليه فلم يقدر الامام على أخذ منه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كلحق لرجل على رجل منعه قال فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو شئ منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أوديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لان هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه وهكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم أبو بكر باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الامام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطى الامام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه و يزيد على مانع الصدقة أن يريد
أن يحكم هو على الامام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتال الامام قال وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغى فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضى الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لى قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الناصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن رجلا تأول(4/228)
فقتل أو أتلف مالا أقتصصت منه وأغرمته المال؟ فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم مسلم (أو قتل نفس بغير نفس) وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده) ووجدت الله تعالى قال (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) فذكر الله عزوجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عزوجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتعين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له: على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه ولى قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولاعابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد على وأبو بكر قبله ولى من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على
التأويل كما وصفنا ولا على الكفر (قال الشافعي) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شئ منها وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عزوجل في القتلة وفى المحاربين.
باب السيرة في أهل البغى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: روى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن الحسين رضى الله تعالى عنهما قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه (لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح) (قال الشافعي) فذكرت هذا الحديث للدراوردى فقال ما أحفظه يريد يعجب بحفظه هكذا ذكره جعفر بهذا الاسناد * قال الدراوردى أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا رضى الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبا وأنه كان يباشر القتال بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرا.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضى الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه (أطعموه وأسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولى دمى أعفوا إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا).
باب الحال التى لا يحل فيها دماء أهل البغى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن قوما أظهروا رأى الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لانهم على حرمة الايمان لم يصيروا إلى الحال التى أمر الله عزوجل بقتالهم فيها بلغنا أن عليا رضى الله تعالى عنه بينا هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد (لاحكم إلا لله عزوجل) فقال على رضى الله تعالى عنه (كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد(4/229)
الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفئ ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نبذؤكم بقتال) (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الازرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز (إن سبوني فسبوهم أو
اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماؤهم ولا أن يمنعو الفئ ما جرى عليهم حكم الاسلام وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والاسواق قال ولو شهدوا شهادة الحق وهم مظهرون لهذا قبل الاعتقاد أو بعده وكانت حالهم في العفاف والعقول حسنة البغى للقاضى أن يحصيهم بأن يسأل عنهم فإن كانوا يستحلون في مذاهبهم أن يشهدوا لمن يذهب مذهبهم بتصديقه على ما لم يسمعوا ولم يعاينوا أو يستحلوا أن ينالوا من أموال من خالفهم أو أبدانهم شيئا يجعلون الشهادة بالباطل ذريعة إليه لم تجز شهادتهم وإن كانوا لا يستحلون ذلك جازت شهادتهم وهكذا من بغى من أهل الاهواء ولا يفرق بينهم وبين غيرهم فيما يجب لهم وعليهم من أخذ الحق والحدود والاحكام ولو أصابوا في هذه الحال حدا لله عزوجل أو للناس دما أو غيره ثم اعتقدوا ونصبوا إماما وامتنعوا ثم سألوا أن يؤمنوا على أن يسقط عنهم ما أصابوا قبل أن يعتقدوا أو شئ منه لم يكن للامام أن يسقط عنهم منه شيئا لله عز ذكره ولا للناس وكان عليه أخذهم به كما يكون عليه أخذ من أحدث حدا لله تبارك وتعالى أو للناس ثم هرب ولم يتأول ويمتنع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن قوما كانوا في مصر أو صحراء فسفكوا الدماء وأخذوا الاموال كان حكمهم كحكم قطاع الطريق وسواء المكابرة في المصر أو الصحراء ولو افترقا كانت المكابرة في المصر أعظمهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك لو أن قوما كابروا فقتلوا ولم يأخذوا مالا أقيم عليهم الحق في جميع ما أخذوا وكذلك لو امتنعوا فأصابوا دما وأموالا على غير التأويل ثم قد عليهم أخذ منهم الحخق في الدماء والاموال وكل ما أتوا من حد (قال الشافعي) ولو أن قوما متأولين كثيرا كانوا أن قليلا اعتزلوا جماعة الناس فكان عليهم وال لاهل العدل يجرى حكمه فقتلوه وغير قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا رضى الله تعالى عنه ونقموا عليه الحكومة فقالوا لا نساكنك في بلد فاستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا: كلنا قاتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لافسار إليهم فقاتلهم فأصأب أكثرهم قال وكل ما أصابوه في هذه الحال من حد لله تبارك وتعالى أو للناس أقيم عليهم متى قدر عليهم وليس عليهم في هذه الحال
أن يبدءوا بقتال حتى يمتنعوا من الحكم وينتصبوا قال وهكذا لو خرج رجل أو رجلان أو نفر يسير قليلو العدد يعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريد فأظهروا رأيهم ونابذوا إمامهم العادل وقالوا نمتنع من الحكم فأصابوا دما وأموالا وحدودا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق لله تعالى وللناس في كل شئ كما يؤخذ من غير المتأولين فإن كانت لاهل البغى جماعة تكثر ويمتنع مثلها بموضعها الذى هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبوا إماما وأظهروا حكما وامتنعوا من حكم الامام العادل فهذه الفئة الباغية التى تفارق حكم من ذكرنا قبلها فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت فإن لم يذكروها بينة قيل لهم عودوا لما فارقتم من طاعة الامام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب(4/230)
فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلون حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا قال وإذا امتنعوا من الاجابة وحكم عليهم بحكم فلم يسلموا أو حلت عليهم صدقة فمنعوها وحالوا دونها وقالوا لانبدؤكم بقتال قوتلوا حتى يقروا بالحكم ويعدوا ولما امتنعوا إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما أصابوا في هذه الحال على وجهين أحدهما ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد لم يقم عليهم منه شئ إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ، والوجه الثاني ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد أو أصابه وهو في بلاد لا والى لها ثم جاء لها وال وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الامام عليها فصار لا يجرى له بها حكم فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع ولا يمنع الامتناع حقا يقام إنما يمنعه التأويل والامتناع معا فإن قال قائل فأنت تسقط ما أصاب المشركون من أهل الحرب إذا أسلموا (1) فكذلك أسقط عن حربى لو قتل مسلما منفردا ثم أسلم وأقتل الحربى بديئا من غير أن يقتل أحدا وليس هذا الحكم في المتأول في واحد من الوجهين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا دعى أهل البغى فامتنعوا من الاجابة فقوتلوا فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك
وذلك بأن الله عزوجل حرم ثم رسوله دماء المسلمين إلا بما بين الله تبارك وتعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما أبيح قتال أهل البغى ما كانوا يقاتلون وهم لا يكونون مقاتلين أبدا إلا مقبلين ممتنعين مريدين فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التى أبيح بها قتالهم وهم لا يخرجون منها أبدا إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهى قبل يحدثون وذلك بين عندي في كتاب الله عزوجل قال الله تبارك وتعالى (فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولم يستثن الله تبارك وتعالى في الفيئة فسواء كان للذى فاء فئة أو لم تكن له فئة فمتى فاء والفيئة الرجوع حرم دمه ولا يقتل منهم مدبر أبدا ولا أسيرو لا جريح بحال لان هؤلاء قد صاروا في غير المعنى الذى حلت به دماؤهم وكذلك لا يستمتع من أموالهم بدابة تركب ولا متاع ولا سلاح يقاتل به في حربهم وإن كانت قائمة ولابعد تقضيها ولا غير ذلك من أموالهم وما صار إليهم من دابة فحبسوها أو سلاح فعليهم رده عليهم وذلك لان الاموال في القتال إنما تحل من أهل الشرك الذين يتخولون إذا قدر عليهم فأما من أسلم فحد في قطع الطريق والزنا والقتل فهو لا يؤخذ ماله فهو إذا قوتل في البغى كان أخف حالا لانه إذا رجع عن القتال لم يقتل فلا يستمتع من ماله بشئ لانه لا جناية على ماله بدلالة توجب في ماله شيئا قال ومتى ألقى أهل البغى السلاح لم يقاتلوا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قاتلت المرأة أو العبد مع أهل البغى والغلام المراهق فهم مثلهم يقاتلون مقبلين ويتركون مولين قال ويختلفون في الاسارى فلو أسر البالغ من الرجال الاحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك ولا غير بالغ من الاحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الاسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الاسلام إنما هي على الجهاد وأما إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يحبس أسيرهم ولو قال أهل البغى انظرونا ننظر في أمرنا لم أر بأسا أن ينظروا قال ولو قالوا أنظرونا مدة رأيت أن يجتهد الامام فيه فإن كان يرجو فيئتهم أحببت الاستيناء بهم وإن لم يرج ذلك فان جهادهم وإن كان يخاف على الفئة العادلة الضعف عنهم
__________
(1) قوله: فكذلك الخ هو جواب (إن) ومحط الجواب آخر الكلام وهو قوله (وليس هذا الحكم الخ) تأمل.(4/231)
رجوت تأخيرهم إلى أن يرجعوا أو تمكنه القوة عليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو سألوا أن يتركوا بجعل يؤخذ منهم لم ينبغ أن يؤخذ من مسلم جعل على ترك حق قبله ولا يترك جهاده ليرجع إلى حق منعه أو عن باطل ركبه والاخذ منهم على هذا الوجه في معنى الصغار والذلة والصغار لا يجرى على مسلم قال ولو سألوا أن يتركوا أبدا ممتنعين لم يكن ذلك للامام إذا قوى على قتالهم وإذا تحصنوا فقد قيل يقاتلون بالمجانيق والنيران وغيرها ويبيتون إن شاء من يقاتلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأنا أحب إلى أن يتوقى ذلك فيهم ما لم يكن بالامام ضرورة إليه والضرورة إليه أن يكون بإزاء قوم متحصنا فيغزونه أو يحرقون عليه أو يرمونه بمجانيق أؤ عرادات أو يحيطون به فيخاف الاصطلام على من معه فإذا كان هذا أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم بالمنجنيق والنار دفعا عن نفسه أو معاقبة بمثل ما فعل به قال ولايجوز لاهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغى بأحد من المشركين ذمى ولا حربى ولو كان حكم المسلمين الظاهر ولا أجعل لمن خالف دين الله عزوجل الذريعة إلى قتل أهل دين الله قال ولا بأس إذا كان حكم الاسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة وأهل البغى إنما يحل قتالهم دفعا لهم عما أرادوا من قتال أو امتناع من الحكم فإذا فارقوا تلك الحال حرمت دماؤهم قال ولا أحب أن يقاتلهم أيضا بأحد يستحل قتلهم مدبرين وجرحى وأسرى من المسلمين فيسلط عليهم من يعلم أنه يعمل فيهم بخلاف الحق وهكذا من ولى شيئا ينبغى أن لا يولاه وهو يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه ولو كان المسلمون الذين يستحلون من أهل البغى ما وصفت يضبطون بقوة الامام وكثرة من معه حتى لا يتقدموا على خلافه وإن رأوه حقا لم أر بأسا أن يستعان بهم على أهل البغى على هذا المعنى إذا لم يوجد غيرهم يكفى كفايتهم وكانوا أجزأ في قتالهم من غيرهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو تفرق أهل البغى فنصب بعضهم لبعض فسألت الطائفتان أو إحداهما إمام أهل العدل معونتها على الطائفة المفارقة لها بلا رجوع إلى جماعة أهل العدل وكانت بالامام ومن معه قوة على الامتناع منهم لو أجمعوا عليه لم أر أن يعين إحدى الطائفتين على الاخرى وذلك أن قتال إحداهما ليس بأوجب من قتال الاخرى وأن قتاله مع إحداهما كالامان للتى تقاتل معه وإن كان الامام يضعف فذذلك أسهل في أن يجوز معاونة إحدى
الطائفتين على الاخرى فإن انقضى حرب الامام الاخرى لم يكن له جهاد التى أعان حتى يدعوها ويعذر إليها فإن امتنعت من الرجوع نبذ إليها ثم جاهدها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا من أهل العدل قتل رجلا من أهل العدل في شغل الحرب وعسكر أهل العدل فقال: أخطأت به ظننته من أهل البغى أحلف وضمن ديته ولو قال عمدته أقيد منه (قال الشافعي) وكذلك لو صار إلى أهل العدل بعض أهل البغى تائبا مجاهدا أهل البغى أو تاركا للحرب وإن لم يجاهد أهل البغى فقتله بعض أهل الدار وقال قد عرفته بالبغى وكنت أراه إنما صار إلينا لينال من بعضنا غرة فقتلته أحلف على ذلك وضمن ديته وإن لم يدع هذه الشبهة أقيد منه لانه إذا صار إلى أهل العدل فحكمه حكمهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو رجع نفر من أهل البغى عن رأيهم وأمنهم السلطان فقتل رجلا منهم رجل فادعى معرفتهم أنهم من أهل البغى وجهالته بأمان السلطان لهم ورجوعهم عن رأيهم درئ عنه القود وألزم الدية بعد ما يحلف على ما ادعى من ذلك وإن أتى ذلك عامدا أقيد بما نال من دم وجرح يستطاع فيه القصاص وكان عليه الارش فيما لا يستطاع فيه القصاص من الجراح قال ولو أن تجارا في عسكر أهل البغى أو أهل مدينة غلب عليها أهل البغى أو أسرى من المسلمين كانوا في أيديهم(4/232)
وكل هؤلاء غير داخل مع أهل البغى برأى ولا معونة قتل بعضهم بعضا أو أتى حدا لله أو للناس عارفا بأنه محرم عليه ثم قدر على إقامته عليه أقيم عليه ذلك كله وكذلك لو كانوا في بلاد الحرب فأتوا ذلك عالمين بأنه محرم وغير مكرهين على إتيانه أقيم عليهم كل حد لله عزوجل وللناس وكذلك لو تلصصوا فكانوا بطرف ممتنعين لا يجرى عليهم حكم أو لا يتلصصون ولا متأولين إلا انهم لا تجرى عليهم الاحكام وكانوا ممن قامت عليهم الحجة بالعلم مع الاسلام ثم قدر عليهم أقيمت عليهم الحقوق.
حكم أهل البغى في الاموال وغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ظهر أهل الغبى على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم على أحد حدا لله أو للناس فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاده مع أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغى بحد ولا
على من أخذوا صدقته بصدقة عامة ذلك فإن كانت وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام أهل العدل ما بقى منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغى منها: قال: وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك منه.
قال وإن أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغى أخذها منهم فهم أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من خراج الارض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لانهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذى أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره.
قال: ولو استقضى إمام أهل البغى رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضى من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه: ولو ظهر أهل العدل على أهل البغى لم يردد من قضاء قاضى أهل البغى إلا ما يرد من قضاء القضاة غيره وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذى يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل في الحين الذى يجيزها فيه ولو كتب قاضى أهل البغى إلى قاضى أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغى فالاغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه فأحب إلى أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضى رده إلا بجور تبين له ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه فقبل القاضى كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم: وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت الحق إن رد شبيها بحكمه.
قال ومن شهد من أهل البغى عند قاض من أهل العدل في الحال التى يكون فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال بعض ما وصفت من أن يشهد لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من الوجوه التى يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في شئ وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته، قال: ولو وقع لرجل
في عسكر أهل البغى على رجل في عسكر أهل العدل حق دم نفس أو جرح أو مال وجب على(4/233)
قاضى أهل العدل الاخذ له به لا يختلف هو وغيره فما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث وغيرها، وكذلك حق على قاضى أهل البغى أن يأخذ من الباغى لغير الباغى من المسلمين وغيرهم حقه، ولو امتنع قاضى أهل البغى من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغى حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال: وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لاهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم وأحق الناس بالصبر للحق أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من بحضرته لمسلم بالذى يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لانه ليس بالذى ظلمه فيحبس له مثل ما أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ الشافعي.
قال: ولو ظهر أهل البغى على مصر فولوا قضاءه رجلا من أهله معروفا بخلاف رأى أهل البغى فكتب إلى قاض غيره نظر فإن كان القاضى عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضى المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل وخلاف أهل البغى قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضى أهل البغى قال: وإذا غزا أهل البغى المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا فإن كان لكل واحد من الطائفتين إمام فأهل البغى كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل شئ ليس الخمس قال: فإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم جاز الامان وإن قتل أحد منهم في الاقبال كان له السلب.
وإن كان أهل البغى في عسكر ردءا لاهل العدل فسرى أهل العدل فأصابوا غنائم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغى فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى به لانه لقوم مفترقين في البلدان يؤدية إليهم لان حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغى وأنه لا يستحل حبسه استحلال الباغى قال: ولو وادع أهل البغى قوما من المشركين لم يكن لاحد من المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده عليهم ولو غزا أهل البغى قوما قد وادعهم إمام
المسلمين فسباهم أهل البغى فإن ظهر المسلمون على أهل البغى استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على أهله المشركين قال: ويحل شراء أحد من ذلك السبى وإن اشترى فشراؤه مردود قال: ولو استعان أهل البغى بأهل الحرب على قتال أهل العدل وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال لاهل العدل قتال أهل الحرب وسبيهم وليس كينونتهم مع أهل البغى بأمان إنما يكون لهم الامان على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم إمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له: وقد قيل: لو استعان أهل البغى بقوم من أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لانهم مع طائفة من المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الاسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالاصلاح بينهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن درجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق قال: فإن أتى أحد من أهل البغى تائبا لم يقتص منه لانه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أهل الذمة مع أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولاسهما وإنما يرضخ لهم ولو رهن أهل البغى نفرا منهم عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على(4/234)
ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغى على رهن أهل العدل فقتلوهم لم يكن لاهل العدل أن يقتلوا رهن أهل البغى الذين عندهم ولا أن يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لان أصحابهم لا يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغى بلا رهن من أهل العدل ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقدر غدر أهل البغى لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم.
قال: ولو أن أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغى فقتله رجل جاهل كان فيه الدية.
وإذا قتل العدلى الباغى عامدا والقاتل وارث المقتول أو قتل الباغى العدلى وهو وارثه لم أر أن يتوارثا والله تعالى أعلم ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين، وإذا قتل أهل البغى في معركة وغيرها صلى عليهم لان الصلاة سنة في
المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه.
وأما أهل البغى إذا قتلوا في المعركة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برؤوسهم إلى موضع ولا يصلبون ولا يمنعون الدفن، وإذا قتل أهل العدل أهل البغى في المعركة ففيهم قولان: أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التى قتلوا فيها إن شاءوا لانهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما يصنع بمن قتله المشركون لانهم مقتولون في المعركة وشهدا.
والقول الثاني: أن يصلى عليهم لان أصل الحكم في المسلمين الصلاة على الموتى إلا حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها فيمن قتله المشركون في المعركة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والصبيان والنساء من أهل البغى إذا قتلوا معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين.
قال: وأكره للعدلى أن يعمد قتل ذى رحمه من أهل البغى ولو كف عن قتل أبيه أو ذى رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة ابن غتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه، وإذا قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق، وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق * وإذا ارتد قوم عن الاسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين، وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال.
فإن قال قائل: لم لا يتبعون؟ قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الاموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة ابن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا ولا قودا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في المصر أعظم ذنبا (قال الربيع) وللشافعي قول آخر: يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن أهل البغى ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغى قتالهم لم أرد أن يقاتلهم أهل المدينة معهم، فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى.
ولو سبى المشركون أهل البغى وكانت بالمسلمين قوة على قتال المشركين لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغى.
ولو غزا
المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين وكل واحد منهم رد.
لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه في الغنيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال لى قائل: فما تقول فيمن أراد مال رجل أو دمه أو حرمته؟ قلت له: فله دفعه عنه.
قال فإن لم يكن يدفع عنه إلا بقتال؟ قلت فيقاتله.
قال وان أتى القتال على نفسه؟ قلت: نعم.
إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك.
قال: وما معنى يقدر على دفعه بغير ذلك؟ قلت: أن يكون فارسا والعارض له راجل فيمعن على الفرس، أو يكون متحصنا فيغلق(4/235)
الحصن الساعة فيمضى عنه.
وإن أبى إلا حصره وقتاله قاتله أيضا، قال: أفليس قد ذكر حماد عن يحيى بن سعيد عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس) فقلت له حديث عثمان كما حدث به وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث) كما قال وهذا كلام عربي ومعناه أنه إذا أتى واحدة من ثلاث حل دمه.
كما قال: فكان رجل زنا ثم ترك الزنا وتاب منه أو هرب من الموضع الذى زنى فيه فقدر عليه قتل رجما ولو قتل مسلما عامدا ثم ترك القتل فتاب وهرب عليه قتل قودا وإذا كفر فتاب زال عنه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا فيقتلان بالاسم اللازم لهما والكافر بعد إيمانه لو هرب ولم يترك القول بالكفر بعد ما أظهره قتل إلا أنه إذا تاب من الكفر وعاد إلى الاسلام حقن دمه وذلك أنه يسقط عنه إذا رجع إلى الاسلام اسم الكفر فلا يقتل وقد عاد مسلما ومتى لزمه اسم الكفر فهو كالزاني والقاتل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والباغى خارج من أن يقال له حلال الدم مطلقا غير مستثنى فيه وإنما يقال إذا بغى وامتنع أو قاتل مع أهل الامتناع قوتل دفعا عن أن يقتل أو منازعة ليرجع أو يدفع حقا إن منعه فإن أتى لا قتال على نفسه فلا عقل فيه ولا قود فإنا أبحنا قتاله، ولو ولى عن القتال أو اعتزل أو جرح أو أسر أو كان مريضا لا قتال به لم يقتل في شئ من هذه الحالات ولا يقال للباغى وحاله هكذا حلال الدم ولو حل دمه ما حقن بالتولية والاسار والجرح وعزله القتال، و لا يحقن دم الكافر حتى يسلم وحاله ما وصفت قبله من حال من أراد دم رجل أو ماله.
الخلاف في قتال أهل البغى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حضرني بعض الناس الذى حكيت حجته بحديث عثمان فكلمنى بما وصفت وحكيت له جملة ما ذكرت في قتال أهل البغى فقال هذا كما قلت وما علمت أحدا احتج في هذا بشبيه بما احتججت به ولقد خالفك أصحابنا منه في مواضع.
قلت: وما هي؟ قال: قالوا إذا كانت للفئة الباغية فئة ترجع إليها وانهزموا قتلوا منهزمين وذفف عليهم جرحى وقتلوا أسرى فإن كانت حربهم قائمة فأسر منهم أسير قتل أسيرهم وذفف على جرحاهم، فأما إذا لم يكن لاهل البغى فئة وانهزم عسكرهم فلا يحل أن يقتل مدبرهم ولا أسيرهم ولا يذفف على جرحاهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له إذا زعمت أن ما احتججنا به حجة فكيف رغبت عن الامر الذى فيه الحجة أقلت بهذا خبرا أو قياسا؟ قال: بل قلت به خبرا.
قلت: وما الخبر؟ قال إن على ابن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال يوم الجمل: لا يقتل مدبر ولايذفف على جريح فكان ذلك عندنا على أنه ليس لاهل الجمل فئة يرجعون إليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له أفرويت عن على أنه قال لو كانت لهم فئة يرجعون إليها قتلنا مدبرهم وأسيرهم وجريحهم فتستدل باختلاف حكمه على اختلاف السيرة في الطائفتين عنده؟ قال لا ولكنه عندي على هذا المعنى قلت أفبدلالة؟ فأوجدناها.
فقال فكيف يجوز قتلهم مقبلين ولايجوز مدبرين؟ قلت بما قلنا من أن الله عزوجل إنما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين.
قال الله تبارك وتعالى (فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) وإنما(4/236)
يقاتل من يقاتل، فأما من لا يقاتل فإنما يقال أقتلوه لا فقاتلوه ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك لانك تقول لا تقتلون مدبرا ولا أسيرا ولا جريحا إذا انهزم عسكرهم ولم تكن لهم فئة قال قلته اتباعا لعلى بن أبى طالب قلت فقد خالفت على بن أبى طالب رضى الله عنه في مثل ما اتبعته
فيه، وقلت أرأيت إن احتج عليك أحد بمثل حجتك وقال نقتلهم بكل حال وإن انهزم عسكرهم لان عليا قد يكون ترك قتلهم على وجه المن لا على وجه التحريم قال ليس ذلك له وإن احتمل ذلك الحديث لانه ليس في الحديث دلالة عليه قلت ولا لك لانه ليس في حديث على رضى الله تعالى عنه ولا يحتمله دلالة على قتل من كانت له فئة موليا وأسيرا وجريحا (قال) وقلت وما ألفيته من هذا المعنى ما هو إلا واحد من معنيين أما ما قلنا بالاستدلال بحكم الله عزوجل وفعل من يقتدى به من السلف فإن أبا بكر قد أسر غير واحد ممن منع الصدقة فما ضربه ولا قتله، وعلى رضى الله تعالى عنه قد أسر وقدر على من امتنع فما ضربه ولاقتله، وإما أن يكون خروجهم إلى هذا يحل دماءهم فيقتلون في كل حال كانت لهم فئة أو لم تكن قال لا يقتلون في هذه الحال.
قلت أجل ولا في الحال التى أبحت دماءهم فيها، وقد كان معاوية بالشام فكان يحتمل أن تكون لهم فئة كانوا كثيرا وانصرف بعضهم قبل بعض فكانوا يحتملون أن تكون الفئة المنصرفة أولا فئة للفئة المنصرفة آخرا، وقد كانت في المسلمين هزيمة يوم أحد وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة بالشعب فكان النبي صلى الله عليه وسلم فئة لمن انحاز إليه وهم في موضع واحد وقد يكون للقوم فئة فينهزمون ولا يريدونها ولا يريدون العودة للقتال ولا يكون لهم فئة فينهزمون يريدون الرجوع للقتال وقد وجدت القوم يريدون القتال ويشحذون السلاح فتزعم نحن وأنت أنه ليس لنا قتالهم ما لم ينصبوا إماما ويسيروا ونحن نخافهم على الايقاع بنا فكيف أبحت قتالهم بإرادة غيرهم القتال أو بترك غيرهم الهزيمة وقد انهزمواهم وجرحوا وأسروا ولا تبيح قتالهم بإرادتهم القتال؟ وقلت له لو لم يكن عليك في هذا حجة إلا فعل على بن أبى طالب وقوله كنت محجوجا بفعل على وقوله قال وماذاك؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى فاختة أن عليا رضى الله تعالى عنه أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال على (لا أقتلك صبرا إنى أخاف الله رب العالمين) فخلى سبيله ثم قال أفيك خيرا أيبايع؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا وعلى يقول لاسير من أصحاب معاوية لا أقتلك صبرا إنى أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله؟ قال فلعله من عليه قلت هو يقول إنى أخاف الله رب العالمين قال يقول إنى أخاف الله فأطلب الاجر بالمن عليك قلت أفيجوز إذ قال لا يقتل
مدبر ولا يذفف على جريح لمن لافئة له مثل حجتك؟ قال لا لانه لا دلالة في الحديث عليه قلت ولا دلالة في حديث أبى فاختة على ما قلت وفيه الدلالة على خلافك لانه لو قاله رجاء الاجر قال إنى لارجو الله واسم الرجاء بمن ترك شيئا مباحا له أولى من اسم الخوف واسم الخوف بمن ترك شيئا خوف المأثم أولى وإن احتمل اللسان المعنيين قال فإن أصحابنا يقولون قولك لا نستمتع من أموال أهل البغى بشئ إلا في حال واحدة قلت وما تلك الحال؟ قال إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم فإذا انقضت الحرب رد ذلك عليهم وعلى ورثتهم قلت أفرأيت إن عارضنا وإياك معارض يستحل مال من استحل دمه من أهل القبلة؟ فقال الدم عند الله تعالى أعظم حرمة من المال فإذا حل الدم كان المال له تبعا هل الحجة عليه إلا أن يقال هذا في رجال أهل الحرب الذين خالفوا دين الله عز وجل هكذا وتحل أموالهم أيضا بما لا تحل به دماؤهم وذلك أن يسبى ذراريهم ونساؤهم فيسترقون(4/237)
وتؤخذ أموالهم والحكم في أهل القبلة مباين لهذا قد يحل دم الزانى منهم والقاتل ولا يحل من مالهما شئ وذلك لجنايتهما ولا جناية على أموالهما والباغى أخف حالا منهما لانه يقال للزاني المحصن والقاتل هذا مباح الدم مطلقا لا استثناء فيه ولا يقال للباغى مباح الدم إنما يقال على الباغى أن يمنع من البغى فإن قدر على منعه منه بالكلام أو كان باغيا غير ممتنع مقاتل لم يحل قتاله وإن يقاتل فلم يخلص إلى دمه حتى يصير في غير معنى قتال بتولية أو أن يصير جريحا أو ملقيا للسلاح أو أسيرا لم يحل دمه فقال هذا الذى إذا كان هكذا حرم أو مثل حال الزانى والقاتل محرم المال ما الحجة عليه إلا هذا وما فوق هذا حجة؟ فقلت هل الذى حمدت حجة عليك؟ قال إنى إنما آخذه لانه أقوى لى وأوهن لهم ما كانوا يقاتلون فقلت فهل يعدو ما أخذت من أمالهم أن تأخذ مال قتيل قد صار ملكه لطفل أو كبير لم يقاتلك قط فتقوى بمال غائب عنك غير باغ على باغ يقاتلك غيره أو مال جريح أو أسير أو مول قد صاروا في غير معنى أهل البغى الذين يحل قتالهم وأموالهم ومال رجل يقاتلك يحل لك دفعه وإن أتى الدفع على نفسه ولا جناية على ماله أو رأيت لو سبى أهل البغى قوما من المسلمين أنأخذ من أموالهم ما نستعين به على قتال أهل البغى لنستنقذهم فنعطيهم باستنقاذهم خيرا مما نستمتع به من أموالهم؟ قال لا
قلت وقليل الاستمتاع بأموال الناس محرم؟ قال نعم قلت فما أحل لك الاستمتاع بأموال أهل البغى حتى تنقضي الحرب ثم استمتعت بالكراع والسلاح دون الطعام والثياب والمال غيرهما؟ قال فما فيه قياس وما القياس فيه إلا ما قلت ولكني قلته خبرا قلت وما الخبر؟ قال بغلنا ان عليا رضى الله تعالى عنه غنم ما في عسكر في قاتله فقلت له قد رويتم أن عليا عرف ورثة أهل النهروان حتى تغيب قدر أو مرجل أفسار على على بسيرتين إحداهما غنم والاخرى لم يغنم فيها؟ قال لا ولكن أحد الحديثين وهم قلت فأيهما الوهم؟ قال ما تقول أنت؟ قلت ما أعرف منهما واحدا ثابتا عنه فإن عرفت الثابت فقل بما يثبت عنه قال ماله أن يغنم أموالهم قلت ألان أموالهم محبة؟ قال نعم فقلت فقد خالفت الحديثين عنه وأنت لا تغنم وقد زعمت أنه غنم ولا تترك وقد زعمت أنه ترك قال إنما استمتع بها في حال قلت فالمحظور يستمتع به فيما سوى هذا؟ قال لا قلت أفيجوز أن يكون شيآن محظوران فيستمتع بأحدهما ويحرم الاستمتاع بالآخر بلا خبر؟ قال لا قلت فقد أجزته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أنأخذها؟ قال لا قلت فقد تركت ما هو أشد لك عليهم تقوية من السلاح والكراع في بعض الحالات قال فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلى على قتلى أهل البغى فقلت له ولم؟ وصاحبك يصلى على من قتله في حد والمقتول في حد يجب على صاحبك قتله ولا يحل له تركه والباغى يحرم على صاحبك قتله موليا وراجعا عن البغى فإذا ترك صاحبك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل له إلا قتله أولى أن يترك الصلاة عليه؟ قال كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة ليتنكل غيره عن مثل ما صنع قلت أو يعاقبه صاحبك بما لا يسعه أن يعاقبه به؟ فإن كان ذلك جائزا فليصلبه أو ليحرقه فهو أشد في العقوبة من ترك الصلاة عليه أو يجز رأسه فيبعث به؟ قال لا يفعل به من هذا شيئا قلت وهل يبالى من قاتلك على أنك كافر أن لا تصلى عليه وهو يرى صلاتك لا تقربه إلى الله تعالى؟ وقلت وصاحبك لو غنم مال الباغى كان أبلغ في تنكيل الناس حتى لا يصنعوا مثل ما صنع الباغى قال ما ينكل أحد بما ليس له أن ينكل به قلت فقد فعلت وقلت له أتمنع الباغى أن تجوز شهادته أو يناكح أو يوارث أو شيئا مما يحوز لاهل الاسلام؟ قال لا قلت قال فكيف منعته الصلاة وحدها؟ أبخبر؟ لا قلت فإن قال لك قائل أصلى عليه وأمنعه أن يناكح أو يوارث قال ليس له أن(4/238)
يمنعه شيئا مما لا يمنعه المسلم إلا بخبر قلت فقد منعه الصلاة بلا خبر وقال إذا قتل العادل أخاه وأخوه باغ ورثه لان له قتله وإذا قتله أخوه لم يرثه لانه ليس له قتله فقلت له فقد زعم بعض أصحابنا أن من قتل أخاه عمدا لم يرث من ماله ولا من دينه إن اخذت منه شيئا ومن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته شيئا لانه لايتهم على أن يكون قتله ليرث ماله وروى هذا عمرو بن شعيب يرفعه فقلت حديث عمرو بن شعيب ضعيف لا تقوم به حجة وقلت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لقاتل شئ) هذا على من لزمه اسم القتل أيما كان تعمد القتل أو مرفوعا عنه الاثم بأن عمد غرضا فأصاب إنسانا فكيف لم يقل بهذا في القتيل من أهل البغى والعدل فيقول كل من يلزمه اسم قاتل فلا يرث كما احتججت علينا؟ وأنت أيضا تسوى بينهما في القتل فتقول لا أقيد واحدا منهما من صاحبه وإن كان أحدهما ظالما لان كلا متأول قال فإن صاحبنا قال نقاتل أهل البغى ولا يدعون لانهم يعرفون ما يدعون إليه وقال حجتنا فيه أن من بلغته الدعوة من أهل الحرب جاز أن يقاتل ولا يدعى فقلت له لو قاس غيرك أهل البغى بأهل الحرب كنت شبيها بالخروج إلى الاسراف في تضعيفه كما رأيتك تفعل في أقل من هذا قال وما الفرق بينهم؟ قلت أرأيت أهل البغى إذا أظهروا إرادة الخروج علينا والبراءه منا واعتزلوا جماعتنا أتقتلهم في هذه الحال؟ قال لا فقلت ولا نأخذ لهم مالا ولا نسبي لهم ذرية؟ قال لا قلت أفرأيت أهل الحرب إذا كانوا في ديارهم لا يهمون بنا ولا يعرضون بذكرنا أهل قوة على حربنا فتركوها أو ضعف عنها فلم يذكروها أيحل لنا أن نقاتلهم نياما كانوا أو مولين ومرضى ونأخذ ما قدرنا عليه من مال وسبى نسائهم وأطفالهم ورجالهم؟ قال نعم قلت وما يحل منهم مقاتلين مقبلين ومدبرين مثل ما يحل منهم تاركين للحرب غافلين؟ قال نعم قلت وأهل البغى مقبلين يقاتلون ويتركون مولين فلا يؤخذ لهم مال؟ قال نعم قلت أقتراهم يشبهونهم، قال إنهم ليفارقونهم في بعض الامور قلت بل في أكثرها أو كلها قال فما معنى دعوتهم؟ قلت قد يطلبون الامر ببعض الخوف والارعاد فيجتمعون ويعتقدون ويسألون عزل العامل ويذكرون جوره أو رد مظلمته أو ما أشبه هذا فيناظرون فإن كان ما طلبوا حقا أعطوه وإن كان باطلا أقيمت الحجة عليهم فيه فإن تفرقوا قبل هذا تفرقا لا يعودون له فذاك وإن أبوا إلا القتال قوتلوا وقد اجتمعوا في زمان عمر بن عبد العزيز فكلمهم فتفرقوا بلا حرب وقلت له وإذا كانوا عندنا وعندك إذا
قاتلوا فأكثروا القتل ثم ولوا لم يقتلوا مولين لحرمة الاسلام مع عظم الجناية فكيف تبيتهم فتقتلهم قبل قتالهم ودعوتهم وقد يمكن فيهم الرجوع بلا سفك دم ولا مؤنة أكثر من الكلام ورد مظلمة إن كانت يجب على الامام ردها إذا علمها قبل أن يسألها.
الامان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة، والرجل المسلم لاهل الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغى أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان لا يقاتل لم نجز أمانه، فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) فقلت له هذه الحجة عليك، قال ومن أين؟ قلت إن زعمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يسعى بذمتهم(4/239)
أدناهم) على الاحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث، قال ما هو بخارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الايمان، فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل؟ قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل، قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث أو وجدت عليه دلالة منه؟ قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالايمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك قال ومن أين؟ قلت زعمت أن المرأة تؤمن فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لانهما لا يقاتلان قال فإنى أترك هذا كله فاقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال (تتكافأ دماؤهم) فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكف بدمه لدمه، فقلت له القول الذى صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذى بان لك تناقض قولك فيه، قال ومن أين؟ قلت أتنظر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تتكافأ دماؤهم) إلى القود أم إلى الدية؟ قال إلى الدية، قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها، ودية بعض العبيد عندك أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه؟ وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه
ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهك في إجازة أمان العبد المقاتل يسوى مائة درهم وفى المرأة، قال: فإن قلت إنما عنى (تتكافؤ دماؤهم) في القود، قلت فقله قال فقد قلت فأنت تقيد بالعبد الذى لا يسوى عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو لا يحسنه، قال إنى لافعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال، ولو كان على شئ من ذلك كنت قد تركته كله، قال فعلا م هو؟ قلت على اسم الايمان قال وإذا أسر أهل البغى أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم لبعض ما لا لم يقتص لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شئ لان الحكم لا يجرى عليهم، وكذلك إن كانوا في دار حرب، فقلت له أتعنى أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من هم بين ظهرانيه من أهل بغى أو مشركين؟ قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم أسقطت ذلك عنهم في الحكم لان الدار لا يجرى عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجرى عليها الحكم معنيين، أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليهم جاريا، والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعونها من الحكم في الوقت الذى يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما عنيت؟ قال أما المعنى الاول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم وهم بمنعه ظالمون مسلمون كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجرى فيها الحكم كانوا قبل المنع مطيعين يجرى عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عزوجل تأديتها، فقلت له نحن وأنت تزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي المعنيين قولك؟ قال قولى قياس لاخبر قلنا فعلا م قسته؟ قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم، قلت أتعنى من المشركين؟ قال: نعم.
فقله له أهل الدار من المشركين يخالفون التجار والاسارى فيهم في المعنى الذى ذهبت إليه خلافا بينا، قال فأوجدنيه قلت أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابى يتخول المسبى موقوفا له؟ قال نعم: قلت فلو فعل ذلك الاسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم، قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم(4/240)
بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع أيكون على القاتل منهم قود؟ قال: لا.
قلت فلو فعل ذلك الاسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه عليهم؟ قال: يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الاسارى والتجار من المسلمين ببلاد الحرب فيقتلونهم؟ قال لا بل محرم عليهم، قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب، قال: نعم قلت أرأيت الاسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الاسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة كان عليهم أداؤها؟ قال: نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الاسلام؟ قال: نعم قلت فإن كانت الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فكيف أسقطت عنهم حق الله عز وجل وحق الآدميين الذى أوجبه الله عزوجل فيما أتوا في الدار التى لا تغير عندك شيئا، ثم قلت ولا يحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره؟ وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه منهم عندك في غير هذا الموضع، فقال فإنى أقيسهم على أهل البغى الذين أبطل ما أصابوا إذا كان الحكم لا يجرى عليهم، قلت ولو قستهم بأهل البغى كنت قد أخطأت القياس، قال وأين؟ قلت أنت تزعم أن أهل البغى ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود والاسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغى كان الذى تقيم عليه الحدود من أهل البغى أشبه بهم لانه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغى عندك إذا قتل بعضهم بعضا بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال، فقال ولكن الدار ممنوعة من أن يجرى عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجرى عليها الحكم، فقلت له فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغى مخطئ وإنما كان ينبغى أن تبتدئ بالذى رجعت إليه، قال فيدخل على في الذى رجعت إليه شئ؟ قلت نعم قال وما هو؟ قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الاموال ويأتون الحدود؟ قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا تجرى الاحكام عليهم؟ وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فؤلاء
منعوا الدار بأنفسهم من أن يجرى عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين؟ وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغى فأولئك قوم متأولون مع المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والاسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون ذلك محرما عليهم؟ قال فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير ممتنعين؟ قال نعم ويحتمل وقل شئ إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها حتى تأتى دلالة على باطن دون ظاهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قلت له ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الاجماع مخالف للاية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من كتاب الله عزوجل قال وأين؟ قلت قال الله تبارك وتعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وقال الله تعالى (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال عز ذكره (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الاسارى والتجار بأن يكونوا في دار ممتنعة ولم تجد دلالة على هذا في كتاب الله عزوجل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغى لقاضي أهل البغى أن(4/241)
يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الامام على البلد الذى فيه قاض لاهل البغى لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغى وإن حكم على غير أهل البغى فلا ينبغى للامام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ حكمه، وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الاكثر ويرد كتابه وهو الاقل؟ وقال من خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه إذا قتل الباغى أباه لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان لانهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لانهما قاتلان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذى هو أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما (قال الشافعي) قال من خالفنا
يستعين الامام على اهل البغى بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له إن الله عزوجل أعز بالاسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لاهل الاسلام المنفعة صغارا غير مأجورين عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من اهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة ينال بها مسلما حتى سفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التى يتقرب بها إلى ربه؟ قال حكم الاسلام هو الظاهر قلت: والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدى من خالف دين الله عزوجل ولعله يقتله بعداوة الاسلام وأهله في الحال التى لا تستحل أنت فيها قتله (قال الشافعي) وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولى ذميا مأمونا أن يقضى في حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده؟ قال: لا قلت ولم؟ وحكم القاضى الظاهر؟ قال وإن.
فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شئ بقول ذمى قلت: إنه بأمر مسلم، قال وإن كان كذلك فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغى قاتلا في الموضع الذى لا يصل الامام إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف؟ قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالمشركين على المشركين قلت: ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لانه ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغى في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز وقلت له: ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شئ؟ قلت أنت تزعم أن المسلم والذمى إذا تداعيا ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لان الاسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الاسلام.
وزعمت أن أحد الابوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيرا للاسلام فأنت في هذه المسألة تقول هذا وفى المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الاسلام.
كتاب السبق والنضال أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال: جماع ما يحل
أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدها ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه، وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه(4/242)
ذلك، وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والاجارات والهبات للثواب وما في معناه وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله تعالى، والآخر طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله تعالى ثم ما اعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر باطل فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عزوجل (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فالحق من هذا الوجه الذى هو خارج من هذه الوجوه التى وصفت يدل على الحق في نفسه وعلى الباطل فيما خالفه، وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار، قال الله تبارك وتعالى فيما ندب إليه أهل دينه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة هي الرمى، وقال الله تبارك وتعالى (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن نافع بن أبى نافع عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لاسبق إلا في نصل أو حافر أو خف) (قال الشافعي) وأخبرني ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن عباد بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لاسبق إلا في حافر أو خف) قال: وأخبرنا أبن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب قال: مضت السنة في النصل والابل والخيل والدواب حلال: قال: وأخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التى قد أضمرت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لاسبق إلا في خف أو حافر أو نصل) يجمع معنيين أحدهما أن كل نصل رمى به من سهم أو نشابة أو ما ينكأ العدو نكايتهما وكل حافر من خيل وحمير وبغال وكل خف من إبل يحت أو عراب داخل في هذا المعنى الذى يحل فيه السبق.
والمعنى الثاني أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا: وهذا داخل في معنى ما
ندب الله عزوجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الاعداد لعدوه القوة ورباط الخيل والآية الاخرى (فما أوجفتم عليه من خيل ولاركاب) لان هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها فالاستباق فيها حلال وفيما سواها محرم فلو أن رجلا سابق رجلا على أن يتسابقا على أقدامهما أو سابقه على أن يعدو إلى رأس جبل أو على أن يعدو فيسبق طائرا أو على أن يصيب ما في يديه أو على أن يمسك في يده شيئا فيقول له أركن فيركن فيصيبه أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو أكثر منها أو على أن يصارع رجلا أو على أن يداحى رجلا بالحجارة فيغلبه كان هذا كله غير جائز من قبل أنه خارج من معاني الحق الذى حمد الله عليه وخصته السنة بما يحل فيه السبق وداخل في معنى ما حظرته السنة إذ نفت السنة أن يكون السبق إلا في خف أو نصل أو حافر وداخل في معنى أكل المال بالباطل لانه ليس مما أخذ المعطى عليه عوضا ولا لزمه بأصل حق ولا أعطاه طلبا لثواب الله عزوجل ولا لمحمدة صاحبه بل صاحبه يأخذه غير حامد له وهو غير مستحق له فعلى هذا عطايا الناس وقياسها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والاسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلى والثالث والرابع والذى يليه بقدر ما أرى فما جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم وكان مأجورا عليه أن يؤدى فيه وحلالا لمن أخذه.
وهذا وجه ليست فيه علة.
والثانى يجمع وجهين وذلك أن يكون الرجلان يريدان يستقبقان بفرسيهما ولا يريد كل(4/243)
واحد منهما أن يسبق صاحبه ويريدان ان يخرجا سبقين من عندهما وهذا لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا والمحلل فارس أو أكثر من فارس ولايجوز المحلل حتى يكون كفؤا للفارسين لا يأمنان أن يسبقهما فإذا كان بينهما محلل أو أكثر فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة أو أكثر أو اقل ويتواضعانها على يدى من يثقان به أو يضمنانها ويجرى بينهما المحلل فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا جميعا وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئا وأقل السبق أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه (قال
الربيع) الهادى عنق الفرس والكتد كتف الفرس والمصلى هو الثاني و المحلل هو الذى يرمى معى ومعك ويكون كفؤا للفارسين فإن سبقنا المحلل أخذ منا جميعا وإن سبقناه لم نأخذ منه شيئا لانه محلل وإن سبق أحدنا صاحبه وسبقه المحلل أخذ المحلل منه السبق ولم يأخذ منى لانى قد أخذت سبقي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان هذا في الاثنين هكذا فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم مثل ما يخرج صاحبه وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك وإن سبق لم يكن عليه شئ وإنما قلنا هذا لان أصل السنة في السبق أن يكون بين الخيل وما يجرى فإن سبق غنم وإن سبق لم يغرم وهكذا هذا في الرمى والثالث أن يسبق أحد الفارسين صاحبه فيكون السبق منه دون صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرز هو ماله وسواء لو أدخل معه عشرة هكذا ولا يجور أن يجرى الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منها سبقا ويدخلان بينهما محللا إلا والغاية التى يجريان منها والغاية التى ينتهيان إليها واحدة ولا يجوز أن ان ينفصل أحدهما عن الآخر بخطوة واحدة.
ما ذكر في النضال (قال الشافعي) رحمه الله: والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر والثالث بينهما المحلل كهو في الخيل لا يختلفان في الاصل فيجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر ويرد فيهما ما يرد في الآخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا بينهما قرعا معروفا خواسق (1) أو حوابى فهو جائز إذا سميا الغرض الذى يرميانه وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة فإذا تشارطاه محاطة فكلما أصاب أحدهما بعدد وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة سقطت العشرة بالعشرة ولا شئ لواحد منهما على صاحبه ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه وسواء كان لاحدهما فضل عشرين سهما ثم أصاب معه صاحبه بسهم حط منهما سهما ثم كلما أصاب حطه حتى يخلص له فضل العدد الذى شرط فينضله وإن وقف وقرع بينهما من عشرين خاسقا وله فضل تسعة عشر فأصاب بسهم وقفنا المفلوج وأمرنا الآخر بالرمي حتى
__________
(1) قوله: أو جوابي جمع حاب وهو أن يرمى على أن يسقط الاقرب للغرض الا بعد منه ويقال حبا السهم يحبو إذا زلج على الارض ثم أصاب الهدف وإن أصاب الرقعة فهو خاسق وخارق فإن جاوز الهدف ووقع خلفه فهو زاهق اه وقوله: أصاب صاحبه أي الغرض اه.
كتبه مصححه.(4/244)
ينفذ ما في أيديهما في رشقها فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه وإن أنفد ما في يديه وللاخر في ذلك الرشق عشرون لم يكلف أن يرمى معه وكان قد فلج عليه، وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان الحابى قرعة والخاسق قرعتين ويتقايسان إذا أخطا في الوجه معا فإن كان أحدهما أقرب من صاحبه بسهم فأكثر عدد ذلك عليه وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب بأسهم بطلت أسهمه الذى هو أقرب به لا يعد القرب لواحد ولا أكثر وثم واحد اقرب منه، وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم حسبناه له والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له إنما نحسب له الاقرب فأيهما كان أقرب بواحد حسبناه له وإن كان أقرب بأكثر وإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب بواحد ثم الاول الذى هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم لم يحسب له من الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب منها، وإن كان أقرب بأسهم فأصاب صاحبه بطل القرب لان المصيب أولى من القريب إنما يحسب القريب لقربه من المصيب ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر حسب للمصيب صوابه ثم نظر في حوابيهما فإن كان الذى لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله فإن كان المصيب أقرب مع مصيبه لانا إذا حسبنا له ما قرب من نبله مع غير مصيبه كانت محسوبة مع مصيبه، وقد رأيت من أهل الرمى من يزعم أنهم إنما يتقايسون في القرب إلى موضع العظم وموضع العظم وسط الشن والارض ولست أرى هذا يستقيم في القياس فالقياس أن يتقاربوا إلى الشن من قبل أن الشن موضع الصواب وقد رأيت منهم من يقايس بين النبل في الوجه والعواضد يمينا وشمالا ما لم يجاوز الهدف فإذا جاوز الهدف أو الشن أو كان منصوبا ألغوها فلم يقايسوا بها ما كان عضدا أو كان في الوجه ولا يجوز هذا في القياس فالقياس أن يقاس به خارجا أو ساقطا أو عاضدا أو كان في الوجه وهذا في المبادرة مثله في المحاطة لا يختلفان، والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه إن تشارطوا الصواب وحوابيه إن
تشارطوا الحوابى مع الصواب ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له الفضل (قال الربيع: الحابى الذى يصيب الهدف ولا يصيب الشن) فإذا تقايسا بالحابى فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه فلم يتعادا لانا إنما نعاد من كل واحد منهما ما كان أقرب به وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه، وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمى معه أو سبق رجل بين رجلين فقد رأيت من الرماة من يقول صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق بيدئ أيهما شاء ولايجوز في القياس أن يتشارطا أيهما يبدأ فإن لم يفعلا اقترعا، والقياس أن لا يرميا إلا عن شرط وإذا بدأ أحدهما من وجه بدأ الآخر من الوجه الذى يليه ويرمى البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفذ نبلهما وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود فيرمى به من قبل العارض فيه وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاده فرمى به وكذلك لو انقطع وتره فلم يبلغ أو انكسر قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده، وكذلك لو أرسله فعرض دونه دابة أو إنسان فأصابهما كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها، وكذلك لو اضطربت به يداه أو عرض له في يديه ما لا يمضى معه السهم كان له أن يعود فأما إن جاز وأخطأ القصد فرمى فأصاب الناس أو أجاز من ورائهم فهذا سوء رمى منه ليس بعارض غلب عليه وليس له أن يعيده، وإذا كان رميهما مبادرة فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذى يراسله به ثم رمى البادئ فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه ولم يرم الآخر بالسهم لان أصل السبق مبادرة والمبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليست كالمحاطة، وإذا تشارطا الخواسق فلا يحسب لرجل خاسق حتى يخرق الجلد ويكون متعلقا مثله، وإن تشارطا المصيب فلو أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لانه مصيب، وإذا(4/245)
تشارطا الخواسق والشن ملصق بهدف فأصاب ثم رجع ولم يثبت فزعم الرامى أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينهما بينة فيؤخذ بها، وكذلك إن كان الشن باليا فيه خروق فأصاب موضع الخروق فغاب في الهدف فهو مصيب، وإن لم يغب في الهدف ولم يستمسك بشئ من الشن ثم اختلفا فيه فالقول قول المصاب عليه مع يمينه، فإن اصاب طرفا من الشن فخرمه ففيها قولان.
أحدهما: أنه لا يحسب
له خاسقا إذا كان شرطهما الخواسق إلا أن يكون بقى عليه من الشن طغية أو خيط أو جلد أو شئ من الشن يحيط بالسهم فيكون يسمى بذلك خاسقا لان الخاسق ما كان ثابتا في الشن وقليل ثبوته وكثيره سواء، ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال هذا خاسق إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه، ويقال للاخر خارق لا خاسق.
والقول الآخر أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهى الصحيح فخرقه فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض الفصل فهو خاسق لان الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرم، وإن كان السهم ثابتا في الهدف وعليه جلدة من الشن أو طغية ليست بمحيطة فقال الرامى خرق هذا الجلدة فانخرمت أو هذه الطغية فانخرمت، وقال المخسوق عليه إنما وقع في الهدف متغلغلا تحت هذه الجلدة أو الطغية اللتين هما طائرتان عما سواهما من الشن فالقول قوله مع يمينه ولا يحسب هذا خاسقا بحال في واحد من القولين، ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في الهدف كان خاسقا لانه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه، ولو كان الشن منصوبا فرمى فأصاب ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا، ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت، ولو اختلفا فيه فقال الرامى أصاب ومار فخرج وقال المرمى عليه لم يصب أو أصاب حرف الشن بالقدح ثم مضى كان القول قوله مع يمينه، ولو أصاب الارض ثم ازدلف فخرق الشن فقد اختلفت الرماة فمنهم من أثبته خاسقا وقال بالرمية أصاب وإن عرض له دونها شئ فقد مضى بالنزعة التى أرسل بها ومنهم من زعم أن هذا لا يحسب له لانه استحدث بضربته الارض شيئا أحماه فهو غير رمى الرامى ولو أصاب وهو مزدلف فلم يخسق وشرطهم الخواسق لم يحسب في واحد من القولين خاسقا.
ولو كان شرطهما المصيب حسب في قول من يحسب المزدلف وسقط في قول من يسقطه (قال الربيع) المزدلف الذى يصيب الارض ثم يرتفع من الارض فيصيب الشن، ولو كان شرطهم المصيب فأصاب السهم حين تفلت غير مزدلف الشن بقدحه دون نصله لم يحسب لان الصواب إنما هو بالنصل دون القدح، ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته فأصاب حسن له مصيبا، وكذلك لو صرفته عن الشن وقد أرسله مصيبا، وكذلك لو أسرعت به وهو يراه قاصرا فأصاب حسب مصيبا، ولو أسرعت به وهو يراه مصيبا فأخطأ
كان مخطئا ولا حكم للريح يبطل شيئا ولا يحقه ليست كالارض ولا كالدابة يصيبها ثم يزدلف عنها فيصيب، ولو كان دون الشن شئ ما كان دابة أو ثوبا أو شيئا غيره فأصابه فهتكه ثم مر بحموته حتى يصيب الشن حسب في هذه الحالة لان إصابته وهتكه لم يحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه ضعفا، ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه كان له أن يعود فيرمى بذلك السهم لان الرمية زالت، وكذلك لو زال الشن عن موضعه بريح أو إزالة إنسان بعد ما أرسل السهم فأصاب الشن حيث زال لم يحسب له، ولكنه لو أزيل فتراضيا ان يرمياه حيث أزيل حسب لكل واحد منهما صوابه، ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب له خاسقا لانه قد ثبت وهذا كنزع الانسان إياه بعد ما يصيب، ولو تشارطا أن الصواب إنما هو في الشن(4/246)
خاصة فكان للشن وتر يعلق به أو جريد يقوم عليه فأثبت السهم في الوتر أو في الجريد لم يحسب ذلك له لان هذا وإن كان مما يصلح به الشن فهو غير الشن ولو لم يتشارطا فأثبت في الجريد أو في الوتر كان فيهما قولان، أحدهما أن اسم الشن والصواب لا يقع على المعلاق لانه يزايل الشن فلا يضر به وإنما يتخذ ليربط به كما يتخذ الجدار ليسند إليه وقد يزايله فتكون مزايلته غير إخراب له ويحسب ما ثبت في الجريد إذا كان الجريد مخيطا عليه لان إخراج الجريد لا يكون إلا بضرر على الشن، ويحسب ما ثبت في عرى الشن المخروزة عليه والعلاقة مخالفة لهذا، والقول الثاني أن يحسب أيضا ما يثبت في العلاقة من الخواسق لانها تزول بزواله في حالها تلك قال ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لان كلها نبل وكذلك القسى الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذى نصل، ولا يجوز أن يتناضل رجلان على أن في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ولا على أنه إذا خسق أحدهما حسب خاسقه خاسقين وخاسق الآخر ولا على أن لاحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به يحسب مع خواسقه ولا على أن يطرح من خواسق أحدهما خاسق ولا على أن أحدهما يرمى من عرض والآخر من أقرب منه ولايجوز أن يرميا إلا من عرض واحد وبعدد نبل واحد وأن يستبقا إلى عدد قرع لا يجوز أن يقول أحدهما أسابقك على أن آتى بواحد وعشرين خاسقا فأكون ناضلا إن لم تأت بعشرين ولا تكون
ناضلا إن جئت بعشرين قبل أن آتى بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا ولا يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر أن لا يرمى إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ولا إن أنفذ سهما أن لا يبدله ولا على أن يرمى بقوس بعينها لا يبدلها ولكن يكون ذلك إلى الرامى يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد النبل والغرض والقرع واحدا وإن انتضلا فانكسرت نبل أحدهما أو قوسه أبدل نبدل وقوسا وإن انقطع وتره أبدل وترا مكان وتره ومن الرماة من زعم أن المسبق إذا سمى قرعا يستبقان إليه أو يتحاطانه فكانا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء ومنهم من زعم أنه ليس له ان يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنهما إذا رميا على عدد قرع لم يكن للمسبق أن يزيد فيه بغير رضا المسبق ولا خير في أن يجعل خاسق في السواد بخاسقين في البياض إلا أن يتشارطا أن الخواسق لا تكون إلا في السواد فيكون بياض الشن كالهدف لا يحسب خاسقا وإنما يحسب حابيا ولا خير في أن يسميا قرعا معلوما فلا يبلغانه ويقول أحدهما للاخر إن أصبت بهذا السهم الذى في يدك فقد نضلت إلا أن يتناقضا السبق الاول ثم يجعل له جعلا معروفا على أن يصيب بسهم ولا بأس على الابتداء أن يقف عليه فيقول إن أصبت بهسم فلك كذا وإن أصبت بأسهم فلك كذا وكذا فإن أصاب بها فذلك له وإن لم يصب بها فلا شئ له لان هذا سبق على غير نضال ولكن لو قال له أرم عشرة أرشاق فناضل الخطأ بالصواب فإن كان صوابك أكثر فلك سبق كذا لم يكن في هذا خير لانه لا يصلح أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فأصاب النصل حسب خاسقا وإن سقط الشق الذى فيه النصل دون الشن وأصاب بالقدح الذى لا نصل فيه لم يحسب ولو انقطع باثنين فأصاب بهما معا حسب له الذى فيه النصل وألغى عنه الآخر، ولو كان في الشن نبل فأصاب بسهمه فوق سهم من النبل ولم يمض سهمه إلى الشن لم يحسب له لانه لم يصب الشن وأعيد عليه فرمى به لانه قد عرض له دون الشن عارض كما تعرض له الدابة فيصيبها فيعاد عليه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمى معه فرمى معه ثم أراد المسبق أن يجلس فلا يرمى معه وللمسبق فضل أولا فضل له أو عليه فضل فسواء لانه قد يكون عليه الفضل ثم ينضل ويكون له الفضل ثم ينضل، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل(4/247)
له أن يجلس ما لم ينضل، وينبغى أن يقول هو شئ إنما يستحقه بغير غاية تعرف وقد لا يستحقه ويكون منضولا وليس بإجارة فيكون له حصته مما عمل، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس به إلا من عذر وأحسب العذر عندهم أن يموت أو يمرض المرض الذى يضر بالرمي أو يصيبه بعض ذلك في إحدى يديه أو بصره وينبغى إذا قالوا له هذا أن يقولوا فمتى تراضيا على أصل الرمى الاول فلا يجوز في واحد من القولين أن يشترط المسبق أن المسبق إذا جلس به كان السبق له به لان السبق على النضل والنضل غير الجلوس وهذان شرطان وكذلك لو سبقه ولم يشترط هذا عليه ثم شرط هذا بعد السبق سقط الشرط ولاخير في أن يقول له أرمى معك بلا عدد قرع يستبقان إليه أو يتحاطانه، ولاخير في أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق غير فاسد وأكره لهما النية إنما أنظر في كل شئ إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لان النية حديث نفس وقد وضع الله عن الناس حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن لا يرمى معه إلا بنبل معروف أو قوس معروفة فلا خير في ذلك حتى يكون السبق مطلقا من قبل أن القوس قد تنكسر وتعتل فيفسد عنها الرمى فإن تشارطا على هذا فالشرط يبطل السبق بينهما ولا بأس أن يرمى الناشب مع صاحب العربية وإن سابقه على أن يرمى معه بالعربية رمى بأى قوس شاء من العربية وإن أراد أن يرمى بغير العربية من الفارسية لم يكن له ذلك لان معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية وكذلك كل قوس اختلفت.
وإنما فرقنا بين أن لا نجيز أن يشترط الرجل على الرجل أن لا يرمى إلا بقوس واحدة أو نبل وأجزنا ذلك في الفرس إن سابقه بفرس واحد لان العمل في السبق في الرمى إنما هو للرامي والقوس والنبل أداة فلا يجوز أن يمنع الرمى بمثل القوس والنبل الذى شرط أن يرمى بها فيدخل عليه الضرر بمنع ما هو أرفق به من أداته التى تصلح رميه والفرس نفسه هو الجارى المسبق ولا يصلح أن يبدله صاحبه وإنما فارسه أداة فوقه ولكنه لو شرط عليه أن لا يجريه إلا إنسان بعينه لم يجز ذلك ولو أجزنا أن يراهن رجل رجلا بفرس بعينه فيأتى بغيره أجزنا أن يسبق رجل رجلا ثم يبدل مكانه رجلا يناضله ولكن لا يجوز أن يكون السبق إلا على رجل بعينه ولا يبدله بغيره وإذا كان عن فرس بعينه فلا يبدل غيره ولا يصلح أن يمنع الرجل أن يرمى بأى نبل أو قوس شاء إذا كانت من
صنف القوس التى سابق عليها ولا أرى أن يمنع صاحب الفرس أن يحمل على فرسه من شاء لان الفارس كالاداة للفرس والقوس والنبل كالاداة للرامي.
ولاخير في أن يشترط المتناضلان أحدهما على صاحبه ولا كل واحد منهما على صاحبه أن لا يأكل لحما حتى يفرغ من السبق ولا أن يفترش فراشا.
وكذلك لا يصلح أن يقول المتسابقان بالفرس لا يعلف حتى يفرغ يوما ولا يومين لان هذا شرط تحريم المباح والضرر على المشروط عليه وليس من النضال المباح.
وإذا نهى الرجل أن يحرم على نفسه ما أحل الله له لغير تقرب إلى الله تعالى بصوم كان أو يشرط ذلك عليه غيره أولى أن يكون منهيا عنه ولاخير في أن يشترط الرجل على الرجل أن يرمى معه بقرع معلوم على أن للمسبق أن يعطيه ما شاء الناضل أو ما شاء المنضول ولاخير في ذلك حتى يكون بشئ معلوم مما يحل في البيع والاجارات.
ولو سبقه شيئا معلوما على أنه إن نضله دفعه إليه وكان له عليه أن لا يرمى أبدا أو إلى مدة من المدد لم يجز لانه يشترط عليه أن يمتنع من المباح له.
ولو سبقه دينارا على أن إن نضله كان ذلك الدينار له وكان له عليه أن يعطيه صاع حنطة بعد شهر كان هذا سبقا جائزا إذا كان ذلك كله من مال المنضول ولكنه لو سبقه(4/248)
دينارا على أنه إن نضله أعطاه المنضول ديناره وأعطى الناضل المنضول مد حنطة أو درهما أو أكثر أو أقل لم يكن هذا جائزا من قبل أن العقد قد وقع منه على شيئين شئ يخرجه المنضول جائزا في السنة للناضل وشئ يخرجه الناضل فيفسد من قبل أنه لا يصلح أن يتراهنا على النضال لا محلل بينهما لان التراهن من القمار ولا يصلح لان شرط أن يعطيه المد ليس ببيع ولا سبق فيفسد من كل وجه ولو كان على لك دينار فسبقتني دينارا فنضلتك فإن كان دينارك حالا فلك أن تقاصنى وإن كان إلى أجل فعليك أن تعطيني الدينار وعلى إذا حل الاجل أن أعطيك دينارك ولو سبقه دينارا فنضله إياه ثم أفلس كان أسوة الغرماء لانه حل في ماله بحق أجازته السنة فهو كالبيوع والاجارات ولو سبق رجل رجلا دينارا إلا درهما أو دينارا إلا مدا من حنطة كان السبق غير جائز لانه قد يستحق الدناير وحصة الدرهم من الدينار عشر ولعل حصته يوم سبقه نصف عشره وكذلك المد من الحنطة وغيره.
ولا يجوز أن أسبقك ولا أن أشترى منك ولا أن أستأجر منك إلى أجل بشئ إلا شيئا يستثنى منه لامن غيره ولا أن
أسبقك بمد تمر إلا ربع حنطة ولا درهم إلا عشرة أفلس ولكن إن استثنيت شيئا من الشئ الذى سبقتكه فلا بأس إذا سبقتك دينارا إلا سدسا فإنما سبقتك خمسة أسداس دينار وإن سبقتك صاعا إلا مدا فإنما سبقتك ثلاثة أمداد فعلى هذا الباب كله وقياسه، قال: ولاخير في أن أسبقك دينارا على أنك إن نضلتنيه أطعمت به أحدا بعينه ولا بغير عينه ولا تصدقت به على المساكين كما لا يجوز أن أبيعك شيئا بدينار على أن تفعل هذا فيه ولايجوز إذ ملكتك شيئا إلا أن يكون ملكك فيه تاما تفعل فيه ما شئت دوني وإذا اختلف المتناضلان من حيث يرسلان وهما يرميان في المائتين يعنى ذراعا فإن كان أهل الرمى يعلمون أن من رمى في هدف يقدم أمام الهدف الذى يرمى من عنده ذراعا أو أكثر حمل على ذلك إلا أن يتشارطا في الاصل أن يرميا من موضع بعينه فيكون عليهما أن يرميا من موضع شرطهما وإن تشارطا أن يرميا في شيئين موضوعين أو شيئين يريانهما أو يذكران سيرهما فأراد أحدهما أن يعلق ما تشارطا على أن يضعاه أو يضع ما تشارطا على أن يعلقاه أو يبدل الشن بشن أكبر أو أصغر منه فلا يجوز له ويحمل على أن يرمي على شرطه، وإذا سبقه ولم يسم الغرض فأكره السبق حتى يسبقه على غرض معلوم وإذا سبقه على غرض معلوم كرهت أن يرفعه أو يخفضه دونه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يرفع المسبق ويخفضه فيرمى معه رشقا وأكثر في المائتين ورشقا وأكثر في الخمسين والمائتين ورشقا وأكثر في الثلثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يرمى به في الرقعة وفي أكثر من ثلثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يبدل الشن وجعل هذا كله إلى المسبق ما لم يكونا تشارطا شرطا، ويدخل عليه إذا كانا رميا أول يوم بعشرة أن يكون للمسبق أن يزيد في عدد النبل وينقص منها إذا استويا في حال أبدا جعلوا ذلك إليه، ولا بأس أن يتشارطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أول النهار أو آخره ولا يتفرقان حتى يفرغا منها إلا من عذر بمرض لاحدهما أو حائل يحول دون الرمى والمطر عذر لانه قد يفسد النبل والقسى ويقطع الاوتار ولايكون الحر عذرا لان الحر كائن كالشمس ولا الريج الخفيفة وإن كانت قد تصرف النبل بعض الصرف ولكن إن كانت الريح عاصفا كان لايهما شاء أن يمسك عن الرمى حتى تسكن أو تخف، وإن غربت لهما الشمس قبل أن يفرغا من أرشاقهما التى تشارطا لم يكن عليهما أن يرميا في الليل.
وإن انكسرت قوس أحدهما أو نبله أبدل مكان القول والنبل والوتر متى قدر عليه فإن لم يقدر
على بدل القوس ولا الوتر فهذا عذر، وكذلك إن ذهبت نبله كلها فلم يقدر على بدلها فإن ذهب بعض نبله ولم يقدر على بدله قيل لصاحبه إن شئت فاتركه حتى يجد البدل وإن شئت فارم معه بعدد ما بقى(4/249)
في يديه من النبل وإن شئت فاردد عليه مما رمى به من نبله ما يعيد الرمى به حتى يكمل العدد وإذا رموا اثنين واثنين وأكثر من العدد فاعتل واحد من الحزبين علة ظاهرة قيل للحزب الذين يناضلونه: إن اصطلحتم على أن تجلسوا مكانه رجلا من كان فذلك وإن تشاححتم لم نخبركم على ذلك وان رضى أحد الحزبين ولم يرض الآخر لم يجبر الذين لم يرضوا وإذا اختلف المتناضلان في موضع شن معلق فأراد المسبق أن يستقبل به عين الشمس لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المسبق كما لو أراد أن يرمى به في الليل أو المطر لم يجبر على ذلك المسبق وعين الشمس تمنع البصر من السهم كما تمنعه الظلمة (قال الربيع) المسبق أبدا هو الذى يغرم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو اختلفا في الارسال فكان أحدهما يطول بالارسال التماس أن تبرد يد الرامى أو ينسى صنيعه في السهم الذى رمى به فأصاب أو أخطأ فيلزم طريق الصواب ويستعتب من طريق الخطأ أو قال هو لم أنو هذا وهذا يدخل على الرامى لم يكن ذلك له وقيل له أرم كما يرمى الناس لا معجلا عن أن تثبت في مقامك وفى إرسالك ونزعك ولا مبطئا لغير هذا لادخال الحبس على صاحبك وكذلك لو اختلفا في الذى يوطن له فكان يريد الحبس وقال لا أريده والموطن يطيل الكلام قيل للمواطن وطن له له بأقل ما يفهم به ولا تعجل عن أقل ما يفهم به، ولو حضرهما من يحبسهما أو أحدهما أو يغلط فيكون ذلك مضرا بهما أو بأحدهما نهوا عن ذلك (قال الربيع) الموطن الذى يكون عند الهدف فإذا رمى الرامى قال دون ذا قليل أرفع من ذا قليل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ من عرض وقف حيث شاء من المقام ثم كان للاخر من العرض الآخر الذى بدأ منه أن يقف حيث شاء من المقام وإذا سبق الرجل الرجل سبقا معلوما فنضله المسبق كان السبق في ذمة المنضول حالا يأخذه به كما يأخذ بالدين فإن أراد الناضل أن يسلفه المنضول أو يشترى به الناضل ما شاء فلا بأس وهو متطوع بإطعامه إياء وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره وهو عندي كرجل كان له على رجل
دينار فأسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو ولايجوز عند أحد رأيته ممن يبصر الرمى أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمى بعشر ويجعل القرع من تسع ومنهم من يذهب إلى أن لا يجوز أن يجعل القرع من عشر ولا يجيز إلا أن يكون القرع لا يؤتي به بحال إلا في أكثر من رشق فإذا كان لا يؤتي به إلا بأكثر من الرشق فسواء قل ذلك أو كثر فهو جائز.
فإذا أصاب الرجل بالسهم فخسق وثبت قليلا ثم سقط بأى وجه سقط به حسب لصاحبه ولو وقف رجل على أن يفلج فرمى بسهم فقال إن أصبت فقد فلجت وإن لم أصب (1) فالفلج لكم وقال له صاحبه إن أصبت بهذا السهم فلك به الفلوج وإن لم يكن يبلغه به إذا أصابه وإن أخطات به فقد أنضلتنى نفسك فهذا كله باطل لا يجوز وهما على أصل رميهما لا يفلج واحد منهما على صاحبه إلا أن يبلغ الفلوج ولو طابت نفس المسبق أن يسلم له السبق من غير أن يبلغه كان هذا شيئا تطوع به من ماله كما وهب له.
وإذا كانوا في السبق اثنين واثنين وأكثر فبدأ رجلان فانقطع أو تارهما أو وتر أحدهما كان له أن يقف من بقى حتى يركب وترا وينفد نبله.
وقد رأيت من يقول هذا إذا رجى أن يتفالجا ويقول إذا علم أنهما والحرب كله لا يتفالجون لو أصابوا بما في أيديهم لانهم لم يقاربوا عدد الغاية التى بينهم يرمى من بقى ثم يتم هذان.
وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا يختار على أن
__________
(1) قوله: فالفلج لكم، في بعض النسخ (فالفلوج لكم) وكلاهما مصدر فلج بمعنى غلب اه.(4/250)
يسبق ولا أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه ولكن يجوز ان يقتسما قسما معروفا ويسبق أيها شاء متطوعا لا مخاطرة بالقرعة ولا بغيرها (2) من أن يقول أرمى أنا وأنت هذا الوجه فأينا أفضل على صاحبه سبقه المفضول والسبق على من بذله دون حزبه إلا أن يدخل حزبه أنفسهم معه في ضمان السبق أو يأمروه أن يسبق عنهم فيلزم كل واحد منهم حصته على قدر عدد الرجال لا على قدر جودة الرمى، وإذا قال الرجل للرجل إن أصبت بهذا السهم فلك سبق فهذا جائز وليس هذا من وجه النضال، فإن قال إن أخطأت بهذا السهم فلك سبق لم يكن ذلك له.
وإن حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه كنا نراه راميا، ولسنا نراه راميا أو قال أهل الحزب الذين يرمى عليهم كنا نراه غير رام وهو
الآن رام لم يكن لهم من إخراجه إلا ما لهم من إخراج من عرفوا رميه ممن قسموه وهم يعرفونه بالرمي فسقط أو بغير الرمى فوافق، ولايجوز أن يقول الرجل للرجل سبق فلانا دينارين على أن شريك في الدينارين إلا أن يتطوع بأن يهب له أحدهما أو كليهما بعد ما ينضل، وكذلك لو تطارد ثلاثة فأخرج اثنان سبقين وأدخلا محللا لم يجز أن يجعل رجلا لا يرمى عليه نصف سبق أحدهما على أن له نصف الفضل إن أحرز على صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن له أن يبدأ عليه رشقين فأكثر لم يجز ذلك له، وذلك أنا إذا أعطيناه ذلك أعطيناه فضل سهم أو أكثر ألا ترى أنهما لو رميا بعشر ثم ابتدأ الذى بدأ كان لو فلج بذلك السهم الحادى عشر كنا أعطيناه أن يرمى بسهم يكون في ذلك الوقت فضلا على مراسله عن غير مراسلة وإنما نجيز هذا له إذا تكافئا فكان أحدهما يبدأ في وجه والآخر في آخر، وإذا سبق الرجل الرجل فجائز أن يعطيه السبق موضوعا على يديه أو رهنا به أو حميلا أو رهنا وحميلا أو يأمنه كل ذلك جائز وإذا رميا إلى خمسين مبادرة فأفضل أحدهما على صاحبه خمسا أو أقل أو أكثر فقال الذى أفضل عليه أطرح فضلك على أن أعطيك به شيئا لم يجز ولايجوز إلا أن يتفاسخا هذا السبق برضاهما ويتسابقان سبقا آخر.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى في الصلاة في المضربة والاصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا جلد كلب أو خنزير فإن ذلك لا يظهر بالدباغ والله تعالى أعلم، فإن صلى الرجل والضربة والاصابع عليه فصلاته مجزئة عنه غير أنى أكرهه لمعنى واحد إنى آمره أن يفضى ببطون كفيه إلى الأرض وإذا كانت عليه المضربة والاصابع منعتاه أن يقضى بجميع بطون كفيه لا معنى غير ذلك، ولا بأس أن يصلى متنكبا القوس والقرن إلا أن يكونا يتحركان عليه حركة تشغله فأكره ذلك له وإن صلى أجزأه، ولا يجوز أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمى معه ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق ولا المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق قال: ولايجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمى معه وعليه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه، وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر كان لمن له الارسال وحزبه ولمناضليهم أن يقدموا أيهم شاءوا كما ساءوا ويقدم الآخرون كذلك، ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه وفلان ثان وفلان معه كان السبق مفسوخا ولايجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه، وإذا كان
البدء لاحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة، وإن لم يعلما حتى يفرغا من رملهما رد عليه السهم الاول فرمى به فإن كان أصاب به بطل عنه وإن كان أخطأ به رمى به فإن أصاب به حسب له لانه رمى به في البدء وليس له الرمى به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن
__________
(2) قوله: من أن يقول، كذا في النسخ، ولعله (مثل أن يقول) تأمل.
كتبه مصححه.(4/251)
يتراضيا به، كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: الحكم في قتال المشركين حكمان فمن غزا منهم أهل الاوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ويقاتلهم إذا قوى عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله عزوجل (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) الآيتين ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله عزوجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) الآية وإذا قوتل أهل الاوثان وأهل الكتاب قتلوا وسبيت ذراريهم ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم ونساؤهم البوالغ وغير البوالغ ثم كانوا جميعا فيئا يرفع منهم الخمس ويقسم الاربعة الاربعة الاخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب، فإن اثخنوا فيهم وقهروا من قاتلوه منهم حتى تغلبوا على بلادهم قسمت الدور والارضون قسم الدنانير والدراهم لا يختلف ذلك تخمس وتكون أربعة أخماسها لمن حضر، وإذا أسر البالغون من الرجال فالامام فيهم بالخيار بين أن يقتلهم إن لم يسلم أهل الاوثان أو يعط الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال يأخذه منهم أو بأسرى من المسلمين يطلقون لهم أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة يخمس ويكون
أربعة أخماسه لاهل الغنيمة، فإن قال قائل: كيف حكمت في المال والولدان والنساء حكما واحدا وحكمت في الرجال أحكاما متفرقة، قيل ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريظة وخيبر فقسم عقارهما من الارضين والنخل قسمة الاموال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان بنى المصطلق وهوازن ونساءهم فقسمهم قسمة الاموال وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فمنهم من من عليه بلا شئ أخذه منه، ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله، وكان المقتولان بعد الاسار يوم بدر عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحرث، وكان من الممنون عليهم بلا فدية أبو عزة الجمحى تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه عهدا ان لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا غيره فقال يا محمد امنن على ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمدا مرتين) فأمر به فضربت عنقه، ثم أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة ابن أثال الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال فأسلم وحسن إسلامه * أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من المسلمين برجلين من المشركين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولايجوز لاحد من المسلمين أن يعمد قتل النساء والولدان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهم أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب ابن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين بعث إلى ابن أبى الحقيق عن قتل النساء والولدان (قال الشافعي) لا يعمدون بقتل وللمسلمين أن يشنوا عليهم الغارة ليلا ونهارا فإن أصابوا من النساء(4/252)
والولدان أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود ولا كفارة، فإن قال قائل مادل على هذا؟ قيل أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن الصعب بن جثامة الليثى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم منهم) وربما قال سفيان في الحديث (هم من آبائهم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن قال قائل قول النبي صلى الله عليه وسلم (هم من آبائهم) قيل لا عقل ولاقود ولا كفارة، فإن قال فلم لا يعمدون بالقتل؟ قيل لنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يعمدوا به فإن قال فلعل الحديثين مختلفان؟ قيل: لا ولكن معناهما ما وصفت فإن قال ما دل على ما قلت؟ قيل له إن شاء الله تعالى إذا لم ينه عن الاغارة ليلا فالعلم يحيط أن القتل قد يقع على الولدان وعلى النساء.
فإن قال فهل أغار على قوم ببلد غارين ليلا أو نهارا؟ قيل نعم أخبرنا عمر ابن حبيب عن عبد الله بن عون أن نافعا مولى ابن عمر كتب إليه يخبره أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما.
أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغاز عن بنى المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبى الذرية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وفى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل ابن أبى الحقيق غارا دلالة على أن الغار يقتل وكذلك أمر بقتل كعب بن الاشرف فقتل غارا فإن قال قائل فقد قال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بقوم ليلا لم يغر حتى يصبح قيل له إذا كان موجودا في سنته أنه أمر بما وصفنا من قتل الغارين وأغار على الغارين ولم ينه في حديث الصعب عن البيات دل ذلك على أن حديث أنس غير مخالف لهذه الاحاديث ولكنه قد يترك الغارة ليلا لان يعرف الرجل من يقاتل أو أن لا يقتل الناس بعضهم بعضا وهم يظنون أنهم من المشركين فلا يقتلون بين الحصن ولا في الآكام حيث لا يبصرون من قبلهم لا على معنى أنه حرم ذلك وفيما وصفنا من هذا كله ما يدل على أن الدعاء للمشركين إلى الاسلام أو إلى الجزية إنما هو واجب لمن تبلغه الدعوة فأما من بلغته الدعوة فللمسلمين قتله قبل أن يدعى وإن دعوه فذلك لهم من قبل أنهم إذا كان لهم ترك قتاله بمدة تطول فترك قتاله إلى أن يدعى أقرب فأما من لم تبلغه دعوة المسلمين فلا يجوز أن يقاتلوا حتى يدعوا إلى الايمان إن كانوا من غير أهل الكتاب أو إلى الايمان أو إعطاء الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولا أعلم أحدا لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون من وراء عدونا الذين يقاتلونا امة من المشركين فلعل اولئك أن لا تكون الدعوة بلغتهم وذلك مثل أن يكونوا خلف الروم أو الترك (1) أو الخزر أمة لا نعرفهم فإن قتل أحد من المسلمين أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة وداه إن كان نصرانيا أو يهوديا دية نصراني أو يهودى وإن كان وثنيا أو مجوسيا دية المجوسى وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم ليسوا ممن يقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحلم لم يتوق ضربهم بالسلاح وذلك أن ذلك إذا لم يتوق من المسلم إذا اراد دم المسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم
أولى أن لا يتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التى نهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جرحوا وكانوا ممن لا يقاتل فلا يقتلون لانهم قد زايلوا الحال التى أبيحت فيها دماؤهم وعداوا إلى أصل حكمهم بأنهم ممنوعين بأن يقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات والصحارى وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لابي بكر رضى الله تعالى عنه وذلك أنه إذا
__________
(1) الخزر - بالتحريك - اسم جبل اه قاموس.(4/253)
كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعا لا قياسا ولو أنا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لانهم في معنى من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم والرهبان وأهل الجبن والاحرار والعبيد وأهل الصناعات الذين لا يقاتلون فإن قال قائل ما دل على أنه يقتل من لاقتال منه من المشركين؟ قيل قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شجار مطروح لايستطيع أن يثبت جالسا وكان قد بلغ نحوا من خمسين ومائة سنة فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ولم أعلم أحدا من المسلمين عاب أن نقتل من رجال المشركين من عدا الرهبان ولو جاز أن يعاب قتل من عدا الرهبان بمعنى أنهم لا يقاتلون لم يقتل الاسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لانه لاخير في أن يترك ذلك له فيتبع وتسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين.
والاصل في ذلك أن الله عزوجل أباح أموال المشركين فإن قيل فلم لا تمنع ماله؟ قيل كما لا أمنع مال المولود والمرأة وأمنع دماءهما وأحب لو ترهب النساء تركهن كما أترك الرجال فإن ترهب عبد من المشركين أو أمة سبيتهما من قبل أن السيد لو أسلم قضيت له أن يسترقهما ويمنعهما الترهب لان المماليك لا يملكون من أنفسهم ما يملك الاحرار فإن قال قائل وما الفرق بين المماليك والاحرار.
قيل لايمنع حر من غزو ولا حج ولا تشاغل ببر عن صنعته بل يحمد على ذلك ويكون الحج والغزو لازمين له في بعض الحالات ولمالك العبد منعه من
ذلك وليس يلزم العبد من هذا شئ.
الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: المجوس والصائبون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس فقال: أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) وأن المسلمين لا ينحكون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم (1) فإن زعم أنهم إذا أبيح أن تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أن غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لاتقبل منه وحالهم حال أهل الكتاب في ان تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الاسلام أو السيف وقال لى بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس؟ فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبى سعيد عن نصر بن عاصم أن على بن أبى طالب رضى الله عنه سئل عن المجوس فقال: (كانوا أهل كتاب) فما قوله (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلت كلام عربي والكتابان المعروفان التوراة والانجيل ولله كتب سواهما قال وما دل على ما قلت؟ قلت قال الله عزوجل (أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذى وفى) فالتوراة كتاب موسى والانجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى
__________
(1) كذا في غير نسخة.
وتأمل العبارة فإنها غير تامة - ا ه.(4/254)
أنزل الله وقال الله عزوجل (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون) قال فما معنى قوله (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل على أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم (قال الشافعي) فقال ففى المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان؟ قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شئ؟ قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عزوجل (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) إلى
(فخلوا سبيلهم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عزوجل (حتى يعطوا الجزية) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطى العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك؟ قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جزية من غير كتابي أو مجوسي؟ قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابين من المشركين قياسا على المجوس؟ أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له؟ قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي؟ قلنا نعم وأهل الاسلام يأخذونها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم وصالح عمر رضى الله تعالى عنه نصارى بنى تغلب وبنى نمير إذا كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للاخر جاز أن يقال الامر بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عزوجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عزوجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الامور دون بعض قال فقال لى أفعلى أي شئ الجزية؟ قلنا على الاديان لا على الانساب ولوددنا أن الذى قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الاسار في فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأى حال أسلموا فيها قبل الاسار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من
ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناءهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الاب والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله محقونى الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الاستسلام فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبى عليهم فإن قال ما فرق بين هذه الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة؟ قيل قد يمتنع اولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو(4/255)
يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبى إنما يقع عليه اسم السبى إذا حوى غير ممتنع ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لاهل الخمس وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لاهل الخمس ليوديه إلى الامام فيفرقه وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلى أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة بإذن الامام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الامام لخصال منها أن الامام يغنى عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث يخاف هلكتها وإن أجمع لامر الناس أن يكون ذلك بأمر الامام وإن ذلك أبعد من الضيعة لانهم قد يسيرون بغير إذن الامام فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى الامام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه
يحرم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الانصار إن قتلت صابرا محتسبا؟ قال (فلك الجنة) قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الانصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من الانصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل؟ فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الاغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الامام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) الآية وقال (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) إلى قوله (والله مع الصابرين) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضى الله عنهما (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله عزوجل من أن لايفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الامر إلى أن لاتفر المائة من المائتين وذلك أن لايفر الرجل من الرجلين (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن ابن عباس قال: من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما نرى
__________
(1) تقدم متن الحديث في باب (تحريم الفرار من الزحف) فانظره.(4/256)
والله تعالى أعلم الفارين بكل حال، أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الامر في ذلك إلى نية المتحرف
والمتحيز فإن كان الله عزوجل يعلم أنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذى استثنى الله فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه أن يكون قد باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبدالطلب وعلى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمرالنبى صلى الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق على بن أبى طالب عمرو بن عبدود وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه غيره لانهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شئ يدل على أنه إنما اراد ان يقاتله واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الايسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان حمزة وعلى فقتلا عتبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيرى أو لم يقل له ذلك إلا أن يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن ان يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو جرحه (1) فأثحنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لان قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح السلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قالتوه لانه نقض أمان نفسه ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لاخذ صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لايعان الرجل المبارز على المشرك قاهرا له؟ قيل إن معونة حمزة وعلى على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الامان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه (قال الشافعي) وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا
بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الاطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لان الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد وكذلك لا باس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخرجوا عامرهم وكل مالا روح فيه من أموالهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهى عن قتلهم؟ قيل الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بنى النضير وحرقها * أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى
__________
(1) عبارة مختصر المزني (فلهم أن يحملوا عليه فيقتلوه الخ) تأمل، كتبه مصححه.(4/257)
النضير (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى النضير فقال قائل: وهان على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطبر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بنى النضير؟ قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عزوجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الاحاديث معروف عند أهل المغازى فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك؟ قيل نعم قطع بخيبر وهى بعد بنى النضير وبالطائف وهى آخر غزوة غزاها لقى فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمى بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهى عن قتلهم؟ قيل أجزنا بما وصفنا وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بنى المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والوالدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن
الدار إذا كانت مباحة فلايبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولان مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن تجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم (1) فكان الذى يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شئ من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناهم أو بنابها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهى في أيدينا أو خفنا الدرك وهى في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شئ منها ولاقتله بشئ من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر (لاتعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه) فإن قال قائل فقد قال أبو بكر (ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته) قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بى وبالمسلمين ولم أجد لابي بكر في ذوات الارواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبى بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال ابو بكر في ذوات الارواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بنى عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عزوجل عن قتله) قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها) وقد نهى
__________
(1) عبارة المختصر (ولكن لو التحموا فكان ينكأ من التحمهم أن يفعلو ذلك رأيت لهم الخ) تأمل.(4/258)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ووجدت الله عزوجل أباح قتل ذوات الارواح من المأكول
بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخران تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففى ذلك نكايتهم وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما نرميهم بالمجانيق وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبى سفيان بن حرب يوم أحد فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا: فلو شئت نجتنى كميت رجيلة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب وما زال مهرى مزجر الكلب منهم * لدن غدوة حتى دنت لغروب أقاتلهم طرا وأدعو لغالب * وأدفعهم عنى بركن صليب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائهم؟ قيل العقر بهم يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولان الفرس أداة عليه يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الاعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولاعضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شئ يعدو ما وصفت لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدى الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة، أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح أن هبار بن الاسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال (إن ظفرتم بهبار
بن الاسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبحان الله ما ينبغى لاحد أن يعذب بعذاب الله عزوجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه) (قال الشافعي) رحمه الله وكان على بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح * أخبرنا ابن ابى يحيى عن جعفر عن أبيه عن على بن حسين وقال والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في الاسارى من المسلمين في بلاد الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عزوجل ويؤدون كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم يعرفوا الاحكام قتال بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا(4/259)
يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين، ولو كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فامكنته من نفسها حدت ولم يكن لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على بعض رددنا الربا بينهم لان هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على المشركين فيرجع عليهم حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين قدر حصة المقتولين كأنه جر المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على عواقل القاتلين لانهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المجنيق أو بعيدا معينا لاهل المنجنيق بغير الحجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال التى يجرونها بشئ ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شئ من قبل أنا لم ند إلا بفعل
القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لانه قتل بفعل نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لانه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا وأسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه.
ورمى وهو ممضطر إلى الرمى فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أوصفهم فأما إذا انفرج عن المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن أتهمه أولياؤه أحلف لهم ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمى أو غارة لا يعمد فيها بقتل؟ قيل قال الله عزوجل (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) إلى قوله (متتابعين) فذكر الله عزوجل في المؤمن يقتل خطأ والذمى يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما وتحرير رقبة فدل ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الاسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة وذكر من حكمهما حكم المؤمن من عدولنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله (فإن كان من قوم عدولكم يعنى في قوم عدولكم) وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لان مسلمى العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلموا العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الاسلام من جماعة المشركين هم عدو لاهل الاسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الاسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من
أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الاسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه(4/260)
دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التى لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففى ذلك تحرير رقبة ولا دية.
مسألة مال الحربى (قال الشافعي) وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من ما لهم يشترى لهم شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لان أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي (قال الربيع) ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لانه لا تكون كينونته معه أمانا له منا لانه إنما روى (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) فلا يكون ما مع الذمي من أموالهم (1) أمانا لاموالهم وإن ظن الحربى الذى بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربى بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان له ولماله بالذى يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لانه لما كان علينا أن لا نعرض للذمي في ماله كان معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الامان ولا في المال الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذى معه لغيره مثل هذا سواء.
والله نسأل التوفيق برحمته.
وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى.
الاسارى والغلول أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم امنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لانا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الاولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها
والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم يأخذوا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع عن نفسه وإن قتل الذى أدركه لان طلبه غير الامان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه
__________
(1) كذا في النسخ ولعله (فلا يكون الحصول مع الذمي أمانا الخ) تأمل.(4/261)
فإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغى له أن يعود في إسارهم ولا ينبغى للامام أن يدعه إن أراد العودة فإن كان امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لانه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان أعطاهموه على شئ يأخذه منهم لم يحق له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شئ انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في أسير في أيدى العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم (قال الشافعي) يروى عن أبى هريرة والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفى لهم بالمال وقال بعهضم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفى لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون الناس وروى عن الاوزاعي والزهرى يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروى ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روى عنه في المسألة الاولى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب الاوزاعي ومن قاله قوله فإنما يحتج فيما أراه بما روى عن بعضهم أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وابو بصير فرده فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل ما قريش
حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه (قال الشافعي) رحمه الله وهذا حديث قد رواه أهل المغازى كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره قال وإذا كان المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الاسلام وإنما يسقط عنهم لوزنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه الحد أبدا لانه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الاحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لان أولادها مسلمون باسلامها فإن كان لها زوج في دار الاسلام لم يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لانه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفى مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه وما صنع الاسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الاسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك.(4/262)
المستأمن في دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون
إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم وإن أسر العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الامان وينبذوا إليهم فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم.
ما يجوز للاسير في ماله إذا أراد الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجوز للاسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الاسلام وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين (قال الشافعي) أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدى عبد الله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا لها نصف الصداق ولا ميراث لها (قال الشافعي) أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروى عن عمر بن عبد العزيز: عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول (قال الشافعي) وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو شبه الغرق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب: عطية الحامل جائزة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روى عن ابن أبى ذئب أنه قال عطية الحامل من الثلث وعطية الاسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري (قال الشافعي) وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عزوجل (حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت) وليس في قول الله عز وجل (فلما أثقلت) دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم (1) قد يكون مرضا غير ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الاثقال يحتمل أن يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لان ذلك الوقت الذى يخشيان فيه قضاء الله عزوجل ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال قد يدعوان الله قبل؟ قيل نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله والحبلى في أول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهى في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال
المخوفة للاولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخره فيكون ما قال ابن أبى ذئب، فأما غير هذا لا يجوز والله تعالى أعلم لاحد أن يتوهمه.
المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو
__________
(1) هذا جواب (لو) وهو محل الرد أي فالمرض يغير الحكم من الكل إلى الثلث لا إلى العدم بالمرة.
تأمل.(4/263)
بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالاة المشركين؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الاسلام إلا أن يقتل أو يزنى بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين، فقلت للشافعي: أقلت هذا خبرا أم قياسا؟ قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي فذكر السنة فيه، قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيدالله بن أبى رافع قال سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظغينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معى كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه (من حاطب بن أبى بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة) يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما هذا يا حاطب؟) قال لا تعجل على يا رسول الله إنى كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لى بمكه قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا لا كفر بعد الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه قد صدق) فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عزوجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) قال فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لانه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الاسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الاسلام واحتمل المعنى الاقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الاغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا لان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الاغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه قيل للشافعي أفرأيت إن قال قائل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقة لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال له قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عزوجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عزوجل قلت للشافعي أفتأمر الامام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللامام تركها على الاجتهاد وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تجافوا لذوى الهيئات) وقد قيل في الحديث(4/264)
(ما لم يكن حد) فإذا كان هذا من الرجل ذى الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذى الهيئة كان للامام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام يردد المعترف بالزنا (1) فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم
لجهالته يعنى المعترف بما عليه وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله فقلت للشافعي أرأيت الذى يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من المستأمن والموادع أو يمضى إلا بلاد العدو مخبرا عنهم قال يعزر هوءلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا: لم نر بهذا نقضا للعهد فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين؟ قال يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الاسلام فيخيرون بين أن يعطوا الجزية ويقيموا بدار الاسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت للشافعي أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين؟ قال إن كنت تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا يبلغ بهم قتل ولاحد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذى يحل دماءهم؟ قال إن قاتل أحد من غير أهل الاسلام راهب أو ذمى أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبى ذريته وأخذ ماله فأما ما دون القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون.
الغلول قلت للشافعي أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازى أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم؟ فقال لا يقطع ويغرم كل واحد من هوءلاء قيمة ما سرق إن هلك الذى أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه؟ فقال لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الابدان وكذلك العقوبات فأما على الاموال فلا عقوبة عليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقليل الغلول وكثيره محرم قلت فما الحجة؟ قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب (1) وأخبرنا الثقفى عن حميد عن أنس قال حاصرنا (تستر) فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر تكلم قال كلام حى أو كلام ميت؟ قال تكلم لا بأس قال (إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله
عزوجل معكم لم يكن لنا بكم يدان) فقال عمر ما تقول؟ فقلت يا أمير المؤمنين تركت بعدى عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس لقوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحيى قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور؟ فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال عمر ارتشيت وأصبت منه فقلت والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو
__________
(1) لعله: (فنرى لك من النبي الخ) تأمل.
(1) ترك متن الحديث فلم يذكره.
وتأمل ما بعده أيضا فإنه غير ظاهر فيما نحن فيه فتنبه.
كتبه مصححه(4/265)
لابد أن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معى وأمسك عمر وأسلم وفرض له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على لكم عمر يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من بنى قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ (قال الشافعي) ولا بأس أن يقبل الامام من أهل الحصن (2) عقله ونظره للاسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الامام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة والثقة فلا يجوز للامام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدرى ما يصنع؟ قيل لما كان الله عزوجل أذن بالمن والفداء في الاسارى من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادى أو يقتل أو يسترق فأى ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وقد وصفنا أن للامام في الاسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للاسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الامام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الامان بعد ما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الامان مثل قول عمر (تكلم لا بأس) (قال الشافعي) ولا قود على قاتل أحد بعينه لان الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير
كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر (لتأتينى بمن يشهد على ذلك أو لا لابدأن بعقوبتك) يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان (1) من أن لاتقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الاخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لانه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم.
(قال الشافعي) أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه سأله (إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون) قال نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال (أرأيت إن رمى بحجر) قال إذا يقتل فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرنى أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإنى أستحب للامام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الاغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من عرضه والمبارزة ليست هكذا لان المبارزة إنما يبرز لاحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمى أو على الجماعة وحده الاغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة؟ قيل بلغنا أن رجلا قال يا رسول الله إلا م يضحك الله من عبده؟ قال (غمسه يده في العدو حاسرا) فألقى درعا كانت عليه وحمل خاسرا حتى قتل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
__________
(2) فيه سقط، ولعله: (أن يقبل الامام من أهل الحصن النزول على حكم من عقله ونظره (الخ، تأمل.
(1) كذا في النسخ وتأمل، فإن تحريفه أبهم معناه اه، كتبه مصححه.(4/266)
أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد
الله صلى الله عليه وسلم (الله أكبر ألله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) قال أنس وإنى لرديف أبى طلحة وإن قدمى لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وفي رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للاغارة ليلا ونهارا ولاغارين في حال والله تعالى أعلم ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم (1) ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجلا أحدهم، فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا؟ قيل قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه.
الفداء بالاسارى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقفى عن ايوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ما شأنك) قال فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج؟ قال (أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف) وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال (ما شأنك) قال إني مسلم فقال (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) قال فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرجع إليه فقال إني جائع فأطعمني قال.
وأحسبه قال وإنى عطشان فاسقتي قال هذه حاجتك ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف) إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما اراد (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال يؤخذ الولى من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين مسلمين (هذا ابنك؟) قال نعم قال (أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه وقضى الله عزوجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى) ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلى تطوعا إذا نال به بعض ما يجب حابسه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأسلم هذا الاسير قرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابنية فقال
__________
(1) هكذا في الاصل، وحرر.(4/267)
(لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح) وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالاسلام إذ كان بعد إساره وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إلا سلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الامام استرقاقه استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) بعد إسلامه بالرجلين فهذا أثبت عليه الرق بعد إسلامه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا رد لقول مجاهد لان سفيان أخبرنا عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فئ للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا فاداه النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه فإنما فاداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه / وفى هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطى المسلمون المشركين من يجرى عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلى لا يسترق لموضعه فيهم وإن خرج من بلاد الاسلام إلى بلاد الشرك وفى هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الاسلام إلى بلاد الشرك لان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فدى صاحبيه فالعقيلي بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففى ذلك دلالة على ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالعقيلى ورده إلى بلده وهى أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال القيلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وفداؤه بالعقيلى والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال: ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن يسترق جاز أن يبيع المسلمون المشركون البالغين من المشركين.
العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما ويملكونهما أسهما؟ قال لا فقلت للشافعي فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما؟ فقال هما لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم؟ فقال اختلفت فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجلا فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة: قلت للشافعي فما اخترت من هذا؟ قال أن أستخير الله عزوجل فيه قلت فمع أي القولين الآثار والقياس (2)؟ فقال دلالة السنة والله تعالى أعلم.
فقلت للشافعي فاذكر السنة فقال أخبرنا الثقفى عن أيوب عن أبى قلابة عن عمران بن حصين قال سبيت امرأة من الانصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كأنه يعنى ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لان آخر حديثه يدل على ذلك قال عمران بن حصين فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الابل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهى ناقة هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن
__________
(1) فيه سقط ولعله (فإنه صلى الله عليه وسلم فاداه بعد إسلامه بالرجلين فهذا يدل أنه أثبت الخ).
تأمل كتبه مصححه.
(2) تأمل هذه الجملة ولعل الاصل (دلالة السنة على أن لا يملك قبل القسم وبعده) وحرر(4/268)
الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقالوا والله لاتنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبئسما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا الحديث يدل على
أن العدو وقد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الانصارية أنفلتت من إسارهم عليهم بعد إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الانصارية الناقة أن تكون ملكها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لانها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لاهل الخمس أو تكون من الفى ء الذى لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبى صلى الله عليه وسلم وخمسها لاهل الخمس ولا أحفظ قولا لاحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الاقاويل.
قال فما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين ما أوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما لم يملكوا هم لانفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده، قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف اختلف فيه؟ فقال قد يذهب بعض السنن على بعض أهل العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها، قلت للشافعي أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه؟ فقال لم يدعه كله ولم يأخذ به كله، فقلت فكيف كان هذا؟ قال: الله تعالى أعلم ولايجوز هذا لاحد، فقلت فهل ذهب فيه إلى شئ؟ فقال كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال (2) وهكذا يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه وبتفرق الجيش فلا يجد أحدا يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له.
فقلت له أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل؟ قال يخرج من يده ويعوض من بيت المال فقلت له وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق الجيش؟ قال نعم ويعوض من بيت المال.
فقلت له وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل المسلم يخرج من يدى من صار سهمه ويعوض منه قيمته.
فقال من أي يعوض؟ قلت من الخمس خاصة.
قال ومن أي الخمس؟ قلت سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعضه في الانفال ومصالح المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لى قائل تول الجواب عمن قال صاحب المال أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فأسأل فقال ما حجتك فيه؟ قلت ما وصفت من السنة في حديث
عمران ابن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن السنة إذا دلت أن المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها.
فقال ومن أين؟ قلت إنى إذا أعطيت أن مالك العبد إذ وجد عبده (1) قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه
__________
(2) لعله (فقال هكذا نقول تقع فيه المقاسم الخ).
(1) الاظهر (بعد ما يحرزه الخ) تأمل.(4/269)
ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولابعده أرأيت لو كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أوهبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين؟ قال بلى قلت أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون غصبا لا يملكونه عليه؟ فإذا كانت السنة والآثار والاجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم فكذلك ينبغى أن يكون بعد ما يقسم، ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الاول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك (قال الشافعي) فقال إن هذا ليدخله ولكنا قلنا فيه بالاثر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أرأيت إن قال لك قائل هذه السنة والاثر تجامع ما قلنا وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشئ دون السنة وتدع السنة وشئ من الاثر أقل من الآثار وتدع الاكثر فما حجتك فيه؟ قال إنا قد قلنا بالسنة والآثار التى ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن ذلك بعد القسمة كهو قبلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قلت له: أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه الاول؟ قال بلى: قلت أولا يكون مملوكا لمالكه الاول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه؟ فقال إن هذا ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الاثر وتركنا القياس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له فهذه السنة والآثار والقياس عليها فقال قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم (2) حكمه بعد ما يقسم حكمه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا بالاثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ ويروى عمن دونه فليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة قال أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت أفيحتمل عندك؟ فقال نعم فقلت فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه؟ قال فأوجدني مثل هذا فقلت نعم وأبين قال مثل ماذا؟ (قال الشافعي) قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن بخمس وقضى عمر في الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه؟ فلما كانت السن داخلة في معنى الاسنان في حال فإن باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الاسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وجعلنا الاعم اولى بقول النبي صلى الله عليه وسلم من الاخص وإن احتمل الاخص من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له بعد القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال فإنا نأخذ قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فأخذه من أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم على شئ فهو له) وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له (قال الشافعي) أرأيت ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه (من أسلم على شئ فهو له) أيثبت؟ قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام
__________
(2) لعله (وحمله بعد ما يقسم خلافه) تأمل.(4/270)
أو خاص؟ قال فإن قلت هو عام؟ قلت إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم؟ قال لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شئ لا يجوز ملكه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقلت له فتركت قولك: إنه عام؟ قال نعم وأقول من أسلم على شئ يجوز
ملكه لمالكه الذى غصبه عليه قلنا فأم الولد يجوز ملكها لمالكها إلى أن يموت أفتجعل للعدو ملكها إلى موت سيدها؟ قال لا لان فرجها لا يحل لهم قلت إن أحللت ملكت رقبتها بالغصب حين تقيم الغاصب مقام سيدها إنك لشبيه أن تحل فرجها أو ملكها وإن منعت فرجها، أو رأيت إن جعلت الحديث خاصا وأخرجته من العموم أيجوز لك فيه أن تقول فيه بالخاص بغير دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ (قال الشافعي) فقال فأستدل بحديث المغيرة على أن المغيرة ملك ما يجوز له تملكه فأسلم عليه فلم يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من يده ولم يخمسه قال فقلت له الذين قتل المغيرة مشركون فإن زعمت أن حكم أموال المسلمين حكم أموال المشركين كلمناك على ذلك، قال: ما حكم أموال المشركين حكم أموال المسلمين وإنه ليدخل على هذا القول ما وصفت، فهل تجد إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أقال من أسلم على شئ فهو له مخرجا صحيحا لا يدخل فيه شئ مثل مادخل هذا القول؟ (قال الشافعي) فقلت له نعم من أسلم على شئ يجوز له ملكه فهو له فقال هذا جملة فأبنه فقلت له إن شاء الله تبارك وتعالى أعز أهل دينه (1) إلا بحقها فهى من غير أهل دينه أولى أن تكون ممنوعة أو أقوى على منعها فإذا كان المسلم لو قهر مسلما على عبد ثم ورث عن القاهر أو غلبه عليه متأول أو لص أخذه المقهور عليه بأصل ملكه الاول وكان لا يملكه مسلم بغصب فالكافر أولى أن يملكه بغصب، وذلك أن الله حل ثناؤه خول المسلمين أنفس الكافرين المحاربين وأموالهم فيشبه والله تعالى أعلم أن يكون المشركون إن كانوا إذا قدروا عليهم واموالهم خولا لاهل دين الله عزوجل أن لا يكون لهم أن يتحولوا من أموال أهل دين الله شيئا يقدر على إخراجه من أيديهم ولايجوز أن يكون المتخول متخولا على ممن يتخوله إذا قدر عليه قال فما الذى يسلمون عليه فيكون لهم؟ فقلت ما غصبه بعض المشركين بعضا ثم أسلم عليه الغاصب كان له أخذه المغيرة من أموال المشركين وذلك أن المشركين الغاصبين والمغصوبين لم يكونوا ممنوعي الاموال بدين الله عزوجل فلما أخذها بعضهم لبض أو سبا بعضهم بعضا ثم أسلم السابى الآخذ للمال كان له ما أسلم عليه لانه أسلم على ما لو ابتدأ أخذه في الاسلام كان له ولم يكن له أن يبتدئ في الاسلام أخذ شئ لمسلم فقال لى أرأيت من قال هذا القول كيف زعم في المشركين إذا أخذوا لمسلم عبدا أو مالا غيره أو أمته أو أم ولده أو مدبره أو مكاتبه أو مرهونه أو أمة جانية
أو غير ذلك ثم أحرزها المسلمون؟ فقلت هذا يكون كله لمالكه على الملك الاول وبالحال الاول قبل أن يحرزها العدو وتكون أم الولد أم ولد وإن مات سيدها عتقت بموته في بلاد الحرب أو بعد والمدبرة مدبرة ما لم يرجع فيها سيدها والعبد الجاني والامة الجانية جانيين في رقابهما الجناية لا يغير السباء منهما شيئا وكذلك الرهن وغيره قال أفرأيت إن أحرز هذا المشركون ثم أحرزه عليهم مشركون غيرهم ثم أحرزه المسلمون ثم أحرزه المشركون عليهم؟ قلت كيف كان هذا وتطاول؟ فهذا قول لايدخل بحال هو على الملك الاول وكل حادث فيه بعده لا يبطله ويدفعون إلى مالكيهم الاولين المسلمين فقلت للشافعي رحمه الله تعالى فأجب على هذا القول أرأيت إن أحرز العدو جارية رجل فوطئها المحرز لها فولدت ثم
__________
(1) أي: ومنع أموالهم بينهم إلا بحقها، تأمل.(4/271)
ظهر عليها المسلمون فقال هي وأولادها لمالكها؟ فقلت فإن أسلموا عليها؟ قال تدفع الجارية إلى مالكها ويأخذ ممن وطئها عقرها وقيمة أولادها يوم سقطوا (قال الشافعي) أخبرنا حاتم عن جعفر عن ابيه عن يزيد بن هرمز أن نجده كتب إلى ابن عباس يساله عن خلال فقال ابن عباس: إن ناسا يقولون إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أنى أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه فكتب نجدة إليه أما بعد أخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى ينقضى يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس (إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبى الذى قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن وكتبت متى ينقضى يتم اليتيم ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الاخذ ضعيف الاعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه * سألت الشافعي عن المسلمين إذا غزوا أهل الحرب هل يكره لهم أن يقعطوا الشجر المثمر ويخربوا منازلهم ومدائنهم ويغرقوها ويحرقوها ويخربوا ما قدروا عليه من
ثمارهم وشجرهم وتؤخذ أمتعتهم؟ (قال الشافعي) كل ما كان مما يملكوا لاروح له فإتلافه مباح بكل وجه وكل ما زعمت أن مباح فحلال للمسلمين فعله وغير محرم عليهم تركه وأحب إذا غزا المسلمون بلا دار الحرب وكانت غزاتهم غارة أو كان عدوهم كثيرا ومتحصنا ممتنعا لا يغلب عليهم أن تصير دارهم دار الاسلام ولا دار عهد يجرى عليها الحكم أن يقطعوا ويحرقوا ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم ويؤخذ متاعهم وما كان يحمل من خفيف متاعهم فقدروا عليه اخترت أن يغنموه وما لم يقدروا عليه حرقوه وغرقوه وإذا كان الاغلب عليهم أنها ستصير دار الاسلام أو دار عهد يجري عليهم الحكم اخترت لهم الكف عن أموالهم ليغنموها إن شاء الله تعالى ولا يحرم عليهم تحريقها ولا تخريبها حتى يصيروا مسلمين أو ذمة أو يصير منها في أيديهم شئ مما يحمل فينقل فلا يحل تحريق ذلك لانه صار للمسلمين ويحرقوا ما سواه مما لا يحمل وإنما زعمت أنه لا يحرم تحريق شجرهم وعامرهم وإن طمع بهم لانه قد يطمع بالقوم ثم يكون الامر على غير ما عليه الطمع وإنها حرقت ولم يحرزها المسلمون وإنما زعمت أن لهم الكف عن تحريقها لان هكذا أصل المباح وقد حرق النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ولم يحرق على آخرين وإن حمل المسلمون شيئا من أموالهم فلم يقتسموه حتى أدركهم عدو وخافوا غلبتهم عليه فلا بأس أن يحرقوه بأن أجمعوا على ذلك وكذلك لو اقتسموه لم أر بأسا على أحد صار في يده أن يحرقه وإن كانوا يرجون منعه لم أحب أن يعجلوا بتحريقه والبيض ما لم يكن فيه فراخ من غير ذوات الارواح (1) بمعنى الكفار وما ذبحوا من ذوات الارواح حتى زايله الروح بمنزلة مالا روح له فيحرق كله إن أدركهم العدو في بلاد المشركين على ما وصفت إن شاءوا ذلك وإن شاءوا تركوه فأما ذوات الارواح من الخيل والبقر والنحل وغيرها فلا تحرق ولا تعقر ولا تغرق إلا بما يحل به ذبحها أو في موضع ضرورة (2) فقلت كتاب الله عزوجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى في بنى النضير حين حاربهم
__________
(1) لعله زائد من قلم الناسخ لا معنى له أو محرف وأصله (من مقتضى الكفار) تأمل وحرر.
(2) كذا في النسخة ولعل أصله (فقلت وما دليلك؟ قال كتاب الله الخ) وحرر.(4/272)
رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) قرأ إلى (يخربون بيوتهم
بأيديهم وأيدي المؤمنين) فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياه جل ثناؤه كالرضا به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى رضا بما صنعوا من قطع نخيلهم (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين) فرضى القطع وأباح الترك فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بنى النضير وترك وقطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله (قال الشافعي) أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عبقة عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بن النضير (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى النضير فقال قائل: وهان على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير فإن قال قائل ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حرق مال بنى النضير ثم ترك قيل على معنى ما أنزل الله عزوجل قد قطع وحرق بخيبر وهى بعد النضير وحرق بالطائف وهى آخر غزاة قاتل بها وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن جعفر الازهرى قال سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغزو صباحا على أهل أبنى وأحرق.
الخلاف في التحريق قلت للشافعي رحمه الله تعالى: فهل خالف ما قلت في هذا أحد؟ فقال نعم بعض إخواننا من مفتى الشاميين فقلت إلى أي شى ء ذهبوا؟ قال إلى أنهم رووا عن أبى بكر أنه نهى أن يخرب عامر وأن يقطع شجر مثمر فيها فيما نهى عنه قلت فما الحجة عليه؟ قال ما وصفت من الكتاب والسنة فقلت علام تعد نهى أبى بكر عن ذلك؟ فقال الله تعالى أعلم أما الظن به فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الشام فكان على يقين منه فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين لا لانه رآه محرما لانه قد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف فلعلهم أنزلوه على غير ما أنزله عليه والحجة فيما أنزل الله عزوجل في صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكل شئ في
وصية أبى بكر سوى هذا فيه نأخذ.
ذوات الارواح قلت للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت ما ظفر المسلمون به من ذوات الارواح من أموال المشركين من الخيل والنحل وغيرها من الماشية فقدروا على إتلافه قبل أن يغنموه أو غنموه فأدركهم العدو فخافوا أن يستنقذوه منهم ويقووا به على المسلمين أيجوز لهم إتلافه بذبح أو عقر أو تحريق أو تغريق في شئ من الاحوال؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا يحل عندي أو يقصد قصده بشئ يتلفه إذا كان لا(4/273)
راكب عليه فقلت للشافعي ولم قلت وإنما هو مال من أموالهم لا يقصد قصده بالتلف؟ (قال الشافعي) لفراقه ما سواه من المال لانه ذو روح يألم بالعذاب ولا ذنب له وليس كما لا روح له يألم بالعذاب من أموالهم وقد نهى عن ذوات الارواح أن يقتل ما قدر عليه منها إلا بالذبح لتؤكل وما امتنع بما نيل من السلاح لتؤكل وما كان منها عداء وضارا للضرورة قلت للشافعي اذكر ما وصفت فقال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عزوجل عن قتلها) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فلما كان قتل ذوات الارواح من البهائم محظورا إلا بما وصفت كان عقر الخيل والدواب التى لا ركبان عليها من المشركين داخلا في معنى الحظر خارجا من معنى المباح فلم يجز عندي ان تعقر ذوات الارواح إلا على ما وصفت فإن قال قائل ففى ذلك غيظ المشركين وقطع لبعض قوتهم قيل له إنما ينال من غيظ المشركين بما كان غير ممنوع من أن ينال فأما الممنوع فلا يغاظ أجد بأن يأتي الغائظ له ما نهى عن إتيانه ألا ترى أنا لو سبينا نساءهم وولدانهم فأدركونا فلم نشك في إستنفاذهم إياهم منا لم يجز لنا قتلهم وقتلهم أغيظ لهم وأنكى من قتل دوابهم فإن قال قائل فقد روى أن جعفر ابن أبى طالب عقر عند الحرب؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي قيل للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت الفارس من المشركين اللمسلم أن يعقره؟ قال نعم إن شاء الله تعالى لان هذه منزلة يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله فإن قال قائل فاذكر ما يشبه هذا قيل
يكون له أن يرمى المشرك بالنبل والنار والمنجنيق فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به وكان له قتله بالسيف وكذلك له أن يرمى الصيد فيقتله فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاء التى هي أخف عليه وقد أبيح له دم المشرك بالمنجنيق وإن أصاب ذلك بعض من معهم ممن هو محظور الدم للمرء في دفعه عن نفسه عدوه أكثر من هذا فإن قال فهل في هذا خبر؟ قيل نعم عقر حنظلة بن الراهب بأبى سفيان بن حرب يوم أحد فرسه فانكسعت به وصرع عنها فجلس حنظلة على صدره وعطف ابن شعوب على حنظلة فقتله وذلك بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا نهى غيره عن مثل هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولكنه إذا صار إلى أن يفارقه فارسه لم يكن له عقره في تلك الحال والله تعالى أعلم وكذلك لو كانت عليه امرأة أو صبى لا يقاتل لم يعقر إنما يعقر لمعنى أن يوصل إلى فارسه ليقتل أو ليؤسر قيل للشافعي فهل سمعت في هذا حديثا عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال إنما الغاية أن يوجد على شئ دلالة من كتاب أو سنة وقد وصفت لك بعض ما حضرني من ذلك فلا يزيده شئ وافقه قوة ولا يوهنه شئ خالفه وقد بلغنا عن أبى أمامة الباهلى أنه أوصى ابنه لا يعقر جسدا وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت وعن قبيصة أن فرسا قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا من سمع هشام بن الغازى يروى عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة قيل للشافعي أفرأيت ما أدرك معهم من أموال المشركين من ذوات الارواح؟ قال لا تعقروا منه شيئا إلا أن تذبحوه لتأكلوا كما وصفت بدلالة السنة وأما ما فارق ذوات الارواح فيصنعون فيما خافوا أن يستنقذ من أيديهم فيه ما شاءوا من تحريق وكسر وتغريق وغيره قلت أو يدعون أولادهم ونساءهم ودوابهم؟ فقال نعم إذا لم يقدروا على استنقاذهم منهم فقلت للشافعي أفرايت إن كان السبى والمتاع قسم؟ قال كل رجل صار له من ذلك شئ فهو مسلط على ماله(4/274)
ويدع ذوات الارواح إن لم يقو على سوقها وعلى منعها ويصنع في غير ذوات الارواح ما شاء فقلت للشافعي أفرأيت الامام إذا أحرز ما يحمل من المتاع فحرقه في بلاد الشرك وهو يقاتل أو حرقه عند
إدراك المشركين له وخوفه أن يستنقذوه قبل أن يقسم وبعد ما قسم؟ فقال كل ذلك في الحكم سواء إن أحرقه بإذن من معه حل له ولم يضمن لهم سواه ويعزل الخمس لاهله فإن سلم به دفعه إليهم خاصة وإن لم يسلم به لم يكن عليه شئ ومتى حرقه بغير إذنهم ضمنه لهم إن شاءوا وكذلك رجل من المسلمين إن حرقه يضمن ما حرق منه إن حرقه بعد أن يجوزه المسلمون فأما إذا أحرقه قبل أن يحرز فلا ضمان عليه.
السبى يقتل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسر المشركون فصاروا في يد الامام ففيهم حكمان، أما الرجال البالغون فللامام إن شاء أن يقتلهم أو بعضهم أو يمن عليهم أو على بعضهم ولا ضمان عليه فيما صنع من ذلك أسرتهم العامة أو أحد أو نزلوا على حكمهم أو وال هو أسرهم (قال الشافعي) ولا ينبغى له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله عزوجل وتوهين عدوه وغيظهم وقتلهم بكل حال مباح ولا ينبغى له أن يمن عليهم إلا بأن يكون يرى له سببا ممن من عليه يرجو إسلامه أو كفه المشركين أو تخذيلهم عن المسلمين أو ترهيبهم بأى وجه ما كان وإن فعل على غير هذا المعنى كرهت له ولا يضمن شيئا وكذلك له أن يفادى بهم المسلمين إذا كان له المن بلا مفاداة فالمفاداة أولى أن تكون له (قال الشافعي) رحمه الله: ومن أرق منهم أو أخذ منه فدية فهو كالمال الذي غنمه المسلمون يقسم بينهم ويخمس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ودون البالغين من الرجال والنساء إذا أسروا بأى وجه ما كان الاسار فهم كالمتاع المغنوم ليس له ترك أحد منهم ولا قتله فإن فعل كان ضامنا لقيمته وكذلك غيره من الجند إن فعل كان ضامنا لقيمة ما استهلك منهم وأتلف.
سير الواقدي (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا رحمه الله تعالى قال: أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين من الرجال والفرائض على البوالغ من النساء من المسلمين في الكتاب والسنة من موضعين فأما الكتاب فقول الله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فاخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضا كما كان على من قبلهم من البالغين وقوله عزوجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل فمن بلغ النكاح
استكمل خمس عشرة أو قبلها ثبت عليه الفرض كله والحدود ومن أبطأ عنه بلوغ النكاح فالسن التى يلزمه بها الفرائض من الحدود وغيرها استكمال خمس عشرة والاصل فيه من السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة وعبد الله وأبو عبد الله طالبان لان يكون عبد الله مجاهدا في الحالين فأجازه إذا بلغ أن تجب عليه(4/275)
الفرائض ورده إذا لم يبلغها وفعل ذلك مع بضعة عشر رجلا منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم فمن لم يستكمل خمس عشرة ولم يحتلم قبلها فلا جهاد ولاحد عليه في شئ من الحدود وسواء كان جسيما شديدا مقاربا لخمس عشرة وليس بينه وبين استكمالها إلا يوما أو ضعيفا (1) موديا بينه وبين استكمالها سنة أو سنتان لانه لا يحد على الخلق إلا بكتاب أو سنة فأما إدخال الغفلة معهما فالغفلة مردودة إذا لم تكن خلافهما فكيف إذا كانت بخلافهما؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وحد البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر وذلك أنهم في الحال التى يقتلون فيها مدافعون للبلوغ لئلا يقتلوا وغير مشهود عليهم فلو شهد عليهم أهل الشرك لم يكونوا ممن تجوز شهادتهم وأهل الاسلام يشهدون بالبلوغ على من بلغ فيصدقون بالبلوغ.
فإن قال قائل فهل من خبر سوى الفرق بين المسلمين والمشركين في حد البلوغ؟ قيل نعم كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى قريظة حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان من سنته أن لا يقتل إلا رجل بالغ فمن كان أنبت قتله ومن لم يكن أنبت سباه فإذا غزا البالغ فحضر القتال فسهمه ثابت وإذا حضر من دون البلوغ فلا سهم له فيرضخ له وللعبد، والمرأة والصبى يحضرون الغنيمة ولا يسهم لهم ويرضخ أيضا للمشرك يقاتل معهم ولا يسهم له.
الاستعانة بأهل الذمة على قتال العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذى روى مالك كما روى رد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
بدر بسنتين في غزاة خيبر بعدد من يهود بنى قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك فالرد الاول إن كان لان له الخيار أن يستعين (2) بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للاخر وإن كان رده لانه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ لهم ولا يسهم لهم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لهم ولايجوز أن يترك العبيد من المسلمين بلا سهم وغير البالغين وإن قاتلوا والنساء وإن قاتلن لتقصير هؤلاء عن الرجلية والحرية والبلوغ والاسلام ويسهم للمشرك وفيه التقصير الاكثر من التقصير عن الاسلام وهذا قول من حفظت عنه وإن أكره أهل الذمة على أن يغزوا فلهم أجر مثلهم في مثل مخرجهم من أهلهم إلى أن تنقضي الحرب وإرسالهم إياهم وأحب إلى أذا غزا بهم لو استؤجروا.
__________
(1) أي مستورا بالسلاح، يقال: أودى إذا تكفر بالسلاح واستتر به، راجع اللغة.
(2) لعله: (بمشرك) فتأمل.(4/276)
الرجل يسلم في دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسلم الرجل من أهل دار الحرب كان مشركا أو مستامنا فيهم أو أسيرا في أيديهم سواء ذلك كله فإذا خرج إلى المسلمين بعد ما غنموا فلا يسهم له وهكذا من جاءهم من المسلمين مددا وإن بقى من الحرب شئ شهدها هذا المسلم الخارج أو الجيش شركوهم في الغنيمة لانها لم تحرز إلا بعد تقضى الحرب وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه (الغنيمة لمن شهد الوقعة) فإن حضر واحد من هؤلاء فارسا أسهم له سهم فارس وإن حضر راجلا أسهم له سهم راجل فإن قاتل التجار مع المسلمين أسهم لهم سهم فرسان إن كانوا فرسانا وسهم رجالة إن كانوا رجالة.
في السرية تأخذ العلف والطعام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يجوز لاحد من الجيش أن يأخذ شيئا دون الجيش مما يتموله
العدو إلا الطعام خاصة والطعام كله سواء وفي معناه الشراب كله فمن قدر منهم على شئ له ان يأكله أو يشربه ويعلفه ويطعمه غيره ويسقيه ويعلف له وليس أن يبيعه وإذا باعه رد ثمنه في المغنم ويأكله بغير إذن الامام وما كان حلالا من مأكول أو مشروب فلا معنى للامام فيه والله تعالى أعلم.
في الرجل يقرض الرجل الطعام أو العلف إلى دار الاسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقرض الرجل رجلا طعاما أو علفا في بلاد العدو رده فإن خرج من بلاد العدو لم يكن له رده عليه لانه مأذون له في بلاد العدو في أكله وغير مأذون له إن فارق بلاد العدو في أكله ويرده المستقرض على الامام.
الرجل يخرج الشئ من الطعام أو العلف إلى دار الاسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن فضل من يديه شئ من الطعام قل أو كثر فخرج به من دار العدو إلى دار الاسلام لم يكن له أن يبيعه ولا يأكله وكان عليه أن يرده إلى الامام فيكون في المغنم فإن لم يفعل حتى يتفرق الجيش فلا يخرجه منه أن يتصدق به ولا بأضعافه كما لا يخرجه من حق واحد ولا جماعة إلا تأديته إليهم فإن قال لا أجدهم فهو يجد الامام الاعظم الذى عليه تفريقه فيهم ولا أعرف لقول من قال يتصدق به وجها فإن كان ليس له مالا فليس له الصدقة بمال غيره فإن قال لا أعرفهم قيل ولكن تعرف الوالى الذى يقوم به عليهم ولو لم تعرفهم ولا واليهم ما أخرجك فيما بينك وبين الله إلا أداء قليل مالهم وكثيره عليهم.(4/277)
الحجة في الاكل والشرب في دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل كيف أجزت لبعض المسلمين أن يأكل ويشرب ويعلف مما أصاب في دار الحرب ولم تجز له أن يأكل بعد فراقه إياها؟ قيل إن الغلول حرام وما كان في بلاد الحرب فليس لاحد أن يأخذ منه شيئا دون أحد حضره فهم فيه شرع سواء على ما قسم لهم فلو أخذ إبرة أو خيطا كان محرما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة) فكان الطعام داخلا في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط
والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لاحد دون أحد فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام في بلاد الحرب كان الاذن فيه خاصا خارجا من الجملة (1) التى استثنى فلم يجز أن نجيز لاحد أن يأكل إلا حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاكل وهو ببلاد الحرب خاصة فإذا زايلها لم يكن بأحق بما أخذ من الطعام من غيره كما لا يكون باحق بمخيط لو أخذه من غيره وكذلك كل ما أحل من محرم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم مثلا الميتة المحرمة في الاصل المحلة للمضطر فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم مع أنه يروى من حديث بعض الناس مثل ما قلت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا بشئ من الطعام فإن كان مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة لاحد معه وإن كان لا يثبت لان في رجاله من يجهل وكذلك في رجال من روى عنه إحلاله من يجهل.
بيع الطعام في دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تبايع رجلان طعاما بطعام في بلاد العدو فالقياس أنه لا بأس به لانه إنما أخذ مباحا بمباح فأكل كل واحد منهما ما صار إليه ما لم يخرج فإذا خرج رد الفضل فإذا جاز له أن يأخذ طعاما فيطعمه غيره لانه قد كان يحل لغيره أن يأخذ كما أخذ فيأكل فلا بأس أن يبايعه به.
الرجل يكون معه الطعام في دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا فضل في يدى رجل طعام ببلاد العدو بعد تقضى الحرب ودخل رجل لم يشركهم في الغنيمة فبايعه لم يجز له بيعه لانه أعطى من ليس له أكله والبيع مردود فإن فات رد قيمته إلى الامام ولم يكن له حبسها ولا إخراجها من يديه إلى من ليس له أكلها وكان كإخراجه إياها من بلاد العدو إلى الموضع الذى ليس له أكلها فيه.
__________
(1) كذا في النسخ ولعله (من الجملة التى استثنى منها) تأمل.(4/278)
ذبح البهائم من أجل جلودها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحب إلى إذا كانوا غير متفاوتين ولا خائفين من أن يدركوا في بلاد العدو ولا مضطرين أن لا يذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكله ولا يذبحوا لنعل ولاشراك ولا سقاء يتخذونها من جلودها ولو فعلوا كان مما أكره ولم أجزلهم اتخاذ شئ من جلودها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وجلود البهائم التى يملكها العدو كالدنانير والدراهم لانه إنما أذن لهم في الاكل من لحومها ولم يؤذن لهم في ادخار جلودها وأسقيتها وعليهم رده إلى المغنم وإذا كانت الرخصة في الطعام خاصة فلا رخصة في جلد شئ من الماشية ولا ظرف فيه طعام لان الظرف غير الطعام والجلد غير اللحم فيرد الظرف والجلد والوكاء فإن استهلكه فعليه قيمته وإن انتفع به فعليه ضمانه حتى يرده وما نقصه الانتفاع وأجر مثله إن كان لمثله أجر.
كتب الاعاجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما وجد من كتبهم فهو مغنم كله وينبغى للامام أن يدعو من يترجمه فإن كان علما من طب أو غيره لا مكروه فيه باعه كما يبيع ما سواه من المغانم وإن كان كتاب شرك شقوا الكتاب وانتفعوا بأوعيته وأداته فباعها ولا وجه لتحريقه ولا دفنه قبل أن يعلم ما هو.
توقيح الدواب من دهن العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يوقح الرجل دابته ولا يدهن أشاعرها من أدهان العدو لان هذا غير ماذون له به من الاكل وإن فعل رد قيمته.
زقاق الخمر والخوابى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ظهر المسلمون على بلاد الحرب حتى تصير دار الاسلام أو ذمة يجرى عليها الحكم فأصابوا فيها خمرا في خواب أو زقاق أهراقوا الخمر وانتفعوا بالزقاق والخوابى وطهروها ولم يكسروها لان كسرها فساد وإذا لم يظهروا عليها وكان ظفرهم بها ظفر غارة لاظهر أن يجرى بها حكم أهراقوا الخمر من الزقاق والخوابى فإن استطاعوا حملها أو حمل ما خف منها حملوه مغنما وإن لم يستطيعوا أحرقوه وكسروه إذا ساروا وإذا ظفروا بالكشوث في الحالين انتفعوا به وكذلك كل ما ظهروا عليه غير محرم وليس الكشوث وإن كان غير محرم وإن كان يطرح في السكر إذا كان حلالا
بأولى أن يحرم من الزبيب والعسل اللذين يعمل منهما المحرم ولا يحرق هذا ولا هذا لانهما غير محرمين.(4/279)
إحلال ما يملكه العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل القوم بلاد العدو فأصابوا منها شيئا سوى الطعام فأصل ما يصيبونه سوى الطعام شيئان أحدهما محظور أخذه غلول والآخر مباح لمن أخذه.
فأصل معرفة المباح منه أن ينظر إلى بلاد الاسلام فما كان فيها مباحا من شجر ليس يملكه الآدمى أو صيد من بر أو بحر فأخذ مثله في بلاد العدو فهو مباح لمن أخذه يدخل في ذلك القوس يقطعها الرجل من الصحراء أو الجبل والقدح ينحته وما شاء من الخشب وما شاء من الحجارة البرام وغيرها إذا كانت غير مملوكة محرزة.
فكل ما أصيب من هذه فهو لمن أخذه لان أصله مباح غير مملوك وكل ما ملكه القوم فأحرزوه في منازلهم فهو ممنوع مثل حجر نقلوه إلى منازلهم أو عود أو غيره أو صيد فأخذ هذا غلول.
البازى المعلم والصيد المقرط والمقلد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أخذ الرجل بازيا معلما فهذا لا يكون إلا مملوكا ويرده في الغنم وهكذا إن أخذ صيدا مقلدا أو مقرطا أو موسوما فكل هذا قد علم أنه قد كان له مالك وهكذا إن وجد في الصحراء وتدا منحوتا أو قدحا منحوتا كان النحت دليلا على أنه مملوك فيعرف فإن عرفه المسلمون فهو لهم وإن لم يعرفوه فهو مغنم لانه في بلاد العدو.
في الهر والصقر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما وجدنا من أموال العدو من كل شئ له ثمن من هر أو صقر فهو مغنم وما أصيب من الكلاب فهو مغنم إن أراده أحد لصيد أو ماشية أو زرع وإن لم يكن في الجيش احد يريده لذلك لم يكن لهم حبسه لان من اقتناه لغير هذا كان آثما ورأيت لصاحب الجيش أن يخرجه فيعطيه أهل الاخماس من الفقراء والمساكين ومن ذكر معهم إن أراده أحد منهم لزرع أو ماشية أو صيد فإن لم يرده قتله أو خلاه ولا يكون له بيعه وما أصاب من الخنازير فإن كانت تعدو إذا كبرت بقتلها كلها ولا تدخل مغنما بحال ولا تترك وهو عواد إذا قدر على قتلها فإن عجل به مسير خلاها ولم
يكن ترك قتلها بأكثر من ترك قتال المشركين لو كانوا بإزائه.
في الادوية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الطعام مباح أن يؤكل في بلاد العدو وكذلك الشراب وإنما ذهبنا إلى ما يكون مأكولا مغنيا من جوع وعطش ويكون قوتا في بعض أحواله فأما الادوية كلها فليست من حساب الطعام المأذون وكذلك الزنجيل وهو مربب وغير مربب إنما هو من حساب الادوية وأما الالايا فطعام يؤكل فما كان من حساب الطعام فلصاحبه أكله لا يخرجه من بلاد العدو وما كان من حساب الدواء فليس له أخذه في بلاد العدو ولاغيرها.(4/280)
الحربى يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة (قال الشافعي) وإذا أسلم الرجل الحربى وثنيا كان أو كتابيا وعنده أكثر من أربع نسوة نكحهن في عقدة أو عقد متفرقة أو دخل بهن كلهن أو دخل ببعضهن دون بعض أو فيهن أختان أو كلهن غير أخت للاخرى قيل له أمسك أربعا أيتهن شئت ليس في الاربع أختان تجمع بينهما ولا ينظر في ذلك إلى نكاحه أية كانت قبل وبهذا مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة وأحسبه ابن علية عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق سائرهن) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن رجلا من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق سائرهن) (قال الشافعي) أخبرني من سمع ابن أبى الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية الديلمى قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق الاخرى) فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معى منذ ستين سنة فطلقتها (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس في هذا فقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة فإن كان نكحهن في عقدة فارقهن كلهن وإن كان نكح أربعا منهن في عقد متفرقة فيهن أختان أمسك الاولى وفارق التى نكح بعدها وإن كان
نكحهن في عقد متفرقة أمسك الاربع الاوائل وفارق اللواتى بعدهن وقال أنظر في هذا إلى كل ما لو ابتدأه في الاسلام جاز له فأجعله إذا ابتدأه في الشرك جائرا له وإذا كان ابتدأه في الاسلام لم يجز له جعلته إذا ابتدأه في الشرك غير جائز له (قال الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول لو لم يكن عليك حجة إلا أصل القول الذى ذهبت إليه كنت محجوجا به قال ومن أين؟ قلت أرأيت أهل الاوثان لو ابتدأ رجل نكاحا في الاسلام بولي منهم وشهود منهم أيجوز نكاحه؟ قال لا قلت أفرأيت أحسن حال نكاح كان لاهل الاوثان قط أليس أن ينكح الرجل بولي منهم وشهود منهم؟ قال بلى قلت فكان يلزمك في أصل قولك أن يكون نكاحهن كلهن باطلا لان أحسن شئ كان منه عندك لا يجوز في الاسلام مع أنهم قد كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود قال فقد أجاز المسلمون لهم نكاحهم قلنا اتباعا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت لم تتبع فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في نكاحهن حكما جمع أمورا فكيف خالفت بعضها ووافقت بعضها؟ قال فأين ما خالفت منها؟ قلت موجود على لسانك لو لم يكن فيه خبر غيره قال وأين؟ قلت إذا زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا لهم عن العقد الفاسد في الشرك حتى أقامه مقام الصحيح في الاسلام فكيف له تعفه لهم فتقول بما قلنا قال وأين عفا لهم عن النكاح الفاسد قلت نكاح أهل الاوثان كله قال فقد علمت أنه فاسد لو ابتدئ في الاسلام ولكن اتبعت فيه الخبر قلنا فإذا كان موجودا في الخبر أن العقد الفاسد في الشرك كالعقد في الاسلام كيف لم تقل فيه بقولنا تزعم أن العقود كلها فاسدة ولكنها ماضية فهى معفوة وما أدرك الاسلام من النساء وهو باق فهو غير معفو العدد فيه فنقول أصل العقد كله فاسد معفو عنه وغير معفو عما زاد من العدد فاترك ما زاد على أربع والترك إليك وأمسك أربعا قال فهل تجد على هذا دلالة غير الخبر مما تجامعك عليه؟ قلت نعم قال الله عزوجل (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين) إلى (تظلمون) فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما(4/281)
قبضوا من الربا فلم يأمرهم برده وأبطل ما أدرك حكم الاسلام من الربا ما لم يقبضوه فامرهم بتركه وردهم إلى رءوس أموالهم التى كانت حلالا لهم فجمع حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم
في الربا أن عفا عما فات وأبطل ما أدرك الاسلام فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح كانت العقدة فيه ثابتة فعفاها وأكثر من أربع نسوة مدركات في الاسلام فلم يعفهن وأنت لم تقل بأصل ما قلت ولا القياس على حكم الله ولا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قولك خارجا من هذا كله ومن المعقول.
قال أفرأيت لو تركت حديث نوفل بن معاوية وحديث ابن الديلمى اللذين فيهما البيان لقولك وخلاف قولنا واقتصرت على حديث الزهري أيكون فيه دلالة على قولك وخلاف قولنا؟ قلنا: نعم؟ قال وأين؟ قلت إذا كانوا مبتدئين في الاسلام لا يعرفون بابتدائه حلالا ولا حراما من نكاح ولاغيره فعليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمسكوا أكثر من أربع دل المعقول على أنه لو كان أمرهم أن يمسكوا الاوائل كان ذلك فيما يعلمهم لان كلا نكاح إلا أن يكون قليلا ثم هو أولى ثم أحرى مع أن حديث نوفل بن معاوية ثبت قاطع لموضع الاحتجاج والشبهة.
الحربى يصدق امرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأصل نكاح الحربى كله فاسد سواء كان بشهود أو بغير شهود ولو تزوج الحربى حربية على حرام من خمر أو خنزير فقبضته ثم أسلما لم يكن لها عليه مهر ولو أسلما ولم تقبضه كان لها عليه مهر مثلها.
ولو تزوجها على حر مسلم أو مكاتب لمسلم أو أم ولد لمسلم أو عبد لمسلم ثم أسلما وقد قبضت أو لم تقبض لم يكن لها سبيل على واحد منهم كان الحر حرا ومن بقى مملوكا لمالكه الاول والمكاتب مكاتب لمالكه ولها مهر مثلها في هذا كله، والله سبحانه وتعالى الموفق.
كراهية نساء أهل الكتاب الحربيات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحل الله تبارك وتعالى نساء أهل الكتاب وأحل طعامهم فذهب بعض أهل التفسير إلى أن طعامهم ذبائحهم فكان هذا على الكتابيين محاربين كانوا أو ذمة لانه قصد بهم قصد أهل الكتاب فنكاح نسائهم حلال لا يختلف في ذلك أهل الحرب وأهل الذمة كما لو كان عندنا مستأمن غير كتابي وكان عندنا ذمة مجوس فلم تحلل نساؤهم إنما رأينا الحلال والحرام فيهم على أن يكن كتابيات من اهل الكتاب المشهور من أهل التوراة و الانجيل وهم اليهود والنصارى فيحللن ولو كن يحللن في الصلح والذمة ويحرمن من المحاربة حل المجوسيات والوثنيات إذا كن مستأمنات غير أنا نختار
للمرء أن لا ينكح حربية خوفا على ولده أن يسترق ويكره له أن لو كانت مسلمة بين ظهرانى أهل الحرب أن ينكحها خوفا على ولده أن يسترقوا أن يفتنوا فأما تحريم ذلك فليس بمحرم والله تعالى أعلم.
من أسلم على شئ غصبه أو لم يغصبه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: روى ابن أبى مليكة مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من(4/282)
أسلم على شئ فهو له) وكان معنى ذلك من أسلم على شئ يجوز له ملكه فهو له.
وذلك كل ما كان جائزا للمسلم من المشركين أسلم عليه مما أخذه من مال مشرك لا ذمة له فإن غصب بعضهم بعضا مالا أو استرق منهم حرا فلم يزل في يده موقوفا حتى أسلم عليه فهو له.
وكذلك ما أصاب من أموالهم فأسلم عليها فهى له، وهو إذا أسلم وقد مضى ذلك منه في الجاهلية كالمسلمين يوجفون على أهل دار الحرب فيكون لهم أن يسبوهم فيسترقوهم ويغنموا أموالهم فيتمولونها إلا أنه لا خمس عليهم من أجل أنه أخذه وهو مشرك فهو له كله ومن أخذ من المشركين من أحد من المسلمين حرا أو عبدا أو أم ولد أو مالا فأحرزه عليه ثم أسلم عليه فليس له منه شئ وكذلك لو أوجف المسلمون عليه في يدى من أخذه كان عليهم رد ذلك كله بلا قيمة قبل القسم وبعده لا يختلف ذلك والدلالة عليه من الكتاب وكذلك دلت السنة وكذلك يدل العقل والاجماع في موضع وإن تفرق في آخر لان الله عزوجل أورث المسلمين أموالهم وديارهم فجعلها غنما لهم وخولا لاعزاز أهل دينه وإذلال من حاربه سوى أهل دينه.
ولايجوز أن يكون المسلمون إذا قدروا على أهل الحرب تخولوهم وتمولوا أموالهم ثم يكون أهل الحرب يحوزون على الاسلام شيئا فيكون لهم أن يتخولوه أبدا، فإن قال قائل فأين السنة التى دلت على ما ذكرت؟ قيل أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن المشركين أسروا امرأة من الانصار وأحرزوا ناقة للنبى صلى الله عليه وسلم فانفلتت الانصارية من الاسار فركبت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأرادت نحرها حين وردت المدينة وقالت إنى نذرت لئن أنجانى الله عليها لانحرنها فمنعوها حتى يذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فذكروه له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وأخذ ناقته (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: فلو كان المشركون إذا أحرزوا شيئا كان لهم لانتفى أن تكون الناقة إلا للانصارية كلها لانها احرزتها عن المشركين أو يكون لها أربعة أخماسها وتكون مخموسة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير لها منها شيئا وكان يراها على أصل ملكه ولا أعلم أحدا يخالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لرجل أو مالا له فأدركه قد أوجف المسلمون عليه قبل المقاسم أن يكون له بلا قيمة.
ثم اختلفوا بعد ما يقع في المقاسم فقال منهم قائل مثل ما قلت هو أحق به وعلى الامام أن يعوض من صار في سهمه مثل قيمته من خمس الخمس وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول يوافق الكتاب والسنة والاجماع.
ثم قال غيرنا يكون إذا وقع في المقاسم أحق به إن شاء بالقيمة وقال غيرهم لاسبيل إليه إذا وقع في المقاسم وإجماعهم على أنه لمالكه بعد إحراز العدو له وإحراز المسلمين عن العدو له حجة عليهم في أنه هكذا ينبغى أن يكون بعد القسم، وإذا كانوا لو أحرزه مسلمون متأولين أو غير متأولين فقدروا عليه بأى وجه ما كان ردوه على صاحبه كان المشركون، أن لا يكون لهم عليهم سبيل أولى بهم وما يعدوا الحديث لو كان ثابتا أن يكون من أسلم على شئ فهو له فيكون عاما فيكون مال المسلم والمشرك سواء إذا أحرزه العدو فمن قال هذا لزمه أن يقول لو أسلموا على حر مسلم كان لهم أن يسترقوه أو يكون خاصا فيكون كما قلنا بالدلائل التى وصفنا ولو كان إحراز المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين يصير ذلك ملكا لهم لو أسلموا عليه ما جاز إذا ما أحرز المسلمون مأ أحرز المشركون أن يأخذه مالكه من المسلمين بقيمة ولا بغير قيمة قبل القسم ولا بعده وكما لا يجوز فيما سوى ذلك من أموالهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقة عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له أبق وفرسا له عار فأحرزه المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا عليه بلاد قيمة.
فلو أحرز المشركون امرأة رجل أو أم ولده أو(4/283)
مدبرة أو جارية غير مدبرة فلم يصل إلى اخذها ووصل إلى وطئها لم يحرم عليه أن يطأ واحدة منهن لانهن على أصل ملكه والاختيار له أن لايطأ منهن واحدة خوف الولد أن يسترق وكراهية أن يشركه في بعضها غيره.
المسلم يدخل دار الحرب فيجد امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان فوجد امرأته أو امرأة غيره أو ماله أو مال غيره من المسلمين أو أهل الذمة مما غصبه المشركون كان له أن يخرج به من قبل أنه ليس بملك للعدو ولو أسلموا عليه لم يكن لهم فليس بخيانة كما لو قدر على مسلم غصب شيئا فأخذه بلا علم المسلم فأداه إلى صاحبه لم يكن خان إنما الخيانة أخذ مالا يحل له أخذه ولكنه لو قدر على شئ من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر لانه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ولانه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة لان المال ممنوع بوجوه أولها إسلام صاحبه والثانى مال من له ذمة والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة.
الذمية تسلم تحت الذمي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلمت الذمية تحت الذمي حاملا كانت لها النفقة حتى تضع حملها فإن أرضعته فلها أجر الرضاع وهى كالمبتوتة المسلمة الحامل أو أولى بالنفقة منها وإذا كان بين المشركين ولد فأى الابوين أسلم فكل من لم يبلغ من الولد تبع للمسلم يصلى عليه إذا مات ويورث من المسلم ويرثه المسلم وإن كان الابوان مملوكين لمشرك فأسلم أحدهما تبع المسلم الولدان الذين لم يبلغوا لان حكمهم حكم الاسلام لا يجوز عندي إلا هذا القول ما كان الاولاد صغارا وكانوا تبعا لغيرهم لا يشرك دين الاسلام وغيره (1) في دين إلا كان الاسلام أولى به أو قول ثان أنهم إذا ولدوا على الشرك كانوا عليه حتى يعربوا عن أنفسهم فلو اسلم أبوهم لم يكن حكم واحد منهم حكم مسلم ولست أقول هذا ولا أعلم أحدا يقول به من أهل العلم فأما أن يقال الولد للاب حظ الام منه ولو اتبع الام دون الاب كما يتبعها في العتق والرق كان أولى أن يغلط إليه من أن يقال هو للاب وإن كان الدين ليس من معنى الرق ولكنه من المعنى الذى وصفت من أن الاسلام إذا شارك غيره في الدين والملك كان الاسلام أولى والله تعالى أعلم.
باب النصرانية تسلم بعد ما يدخل بها زوجها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في النصرانية تكون عند النصراني فتسلم بعد ما يدخل بها: لها المهر
__________
(1) لعله (في ذى دين) قوله: مال لم يحدث لعل المراد به الجناية، تأمل.(4/284)
فإن كانت قبضته وإلا أخذته بعد إسلامها أسلم أو لم يسلم فإن لم يكن دخل بها حتى أسلمت قبضت منه مهرا أو لم تقبضه فسواء ولا يعدو أن يكون لها نصف المهر لانه لو أسلم كان أحق بها أو لا يكون لها شئ لان فسخ النكاح جاء من قبها فإذا كان هذا فعليها رد شئ إن كانت أخذته له كما لو أخذت منه شيئا عوضا من شئ كالثمن للسلعة ففاتت السلعة كان عليها رد الثمن فأما لها ما أخذت ولا تأخذ شيئا إن لم تكن أخذت فلا يشبه هذا من العلم شيئا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
النصرانية تحت المسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت النصرانية عند المسلم فطهرت من الحيضة جبرت على الغسل منها فإن امتنعت أدبت حتى تفعل لانها تمنعه الجماع في الوقت الذى يحل له وقد قال الله عز وجل (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فزعم بعض أهل التفسير أنه حتى يطهرن من الحيض قال الله تعالى (فإذا تطهرن) يعنى بالماء (فاتوهن من حيث أمركم الله) فلما كان ممنوعا من أن يأتي زوجته إلا بأن تطهر من الحيضة وتطهر بالماء فيجتمع فيها المعنيان كان بينا أن نجبر النصرانية على الغسل من الحيضة لئلا يمنع الجماع فأما الغسل من الجنابة فهو مباح له أن يجامعها جنبا فتؤمر به كما تؤمر بالغسل من الوسخ والدخان وما غير ريحها ولا يبين لى أن تضرب عليه لو امتنعت منه لانه غسل تنظيف لها.
نكاح نساء أهل الكتاب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحل الله تبارك وتعالى حرائر المؤمنات واستثنى في إماء المؤمنات أن يحللهن بأن يجمع ناكحهن أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف العنت في ترك نكاحهن فزعمنا أنه لا يحل نكاح أمة مسلمة حتى يجمع ناكحها الشرطين اللذين أباح الله نكاحها بهما وذلك أن أصل ما نذهب إليه إذا كان الشئ مباحا بشرط أن يباح به فلا يباح إذا لم يكن الشرط كما قلنا في الميتة تباح للمضطر ولا تباح لغيره وفي المسح على الخفين يباح لمن لبسهما كامل الطهارة ما لم يحدث ولا يباح لغيره وفي صلاة الخوف يباح للخائف أن يخالف بها الصلوات من غير الخوف ولا تباح لغيره وقال الله
تبارك وتعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فأطلق التحريم تحريما بأمر وقع عليه اسم الشرك قال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) والمحصنات منهن الحرائر فأطلقنا من استثنى الله إحلاله وهن الحرائر من أهل الكتاب والحرائر غير الاماء (1) كما قلنا لا يحل نكاح مشركة غير كتابية وقال غيرنا كذلك كان يلزمه أن يقول وغير حرة حتى يجتمع فيها أن تكون حرة كتابية فإذا كان نكاح إماء المؤمنين ممنوعا إلا بشرطين كان فيه الدلالة على أنه لا يجوز نكاح غير إماء المؤمنين مع الدلالة الاولى فإماء أهل الكتاب محرمات من الوجهين في دلالة القرآن، والله تعالى أعلم.
__________
(1) لعله (فقلنا لا تحل الاماء كما قلنا الخ) وبعد ذلك فالعبارة هكذا في عدة نسخ ولا يخفى ما فيها، فتأمل.(4/285)
إيلاء النصراني وظهاره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا آلى النصراني من امرأته فتحاكما إلينا بعد الاربعة الاشهر حكمنا عليه حكمنا على المسلم في أن يفئ أو يطلق ونأمره إذا فاء بالكفارة ولا نجبره عليها لانه لا يسقط عنه بالشرك من حق الله تعالى شئ وإن كان غير مقبول منه حتى يؤمن فإذا تظاهر من امرأته فرافعته ورضيا بالحكم فليس في الظهار طلاق فنحكم عليه وإنما فيه كفارة فنأمره بها ولا نجبره عليها كما قلنا في يمين الايلاء.
في النصراني يقذف امرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قذف النصراني امرأته فرافعته ورضيا بالحكم لاعنا بينهما وفرقنا ونفينا الولد كما نصنع بالمسلم ولو فعل وترافعا فأبى أن يلتعن عزرناه ولم نحده لانه ليس على من قذف نصرانية حد وأقررناها معه لانا لا نفرق بينهما إلا بالتعانه.
فيمن يقع على جارية من المغنم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وقع الرجل من المسلمين قد شهد الحرب على جارية من الرقيق قبل أن يقسم فإن لم تحمل أخذ منه عقرها وردت إلى المغنم فإن كان من أهل الجهالة نهى وإن كان من أهل العلم عزر ولاحد من قبل الشبهة في أنه يملك منها شيئا وإن أحصى المغنم فعرف قدر ملكه
منها مع جماعة أهل المغنم وقع عنه من المهر بحصنه وإن حملت فهكذا وتقوم عليه وتكون أم ولده وإذا كان الزنا بعينه فلا مهر فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغى والبغى هي التى تمكن من نفسها فتكون والذى زنى بها زانيين محدودين فإذا كانت مغصوبة فهى غير زانية محدودة فلها المهر وعلى الزانى بها الحد.
المسلمون يوجفون على العدو، فيصيبون سبيا فيهم قرابة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اوجف المسلمون على العدو فكان فيهم ولد لمسلم مملوك للعدو أو كان فيهم ولد لمسلم لم يزل من أهل الحرب وقد شهد أبنه الحرب فصار له الحظ في أبيه أو ابنه منهم لم يعتق واحد منهما عليه حتى يقسموا فإذا صار أحدهما أو كلاهما في حظه عتق وإن لم يكن يعتق فإن قال قائل فأنت تقول إذا ملك أباه أو ولده عتق عليه فإنما أقول ذلك إذا اجتلب هو في مكله بأن يشتريه أو يتهبه أو يزعم أنه وهب له أو أوصى له به لم أعتقه عليه حتى يقبله وكان له رد الهبة والوصية فهو إذا أوجف عليه فله ترك حقه من الغنيمة ولا يعتق حتى يصير في ملكه بقسم أو شراء ولا يشبه هذا الجارية بطؤها وله فيها حق من قبل أنا ندرا الحد بالشبهة ولا نثبت الملك بالشبهة.
والله تعالى أعلم.(4/286)
المرأة تسبى مع زوجها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء أهل الحرب من أهل الاوثان حكمين فأما أحدهما فاللائى سبين فاستؤمن بعد الحرية فقسمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى من صرن إليه أن يطأ حائلا حتى تحيض أو حاملا حتى تضع وذلك في سبى أوطاس ودل ذلك على أن بالسباء نفسه انقطاع العصمة بين الزوجين وذلك أنه لا يأمر بوطئ ذات زوج بعد حيضة إلا وذلك قطع العصمة وقد ذكر ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن قول الله عزوجل (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) ذوات الازواج اللاتى ملكتموهن بالسبي ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية بأكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن وسواء أسرن مع أزواجهن أو قبل أزواجهن أو بعد أوكن في دار الاسلام أو دار الحرب لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذى كن به مستأميات بعد الحرية
وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من هوازن فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات أسبوا معهن أو قبلهن أو بعدهن أو لم يسبوا ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنهن إن شاء الله تعالى فأما قول من قال خلاهن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعن إلى أزواجهن فإن كان المشركون استحلوا شيئا من نسائهم فلا حجة بالمشرك وإن كانوا أسلموا فلا يجوز أن يكن يرجعن إلى أزواجهن إلا بنكاح جديد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباحهن لمالكيهن وهو لايبحهن والنكاح ثابت عليهن ولا يبيحهن إلا بعد انقطاع النكاح وإذا انقطع النكاح فلا بد من تجديد النكاح، والله تعالى أعلم.
المرأة تسلم قبل زوجها والزوج قبل المرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللائي أسلمن ولم يسبين قبل أزواجهن وبعدهم سنة واحدة وذلك أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران والنبى صلى الله عليه وسلم ظاهر عليه ومكة دار كفر وبها أزواجهما ورجع أبو سفيان أمام النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وهند أبنة عتبة مشركة فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا هذا الشيخ الضال وأقامت على الشرك حتى أسلمت بعد الفتح بأيام فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح وذلك أن عدتها لم تنقض وصارت مكة دار الاسلام وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبى جهل وأقامتا بمكة مسلمتين في دار الاسلام وهرب زوجاهما مشركين ناحية اليمن إلى دار الشرك ثم رجعا فأسلم عركمة بن أبى جهل ولم يسلم صفوان حتى شهد حنينا كافرا ثم أسلم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحهما وذلك أن عدتهما لم تنقض وفى هذا حجة على من فرق بين المرأة تسلم قبل الرجل والرجل يسلم قبل المرأة وقد فرق بينهما بعض أهل ناحيتنا فزعم في المرأة تسلم قبل الرجل ما زعمنا ووزعم في الرجل يسلم قبل المرأة خلاف ما زعمنا وأنها تبين منه إلا أن يتقارب إسلامه وهذا خلاف القرآن والسنة والعقل والقياس ولو جاز أن يفرق بينهما لكان ينبغى أن يقول في المرأة تسلم قبل الرجل قد انقطعت العصمة بينهما لان المسلمة لا تحل لمشرك بحال والمرأة المشركة قد تحل للمسلم بحال وهى أن تكون كتابية فشدد في الذى ينبغى أن يهون فيه وهون في الذى ينبغى أن يشدد فيه لو كان ينبغى أن يفرق بينهما فإن قال رجل ما السنة التى تدل على ما قلت دون ما قال؟ فما وصفنا قبل هذا وإن قال فما الكتاب؟ قيل قال(4/287)
الله عزوجل (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن) فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة والمدة لا تجوز إلا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفنا وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمة قبل زوجها والمسلم قبل امرأته فحكم فيهما حكما واحدا فكيف جاز أن يفرق بينهما؟ وجمع الله عز وجل بينهما فقال (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) فإن قال قائل فإنما ذهبنا إلى قول الله عزوجل (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فهى كالآية قبلها لا تعدو أن يكون الزوج ساعة يسلم قبل امرأته تنقطع العصمة بينهما لانه مسلم وهى كافرة أولا تكون العصمة تنقطع بينهما إلا إلى مدة فقد دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدة وقول من حكينا قوله لاقطع للعصمة بينهما إلا بالاسلام حين كان متأول فكان وإن خالف قوله السنة قد ذهب إلى ما تأول ولا جعل لهما المدة التى دلت عليها السنة بل خرج من القولين وأحدث مدة لا يعرفها أدمى في الارض فقال إذا تقارب فإذا جاز له أن يقول إذا تقارب قال إنسان التقارب بقدر النفس أو قدر الساعة أو قدر بعض اليوم أو قدر السنة؟ لان هذا كله قريب وإنما بحد مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يحد هذا بالرأى والغفلة فهذا ما لا يجوز مع الرأى واليقظة والله تعالى أعلم.
الحربى يخرج إلى دار الاسلام (قال الشافعي) وإذا أسلم الزوج قبل المرأة والمرأة في دار الحرب وخرج إلى دار الاسلام لم ينكح أختها حتى تنقضي عدة امرأته ولم تسلم فتبين منه فله نكاح أختها وأربع سواها.
من قوتل من العرب والعجم ومن يجرى عليه الرق (قال الشافعي) وإذا قوتل أهل الحرب من العجم جرى السباء على ذراريهم ونسائهم ورجالهم لا اختلاف في ذلك وإذا قوتلوا وهم من العرب فقد سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق وهوازن وقبائل من العرب وأجرى عليهم الرق حتى من عليهم بعد فاختلف أهل العلم بالمغازي فزعم
بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق سبى هوازن قال لو كان تاما على أحد من العرب سبى تم على هؤلاء ولكنه إسار وفداء فمن أثبت هذا الحديث عم أن الرق لا يجرى على عربي بحال وهذا قول الزهري وسعيد بن المسيب والشعبى ويروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز قال وأخبرنا سفيان عن الشعبى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال لا يسترق عربي (قال الربيع) قال الشافعي ولولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هذا هكذا (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبى ذئب عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال في المولى ينكح الامة يسترق ولده وفى العربي ينكحها لا يسترق ولده وعليه قيمتهم (قال الربيع) رأى الشافعي أن يأخذ منهم الجزية وولدهم رفيق ممن دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان (قال(4/288)
الشافعي) رحمه الله تعالى ومن لم يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أن العرب والعجم سواء وأنه يجرى عليهم الرق حيث جرى على العجم.
والله تعالى أعلم (قال الشافعي) في الحربى يخرج إلى دار الاسلام مستأمنا وامرأته في دار الحرب على دينه: لا تنقطع بينهما العصمة إنما تنقطع بينهما العصمة باختلاف الدينين فأما والدين واحد فلا تنقطع بينهما العصمة أرأيت لو أن مسلما أسر وامرأته أو دخل دار الحرب مستأمنا وامرأته أو أسلم هو وامرأته في دار الحرب فقدر على الخروج ولم تقدر امرأته أتنقطع العصمة بينهما وهما على دين واحد؟ لا تنقطع العصمة إلا باختلاف الدينين (قال الشافعي) أي الزوجين أسلم فانقضت العدة قبل أن يسلم الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وهو فسخ بغير طلاق وإذا طلق النصراني الذمي امرأته النصرانية ثلاثا ثم أسلما فرق بينهما ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وكذلك لو كان حربيا من قبل أنا إذا أثبتنا له عقد النكاح فجعلنا حكمه فيه كحكم المسلم لزمنا أن نجعل حكمه حكم المسلم فيما يفسخ عقد النكاح وفسخ عقد النكاح التحريم بالطلاق.
المسلم يطلق النصرانية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق المسلم امرأته النصرانية ثلاثا فنكحها نصراني أو عبد
فأصابها حلت له إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لان كل واحد من هذين زوج وإنما قال الله عز وجل (حتى تنكح زوجا غيره) فقد نكحت زوجا غيره وإذا جاز لنا أن نزعم أن النصراني ينكح النصرانية فيحصنا حتى ترجمها لو زنت لان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا فقد زعمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه يحصنا فكيف يذهب علينا أن يكون لا يحلها وهو يحصنا؟ وطئ المجوسية إذا سبيت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سبى المجوسى وأهل الاوثان لم توطأ منهن امرأة بالغ حتى تسلم وإن سبى منهن صبيات فمن كان منهن مع أحد أبويه ولم يسلم فلا توطأ لان دينها دين أبيها وأمها وإن أسلم أحد أبويها وهى صبية وطئت فإذا سبيت منفردة ليست مع أحد أبويها وطئت لانا نحكم لها بحكم الاسلام ونجبرها عليه ما لم تكن بالغا مشركة أو صغيرة مع أحد أبويها مشركا فإذا حكمنا لهم بحكم الاسلام لم يكن لتحريم فرجها معنى.
ذبيحة أهل الكتاب ونكاح نسائهم (قال الشافعي) من دان دين اليهود والنصارى من الصائبين والسامرة أكلت ذبيحته وحل نساؤه وقد روى عن عمر أنه كتب إليه فيهم أو في أحدهم فكتب بمثل ما قلنا فإذا كانوا يعرفون باليهودية أو النصرانية فقد علمنا أن النصارى فرق فلا يجوز إذا جمعت النصرانية بينهم أن تزعم أن بعضهم تحل ذبيحته ونساؤه وبعضهم تحرم إلا بخبر يلزم مثله ولم نعلم في هذا خبرا فمن جمعه اليهودية والنصرانية فحكمه حكم واحد وقال لاتؤكل ذبيحة المجوسى وإن سمى الله عليها.(4/289)
الرجل تؤسر جاريته أو تغصب (قال الشافعي) وإذا اغتصبت جارية الرجل أم ولد كانت أو غير أم ولد وأحرزها المشركن أو غيرهم فصارت إليه لم يكن عليه استبراء في شئ من هذه الحالات لانها لم تملك عليه كما لا يكون عليه استبراء لو غابت عنه فلم يدر لعلها فجرت أو فجر بها والاختيار له في هذا كله أن لا يقربها حتى يستبرئها (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل فجارية من المغنم أو وقعت في سهمه أو من سوق المسلمين لم
يقبلها ولم يباشرها ولم يتلذذ منها بشئ حتى يستبرئها.
الرجل يشترى الجارية وهى حائض (قال الشافعي) وإذا ملك الرجل جارية بشراء أو غيره وهى في أول حيضتها أو وسطها أو آخرها لم تكن هذه الحيضة استبراء كما لا تكون من العدة في قول من قال العدة الحيض ولا قول من قال العدة الطهر وعليه أن يستبرئها بحيضة أمامها طهر ويجزيها حيضة واحدة وإذا ارتابت المستبرأة لم توطأ حتى تذهب الريبة ولاوقت في ذلك إلا ذهاب الريبة وإن كانت مشتراة لم ترد بهذا وأريها النساء فإن قلن هذا حمل أو داء ردت.
عدة الامة التى لا تحيض (قال الشافعي) اختلف الناس في استبراء الامة التى لا تحيض من صغر أو كبر فقال بعضهم شهر قياسا على الحيضة وقال بعضهم شهر ونصف وليس لهذا وجه وهو إما أن يكون شهرا وإما أن يكون ما ذهب إليه بعض أصحابنا من ثلاثة أشهر (قال الشافعي) استبراء الامة شهر إذا كانت ممن لا تحيض قياسا على حيضة لان الله عزوجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاثة قروء فلكل حيضة شهر إلا أن يكون مضى فيه أثر بخلافه يثبت مثله فالاثر أولى أن يتبع.
من ملك الاختين فأراد وطأهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل الاختين بأى وجه ما كان فله أن يطأ أيتهما شاء وإذا وطئ إحداهما لم يجز له وطئ الاخرى حتى يحرم عليه فرج التى وطئ بأى وجه ما حرم من نكاح أو عتاقة أو كتابة فإذا كان ذلك فوطئ الاخرى ثم عجزت المكاتبة أو طلقت ثبت على وطئ التى وطئ بعدها ولم يكن له أن يطأ العاجزة ولا المطلقة فتكون في هذه الحال وأختها في الحالة الاولى.
وطئ الام بعد البنت من ملك اليمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يحل وطئ الام بعد البنت ولا البنت بعد الام من ملك اليمين(4/290)
ولا يحل وطئ المملوكات بشئ لا يحل من وطئ الحرائر مثله إلا أنهن يخالفن الحرائر في معنيين فيكون
للرجل أن يملك الام وولدها ولا يكون له أن ينكح الام وابنتها ويجمع بين بين الاختين من الملك ولايجمع بينهما من النكاح ويطأ من الولائد ما شاء بالملك في وقت واحد ولايكون له أن يجمع بين أكثر من أربع بالنكاح.
التفريق بين ذوى المحارم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل أهل البيت لم يفرق بين الام وولدها حتى يبلغ الولد سبعا أو ثمان سنين فإذا بلغ ذلك جار أن يفرق بينهما فإن قال قائل فمن أين وقت سبعا أو ثمان سنين؟ قيل روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير غلاما بين أبويه وعن عمر رضى الله عنه والغلام غير بالغ عندنا وعن على رضى الله تعالى عنه أنه خير غلاما بين أمه وعمه وكان في الحديث عن على رضى الله تعالى عنه والغلام ابن سبع أو ثمان سنين ثم نظر إلى أخ له أصغر منه فقال وهذا لو بلغ مبلغ هذا خيرناه فجعلنا هذا حدا لاستغناء الغلام والجارية وأنه أول مدة يكون لهما في أنفسهما قول وكذلك ولد الولد من كانوا فأما الاخوان فيفرق بينهما فإن قال قائل فيكف فرقتم بين الاخوين ولم تفرقوا بين الولد وأمه؟ قيل السنة في الام وولدها ووجدت حال الولد من الوالد مخالفا حال الاخ من أخيه ووجدتني أجبر الولد على نفقة الوالد والوالد على نفقة الولد في الحين الذى لا غنى لواحد منهما عن صاحبه ولم أجدني أجبر الاخ على نفقة أخيه.
الذمي يشتري العبد المسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الذمي عبدا مسلما فالشراء جائز وأجبره على بيعه وإنما منعنى من أن أجعل الشراء فيه باطلا أنه لو أسلم عنهد جبرته على بيعه ولو أعتقه أو وهبه لمسلم أو تصدق به عليه أو مات ولا وارث له قبض عنه وجاز فيه العتق في حياته والصدقة والهبة ولايكون هذا إلا لمن يكون ملكه ثابتا مدة من المدد وإن كنت لا أثبته على الابد كما أثبت ملك المسلم وإذا كان للذمي مملوكان امرأة ورجل بينهما ولد فأيهما أسلم جبرت السيد على بيع المسلم منهما والولد الصغار لانهم مسلمون بإسلام أي الابوين أسلم.
الحربى يدخل دار الاسلام بأمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان ومعه مملوكة أو مملوك فأسلما أو أسلم أحدهما أجبرته على بيعهما أو بيع المسلم منهما ودفعت إليه ثمنها وليس له أمان يعطى به أن يملك مسلما وأمان الذمي المعاهد أكثر من أمانه وأنا أجبره على بيع من أسلم من مماليكه.(4/291)
العبد الذى يكون بين المسلم والذمى فيسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد الكافر بين مسلم وذمى وأسلم جبرت الكافر على بيع نصيبه فيه وجبرته على بيع كله أكثر من جبرته على بيع نصيبه وإذا حاصر المسلمون المشركين فاستأمن رجل من المشركين لجماعة بأعيانهم كان لهم الامان ولم يكن الامان لغيرهم وكذلك لو استأمن لعدد كان الامان لاولئك العدد وليس لغيرهم وهكذا إن قال تؤمن لى مائة رجل وأخلى بينك وبين البقية كان الامان في المائة الرجل إليه فمن سمى فهو آمن (1) ومن لم يستثن فليس بآمن.
وهكذا إن قال تؤمن لى أهل الحصن على أن أدفع إليك مائة منهم فلا بأس والمائة رقيق كانوا من حربهم أو رقيقهم من قبل أنى إذا قدرت عليهم كانوا جمعيا رقيقا فلما كنت قادرا على بعضهم كانوا رقيقا وكان من أمنت غير رقيق وليس هذا بنقض للعهد ولا رجوع في صلح إنما هذا صلح على شرط فمن أدخله المستأمن في الامان فهو داخل فيه ومن أخرجه منه ممن لم أعطه الامان فهو خارج منه حكمه حكم مشرك يجرى عليه الرق إذا قدر عليه.
الاسير يؤخذ عليه العهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسر المسلم فأحلفه المشركون أن يثبت في بلادهم ولا يخرج منها على أن يخلوه فمتى قدر على الخروج منها فليخرج لان يمينه يمين مكره ولا سبيل لهم على حبسه وليس بظالم لهم بخروجه من أيديهم ولعله ليس بواسع أن يقيم معهم إذا قدر على التنحي عنهم ولكنه ليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لانهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولا نعرف شيئا يروى خلاف هذا، ولو كان أعطاهم اليمين وهو مطلق لم يكن له الخروج إذا كان غير مكره إلا بأن يلزمه الحنث وكان له أن يخرج ويحنث لانه حلف غير مكره وإنما ألغيا عنه الحنث في المسألة الاولى لانه كان
مكرها.
الاسير يأمنه العدو على أموالهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه وليس له أن يغتالهم ولا يخونهم.
وأما الهرب بنفسه فله الهرب وإن أدرك ليؤخذ فله أن يدافع عن نفسه وإن قتل الذى أدركه لان طلبه ليؤخذ إحداث من الطالب غير الامان فيقتله إن شاء ويأخذ ما له ما لم يرجع عن طلبه.
الاسير يرسله المشركون على أن يبعث إليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إليهم إلى وقت
__________
(1) أي: ومن لم يسم، تأمل.(4/292)
وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغى أن يعود في إسارهم ولا ينبغى للامام إذا أراد أن يعود أن يدعه والعودة وإذا كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لانه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق فإن كان أعطاهموه على شئ فأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه إليهم بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شئ انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عنه ما استنكره عليه.
المسلمون يدخلون دار الحرب بأمان فيرون قوما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمان فسبى أهل الحرب قوما من المسلمين لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم حتى ينبذوا إليهم فإذا نبذوا إليهم فحذروهم وانقطع الامان بينهم كان لهم قتالهم فأما ما كانوا في مدة الامان فليس لهم قتالهم.
الرجل يدخل دار الحرب فتوهب له الجارية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الرجل دار الحرب بأمان فوهبت له جارية أو غلام أو متاع لمسلم قد أحرزه عليه أهل الحرب ثم خرج به إلى دار الاسلام فعرفه صاحبه وأثبت عليه بينة أو أقر له الذي هو في يديه بدعواه فعليه أن يدفعه إليه بلا عوض يأخذه منه ويجبره السلطان على دفعه.
الرجل يرهن الجارية ثم يسبيها العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل جارية بألف درهم وذلك قيمتها ثم سباها العدو ثم أخذها صاحبها الراهن بثمن أو غير ثمن فهى على الرهن كما كانت لا يخرجها السباء من الرهن ولو وجدت في يدى رجل من المسلمين أخرجت من يديه إلى ملك مالكها الذى سبيت عنه وكانت على الرهن وإذا سبى المشركون الحرة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والعبد وأخذوا المال فكله سواء متى ظهر عليه المسلمون قبل المقاسم أو بعدها أخرج من يدى من هو في يديه وكانت الحرة حرة والمكاتبة مكاتبة والمدبرة مدبرة والامة أمة والعبد عبدا وأم الولد أم ولد والمتاع على حاله لان المشركين لا يملكون على المسلمين ولو ملكوه عليهم ملك بعضهم على بعض ملكوا الحرة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة كما يسبى بعضهم بعضا ثم يسلمون فيقر المسبى خولا للسابى.
المدبرة تسبى فتوطأ ثم تلد ثم يقدر عليها صاحبها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سبى المشركون المدبرة فوطئها رجل منهم فولدت أولادا ثم سبيت وأولادها ردت إلى مالكها الذى دبرها وأولادها كما ترد المملوكة غير مدبرة ولا يبطل السباء تدبيرها ولا يبطله إلا أن يرجع فيه المدبر فإن مات المدبر قبل أن يحرزها المسلمون فهى حرة وأولادها في(4/293)
قول من أعتق ولد المدبرة بعتقها و ولاؤها للذى دبرها وولاء ولدها الذين أعتقوا بعتقها فإن ولدت بعدهم أولادا فولاؤهم لموالى أبيهم وقال في المكاتبة كما قال في المدبرة إلا أن المكاتبة لا تعتق بموت سيدها إنما تعتق بالاداء.
المكاتبة تسبى فتوطأ فتلد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ولدت المكاتبة أولادا في دار الحرب وهى مسبية ثم أدت فعتقت عتق ولدها بعتقها في قول يعتق ولد المكاتبة بعتق أمه وإن عجزت رقت ورق ولدها.
أم ولد النصراني تسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بنفقتها
وأمرت أن تعمل له في موضعها ما يعمل مثلها لمثله فإن مات فهى حرة وإن أسلم خلى بينه وبينها ولا يجوز فيها ما ذهب إليه بعض الناس من أن تعتق وتسعى في قيمتها من قبل أنها إن كان الاسلام يعتقها فلا ينبغى أن يكون عليها سعاية وإن كان الاسلام لا يعتقها فما سبب عتقها وما سبب سعايتها؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: العتق لو كان من قبل سيدها وأعتق منها سهما من مائة سهم عتقت كلها ولم يكن العتق من قبل سيدها ولامن قبل شريك له، فإن قال من قبل نفسها فهى لا تقدر على أن تعتق نفسها، فإن قال منهم قائل وهل ثبت الرق لكافر على مسلم؟ قيل أنت تثبته قال وأين؟ قلت زعمت أن عبد الكافر إذا اسلم فأعتقه الكافر أو باعه أو وهبه أو تصدق به أجزت هذا كله فيه ولو كان الاسلام يزيل ملكه عنه ما جاز له من هذا شئ وأنت تزعم أن للكافر أن يشترى المؤمن ثم يكون عليه بيعه ويكون لمشتريه أن يرده على ملك الكافر بالعيب ثم تقول للكافر بعه فإن زعمت أنك تجبره على بيعه، قيل فقل هذا في مدبره ومكاتبه، فإن قلت: لا.
قيل فكذا قل في أم ولده ليس الاسلام بعتق لها ولا أجد السبيل إلى بيعها لما سبق فيها ولايجوز قول من قال أعتقها ولا سعاية عليها من قبل أنه لا يعتق الامة لم تلد إذا أسلمت وهى لنصراني ولا العبد ويقول آمره ببيعهما والرجل لا يكون عهدة البيع عليه إلا فيما يملك وهو يجيز العتق والهبة والصدقة وهذا لا يجوز إلا لمالك.
فإن قال لا أجده يملك من أم الولد إلا الوطئ فقد حرم عليه الوطئ فهو يملك الرجل من أم ولده أن يأخذ مالها وكسبها والجناية عليها ويستعمها وتموت فيصير إليه ما حوت وهذا كله غير وطئها ولو كان إذا حرم عليه الفرج عتقت أم الولد كان لو زوج مالك أم ولده أو كاتبها انبغى أن يعتقها عليه من قبل أنه قد حيل بينه وبين فرجها وحول بين الرجل وبين الفرج بسبب لا يمنع شيئا غيره وقد قال قائل تسعى في نصف قيمتها كأنه جعل نصفها حرا بالولد ونصفها مملوكا إلى أن يموت السيد.
ولا أعرف للولد حصة من العتق متبعضة (1) ولو كانت حرة كلها من قبل أن الولد من السيد وهو لو أعتق السيد منها سهما من ألف سهم جعلها حرة كلها
__________
(1) قوله: ولو كانت حرة كلها كذا في النسخ أي ولو فرض أن للولد حصته كانت حرة كلها من قبل الخ، تأمل.(4/294)
فلا أعرف لما ذهب إليه وجها.
وإذا دخل الحربى بعبده أو أمته دار الاسلام مستأمنا فأسلما جبر على بيعهما ولم يترك يخرج بهما.
الاسير لا تنكح امرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد تيقن وفاته عرف مكانه أو خفى مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه.
ما يجوز للاسير في ماله وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما صنع الاسير من المسلمين في دار الحرب أو دار الاسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك فهو جائز لا نبطل على واحد منهم إلا ما نبطل على الصحيح المطلق فإن كان مريضا فهو كالمريض في حكمه وهكذا ما صنع الرجل في الحرب عند التقاء الصفين وقبل ذلك ما لم يجرح وهكذا ما صنع إذا قدم ليقتل فيما من قتله فيه بدو فيما يجد قاتله السبيل إلى تركه مثل القتل في القصاص الذى يكون لصاحبه عفوه ومثل قتل عصبته القاتل الذى قد تتركه وأما إذا قدم ليرجم في الزنا فلا يجوز له في ماله إلا الثلث لانه لا سبيل إلى تركه.
والحامل يجوز ما صنعت في مالها ما لم يحدث لها مرض مع حملها أو يضربها الطلق فإن ذلك مرض مخوف، فأما ما قبل ذلك فما صنعت فيه فهو جائز، وهكذا الرجل في السفينة في الموضع المخوف من الغرق وغير المخوف لان النجاة قد تكون في المخوف والهلاك قد يكون في غيره ولا وجه لقول من قال تجوز عطية الحامل حتى تستكمل ستة أشهر ثم تكون كالمريض في عطيتها بعد الستة عندي ولا لما تأول من قول الله عزوجل (حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما) وليس في هذا دلالة على حد الاثقال متى هو؟ أهو التاسع أو الثامن أو السابع أو السادس أو الخامس أو الرابع أو الثالث حتى يتبين؟ ومن ادعى هذا بوقت لم يجز له إلا بخبر ولا يجوز أن يكون الاثقال المخوف إلا حين تجلس بين القوابل، فإن قيل هي بعد ستة مخالفة لها قبل ستة فكذلك هي بعد شهر مخالفة لها قبل الشهر بعد الشهرين وفي كل يوم زادت فيه أن يكبر ولدها وتقرب من وضع حملها وليس إلا ما قلنا أو أن يقول رجل الحمل كله مرض ولا يفرق بين أوله وآخره فإن قال هذا فهو معروف في الاثقال وغير الاثقال فالمرض الثقيل والمرض الخفيف عنده وعند الناس في العطية سواء ولا فرق في
الحكم بين المريض المخوف عليه الدنف وبين المريض الخفيف المرض فيما أعطيا ووهبا وقد يقال لهذا ثقيل ولهذا خفيف وما أعلم الحامل بعد الشهر الاول إلا أثقل وأسوأ حالا وأكثر قيئا وامتناعا من الطعام وأشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر وكيف تجوز عطيتها في الوقت الذى هي فيه أقرب من المرض وترد عطيتها في الوقت الذى هي فيه أقرب إلى الصحة؟ فإن قال: هذا وقت يكون فيه الولد تاما لو خرج فخروجه تاما أشبه لسلامة أمه من خروجه لو خرج سقطا والحكم إنما هو لامه ليس له، والله أعلم.(4/295)
الحربى يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربى بلاد الاسلام بأمان وخلف في دار الحرب أموالا وودائع في يد مسلم ويدى حربى ويدى وكيل له ثم أسلم فلا سبيل عليه ولا على ماله ولا على ولده الصغار ما كان له عقار أو غيره وهكذا لو أسلم في بلاد الحرب وخرج إلى دار الاسلام لا سبيل على مال مسلم حيث كان أسلم ابنا شعبة القرظيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بنى قريظة فأحرز لهما إسلامهما أنفسهما وأموالهما دورا كانت أو عقارا أو غيره ولايجوز أن يكون مال المسلم مغنوما بحال فأما ولده الكبار وزوجته فحكمهم حكم أنفسهم يجرى عليهم ما يجرى على أهل الحرب من القتل والسباء وإن سبيت امرأته حاملا منه لم يكن إلى إرقاق ذى بطنها سبيل من قبل أنه إذا خرج فهو مسلم بإسلام أبيه ولا يجرى السباء على مسلم.
الحربى يدخل دار الاسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا داخل الحربى دار الاسلام بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم رجع إلى دار الحرب فقتل بها فدينه وودائعه وما كان من مال مغنوم عنه لافرق بين الدين والوديعة وإذا قدم الحربى دار الاسلام بأمان فمات فالامان لنفسه وماله ولايجوز أن يؤخذ من ماله شئ وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا ولا يقبل إن لك تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين ولايجوز في هذه الحال ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الاسلام لقول الله تبارك وتعالى (ذوى عدل منكم) وقوله (ممن ترضون من الشهداء) وهذا مكتوب في كتاب الشهادات.
في الحربى يعتق عبده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعتق الحربى عبده في دار الحرب ثم خرجا إلينا ولم يحدث له قهرا في بلاد الحرب يستعبده به فأراد استعباده ببلاد الاسلام لم يكن له أن يستعبده مسلما كان العبد أو كافرا أو مسلما كان السيد أو كافرا ولو أحدث له قهرا ببلاد الحرب أو لحر مثله ولم يعتقه حتى خرج إلينا بأمان كان عبدا له قال وإن كانت الارض المفتتحة من أهل الشرك بلاد عنوة أو صلح تخلى منه أهله إلى المسلمين على شئ أخذوه منهم أمان أو غيره فهى مملوكة كما يملك الفئ والغنيمة وإن تركها أهلها الذين كانت لهم ممن أوجف عليها أو غيرهم فوقفها السلطان على المسلمين فلا بأس أن يتكارى الرجل منها الارض ليزرعها وعليه ما تكاراها به والعشر كما يكون عليه ما تكارى به أرض المسلم والعشر.
الصلح على الجزية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أحدا من أهل(4/296)
الجزية على شئ إلا ما أصف صالح أهل أيلة على ثلثمائة دينار وكان عددهم ثلثمائة رجل وصالح نصرانيا بمكه يقال له موهب على دينار وصالح ذمة اليمن على دينار دينار وجعله على المحتلمين من أهل اليمن وأحسب كذلك جعله في كل موضع وإن لم يحك في الخبر كما حكى خبر اليمن ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه وصالح عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أهل الشام على أربعة دنانير وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذى دونه على أثنى عشر درهما ولا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شئ مسمى بعينه وإن كان أضعاف هذا وإذا عقد لهم العقد على شئ مسمى لم يجز عندي أن يزاد على أحد منهم فيه بالغا يسره ما بلغ وإن صالحوا على ضيافة مع الجزية فلا بأس وكذلك لو صالحوا على مكيلة طعام كان ذلك كما يصالحون عليه من الذهب والورق ولا تكون الجزية إلا في كل سنة مرة ولو حاصرنا أهل مدينة من أهل الكتاب
فعرضوا علينا أن يعطونا الجزية لم يكن لنا قتالهم إذا أعطوناها وأن يجرى عليهم حكمنا وإن قالوا نعطيكموها ولا يجرى علينا حكمكم لم لم يلزمنا أن نقبلها منهم لان الله عزوجل قال (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فلم أسمع مخالفا في أن الصغار أن يعلو حكم الاسلام على حكم الشرك ويجرى عليهم ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للاسلام وأهله وإن لم يجر عليهم الحكم كما يكون لنا ترك قتالهم ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية ويجرى عليهم الحكم فاختلفنا نحن وهم في الجزية فقلنا لا نقبل إلا كذا وقالوا لا نعطيكم إلا كذا رأيت والله تعالى أعلم أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارا دينارا لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذه من نصراني بمكة مقهور ومن ذمة اليمن وهم مقهورون ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه والله تعالى أعلم لان لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من الائمة أخذ منهم أقل منه واثنا عشر درهما في زمان عمر رضى الله تعالى عنه كانت دينارا فإن كان أخذها فهى دينار وهل أقل ما أخذ ونزداد منهم ما لم نعقد لهم شيئا مما قدرنا عليه وإن كنت في العقد لهم أن يخفف عمن افتقر منهم إلى أن يجد كان ذلك جائزا وإن لم يكن في العقدة كان ذلك لازما لهم والبالغون منهم في ذلك سواء الزمن وغير الزمن فإن أعوز أحدهم بجزيته فهى دين عليه يؤخذ منه متى قدر عليها وإن غاب سنين ثم رجع أخذت منه لتلك السنين إذا كانت غيبته في بلاد الاسلام والحق لا يوضع عن شيخ ولا مقعد ولو حال عليه حول أو أحوال ولم تؤخذ منه ثم أسلم أخذت منه لانها كانت لزمته في حال شركه فلا يضع الاسلام عنه دينا لزمه لانه حق لجماعة المسلمين وجب عليه ليس للامام تركه قبله كما لم يكن له تركه قبله في حال شركه.
فتح السواد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنا مقرونا إلى علم وذلك أنى وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها أنهم يقولون السواد صلح ويقولون السواد عنوة ويقولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة ويقولون إن جرير بن عبد الله البجلى وهذا أثبت حديث عندهم فيه! أخبرنا الثقة عن ابن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله قال كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع(4/297)
السواد فاستغلوه ثلاث أو أربع سنين أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ومعى فلانة ابنة فلان امرأة منهم لا يحضرني ذكر اسمها فقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه لولا أنى قاسم مسئوول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكان في حديثه (وعاضنى من حقى فيه نيفا وثمانين دينارا) وكان في حديثه فقالت فلانة: قد شهدا أبى القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى تعطيني كذا أو تعطيني كذا فأعطاها إياه قال وفى هذا الحديث دلالة إذا أعطى جريرا البجلى عوضا من سهمه والمرأة عوضا من سهم أبيها أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين وهذا حلال للامام لو افتتح اليوم أرضا عنوة فأحصى من أفتتحها وطابوا نفسا عن حقوقهم منها أن يجعلها الامام وقفا وحقوقهم منها إلا الاربعة الاخماس ويوفى أهل الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في الارض كالحكم في المال وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم الاربعة الاخماس بين المسلمين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يعطيهم ما أخذ منهم فخيرهم بين الاموال والسبي فقالوا خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه وحق أهل بيته فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم فسمع بذلك الانصار فتركوا له حقوقهم ثم بقى قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال ائتونى بطيب أنفس من بقى فمن كره فله على كذا وكذا من الابل إلى وقت كذا فجاءوه بطيب أنفسهم إلا الاقرع بن حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أبيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى كاناهما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من طاب نفسا عن حقه وهذا أولى الامور بعمر بن الخطاب رضى الله عنه تعالى عندنا في السواد وفتوحه إن كانت عنوة فهو كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله بالدلالة ان الحديث الذي فيه تناقض لا ينبغى أن يكون قسم إلا عن أمر عمر رضى الله تعالى عنه لكبر قدره ولو تفوت عليه فيه ما انبغى ان يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن
تؤخذ منهم الغلة والله سبحانه وتعالى أعلم كيف كان ولم أجد فيه حديثا يثبت إنما أجدها متناقضة والذى هو أولى بعمر عندي الذى وصفت فكل بلد فتحت عنوة فأرضها ودارها كدنانيرها ودراهمها وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وبنى قريظة فلمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لاهله من الارض والدنانير والدراهم فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للامام حلال نظرا للمسلمين أن يجعله وقفا على المسلمين تقسم غلته فيهم على أهل الخراج والصدقة وحديث يرى الامام منهم ومن لم يطب عنه نفسا فهو أحق بحقه وأيما أرض فتحت صلحا على أن أرضها لاهلها ويؤدون عنها خراجا فليس لاحد أخذها من أيدى أهلها وعليهم فيها الخراج وما أخذ من خراجها فهو لاهل الفئ دون أهل الصدقات لانه فئ من مال مشرك وإنما فرق بين هذا والمسألة الاولى أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الارض فيه فليس بحرام أن يأخذه صاحب صدقة ولا صاحب فئ ولا غنى ولا فقير لانه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه من غنى وفقير وإذا كانت الارض صلحا فإنها لاهلها ولا بأس أن يأخذها منهم المسلمون بكراء ويزرعونها كما نستأجر منهم إبلهم وبيوتهم ورقيقهم وما يجوز لهم إجارته منهم وما دفع إليهم أو إلى السلطان بوكالتهم فليس بصغار عليهم إنما هو دين عليه يؤديه والحديث الذى يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغى لمسلم أن يؤدى خراجا ولا(4/298)
لمشرك أن يدخل المسجد الحرام إنما هو خراج الجزية ولو كان خراج الكراء ما حل له أن يتكارى من مسلم ولا كافر شيئا ولكنه خراج الجزية وخراج الارض إنما هو كراء لامحرم عليه وإذا كان العبد النصراني فأعتقه وهو على النصرانية فعليه الجزية وإذا كان العبد النصراني لمسلم فأعتقه المسلم فعليه الجزية إنما نأخذ الجزية بالدين والنصراني ممن عليه الجزية ولا ينفعه أن يكون مولاه مسلما كما لا ينفعه أن يكون أبوه وأمه مسلمين.
في الذمي إذا أتجر في غير بلده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا اتجر الذمي في بلاد الاسلام إلى أفق من الآفاق في السنة مرارا لم يؤخذ منه إلا مرة واحدة كما لا تؤخذ منه الجزية إلا مرة واحدة وقد ذكر عن عمر بن عبد
العزيز رحمه الله تعالى أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين أن يؤخذ منهم شئ وقته وأمر أن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذنا منهم فهو يشبه أن يكون أخذه إياه منهم على أصل صلح أنهم إذا أتجروا أخذ منهم ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة مرتين ولا أكثر فلما كانت الجزية في كل سنة مرة كان ينبغى أن يكون هذا عندنا في كل سنة مرة إلا أن يكونوا صولحوا عند الفتح على أكثر من ذلك فيكون لنا أن نأخذ منهم ما صولحوا عليه ولسنا نعلمهم صولحوا على أكثر ويؤخذ منهم كما أخذ عمر رضى الله تعالى عنه من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذه لا تخالفه.
نصارى العرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني وكان نصرانيا عربيا على الجزية وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم وصالح ذمة اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم واختلفت الاخبار عن عمر في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبنى تغلب فروى عنه أنه صالحهم على أن تضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير دينهم ولا يصبغوا أولادهم في النصرانية وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نعما ثم روى أنه قال بعد ما نصارى العرب بأهل كتاب أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة أو ابنه عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأرى للامام أن يأخذ منهم الجزية لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من النصارى من العرب كما وصفت وأما ذبائحهم فلا أحب أكلها خبرا عن عمرو عن على بن أبى طالب وقد نأخذ الجزية من المجوس ولا نأكل ذبائحهم فلو كان من حل لنا أحذ الجزية منه حل لنا أكل ذبيحته أكلنا ذبيحة المجوس ولا ننكر إذا كان في أهل الكتاب حكمان وكان أحد صنفيهم تحل ذبيحته ونساؤه والصنف الثاني من المجوس لا تحل لنا ذبيحته ولا نساؤه والجزية تحل منهما معا أن يكون هكذا في نصارى العرب فيحل أخذ الجزية منهم ولا تحل ذبائحهم والذى يروى من حديث ابن عباس(4/299)
رضى الله تعالى عنهما في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمه أخبرنيه ابن الدراوردى وابن أبى يحيى عن ثور الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولا حكئا هو إحلالها وتلا (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة وثور لم يلق ابن عباس والله أعلم.
الصدقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أبى إسحق الشيباني عن رجل أن عمر رضى الله تعالى عنه صالح نصارى بنى تغلب على أن لا يصبغوه أبناءهم ولا يكرهوا على غير دينهم وأن تضاعف عليهم الصدقة (قال الشافعي) وهكذا حفظ أهل المغازى وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا رامهم على الجزية فقالوا نحن عرب ولا نؤدى ما تؤدى العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر رضى الله تعالى عنه: لا.
هذا فرض على المسلمين فقالوا فزد ما شئت بهذا الاسلام لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعف عليهم الصدقة (قال الشافعي) ولا أعلمه فرض على أحد من نصارى العرب ولا يهودها الذين صالح والذين صالح بناحية الشام والجزيرة إلا هذا الفرض فأرى إذا عقد لهم هذا أن يؤخذ منهم عليه وأرى للامام في كل دهر إن امتنعوا أن يقتصر عليهم بما قبل منهم فإن قبلوا أخذه وإن امتنعوا جاهدهم عليه وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على أهل اليمن دينارا على كل حالم والحالم المحتلم وكذلك يؤخذ منهم وفيهم عرب وصالح نصارى نجران على كسوة تؤخذ منهم وكذلك تؤخذ منهم وفى هذا دلالتان إحداهما أن تؤخذ الجزية على ما صالحوا عليه والاخرى أنه ليس لما صالحوا عليه وقت إلا ما تراضوا عليه كائنا ما كان وإذا ضعفت عليهم الصدقة فانظر إلى مواشيهم وأطعمتهم وذهبهم وورقهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها كل ما أخذت فيه من مسلم خمسا فخذ منهم خمسين وعشرا فخذ منهم عشرين ونصف عشر فخذ منهم عشرا وربع عشر فخذ منهم نصف عشر وعددا من الماشية فخذ منهم ضعف ذلك العدد ثم هكذا صدقاتهم لا تختلف ولا تؤخذ منهم من أموالهم حتى يكون لاحدهم من النصف من المال ما لو كان لمسلم وجب فيه الزكاة فإذا كان ذلك ضعف عليهم الزكاة وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن
النساء والصغار لانه إذا قال خذ من كل حالم دينارا فقد دل على أنه وضع عمن دون الحالم ودل على أنه لا يوخذ من النساء (1) ولا يؤخذ من نصارى بنى تغلب وغيرهم ممن معهم من العرب لانه لا يؤخذ ذلك منهم على الصدقة وإنما يؤخذ منهم على الجزية وإن نحى عنهم من اسمها لاعنهم من اسمها ولا يكرهون على دين غير دينهم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أكيدر دومة وهو عربي وأخذها من عرب اليمن ونجران وأخذها الخلفاء بعده منهم وأخذها منهم على أن لا يأكلوا ذبائحهم لانهم ليسوا من أهل الكتاب أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال قال على رضى الله تعالى عنه (لا تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم أو من دينهم إلا بشرب الخمر) [ شك الشافعي ] (قال الشافعي) وإنما تركنا
__________
(1) قوله: ولا يؤخذ من نصارى إلى قوله (لان النبي الخ) كذا في النسخ، وهى عبارة سقيمة، فلتحرر.(4/300)
أن نجبرهم على الاسلام أو نضرب أعناقهم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من نصارى العرب وان عثمان وعمر وعليا قد أفروهم وإن كان عمر قد قال هكذا وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم لان الله تبارك وتعالى إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل وجميع ما أخذ من ذمى عربي وغيره فمسلكه مسلك الفئ قال وما تجربه نصارى العرب وأهل ذمتهم فإن كانوا يهودا فسواء تضاعف عليهم فيه الصدقة وما تجربه نصارى بنى إسرائيل الذين هم أهل الكتاب فقد روى عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه فيهم أنه أخذ منهم في بعض تجاراتهم العشر وفي بعضها نصف العشر وهذا عندنا من عمر أنه صالحهم عليه كما صالحهم على الجزية المسماة ولست أعرف الذين صالحهم على ذلك من الذين لم يصالحهم فعلى إمام المسلمين أن يفرق الكتب في الآفاق ويحكى لهم ما صنع عمر فإنه لا يدرى من صنع به ذلك منهم دون غيره فإن رضوا به أخذه منهم وإن لم يرضوا به جدد بينه وبينهم صلحا فيه كما يجدد فيمن ابتدأ صلحه ممن دخل في الجزية اليوم وإن صالحوا على أن يؤدوا في كل سنة مرة من غير بلدانهم فكذلك وإن صالحوا أن نأخذ منهم كلما أختلفوا وإن اختلفوا في السنة مرارا فذلك وكذلك ينبغى لامام المسلمين أن يجدد بينه وبينهم في الضيافة صلحا فإن روى عن عمر رضى الله تعالى
عنه أنه جعل عليهم ضيافة ثلاثة أيام وروى عنه أنه جعل ضيافة يوم وليلة فإذا جدد عليهم الصلح في الضيافة جدد بأمر بين أن يضيف الرجل الموسر كذا والوسط كذا ولا يضيف الفقير ولا الصبى ولا المرأة وإن كانا غنيين لانه لا تؤخذ منهم الجزية والضيافة صنف منها وسمى أن يعطموهم خبز كذا بأدم كذا ويعلفوا دوابهم من التبن كذاو من الشعير كذا حتى يعرف الرجل عدد ما عليه إذا نزل به ليس أن ينزل به العساكر فيكلف ضيافتهم ولا يحتملها وهى مجحفة به وكذلك يسمى أن ينزلهم من منازلهم الكنائس أو فضول منازلهم أو هما معا (قال الشافعي) حيثما زرع النصراني من نصارى العرب ضعف عليه الصدقة كما وصفت وحيثما زرع النصراني الاسرائيلي لم يكن عليه في زرعه شئ وإنما الحراج كراء الارض كما لو تكارى أرضا من رجل فزرعها أدى الكراء والعشر والنصراني من نصارى العرب إذا زرع الخراج ضعفت عليه العشر وأخذت منه الخراج وإذا قدم المستأمن من أرض الحرب فكان على النصرانية أو المجوسية أو اليهودية فنكح وزرع فلا خراج عليه ويقال له إن أردت المقام فصالحنا على أن تؤدى الجزية وجزيته على ما صالح عليه وإن أبى الصلح أخرج وإن غفل عنه سنة أو سنين فلا خراج عليه ولا يجب عليه الخراج إلا بصلحه ونمنعه الزرع إلا بأن يؤدى عنه ما صالح عليه وإن غفل حتى يصرمه لم يؤخذ منه شى ء وإن كان المستأمن وثنيا لم يترك حتى يقيم في دار الاسلام سنة ولم تؤخذ منه جزية وإن غفل عنه حتى زرع سنة أو أكثر دفع إليه وأخرج وإن كانت المرأة مستأمنة فتزوجت في بلاد الاسلام ثم أرادت الرجوع إلى بلاد الحرب فذلك إلى زوجها إن شاء أن يدعها تركها وإن شاء أن يحبسها حبسناها له بسلطان الزوج على حبس امرأته لا بغير ذلك ومتى طلقها أو مات عنها فلها أن ترجع فإن كان لها منه ولد فليس لها أن تخرج أولاده إلى دار الحرب لان ذمتهم ذمة أبيهم ولها أن تخرج بنفسها وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو ثم ظهر عليهم أو أغار العدو على بلاد الاسلام فسبوا عبيدا وظهر عليهم المسلمون فاقتسموا العبيد أو لم يقتسموا فسادتهم أحق بهم بلا قيمة ولايكون العدو يملكون على مسلم شيئا إذا لم يملك المسلم بالغلبة فالمشرك الذى هو خول للمسلم إذا قدر عليه أولى أن لا يملك على مسلم ولا يعدو المشركون فيما غلبوا عليه أن يكونوا مالكين لهم كملكهم لاموالهم فإذا كان هذا هكذا ملكوا الحر وأم الولد والمكاتب وما سوى ذلك من الرقيق وا لاموال ثم لم يكن لسيد واحد من هؤلاء أن(4/301)
يأخذه قبل القسمة بلا قيمة ولابعد القسمة بقيمة كما لا يكون له أن يأخذ سائر أموال العدو أو لا يكون ملك العدو ملكا فيكون كل امرئ على أصل ملكه ومن قال لا يملك العدو الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبرة وهو يملك ما سواهن فهو يتحكم ثم يزعم أنهم يملكون ملكا محالا فيقول يملكونه وإن ظهر عليهم المسلمون فأدركه سيدة قبل القسم فهو له بلا شئ وإن كان بعد القسم فهو له إن شاء بالقيمة فهؤلاء ملكوه ولا ملكوه فإن قال قائل فهل فيما ذكرت حجة لمن قاله؟ قيل لا إلا شئ يروى لا يثبت مثله عند أهل الحديث عن عمر رضى الله تعالى عنه فإن قال فهل لك حجة بأنهم لا يملكون بحال؟ قلنا المعقول فيه ما وصفنا وإنما الحجة على من خالفنا ولنا فيه حجة بما لا ينبغى خلافه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة وهو يروى عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه، أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الانصار وناقة للنبى صلى الله عليه وسلم فكانت المرأة والناقة عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (إنى نذرت لئن نجاني الله عليها لانحرنها) فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال (بئسما جزيتها أن نجاك الله عليها ثم تنحريها لانذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وقالا معا أو أحدهما في الحديث وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته (قال الشافعي) فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعد ما أحرزها المشركون وأحرزتها الانصارية على المشركين ولو كانت الانصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمسه لاهل الخمس وفي قول غيرنا كان لهما أحرزت لا خمس فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله وأخذ ماله بلا قيمة أخبرنا الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه لا أحفظ عمن رواه أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قال فيما أحرز العدو من أموال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون مالكوه أحق به قبل القسم وبعده فإن اقتسم فلصاحبه أخذه من يدى من صار في سهمه وعوض الذى صار في سمهمه قيمته من خمس الخمس وهكذا حر إن اقتسم ثم قامت البينة على حريته في الامان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) قال فإذا أمن مسلم بالغ حر أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالامان جائز وإذا أمن من دون البالغين والمعتوه قاتلوا أو لم يقاتلوا لم نجز أمانهم وكذلك إن أمن ذمى قاتل أو لم يقاتل لم نجز أمانه وإن أمن واحد من هؤلاء فخرجوا إلينا بأمان فعلينا ردهم إلى مأمنهم ولا نعرض لهم في مال ولانفس من قبل أنهم ليسوا يفرقون بين من في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولايجوز وننبذ إليهم فنقاتلهم وإذا أشار إليهم المسلم بشئ يرونه أمانا فقال أمنتهم بالاشارة فهو أمان فإن قال لم أو منهم بها فالقول قوله وإن مات قبل أن يقول شيئا فليسوا بآمنين إلا أن يجدد لهم الوالى أمانا وعلى الوالى إذا مات قبل أن يبين أو قال وهو حى لم أو منهم أن يردهم إلى مأمنهم وينبذ إليهم قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) وقال الله عزوجل في غير أهل(4/302)
الكتاب: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فحقن الله دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالايمان لا غيره وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالايمان أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجرى عليهم الحكم لا أعرف منهم خارجا من هذا من الرجال وقتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن ماثة وخمسين سنة في شجار لايستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله ولا أعرف في الرهبان خلاف أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا ورهبان الديارات والصوامع والمساكن سواء ولا أعرف يثبت عن أبى بكر رضى الله عنه خلاف هذا ولو كان يثبت لكان يشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم وأن لا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء كما يؤمرون أن لا يقيموا على الحصون وأن يسيحوا لانها تشغلهم (1) وأن يسيحوا لان ذلك أنكى للعدو وليس أن قتال أهل الحصون محرم عليهم وذلك أن مباحا لهم أن يتركوا (2) ولا يقتلوا كان التشاغل بقتال من يقاتلهم أولى بهم وكما يروى عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لا يرى بأسا بقطع الشجر المثمر لانه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الشجر المثمر على بنى النضير وأهل خيبر
والطائف وحضره يترك وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وعد بفتح الشام فأمرهم بترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذ كان واسعا لهم ترك قطعه وتسبى نساء الديارات وصبيانهم وتؤخذ أموالهم (قال الشافعي) ويقتل الفلاحون والاجراء والشيوخ الكبار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية.
المسلم أو الحربى يدفع إليه الحربى ما لاوديعة (قال الشافعي) رضى الله عنه: وأموال أهل الحرب مالان فمال يغصبون عليه ويتمول عليهم فسواء من غصبه عليهم من مسلم أو حربى منهم ومن غيرهم وإذا أسلموا معا أن بعضهم قبل بعض لم يكن على الغاصب لهم أن يرد عليهم من ذلك شيئا لان أموالهم كانت مباحة غير ممنوعة بإسلامهم ولا ذمتهم ولا أمان لهم ولا لاموالهم من خاص ولا علم ومال له أمان وما كان من المال له أمان فليس للذى أمن صاحبه عليه أن يأخذه منه بحال وعليه أن يرده فلو أن رجلا من أهل الحرب أودع مسلما أو حربيا في دار الحرب أو في بلاد الاسلام وديعة وأبضع منه بضاعة فخرج المسلم من بلاد الحرب إلى بلاد الاسلام أو الحربى فأسلم كان عليهما معا أن يؤديا إلى الحربى ماله كما يكون علينا لو أمناه على ماله أن لا نعرض لماله والوديعة إذا أودعنا أو أبضع معنا فذلك أمان منه لنا ومثل امانه على ماله أو أكثر وهكذا الدين.
في الامة يسبيها العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في الامة للمسلم يسبيها العدو فيطؤها رجل منهم فتلد له أولادا ويولد لاولادها أولاد فيتناتجون ثم يظهر عليهم المسلمون فإنه يأخذها سيدها وأولادها الذين ولدتهم من
__________
(1) كذا في النسخ، ولعله (عن ان يسيحوا) تأمل.
(2) لعله (ولو قاتلوا كان الخ) تأمل، كتبه مصححه.(4/303)
الرجال والنساء وننظر إلى أولاد أولادها فنأخذ بنى بناتها ولا نأخذ بنى بنيها من قبل أن الرق إنما يكون بالام لا بالاب كما ينكح الحر الامة فيكون ولده رقيقا وكما ينكح العبد الحرة فيكون ولده كلهم أحرارا.
في العلج يدل على القلعة على أن له جارية سماها
(قال الشافعي) رضى الله عنه في علج دل قوما من المسلمين على قلعة على أن يعطوه جارية سماها فلما انتهوا إلى القلعة صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل إن رضيت العوض عوضناك قيمتها وإن لم ترض العوض فقد أعطينا ما صالحناك عليه غيرك فإن رضى العوض أعطيه وتم الصلح وإن لم يرض العوض قيل لصاحب القلعة قد صالحنا هذا على شئ صالحناك عليه بجهالة منا به فإن سلمت إليه عوضناك منه وإن لم تسلمه إليه نبذنا إليك وقاتلناك وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يظفر بها فلا سبيل إليها ويعطى قيمتها وإن ماتت عوض منها بالقيمة ولا يبين في الموت كما يبين إذا أسلمت.
في الاسير يكره على الكفر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في الاسير يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالايمان: لاتبين منه امرأته وإن تكلم بالشرك ولا يحرم ميراثه من المسلمين ولا يحرمون ميراثهم منه إذا علم أنه إنما قال ذلك مكرها وعلمهم ذلك أن يقول قبل قوله أو مع قوله أو بعد قوله إنى إنما قلت ذلك مكرها، وكذلك ما أكرهوا عليه من غير ضر أحد من أكل لحم الخنزير أو دخول كنيسة ففعل وسعه ذلك وأكره له أن يشرب الخمر لانها تمنعه من الصلاة ومعرفة الله إذا سكر ولا يبين أن ذلك محرم عليه وإذا وضع عنه الشرك بالكره وضع عنه ما دونه مما لا يضر أحدا ولو أكرهوه على أن يقتل مسلما لم يكن له أن يقتله (قال الشافعي) رضى الله عنه في رجل أسر فتنصر وله امرأة فمر به قوم من المسلمين فاشرف عليهم وهو في الحصن فقال إنما تنصرت بلساني وأنا أصلى إذا خلوت فهذا مكره ولا تبين منه امرأته.
النصراني يسلم في وسط السنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسلم الذمي قبل حلول وقت الجزية سقطت عنه وإن أسلم بعد حلولها فهى عليه (قال الشافعي) رضى الله عنه: كل من خالف الاسلام من اهل الصوامع وغيرهم ممن دان دين أهل الكتاب فلابد من السيف أو الجزية (قال الشافعي) رحمه الله: كل شئ بيع وفيه فضة مثل السيف والمنطقة والقدح والخاتم والسرج فلا يباع حتى تخلع الفضة فتباع الفضة بالفضة ويباع السيف على حدة ويباع ما كان عليه من فضة بالذهب ولا يباع بالفضة.(4/304)
الزكاة في الحلية من السيف وغيره (قال الشافعي) رضى الله عنه: الخاتم يكون للرجل من فضة والحلية للسيف لا زكاة عليه في واحد منهما في قول من رأى أن لا زكاة في الحلى وإن كانت الحلية لمصحف أو كان الخاتم لرجل من ذهب لم تسقط عنه الزكاة ولو لا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بخاتم فضة وأنه كان في سيفه حلية فضة ما جاز أن يترك الزكاة فيه من رأى أن لا زكاة في الحلى لان الحلى للنساء لا للرجال.
العبد يأبق إلى أرض الحرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو كافرا كان أو مسلما سواء لانه على ملك سيده وأنه لسيده قبل المقاسم وبعدها وإن كان مسلما فارتد فكذلك غير انه يستتاب فإن تاب وإلا قتل في السبى (قال الشافعي) رضى الله عنه: وإذا سبى النساء والرجال والولدان ثم أخرجوا إلى دار الاسلام فلا بأس ببيع الرجال من أهل الحرب وأهل الصلح والمسلمين قد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسرى فرجعوا إلى مكة وهم كانوا عدوه وقاتلوه بعد فدائهم ومن عليهم وقاتلوه بعد المن عليهم وفدى رجلا برجلن فكذلك لا بأس ببيع السبى البوالغ من أهل الحرب والصلح ومن كان من الولدان مع أحد ابويه فلا بأس أن يباع من أهل الحرب والصلح ولا يصلى عليه إن مات قد باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى بنى قريظة من أهل الحرب والصلح فبعث بهم أثلاثا، ثلثا إلى نجد وثلثا إلى تهامة وهؤلاء مشركون أهل أوثان وثلثا إلى الشام وأولئك مشركون فيهم الوثني وغير الوثني وفيهم الولدان مع أمهاتهم ولم أعلم منهم أحدا كان خليا من أمه فإذا كان مولود خليا من أمه لم أر أن يباع إلا من مسلم وسواء كان السبى من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب لان بنى قريظة كانوا أهل كتاب ومن وصفت أن النبي صلى الله عليه وسلم من عليهم كانوا من أهل الاوثان وقد من على بعض أهل الكتابين فلم يقتل، وقتل أعمى من بنى قريظة بعد الاسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الاسلام أو الجزية.
قال: ويقتل الاسير بعد وضع الحرب أو زارها وقد قتل النبي صلى الله عليه
وسلم بعد انقطاع الحرب بينه وبين من قتل في ذلك الاسر وكذلك يقتل كل مشرك بالغ إذا أبى الاسلام أو الجزية وإذا دعا الامام الاسير إلى الاسلام فحسن وإن لم يدعه وقتله فلا بأس، وإذا قتل الرجل الاسير قبل بلوغ الامام وبعده في دار الحرب وبعد الخروج منها بغير أمر الامام فقد أساء ولا غرم عليه من قبل أنه لما كان للامام أن يرسله ويقتله ويفادى به كان حكمه غير حكم الاموال التى ليس للامام إلا إعطاؤها من أوجف عليها ولكنه لو قتل طفلا أو امرأة عوقب وغرم أثمانهما، ولو استهلك مالا غرم ثمنه، وإذا سبق السبى فأبطئوا أوجفوا ولا محمل لهم بحال فإن شاءوا قتلوا الرجال وإن شاءوا تركوهم وكذلك إن خيفوا وليس لهم قتل النساء ولا الولدان بحال ولاقتل شئ من البهائم إلا ذبحا(4/305)
لمأكله لاغيره لافرس ولاغيره، فإن اتهم الامام الذى يسوق السبى أحلفه ولا شئ عليه، وإذا جنت الجارية من السبى جناية لم يكن للامام أن يمنعها من المجني عليه ولا يفديها من مال الجيش وعليه أن يبيعها بالجناية فإن كان ثمنها أقل من الجناية أو مثلها دفعه إلى المجني عليه وإن كان أكثر فليست له الزيادة على أرش جنايته والزيادة لاهل العسكر، وإن كان معها مولود صغير وولدت بعد ما جنت وقبل تباع بيعت ومولودها وقسم الثمن عليهما فما أصابها كان للمجني عليه كما وصفت وما أصاب ولدها فلجماعة الجيش لانه ليس للجاني.
قال: والبيع في أرض الحرب جائز فمن اشترى شيئا من المغنم ثم خرج فلقيه العدو فأخذوه منه فلا شئ له وكان ينبغى للوالى أو يبعث مع الناس من يحوطهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجزئ في الرقاب الواجبة المولود على الاسلام الصغير وولد الزنا والله أعلم.
العدو يغلقون الحصون على النساء والاطفال والاسرى هل ترمى الحصون بالمنجنيق؟ (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: إذا كان في حصن المشركين نساء وأطفال وأسرى مسلمون فلا باس بأن ينصب بالمنجنيق على الحصن دون البيوت التى فيها الساكن إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصن فلا بأس أن ترمى بيوته وجدرانه فإذا كان في الحصن مقاتلة محصنون رميت البيوت والحصون، وإذا تترسوا بالصبيان المسلمين أو غير المسلمين والمسلمون ملتحمون فلا بأس أن يعمدوا
المقاتلة دون المسلمين والصبيان وإن كانوا غير ملتحمين أحببت له الكف عنهم حتى يمكنهم أن يقاتلوهم غير متترسين، وهكذا إن أبرزوهم فقالوا إن رميتمونا وقاتلتمونا قاتلناهم، والنفظ والنار مثل المنجنيق وكذلك الماء والدخان.
في قطع الشجر (1) وحرق المنازل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس بقطع الشجر المثمر وتخريب العامر وتحريقه من بلاد العدو وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لاروح فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بنى النضير وأهل خيبر وأهل الطائف وقطع فأنزل الله عزوجل في بنى النضير (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها) الآية فأما ماله روح فإنه يألم مما أصابه فقتله محرم إلا بأن يذبح فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها) قيل وما حقها يا رسول الله قال: (يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمى به) ولا يحرق نحلا ولا يغرق لانه له روح وإذا كان المسلمون أسرى أو مستأمنين في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم لو فعلوه في بلاد الاسلام إنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة، ولا تسقط دار الحرب
__________
(1) لعله (وتحريق المنازل) كتبه مصححه.(4/306)
عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة والحدود فرض عليهم كما هذه فرض عليهم، قال وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حدا لله عزوجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبدا لانه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب والعلة أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه وإذا أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته ولا يضمن المرء ما جنى على
نفسه وقد يروى أن رجلا من المسلمين ضرب رجلا من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع السيف عليه فأصابه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عقلا وإذا نصب القوم المنجنيق فرموا بها فرجع الحجر على أحدهم فقتله فديته على عواقل الذين رموا بالمنجنيق فإن كان ممن رمى به معهم رفعت حصته من الدية وذلك أن يكونوا عشرة هو عاشرهم فجناية العشر على نفسه مرفوعة عن نفسه وعاقلته ولا يضمن هو ولا عاقلته عما جنى على نفسه وعلى عواقلهم تسعة أعشار ديته وعلى الرامين الكفارة ولا يكون كفارة ولاعقل على من سددهم وأرشدهم وأمرهم حيث يرمون لانه ليس بفاعل شيئا إنما تكون الكفارة والدية على الذين كان بفعلهم القتل وتحمل العاقلة كل شئ كان من الخطأ ولو كان درهما أو أقل منه إذا حملت الاكثر حملت الاقل وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على العاقلة بدية الجنين وإذا دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فادان دينا من أهل الحرب ثم جاءه الحربى الذى أدانه مستأمنا قضيت عليه بدينه كما أقضى به للمسلم والذمى في دار الاسلام لان الحكم جار على المسلم حيث كان لا نزيل الحق عنه بأن يكون بموضع من المواضع كما لاتزول عنه الصلاة أن يكون بدار الشرك فإن قال رجل الصلاة فرض فكذلك أداء الدين فرض ولو كان المتداينان حربيين فاستأمنا ثم تطالبا ذلك الدين فإن رضيا حكمنا فليس علينا أن نقضى لهما بالدين حتى نعلم أنه من حلال فإذا علمنا أنه من حلال قضينا لهما به وكذلك لو أسلما فعلمنا أنه حلال قضينا لهما به إذا كان كل واحد منهما مقرا لصاحبه بالحق لاغاصب له عليه فإن كان غصبه عليه في دار الحرب لم أتبعه بشئ لانى أهدر عنهم ما تغاصبوا به فإن قال قائل ما دل على أنك تقضى له به إذا لم يغصبه؟ قيل له أبى أهل الجاهلية في الجاهلية ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين) وقال في سياق الآية (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) فلم يبطل عنهم رؤوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دم أو مال لانه كان على وجه الغصب لا على وجه الاقرار به وإذا أحصن الذميان ثم زنيا ثم تحاكما إلينا رجمناهما وكذلك لو أسلما بعد إحصانهما ثم زنيا مسلمين رجمناهما إذا عددنا إحصانهما وهما مشركان إحصانا نرجمهما به فهو إحصان بعد إسلامهما
ولايكون إحصانا مرة وساقطا أخرى والحد على المسلم أوجب منه على الذمي وإذا أتيا جميعا فرضى أحدهما ولم يرض الآخر حكمنا على الراضي بحكمنا وأى رجل أصاب زوجة صحيحة النكاح حرة ذمية أو أمة مسلمة وهو حر بالغ فهو محصن وكذلك الحرة المسلمة يصيبها المسلم وكذلك الحرة الذمية يصيبها الزوج المسلم أو الذمي إنما الاحصان الجماع بالنكاح لاغيره فمتى وجدنا جماعا بنكاح صحيح فهو إحصان للحر منهما وإذا دخل الرجل دار الحرب فوجد في أيديهم أسرى رجالا ونساء من المسلمين(4/307)
فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب وأراد أن يرجع عليهم بما أعطى لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء لما ليس يباع من الاحرار فإن كانوا أمروه بشرائهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وكذلك قال بعض الناس ثم رجع فنقض قوله فزعم أن رجلا لو دخل بلاد الحرب وفي أيديهم عبد لرجل اشتراه بغير أمر الرجل ولا العبد كان له إلا أن يشاء سيد العبد أن يعطيه ثمنه وهذا خلاف قوله الاول إذا زعم أن المشترى غير مأمور متطوع لزمه أن يزعم أن هذا العبد لسيده ولا يرجع على سيده بشئ من ثمنه وهكذا نقول في العبد كما نقول في الحر لا يختلفان وإنما غلط فيه من قبل أنه يزعم أن المشركين يملكون على المسلمين وأنه اشتراه مالك من مالك ويدخل عليه في هذا الموضع أنه لا يكون عليه رده إلى سيده لانه اشتراه مالك من مالك وكذلك لو كان الذمي اشتراه وإذا أسرت المسلمة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا ولدها لان أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الاسلام لم يلحق به هذا الولد ولحق بالناكح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لانه نكاح شبهة وإذا دخل المستأمن بلاد الاسلام فقتله مسلم عمدا فلا قود عليه وعليه الكفارة في ماله وديته فإن كان يهوديا أو نصرانيا فثلث دية المسلم وإن كان مجوسيا أو وثنيا فهو كالمجوسي فثمانمائة درهم في ماله حالة فإن قتله خطأ فديته على عاقلته وعليه الكفارة في ماله * أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت الحداد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في اليهودي والنصارنى أربعة آلاف اربعة آلاف وفي المجوسى ثمانمائة درهم أخبرنا بن عيينة
عن صدقة بن يسار قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية اليهودي والنصراني قال قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف فإن كان مع هذا المستأمن المقتول مال رد إلى ورثته كما يرد مال المعاهد إلى ورثته إذا كان الدم ممنوعا بالاسلام والامان فالمال ممنوع بذلك وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشترى لهم به شيئا فأما ما مع المسلمين فلا نعرض له ويرد على أهله من أهل دار الحرب لان أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه (1) وإذا أستأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للامام أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبد فأسلم فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال هم أحرار لا سبيل عليهم ولم يردهم وإذا وجد الرجل من أهل الحرب على قارعة الطريق بغير سلاح وقال جئت رسولا مبلغا قبل منه ولم نعرض له فإن ارتيب به أحلف فإذا حلف ترك وهكذا لو كان معه سلاح وكان منفردا ليس في جماعة يمتنع مثلها لان حالهما جميعا يشبه ما ادعيا ومن ادعى شيئا يشبه ما قال لا يعرف بغيره كان القول قوله مع يمينه وإذا أتى الرجل من أهل الشرك بغير عقد عقد له المسلمون فأراد المقام معهم فهذه الدار لا تصلح إلا لمؤمن أو معطى جزية فإن كان من أهل الكتاب قيل له إن أردت المقام فأد الجزية وإن لم ترده فارجع إلى مأمنك فإن استنظر فأحب إلى أن لا ينظر إلا أربعة أشهر من قبل أن الله عزوجل جعل للمشركين أن يسيحوا في الارض أربعة أشهر وأكثر ما يجعل له أن لا يبلغ به الحول لان الجزية في الحول فلا يقيم في دار الاسلام مقام من يؤدى الجزية ولا يؤديها وإن كان من أهل الاوثان فلا تؤخذ منه الجزية بحال عربيا كان أو أعجميا ولا ينظر إلا كإنظار هذا وذلك دون الحول
__________
(1) لم يتكلم هنا على المال مع الذمي وقد ذكر فيما تقدم أن فيه قولين فتنبه، كتبه مصححه.(4/308)
وإذا دخل قوم من المشركين بتجارة ظاهرين فلا سبيل عليهم لان حال هؤلاء حال من لم يزل يؤمن من التجار وإذا دخل الحربى دار الاسلام مشركا ثم أسلم قبل يؤخذ فلا سبيل عليه ولا على ماله ولو كان جماعة من أهل الحرب ففعلوا هذا كان هذا هكذا ولو قاتلوا ثم أسروا فأسلموا بعد الاسار فهم فئ
وأموالهم ولا سبيل على دمائهم للاسلام فإذا كان هذا ببلاد الحرب فأسلم رجل في أي حال ما أسلم فيها قبل أن يؤسر أحرز له إسلامه دمه ولم يكن عليه رق وهكذا إن صلى فالصلاة من الايمان أمسك عنه فإن زعم أنه مؤمن فقد أحرز ماله ونفسه وإن زعم أنه صلى صلاته وأنه على غير الايمان كان فيئا إن شاء الامام قتله وحكمه حكم أسرى المشركين.
الحربى إذا لجأ إلى الحرم (قال الشافعي) رضى الله عنه: ولو أن قوما من أهل دار الحرب لجئوا إلى الحرم فكانوا ممتنعين فيه أخذوا كما يؤخذون في غير الحرم فنحكم فيهم من القتل وغيره كما نحكم فيمن كان في غير الحرم فإن قال قائل وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة (هي حرام بحرمة الله لم تحلل لاحد قبلى ولا تحل لاحد بعدى ولم تحلل لى إلا ساعة من نهار) وهى ساعتها هذه محرمة؟ قيل إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فإن قال ما دل على ما وصفت؟ قيل أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند ما قتل عاصم بن ثابت وخبيب (1) وابن حسان بقتل أبى سفيان في داره بمكه غيلة إن قدر عليه.
وهذا في الوقت الذى كانت فيه محرمة فدل على أنها لا تمنع أحدا من شئ وجب عليه وأنها إنما يمنع أن ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها والله أعلم.
الحربى يدخل دار الاسلام بأمان ويشترى عبدا مسلما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن يكون الشراء مفسوخا وأن يكون على ملك صاحبه الاول أو يكون الشراء جائزا وعليه أن يبيعه فإن لم يظهر عليه حتى يهرب به إلى دار الحرب ثم أسلم عليه فهو له إن باعه أو وهبه فبيعه وهبته جائزة ولايكون حرا بإدخاله إياه دار الحرب ولا يعتق بالاسلام إلا في موضع وهو أن يخرج من بلاد الحرب مسلما كما أعتق النبي صلى الله عليه وسلم من خرج من حصن ثقيف مسلما.
فإن قال قائل أفرأيت إن ذهبنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعتقهم بالاسلام دون الخروج من بلاد الحرب قيل له قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه
فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم منه بعبدين ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حرا ولم يعتقه هو بعد ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها حرب.
__________
(1) في نسخة (وحسان) ومع ذلك لم يذكر في السير فيمن كان مع عاصم من اسمه حسان، ولا ابن حسان، فحرر.(4/309)
عبدالحربى يسلم في بلاد الحرب (قال الشافعي) رضى الله عنه: ولو أسلم عبد الحربى في دار الحرب ولم يخرج منها حتى ظهر المسلمون عليها كان رقيقا محقون الدم بالاسلام.
الغلام يسلم (قال الشافعي) رضى الله عنه: وإذا أسلم الغلام العاقل قبل أن يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة وهو الذمي ووصف الاسلام كان أحب إلى أن يبيعه وأن يباع عليه والقياس ان لا يباع عليه حتى يصف الاسلام بعد الحلم أو بعد استكمال خمس عشرة سنة فيكون في السن التى لو أسلم ثم ارتد بعدها قتل.
وإنما قلت: أحب إلى أن يباع عليه قياسا على من أسلم من عبيده (1) أجبره على بيعه وهو لم يصف الاسلام وإنما جعلته مسلما بحكم غيره فكأنه إذا وصف الاسلام وهو يعقله في مثل ذلك المعنى أو أكثر منه وإن كان قد يخالفه فيحتمل الاول أن يكون قياسا كان صحيحا وهذا قياس فيه شبهة.
في المرتد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ارتد الرجل عن الاسلام ولحق بدار الحرب أو هرب فلم يدر أين هو أو خرس أو عته أوقفنا ماله فلم نقض فيه بشئ وإن لم يسلم قبل انقضاء عدة امرأته بانت منه وأوقفنا أمهات أولاده ومدبريه وجميع ماله وبعنا من رقيقه مالا يرد عليه وما كان بيعه نظرا له ولم يحلل من ديونه المؤجلة شئ فإن رجع إلى الاسلام دفعنا إليه ماله كما كان بيده قبل ما صنع فإن مات قبل الاسلام فماله فئ يخمس فتكون أربعة أخماسه للمسلمين وخمسه لاهل الخمس.
فإن زعم بعض ورثته أنه قد أسلم قبل أن يموت كلف البينة فإن جاء بها أعطى ماله ورثته من المسلمين وإن لم يأت بها وقد علمت منه الردة فماله فئ، وإن قدم ليقتل فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله وقتله بعض الولاة الذين لا يرون أن يستتاب بعض المرتدين فميراثه لورثته المسلمين وعلى قاتله الكفارة والدية ولو لا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس وقد كتبناه في كتاب المرتد وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق وكابروهم بالسلاح فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا المال نفوا من الارض ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيمت عليهم أي هذه الحدود كان حدهم ولا يقطعون حتى يبلغ قدر ما أخذ كل واحد منهم ربع دينار فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم مالله من هذه الحدود ولزمهم ما للناس من مال أو جرح أو نفس حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه فإن كانت منهم جماعة رداءا لهم حيث لا يسمعون الصوت أو يسمعونه عزروا ولم يصنع بهم شئ من هذه الحدود.
ولا يحد ممن حضر المعركة إلا من فعل
__________
(1) أي: وله ولد صغار أجبره على بيعه، أي بيع الولد وهو لم يصف الخ، تأمل.(4/310)
هذا لان الحد إنما هو بالفعل لا بالحضور ولا التقوية.
وسواء كان هذا الفعل في قرية أو صحراء ولو أعطاهم السلطان أمانا على ما أصابوا (2) كان ما أعطاهم عليه الامان من حقوق الناس باطلا ولزمه أن يأخذ لهم حقوقهم إلا أن يدعوها ولو فعلوا غير مرتدين عن الاسلام.
ثم ارتدوا عن الاسلام بعد فعلهم ثم تابوا أقيمت عليهم تلك الحدود لانهم فعلوها وهم ممن تلزمهم تلك الحدود ولو كانوا ارتدوا عن الاسلام قبل فعل هذا ثم فعلوه مرتدين ثم تابوا لم نقم عليهم شيئا من هذا لانهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون قد ارتد طليحة فقتل ثابت ابن أفرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لانه فعل ذلك في حال الشرك ولا تباعة عليه في الحكم إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه، ولو كانوا ارتدوا ثم فعلوا هذا ثم تابوا ثم فعلوا مثله أقيمت عليهم الحدود في الفعل الذى فعلوه وهم مسلمون ولم تقم عليهم في الفعل الذى فعلوه وهم مشركون (قال) وللشافعي قول آخر في موضع آخر إذا ارتد عن الاسلام ثم قتل مسلما ممتنعا وغير ممتنع قتل به وإن رجع إلى الاسلام لان المعصية بالردة إن لم تزده شرا لم تزده خيرا فعليه القود (قال الربيع) قياس قول الشافعي أنه إذا سرق العبد من المغنم فبلغت سرقته تمام سهم حر وأكثر فكان ربع دينار وأكثر أنه يقطع لانه يزعم أنه لا يبلغ بالرضخ للعبد
سهم رجل فإذا بلغ سهم رجل والذى بلغه بعد سهم رجل ربع دينار أو أكثر من السهم بربع قطع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتد العبد عن الاسلام ولحق بدار الحرب ثم أمنه الامام على أن لا يرده إلى سيده فأمانه باطل وعليه أن يدفعه إلى سيده فلو حال بينه وبين سيده بعد وصوله إليه فمات في يديه ضمن لسيده قيمته وكان كالغاصب وإن لم يمت كان لسيده عليه أجرته في المدة التي حبسه عنه فيها، وإذا ضرب الرجل بالسيف ضربة يكون في مثلها قصاص اقتص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الارش، ولا تقطع يدا أحد إلا السارق وقد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صفوان وعفا حسان بعد أن برأ فلم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهذا يدل أن لا عقوبة على من كان عليه قصاص فعفى عنه في دم ولا جرح، وإلى الوالى قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولى المتقول، وقد قال بعض أصحابنا ذلك، قال ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر المحدر بن زياد ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا ولا أعرفه إلى يومى هذا ثابتا وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولى المقتول من قبل أن الله جل وعلا يقول (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).
وقال عزوجل (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) فبين في حكم الله عزوجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولى الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم.
وإذا كان ممن قطع الطريق من أخذ المال ولم يقتل وكان أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى والحكم الاول في يده اليمنى ورجله اليسرى ما بقى منهما شئ لا يتحول إلى غيرهما فإذا لم يبق منهما شئ يكون فيه حكم تحول الحكم إلى الطرفين الآخرين فكان فيهما ولانقطع قطاع الطريق إلا فيما تقطع فيه السراق وذلك ربع دينار يأخذه كل واحد منهم فصاعدا أو قيمته وقطع الطريق بالعصا والرمى بالحجارة مثله بالسلاح من الحديد وإذا عرض اللصوص لقوم فلا حد إلا في
__________
(1) الاوضح وهو المراد (كان ما أعطاهم من الامان على حقوق الناس باطلا) تأمل.(4/311)
فعل وإن اختلفت أفعالهم فحدودهم بقدر أفعالهم من قتل منهم واخذ المال قتل وصلب ومن قتل منهم ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن كثر جماعتهم ولم يفعل شيئا من هذا قاسمهم ما أصابوا أو لم يقاسمهم عزر وحبس وليس لاولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو لان الله عزوجل حدهم بالقتل أو القتل والصلب أو القطع ولم يذكر الاولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال عزوجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وقال في الخطأ (فدية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وذكر القصاص في القتلى ثم قال عزوجل (فمن عفى له من أخيه شى فاتباع بالمعروف) فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم (قال الشافعي) كل ما استهلك المحارب أو السارق من أموال الناس فوجد بعينه أخذ وإن لم يوجد بعينه فهو دين عليه يتبع به قال وإن تاب المحاربون من قبل أن نقدر عليهم سقط عنهم مالله عزوجل من الحد ولزمهم ما للناس من حق فمن قتل منهم دفع إلى أولياء المقتول فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية حالا من مال القاتل ومن جرح منهم جرحا فيه قصاص فالمجروح بين خيرتين إن أحب فله القصاص وإن أحب فله عقل الجروح فإن كان فيهم عبد فأصاب دما عمدا فولى الدم بالخيار بين أن يقتله أو يباع له فتؤدى إليه دية قتله إن كان حرا وإن كان عبدا فقيمة قتيله فإن فضل من ثمنه شئ رد إلى مالكه فإن عجز عن الدية لم يضمن مالكه شيئا وإن كان كفافا للدية فهو لولى القتيل إلا أن يشاء مالك العبد إذا عفى له عن القصاص أن يتطوع بدية الذى قتله عبده أو قيمته وإذا كانت في المحاربين امرأة فحكمها حكم الرجال لانى وجدت أحكام الله عزوجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة قال الله تبارك وتعالى (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولم يختلف المسلمون في أن تقتل المرأة إذا قتلت وإذا احدث المسلم حدثا في دار الاسلام فكان مقيما بها ممتنعا أو مستخفيا أو لحق بدار الحرب فسأل الامان على إحداثه فإن كان فيها حقوق للمسلمين لم ينبغ للامام أن يؤمنه عليها ولو أمنه عليها فجاء طالبها وجب عليه أن يأخذه بها وإن كان ارتد عن الاسلام فأحدث بعد الردة ثم استأمن أو جاء مؤمنا سقط عنه جميع ما أحدث في الردة والامتناع قد ارتد طليحة عن الاسلام وثنيا
وقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما وإنما أمر الله عزوجل نبيه عليه الصلاة والسلام فقال (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) ولم أعلم بذلك في أحد من أهل الاسلام فإن قال قائل فلم لا تجعل ذلك في أهل الاسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين؟ قيل لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شرك وامتناعه من دم أو مال عنه وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه فإن الحدود إنما هي على المؤمنين لاعلى المشركين ووجدت الله عزوجل حد المحاربين وهم ممتنعون كما حد غيرهم وزادهم في الحد بزيادة ذنبهم ولم يسقط عنهم بعظم الذنب شيئا كما أسقط عن المشركين وإذا أبق العبد من سيده ولحق بدار الحرب ثم استأمن الامام على أن لا يرده على سيده فعليه أن يرده على سيده وكذلك لو قال على أنك حر كان عليه أن يرده إلى سيده وأمان الامام في حقوق الناس باطل وإذا قطع الرجل الطريق على رجلين أحدهما أبوه أو ابنه واخذ المال فإن كان ما أخذ من حصة الذى ليس بأبيه يبلغ ربع دينار فصاعدا قطع كان مالهما مختلطا أو لم يكن لان أحدهما لا يملك بمخالطته مال غيره إلا مال نفسه فإن استيقنا أن قد وصل إليه ربع ديار من غير مال أبيه أو ابنه قطعناه وإذا قطع أهل الذمة(4/312)
على المسلمين حدوا حدود المسلمين وإذا قطع المسلمون علىل sالذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على المسلمين إلا >
ى sأتوقف في أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم >
دية وإذا سرق الرجل من المغنم وقد حضر القتال عبدا كان أو حرا لم يقطع لان لكل واحد منهما فيه نصيب الحر بسهمه والعبد بما يرضخ له ويضمن وكذلك كل من سرق من بيت المال وكذلك كل من سرق من زكاة الفطر وهو من أهل الحاجة ومن سرق خمرا من كتابي وغيره فلا غرم عليه ولا قطع وكذلك إن سرق ميتة من مجوسي فلا قطع ولا غرم لا يكون القطع والغرم إلا فيما يحل ثمنه فإذا بلغت قيمه الظرف ربع دينار قطعته من قبل أنه سارق لشيئين وعاء يحل بيعه والانتفاع به إذا غسل وخمر قد سقط القطع فيها كما يكون عليه القطع لو سرق شاتين إحداهما ذكية والاخرى ميتة وكانت قيمة الذكية ربع دينار لم يسقط عنه القطع أن يكون معها ميتة والميتة كلا شئ وكأنه منفرد بالذكية لانه سارق لهما، والله أعلم.
تم بحمدالله وعونه وتوفيقه الجزء الرابع من كتاب: الام ويليه إن شاء الله الجزء الخامس، واوله: (كتاب النكاح)(4/313)
كتاب الأم - الامام الشافعي ج 5
كتاب الأم الامام الشافعي ج 5(5/)
الام تأليف الامام ابي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي 150 - 204 مع..- الجزء الخامس دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(5/1)
الطبعة الاولى 1400 ه 1980 م الطبعة الثانية: 1403 ه 1983 م(5/2)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح ما يحرم الجميع بينه (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف) قال: فلا يحل الجمع بين الاختين بحال من نكاح ولا ملك يمين لان الله تبارك وتعالى أنزله مطلقا فلا يحرم الحرائر شئ إلا حرم من الاماء بالملك مثله إلا العدد فإن الله تبارك وتعالى انتهى بالحرائر إلى أربع وأطلق الاماء فقال عز ذكره (أو ملكت أيمانكم) لم ينته بذلك إلى عدد (أخبرنا) ابن عيينة عن مطرف عن أبى الجهم عن أبى الاخضر عن عمارة أنه كره من الاماء ماكره من الحرائر إلا العدد أخبرنا سفيان عن هشام ابن حسان وأيوب عن ابن سيرين قال: قال ابن
مسعود: يكره من الاماء ما يكره من الحرائر إلا العدد (قال الشافعي) وهذا من قول العلماء إن شاء الله تعالى في معنى القرآن وبه نأخذ، قال: والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الاختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك، قال فخرج من عنده فلقى رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو كان لى من الامر شئ ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا.
قال مالك قال ابن شهاب: أراه على بن أبى طالب كرم الله وجهه، قال مالك: وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ إحدهما بعد الاخرى؟ فقال عمر: ما أحب أن أجيزهما جميعا ونهاه.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: سئل عمر عن الام وابنتها من ملك اليمين فقال: ما أحب أن أجيزهما جميعا فقال عبيد الله قال أبى فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو فيه.
أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت ابن ابي ملكية يخبر ان معاذ بن عبد الله بن معمر جاء إلى عائشة فقال لها: إن لى سرية قد أصبتها وأنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسر ابنتها؟ فقالت لا فقال: فإنى والله لا أدعها إلا أن تقولي لى حرمها الله فقالت لا يفعله أحد من أهلى ولا أحد أطاعنى (قال الشافعي) فإذا كان عند الرجل امرأة فطلقها فكان لا يملك رجعتها فله أن ينكح أختها لانه حينئذ غير جامع بين الاختين، وإذا حرم الله تعالى الجمع بينهما ففى ذلك دلالة على أنه لم يحرم نكاح إحداهما بعد الاخرى وهذه منكوحة بعد الاخرى ولو كان لرجل جارية يطؤها فأراد وطئ أختها لم يجز له وطئ التي أراد أن يطأ حتى يحرم عليه فرج التى كان يطأ بنكاح أو كتابة أو خروج من ملكه، فأذا(5/3)
فعل بعض هذا ثم وطئ الاخت ثم عجزت المكاتبة أو ردت المنكوحة كانت التي أبيح له فرجها أولا ثم حرمت عليه غير حلال له حتى يحرم فرج التى وطئ بعدها كما حرم فرجها قيل أن يطأ أختها ثم هكذا أبدا، وسواء ولدت له التى وطئ أولا واخرا أو لم تلد لانه في كلتا الحالتين إنما يطؤها بملك
اليمين، وإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين فالنكاح ثابت لا يفسده ملك اليمين كان النكاح قبل أو بعد، لو كانت لرجل جارية يطؤها فولدت له أو لم تلد حتى ينكح أختها كان النكاح ثابتا وحرم عليه فرج الاخت بالوطئ ما كانت أختها زوجة له، وأحب إلى لو حرم فرج أختها المملوكة حين يعقد نكاح أختها بالنكاح أو قبله بكتابة أو عتق أو أن يزوجها وإن لم يفعل لم أخبره على ذلك ولا على بيعها ونهيته عن وطئها كما لا أجبره على بيع جارية له وطئ ابنتها وأنهاه عن وطئها، ولو كانت عنده أمة زوجة فتزوج أختها حرة كان نكاح الآخرة مفسوخا (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما الفرق بين الوطئ بالملك والنكاح؟ قيل له النكاح يثبت للرجل حقا على المرأة وللمرأة حقا على الرجل وملك عقدة النكاح يقوم في تحريم الجمع بين الاختين مقام الوطئ في الامتين، لو ملك رجل عقدة نكاح أختين في عقدة أفسدنا نكاحهما ولو تزوجهما لا يدرى أيتهما أول أفسدنا نكاحهما ولو ملك امرأة وأمهاتها واولادها في صفة بيع لم نفسد البيع ولا يحرم الجمع في البيع إنما يحرم جمع الوطئ في الاماء، فأما جمع عقدة الملك فلا يحرم، ولو وطئ أمة ثم باعها من ساعته أو أعتقها أو كاتبها أو باع بعضها كان له أن يطأ أختها مكانه وليس له في المرأة أن ينكح أختها وهى زوجة له ولا أن يملك المرأة غيره ولا أن يحرمها عليه بغير طلاق، وولد المرأة أن يلزمه بالعقد وإن لم يقر بوطئ إلا أن يلاعن، وولد الامة لا يلزم بغير إقرار بوطئ ولا يجوز أن تكون المرأة زوجة له ويحل فرجها لغيره والامة تكون مملوكة له وفرجها حلال لغيره إذا زوجها وحرام عليه وهو مالك رقبتها وليس هكذا المرأة، المرأة يحل عقدها جماعها ولا يحرم جماعها والعقد ثابت عليها إلا بعلة صوم أو إحرام أو ما أشبه مما إذا ذهب حل فرجها قال: ولو أن رجلا له امرأة من أهل الشرك فأسلم الزوج واشترى أخت امرأته فوطئها ثم أسلمت امرأته في العدة حرم عليه فرج جاريته التي أشترى ولم تبع عليه وكانت امرأته امرأته بحالها، وكذلك لو كانت هي المسلمة قبله واشترى أختها أو كانت له فوطئها ثم أسلم وهى في العدة قال: ولو كانت عنده جارية فوطئها فلم يحرم عليه فرجها حتى وطئ أختها اجتنبت التى وطئ آخرا بوطئ الاولى وأحب إلى لو اجتنب الاولى حتى يستبرئ الآخرة وإن لم يفعل فلا شئ عليه إن شاء الله تعالى قال: وسواء في هذا ولدت التى وطئت أو لا أو آخرا أو هما أو لم تلد واحدة منهما، ولو حرم فرج التى وطئ أولا بعد وطئ الآخرة أبحت له
وطئ الآخرة، ثم لو حل له فرج التى زوج فحرم فرجها عليه بأن يطلقها زوجها أو تكون مكاتبة فتعجز لم تحل له هي وكانت التى وطئ حلا لا له حتى يحرم عليه فرجها فتحل له الاولى، ثم هكذا أبدا متى حل له فرج واحدة فوطئها حرم عليه وطئ الاخرى حتى يحرم عليه فرج التى حلت له ثم يحل له فرج التى حرمت عليه فيكون تحريم فرجها كطلاق الرجل الزوجة الذى لا يملك فيه الرجعة ثم يباح له نكاح أختها، فإذا نكحها لم يحل له نكاح التى طلقها حتى تبين هذه منه إلا أنهما يختلفان في أنه يملك رقبة أختين وأخوات وأمهات ولا يملك عقد أختين بنكاح.
__________
(1) قوله: بالنكاح أو قبله، كذا في النسخ.
اي بعد النكاح كما تدل عليه بقية العبارة اه - كتبه مصححه(5/4)
من يحل الجمع بينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة الرجل وابنته لانه لا نسب بينهما يحرم به الجمع بينهما له ولا رضاع وإنما يحرم الجمع في بعض ذوات الانساب بمن جمعهن إليه وقام الرضاع مقام النسب (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عبد الله بن صفوان جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمر وبن دينار أنه سمع الحسن بن محمد يقول جمع ابن عمر لى بين ابنتى عم له فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن (قال الشافعي) ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة ويزوج ابنتها ابنه لان الرجل غير بنه قد يحرم على الرجل ما لا يحرم على ابنه، وكذلك يزوجه أخت امرأته الجمع بين المرأة وعمتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها) (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته ولا يروى من وجه يثبته اهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبى هريرة وقد روى من وجه لا يثبته أهل الحديث منوجه آخر، وفي هذا حجة على من رد الحديث وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى إلا أن العامة إنما تبعت في
تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قول الفقهاء، ولم نعلم فقيها سئل لم حرم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إلا قال بحديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أثبت بحديث منفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فحرمه بما حرمه به النبي صلى الله عليه وسلم ولا علم له أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله الا من حديث ابي هريرة وجب عليه إذا روى أبو هريرة أو غيره من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثا آخر لا يخالفه أحد بحديث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم به ما حرم النبي صلى الله عليه وسلم ويحل به ما أحل النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعلنا هذا في حديث التغليس وغير حديث وفعله غيرنا في غير حديث، ثم يتحكم كثير ممن جامعنا على تثبيت الحديث فيثبته مرة ويرده أخرى وأقل ما علمنا بهذا أن يكون مخطئا في التثبيت أو في الرد لانها طريق واحدة فلا يجوز تثبيتها مرة وردها أخرى وحجته على من قال لا أقبل إلا الاجماع لانه لا يعد إجماعا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وليس يسأل أحد من أهل العلم علمته إ لا قال إنما تثبته من الحديث وهو يرد مثل هذا الحديث وأقوى منه مرارا، قال وليس في الجمع بين المرأه وعمتها وخالتها مما أحل وحرم في الكتاب معنى، إلا أنا إذا قبلنا تحريم الجمع بينهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى قبلناه بما فرض من طاعته.
فإن قال قائل: قد ذكر الله عزوجل من حرم من النساء وأحل ما وراءهن؟ قيل القرآن عربي اللسان منه محتمل واسع ذكر الله من حرم بكل حال في الاصل ومن حرم بكل حال إذا فعل الناكح أو غيره فيه شيئا مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت ومثل امرأة ابنه وأبيه إذا نكحها أبوه حرمت عليه بكل حال، وكانوا يجمعون بين الاختين فحرمه وليس في تحريمه الجمع بين الاختين إباحة أن يجمع بين ما عدا الاختين إذا كان ما عدا الاختين مخالفا لهما كان أصلا في نفسه،(5/5)
وقد يذكر الله عزوجل الشئ في كتابه فيحرمه ويحرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غيره مثل قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ليس فيه إباحة أكثر من أربع لانه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة وأسلم وعنده عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظر لما وراء أربع وإن لم يكن
ذلك نصا في القرآن، وحرم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره بالقرآن وامرأة الملاعن بالسنة وما سواهن مما سميت كفاية لما استثنى منه.
قال: والقول في الجمع بين المرأة وعمتها وعماتها من قبل آبائها وخالتها وخالاتها من قبل أمهاتها وإن بعدن كالقول في الاخوات سواء أن نكح واحدة ثم نكح أخرى بعدها ثبت نكاح الاولى وسقط نكاح الآخرة وإن نكحهما في عقدة معا انفسخ نكاحهما وإن نكح العمة قبل بنت الاخ أو ابنة الاخ قبل العمة فسواء هو جامع بينهما فيسقط نكاح الآخرة ويثبت نكاح الاولى وكذلك الخالة وسواء دخل بالاولى منهما دون الآخرة أو بالآخرة دون الآولى أو لم يدخل وهكذا يحرم الجمع بينهما بالوطئ بملك اليمين والرضاع وملك اليمين في الوطئ والنكاح سواء وما لم يكن للرجل أن يجمع بينه وبين الاختين أو المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فنكح اثنتين منهن في عقدة فالعقدة منفسخة كلها، وإذا نكح إحداهما قبل الاخرى فنكاح الاولى ثابت ونكاح الآخرة مفسوخ ولا يصنع الدخول شيئا إنما يصنعه العقدة، وما نهى الله عن الجمع بينه من الاخوات وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الاخرى فلا بأس أن ينكح الاخت فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهى في عدتها أن ينكح الاخرى وهكذا العمة والخالة و كل من نهى عن الجمع بينه.
نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) إلى (ولا هم يحلون لهن) (قال الشافعي) فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبى معيط وأهل مكة أهل أوثان وأن قول الله عز وجل (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنا وإنما نزلت في الهدنة وقال: قال الله عزوجل (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) إلى قوله (ولو أعجبتكم) وقد قيل في هذه الآية إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الاوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن ننكح رجالهم المؤمنات قال فإن كان هذا هكذا فهذه الآيات ثابتة ليس فيها منسوخ قال وقد قيل هذه الآية
في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى (أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات) إلى قوله (أجورهن) وقال فأيهما كان فقد أبيح فيه نكاح حرائر أهل الكتاب وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم دلالة عندي والله تعالى أعلم على تحريم إمائهم لان معلوما في اللسان إذا قصد قصد صفة من شئ بإباحة أو تحريم كان ذلك دليلا على أن ما(5/6)
قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذى ناب من السباع فدل ذلك على إباحة غير ذوات الانياب من السباع وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المؤمنين على المشركين وفي مشركي أهل الآوثان فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن على كل حال وعلى مشركي اهل الكتاب لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين وما لم يختلف الناس فيه علمته قال والمحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب الحرائر وقال الله عزوجل (ومن لم يستطع منكم طولا) إلى قوله (من فتياتكم المؤمنات ذلك لمن خشى العنت منكم) وفي إباحة الله الاماء المؤمنات على ما شرط لمن لم يجد طولا وخاف العنت دلالة والله تعالى أعلم على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب وعلى أن الاماء المؤمنات لا يحللن إلا لمن جمع الامرين مع إيمانهن لان كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط كما أباح التيمم في السفر والاعواز في الماء فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات فيحللن بما حل به الاماء المؤمنات من الشرطين مع الايمان.
تفريع تحريم المسلمات على المشركين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا أسلمت المرأة أو ولدت على الاسلام أو أسلم أحد أبويها وهى صبية لم تبلغ حرم كل مشرك كتابي ووثنى نكاحها بكل حال، ولو كان أبواها مشركين فوصفت الاسلام وهى تعقل صفته منعتها من أن ينكحها مشرك فإن وصفته وهى لا تعقل صفته كان أحب إلى أن يمنع أن ينكحها مشرك ولا يبين لى فسخ نكاحها ولو نكحها في هذه الحالة والله أعلم.
باب نكاح حرائر أهل الكتاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم لان الله تعالى أحلهن بغير استثناء وأحب إلى لو لم ينكحهن مسلم أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبى الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبى وقاص و نحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن وقال فقال لا يرثن مسلما ولا يرثونهن ونساؤهن لناحل ونساؤنا حرام عليهم (قال الشافعي) وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم أهل الكتاب المشهورين التوارة والانجيل وهم اليهود والنصارى دون المجوس قال والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى الذين يحل نساؤهم وذبائحهم إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرم نكاح نسائهم كما يحرم نكاح المجوسيات وإن كانوا يجامعونهم على أصل الكتاب ويتأولون فيختلفون فلا يحرم ذلك نساؤهم وهم منهم يحل نساؤهم بما يحل به نساء غيرهم ممن لم يلزمه اسم صابئ ولا سامرى قال ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية لان أصل دينهم كان الحنيفية ثم ضلوا بعبادة الاوثان وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والانجيل فضلوا عنها وأحدثوا فيها إنما ضلوا عن الحنيفية ولم يكونوا كذلك لا يحل ذبائحهم وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الاوثان ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين التوراة والانجيل فدان دينهم لم يحل نكاح نسائهم فإن قال قائل فهل في هذا من(5/7)
أمر متقدم؟ قيل نعم أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشى قال كتب عمربن عبد العزيز إلى عدى أن يسأل الحسن لم أقر المسلمون بيوت النيران وعبادة الاوثان ونكاح الامهات والاخوات؟ فسأله فقال الحسن لان العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على ذلك (قال الشافعي) فهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين أحد لقيته أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الحارثى مولى عمر أو عبد الله بن سعد عن عمر أنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما يحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين قال سألت عبيدة عن ذبائح نصارى بنى تغلب فقال لا تأكل ذبائحهم فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم إلا
بشرب الخمر (قال الشافعي) وهكذا أحفظه ولا أحسبه وغيره إلا وقد بلغ به على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه بهذا الاسناد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء: ليس نصارى العرب بأهل كتاب إنما أهل الكتاب بنوا إسرائيل والذين جاءتهم التوراة والانجيل فأما من دخل فيهم من الناس فليسوا منهم (قال الشافعي) وتنكح المسلمة على الكتابية والكتابية على المسلمة وتنكح أربع كتابيات كما تنكح أربع مسلمات والكتابية في جميع نكاحها وأحكامها التي تحل بها وتحرم كالمسلمة لا تخالفها في شئ وفيما يلزم الزوج لها ولا تنكح الكتابية إلا بشاهدين عدلين مسلمين وبولي من أهل دينها كولى المسلمة جاز في دينهم غير ذلك أو لم يجز ولست أنظر فيه إلا إلى حكم الاسلام ولو زوجت نكاحا صحيحا في الاسلام وهو عندهم نكاح فاسد كان نكاحها صحيحا ولا يرد نكاح المسلمة من شئ إلا رد نكاح الكتابية من مثله ولا يجوز نكاح المسلمة بشئ إلا جاز نكاح الكتابية بمثله ولا يكون ولى الذمية مسلما وإن كان أباها لان الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان وولى عقدة نكاحها ابن سعيد بن العاص وكان مسلما وأبو سفيان حى فدل ذلك على أن لا ولاية بين أهل القرابة إذا اختلف الدينان وإن كان أبا وأن الولاية بالقرابة واجتماع الدينين قال ويقسم للكتابية مثل قسمته للمسلمة لا اختلاف بينهما ولها عليه ما للمسلمة وله عليها ما له على المسلمة إلا أنهما لا يتوارثان باختلاف الدينين فإن طلقها أو آلى منها أو ظاهر أو قذفها لزمه في ذلك كله ما يلزمه في المسلمة إ لا أنه لاحد على من قذف كتابية ويعزر وإذا طلقها فله عليها الرجعة في العدة وعدتها عدة المسلمة وإن طلقها ثلاث فنكحت قبل مضى العدة وأصيبت لم تحلل له وإن نكحت نكاحا صحيحا بعد مضى العدة ذميا فأصابها ثم طلقت أو مات عنها وكملت عدتها حلت للزوج الاول يحلها للزوج كل زوج أصابها يثبت نكاحه وعليها العدة والاحداد كما يكون على المسلمة وإذا ماتت فإن شاء شهدها وغسلها ودخل قبرها ولا يصلى عليها وأكره لها أن تغسله لو كان هو الميت فإن غسلته أجزأ غسلها إياه إن شاء الله تعالى قال وله جبرها على الغسل من الحيضة ولا يكون له إصابتها إذا ظهرت من الحيض حتى تغتسل لان الله عزوجل يقول (حتى يطهرن) فقال بعض أهل العلم بالقران حتى ترى الطهر قال (فإذا تطهرن) يعنى بالماء إلا أن تكون في سفر لا تجد الماء فتتيمم فإذا
صارت ممن تحل لها الصلاة بالطهر حلت له (قال الشافعي) وله عندي والله تعالى أعلم أن يجبرها على الغسل من الجنابة وعلى النظافة بالاستحداد وأخذ الاظفار والتنظف بالماء من غير جنابة ما لم يكن ذلك وهى مريضة يضربها الماء أو في برد شديد يضربها الماء وله منعها من الكنيسة والخروج إلى
__________
(1) قوله بن سعيد واسمه خالد، كما في السيرة الحلبية اه - كتبه مصححه(5/8)
الاعياد وغير ذلك مما تريد الخروج إليه إذا كان له منع المسلمة إتيان المسجد وهو حق كان له في النصرانية منع إتيان الكنيسة لانه باطل وله منعها شرب الخمار لانه يذهب عقلها ومنعها أكل لحم الخنزير إذا كان يقذر به ومنعها أكل ما حل إذا تأذى بريحه من ثوم وبصل إذا لم تكن بها ضرورة إلى أكله وإن قدر ذلك من حلال لا يوجد ريحه لم يكن له منعها إياه وكذلك له يكون لا منعها لبس ما شاءت من الثياب ما لم تلبس جلد ميتة أو ثوبا منتنا يؤذيه ريحهما فيمنعها منهما قال وإذا نكح المسلم الكتابية فارتدت إلى مجوسية أو دين غير دين أهل الكتاب فإن رجعت إلى الاسلام أو إلى دين أهل الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينها وبين الزوج ولا نفقة لها في العدة لانها مانعة له نفسها بالردة قال ولا يقتل بالردة من انتقل من كفر إلى كفر إنما يقتل خرج من دين الاسلام إلى الشرك فأما من خرج من باطل إلى باطل فلا يقتل وينفى من بلاد الاسلام إلا أن يسلم أو يعود إلى أحد الاديان التي يؤخذ من أهلها الجزية يهودية أو نصرانية أو مجوسية فيقر في بلاد الاسلام، قال ولو ارتدت من يهودية إلى نصرانية أو نصرانية إلى يهودية لم تحرم عليه لانه كان يصلح له أن يبتدئ نكاحها لو كانت من أهل الدين الذي خرجت إليه (قال الربيع) الذى أحفظ من قول الشافعي أنه قال إذا كان نصرانيا فخرج إلى دين اليهودية أنه يقال له ليس لك أن تحدث دينا لم تكن عليه قبل نزول القرآن فإن أسلمت أو رجعت إلى دينك الذى كنا نأخذ منك عليه الجزية تركناك وإلا أخرجناك من بلاد الاسلام ونبذنا إليك ومتى قدرنا عليك قتلناك وهذا القول أحب إلى الربيع (قال الشافعي) ولا يجوز نكاح أمة كتابية لمسلم عبد ولا حر بحال لما وصفت من نص القرآن ودلالته قال وأى صنف من المشركين حل نكاح حرائرهم حل وطئ إمائهم بالملك وأى صنف حرم
نكاح حرائرهم حرم وطئ إمائهم بالملك ويحل وطئ الامة الكتابية بالملك كما تحل حرائرهم بالنكاح ولا يحل وطئ أمة مشركة غير كتابية بالملك كما لا يحل نكاح نسائهم ولو كان أصل نسب أمة من غير أهل الكتاب ثم دانت دين أهل الكتاب لم يحل وطؤها كما لا يحل نكاح الحرائر منهم ولا يحل نكاح أمة كتابية لمسلم بحال لانها داخلة في معنى من حرم من المشركات وغير حلال منصوصة بالاحلال كما نص حرائر أهل الكتاب في النكاح وأن الله تبارك وتعالى إنما أحل نكاح إماء المسلمين دليل على أن نكاحهن أحل بمعنى دون معنى وفى ذلك دليل على تحريم من خالفهن من إماء المشركين والله تعالى أعلم لان الاسلام شرط ثالث والامة المشركة خارجة منه فلو نكح رجل أمة كتابية كان النكاح فاسدا يفسخ عليه قبل الوطئ ويباع على مالكه إن كان كتابيا وإن كان مسلما لم يبع عليه ولو وطئ أمة غير كتابية منع أن يعود لها حبلت أو لم تحبل وإن حبلت فولدت فهى أم ولد له ولا يحل له وطؤها لدينها كما يكون أمة له ولا يحل له وطؤها لدينها فإذا مات عتقت بموته وليس له بيعها وليس له أن يزوجها وهى كارهة ويستخدمها فيما تطيق كما يستخدم أمة غيرها وإن كانت لها أخت حرة مسلمة حل له نكاحها وهكذا إن كانت لها أخت لامها حرة كتابية أبوها كتابي فاشتراها حل له وطؤها بملك اليمين ولم يكن هذا جمعا بين الاختين لان وطئ الاولى التى هي غير كتابية غير جائز له وإنما الجمع أن يجمع بين من يحل وطؤه على الانفراد وإن كانت لها أخت من أبيها تدين بدين أهل الكتاب لم تحل له بالملك لان نسبها إلى أبيها وأبوها غير كتابي إنما أنظر فيما يحل من المشركات إلى نسب الاب وليس هذا كالمرأة يسلم أحد أبويها وهى صغيرة لان(5/9)
الاسلام لا يشركه شرك والشرك يشرك الشرك والنسب إلى الاب وكذلك الدين له ما لم تبلغ الجارية ولو أن اختها بلغت ودانت دين أهل الكتاب وأبوها وثنى أو مجوسي لم يحل وطؤها بملك اليمين كما لا يحل وطئ وثنية انتقلت إلى دين أهل الكتاب لان أصل دينها غير دين أهل الكتاب ولو نكح أمة كتابية ولها أخت حرة كتابية أو مسلمة ثم نكح اختها الحرة قبل أن يفرق بينه وبين الامة الكتابية كان نكاح الحرة المسلمة أو الكتابية جائزا لانه حلال لا يفسده الامة الكتابية التى هي أخت المنكوحة بعدها لان نكاح الاولى غير نكاح ولو وطئها كان كذلك لان الوطئ في نكاح مفسوخ حكمه أنه لا يحرم شيئا لانها ليست
بزوجة ولا ملك يمين فيحرم الجمع بينها وبين أختها قال ولو تزوج امرأة على أنها مسلمة فإذا هي كافرة كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لانها خير من كتابية ولو تزوج امرأة ولم يخبر أنها مسلمة ولا كتابية فإذا هي كتابية وقال إنما نكحتها على أنها مسلمة فالقول قوله وله الخيار وعليه اليمين، ما نكحها وهو يعلمها كتابية.
ما جاء في منع إماء المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله (ذلك لمن خشى العنت) الآية (قال الشافعي) ففى هذه الآية والله تعالى أعلم دلالة على أن المخاطبين بهذا الاحرار دون المماليك فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الامة لانه غير واجد طولا لحرة ولا أمة فإن قال قائل ما دل على أن هذا على الاحرار ولهم دون المماليك؟ قيل الواجدون للطول المالكون للمال والمملوك لا يملك ما لا بحال ويشبه أن لا يخاطب بأن يقال إن لم يجد ما لا من يعلم أنه لا يملك ما لا بحال إنما يملك أبدا لغيره قال ولا يحل نكاح الامة إلا كما وصفت في أصل نكاحهن إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة وبأن يخاف العنت والعنت الزنا فإذا اجتمع أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف الزنا حل له نكاح الامة وإن انفرد فيه أحدهما لم يحلل له وذلك أن يكون لا يجد طولا لحرة وهو لا يخاف العنت أو يخاف العنت وهو يجد طولا لحرة إنما رخص له في خوف العنت على الضرورة ألا ترى يكن أنه لو عشق امرأة وثنية يخاف أن يزنى بها لم يكن له أن ينكحها؟ ولو كان عنده أربع نسوة فعشق خامسة لم يحل له نكاحها إذا تم الاربع عنده أو كانت له امرأة فعشق أختها لم يحلل له أن ينكحها ما كانت عنده أختها وكذلك ما حرم عليه من النكاح من أي الوجوه حرم لم أرخص له في نكاح ما يحرم عليه خوف العنت لانه لا ضرورة عليه يحل له بها النكاح ولا ضرورة في موضع لذة يحل بها المحرم إنما الضرورة في الابدان التي تحيا من الموت وتمنع من ألم العذاب عليها وأما للذات فلا يعطاها أحد بغير ما تحل به فإن قال قائل فهل قال هذا غيرك؟ قيل الكتاب كاف إن شاء الله تعالى فيه من قول غيرى وقد قاله غيرى أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أحبرنى أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة أخبرنا
عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل نكاح الحر الامة وهو يجد بصداقها حرة قلت يخاف الزنا قال ما علمته يحل أخبرنا سفيان عن عمر وبن دينار قال سأل عطاء أبا الشعثاء وأنا أسمع عن نكاح الامة ما تقول فيه؟ أجائز هو؟ فقال لا يصلح اليوم نكاح الاماء (قال(5/10)
الشافعي) والطول هو الصداق ولست أعلم أحدا من الناس يجد ما يحل له به أمة إلا وهو يجد به حرة فإن كان هذا هكذا لم يحل نكاح الامة لحر وإن لم يكن هذا هكذا فجمع رجل حر الامرين حل له نكاح الامة وإذا ملك الرجل عقدة الامة بنكاح صحيح ثم أيسر قبل الدخول أو بعده فسواء والاختيار له في فراقها ولا يلزمه فراقها بحال أبدا بلغ يسره ما شاء أن يبلغ لان أصل العقد كان صحيحا يوم وقع فلا يحرم بحادث بعده ولا يكون له أن ينكح أمة على أمة وذلك أنه إذا كانت عنده أمة فهو في غير معنى ضرورة وكذلك لا ينكح أمة على حرة فإن نكح أمة على أمة أو حرة فالنكاح مفسوخ قال ولو ابتدأ نكاح أمتين معا كان نكاحهما مفسوخا بلا طلاق ويبتدئ نكاح أيتهما شاء إذا كان ممن له نكاح الاماء كما يكون هكذا في الاختين يعقد عليهما معا والمرأة وعمتها وإن نكح الامة في الحال التي قلت لا يجوز له فالنكاح مفسوخ ولا صداق لها إلا بأن يصيبها فيكن لها الصداق بما استحل من فرجها ولا تحلها إصابته إذا كان نكاحه فاسدا لزوج غيره لو طلقها ثلاثا ولو نكحها وهو بحد طولا فلم بفسخ نكاحها حتى لا يجده فسخ نكاحها لان اصله كان فاسدا ويبتدأ نكاحها ان شاء ولو نكحها ولا زوجة له فقال نكحتها ولا اجد طولا للحرة فولدت له اولم تلد إذا قال نكحتها ولا اجد طولا لحرة كان القول قوله ولو وجد موسرا لانه قد يعسر ثم يوسر إلا أن تقوم بينه بأن حين عقد عقدة نكاحها كان واجدا لان ينكح حرة فيفسخ نكاحه قبل الدخول وبعده وإن نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا أجد طولا لحرة أو لا أخاف العنت فإن صدقه مولاها فالنكاح مفسوخ ولا مهر عليه إن لم يكن أصابها فإن أصابها فعليه مهر مثلها وإن كذبه فالنكاح مفسوخ بإقراره بأنه كان مفسوخا ولا يصدق على المهر إن لم يكن دخل بها فلها نصف ما سمى لها وإن راجعها بعد جعلتها في الحكم تطليقة وفيما بينه وبين الله فسخا بلا طلاق وقد قال غيرنا يصدق ولا شئ عليه إن لم يصبها قال وإن نكح أمة نكاحا صحيحا ثم أيسر فله
أن ينكح عليها حرة وحرائر حتى يكمل أربعا ولا يكون نكاح الحرة ولا الحرائر عليها طلاقا لها ولان لهن ولا لواحدة منهن خيار، كن علمن أن تحته أمة أو لم يعلمن، لان عقد نكاحها كان حلالا فلم يحرم بأن يوسر فإن قال قائل فقد تحرم الميتة وتحلها الضرورة فإذا وجد صاحبها عنها غنى حرمتها عليه قيل إن الميتة محرمة بكل حال وعلى كل أحد بكل وجه مالكها وغير مالكها وغير حلال الثمن إلا أن أكلها يحل في الضرورة والامة حلال بالملك وحلال بنكاح العبد وحلال النكاح للحر بمعنى دون معنى ولا تشبه الميتة المحرمة بكل حال إلا في حال الموت ولا يشبه المأكول الجماع وكل الفروج ممنوعة من كل أحد بكل حال إلا بما أحل به من نكاح أو ملك فإذا حل لم يحرم إلا بإحداث شئ يحرم به ليس الغنى منه ولا يجوز أن يكون الفرج حلالا في حال حراما بعده بيسير وإنما حرمنا نكاح المتعة مع الاتباع لئلا يكون الفرج حلالا في حال حراما في آخر الفرج لا يحل إلا بأن يحل على الابد ما لم يحدث فيه شئ يحرمه ليس الغنى عنه مما يحرمه فإن قال قائل فالتيمم يحل في حال الاعواز والسفر فإذا وجد الماء قبل أن يصلى بالتيمم بطل التيمم؟ قلت التيمم ليس بالفرض المؤدى فرض الصلاة والصلاة لا تؤدى إلا بنفسها وعلى المصلى أن يصلى بطهور ماء وإذا لم يجده تيمم وصلى فإن وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة توضأ لانه لم يدخل في الفرض ولم يؤده وإذا صلى أو دخل في الصلاة ثم وجد الماء لم تنقض صلاته ولم يعد لها وتوضأ لصلاة بعدها وهكذا الناكح الامة لو أراد نكاحها وأجيب إليه وجلس له فلم ينكحها ثم أيسر قبل أن يعقد نكاحها لم يكن له نكاحها وإن عقد نكاحها ثم أيسر لم تحرم عليه كما كان المصلى إذا دخل بالتيمم ثم وجد الماء لم تحرم الصلاة عليه بل نكاح الامة في أكثر من حال الداخل في(5/11)
الصلاة الداخل في الصلاة لم يكملها والناكح الامة قد أكمل جميع نكاحها وإكمال نكاحها يحلها له على الابد كما وصفت قال ويقسم للحرة يومين وللامة يوما وكذلك كل حرة معه مسلمة وكتابية يوفيهن القسم سواء على يومين لكل واحدة ويوما للامة فإن شاء جعل ذلك يومين يومين وإن شاء يوما يوما ثم دار على الحرائر يومين يومين ثم أتى الامة يوما فإن عتقت في ذلك اليوم فدار إلى الحرة أو إلى الحرائر قسم بينهن وبينها يوما يوما بدأ في ذلك بالامة قبل الحرائر أو بالحرائر قبل الامة لانه لم يقسم لهن يومين
يومين حتى صارت الامة من الحرائر التي لها ما لهن معا وإنما يلزم الزوج أن يقسم للامة ما خلى المولى بينه وبينها في يومها وليلتها فإذا فعل فعليه القسم لها وللمولى إخراجها في غير يومها وليلتها وإن أخرجها المولى في يومها وليلتها فقد أبطل حقها ويقسم لغيرها قسم من لا امرأة عنده وهكذا الحرة تخرج بغير إذن زوجها يبطل حقها في الايام التى خرجت فيها ولك زوجة لم تكمل فيها الحرية فقسمها قسم الامة وذلك أم الولد تنكح والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها وليس للمكاتبة الامتناع من زوجها في يومها وليلتها ولا لزوجها منعها للطلب بالكتابة ولو حللت الامة زوجها من يومها وليلتها ولم يحلله السيد حل له ولو حلله السيد ولم تحلله لم يحل له لانه حق لها دون السيد ولو وضع السيد نفقتها عنه حل له لانه مال له دونها وعلى سيدها أن ينفق عليها إذا وضع نفقتها عن الزوج ولو وضعت هي نفقتها عن الزوج لم يحل له إلا بإذن السيد لانه مال السيد.
نكاح المحدثين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة) إلى (المؤمنين) (قال الشافعي) اختلف في تفسير هذه الآية فقيل نزلت في بغايا كانت لهن رايات وكن غير محصنات فأراد بعض المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلن به أو مشركا وقيل كن زوانى مشركات فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك أو مشرك وإن لم يكن زانيا (وحرم ذلك على المؤمنين) وقيل غير هذا وقيل هي عامة ولكنها نسخت أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب في قوله (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة) قال هي منسوخة نسختها (وانكحوا الايامى منكم) فهى من أيامى المسلمين (قال الشافعي) فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان ولا حرم واحدا منهما على زوجه فقد أتاه ما عز بن مالك وأقر عنده بالزنا مرارا لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت ولا زوجته أن تجتنبه ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له إن كانت لك زوجة حرمت عليك أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح ولم نعلمه أمره بذلك ولا أن لا ينكح ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية وقد ذكر له رجل أن امرأة زنت وزوجها حاضر فلم يأمر النبي صلى الله عليه
وسلم فيما علمنا زوجها باجتنابها وأمر انيسا أن يغدو عليها فإن اعترفت رجمعها وقد جلد ابن الاعرابي في الزنا مائة وغربه عاما ولم ينهه علمنا أن ينكح ولا أحدا أن ينكحه إلا زانية وقد رفع الرجل الذى قذف امرأته إليه أمر امرأته وقذفها برجل وانتفى من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعن بينهما وقد روى عنه أن رجلا شكا إليه أن امرأته لا تدفع يد لا مس فأمره أن يفارقها فقال له إنى أحبها فأمره أن يستمتع بها أخبرنا سفيان بن عيينة عن هرون بن رياب عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال أتى رجل إلى رسول الله(5/12)
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لى امرأ لا ترد يد لا مس فقال النبي صلى الله عليه وسلم (فطلقها) قال إنى أحبها قال (فأمسكها إذا) وقد حرم الله المشركات من أهل الاوثان على المؤمنين الزناة وغير الزناة أخبرنا سفيان عن عبيدالله ابن أبى يزيد عن أبيه أن رجلا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره وله ابن من غيرها ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه فسألها فاعترفا فجلدهما عمر الحد وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام (قال الشافعي) فالاختيار للرجل أن لا ينكح زانية وللمرأة أن لا تنكح زانيا فإن فعلا فليس ذلك بحرام على واحد منهما ليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه قال وكذلك لو نكح امرأة لم يعلم أنها زنت فعلم قبل دخولها عليه أنها زنت قبل نكاحه أو بعده لم تحرم عليه ولم يكن له أخذ صداقه منها ولا فسخ نكاحها وكان له ان شاء أن يمسك وإن شاء أن يطلق وكذلك إن كان هو الذى وجدته قد زنى قبل أن ينكحها أو بعدما نكحها قبل الدخول أو بعده فلا خيار لها في فراقه وهى زوجته لحالها ولا تحرم عليه وسواء حد الزانى منهما أو لم يحد أو قامت عليه بينة أو اعترف لا يحرم زنا واحد منهما ولا زناهما ولا معصية من المعاصي الحلال إلا أن يختلف ديناهما بشرك وإيمان.
لا نكاح إلا بولي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) إلى (بالمعروف) وقال عزوجل (الرجال قوامون على النساء) الآية وقال في الاماء (فانكحوهن بإذن أهلهن) (قال الشافعي) زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن
يسار كان زوج أختا له ابن عم له فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضى عدتها فأبى معقل وقال زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها لا أزوجكها أبدا فنزل (وإذا طلقتم يعنى الازواج) النساء فبلغن أجلهن) يعنى فانقضى أجلهن يعنى عدتهن (فلا تعضلوهن) يعنى أولياء هن (أن ينكحن أزواجهن) إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا ولا أعلم الآية تحتمل غيره لانه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الاولياء والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه وهذا أبين ما في القرآن من أن للولى مع المرأة في نفسها حقا وان على الولى أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف (قال الشافعي) وجاءت السنة بمثل معنى كتاب الله عزوجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبدا المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها) وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم فإن اختلفوا فالسلطان ولى من لا ولى له أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد ابن عمير أن عمر رضى الله عنه رد نكاح امرأة نكحت بغير ولى أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار نكحت امرأة من بنى(5/13)
بكر بن كنانة يقال لها بنت أبى ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس فكتب علقمة بن علقمة العتوارى إلى عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة إنى وليها وإنما نكحت بغير أمرى فرده عمر وقد أصابها (قال الشافعي) فأى امرأة نكحت بغير اذن وليها فلا نكاح لها لان النبي صلى الله عليه وسلم قال (فنكاحها باطل)) وإن أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن الصداق يجب في كل نكاح فاسد بالمسيس وأن لا يرجع به الزوج على من غره لانه إذا كان لها وقد
غرته من نفسها لم يكن له أن يرجع به عليها وهو لها وهو لو كان يرجع به فكانت الغارة له من نفسها بطل عنها ولا يرجع زوج أبدا بصداق على من غره امرأة كانت أو غير امرأة إذا أصابها قال وفي هذا دليل على أن على السلطان إذا اشتجروا أن ينظر فإن كان الولى عاضلا أمره بالتزويج فإن زوج فحق أداه وإن لم يزوج فحق منعه وعلى السلطان أن يزوج أو يوكل وليا غيره فيزوج والولى عاص بالعضل لقول الله عزوجل (فلا تعضلوهن) وإن ذكر شيئا نظر فيه السلطان فإن رآها تدعو إلى كفاءة لم يكن له منعها وإن دعاها الولى إلى خير منه وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها والولى لا يرضى به وإنما العضل أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمتنع الولى.
اجتماع الولاة وافتراقهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا ولاية لاحد مع أب فإذا مات فالجد أبو الأب فإذا مات فالجد أبو الجد لان كلهم أب وكذلك الآباء وذلك أن المزوجة من الآباء وليست من الاخوة والولاية غير المواريث ولا ولاية لاحد من الاجداد دونه أب أقرب إلى المزوجة منه فإذا لم يكن آباء فلا ولاية لاحد مع الاخوة وإذا اجتمع الاخوة فبنو الاب والام أولى من بنى الاب فإذا لم يكن بنو أم وأب فبنو الاب أولى من غيرهم ولا ولاية لبنى الام ولا لجد أبى أم إن لم يكن عصبة لان الولاية للعصبة فإن كانوا بنى عم ولا أقرب منهم كانت لهم الولاية بأنهم عصبة وإن كان معهم مثلهم من العصبة كانوا أولى لانهم أقرب بأم وإذا لم يكن إخوة لاب وأم ولا أب وكان بنو أخ وأم وبنو أخ لاب فبنو الاخ للاب والام اولى من بنى الاخ للاب وإن كان بنو أخ لاب وبنو أخ لام فبنوا الاخ للاب أولى ولا ولاية لبنى الاخ للام بحال إلا أن يكونوا عصبة قال وإذا تسفل بنو الاخ فأنسبهم إلى المزوجة فأيهم كان أقعد بها وإن كان ابن اب فهو أولى لان قرابة الاقعد أقرب من قرابة أم غير ولدها أقعد منه وإذا استووا فكان فيهم ابن أب وأم فهو أولى بقربه مع المساواة قال وإن حرم النسب بقرابة الام كان بنو بنى الاخ وإن تسفلوا وبنو عم دنية فبنو بنى الاخ وإن تسفلوا أولى لانهم يجمعهم وإياها أب قبل بنى العم وهكذا إن كان بنو أخ وعمومة فبنو الاخ أولى وإن تسفلوا لان العمومة غير آباء فيكونون أولى لان المزوجة من الاب فإذا انتهت الابوة فأقرب الناس بالمزوجة أولاهم بها وبنو أخيها أقرب بها من عمومتها لانه يجمعهم
وإياها أب دون الاب الذي يجمعها بالعمومة وإذا لم يكن بنو الاخ وكانوا بنى عم فكان فيهم بنو عم لاب وأم وبنو عم لاب فاستووا فبنو العم للاب والام أولى وإن كان بنو العم للاب أقعد فهم أولى وإذا لم يكن لها قرابة من قبل الاب وكان لها أوصياء لم يكن الاوصياء ولاة نكاح ولا ولاة ميراث وهكذا إن كان لها قرابة من قبل أمها أو بنى أخواتها لا ولاية للقرابة في النكاح إلا من قبل الاب وإن كان(5/14)
للمزوجة ولد أو ولد ولد فلا ولاية لهم فيها بحال إلا أن يكونوا عصبة فتكون لهم الولاية بالعصبة ألا ترى أنهم لا يعقلون عنها ولا ينتسبون من قبيلها إنما قبيلها نسبها من قبل أبيها أولا ترى أن بنى الام لا يكونون ولاة نكاح فإذا كانت الولاية لا تكون بالام إذا انفردت فهكذا ولدها لا يكونون ولاة لها وإذا كان ولدها عصبة وكان مع ولدها عصبة أقرب منهم هم أولى منهم فالعصبة أولى وإن تساوى العصبة في قرابتهم بها من قبل الاب فهم أولى كما يكون بنو الام والاب أولى من بنى الاب وإن استووا فالولد أولى.
ولاية المولى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يكون الرجل وليا بولاء وللمزوجة نسب من قبل أبيها يعرف ولا للاخوال ولاية بحال أبدا إلا أن يكونوا عصبة فإذا لم يكن للمرأة عصبة ولها موال فمواليها أولياؤها ولا ولاء إلا لمعتق ثم أقرب الناس بمعتقها وليها كما يكون أقرب الناس به ولى ولد المعتق لها قال واجتماع الولاة من أهل الولاء في ولاية المزوجة كاجتماعهم في النسب (قال الشافعي) ولا يختلفون في ذلك (قال الشافعي) ولو زوجها مولى نعمة ولا يعلم لها قريبا من قبل أبيها ثم علم كان النكاح مفسوخا، لانه غير ولى كما لو زوجها ولى قرابة يعلم أقرب منه كان النكاح مفسوخا.
مغيب بعض الولاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا ولاية لاحد بنسب ولا ولاء وأولى منه حى غائبا كان أو حاضرا بعيد الغيبة منقطعها مؤيسا منه مفقودا أو غير مفقود وقريبها مرجو الاياب غائبا وإذا كان الولى حاضرا فامتنع من التزويج فلا يزوجها الولى الذي يليه في القرابة ولا يزوجها إلا السلطان الذي يجوز
حكمه فإذا رفع ذلك إلى السلطان فحق عليه أن يسأل عن الولى فإن كان غائبا سأل عن الخاطب فإن رضى به أحضر أقرب الولاة بها وأهل المحرم من أهلها وقال هل تنقمون شيئا؟ فإن ذكروه نظر فيه فإن كان كفوءا ورضيته أمرهم بتزويجه فإن لم يفعلوا زوجه وإن لم يأمرهم وزوجه فجائز وإن كان الولى حاضرا فامتنع من أن يزوجها من رضيت صنع ذلك به وإن كان الولى الذى لا أقرب منه حاضرا فوكل قام وكيله مقامه وجاز تزويجه كما يجوز إذا وكله بتزويج رجل بعينه فزوجه أو وكله أن يزوج من رأى فزوجه كفوءا ترضى المرأة به بعينه فإن زوج غير كف ء لم يجز وكان هذا منه تعديا مردودا، كما يرد تعدى الوكلاء.
من لا يكون وليا من ذى القرابة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يكون الرجل وليا لامرأة بنتا كانت أو أختا أو بنت عم أو امرأة هو أقرب الناس إليها نسبا أو ولاء حتى يكون الولى حرا مسلما رشيدا يعقل موضع الحظ وتكون المرأة مسلمة ولا يكون المسلم وليا لكافرة وإن كانت بنته ولا ولاية له على كافرة إلا أمته فإن ما صار لها(5/15)
بالنكاح ملك له.
قال ولا يكون الكافر وليا لمسلمة.
وإن كانت بنته قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأبو سفيان حى لانها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم لا أعلم مسلما أقرب بها منه ولم يكن لابي سفيان فيها ولاية لان الله تبارك وتعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين والمواريث والعقل وغير ذلك قال: فيجوز تزويج الحاكم المسلم الكافرة لانه بحكم لا ولاية إذا حاكمت إليه ولا يكون إذا كان بالغا مسلما وليا إن كان سفيها موليا عليه أو غير عالم بموضع الحظ لنفسه ومن زوجه إذا كان هذا لا يكون وليا لنفسه يزوجها كان أن يكون وليا لغيره أبعد، وإن لم يكن هذا وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذى لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين: قال ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولى أقرب الناس به ممن يفارق هذه وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذى لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين: قال ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولى أقرب الناس به ممن يفارق هذه
الحال وهذا كمن لم يكن وكمن مات ولا ولاية له ما كان بهذه الحال، فإذا صلحت حاله صار وليا، لان الحال التى منع بها الولاية قد ذهبت.
الاكفاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا أعلم في أن للولاة أمرا مع المرأة في نفسها شيئا جعل لهم أبين من أن لا تزوج إلا كفؤا، فإن قيل يحتمل أن يكون لئلا يزوج إلا نكاحا صحيحا.
قيل قد يحتمل ذلك أيضا ولكنه لما كان الولاة لو زوجوها غير نكاح صحيح لم يجز كان هذا ضعيفا لا يشبه أن يكون له جعل للولاة معها أمر فأما الصداق فهى أولى به من الولاة ولو وهبته جاز ولا معنى له أولى به من أن لا يزوج إلا كفؤا بل لا أحسبه يحتمل أن يكون جعل لهم أمر مع المرأة في نفسها إلا لئلا تنكح إلا كفؤا (قال الشافعي) إذا اجتمع الولاة فكانوا شرعا فأيهم صلح أن يكون وليا بحال فهو كأفضلهم وسواء المسن منهم والكهل والشاب والفاضل والذى دونه إذا صلح أن يكون وليا فأيهم زوجها بإذنها كفؤا جاز وإن سخط ذلك من بقى من الولاة وأيهم زوج بإذنها غير كفؤ فلا يثبت النكاح إلا باجتماعهم عليه: وكذلك لو اجتمعت جماعتهم على تزويج غير كف ء وانفرد أحدهم كان النكاح مردودا بكل حال حتى تجتمع الولاة معا على إنكاحه قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه وإن كان الولى أقرب ممن دونه فزوج غير كف ء بإذنها فليس لمن بقى من الاولياء الذى هو أولى منهم رده لانه لا ولاية لهم معه قال: وليس نكاح غير الكف ء محرما فأرده بكل حال إنما هو نقص على المزوجة والولاة فإذا رضيت المزوجة ومن له الامر معها بالنقص لم أرده قال: وإذا زوج الولى الواحد كفؤا بأمر المرأة المالك لامرها بأقل من مهر مثلها لم يكن لمن بقى من الولاة رد النكاح ولا أن يقوموا عليه حتى يكملوا لها مهر مثلها لانه ليس في نقص المهر نقص نسب إنما هو نقص المال ونقص المال ليس عليها ولا عليهم فيه نقص حسب وهى أولى بالمال منهم وإذا رضى الولى الذى لا أقرب منه بإنكاح رجل غير كف ء فأنكحه بإذن المرأة والولاة الذين هم شرع ثم أراد الولى المزوج والولاة رده لم يكن لهم بعد رضاهم وتزويجهم إياه برضا المرأة، وإن كانوا زوجوها بأمرها بأقل من صداق مثلها وكانت لا يجوز أمرها في مالها فلها تمام صداق مثلها لان النكاح لا يرد فهو كالبيوع المستهلكة كما لو باعت وهى محجورة بيعا فاستهلك وقد غبنت فيه لزم
مشتريه قيمته، قال وإذا كانت المرأة محجورا عليها مالها فسواء من حابى في صداقها أب أو غيره لا(5/16)
تجوز المحاباة ويلحق بصداق مثلها ولا يرد النكاح دخلت أو لم تدخل وإن طلقت قبل ذلك أخذ لها نصف صداق مثلها.
ما جاء في تشاح الولاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الولاة شرعا فأراد بعضهم أن يلى التزويج دون بعض فذلك إلى المرأة تولى أيهم شاءت فإن قالت قد أذنت في فلان فأى ولاتى أنكحنيه فنكاحه جائز فأيهم أنكحه فنكاحه جائز فإن ابتدره اثنان فزوجاه فنكاحه جائز وإن تمانعوا أقرع بينهم السلطان فأيهم خرج سهمه أمره بالتزويج وإن لم يترافعوا إلى السلطان عدل بينهم أمرهم فأيهم خرج سهمه زوج وإن تركوا الاقراع أو تركه السلطان لم أحبه لهم وأيهم زوج بإذنها جاز.
إنكاح الوليين والوكالة في النكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن علية عن ابن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال إذا أنكح الوليان فالاول أحق) قال وبين في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، الاول أحق أن الحق لا يكون باطلا وأن نكاح الآخر باطل وأن الباطل لا يكون حقا بأن يكون الآخر دخل ولم يدخل الاول ولا يزيد الاول حقا لو كان هو الداخل قبل الآخر هو أحق بكل حال قال: وفيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة ولانه لا يكون نكاح وليين متكافيا حتى يكون للاول منهما إلا بوكالة منها مع توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمر وبن أمية الضمرى فزوجه أم حبيبة ابنة أبى سفيان (قال الشافعي) فأما إذا أذنت المرأة لولييها أن يزوجاها من رأيا أو وامرها أحدهما في رجل فقالت زوجه ووامرها آخر في رجل فقالت زوجه فزوجاها مع رجلين مختلفين كفؤين فأيهما زوج أولا فالاول الزوج الذى نكاحه ثابت وطلاقه وما بينه وبينها مما بين الزوجين لازم ونكاح الذى بعده ساقط دخل لها الآخر أو لم يدخل أو الاول أو لم يدخل لا يحق الدخول لاحد شيئا إنما يحقه أصل العقدة فإن أصابها آخرهما نكاحا فلها مهر مثلها إذا لم يصح عقدة النكاح لم تصح
بشئ بعدها إلا بتجديد نكاح صحيح، وإذا جاز للمرأة أن توكل وليين جاز للولى الذى لا أمر للمرأة معه أن يوكل وهذا للاب خاصة في البكر ولم يجز لولى غيره للمرأة معهم أمر أن يوكل أب في ثيب ولا ولى غير أب إلا بأن تأذن له أن يوكل بتزويجها فيجوز بإذنها.
فلو أن رجلا خرج ووكل رجلا بتزويج ابنته البكر فزوجها الوكيل وهو فأيهما أنكح أولا فالنكاح نكاحه جائز والآخر باطل الوكيل أو الاب، وإن دخل بها الآخر فلها المهر وعليها العدة والولد لا حق ولا ميراث لها منه ولو مات قبل أن يفرق بينهما، ولا له منها لو ماتت ولزوجها الاول منها الميراث وعليه لها الصداق يحاسب به من ميراثه.
وهكذا لو أذنت لوليين فزوجاها معا أو لولى أن يوكل فوكل وكيلا أو لو ليين كذلك فوكلا وكيلين أي هذا كان فالتزويج الاول أحق ولو زوجها الوليان والوكلاء ثلاثة أو أربعة فالنكاح للاول إذا علم ببينة تقوم على وقت من الاوقات أنه فعل ذلك قبل صاحبه.
قال ولو زوجها ولياها رجلين فشهد الشهود على يوم واحد ولم يثبتوا الساعة أو أثبتوها فلم يكن في إثباتهم دلالة على أي النكاحين كان أولا فالنكاح مفسوخ(5/17)
ولا شئ لها من واحد من الزوجين ولو دخل بها أحدهما على هذا فأصابها كان لها منه مهر مثلها وعليها العدة ويفرق بينهما وسواء كان الزوجان في هذا لا يعرفان أي النكاح كان قبل أو يتداعيان فيقول كل واحد منهما كان نكاحي قبل وهما يقران أنها لا تعلم أي نكاحهما كان أولا ويقران بأمر يدل على أنها لا تعلم ذلك مثل أن تكون غائبة عن النكاح ببلد غير البلد الذي تزوجت به أو ما أشبه هذا.
ولو ادعيا عليها أنها تعلم أي نكاحهما أول وادعى كل واحد منهما أن نكاحه كان أولا كان القول قولها مع يمينها للذى زعمت أن نكاحه آخرا، وإن قالت لا أعلم ايهما كان أولا وادعيا علمها أحلفت ما تعلم وما يلزمها نكاح واحد منهما.
قال ولو كانت خرساء أو معتوهة أو صبية أو خرست بعد التزويج لم يكن عليها يمين وفسخ النكاح، ولو زوجها أبوها ووكيل له في هذه الحال فقال الاب: إنكاحي أولا أو إنكاح وكيلى أو لا كان أو قال ذلك الوكيل لم يكن إقرار واحد منهما يلزمها ولا يلزم الزوجين ولا واحدا منهما ولو كانت عاقلة بالغة فأقرت لاحدهما أن نكاحه كان أولا لزمها النكاح الذى أقرت أنه كان أولا ولم تحلف للآخر لانها لو أقرت له بأن نكاحه أولا ثم لم يكن زوجها وقد لزمها أن تكون زوجة الآخر ولو كان وليها
الذى هو أقرب إليها من وليها الذى يليه زوجها بإذنها ووليها الذى هو أبعد منه بإذنها فإنكاح الولى الذى دونه من هو أقرب منه باطل ولو كان على الانفراد، وإذا كان هذا هكذا فنكاح الولى الاقرب جائز كان قبل نكاح الولى الابعد أو بعد، أو دخل الذى زوجه الولى الابعد الذى لا ولاية له مع من هو أقرب، ولو دخل بها الزوجان معا أثبتت نكاح الذى زوجه الولى وآمر باجتنابها حتى تكميل عدتها من الزوج غيره ثم خلى بينها وبينه وكان لها على الزوج المهر الذى سمى وعلى الناكح النكاح الفاسد مهر مثلها كان أقل أو أكثر مما سمى لها، ولو اشتملت على حمل وقفا عنها وهى في وقفهما عنها زوجة الذى زوجه الولى إن مات ورثته وإن ماتت ورثها، ومتى جاءت بولد أريه القافة فبأيهما ألحقاه لحق وإن لم يلحقاه بواحد منهما أو ألحقاه بهما أو لم يكن قافه وقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهما شاء، قال وإن انتفيا منه ولم تره القافة لا عناها معا ونفى عنهما معا فإن أقربه أحدهما نسبته إليه فإن أقربه الآخر وقفته حتى تراه القافة وكان كالمسألة على الابتداء وإن مات الآخر بعدما أقربه الاول ولم يعترف به فهو من الاول ولو زوجها وليان أحدهما قبل الآخر بإذنها فدخل بها صاحب التزويج الآخر فلها مهر مثلها وتنزع منه وهي زوجة الاول ويمسك عنها حتى تنقضي عدتها من الداخل بها.
ما جاء في نكاح الآباء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت (نكحنى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست أو سبع وبنى بى وأنا ابنة تسع) الشك من الشافعي (قال الشافعي) فلما كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجهاد يكون على ابن خمس عشرة سنة وأخذ المسلمون بذل في الحدود وحكم الله بذلك في اليتامى فقال (حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) ولم يكن له الامر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة أو ابنة خمس عشرة إلا أن يبلغ الحلم أو الجارية المحيض قبل ذلك فيكون لهما أمر في أنفسهما دل إنكاح أبى بكر عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ابنة ست وبناؤه بها ابنة تسع على أن الاب أحق بالبكر من نفسها ولو(5/18)
كانت إذا بلغت بكرا كانت أحق بنفسها منه أشبه أن لا يجوز له عليها حتى يبلغ فيكون ذلك بإذنها
أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني زيد بن جارية عن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهى ثيب وهى كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (قال الشافعي) فأى ولى امرأة ثيب أو بكر زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل إلا الآباء في الابكار والسادة في المماليك لان النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء ابنة خذام حين زوجها أبوها كارهة ولم يقل إلا أن تشائى أن تبرى أباك فتجيزي إنكاحه لو كانت إجازته إنكاحها تجيزه أشبه أن يأمرها أن تجيز إنكاح أبيها ولا يرد بقوته عليها (قال الشافعي) ويشبه في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرق بين البكر والثيب فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولى الذى عنى والله تعالى أعلم الاب خاصة فجعل الايم أحق بنفسها منه فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر اختيار لا فرض لانها لو كانت إذا كرهت لم يكن له تزويجها كانت كالثيب وكان يشبه أن يكون الكلام فيها أن كل امرأة أحق بنفسها من وليها وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمت ولم أعلم أهل العلم اختلفوا في أنه ليس لاحد من الاولياء غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا إلا بإذنها فإذا كانوا لم يفرقوا بين البكر والثيب البالغين لم يجز إلا ما وصفت في الفرق بين البكر والثيب في الاب الولى وغير الولى ولو كان لا يجوز للاب إنكاح البكر إلا بإذنها في نفسها ما كان له أن يزوجها صغيرة لانه لا أمر لها في نفسها في حالها تلك وما كان بين الاب و سائر الولاة فرق في البكر كما لا يكون بينهم فرق في الثيب فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستأمر البكر في نفسها؟ قيل يشبه أمره أن يكون على استطابة نفسها وأن يكون بها داء لا يعلمه غيرها فتذكره إذا استؤمرت أو تكره الخاطب لعلة فيكون استئمارها أحسن في الاحتياط وأطيب لنفسها وأجمل في الاخلاق وكذلك نأمر أباها ونأمره أيضا أن يكون المؤامر لها فيه أقرب نساء أهلها وأن يكون تفضى إليها بذات نفسها أما كانت أو غير أم ولا يعجل في إنكاحها إلا بعد إخبارها بزوج بعينه ثم كره لابيها أن يزوجها إن علم منها كراهة لمن يزوجها وإن فعل فزوجها من كرهت جاز ذلك عليها وإذا كان يجوز تزويجه عليها من كرهت فكذلك لو زوجها بغير
استمارها فإن قال قائل وما يدل على أنه قد يؤمر بمشاورة البكر ولا أمر لها مع أبيها الذى أمر بمشاورتها؟ قيل قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الامر) ولم يجعل الله لهم معه أمرا إنما فرض عليهم طاعته ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاورين بالخير قد غاب عن المستشير وما أشبه هذا قال والجد أبو الأب وأبوه وأبو أبيه يقومون مقام الاب في تزويج البكر وولاية الثيب ما لم يكن دون واحد منهم أب أقرب منه ولو زوجت البكر أزواجا ماتوا عنها أو فارقوها وأخذت مهورا ومواريث دخل بها أزواجها أو لم يدخلوا إلا أنها لم تجامع زوجت تزويج البكر لانه لا يفرقها اسم بكر إلا بأن تكون ثيبا وسواء بلغت سنا وخرجت الاسواق وسافرت وكانت قيم أهلها أو لم يكن من هذا شئ لانها بكر في هذه الاحوال كلها (وإذا جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو زنا (1) صغيرة كانت بالغا أو غير
__________
(1) قوله: " صغيرا كانت بالغا أو غير بالغ " كذا في النسخ ولعل لفظ " صغيرة " من زيادة الناسخ أو تفسير بغير البالغ وضع بين السطور فاثبتها الناسخ في الصلب، فتأمل.
كتبه مصححه.(5/19)
بالغ كانت ثيبا لا يكون للاب تزويجها إلا بإذنها ولا يكون له تزويجها إذا كانت ثيبا وإن كانت لم تبلغ إنما يزوج الصغيرة إذا كانت بكرا لانه لا أمر لها في نفسها إذا كانت صغيرة ولا بالغا مع أبيها قال وليس لاحد غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها ولا يزوج واحدة منهما حتى تبلغ فتأذن في نفسها وإن زوجها أحد غير الآباء صغيرة فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث والآباء وغيرهم من الاولياء في الثيب سواء لا يزوج أحد الثيب إلا بإذنها، وإذنها الكلام، وإذن البكر الصمت.
وإذا زوج الاب الثيب بغير علمها فالنكاح مفسوخ رضيت بعد أو لم ترض وكذلك سائر الاولياء في البكر والثيب.
الاب ينكح ابنته البكر غير الكف ء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجوز أمر الاب على البكر في النكاح إذا كان النكاح حظا لها أو
غير نقص عليها ولا يجوز إذا كان نقصا لها أو ضررا عليها كما يجوز شراؤه وبيعه عليها بلا ضرر عليها في البيع والشراء من غير ما لا يتغابن أهل البصربه، وكذلك ابنه الصغير، قال ولو زوج رجل ابنته عبدا له أو لغيره لم يجز النكاح لان العبد غير كف ء لم يجز وفي ذلك عليها نقص بضرورة ولو زوجها غير كف ء لم يجز لان في ذلك عليها نقصا، ولو زوجها كفؤا أجذم أو أبرص أو مجنونا أو خصيا مجبوبا أو غير مجبوب لم يجز عليها لانها لو كانت بالغا كان لها الخيار إذا علمت هي بداء من هذه الادواء، ولو زوجها كفؤا صحيحا ثم عرض له داء من هذه الادواء لم يكن له أن يفرق بينه وبينها حتى تبلغ فإذا بلغت فلها الخيار (قال) ولو عقد النكاح عليها لرجل به بعض الادواء ثم ذهب عنه قبل أن تبلغ أو عند بلوغها فاختارت المقام معه لم يكن لها ذلك لان أصل العقد كان مفسوخا (قال) ولو زوج ابنه صغيرا أو مخبولا أمة كان النكاح مفسوخا لان الصغير لا يخاف العنت والمخبول لا يعرب عن نفسه بأنه يخاف العنت وإن كان كل واحد منهما لا يجد طولا ولو زوجه جذماء أو برصاء أو مجنونة أو رتقاء لم يجز عليه النكاح، وكذلك لو كان زوجه امرأة في نكاحها ضرر عليه أو ليس له فيها وطر مثل عجوز فانية أو عمياء أو قطعاء أو ما أشبه هذا.
المرأة لا يكون لها الولى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما أمرأة نكحت بغير إذا وليها فنكاحها باطل) فبين فيه أن الولى رجل لا امرأة فلا تكون المرأة وليا أبدا لغيرها وإذا لم تكن وليا لنفسها كانت أبعد من أن تكون وليا لغيرها ولا تعقد عقد نكاح.
أخبرنا الثقة عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلى عقدة النكاح (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبى هريرة قال (لا تنكح المرأة المرأة فإن البغى إنما تنكح نفسها) (قال الشافعي) وإذا أرادت المرأة أن تزوج جاريتها لم يجز أن تزوجها هي ولا وكيلها إن لم يكن وليا(5/20)
للمرأة إذا لم تكن هي وليا لجاريتها لم يكن أحد بسببها وليا إذا لم يكن من الولاة كما لا يكون للمرأة أن
توكل بنفسها من يزوجها إلا وليا ويزوجها ولى المرأة السيدة الذى كان يزوجها هي أو السلطان إذا أذنت سيدتها بتزويجها كما يزوجونها هي إذا أذنت بتزويجها ولا يجوز لولى المرأة أن يولى امرأة تزوجها إذا لم تكن وليا في نفسها لم تكن وليا بوكالة ولا يزوج جاريتها إلا بإذنها ويجوز وكالة الرجل الرجل في النكاح إلا أنه لا يوكل امرأة لما وصفت ولا كافرا بتزويج مسلمة لان واحدا من هذين لا يكون وليا بحال وكذلك لا يوكل عبدا ولا من لم تكمل فيه الحرية وكذلك لا يوكل محجورا عليه ولا مغلوبا على عقله لان هؤلاء لا يكونون ولاة بحال.
ما جاء في الاوصياء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ذكر الله تعالى الاولياء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ولم يختلف أحد أن الولاة هم العصبة، وأن الاخوال لا يكونون ولاة، إن لم يكونوا عصبة فبين في قولهم أن لا ولاية لوصي إن لم يكن من العصبة لان الولاية يشبه أن تكون جعلت للعصبة للعار عليهم والوصى ممن لا عار عليه فيما أصاب غيره من عار وسواء وصى الاب بالابكار والثيبات ووصى غيره فلا ولاية لوصي في النكاح بحال وذلك أنه ليس بوكيل الولى ولا بولي والخال أولى ان يكون عليه عار من الوصي وهو لا ولاية له إذا لم يكن له نسب من قبل الاب وهذا قول أكثر من لقيت من أهل الآثار والقياس وقد قال قائل يجوز نكاح وصى الاب على البكر خاصة دون الاولياء ولا يكون له أن ينكح البكر بغير إذنها وللاب أن ينكحها بغير إذنها ولا يجوز إنكاحه الثيب بأمرها وأمرها إلى الولاة ويقول ولا يجوز إنكاح وصى ولى غير وصى الاب (قال الشافعي) وهو يزعم أن الميت إذا مات انقطعت وكالته فإن كان الوصي وكيلا عنده كوكيل الحى فوكيل الاب والاخ (1) ولى الاولياء البكر والثيب يجوز إنكاحهم عندنا وعنده بوكالة من وكلهم ما جاز لمن وكلهم بالنكاح ويقيمهم مقام من وكله وهو لا يجيز لوصي الاب ما يجيز للاب ويقول ليس بوكيل ولا أب فيقال فولى قرابة فيقول: لا فيقال ما هو؟ فيقول وصى ولى فيقول يقوم مقامه ولا يدرى ما يقول ويقال فما لغير الاب فيقول الوصي ليس بولي ولا وكيل فيجوز نكاحه وليس من النكاح بسبيل فيقول قولا متناقضا يخالف معنى القرآن والسنة والآثار.
إنكاح الصغار والمجانين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء وإن زوجها فالتزويج مفسوخ والاجداد آباء إذا لم يكن أب يقومون مقام الآباء في ذلك، ولا يزوج المغلوبة على عقلها أحد غير الآباء فإن لم يكن آباء رفعت إلى السلطان وعليه أن يعلم الزوج ما اشتهر عنده أنها مغلوبة على عقلها، فإن يقدم على ذلك زوجها إياه وإنما منعت الولاة غير الآباء تزويج المغلوبة على عقلها أنه
__________
(1) قوله: ولي الاولياء البكر الخ، كذا في النسخ وانظره، وان كان الحكم مفهوما، كتبه مصححه.(5/21)
لا يجوز لولى غير الآباء أن يزوج امرأة إلا برضاها فلما كانت ممن لا رضا لها لم يكن النكاح لهم تاما وإنما أجزت للسلطان أن ينكحها لانها قد بلغت أو ان الحاجة إلى النكاح وأن في النكاح لها عفافا وغناء وربما كان لها فيه شفاء وكان إنكاحه إياها كما لحكم لها وعليها، وإن أفاقت فلا خيار لها ولا يجوز أن يزوجها إلا كفؤا، وإذا أنكحها فنكاحه ثابت وترث وتورث، إن غلب على عقلها من مرض أو برسام أو غيره لم يكن له أن ينكحها حتى يتأنى بها فإن أفاقت أنكحها الولى من كان بإذنها، وإن لم تفق حتى طال ذلك ويؤيس من إفاقتها زوجها الاب أو السلطان، وإن كان بها مع ذهاب العقل جنون أو جذام أو برص أعلم ذلك الزوج قبل أن يزوجها وإن كان بها ضنى يرى أهل الخبرة بها أنها لا تريد النكاح معه لم أر له أن يزوجها وإن زوجها لم أرد تزويجه لان التزويج ازدياد لها لا مؤنة عليها فيه، وسواء إذا كانت مغلوبة على عقلها بكرا كانت أو ثيبا لا يزوجها إلا أب أو سلطان بلا أمرها لانه لا أمر لها.
نكاح الصغار والمغلوبين على عقولهم من الرجال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في الكبير المغلوب على عقله: لابيه أن يزوجه لانه لا أمر له في نفسه وإن كان يجن ويفيق فليس له أن يزوجه حتى يأذن له وهو مفيق في أن يزوج فإذا أذن فيه زوجه ولا أرد إنكاحه إياه وليس لاحد غير الآباء أن يزوجوا المغلوب على عقله لانه لا أمر له في نفسه ويرفع إلى الحاكم فيسأل عنه فإن كان يحتاج إلى التزويج ذكر للمزوجة حاله فإن رضيت حاله زوجه وإن لم
يكن يحتاج إلى التزويج فيما يرى بزمانة أو غيرها لم يكن للحاكم أن يزوجه ولا لابيه أن يكون تزويجه ليخدم فيجوز تزويجه لذلك، وللآباء ما للاب في المغلوب على عقله وفي الصغيرة والمرأة البكر وللآباء تزويج الابن الصغير ولا خيار له إذا بلغ وليس ذلك لسلطان ولا ولى وإن زوجه سلطان أو ولى غير الآباء فالنكاح مفسوخ لانا إنما نجيز عليه أمر الاب لانه يقوم مقامه في النظر له ما لم يكن له في نفسه أمر ولا يكون له خيار إذا بلغ فأما غير الاب فليس ذلك له ولو كان الصبى مجبوبا أو مخبولا فزوجه أبوه كان نكاحه مردودا لانه لا يحتاج إلى النكاح قال وإذا زوج المغلوب على عقله فليس لابيه ولا للساطان أن يخالع بينه وبين امرأته ولا ان يطلقها عليه ولا يزوج واحد منهما إلا بالغا وبعد ما يستدل على حاجته إلى النكاح ولو طلقها لم يكن طلاقه طلاقا، وكذلك لو آلى منها أو تظاهر لم يكن عليه إيلاء ولا ظهار لان القلم مرفوع عنه.
وكذلك لو قذفها وانتفى ولدها لم يكن له أن يلاعن ويلزمه الولد ولو قالت هو عنين لا يأتيني لم تضرب له أجلا وذلك أنها إن كانت ثيبا فقد يأتيها وتجحد وهو لو كان صحيحا جعل القول قوله مع يمينه وإن كانت بكرا فقد تمتنع من أن ينالها فلا يعقل أن يدفع عن نفسه بالقول أنها تمتنع ويمتنع ويؤمر إشارة بإصابتها ولو ارتد لم تحرم عليه لان القلم مرفوع عنه ولو ارتدت هي فلم تعد إلى الاسلام حتى تنقضي العدة بانت منه وهكذا إذا نكحت المغلوبة على عقلها لم يكن لابيها ولا لولى غيره أن يخالع عنها بدرهم من مالها ولا يبرئ زوجها من نفقتها ولا شئ وجب لها عليه فإن هربت أو امتنعت منه لم يكن لها عليه نفقة ما دامت هاربة أو ممتنعة وإن آلى منها وطلب وليها وقفه قيل له اتق الله وفئ أو طلق ولا يجبر على طلاق كما لا يجبر لو طلبته هي، وكذلك وإن كان عنينا لم يؤجل لها من قبل أن هذا شئ إن كانت صحيحة كان لها طلبه لتعطاه أو يفارق وإن تركته لم يحمل فيه الزوج على الفراق(5/22)
لان الفراق إنما يكون برضاها وامتناعه من الفئ فلا يكون لاحد طلب أن يفارق بحكم يلزم زوجها غيرها وهى ممن لا طلب له ولو طلبت لم يكن ذلك على الزوج وهكذا الصبية التي لا تعقل في كل ما وصفت قال: ولو قذف المجنونة وانتفى من ولدها قيل له إن أردت أن تنفى الولد باللعان فالتعن فإذا التعن وقعت الفرقة بينهما ولا يكون له أن ينكحها أبدا ولا يرد عليه وينفى عنه الولد وإن أكذب نفسه
ألحق به الولد ولا يعزر ولم ينكحها أبدا فإن أبى أن يلتعن فهى امرأته والولد ولده ولا يعزر لها، قال وأى ولد ولدته ما كانت في ملكه لزمه إلا أن ينفيه بلعان، وإن وجد معها ولد فقال لم تلده ولا قافة وريئت تدر عليه وترضعه وتحنو عليه حنو الام لم تكن أمه وإلا بأن يشهد أربع نسوة أنها ولدته أو يقر هو بأنها ولدته فيلحقه، وإن كانت قافة فألحقوه بها فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان، وليس للاب في الصبية والمغلوبة على عقلها أن يزوجها عبدا ولا غير كف ء لها وأنظر كل امرأة كانت بالغا ثيبا فدعت إليه كان لابيها ووليها منعها منه وليس للاب عليه إدخالها فيه ولا للاب ولا للسلطان في واحد منهما أن يزوجها مجبوبا وكذلك ليس له أن يكره أمته على واحد من هؤلاء بنكاح وله أن يهبها لكل واحد من هؤلاء ويبيعها منه ولا لولى الصبى أن يزوجه مجنونة ولا جذماء ولا برصاء ولا مغلوبة على عقلها ولا امرأة لا تطيق جماعا بحال ولا أمة وإن كان لا يجد طولا لحرة لانه ممن لا يخاف العنت.
النكاح بالشهود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا نكاح للاب في ثيب ولا لولى غير الاب في بكر ولا ثيب غير مغلوبة على عقلها حتى يجمع النكاح أربعا أن ترضى المرأة المزوجة وهى بالغ والبلوغ أن تحيض أو تستكمل خمس عشرة سنة ويرضى الزوج البالغ وينكح المرأة ولى لا اولى منه أو السلطان ويشهد على عقد النكاح شاهدان عدلان فإن نقص النكاح واحدا من هذا كان فاسدا، قال ولابي البكر أن يزوجها صغيرة وكبيرة بغير أمرها واحب إلى أن كانت بالغا أن يستأمرها وذلك لسيد الامة في أمته وليس ذلك لسيد العبد في عبده ولا لاحد من الاولياء غير الآباء في البكر وهكذا لابي المجنونة البالغ أن يزوجها تزويج الصغيرة البكر بكرا كانت أو ثيبا وليس ذلك لغير الآباء إلا السلطان.
النكاح بالشهود أيضا أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال (لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولى مرشد) وأحسب مسلم بن خالد قد سمعه من ابن خيثم أخبرنا مالك عن أبى الزبير قال أتى عمر بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال ولو شهد النكاح من لا تجوز شهادته وإن كثروا
من أحرار المسلمين أو شهادة عبيد مسلمين أو أهل ذمة لم يجز النكاح حتى ينعقد بشاهدين عدلين قال: وإذا كان الشاهدان لا يردان من جهة التعديل ولا الحرية ولا البلوغ ولا علة في أنفسهما خاصة جاز النكاح، قال وإذا كانا عدلين عدوين للمرأة أو للرجل فتصادق الزوجان على النكاح جازت الشهادة لانها شهادة عدلين وإن تجاحدا لم يجز النكاح لانى لا أجيز شهادتهما على عدويهما وأحلفت(5/23)
الجاحد منهما فإن حلف برئ وإن نكل رددت اليمين على صاحبه فإن حلف أثبت له النكاح وإن لم يحلف لم أثبت له نكاحا وإن رؤى رجل يدخل على امرأة فقالت زوجي وقال زوجتى نكحتها بشاهدين عدلين ثبت النكاح وإن لم تعلم الشاهدين: قال ولو عقد النكاح بغير شهود ثم أشهد بعد ذلك على حياله وأشهدت ووليها على حيالهما لم يجز النكاح ولا تجيز نكاحا إلا نكاحا عقد بحضرة شاهدين عدلين وما وصفت معه ولا يكون أن يتكلم بالنكاح غير جائز لم يجز إلا بتجديد نكاح غيره ولو كان الشاهدان عدلين حين حضرا النكاح ثم ساءت حالهما حتى ردت شهادتهما فتصادقا أن النكاح قد كان والشاهدان عدلان أو قامت بذلك بينة جاز وإن قالا كان النكاح وهما بحالهما لم يجز وقال إنما أنظر في عقدة النكاح ولا أنظر أين يقومان هذا يخالف الشهادة على الحق غير النكاح في هذا الموضع الشهادة على الحق يوم يقع الحكم ولا ينظر إلى حال الشاهدين قبل والشهادة على النكاح يوم يقع العقد قال: ولو جهلا حال الشاهدين وتصادقا على النكاح بشاهدين جاز النكاح وكانا على العدل حتى أعرف الجرح يوم وقع النكاح وإذا وقع النكاح ثم أمره الزوجان بكتمان النكاح والشاهدين فالنكاح جائز وأكره لهما السر لئلا يرتاب بهما.
ما جاء في النكاح إلى أجل ونكاح من لم يولد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل للمرأة قد زوجتك حمل امرأتي وقبلت ذلك المرأة أو أول ولد تلده امرأتي وقبلت ذلك المرأة أوقال ذلك الرجل للرجل في حبل امرأته قد زوجتك أول جارية تلدها امرأتي وقبل الرجل فلا يكون شئ من هذا نكاحا أبدا ولا نكاح لمن لم يولد: ألا ترى أنها قد لا تلد جارية وقد لا تلد غلاما أبدا فإذا كان الكلام منعقدا على غير شئ لم يجز ولا يجوز
النكاح إلا على عين بعينها ولو قال الرجل: إذا كان غدا فقد زوجتك ابنتى وقبل ذلك الرجل أو قال رجل لرجل إذا كان غدا فقد زوجت ابني ابنتك وقبل أبو الجارية والغلام والجارية صغيران لم يجزله لانه قد يكون غدا وقد مات ابنه أو ابنته أو هما، وإذا انعقد النكاح وانعقاده الكلام به فكان في وقت لا يحل له فيه الجماع ولا يتوارث الزوجان لم يجز وكان ذلك في معنى المتعة التى تكون زوجة في أيام وغير زوجة في أيام وفى أكثر من معنى المتعة، لانه قد جاءت مدة بعد العقد لم يوجب فيها النكاح ولا يكون هذا نكاحا عندنا ولا عند من أجاز نكاح المتعة هذا أفسد من نكاح المتعة.
ما يجب به عقد النكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا خطب الرجل على نفسه فقال زوجتى فلانه أو وكيل الرجل على من وكله فقال ذلك أو أبو الصبى المولى عليه المرأة إلى وليها بعدما أذنت في إنكاح الخاطب أو المخطوب عليه فقال الولى قد زوجتك فلانة التى سمى فقد لزم النكاح ولا احتياج إلى أن يقول الزوج أو من ولى عقد نكاحه بوكالته قد قبلت إذا بدأ فخطب فأجيب بالنكاح.
قال ولو احتجت إلى هذا لم أجز نكاحا أبدا إلا بأن يولى الرجل وتولى المرأة رجلا واحدا فيزوجهما، ذلك أنى إذا احتجت إلى أن يقول الخاطب وقد بدأ بالخطبة إذا زوج قد قبلت لانى لا أدرى ما بدا للخاطب احتجت إلى أن يقول(5/24)
ولى المرأة قد أجزت لانى لا أدرى ما بداله إن كان إذا زوج لم يثبت النكاح إلا بإحداث المنكح قبولا للنكاح ثم احتجت إلى أن أرد القول على الزوج ثم هكذا على ولى المرأة فلا يجوز بهذا المعنى نكاح أبدا، ولا يجوز إلا بما وصفت من أن يلى عليهما واحد بوكالتهما.
ولكن لو بدأ ولى المرأة فقال لرجل قد زوجتك ابنتى لم يكن نكاحا حتى يقول الرجل قد قبلت لان هذا ابتداء كلام ليس جواب مخاطبة وإن خطب الرجل المرأة فلم يجبه الاب حتى يقول الخاطب قد رجعت في الخطبة فزوجه الاب بعد رجوعه كان النكاح مفسوخا لانه زوج غير خاطب إلا أن يقول بعد تزويج الاب قد قبلت، ولو خطب رجل إلى رجل فلم يجبه الرجل حتى غلب على عقله ثم زوجه لم يكن هذا نكاحا لانه عقده من قد بطل كلامه ومن لا يجوز أن يكون وليا وهكذا لو كان الخاطب المغلوب على عقله بعد أن يخطب وقبل
أن يزوج ولكن لو عقد عليه ثم غلب على عقله كان النكاح جائزا إذا عقد ومعه عقله ولو كان هذا في امرأة أذنت في ان تنكح فلم تنكح حتى غلبت على عقلها ثم أنكحت بعد الغلبة على عقلها كان النكاح مفسوخا لانه لم يلزمه شئ من النكاح حتى غلب على عقلها فبطل إذنها وهذا كما قلنا في المسألة قبلها، قال ولو زوجت قبل أن تغلب على عقلها ثم غلبت بعد التزويج على عقلها لزمها النكاح، ولو قال الرجل لابي المرأة أتزوجني فلانة؟ فقال قد زوجتكها لم يثبت النكاح حتى يقبل المزوج لان هذا ليس خطبة وهذا استفهام، وإذا خطبها على نفسه ولم يسم صداقا فزوجه فالنكاح ثابت، ولها مهر مثلها.
ولو سمى صداقا فزوجه بإذنها كان الصداق له ولها لازما.
ما يحرم من النساء بالقرابة أخبرنا الربيع بن سليمان قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبنا تكم وأخواتكم) الآية (قال الشافعي) والامهات أم الرجل الوالدة وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لانهن يلزمهن اسم الامهات والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناتهن وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات كما لزم الجدات اسم الامهات وإن علون وتباعدن منه وكذلك ولد الولد وإن سفلوا والاخوات من ولد أبيه لصلبه أو أمه نفسها وعماته من ولد جده الادنى أو الاقصى ومن فوقهما من أجداده وخالاته من ولدته أم أمه وأمها ومن فوقهما من جداته من قبلها وبنات الاخ كل ما ولد الاخ لابيه أو لامه أولهما من ولد ولدته والدته فكلهم بنو أخيه ولا إن تسفلوا وهكذا بنات الاخت (قال الشافعي) وحرم الله تعالى الاخت من الرضاعة فاحتمل تحريمها معنيين أحدهما إذ ذكر الله تحريم الام والاخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الام والاخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن والآخر أن يحرم من الرضاع الام والاخت ولا يحرم سواهما (قال الشافعي) فإن قال قائل فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب؟ قيل له إن شاء الله تعالى: أخبرنا مالك بن أنس بن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) أخبرنا مالك
عن عبد الله بن أبى بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها(5/25)
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة) فقلت يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة أيدخل على؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة) أخبرنا ابن عيينة قال سمعت ابن جدعان قال سمعت ابن المسيب يحدث عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال يا رسول الله هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش فقال (أما علمت أن حمزة أخى من الرضاعة وأن الله تعالى حرم من الرضاعة ما حرم من النسب؟) أخبر الراوردى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة؟ مثل حديث سفيان في بنت حمزة (قال الشافعي) وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم كما يحرم ولادة الاب يحرم لبن الاب لا اختلاف في ذلك أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الاخرى جارية فقيل له هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال لا، اللقاح واحد أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل أيحرم؟ فقال نعم فقلت له أبلغك من ثبت؟ فقال نعم قال ابن جريج قال عطاء وأخواتكم من الرضاعة فهى اختك من أبيك، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عمر وبن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يحرم، وقال ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال لبن الفحل يحرم (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها قبل أن يدخل بها لم أرله أن ينكح أمها لان الام مبهمة التحريم في كتاب الله عزوجل ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب (قال الشافعي) وهذا قول الاكثر من المفتين وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد، قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت لا الام مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب (قال الشافعي)
وهكذا أمهاتها وان بعدن وجداتها لانهن من أمهات نسائه (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فكل بنت لها وإن سفلن حلال لقول الله عزوجل (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) فلو نكح امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ثم نكح ابنتها حرمت عليه أم امرأته وإن لم يدخل بامرأته لانها صارت من أمهات نسائه وقد كانت قبل من نسائه غير أنه لم يدخل بها ولو كان دخل بالام لم تحل له البنت ولا أحد ممن ولدته البنت أبدا لانهن ربائبه من امرأته التى دخل بها قال الله عزوجل (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) فأى امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه دخل بها الابن أو لم يدخل وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه لان الابوة تجمعهم معا وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجال وإن سفلوا لان الابوة تجمعهم معا قال الله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) فأى امرأة نكحها رجل حرمت على ولده دخل بها الاب أو لم يدخل بها وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء وإن سفلوا لان الابوة تجمعهم (قال الشافعي) وكل امرأة أب أو ابن حرمتها على ابنه أو أبيه بنسب فكذلك أحرمها إذا كانت أمرأة أب أو ابن من الرضاع فإن قال قائل إنما قال الله تبارك وتعالى (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة؟ قيل بما وصفت من جمع الله بين الام والاخت من الرضاعة والام والاخت من النسب في(5/26)
التحريم ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فإن قال فهل تعلم فيم أنزلت (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم؟) قيل الله تعالى أعلم فيم أنزلها فأما معنى ما سمعت متفرقا فجمعته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش فكانت عند زيد بن حارثة فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى ذكره أن يدعى الادعياء لآبائهم (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) وقال (وما جعل ادعياء كم أبناءكم) إلى قوله (ومواليكم) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكاها لكيلا يكون على المؤمنين حرج) الآية (قال الشافعي) فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون قوله (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) دون ادعيائكم
الذين تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شئ وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) (قال الشافعي) في قول الله عززجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) وفي قوله (وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف) كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه وكان الرجل يجمع بين الاختين فنهى الله عزوجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الاسلام كما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الاسلام بحال (قال الشافعي) وما حرمنا على الآباء من نساء الابناء وعلى الابناء من نساء الآباء وعلى الرجل من أمهات نسائه وبنات نسائه اللاتى دخل بهن بالنكاح فأصيب فأما بالزنا فلا حكم للزنا يحرم حلالا فلو زنى رجل بامرأة لم تحرم عليه ولا على ابنه ولا على أبيه وكذلك لو زنا بام امرأته أو بنت امرأته لم تحرم عليه امرأته وكذلك لو كانت تحته امرأة فزنا باختها لم يجتنب امرأته ولم يكن جامعا بين الاختين وإن كانت الاصابة بنكاح فاسد احتمل ان يحرم من قبل أنه يثبت فيه النسب ويؤخذ فيه المهر ويدرأ فيه الحد وتكون فيه العدة وهذا حكم الحلال وأحب إلى أن يحرم به من غير أن يكون واضحا فلو نكح رجل امرأة نكاحا فاسدا فأصابها لم يحل له عندي أن ينكح أمها ولا ابنتها ولا ينكحها أبوه ولا ابنه وإن لم يصب الناكح نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صداق ولا يلحق فيه طلاق ولا شئ مما بين الزوجين (قال الشافعي) وقد قال غيرنا لا يحرم النكاح الفاسد وإن كان فيه الاصابة كما لا يحرم الزنا لانها ليست من الازواج ألا ترى أن الطلاق لا يلحقها ولا ما بين الزوجين، وقد قال غيرنا وغيره: كل ما حرمه الحلال فالحرام أشد له تحريما (قال الشافعي) وقد وصفنا في كتاب الاختلاف، ذكر هذا وغيره.
وجماعة أن الله عزوجل إنما أثبت الحرمة للنسب والصهر وجعل ذلك نعمة من نعمه على خلقه فمن حرم من النساء على الرجال فيحرمه الرجال عليهن ولهن على الرجال من الصهر كحرمة النسب وذلك أنه رضى النكاح وأمر به وندب إليه فلا يجوز أن تكون الحرمة التى أنعم الله تعالى بها على أن من أبى شيئا دعاه الله تعالى إليه كالزاني العاصى لله الذى
حده الله وأوجب له النار إلا أن يعفو عنه وذلك أن التحريم بالنكاح إنما هو نعمة لا نقمة فالنعمة التى تثبت بالحلال لا تثبت بالحرام الذى جعل الله فيه النقمة عاجلا وآجلا وهكذا لو زنى رجل بأخت امرأته لم يكن هذا جمعا بينهما ولم يحرم عليه أن ينكح أختها التى زنى بها مكانها (قال الشافعي) وإذا حرم من الرضاع ما حرم من النسب لم يحل له أن ينكح من بنات الام التى أرضعته وإن سفلن وبنات(5/27)
بنيها (1) وبناتها وكل من ولدته من قبل ولد ذكر أو أنثى امرأة وكذلك أمهاتها وكل من ولدها لانهن بمنزلة أمهاته وأخواته وكذلك أخواتها لانهن خالاته وكذلك عماتها وخالاتها لانهن عمات أمه وخالات أمه وكذلك ولد الرجل الذى أرضعته لبنه وأمهاته وأخواته وخالاته وعماته وكذلك من أرضعته بلبن الرجل الذى أرضعته من الام التى أرضعته أو غيرها وكذلك من أرضع بلبن ولد المرأة التى أرضعته من أبيه الذى أرضعه بلبنه أو زوج غيره (قال الشافعي) وإذا أرضعت المرأة مولودا فلا بأس أن يتزوج المرأة المرضع أبوه ويتزوج ابنتها وأمها لانها لم ترضعه هو وكذلك إن لم يتزوجها الاب فلا بأس أن يتزوجها أخو المرضع الذى لم ترضعه هو لانها ليس ابنها، وكذلك يتزوج ولدها ولا بأس أن يتزوج الغلام المرضع ابنة عمه وابنة خاله من الرضاع كما لا يكون بذلك بأس من النسب ولا يجمع الرجل بين الاختين من الرضاعة بنكاح ولا وطئ ملك وكذلك المرأة وعمتها من الرضاعة يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وذوات المحرم من الرضاعة مما يحرم من نكاحهن ويسافر بهن كذوات المحرم من النسب وسواء رضاعة الحرة والامة والذمية كلهن أمهات وكلهن يحرمن كما تحرم الحرة لا فرق بينهن وسواء وطئت الامة بملك أو نكاح كل ذلك يحرم ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها من الرضاع والنسب (قال الشافعي) ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمة من شاة أو بقرة أو ناقة لم يكن هذا رضاعا إنما هذا كالطعام والشراب ولا يكون محرما بين من شبه إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم وقال الله تعالى (وأمهاتكم اللآتى أرضعتكم من الرضاعة) وقال في الرضاعة (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وقال عز ذكره (والوالدات يرضعن أولا دهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (قال الشافعي) فأخبر الله عزوجل أن كمال الرضاع حولان وجعل على الرجل يرضع له ابنه أجر
المرضع والاجر على الرضاع لا يكون إلا على ماله مدة معلومة (قال الشافعي) والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر منها إلى كمال رضاع الحولين ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين (قال الشافعي) فلما كان هكذا وجب على أهل العلم طلب الدلالة هل يحرم الرضاع بأقل ما يقع عليه اسم الرضاع أو معنى من الرضاع دون غيره؟ (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان فيما أنزل الله تعالى في القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها كانت تقول نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صيرن إلى خمس يحرمن فكان لا يدخل على عائشة إلا من استكمل خمس رضعات.
أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج أظنه عن أبى هريرة قال (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحرم المصة والمصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبى حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات تحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا.
أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضع فلم ترضعه غير ثلاث رضعا فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أنى لم يتم لى عشر رضعات (قال الشافعي) أمرت به
__________
(1) قوله: وبناتها وكل من ولدته إلى قوله " امرأة " كذا في النسخ، وحرر.
كتبه مصححه(5/28)
عائشة أن يرضع عشر لانها أكثر الرضاع ولم يتم له خمس فلم يدخل عليها ولعل سالما أن يكون ذهب عليه قول عائشة في العشر الرضعات فنسخن بخمس معلومات فحدث عنها بما علم من أنه أرضع ثلاثا فلم يكن يدخل عليها وعلم أن ما أمرت أن يرضع عشرا فرأى أنه إنما يحل الدخول عليها عشر وإنما أخذنا بخمس رضعات عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية عائشة أنهن يحرمن وأنهن من القرآن (قال الشافعي) ولا يحرم من الرضاع الا خمس رضعات متفرقات، وذلك ان يرضع المولود ثم يقطع
الرضاع ثم يرضع ثم يقطع الرضاع فإذا رضع في واحدة منهن ما يعلم أنه قد وصل إلى جوفه ما قل منه وكثر فهى رضعة، وإذا قطع الرضاع ثم عاد لمثلها أو أكثر فهى رضعة (قال الشافعي) وإن التقم المرضع الثدى ثم لها بشئ قليلا ثم عاد كانت رضعة واحدة ولا يكون القطع إلا ما انفصل انفصالا بينا كما يكون الحالف لا يأكل بالنهار إلا مرة فيكون يأكل ويتنفس بعد الازدراد إلى أن يأكل فيكون ذلك مرة وإن طال (قال الشافعي) ولو قطع ذلك قطعا بينا بعد قليل أو كثير من الطعام ثم أكل كان حانثا وكان هذا أكلتين (قال الشافعي) ولو أخذ ثديها الواحد فأنفد ما فيه ثم تحول إلى الآخر مكانه فأنفد ما فيه كانت هذه رضعة واحدة لان الرضاع قد يكون بقية النفس والارسال والعودة كما يكون الطعام والشراب بقية النفس وهو طعام واحد ولا ينظر في هذا إلى قليل رضاعه ولا كثيره إذا وصل إلى جوفه منه شئ فهو رضعة وما لم يتم خمسا لم يحرم بهن (قال الشافعي) والوجور كالرضاع وكذلك السعوط لان الرأس جوف (قال الشافعي) فإن قال قائل: فلم لم تحرم برضعة واحدة وقد قال بعض من مضى أنها تحرم؟ قيل بما حكينا أن عائشة تحكى أن الكتاب يحرم عشر رضعات ثم نسخن بخمس وبما حكينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان)) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن فدل ما حكت عائشة في الكتاب وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرضاع لا يحرم به على أقل اسم الرضاع ولم يكن في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وقد قال بعض من مضى بما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة والكفاية فيما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة فإن قال قائل فما يشبه هذا؟ قيل قول الله عزوجل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فسن النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار وفي السرقة من الحرز وقال تعالى (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فرجم النبي صلى الله عليه وسلم الزانيين الثيبين ولم يجلد هما فاستدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المراد بالقطع من السارقين والمائة من الزناة بعض الزناة دون بعض وبعض السارقين دون بعض لا من لزمه اسم سرقة وزنا فهكذا استدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض لا من لزمه اسم رضاع.
رضاعة الكبير (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد كان شهد بدرا وكان قد تبنى سالما الذى يقال له سالم مولى أبى حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه(5/29)
وسلم زيد بن حارثة فأنكح أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهى يومئذ من المهاجرات الاول وهى يومئذ من أفضل أيامى قريش فلما أنزل الله عز وجل في زيد بن حارثة ما أنزل فقال (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) رد كل واحد من أولئك من تبنى إلى أبيه.
فإن لم يعلم أباه رده إلى المولى فجاءت سهلة بنت سهيل وهى امرأة أبى حذيفة وهى من بنى عامر بن لؤى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل على وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا (أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها) ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت عائشة بذلك فيمن كانت تجب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال والنساء وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذى أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير (قال الشافعي) وهذا والله تعالى أعلم في سالم مولى أبى حذيفة خاصة (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت (قال الشافعي) فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبى حذيفة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أبى حذيفة أن ترضعه خمس رضعات يحرم بهن، وقالت ام سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون الا مخرجا من حكم العام وإذا كان مخرجا من حكم
العام فالخاص غير العام ولايجوز في العام الا ان يكون رضاع الكبير لا يحرم ولابد إذا اختلف الرضاع في الصغير والكبير من طلب الدلالة على الوقت الذي إذا صار إليه المرضع فارضع لم يحرم (قال) والدلالة على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب الله عزوجل.
قال الله تعالى (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة) فجعل الله عزوجل تمام الرضاع حولين كاملين.
وقال (فان اراد فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) يعنى والله تعالى اعلم.
قبل الحولين فدل على ان إرخاصه عزوجل في فصال الحولين على ان ذلك انما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين وذلك لا يكون والله تعالى اعلم.
الا بالنظر للمولود من والديه ان يكونا يريان ان فصاله قبل الحولين خير له من اتمام الرضاع له لعلة تكون به أو بمرضعته وانه لا يقبل رضاع غيرها أو ما أشبه هذا.
وما جعل الله تعالى له غاية بالحكم بعد مضى الغاية فيه غيره قبل مضيها.
فان قال قائل وما ذلك؟ قيل قال الله تعالى (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة) الاية فكان لهم ان يقصروا مسافرين وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة دليل على ان حكمهم في غير ذلك الصفة غير القصر.
وقال تعالى (والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء) فكن إذا مضت الثلاثة الاقراء فحكمهن بعد مضيها غير حكمهن فيها (قال الشافعي) فان قال قائل: فقد قال عروة قال غير عائشة من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ما نرى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم الا رخصة في سالم.
قيل: فقول عروة عن جماعة ازواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة لا يخالف قول زينب عن امها ان ذلك رخصة مع قول ام سلمة في الحديث هو خاصة وزيادة قول غيرها ما نراه الا رخصة مع ما وصفت من دلالة القرآن وانى قد حفظت عن عدة ممن لقيت من اهل العلم ان رضاع سالم خاص.
فان قال(5/30)
قائل: فهل في هذا خبر عن احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما قلت في رضاع الكبير؟ قيل نعم: اخبرنا مالك عن انس عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر وانا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب فقال كانت لى وليدة فكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله ارضعتها.
فقال عمر
بن الخطاب اوجعها وائت جاريتك فانما الرضاع رضاع الصغير.
اخبرنا مالك بن نافع عن ابن عمر انه كان يقول لارضاع الا لمن ارضع في الصغر اخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ان ابا موسى قال رضاعة الكبير ما اراها الا تحرم فقال ابن مسعود انظر ما يفتى به الرجل فقال أبو موسى فما تقول انت؟ فقال لا رضاعة الا ما كان في الحولين فقال أبو موسى لا تسألوني عن شئ ما كان هذا الخبر بين اظهركم (قال الشافعي) فجماع فرق ما بين الصغير والكبير ان يكون الرضاع في الحولين فإذا ارضع المولود في الحولين خمس رضعات كما وصفت فقد كمل رضاعه الذي يحرم (قال الشافعي) وسواء ارضع المولود اقل من حولين ثم قطع رضاعه ثم ارضع قبل الحولين أو كان رضاعه متتابعا حتى ارضعته امرأة اخرى في الحولين الحولين خمس رضعات ولو توبع رضاعه فلم يفصل ثلاثة احوال أو حولين أو ستة اشهر أو اقل أو اكثر فارضع بعد الحولين لم يحرم الرضاع شيئا وكان بمنزلة الطعام والشراب، ولو ارضع في الحولين اربع رضعات وبعد الحولين الخامسة واكثر لم يحرم ولا يحرم من الرضاع الا ما تم خمس رضعات في الحولين، وسواء فيما يحرم الرضاع والوجور، وان خلط للمولود لبن في طعام فيطعمه كان اللبن الاغلب أو الطعام إذا وصل اللبن إلى جوفه وسواء شيب له اللبن بماء كثير أو قليل إذا وصل إلى جوفه فهو كله كالرضاع ولو جبن له اللبن فاطعم جبنا كان كالرضاع، وكذلك لو استسعطه لان الرأس جوف ولو حقنه كان في الحقنة قولان: احدهما انه جوف وذلك انها تفطر الصائم لو احتقن، والاخر ان ما وصل إلى الدماغ كما وصل إلى المعدة لانه يغتذى من المعدة وليست كذلك الحقنة (قال الشافعي) ولو ان صبيا اطعم لبن امرأة في طعام مرة واوجره اخرى واسعطه اخرى، وارضع اخرى، ثم اوجره واطعم حتى يتم له خمس مرات كان هذا الرضاع الذي يحرم كل واحد من هذا يقوم مقام صاحبه وسواء لو كان من صنف هذا خمس مرار أو كان من اصناف شتى، وإذا لم تتم له الخامسة الا بعد استكمال سنتين لم يحرم، وان تمت له الخامسة حين يرضع الخامسة فيصل اللبن إلى جوفه أو ما وصفت انه يقوم مقام الرضاع مع مضى سنتين قبل كمالها فقد حرم وان كان ذلك قبل كمالها بطرفة عين أو مع كمالها إذا لم يتقدم كمالها.
في لبن المرأة والرجل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: واللبن إذا كان من حمل ولا أحسبه يكون الا من حمل فاللبن للرجل والمرأة كما يكون الولد للرجل والمرأة فأنظر إلى المرأة ذات اللبن، فان كان لبنها نزل بولد من رجل نسب ذلك الولد إلى والد لان حمله من الرجل فان رضع به مولود فالمولود أو المرضع بذلك اللبن ابن الرجل الذي الابن ابنه من النسب كما يثبت للمرأة وكما يثبت الولد منه ومنها، وان كان اللبن الذي ارضعت به المولود لبن ولد لا يثبت نسبه من الرجل الذي الحمل منه فاسقط اللبن فلا يكون المرضع(5/31)
ابن الذي الحمل منه إذا سقط النسب الذي هو اكبر منه سقط اللبن الذي اقيم مقام النسب في التحريم فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وبحكاية عائشة تحريمه في القرآن (قال الشافعي) فان ولدت امرأة حملت من الزنا اعترف الذي زنا بها أو لم يعترف فارضعت مولودا فهو ابنها ولايكون ابن الذي زنى بها واكره له في الورع ان ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما اكرهه للمولود من زنا وان نكح من بناته احدا لم افسخه لانه ليس بابنه في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قال قائل: فهل من حجة فيما وصفت؟ قيل نعم: قصى النبي صلى الله عليه وسلم بابن امة زمعة لزمعة وامر سودة ان تحتجب منه لما رأى منه من شبهه بعتبة فلم يرها وقد قضى انه اخوها حتى لقيت الله عزوجل لان ترك رويتها مباح وان كان اخا لها وكذلك ترك رؤية المولود من نكاح اخته مباح وانما منعنى من فسخه انه ليس بابنه إذا كان من زنا (قال الشافعي) ولو ان بكرا لم تمسس بنكاح ولا غيره أو ثيبا ولم يعلم لواحدة منهما حمل نزل لهما لبن فحلب فخرج لبن فارضعتا به مولودا خمس رضعات كان ابن كل واحدة منهما ولا اب له وكان في غير معنى ولد الزنا وان كانت له ام ولا اب له لان لبنه الذي ارضع به لم ينزل من جماع (قال الشافعي) ولو ان امرأة ارضعت ولا يعرف لها زوج ثم جاء رجل فادعى انه كان نكحها صحيحا واقر بولدها واقرت له بالنكاح فهو ابنها كما يكون الولد (قال الشافعي) ولو ان امرأة نكحت نكاحا فاسدا فولدت من ذلك النكاح ولدا وكان النكاح بغير ولى أو بغير شهود عدول أو أي نكاح فاسد ما كان ما خلا ان تنكح في عدتها من زوج يلحق به النسب أو حملت فنزل لها لبن فارضعت به مولودا كان ابن الرجل الناكح نكاحا فاسدا والمرأة المرضع
كما يكون الحمل ابن الناكح نكاحا صحيحا (قال الشافعي) ولو ان امرأة نكحت في عدتها من وفاة زوج صحيح أو فاسد أو طلاقه رجلا ودخل بها في عدتها فأصابها فجاءت بحمل فنزل لها لبن أو ولدت فارضعت بذلك اللبن مولودا كان ابنها وكان اشبه عندي والله تعالى اعلم ان يكون موقوفا في الرجلين معا حتى يرى ابنها القافة فأى الرجلين الحقته القافة لحق الولد وكان المرضع ابن الذي يلحق به الولد وسقطت عنه ابوه الذي سقط عنه نسب الولد (قال الشافعي) ولو كان حمل المرأة سقطا لم يبن خلقه أو ولدت ولدا فمات قبل ان يراه القافة فارضعت مولودا لم يكن المولود المرضع ابن واحد منهما دون الاخر في الحكم كما لا يكون المولود ابن واحد منهما دون الاخر في الحكم، والورع ان لا ينكح ابنة واحد منهما وان لا يرى واحد منهما بناته حسرا ولا المرضعة ان كانت جارية ولايكون مع هذا محرما لهن يخلو أو يسافر بهن ولو كان المولود عاش حتى تراه القافة فقالوا هو ابنهما معا فامر المولود موقوف فينتسب إلى ايهما شاء فإذا انتسب إلى احدهما انقطع عنه ابوه الذي ترك الانتساب إليه، ولايكون له ان يترك الانتساب إلى احدهما دون الاخر يجبر ان ينتسب إلى احدهما، وان مات قبل ان ينتسب أو بلغ معتوها لم يلحق بواحد منهما حتى يموت وله ولد فيقوم ولده مقامه في ان ينتسبوا إلى احدهما اولا يكون له ولد فيكون ميراثه موقوفا (قال الشافعي) وهذا موضع فيه قولان: احدهما ان المرضع مخالف للابن لانه يثبت للابن على الاب وللاب على الابن حقوق الميراث والعقل والولاية للدم ونكاح البنات وغير ذلك من احكام البنين ولا يثبت للمرضع على ابنه الذي ارضعه ولا لابنه الذي ارضعه عليه من ذلك شئ، ولعل العلة في الامتناع من ان يكون ابنهما معا لهذا السبب، فمن ذهب هذا المذهب جعل المرضع ابنهما معا ولم يجعل له الخيار في ان يكون ابن احدهما دون الاخر وقال ذلك في المسائل قبله التي في معناها.
والقول الثاني: ان يكون الخيار للولد فايهما اختار الولد ان يكون اباه فهو ابوه وابو(5/32)
المرضع ولايكون للمرضع ان يختار غير الذي اختار المولود لان الرضاع تبع للنسب فان مات المولود ولم يختر كان للمرضع ان يختار احدهما فيكون اباه وينقطع عنه ابوة الاخر والورع ان لا ينكح بنات الاخر ولايكون لهن محرما يراهن بانقطاع ابوته عنه (قال الشافعي) وإذا ارضعت المرأة رجلا بلبن ولد فانتفى
ابو المولود منه فلاعنها فنفى عنه نسبه لم يكن ابا للمرضع فان رجع الاب ينسبه إليه ضرب الحد ولحق به الولد ورجع إليه ان يكون ابا المرضع من الرضاعة (قال الشافعي) ولو ان امرأة طلقها زوجها وقد دخل بها أو مات عنها وهي ترضع وكانت تحيض في رضاعها ذلك ثلاث حيض ولبنها دائم ارضعت مولودا فالمولود ابنها وابن الزوج الذي طلق أو مات واللبن منه لانه لم يحدث لها زوج غيره (قال الشافعي) ولو تزوجت زوجا بعد انقطاع لبنها أو قبله ثم انقطع لبنها واصابها الزوج فثاب لبنها ولم يظهر بها حمل فاللبن من الزوج الاول ومن ارضعت فهو ابنها وابن الزوج الاول ولايكون ابن الاخر (قال الشافعي) ولو احبلها الزوج الاخر بعد انقطاع لبنها من الزوج الاول فثاب لبنها سئل النساء عن الوقت الذي يثوب فيه اللبن ويبين الحمل فان قلن الحمل لو كان من امرأة بكر أو ثيب ولم تلد قط أو امرأة قد ولدت لم يأت لها لبن في هذا الوقت انما يأتي لبنها في الثامن من شهورها أو التاسع فاللبن للاول فان دام فهو ابن للاول ما بينه وبين ان يبلغ الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الاخر (قال الشافعي) وإذا ثاب لها اللبن في الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الاخر كان اللبن من الاول بكل حال لانى على علم من لبن الاول وفي شك من ان يكون خلطه لبن الاخر فلا احرم بالشك شيئا واحب له ان يتوقى في بنات الزوج الاخر في هذا الوقت (قال الشافعي) ولو شك رجل ان تكون مرأة ارضعته خمس رضعات قلت: الورع ان يكف عن رؤيتها حاسرا ولايكون محرما لها بالشك، ولو نكحها أو احدا من بناتها لم افسخ النكاح لانى على غير يقين من انها ام (قال الشافعي) ولو كان لبنها انقطع فلم يثب حتى كان هذا الحمل الاخر في وقت يمكن ان يثوب فيه اللبن من الاخر ففيها قولان.
احدهما ان اللبن بكل حال من الاول وان ثاب بتحريك نطفة الاخر فهو كما يثوب بان ترحم المولود فتدر عليه وتشرب الدواء أو تأكل الطعام الذي يزيد في اللبن قتدر عليه.
والقول الثاني انه إذا انقطع انقطاعا بينا ثم تاب فهو من الاخر وان كان لا يثوب بحال من الاخر لبن ترضع به حتى تلد امه فهو من الاول في جميع هذه الاقاويل وان كان يثوب شئ ترضع به وان قل فهو منهما معا فمن لم يفرق بين اللبن والولد قال هو للاول ابدا لانه لم يحدث ولدا ولم يكن ابن لاخر إذا كان ابن الاول من الرضاعة ومن فرق بينهما قال هو منهما معا (قال الشافعي) وان طلقت امرأة فلم ينقطع لبنها وكانت تحيض وهي ترضع
فحاضت ثلاث حيض ونكحت زوجا فدخل بها فأصابها فحملت فلم ينقطع اللبن حتى ولدت فالولاد قطع اللبن الاول ومن ارضعته فهو ابنها وابن الزوج الاخر لا يحل له احد ولدته ولا ولده الزوج الاخر لانه ابوه ويحل له ولد الاول من غير المرأة التي ارضعته لانه ليس بابيه (قال الشافعي) ولو ارضعت امرأة صبيا اربع رضعات ثم حلب منها لبن ثم ماتت فأوجره الصبى بعد موتها كان ابنها كما يكون ابنها لو ارضعته خمسا في الحياة (قال الشافعي) ولو رضعها الخامسة بعد موتها أو حلب له منها لبن بعد موتها فأوجره لم يحرم لانه لا يكون للميت فعل له حكم بحال ولو كانت نائمة فحلبت فأوجره صبى حرم لان لبن الحية يحل ولا يحل لبن الميتة وإن الحية النائمة يكون لها جناية بأن تنقلب على إنسان أو تسقط عليه فتقتله فيكون فيه العقل ولو تعقل إنسان بميتة أو سقطت عليه فقتلته لم يكن له عقل لانها لا جناية لها (قال الشافعي) ولو كانت لم تكمل خمس رضعات فحلب لها لبن كثير فقطع ذلك اللبن(5/33)
فأوجره صبى مرتين أو ثلاثا حتى يتم خمس رضعات لم يحرم لانه لبن واحد ولا يكون إلا رضعة واحدة وليس كاللبن يحدث في الثدى كلما خرج منه شئ حدث غيره فيفرق فيه الرضاع حتى يكون خمسا (قال الربيع) وفي قول آخر أنه إذا حلب منها لبن فأرضع به الصبى مرة بعد مرة فكل مرة تحسب رضعة إذا كان بين كل رضعتين قطع بين فهو مثل الغذاء إذا تغذى به ثم قطع الغذاء القطع البين ثم عاد له كان أكلتين وإن كان الطعام واحدا، وكذلك إذا قطع عن الصبى الرضاع القطع البين وإن كان اللبن واحدا (قال الشافعي) ولو تزوج رجل صبية ثم أرضعتها أمه التي ولدته أو أمه من الرضاعة أو ابنته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه من نسب أو رضاع بلبن ابنه حرمت عليه الصبية أبدا وكان لها عليه نصف المهر ورجع على التى أرضعتها بنصف صداق مثلها تعمدت إفساد النكاح أو لم تتعمده لان كل من أفسد شيئا ضمن قيمة ما أفسد تعمد الفساد أو لم يتعمده وقيمته نصف صداق مثلها لان ذلك قيمة ما أفسدت منها مما يلزم زوجها كان أكثر من نصف ما أصدقها أو أقل إن كان أصدقها شيئا أو لم يسم لها صداقا لان ذلك أقل ما كان وجب لها عليه بكل حال إذا لم يكن هو طلقها قبل ان يسمى لها شيئا (قال الشافعي) وانما منعني ان الزمه مهرها كله ان الفرقة إذا وقعت بإرضاعها ففساد نكاحها غير
جناية إلا بمعنى إفساد النكاح وإفساد النكاح كان بالرضاع الذى كان قبل نكاحه جائزا لها وبعد نكاحه إلا بمعنى أن يكون فسادا عليه فلما كان فسادا عليه ألزمتها ما كان لازما للزوج في أصل النكاح وذلك نصف مهر مثلها وإنما منعنى أن ألزمها نصف المهر الذى لزمه بتسميته أنه شئ حابى به في ماله وإنما يغرم له إذا أفسد عليه ثمن ما استهلك عليه مما لزمه ولا أزيد عليها في ذلك شيئا على ما لزمه كما لو اشترى سلعة بمائة استهلكها وقيمتها خمسون لم يغرم مائة.
وإنما منعنى أن أغرمها الاقل من نصف مهر مثلها أو ما سمى لها أن أباها لو حاباه في صداقها كان عليه نصف مهر مثلها فلم أغرمها إلا ما يلزمه أو أقل منه إن كان قيمة نصف مهر مثلها أقل مما أصدقها وإنما منعنى من أن أسقط عنها العزم وإن كان لم يفرض لها صداقا أنه كان حقا لها عليه مثل نصف مهر مثلها إن طلقها ولانى لا أجيز لابيها المحاباة في صداقها فإنما أغرمتها ما لزمه بكل حال وأبطلت عنها محاباته كهبته وإنما يكون للمرأة المتعة إذا طلقت ولم يسم لها إذا كانت تملك مالها كما يكون العفو لها فأما الصبية فلا تملك ما لها ولا يكون لابيها المحاباة في مالها (قال الشافعي) ولو تزوج امرأة فلم يصبها حتى تزوج عليها صبية ترضع فأرضعتها حرمت عليه المرأة الام بكل حال لانها من أمهات نسائه ولا نصف مهر ولا متعة لها لانها أفسدت نكاح نفسها ويفسد نكاح الصبية بلا طلاق لانها صارت في ملكه وأمها معها ولان التى أرضعتها لم تصر أمها وهذه ابنتها إلا في وقت فكانتا في هذا الموضع كمن ابتدأ نكاح امرأة وابنتها فلها نصف المهر بفساد النكاح فيرجع على امرأته التى أرضعتها بنصف مهر مثلها (قال الشافعي) ولو كان نكح صبيتين فأرضعتهما امرأته الرضعة الخامسة جميعا معا فسد نكاح الام كما وصفت ونكاح الصبيتين معا ولكل واحدة منهما نصف المهر الذى سمى لها ويرجع على امرأته بمثل نصف مهر كل واحدة منهما، فإن لم يكن سمى لهما مهرا كان لكل واحدة منهما نصف مهر مثلها وتحل له كل واحدة منهما على الانفراد لانهما ابنتا امرأة لم يدخل بها، ولو كانت له ثلاث زوجات صبايا فأرضعت اثنتين الرضعة الخامسة معا ثم أزالت الواحدة فأرضعت الثالثة لم تحرم الثالثة وحرمت الاثنتان اللتان أرضعتا الخامسة معا لان الثالثة لم ترضع إلا بعدما حرمت هاتان وحرمت الام عليه فكانت الثالثة غير أخت للمرأتين إلا بعد ما حرمتا عليه وغير مرضعة الرضعة الخامسة من الام إلا بعدما بانت الام منه ولو أرضعت إحداهن الرضعة الخامسة.
ثم(5/34)
أرضعت الاخريين الرضعة الخامسة حرمت عليه الام ساعة أرضعت الاولى الرضعة الخامسة لانها صارت من أمهات نسائه والمرضعتان الرضعة الخامسة معا اللام ولم تكن أما إلا والابنة معقود عليها نكاح الرجال في وقت واحد والاثنتان أختان فينفسخ نكاحهما معا وحرمت الاثنتان بعد حين صارتا أختين معا ويخطب كل واحدة منها على الانفراد وإن أرضعت الاخريين بعد متفرقين لم تحرما عليه معا لانها لم ترضع واحدة منهما إلا بعد ما بانت منه هي والاولى ولكن ثبتت عقدة التى أرضعتها بعدما بانت الاولى ويسقط نكاح التى أرضعت بعدها لانها أخت امرأته فكانت كامرأة نكحت على أختها (قال الربيع) وفيه قول آخر أنها إذا أرضعت الرابعة خمس رضعات فقد أكملت الثالثة والرابعة خمس رضعات وبهن حرمت الرابعة فكأنه جامع بين الاختين من الرضاعة فينفسخن معا ويتزوج من شاء منهن (قال الشافعي) ولو أرضعت واحدة خمس رضعات ثم أرضعت الاخريين خمسا معا حرمت عليه الام بكل حال وانفسخ عليه نكاح البنت الاولى مع الام وحرمت الاخريان لانهما صارتا أختين في وقت معا (قال الشافعي) ولو كن ثلاثا صغارا وواحدة لم يدخل بها وله بنات مراضع فأرضعت البنات الصغار واحدة بعد أخرى فسد نكاح الام ولم يحل بحال ولها نصف المهر ويرجع الزوج على التى أكملت أولا خمس رضعات لاى نسائه أكملت بنصف مهر مثلها ونصف مهر مثل أمها فإن كن أكملن إرضاعهن معا انفسخ نكاحهن معا ويرجع على كل واحدة منهن بنصف مهر التى أرضعت (قال الشافعي) ولو انت واحدة فأكملت رضاعها خمسا قبل تبين فسخ نكاح التى أكملت رضاعها أولا ولا ينفسخ نكاح التى أكملت رضاعها بعدها لانها لم ترضع حتى بانت أمها وأختها منه ثم يفسخ النكاح التى أكملت رضاعها بعدها، لانها صارت أخت امرأة له ثابتة النكاح فكانت كالاخت المنكوحة على أختها (قال الشافعي) وكذلك بناتها من الرضاعة وبنات بناتها كلهن يحرم من رضاعهن كما يحرم من رضاعها (قال الشافعي) ولو كان دخل بامرأته وكانت أرضعتهن أو أرضعهن ولدها كان لها المهر بالمسيس وحرمت عليه التي أرضعتها وأرضعها ولدها وسواء كانت أرضعت الاثنين معا أو أرضعتهن ثلاثتهن معا أو متفرقات يفسد نكاحهن على الابد لانهن بنات أمرأة فدخل بها وكذلك كل
من أرضعته تلك المرأة وولدها (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها ولم يدخل بامرأته فأرضعتهن أم امرأته أو جدتها أو اختها أو بنت أختها كان القول كالقول في بناتها إذا أرضعتهن هن ولم ترضع هي يفسد نكاحها ويكون لها نصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها ويرجع به على التى أكملت أولا من نسائه خمس رضعات لانها صيرتها أم امرأته فيفسد نكاح التى أرضعت أولا وامرأته الكبيرة معا ويرجع بنصف مهر مثل التى فسد نكاحها وإن أرضعن معا فسد نكاحهن كلهن ويرجع بأنصاف مهورهن ولا تخالف المسألة قبلها إلا في خصلة أن زوجاته الصغار لا يحرمن عليه في كل حال وله أن يبتدئ نكاح أيتهن شاء على الانفراد لان الذى حرمن به أو حرم منهن إنما كن أخوات امرأته من الرضاعة أو بنات أختها أو أختها فحرم أن يجمع بينهن ولا يحرمن على الانفراد (قال الشافعي) ولو كان دخل بها حرم نكاح من أرضعته أمهاتها بكل حال ولم يحرم نكاح من أرضعته أخواتها وبنات أختها بكل حال وكان له أن يتزوج الاتى أرضعته أخواتها إن شاء على الانفراد ويفسخ نكاح الاولى منهن وامرأته معا ولا يفسد نكاح اللاتى بعدها لانهن أرضعن بعدما بانت امرأته فلم يكن جامعا بينهن وبين عمة لهن ولا خالة إلا أن ترضع منهن امرأة واحدة أو اثنتين معا فيفسد نكاحهما بأنهما اختان (قال الشافعي) وإذا أرضعت أجنبية امرأته الصغيرة لم يفسد نكاح امرأته وحرمت الاجنبية عليه أبدا لانها من أمهات نسائه(5/35)
وحرم عليه أن يجمع بين أحد من بناتها بنسب أو رضاع وبين امرأته التى أرضعت (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل صبية ثم تزوج عليها عمتها وأصاب العمة فرقت بينهما ولها مهر مثلها فإن أرضعت أم العمة الصبية لم أفرق بينه وبين الصبية والعمة ذات محرم لها قبل النكاح وبعده وإنما يحرم أن يجمع بينهما فإما إحداهما بعد الاخرى فلا يحرم والله أعلم.
باب الشهادة والاقرار بالرضاع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لم أعلم أحدا ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفا في أن شهادة النساء تجوز فيما لا يحل للرحال غير ذوى المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة وقالوا ذلك في ولادة المرأة وعيبها الذى تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله لا يحل لغير ذى مخرم أو زوج أن يعمد أن ينظر إلى
ثديها ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثديها لانه لو رأى صبيا يرضع وثديها مغطى أمكن أن يكون يرضع من وطب عمل كخلقة الثدى وله طرف كطرف الثدى ثم أدخل في كمها فتجوز شهادة النساء في الرضاع كما تجوز شهادتهن في الولادة، ولو رأى ذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان جازت شهادتهم في ذلك ولا تجوز شهادة النساء في الموضع الذى ينفردن فيه إلا بأن يكن حرائر عدولا بوالغ ويكن أربعا لان الله عزوجل إذا أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل بعينه، قول أكثر من لقيت من أهل الفتيا أن شهادة الرجلين تامة في كل شئ ما عدا الزنا فامرأتان أبدا تقومان مقام رجل إذا جازتا (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال لا يجوز من النساء أقل من أربع (قال الشافعي) فإذا شهد أربع نسوة أن امرأة أرضعت أمرأة خمس رضعات وأرضعت زوجها خمسا أو أقر زوجها بأنها أرضعته خمسا فرق بين وبين امرأته، فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها فلا نصف مهر لها ولا متعة (قال الشافعي) وكذلك إن كان في النسوة أخوات المرأة وعماتها وخالاتها لانها لا يرد لها إلا شهادة ولد أو والد (قال الشافعي) وإن كانت المرأة تنكر الرضاع فكانت فيهن ابنتها وأمها جزن عليها أنكره الزوج أو ادعاه وإن كانت المرأة تنكر الرضاع والزوج ينكر أو لا ينكر فلا يجوز فيه أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها وسواء هذا قبل عقدة النكاح وبعد عقدته قبل الدخول وبعده لا يختلف لا يفرق فيه بين المرأة والزوج إلا بشهادة أربع ممن تجوز شهادته عليه ليس فيهن عدو للمشهود عليه أو غير عدل (قال الشافعي) ويجوز في ذلك شهادة التى أرضعت لانه ليس لها في ذلك ولا عليها شئ ترد به شهادتها وكذلك تجوز شهادة ولدها وأمهاتها ويوقفن حتى يشهدن أن قد أرضع المولود خمس رضعات تخلص كلهن إلى جوفه أو يخلص من كل واحدة منهن شئ إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذه لانه يستدرك في الشهادة فيه أبدا أكثر من رؤيتهن الرضاع وعلمهن وصوله بما يرين من ظاهر الرضاع (قال الشافعي) وإذا أرضع الصبى ثم قاء فهو كرضاعه واستمساكه (قال الشافعي) وإذا لم تكمل في الرضاع شهادة أربع نسوة أحببت له فراقها إن كان
__________
(1) قوله: وان كانت المرأة تنكر الرضاع الخ كذا في النسخ وهو عين الصورة التي قبلها، فلعل " لا " سقطت من الناسخ، تأمل.
كتبه مصححه.(5/36)
نكحها وترك نكاحها إن لم يكن نكحها للورع فإنه أن يدع ماله نكاحه خير من ينكح ما يحرم عليه (قال الشافعي) ولو نكحها لم أفرق بينهما إلا بما أقطع به الشهادة على الرضاع، فإن قال قائل فهل في هذا من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل: نعم أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبى مليكه أن عقبة بن الحرث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبى أهاب فقالت أمة سوداء قد أرضعتكما قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما (قال الشافعي) إعراضه عليه الصلاة والسلام يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه، وقوله وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ يشبه أن يكون كره له أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما.
الاقرار بالرضاع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر رجل أن امرأة أمه من الرضاعة أو ابنته من الرضاعة ولم ينكح واحدة منهما وقد ولدت المرأة يزعم أنها أمه أو كان لها لبن يعرف للمرضع مثله وكان لها سن يحتمل أن يرضع مثلها مثله لو ولد له وكانت له سن تحتمل أن ترضع امرأته أو أمته أو أمته التى ولدت منه مثل الذى أقر أنها ابنته لم تحلل له واحدة منهما أبدا في الحكم ولا من بناتهما، ولو قال مكانه غلطت أو وهمت لم يقبل منه لانه قد أقر أنهما ذواتا محرم منه قبل يلزمه لهما أو يلزمهما له شئ.
وكذلك لو كانت هي المقرة بذلك وهو يكذبها ثم قالت غلطت لانها أقرت به في حال لا يدفع بها عن نفسه ولا يجر إليها ولا تلزمه ولا نفسها بإقرارها شيئا (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها غير أن لم تلد التى أقر أنها أرضعته أو ولدت وهى أصغر مولودا منه فكان مثلها لا يرضع لمثله بحال أو كانت التي ذكر أنها ابنته من الرضاعة مثله في السن أو أكبر منه أو قريبا منه لا يحتمل مثله أن تكون ابنته من الرضاعة كان قوله وقولها في هذه الاحوال باطلا ولم يحرم عليه أن ينكح واحدة منهما ولا ولدا لهما إنما تقبل دعواه ويلزمه إقراره فيما يمكن مثله وسواء في ذلك كذبته المرأة أو صدقته أو كانت المدعية دونه: ألا ترى أنه لو قال لرجل أكبر منه هذا ابني وصدقه الرجل لم يكن ابنه أبدا.
وكذلك لو قال رجل هو أصغر منه هذا أبى
وصدقه الرجل ولا نسب لواحد منهما يعرف لم يكن أباه إنما أقبل من هذا ما يمكن مثله ولو كانت المسألة في دعواها بحالها فقال هذه أختى من الرضاعة أو قالت هذا أخى من الرضاعة قبل أن يتزوجها وكذبته أو صدقته أو كذبها في الدعوى أو صدقها كان سواء كله ولا يحل لواحد منهما أن ينكح الآخر ولا واحدا من ولده في الحكم ويحل فيما بينه وبين الله تعالى إن علما أنهما كاذبان أن يتناكحا أو ولدهما ولو أقر أنها أخته من الرضاعة من امرأة لم يسمها قبلت ذلك منه ولم أنظر إلى سنه وسنها لانه قد يكون أكبر منها وتعيش التى أرضعته حتى ترضعها بلبن ولد غير الولد الذى أرضعته به وكذلك إن كانت أكبر منه (قال الشافعي) وإن سمى امرأة أرضعته فقال أرضعتني وإياها فلانه فكان لا يمكن بحال أن ترضعه أولا يمكن بحال أن ترضعها لما وصفت من تفاوت السنين أو موت التى زعم أنها أرضعتهما قبل يولد أحدهما كان إقراره باطلا كالقول في المسائل قبل هذا إنما ألزمه إقراره وإقرارها فيما يمكن مثله ولا ألزمهما فيما لا يمكن مثله إذا كان إقرارهما لا يلزم واحدا منهما لصاحبه شيئا (قال الشافعي) ولو كان ملك عقدة نكاحها ولم يدخل بها حتى أقر أنها ابنته أو اخته أو أمه وذلك يمكن فيها وفيه سألتها فإن صدقته(5/37)
فرقت بينهما ولم أجعل لها مهرا ولا متعة وإن كذبته أو كانت صبية فأكذبه أو بها أو أقر بدعواه فسواء لانه ليس له أن يبطل حقها وفرق بينهما بكل حال وأجعل لها عليه نصف المهر الذى سمى لها لانه إنما أقر بأنها محرم منه بعدما لزمه لها المهر إن دخل ونصفه إن طلق قبل أن يدخل فأقبل إقراره فيما يفسده على نفسه وأرده فيما يطرح به حقها الذى يلزمه (قال الشافعي) وإن أراد إحلافها وكانت بالغة أحلفتها له ما هي أخته من الرضاعة فإن حلفت كان لها نصف المهر وإن نكلت حلف على أنها أخته من الرضاعة وسقط عنه نصف المهر وإن نكل لزمه نصف المهر (قال الشافعي) وإن كانت صبية أو معتوهة فلا يمين عليها وآخذه لها بنصف المهر الذى سمى لها فإذا كبرت الصبية أحلفتها له إن شاء (قال الشافعي) ولو كان لم يفرض لها وكانت صبية أو محجورا عليها كان لها نصف صداق مثلها لانه ليس لوليها أن يزوجها بغير صداق وإن كانت بالغة غير محجور عليها فزوجت برضاها بلا مهر فلا مهر لها ولها المتعة (قال الشافعي) ولو كانت هي المدعية لذلك أفتيته بأن يتقى الله عزوجل ويدع نكاحها بتطليقة يوقعها عليها لتحل بها
لغيره إن كانت كاذبة ولا يضره إن كانت صادقة ولا أجبره في الحكم على أن يطلقها لانه قد لزمها نكاحه فلا أصدقها على إفساده وأحلفه لها على دعواها ما هي أخته من الرضاعة فإن حلف أثبت النكاح وإن نكل أحلفتها فإن حلفت فسخت النكاح ولا شئ لها وإن لم تحلف فهى امرأته بحالها (قال الشافعي) وهذا إذا لم يقم واحد منهما أربع نسوة إ لا رجلين ولا رجلا وامرأتين على ما ادعى فإن أقاما على ذلك من تجوز شهادته فلا ايمان بينهما والنكاح مفسوخ إذا شهد النسوة على رضاع أو الرجال فإن شهد على إقرار الرجل أو المرأة بالرضاع أربع نسوة لم تجز شهادتين لان هذا مما يشهد عليه الرجال وإنما تجوز شهادة النساء منفردات فيما لا ينبغى للرجال أن يعمدوا النظر إليه لغير الشهادة (قال الشافعي) وإن كان هذا بعد إصابته إياها وكان هو المقر فإن كذبته فلها المهر الذى سمى لها وإن صدقته فلها مهر مثلها كان أكثر أو أقل من المهر الذى سمى لها وإن كانت هي المدعية أنها أخته لم تصدق إلا أن يصدقها فيكون لها مهر مثلها الرجل يرضع من ثديه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أحسبه ينزل للرجل لبن فإن نزل له لبن فأرضع به مولودة كرهت له نكاحها ولولده فإن نكحها لم أفسخه لان الله تعالى ذكر رضاع الوالدات والوالدات إناث والوالدون غير الوالدات وذكر الوالد بأن عليه مؤنة الرضاع فقال عزوجل (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (قال الشافعي) فلم يجز أن يكون حكم الاباء حكم الامهات ولا حكم الامهات حكم الآباء وقد فرق الله عزوجل بين أحكامهم.
رضاع الخنثى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما ذهب إليه في الخنثى أنه إذا كان الاغلب عليه أنه رجل نكح امرأة ولم ينزل فنكحه رجل فإذا نزل له لبن فأرضع به صبيا لم يكن رضاعا يحرم وهو مثل لبن الرجل لانى قد حكمت له أنه رجل وإذا كان الاغلب عليه أنه امرأة فنزل له لبن من نكاح وغيره(5/38)
نكاح فأرضع به صبيا حرم كما تحرم المرأة إذا أرضعت (قال الشافعي) فإذا كان مشكلا فله أن ينكح
بأيهما شاء فأيهما نكح به لم أجز له غيره ولم أجعله ينكح بالآخر.
باب التعريض بالخطبة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عزوجل (ولا جناح عليك فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) الاية (قال الشافعي) وبلوغ الكتاب أجله والله تعالى أعلم انقضاء العدة قال فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه بين أسباب الامور وعقد الامور وبين إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما أن ليس لاحد الجمع بينهما وأن لا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان عقد الامر صحيحا ولا بالنية في الامر ولا تفسد الامور إلا بفساد إن كان في عقدها لا بغيره ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة ولا أن يذكرها وينوى نكاحها بالخطبة لها والذكر لها والنية في نكاحها سبب النكاح وبهذا أجزنا الامور بعقدها إن كان جائزا ورددناها به إن كان مردودا ولم نستعمل أسباب الامور في الاحكام بحال فأجزنا أن ينكح الرجل المرأة لا ينوى حبسها إلا يوما ولا تنوى هي إلا هو وكذلك لو توطأ على ذلك إذا لم يكن في شرط النكاح وكذلك قلنا في الطلاق إذا قال هلا: اعتدى لم يكن طلاقا إلا بنية طلاق كان ذلك من قبل غضب أو بعده وإذ أذن الله عزوجل في التعريض بالخطبة في العدة فبين أنه خطر التصريح فيها وخالف بين حكم التعريض والتصريح وبذلك قلنا لا تجعل التعريض أبدا يقوم مقام التصريح في شئ من الحكم إلا أن يريد المعرض التصريح وجعلناه فيما يشبه الطلاق من النية وغيره فقلنا لا يكون طلاقا إلا بإرادته وقلنا لا نجد أحدا في تعريض إلا بإرادة التصريح بالقذف (قال الشافعي) قول الله تبارك وتعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) يعنى والله تعالى أعلم جماعا (إلا أن تقولوا قولا معروفا) قولا حسنا لا فحش فيه (قال الشافعي) وذلك أن يقول: رضيتك إن عندي لجماعا حسنا يرضى من جو معه فكان هذا وإن كان تعريضا منهيا عنه لقبحه وما عرض به مما سوى هذا مما يفهم المرأة به أنه يريد نكاحها فجائز له وكذلك التعريض بالاجابة له جائز لها لا يحظر عليها من التعريض شئ يباح له ولا عليه شئ يباح لها وإن صرح لها بالخطبة وصرحت له بالاجابة أو لم تصرح ولم يعقد النكاح في الحالين حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لهما معا مكروه ولا يفسد النكاح بالسبب
غير المباح من التصريح لان النكاح حادث بعد الخطبة ليس بالخطبة ألا ترى أن امرأة مستخفة لو قالت لا أنكح رجلا حتى أراه متجردا أو حتى أخبره بالفاحشة فأرضاه في الحالين فتجرد لها أو أتى منها محرما ثم نكحته بعد ما كان النكاح جائزا وما فعلاه قبله محرما لم يفسد النكاح بسبب المحرم لان النكاح حادث بعد سببه والنكاح غير سببه، وهذا مما وصفت من أن الاشياء إنما تحل وتحرم بعقدها لا بأسبابها، قال والتعريض الذى أباحح الله ما عدا التصريح من قول.
وذلك أن يقول رب متطلع إليك وراغب فيك وحريص عليك وإنك لبحيث تحبين وما عليك أيمة وإنى عليك لحريص وفيك راغب.
وما كان في هذا المعنى مما خالف التصريح والتصريح أن يقول تزوجيني إذا حللت أو أنا أتزوجك إذا حللت وما أشبه هذا مما جاوز به التعريض وكان بيانا أنه خطبة لا أنه يحتمل غير الخطبة.
قال والعدة(5/39)
التى أذن الله بالتعريض بالخطبة فيها العدة من وفاة الزوج وإذا كانت الوفاة فلا زوج يرجى نكاحه بحال.
ولا أحب أن يعرض الرجل للمرأة في العدة من الطلاق الذى لا يملك فيه المطلق الرجعة احتياطا.
ولا يبين أن لا يجوز ذلك لانه غير مالك أمرها في عدتها كما هو غير مالكها إذا حلت من عدتها فأما المرأة يملك زوجها فلا يجوز لاحد أن يعرض لها بالخطبة في العدة لانها في كثير من معاني الازواج وقد يخاف إذا عرض لها من ترغب فيه بالخطبة أن تدعى بأن عدتها حلت وإن لم تحل وما قلت فيه لا يجوز التعريض بالخطبة أو لا يجوز التصريح بالخطبة فحلت العدة ثم نكحت المرأة فالنكاح ثابت بما وصفت.
الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) وقال تعالى (وخلق منها زوجها) وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال (والذين يرمون أزواجهم) وقال (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقال (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبي أن يستنكحها) وقال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) وقال (إلا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) (قال الشافعي) فسمى الله تبارك وتعالى النكاح اسمين النكاح والتزويج وقال عزوجل (وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبى إن أراد النبي) الآية فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين والهبة والله تعالى أعلم تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج ولا يقع بكلام غيرهما وإن كانت معه نية التزويج وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية الطلاق وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج فلا تحل إلا بما سمى الله عزوجل أنها تحل به لا بغيره وأن المرأة المنكوحة تحرم بما حرمها به زوجها مما ذكر الله تبارك اسمه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وقد دلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على أن الطلاق يقع بما يشبه الطلاق إذا أراد به الزوج الطلاق ولم يجز في الكتاب ولا السنة إحلال نكاح إلا باسم نكاح أو تزويج فإذا قال سيد الامة وأبو البكر أو الثيب أو وليها للرجل قد وهبتها لك أو أحللتها لك أو تصدقت بها عليك أو أبحت لك فرجها أو ملكتك فرجها أو صيرتها من نسائك أو صيرتها امرأتك أو أعمرتكها أو أجرتكها حياتك أو ملكتك بضعها أو ما أشبه هذا أو قالته المرأة مع الولى وقبله المخاطب به لنفسه أو قال قد تزوجتها فلا نكاح بينهما ولا نكاح أبدا إلا بأن يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها ويقول الزوج قد قبلت نكاحها أو قبلت تزويجها أو يقول الخاطب زوجنيها أو أنكحنيها فيقول الولى قد زوجتكها أو أنكحتكها ويسميانها معا باسمها ونسبها ولو قال جئتك خاطبا لفلانة فقال قد زوجتكها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال جئتك خاطبا لفلانة فزوجينها فقال قد زوجتكها ثبت النكاح ولم أحتج إلى أن يقول قد قبلت تزويجها ولا نكاحها وهكذا لو قال الولى قد زوجتك فلانة فقال الزوج قد قبلت ولم يقل تزويجها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال الخاطب زوجنى فلانة فقال الولى قد فعلت أو قد أجبتك إلى ما طلبت أو ملكتك ما طلبت لم يكن نكاحا حتى يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها فإن قال زوجنى فلانة فقال قد ملكتك نكاحها أو ملكتك بضعها أو جعلت بيدك أمرها لم يكن نكاحا حتى يتكلم(5/40)
بزوجتكها أو أنكحتكها ويتكلم الخاطب بأنكحنيها أو زوجنيها فإذا اجتمع هذا انعقد النكاح وهكذا بكون نكاح الصغار والاماء لا ينعقد عليهن النكاح من قول ولاتهن إلا بما ينعقد به على البالغين ولهم إذا
تكلما جميعا بإيجاب النكاح مطلقا جاز وإن كان في عقدة النكاح مثنوية ولم يجز ولا يجوز في النكاح خيار بحال وذلك أن يقول قد زوجتكها إن رضى فلان أو زوجتكها على أنك بالخيار في مجلسك أو في يومك أو أكثر من يوم أو على أنها بالخيار أو زوجتكها إن اتيت بكذا أو فعلت كذا ففعله فلا يكون شئ من هذا تزويجا ولا ما أشبهه حتى يزوجه تزويجا صحيحا مطلقا لا مثنوية فيه ما يجوز وما لا يجوز في النكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يكون التزويج إلا لامرأة بعينها ورجل بعينه وينعقد النكاح من ساعته لا يتأخر بشرط ولا غيره ويكون مطلقا لو أن رجلا له ابنتان خطب إليه رجل فقال زوجنى ابنتك فقال قد زوجتكها فتصادق الاب والبنت والزوج على أنهما لا يعرفان البنت التى زوجه إياها وقال الاب للزوج أيتهما شئت فهى التى زوجتك أو قال الزوج للاب أيتهما شئت فهى التى زوجتني لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجنى أي ابنتك شئت فزوجه على هذا لم يكن هذا نكاحا وهكذا لو قال زوج ابني وله ابنان فزوجه لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجنى ابنتك فلانة غدا أو إذا جئتك أو إذا دخلت الدار أو إذا فعلت أو فعلت كذا فقال قد زوجتكها على ما شرطت ففعل ما شرط لم يكن نكاحا إذا تكلما بالنكاح معا فلم يكن منعقدا بعد مدة ولا شرط.
ولو قال زوجنى حبل امرأتك فزوجه إياه فكان جارية لم يكن نكاحا وهكذا لو قال زوجين ما ولدت امرأتك فكانت في البلد معهما أو غائبة عنهما فتصادقا على أنهما حين انعقدت عقدة النكاح لا يعلمان أو لدت امرأته جارية أو غلاما قال وهكذا لو تصادقا أنهما قد علما أنها قد ولت جاريتين ولم يسم أيتهما زوج بعينها ومتى تكلما بنكاح امرأة بعينها جاز النكاح وذلك ان يزوجه ابنته فلانة وليست له ابنة يقال لها فلانة إلا واحدة وأحب إلى أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه سوى الخطبة حمدالله عزوجل والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى ثم يخطب وأحب إلى للخاطب أن يفعل ذلك ثم يزوج ويزيد الخاطب (أنكحتك على ما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وإن لم يزد على عقدة النكاح جاز النكاح.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبى مليكة ان ابن عمر كان إذا أنكح قال (أنكحتك على ما أمر الله تعالى على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
نهى الرجل أن يخطب على خطبة أخيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الزناد ومحمد ابن يحيى بن حبان عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة عن الزهري قال أخبرني ابن المسيب عن أبى هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخطب أحدكم على(5/41)
خطبة أخيه) (قال الشافعي) اخبرنا محمد بن إسمعيل عن ابن أبى ذئب عن مسلم الخياط عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك (قال الشافعي) فكان الظاهر من هذه الاحاديث أن من خطب امرأة لم يكن لاحد أن يخطبها حتى يأذن الخاطب أو يدع الخطبة وكانت محتملة لان يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال دون حال فوجدنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنها في حال دون حال (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود ابن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فبتها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت أم مكتوم وقال (فإذا حللت فآذنيني) فلما حللت أخبرته أن أبا جهم ومعاوية خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه.
وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة) فكرهته فقال (انكحي أسامة) فنكحته (فجعل الله تعالى فيه خيرا واغتبطت به) (قال الشافعي) فكان بينا أن الحال التى خطب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على أسامة غير الحال التى نهى عن الخطبة ولم يكن للمخطوبة حالان مختلفى الحكم إلا بأن تأذن المخطوبة بإنكاح رجل بعينه فيكون للولى أن يزوجها جاز النكاح عليها ولا يكون لاحد أن يخطبها في هذه الحال حتى يأذن الخاطب أو يترك خطبتها وهذا بين في حديث ابن أبى ذئب.
وقد أعلمت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا جهم ومعاوية خطباها ولا أشك إن شاء الله تعالى أن خطبة أحدهما بعد خطبة الآخر فلم ينههما ولا واحد منهما ولم نعلمه أنها أذنت في واحد
منهما فخطبها على أسامة ولم يكن ليخطبها في الحال التى نهى فيها عن الخطبة ولم أعلمه نهى معاوية ولا أبا جهم عما صنعا والاغلب أن أحدهما خطبها بعد الآخر فإذا أذنت المخطوبة في انكاح رجل بعينه لم يجز خطبتها في تلك الحال وإذن الثيب الكلام والبكر الصمت وإن أذنت بكلام فهو إذن أكثر من الصمت قال وإذا قالت المرأة لوليها زوجنى من رأيت فلا بأس أن تخطب في هذه الحال لانها لم تأذن في أحد بعينه فإذا أومرت في رجل فأذنت فيه لم يجز أن تخطب وإذا وعد الولى رجلا أن يزوجه بعد رضا المرأة لم يجز أن تخطب في هذه الحال فإن وعده ولم ترض المرأة فلا بأس أن تخطب إذا كانت المرأة ممن لا يجوز أن تزوج إلا بأمرها وأمر البكر إلى أبيها والامة إلى سيدها فإذا وعد أبو البكر أو سيد الامة رجلا أن يزوجه فلا بجوز لاحد ان يخطبها ومن قلت له لا يجوز له أن يخطبها فإنما أقوله إذا علم أنها خطبت وأذنت وإذا خطب الرجل في الحال التى نهى أن يخطب فيها عالما فهى معصية يستغفر الله تعالى منها وإن تزوجته بتلك الخطبة فالنكاح ثابت لان النكاح حادث بعد الخطبة وهو مما وصفت من أن الفساد إنما يكون بالعقد لا بشئ تقدمه وإن كان سببا له لان الاسباب غير الحوادث بعدها.
نكاح العنين والخصى والمجبوب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أحفظ عن مفت لقيته خلافا في أن تؤجل امرأة العنين سنة فإن أصابها وإلا خيرت في المقام معه أو فراقه ومن قال هذا قال إذا نكح الرجل المرأة فكان يصيب غيرها ولا يصيبها فلم ترتفع إلى السلطان فهما على النكاح وإذا ارتفعت إلى السلطان فسألت فرقته أجله(5/42)
السلطان من يوم يرتفعان إليه سنة فإن أصابها مرة واحدة فهي امرأته وإن لم يصبها خيرها السلطان فإن شاءت فرقته فسخ نكاحها والفرقة فسخ بلا طلاق لانه يجعل فسخ العقدة إليها دونه وإن شاءت المقام معه أقامت معه ثم لم يكن لها أن يخيرها بعد مقامها معه وذلك أن اختيارها المقام معه ترك لحقها في فرقته في مثل الحال التي تطلبها فيها وإن اختارت المقام معه بعد حكم السلطان بتأجيله وتخييرها بعد السنة ثم فارقها ومضت عدتها ثم نكحها جديدا فسألت أن يؤجل لها أجل وإن علمت قبل أن تنكحه أنه عنين ثم رضيت نكاحه أو علمته بعد نكاحه ثم رضيت المقام معه ثم سألت أن يؤجل لها
أجل ولا يقطع خيارها في فراقه إلا الاجل واختيارها المقام معه بعد الاجل لانه لا يعلم أحد من نفسه أنه عنين حتى يختبر لان الرجل قد يجامع ثم ينقطع الجماع عنه ثم يجامع وإنما قطعت خيارها أنها تركته بعد إذ كان لها لا شئ دونه قال ولو نكحها فأجل ثم خيرت فاختارت المقام معه ثم طلقها ثم راجعها في العدة ثم سألت أن يؤجل لم يكن لها ذلك لانها عنده بالعقد الذى اختارت المقام معه فيه بعد الحكم (قال الربيع) يريد إن كان ينزل فيها ماءه فله الرجعة وعليها العدة وإن لم يغيب الحشفة (قال الشافعي) ولو تركها حتى تنقضي عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا ثم سألت أن يؤجل أجل لان هذا عقد غير العقد الذى تركت حقها فيه بعد الحكم قال وإذا أصابها مرة في عقد نكاح ثم سألت أن يؤجل لم يؤجل أبدا لانه قد أصابها في عقد النكاح وليس كالذى يصيب غيرها ولا يصيبها لان أداءه إلى غيرها حقا ليس باداء إليها ولو أجل العنين فاختلفا في الاصابة فقال أصبتها وقالت لم يصبنى فإن كانت ثيبا فالقول قوله لانها تريد فسخ نكاحه وعليه اليمين فإن حلف فهى امرأته وإن نكل لم يفرق بينهما حتى تحلف ما أصابها فإن حلفت خيرت وإن لم تحلف فهى امرأته ولو كانت بكرا اريها اربع نسوة عدول فإن قلن هي بكر فذلك دليل على صدقها أنه لم يصبها وإن شاء الزوج وحلفت هي ما أصابها ثم فرق بينهما فإن لم تحلف حلف هو لقد أصابها ثم أقام معها ولم تخير هي وذلك أن العذرة قد تعود فيما زعم أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الاصابة وأقل ما يخرجه من أن يؤجل أن يغيب الحشفة في الفرج وذلك يحصنها ويحللها للزوج لو طلقها ثلاثا وولو أصابها في دبرها فبلغ ما بلغ لم يخرجه ذلك من أن يؤجل أجل العنين لان تلك غير الاصابة المعروفة حيث تحل ولو أصابها حائضا أو محرمة أو صائمة أو هو محرم أو صائم كان مسيئا فيه ولم يؤجل ولو أجل فجب ذكره أو نكحها مجبوب الذكر خيرت حين تعلم إن شاءت المقام معه وإن شاءت فارقته ولو أجل خصى ولم يجب ذكره أو نكحها خصى غير مجبوب الذكر لم تخير حتى يؤحل أجل العنين فإن أصابها فهى امرأته وإلا صنع فيه ما صنع في العنين ولو نكحها وهو يقول أنا عقيم أو لا يقوله حتى ملك عقدتها ثم أقربه لم يكن لها خيار وذلك أنه لا يعلم أنه عقيم أبدا حتى يموت لان ولد الرجل يبطئ شابا ويولد له شيخا وليس له في الولد تخيير إنما التخيير في فقد الجماع لا الولد ألا ترى أنا لا نؤجل الخصى إذا أصاب والاغلب انه لا يولد له ولو كان خصيا قطع
بعض ذكره وبقى له منه ما يقع موقع ذكر الرجل فلم يصبها أجل أجل العنين ولم تخير قبل أجل العنين لان هذا يجامع وإذا كان الخنثى يبول من حيث يبول الرجل فنكح على أنه رجل فالنكاح جائز ولا خيار للمرأة ويؤجل إن شاءت أجل العنين وإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإن نكح بأحدهما لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث على ما حكمنا له بأن ينكح عليه (قال الربيع) وفيه قول آخر أنا لا نورثه إلا ميراث امرأة وإن تزوج على أنه رجل لانه ليس باختياره أن يكون رجلا أعطيه المال بقوله (قال الشافعي) وليس للمرأة إن استمتع بها زوجها إذا قالت لم يصبنى إلا نصف المهر ولا عليها(5/43)
عدة لانها مفارقة قبل أن تصاب (قال الشافعي) وإذا نكح الرجل الخنثى على أنها امرأة وهى تبول من حيث تبول المرأة أو مشكلة ولم تنكح بأنها رجل فالنكاح جائز إلا خيار له وإذا نكح الخنثى على أنه رجل وهو يبول من حيث تبول المرأة أو على أنه امرأة وهو يبول من حيث يبول الرجل فالنكاح مفسوخ لا يجوز أن ينكح إلا من حيث يبول أو بأن يكون مشكلا فإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإذا نكح بواحد لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث من حيث يبول.
ما يحب من إنكاح العبيد قال الله تعالى (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ((قال الشافعي) رحمه الله تعالى فدلت أحكام الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ملك للاولياء آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم وأياماهم الثيبات قال الله تعالى ذكره (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) وقال في المعتدات (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها) مع ما سوى ذلك ودل الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا ولم أعلم دليلا على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والاماء كما وجدت الدلالة على إنكاح الحر إلا مطلقا فأحب إلى أن ينكح من بلغ من العبيد والاماء ثم صالحوهم خاصة ولا يتبين لى أن يجبر أحد عليه لان الآية محتملة أن يكون أريد به الدلالة لا الايجاب.
نكاح العدد ونكاح العبيد قال الله تبارك وتعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) إلى قوله (أن لا تعولوا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن المخاطبين بها الاحرار لقوله تعالى (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) لانه لا يملك إلا الاحرار وقوله (ذلك أدنى أن لا تعولوا) فإنما يعول من له المال ولا مال للعبيد، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة وكان ثقة عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عتبة أن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه قال: ينكح العبد امرأتين (قال الشافعي) وهذا قول الاكثر من المفتين بالبلدان ولا يزيد العبد على امرأتين وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه ومكاتب ومدبر ومعتق إلى أجل والعبد فيما زاد على اثنتين من النساء مثل الحر فيما زاد على أربع لا يختلفان فإذا جاوز الحر أربعا فقلت ينفسخ نكاح الاواخر منهن الزوائد على أربع فكذلك ينفسخ نكاح ما زاد العبد فيه على اثنتين وكل ما خفى أنه أول فما زاد الحر فيه على اربع فأبطلت النكاح أو جمعت العقدة فيه أكثر من أربع ففسخت نكاحهن كلهن، فكذلك أصنع في العبيد فيما خفى، وجمعت العقدة فيه أكثر من اثنتين فعل هذا الباب كله قياسه ولا أعلم بين أحد لقيته ولا حكى لى عنه من أهل العلم اختلافا في أن لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه وسواء كان مالكه ذكرا أو أنثى إذا أذن له مالكه جاز نكاحه ولا أحتاج إلى أن يعقد مالكه عقدة نكاح ولكنه يعقدها إن شاء لنفسه إذا أذن له وإنما يجوز(5/44)
نكاح العبد بإذن مالكه إذا كان مالكه بالغا غير محجور عليه فأما إذا كان محجورا عليه فلا يجوز للعبد أن ينكح بحال ولا يجوز لوليه أن يزوجه في قول من قال إن إنكاحه دلالة لا فرض ومن قال إن إنكاحه فرض فعلى وليه أن يزوجه وإذا كان العبد بين اثنين فأذن له أحدهما بالتزويج فتزوج فالنكاح مفسوخ ولا يجوز نكاحه حتى يجتمعا على الاذن له به وليس للسيد أن يكره عبده على النكاح فإن فعل فالنكاح مفسوخ، وكذلك إن زوج عبده بغير إذنه ثم رضى العبد فالنكاح مفسوخ وله أن يزوج أمته بغير إذنها بكرا كانت أو ثيبا وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح حرة فنكح أمة أو أمة فنكح حرة أو امرأة بعينها
فنكح غيرها أو امرأة من أهل بلد فنكح امرأة من غير أهل ذلك البلد فالنكاح مفسوخ وإن قال له انكح من شئت فنكح حرة أو أمة نكاحا صحيحا فالنكاح جائز والعبد إذا أذن له سيده يخطب على نفسه وليس كالمرأة وكذلك المحجور عليه إذا أذن له وليه يخطب على نفسه ولو أذن له في أن ينكح امرأة أو قال من شئت فنكح التى أذن له بها أو نكح امرأة مع قوله انكح من شئت وأصدقها أكثر من مهر مثلها كان النكاح ثابتا ولها مهر مثلها لا يزاد عليه ولا يكون لها فسخ النكاح لان النكاح لا يفسد من قبل صداق بحال ويتبع العبد بالفضل عن مهر مثلها إذا عتق ولا سبيل لها عليه في حالة رقه لان ما له لمالكه ولو كاتب لم يكن عليه سبيل في حال كتابته لانه ليس بتام الملك على ماله وأن ماله موقوف حتى يعجز فيرجع إلى سيده أو يعتق فيكون له فإذا عتق كان لها أن تأخذ منه الفضل عن مهر مثلها حتى تستوفى ما سمى لها ولو كان هذا في حر محجور عليه لم يكن لها اتباعه لان ردنا أمر المملوك لان المال لغيره وأمر المحجور للحجر والمال له (قال الشافعي) ولو أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة ولم يسمها ولا بلدها فنكح امرأة من غير أهل بلده ثبت النكاح ولم يكن للسيد فسخه وكان له منعه الخروج إلى ذلك البلد وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة فالصداق فيما اكتسب العبد ليس للسيد منعه من أن يكتسب فيعطيها الصداق دونه وكذلك النفقة إذا وجبت نفقة الزوجة وإن كان العبد الذى أذن له سيده بالنكاح مأذونا له في التجارة فله أن يعطى الصداق مما في يديه من المال وإن كان غير مأذون له بالتجارة فلسيده ان يأخذ شيئا إن كان في يديه لانه مال السيد وعليه أن يدعه يكتسب المهر لان إذنه له بالنكاح إذن باكتساب المهر ودفعه، وإذا أذن له بالنكاح فله أن يسافر به ويرسله حيث شاء وليس له إذا كان معه بالمصر أن يمنعه امرأته في الحين الذي لا خدمة له عليه فيه وله أن يمنعه إياها في الحين الذي له عليه فيه الخدمة وليس في عنق العبد ولا مال السيد من الصداق ولا النفقة شئ إلا أن يضمنه فيلزمه بالضمان كما يلزم بالضمان على الاجنبيين وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج امرأة حرة بألف فتزوجها بألف وضمن السيد لها الالف فالضمان لازم ولها أن تأخذ السيد بضمانه ولا براءة للعبد منها حتى تستوفيها فإذا باعها السيد زوجها بأمر الزوج أو غير أمره بتلك الالف بعينها قبل أن يدخل بها فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع وتلك الالف يقعان معا لا يتقدم أحدهما صاحبه فلما كانت لا تملك
العبد أبدا بتلك الالف بعينها لانها تبطل عنها بأن نكاحها لو ملكت زوجها ينفسخ كان شراؤها له فاسد فالالف بحالها والعبد عبده وهما على النكاح (قال الربيع) وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج بألف درهم فتزوج وضمن السيد الالف ثم طلبت المرأة الالف من السيد قبل أن يدخل بها الزوج فباعها زوجها بالالف التى هي صداقها فالبيع باطل والنكاح بحاله من قبل.
أنها إذا ملكت زوجها انفسخ نكاحها فإذا انفسخ بطل أن يكون لها صداق وإذا لم يكن لها صداق كان العبد مشترى بلا ثمن فكان البيع باطلا وكان النكاح بحاله (قال الربيع) وهو قول الشافعي النكاح بحاله.(5/45)
(قال الشافعي) وسواء كان البيع بإذن العبد أو غير إذنه لانها لا تملكه أبدا بتلك الالف ولا بشئ منها لانها تبطل كلها إذا ملكته ولو طلقها العبد قبل أن يدخل بها كان لها نصف الالف ولو كانت المسألة بحالها فباعها إياه بلا أمر العبد بألف أو أقل أو أكثر كان البيع جائزا وكان العبد لها وعليها الثمن الذي باعها إياه به وكان النكاح منفسخا من قبلها وقبل السيد الذى ليس له طلاقها، ولو كان باعها إياه بيعا فاسد كانا على النكاح ولو كانت امرأة العبد أمة فاشترت زوجها بإذن سيدها أو اشتراها زوجها بإذن سيده كانا على النكاح وكذلك ان وهبت له أو وهب لها أو ملكها أو ملكته بأى وجه ما كان الملك كانا على النكاح لان ما ملك كل واحد منهما ملك لسيده لا له، ولو كان بعض الزوج حرا فاشترى امرأته بإذن الذى له فيه الرق فسد النكاح لانه يملك منها بقدر ما يملك من نفسه، وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح من شاء وما شاء من عدد النساء فله أن ينكح حرتين مسلمتين أو كتابيتين أو ذميتين وينكح الحرة على الامة والامة على الحرة ويعقد نكاح أمة وحرة معا وليس له أن ينكح أمة كتابية ولا تحل الامة الكتابية لمسلم إلا أن يطأها بملك اليمين، وإذا قال الرجل لعبده قد زوجتك فلا يجوز عليه النكاح إلا أن يأذن له العبد، وإذا أذن له أن ينكح أو سأله العبد أن ينكحه فقال المولى: قد زوجتك فلانة بأمرك وادعت ذلك، وقال العبد: لم تزوجنيها فالقول قول العبد مع يمينه وعلى المرأة البينة.
العبد يغر من نفسه والامة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا خطب العبد امرأة وأعلمها أنه حر فتزوجته ثم علمت أنه
عبد فلها ولاوليائها الخيار في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها ولا متعة وهو فسخ بغير طلاق وإن اختارته بعد الدخول فلها مهر مثلها وإن خطبها ولم يذكر شيئا فظنته حرا فلا خيار لها، وإذا نكح الرجل الامة وهو يراها حرة فولده مماليك وإن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن غرته بنفسها وقالت أنا حرة فولده أحرار وسواء كان المغرور حرا أو عبدا أو مكاتبا لانه لم ينكح إلا على أن ولده أحرار وإن غره بها غيرها فولدت أولادا ثم علم أنها مملوكة فالاولاد أحرار ولسيدها أخذ مهر مثلها من زوجها ولا يرجع به الزوج على الغار ولا عليها ويأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا ويرجع بهم الزوج على الغار في ذمته، وإن كانت هي الغارة له رجع عليها بما أخذ منه من قيمة أولادها إذا عتقت ولا يرجع به ما كانت مملوكة وإن ألزم قيمتهم ثم لم يؤخذ منه شئ لم يرجع بشئ لم يؤخذ منه.
تسرى العبد قال الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون) إلى قوله (غير ملومين) فدل كتاب الله عزوجل على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين النكاح أو ما ملكت اليمين.
وقال الله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) قال فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكا مالا بحال وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو(5/46)
إضافة اسم ملك إليه لا حقيقة كما يقال للمعلم غلمانك وللراعى غنمك والقيم على الدار دارك إذا كان يقوم بأمرها فلا يحل والله تعالى أعلم للعبد أن يتسرى اذن له سيده أو لم يأذن له لان الله تعالى إنما أحل التسرى للمالكين والعبد لا يكون مالكا بحال، وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه أو مكاتب أو مدبر ولا يحل له أن يطأ بملك يمين بحال حتى يعتق، والنكاح يحل له بإذن مالكه وإن تسرى العبد فلسيده نزع السرية منه وتزويجه إياها إن شاء ولو عتق عبد تسرى أمة أو مكاتب وقد ولدت له لم تكن له أم ولد حتى يصيبها بعد الحرية وتلد، ولو تسرى عبد قد عتق بعضه أمة ملكه إياها سيده فولدت له ثم عتق فهى ام ولد له لانه كان مالكا، وإن أراد سيده أخذ منه من قيمة
المملوكة بقدر ما له فيه من الرق كأنه كان وهبها له قبل أن يعتق وهو يملك نصفه فالنصف له بالحرية وللسيد أن يرجع في النصف الثاني لان ملك ما يملك منه لسيده قال: وإذا وطئ عبد أو من لم تكمل فيه الحرية أو مكاتب جارية بملك اليمين لحق به الولد ودرئ عنه الحد بالشبهة فإن عتق وملكها كان له بيعها ولا تكون له أم ولد يمنعه بيعها من لم يبع أم الولد إلا بأن يصيبها بعد ما يصير حرا مالكا، فإن قيل قد روى عن ابن عمر تسرى العبد قيل نعم وخلافه قال ابن عمر إ يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء، فإن قيل فقد روى عن ابن عباس؟ قلت ابن عباس إنما قال ذلك لعبد طلق امرأته قال ليس لك طلاق وأمره أن يمسكها فأبى فقال فهى لك فاستحلها بملك اليمين يريد أنها له حلال بالنكاح ولا طلاق لك والحجة فيه ما وصفت لك من دلالة الكتاب والسنة وأنت تزعم أن من طلق من العبيد لزمه الطلاق ولم تحل له امرأته بعد طلقتين أو ثلاث.
فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما قال الله تبارك وتعالى (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) إلى قوله (ولا هم يحلون لهن) وقال تبارك وتعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (قال الشافعي) نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة وهم أهل أوثان وعن قول الله عزوجل (فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات) فاعرضوا عليهن الايمان فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات.
وكذلك علم بنى آدم الظاهر: وقال تبارك وتعالى (الله أعلم بإيمانهن) يعنى بسرائرهن في إيمانهن، وهذا يدل على أن لم يعط أحد من بنى آدم أن يحكم على غير ظاهر ومعنى الآيتين واحد فإذا كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولا فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الاسلام منهما لقول الله تعالى (لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فاحتملت العقدة أن تكون منفسخة إذا كان الجماع ممنوعا بعد إسلام أحدهما فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلما والآخر مشركا أن يبتدئ النكاح، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الاسلام منهما على التخلف عنه مدة من المدد فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم ولم يكن يجوز أن يقال لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الاسلام مدة قبل أن يسلم إلا
بخبر لازم (قال الشافعي) وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازى غيرهم عن عدد قبلهم أن أبا سفيان ابن حرب أسلم بمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر عليها فكانت بطهوره وإسلام أهلها دار الاسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة.
ومكة يومئذ دار الحرب.
ثم قدم عليها يدعوها(5/47)
إلى الاسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال فاقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسملت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وثبتا على النكاح (قال الشافعي) وأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة فأسلم أكثر أهلها وصارت دار الاسلام وأسلمت امرأة عكرمة بن أبى جهل وامرأة صفوان بن أمية وهرب زوجاهما ناحية البحر من طريق اليمن كافرين إلى بلد كفر ثم جاءا فأسلما بعد مدة وشهد صفوان حنينا كافرا فاستقرا على النكاح وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن ولم أعلم مخالفا في أن المتخلف عن الاسلام منهما إذا انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم انقطعت العصمة بينهما وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب وأقام المتخلف فيها أو خرج المتخلف عن الاسلام أو خرجا معا أو أقاما معا لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئا إنما يصنعه اختلاف الدينين.
تفريع إسلام أحد الزوجين قبل الآخر في العدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا كان الزوجان مشركين وثنيين أو مجوسيين عربيين أو أعجميين من غير بني إسرائيل ودانا دين اليهود والنصارى أو أي دين دانا من الشرك إذا لم يكونا من بنى إسرائيل أو يدينان دين اليهود والنصارى فأسلم أحد الزوجين قبل الآخر وقد دخل الزوج بالمرأة فلا يحل للزوج الوطئ والنكاح موقوف على العدة فإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما قبل انقضاء العدة فانكاح ثابت وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالعصمة منقطعة بينهما وانقطاعها فسخ بلا طلاق وتنكح المرأة من ساعتها من شاءت ويتزوج أختها وأربعا سواها وعدتها عدة المطلقة فإن نكحت المرأة قبل أن تنقضي العدة فانكاح مفسوخ فإن أصابها الزوج الذي نكحته فلها مهر مثلها وإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما قبل انقضاء عدتها فهى امرأته ويجتنبها حتى تنقضي عدتها من النكاح الفاسد وسواء كانت هي المسلمة قبل الزوج أو الزوج قبلها فإن كان الزوج المسلم منهما لم يكن له أن ينكح أخت المرأة في العدة
فإن فعل فالنكاح مفسوخ وكذلك لا ينكح أربعا سواها وإن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الاسلام فنكح أختها أو أربعا سواها ثم أسلم وأسلمن قبل انقضاء عدتها أمسك أربعا أيهن شاء وفارق سائرهن قال والنصرانيان واليهوديان في هذا كالوثنيين إذا أسلمت المرأة قبل الرجل (قال الشافعي) فإن أسلم الرجل قبل المرأة فهما على النكاح لانه يجوز للمسلم أن يبتدئ نكاح يهودية ونصرانية قال: والازواج في هذا الاحرار والمماليك سواء وإن كان أحد من بنى إسرائيل مشركا يدين بغير دين اليهود والنصارى فهو كمن وصفنا من أهل الاوثان.
الاصابة والطلاق والموت والخرس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الوثني بامرأته ثم أسلم أحدهما ثم مات أحد الزوجين لم يتوارثا فإن كان الزوج الميت أكملت عدتها من انقطاع العصمة عدة الطلاق ولم تعتد عدة وفاة، وإن خرس المتخلف عن الاسلام منهما أو عته حتى تنقضي عدة المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما، ولو وصف الاسلام وهو لا يعقله فقد انقطعت العصمة بينهما.
لا تثبت العصمة إلا بأن يسلم وهو يعقل(5/48)
الاسلام، وكذلك لو كان المتخلف منهما عن الاسلام صبيا لم يبلغ فوصف الاسلام كانت العصمة بينهما منقطعة.
ولو وصفه سكران كانا على النكاح لانى ألزم السكران إسلامه وأقتله إن لم يثبت عليه ولا ألزم ذلك المغلوب على عقله بغير السكر ولا الزمه الصبى ولا أقتله إن لم يثبت عليه.
ولو كان الزوج هو المسلم والمرأة هي المتخلفة وهى مغلوبة على عقلها أو غير بالغ فوصفت الاسلام قطعت العصمة بينهما.
ولو أسلمت بالغة غير مغلوبة على عقلها إلا من سكر خمر أو نبيذ مسكر أثبت النكاح لانى أجبرها على الاسلام وأقتلها إن لم تفعل، ولو شربت دواء فيه بعض السموم فأذهب عقلها فارتدت أو فعل هو فارتد أو كان أحدهما مشركا فأسلم ثم أفاق فأقام على أصل دينه لم أجعل لردتهما وإسلامهما في اوان ذهاب عقلهما حكما وهما كما كانا أولا على أي دين كانا حتى يحدثا غيره وهما يعقلان.
اجل الطلاق في العدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلم أحد الزوجين فوقفنا النكاح على العدة فطلق الزوج
المرأة فالطلاق موقوف.
فإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما في العدة وقع الطلاق وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالطلاق ساقط لانا قد علمنا أنه لم يسلم المتخلف منهما حتى انقطعت العصمة وأنه طلق غير زوجة قال: وهكذا لو آلى منها أو تظاهر وقف فلزمه إن أسلم المتخلف منهما في العدة وسقط إن انقطعتا العصمة: وإذا أسلم أحد الزوجين فخالعته كان الخلع موقوفا فإن أسلم المتخلف منهما فالخلع جائز، وإن لم يسلم حتى تنقطع العصمة فالخلع باطل وما أخذ فيه مردود وكذلك لو خيرها فاختارت طلاقا أو جعل أمرها بيد رجل فطلقها كان موقوفا كما وصفت، ولو أبرأته من صداق بلا طلاق أو وهب لها شيئا جازت براءتها وهبته كما يجوز للازواج والمطلقات ومن الازواج والمطلقات.
الاصابة في العدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أسلم الرجل ولم تسلم امرأته في العدة فأصابها كانت الاصابة محرمة عليه لاختلاف الدينين ويمنع منها حتى تسلم أو تبين: فإن أسلمت في العدة لم يكن لها مهر لانها علمنا أنه أصابها وهى امرأته وإن كان جماعها محرما كما يكون محرما عليه بحيضها وإحرامها وغير ذلك فيصيبها فلا يكون لها عليه صداق: وإن لم تسلم حتى تنقضي عدتها من يوم أسلم فقد انقطعت عصمتها منه ولها عليه مهر مثلها وتكمل عدتها من يوم كانت الاصابة (1) تعتد فيها بما مضى من عدتها يوم أسلم وهكذا لو كانت هي المسلمة وهو الثابت على الكفر إذا حاكمت إلينا.
النفقة في العدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلمت المرأة قبل الزوج ثم أسلم الزوج وهى في العدة فهما
__________
(1) بياض بالاصل بقدر كلمة صغيرة، أو حرف، وفي بعض النسخ لم يثبت البياض(5/49)
على النكاح وإن أسلم الزوج بعد العدة انقطعت العصمة بينهما ولها عليه النفقة في العدة في الوجهين جميعا لانها كانت محبوسة عليه وكان له متى شاء أن يسلم فيكونان على النكاح ولو كان الزوج هو المسلم وهى المتخلفة عن الاسلام ثم أسلمت في العدة أو لم تسلم حتى تنقضي لم يكن لها نفقة في أيام كفرها لانها هي المانعة لنفسها منه ولو كان الزوج دفع إليها النفقة في العدة ثم لم تسلم فأراد الرجوع عليها بها لم
يكن ذلك له لانه تطوع لها بشئ ودفعه إليها ولو كان إنما دفعه إليها على أن تسلم فأسلمت أو لم تسلم كان له الرجوع يه ولا جعل لاحد على الاسلام إلا أن يشاء الجاعل أن يسلمه لها متطوعا ولو اختلفا في الاسلام فقالت أسلمت يوم أسلمت أنت ولم تعطنى نفقه، وقال بل أسلمت اليوم فالقول قوله مع يمينه ولا نفقة عليه إلا أن تأتى ببينة على ما قالت فتأخذ لها نفقتها منه من يوم قامت البينة أنها أسلمت.
الزوج لا يدخل بامراته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الزوجان وثنيين ولم يصب الزوج امرأته وإن خلا بها وقفتهما فإن أسلم الرجل قبل المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما ولها نصف المهر إن كان فرض لها صداقا حلالا وإن كان فرض صداقا حراما فنصف مهر مثلها وإن لم يكن فرض فالمتعة لان فسخ النكاح كان من قبله فإن أسلمت المرأة قبله فقد انقطعت العصمة ولا شئ لها من صداق ولا متعة لان فسخ النكاح من قبلها ولو أسلما جميعا معا فهما على النكاح وإن جاءا مسلمين معا وقد علمنا أن احدهما أسلم اولا ولا ندرى أيهما هو فالعصمة منقطعة ولا نصف مهر حتى نعلم أن الزوج أسلم أولا ولو ادعت المرأة أن الزوج أسلم أولا وقال هو بل أسلمت أولا فالقول قولها مع يمينها وعلى الزوج البينة لان العقد ثابت فلا يبطل نصف المهر إلا بأن تسلم قبله ولو جاءنا مسلمين فقال الزوج أسلمنا معا وقالت المرأة أسلم أحدنا قبل الآخر كان القول قول الزوج مع يمينه ولا تصدق المرأة على فسخ النكاح (قال الشافعي) وفيها قول آخر أن النكاح منفسخ حتى يتصادقا أو تقوم بينة على أن إسلامهما كان معا لان الاسلام فسخ العقدة إلا أن يكون معهما فأيهما ادعى فسخها كان القول قوله مع يمينه ولو كانت المرأة التي قالت اسلمنا معا وقال الزوج بل أسلم أحدنا قبل الآخر انفسخ النكاح بإقراره بأنه منفسخ ولم يصدق هو على المهر وأغرم لها نصف المهر بعد أن تحلف بالله أن إسلامهما لمعا ولو شهد على إسلام المرأة ثم جاء الزوج فقال قد أسلمت معها كلف البينة فإن جاء بها كانت امرأته وإن لم يأت بها فقد علمنا إسلامها قبل أن نعلم إسلامه فتحلف له ما أسلم إلا قبلها أو بعدها وتنقطع العصمة بينهما وأيهما كلفناه البينة على أن إسلامهما كان معا أو على وقت إسلامه ليدل على أن إسلامهما كان معا لم تقبل بينته حتى يقطعوا على أنهما أسلما جميعا معا فإن شهدوا لاحدهما دون الآخر فشهدوا أنه أسلم يوم كذا من شهر كذا حين غابت الشمس
لم يتقدم ذلك ولم يتأخر أو طلعت الشمس لم يتقدم ذلك ولم يتأخر وعلم أن إسلام الآخر كان في ذلك الوقت أثبتنا النكاح وإن قالوا مع مغيب الشمس أو زوالها أو طلوع الشمس لم يثبت النكاح لانه يمكن أن يقع هذا على وقتين أحدهما قبل الآخر.(5/50)
اختلاف الزوجين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا دخل بامرأته وأصابها ثم أتيانا معا مسلمين فقالت المرأة كنا مشركين فأسلمت قبله أو أسلم قبلى وانقضت عدتي قبل أن يسلم المتأخر منا وقال الزوج ما كنا قط الا مسلمين أو قال كنا مشركين فأسلمنا معا، أو أسلم أحدنا قبل الآخر ولم تنقض عدة المرأة حتى أسلم المتخلف عن الاسلام منا فإن قامت بينة أخذت بها وإن لم تقم بينة فالقول قول الزوج ولا تصدق المرأة على إفساد النكاح لانهما يتصادقان على عقده وتدعى المرأة فسخه ولو كان الرجل هو المدعى فسخه لزمه فسخه بإقراره ولم يصدق على نصف الصداق لو كان لم يدخل بها وتحلف وتأخذه منه ولو ان امرأة ورجلا كافرين أتيانا مسلمين فتصادقا على النكاح في الكفر وهى ممن تحل له بحال كانت زوجته ولو تناكرا لم تكن زوجته إلا ببينة تقوم على نكاح أو إقرار من كل واحد منهما بالناكح أو إقرار من المنكر منهما للنكاح ثم تكون زوجته.
الصداق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تناكح الزوجان المشركان بصداق يجوز لمسلم أن ينكح به ودخل بها الزوج ثم انقطعت العصمة بينهما وأسلما فالمهر للمرأة ما كان فإن كانت قبضته فقد استوفت وإن لم تكن قبضته أخذته من الزوج وإن تناكرا فيه فقال الزوج قد قبضته وقالت المراة لم أقبضه فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة وهكذا لو لم يكن النكاح انفسخ أو أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر وإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها وإن كان الصداق محرما مثل الخمر وما أشبهه فلم تقبضه فلها مهر مثلها وإن قبضته بعدما أسلم أحد الزوجين فلها مهر مثلها وليس لمسلم أن يعطى خمرا ولا لمسلم أن يأخذه وإن قبضته وهما مشركان فقد مضى وليس لها غيره لان الله عزوجل يقول (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا)
فأبطل ما أدرك الاسلام ولم يأمرهم برد ما كان قبله من الربا فإن كان أرطال خمر فأخذت نصفه في الشرك وبقى نصفه أخذت منه نصف صداق مثلها وكذلك إن كان الباقي منه الثلث أو الثلثين أو أقل أو أكثر رجعت بعده بما يبقى منه من صداق مثلها ولم يكن لواحد منهما أخذ الخمر في الاسلام إذا كان المسلم يعطيه مشركا أو المشرك يعطيه مسلما وإن أخذه أحدهما في الاسلام أهراقه ولم يرده على الذى أخذه منه بحال إلا أن يعود خلا من غير صنعة آدمى فيرد الخل إلى دافعه لانه عين ماله صارت خلا وترجع بمهر مثلها ولو صارت خلا من صنعة آدمى أهراقها ولم يكن لها الاستمتاع بها ولاردها وترجع بما بقى من الصداق وإن كان الزوجان مسلمين في أي دار كانا في دار الاسلام أو دار الحرب فارتد أحدهما فالقول فيه كالقول في الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما لا يختلف في حرف من فسخ النكاح وغيره من التحريم لانه في مثل معنى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزوجين الحربيين يسلم أحدهما قبل الآخر أنه يثبت النكاح إذا أسلم آخرهما إسلاما قبل مضى العدة فوجدت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبات عقد النكاح في الشرك وعقد نكاح الاسلام ثابت ووجدت في حكم الله تبارك وتعالى تحريم المسلمات على المشركين وتحريم المشركات من أهل الاوثان على المسلمين(5/51)
ووجدت أحد الزوجين إذا ارتد حرم الجماع (1) أيهما كان المسلم امرأة أو لا أو الزوج فلا يحل وطئ كافرة لمسلم أو الزوجة فلا يحل وطئ مسلمة لكافر فكان في جميع معاني حكم النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالفه حرفا واحد في التحريم والتحليل فإن ارتد الزوج بعد الوطئ حيل بينه وبين الزوجة فإن انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الاسلام انفسخ النكاح وإن ارتدت المرأة أو ارتدا جميعا أو أحدهما بعد الآخر فهكذا أنظر أبدا إلى العدة فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها وإذا أسلما قبل أن تنقضي العدة فهى ثابتة (قال الشافعي) في المسلمين يرتد أحدهما والحربيين يسلم أحدهما ثم يخرس المرتد منهما قبل أن يسلم أو يغلب على عقله إذا مضت العدة قبل ان يسلم المتخلف عن الاسلام منهما انقطعت العصمة والعقدة فإذا لم تثبت إلا بأن يكونا مسلمين قبل انقضاء العدة فقد انقضت العدة قبل أن يكونا مسلمين ولو خرس المرتد منهما وقد أصابها الزوج قبل الردة ولم يذهب عقله فأشار بالاسلام
إشارة تعرف وصلى قبل انقضاء العدة أثبتنا النكاح فإن كان هو الزوج فنطق فقال كانت إشارتي بغير إسلام وصلاتي بغير إيمان إنما كانت لمعنى يذكره جعلنا عليه الصداق وفرقنا بينهما إن كانت العدة مضت وإن لم تكن مضت حلنا بينه وبينها حتى تنقضي العدة الاولى وإن كان أصابها بعد الردة جعلنا صداقا آخر وتستقبل العدة من الجماع الآخر وتكمل عدتها من الاول وتعتد بها في الآخر وإن كان أسلم في العدة الآخرة لم يكن له أن يثبت النكاح فيها لانها إنما تعتد من نكاح فاسد ولو أسلم في بقية العدة الاولى ثبت النكاح (قال الشافعي) وإذا كانت الزوجة المرتدة فأشارت باللاسلام إشارة تعرف وصلت فخلى بينها وبين زوجها فأصابها فقالت كانت إشارتى بغير الاسلام وصلاتي في غير الاسلام لم تصدق على فسخ النكاح وجعلت الآن مرتدة تستتاب وإلا تقتل فإن رجعت في عدتها إلى الاسلام ثبتا على النكاح (قال الشافعي) وإن كان الزوج المرتد فهرب واعتدت المرأة فجاء مسلما وزعم ان إسلامه كان قبل إتيانه بشهر وذلك الوقت قبل مضى عدة زوجته وقد انقضت عدتها فأنكرت إسلامه إلا في وقت خرجت فيه من العدة فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة وإذا انفسخت العقدة بن الكافرين يسلم أحدهما أو المسلمين يرتد أحدها بانقضاء العدة تزوجت.
المرأة مكانها وتزوج الرجل أختها وأربعا سواها.
الفسخ بين الزوجين بالكفر ولا يكون إلا بعد انقضاء العدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن نصرانيين أو يهوديين من بنى إسرائيل كانا زوجين فأسلم الزوج كان النكاح كما هو لان اليهودية والنصرانية حلال للمسلم لا يحرم عليه ابتداء نكاحها ولو كانت المرأة المسلمة كانت المسألة فيها كالمسألة في الوثنيين تسلم المرأة فيحال بين زوج هذه وبينها فإن أسلم وهى في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة انقطعت العصمة بينهما وإن لم يكن دخل بها انقطعت العصمة بسبقها إياه إلى الاسلام لانها لا عدة عليها ولو أن مسلما تحته يهودية أو نصرانية فارتدت فتمجست أو تزندقت فصارت في حال من لا تحل له كانت في فسخ النكاح كالمسلمة ترتد إن
__________
(1) قوله: ايهما كان المسلم المرأة اولا أو الزوج الخ، كذا في النسخ، والظاهر ان فيه زيادة من النساخ، والاصل ايهما كان المسلم الزوج فلا يحل الخ أو الزوجة فلا يحل الخ، تأمل.
كتبه مصححه(5/52)
عادت إلى الدين الذى خرجت منه من اليهودية أو النصرانية قبل مضى العدة حلت له وإن لم تعد حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينهما فأما من دان دين اليهود والنصارى من العرب والعجم غير بنى إسرائيل في فسخ النكاح وما يحرم منه ويحل فكأهل الاوثان وعدة الحرة سواء مسلمة كانت أو كتابية أو وثنية تحت وثنى أسلم ولم يسلم إذا حكمنا عليه وعدة كل أمة سواء مسلمة أو كتابية ولا يحل نكاح أمة من أهل الكتاب لمسلم أو أمة حربية لحر حربى كل من حكمنا عليه فإنما نحكم عليه حكم الاسلام ولو كان الزوجان حربيين كتابيين فأسلم الزوج كانا على النكاح وأكره نكاح أهل الحرب ولو نكح وهو مسلم حربية كتابية لم أفسخه وإنما كرهته لانى أخاف عليه هو أن يفتنه أهل الحرب على دينه أو يظلموه وأخاف على ولده أن يسترق أو يفتن عن دينه فأما أن تكون الدار تحرم شيئا أو تحله فلا ولو حرم عليه وحل بالدار لزمه أن يحرم عليه نكاح مسلمة مقيمة في دار الحرب وهذا لا يحرم عليه الدار لا تحل شيئا من النكاح ولا تحرمه إنما يحله ويحرمه الدين لا الدار.
الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة قال الله تبارك وتعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نوسة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) أخبرني الثقة بن علية أو غيره عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق أو دع سائرهن) أخبرني من سمع محمد بن عبد الرحمن يخبر عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن نوفل بن معاوية (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن انتهاء الله عزوجل في العدد بالنكاح إلى أربع تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الخيار فيما زاد على أربع إلى الزوج فيختار إن شاء الاقدم نكاحا أو الا حدث وأى الاختين شاء كان العقد واحدا أو في عقود متفرقة لانه عفا لهم عن سالف العقد ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل غيلان عن نكح أولا ثم جعل له حين أسلم
وأسلمن أن يمسك أربعا ولم يقل الاوائل أو لا ترى أن نوفل بن معاوية يخبر أنه طلق أقدمهن صحبة ويروى عن الديلمى أو ابن الديلمى أنه أسلم وعنده أختان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك أيتهما شاء ويطلق الاخرى فدل ما وصفت على أنه يجوز كل عقد نكاح في الجاهلية كان عندهم نكاحا إذا كان يجوز مبتدؤه في الاسلام بحال وأن في العقد شيئين أحدهما العقد الفائت في الجاهلية والآخر المرأة التى تبقى بالعقد فالفائت لا يرد إذا كان الباغي بالفائت يصلح بحال وكان ذلك كحكم الله تعالى في الربا قال الله تعالى (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين)) ولم يجز أن يقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك الاوائل لان عقدهن صحيح وذلك أنه ليس من عقد الجاهلية صحيح لمسلم لانه بشهادة أهل الشرك ولكنه كما وصفت معفو لهم عنه كما عفى عما مضى من الربا فسواء ما كان عندهم لا يختلف فكان في أمر الله عزوجل برد ما بقى من الربا دليل على أن ما قبض منه في الجاهلية لا يرد لانه تم في الجاهلية وأن ما عقد ولم يتم بالقبض حتى جاء الاسلام يرد فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمام العقد عندهم وإن كان لا يصلح أن يعقد مثله في الاسلام بحال فإذا(5/53)
كان يصلح أن يعقد نكاح المنكوحة في الاسلام بحال تمت وأمر أن يمسك بالعقد في الجاهلية وإذا كان لا يصلح أن يبتدأ في الاسلام بحال كان الاستمتاع بها لانها عين قائمة لا يجوز كما لا يجوز أخذ الربا في الاسلام لانه عين قائمة لم تفت.
نكاح المشرك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأى مشرك عقد في الشرك نكاحا بأى وجه ما كان العقد وأى امرأة كانت المنكوحة فأسلم متأخر الاسلام من الزوجين والمرأة في عدتها حتى لا تكون العدة منقضية إلا وهما مسلمان فإن كان يصلح للزوج ابتداء نكاحها ساعة اجتمع إسلامهما بحال فالنكاح ثابت ولا يكون للزوج فسخه إلا بإحداث طلاق وإن كان لا يصلح للزوج ابتداء نكاحها حين يجمتع إسلامهما بحال فالنكاح في الشرك منفسخ فلو جاءت عليها بعد اجتماع إسلامهما مدة يحل بها ابتداء نكاحها لم يحل نكاح الشرك ويحل بابتداء نكاح غيره في الاسلام إلا ما ذكرنا أنه يزيد على أربع من النساء فإن
ذلك معنى غير هذا ولا ينظر إلى عقده في الشرك بولي أو غير ولى أو شهود أو غير شهود وبأى حال كان يفسد فيها في الاسلام أو نكاح محرم أو غيره مما عقد إلى غيره مدة تنقطع بغير الموت وسواء في هذا نكاح الحربى والذمى والموادع وكذلك هم سواء في المهور والطلاق والظهار والايلاء ويختلف المعاهد وغيره في أشياء نبينها إن شاء الله تعالى.
تفريع نكاح أهل الشرك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا نكح الرجل المرأة في عدتها في دار الحرب مشركين فأنظر إذا اجتمع إسلامهما فإن كانت خارجة من العدة فالنكاح ثابت لانه يصلح له حينئذ ابتداء نكاحها وإن كانت في شئ من العدة فالنكاح مفسوخ وليس لها أن تنكحه ولا غيره حتى تكمل العدة لانه ليس له حينئذ أن يبتدئ نكاحها فإن كان أصابها في العدة أكملت العدة منه وتدخل فيها لعدة من الذى قبله لانهما لو لم يجتمع إسلامهما إلا بعد مضى عدتها من الاول أثبت النكاح ولم أرده بالعدة كما أرده في الاسلام بالعدة مكانه وبعد مدة طويلة ولو اجتمع إسلام الازواج وعنده أربع إماء فإن كان موسرا فنكاحهن كلهن منفسخ وكذلك إن كان معسرا لا يخاف العنت فإن كان معسرا لا يجد ما ينكح به حرة ويخاف العنت أمسك أيتهن شاء وانفسخ نكاح البواقى وإن أسلم بعضهن بعده فسواء ينتظر إسلام البواقى فمن اجتمع إسلامه وإسلام الزوج قبل مضى عدة المسلمة كان له الخيار فيه ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها فإن كان دخل بواحدة منهما فنكاحهما عليه محرم على الابد إن كان دخل بالام فالبنت ربيبته من امرأة قد دخل بها وإن كان دخل بالبنت فالام أم امرأة قد دخل بها فإن لم يكن دخل بواحدة منهن كانه له أن يمسك البنت إن شاء ولم يكن له أن يمسك الام أولا كانت أو آخرا إذا ثبت له العقدان في الشرك إذا جاز أحدهما في الاسلام بحال جاز نكاح البنت بعد الام إذا لم يدخل بالام ولا يجوز نكاح الام وإن لم يدخل بالبنت لانها مبهمة، ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها قد وطئهما(5/54)
بملك اليمين حرم عليه وطؤهما إلى الابد.
ولو كان وطئ الام حرم عليه وطئ البنت، ولو كان وطئ البنت حرم عليه وطئ الام ويمسكهن في ملكه وإن حرمت عليه فروجهن أو فرج من حرم فرجه
منهن.
ولو أسلم وعنده أمرأة وعمتها أو امرأة وخالتها قد دخل بهما أو لم يدخل أو دخل بإحداهما ولم يدخل بالاخرى كان ذلك كله سواء و يمسك أيتهما شاء ويفارق الاخرى ولا يكره من هاتين إلا ما يكره من الجمع بين الاختين وكل واحدة منها حلال على الانفراد بعد صاحبتها وهكذا الاختان إذا أسلم و هما عنده لا يخالفان المرأة وعمتها والمرأة وخالتها (قال الشافعي) ولو أسلم وعنده أمة وحرة أو إماء وحرة فاجتمع إسلامهن في العدة فنكاح الاماء مفسوخ والحرة ثابت معسرا يخاف العنت كان أو غير معسر ولا بخائف للعنت لان عنده حرة فلا يكون له ابتداء نكاح أمة بحال ولو كانت المسألة بحالها فطلق الحرة قبل أن تسلم أو بعدما أسلمت وقد أسلم أو لم يسلم ثلاثا وكان معسرا يخاف العنت ثم اجتمع إسلامه وإسلام الاماء وقف نكاحهن فإن اجتمع إسلامه وإسلام الحرة في عدتها فنكاح الاماء مفسوخ والحرة طالق ثلاثا لا لانا قد علمنا أنها زوجة ولها المهر الذى سمى لها إن كان دخل بها ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن لم يجتمع إسلامهما حتى تنقضي عدتها فنكاح الحرة مفسوخ بغير طلاق والطلاق غير واقع عليها لانا قد علمنا إذا مضت العدة قبل أن يجتمع إسلامهما أنه طلق غير زوجة ويختار من الاماء واحدة إذا كان له أن يبتدئ نكاح امة فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو ممن ليس له أن يبتدئ نكاح أمة انفسخ نكاحهن معا، ولو كان عنده إماء أو أمة فأسلم وهو ممن له أن يبتدئ نكاح أمه فاجتمع إسلامه وإسلام الامة في حال يكون له فيها ابتداء نكاح أمة كان له أن يمسك من الاماء اللاتى اجتمع إسلامهن وإسلامه وله نكاح أمة، وإن أسلم بعضهن قبل بعض وأيسر بعد عسر بحرة لم يحرم عليه إمساك واحدة منهن لانى أنظر إلى حاله حين اجتمع إسلامه وإسلامهن، وإن اختلف وقت إسلامهن فأيهن كان إسلامه وهو يحل له ابتداء نكاحه كان له أن يمسك واحدة من الاماء ولم يجز له أن يمسك واحدة من اللاتى أسلمن وهو لا يحل له إمساك واحدة منهن، وإذا كانت عنده أمة وحرائر أو حرائر وإماء وهو ممن له أن ينكح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام أمة أو أكثر من الاماء وقف عنهن، فإن أسلمت حرة في عدتها فقد انفسخ نكاح الاماء كلهن اللاتى أسلمن وتخلفن وإن لم تسلم واحدة من الحرائر حتى تنقضي عددهن اختار من الاماء واحدة إن كن أكثر من واحدة وثبتت عنده واحدة إن لم يكن غيرها ولو اجتمع إسلامه وإسلام أمة أو إماء فعتقن بعد اجتماع إسلامه وإسلام حرة
وقفناهن فإن أسلمت الحرة في العدة فنكاحهن منفسخ وإن لم يجتمع إسلامه وإسلام حرة في عدة اختار من الاماء واحدة إذا كان ممن يحل له نكاح الاماء لانى إنما أنظر إلى يوم يجتمع إسلامه وإسلامها فإن كان يجوز له في ذلك الوقت ابتداء نكاحها جعلت له إمساكها إن شاء وإن كان ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها لم أثبت نكاحها معه بالعقد الاول بمدة تأتى بعدها ولو عتقتن قبل أن يسلمن كن كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر وكذلك لو أسلمن هن وهو كافر فلم يجتمع إسلامه وإسلامهن حتى يعتقن كان من ابتدأ نكاحه وهن حرائر ولو كان عند عبد أربع إماء فأسلم وأسلمن قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن، ولو كان عنده حرائر فاجتمع إسلامه وإسلامهن ولم ترد واحدة منهن فراقه له أمسك اثنتين وفارق سائرهن، وكذلك إن كن إماء وحرائر مسلمات أو كتابيات ولو كن إماء فعتقن قبل إسلامه فاخترن فراقه كان ذلك لهن لانه يكون لهن بعد إسلامه وعددهن عدد حرائر فيحصين من يوم اخترن فراقه فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر ومن يوم اخترن فراقه وإن لم يجتمع(5/55)
إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الاسلام منهما لان الفسخ كان من يومئذ إذا لم يجتمع إسلامهما في العدة وعددهن عدد حرائر بكل حال لان العدة لم تنقض حتى صرن حرائر وإن لم يكن اخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا.
وإن تقدم إسلامهن قبل إسلامه فاخترن المقام معه ثم أسلم خيرن حين يسلم وكان لهن أن يفارقنه وذلك أنهن اخترن المقام معه ولا خيار لهن إنما يكون لهن الخيار إذا اجتمع إسلامهن وإسلامه ولو اجتمع إسلامه وإسلامهن وهن إماء ثم عتقن من ساعتهن ثم اخترن فراقه لم يكن ذلك لهن إذا أتى عليهن أقل أوقات الدنيا وإسلامهن وإسلامه مجتمع.
ولو اجتمع إسلامهن وإسلامه وعتقهن وعتقه معا لم يكن لهن خيار، وكذلك لو اجتمع إسلامهن وإسلامه فعتقن فلم يخترن حتى يعتق الزوج لم يكن لهن خيار، ولو كان عند عبد أربع حرائر فاجتمع إسلامه وإسلام الاربع معا كأنهن أسلمن معه في كلمة واحدة أو متفرقات ثم عتقن قيل له اختر اثنتين وفارق اثنتين، وسواء أعتق في العدة أو بعد ما تنقضي عددهن لانه كان يوم اجتمع إسلامه وإسلامهن مملوكا ليس له أن يجاوز اثنتين: قال وكذلك لو اجتمع إسلامه
وإسلام اثنتين في العدة ثم عتق ثم أسلمت الاثنتان الباقيتان في العدة لم يكن له أن يمسك إلا اثنتين، أي الاثنتين شاء، اللتين أسلمتا أولا أو آخرا لانه عقد في العبودية وإنما يثبت له عقد العبودية مع اجتماع إسلامه وإسلام أزواجه قبل مضى العدة فلا يثبت له بعقد العبودية إلا اثنتان، وإذا اختار اثنتين فهو ترك للاثنتين اللتين اختار غيرهما وله أن ينكحهما مكانه إن شاءتا وذلك أن هذا ابتداء نكاح بعد إذ صار حرا فله في الحرية الجمع بين أربع وإذا نكح المملوك المملوكة في الشرك ثم أعتق فملكها أو بعضها أو أعتقت فملكته أو بعضه ثم اجتمع إسلامهما معا في العدة وقد أقام في الكفر على النكاح فلا نكاح بينهما، وإذا تزوج الرجل في الشرك فأصاب امرأته ثم أسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج فسواء والنكاح موقوف على العدة فإذا أسلم المتأخر الاسلام منهما قبل أن تنقضي عدة المرأة والنكاح مما يصلح ابتداؤه في الاسلام ولم يكن فيهن من لا يصلح الجمع بينه فالنكاح ثابت، وهكذا إنكن حرائر ما بين واحدة إلى أربع ولا يقال للزوج اختروهن أزواجه فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وإن مات ورثنه وإن متن ورثهن فإن قال قد فسخت نكاحهن أو نكاح واحدة منهن وقف، فإن قال أردت إيقاع طلاق وقع عليه الطلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق، وإن قال عنيت أن نكاحهن كان فاسدا لم يكن طلاقا ويحلف ما كانت إرادته إحداث طلاق وإن كانت عنده أكثر من أربع فأسلم وأسلمت واحدة في العدة فقال قد اخترت حبسها ثم أسلمت أخرى فقال قد اخترت حبسها حتى يقول ذلك في أربع كان ذلك له وثبت نكاحهن باختياره لهن وكان نكاح الزوائد على الاربع منفسخا ولو قال كلما أسلمت واحدة قد اخترت فسخ نكاحها وقف فسخه فإن أسلمن معا أو لم يقل من هذا شيئا حتى أسلمن معا أو بعضهن قبل بعض غير أن كل واحدة منهن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها خير فقيل أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق سائرهن لان أختيارك فسخ لمن فسخت ولم يكن لك فسخهن إلا بأن تريد طلاقا ولا عليك فسخ نكاحهن فإذا أمسك أربعا فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن بلا طلاق لانه يجبر على أن يفارق ما زاد على أربع فلا يكون طلاقا ما جبر عليه وإنما أثبتنا له العقد باختياره فإن السنة جعلت له الخيار في إمساك أيتهن شاء فاتبعنا السنة قال والاختيار أن يقول قد أمسكت فلانة أو قد أمسك بعقد فلانة أو قد أثبت عقد فلانة أو ما أشبة هذا فإذا قال هذا في اربع انفسخ عقد من زاد
عليهن، ولو قال رجعت فيمن اخترت إمساكه منهن واخترت البواقى كان البواقى براء منه لا سبيل له(5/56)
عليهن إلا بنكاح جديد ووقفناه عند قوله: رجعت فيمن اخترت فإن قال أردت به طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وان قال لم أرد به طلاقا أردت أنى رأيت الخيار لى أو غير ذلك حلف ما أراد به طلاقا ولم يكن طلاقا (قال الشافعي) وعلى اللاتى فسخ نكاحهن باختيار غيرهن عدة مستقبلة من يوم انفسخ نكاحهن لانهن مدخول بهن انفسخ نكاحهن، وإن قال ما أردت بقولى قد أثبت عقد فلانة واللآتى قال ذلك لهن معا أو اخترت فلانة أو ما قاله مما يشبه هذا الكلام إثبات عقدهن دون البواقى انفسخ عقد البواقى في الحكم ولم يدين فيه ويثبت عقد اللواتى أظهر اختيارهن ووسعه إصابتهن لان نكاحهن ثابت لا يزول إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه إنما يفسخه اختيار غيرهن وهو لم يختر غيرهن، وأحب إلى إن يحدث لهن اختيارا فيكون ذلك فسخا للبواقي اللاتى فسخ عقدهن في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عزوجل فيسعه حبس اللآتى فسخناهن عليه بأن يحدث لهن اختيارا أو يفسخ فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى نكاح اللآتى حكمنا له بهن (قال الشافعي) والحكم كما وصفت فلو اختار أربعا ثم قال لم أرد اختيارهن وقد اخترت الاربع البواقى ألزمناه الاربع الآتى اختار أولا وجعلنا اختياره الآخر باطلا كما لو نكح امرأة فقال ما أردت بنكاحها عقد نكاح ألزمناه إياه لانه الظاهر من قوله وهو أبين أنه له حلال من الامرأة يبتدئ نكاحها لان نكاحهن ثابت إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه قال ولو أسلم وثمان نسوة له فقال قد فسخن عقد أربع بأعيانهن ثبت عقد اللآتى لم يفسخ عقدهن، ولم أحتج إلى أن يقول قد أثبت عقدهن وهن ثوابت بالعقد الاول واجتماع إسلام الزوجين في العدة، قال وإذا أسلم وعنده أربع منهن اختان وامرأة وعمتها قيل له أمسك اي الاختين شئت وإحدى المرأتين بنت الاخ أو العمة وفارق اثنتين (قال الشافعي) وإن كان معه أربع نسوة سواهن قيل له أمسك أربعا ليس لك أن يكون فيهن أختان معا أو المرأة وعمتها معا قال ولو أسلم وعنده حرائر يهوديات أو نصرانيات من بنى إسرائيل كن كالحرائر المسلمات لانه يصلح له أن يبتدئ نكاحهن كلهن، ولو كن يهوديات أو نصرانيات من غير بنى إسرائيل من العرب أو العجم انفسخ نكاحهن كلهن وكن كالمشركات الوثنيات
إلا أن يسلمن في العدة ولو كن من بنى إسرائيل يدن غير دين اليهود والنصارى من عبادة وثن أو حجر أو مجوسية لم يكن له إمساك واحدة منهن لانه لا يكون له ابتداء نكاحهن قال وكذلك لو كن إماء يهوديات أو نصرانيات من بنى إسرائيل انفسخ نكاحهن لانه لا يصلح له أن يبتدئ نكاحهن في الاسلام (قال الشافعي) ولو أسلم رجل وعنده أكثر من أربع نسوة قد أصاب منهن أربعا ولم يصب أربعا وأسلمن قبله أو بعده غير أن إسلام اللآتى لم يدخل بهن كلهن كان قبله أو بعده فالعصمة بينه وبين اللآتى لم يدخل بهن منقطعة ونكاح اللآتى دخل بهن ثابت وهو كرجل أسلم وعنده أربع نسوة ليس عنده غيرهن (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأسلمن قبله أو أسلم قبلهن ثم أصاب واحدة من اللاتى لم يدخل بهن كانت إصابته إياها محرمة وعليه لها مهر مثلها للشبهة وذلك أنها بعد انقطاع العصمة بينهما ولم يكن له أن يمسكها وكان له أن يبتدئ نكاحا إذا لم يكن عنده أربع سواها ولا من يحرم أن يجمع بينها وبينه ولها عليه صداق مثلها بالاصابة وعليها العدة والولد لاحق إن كان ولد ولاحد على واحد منها للشبهة.
__________
(1) قوله: غير ان اسلام الاتي الخ، كذا في النسخ، وتامل، وانظر.
كتبه مصححه(5/57)
ترك الاختيار والفدية فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلم الرجل وعنده أربع نسوة أو أكثر فأسلم بعضهن فسأل أن يخير فيهن والبواقي لم نقفه في التخيير حتى يسلم البواقى في عددهن أو تنقضي عددهن قبل أن يسلمن ثم يخير إذا اجتمع إسلامه وإسلام أكثر من أربع فيهن وله أن يختار إمساك أربع من اللاتى أسلمن فيكون ذلك فسخا لنكاح البواقى المتخلفات عن الاسلام أسلمن أو لم يسلمن، وكذلك لو اختار واحدة أو اثنتين ينتظر من بقى ويكون له الخيار فيمن بقى حتى يكمل أربعا، وإن كن ثمانيا فأسلم أربع فقال قد اخترت فسخ نكاحهن وحبس البواقى غيرهن وقفت الفسخ فإن أسلم الاربع البواقى في عددهن فعقد الاوائل منفسخ بالفسخ المتقدم وإن مضت عددهن قبل أن يسلمن فهى كالمسألة قبلها فإن كان أراد به إيقاع طلاق فهو طلاق وإن لم يرد به إيقاع طلاق حلف وكن نساءه،
وإذا أسلم الرجل وعنده أكثر من أربع نسوة فأسلمن فقيل له اختر فقال لا أختار حبس حتى يختار وأنفق عليهن من ماله لانه مانع لهن بعقد متقدم وليس للسلطان أن يطلق عليه كما يطلق على المولى فإن امتنع مع الحبس أن يختار عزر وحبس أبدا حتى يختار ولو ذهب عقله في حبسه خلى وأنفق عليهن من ماله حتى يفيق فيختار أو يموت وكذلك لو لم يوقف ليختار حتى يذهب عقله فإن مات قبل أن يختار أمرناهن معا أن يعتددن الآخر من أربعة أشهر وعشر أو ثلاث حيض لان فيهن أربع زوجات متوفى عنهن وأربع منفسخات النكاح ولا نعرفهن بأعيانهن.
قال ويوقف لهن ميراث أربع نسوة حتى يصطلح فيه فإن رضى بعضهن بالصلح ولم يرض بعضهن فكان اللآتى رضين أقل من أربع أو أربعا لم نعطهن شيئا لانهن لو رضين فأعطيناهن نصف الميراث أو أقل احتملن أن يكن اللآتى لا شئ لهن فإن رضى خمس منهن بالصلح فقلن العلم يحيط أن لواحدة منا ربع الميراث فأعطنا ربع ميراث امرأة لم أعطهن شيئا حتى يقررن معا ان لا حق لهن في الثلاثة الارباع الباقية من ميراث امرأة.
فإذا فعلن اعطيتهن ربع ميراث إمرأة ودفعت ثلاثة أرباع ميراث امرأة إلى الثلاث البواقى سواء بينهن فإن كن اللاتى رضين ستا فرضين بالنصف أعطيتهن إياه، وإن كن سبعا فرضين بالثلاثة الارباع أعطيتهن إياه وأعطيت الربع الباقية وإنما قلت لا أعطى واحدة منهن بالصلح شيئا حتى يرضين فيما وصفت أنى أعطيتهن فيه أن يقطعن حقوقهن من الباقي أنى إذا أعطيتهن إياه وأعطيت الربع الباقية وإنما قلت لا أعطى واحدة منهن بالصلح شيئا حتى يرضين فيما وصفت أنى أعطيتهن فيه أن يقطعن حقوقهن من الباقي أنى إذا أعطيتهن حقوقهن حتى يأتي على الثلاثة الارباع كنت إذا وقفت الربع لواحدة أعطيتهن ومنعتها ولم تطب لهن نفسها وإن أعطيتها الربع أعطيتها ما أخذت امرأتان بلا تسليم منهن ذلك لها وأكثر حالها أن يكون لها حظ امرأة وقد إلا يكون لها شئ وإذا قطعن حقوقهن عن الباقي فلم أعطها إلا ما يجوز لى أن أعطيها إياه إما حق لها وإما حق لهن تركته لها أو لبعضهن تركته لها، قال وينبغى أن لابي الصبية وولى اليتيمة أن يأخذ لها نصف ميراث امرأة إن صولح عليه فأكثر إذا لم يعلم لها بينة تقوم ولا يأخذ لها أقل وإن كن هن الميتات أو واحدة منهن وهو الباقي قيل له افسخ نكاح أيتهن شئت وخذ ميراث اللاتى لم تفسخ نكاحهن ويوقف له ايراث زوج كلما ماتت منهن واحدة حتى
يختار أربعا فيأخذ مواريثهن، وإذا ادعى بعضهن أو ورثة بعضهن بعد موتها أنه فسخ نكاح واحدة منهن أحلف ما فعل وأخذ ميراثها.(5/58)
من ينفسخ نكاحه من قبل العقد ومن لا ينفسخ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أسلم وعنده امرأة عقد نكاحها غير مطلق وأسلمت لم يكن له أن يثبت على نكاحها لانها لم يعقد عليها عقد نكاح وذلك أن يكون نكاحها متعة والناكح متعة لم يملك أمرا لا مرأة على الابد إنما ملكها مدة دون مدة أو نكحها على أنها بالخيار أو أن رجلا أو امرأة غيرها بالخيار أو أنه هو بالخيار لان هذا كله في معنى أنه لم يملك أمرها بالعقد مطلقا ولو أبطلت الناكحة متعة شرطها على الزوج قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما لم تكن امرأته لانه لم يعقد لها على الابد ولم يكن شرطه عليها في العقد ولو اجتمعت هي وهو فأبطلا الشرط قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما معا فالنكاح مفسوخ إلا أن يبتدئا نكاحا في الشرك غيره قال وهكذا كل ما ذكرت معه من شرط الخيار له أولها أو لهما معا أو لغيرهما منفرد أو معهما لم يكن النكاح مطلقا إذا أبطلاه وإذا لم يبطلاه لم يثبت ولا يخالف نكاح المتعة في شئ ولو أن رجلا نكح امرأة في الشرك بغير شهود أو بغير ولى محرم لها فأسلما أو أي نكاح أفسدناه في الاسلام بحال غير ما وصفت من النكاح الذى لا نملكه فيه أمرها على الابد وكان ذلك عندهم نكاحا جائزا وإن كانوا ينكحون أجوز منه ثم اجتمع إسلامهما في العدة ثبتا على النكاح ولو أن رجلا غلب على امرأة بأى غلبة كانت أو طاوعته فأصابها وأقام معها أو ولدت منه أو لم تلد منه ولم يكن ذلك نكاحا عندهم ثم أسلما في العدة لم يكن ذلك نكاحا عندهم وفرق بينهما عندهم ولا مهر لها عليه إلا أن يصيبها بعدما يسلم على وجه شبهة فلها عليه مهر مثلها لانى لا أقضى لها عليه بشئ فائت في الشرك لم يلزمه إياه نكاحها إذا لم يكن عندهم أو عنده إذا لم يكونا معاهدين يجرى عليهما الحكم وهذا كله إذا نكح مشركة وهو مشرك (قال الشافعي) فإن كان مسلما فنكح مشركة وثنية أو مشركا فنكح مسلمة فأصابها ثم اجتمع إسلامهما في العدة فالنكاح ينفسخ بكل حال لان العقد محرم باختلاف الدينين ولا يثبت إلا بنكاح مستقبل.
ولو كان طلقها في الشرك في المسألتين معا لم
يلزمها الطلاق (قال الشافعي) وإذا أسلم الرجل من أهل الحرب وامرأته كافرة ثم ارتد عن الاسلام قبل أن تسلم امرأته فإن أسلمت امرأته قبل أن تنقضي عدتها وعاد إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها حتى يكونا في العدة مسلمين معا فهما على النكاح.
وإن أسلم قبلها ثم ارتد ثم أسلم ولم تنقض العدة ثم أسلمت في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد انفسخ النكاح، ولو أسلمت وهو مرتد فمضت عدتها وهو على ردته انفسخ النكاح ولو عاد بعد انقضاء عدتها إلى الاسلام فقد انفسخ نكاحها وانقضت عدتها وتنكح من شاءت والعدة من يوم أسلم وهكذا إن كانت هي المسلمة أولا فارتدت لا يختلفان وسواء أقام المرتد منهما في دار الاسلام أو لحق بدار الشرك أو عرض عليه الاسلام أو لم يعرض إذا اسلم المرتد عن الاسلام قبل انقضاء عدة المرأة فهما على النكاح، قال وتصدق المرأة المرتدة على انقضاء عدتها في كل ما أمكن مثله كما تصدق المسلمة عليها في كل ما أمكن كانت هي المرتدة أو الزوج فإن كان الزوج لم يصبها فارتد أو ارتدت انفسخ النكاح بينهما بردة أيهما كان لانه لا عدة فإن كان هو المرتد فلها نصف الصداق لان فساد النكاح كان من قبله، ولو كانت هي المرتدة فلا
__________
(1) قوله ولم يكن شرطه عليها في العقد، كذا في النسخ، ولعل فيه سقطا والاصل " ولم يكن شرطه عليها في غير العقد " تأمل.
كتبه مصححه(5/59)
صداق لها لان فساد النكاح كان من قبلها وسواء في هذا كل زوجين (قال الشافعي) وردة السكران من الخمر والنبيذ المسكر في فسخ نكاح امرأته كردة المصحى وردة المغلوب على عقله من غير المسكر لا تفسخ نكاحا.
طلاق المشرك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد نكاح الشرك وأقر أهله عليه في الاسلام لم يجز والله تعالى أعلم إلا أن يثبت طلاق الشرك لان الطلاق يثبت بثبوت النكاح ويسقط بسقوطه فلو أن زوجين أسلما وقد طلق الزوج امرأته في الشرك ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن أصابها بعد الطلاق ثلاثا في الشرك لم يكن لها صداق لانا نبطل عنه ما استهلكه
لها في الشرك (قال الشافعي) ولو أسلم ثم أصابها بعد طلاق ثلاث كانت عليها العدة ولحق الولد وفرق بينهما ولها مهر مثلها (قال الربيع) إذا كان يعذر بالجهالة (قال الشافعي) وإن طلقها واحدة أو اثنتين ثم أسلما حسب عليه ما طلقها في الشرك وبنى عليها في الاسلام، ولو طلقها ثلاثا في الشرك ثم نكحت زوجا غيره فإن أصابها ثم طلقها أو مات عنها ثم نكحها زوجها الذى طلقها كانت عنده على ثلاث كما تكون في الاسلام إذا كان النكاح صحيحا عندهم نثبته في الاسلام وذلك أن لا تنكح محرما ولا متعة ولا في معناها.
قال ولو آلى منها في الشرك ثم أسلما قبل مضى الاربعة الاشهر فإذا استكمل أربعة أشهر من إيلائه وقف كما يوقف من آلى في الاسلام (قال الشافعي) ولو مضت الاربعة الاشهر قبل أن يسلما ثم أسلما ثم طلبت أن يوقف وقف مكانه لان أجل الاسلاء قد مضى ولو تظاهر منها في الشرك ثم أسلما وقد أصابها قبل الاسلام أو بعده أو لم يصبها أمرته باجتنابها حتى يكفر كفارة الظهار، قال ولو قذفها في الشرك ثم أسلما ثم ترافعا قلت له التعن ولا أجبره على اللعان ولا أحده إن لم يلتعن ولا أعزره فإن التعن فرقت بينهما مكاني ولم آمرها بالالتعان لانه لاحد عليها لو أقرت بالزنا في الشرك وليس لها معنى في الفرقة إنما الفرقة بالتعانه وإن لم يلتعن فسواء أكذب نفسه أو لم يكذبها لم أجبره عليه ولم أحده ولم أعزره لانه قذفها في الشرك حيث لاحد عليه ولا تعزير، ولو قال لها في الشرك أنت طالق إن دخلت الدار ثم دخلتها في الشرك أو الاسلام طلقت ويلزمه ما قال في الشرك كما يلزمه ما قال في الاسلام لا يختلف ذلك، ولو تزوج امرأة في الشرك بصداق فلم يدفعه إليها أو بلا صداق فأصابها في الحالين ثم ماتت قبل أن يسلم ثم أسلم زوجها وطلب ورثتها صداقها الذى سمى لها أو صداق مثلها لم يكن لهم منه شئ لانى لا أقضى لبعضهم على بعض بما فات في الشرك والحرب.
نكاح أهل الذمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وعقد نكاح أهل الذمة فيما بينهم ما لم يترافعوا إلينا كنكاح أهل الحرب ما استجازوه نكاحا ثم أسلموا لم نفسخه بينهم إذا جاز ابتداؤه في الاسلام بحال، وسواء كان بولي أو غير ولى وشهود أو غير شهود، وكل نكاح عندهم جائز أجزته إذا صلح ابتداؤه في الاسلام(5/60)
بحال قال وهكذا إن نكحها في العدة وذلك جائز عندهم ثم لم يسلما حتى تمضى العدة وإن أسلما في العدة فسخت نكاحهما لانه لا يصلح ابتداء هذا في الاسلام بحال وإن نكح محرما له أو امرأة أبيه ثم أسلما فسخته لانه لا يصلح ابتداؤه في الاسلام بحال وكذلك إن نكح امرأة طلقها ثلاثا قبل أن تتزوج زوجا غيره يصيبها، وإذا أسلم أحدهم وعنده اكثر من أربع نسوة قيل له أمسك أي الاربع شئت وفارق سائرهن (قال الشافعي) وكذلك مهورهن فإذا أمهرها خمرا أو خنزيرا أو شيأ مما يتمول عندهم ميتة أو غيرها مما له ثمن فيهم فدفعه إليها ثم أسلم فطلبت الصداق لم يكن لها غير ما قبضت إذا عفيت العقدة التى يفسد بها النكاح فالصداق الذى لا يفسد به النكاح اولى أن يعفى فإذا لم تقبض من ذلك شيئا ثم أسلما فإن كان الصداق مما يحل في الاسلام فهو لها لا تزاد عليه وإن كان مما لا يحل فلها مهر مثلها، وإن كانت قبضته وهو مما لا يحل ثم طلقها قبل الدخول أو بعد إسلامهما لم يرجع عليها بشئ وهكذا إن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الاسلام لا يأخذ مسلم جراما ولا يعطيه.
قال وإن كانت لم تقبضه ثم أسلما وطلقها رجعت عليه بنصف مهر مثلها.
وإذا أسلم وهو وهى كتابية فهما على النكاح.
وإذا تناكح المشركون ثم أسلموا لم أفسخ نكاح واحد منهم وإن نكح يهودى نصرانية أو نصراني مجوسية أو مجوسي يهودية أو نصرانية أو وثنى كتابية أو كتابي وثنية لم أفسخ منه شيئا إذا أسلموا (قال الشافعي) وكذلك لو كان بعضهم أفضل من بعض نسبا فتناكحوا في الشرك نكاحا صحيحا عندهم ثم أسلموا لم أفسخه بتفاضل النسب ما كان التفاضل إذا عفى لهم عما يفسد العقدة في الاسلام فهذا أقل من فسادها.
وإذا كانت نصرانية تحت وثنى أو وثنية تحت نصراني فلا ينكح الولد ولا تؤكل ذبيحة الولد ولا ينكحها مسلم لانها غير كتابية خالصة ولا تسبى لذمة أحد أبويها ولو تحاكم أهل الكتاب إلينا قبل أن يسلموا وجب علينا الحكم بينهم كان الزوج الجائي إلينا أو الزوجة فإن كان النكاح لم يمض لم نزوجهم إلا بشهود مسلمين وصداق حلال وولى جائز الامرأب أو أخ لا أقرب منه وعلى دين المزوجة وإذا اختلف دين الولى والمزوجة لم يكن لها وليا إن كان مسلما وهى مشكرة لم يكن لها وليا ويزوجها أقرب الناس بها من أهل دينها فإن لم يكن لها قريب زوجها الحاكم لان تزويجه حكم عليها ثم نصنع في ولاتهم ما نصنع في ولاة المسلمات وإن تحاكموا بعد النكاح فإن كان يجوز ابتداء نكاح المرأة
حين تحاكمهم إلينا بحال أجزناه لان عقده قد مضى في الشرك وقبل تحاكمهم إلينا وإن كان لا يجوز بحال فسخناه وإن كان المهر محرما وقد دفعه بعد النكاح لم يجعل لها عليه غيره وإن لم يدفعه جعلنا لها مهر مثلها لازما له قال ولو طلبت أن تنكح غير كف ء وأبى ذلك ولاتها منعت نكاحه وإن نكحته قبل التحاكم إلينا لم نزده إذا كان مثل ذلك عندهم نكاحا لمضى العقد (قال الشافعي) وإذا تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا أو واحدة أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها حكمنا عليه حكمنا على المسلم عنده المسلمة وألزمناه ما نلزم المسلم ولا يجزيه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وإن أطعم لم يجزه إلا إطعام المؤمنين ولا يجزيه الصوم بحال لان الصوم لا يكتب له ولا ينفع غيره ولا حد على من قذف مشركة وإن لم يلتعن ويعزر ولو تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا ثم أمسكها فأصابها فإن كان ذلك جائزا عندهم جعلنا لها مهر مثلها بالاصابة وإن كان ذلك غير جائز عندهم فاستكرهها جعلنا لها مهر مثلها بالاصابة وإن كان
__________
(1) قوله: قبل الدخول أو بعد اسلامهما الخ، كذا في الاصول والظاهر التعبير بالواو بدل " أو " فتأمل كتبه مصححه(5/61)
عندهم زنا ولم يستكرهها لم تجعل لها مهر مثلها وفرقنا بينهما في جميع الاحوال (قال الشافعي وإذا يزوج الذمي ابنه الصغير أو ابنته الصغيرة فهما على النكاح يجوز لهم من ذلك ما يجز لاهل الاسلام (قال الشافعي) وإذا تزوجت المسلمة ذميا فالنكاح مفسوخ ويؤدبان ولا يبلغ بهما حد وإن أصابها فلها مهر مثلها وإذا تزوج المسلم كافرة غير كتابية كان النكاح مفسوخا ويؤدب المسلم إلا أن يكون ممن يعذر بجهالة وإن نكح كتابية من أهل الحرب كرهت ذلك له والنكاح جائز.
نكاح المرتد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ارتد المسلم فنكح مسلمة أو مرتدة أو مشركة أو وثنية فالنكاح باطل أسلما أو أحدهما أو لم يسلما ولا أحدهما فإن أصابها فلها مهر مثلها والولد لا حق ولا حد وإن كان لم يصبها فلا مهر ولا نصف ولا متعة وإذا أصابها فلها مهر مثلها ولا يحصنها ذلك ولا تحل به لزوج لو طلقها ثلاثا لان النكاح فاسد وإنما أفسدته لانه مشرك لا يحل له نكاح مسلمة أو مشرك ولا يترك على دينه بحال ليس كالذمي الآمن على ذمة للجزية يؤديها ويترك على حكمه ما لم يتحاكم إلينا ولا
مشرك حربى يحل تركه على دينه والمن عليه بعدما يقدر عليه وهو مشرك عليه أن يقتل وليس لاحد المن عليه ولا ترك قتله ولا أخذ ماله (قال الشافعي) ولا يجوز نكاح المرتدة وإن نكحت فأصيبت فلها مهر مثلها ونكاحها مفسوخ والعلة في فسخ نكاحها العلة في فسخ نكاح المرتد.
كتاب الصداق أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي المطلبى قال: قال الله عزوجل (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال عزوجل (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف)) وقال (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقال (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) و قال عز ذكره (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم وإحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وقال (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وقال (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) (قال الشافعي) فأمر الله الازواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والاجر هو الصداق والصداق هو الاجر والمهر وهى كلمة عربية تسمى بعدد أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لانه حق ألزمه المرء نفسه فلا يكون له حبس شئ منه إلا بالمعنى الذى جعله الله تعالى له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله تبارك وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم أبدا إلا بأن يلزمه المرء نفسه ويدخل بالمرأة وإن لم يسم مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان اولاه يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع واستدللنا بقول الله عزوجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم(5/62)
تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) أن عقد النكاح يصح بغير فريضة صداق وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت فهذا دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير
مهر استدللنا على أن العقد يصح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبدا فإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية لقول الله عزوجل (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)) يريد والله تعالى أعلم النكاح والمسيس بغير مهر ودل قول الله عزوجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهى عن القنطار وهو كثير وتركه حد القليل ودلت عليه السنة والقياس على الاجماع فيه فأقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق) قيل: وما العلائق يا رسول الله؟ قال (ما تراضى به الاهلون) (قال الشافعي) ولا يقع اسم علق إلا على شئ مما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ماله قيمة يتبايع بها ويكون إذا استهلها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما يشبه ذلك والثانى كل منفعة ملكت وحل ثمنها مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته (قال الشافعي) والقصد في الصداق أحب إلينا وأستحب أن لا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة في موافقة كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمى عن أبى سلمة قال سألت عائشة كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لازواجه اثنتى عشرة أوقية ونش قالت أتدرى ما النش؟ قلت لا قالت نصف اوقية أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أسهم الناس المنازل فطار سهم عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال له سعد تعال حتى أقاسمك مالى وأنزل لك عن أي امرأتي شئت وأكفيك العمل فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فخرج إليه فأصاب شيئا فخطب امرأة فتزوجها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (على كم تزوجتها يا عبد الرحمن؟) قال على نواة من ذهب فقال (أو لم
بشاة) (قال الشافعي) أخبرنا مالك قال حدثنى حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة من الانصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أو لم ولو بشاة) (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب الله عزوجل أن على الناكح الواطئ صداقا لما ذكرت ففرض الله في الاماء أن ينكحن بإذن أهلهن ويؤتين أجورهن والاجر الصداق وبقوله ((فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وقال عزوجل (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى) الآية (قال الشافعي) خالصة بهبة ولا مهر فأعلم أنها للنبى صلى الله عليه وسلم دون المومنين قال فأى نكاح وقع بلا مهر فهو ثابت ومتى قامت المرأة بمهرها فلها أن يفرض لها مهر مثلا وكذلك إن دخل بها الزوج ولم يفرض لها فلها مهر مثلها ولا يخرج الزوج من أن(5/63)
ينكحها بلا مهر ثم يطلق قبل الدخول فيكون لها المتعة وذلك المواضع الذى أخرج الله تعالى به الزوج من نصف المهر المسمى إذا طلق قبل أن يدخل بها وسواء في ذلك كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية وأمة مسلمة ومدبرة ومكاتبة وكل من لم يكمل فيه العتق قال الله عزوجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فجعل الله تعالى الفرض في ذلك إلى الازواج فدل على أنه برضا الزوجة لان الفرض على الزوج للمرأة ولا يلزم الزوج والمرأة إلا باجتماعهما ولم يحدد فيه شئ فدل كتاب الله عزوجل على أن الصداق ما تراضى به المتناكحان كما يكون البيع ما تراضى به المتبايعان وكذلك دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجز في كل صداق مسمى إلا أن يكون ثمنا من الاثمان (قال الشافعي) وكل ما جاز أن يكون مبيعا أو مستأجرا بثمن جاز أن يكون صداقا وما لم يجز فيهما لم يجز في الصداق فلا يجوز الصداق إلا معلوما ومن عين يحل بيعها نقدا أو إلى أجل وسواء قل ذلك أو كثر فيجوز أن ينكح الرجل المرأة على الدرهم وعلى أقل من الدرهم وعلى الشئ يراه بأقل من قيمة الدرهم وأقل ما له ثمن إذا رضيت المرأة المنكوحة وكانت ممن يجوز أمرها في مالها (قال الشافعي) يجوز وز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبنى لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى حازم
عن سهل بن سعد أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل، فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل عندك من شئ تصدقها إياه)) فقال ما عندي إلا إزارى هذا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس لها شيئا) فقال ما أجد شيئا فقال (التمس ولو خاتما من حديد) فالتمس فلم يجد شيئا فقال ما أجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل معك من القرآن شئ) قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد زوجتكها بما معك من القرآن) (قال الشافعي) وخاتم الحديد لا يسوى قريبا من الدراهم ولكن له ثمن يتبايع به (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أدوا العلائق) فقالوا وما العلائق؟ قال (ما تراضى به الاهلون) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من استحل بدرهم فقد استحل) (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز نكاحا على نعلين وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال في ثلاث قبضات من زبيب مهر، أخبرنا سفيان عن ايوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال تسرى رجل بجارية فقال رجل هبها لى فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فقال لم تحل الموهوبة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا فما فوقه جوز، أخبرنا إبراهيم بن محدم قال سألت ربيعة عما يجوز في النكاح فقال درهم فقلت فأقل؟ قال ونصف قالت فأقل؟ قال نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة.
في الصداق بعينه يتلف قبل دفعه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا تزوجها على شئ مسمى فذلك لازم له إن مات أو ماتت قبل أن يدخل بها أو دخل بها إن كان نقدا فالنقد وإن كان دينا فالدين أو كيلا موصوفا فالكيل أو عرضا موصوفا فالعرض، وإن كان عرضا بعينه مثل عبد أو أمة أو بغير أو بقرة فهلك ذلك في يديه(5/64)
قبل أن يدفعه ثم طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمته يوم وقع عليه النكاح وذلك يوم ملكته ما لم يحدث لها منعا فإن طلبته فمنعها منه فهو غاصب ولها قيمته أكثر ما كانت قيمته (قال الربيع) وللشافعي
قول آخر أنه إذا أصدقها شيئا فتلف قبل أن تقبضه كان لها صداق مثلها كما لو اشترت منه شيئا فتلف قبل أن تقبضه رجعت بالثمن الذى اعطته وهكذا ترجع ببضعها وهو ثمن الشئ الذى أصدقها إياه وهو صداق المثل (قال الربيع) وهذا آخر قول الشافعي قال فإن نكحته على خياطة ثوب بعينه فهلك فلها عليه مثل أجر خياطة ذلك الثوب وتقوم خياطته يوم نكحها فيكون عليه مثل أجره (قال الربيع) رجع الشافعي عن هذا القول وقال لها صداق مثلها (قال الربيع) (قال الشافعي) وإذا أصدقها شيئا فلم يدفعه إليها حتى تلف في يده فإن دخل بها فلها صداق مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف صداق مثلها وإنما ترجع في الشئ الذى ملكته ببضعها فترجع بثمن البضع كما لو اشترت شيئا بدرهم فتلف الشئ رجعت بالذى أعطته لانه لم يعطها العوض من ثمن الدرهم فكذلك ترجع بما أعطت وهو البضع وهو صداق المثل وهو آخر قول الشافعي قال وإن نكحته على شئ لا يصلح عليه الجعل مثل ان يقول أنكحتك على أن تأتيني بعبدي الابق أو جملى الشارد فلا يجوز الشرط والنكا ثابت ولها مهر مثلها لان إتيانه بالضالة ليس بإجارة تلزمه ولا شئ له غاية تعرف وتمليكها إياه بضعها فهو مثل أن تعطيه دينارا على أن يفعل أحد هذين فإذا جاءها لما جعلت له عليه فله الدينار وإن لم يأتها به فلا دينار له ولا يملك الدينار إلا بأن يأتيها بما جعلت له عليه وهى هناك ملكته بضعها قبل أن يأتيها بما جعلت له قال وما جعلت لها فيه عليه الصداق إذا مات أو ماتت قبل إصابتها أو بعد إصابتها (1) صداق مثلها فطلقها فيه قبل أن يدخل بها فلها نصف المسمى الذى جعل لها ونصف العين التى أصدقها إن كان قائما وإن فات فنصف صداق مثلها وذلك مثل أن يتزوجها على خياطة ثوب فيهلك فيكون لها نصف صداق مثلها لان بضعها الثمن وإن انتقصت الاجارة بهلاكه كان لها نصف الذى كان ثمنا للاجارة كما يكون في البيوع قال وإذا أوفاها ما أصدقها فأعطاها ذلك دناينر أو دراهم ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصفه وإن هلك فنصف مثله، وكذل الطعام المكيل والموزون فإن لم يوجد له مثل فمثل نصف قيمته.
فيمن دفع الصداق ثم طلق قبل الدخول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أصدق الرجل المرأة دنانير أو دراهم فدفعها إليها ثم طلقها
قبل أن يدخل بها والدنانير والدراهم قائمة بأعيانها لم تغير وهما يتصادقان على أنها هي بأعيانها رجع عليها بنصفها وهكذا إن كانت تبرا من فضة أو ذهب فإن تغير شئ من ذلك في يدها إما بأن تدفن الورق فيبلى فينقص أو تدخل الذهب النار فينقص أو تصوغ الذهب والورق فتزيد فيمته أو تنقص في النار فكل هذا سواء ويرجع عليها بمثل نصفه يوم دفعه إليها لانها ملكته بالعقدة وضمنته بالدفع فلها زيادته وعليها نقصانه فإن قال الزوج في النقصان أنا آخذه ناقصا فليس لها دفعه عنه إلا في وجه واحد إن كان نقصانه في الوزن وزاد في العين فليس له أخذه في الزيادة في العين وإنما زيادته في مالها أو تشاء
__________
(1) قوله: صداق مصلها، كذا في الاصول في هذا الوضع، ولعله من زيادة النساخ، تأمل.
كتبه مصححه(5/65)
هي في الزيادة أن تدفعه إليه زائدا غير متغير عن حاله فليس له إلا ذلك قال ولو كان أصدقها حليا مصوغا أو وناء من فضة أو ذهب فانسر كان كما وصفت لها وعليها أن ترد عليه نصف قيمته يوم دفعه مصوغا ولو كان إناءين فانكسر أحدهما وبقى الآخر صحيحا كان فيها قولان أحدهما أن له أن يرجع بنصف قيمتهما إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها في الاناء الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك والآخر أنه شريك في الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك لا شئ له غير ذلك وهذا أصح القولين ولو زادت هي فيهما صناعة أو شيئا أدخلته كان عليها أن تعطيه نصف قيمتهما يوم دفعهما إليها وإن كان الاناء ان من فضة فانكسرا ثم طلقها رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من الذهب وإن كانا من ذهب رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من فضة لانه لا يصلح له أن يأخذ ورقا بورق أكثر وزنا منها ولا يتفرقان حتى يتقابضا قال ولو كان الصداق فلوسا أو إناء من نحاس أو حديد أو رصاص لا يختلف هذا إلا في أن قيمة هذا كله على الاغلب من نقد البلد دنانير إن كان أو دراهم ويفارق الرجل فيه صاحبه قبل أن يقبض قيمتها لانه لا يشبه الصرف ولا ما فيه الربا في النسيئة وكذلك لو أصدقها خشبة فلم تغير حتى طلقها كان شريكا لها بنصفها ولو تغيرت ببلاء أو عفن أو نفص ما كان النقص كان عليها أن تعطيه نصف قيمتها صحيحة إلا أن يشاء هو أن يكون شريكا لها بنصف جميع ما نقص من ذلك كله فلا يكون لها دفعه عن ذلك ناقصا و القول في الخشبة، والخشبة معها كالقول في الاناء الذهب والآنية إذا
هلك بعض وبقى بعض وكذلك إذا زادت قيمتها بأن تعمل أبوابا أو توابيت أو غير ذلك كانت لها ورجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعها وإذا أرادت أن تدفع إليه نصفها أبوابا وتجعله شريكا في نصفها توابيت لم يكن ذلك عليه إلا أن يتطوع وإن كانت التوابيت والابواب أكثر قيمة من الخشب لان الخشب يصلح لما لا تصلح له التوابيت والابواب وليس عليه أن يحول حقه في غيره وإن كان أكثر ثمنا منه ولا يشبه في هذا الدنانير والدراهم التى هي قائمة بأعيانها لا يصلح منها شئ لما لا يصلح له غيرها وهكذا لو أصدقها ثيابا فبليت رجع عليها بنصف قيمتها إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها بالنصف بالية فلا يكون لها دفعه عنه لان ماله ناقص ولو أصدقها ثيابا فقطعتها أو صبغتها فزادت في التقطيع أو الصبغ أو نفصها كان سواء ويرجع بنصف قيمتها ولو أراد أن يكون شريكا لها في الثياب المقطعة أو المصبوغة ناقصة أو أرادت أن يكون شريكا لها في الثياب زائدة لم يجبر واحد منهما على ذلك إلا أن يكون يشاء لان الثياب غير المتقطعة وغير المصبوغة تصلح وتراد لما لا يصلح له المصبوغة ولا تراد فقد تغيرت عن حالها التى أعطاها إياها وكذا لو أصدقها غزلا فنسجته رجع عليها بمثل نصف الغزل إن كان له مثل وإن لم يكن له مثل رجع بمثل نصف قيمته يوم دفعه.
وكل ما قلت يرجع بمثل نصف قيمته فإنما هو يوم يدفعه لا ينظر إلى نقصانه بعد ولا زيادته لانها كانت مالكة له يوم وقع العقد وضامنة يوم وقع القبض إن طلقها فنصفه قائما أو قيمة نصفه مستهلكا (قال الشافعي) ولو أصدقها آجرا فبنت به أو خشبا فأدخلته في بنيان أو حجارة فأدخلتها في بنيان وهى قائمة بأعيانها فهى لها ويرجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعهاه إليها لانها بنت ما تملك وإنما صار له النصف بالطلاق وقد استعملت هذا وهى تملكه فلا يخرج من موضعه إلا أن تشاء هي وإن خرج بحاله كان شريكا فيه وإن خرج ناقصا لم يجبر على أخذه إلا أن يشاء وله نصف قيمته، وإذا نكح الرجل المرأة على أن يخدم فلانا شهرا فخدمه نصف شهر ثم مات كان لا في ماله نصف مهر مثلها ولو نكحته على أن يحملها على بعير بعينه إلى بلد فحملها إلى نصف الطريق ثم مات البعير كان لها في ماله نصف مهر مثلها ونصف مهر مثلها كالثمن يستوجبه به ألا(5/66)
ترى أنها لو تكارت معه بعيره بعشرة فمات البعير في نصف الطريق رجعت بخمسة.
صداق ما يزيد ببدنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أصدقها أمة وعبدا صغيرين ودفعهما إليها فكبرا أو غير عالمين ولا عاملين فعلما أو عملا أو أعميين فأبصرا أو أبرصين فبرئا أو مضرورين أي ضرر كان فذهب ضررهما أو صحيحين فمرضا أو شابين فكبرا أو اعورا أو نقصا في أبدانهما والنقص والزيادة إنما هي ما كان قائما في البدن لا في السوق بغير ما في البدن ثم طلقها قبل أن يدخل بها كانا لها وكان عيها ان تعطيته انصاف قيمتهما يوم قبضتهما الا ان تشاء ان تدفعهما إليه زائدين فلا يكون له الا ذلك الا أن تكون الزيادة غيرتهما بأن يكونا صغيرين فكبرا كبرا بعيدا من الصغير فالصغير يصلح لما لا يصلح له الكبير فيكون له نصف القيمة وإن كانا ناقصين دفعت إليه أنصاف قيمتهما إلا أن يشاء أن يأخذهما ناقصين فليس لها منعه إياهما لانها لها منعه الزيادة فأما النقص عما دفع إليها فليس لها ولها إن كانا صغيرين فكبرا أن تمنعه إياهما وإن كانا ناقصين لان الصغير غير الكبير وأنه يصلح كل واحد منهما لما يصلح له الآخر (قال الشافعي) ولو كانا بحالهما إلا أنهما إعورا لم يكن لها منعه أن يأخذهما أعورين لان ذلك ليس بتحول من صغر ولا كبر الكبير بحاله والصحيح خير من الاعور، وهذا كله ما لم يقض له القاضى بأن يرجع بنصف العبد فإذا قضى له بأن يرجع بنصف العبد فمنعته فهى ضامنة لما أصاب العبد في يديها إن مات ضمنت نصف قيمته أو اعور أخذ نصفه وضمنها نصف العور فعلى هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) والنخل والشجر الذى يزيد وينقص في هذا كله كالعبيد والاماء لا تخالفها في شئ ولو كان الصداق أمة فدفعها إليها فولدت أو ماشية فنتجت في يديها ثم طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله وولد الامة إن كانت الامة والماشية زائدة أو ناقصة فهى لها ويرجع عليها بنصف قيمة الامة والماشية يوم دفعها إليها إلا أن يشاء أن يأخذ نصف الامهات التى دفعها إليها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يكون نقصها مع تغير من صغر إلى كبر فيكون نصفها بالعيب أو تغير البدن وإن كان نقصا من وجه بلوغ سن كبر زائد فيه من وجه غيره ولا يكون له أخذ الزيادة وإنما زادت في مالها لها وإن كان دفعها كبارا فكان نقصها من كبر أو هرم كان ذلك له لان الهرم نقص كله لا زيادة ولا يجبر على أخذ الناقص إلا أن يشاءه.
وهكذا الامة إذا ولدت فنقصتها الولادة فاختار أخذ نصفها ناقصة لا يختلفان
في شئ إلا أن اولاد الامة إن كانوا معها صغارا رجع بنصف قيمتها لئلا يفرق بينها وبين ولدها في اليوم الذى يستخدمها فيه لانى لا أجبره في يومه على أن ترضع مملوك غيره ولا تحضنه فتشتغل به عن خدمته ولا أمنع المولود الرضاع فأضربه فلذلك لم أجعل له إلا نصف قيمتها، وإن كانوا كبارا كان له أن يرجع بنصف الام ولا يجبر على ذلك لانها والدار على غير حالها قبل أن تلد وإن زادت بعد الولادة لم تجبر المرأة على أن تعطيه نصفها وتعطيه نصف قيمتها، وإذا أعطته نصفها متطوعة أو كانت غير زائدة فرق بينها وبين ولدها في اليوم الذى يستخدمها فيه، فإذا صار إليه نصفها فما ولدت بعد من ولد فبينه وبينها (قال الشافعي) وهكذا إن كانت الجارية والماشية والعبيد الذين أصدقها أغلوا لها غلة أو كان الصداق نخلا فأثمر لها فما أصابته من ثمره كان لها كله دونه لانه في ملكها، ولو كانت الجارية حبلى أو(5/67)
الماشية مخاضا ثم طلقها كان له نصف قيمتها يوم دفعها لانه حادث في ملكها ولا أجبره أيضا إن أرادت المرأة على أخذ الجارية حبلى أو الماشية مخاضا من قبل الخوف على الحبل وأن غير المخاض يصلح لما يصلح له المخاض ولا نجبرها إن أراد على أن تعطيه جارية حبلى وماشية مخاضا وهى أزيد منها غير حبلى ولا ما خض في حال و الجارية أنقص في حال وأزيد في أخرى، قال: ولو كان الصداق نخلاف فدفعها إليها لا تمر فيها فأثمرت فالثمرة كلها لها كما يكون لها نتاج الماشية وغلة الرقيق وولد الامة، فإن طلقها قبل أن يدخل بها والنخل زائدة رجع بنصف قيمة النخل يوم دفعها إليها إلا أن تشاء أن تعطيه نصفها زائدة بالحال التى أخذتها به في الشباب لا يكون لها إلا نصفها وإن كانت زائدة وقد ذبلت وذهب شبابها لم يكن ذلك عليه لانها وإن زادت يومها ذلك بثمرتها فهى متغيرة إلى النقص في شبابها فلا يجبر على ذلك إلا أن يشاء وإنما يجبر على ذلك إذا دفعتها مثل حالها حين قبضتها في الشباب أو أحسن ولم تكن ناقصة من قبل الترقيل للنقص فيه، وإن طلقها ولم يتغير شابها أو قد نقصت وهى مطلعة فأراد أخذ نصفها بالطلع لم يكن ذلك له وكانت مطلعة كالجارية الحبلى والماشية الماخض لا يكون له أخذها لزيادة الحبل والماخض مخالفة لها في أن الاطلاع لا يكون مغيرا للنخل عن حال أبدا إلا بالزيادة ولا تصلح النخل غير المطلعة لشئ لا تصلح له مطلعة فإن شاءت أن تدفع إليه نصفها مطلعة فليس له إلا
ذلك لما وصفت من خلاف النخيل للنتاج والحمل في أن ليس في الطلع إلا زائد وليس مغيرا قال وإن كان النخل قد أثمر وبدا صلاحه فهكذا وكذلك كل شجر أصدقها إياه فأثمر لا يختلف يكون لها وله نصف قيمته إلا أن تشاء هي أن تسلم له نصفه ونصف الثمرة فلا يكون له إلا ذلك إن لم يتغير الشجر بأن يرقل ويصير فحاما فإذا صار فحاما أو نقص بعيب دخله لم يكن عليه أن يأخذه بتلك الحال، ولو شاءت هي إذا طلقها والشجر مثمر أن تقول اقطع الثمرة ويأخذ نصف الشجر ان لها إذا لم يكن في قطع الثمرة فساد للشجر فيما يستقبل فإن كان فيها فساد لها فيما يستقبل فليس عليه أن يأخذها معيبة إلا أن يشاء، ولو شاءت أن تترك الشجرة حتى تستجنيها وتجدها ثم تدفع إليه نصف الشجر لم يكن ذلك عليه لان الشجر قد يهلك إلى ذلك ولا يكون عليه أن يكون حقه حالا فيؤخره إلا أن يشاء، ويأخذها بنصف قيمتها في هذه الاحوال كلها إذا لم يتراضيا بغير ذلك، ولو شاء أن تؤخرها حتى تجد الثمرة ثم يأخذ نصف الشجر والنخل لم يكن ذلك عليها من وجهين.
أحدهما: أن الشجر والنخل يزيد إلى الجداد، والآخر أنه لما طلقها و فيها الزيادة وكان محولا دونها كانت مالكة لها دونه وكان حقه قد تحول في قيمته فليس عليها أن يحول إلى غير ما وقع له عند الطلاق ولا حق له فيه.
صداق الشئ بعينه لا يدفع حتى يزيد أو ينقص (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) ولو أصدقها أمة أو ماشية فلم يدفعها إليها حتى تناتجت في يديه ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله دونه لانه نتج في ملكها ونظر إلى الماشية فإن كانت بحالها يوم أصدقها إياها وأزيد فهى لها ويرجع عليها بنصف الماشية دون النتاج، وإن كانت ناقصة عن حالها يوم أصدقها إياها كان لها الخيار فإن شاءت أخذت منه أنصاف قيمتها يوم أصدقها إياها وإن
__________
(1) قوله: من قبل الترقيل وقوله بعد " بان يرقل " كذا في الاصل وانظره.
كتبه مصححه(5/68)
شاءت أخذت انصافها ناقصة، وهكذا لو كانت أمة فولدت أو عبيدا فأغلوا (قال الربيع) والشافعي قول آخر أنها إن شاءت أخذت نصفها ناقصة وإن شاءت رجعت بنصف مهر مثلها وهو أصح قوليه وآخر قولهى (قال الشافعي) وإن كان النتاج أو ولد الجارية هل في يديه أو نقص وقد سألته دفعه فمنعها
منه فهو ضامن لقيمته في أكثر ما كانت قيمة قط وضامن لنقصه ويدفعه كضمان الغاصب لانه كان عليه أن يدفعه فمنعه ولم يدفعه (قال الشافعي) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الامة فأقرتها في يديه قبل أن تقبضها منه أو لم يمنعها فمنعه ولم يدفعه (قال الشافعي) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الامة فأقرتها في يديه قبل أن تقبضها منه أو لم يمنعها دفعها ولم تسأله إياها كان فيها قولان أحدهما أنه لا يضمن الجارية إن نقصت وتكون بالخيار في أن تأخذها ناقصة أو تدعها فإن ماتت رجعت بمهر مثلها والآخر أن يكون كالغاصب ولكنه لا يأثم إثم الغاصب لانه ضامن له ولا يخرجه من الضمان إلا أن يدفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها فإن دفعه إليها أو إلى وكيل لها بأذنها ثم ردته إليه بعد فهو عنده أمانة لا يضمن شيئا منه بحال (قال الشافعي) وإذا لم يدفعه إليها فترده إليه فما أنفق عليه لم يرجع به وهو متطوع بهو متى جنى عليه في يديه إنسان فأخذ له أرشا فلها الخيار إن أحبت فلها الارش لانه ملك بمالها وإن أحبت تركته عليه لانه ناقص عما ملكته عليه وإن كان منعها منه فأحبت ضمنت الزوج ما نقص في يديه قال وما باع الزوج منه أو من نتاج الماشية فوجد بعينه فالبيع مردود وإن فات فلها عليه قيمته لانه كان مضمونا عليه (1) ولا يكون له أن يأخذ الثمن الذي باع بهلانه متعد فيه وأن الشئ بعينه لو وجد كان البيع فيه مردودا ولو أرادت إجازة البيع فيه إن كان قائما لم يجز البيع ولا يحلله هو أن يملكه لانه ما لميكن له فلا يخرجه منه إلا رده على صاحبه الذي باعه أو أن يهبهله صاحبه الذى ابتاعه منه (قال الشافعي) وإذا لقى صاحبه وقد فاتت السلعه في يديه فالمشترى ضامن لقيمتها يقاصه بها من الثمن الذى تبايعا به ويترادان الفضل عند أيهما كأن كان ثمنها مائة دينار وقيمتها ثمانون فيرجع المشترى على البائع بعشرين وكذلك لو كان ثمنها ثمانين وقيمتها مائة رجع البائع على المشترى الذى هلكت في يديه بعشرين قال وإنما فرقت بين ثمن ما باع من مالها وبين أرش ما أخذ فيما جنى على مالها من قبل أنها هي لم يكن لها فيما جنى على مالها إلا الارش أو تركه ولها فيما بيع من مالها أن ترده بعينه وإن فات فلها عليه قيمته ولا يكون لها ان تملك ثمنه إن كان (2) أكثر من ثمنه لانه لم يكن لها إجازة بيعه والفضل عن ثمنه لمبتاعه البيع الذى لا يجوز لانه ضمامن له بالقيمة قال ولو أصدقها نخلا أو شجرا فلم يدفعه إليها حتى أثمرت في يديه فجعل الثمر في قوارير جعل عليه صقرا من صقر نخلها أو جعله في قرب كان لها أخذ الثمر بالصقر
وأخذه محشوا وله نزعه من القوارير والقرب لانها له إن كان نزعه لا يضر بالثمر فإن كانإذا نزع من القرب فسد ولم يكنسقى بشئ عمل به كان لها أن تأخذه وتنزع عنه قربه وتأخذ منه ما نقصه لانه أفسده إلا أن يتطوع بتركها وهكذا كل ثمرة رببها أوحشاها على ما وصفت وان كان ربب الثمرة برب من عنده كان لها أن تأخذ الثمرة وتنزع عنها الرب إن كان ذلك لا يضربها ولا ينقصها شيئا وإن كان ينقصها شيئا نزعت عنها الربو أخذت قيمة ما نقصها بالغة ما بلغت وأجرة نزعها من الربلانه المتعديفيه (قال الشافعي) وكلما أصيبت به الثمرة فييديه منحريق أو جراد أو غيره فهو ضامن له إن كان له مثل
__________
(1) قوله: ولا يكون له ان ياخذ الخ كذا في النسخ بضمير التذكير والوجه " لها ان تأخذ " اي الزوجة، وانظر.
(2) قوله: اكثر من ثمنه، وقوله " والفضل عن ثمنه " كذا في الاصول ولعله محرف " عن قيمته " في الوضعين، وتامل.
كتبه مصححه(5/69)
فمثله وإن لميكن له مثل فمثل قيمته وإن بقى منه شئ فقيمة ما نقصه وهو كالغاصب فيما لا يضمن لا يخالف حاله حاله في شئ إلا في شئ واحد يعذر فيه بالشبهة إن كان ممن يجهل أو تأول فأخطأ ذلك ولو كان أصدقها جارية فأصابها فولدت له ثم طلقها قبل الدخول وقال كنت أراها لا تملك إلا نصفها حتى تدخل فأصبتها وأنا ارى أن لى نصفها قوم الولد عليه يوم يسقط ويلحق به نسبة وكان لها مهر مثل الجارية وإن شاءت أن تسترق الجارية فهى لها وإن شاءت أخذت قيمتها إكثر ما كانت قيمتها يوم أصدقها أو يوم أحبلها وكانت الجارية له ولا تكون أم ولد بذلك الولد ولا تكون أم ولد له إلا بوطئ صحيح وإنما جعلت لها الخيار لان الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها إياها قبل تلد (قال الشافعي) ولو أصدقها ارضا فدفعها إليها فزرعتها أو أزرعتها أو وضعت فيها حبابا ثم طلقها قبل أن يدخل بها وفيها زرع قائم رجع عليها بنصف قيمة الارض لا أجعل حقه في الارض مستأخرا وهو حالو لا أجعل عليه أن ينتظر الارض حتى تفرغ ثم يأخذ نصفها لانها إن كانت مشغولة في ملكها فصار حقه في قيمة لم يتحول في غيرها إلا أن يجتمعا على ذلك جميعا فيجوز ما اجتمعا عليه فيه وكذلك إن كانت حرثتها ولم تزرعها ولو كانت غرستها أو بنت فيها كان له قيمتها يوم دفعها إليها (قال الشافعي) ولو كانت زرعتها
وحصدتها ثم طلقها وهى محصودة فله نصف هذه الارض إلا أن يكون الزرع فيها زائدا لها فلا يكون له أن يأخذها زائدة إلا أن تشاء هي فلا يكون له غيرها وإن كان الزرع نقصها فله نصف قيمتها ولا يكون عليه أن يأخذها ناقصة إلا أن يشاء هو أخذها فإذا شاء هو أخذها وهى ناقصة لم يكن لها منعه من نصفها.
المهر والبيع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو نكحها بألف على أن تعطيه عبدا يسوى ألفا فدفعت إليه ودفع إليها الالف ثم طلقها قبل أن يدخل بها ففيها قولان أحدهما أن المهر المسمى كالبيع فلا يختلف في هذا الموضع ومن قال هذا قال لانه يجوز في شرطه مسمى ما يجوز في البيع ويرد فيه ما يرد في البيع فبهذا أجزنا أن يكون مع النكاح مبيعا غيره ولم نرده لانه يملك كله فإن انتقض الملك في الصداق بالطلاق فقد ينتقض في البيع بالشفعة ثم لا نمنع ما فيه الشفعة أن يكون كالبيوع فيما سوى هذا قال وهذا جائز لا نفسخ صداقها ولا نرده إلى صداق مثلها وهو على ما تراضيا عليه والثانى أنه لا يكون مع الصداق بيع وإذا وقع مثل هذا أثبتنا النكاح وكان لها صداق مثلها ورد البيع إن كان قائما وإذا كان مستهلكا فقيمته وبه يقول الشافعي قال وأصل معرفة هذا انتعرف قيمة العبد الذى ملكته هي زوجها مع تمليكها إياه عقد نكاحها فإن كانقيمة العبد الفا وصداق مثلها ألفا فأقسم المهر وهو ألف على قيمة العبدو على صداق مثلها فيكون العبد مبيعا بخمسمائة ويكون صداقها خمسمائة فينفذ العبد مبيعا بخمسمائة فإن قبض العبد ودفع إليها الالف ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وذلك نصف ما أصدقها ولو مات العبد في يدها قبل يقبضه انتقض فيه البيع ورجع عليها بقيمة خمسمائة وكان الباقي صداقها فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وإن لميكن دفع الصداق دفع إليها مائتين وخمسين ولو لم يمت العبد ولكنه دخله العيب كان له الخيار في أخذه معيبا يجميع الثمن أو نقض البيع فيه قال ولو كان أصدقها عبدا بعينه على ان زادته(5/70)
ألف درهم كانت كالمسألة الاولى ينظر فإن كانت قيمة العبد ألفا ومهر مثلها ألفا وزيادتها إياه ألفا فلها
نصف العبد بالصداق ونصفه الآخر بالالف فان طلقها قبل الدخول بها رجع عليها ربع العبد وكان لها ثلاثة أرباعه نصفه بالالف وربعه بنصف المهر قال ومن أجاز هذا قال إنما منعنى أن أنقض البيع كله إذا انتقض بعضه بالطلاق أنى جعلت ما أعطاها مقسوما على الصداق والبيع فما أصاب الصداق ونصف الصداق كالمستهلك لان النكاح لا يرد كما ترد البيوع فلم يكن لى أن أرد البيع كله وبعضه مستهلك إنما أرد البيع كله إذا كان المبيع قائما بعينه فإذا ذهب بعضه لم أرد الباقي منه بحال فأكون قد نقضت البيعة ورددت بعضها دون بعض قال ولو تزوجها بعبد بعينه وألف درهم على أن تعطيه عبدا بعينه ومائة دينار وتقابضا قبل أن يتفرقا كان النكاح جائزا وينظر إلى قيمة العبد الذى تزوجها عليه مع الالف فإن كان الفا فالصداق ألفان فيقسم الالفان على مهر مثلها والعبد الذى أعطته والمائة الدينار فإن كان صداق مثلها ألفا وقيمه العبد الذى أعطته ألفا وقيمة المائة الدينار ألفين فالعبد الذى أعطته مبيع بخمسمائة والمائة الدينار مبيعة بألف وصداقها خمسمائة لان ذلك كله في العبد الذى أصدقها والدراهم الالف يملك بكل شئ فما أعطته من عقدتها والعبد والمائة الدينار بقدر قيمته من العبد والالف فإن طلقها قبل أن يدخل بها سلمت له المائة والعبد ورجع عليها بمائتين وخمسين في كل ما أعطاها من العبد بحصته ومن الالف بحصتها، فيكون له من الالف التى أعطاها مائة وخمسة وعشرين، ومن العبد قيمة مائة وخمسة وعشرين وذلك ثمنه، وإن كانان لم يتقابضا قبل أن يتفرقا فسد الصداق لان فيه صرفا مستأخرا وما كان فيه صرف لم يصلح أن يتفرقا حتى يتقابضا ولها صداق مثلها، قال: ولو أصدقها ألفا على أن ردت إليه ألفا أو خمسمائة كان النكاح ثابتا والصداق باصلا ولها مهر مثلها لا تجوز الدراهم بادراهم إلا معلومة ومثلا بمثل، وأقل ما في هذا أن الخمسمائة وقعت من الالف بما لا يعرف عند عقد البيع ألا ترى أن مهر مثلها يكون ألفا فتكون الخمسمائة بثلث الالف ويكون مائة فتكون الخمسمائة بتسعمائة، ولو كان مهر مثلها خمسمائة لم يجز من قبب أن الصفقة وقعت ولا يدرى كم حصة الدراهم التي اعطته من الدراهم التى اعطاها ولا يصلح فيهما حتى يفرق فيه عقد الصرف من عقد البيع فتكون الدراهم بدراهم مثلها وزنا بوزن ويكون الصداق معلوما غيرها قال وإذا كانت الدنانير بدراهم فكانت نقدا يتقابضان قبل ان يتفرقا فلا بأس بذلك لانه لا بأس بالفضل في بعضها على
بعض يدا بيد، قال: ولو تزوجها على ثياب تسوى ألفا عى أن زادته ألفا وكان صداق مثلها ألفا فكان نصف الثياب بيعا لها بالالف ونصفها صداقها فإن طلقها قبل الدخول فلها ثلاثة أرباع الثياب نصفها بالبيع ونصف النصف بنصف المهر (قال الربيع) هذا كله متروك لان الشافعي رجع عنه إلى قول آخر.
قال: ولو طلقها قبل الدخول ولم يكن دفع الثياب إليها حتى هلكت في يديه (1) ورد عيها الالف التى قبض منها إن كان قبضها وإن لم يكن قبضها لم يدفع إلي منها شئ لانه قد هلك ما اشترت منه قبل قبضه فلا يلزمها ثمنه واعطاها نصف مهر مثلها من قيمة الثياب وذلك ربع قيمة الثياب مائتان وخمسون درهما فعلى هذا الباب كله وقياسه.
قال: ولو تزوجها على أبيها وأبوها يسوى ألفا أو على ابنها وابنها يسوى ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها ألف فدفع إليها أباها أو لم يدفعه فسواء والنكاح ثابت والمهر جائز وأبوها ساعة ملكته حر لان ملكها إياه ساعة ملك عقدة نكاحها وكذلك ابنها إن كان هو
__________
(1) قوله: ورد عليها الالف كذا في الاصول بالواو، ولعلها من زيادة الناسخ، تأمل.
وحرر(5/71)
الصداق ويلزمها أن تعطيه الالف التى زادته فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين وذلك نصف صداقها لان اباها كان بيع بخمسمائة فسلم لها حين عتق فصار صداقها خمسمائة فرجع عليها بنصفها وهو مائتان وخمسون.
فإن قال قائل: فأراك أنزلت صدقات النكاح منزلة البيوع وأنت تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فيكون المرأة والرجل بالخيار في الصداق ما لم يتفرقا.
قيل لا فإن قال قائل: فما فرق بينهما؟ قيل إنا لما جعلنا ولم يخالفنا أحد علمناه النكاح كالبيوع المستهلكة فقلنا إذا كان الصداق مجهولا فللمرأة مهر مثلها ولا يرد النكاح كما قلنا في البيع بالشئ المجهول يهلك في يدي المشترى وفى البيع المعلوم فيه الخيار لصاحبه فيه قيمته حكمنا في النكاح إذا كان حكمه لا يرد عقده أنه كبيع قد استهلك في يد مشتريه، ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا على أنه بالخيار يومه أو ساعته فمات قبل مضى وقت الخيار لزمه بالثمن لانه ليس ثم عين ترد والنكاح ليس بعين ولا يكون للمتناكحين خيار لما وصفت.
قال: ولو تزوج الرجل المرأة فاصدقها ألفا وردت عليه خمسمائة درهم فالنكاح ثابت والصداق باطل ولها مهر مثلها تقابضا قبل أن يتفرقا أو لم يتقابضا لان حصة الخمسمائة
درهم من الالف مجهولة لانها مقسومة على ألف وصداق مثلها.
وهكذا لو تزوجها بألف على إن ردت عليه الفا كان الصداق باطلا وهى مثل المسألة قبلها وزيادة أنها لو كانت ألفا بألف وزيادة كان الربا في الزيادة أو النكاح بلا حصة من المهر فيكون لها صداق مثلها ويبطل البيع في الالف.
وهكذا لو نكحها بمائة أردب حنطة على أن ردت عليه مائة أردب حنطة أو أقل أو أكثر.
وهكذا كل شئ أصدقها إياه وردت عليه شيئا منه مما في الفضل في بعضه على بعض الربا لم يجز فلا يجوز من هذا شئ حتى يسمى حصة مهرها مما أصدقها وحصة ما أخذ منها، فإذا أصدقها ألفا على أن حصة مهرها خمسمائة وردت عليه خمسمائة بخمسمائة وكان هذا فيما في بعضه على بعض الربا ففيها قولان (1) أحدهما: أن هذا جائز.
ومن قال هذا القول قال لو أصدق امرأتين ألفا كان النكاح ثابتا وقسمت الالف بينهما على مهور مثلهما فكان لكل واحدة منهما فيها بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحدهما ألف ومهر الاخرى ألفان فيكون لصاحبه الالف ثلث الالف ولصاحبه الالفين ثلثا لالف، ولو أصدقها أباها عتق ساعة عقد عليها عقد النكاح ولم يحتج إلى أن يتفرقا كما يحتاج إليه في البيع ويتم تملكها الصداق بالعقد، وإن كان به عيب ينقصه عشر قيمته رجعت عليه بعشر مهر مثلها، ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها يوم قبضته منه، وكذا لو مات أبوها رجع بنصف قيمته يوم قبضته منه ولا يرد عتقه، وكذلك لو أفلست أو أصدقها أباها وهى مفسلة ثم طلقها لم يكن له نصفه ولا للغرماء منه شئ لانه يعتق ساعة يتم ملكه بالعقد، ولو أصدقها أباها وهى محجورة كان النكاح ثابتا وصداق أبيها باطلا لانه لا يثبت لها عليه ملك وكان لها عليه مهر مثلها، وكذلك لو كانت محجورة فأمهرها أمها بأمر أبيها وهو وليها أو ولى لها غيره لانه ليس لابيها وإلا لولى غيره أن يعتق عنها ولا يشترى لها ما يعتق عليها من ولد ولا والد، قال ولو كانت غير محجورة فأصدقها أباها وقيمته ألف أو ألفان ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها وهى خمسمائة وخمسمائة نصف الالف، ولو أصدقها أباها وهو يسوى الفا على أن تعطيه أباه وهو يسوى ألفا وصداق مثلها ألف فأبوه بيع له بصداق مثلها وبأبيها ونصف أبيها لها
__________
(1) قوله: احدهما ان هذا الخ ذكر الثاني في قوله بعد " والقول الثاني انه لا يجوز ان يعقد الرجل نكاحا بصداق الخ ".
كتبه مصححه.(5/72)
بالصداق ونصفه بأبيه فيعتق أبواهما معا، وإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليه بربع قيمة أبيها وذلك مائتان وخمسون وهو نصف حصة صداق مثلها، قال ولو أصدقها عبدا يسوى ألفا وصداق مثلها ألف على أن زادته عبدا يسوى ألفا فوجد بالعبد الذى أعطته عيبا كن فيها قولان.
أحدهما: يرده ينصف عبده الذى أعطاها لانه مبيع بنصفه وكان لها نصف العبد الذى اعطاها فإن طلقها رجع عليها بربع العبد الذى أصدقها وهو نصف صداقة إياها وكان لها ربعه لانه نصف صداقها.
والقول الثاني: أنه إذا جاز أن يكون بيعا (1) أو نكاحا أو بيع أو إجارة لم يجز لو انتقص الملك في العبد الذى أصدقها بعيب يرد به أو بأن يستحق أو بأن يطلقها فيكون له بعضه إلا أن تنتقض الصفقة كلها فترد عليه ما أخذت منه ويرد عليها ما أخذ منها ويكون لها مهر مثلها، كما لو اشترى رجل عبدين فاستحق أحدهما انتقض البيع في الثاني أو وجد بأحدهما عيبا فأبى إلا أن يرد انتقض البيع في الثاني إذا لم يرد أن يحبس العبد على العيب، والقول الثاني أنه لا يجوز ان يعقد الرجل نكاحا بصداق على أن تعطيه المرأة شيئا قل ولا كثر من بيع ولا كراء ولا إجارة ولا براءة من شئ كان لها عليه من قبل أنه إذا أصدقها ألفين ومهر مثلها ألف فأعطته عبدا يسوى ألفا ثم طلقها قبل أن يدخل بها انتقض نصف حصة مهر مثلها وثبت نصفها، فإن جعلت البيع منها نقضت نصفه ولم أجد شيئا جمعته صفقة ينتقض إلا معا ولا يجوز إلا معا فإن جعلته ينتقض كله فقد انتقض بغير عيب ولا اتقاض نصف حصة عقدة النكاح فدخله ما وصفت أولى من أن ينتقض بعض الصفقة دون بعض، وإن لم أجعله ينتقض بحال فقد أجزت بيعا معه بغير ملك قد انتقض بعضه ووقع البيع عليه بحصة من الثمن غير معلومة لان مهر مثلها ليس بمعلوم حتى يسأل عنه ويعتبر بغيرها.
فإن قال قائل: قد تجمع الصفقة بيع عبدين معا؟ قيل نعم: يرقان فيسترقان معا وتنقض الصفقة في أحدهما فتنتقض في الآخر حين لم يتم البيع وليس هكذا النكاح (قال الربيع) وبهذا يأخذ الشافعي وبه أخذنا.
قال ومن قال هذا القول لم يجز أن ينكح الرجل امرأتين بألف ولا يبين كم لكل واحدة منهما من الالف، وأثبت النكاح في كل ما وصفت وأجعل لكل منكوحة على هذا صداق مثلها إن مات أو دخل بها ونصف صداق مثلها إن طلقها قبل أن يدخل
بها، وكذلك لا يجيز أن ينكح الرجل المرأة بألف على أن تبرئه من شئ كان لها عليه قبل النكاح ولا ينكحها بالالف على أن تعمل له عملا ولا ينكحها بالالف على أن يعمل لها عملا لان هذا نكاح وإجارة لا تعرف حصة النكاح من حصة الاجارة ونكاح وبراءة لا تعرف حصة النكاح من حصة البراءة.
فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه (قال الربيع) وبه يقول الشافعي (قال الشافعي) وإذا أصدقت المرأة العبد أو الامة فكاتبتهما أو أعتقتهما أو وهبتهما أو باعتهما أو دبرتهما أ خرجا من ملكها ثم طلقت قبل أنه يدخل بها لم ترد من ذلك شيئا إذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها ويرجع عليها بنصف قيمة أي ذلك أصدقها يوم دفعه إليها، ولو دبرت العبد أو الامة فرجعت في التدبير ثم طلقها والعبد بحاله رجع في نصفه، وإن طلقها قبل أن ترجع في التدبير لم يجبر على أخذه وإن نقضت التدبير لان نصف المهر صار له والعبد أو الجارية محول دونه بالتدبير لا يجبر مالكه على نقض التدبير فلما لم يكن يجبر عليه كان حقه مكانه في نصف قيمته فلا يتحول إلى عبد قد كان في ثمن بمشئيتها إذا لم تكن مشئيته في أن يأخذ العبد أو الامة ويقال له انقض التدبير.
__________
(2) قوله: أو نكاحا أو بيعا أو اجارة، كذا في الاصول بأو، والظاهر الواو، فتأمل.
كتبه مصححه(5/73)
التفويض أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: التفويض الذى إذا عقد الزوج النكاح به عرف أنه تفويض في النكاح أن يتزوج الرجل المرأة الثيب المالكة لامرها برضاها ولا يسمى مهرا أو يقول لها أتزوج على غير مهر فالنكاح في هذا ثابت فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها حتى طلقها فلا متعة ولا نصف مهر لها وكذلك أن يقول أتزوجك ولك على مائة دينار مهر فيكون هذا تفويضا وأكثر من التفويض ولا يلزمه المائة فإن أخذتها منه كان عليها ردها بكل حال وإن مات قبل أن يسمى لها مهرا أو ماتت فسواء وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بروع بنت واشق ونكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر نسائها وقضى لها بالميراث فإن كان ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أولى الامور بنا ولا حجة في قول احد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا
في قياس فلا شئ في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له وإن كان لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لاحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ولم أحفظه بعد من وجه يثبت مثله وهو مرة يقال عن معقل ابن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض أشجع لا يسمى وإن لم يثبت فإذا مات أو ماتت فلا مهر لها وله منها الميراث إن ماتت ولها منه الميراث إن مات ولا متعة لها في الموت لانها غير مطلقة وإنما جعلت المتعة للمطلقة قال وإن كان عقد عليها عقدة النكاح بمهر مسمى أو بغير مهر فسمى لها مهرا فرضيته أو رفعته إلى السلطان ففرض لها مهرا فهو لها ولها الميراث (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يسأل عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض صداقها قال لها الصداق والميراث أخبرنا مالك عن نافع ان ابنة عبيدالله بن عمر وأمها ابنة زيد بن الخطاب وكانت تحت ابن لعبدالله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال لها ابن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم تمنعكموه ولم نظلمها فأبت أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث اخبرنا سفيان عن عطاء ابن السائب قال سألت عبد خير عن رجل فوض إليه فمات ولم يفرض فقال ليس لها إلا الميراث ولا نشك أنه قول على (قال الشافعي) قال سفيان لا أدرى لا نشك أنه من قول على أم من قول عطاء أم من قول عبد خير (قال الشافعي) وفي النكاح وجه آخر قد يدخل في اسم التفويض وليس بالتفويض المعروف نفسه وهو مخالف للباب قبله وذلك أن تقول المرأة للرجل أتزوجك على ان تفرص لى ما شئت أو ما شئت أنا أو ما حكمت أنت أو ما حكمت أنا أو ما شاء فلان أو ما رضى أو ما حكم فلان لرجل آخر فهذا كله وقع بشرط صداق ولكنه شرط مجهول فهو كالصداق الفاسد مثل الثمرة التى لم يبد صلاحها على أن تترك إلى أن تبلغ ومثل الميتة والخمر وا أشبهه مما لا يحل مالكه ولا يحل بيعه في حاله تلك أو على الابد فلها في هذا كله مهر مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف مهر مثلها ولا متعة لها في قول من ذهب إلى أن لا متعة للتى فرض لها إذا طلقت قبل أن تمس ولها المتعة في قول من قال المتعة لكل مطلقة (قال الشافعي) وإذا كان الصداق تسمية بوجه لا يجوز إلى أجل أو غير أجل، أو يذكر فيه شئ فهو صداق فاسد لها فيه مهر مثلها ونصفه إن طلقت قبل الدخول ولو أصدقها بيتا أو خادما لم يصفه ولم
تعرفه بعينه كان لها صداق مثلها لا يكون الصداق لازما إلا بما تلزم به البيوع ألا ترى لو أن رجلا باع بيتا غير موصوف أو خادما غير موصوف ولا يرى واحدا منهما ولا يعرفه بعينه لم يجز وهكذا لو قال(5/74)
أصدقتك خادما بأربعين دينارا لم يجز لان الخادم بأربعين دينارا قد يكون صبيا وكبيرا وأسود وأحرم فلا يجوز في الصداق إلا ما جاز في البيوع ولو قال اصدقتك خادما خماسيا من جنس كذا أو صفة كذا جاز كما يجوز في البيوع قال ولو أصدقها دارا لا يملكها أو عبدا لا يملكه أو حرا فقال هذا عبدى أصدقتكه فنكحته على هذا ثم علم أن الدار والعبد لم يكونا في ملكه يوم عقد عليها فعقدة النكاح جائزة ولها مهر مثلها ولا يكون لها قيمة العبد ولا الدار ولو ملكهما بعد فأعطاها إياهما لم يكونا لها إلا بتجديد بيع فيهما لان العقدة انعقدت وهو لا يملكهما كما لو انعقدت عليهما عقدة بيع لم يجز البيع ولو ملكهما بعد البيع أو سلمهما مالكهما للبائع لذلك الثمن لم يجز حتى يحدث فيهما بيعا وإنما جعلت لها مهر مثلها لان النكاح لا يرد كما لا ترد البيوع الفائتة النكاح كالبيوع الفائتة قال وسيد الامة في تزويج الرجل بغير مهر مثل المرأة البالغ في نفسها إذا زوجها بغير أن يسمى مهرا أو زوجها على أن لا مهر لها فطلقها الزوج قبل المسيس فلها المتعة وليس لها نصف المهر فإن مسها فلها مهر مثلها وإذا زوج الامة سيدها وأذنت الحرة في نفسها بلا مهر ثم أرادت الحرة وأراد سيد الامة أن يفرض الزوج لها مهرا فرض لها المهر وإن قامت عليه قبل أن يطلقها فطلبته فطلقها قبل أن يفرض لها أو يحكم عليه الحاكم بمهر مثلها فليس لها إلا المتاع لا يجب لها نصف المهر إلا أن يفرض الحاكم أو بأن يفرضه هو لها بعد علمها صداق مثلها فترضى كما وقع عليه العقد فيلزمهما جميعا (قال الشافعي) وإن نكحها بغير مهر ففرض لها مهرا فلم ترضه حتى فارقها كانت لها المتعة ولم يكن لها مما فرض لها شئ حتى يجتمعا على الرضا فإذا اجتمعا على الرضا به لزم كل واحد منهما ولم يكن لواحد منهما نقض شئ منه كما لا يكون لواحد منهما نقض ما وقعت عليه العقدة من المهر إلا باجتماعهما على نقضها أو يطلق قبل المسيس فينتقض نصف المهر ولا يلزمها ما فرض لها بحال حتى يعلما كم مهر مثلها لان لها مهر مثلها بالعقد ما لم ينتقض بطلاق فإذا فرض وهما لا يعلمان مهر مثلها كان هو كالمشترى وهى كالبائع ما لم يعلم أو يعلم أحدهما (قال الشافعي) وليس أبو الجارية الصغيرة ولا الكبيرة البكر كسيد
الامة في أن يضع من مهرها ولا يزوجها بغير مهر فإن قيل فما فرق بينهما فهو يزوجهما معا بلا رضاهما؟ قيل ما يملك من الجارية من المهر فلنفسه يملكه لا لها فأمره يجوز في ملك نفسه وما ملك لابنته من مهرها فلها يملكه لا لنفسه ومهرها مال من مالها فكما لا يجوز له أن يهب مالها فكذلك لا يجوز له أن يهب صداقها ولا يزوجها بغير صداق كما لا يجوز له إتلاف ما سواه من مالها وإذا زوجها أبوها ولم يسم لها مهرا أو قال لزوجها أزوجكها على أن لا مهر عليك فالنكاح ثابت لها ولها على الزوج مهر مثلها لا يرجع به على الاب فإن ضمن له الاب البراءة من مهرها وسماه فللزوجة على الزوج صداقها في ماله عاش أو مات أو عاشت أو ماتت وإن طلقها فلها عليه نصف مهر مثلها إلا يرجع به الزوج على الاب لانه لم يضمن له في ماله شيئا فيلزمه ضمانه إنما ضمن له أن يبطل عنه حقا لغيره فإن قال قائل وكيف جعلت عليه مهر مثل الصبية إنما زوجه إياها أبوها وهو لم يرض بالنكاح إلا بغير مهر؟ قيل له أرأيت إن كانت المرأة الثيب المالك لامرها التى لو وهبت مالها جاز تنكح الرجل على أن لا مهر لها ثم تسأل المهر فأفرض لها مهر مثلها ولا أبطل النكاح كما أبطل البيع ولا أجعل للزوج الخيار بأن طلبت الصداق وقد نكحت بلا صداق وكيف ينبغي أن أقول في الصبية؟ فإن قال هكذا لانهما منكوحتان وأكثر ما في الصبية أن يجوز أمر أبيها عليها في مهرها كما يجوز أمر الكبيرة في نفسها في مهرها فإذا لم يبرأ زوج الكبيرة من المهر بأن لم يرض أن ينكحها إلا بلا مهر ونكحته على ذلك فلزمه المهر ولم نفسخ النكاح ولم تجعل له الخيار ولو أصابها كان لها المهر كله فهكذا الصبية فإن قال نعم ولكن لم جعلت على زوج الصبية يطلقها نصف(5/75)
مهر مثلها وأنت لا تجعل على زوج الكبيرة إذا نكحها بلا مهر فطلقها قبل أن تطلب الفرض أو يفرض أو تصاب إلا المتعة؟ قيل له إن شاء الله تعالى لما وصفت من أن النكاح ثابت بمهر إلا على من أجاز أمره من النساء في ماله فيرضى ان لا يكون له فهو مطلق قبل أن يفرض لها مهرا فكان لهن المتعة لانهن عفون عن المهر حتى طلقن كما لو عفون عنه وقد فرض جاز عفوهن لقول الله عزوجل (إلا أن يعفون) والصغيرة لم تعف عن مهر ولو عفت لم يجز عفوها وإنما عفا عنها أبوها الذى لا عفو له في مالها فألزمنا الزوج نصف مهر مثلها بالطلاق وفرقنا بينهما لا فتراق حالهما في مالهما، ولان الزوج لم يرض
بصداق إلا أن يبرأ منه فكان كمن سمى صداقا فاسدا ولو كان سمى لها صداقا فعفاه الاب كان لها الصداق الذى سمى وعفو الاب بعد وجوب الصداق باطل وهكذا المحجورة إذا زوجت بلا مهر لا تخالف الصبية في شئ، أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا زوج ابنته على أربعة آلاف وترك لزوجها ألفا فجاءت المرأة وزوجها وأبوها ثلاثتهم يختصمون إلى شريح فقال شريح: تجوز صدقتك ومعروفك وهى أحق بثمن رقبتها (قال الشافعي) وسواء في هذا البكر والثيب لان ذلك ملك للبنت دون الاب ولا حق للاب فيه وقول شريح (تجوز صدقتك ومعروفك قد أحسنت وإحسانك حسن ولكنك أحسنت فيما لا يجوز لك فهى أحق بثمن رقبتها) يعنى صداقها.
المهر الفاسد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في عقد النكاح شيئان أحدهما العقدة والآخر المهر الذى يجب بالعقد فلا يفسد العقد إلا بما وصفنا العقد يفسد به من أن يعقد منهيا عنه وليس المهر من إفساد العقد ولا إصلاحه بسبيل ألا ترى أن عقد النكاح بغير مهر مسمى صحيح فإذا كان العقد منهيا عنه لم يصح أن يكون عقد بمهر صحيح أولا ترى أن عقد النكاح يكون بلا مهر فيثبت النكاح ولا يفسد بأن لم يكن مهر ويكون للمرأة إذا وطئت مهر مثلها (قال الشافعي) وهذا الموضع الذى يخالف فيه النكاح البيع لان البيع إذا وقع بغير ثمن لم يجب وذلك أن يقول قد بعتك بحكمك فلا يكون بيعا وهذا في النكاح صحيح فإن قال قائل من أين أجزت هذا في النكاح ورددته في البيوع وأنت تحكم في عامة النكاح أحكام البيوع؟ قيل قال الله عزوجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) إلى (ومتعوهن) وقال تبارك وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فأعلم الله تعالى في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها كما أعلم في التى لم يفرض لها أن الطلاق يقع عليها والطلاق لا يقع إلا على زوجة والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت قال ولم أعلم مخالفا مضى ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم مهرا وأن لها إن طلقت وقد نكحت ولم يسم مهرا المتعة وإن أصيبت فلها مهر مثلها فلما كان هذا كما وصفت لم يجز أبدا أن يفسد النكاح من جهة المهر بحال أبدا فإذا نكحها بمهر مجهول أو مهر حرام البيع في حاله التى نكحها فيها أو حرا بكل حال قال فذلك كله سواء وعقد
النكاح ثابت والمهر باطل فلها مهر مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها لانها سمت مهرا وإن لم يجز بأنه معلوم حلال ولم يحل لانها لم ترد نكاحه بلا مهر وذلك مثل أن ينكح بثمرة لم يبد صلاحها على أن يدعها إلى أن تبلغ فيكون لها مهر مثلها وتكون الثمرة لصاحبها لان بيعها في هذه الحال لا يحل على هذا الشرط ولو نكحت بها على أن تقطعها حيئنذ كان النكاح جائزا فإن تركه حتى يبدو صلاحها فهى لها(5/76)
وهو متطوع ومتى قام عليها بقطعها فعليها أن تقطعها في أي حال قام عليها فيها قال ولو نكحها بخمر أو خنزير فالنكاح ثابت والمهر باطل ولها مهر مثلها وكذلك إن نكحته بحكمها أو حكمه فلها مهر مثلها وإن حكمت حكما أو حكمه فرضيا به فلهما ما تراضيا عليه وإنما يكون لهما ما تراضيا عليه بعد ما يعرفان مهر مثلها ولا يجوز ما تراضيا عليه أبدا إلا بعد ما يعرفان مهر مثلها ولو فرض لها فتراضيا على غيره أو لم يفرض لها فتراضيا فكما يكون ذلك لهما لو ابتدأ بالفرض لها ولا أقول لها أبدا احكمى ولكن أقول لها مهر مثلها إلا أن تشاء أن تتراضيا فلا أعرض لكما فيما تراضيتم عليه أخبرنا عبد الوهاب عن ايوب عن ابن سيرين أن الاشعث بن قيس صحب رجلا فرأى امرأته فاعجبته قال فتوفى في الطريق فخطبها الاشعث بن قيس فأبت أن تتزوجه إلا على حكمها فتزوجها على حكمها ثم طلقها قبل أن تحكم فقال احكمى فقالت احكم فلانا وفلانا رقيقين كانوا لابيه من بلاده فقال احكمى غير هؤلاء فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين عجزت ثلاث مرات فقال ما هن؟ قال عشقت امرأة قال هذا ما لا تملك قال ثم تزوجتها على حكمها ثم طلقتها قبل أن تحكم قال عمر امرأة من المسلمين؟ (قال الشافعي) يعنى عمر لها مهر امرأة من المسلمين ويعنى من نسائها والله تعالى أعلم وما قلت أن لها مهر امرأة من نسائها ما لا أعلم فيه اختلافا ويشبه أن يكون الذى أراد عمر والله تعالى أعلم ومتى قلت لها مهر نسائها فإنما أعنى أخواتها وعماتها وبنات أعمامها نساء عصبتها وليس أمها من نسائها وأعنى مهر نساء بلدها لان مهور البلدان تختلف وأعنى مهر من هو في مثل شبابها وعقلها وأدبها لان المهور تختلف بالشباب والهيئة والعقل وأعنى مهر من هو في مثل يسرها لان المهور تختلف باليسر وأعنى مهر من هو في جمالها لان المهور تختلف بالجمال وأعنى مهر من هو في صراحتها لان المهور تختلف بالصراحة والهجنة وبكرا كانت أو ثيبا لان المهور تختلف في
الابكار والثيب قال وإن كان من نسائها من تنكح بنقد أو دين أو بعرض أو بنقد وعرض جعلت صداقها نقدا كله لان الحكم بالقيمة لا يكون بدين لانه لا يعرف قدر النقد من الدين وإن الدين إنما يكون برضا من يكون له الدين فإن كانت لا نساء لها فمهر أقرب النساء منها شبها بها فيما وصفت والنسب فإن المهور تختلف بالنسب ولو كان نساؤها ينكحن إذا نكحن في عشائرهن خففن المهر وإذا نكحن في الغرباء كانت مهورهن أكثر فرضت عليه المهر إن كان من عشيرتها كمهور نسائها في عشيرتها وإن كان غريبا كمهور الغرباء.
الاختلاف في المهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا اختلف الرجل والمرأة في المهر قبل الدخول أو بعده وقبل الطلاق أو بعده فقال نكحتك على ألف وقالت بل نكحتنى على ألفين أو قال نكحتك على عبد وقالت بل نكحتنى على دار بعينها ولا بينة بينهما تحالفا وأبدأ بالرجل في اليمين فإن حلف أحلفت المرأة فإن حلفت جعلت لها مهر مثلها فإن دخل بها فلها مهر مثلها كاملا وإن كان طلقها ولم يدخل بها فلها نصف مهر مثلها وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر أو سيد الامة وهكذا إن اختلف ورثة المرأة وورثة الزوج بعد موتهما أو ورثة أحدهما والآخر بعد موته قال ولو اختلف في دفعه فقال قد دفعت إليك صداقك وقالت ما دفعت إلى شيئا أو اختلف أبو البكر الذى يلى مالها أو سيد الامة فقال الزوج قد(5/77)
دفعت إليك صداق ابنتك قال الاب لم تدفعه فالقول قول المرأة وقول أبى البكر وسيد الامة مع أيمانهم وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها أو ماتت المرأة أو الرجل أو كانا حيين ولو ورثتهما في ذلك مالهما في حياتهما وسواء عرف الصداق أو لم يعرف إن عرف فلها الصداق الذى يتصادقان عليه أو تقوم به بينة فإن لم يعرف ولم يتصادقا ولا بينة تقوم تحالفا إن كانا حيين ورثتهما على العلم إن كانا ميتين وكان لها ميتين وكان لها صداق مثلها لان الصداق حق من الحقوق فلا يزول إلا بإقرار الذى له الحق أو الذي إليه الحق من ولى البكر الصبية وسيد الامة بما يبرئ الزوج منه قال ولو اختلفا فيه فأقامت المرأة البينة بأنه اصدقها الفين وأقام الزوج البينة أنه أصدقها ألفا لم تكن واحدة من البينتين أولى
من الاخرى لان بينة المرأة تشهد بألفين وبينة الرجل تشهد له بألف قد ملك بها العقد فلا يجوز والله تعالى أعلم عندي فيها إلا أن يتحالفا ويكون لها مهر مثلها فيكون هذا كتصادقهما على المبيع الهالك واختلافهما في الثمن أو القرعة فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق وأخذ بيمينه (قال الشافعي) بعد الشهادة متضادة ولها صداق مثلها كان أكثر من ألفين أو أقل من ألف وبه يأخذ الشافعي قال ولو تصادقا على الصداق أنه ألف فقال دفعت إليها خمسمائة من صداقها فأقرت بذلك أو قامت عليها بها بينة وقالت أعطيتنيها هدية وقال بل صداق فالقول قوله مع يمينه وهكذا لو دفع إليها عبدا فقال قد أخذتيه منى بيعا بصداقك وقالت بل أخذته منك هبة فالقول قوله مع يمينه ويحلف على البيع وترد العبد إن كان حيا أو قيمته إن كان ميتا ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال ألف صداق وألف وديعة وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه وله عندها الف وديعة وإذا أقرت أن قد قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه بغير ما قال فالقول قوله في ماله قال وإذا نكح الصغيرة أو الكبيرة البكر التي يلي أبوهما بضعهما ومالهما فدفع إلى ابيهما صداقهما فهو براءة له من الصداق وهكذا الثيب التي يلي ابوها مالها وهكذا إذا دفع صداقها إلى من يلي مالها من غير الآباء فهو براءة له من الصداق وإذا دفع ذلك إلى الاب لابنته الثيب التى تلي نفسها أو البكر الرشيدة البالغ التى تلى مالها دون أبيها أو إلى أحد من الاولياء لا يلى المال فلا براءة له من صداقها والصداق لازم بحاله ويتبع من دفعه إليه بالصداق بما دفع إليه وإذا وكلت المرأة التى تلى ما لها رجلا من كان يدفع صداقها إليه فدفعه إليه الزوج فهو برئ منه.
الشرط في النكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا عقد الرجل النكاح على البكر أو الثيب التى تلى مال نفسها أو لا تليه فإذنها في النكاح غير إذنها في الصداق فلو نكحها بألف على أن لابيها ألف فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين من قبل أنه نكاح جائز عقد فيه صداق فاسد وجب في أصل العقد ليس من العقد ولا يجب بالعقد ما لم يجعله الزوج للمرأة فيكون صداقا لها فإذا اعطاه الاب فإنما أعطاه بحق غيره فلا يكون له أن يأخذ بحق غيره وليس بهبة ولو كان هبة لم تجز إلا مقبوضة
وليس للمرأة إلا مهر مثلها ولو كانت البنت ثيبا أو بكرا بالغا فرضيت قبل النكاح أن ينكحها بألفين على أن يعطى أباها أو أخاها منها ألفا كان النكاح جائزا وكان هذا توكيلا منه لابيها وبالالف التى أمرت بدفعها إليه وكانت الالفان لها ولها الخيار في أن تعطيها أباها وأخاها هبة لهما أو منعها لها لانها هبة لم(5/78)
تقبض أو وكالة بقبض ألف فيكون لها الرجعة في الوكالة وإنما فرقت بين البكر والثيب إذا كانتا يليان أموالهما أو لا يليانها أن التى على مالها منهما يجوز لها ما صنعت في مالها من توكيل وهبة ألا ترى أن رجلا لو باع من رجل عبدا بألف على أن يعطيه خمسمائة وآخر خمسمائة كان جائزا وكانت الخمسمائة إحالة منه للآخر بها أو وكالة والبكر الصغيرة والثيب التى لا تلى مالها لا يجوز لها في مالها ما صنعت قال ولو أنعقدت عقدة النكاح بأمر التى تلى أمرها بمهر رضيته ثم شرط لها بعد عقدة النكاح شيئا كان له الرجوع فيه وكان الوفاء به أحسن لو رضيت ولو كان هذا في التى لا تلى ما لها كان هكذا إلا أنه إن كان نقص التى لا تلى مالها شيئا من مهر مثلها بلغ بها مهر مثلها ولو حابى أبوالتي لا تلي ما لها في مهرها أو وضع منه كان على زوجها أن يلحقها بمهر مثلها ولا يرجع به على الاب وكان وضع الاب من مهرها باطلا كما يكون هبته مالها سوى المهر باطلا وهكذا سائر الاولياء وهكذا لو كانت تلى مالها فكان ما صنع بغير أمرها ولو نكح بكرا أو ثيبا بأمرها على ألف على أن لها أن تخرج متى شاءت من منزله وعلى أن لا تخرج من بلدها وعلى أن لا ينكح عليها ولا يتسرى عليها أو أي شرط ما شرطته عليه مما كان له إذا انعقد النكاح أن يفعله ويمنعها منه فالنكاح جائز والشرط باطل وإن كان انتقصها بالشرط شيئا من مهر مثلها فلها مهر مثلها وإن كان لم ينقصها من مهر مثلها بالشرط أو كان قد زادها عليه وزادها على الشرط أبطلت الشرط ولم أجعل لها الزيادة على مهر مثلها ولم يزدها على مهر مثلها لفساد عقد المهر بالشرط الذى دخل معه ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا بمائة دينار وزق خمر فرضى رب العبد أن يأخذ المائة ويبطل الزق الخمر لم يكن ذلك له لان الثمن انعقد على ما يجوز وعلى ما لا يجوز فبطل ما لا يجوز وما يجوز وكان له قيمة العبد إن مات في يدى المشترى ولو أصدقها ألفا على أن لا ينفق عليها أو على أن لا يقسم لها أو على أنه في حل مما صنع بها كان الشرط باطلا وكان له إن كان صداق مثلها اقل
من الالف أن يرجع عليها حتى يصيرها إلى صداق مثلها لانها شرطت له ما ليس له فزادها مما طرح عن نفسه من حقها فأبطلت حصة الزيادة من مهرها ورددتها إلى مهر مثلها فإن قال قائل فلم لا تجيز عليه ما شرط لها وعليها ما شرطت له؟ قيل رددت شرطهما إذا أبطلا به ما جعل الله لكل واحد ثم ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق فإنما الولاء لمن أعتق) فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله جل ثناؤه إذا كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه فإن قال قائل ما الشرط للرجل على المرأة والمرأة على الرجل مما إبطاله بالشرط خلاف لكتاب الله أو السنة أو أمر اجتمع الناس عليه؟ قيل له إن شاء الله تعالى أحل الله عزوجل للرجل أن ينكح أربعا وما ملكت يمينه فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يسرى حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل للمرأة أن تصوم يوما تطوعا ووجها شاهد إلا بإذنه) فجعل له منعها ما يقربها إلى الله إذا لم يكن فرضا عليها لعظيم حقه عليها واوجب الله عزوجل له الفضيلة عليها ولم يختلف أحد علمته في أن له أن يخرجها من بلد إلى بلد ويمنعها من الخروج فإذا شرطت عليه أن لا يمنعها من الخروج ولا يخرجها شرطت عليه إبطال ماله عليها قال الله تبارك وتعالى (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا) فدل كتاب الله تعالى على أن على الرجل أن يعول امرأته دلت عليه السنة فإذا شرط عليها أن لا ينفق عليها أبطل ما جعل لها وأمر بعشرتها بالمعروف ولم يبح له ضربها إلا بحال فإذا(5/79)
شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء وأن لا شئ عليه فيما نال منها فقد شرط أن له أن يأتي منها ما ليس له فبهذا أبطلنا هذه الشروط وما في معناها وجعلنا لها مهر مثلها فإن قال قائل فقد يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) فهكذا نقول في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه إنما يوفى من الشروط ما يبين أنه جائز ولم تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه غير جائز وقد يروى عنه عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم إلا
شرطا احل حراما أو حرم حلالا) ومفسر حديثه يدل على جملته.
ما جاء في عفو المهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) الآية (قال الشافعي) فجعل الله تعالى للمرأة فيما أوجب لها من نصف المهر أن تعفو وجعل للذى يلى عقدة النكاح أن يعفو وذلك أن يتم لها الصداق فيدفعه إن لم يكن دفعه كاملا ولا يرجع بنصفه إن كان دفعه وبين عندي في الآية أن الذى بيده عقدة النكاح الزوج وذلك إنه إنما يعفوه من له ما يعفوه فلما ذكر الله عزوجل عفوها مما ملكت من نصف المر أشبه أن يكون ذكر عفوه لما له من جنس نصف المهر والله تعالى أعلم وحض الله تعالى على العفو والفضل فقال عزوجل (وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) وبلغنا عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه قال (الذى بيده عقدة النكاح الزوج) (قال الشافعي) وأخبرنا ابن أبى فديك أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن جعفر بن المسور عن واصل بن أبى سعيد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما فقيل له في ذلك فقال أنا أولى بالعفو أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين قال الذى بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن سعيد ابن جبير أنه قال الذى بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن ابن المسيب أنه قال (هو الزوج) (قال الشافعي) والمخاطبون بأن يعفون فيجوز عفوهم والله تعالى أعلم الاحرار وذلك أن العبيد لا يملكون شيئا فلو كانت أمة عند حرف عفت له عن بعض المهر أو المهر لم يجز عفوها وذلك أنها لا تملك شيئا إنما يملك مولاها ما ملك بسببها ولو عفاه المولى جاز وكذلك العبد إن عفا المهر كله وله أن يرجع بنصفه لم يجز عفوه وإذا عفاه مولاه جاز عفوه لان مولاه المالك للمال (قال الشافعي) فأما أبو البكر يعفو عن نصف المهر فلا يجوز ذلك له من قبل أنه عفا عما لا يملك وما يملكه تملكه ابنته ألا ترى أنه لو وهب ما لا لبنته غير الصداق لم تجز هبته فكذلك إذا وهب الصداق لم تجز هبته لانه مال من مالها وكذلك أبو الزوج لو كان الزوج محجورا عليه فعفا عن نصف المهر الذى له أن يرجع به لم يجز عفو أبيه لانه مال من ماله يهبه وليس له هبة ماله قال ولا يجوز
العفو إلا لبالغ حر رشيد يلي مال نفسه فإن كان الزوج بالغا حرا محجورا عليه فدفع الصداق ثم طلقها قبل المسيس فعفا نصف المهر الذى له أن يرجع كان عفوه باطلا كما تكون هبة ما له سوى الصداق وكذلك لو كانت المرأة بكرا لا يجوز لها هبة مالها ولا لاوليائها هبة أموالها ولو كانت بكرا بالغة رشيدة غير محجور عليها فعفت جاز عفوها إنما ينظر في هذا إلى من يجوز أمره في ماله وأجيز عفوه وأرد عفو من لا يجوز أمره في ماله والعفو هبة كما وصفت وهو إبراء فإذا لم تقبض المرأة شيئا من صداقها فعفته جاز(5/80)
عفوها لانه قابض لما عليه فيبرأ منه ولو قبضت الصداق أو نصفه فقالت قد عفوت لك عما أصدقتني فإن ردته إليه جاز العفو وإن لم ترده حتى ترجع فيه كان لها الرجوع لانه غير قابض ما وهبته له ولا معنى لبراءتها إياه من شئ ليس لها عليه ولو كانت على التمام على عفوه فهلك في يدها لم يكن عليها غرمه إلا أن تشاء ولو ماتت قبل أن تدفعه إليه لم يكن على ورثتها أن يعطوه إياه وكان مالا من مالها يرثونه قال وما كان في يد كل واحد منهما فعفا الذى هو له كان عفوه جائزا وما لم يكن له في يده فعفا له الذى هو له فهو بالخيار في إتمامه والرجعة فيه وحبسه وإتمامه ودفعه أحب إلى من حبسه وكل عطية لا تجب على أحد فهى بفضل وكلها محمود مرغوب فيه والفضل في المهر لانه منصوص حض الله تعالى عليه قال وإذا نكح الرجل المرأة بصداق فوهبته له قبل القبض أو بعده أو قبل الطلاق أو بعده فذلك كله سواء والهبة جائزة وإن كانت الهبة قبل الطلاق ثم طلقها فأراد أن يرجع عليها بنصف الصداق فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون العفو إبراء له مما لها عليها فلا يرجع عليها بشئ قد ملكه عليها ومن قال هذا قال لم يجب عليها شئ إلا من قبل ما كان لها عليه بإبرائه منه قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه والثاني أن له أن يرجع عليها بنصفه كان عفوها قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه وذلك أنه قد ملكه عليها بغير الوجه الذى وجب لها عليه وإذا نكح الرجل المرأة التي يجوز أمرها في مالها بصداق غير مسمى أو بصداق فاسد فأبرأته من الصداق قبل أن تقبضه فالبراءة باطلة من قبل أنها أبرأته مما لا تعلم كم وجب لها منه ولو سمى لها مهرا جائزا فرضيته ثم أبرأته منه فالبراءة جائزة من قبل أنها أبرأته مما عرفت ولو سمى لها مهرا فاسدا فقبضته أو لم تقبضه فأبرأته منه أو ردته عليه إن كانت فبضته كانت
البراءة باطلة وترده بكل حال ولها صداق مثلها فإذا علمته فأبرأته منه كانت براءتها جائزة ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل قد صار لك في يدى مال من وجه فقال أنت منه برئ لم يبرأ حتى يعلم المالك المال لانه قد يبرئه منه على أنه درهم ولا يبرئه لو كان أكثر قال: ولو كان المهر صحيحا معلوما ولم تقبضه حتى طلقها فأبرأته من نصف المهر الذى وجب لها عليه كانت البراءة جائزة ولم يكن لها أن ترجع بشئ بعد البراءة ولو كانت لم تقبضه ولكنها أحالت عليه ثم أبرأته كانت البراءة باطلة لانها أبرأته مما ليس لها وما ملكه لغيرها ولو كان أحالت عليه بأقل من نصف المهر ثم أبراته من نصف المهر جازت البراءة مما بقى عليه ولم تجز مما أحالت به عليه لانه قد خرج منها إلى غيرها فأبرأته مما ليس لها عليه ولا تملكه فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه.
صداق الشئ بعينه فيوجد معيبا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أصدق الرجل المرأة عبدا بعينه فوجدت به عيبا صغيرا أو كبيرا يرد من مثله كالبيوع كان لها رده بذلك العيب وكذلك لو أصدقها إياه سالما فلم يدفعه إليها حتى حدث به عيب وكذلك كل ما أصدقها إياه فوجدت به عيبا أو حدث به في يد الزوج قبل قبضها إياه عيب كان لها رده بالعيب وأخذه معيبا إن شاءت فإن أخذته معيبا فلا شئ لها في العيب وإن ردته رجعت عليه بمهر مثلها لانها إنما باعته بضعها بعبد فلما انتقض البيع فيه باختيارها الرد كان لها مهر مثلها كما يكون لها لو اشترته منه بثمن الرجوع بالثمن الذي قبض منها وهكذا لو أصدقها إياه ولم تره فاختارت(5/81)
عند روءيته رده كان الجواب فيها هكذا لا يختلفان قال وإن أصدقها عبدا لا يملكه أو مكاتبا أو حرا على أنه عبد له أو دارا ثم ملك الدار والعبد فلها في هذا كله مهر مثلها قال وكذلك المكاتب لا يباع والحر لا ثمن له فلم يملك واحدا من هذين بحال والعبد لا يملكه والدار وقع النكاح ولا سبيل له عليه ولو سلمه سيده أو سلم الدار لم يكن لها كما لو باعها عبدا أو دارا لا يملكها ثم سلمها مالكها لم يجز البيع ولو أصدقها عبدا بصفة جاز الصداق وجبرتها إذا جاءها بأقل ما تقع عليه الصفة على قبضه منه قال وهكذا لو أصدقها حنطة أو زبيبا أو خلا بصفة أو إلى أجل كان جائزا وكان عليها إذا جاءها بأقل ما
يقع عليه اسم الصفة أن تقبله ولو قال أصدقتك مل ء هذه الجرة خلا والخل غير حاضر لم يجز وكان لها مهر مثلها كما لو اشترى مل ء هذه الجرة خلا والخل غائب لم يجز من قبل أن الجرة قد تنكسر فلا يدري كم قدر الخل وإنما يجوز بيع العين ترى أو الغائب المكيل أو الموزون بكيل أو ميزان يدرك علمه فيجبر عليه المتبايعان قال ولو أصدقها جرارا فقال هذه مملوءة خلا فنكحته على الجرار بما فيها أو على ما في الجرة فإذا فيها خل كان لها الخيار إذا رأته وافيا أو ناقصا لانها لم تره فإن اختارته فهو لها إن ثبت حديث خيار الرؤية، وإن اختارت رده فلها عليه مهر مثلها ولو وجدته خمرا رجعت عليه بمهر مثلها لانه لا يكون لها أن تملك الخمر وهذا بيع عين لا تحل كما لو أصدقها خمرا كان لها مهر مثلها قال ولو أصدقها دارا لم ترها على أنها بالخيار فيما أصدقها إن شاءت أخذته وإن شاءت ردته أو شرط الخيار لنفسه كان النكاح جائزا لان الخيار إنما هو في الصداق لا في النكاح وكان لها مهر مثلها ولم يكن لها أن تملك العبد ولا الدار ولو اصطلحا بعد على العبد والدار لم يجز الصلح حتى يعلم كم مهر مثلها فتأخذه به أو ترضى أن يفرض لها مهرا فتأخذ بالفرض لا قيمة مهر مثلها الذى لا تعرفه لانه لا يجوز البيع إلا بثمن يعرفه البائع والمشترى معا لا أحدهما دون الآخر ولا يشبه هذا أن تنكحه بعبد نكاحا صحيحا فيهلك العبد لان العقد وقع و ليس لها مهر مثلها فيكون العبد مبيعا به مجهولا وإنما وقع بالعبد وليس لها غيره إذا صح ملكه قال ولو أصدقها عبدا فقبضته فوجدت به عيبا وحدث به عندها عيب لم يكن لها رده إلا أن يشاء الزوج أن يأخذه بالعيب الذى حدث به عندها ولا يكون له في العيب الحادث عندها شئ ولها أن ترجع عليه بما نقصه العيب وكذلك لو أعتقته أو كاتبته رجعت عليه بما نقصه العيب.
كتاب الشغار أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق (قال الشافعي) لا أدري تفسير الشغار في الحديث أو من ابن عمر أو نافع أو مالك وهكذا كما قال الشغار (1) فكل من زوج رجلا امرأة يلى أمرها بولاية نفس الاب البكر أو الاب وغيره من الاولياء لامرأة على أن صداق كل واحدة منهما بضع الاخرى فهو الشغار
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إن النبي صلى الله
__________
(1) قوله: فكل من زوج رجلا امرأة إلى قوله " على ان صداق كل واحدة الخ " كذا في الاصول، وفيه سقط ظاهر فيحرر.
كتبه مصححه(5/82)
عليه وسلم نهى عن الشغار، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شغار في الاسلام) (قال الشافعي) فإذا انكح الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن ينكحه ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الاخرى ولم يسم لواحدة منها صداق فهذا الشغار الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل النكاح وهو مفسوخ وإن أصاب كل واحد منهما فلكل واحدة منهما مهر مثلها وعليها العدة وهو كالنكاح الفاسد في جميع أحكامه لا يختلفان (قال الشافعي) وإذا زوج الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها على أن يزوجه الرجل ابنته أو المرأة يلى أمرها على أن صداق إحداهما كذا لشئ يسميه وصداق الاخرى كذا لشئ يسميه أقل أو أكثر أو على أن يسمى لاحداهما صداقا ولم يسم للاخرى صداقا أو قال لا صداق لها فليس هذا بالشغار المنهى عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إذا دخل بها أو ماتت أو مات عنها ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها (قال الشافعي) فإن قال قائل فإن عطاء وغيره يقولون يثبت النكاح ويؤخذ لكل واحدة منهما مهر مثلها فلم لم تقله وأنت تقول يثبت النكاح بغير مهر ويثبت بالمهر الفاسد وتأخذ مهر مثلها؟ فأكثر ما في الشغار أن يكون المهر فيه فاسدا أو يكون بغير مهر؟ قيل له أبان الله عزوجل أن النساء محرمات إلا بما أحل الله من نكاح أو ملك يمين فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عزوجل كيف النكاح الذي يحل فمن عقد نكاحا كما أمره الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقد نكاحا لم يحرمه الله سبحانه وتعالى ولم ينه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فالنكاح ثابت، ومن نكح كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فهو عاص بالنكاح إلا أنه غير مؤاخذ إن شاء الله تعالى بالمعصية إن أتاها على جهالة فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من النكاح والشغار محرم بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وهكذا كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم من نكاح لم يحل به المحرم وبهذا قلنا في المتعة ونكاح المحرم وما نهى عنه من نكاح ولهذا قلنا في البيع الفاسد لا يحل به فرج الامة فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النكاح في حال فعقد على نهيه كان مفسوخا لان العقد لهما كان بالنهي ولا يحل العقد المنهى عنه محرما (قال الشافعي) ويقال له إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول الله عزوجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) الآية فلما أثبت الله عزوجل الطلاق دل ذلك على أن النكاح ثابت لان الطلاق لا يقع إلا من نكاح ثابت فأجزنا النكاح بلا مهر ولما أجازه الله سبحانه وتعالى بلا مهر كان عقد النكاح على شيئين أحدهما نكاح والآخر ما يملك بالنكاح من المهر فلما جاز النكاح بلا ملك مهر فخالف البيوع وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها وكان كالبيوع الفاسدة المستهلكة يكون فيها قيمتها كان المهر إذا كان فاسدا لا يفسد النكاح ولم يكن في النكاح بلا مهر إلا في النكاح بالمهر الفاسد نهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرمه بنهيه كما كان في الشغار فأجزنا ما أجاز الله عزوجل وما كان في معناه إذا لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه عن شئ علمناه ورددنا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هذا الواجب علينا الذى ليس لنا ولا لاحد عقل عن الله جل وعلا شيئا علمنا غيره.
أخبرنا الربيع: قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا نكح امرأة على حكمها ثم طلقها فاحتكمت رقيقا من بلاده فأبى فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فقال امرأة من المسلمين (قال الشافعي) أحسبه قال يعنى مهر امرأة من المسلمين.(5/83)
نكاح المحرم أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بنى عبد الدار أن عمر ابن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) وأخبرنا ابن عيينة عن أيوب ابن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه (قال
الشافعي) وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الانصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج.
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الاصم وهو ابن أخت ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سلمة الاموى عن إسمعيل بن أمية عن ابن المسيب: قال وهم الذى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبى غطفان ابن طريف المزني أنه أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه نكاحه.
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر، قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره (قال الشافعي) لا يلى محرم عقدة نكاح لنفسه ولا لغيره فإن تزوج المحرم في إحرامه وكان هو الخاطب لنفسه أو خطب عليه حلال بأمره فسواء لانه هو الناكح ونكاحه مفسوخ.
وهكذا المحرمة لا يزوجها حرام ولا حلال لانها هي المتزوجة، وكذلك لو زوج المحرم امرأة حلالا أو وليها حلال فوكل وليها حراما فزوجها كان النكاح مفسوخا لان المحرم عقد النكاح قال: ولا بأس أن يشهد المحرمون على عقد النكاح لان الشاهد ليس بناكح ولا منكح ولو توقى رجل أن يخطب امرأة محرمة كان أحب إلى وإلا أعلمه يضيق عليه خطبتها في إحرامها لانها ليست بمعتدة ولا في معناها ومتى خرجت من إحرامها جاز لها أن تنكح وقد تكون معتمرة فيكون لها الخروج من إحرامها بأن تعجل الطواف وحاجة فيكون لها ذلك بأن تعجل الزيارة يوم النحر فتطوف والمعتدة ليس لها أن تقدم الخروج من عدتها ساعة (قال الشافعي) فأى نكاح عقده محرم لنفسه أو محرم لغيره فالنكاح مفسوخ فإذا دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها ويفرق بينهما وله أن يخطبها إذا حلت من إحرامها في عدتها منه ولو توقى كان ذلك أحب إلى لانها وإن كانت تعتد من مائه فإنها تعتد من ماء فاسد.
قال وليس لغيره أن يخطبها حتى تنقضي عدتها منه فإن نكحها هو فهى عنده على ثلاث تطليقات لان الفسخ ليس بطلاق، وإن خطب المحرم على رجل وولى عقدة نكاحه
حلال فالناكح جائز إنما أجزنا النكاح بالعقد وأكره للمحرم أن يخطب على غيره كما أكره له أن يخطب على نفسه ولا تفسد معصيته بالخطبة إنكاح الحلال وإنكاحه طاعة فإن كانت معتمرة أو كان معتمرا لم ينكح واحد منهما حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويأخذ من شعره فإن نكح قبل ذلك فنكاحه مفسوخ فإن كانت أو كانا حاجين لم ينكح واحد منهما حتى يرمى ويحلق ويطوف يوم النحر أو بعده فأيهما نكح قبل هذا فنكاحه مفسوخ وذلك أن عقد النكاح كالجماع فمتى لم يحل للمحرم الجماع(5/84)
من الاحرام لم يحل له عقد النكاح وإذا كان الناكح في إحرام فاسد لم يجزله النكاح فيه كما لا يجوز له في الاحرام الصحيح وإن كان الناكح محصرا بعد ولم ينكح حيت يحل وذلك أن يحلق وينحر فإن كان محصرا بمرض لم ينكح حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وأصل هذا أن ينظر إلى عقد النكاح فإن كان قد حل للمحرم منهما الجماع فأجيزه، وإن كان الجماع لم يحل للمحرم منهما لحرمة الاحرام فأبطله (قال الشافعي) ويراجع المحرم امرأته وتراجع المحرمة زوجها لان الرجعة ليست بابتداء نكاح انما هي إصلاح شئ أفسد من نكاح كان صحيحا إلى الزوج إصلاحه دون المرأة والولاة وليس فيه مهر ولا عوض ولا يقال للمراجع ناكح (قال الشافعي) ويشترى المحرم الجارية للجماع والخدمة لان الشراء ليس كالنكاح المنهى عنه كما يشترى المرأة وولدها وأمها وأخواتها ولا ينكح هؤلاء معا لان الشراء ملك فإن كان يحل به الجماع بحال فليس حكمه حكم النكاح فنهناه عن الشراء لانه في معنى النكاح (قال الشافعي) و لو وكل رجل قبل أن يحرم رجلا أن يزوجه امرأة ثم أحرم فزوجه وهو ببلده أو غائب عنه يعلم بإحرامه أو لا يعلم فالنكاح مفسوخ إذا عقده والمعقود له محرم، قال ولو عقد وهو غائب في وقت فقال لم أكن في ذلك الوقت محرما كان القول قوله مع يمينه إلا أن تقوم عليه بينة بإحرامه في ذلك الوقت فيفسخ النكاح، ولو زوجه في وقت فقال الزوج لا أدرى كنت في ذلك الوقت محرما أو حلالا أو لم أعلم متى كان النكاح كان الورع أن يدع النكاح ويعطى نصف الصداق إن كان سمى والمتعة إن لم يكن سمى ويفرق في ذلك بتطليقة ويقول إن لم أكن كنت محرما فقد أوقعت عليه تطليقة ولا يلزمه في الحكم من هذا شئ لانه على إحلال النكاح حتى يعلم فسخه وهذا كله إذا صدقته المرأة بما يقول في
أن النكاح كان وهو محرم فإن كذبته ألزمته لها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها إلا أن يقم بينة بأنه كان محرما حين تزوج وفسخت النكاح عليه بإقراره أن نكاحه كان فاسد.
وإن قالت لا أعرف أصدق أم كذب قلنا نحن نفسخ النكاح بإقراره وإن قلت كذب أخذنا لك نصف المهر لانك لا تدرين ثم تدرين وإن لم تقولي هذا لم نأخذ لك شيئا ولا نأخذ لمن لا يدعى شيئا.
وإن قالت المرأة أنكحت وأنا محرمة فصدقها أو أقامت بينة فالنكاح مفسوخ وإن لم يصدقها فالقول قوله والنكاح ثابت وعليه اليمين وإن نكح أمة فقال سيدها أنكحتها وهى محرمة وقالت ذلك الامة أو لم تقله فإن صدقه الزوج فلا مهر لها وإن كذبه وكذبها فالنكاح ثابت إذا حلف الزوج.
نكاح المحلل ونكاح المتعة أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن على قال وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن على عن أبيهما عن علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سيرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة (قال الشافعي) وجماع نكاح المتعة المنهى عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد وذلك أن يقول الرجل للمرأة نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد أو نكحتك حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الابد أو(5/85)
يحدث لها فرقة، ونكاح المحلل الذى يروى أن رسوله صلى الله عليه وسلم لعنه عندنا والله تعالى أعلم ضرب من نكاح المتعة لانه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الاصابة فقد يستأخر ذلك أو يتقدم، وأصل ذلك أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها فإذا أصابها فلا نكاح له عليه مثل أنكحك عشرا ففى عقد أنكحك عشرا أن لا نكاح بيني وبينك بعد عشر كما في عقد أنكحك لاحللك أنى إذا أصبتك فلا نكاح بينى وبينك بعد أن أصبتك كما يقال أتكارى منك هذا المنزل عشرا
أو استأجر هذا العبد شهرا، وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لى عليك، و كما يقال أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد، وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له، وهذا يفسد في الكراء فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة، وكذلك كل نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين وليس بين الزوجين شئ من أحكام الازواج طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد، وإن كان لم يصبها فلا مهر لها وإن كان أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لا وعليها العدة ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا، وإن نكحها بعد هذا نكاحا صحيحا فهى عنده على ثلاث (قال الشافعي) وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة كانت على هذا نيته دون نيتها أو نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولى غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا لان النية حديث نفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم وقد ينوى الشئ ولا يفعله وينويه ويفعله فيكون الفعل حادثا غير النية، وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية أحدها دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ا يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح وسواء نوى ذلك الولى معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالى والولى في هذا لا معنى له أن يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده (قال الشافعي) ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو إلا مقامه بالبلد أو إ لا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء وأكره له المراوضة على هذا ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت لانه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة، وأى نكاح كان صحيحا وكانت فيه الاصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا واوجبت المهر كله وأقل ما يكون من الاصابة حتى تكون هذه الاحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه (قال الشافعي) وأى نكاح كان فاسدا لم يحصن الرجل ولا المرأة ولم يحللها لزوجها فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها (قال الشافعي) فإن قال قائل: فهل فيما ذكرت من أن الرجل ينكح ينوى التحليل مراوضة أو غير مراوضة فإذا لم ينعقد النكاح على شرط كان النكاح ثابتا خير عن أحد من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من دونهم؟ قيل فيما ذكرنا من النهى عن المتعة وأن المتعة هي النكاح إلى أجل كفاية وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن سيف بن سليمان عن مجاهد قال طلق رجل من قريش امرأة له فبتها فمر بشى وابن له من الاعراب في السوق قدما بتجارة لهما فقال للفتى هل فيك من خير؟ ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها.
قال نعم: قال فأرني يدك فانطلق به فأخبره الخبر وأمره بنكاحها فنكحها فبات معها فلما أصبح استأذن فأذن له فإذا هو قد ولاها الدبر فقالت: والله لئن طلقني لا أنكحك أبدا فذكر ذلك لعمر فدعاه فقال لو نكحتها لفعلت بك كذا وكذا وتوعده ودعا زوجها فقال الزمها.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد عن عمر مثله(5/86)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرت عن ابن سيرين أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد فجاءته امرأة فقالت له هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة فتصبح فتفارقها؟ فقال نعم وكان ذلك فقالت له امرأته إنك إذا أصبحت فإنهم سيقولون لك فارقها فلا تفعل فإنى مقيمة لك ما ترى واذهب إلى عمر فلما أصبحت أتوه وأتوها فقالت كلموه فأنتم جئتم به فكلموه فأبى وانطلق إلى عمر فقال: الزم امرأتك فإن رابوك بريب فائتني وأرسل إلى المرأة التي مشت بذلك فنكل بها.
ثم كان يغدو إلى عمر ويروح في حلة فيقول الحمد لله الذى كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح (قال الشافعي) وقد سمعت هذا الحديث مسندا متصلا عن ابن سيرين يوصله عن عمر بمثل هذا المعنى.
باب الخيار في النكاح وإذا نكح الرجل المرأة على أنه بالخيار في نكاحها يوما أو أقل أو أكثر أو على أنه بالخيار ولم يذكر مدة ينتهى إليها إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده أو قال على أنى بالخيار يعنى من كان له الخيار أنه إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده فالنكاح فاسد، وكذلك إن كان الخيار للمرأة دونه أو لهما معا أو شرطاه أو أحدهما لغيرهما فالنكاح باطل في هذا كله فإن لم يدخل بها فهو مفسوخ وإن أصابها فلها مهر مثلها بما أصاب منها ولا نكاح بينهما ويخطبها مع الخطاب وهي تعتد من مائه ولو تركها حتى تستبرئ
كان أحب إلى (قال الشافعي) وإنما أبطلته بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة فلما كان نكاح المتعة مفسوخا لم يكن للنهى عنه معنى أكثر من أن النكاح إنما يجوز على إحلال المنكوحة مطلقا لا إلى غاية وذلك أنها إذا كانت إلى غاية فقد أباحت نفسها بحال ومنعتها في أخرى فلم يجز أن يكون النكاح إلا مطلقا من قبلها كان الشرط أن تكون منكوحة إلى غاية أو قبله أو قبلهما معا، ولما كان النكاح بالخيار في أكثر من المعنى الذى له فيما نرى فسدت المتعة في أنه لم ينعقد والجماع حلال فيه على ما وصفت من الابد ولا بحال حتى يحدث له اختيارا حداثا فتكون العقدة انعقدت على النكاح والجماع لا يحل فيها بكل حال فانكاح في العقدة غير ثابت لم يثبت النكاح بشئ حدث بعدها ليس هو هي فيكون متقدم النكاح غير ثابت في حال وثابتا في أخرى وهذا أقبح من نكاح المتعة لان نكاح المتعة وقع على ثابت أولا إلى مدة وغير ثابت إذا انقطعت المدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفا في جملة أن النكاح لا يجوز على الخيار كما تجوز البيوع، فإذا كان الخيار فيه لا يجوز لزم من أعطى هذه الحملة والله تعالى أعلم أن لا يجيز النكاح إذا كان بشرط الخيار.
ما يدخل في نكاح الخيار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت المرأة الحرة مالكة لامرها فزوجها وليها رجلا بغير علمها فأجازت النكاح أو ردته فهو غير جائز ولا يجوز نكاح المرأة بحال أبدا حتى تأذن في أن تنكح قبل أن تنكح، فإذا أذنت في ذلك في رجل بعينه فزوجها ولى جاز (قال الشافعي) وكذلك إذا أذنت للولى أن يزوجها من رأى فزوجها كفئا فالنكاح جائز وهكذا الزوج يزوجه الرجل بغير إذنه(5/87)
فالنكاح باطل أجازه الرجل أورده وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل عقد نكاح كان الجماع فيه والنظر إلى المرأة مجردة محرما إلى مدة تأتى بعده فالنكاح فيه مفسوخ وهو في معنى ما وصفت قبل من نكاح الخيار ونكاح المتعة ولا يجوز إنكاح الصبى ولا الصبية ولا البكر غير الصبية إلا بعد تقدم رضاها أو البكر البالغ لولى غير الآباء خاصة بما وصفنا قبله من دلالة السنة في إنكاح الاب ولو أن امرأة حرة أذنت لوليها أن يزوجها برجل فزوجها رجل غير وليها ذلك الرجل وأجاز الولى نكاحها لم يجز لانها كان
لها وللولي أن يرد نكاحه لعلة ان المزوج غير المأذون له بالتزويج فلم يجز النكاح وهكذا المرأة تنكح بغير إذن وليها فيجيز وليها النكاح أو العبد ينكح بغير إذن سيده فيجيز سيده النكاح أو الامة تنكح بغير إذن سيدها فيجيز سيدها النكاح فهذا كله نكاح مفسوخ لا يجوز بإجازة من أجازه لانه انعقد منهيا عنه وهكذا الحر البالغ المحجور عليه ينكح بغير إذن وليه ووليه ولى ماله لا ولاية على البالغ في النكاح في النسب إنما الولى عليه ولى ماله كما يقع عليه في الشراء والبيع ولا يشبه المرأة التى وليها ولى نسبها للعار عليها والرجل لا عار عليه في النكاح فإذا أذن وليه بعد النكاح فالنكاح مفسوخ وكل نكاح مفسوخ قبل الجماع فهو مفسوخ بعد الجماع (قال الشافعي) وإذا زوج الولى رجلا غائبا بخطبة غيره وقال الخاطب لم يرسلنى ولم يوكلني فالنكاح باطل وإذا قال الرجل قد أرسلني فلان فزوجه الولى أو كتب الخاطب كتابا فزوجه الولى وجاءه بعلم التزويج فإن مات الزوج قبل أن يقر بالرسالة أو الكتاب لم ترثه المرأة وإن لم يمت فقال لم أرسل ولم أكتب فالقول قوله مع يمينه فإن قامت عليه بينة برسالة بخطبتها أو كتاب بخطبتها ثبت عليه النكاح وهكذا لو مات ولم يقر بالنكاح أو جحده فقامت عليه بينة ثبت عليه النكاح وكان لها عليه المهر الذى سمى لها ولها منه الميراث فإن قال الرجل قد وكلنى فلان أزوجه فزوجته فأنكر المزوج فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن عليه بينة ولا صداق ولا نصف على المزوج المدعى الوكالة إلا أن يضمن الصداق فيكون عليه نصفه بالضمان فإن الزوج لم يمسس وليس هذا كالرجل يشترى للرجل الشئ فينكر المشترى له الوكالة فيكون الشراء للمشترى وعليه الثمن هذا لا يكون له النكاح وإن ولى عقده لغيره والله تعالى الموفق.
باب ما يكون خيار قبل الصداق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل أن يزوجه امرأة بصداق فزادها عليه أو أصدق عنه غير الذى يأمره أو أمرت المرأة الولى أن يزوجها بصداق فنقص من صداقها أو زوجها بعرض فلا خيار في واحد من هذين للمرأة ولا للرجل ولا يرد النكاح من قبل تعدى الوكيل في الصداق وللمرأة على الزوج في كل حال من هذه الاحوال مهر مثلها وإن كان وكيل الرجل ضمن للمرأة ما زادها فعلى الوكيل الزيادة على مهر مثلها وإن كان ضمن الصداق كله أخذت المرأة الوكيل
بجميع الصداق الذي ضمن ورجع على الزوج بصداق مثلها ولم يرجع عليه بما ضمن عنه مما زاد على صداق مثلها لانه متطوع بالزيادة على صداق مثلها وإن كان ما سمى مثل صداق مثلها رجع به عليه ولو كان الوكيل لم يضمن لها شيئا لم يضمن الوكيل شيئا وليس هذا كالبيوع التى يشترى الرجل منها الشئ للرجل فيزيد في ثمنه فلا يلزم الآمر إلا أن يشاء (قال الربيع) إلا أن يشاء أن يحدث شراء من المشترى لان العقد كان صحيحا (قال الشافعي) ويلزم المشترى لانه ولى صفقة البيع وأنه يجوز أن يملك(5/88)
ما اشترى بذلك العقد وإن سماه لغيره وهو لا يجوز له أن يملك امرأة بعقد عقده لغيره ولا يكون للزوج ولا للمرأة خيار من قبل أنه لا يجوز أن يكون في النكاح خيار من هذا الوجه ويثبت النكاح فيكون لها صداق مثلها فإن قال قائل فكيف يجعل لها صداق مثلها ولم يرض الزوج أن يتزوجها إلا بصداق مسمى هو أقل من صداق مثلها؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت إذا لم يرض الزوج أن يتزوج إلا بلا مهر فلم أرد النكاح ولم أجعل فيه خيارا للزوجين ولا لواحد منهما وأثبت النكاح وأخذت منه مهر مثلها من قبل أن عقدة النكاح لا تفسخ بصداق وأنه كالبيوع الفاسدة المستهلكة التى فيها قيمتها فأعطاها الزوج صداقها وولى عقدة النكاح غيره فزادها عليه فأبلغتها صداق مثلها فما أخذت منه من إبلاغها صداق مثلها وإن لم يبلغه أقل من أخذى منه مبتدأ صداق مثلها فهو لم يبذله ولم ينكح عليه وهكذا لو وكل رجل رجلا يزوجه امرأة بعينها ولم يسم لها صداق فأصدقها أكثر من صداق مثلها ولم يضمنه الوكيل فلها صداق مثلها لا يجعل على الزوج ما جاوزه إذا لم يسمه ولا تنقص المرأة منه.
ولو وكله بأن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بخمسين كان النكاح جائزا وكانت لها الخمسون لانها رضيت بها ولو وكل أن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بعبد أو دراهم أو طعام أو غيره كان لها صداق مثلها إلا أن يصدقه الزوج أنه أمره أن يعمل برأيه أن يزوجه بما زوجه به، وهكذا المرأة لو أذنت لوليها أن يزوجها فتعدى في صداقها.
الخيار من قبل النسب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن عبدا انتسب لامرأة حرة حرا فنكحته وقد أذن له سيده
ثم علمت أنه عبد أو انتسب لها إلى نسب فوجدته من غير ذلك النسب ومن نسب دونه ونسبها فوق نسبه كان فيها قولان.
أحدهما أن لها الخيار لانه منكوح بعينه وغار بشئ وجد دونه، والثانى أن النكاح مفسوخ كما ينفسخ لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره كأنها أذنت في عبد الله بن محمد الفلاني فزوجت عبد الله بن محمد من غير بنى فلان فكان الذى زوجته غير من أذنت بتزويجه فإن قال قائل فلم تجعل لها الخيار في الرجل يغرها بنسبه وقد نكحته بعينه ولم تجعله لها من جهة الصداق؟ قيل الصداق مال من مالها هي أملك به لا عار عليها ولا على من هي فيه منه في نقصه ولا ولاية لاوليائها في مالها وهذا كان لاوليائها على الابتداء إذا أذنت فيه أن يمنعوها منه بنقص في النسب ولم يكن لهم على الابتداء يمنعونها كفؤا تترك لها من صداقها، فإن قال قائل فكيف لم تجعل نكاح الذى غرها مفسوخا بكل حال؟ قيل له لانه قد كان لاوليائها على الابتداء ان يزوجوها إياه.
وليس معنى النكاح إذا أراد الولاة منعه بأن الناكح غير كف ء بأن النكاح محرم وللاولياء أن يزوجوها غير كف ء إذا رضيت ورضوا وإنما رددناه بالنقص على المزوجة كما يجعل الخيار في رد البيع بالعنب وليس بمحرم أن يتم إن شاء الذى جعل له الخيار: فإن قال فقد جعلت خيارا في الكفاءة.
قيل من جهة أن الله عز وجل جعل للاولياء في بضع المرأة أمرا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المرأة بغير إذن وليها مردودا فكانت دلالة أن لا يتم نكاحها إلا بولي وكانت إذا فعلت ذلك مفوتة في شئ لها فيه شريك ومن يفوت في شئ له فيه شريك لم يجز ذلك على شريكه فإذا كان الشريك في بضع لم يتم إلا بإجتماع الشريكين لانه لا يتبعض ولم يكن للولاة معها معنى إلا بما وصفنا والله تعالى أعلم إلا أن تنكح من(5/89)
ينقص نسبه عن نسبها ولم يجعل الله للولاة أمرا في مالها، ولو أن المرأة غرت الرجل بأنها حرة فإذا هي أمة وأذن لها سيدها كان له فسخ النكاح إن شاء، ولو غرته بنسب فوجدها دونه ففيها قولان أحدهما أن له عليها في الغرور بالنسب مالها عليه من رد النكاح وإذا رد النكاح قبل أن يصيبها فلا مهر ولا متعة وإذا رده بعد الاصابة فلها مهر مثلها لا ما سمى لها ولا نفقة في العدة حاملا كانت أو غير حامل ولا ميراث بينهما إذا فسخ، والثاني لا خيار له إذا كانت حرة لان بيده الطلاق ولا يلزمه من العار ما يلزمها
وله الخيار بكل حال إن كانت أمة (قال الربيع) وإن كانت) أمة غربها كان له الخيار إن كان يخاف العنت وكان لا يجد طولا لحرة وإن كان يجد طولا لحرة أو كان لا يخاف العنت فالنكاح مفسوخ بكل حال وهو قول الشافعي (قال الشافعي) ولو غرها بنسب فوجد دونه وهو بالنسب الدون كف ء لها ففيها قولان: أحدهما ليس لها ولا لوليها خيار من قبل الكفاءة لها وإنما جعل لها الخيار ولوليها من قبل التقصير عن الكفاءة فإذا لم يكن تقصير فلا خيار وهذا أشبه القولين وبه أقول، والآخر أن النكاح مفسوخ لانها مثل المرأة تأذن في الرجل فتزوج غيره.
ومن قال هذا القول الآخر قاله في المرأة تغر بنسب فتوجد على غيره قال ولو غرت بنسب أو غر به فوجد خيرا منه.
وإنما منعنى من هذا أن الغرور لم يكن فيه ببدنه ولا فيها ببدنها وهما المزوجان وإنما كان الغرور فيمن فوقه فلم تكن أذنت في غيره ولا أذن في غيرها ولكنه كان ثم غرور نسب فيه حق للعقدة وكان غير فاسد أن يجوز على الابتداء (قال الشافعي) فإن قال: فهل تجد دلالة غير مل ذكرت من الاستدلال من أي معنى الاولياء إنما هو لمعنى النسب في هذا المعنى أو ما يشبه في كتاب أو سنة حتى يجوز أن تجعل في النكاح خيارا والخيار إنما يكون إلى المخير إثباته وفسخه؟ قيل نعم عتقت بريرة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ففارقت زوجها وقد كان لها الثبوت عنده لانه لا يخيرها إلا ولها أن تثبت إن شاءت وتفارق إن شاءت.
وقد كان العقد على بريرة صحيحا وكان الجماع فيه حلالا وكان لها فسخ العقد فلم يكن لفسخها معنى والله تعالى أعلم إلا أنها صارت حرة فصار العبد لها غير كف ء والتي كانت كفيئة في حال ثم انتقلت إلى أن تكون غير كف ء للعبد لتقصيره عنها أدنى حالا من التى لم تكن قط كفيئة لمن غرها فنكحته على الكفاءة فوجد على غيرها.
في العيب بالمنكوحة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الاربع التي سمينا فيها الخيار فلا خيار له.
وقد ظلم من شرط هذا نفسه.
وسواء في ذلك الحرة والامة إذا كانتا متزوجتين، وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا
من أربع أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال وهذا مانع للجماع الذى له عامة ما نكحها.
فإن كانت رتقاء فكان يقدر عن جماعها بحال فلا خيار له أو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال.
وإن سأل أن يشقها هو بحديدة أو ما شاببها ويجبرها على ذلك لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخبره لم أجعل له خيارا، ولا يلزمها الخيار إلا عند حاكم إلا أن يتراضيا هما بشئ يجوز فأجيز تراضيهما، ولو تزوجها فوجدها مفضاة لم أجعل له خيارا لانه يقدر على الجماع،(5/90)
وكذلك لو كان بها قرن يقدر معه على الجماع لم أجعل له خيارا ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا فأما الزعر في الحاجب، أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما لانه قد لا يكون وله الخيار في البرص لانه ظاهر وسواء قليل البرص وكثيره فإن كان بياضا فقالت ليس هذا برصا وقال هو برص أريه أهل العلم به فإن قالوا هو برص فله الخيار وإن قالوا هو مرار لا برص فلا خيار له فإن شاء أمسك وإن شاء طلق (قال الشافعي) والجنون ضربان خنق وله الخيار بقليله وكثيره وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا وهذا أكثر من الذى يخنق ويفيق (قال الشافعي) فأما الغلبة على العقل بالمرض فلا خيار لها فيه ما كان مريضا فإذا أفاق من المرض وثبتت الغلبة على العقل فلها الخيار فإن قال قائل ما الحجة في أن جعلت للزوج الخيار في أربع دون سائر العيوب؟ فالحجة عن غير واحد في الرتقاء ما قلت، وإنه إذا يوصل إلى الجماع بحال فالمرأة في غير معاني النساء فإن قال فقد قال أبو الشعثاء لا ترد من قرن فقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابى الشعثاء قال أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح إلا أن يسمى فإن سمى جاز الجنون والجذام والبرص والقرن (قال الشافعي) فإن قال قائل فنقول بهذا؟ قيل إن كان القرن مانعا للجماع بكل حال كما وصفت كان كالرتق وبه أقول، وإن كان غير مانع للجماع فإنما هو عيب ينقصها فلا أجعل له خيارا، أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد عن ابن المسيب انه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو
برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها.
(قال الشافعي) فإذا علم قبل المسيس فله الخيار فإن اختار فراقها فلا مهر لها ولا نصف ولا متعة وإن اختار حبسها بعد علمه أو نكحها وهو يعلمه فلا خيار له وإن اختار الحبس بعد المسيس فصدقته أنه لم يعلم خيرته فإن اختار فراقها فلها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى إلا أن يشاء ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها فإن قال قائل فقد قيل يرجع بالمهر على وليها (قال الشافعي) إنما تركت أن أرده بالمهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها) فإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهى التى غرته لا غيرها لان غيرها لو زوجه إياها لم يتم النكاح إلا بها إلا في البكر للاب فإذا كان في النكاح الفاسد الذى عقد لها لم يرجع به عليها وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لها كان في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه الخيار أولى أن يكون للمرأة فإذا كان للمرأة لم يجز أن تكون هي الآخذة له ويغرمه وليها لان أكثر أمره أن يكون غربها وهى غرت بنفسها فهى كانت أحق أن يرع به عليها ولو رجع به عليها لم تعطه أولا (قال الشافعي) وقضى عمر بن الخطاب في التى نكحت في عدتها إن أصيبت فلها المهر فإذا جعل لها المهر فهو لورده به عليها لم يقض لها به ولم يرده على وليها بمهره إنما فسد النكاح من قبل العقد لانه لو كان بغير ولى أفسده وإن لم يكن في عدة قال وما جعلت له فيه الخيار إذا عقدت عقدة النكاح وهو بها جعلت له الخيار إذا حدث بها عقدة النكاح لان ذلك المعنى قائم فيها وإنى لم أجعل له الخيار بأن النكاح فاسد ولكني جعلت له بحقه فيه وحق الولد.
قال وما جعلت له فيه الخيار إذا كان بها جعلت لها فيه الخيار إذا كان به أو حدث به فإن اختارت فراقه قبل المسيس لم يكن له أن يمسها ولم يكن من المهر شئ ولا متعة وإن لم تعلم حتى اصابها فاختارت فارقة فلها المهر ولها فراقه والذي يكون به مثل(5/91)
الرتق أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها فإن كانت بخصلة واحدة مما لها فيه الخيار فلم تختر فراقه وثبتت معه عليها فحدث به أخرى فلها منه الخيار وكذلك إن علمت باثنين أو ثلاث فاختارت المقام معه
جعلت لها فيما سواها الخيار وهكذا هو فيما كان بها وإن علمت به فتركته وهى تعلم الخيار لها فذلك كالرضا بالمقام معه ولا خيار لها وإن علم شيئا بها فأصابها فلها الصداق الذى سمى لها ولا خيار له إن شاء طلق وإن شاء أمسك فإن قال قائل فهل فيه من علة جعلت لها الخيار غير الاثر؟ قيل نعم الجذام والبرص فيما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب تعدى الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب بان يجامع من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به فأما الولد فبين والله تعالى أعلم أنه إذا ولده أجذم أو أبرص أو جذماء أو برصاء قلما يسلم وإن سلم أدرك نسله ونسأل الله العافية فأما الجنون والخبل فتطرح الحدود عن المجنون والمخبول منهما ولا يكون منه تأدية حق لزوج ولا زوجة بعقل ولا امتناع من محرم بعقل ولا طاعة لزوج بعقل وقد يقتل أيهما كان به زوجه وولده ويتعطل الحكم عليه في كثير ما يجب لكل واحد منهما على صاحبه حتى يطلقها فلا يلزمه الطلاق ويرد خلعه فلا يجوز خلعه وهى لو دعت إلى مجنون في الابتداء كان للولاة منعها منه كما يكون لهم منعها من غير الكف ء وإذا جعل لها الخيار بأن يكون مجبوبا أو له بأن تكون رتقاء كان الخبل والجنون أولى بجماع ما وصفت أن يكون لها وله الخيار وأولى أن يكون لها فيه الخيار من أن لا يأتيها فيؤجل فإن لم يأتها خيرت (قال الشافعي) فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين؟ قيل نعم جعل الله للمولى تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أو يفئ أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الايمان في غير ذكر المولى فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الاجذم والابرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولى ما لم يحنث وإن كان قد يفترقان في غير هذا المعنى فكل موضع من النكاح لم أفسخه بحال فعقده غير محرم وإنما جعلنا الخيار فيه بالعلة التى فيه فالجماع فيه مباح وأى الزوجين كان له الخيار فمات أو مات الآخر قبل الخيار توارثا ويقع الطلاق ما لم يختر له الخيار فسخ العقدة فإذا اختارها لم يقع طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا ميراث.
الامة تغر بنفسها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أذن الرجل لامته في نكاح رجل ووكل رجلا بتزويجها فخطبها الرجل إلى نفسها فذكرت أنها حرة ولم يذكر ذلك الذى زوجها أو ذكر الذى زوجها ولم تذكره أو ذكراه معا فتزوجها على أنها حرة فعلم بعد عقد النكاح وقبل الدخول أو بعده أنها أمة فله الخيار في المقام معها أو فراقها إن كان ممن يحل له نكاحها بأن لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فإن اختار فراقها قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة وإن لم يعلم حتى أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو اكثر إن اختار فراقها والفراق فسخ بغير طلاق ألا ترى أن لو جعله تطليقة لزمه أن يكون لها نصف المهر الذي فرض لها قبل الدخول وكله بعد الدخول لان الله عزوجل أوجب للمطلقة قبل الدخول نصف المهر ولا يرجع بمهرها عليها ولا على الذى غره من نكاحها بحال لان الاصابة توجب المهر إذا درئ فيها الحد(5/92)
وهذه إصابة الحد فيها ساقط وإصابة نكاح لا زنا (قال الشافعي) فإن أحب المقام معها كان ذلك له وإن اختار فراقها وقد ولدت أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم يسقطون من بطون امهاتهم وذلك أول ما كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الامة ويرجع بجميع ما أخذ منه من قيمة أولاده على الذي غره إن كان غره الذى زوجه رجع به عليه وإن كانت غرته هي رجع به عليها إذا عتقت ولا يرجع عليها إذا كانت مملوكة وهكذا إذا كانت مدبرة أو أم ولد أو معتقة إلى أجل لم يرجع عليها في حال رقها ويرجع عليها إذا عتقت إذا كانت هي التى غرته (قال الشافعي) وإن كانت مكاتبة فمثل هذا في جميع المسائل إلا أن له أن يرجع عليها وهى مكاتبة بقيمة أولادها لان الجناية والدين في الكتابة يلزمها فإن أدته فذاك وإن لم تؤده وعجزت فردت رقيقا لم يلزمها في حال رقها حتى تعتق فيلزمها إذا عتقت وإن كان ممن يجد طولا لحرة فالنكاح مفسوخ بكل حال لا خيار فيه في إثباته فإن لم يصبها فلا مهر ولا نصف مهر ولا متعة وإن أصابها فلها مهر مثلها وإن ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا فلابيه فيه ما في جنين الحرة جنينا ميتا.
كتاب النفقات أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما
فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال عزوجل (الرجال قوامون على النساء) وقال تقدست أسماؤه (وعاشروهن بالمعروف) وقال عزوجل (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) (قال الشافعي) هذا جملة ما ذكر الله عزوجل من الفرائض بين الزوجين وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض الله عزوجل للمرأة على الزوج وللزوج على المرأة مما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وفرض الله عزوجل أن يؤدى كل ما عليه بالمعروف وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته وأيهما ترك فظلم لان مطل الغنى ظلم ومطله تأخيره الحق (قال الشافعي) في قوله تعالى (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) والله أعلم: أي فما لهن مثل ما عليهن من أن يؤدى إليهن بالمعروف.
وجوب نفقة المرأة قال الله عزوجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا) قرأ إلى (أن لا تعولوا) وقال عزوجل (والوالدات يرضعن أولادهن) قرأ إلى (بالمعروف) وقال عزوجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن هندا قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لى إلا ما يدخل بيتى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم(5/93)
فقالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدى إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل على في ذلك من شئ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار
قال (أنفقه على نفسك) قال عندي آخر قال (أنفقه على ولدك) قال عندي آخر قال (أنفقه على أهلك) قال عندي آخر (قال أنفقه على خادمك) قال عندي آخر قال (أنت أعلم) قال سعيد بن أبى سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا يقول ولدك أنفق على إلى من تكلني؟ وتقول زوجتك أنفق على أو طلقني ويقول خادمك أنفق على أو بعنى (قال الشافعي) في قول الله عزوجل (وعلى المولود له رزقهن وكسونتن بالمعروف) وقوله عزوجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف) بيان أن على الاب أن يقوم بالمؤنة التى في صلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة قال وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء (ذلك أدنى أن لا تعولوا) بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وسكنى قال وخدمة في الحال التى لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلا به من الزمانة والمرض فكل هذا لازم للزوج قال ويحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يعرف أنها لا تخدم نفسها وهو مذهب غير واحد من أهل العلم فيفرض على الرجل نفقة خادم واحد للمرأة التى الاغلب أن مثلها لا تخدم نفسها وليس عليه نفقة أكثر من خادم واحد فإذا لم يكن لها خادم فلا أعلمه يجبر على أن يعطيها خادما ولكن يجبر على من يصنع لها من طعامها مالا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لادخاله من الماء ومن مصلحتها لا يجاوز به ذلك (قال الشافعي) وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم ثم لا نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم قياسا على النفقة عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم في الصغر وسواء في ذلك الذكر والانثى وإنما ينفق عليهم ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم قال وسواء في ذلك ولده وولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم قال وإذا زمن الاب والام ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد لانهما قد جمعا الحاجة والزمانة التى لا ينحرفان معها والتى في مثل حال الصغر أو أكثر ومن نفقتهم الخدمة كما وصفت والاجداد وإن بعدوا آباء إذا لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم أنفق عليهم ولد الولد (قال الشافعي) وينفق إذا كانوا كما وصفت على ولده بأنهم منه وينفق عليه ولده بذلك المعنى لا بالاستمتاع منهم بما يستمتع به الرجل من امرأته قال وينفق على امرأته غنية كانت أو فقيرة
بحبسها على نفسه للاستمتاع بها وغير ذلك ومنعها من ذلك من غيره قال ولا شك إذا كانت امرأة الرجل قد بلغت من السن ما يجامع مثلها فامتنع من الدخول عليها ولم تمتنع من الدخول عليه ولا منه بعد الدخول عليه فعليه نفقتها ما كانت زوجة له مريضة وصحيحة وغائبا عنها وحاضرا لها وإن طلقها وكان يملك الرجعة فعليه نفقتها في العدة لانه لا يمنعه من ان تصير حلالا له يستمتع بها إلا نفسه إذا أشهد شاهدين أنه راجعها فهى زوجته وإذا لم يفعل فهو منع نفسه من رجعتها ولا ينفق عليها إذا لم يكن يملك الرجعة لانها أحق بنفسها منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد قال وإذا نكح الصغيرة التي لا يجامع مثلها وهو صغير أو كبير فقد قيل ليس عليه نفقتها لانه لا يستمتع بها وأكثر ما ينكح له الاستمتاع بها وهذا قول عدد من علماء أهل زماننا لا نفقة لها لان الحبس من قبلها ولو قال قائل ينفق عليها لانها(5/94)
ممنوعة به من غيره كان مذهبا قال وإذا كانت هي البالغة وهو الصغير فقد قيل عليه النفقة لان الحبس جاء من قبله ومثلها يستمتع به وقيل إذا علمته صغيرا ونكحته فلا نفقة لها لان معلوما أن مثله لا يستمتع بامرأته قال ولا تجب النفقة لامرأة حتى تدخل على زوجها أو تخلى بينه وبين الدخول عليها فيكون الزوج يترك ذلك فإذا كانت هي الممتنعة من الدخول عليه فلا نفقة لها لانها مانعة له نفسها وكذلك إن هربت منه أو منعته الدخول عليها بعد الدخول عليه لم يكن لها نفقة ما كانت ممتنعة منه (قال الشافعي) وإذا نكحها ثم خلت بينه وبين الدخول عليها فلم يدخل فعليه نفقتها لان الحبس من قبله (قال الشافعي) وإذا نكحها ثم غاب عنها فسألت النفقة فإن كانت خلت بينه وبين نفسها فغاب ولم يدخل عليها فعليه النفقة وإن لم تكن قد خلت بينه وبين نفسها ولا منعته فهى غير مخلية حتى تخلى ولا نفقة عليه وتكتب إليه ويؤجل فإن قدم وإلا أنفق إذا أتى عليه قدر ما يأتيه الكتاب ويقدم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب قدر النفقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى) الآية (قال الشافعي) ففى هذا دلالة على أن على المرء ان يعول امرأته وبمثل هذا جاءت السنة كما
ذكرت في الباب قبل هذا من الكتاب والسنة قال والنفقة نفقتان نفقة الموسر ونفقة المقتر عليه رزقه وهو الفقير قال الله عزوجل (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه) الآية قال وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته المعروف ببلدهما قال فإن كان المعروف أن الاغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة عالها وخادما لها واحدا لا يزيد عليه وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه وذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم من طعام البلد الذى يقتاتون حنطة كان أو شعيرا أو ذرة أو أرزا أو سلتا ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفى ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر و لخادمها شبيه به ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لانه ليس بالمعروف لها (قال الشافعي) وإن كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الاغلب من قوت مثلها في ذلك البلد وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال لحم في كل جمعة رطل وذلك المعروف لها، وفرض لها من الكسوة ما يكسى مثلها ببلدها عند المقتر وذلك من القطن الكوفى والبصري وما أشبهما ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفى في البرد من جبة محشوة وقطيفة أو لحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة ولخادمها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفئ مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه وفرض لها للصيف قميصا وملحفة ومقنعة قال وتكفيها القطيفة سنتين والجبة المحشوة كما يكفي مثلها السنتين ونحو ذلك (قال الشافعي) وإن كانت رغيبة لا يجزيها هذا أو زهيدة يكفيها أقل من هذا دفعت هذه المكيلة إليها وتزيدت إن كانت رغيبة من ثمن أدم أو لحم أو عسل وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها منه من الطعام ومن فضل المكيلة قال وإن كان زوجها موسعا عليه فرض لها مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وفرض لها من الادم واللحم ضعف مما وصفته لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والعسل وفرض لها من الكسوة وسط البغدادي والهروى ولين البصرة وما أشبهه وكذلك يحشى لها للشتاء إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إلى الحشو(5/95)
وتعطى قطيفة وسطا لا تزاد وإن كانت رغيبة فعلى ما وصفت وتنقص إن كانت زهيدة حتى تعطى مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم لان لها سعة في الادم والفرض تزيد بها ما أحبت (قال الشافعي)
وأفرض عليه في هذا كله مكيلة طعام لا دراهم فإن شاءت هي أن تبيعة فتصرفه فيما شاءت صرفته وأفرض لها نفقة خادم واحد لا ازيد عليه وأجعله مدا وثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لان ذلك سعة لمثلها وأفرض لها عليه في الكسوة الكرباس وغليظ البصري والواسطى وما أشبهه لا أجاوزه بموسع من كان ومن كانت امرأته وأجعل عليه لامرأته فراشا ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه وللخادمة الفروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإن بلى أخلفه وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى الذى أصاب أهله في شهر رمضان بعرق فيه خمسة عشر أو عشرون صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق خمسة عشرة صاعا على ذلك يعمل ليكون أربعة أعراق وسقا ولكن الذى حدثه أدخل الشك في الحديث خمسة عشر أو عشرين صاعا قال وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لان أكثر ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الكفارة للاذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا لان معلوما أن الاغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان قال والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا بالمقتر ما بينهما مد ونصف للمرأة ومد للخادم (قال الشافعي) وإذا دخل الرجل بامرأته ثم غاب عنها أي غيبة كانت فطلبت أن ينفق عليها أحلفت ما دفع إليها نفقة وفرض لها في ماله نفقتها وإن لم يكن له نقد بيع لها من عرض ماله وأنفق عليها ما وصفت من نفقة موسع أو مقتر أي الحالين كانت حاله قال فإن قدم فأقام عليها بينة أو أقرب بأن قد قبضت منه أو من أحد عنه نفقة وأخذت غيرها رجع عليها بمثل الذي قبضت قال وإن غاب عنها زمانا فتركت طلب النفقة بغير إبراء له منها ثم طلبتها فرض لها من يوم غاب عنها قال وكذلك إن كان حاضرا فلم ينفق عليها فطلبت فيما مضى فعليه نفقتها قال وإن اختلفا فقال قد دفعت إليها نفقتها وقالت لم يدفع إلى شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضها قال وإن دفع إليها نفقة سنة ثم طلقها ثلاثا رجع عليها بما بقى من نفقة السنة من يوم وقع الطلاق قال وإن طلق واحدة أو اثنتين يملك الرجعة فيهما رجع عليها بما بقى من نفقة السنة بعد انقضاء العدة وإن كانت حاملا فطلقها ثلاثا أو واحدة رجع عليها بما بقى من نفقة السنة بعد وضع الحمل قال وإن تركها سنة لا ينفق عليها وأبرأته من
نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة برئ من نفقة السنة الماضية لانها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة المستقبلة لانها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها وما أجبت عليه من نفقتها فماتت فهو لورثتها وإذا مات ضربت مع الغرماء في ماله كحقوق الناس عليه والله تعالى أعلم.
باب في الحال التى تجب فيها النفقة ولا تجب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل عقدة المرأة يجامع مثلها وإن لم تكن بالغا فخلت بينه وبين الدخول عليها أو خلى أهلها فيما بينه وبين ذلك إن كانت بكرا ولم تمتنع هي من الدخول عليه وجب عليه نفقتها كما تجب عليه إذا دخل بها لان الحبس من قبله قال وكذلك إن كان صغيرا تزوج بالغا فعليه نفقتها لان الحبس من قبله (قال الشافعي) ولو كان الزوجان بالغين فامتنعت(5/96)
المرأة من الدخول أو أهلها لعلة أو إصلاح أمرها لم تجب على زوجها نفقتها حتى لا يكون الامتناع من الدخول إلا منه (قال الشافعي) ولو امتنعت من الدخول عليه فغاب عنها لم يكن عليه نفقتها حتى يحضر فلا تمنع من الدخول عليه وإن طالت غيبته إلا أن يبعث إليه أهلها أن أقدم فأدخل فيؤجل بقدر ما يسير بعد بلوغ رسالتها إليه أو تسير هي إليه ويوسع في ذلك عليه لقضاء حاجته وما أشبه ذلك فإن تأخر بعد ذلك وجب عليه نفقتها لان الحبس جاء من قبله قال ولو دخلت عليه فمرضت مرضا لا يقدر على إتيانها معه كانت عليه نفقتها وكذلك إن كان يقدر على إتيانها إذا لم تمتنع من أن يأتيها إن شاء وكذلك لو كانت لم تدخل عليه وخلت بينه وبين نفسها كانت عليه نفقتها وهذا مخالف للصغر هذا إنما يكون الامتناع فيه من الاتيان منه لانه يعافها بلا امتناع منها لانها تحتمل أن تؤتى قال ولو أصابها في الفرج شئ يضر به الجماع ضررا شديدا منع من جماعها إن شاءت وأخذ بنفقتها إلا أن يشاء أن يطلقها وكذلك لو ارتقت فلم يقدر على أن يأتيها أبدا بعد ما أصابها أخذ بنفقتها من قبل أن هذا عارض لها لا منع منها لنفسها وقد جومعت وانت ممن يجامع مثلها قال ولو أذن لها فأحرمت أو اعتكفت أو لزمها صوم بنذر أو كفارة كانت عليه نفقتها في حالاتها تلك كلها قال وإذا دخلت عليه أو لم تدخل عليه فهربت أو امتنعت أو كانت أمة فمنعها أهلها فلا نفقة لها حتى تخلى بينه وبين نفسها (قال الشافعي) ولو ادعت
عليه أنه طلقها ثلاثا وأنكر فامتنعت منه لم يكن لها نفقة حتى تعود إلى غير الامتناع منه قال ولو أقر أنه طلق إحدى نسائه ثلاثا ولم يبين أخذ بنفقتهن كلهن حتى يبين لانهن محبوسات به والامتناع كان منه لا منهن (قال الشافعي) وكل زوجة لحر مسلم حرة مسلمة أو ذمية فسواء في النفقة والخدمة على قدر سعة ما له وضيقه وكذلك إن كانت امرأته أمة فخلى بينه وبينها إلا أنه ليس عليه إن كان موسعا أن ينفق للامة على خادم لان المعروف للامة أنها خادم كانت في الفراهة وكثرة الثمن ما كانت (قال الشافعي) ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقة امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت ولا ينفق على أحد أقربائه غيرهم لا أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب منها قال وكل زوج حر مسلم وذمى ووثنى عنده حرة من النساء في هذا كله سواء لا يختلفون.
باب نفقة العبد على امرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تزوج العبد بإذن سيده حرة أو كتابية أو أمة فعليه نفقاتهن كلهن كنفقة المقتر لا يخالفه ولا يفرض عليه أكثر منها لانه ليس عبد إلا وهو مقتر لان ما بيديه وإن اتسع ملك لسيده قال وليس على العبد أن ينفق على ولده أحرارا كانوا أو مماليك قال والمكاتب والمدبر وكل من لم تكمل فيه الحرية في هذا كله كالمملوك وإن كانت للمكاتب أم ولد وطئها في المكاتبة بالملك فولدت له أنفق على ولده فإن عجز فليس عليه نفقتهم لانهم مماليك لسيده قال وينفق العبد على إمرأته إذا طلقها طلاقا يملك الرجعة في العدة وإذا لم يملك رجعتها لم ينفق عليها إلا أن تكون حاملا فينفق عليها لان نفقة الحوامل فرض في كتاب الله تعالى ولست أعرفها إلا لمكان الولد فإذا أنفق عليها وهى مطلقة لا يملك رجعتها وهو يراها حاملا ثم بان أن ليس بها حمل رجع عليها بالنفقة من يوم طلقها وأنفق عليها إن أراد ذلك وسواء أنفق عليها بأمر قاض أو غير أمر قاض لانه كان يلزمه في الظاهر على معنى أنها حامل وإذا بان بأنها ليست بحامل رجع عليها به.
والله تعالى الموفق.(5/97)
باب الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: دل كتاب الله عزوجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن على الرجل أن يعول امرأته (قال الشافعي) فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع منها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج احتمل أن لا يكون للرجل أن يمسك المرأة يستمتع بها ويمنعها غيره تستغنى به ويمنعها أن تضطرب في البلد وهو لا يجد ما يعلها به فاحتمل إذا لم يجد ما ينفق عليها أن تخير المرأة بين المقام معه وفراقه فإن اختارت فراقه فهى فرقة بلا طلاق لانها ليست شيئا اوقعه الزوج ولا جعل إلى أحد إيقاعه، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم ابن خالد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمربن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم يامرهم أن يأخذوهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا (قال الشافعي) وهذا يشبه ما وصفت قبله وإليه يذهب أكثر أصحابنا وأحسب عمر والله تعالى أعلم لم يجد يحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم فكتب إلى أمراء الاجناد أن يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها والطلاق إن لم يجدوها وإن طلقوا فوجد لهم أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا قال وإذا وجد نفقة امرأته يوما بيوع لم يفرق بينهما وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا يمنع المرأة في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول فإن كان يجد نفقها بعد ثلاث يوما ويعوز يوما خيرت إذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيرت في هذا القول فإذا بلغ هذا ووجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لانها تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به قال وإذا فرق بينهما ثم أيسر لم ترد عليه ولا يملك رجعتها في العدة إلا أن تشاء هي بنكاح جديد قال ومن قال هذا فيمن لا يجد ما ينفق على امرأته فلم يجد صداقها لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها وإن وجد نفقتها بعد ثلاث ليال وما أشبهها لان صداقها شبيه بنفقتها (قال الشافعي) وإن نكحته وهى تعرف عسرته فحكمها وحكمه في عسرته كحكم المرأة تنكح الرجل موسرا فيعسر لانه قد يوسر بعد العسر ويعسر بعد اليسر وقد تعلمه معسرا وهى ترى له حرفة تغنيها أولا تغنيه وتغنيها أو من يتطوع فيعطيه ما يغنيها (قال الشافعي) وإذا أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقة لان
اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها وهى كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لانها قد تعفوا ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها قال وإذا أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فخيرت فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقة لانه لا ضرر على بدنها ما أنفق عليها في استئخار صداقها وقد عفت فرقته كما يخير صاحب المفلس في عين ماله وذمة صاحبه فيختار ذمة صاحبه فلا يكون له أن يأخذ بعد عين ماله وصداقها دين عليه إلا أن يعفو (قال الشافعي) وإذا نكحها فأعسر بالصداق فلها أن لا تدخل عليه حتى يعطيها الصداق ولها النفقة إن قالت إذا جئت بالصداق خليت بيني وبينك (قال الشافعي) وإن دخلت فأعسر بالصداق لم يكن لها أن تخير لانها قد رضيت بالدخول بلا صداق ولا يمتنع منه ما كان ينفق عليه ودخولها عليه بلا صداق رضا بذمته كما يكون رضا الرجل من عين ماله يجده بذمة غريمه أو تفوت عند غريمه فلا يكون له إلا ذمة غريمه قال وسواء في العسرة بالصداق والنفقة كل زوج وزوجة الحر تحته الامة والعبد تحته الحرة(5/98)
والامة كلهم سواء والخيار للامة تحت الحر في العسرة بالنفقة فإن شاء سيدها أن يتطوع عن الزوج بالنفقة فلا خيار للامة لانه واجد للنفقة وإذا امتنع فالخيار للامة لا لسيدها قال وكذلك الخيار للحرة لا لوليها فإن كانت الامة أو الحرة مغلوبة على عقلها أو صبية لم تبلغ لم يكن لولى واحدة منهما أن يفرق بينها وبين زوجها بعسره بصداق ولا نفقة وإذا أعسر زوج الامة بالصداق فالصداق لسيد الامة والخيار لسيد الامة لا للامة فإن اختارت الامة فراقه واختار السيد أن لا تفارقه لم يكن عليه أن يفرق بينهما لان ذلك لسيدها ولا ضرر فيه عليها والمسلم تحته الكتابية والكتابي تحته الكتابية إذا طلبت المرأة حقها قبله في نفقة وصداق كما وصفت من مثله للازواج الحرائر (قال الشافعي) وقد قيل لا خيار للمرأة في عسرة الزوج بالنفقة وتخلى تطلب على نفسها ولا خيار في عسره بالصداق ولها الامتناع منه ما لم تدخل عليه فإذا دخلت عليه لم يكن لها الامتناع منه وهى غريم من الغرماء قال وعلى السيد نفقات أمهات أولاده ومدبره ورقيقه كلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم وليس عليه نفقة مكاتبيه حتى يعجزوا فإذا عجزوا فعليه نفقتهم.
باب أي الوالدين أحق بالولد أخبرنا الربيع بن سليمان قال.
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبى ميمونة عن أبى ميمونة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمى عن عمارة الجرمى قال خيرنى على بين أمي وعمى ثم قال لاخ لى أصغر منى وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يونس بن عبد الله عن عمارة قال خيرنى على رضى الله تعالى عنه بين أمي وعمى وقال لاخ لى أصغر منى: وهذا لو بلغ كبلغ هذا خيرته قال إبراهيم وفي الحديث (وكنت ابن سبع أو ثمان سنين) (قال الشافعي) فإذا افترق الابوان وهما في قرية واحدة فالام أحق بولدها ما لم تتزوج وما كانوا صغارا فإذا بلغ أحدهم سبعا أو ثمان سنين وهو يعقل خير بين أبيه وأمه وكان عند أيهما أختار، فإن اختار أمه فعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه، قال وسواء في ذلك الذكر والانثى ويخرج الغلام إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهلها ويأوى عند أمه وعلى أبيه نفقته وإن اختار أباه لم يكن لابيه منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الايام وإن كانت جارية لم تمنع أمها من أن تأتيها ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا من مرض فيؤمر بإخراجها عائدة، قال وإن ماتت البنت لم تمنع الام من أن تليها حتى تدفن ولا تمنع في مرضها من أن تلى تمريضها في منزل أبيها قال وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير وكذلك إن كان غير مخبول ثم خبل فهو كالصغير الام أحق به ولا يخير أبدا قال وإنما أخير الولد بين أبيه وأمه إذا كانا معا ثقة للولد فإن كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة فالثقة أولاهما به بغير تخيير قال وإذا خير الولد فاختار أن يكون عند أحد الابوين ثم عاد فاختار الآخر حول إلى الذى اختار بعد اختياره الاول قال وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها صغيرا كان أو كبيرا ولو اختارها ما كانت ناكحا فإذا طلقت طلاقا يملك فيه الزوج الرجعة أو لا يملكها رجعت على حقها فيهم فإذا راجعها أو نكحته أو غيره دخل بها أو لم يدخل بها أو غاب عن بلدها أو حضر فلا حق لها فيهم حتى تطلق وكلما طلقت عادت على حقها فيهم لانها تمنعه بوجه فإذا ذهب(5/99)
فهى كما كانت قبل أن تكون وأن في ذلك حقا للولد (قال الشافعي) وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا زوج لها فالام تقوم مقام ابنتها في الولد لا تخالفها في شئ وإن كان لها زوج لم يكن لها فيهم حق إلا أن يكون زوجها جد الولد فلا تمنع حقا فيهم عند والد قال وإذا آمت الام من الزوج كانت أحق بهم من الجدة (قال الشافعي) وإذا اجتمع القرابة من النساء فتنازعن الولد فالام أولى ثم أمها ثم أم أمها ثم امهات امها وان بعدن ثم الجدة ام الاب ثم امها ثم امهاتها ثم الجدة ام الجد ابي الاب ثم امها ثم أمهاتها ثم الاخت للاب والام ثم الاخت للاب ثم الاخت للام ثم الخالة ثم العمة قال: ولا ولاية لام أبى الام لان قرابتها بأب لا بأم فقرابة الصبى من النساء أولى.
قال ولا حق لاحد مع الاب غير الام وأمهاتها فأما أخواته وغيرهن فإنما يكون حقهن بالاب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد أبو الاب يقوم مقام الاب إذا لم يكن أب أو كان غائبا أو غير رشيد قال وكذلك أبوأب الاب قال وكذلك العم وابن العم وابن عم الاب والعصبة يقومون مقام الاب إذا لم يكن أحد أقرب منهم مع الام وغيرها من أمهاتها قال وإذا أراد الرجل أن ينتقل عن البلد الذي نكح به المرأة كانت بلده وبلدها أو بلد أحدهما دون الآخر أو لم تكن فسواء والاب أحق بالولد مرضعا كان أو كبيرا أو كيف ما كان وكذلك قرابة الاب وإن بعدت والعصية إذا افترقت الدار أولى فإن صارت الام أو الجدات معهم في الدار التى يتحول بهم إليها أو رجع هو بهم إلى بلدها كانت على حقها فيهم (قال الشافعي) وكل ما وصفت إذا كانت الزوجة حرة أو من ينازع في الولد بقرابتها حرا فأما إذا كانت الزوجة أو من ينازع بقرابتها مماليك فلا حق للممولك في الولد الحر والاب الحر أحق بهم إذا كانوا أحرارا قال وكذلك إن نكحت أمهم وهي حرة أو لم تنكح وهى غير ثقة ولها أم مملوكة فلا حق للمملوكة بقرابة أم قال وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية قال ومتى عتقت كانت على حقها في الولد قال وإذا كان ولد الحر مماليك فمالكهم أحق بهم منه قال وإذا كان الولد من حرة وأبوه مملوك فأمهم أحق بهم ولا يخيرون في وقت الخيار قال وليس على الاب إذا لم تكمل فيه الحرية نفقة ولده من زوجة له إن كانوا مماليك فنفقتهم على سيدهم و كذلك لو كان أبوهم حرا وهم مماليك فإذا عتقوا فنفقتهم على أبيهم الحر ولا نفقة على الاب الذى لم تكمل فيه الحرية عتقوا أو كانوا أحرارا من الاصل بأن أمهم حرة لانه غير وارث لهم ولا ذو مال
ينفق عليهم منه ولا يستمتع منهم بما يستمتع به من أمهم إذا كانت زوجة ولا حق له في كينونة الولد عنده قال وإذا كان من ينازع في الولد أم أو قرابة غير ثقة فلا حق له في الولد وهى كمن لم يكن في هذه الحال وأقرب الناس به أحق بالمنازعة كأن أمه كانت غير ثقة وأمها ثقة فالحق لامها ما كانت البنت غير ثقة ولو صلح حال البنت رجعت على حقها في الولد كما تنكح فلا يكون لها فيهم حق وتئيم فترجع على حقها فيهم وهكذا إن كان الاب غير ثقة كان أبوه يقوم مقامه وأخوه وذو قرابته فإذا صحلت حاله رجع إلى حقه في الولد فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه.
باب إتيان النساء حيضا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل (ويسألونك عن المحيض) الآية.
قال فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن قول الله عزوجل (حتى يطهرن) حتى يرين الطهر (فإذا تطهرن) بالماء (فأتوهن من حيث أمركم الله) ان تجتنبوهن قال وما أشبه ما قال والله تعالى أعلم بما قال ويشبه أن(5/100)
يكون تحريم الله عزوجل إتيان النساء في المحيض لاذى المحيض وإباحته إتيانهن إذا طهرن وتطهرن بالماء من الحيض على أن الاتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم قال وفيه دلالة على أنه إنما حرم إتيان النساء في دم الحيض الذي تؤمر فيه المرأة بالكف عن الصلاة والصوم ولم يحرم في دم الاستحاضة لانها قد جعلت في دم الاستحاضة في حكم الطاهر يجب عليها الغسل من دم الحيض ودم الاستحاضة قائم والصلاة والصيام عليها فإذا كانت المرأة حائضا لم يحل لزوجها أن يصيبها ولا إذا طهرت حتى تطهر بالماء ثم يحل له أن يصيبها قال: وإن كانت على سفر ولم تجد ماء فإذا تيممت حل له أن يصيبها ولا يحل له إصابتها في الحضر بالتيمم إلا أن يكون بها قرح يمنعها الغسل فتغسل فرجها وما لا قرح فيه من جسدها بالماء ثم تتيمم ثم يحل له إصابتها إذا حلت لها الصلاة ويصيبها في دم الاستحاضة إن شاء وحكمه حكم الطهارة قال وبين في الآية إنما نهى عن إتيان النساء في المحيض ومعروف أن الاتيان في الفرج لان التلذذ بغير الفرج في شئ من الجسد ليس إتيانا ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للزوج مباشرة الحائض إذا شدت عليها إزارها والتلذذ بما فوق
الازار مفضيا إليها بجسده وفرجه فذلك لزوج الحائض وليس له التلذذ بما تحت الازار منها.
باب إتيان النساء في أدبارهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم) الآية (قال الشافعي) وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله تعالى أباح الاتيان فيه إلا في وقت المحيض و (أن شئتم) من أين شئتم (قال الشافعي) وإباحة الاتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره فالاتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الاتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمى محمد بن على بن شافع عن عبد الله بن على بن السائب عن عمرو بن أحيحة أو ابن فلان ابن احيحة ابن فلان الانصاري قال قال محمد بن على وكان ثقة عن خزيمة بن ثابت أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حلال) ثم دعاه أو أمر به فدعى فقال (كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن) (قال الشافعي) فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الاليتين وجميع الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى قال وسواء هو من الامة أو الحرة فإذا أصابها فيما هناك لم يحللها لزوج إن طلقها ثلاثا ولم يحصنها ولا ينبغى لها تركه وإن ذهبت إلى الامام نهاه فإن أقر بالعودة له أدبه دون الحد ولا غرم عليه فيه لها لانها زوجة ولو كان في زنا حد فيه إن فعله حد الزنا وأغرم إن كان غاصبا لها مهر مثلها قال ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حجه.
باب الاستمناء قال الله عزوجل (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم) قرأ إلى (العادون) (قال الشافعي) فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى(5/101)
الازواج وما ملكت الايمان وبين أن الازواج وملك اليمين من الادميات دون البهائم ثم أكدها فقال عز وجل (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العدون) فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك
اليمين ولا يحل الاستمناء والله تعالى أعلم وقال في قول الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) معناها والله أعلم ليصبروا حتى يغنيهم الله تعالى وهو كقوله في مال اليتيم (ومن كان غنيا فليستعفف) ليكف عن أكله بسلف أو غيره قال وكان في قول الله عزوجل (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها لانها متسراة أو منكوحة لا ناكحة إلا بمعنى أنها منكوحة ودلالة على تحريم إتيان البهائم لان المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة ولهن الميراث منهم وغير ذلك من فرائض الزوجين.
الاختلاف في الدخول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا ملك الرجل عقدة المرأة فأراد الدخول بها فإن كان مهرها حالا أو بعضه لم تجبر على الدخول عليه حتى يدفع الحال منه إليها وإن كان دينا كله أجبرت على الدخول عليه متى شاء لا وقت لها في ذلك أكثر من يوم لتصلح أمرها ونحوه لا يجاوز بها ثلاثا إذا كانت بالغا ويجامع مثلها وسواء في هذا المملوكة والحرة وليس لولى الحرة ولا لسيد الامة منعه إياها إذا دفع صداقها إن كان حالا أو ما كان حالا منه قال ولا يؤجل الرجل في الصداق إلا ما يؤجل في دين الناس ويباع عليه في ماله كما يباع عليه في الدين ويحبس فيه كما يحبس في الديون لا افتراق في ذلك قال وهذا كله إذا كانت الزوجة بالغا أو مقاربة البلوغ أو جسيمة يحتمل مثلها أن يجامع فإذا كانت لا تحتمل أن تجامع فلاهلها منعها الدخول حتى تحتمل الجماع وليس على الزوج دفع صداقها ولا شئ منه ولا نفقتها حتى تكون في الحال التي يجامع مثلها ويخلى بينه وبينها قال ومتى كانت بالغا فقال لا أدفع الصداق حتى تدخلوها وقالوا لا ندفعها حتى تدفع الصداق فأيهما تطوع أجبرت الآخر على ما عليه فإن تطوع الزوج بدفع الصداق أجبرت أهلها على إدخالها وإن تطوع أهلها بإدخالها أجبرت الزوج على دفع الصداق قال وإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه وأخذت الصداق من زوجها فإن دخلت دفعته إليها وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا (قال الشافعي) وإن كانت بالغا مضنوا أجبرت على الدخول وكل أمرأة تحتمل أن تجامع قال فإن كانت مع هذا مضناة من مرض لا
يجامع مثلها أمهلت حتى تصير إلى الحال التي يجامع مثلها ثم تجبر على الدخول ومتى أمهلتها بالدخول لم أجبره على دفع الصداق قال وإذا دخلت عليه فأصابها فأفضاها ثم لم يلتئم ذلك فعليه ديتها كاملة وهى امرأته بحالها ولها المهر تاما ولها أن تمتنع من أن يصيبها في الفرج حتى تبرأ البرء الذى إذا عاد لاصابتها لم ينكأها ولم يزد في جرحها ثم عليها إن برأت أن تخلى بينه وبين نفسها والقول في ذلك قولها ما زعمت أن العلة قائمة فإن تطاول ذلك فكان النساء يدركن علمه فإن قلن إنها قد برأت وإن الاصابة لا تضرها أجبرت على التخلية بينه وبين إصابتها قال وإن صارت إلى حال لا يجامع من صار إليها أخذت صداقها وديتها وقيل هي امرأتك فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك واجتنبها إذا كان مثلها لا يجامع.(5/102)
اختلاف الزوجين في متاع البيت أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت الذى هما فيه ساكنان وقد افترقا أو لم يفترقا أو ماتا أو مات أحدهما فاختلف ورثتهما أو ورثة أحدهما بعد موته فذلك كله سواء والمتاع إذا كانا ساكنى البيت في أيديهما معا فالظاهر أنه في ايديهما كما تكون الدار في أيديهما أو في يد رجلين فيحلف كل واحد منهما لصاحبه على دعواه فإن حلفا جميعا فالمتاع بينهما نصفان لان الرجل قد يملك متاع النساء بالشراء والميراث وغير ذلك والمرأة قد تملك متاع الرجال بالشراء والميراث وغير ذلك فلما كان هذا ممكنا وكان المتاع في أيديهما لم يجز أن يحكم فيه إلا بهذا لكينونة الشئ في أيديهما وقد استحل على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه فاطمة رضى الله تعالى عنها ببدن من حديد.
وهذا من متاع الرجال وقد كانت فاطمة رضى الله تعالى عنها في تلك الحال مالكة للبدن دون على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وقد رأيت امرأة (1) بيني وبينها ضبة سيف استفادته من ميراث أبيها بمال عظيم ودرع ومصحف فكان لها دون إخوتها ورأيت من ورث أمه وأخته فاستحيا من بيع متاعهما فصار مالكا لمتاع النساء فإذا كان هذا موجودا فلا يجوز فيه غير ما وصفت ولو أنا كنا إنما نفضى بالظنون بقدر ما يرى الرجل والمرأة مالكين فوجدنا متاعا في يدي رجلين يتداعيانه فكان في المتاع ياقوت ولؤلؤ وعلية من علية المتاع وأحد الرجلين ممن يملك مثل ذلك المتاع والآخر ليس
الاغلب من مثله أنه يملك مثل ذلك المتاع جعلنا علية المتاع للموسر الذي هو أولاهما في الظاهر بملك مثله وجعلنا سفلة المتاع إن كان في يدي موسر ومعسر للمعسر دون الموسر فخالفنا ما اجتمع عليه الناس في غير هذا من أن الدار إذا كانت في يدي رجلين فتداعياها جعلت بينهما نصفين ولم ينظر إلى أشبهما أن يكون له ملك تلك الدار فنعطيه إياها وهذا العدل إن شاء الله تعالى والاجماع وهكذا ينبغي أن يكون متاع البيت وغيره مما يكون في يدي اثنين لا يختلف الحكم فيه أنه لا يجوز أن يخالف بالقياس الاصل إلا أن يفرق بين ذلك سنة أو إجماع ويقال لمن يقول أجعل متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال أرأيت دباغا وعطارا كانا في حانوت فيه عطر ودباغ كل واحد منهما يدعى العطر والدباغ أيلزمك أن تعطى العطار العطر والدباغ الدباغ؟ فإن قلت إنى أقسمه بينهما قيل لك فلم لا تقسم المتاع الذي يشبه النساء بين الرجل والمرأة والمتاع الذى يشبه الرجال بين الرجل والمرأة مثل الدباغ والعطار؟ الاستبراء (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) أصل الاستبراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عام سبى أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حائل حتى تحيض وفي هذا دلالات منها أن من ملك أمة لم يطأها إلا باستبراء كانت عند ثقة أو غير ثقة أو توطأ أولا توطأ من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن منهن واحدة ولا نشك أن فيهن أبكارا وحرائر كن قبل أن يستأمين وإماء وضيعات وشريفات وكان الامر فيهن كلهن والنهى واحد وفي مثل معنى هذا أن كل ملك استحدثه المالك لم يجز
__________
(1) قوله: تعالى وبيها ضبة الخ، كذا في الاصول، ولعله محرف وأصله " وقد رأيت امرأة بيني ضبة وبيدها سيف الخ " وحرر.
كتبه مصححه.(5/103)
فيه الوطئ إلا بعد الاستبراء لان الفرج كان ممنوعا قبل الملك فإذا صار مباحا بالملك كان على المالك فيه أن يستبرئه في هذا المعنى على كل ملك تحول لان المالك الثاني مثل المالك الاول وقد كان الفرج ممنوعا منه بأنه كان مباحا لغيره وإنما حدث له وكان حلالا له بعد ما ملكه فلو ابتاع رجل من رجل جارية وقبضها منه وتفرقا بعد البيع ثم اشتراها منه البائع أو استقاله منها وهو يعلم أن الرجل لم يصل إليها أو
كانت مشتريتها امرأة ثقة أم له أو بنت لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من قبل أن الفرج قد كان حرم عليه ثم حل له بعد الملك الثاني ومتى حل له أن يطأها قدم بين يدي الوطئ استبراء لا بد وكذلك لو كانت بكرا أو عند امرأة محصنة لان السنة تدل على أن الاستبراء إنما هو من حين يحل الفرج بالملك والاستبراء أن تمكث عند المشترى طاهرا ما كان المكث قل أو كثر ثم تحيض فتستكمل فإذا طهرت منها فهو استبراؤها، ويكون الاستبراء إذا حاضت الحيض الذى تعرفه فإن حاضت على خلاف ما تعرف في الزيادة في الحيض فهو استبراء لانها قد جاءت بما تعرف وزادت عليه وإن حاضت أقل من أيام حيضها أو بدم أرق أو أقل من دمها أو وجدت شيئا تنكره في بطن أو دلالة ما يستدل به على الحمل أمسكت وامسك عن إصابتها حتى يستدل على أن تلك الريبة لم تكن حملا إما بذهاب ذلك الذي تجد وحيضة بعده مثل الحيض الذي كانت تعرف وإما بزمان يمر عليها يعرف أهل العلم من النساء أنها لو كانت حاملا كانت تلد في مثل ذلك الزمان فإذا أتى ذلك عليها استدل على أن تلك الريبة من مرض لا من حمل وحل وطؤها فإن قال قائل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحائل: حتى تحيض وهذه الحائل قد حاضت؟ قيل فمعقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد الاستبراء بالحيض والاستبراء بوضع الحمل أو الحيض إنما يكون استبراء ما لم يكن معه ريبة فإذا كانت معه ريبة بحمل فاستبراء بوضع الحمل لان الله تعالى فرض العدة ثلاث حيض وثلاثة أشهر وأربعة أشهر وعشرا وقال تبارك وتعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فدلت السنة على أن وضع الحمل غاية الاستبراء وأنه مسقط لجميع العدد ولم أعلم أحدا خالف في أن المطلقة لو حاضت ثلاث حيض وذكرت أنها حامل لم تحل بها ولا تحل إلا بوضع الحمل أو البرءة أن يكون ذلك حملا وهكذا والله تعالى أعلم المرتابة في الاستبراء لانها في مثل هذا المعنى ولو حاضت حيضة وهى غير مرتابة ثم حدثت لها ريبة ثانية بعد طهرها وقبل مسيس سيدها أمسك عن إصابتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة ثم أصابها إذا برئت منها وإذا ملكت الامة بميراث أو هبة أو صدقة أو بيع أو أي وجه ما كان من وجوه الملك لم توطأ حتى تستبرأ لما وصفت وإذا كانت تستبرأ لم يجز لمالكها أن يتلذذ منها بمباشرة ولا قبلة ولا حبس ولا تجريد ولا بنظر شهوة من قبل أنه قد يظهر بها حمل من بائعها فيكون قد نظر متلذذا أو تلذذ
بأكثر من النظر من أم ولد غيره وذلك محظور عليه ومتى اشتراها فقبضها ثم وضعت حملها برئت وحل له وطؤها ولا يحل له الوطئ إلا بوضع جميع حملها إذا كان حملها من غير سيدها وغير زوج إلا زوجا قد طلق أو مات وكذلك لو قبضها فأقامت ساعة ثم حاضت وطهرت حل له الوطئ ولو اشتراها فلم يقبضها ولم يتفرقا حتى وضعت في يدي البائع ثم قبضها لم يكن له وطؤها حتى تطهر من نفاسها ثم تحيض في يديه حيضة مستقبلة من قبل ان البيع انما تم له حين لم يكن للبائع فيه خيار بان يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه ولو اشتراها وشرط عليه البائع أنه بالخيار عليه ثلاثا وقبضها المشترى فحاضت قبل أن يسلم البائع البيع ويبطل شرطه في الخيار أو تمضى ثلاث الخيار لم يطأها بهذه الحيضة حتى تطهر منها ثم تحيض حيضة أخرى ولو اشتراها وقبضها وشرط لنفسه الخيار ثلاثا ثم حاضت قبل الثلاث(5/104)
ثم اختار البيع كانت تلك الحيضة استبراء لانه تام الملك فيها قابض لها لو أعتقها أو كاتبها أو وهبها كان ذلك جائزا ولو أراد البائع ذلك فيها لم يكن له لان البيع فيها تام ولو بيع جارية معيبة دلس له فيها بعيب وظهر على العيب بعد الاستبراء فاختار أن يمسكها أجزأه ذلك الاستبراء من قبل أن الملك له تام إلا أن له الخيار بالعيب إن شاء رد وأن شاء أمسك وإن ماتت في هذه الحال ماتت منه وللرجل إذا اشترى الجارية أي جارية ما كانت أن لا يدفع عنها وأن يقبضه إياها بائعها وليس لبائعها منعه إياها ليستبرئها عند نفسه ولا عند غيره ولا مواضعته إياها على يدي احد ليستبرئها بحال ولا للمشترط ان يحبس عنه ثمنها حتى يستبرئها هو ولا غيره ولا يضعها على يدي غيره فيستبرئها وسواء كان البائع في ذلك غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو معدما أو مليئا أو صالحا أو رجل سوء وليس للمشترى أن يأخذه بحميل بعهدة ولا بوجه ولا ثمن وماله حيث وضعه وإنما التحفظ قبل الشراء فإذا جاز الشراء ألزمناه ما ألزم نفسه من الحق ألا ترى أنه لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو أهل فقال أخاف أن يكون مسروقا أو أخاف ان يكون واحد من العبدين حرا كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه الثمن لانه ماله حيث وضعه ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك في خوف ان يكون مسروقا أو معيبا عيبا خافيا من سرقة أو إباق ثم لم نجعل لهذا غاية أبدا لانه قد لا يعلم
ذلك في القريب ويعلم في البعيد وبيوع المسلمين الجائزة بينهم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلزم البائع والمشترى إذا سلم هذا سلعته أن يكون قابضا لثمنها وأن لا يكون الثمن الذى هو إلى غير أجل ولا السلعة محبوسين إذا سلم البائع إلى المشترى ساعة من نهار ولا يكون المشترى من جارية ولا غيرها محبوسا عن مالكها ولو جاز إذا اشترى رجل جارية أن توضع على يدي من يستبرئها كان في هذا خلاف بيوع المسلمين والسنة وظلم البائع والمشترى من قبل أنها لا تعدو أن تكون في ملك البائع بالملك الاول أو في ملك المشترى بالشراء الحادث فلا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه إلى غيره ولو كان الثمن لا يجب على المشترى للبائع إلا بأن تحيض الجارية حيض وتطهر منها كان هذا فاسدا من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمين بعده نهوا أن تكون الاثمان المستأخرة إلا إلى أجل معلوم وهذا إلى أجل غير معلوم لان الحيضة قد تكون بعد صفقة البيع في خمس وفي شهر وأكثر وأقل وكان فاسدا مع فساده من الثمن من السلعة أيضا ان تكون السلعة لا مشتراة إلى أجل معلوم بصفة فتكون توجد في تلك المدة ويؤخذ بها بائعها ولا مشتراة بغير تسلط مشتريها على قبضها حتى يستبرئها وهذا لا بيع أجل بصفة ولا عين بعينه يقبض وخارج من بيوع المسلمين فلو أن رجلين تبايعا جارية وتشارطا في عقد البيع أن لا يقبضها المشترى حتى تستبرأ كان البيع فاسدا ولا يجوز بحال من قبل ما وصفت ولو اشتراها بغير شرط كان البيع جائزا وكان للمشترى قبضها واستبراؤها عند نفسه أو عند من شاء وإذا قبضها فماتت قبل أن تستبرأ فإن ماتت عنده بعدما ظهر بها حمل وتصادقا على ذلك كانت من المشترى ويرجع المشترى على البائع من الثمن بقدر ما بين قيمتها حاملا وغير حامل ولو اشتراها بغير شرط فتراضيا أن يتواضعاها على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت عند المستبرئ فإن كان المشترى قبضها ثم رضى بعد قبضها بمواضعتها فهى من ماله وإنما هي جارية قد قبضها ثم أودعها غيره فموتها في يدى غيره إذا كان هو وضعها كموتها في يديه ولو كان اشتراها فلم يقبضها حتى تواضعاها برضا منهما على يدى من يستبرئها فماتت أو عميت ماتت من مال البائع لان كل من باع شيئا بعينه فهو مضمون عليه حتى يقبضه منه مشتريه وإذا عميت قيل للمشتري أنت بالخيار إن شئت فخذها معيبة بجميع الثمن لا يوضع عنك(5/105)
للعيب شئ كما لو عميت في يدى البائع بعد صفقة البيع وقبل قبضها كنت بالخيار في تركها أو أخذها وإن شئت فاتركها بالعيب وكل ما زعمنا أن البيع فيه ائز فعلى المشترى متى طلب البائع منه الثمن وسلم إليه السلعة أن يأخذ منه إلا أن يكون الثمن إلى أجل معلوم فيكون إلى أجله وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو ما اشترى من السلع فلم يشترط المشترى الثمن إلى أجل وقال البائع لا أسلم إليك السلعة حتى تدفع إلى الثمن وقال المشترى لا أدفع إليك الثمن حتى تسلم إلى السلعة فإن بعض المشرقين قال يجبر القاضى كل واحد منهما البائع على أن يحضر السلعة والمشترى على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة إلى المشترى والثمن إلى البائع لا يبالي بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا وقال غيره منهم لا أجبر واحدا منهما على إحضار شئ ولكن أقول أيكما شاء أن أقضى له بحقه على صاحبه فليدفع إلى ما عليه من قبل أنه لا يجب على واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله وقال آخرون أنصب لهما عدلا فأجبر كل واحد منهما على الدفع إلى العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشترى (قال الشافعي) ولا يجوز فيها إلا القول الثاني من ان لا يجبر واحد منهما أو قول آخر وهو أن يجبر البائع على دفع السلعة إ لى المشترى بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبره على دفعه من ساعته وإن غاب ماله وقفت السلعة وأشهد على انه وقفها للمشتري فإن وجد له مالا دفعه إلى البائع وأشهد على إطلاق الوقف عن الجارية ودفع المال إلى البائع وإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجده عند مفلس فهو أحق به إن شاء أخذه وإنما أشهدنا على الوقف لانه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا لم يجز وإنما منعنا من القول الذي حكينا أنه لا يجوز عندنا غيره أو هذا القول وأخذنا بهذا القول دونه لانه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون رجل يقر بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع إلى مالك ثم يكون له حبسها وكيف يجوز أن يكون له حبسها وقد أعلمنا أن ملكها لغيره ولا يجوز أن يكون رجل قد أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر ولا نأخذه منه ولا يجوز لرب الجارية أن يطأها ولا يبيعها ولا يعتقها وقد باعها من غيره ولا يجوز للسلطان أن يدع الناس يتدافعون وهو يقدر على أخذها منهم وإذا كانت لرجل أمة فزوجها أو اشتراها ذات زوج فطلقها الزوج أو مات عنها فانقضت عدتها فأراد سيدها إصابتها بانقضاء العدة لم أر ذلك له حتى يستبرئها بحيضة بعدما حل فرجها له لان الفرج كان حلالا
لغيره ممنوعا منه والاستبراء بسبب غيره لا بسببه ألا ترى أن رجلا لو أراد بيع أمته فاستبرأها عند أم رجل أو بنته بحيضة أو حيض ثم باعها من رجل لم يكن له أن يصيبها حتى يسبرئها بعدما أبيح له فرجها ولو كانت لرجل أمة فكاتبها فعجزت لم يكن له وطؤها حتى يسبرئها لانها كانت ممنوعة الفرج منه وإنما أبيح له فرجها بعد العجز فهى تجامع في هذا المعنى المتزوجة وتفارقها في أن فرجها لم يكن مباحا لغيره والاحتياط تركها ولو كانت له أمة فحاضت فأذن لها بأن تصوم فصامت أو تحج فحجت واجبا عليها فكانت ممنوعة الفرج في نهار الصوم ومدة الاحرام والحيض ثم خرجت من الاحرام والصوم والحيض لم يكن عليه أن يستبرئها وذلك أنه إنما حيل بينه وبين فرجها بعارض فيها كما يكون العارض فيه من الصوم والاحرام لا أنه حيل بينه وبين الفرج كما حيل بينه وبينها متزوجة و مكاتبة فكان لا يحل له أن يلمسها ولا يقبلها ولا ينظر إليها بشهوة فحالها هذه مخلفة لحالها الاولى وتجتمع المستبرأة والمعتدة وتختلفان فأما ما تجتمعان فيه فإن في الاستبراء والعدة معنى وتعبدا فأما المعنى فإن المرأة إذا وضعت حملها كانت براءة في الحرة والامة وانقضاء العدة وأما التعبد فقد تعلم براءتها بأن تكون صبية لم يدخل بها ومدخول بها فتحيض حيضة فتعتد عدة الوفاة كما تعتدها البالغة المدخول بها ولا تبرئها حيضة واحدة(5/106)
فلو لم تكن العدة إلا للبراءة كانت الصغيرة في هاتين الحالتين برئية وكذلك الامة البالغ وغير البالغ تشترى من المرأة الصالحة المحصنة لها ومن الرجل الصالح الكبير قد حرم عليه فرجها برضاع فلا يكون لمن اشتراها أن يطأها حتى يستبرئها ولو كان رجل مودع أمة يتسبرئها بحيضة عنده قد حاضت في يدي نسائه حيضا كثيرا ثم ملكها ولم تفارق تحصينه بشراء أو هبة أو ميراث أو أي ملك ما كان لم يكن له أن يطأها حتى يسبرئها وأحب للرجل الذي يطأ أمة أن لا يرسلها وأن يحصنها وإن فعل لم يحرمها ذلك عليه وكانت فيما يحل له منها مثل المحصنة ألا ترى أن عمر رضى الله عنه يقول ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يرسلونهن فيخبر أنه تلحق الاولاد بهم وإن أرسلوهن ولا يحرم عليهم الوطئ مع الارسال ولو ابتاع رجل جارية فاستبرأها ثم جاء رجل آخر فادعى أنها له وجاء عليها بشاهد فوقف المشترى عنها ثم ابطل الحاكم الشاهد لم يكن على المشترى أن يستبرئها بعدما فسخ عنه وقفها لانها كانت على الملك
الاول لم تستحق ولو استحقها ثم اشتراها الاول وهى في بيته لم تخرج منه لم يأطها حتى يسبرئها لانه قد ملكها عليه غيره ولو كانت جارية بين رجلين فاستخلصها أحدهما وكانت في بيته لم يطأها من حين حل له فرجها حتى يستبرئها ولا تكون البراءة إلا بأن يملكها طاهرا ثم تحيض بعد أن تكون طاهرا في ملكه ولو اشتراها ساعة دخلت في الدم لم يكن هذا براءة وأول الدم وآخره سواء كما يكون هذا في العدة في قول من قال الاقراء عن الحيض ولو طلق الرجل امرأته أول ما دخلت في الدم لم يعتد بتلك الحيضة ولا يعتد بحيضة إلا حيضة تقدمها طهر فإن قال قائل لم زعمت أن الاستبراء طهر ثم حيضة وزعمت في العدة أن الاقراء الاطهار؟ قلنا له بتفريق الكتاب ثم السنة بينهما فلما قال الله عزوجل (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ودل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الاقراء الاطهار لقوله في ابن عمر (يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التى أمر الله عزوجل أن تطلق لها النساء) فأمرناها أن تأتى بثلاثة أطهار فكان الحيض فيها فاصلا بينهما حتى يسمى كل طهر منها غير الطهر الآخر لو لم يكن بينهما حيض كان طهرا واحدا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاماء أن يستبرئن بحيضة فكانت الحيضة الاولى امامها طهر كما لا يعد الطهر إلا وأمامه حيض وكان قول النبي صلى الله عليه وسلم (يستبرئن بحيضة) يقصد قصد الحيض بالبراءة فأمرناها أن تأتي بحيض كما أمرناها إذا قصد قصد الاطهار أن تأتى بطهر كامل.
النفقة على الاقارب أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) وقال تبارك وتعالى (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) إلى قوله (بعد عسر يسرا (قال الشافعي) اخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن هندا قالت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لى إلا ما أدخل على) فقال رسول الله صلى(5/107)
الله عليه وسلم (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف) (قال الشافعي) أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل على في ذلك من شئ؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) (قال الشافعي) ففي كتاب الله عزوجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ان الاجارة جائرة على ما يعرف الناس إذ قال الله عزوجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) والرضاع يختلف فيكون صبى أكثر رضاعا من صبى وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ويختلف لبنها فيقل ويكثر فتجوز الاجارة على هذا لانه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا فتجوز الاجارات على خدمة العبد قياسا على هذا وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا (قال الشافعي) وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه كانت أمه متزوجة أو مطلقة وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الام وارثة وفرض النفقة والرضاع على الاب دونها (قال الشافعي) قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في قول الله عزوجل (وعلى الوارث مثل ذلك) من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها الرضاع (قال الشافعي) وإذا وجب على الاب نفقة ولده في الحال التى لا يغنى نفسه فيها فكان ذلك عندنا لانه منه لا يجوز أن يضيع شيئا منه وكذلك إن كبر الولد زمنا لا يغنى نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه الوالد وكذلك ولد الولد لانهم ولد ويؤخذ بذلك الاجداد لانهم آباء وكانت نفقة الوالد على الولد إذا صار الوالد في الحال التي لا يقدر على أن يغني فيها نفسه أوجب لان الولد من الوالد وحق الوالد على الولد أعظم وكذلك الجد وأبو الجد وآباؤه فوقه وإن بعدوا لانهم آباء قال وإذا كانت هند زوجة لابي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال أبى سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجه ما كان فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية وكذلك حق ولده الصغار وحق من هو قيم
بماله ممن توكله أو كفله قال وإن وجد الذي له الحق ماله بعينه كان له أخذه وإن لم يجده كان له أخذ مثله إن كان له مثل إن كان طعاما فطعام مثله وإن كان دراهم فدارهم مثلها وإن كان لا مثل له كانت له قيمة مثله دنانير أو دارهم كأن غصبه عبدا فلم يجده فله قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد للذي غصبه دنانير ولا دراهم ووجد له عرضا كان له أن يبيع عرضه الذي وجد فيستوفي قيمة حقه ويرد إليه فضله إن كان فيما باع له وإن كان ببلد الاغلب به الدنانير باعه بدنانير وإن كان الاغلب به الدارهم باعه بالدراهم قال وإن غصبه ثوبا فلبسه حتى نقص ثمنه، أو عبدا فاستخدمه حتى كسر، أو أعور عنده أخذ ثوبه وعبده وأخذ من ماله قيمة ما نقص ثوبه وعبده على ما وصفنا.
نفقة المماليك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله عن عجلان أبى محمد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق) (قال الشافعي) على مالك المملوك الذكر والانثى البالغين إذا حبسهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لاوساط(5/108)
الناس الذي تقوم به أبدانهم من أي الطعام كان حنطة أو شعيرا أو ذرة أو تمرا وكسوتهم كذلك مما يعرف أهل ذلك البلد أنه معروف صوف أو قطن أو كتان أي ذلك كان الاغلب بذلك البلد وكان لا يمسى ضيقا بموضعه (قال الشافعي) والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يكسين أحسن من كسوة اللاتى دونهن (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن أبى خداش عن عتبة بن أبى لهب انه سمع ابن عباس يقول في المملوكين (أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون) (قال الشافعي) هذا كلام مجمل يجوز أن يكون على الجواب فسأل السائل عن مماليكه وهو إنما يأكل تمرا أو شعيرا أو أدنى ما يقدر عليه من الطعام ويلبس صوفا أو أدنى ما يقدر عليه من اللباس فقال (أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون) وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقة وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصدا فهذا يستقيم قال والسائلون عرب ولبوس عامتهم وطعامهم خشن ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب فأما من
لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب وأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه كان أكرم وأحسن فإن لم يفعل فله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقته وكسوته بالمعروف والمعروف عندنا المعروف لمثله في بلده الذي به يكون ولو أن رجلا كان لبسه الوشى والخز والمروى والقصب وطعمته النقي وألوان لحم الدجاج والطير لم يكن عليه أن يطعم مماليكه ويكسوهم مثل ذلك فإن هذا ليس بالمعروف للمماليك (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له لقمة فليناوله إياها أو يعطه إياها أو كلمة هذا معناها) (قال الشافعي) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فليروغ له لقمة) كان هذا عندنا والله تعالى أعلم على وجهين أحدهما وهو أولاهما بمعناها والله تعالى أعلم أن اجلاسه معه أفضل وإن لم يفعل فليس بواجب عليه أن يجلسه معه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإلا فليروغ له لقمة) لان إجلاسه لو كان واجبا عليه لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه وقد يحتمل أن يكون أمر اختيار غير الحتم وتكون له نفقته بالمعروف كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحب له أكثر منها (قال الشافعي) وهذا يدلك على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه فلو كان ممن يريد أنى ما يكفيه أطعمه من طعامه قال والكسوة هكذا قال والمملوك الذي يلي طعام الرجل يخالف عندنا المملوك الذي لا يلي طعامه وينبغى لمالك المملوك الذي يلي طعامه أن يكون أقل ما يصنع به أن يناوله لقمة يأكلها مما يقرب إليه فإن المعروف لا يكون يرى طعاما قد ولى الغناء فيه ثم لا ينال منه شيئا يرد به شهوته وأقل ما ترد به شهوته لقمة فإن قال قائل كيف يكون هذا للمملوك الذي يلي الطعام دون غيره؟ قيل لاختلاف حالهما لان هذا ولى الطعام ورآه وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة التي خصت هذا من المماليك دون غيره (قال الشافعي) وفي كتاب الله عزوجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا قال الله تبارك وتعالى (وإذا حضر القسمة أو لو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) الآية فأمر الله عزوجل أن يرزق من القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولم يكن في الامر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في
القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر ولهذا أشباه وهى أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تتطوع وقال لى بعض أصحابنا قسمة الميراث وقال بعضهم قسمة الميراث وغيره من الغنائم فهذا أوسع وأحب إلى أن يعطوا ما طاب به نفس المعطى ولا يوقت ولا يحرمون (قال(5/109)
الشافعي) ومعنى لا يكلف من العمل إلا ما يطيق يعنى به والله تعالى أعلم إلا ما يطيق الدوام عليه ليس ما يطيقه يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه وذلك أن العبد الجلد والامة الجلدة قد يقويان على أن يمشيا ليلة حتى يصبحا وعامة يوم، ثم يعجزان عن ذلك ويقويان على أن يعملا يوما وليلة ولا ينامان فيهما ثم يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفنا من العمل الذي يقدر على الدوام عليه إن كان مسافرا فيمشي العقبة وركوب الاخرى والنوم إن قدر راكبا نام أكثر من ذلك وإن كان لا يقدر على النوم راكبا نام أكثر من ذلك في المنزل وإن كان عمله بالليل تركناه بالنهار للراحة وإن كان عمله بالنهار تركناه بالليل للراحة وإن كان في الشتاء عمل في السحر ومن أول الليل وإن كان في صيف يعمل ترك في القائلة.
ووجه هذا كله في المملوك والمملوكة ما لا يضر بأبدانهما الضرر البين وما يعرف الناس أنهما يطيقان المداومة عليه (قال الشافعي) ومتى مرض واحد منهما فعليه نفقته في المرض ليس له استعماله إن كان لا يطيق العمل وإن عمى أو زمن أنفق عليه مولاه أيضا إلا أن يشاء يعتقه فإذا أعتقه فلا نفقة له عليه (قال الشافعي) وام الولد مملوكة يلزمه نفقتها وتخدمه وتعمل له ما تحسن وتطيق بالمعروف في منزله والمدبرة والمملوكة تعمل له في منزله أو خارجا عنه كما وصفنا من المملوكة غير المدبرة وينفق عليهن كلهن بالمعروف والمعروف ما وصفت وأى مملوك صار إلى أن لا يطيق العمل لم يكلفه وأنفق عليه ورضاع المملوك الصغير يلزم مولاه والمكاتب والمكاتبة مخالفان لمن سواهما لا يلزم مولاهما نفقة في مرض ولا غيره فإن مرضا وعجزا عن نفقة أنفسهما قيل لهما لكما شرطا كما في الكتابة فأنفقا على أنفسكما فإن زعمتما أنكما عاجزان عن تأدية الكتابة أبطلنا كتابتكما ورددنا كما رقيقا كما نبطلها إذا عجزتما عن تأدية أرش جنايتكما قال وإذا كان لهما إذا هما عجزا أن يقولا لانجد فيردان رقيقين كان لهما في المرض ما وصفت إن شاء الله تعالى لان هذا دلالة على أن فسخ الكتابة إليهما دون من كاتبهما قال
ولو كانا اثنين فعجز أحدهما أو مرض فقال قد عجزت بطلت كتابته وأنفق عليه وكان الذي لم يعجز عن الكتابة مكاتبا ويرفع عنه حصة العاجز من الكتابة (قال الشافعي) وينفق الرجل على مماليكه الصغار وإن لم ينفعوه يجبر على ذلك قال ولو زوج رجل أم ولده فولدت أولادا انفق عليهم كما ينفق على رقيقه حتى يعتقوا بعتق أمهم، قال وإذا ضرب السيد على عبده خراجا فقال العبد لا أطيقه.
قيل له أجره ممن شئت واجعل له نفقته و كسوته ولا يكلف خراجا وإن كانت أمة فكذلك غير أنه لا ينبغي أن يأخذ منها خراجا إلا أن تكون في عمل وأحب أن يمنعه الامام من أخذ الخراج من الامة إذا لم تكن في علم وأحب كذلك يمنعه الخراج من العبد إن لم يكن يطيق الكسب صغيرا كان أو كبيرا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمه أبى سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان رضى الله تعالى عنه يقول في خطبته: (ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الامة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها) (قال الشافعي) وإن كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو ببيعه فإن كانت ببادية فاتخذت الغنم أو الابل أو البقر على المرعى فخلاها والرعى ولم يحبسها فأجدبت الارض فأحب إلى لو علفها أو ذبحها أو باعها ولا يحبسها فتموت هزالا إن لم يكن في الارض متعلق ويجبر عندي على بيعها أو ذبحها أو علفها فإن كان في الارض متعلق لم يجبر عندي على بيعها ولا ذبحها ولا علفها لانها على ما في الارض تتخذ وليست كالدواب التى لا ترعى والارض مخصبة إلا رعيا ضعيفا ولا تقوم للجدب قيام الرواعى (قال الشافعي) ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن ولا يحلبها ويتركهن يمتن(5/110)
هزالا قال وليس له أن يسترضع أمة فيمنع ولدها إلا يكون فيه فضل عن ريه أو يكون ولدها يغتذى بالطعام فيقيم بدنه فلا بأس أن يؤثر ولده باللبن إن اختاره على الطعام قال وفي كتاب الطلاق والنكاح نفقة المطلقة والزوجة وغير ذلك من النفقات مما يلزم.
الحجة على من خالفنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال بعض الناس قولنا فيمن كان له على رجل حق فلم يعطه
إياه فإن له أن يأخذ منه حقه سرا ومكابرة إن غصبه دنانير أو دراهم أو ما يكال أو يوزن فوجد مثله أخذه فإن لم يجد مثله لم يكن له أن يبيع من عرضه شيئا فيستوفي حقه وذلك أن صاحب السلعة الذي وجب عليه الحق لم يرض بأن يبيع ماله فلا ينبغي لهذا أن يكون امين نفسه (قال الشافعي) أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال هو إذا غصبه دراهم فاستهلكها فأمرته أن يأخذ دراهم غيرها وإنما جعلت هذه الدراهم بدلا من تلك القيمة لانه لو غصبه سودا لم تأمره أن يأخذ وضحا لان الواضح أكثر قيمة من السود فقد جعلت له البدل بالقيمة والقيمة بيع فإن قال هذه دراهم مثل القيمة قلنا وما مثل؟ قال لا يجو الفضل في بعضها على بعض قلنا فإن كنت من هذا الوجه أجزته فقل له يأخذ مكان السود وضحا وهي لا يحل الفضل في بعضها على بعض قال لا لانها وإن لم يحل الفضل في بعضها على بعض فهى أكثر قيمة من الدنانير قلنا فحجتك لان الفضل في بعضها على بعض لا يحل كانت خطأ لانه انما صرت إلى أن تعطيه دراهم بقيمة ما أخذ من الدراهم وهذا بيع فكيف لم تجز أن يأخذ دنانير بقيمة الدراهم وإنما إلى القيمة ذهبت وكيف لم تجز له أن يبيع من عرضه فيأخذ مثل دراهمه والعرض يحل بالدراهم وفيه تغابن فما حجتك على أحد إن عارضك بمثل هذا القول؟ فقال لا يجوز له أن يأخذ إلا ما أخذ منه لانك تعلم أنه إذا أخذ غير ما أخذ منه فإنما يأخذ بدلا والبدل بقيمة ولا يجوز له أن يكون أمين نفسه في مال غيره وأنت تقول في أكثر العلم لا يكون أمين نفسه (قال الشافعي) فقال فما تقول أنت؟ قلت أقول: إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع أكثر من حفظت عنه من أهل العلم قبلنا بدل على أن كل من كان له حق على أحد فمنعه إياه فله أخذه منه وقد يحتمل أن يكون ما أدخل أبو سفيان على هند مما أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف منه ذهبا وفضة لا طعاما ويحتمل لو كان طعاما أن يكون أرفع مما يفرض لها وبين أن لها أن تأخذ بالمعروف مثل ما كان فارضا لها لا أرفع ولا أكثر منه ويحتمل لو كان مثل ما يفرض لها ليس أكثر منه أن تكون إنما أخذته بدلا مما يفرض لها مثله لانه قد كان لابي سفيان حبس ذلك الطعام عنها وإعطاؤها غيره لان حقها ليس في طعام بعينه إنما هو طعام نصفه كطعام الناس وأدم كأدم الناس لا في أرفع الطعام بعينه ولا الآدم ولا في شرهما وهى إذا أخذت من هذا فإنما تأخذ بدلا مما يجب لها ولولدها والبدل هو القيمة
والقيمة تقوم مقام البيع وهى إذا اخذت لنفسها وولدها فقد جعلها أمين نفسها وولدها وأباح لها أخذ حقها وحقهم سرا من أبى سفيان وهو مالك المال (قال الشافعي) فقلت له أما في هذا ما دلك على أن للمرء ان يأخذ لنفسه مثل ما كان على الذى عليه الحق أن يعطيه ومثل ما كان على السلطان إذا ثبت الحق عنده أن يأخذ به قال وأين؟ قلت له أرأيت السلطان لو لم يجد للمغتصب سلعته بعينها أليس يقضى على الغاصب بأن يعطيه قيمتها؟ قال بلى قلت إن لم يعطه سلعته بعينها باع السلطان عليه في ماله(5/111)
حتى يعطى المغصوب قيمة سلعته؟ قال بلى فقيل له إذا كانت السنة تبيح لمن له الحق أن يأخذ حقه دون السلطان كما كان للسلطان أن يأخذه لو ثبت عنده فكيف لا يكون للمرء إذا لم يجد حقه أن يبيع في مال من له عليه الحق حتى ياخذ حقه؟ قال للسلطان أن يبيع وليس لهذا أن يبيع قلنا ومن قال ليس له أن يبيع؟ أرأيت إذا قيل لك ولا له أن يأخذ مال غيره إلا بإذن السلطان ما حجتك؟ أو رأيت السلطان لو باع لرجل من مال رجل والرجل يعلم أن لا حق على المبيع عليه أيحل له أن يأخذ ما باع له السلطان؟ قال لا قلنا فنراك إنما تجعل أن يأخذ بعلمه لا بالسلطان وما للسلطان في هذا معنى أكثر من أن يكون كالمفتى يخبر بالحق لبعض الناس على بعض ويجبر من امتنع من الحق على تأديته وما يحل السلطان شيئا ولا يحرمه ما الحلال وما الحرام إلا على ما يعلم الناس فيما بينهم قال أجل قلنا فلم جمعت بين الرجل يكون له الحق فيأخذ حقه دون السلطان ويكره الذي عليه الحق وجعلته أمين نفسه فيه وفرقت بينه وبين السلطان في البيع من مال الذي عليه الحق أقلت هذا خيرا أم قياسا؟ قال قال أصحابنا يقبح أن يبيع مال غيره قلت ليس في هذا شئ لو قبح إلا وقد شركت فيه بأنك تجعله يأخذ مثل عين ماله وذلك قيمته والقيمة بيع وتخالف معنى السنة في هذا الموضع وتجامعها في موضع غيره قال هكذا أصحابنا قلت فترضى من غيرك بمثل هذا فيقول لك من خالفك هكذا قال أصحابنا؟ قال ليس له في هذا حجة قلنا ولا لك أيضا فيه حجة فقال إنه يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) فما معنى هذا؟ قلنا ليس هذا بثابت عن أهل الحديث منكم ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة علينا ولو كانت كانت عليك معنا قال وكيف؟ قلت قال الله عز
وجل (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) فتأدية الامانة فرض والخيانة محرمة وليس من أخذ حقه بخائن قال أفلا تراه إذا أغصب دنانير فباع ثيابا بدنانير فقد خان لان الثياب غير الدناينر؟ قلت إن الحقوق تؤخذ بوجوه منها أن يوجد الشئ المغصوب بعينه فيؤخذ فإن لم يكن فمثله فإن لم يكن بيع على الغاصب فأخذ منه مثل ما غصب بقيمته ولو كان إذا خان دنانير فبيعت عليه جارية بدنانير فدفعت إلى المغصوب كان ذلك خيانة لم يحل للسلطان أن يجوز ولا يكاثر على ما يعلم أنه لا يحل له وكان على السلطان إن وجد له دنايره بعينها أعطاه إياها وإلا لم يعطه دنانير غيرها لانها ليست بالذي غصب ولا يبيع له جارية فيعطيه قيمتها وصاحب الجارية لا يرضى قال أفرأيت لو كان ثابتا ما معناه؟ قلنا إذا دلت السنة واجتماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقة لنفسه سرا من الذي هو عليه فقد دل ذلك أن ليس بخيانة أخذ ما لا يحل أخذه فلو خاننى درهما قلت قد استحل خيانتي لم يكن لى ان آخذ منه عشرة دراهم مكافأة بخيانته لى وكان له أن آخذ درهما ولا أكون بهذا خائنا ولا ظالما كما كنت خائنا ظالما بأخذ تسعة مع درهم لانه لم يخنها (قال الشافعي) ولا تعدو الخيانة المحرمة أن تكون كما وصفنا من أن يأخذ من مال الرجل بغير أمره وهذا خلاف السنة فإن كان هذا هكذا فقد أمروا رجلا ان يأخذ حقه والبدل من حقه بغير أمر من أخذ منه سرا ومكابرة (قال الشافعي) وخالفنا أيضا في النفقة فقال إذا مات الاب أنفق على الصغير كل ذي رحم يحرم عليه نكاحه من رجل أو امرأة قلت له فما حجتك في هذا؟ قال قول الله تبارك وتعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن)) إلى قوله (وعلى الوارث مثل ذلك) (قال الشافعي) قلت له أكان على الوارث مثل ذلك عندك على جميع ما فرض الله تبارك وتعالى على الاب والوارث يقوم في(5/112)
ذلك مقام الاب؟ قال نعم فقلت أوجدت الاب ينفق ويسترضع المولود وأمه وارث لا شئ عليها من ذلك؟ قال نعم قلت أفيكون وارث غير أمه يقوم مقام أبيه فينفق على أمه إذا أرضعته وعلى الصبى؟ قال لا ولكن الام تنفق عليه مع الوارث قلنا فأول ما تأولت تركت قال فإن أقول على الوراث مثل ذلك بعد موت الاب هي في الآية ذلك بعد موت الاب قال لا يكون له وارث وأبوه حي قلنا بلى أمه (1)
وقد يكون زمنا مولودا فيرثه ولده لو مات ويكون على أبيه عندك نفقته فقد خرجت مما تأولت (قال الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت يتيما له أخ فقير وجد أبو أم غنى على من نفقته؟ قال على جده قلنا ولمن ميراثه؟ قال لاخيه قلنا أرأيت يتيما له خال وابن عم غنيان لو مات اليتيم لمن ميراثه؟ قال لابن عمه فقلت فقبل أن يموت على من نفقته؟ قال على خاله فقلت لبعضهم أرأيت يتيما له أخ لابيه وأمه وهو فقير وله ابن أخ غنى لمن ميراثه؟ قال للاخ فقلت فعلى من نفقته؟ قال على ابن أخيه قلت فقد جعلت النفقة على غير وارث وكل ما لزم احدا لم يتحول عنه لفقر ولا غيره فإن كانت الآية على ما وصفت فقد خالفتها فأبرأت الوارث من النفقة وجعلتها على غير الوارث قال إنما جعلتها على ذي الرحم المحرم إن كان وارثا قلنا وقد تجلعها على الخال وهو غير وارث فتخالف الآية فيه خلافا بينا أو تجد في الآية أنه إنما عنى بها الرحم المحرم أو تجد احدا من السلف فسرها كذلك؟ قال هي هكذا عندنا قلت أفرأيت إن عارضك أحد بمثل حجتك فقال إذا جاز أن تعلها على بعض الوارثين دون بعض قلت أجبره على نفقة ذى الرحم غير المحرم لان أجبره على نفقة الجارية وهو يحل له نكاحها فيكون يوما فيها له منفعة وسرور وعلى نفقة الغلام وهو يحل له أن ينكح إليه أو ينكح المرأة التى ينفق عليها فيكون له في ذلك منفعة وسرور أجوز من أن أجبره على نفقة من يحرم عليه نكاحه لانه لا يستمتع احدها بالآخر بما يستمتع به الرجال من النساء والنساء من الرجال ما حجتك عليه؟ ما أعلم أحدا لو قال هذا إلا أحسن قولا منك قال لان الذي يحرم نكاحه أقرب قلنا قد يحرم نكاح من لا قرابة له قال وأين؟ قلنا أم امرأتك وامرأة أبيك وامرأة تلاعنها وامرأتك تبت طلاقها وكل من بينك وبينه رضاع قال ليس هؤلاء وارثا قلنا أو ليس قد فرضت النفقة على غير الوارث؟ فإن قال قائل فإنا قد روينا من حديثكم ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أجبر عصبة غلام على رضاعه الرجال دون النساء قلنا أفتأخذ بهذا؟ قال نعم قلت أفتخص العصبة وهم الاعمام وبنوا الاعمام والقرابة من قبل الاب؟ قال لا إلا أن يكونوا ذوى رحم محرم قلنا فالحجة عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة ولا تجعل عليهم النفقة وهم العصبة الورثة وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا (قال الشافعي) فقال لى قائل قد خالفتم هذا أيضا قلنا أما الاثر عن
عمر فنحن أعلم به منك ليس تعرفه ولو كان ثابتا لم يخالفه ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فكان يقول (وعلى الوارث مثل ذلك) على الوارث أن (لا تضار والدة بولدها) وابن عباس رضى الله تعالى عنهما أعلم بمعنى كتاب الله عزوجل منا والآية محتملة على ما قال ابن عباس وذلك إن في فرضها على الوارث والام حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث لانها لو كانت على الميراث كان على الاب ثلثاها وسقط عنه ثلثها لانه حظ الام ولو استرضع المولود غير الام كان على الاب ثلثا الرضاع وعلى الام ثلثه وإن كانت الام خرجت من هذا المعنى أو جعلت فيه كالمستأجرة غيرها فكان ينبغي لو مات الاب أن
__________
(1) قوله: وقد يكون زمنا الخ كذا في غير نسخة وحرر.
كتبه مصححه.(5/113)
يقوم الوارث مقام الاب فينفق على الام إذا أرضعته فلا يكون على الام من رضاعه شئ لو استرضعته أخرى وقد فرض الله عزوجل نفقة المطلقات ذوات الاحمال وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات تلزم الناس ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبى وكل امرئ مالك لماله وإنما لزمه فيه ما لزمه في كتاب أو سنة أو أثر أو أمر مجمع عليه فأما ان تلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا فلا يجوز لنا فإن كان التأويل كما وصفنا فنحن لم نخالف منه حرفا وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافا بينها.
جماع عشرة (1) النساء أخبرنا أبو على الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق بقراءتي عليه قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) الآية وقال عزوجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال عزوجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) وقال جل وعلا (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) فجعل الله للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج حقوقا بينها في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومجملة ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وقد وضعنا بعض ما حضرنا منها في مواضعه والله نسأل الرشد والتوفيق وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف أن يؤدى الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل
ظاهر فإنه يقول عزوجل (ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه وكف المكروه.
النفقة على النساء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) إلى (تعولوا) وقول الله (ذلك أدنى ان لا تعولوا) يدل والله أعلم أن على الرجل نفقة امرأته وقوله (أن لا تعولوا) أن لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها وقال الله عزوجل (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن هند بنت عتبة اتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله (إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لى منه إلا ما يدخل على) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذى ما يكقيك وولدك بالمعروف) أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال (أنفقه على نفسك) قال عندي آخر قال (أنفقه على ولدك) قال عندي آخر قال (أنفقه على أهلك) قال عندي آخر قال (أنفقه على خادمك) قال عندي آخر قال (أنت أعلم) قال سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول ولدك أنفق
__________
(1) انفرد بعض النسخ هنا باثبات هذه التراجم وان كان بعض ما فيها تقدم بمعناه لا بلفظه فاثبتنا حرصا على ما فيها مه القواعد وان كانت مشتملة على شئ من تحريف النساخ، والله الموفق.
كتبه مصححه.(5/114)
على إلى من تكلني؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعنى (قال الشافعي فبهذا نأخذ قلنا على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف والمعروف نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه برا كان أو شعيرا أو ذرة لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها ومن الكسوة والادم بقدر ذلك لقول الله عزوجل (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن وأبان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فإن فرض الله عليهم نفقة أزواجهم فعجزوا عنها لم يجبرن على المقام معهم مع العجز عما لا غنى بهن عنه من النفقة والكسوة قال
وبالاستدلال قلنا إذا عجز الرجل عن نفقة امرأته فرق بينهما وقلنا يجب على الرجل نفقة امرأته إذا ملك عقدة نكاحها وخلت بينه وبين الدخول عليها فأخر ذلك هو ونفقتها مطلقة طلاقا يملك الرجعة حتى تنقضي عدتها وإن كان مثلها لا يخدم نفسها وجبت عليه نفقة خادم لها وإذا دخل بها فغاب عنها قضى لها بنفقتها في ماله فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم وتصادقا على إن لم يتفق عليها في غيبته حكم السلطان عليه بنفقتها في الشهور التي مضت وكذلك إن كانت زوجته حرة ذمية وإن كانت عليه ديون ضربت زوجته مع الغرماء بالنفقة الماضية المدة التي حبسها لانه حق لها.
الخلاف في نفقة المرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال بعض الناس ليس على الرجل نفقة امرأته حتى يدخل بها وإذا غاب عنها وجب على السلطان إن طلبت نفقتها أن يعطيها من ماله وإن لم يجد له مالا فرض عليه لها نفقة وكانت دينا عليه وإن لم تطلب ذلك حتى يمضى لها زمان ثم طلبته فرض لها من يوم طلبته ولم يجعل لها نفقة في المدة التي لم تطلب فيها النفقة وإن عجز عن نفقتها لم يفرق بينهما وعليه نفقتها إذا طلقها ملك رجعتها أو لم يملكها (قال الشافعي) وقال لى كيف قلت في الرجل يعجز عن نفقة امرأته يفرق بينهما؟ قلت لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار والاستدلال بالسنة لم يكن له والله أعلم حبسها على نفسه يستمتع بها ومنعها عن غيره تستغنى به وهو مانع لها فرضا عليه عاجزا عن تأديته وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت جوعا وعطشا وعريا قال فأين الدلالة على التفريق بينهما؟ قلت قال أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوج بالنفقة على أهله وقال أبو هريرة تقول امرأتك أنفق على أو طلقني ويقول خادمك أنفق على أو بعنى (قال الشافعي) قال فهذا بيان أن عليه طلاقها قلت أما بنص فلا وأما بالاستدلال فهو يشبه والله أعلم وقلت له تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانة عجز عن نفقتها؟ قال نبيعها عليه قلت فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له؟ قال فهل من شئ أبين من هذا؟ قلت أخبرنا سفيان عن أبى الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته.
قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت سنة؟ قال سعيد سنة والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مسلم بن خالف عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر الخطاب رضى الله عنه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا فقال أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التى لا تفرق(5/115)
بينها وبينه إذا منعها فرق مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء؟ فقلت له نعم ليس في فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها وقد وجدت الله عزوجل أباح في الضرورة من المأكول ما حرم من الميتة والدم وغيرهما منعا للنفس من التلف ووضع الكفر عن المستكره للضرورة التي تدفع عن نفسه ولا أجده أباح للمرأة ولا للرجل في الشهوة للجماع شيئا مما حرم الله عليهما وأنت تزعم ان الرجل إذا عجز عن إصابة امرأته وإن كان يصيب غيرها أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت قال هذا رواية عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قلت فإن كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه فكيف رددت إحدى قضايا عمر في التفريق بينهما ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلت قضاءه في العنين وانت تزعم أن عليا رضى الله عنه يخالفه؟ فقال قبلته لان الجماع من حقوق العقدة قلت له أفكما يجامع الناس أو جماع مرة واحدة؟ قال كما يجامع الناس قلت فأنت إذا جامع مرة واحدة لم تفرق بينهما قال من أجل أنه ليس بعنين قلت فكيف يجامع غيرها ولا يكون عنينا وتؤجله سنة؟ قال إن أداء الحق إلى غيرها غير مخرج له من حقها قلت فإذا كنت تفرق بينهما بأن حقا عليه جماعها ورضيت منه في عمره أن يجامع مرة واحدة فحقها عليه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والآثار في نفقتها واجب قال نعم قلت فلم أقررتها معه بفقد حقين في النفقة والكسوة وفقد هما يأتي على إتلافها لان الجوع والعطش في أيام يسيرة يقتلانها والعري يقتلها في الحر والبرد وأنت تقول لو انفق عليها دهره ثم ترك يوما أخذته بنفقتها لانه يجب لها في كل يوم نفقة وفرقت بينهما بفقد الجماع الذي تخرجه منه في عمرها بجماع مرة واحدة فقد فرقت بينهما بأصغر الضررين وأقررتها
معه على أعظم الضررين ثم زعمت أنها متى طلبت نفقتها من ماله غائبا كان أو حاضرا فرضتها عليه وجعلتها دينا في ذمته كحقوق الناس وإن كفت عن طلب نفقتها أو هرب فلم تجده ولا مال له ثم جاء لم تأخذه بنفقتها فيما مضى هل رأيت ما لا قط يلزم الوالى أخذه لصاحبه حاضرا أو غائبا فيترك من هو له طلبه أو يطلبه فهرب صاحبه فيبطل عنه؟ (قال) فيفحش عندي أن يكون الله أحل لرجل فرجا فأحرمه عليه بلا إحداث طلاق منه قلت له أفرأيت أحد الزوجين يرتد أهو قول الزوج أنت طالق فأنت تفرق بينهما؟ أرأيت الامة تعتق أهو قول الزوج أنت طالق؟ فأنت تفرق بينهما إن شاءت الامة أو رأيت المولى أهو طلق؟ أرأيت الرجل يعجز عن إصابة امرأته أهو طلق فأنت تفرق في هذا كله قال أما المولى فاستدللنا بالكتاب وأما ما سواه بالسنة والاثر عن عمر قلت فحجتك بأنه يقبح أن يفرق بغير طلاق يحدثه الزوج لا حجة لك عليه وغير حجة على غيرك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له فكيف زعمت أنه لا يجب على الرجل نفقة امرأته إلا بالدخول وإن خلت بينه وبين نفسها؟ قال لانه لم يستمتع منها بجماع قلت أفرأيت إذا غاب أو مرض أيستمتع منها بجماع؟ قال لا ولكنها محبوسة عليه قلت أفتجدها مملكة محبوسة عليه؟ قال نعم قلت ويجب بينهما الميراث؟ قال نعم قلت وإن كانت النفقة للحبس فهى محبوسة وإن كانت للجماع فالمريض والغائب لا يجامعان في حالهما تلك فأسقط لذلك النفقة قال إذا كان مثلها يجامع وخلت بينه وبين نفسها وجبت لها النفقة في حالهما تلك فأسقط لذلك العدة وقد طلقت ثلاثا وهى غير حامل فخالفت الاستدلال بالكتاب ونص النسة؟ قال وأين الدلالة بالكتاب؟ فقلت له قال الله عزوجل في المطلقات (وإن كن اولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكه لامرها غير حامل قال فإنه قد ذكر(5/116)
المطلقات مرسلات لم يخصص واحدة دون الاخرى وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة وإن كان زوجها يملك الرجعة وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة قلت له: قد يطلق للعدة ثلاثا قال فلو كان كما تقول ما كانت الدلالة على أنه أراد بمنع النفقة المبتوتة دون التى له رجعة عليها قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت أن الممنوعة النفقة المبتوتة بجميع الطلاق دون التي لزوجها
عليها الرجعة ولو لم تدل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فكانت الآية تأمر بنفقة الحامل وقد ذكر المطلقات فيها دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات فينفق عليها بالاجماع دون غيرها قال فلم لا تكون المبتوتة قياسا عليها؟ قلت ارأيت التي يملك زوجها رجعتها في عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان قال بلى قلت أفهذه في معاني الازواج في أكثر أمرها؟ قال نعم قلت أفتجد كذلك المبتوتة بجميع طلاقها؟ قال لا قلت فكيف تقيس مطلقة بالتى تخالفها؟ وقلت له أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك أمرأة يغشاها أصحابي فاعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد) قالت فكرهته ثم قال (انكحي أسامة) فنكحته فجعل الله فيه خيرا فاغتبطت به قال فإنكم تركتم من حديث فاطمة شيئا قالت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا سكنى لك ولا نفقة) فقلت له ما تركنا من حديث فاطمة حرفا قال إنما حدثنا عنها أنها قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا سكنى لك ولا نفقة) فقلت لكنا لم نحدث هذا عنها ولو كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم قال وكيف؟ قلت أما حديثنا فصحيح على وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نفقة لك عليهم) وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت قال كيف أخرجها من بيت زوجها وأمرها ان تعتد في غيرها؟ قلت لعلة لم تذكرها فاطمة في الحديث كأنها استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها قال وما هي؟ قلت كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن ام مكتوم فقال هل من دليل
على ما قلت قلت نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم بها قال فاذكرها قلت قال الله تبارك وتعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) الآية وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن ابن عباس في قوله تعالى (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال ان تبذو على أهل زوجها فإن بذت فقد حل إخراجها قال هذا تأويل قد يحتمل ما قال ابن عباس ويحتمل غيره أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة أن تخرج للحد قال فقلت له فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها؟ قال معنى ما وافقته السنة فقلت فقد ذكرت لك السنة في فاطمة فأوجدتك ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم.(5/117)
القسم للنساء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال تبارك وتعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا) الآية فقال بعض أهل العلم بالتفسير لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب فإن الله عزوجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا أهواءكم كل الميل بالفعل مع الهوى وهذا يشبه ما قال والله أعلم ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عوام علماء المسلمين على أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الايام والليالي وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه (1) فيما هو أعظم من الميل على النساء والله أعلم والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القسم سواء والقسم هو الليل يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها ونحب لو أوى عندها نهاره فإن كانت عنده أمة مع حرة قسم للحرة ليلتين وللامة ليلة قال وإن هربت منه حرة أو أغلقت دونه أمة أو حبس الامة اهلها سقط حقها من القسم حتى تعود الحرة إلى طاعة الله في الرجوع عن الهرب والامة لان امتناعهما مما يجب عليهما في هذه الحال قطع حق أنفسهما ويبيت عند المريضة التى لا جماع فيها والحائض والنفساء لان مبيته سكن إلف وإن لم يكن جماع أو أمر
تحبه المرأة وترى الغضاضة عليها في تركه.
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة وكان يقسم منهن لثمان (قال الشافعي) رحمه الله: التاسعة التي لم يكن يقسم لها سودة وهبت يومها لعائشة.
أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة (2).
الحال التي يختلف فيها حال النساء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا نكح الرجل امرأة فبنى بها فحالها غير حال من عنده فإن كانت بكرا كان له أن يقيم عندها سبعة أيام وإن كانت ثيبا كان له أن يقيم عندها ثلاثة أيام ولياليهن ثم يبتدئ القسمة لنسائه فتكون واحدة منهن بعد مضى أيامها ليس له أن يفضلها عليهن أخبرنا مالك عن عبد الله ابن أبى بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فأصبحت عنده قال لها (ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت) قالت ثلث أخبرنا ابن أبى الرواد عن ابن جريج عن أبى بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم خطبها فساق نكاحها وبناءه بها وقولها لها (إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن) أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال للبكر سبع وللثيب ثلاث (قال الشافعي) رحمه الله: وبهذا نأخذ وإن قسم أياما لكل امرأة بعد مضى سبع البكر وثلاث الثيب فجائز إذا أو في كل واحدة منهن عدد الايام التي اقام عنده غيرها.
__________
(1) قوله: فيما هو اعظم الخ هذكذا في النسخ، وانظر (2) من هنا إلى ترجمة (الشقاق في الزوجين) انفردت بيدنا نسخة سقيمة، فليعلم.
كتبه مصححه.(5/118)
الخلاف في القسم للبكر وللثيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في القسم للبكر والثيب وقال يقسم لهما إذا دخلا كما يقسم لغيرهما لا يقام عند واحدة منهما شئ إلا أقيم عند الاخرى مثله فقلت له قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) أفتجد السبيل إلى علم ما فرض الله جملة أنها أثبت
وأقوم في الحجة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال لا فذكرت له حديث أم سلمة قال فهى بينى وبينك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت؟) قلت نعم قال فلم يعطها في السبع شيئا إلا أعلمها أنه يعطى غيرها مثله فقلت له: إنها كانت ثيبا فلم يكن لها إلا ثلاث فقال لها إن أردت حق البكر وهو أعلى حقوق النساء وأشرفه عندهن بعفوك حقك إذا لم تكوني بكرا فيكون لك سبع فعلت وإن لم تريدي عفوه وأردت حقك فهو ثلاث قال فهل له وجه غيره؟ قلت لا إنما يخبر من له حق يشركه فيه غيره من أن ينزل من حقه فقلت له يلزمك أن تقول مثل ما قلنا لانك زعمت أنك لا تخالف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يخالفه مثله ولا نعلم مخالفا له والسنة ألزم لك من قوله فتركتها وقوله.
قسم النساء إذا حضر السفر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عمى محمد بن على بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وبهذا أقول إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها فحقهن في الخروج معه سواء فيقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها للخروج خرج بها فإذا حضر قسم بينها وبينهن ولم يحسب عليها الايام التي غاب بها (قال الشافعي) رحمه الله وقد ذكر الله عزوجل القرعة في كتابه في موضعين فكان ذكرها موافقا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى (وإن يونس لمن المرسلين) إلى (المدحضين) وقال (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس فقالوا إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقى فخرج سهم يونس فألقى فالتقمه الحوت كما قال الله تبارك وتعالى ثم تداركه بعفوه عزوجل فأما مريم فلا يعدو الملقون لاقلامهم يقترعون عليها أن يكونوا سواء في كفالتها لانه إنما يقارع من يدلى بحق فيما يقارع ولا يعدون إذا كان أرفق بها وأجمل في أمرها أن تكون عند واحد لا يتداولها كلهم مدة مدة ويكونوا يقسموا كفالتها فهذا أشبه معناها عندنا والله أعلم فاقترعوا أيهم يتولى كفالتها دون صاحبه أو تكون يدافعوها لئلا يلزم
كفالتها واحدا دون أصحابه وأيهما كان فقد اقترعوا لينفرد بكفالتها ويخلوا منها من بقى (قال الشافعي) رحمه الله فلما كان المعروف لنساء الرافق بالنساء أن يخرج بواحدة منهن فهن في مثل هذا المعنى ذوات الحق كلهن فإذا خرج سهم واحدة كان السفر لها دونهن وكان هذا في معنى القرعة في مريم وقرعة يونس حين أستوت الحقوق أقرع لتنفرد واحدة دون الجميع(5/119)
الخلاف في القسم في السفر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في السفر وقال: هو والحضر سواء وإذا أقرع فخرج واحدة ثم قدم قسم لكل واحدة منهن من عدد الايام بمثل ما غاب بالتى خرج بها فقلت له أيكون للمرء أن يخرج بامرأة بلا قرعة ويفعل ذلك في الحضر فيقيم معها أياما ثم يقسم للنسوة سواها بعدد تلك الايام؟ قال نعم قلت له فما معنى القرعة إذا أو في كل واحدة منهن مثل عدد الايام التى غاب بالتى خرجت قرعتها وكان له إخراجها بغير قرعة أنت رجل خالفت الحديث فأردت التشبيه على من سمعك بخلافه فلم يخف خلافك علينا ولا أراه يخفى على عالم؟ قال فرق بين السفر والحضر قلت فرق الله بينهما في قصر الصلاة في السفر ووضع الصوم فيه إلى أن يقضى وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع في السفر فصلى حيث توجهت به راحلته راكبا وجمع فيه بين الصلاة ورخص الله فيه في التيمم بدلا من الماء أفرأيت لو عارضك معارض في القبلة فقال قد أمر الله تبارك وتعالى بالتوجه إلى البيت والنافلة والفرض في ذلك سواء عندك بالارض مسافرا كان صاحبها أو مقيما فكيف قلت للراكب صل إن شئت إلى غير القبلة؟ قال أقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير القبلة قلت فنقول لك فلا قول ولا قياس مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت ولا فرق بينه وبين مثله قال لا وهذا لا يكون إلا من جاهل قلنا فكيف كان هذا منك في القرعة في السفر؟ قال إنى قلت لعله قسم؟ قلت فإن قال لك قائل فلعل الذى روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل المشرق في السفر قاله في سفر إذا استقبل فيه المشرق فكانت قبلته قال لا تخفى عليه القبلة وهو لا يقول صلى نحو المشرق إلا وهو خلاف القبلة قلت فهو إذا أقرع لم يقسم بعدد الايام التى غاب بالتي خرجت قرعتها.
نشوز الرجل على امرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (الرجال قوامون على النساء) إلى قوله (سبيلا) (قال الشافعي) رحمه الله قال الله عزوجل (واللآتى تخافون نشوزهن) يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها فإن أبدت نشوزا هجرها فإن أقامت عليه ضربها وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رؤيت أسبابه وأن لا مؤنة فيها عليها تضربها وأن العظة غير محرمة من المرء لاخيه فكيف لا مرأته؟ والهجرة لا تكون إلا بما يحل به الهجرة لان الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل فالآية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب من العظة والهجرة والضرب مختلفة فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله عليه وقد يحتمل قوله (تخافون نشوزهن) إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب (قال) وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها لانه إنما أبيحا له بالنشوز فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذى أبيحا له به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنما قلنا لا يقسم للمرأة الممتنعة من زوجها.
المتغيبة عنه بإذن الله لزوجها بهجرتها في المضجع(5/120)
وهجرتها فيه اجتنابها بها لم تحرم والله أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبى ذباب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تضربوا إماء الله) قال فأتاه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أطاف الليلة بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم) (قال الشافعي) رحمه الله فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالى أخذه وأجاز العفو عنها في غير حد في الخير الذي تركت حظها وعصت ربها (قال الشافعي) رحمه الله وقول الله تبارك وتعالى
(وللرجال عليهن درجة) (1) هما مما وصفت الله وذكرنا من أن له عليها في بعض الامور ما ليس لها عليه ولها في بعض الامور عليه ما ليس له عليها من حمل مؤنتها وما أشبه ذلك.
ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى ذكره (وعاشروهن بالمعروف) إلى قوله (ميثاقا غليظا) ففرض الله عشرتها بالمعروف وقال عزوجل (فإن كرهتموهن) فدل على أنه أباح حبسها مكروهة واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف ثم قال (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية فأعلم أنه إذا كان الاخذ من الزوج من غير أمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لهاو مالها فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف واول المعروف تأدية الحق وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها لان الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها فقال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) إلى قوله (مريئا) وقال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) الآية وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت قول الله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) حظر لاخذه إلا من جهة الطلاق قبل الافضاء وهو الدخول فيأخذ نصفه بما جعل له وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل فأما إذا كان من قبلها وهى طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) والحال التى أذن به فيها مخالفة الحال التى حرمه فيها فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالاضرار بها مضى عليه الطلاق ورد ما أخذ منها وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا.
الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان) إلى قوله (فيما أفتدت به)
__________
(1) قوله: هما أي هذه الجملة والجملة قبلها في الاية وانظر.(5/121)
(قال الشافعي) رحمه الله: فنهى الله تعالى الزوج كما نهاه في الآى قبل هذه الآية أن يأخذ مما أتى المرأة شيئا (إن أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وأباح لهما إذا انتقلت عن حد اللاتى حرم أموالهن على أزواجهن لخوف أن لا يقيما حدود الله أن يأخذ منها ما افتدت به لم يحدد في ذلك أن لا يأخذ إلا ما أعطاها ولا غيره وذلك أنه يصير حينئذ كالبيع والبيع إنما يحل ما تراضى به المتبايعان لاحد في ذلك بل في كتاب الله عزوجل دلالة على إباحة ما كثر منه وقل لقوله) فلا جناح عليهما فيما افتدت به) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه؟ فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال (ما شأنك؟) قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذمنها)) فأخذ منها وجلست في أهلها أخبرنا الربيع قال الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن حبيبة أنها جاءت تشكو شيئا ببدنها في الغلس ثم ساق الحديث بمعنى حديث مالك وقول الله تبارك وتعالى (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) يحتمل أن يكون الابتداء بما يخرجهما إلى خوف أن لا يقيما حدود الله من المرأة بالامتناع من تأدية حق الزوج والكراهية له أو عارض منها في حب الخروج منه من غير بأس منه ويحتمل أن يكون من الزوج فلما وجدنا حكم الله بتحريم أن يأخذ الزوج من المرأة شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج استدللنا أن الحال التي باح بها للزوج الاخذ من المرأة الحال المخالفة الحال التى حرم بها الاخذ تلك الحال هي أن تكون المرأة المبتدئة المانعة لاكثر ما يجب عليها من حق الزوج ولم يكن له الاخذ أيضا منها حتى يجمع أن تطلب الفدية منه لقوله عزوجل (فلا جناح عليهما فيا افتدت به) وافتداؤها منه شئ تعطيه من نفسها لان الله عزوجل يقول (وإن خفتم شقاق بينهما) الاية فكانت هذه الحال التى تخالف هذه الحال وهى التى لم تبذل فيها المرأة المهر والحال التي يتداعيان فيها الاساءة
لا تقر المرأة أنها منها (قال الشافعي) وقول الله تبارك وتعالى (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) كما وصفت من أن يكون لهما فعل تبدأ به المرأة يخاف عليهما فيه أن لا يقيما حدود الله لا أن خوفا منها بلا سبب فعل (قال الشافعي) وإذا ابتدأت المرأة بترك تأدية حق الله تعالى ثم نال منها الزوج ماله من أدب لم يحرم عليه أن يأخذ الفدية وذلك أن حبية جاءت تشكو شيئا ببدنها نالها به ثابت ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفتدي واذن لثابت في الاخذ منها وذلك أن الكراهة من حبية كان لثابت وأنها تطوعت بالفداء (قال الشافعي) وعدتها إذا كان دخل بها عدة مطلقة (1) وكذلك كل ناكح كان يعد فسخا أو طلاقا صحيحا كان أو فاسدا فالعدة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضى الله عنه في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد فقال يتزوجها إن شاء لان الله عزوجل يقول (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى قوله (أن يتراجعا) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كل شئ أجازه المال
__________
قوله: وكذلك كل ناكح الخ كذا في الاصل ولعل فيه تحريفا، فانظر.(5/122)
فليس بطلاق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن (1) جهمان مولى الاسلمية عن بكرة الاسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت (قال الشافعي) ولا أعرف جهمان ولا أم بكرة بشئ يثبت به خبرهما ولا يرده، وبقول عثمان نأخذ وهى تطليقة وذلك أنى رجعت الطلاق من قبل الزوج ومن ذهب مذهب ابن عباس كان شبيها أن يقول قول الله تبارك وتعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) يدل على أن الفدية هي فسخ ما كان له عليها وفسخ ما كان عليها لا يكون إلا بفسخ العقد وكل أمر نسب فيه الفرقة إلى انفساخ العقد لم يكن طلاقا إنما الطلاق ما أحدث والعقدة قائمة بعينها وأحسب من قال هذا منهم إنما أرادوا أن الخلع يكون فسخا إن لم يسم طلاقا وليس هكذا حكم طلاق غيره فهو يفارق الطلاق بأنه مأذون به لغير العدة وفي غير شئ (قال الشافعي) ومن ذهب المذهب الذى روى عن عثمان أشبه أن يقول العقد كان صحيحا فلا يجوز فسخه وإنما يجوز إحداث
طلاق فيه فإذا أحدث فيه فرقة عدت طلاقا وحسبت أقل الطلاق إلا أن يسمى أكثر منها إنما كان لا رجعة له بأنه أخذ عوضا والعوض هو ثمن فلا يجوز أن يملك الثمن ويملك المرأة ومن ملك ثمنا لشئ خرج منه لم يكن له الرجعة فيما ملكه غيره ومن قال: هذا معارضة معارض بقول ابن عباس قال أو لست أجد العقد الصحيح ينفسخ في ردة احد الزوجين.
وفى الامة تعتق وفي امرأة العنين تختار فراقة وعند بعض المدنيين في المرأة يوجد بها جنون أم جذام أو برص والرجل يوجد به أحد ذلك فيكونان بالخيار في المقام أو الفرقة وإنما الفرقة فسخ لا إحداث طلاق فإذا أذن الله تبارك وتعالى بالفدية وأذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فاسخة (قال الشافعي) إن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لزمه ما طلق ولا رجعة له في واحدة ولا اثنتين للثمن الذي أخذه منها (قال الشافعي) وإذا اختلعت منه ثم طلقها في العدة لم يلزمها طلاق وذلك أنها غير زوجة (قال الشافعي) فإذا كان في حكم الله أن لا يؤخذ من المرأة في الخلع إلا بطيب نفسها (2) ولا يؤخذ من أمة خلع بإذن سيدها لانها ليست تملك شيئا ولا يؤخذ من محجور عليها من الحرائر إنما يؤخذ مال امرأة جائزة الامر في مالها بالبلوغ والرشد والحرية.
الخلاف في طلاق المختلعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال إذا طلقت في العدة لحقها الطلاق فسألته هل يروى في قوله خبرا؟ فذكر حديثا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده فقلت هذا عندنا وعندك غير ثابت (3) قال فقد قال بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم قال فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟ قلت حجتى فيه من القرآن والاثر والاجماع على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها قال وأين الحجة من القرآن؟ قلت قال الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) إلى
__________
(1) قوله: جهمان ظبطه في الخلاصة بضم الجيم وفتح الهاء وفي المسند " جهمان " بتقديم الميم على الهاء ومثله في التهذيب (2) قوله: ولا يؤخذ من امة الخ كذا في الاصل، ولعل وجه العبارة " ولا يؤخذ من امة مال خلع الا باذن سيدها " وانظر.
كتبه مصححه.
(3) قوله: قال فقد قال الخ كذا في النسخ التي انفردت بهذه الزيادة، ولعل فيها سقطا، فانظر.(5/123)
آخر الآيتين وقال الله تبارك وتعالى (للذين يؤلون من نسائهم) الآية وقال (والذين يظاهرون منكم من نسائهم) الآية وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال عزوجل (ولهن الربع مما تركتم) أفرأيت لو قذفها أيلاعنها؟ أو آلى منها أيلزمه الايلاء؟ أو تظاهر منها أيلزمه الظهار أو ماتت أيرثها أو مات أترثه؟ قال لا قلت ألا أن أحكام الله تبارك وتعالى هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة؟ قال نعم قلت وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة لان الله تبارك وتعالى قال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) قال نعم فقلت له كتاب الله إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها ليست بزوجة وهى خلاف قولكم أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في المختلعة بطلقها زوجها قالا لا يلزمها طلاق لانه طلق ما لا يملك وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى قول مثله فخالفت ابن عباس وابن الزبير معا وآيات من كتاب الله تعالى ما أدرى لعل أحدا لو قال مثل قولك هذا لقلت له ما يحل لك أن تتكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله ثم قلت فيها قولا لو تخاطأت فقلته كنت قد أحسنت الخطأ وانت تنسب نفسك إلى النظر قال وما هذا القول؟ قلت زعمت أنه إن قال للمختلعة أنت بتة وبرية وخلية ينوى الطلاق لم يلزمها الطلاق وهذا يلزم الزوجة وأنه إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يلزمها ما يلزم الزوجة وأنه إن قال كل امرأة له طالق ولا ينويها ولا غيرها طلق نساؤه ولم تطلق هي لانها ليست بامرأة له ثم قلت وإن قال لها أنت طالق طلقت فكيف يطلق غير امرأته.
الشقاق بين الزوجين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وإن ختفم شقاق بينهما) الآية قال الله أعلم بمعنى ما أراد من خوف الشاقق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من اهلها (1) والذي يشبة ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاهما الآية وذلك أنى وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن في نشوز المرأة
بالضرب وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن يأخذ لرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الازواج غرهما وكان يعرفهما بإبانة الازواج أن يشتبه حالاها في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق والتباين هو ما يصيران فيه من القول والفعل إلى مالا يحل لهما ولا يحسن ويمتنعان كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما ولا يعطيان حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الازواج غيرهما فإذا كان هذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن سريرة عن عبيدة عن على في هذه الآية (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من
__________
(1) قوله: والذي يشبه، إلى قوله والتباين كذا في الاصل، ونظر.
كتبه مصححه(5/124)
أهلها) ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما على فيه ولى وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال على رضى الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به قال فقول على رضى الله عنه يدل على ما وصفت من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن أالحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قلنا لو كان الحكم إلى على رضى الله عنه دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين فإن قال قائل فقد يحتمل أن يقول ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية الله إياهما حكمين كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الامام فمن سماه الله تبارك وتعالى حاكما اكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الامام انفذه عليهما أو يقول ابعثوا حكمين اي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود قلنا الظاهر ما وصفنا والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول على رضى الله عنه للزوج كذبت والله حتى تقر بمثل
الذي أقرت به يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطلاق فقال على رضى الله عنه كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق وإن رأياه ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له لا أبالى أقررت أم سكت وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة أنه سمعه يقول تزوج عقيل بن أبى طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت أصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة؟ فيسكت حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت اين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك كله فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لافرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لافرق بين شيخين من بنى عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما.
وهذا يشبه ما روى عن على رضى الله عنه، ألا ترى أن الحكمين ذهبا وابن عباس يقول أفرق بينهما ومعاوية يقول لا أفرق بينهما فلما وجداهما قد اصطلحا رجعا وذلك أن اصطلاحهما يدل على أنهما لو جاءهما فسخا وكالتهما فرجعا ولم تعد المرأة ولا الرجل إلى الشقاق علمناه (قال الشافعي) رحمه الله عليه ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ولم تكن الاولى أولى من الثانية فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين.
وإذا كان الخبر يدل على أن معنى الآية أن يجوز على الزوجين وكالة الحكمين في الفرقة والاجتماع بالتفويض إليهما دل ذلك على جواز الوكالات وكانت هذه الآية للوكالات أصلا والله أعلم.
ودل ذلك على أن للامام أن يولى الحكم دونه من ليس يليه إلا بتوليته إياه وأن يولوا الحكم في بعض الامور دون بعض لان هذا حكم خاص (قال) ولو فوضنا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الاخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد إن رأيا الجمع في الاخذ لاحدهما من صاحبه فيما يريانه صلاحا لهما إذا كان الاغلب عندهما بعد معرفة أخلاقهما ومذاهبهما أن ذلك أصلح لامرهما والاخذ من مال أحدهما لصاحبه وكان تفويض ذلك إليهما مثل الفرقة أو أولى من الفرقة بينهما فإذا جازت توليتهما لهما الفرقة جاز الاخذ بتوليتهما وعلى السلطان إن لم يرضيا بحكمين عندي أن لا يجيزهما على حكمين وأن يحكم عليهما فيأخذ لكل واحد منهما من صاحبه من
نفقة وقسم ويجبر المرأة على ما عليها وكل واحد منهما على ما يلزمه وله أن يعاقب أيهما رأى إن امتنع بقدر ما يستوجب ولو قال قائل يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا.(5/125)
حبس المرأة لميراثها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) إلى (كثيرا) (قال الشافعي) رحمه الله يقال والله أعلم نزلت في الرجل يكره المرأه فيمنعها كراهية لها حق الله في عشرتها بالمعروف ويحبسها مانعا لحقها ليرثها من غير طيب نفس منها بإمساكه إياها على المنع فحرم الله تعالى ذلك على هذا المعنى وحرم على الازواج أن يعضوا النساء ليذهبوا ببعض ما أو تين واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وإذا أتين بفاحشة مبينة وهى الزنا فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن حل ذلك إن شاء الله تعالى ولم تكن معصيتهن الزوج فيما يجب له بعير فاحشة أولى أن نحل ما أعطين من أن يعصين الله والزوج بالزنا وأمر الله في اللاتى يكرههن أزواجهن ولم يأتين بفاحشة أن يعاشرن بالمعروف وذلك بتأدية الحق وإجمال العشرة.
وقال (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا) الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف وأخبر أن الله عزوجل قد يجعل في الكره خيرا كثيرا والخير الكثير الاجر في الصبر وتأدية الحق إلى سن يكره أو التطول عليه وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها ودينها وكفاءتها وبذلها وميراث إن كان لها وتصرف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها.
الفرقة بين الازواج بالطلاق والفسخ أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال الفرقة بين الزوجين وجوه يجمعها اسم الفرقة ويفترق بها أسماء دون اسم الفرقة فمنها الطلاق، والطلاق ما ابتدأه الزوج فأوقعه على امرأته بطلاق صريح أو كلام يشبه الطلاق يريد به الطلاق، وكذلك ما جعل إلى امرأته من أمرها فطلقت نفسها أو إلى غيرها فطلقها فهو كطلاقه لانه بأمره وقع وهذا كله إذا كان الطلاق فيه من الزوج أو ممن جعله إليه الزوج واحدة أو اثنتين فالزوج يملك فيه رجعة المطلقة ما كانت في عدة منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وكذلك إن آلى من امرأته فطلق أو قال لامرأته أنت طالق البتة فحلف ما أراد إلا واحدة أو أنت خلية أو بائن أو برية فحلف ما أراد إلا واحدة فهى واحدة يملك الرجعة لا يكون من هذا شئ بائن أبدا إن كانت الزوجة مدخولا بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لى بعض الناس ما الحجة فيما قلت؟ قلت الكتاب والسنة والآثار والقياس قال: فأوجدني ما ذكرته قلت قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف) الآية وقال تعالى ذكره (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) إلى قوله (إصلاحا) وقلت أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأت على جميع الطلاق الرجعة في العدة ولم يخصص مطلقا دون مطلق ولا مطلقة دون مطلقة.
وأن الله تبارك وتعالى إذا قال (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإنما أمر بالامساك من له أن يمسك وبالتسريح من له أن يسرح قال: فما التسريح ههنا؟ قلت ترك الحبس بالرجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق وقلت له: إن هذا في غير هاتين الآيتين أيضا كهو في هاتين الآيتين قال فاذكره؟ قلت قال الله عز وجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) إلى قوله (لتعتدوا) قال فما معنى قوله (فبلغن أجلهن؟) قلت يعنى والله تعالى أعلم قاربن بلوغ أجلهن، قال وما الدليل على ذلك؟(5/126)
قلت: الآية دليل عليه لقول الله عزوجل (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) فلا يؤمر بالامساك والسراح إلا من هذا إليه ثم شرط عليهم في الامساك أن يكون بمعروف وهذه كالآية قبلها في قوله (فبلغن أجلهن) قال وتقول هذا العرب؟ قلت نعم تقول للرجل إذا قارب البلد يريده أو الامر يريده قد بلغته وتقوله إذا بلغه.
وقلت له قال الله تبارك وتعالى (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم) قال فلم قلت: إنها تكون للازواج الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة؟ فقلت له لما بين الله عزوجل في كتابه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) إلى (أن يتراجعا) قال فلم قلت في قول الله تعالى في المطلقات فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) إذا قاربن بلوغ أجلهن؟ وقلت في قول الله عزوجل في المتوفى عنها زوجها (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) هذا إذا
قضين أجلهن والكلام فيهما واحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له (بلغن أجلهن) يحتمل قاربن البلوغ وبلغن فرغن مما عليهن فكان سباق الكلام في الآيتين دليلا على فرق بينهما لقول الله تبارك وتعالى في الطلاق (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) فلا يؤمر بالامساك إلا من يجوز له الامساك في العدة (1) فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ماشئن في العدة حتى تنقضي العدة وهو كلام عربي هذا من أبينه وأقله خفاء لان الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما.
ومثل قول الله تعالى ذكره في المتوفى في قوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) حتى تنقضي عدتها فيحل نكاحها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال وما السنة فيه؟ قلت أخبرني عمى محمد بن على عن عبد الله بن على بن السائب عن نافع ابن عجيربن عبد يزيد أن ركامة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان قال: فما الاثر فيه؟ قلت: أو يحتاج مع حكم الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى غيرهما؟ فقال إن كان عندك أثر فلا عليك أن تذكره قلت أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عمرو أنه سمع محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته قال فقرأ (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) ما حملك على ذلك؟ قلت قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الوحدة لا تبت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبى سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال للتومة مثل قوله للمطلب.
أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن الليث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن رجلا من بنى زريق طلق امرأته البتة فقال له عمر: احلف فقال أتراني يا أمير المؤمنين أقع في الحرام والنساء كثير؟ فقال له احلف فحلف (قال الشافعي) أخبرنا سعيد القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء البتة فقال يدين فإن
كان أراد ثلاثا فهى ثلاث وإن أراد واحدة فهى واحدة (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج
__________
(1) قوله: فيمن ليس لهن ان يفعلن في انفسهن ما شئن في العدة، هذه زيادة انفردت بها نسخة من النسخ التي بيدنا، فليعلم اه مصححه.(5/127)
عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق البتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه فقال أما الطلاق فسنة، وأما البتة فبدعة، فأما السنة فالطلاق فأمضوها وأما البدعة فالبتة فقلدوه إياها ودينوه فيها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا: سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لا مرأته أنت خلية أو خلوت منى وقوله: أنت بريئة أو برئت منى أو يقول أنت بائنة أو بنت منى قال سواء قال عطاء أما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك وهو الطلاق قال: ابن جريج قال عطاء أما قوله أنت بريئة أو بائنة؟ فذلك ما أحدثوا فيدين فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله انت بريئة أو أنت بائنة أو خلية أو برئت منى أو بنت منى قال يدين، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت على حرام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال فما الوجوه التى ذكرت التى تكون بها الفرقة بين الزوجين؟ فقلت له كل ما حكم فيه بالفرقة وإن لم ينطق بها الزوج ولم يردها وما لو أراد الزوج أن لا توقع عليه الفرقة أوقعت فهذه فرقة لا تسمى طلاقا لان الطلاق ليس من الزوج وهو لم يقله ولم يرضه بل يريده رده ولا يرد قال: ومثل ماذا؟ قلت مثل الامة تعتق عند العبد فتختار فراقه ومثل المرأة تكون عند العنين فيؤجل سنة فلا يمس فتختار فراقه فهاتان الفرقتان وإن كانتا صيرتا للمرأتين بعلة العبودية في الزوج والعجز فيه وليس أن الزوج طلق.
ومثل ذلك أن تزوج المرأة الرجل فينتسب حرا فيوجد عبدا فتخير فتفارقه ويتزوجها الرجل فتجده أجذم أو مجنونا أو أبرص فتختار فراقه قال: أفتعد شيئا من هذا طلاقا؟ قلت لا هذا فسخ عقد النكاح لا إحداث طلاق فيها، ومثل الزوجين يسلم أحدهما ولا يسلم الآخر حتى تنقضي العدة (قال الشافعي) رحمه الله: قال وما يشبه هذا؟ قلت العبد يبتاعه فيظهر منه على عيب فيكون له رده
بالعيب ورده فسخ العقد الاول وليس استئناف بيع فيه ولا يجوز أن يستأنف بيعا بغير رضا المردود عليه وهذا كله فرقة من المرأة وفرقة المرأة بغير تمليك الزوج إياها لا تكون إلا فسخ عقدة النكاح لان الطلاق الذي جعله الله تعالى ثلاثا لا تحل النساء بعده إلا بزوج وهو إلى الرجال لا إلى النساء قال فهل من شئ فرقه غير هذا؟ قلت نعم كل ما عقد فاسدا من نكاح مثل نكاح بغير ولى ونكاح العبد بغير إذن سيده ونكاح الامة بغير إذن سيدها فكل ما وقع من النكاح كله ليس بتام يحل فيه الجماع بالعقد ويقع الميراث بين الزوجين ولا يكون لاحد فسخه زوج ولا زوجة ولا ولى فكل ما كان هكذا فالنكاح فيه فاسد يفرق العقدة ولم تعد الفرقة طلاقا ولكنه فسخ العقد، قال فهل من تفرقة غير هذا؟ قلت نعم ردة أحد الزوجين أو إسلام أحدهما والآخر مقيم على الكفر وقد حرم الله على الكافرين أن يغشوا المؤمنات وعلى المؤمنين غشيان الكوافر سوى أهل الكتاب وليس واحد منهما فراقا من الزوج هذا فسخ كله قال فهل من وجه من الفرقة غير هذا؟ قلت نعم الخلع قال فما الخلع عندك؟ فذكرت له الاختلاف فيه، قال فإن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أفيملك الرجعة؟ قلت: لا قال ولم والطلاق منه لو أراد لم يوقعه؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له يقول الله عزوجل (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) والفدية ممن ملك عليه أمره لا تكوت إلا بإزالة الملك عنه وغير جائز أن يأذن الله تعالى لها بالفدية وله أن يأخذها ثم يملك عليها أمرها بغير رضا منها ألا ترى أن كل من أخذ شيئا على شئ يخرجه من يديه لم يكن له سبيل على ما أخرج من يديه لما أخذ عليه من العوض وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس أن يأخذ من امرأته حين جاءته ولم يقل له لا تأخذ منها إلا في قبل عدتها كما أمر(5/128)
المطلق غيره ولم يسم له طلاقا يطلقها إياه ورأى رضاه بالاخذ منها فرقة، والخلع اسم مفارق للطلاق وليس المختلع بمبتدئ طلاقا إلا يجعل والمطلقون غيره لم يستجعلوا، وقلت له الذى ذهب إليه من قول الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف) الآية إنما هو على من عليه العدة لقول الله عزوجل (طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) إلى قوله (جميلا) أفرأيت إن عارضك معارض في المطلقة واحدة قبل أن يدخل بها؟ فقال إن الله قال (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وهذه مطلقة
واحدة فيمسكها ما الحجة عليه؟ قال قول الله تعالى (فبلغن أجلهن فأمسكوهن) وقوله في العدة (أحق بردهن في ذلك) فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله علمت أن الله تبارك وتعالى إنما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات وكان المفسر من القرآن يدل على معنى المجمل ويفترق بافتراق حال المطلقات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له فما منعك من هذه الحجة في المختلعة وقد فرق الله تبارك وتعالى بينهما بأن جعلها مفتدية وبأن هذا طلاق بمال يؤخذ وبأن المسلمين لم يختلفوا في أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة ملك الرجعة وإن قال لها أنت طالق واحدة على شئ يأخذه لم يملك الرجعة؟ قال هذا هكذا لانه إذا تكلم بكلمة واحدة فلا يجوز أن أجعل ما أخذ عليه مالا كمن لم يأخذ المال.
والحجة فيه ما ذكرت من أن من ملك شيئا بشئ يخرج منه لم يكن له على ما خرج منه سبيل كما لا يكون على ما في يديه مما أخرجه إليه مالكه لمالكه الذي أخرجه إليه سبيل (قال الشافعي) رحمه الله: قال فأوجدني اللفظ الذي يكون فراقا في الحكم لا تدينه فيه! قلت له: هو قول الرجل أنت طالق أو قد طلقتك أو أنت سراح أو قد سرحتك أو قد فارقتك، قال فمن أين قد فرقت بين هؤلاء الكلمات في الحكم وبين ما سواهن وأنت تدينه فيما بينه وبين الله فيهن كما تدينه في غيرهن؟ قلت: هؤلاء الكلمات التى سمى الله تبارك وتعالى بهن الطلاق فقال (إذا طلقتم النساء) وقال (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال عزوجل (فمتعوهن وسرحوهن) الآية فهؤلاء الاصول وما أشبهن مما لم يسم طلاقا في كتاب ولا سنة ولا أثر إلا بنيته فإن نوى صاحبه طلاقا مع قول يشبه الطلاق كان طلاقا وإن لم ينوه لم يكن طلاقا.
الخلاف في الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال: إنا نوافقك في معنى ونخالفك في معنى، فقلت فاذكر المواضع التى تخالفنا فيها، قال تزعم أن من قال لامرأته أنت طالق فهو يملك الرجعة إلا أن يأخذ جعلا على قوله أنت طالق، قلت هذا قولنا وقول العامة، قال وتقول إن قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة أو كلمة غير تصريح الطلاق فلم يرد بها طلاقا فليس بطلاق قلت وهذا قولى، قال وتزعم انه إن أراد بهذا الذي ليس بصريح الطلاق الطلاق وأراد واحدة كانت واحدة بائنة وكذلك إن قال
واحدة شديدة أو غليظة إذا شدد الطلاق بشئ فقلت له: أفقلت هذا خيرا أو قياسا؟ فقال قلت بعضه خبرا وقست ما بقى منه على الخبر بها (قال الشافعي) رحمه الله قلت ما الذي قلته خبرا وقست
__________
(1) قوله: وانت تدينه الخ هكذا في جميع النسخ ولعل النافي قبل الفعل سقط من قلم الناسخ فانظر كتبه مصححه.
(2) ولعل هنا نقصا اختلط به كلام الشافعي بكلام المخالف كما يظهر من قوله بعد " فقلت له أفقلت هذا خيرا أو قياسا " فانظر.(5/129)
ما بقى منه على الخير؟ قال: روينا عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال في الرجل يخير أمرأته أو يملكها إن اختارته فتطليقة يملك فيها الرجعة وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة قلت أرويت عن على رضى الله تعالى عنه أنه جعل البتة ثلاثا؟ قال نعم، قلت: أنت تخالف ما رويت عن على قال وأين؟ قلت أنت تقول إذا اختارت المرأة المملكة أو التي جعل أمرها بيدها زوجها فلا شئ قال نعم فقلت قد رويت عنه حكما واحدا خالفت بعضه ورويت عنه أيضا أنه فرق بين البتة والتخيير و التمليك فقلت في ألبتة نيته فإن أراد واحدة فواحدة بائن وهو يجعلها ثلاثا، فكيف زعمت أنك جعلت ألبتة قياسا على التخيير والتمليك وهما عندك طلاق لم يغلظ وألبتة طلاق قد غلظ؟ فكيف قست أحدهما بالآخر وعلى رضى الله تعالى عنه يفرق بينهما وهو الذي عليه أصلك زعمت اعتمدت؟ قال فإنى إنما قلت في ألبتة بحديث ركانة فقلت له أليس جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبتة في حديث ركانة واحدة يملك الرجعة وأنت تجعلها بائنا؟ فقال قال شريح نقفه عند بدعته فقلت ونحن قد وقفناه عند بدعته فلما أراد واحدة جعلناها تملك الرجعة كما جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وأنت رويت عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألبتة واحدة ويملك الرجعة أو ثلاثا فخرجت من قولهم معا بتوهم في قول شريح وشريح رجل من التابعين ليس لك عند نفسك ولا لغيرك أن يقلده ولا له عندك أن يقول مع أحد من أصحاب رسول الله صلى الله وعليه وسلم ومن قال في ألبتة ثلاثا فإنه يذهب إلى الذي يغلب على القلب أنه إذا نطق بالطلاق ثم قال ألبتة فإنما أراد الابتات والذي ليست بعده رجعة وهو ثلاث ومن قال ألبتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها ذهب فيما نرى والله تعالى أعلم إلى أن ألبتة كلمة تحتمل أكثر
الطلاق، وإن يقول ألبتة يقينا كما تقول لا آتيك البتة وأذهب ألبتة وتحتمل صفة الطلاق فلما احتملت معاني لم نستعمل عليه معنى يحتمل غيره ولم تفرق بينه وبين أهله بالتوهم وجعلنا ما أحتمل المعاني (1) يقابله وقولك كله خارج من هذا مفارق له قال فإنا قد روينا عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه لا يكون طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء فقلنا قد خالفته فجعلت كثيرا من الطلاق بائنا سوى الخلع والايلاء وقلت له أرأيت لو أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولك في ألبتة وروينا عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يخالفه أفى رجل أو رجال من أصحابه حجة معه؟ قال لا قلنا فقد خالفت ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألبتة وخالفت أصحابه فلم تقل بقول واحد منهم فيها وقلت له أو يختلف عندك قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة وخلية وبرية وبائن وما شدد به الطلاق أو كنى عنه وهو يريد الطلاق؟ فقال لا كل هذا واحد قلت فإن كان كل واحد من هذا عندك في معنى واحد فقد خالفت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في معناه ثم قلت فيه قولا متناقضا قال وأين؟ قلت زعمت أنه إن قال لامرأته أنت طالق واحدة غليظة أو شديدة كانت بائنا وإن قال هلا أنت طالق واحدة طويلة كان يملك الرجعة وكلتا الكلمتين صفة التطليقة وتشديد لها فكيف كان يملك في إحداهما الرجعة ولا يملكها في الاخرى؟ أرأيت لو قال لك قائل إذا قال طويلة فهى بائن لان الطويلة ما كان لها منع الرجعة حتى يطول ذلك وغليظة وشديدة ليست كذلك فهو يملك الرجعة أما كان أقرب بما فرق إلى الصواب منك؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له لقد خالفت في هذا القول معاني الآثار مع فراقك معاني القرآن والسنة (2) والآثار والقياس قال فمن أصحابك من يقول لا (هامش (1) قوله: يقابله، كذا في النسخ، وانظر (2) قوله " والآثار " لعلها مكررة مع " الآثار " " الاولى "، كتبه مصححه(5/130)
أثق به في الطلاق قلت أولئك خالفونا وإياك فإن قلت بقولهم حاججناك وإن خالفتهم فلا تحتج بقول من لا تقول بقوله.
انفساخ النكاح بين الامة وزوجها العبد إذا عتقت
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت كانت في بريرة ثلاث سنن وكان في إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الامة تكون تحت العبد فتعتق أن لها الخيار ما لم يمسها فإذا مسها فلا خيار لها أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدى بن كعب يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهى أمة يومئذ فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتنى فقالت: إنى مخبرتك خيرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا نأخذ في تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة حين عتقت في المقام مع زوجها أو فراقه دلائل منها أن الامة إذا عتقت عن عبد كان لها الخيار في المقام معه أو فراقه وإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار للامة دون زوجها فإنما جعل لها الخيار في فسخ العقدة التي عقدت عليها وإذا كانت العقدة تنفسخ فليس الفسخ بطلاق إنما جعل الله الطلاق المعدود على الرجال ما طلقوهم فأما ما فسخ عليهم فذلك لا يحتسب عليهم والله تعالى أعلم لانه ليس بقولهم ولا بفعلهم كان (قال) وفي الحديث دلالة على أن الملك يزول عن الامة المزوجة وعقد النكاح ثابت عليها إلا أن تفسخه حرية أو اختيار في العبد خاصة وهذا يرد على من قال بيع الامة طلاقها لانه إذا لم يكن خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إياه بالعتق يخرجها من نكاح الزوج كان خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إلى رق كرقه أولى أن لا يخرجها ولا يكون لها خيار إذا خرجت إلى الرق وبريرة قد خرجت من رق مالكها إلى ملك عائشة رضى الله تعالى عنها ومن ملك عائشة إلى العتق فجمعت الخروجين من الرق إلى الرق ومن الرق إلى العتق ثم خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما قال ولا يكون لها الخيار إلا بأن تكون عند عبد فأما عند حر، فلا.
الخلاف في خيار الامة (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس في خيار الامة فقال تخير تحت العبد وقالوا روينا عن عائشة رضى الله عنها أن زوج بريرة كان حرا قال فقلت له رواه عروة عن القاسم عن عائشة رضى الله عنها أن
زوج بريرة كان عيدا وهما أعلم بحديث عائشة من رويت هذا عنه قال فهل تروون عن غير عائشة أنه كان عبدا؟ فقلت هي المعتقة وهى أعلم به من غيرها وقد روى من وجهين قد ثبت أنت ما هو أضعف منهما ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما قال فاذكرهما قلت أخبرنا سفيان عن أيوب عن مكرمة عن ابن عباس أنه ذكر عنده زوج بريرة فقال كان ذلك مغيث عبد بنى فلان كأنى أنظر إليه يتبعها في الطريق وهو يبكى أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن زوج بريرة(5/131)
كان عبدا قال فقال فلم تخير تحت العبد ولا تخير تحت الحر؟ فقلت له لاختلاف حالة العبد والحر قال وما اختلافها؟ قلت له الاختلاف الذي لم أر أحدا يسأل عنه قال وما ذاك؟ قلت إذا صارت حرة لم يكن العبد لها كفؤا لنقصه عنها ألا ترى أنه لا يكون وليا لبنته يزوجها ألا ترى أنه يوجب بالنكاح على الناكح أشياء لا يقدر العبد على كمالها ويتطوع الزوج الحر على المرأة بأشياء لا يقدر العبد على كمالها؟ ومنها أن المرأة ترث زوجها ويرثها والعبد لا يرث ولا يورث ومنها أن نفقة ولد الحر عليه من الحرة ومنها أن عليه أن يعدل لامرأته وسيد العبد قد يحول بينه وبين العدل عليها ومنها أشياء يتطوع لها بها من المقام معها جل نهاره ولسيد العبد منعه من ذلك مع أشباه لهذا كثيرة يخالف فيها الحر العبد (قال الشافعي) رحمه الله فقال أنا إنما ذهبنا في هذا إلى أن خيار الامة تحت الحر والعبد أنها نكحت وهى غير مالكة لامرها ولما ملكت أمرها كان لها الخيار في نفسها فقلت له أرأيت الصبية يزوجها أبوها فتبلغ قبل الدخول أو بعده أيكون لها الخيار إذا بلغت؟ قال لا قلت فإذا زعمت أنك إنما خيرتها لان العقدة كانت وهى لا خيار لها فإذا صار الخيار لها اختارت لها اختارت لزمك هذا في الصبية يزوجها أبوها قال فإن افترق بينها وبين الصبية؟ قلت أو يفترقان؟ قال نعم قلت فكيف تقيسها عليها والصبية وارثة موروثة وهذه غير وارثة ولا موروثة بالنكاح ثم تقيسها عليها في الخيار التي فارقتها فيه؟ قال إنهما وإن افترقا في بعض أمرهما فهما يجتمعان في بعضه قلت وأين؟ قال الصبية لم تكن يوم تزوجت ممن لها خيار للحداثة قلت وكذلك الامة للرق قال فلو كانت حرة كان لها الخيار؟ قلت وكذلك لو كانت الصبية بالغة قال فهي لا تشبهها قلت فكيف تشبهها بها وأنت تقول إذا بلغت الصبية لم يزوجها أبوها إلا برضاها وهو يزوج أمته بغير رضاها؟ قال
فأشبهها بالمرأة تزوج وهى لا تعلم أن لها الخيار إذا علمت قلت هذا خطأ في المرأة هذه لا نكاح لها ولو كان ما قلت كما قلت كنت قد قستها على ما يخالفها قال وأين مخالفها؟ قلت أرأيت المرأة تنكح ولا تعلم ثم تموت قبل أن تعلم أيرثها زوجها أو يموت أترثه؟ قال ولا يحل له جماعها قبل أن تعلم؟ قال لا قلت أفتجد الامة يزوجها سيدها هل يحل سيدها جماعها؟ قال نعم قلت وكذلك بعدما تعتق ما لم تختر فسخ النكاح قال نعم قلت ولو عتقت فماتت ورثها زوجها؟ قال نعم قلت ولو مات ورثته؟ قال نعم قلت أفتراها تشبه واحدة من الاثنتين التين شبهتهما بها؟ قال فما حجتك في الفرق بين العبد والحر؟ قلت ما وصفت لك فإن أصل النكاح كان حلالا جائزا فلم يحرم النكاح بتحول حال المرأة إلى أحسن ولا أسوأ من حالها الاول إلا بخبر لا يسع خلافه فلما جاءت السنة بتخيير بريرة وهى عند عبد قلنا به اتباعا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ألزمنا الله اتباعه حيث قالو قلنا الحر خلاف العبد لما وصفنا وأن الامة إذا خرجت إلى الحرية لم تكن أحسن حالا منه أكثر ما فيها أن تساويه وهو إذا كان مملوكا فعتقت خرجت من مساواته قال وكيف لم تجعلوا الحر قياسا على العبد؟ فقلت وكيف نقيس بالشئ خلافه؟ قال: إنهما يجتمعان في معنى انهما زوجان قلت ويفترقان في أن حالهما مختلفة قال فلم لا تجمع بينهما حيث يجتمعان؟ قال قلت افتراقهما أكثر من اجتماعهما والذي هو أولى بى إذا كان الاكثر من أمرهما الافتراق أن يفرق بينهما ونحن نسألك قال سل قلت ما تقول في الامة إذا أعتقت تخير؟ قال نعم قلت فإن بيعت تخير؟ قال لا قلت ولم وقد زال رق الذي زوجها فصار في حاله هذه لو ابتدأ نكاحها لم يجز كما لو أنكحها حرة بغير إذنها لم يجز؟ قال هما وإن اجتمعا في أن ملك المنكح زائل عن المنكحة فحال الامة المنكحة مختلفة في أنها انتقلت من رق إلى رق وهى في العتاقة انتقلت من رق إلى حرية.
قلت ففرقت بينهما إذا افترقا في معنى وإن اجتمعا في آخر؟ قال نعم قلت فتفريقي بين الخيار في عبد وحر(5/132)
أكثر مما وصفت وأصل الحجة فيه ما وصفت من أن النكاح كان حلالا وما كان حلالا لم يجز تحريمه ولا فسخه إلا بسنة ثابتة أو أمر أجمع الناس عليه فلما كانت السنة في تخيير الامة إذا عتقت عند عبد لم نعد ما روينا من السنة ولم يحرم النكاح إلا في مثل ذلك المعنى وإنما جعل للامة الخيار في التفريق والمقام،
والمقام لا يكون إلا والنكاح حلال (1) إلا أن الخيار إنما يكون عندنا والله تعالى أعلم لنقص العبد عن الحرية والعلل التي فيه التي قد يمنع فيها ما يحب وتحب امرأته.
اللعان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) الآية وقال تعالى (والذين يرمون أزواجهم) إلى (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن دل ذلك على أن الله إنما أراد بقوله (والذين يرمون المحصنات) الآية القذفة غير الازواج وكان القاذف الحر الذمي والعبد المسلم والذمى إذا قذفوا الحرة المسلمة جلدوا الحد معا فجلدوا الحر حد الحر والعبد حد العبد وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من لم يحد حده إن لم يحرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة لان الآية عامة على المقذوفة كانت الآية في اللعان كذلك والله تعالى أعلم عامة على الازواج القذفة فكان كل زوج قاذف يلاعن أو يحد إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن الان على من قذفها إذا لم يكن لها حد تعزيزا وعليها حد إذا لم تلتعن بكل حال لانه لا افتراق بين عموم الآيتين معا وكما جعل الله الطلاق إلى الازواج قال (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) وقال عزوجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) فكان هذا عاما للازواج والنساء لا يخرج منه زوج مسلم حر ولا عبد ولا ذمى حر ولا عبد فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة (وقال) فيما حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا عن بين أخوى بنى العجلان ولم يتكلف أحد حكاية حكم النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان أن يقول قال للزوج قل كذا ولا للمرأة قولى كذا إنما تكلفوا حكاية جملة اللعان دليل على أن الله عزوجل إنما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعين بما حكم الله عزوجل في القرآن وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه (قال) فإذا لا عن الحاكم بين الزوجين وقال للزوج قل (أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا) ثم ردها عليه حتى يأتي بها أربع مرات فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره وقال (اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك (إن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين فيما
رميتها به من الزنا) موجبة يوجب عليك اللعنة إن كنت كاذبا فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان وينبغى أن يقول للزوجة فتقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا حتى تقولها أربعا فإذا أكملت أربعا وقفها وذكرها وقال (اتقى الله واحذري أن تبوئى بغضب الله فإن قولك: على غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة فإن مضت فقد فرغت مما عليها وسقط الحد عنهما وهذا الحكم عليهما
__________
(1) قوله: الا ان الخيار، هكذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(5/133)
والله ولى أمرهما فيما غاب عما قالا فإن لاعنها بإنكار ولد أو حبل فال أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن ولدها هذا أو حبلها هذا إن كان حبلا لمن زنا ما هو منى ثم يقولها في كل شهادة وفي قوله وعلى لعنة الله حتى تدخل مع حلفه على صدقه على الزنا لانه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو ولد ينفيه فلما ذكر الله عزوجل الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه لانه متجرئ على النفي وعلى الشهادة بالله تعالى باطلا ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن وعلى ان يدعو بلعنة الله فينبغي للوالى إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يفقههما نظرا لهما استدلالا بالكتاب والسنة * أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلا أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال إنها موجبة أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدى الانصاري فقال له يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لى يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا
أنتهى حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها) فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك و قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين (قال الشافعي) رحمه الله سمعت إبراهيم بن سعد بن إبراهيم يحدث عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره قال جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدى الانصاري فقال: يا عاصم بن عدي سل لى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا ايقتله فيقتل به ام كيف يصنع؟ فسال عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر فقال ما صنعت؟ قال صنعت أنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر والله لاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاسألنه فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه فيهما فدعاهما فلا عن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب فصارت سنة في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الاليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا) قال فجاءت به على النعت المكروه (قال الشافعي) رحمه الله الوحرة دابة تشبه الوزغ أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن جاءت به أشقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو للذى يتهمه) فجاءت به أديعج أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين مثل معنى حديث مالك وابراهيم فلما انتهى إلى فراقها(5/134)
قال في الحديث ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها فمضت سنة المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا كذب
عليها وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها) فجاءت به على الامر المكروه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخ بنى ساعدة أن رجلا من الانصار جاء إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله عزوجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتالعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد فضى فيك وفي امرأتك) فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت السنة بعد فيهما أن يفرق بين المتلاعنين قال فكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في حديث ابن أبى ذئب دليل على أن سهل بن سعد قال فكانت سنة المتلاعنين وفي حديث مالك وإبراهيم كأنه قول ابن شهاب وقد يكون هذا غير مختلف يقوله مرة ابن شهاب ولا يذكر سهلا ويقوله أخرى ويذكر سهلا ووافق ابن أبى ذئب إبراهيم بن سعد فيما زاد في آخر الحديث على حديث مالك وقد حدثنا سفيان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال شهدت المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ثم ساق الحديث ولم يتقنه إتقان هؤلاء أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن يحيى ابن سعيد حدثه عن القاسم بن محمد عن ابن عباس أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: والله مالى عهد بأهلى منذ عفار النخل وعفارها أنها إذا كانت تؤبر تعفر أربعين يوما ولا تسقى إلا بعد الابار قال فوجدت مع امرأتي رجلا قال وكان زوجها مصفرا حمش الساقين سبط الشعر والذي رميت به خدلا إلى السواد جعدا قططا مستها (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بين) ثم لاعن بينهما فجاءت برجل يشبه الذي رميت به أخبرنا ابن عيينة عن أبى الزناد عن القاسم بن محمد قال شهدت ابن عباس رضى الله عنهما يحدث بحديث المتلاعنين قال فقال له رجل أهى التى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت راجما احدا بغير بينة رجمتها؟) فقال ابن عباس لا؟ تلك امرأة كانت قد أعلنت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد ابن الهاد عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث عن محمد بن كعب القرظى قال المقبري وحدثني أبو هريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت آية المتلاعنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أدخلت على قوم من
ليس منهم فليست من الله في شئ ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه به على رؤوس الاولين والآخرين) وسمعت ابن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين (حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها) قال يا رسول الله مالى قال (لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه) (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان قال هكذا بأصبعه المسبحة والوسطى فقرنهما الوسطى والتى تليها يعنى المسبحة قال (الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) (أخبرنا) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لا عن امرأته
__________
(1) قوله: مستها، بضم فسكون ففتح، قال في اللسان اراد به ضخم الاليتين.
كتبه مصححه(5/135)
في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة (قال الشافعي) ففى حكم اللعان في كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل واضحة ينبغى لاهل العلم ان ينتدبوا بمعرفته ثم يتحروا أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيره على أمثاله (1) فهو دون الفرض وتنقى عنهم الشبه التى عارض بها من جهل لسان العرب وبعض السنن وغبى عن موضع الحجة منها أن عويمرا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل.
وذلك أن عويمرا لم يخبره أن هذه المسألة كانت، وقد أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يكن فحرم من أجل مسألته) وأخبرا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه قال الله عز وجل (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) إلى قوله (بها كافرين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كانت المسائل فيها فيما لم ينزل إذا كان الوحى ينزل بمكروه لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره فيما في معناه وفي معناه كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرم فإن
حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حرم أبدا إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه أو ينسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سنة لسنة.
وفيه دلائل على أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة بما وصفت وغيره من افتراض الله تعالى طاعته في غير آية من كتابه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم مما قد وصفت في غير هذا الموضع، وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وردت عليه هذه المسألة وكانت حكما وقف عن جوابها حتى أتاه من الله عز وجل الحكم فيها فقال لعويمر (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك) فلا عن بينهما كما أمر الله تعالى في اللعان ثم فرق بينهما وألحق الولد بالمرأة ونفاه عن الاب وقال له (لا سبيل لك عليها) ولم يردد الصداق على الزوج فكانت هذه أحكاما وجبت باللعان ليست باللعان بعينه فالقول فيها واحد من قولين، أحدهما أنى سمعت ممن أرضى دينه وعقله وعلمه يقول إنه لم يقض فيها ولا غيرها إلا بأمر الله تبارك وتعالى قال: فأمر الله إياه وجهان أحدهما وحى ينزله فيتلى على الناس والثانى رسالة تأتيه عن الله تعالى بأن افعل كذا فيفعله ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله تبارك وتعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) فيذهب إلى أن الكتاب هو ما يتلى عن الله تعالى والحكمة هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بيت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عزوجل لا زواجه (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) ولعل من حجته أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي الزانى بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم (والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله عز ذكره أما إن الغم والخادم رد عليك وإن امرأته ترجم إذا اعترفت) وجلد ابن الرجل مائة وغربه عاما، ولعله يذهب إلى أنه إذا انتظر الوحى في قضية لم ينزل عليه فيها انتظره كذلك في كل قضية وإذا كانت قضية أنزل عليه كما أنزل في حد الزانى (2) وقضاها على ما أنزل عليه وإذا ما أنزلت
__________
(1) قوله: فهو دون، هكذا في النسخ، ولعلها محرفة، والاصل " فيؤدون " فانظر (2) قوله: وقضاها الخ هكذا في النسخ على ما في بعضها من تحريف وزيادة ونقص وعدم نقط، ولعل الواو قبل قضاها زائدة فانظر.
كتبه مصححه(5/136)
عليه جملة في تبين عن الله يمضى معنى ما أراد معرفة الوحى المتلو والرسالة إليه التي تكون بها سنته لما يحدث في ذلك المعنى بعينه (وقال غيره) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان: أحدهما ما تبين مما في كتاب الله المبين عن معنى ما أراد الله بحمله خاصا وعاما، والاخر ما ألهمه الله من الحكمة وإلهام الانبياء وحى ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله عزوجل فيما يحكى عن إبراهيم (إنى أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الانبياء وحى لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه (يا أبت افعل ما تؤمر) ومعرفته أن رؤياه أمر أمر به وقال الله تبارك وتعالى لنبيه (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) إلى قوله (في القرآن) (وقال غيرهم) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحى وبيان عن وحى وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته وخصه به من نبوته وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه (قال) وليس تعدو السنن كلها واحدا من هذا المعاني التي وصفت باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم وأيها كان فقد ألزم الله تعالى خلقه وفرض عليهم اتباع رسوله فيه، وفي انتظار النبي صلى الله عليه وسلم الوحى في المتلاعنين حتى جاءه فلا عن ثم سن الفرقة وسن نفى الولد ولم يرد الصداق على الزوج وقد طلبه دلالة على أن سنته لا تعدو واحدا من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم بأنها تبين عن كتاب الله إما برسالة من الله أو الهام له وإما بأمر جعله الله إليه لموضعه الذى وضعه من دينه وبيان الامور منها أن الله تعالى أمره أن يحكم على الظاهر ولا يقيم حدا بين اثنين إلا به لان الظاهر يشبه الاعتراف من المقام عليه الحد أو بينة ولا يستعمل على أحد في حد ولا حق وجب عليه دلالة على كذبه ولا يعطى أحدا بدلالة على صدقه حتى تكون الدلالة من الظاهر في العام لا من الخاص فإذا كان هذا هكذا في أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من بعده من الولاة أولى أن لا يستمل دلالة ولا يقضى إلا بظاهر أبدا فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قلنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين (إن أحدكما كاذب) فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا أن أخرجهما من الحد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن جاءت به أحيمر فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد صدق) فجاءت به على النعت المكروه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين لولا ما حكم
الله) (1) فأخبر أن صدق الزوج على الملتعنة بدلالة على صدقه وكذبه بصفتين فجاءت دلالة على صدقه فلم يستعمل عليها الدلالة وأنفذ عليها ظاهر حكم الله تعالى من ادراء الحد واعطائها الصداق مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين لولا ما حكم الله) وفي مثل معنى هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) فأخبر أنه يقضى على الظاهر من كلام الخصمين وإنما يحل لهما ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله على ما يعلمان، ومن مثل هذا المعنى من كتاب الله قول الله عزوجل (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله (الكاذبون) فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم بما أظهروا من الاسلام وأقرهم على المناكحة والموارثة وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار) وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة والحكم بالظاهر
__________
(1) فاخبر ان صدق الخ، كذا في الاصل وحرر.(5/137)
من القول أو البينة أو الاعتراف أو الحجة ودل أن عليهم أن ينتهوا إلى ما انتهى بهم إليه كما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين إلى ما انتهى به إليه ولم يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الله وأمضاه على الملاعنة بما ظهر له من صدق زوجها عليها بالاستدلال بالولد أن يحدها حد الزانية فمن بعده من الحكام أولى أن لا يحدث في شئ لله في حكم ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم غير ما حكما به بعينه أو ما كان في معناه وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولا إلا من وجه لزم من كتاب الله أو سنة أو إجماع فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثل معناه ولا يكون لهم والله أعلم أن يحدثوا حكما ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه ولما حكم الله على الزوج يرمى المرأة باللعان ولم يستثن إن سمى من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرمى بالمرأة والتعن العجلاني استدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن للرجل الذى رماه بامرأته عليه حد ولو كان أخذه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى
المرمى فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا للامام إذا رمى رجل رجلا بزنا أوحد أن يبعث إليه ويسأله عن ذلك لان الله عزوجل يقول (ولا تجسسوا) (قال) وإن شبه على أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث انيسا إلى امرأة رجل فقال (إن اعترفت فارجمها) فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها لزمه الحد إن لم تقر وسقط عنه إن أقرت ولزمها فلا يجوز والله أعلم أن يحد رجل لامرأة ولعلها تقرب ما قال ولا يترك الامام الحد لها وقد سمع قذفها حتى تكون تتركه فلما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه يطلب حده لم يؤخذ له الحد في القذف الذي يطلبه المقذوف بعينه لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما سأل المقذوفة والله أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا، ولم يلتعن الزوج ولو أقرت بالزنا لم يحد زوجها ولم يلتعن وجلدت أو رجمت وإن رجعت لم تحد لان لها فيما أقرت به من حد الله عزوجل الرجوع ولم يحد زوجها لانها مقرة بالزنا ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين لانه لا يحضر أمرا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستره ولا يحصره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لانه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله عز وجل في الزانيين (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال سهل بن سعد في حديثه فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبى ذئب وابن جريج في حديث سهل وكانت سنة المتلاعنين وقال ابن شهاب في حديث مالك وإبراهيم بن سعد فكانت سنة المتلاعنين فاحتمل معنيين أحدهما أنه إن كان طلقها قبل الحكم فكان ذلك إليه لم يكن اللعان فرقة حتى يجددها الزوج ولم يجبر الزوج عليها، وقد روى عن سعيد بن المسيب مثل معنى هذا القول ولو كان هذا هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيب على المطلق ثلاثا أن يطلقها لانه لو لم يكن له أن يطلقها إلا واحدة قال لا تفعل مثل هذا والله أعلم فسئل وإذ لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلاق ثلاثا بين يديه فلو كان طلاقه إياها كصمته عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان اللعان فرقة فجهله المطلق ثلاثا أشبه والله أعلم
أن يعلمه أنه ليس له أن يطلق ثلاثا في الموضع الذي ليس له فيه الطلاق ويحتمل طلاقه ثلاثا أن يكون بما وجد في نفسه بعلمه بصدقه وكذبها وجراءتها على اليمين طلقها ثلاثا جاهلا بأن اللعان فرقة فكان(5/138)
كمن طلق من طلق عليه بغير طلاقه وكمن شرط العهدة في البيع والضمان والسلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط فإن قال قائل ما دل على أن هذا المعنى أولى المعاني به؟ قيل قال سهل بن سعد وابن شهاب ففارقها حاملا فكانت تلك سنة المتلاعنين فمعنى قولهما الفرقة لا أن سنة المتلاعنين أنه لا تقع فرقة إلا بطلاقه ولو كان ذلك كذلك لم يكن عليه أن يطلق وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرق بين المتلاعنين وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم، فإن قال قائل هذان حديثان مختلفان فليسا عندي مختلفين وقد يكون ابن عمر شهد متلاعنين غير المتلاعنين اللذين شهدهما سهل وأخبر عما شهد وأخبر سهل عما شهد فيكون اللعان إذا كان فرقة بطلاق الزوج وسكوته سواء أو يكون ابن عمر شهد المتلاعنين اللذين شهد سهل فسمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم أن اللعان فرقة فحكى أنه فرق بين المتلاعنين سمع الزوج طلق أو لم يسمعه وذهب على سهل حفظه أو لم يذكره في حديثه وليس هذا اختلافا هذا حكاية لمعنى بلفظين مختلفين أو مجتمعي المعنى مختلفي للفظ أو حفظ بعض ما لم يحفظ من حضر معه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين (حسابكما على الله أحدكما كاذب) دل على ما وصفت في أول المسألة من أنه يحكم على ما ظهر له الله ولى ما غاب عنه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا سبيل لك عليها) استدللنا على أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا إذا لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكذب نفسك أو تفعل كذا أو يكون كذا كما قال الله تبارك وتعالى في المطلق الثالثة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) واستدللنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد وقد قال عليه الصلاة والسلام (الولد للفراش) ولا يجوز أن ينفى الولد والفراش ثابت فإن قال قائل فيزرك الفراش عند النفى ويرجع إذا أقر به قيل له لما سأل زوج المرأة الصداق الذي أعطاها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد
لك منها أو منه) دل ذلك على أن ليس له الرجوع بالصداق الذي قد لزمه بالعقد والمسيس مع العقد وكانت الفرقة من قبله جاءت فإن قال قائل على أن الفرقة جاءت من قبله وقد رماها بالزنا قيل له قد كان يحل له المقام معها وإن زنت وقد يمكن أن يكون كذب عليها فالفرقة به كانت لانه لم يحكم عليه بها إلا بقذفه والتعانه وإن كانت هي لها سببا كما يكون سببا للخلع فيكون من قبله من قبل أنه لو شاء لم يقبل الخلع والملاعن ليس بمغرور من نكاح فاسد ولا بحرام وما أشبهه يرجع بالمهر على من غره وما قال ابن جريج في حديث سهل الذي حكى فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين أنها كانت حاملا فأنكر حملها فكان ولدها ينسب إلى أمه دل ذلك على معان منها قد شبه على بعض من نسب إلى العلم فيها أنه رماها بالزنا ورميه إياها بالزنا يوجب عليه الحد أو اللعان ومنها أنه أنكر حملها فلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بالرمي بالزنا وجعل الحمل إن كان منفيا عنه إذ زعم أنه من الزنا وقال إن جاءت به كذا فهو للذى يتهمه فجاءت به على ذلك النعت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فلو أن رجلا قال لامرأته وهى ترى أنها حبلى ما هذا الحمل منى قيل له أردت أنها زنت؟ فإن قال لا وليست بزانية ولكني لم أصبها قيل له فقد يحتمل أن يخطئ هذا الحبل فتكون صادقا وتكون غير زانية فلا حد ولا لعان حتى تضع فإذا استيقنا أنه حبل قلنا ما أردت، فإن قال كما قال أول مرة قلنا قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحبل منك فتكون أنت صادقا في الظاهر بأنك لم تصبها وهى(5/139)
صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت ونفيت الولد أو حددت ولا يلاعن بحمل لا قذف معه (1) لانه قد يكون حملا وقد ذهب بعض من نظر في العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن بالحمل وإنما لاعن بالقذف ونفى الولد إذا كان من الحمل الذي به القذف ولما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد عن العجلاني بعدما وضعته أمه وبعد تفريقه بين المتلاعنين استدللنا هذا الحكم وحكم أن الولد للفراش على أن الولد لا ينفى إلا بلعان وعلى أنه كان للزوج نفيه وامرأته عنده وإذا لاعنها كان له نفى ولدها وإن جاءت به بعد ما يطلقها ثلاثا لانه بسبب النكاح المتقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاه يوم نفاه وليست له بزوجة ولكنه من زوجة كانت وبإنكار متقدم له (قال) وسواء قال رأيت فلانا
يزنى بها أو لم يسمه فإذا قذفها بالزنا وادعى الرؤية للزنا أو لم يدعها أو قال استبرائها قبل أن تحمل حتى علمت أن الحمل ليس منى أو لم يقله يلاعنها في هذه الحالات كلها وينفى عنه الولد إذا أنكره فيها كلها إلا في خصلة واحدة، وهى في أن يذكر أنها زنت في وقت من الاوقات لم يرها تزني قبله ببلد لاقل من ستة أشهر من ذلك الوقت فيعلم أنه ابنه وأنه لم يدع زنا يمكن أن يكون هذا الحبل منه إنما ينفى عنه إذا ادعى ما يمكن أن يكون من غيره بوجه من الوجوه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: الرجل يقذف امرأته وهو يقر بأنه قد أصابها في الطهر الذى رأى عليها فيه ما رأى أو قبل ان يرى عليها ما رأى أي قال يلاعنها ولولد لها (قال ابن جريج) قلت لعطاء أرأيت إن نفاه بعد أن تضعه؟ قال يلاعنا والولد لها (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا كله نقول وهو معنى الكتاب والسنة إلا أن يقر بحملها فلا يكون له نفيه بعد الاقرار به أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدى إليه قال يلاعنها والولد لها (قال) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمر وابن دينار أنه قال يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن تهدى إليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج في الرجل يقول لا مرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها قال يلاعنها وبهذا كله نأخذ وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم إلى أنه ينفى الولد إذا قال قد استبرأتها فكأنه إنما ذهب إلى نفى الولد عن العجلاني إذ قال لم أقربها منذ كذا وكذا ولسنا نقول بهذا نحن ننفي الولد عنه بكل حال إذا أنكره فيما يمكن أن يكون من غيره فإن قال قائل آخذ بالحديث على ما جاء قيل له فالحديث على أن العجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصب هو امرأته منذ أشهر صلى الله عليه وسلم العلامة التى تثبت صدق الزوج في الولد أفرأيت إن قذف الرجل امرأته ولم يسم من أصابها ولم يدع رؤيته؟ فإن قال يلاعنها قيل له أفرأيت إن أنكر الحمل ولم ير الحاكم فيه علامة بصدق الزوج أينفيه؟ فإن قال نعم قيل فقد لا عنت قبل ادعاء رؤيته وإنما لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء رؤية الزوج ونفيت بغير دلالة على صدق الزوج وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم صدق الزوج في شبه الولد.
فإن قال: فما حجتنا وحجتك في هذا؟ قلت مثل حجتنا إذا فارق الرجل امرأته قلنا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سنة المتلاعنين الفرقة ولم يقل حين فرق إنها ثلاث.
فإن قال وما الدليل على ما
وصفت من ان ينفى الولد وإن لم يدع الزوج الاستبراء ويلاعن وإن لم يدع الزوج الرؤية؟ قيل مثل الدليل على كيف لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحك عنه فعلمنا أنه لم يعد ما أمره الله به.
فإن قال قائل: فأوجدنا ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات (ثم لم يأتوا
__________
(1) قوله: لانه يكون هكذا في الاصل ولعل وجه الكلام " لانه قد لا يكون " باثبات النافي.
كتبه مصححه.(5/140)
بأريعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فكانت الآية عامة على رامى المحصنة فكان سواء قال الرامى لها رأيتها تزني أو رماها ولم يقل رأيتها تزني فإنه يلزمه اسم الرامى قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون أزواجهم) إلى (فشهادة أحدهم) الآية فكان الزوج راميا قال رأيت أو علمت بغير رؤية فما قبل منه ما لم يقل فيه ممن القذف رأيت يلاعن به بأنه داخل في جملة القذفة غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله إن هذا الحمل ليس منى وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لاختلاف بين ذلك (قال) وقد يكون استبرأها وقد علقت من الوطئ قبل الاستبراء ألا ترى أنه لو قال وقالت قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها تسع حيض ثم جاءت بعد بولد لزمه وإن الولد يلزمه بالفراش وأن الاستبراء لا معنى له ما كان الفارش قائما فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان وحمل قد تقدمه فأمكن أن يكون قد أصابها والحمل من غيره وأمكن أن يكون كاذبا في جميع دعواه للزنا ونفى الولد وقد أخرجه الله من الحد باللعان ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله ولما كنا إذا أكذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد استدللنا على أن نفى الولد بقوله ولو كان نفى الولد لا يكون إلا بالاستبراء فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يلحقه نفسه لانه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء والاستبراء غير قوله فلما قال الله تبارك وتعالى بعدما وصف من لعان الزوج (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) الآية استدللنا على أن الله عزوجل أوجب عليها العذاب والعذاب الحد لا تحتمل الاية معنى غيره والله أعلم.
فقلنا له حاله قبل التعانه مثل حاله بعد التعانه لانه كان محدودا بقذفه إن لم يخرج منه باللعان فكذلك أنت محدودة بقذفه والتعانه بحكم الله أنك تدرئين الحد به فإن لم تلتعنى حددت حدك كان حدك رجما أو جلدا لاختلاف في ذلك بينك
وبينه (قال) ولا يلاعن ولا يحد إلا بقذف مصرح ولو قال لم أجدك عذراء من جماع وكانت العذرة تذهب من غير جماع ومن جماع فإذا قال هذا وقف فإن اراد الزنا حد أو لاعن وإن لم يرد حلف ولا حد ولا لعان (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته لم أجدك عذراء ولا أقول ذلك من زنا فلا يحد (قال الشافعي) رحمه الله: وإن قذفها ولم يكمل اللعان حتى رجع حد وهى امرأته أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يقذف امرأته ثم ينزع عن الذي قال قبل ان يلاعنها؟ قال هي امرأته ويحد (قال الشافعي) رحمه الله وإن طلق امرأته طلاقا لا يملك الرجعة أو خالعها ثم قذفها بغير ولد حد إلا لعان لانها ليست زوجة وهى أجنبية إذا لم يكن ولد ينفيه عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا خالع الرجل امرأته ثم قذفها حد وإن كان ولد ينفيه لاعنها بنفى الولد من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد بعد الفرقة لانه كان قبلها فإن قذفها فمات قبل أن يلاعنها ورثته لانهما على النكاح حتى يلتعن هو وإن قذفها بعد طلاق يملك الرجعة في العدة لاعنها وإن انقضت العدة فهى مثل المبتوتة التى لا رجعة له عليها ومن أقر بولد امرأته لم يكن له نفيه وإن قذفها بعدما يقر أنه منه جلد الحد وهو ولده وإن قال هذا الحمل منى وقد زنت قبله أو بعده فهو منه ويلاعنها لانها قد تزني قبل الحمل منه وبعده وليس له نفي ولده بعد إقراره به مرة فأكثر بأن لا يراه يشبهه وغير ذلك من الدلالات إذا أقر بأنه ولد على فراشه فليس له إنكاره بحال أبدا إلا أن ينكره قبل إقراره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة ان رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل؟) قال نعم: قال (وما ألوانها؟) قال حمر قال (هل فيها من(5/141)
أورق؟) قال نعم: قال (أنى ترى ذلك؟) قال عرقا نزعه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ولعل هذا عرق نزعه) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة رضى الله عنه أن اعرابيا من بنى فزارة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل؟) قال نعم: قال (فما ألوانها؟) قال حمر: قال (هل فيها
أورق؟) قال إن فيها لورقا قال (فأنى أتاها ذلك؟) قال لعله نزعه عرق قال النبي صلى الله عليه وسلم (وهذا لعله نزعه عرق) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبهذا نأخذ وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه ذكر ان امرأته ولدت غلاما أسود وهو لا يذكره إلا منكرا له وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له وضربه له المثل بالابل بدل على ما وصفت من إنكاره وتهمته المرأة فلما كان قول الفزارى تهمة الاغلب منها عند من سمعها أنه أراد قذفها أن جاءت بولد أسود فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره قذفا يحكم عليه فيه باللعان أو الحد إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب والمسألة عن ذلك لا قذف امرأته استدللنا على أنه لا حد في التعريض وإن غلب على السامع ان المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ولا حد إلا في القذف الصريح وقد قال الله تبارك وتعالى في الممتدة (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) إلى (ولكن لا تواعدوهن سرا) فأحل التعريض بالخطبة وفى إحلاله إياها تحريم وقد قال الله تبارك وتعالى في الآية (لا تواعدوهن سرا) والسر الجماع واجتماعهما على العدة بتصريح العقدة بعد انقضاء العدة وهو تصريح باسم نهى عنه وهذا قول الاكثر من أهل مكة وغيرهم من أهل البلدان في التعريض وأهل المدينة فيه مختلفون فمنهم من قال بقولنا ومنهم من حد في التعريض، وهذه الدلالة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفزارى موضوعة بالآثار فيها والحجج في كتاب الحدود وهو أملك بها من هذا الموضع وإن كان الفزارى أقر بحلم امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدليل على ما قلنا بأنه ليس له أن ينفيه بعد إقراره (وقال) السر الجماع قال امرؤ القيس: ألا زعمت بسباسة القوم اننى * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى كذبت لقد أصبى على المرء عرسه * وأمنع عرسي أن يزن بها الخالى وقال جرير يرثى امرأته: كانت إذا هجر الخليل فراشها * خزن الحديث وعفت الاسرار الخلاف في اللعان (قال الشافعي) رحمه الله: خالفنا بعض الناس في جملة اللعان وفي بعض فروعه فحكيت ما في
جملته لانه موجود في الكتاب والسنة وتركت ما في فروعه لان فروعه في كتاب اللعان وهو موضوع فيه وإنما كتبنا في كتابنا (إذا نكحتم المؤمنان ثم طلقتموهن) كما قلنا في قول الله عزوجل وأن حكم الكتاب والسنة فيه فقال بعض من خالفنا لا يلاعن بين الزوجين أبدا حتى يكونا حرين مسلمين ليسا بمحدودين في قذف ولا واحد منهما فقلت له ذكر الله عزوجل اللعان بين الازواج لم يخص واحدا منهم دون غيره، وما كان عاما في كتاب الله تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا في قول الله عزوجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)(5/142)
فزعمنا نحن وأنتم أنها على الازواج عامة كانوا مماليك أو أحرارا عندهم مملوكة أو حرة أو ذمية فكيف زعمتم أن اللعان على بعض الازواج دون بعض؟ قالوا روينا في ذلك حديثا فاتبعناه، قلنا: وما الحديث؟ قالوا روى عمر وبن شعيب عن عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أربع لا لعان بينهن وبين أزواجهن اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت العبد والامة عند الحر والنصرانية عند النصراني) قلنا له رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط وعمر وبن شعيب عن عبد الله ابن عمرو منقطع واللذان روياه يقول أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يقفه على عبد الله بن عمرو موقوفا مجهولا فهو لا يثبت عمرو بن شعيب ولا عبد الله بن عمرو ولا يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجل غلط وفيه أن عمرو بن شعيب قد روى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما توافق أقاويلنا وتخالف أقاويلكم يرويها عنه الثقات فنسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرددتموها علينا ورددتم روايته ونسبتموه إلى الغلط فأنتم محجوجون إن كان ممن ثبت حديثه بأحاديثه التى بها وافقناها وخالفتموها في نحو من ثلاثين حكما عن النبي صلى الله عليه وسلم خالفتم أكثرها فأنتم غير منصفين إن احتججتم برواية وهو ممن لا نثبت روايته ثم احتججتم منها بما لو كان ثابتا عنه وهو ممن يثبت حديثه لم يثبت لانه منقطع بينه وبين عبد الله بن عمرو وقلت لهم لو كان كما أردتم كنتم محجوجين به قال وكيف؟ قلت أليس ذكر الله عزوجل الازواج والزوجات في اللعان عاما؟ قال بلى قلت ثم زعمت أن حديثا جاء أخرج من الجملة العامة أزواجا وزوجات مسمين؟ قال نعم قلت أو كان ينبغي أن يخرج من
جملة القرآن زوجا أو زوجة بالحديث إلا من أخرج الحديث خاصة كما ذكر الله عزوجل الوضوء فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين فلم يخرج من الوضوء إلا الخفين خاصة ولم يجعل غيرهما من القفازين والبرقع والعامة قياسا عليهما؟ قال هكذا هو قلت فكيف قلت في حديثك أليس اليهودية والنصرانية عند المسلم والنصرانية عند النصراني والحرة تحت العبد والامة تحت الحر لا يلاعنون؟ قال هو هكذا قلت فكان ينبغي أن تقولا لا لعان بين هؤلاء وما كان من زوج سواهن لا عن قال وما بقى بعدهن؟ قلت الحرة تحت الحر المحدودين أو احدهما في القذف والامة تحت الحر أليس قد زعمت أن هذين لا يلاعنان؟ قال فإنى قد أخذت طرح اللعان عمن طرحته عنه من معنيين أحدهما الكتاب والآخر السنة قلت أو عندك في السنة شئ غير ما ذكرت وذكرنا من الحديث الذي رويت عن عمرو بن شعيب؟ قال لا قلت فقد طرح اللعان عمن نطق القرآن به وحديث عمر وإن كان ثابتا أنه لا يلاعن لانه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت ففى قوله (أربع لا لعان بينهن) ما دل على أن من سواهن من الازواج يلاعن والقرآن يدل على أن الازواج يلاعنون لا يخص زوجا دون زوج قال فمن أخرجت من الازواج من اللعان بغير حديث عمرو بن شعيب فإنما أخرجته استدلالا بالقرآن قلت وأين ما استدللت به من القرآن؟ قال قال الله عزوجل (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم) فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له لان شرط الله عزوجل في الشهود العدول وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول فقلت له قولك هذا خطأ عند أهل العلم وعلى لسانك وجهل بلسان العرب قال فما دل على ما قلت؟ قلت الشهادة ههنا يمين قال وما دلك على ذلك؟ قلت أرأيت العدل أيشهد لنفسه؟ قال لا قلت ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادته أربعا؟ قال بلى قلت ولو شهد لم يكن عليه أن يلتعن؟ قال بلى قلت ولو كانت شهادته في اللعان واللعان شهادة حتى تكون كل شهادة له تقوم مقام شاهد ألم يكف الاربع دون الخامسة وتحد امرأته؟ قال بلى قلت ولو كان شهادة(5/143)
أيجز المسلمون في الحدود شهادة النساء؟ قال لا قلت ولو أجازوا شهادتهن انبغى أن تشهد المرأة ثمان مرات وتلتعن مرتين؟ قال بلى قلت افتراها في معاني الشهادات؟ قال لا ولكن الله عزوجل لما سماها
شهادة رأيتها شهادة قلت هي شهادة يمين يدفع بها كل واحد من الزوجين عن نفسه ويجب بها أحكام لا في معاني الشهادات التي لا يجوز فيها إلا العدول ولا يجوز في الحدود منها النساء ولا يجوز أن يكون فيها المرء شاهدا لنفسه قال ما هي من الشهادة التى يؤخذ بها لبعض الناس من بعض فإن تمسكت بأنها اسم شهادة ولا يجوز فيها إلا العدول قال قلت يدخل عليك ما وصفت وأكثر منه ثم يدخل عليك تناقض قولك قال فأوجدني تناقضه قلت كله متناقض قال فأوجدني قلت إن سلكت بمن يلاعن من تجوز شهادته دون من لا تجوز شهادته فقد لا عنت بين من لا تجوز شهادته وأبطلت اللعان بين من تجوز شهادته قال وأين؟ قلت لا عنت بين الاعميين النخعين (1) غير العدلين وفيهما علل مجموعة منها أنهما لا يريان الزنا فإنهما غير عدلين ولو كانا عدلين كانا ممن لا تجوز شهادته عندك أبدا وبين الفساق والمجان والسراق والقتلة وقطاع الطريق وأهل المعاصي ما لم يكونوا محدودين في قذف قال إنما منعت المحدود في القذف من اللعان لان شهادته لا تجوز أبدا قلت وقولك لا توز أبدا خطأ ولو كانت كما قلت وكنت لا تلاعن بين من لا تجوز شهادته أبدا لكنت قد تركت قولك لان الاعميين النخعين لا تجوز شهادتهما عندك أبدا وقد لا عنت بينهما فقال من حضره أما هذا فيلزمه وإلا ترك أصل قوله فيها وغيره قال أما الفساق الذين لا تجوز شهادتهم فهم إذا تابوا قبلت شهادتهم قلت أرأيت الحال الذي لا عنت بينهم فيها أهم ممن تجوز شهادتهم في تلك الحال؟ قال لا ولكنهما إن تابا قبلت شهادتهما قلت والعبد إن عتق قبلت شهادته من يومه إذا كان معروفا بالعدل والفاسق لا تقبل إلا بعد الاختبار فكيف لا عنت بين الذي هو أبعد من أن تقبل شهادته إذا انتقلت حاله وامتنعت من أن تلاعن من هو أقرب من ان تجوز شهادته إذا انتقلت حاله؟ قال فإن قلت إن حال العبد تنتقل بغيره وحال الفاسق تنتقل بنفسه؟ قلت له أو لست تسوى بينهما إذا صار إلى الحرية والعدل؟ قال بلى قلت فكيف تفرق بينهما في أمر تساوى بينهما فيه؟ وقلت له ويدخل عليك ما أدخلت على نفسك في النصراني يسلم لانه تنقل حاله بنقل نفسه فينبغي أن تجيز شهادته لانه إذا أسلم قبلت قال ما أفعل وكذلك المكاتب عبده ما يؤدى إن أدى عتق أفرأيت إن قذف قبل الاداء؟ قال لا يلاعن قلت وأنت لو كنت إنما تلاعن بين من تجوز شهادته لا عنت بين الذميين لانها ممن تجوز شهادتهما عندك قال وإنما تركت اللعان بينهما للحديث قلت فلو كان
الحديث ثابتا أما يدلك على أنك أخطأت إذا قبلت شهادة النصارى إذ قلت لا يلاعن إلا بين من تجوز شهادته؟ فقال بعض من حضره فأنا أكلمك على معنى غير هذا قلت فقل قال فإنى إنما ألا عن بين الزوجين إذا كانت الزوجة المقذوفة ممن يحد لها حين قذفها من قبل أنى وجدت الله عزوجل حكم في قذف المحصنات بالحد ودرأ عن الزوج بالتعانه فإذا كانت المقذوفة ممن لا حدلها التعن الزوج وخرج من الحد وإلا فلا قلت فما تقول في عبد تحته حرة مسلمة فقذفها؟ قال يحد قلت فإن كان الزوج حرا فقذفها؟ قال يلاعن قلت له فقد تركت أصل قولك قال بعض من حضره أما في هذا فنعم ولكنه لا يقول به قلت فلم يزعم أنه يقول به قلت لبعض من حكيت قوله: لا أراك لا عنت بين الزوجين على الحرية لانك لو لاعنت على الحرية لا عنت بين الذميين ولا على الحرية والاسلام لانك لو فعلت لا عنت
__________
(1) قوله النخعين، كذا في النسخ من غير نقط فيه وفي نظيره الآتي، وانظر وحرر كتبه مصححه(5/144)
بين المحدودين الحرين المسلمين ولا أراك لا عنت بينهما على العدل لانك لو لاعنت بينهما على العدل لم تلاعن بين الفاسقين ولا أراك لا عنت بينهما على ما وصف صاحبك من أن المقذوفة إذا كانت حرة مسلمة فعلى قاذفها الحد وأنت لا تلاعن بينها وبين زوجها الحر المحدود في القذف ولا زوجها العبد وما لا عنت بينهما بعموم ااية ولا بالحديث مع الاية ولا منفردا ولا قلت فيها قولا مستقيما على اصل ما أدعيت ثابتا كان أو غير ثابت قال فلم لا تأخذ أنت بحديث عمرو بن شعيب؟ قلت له لا نعرفه عن عمرو إنما رواه عنه رجل لا يثبت حديثه ولو كان من حديثه منقطعا عن عبد الله بن عمرو ونحن لا نقبل الحديث المنقطع عمن هو أحفظ من عمرو إذا كان منقطعا وقلنا بظاهر الآية وعمومها لم يفرق بين زوج فيها ولا زوجة إذ ذكرها الله عزوجل عامة فقال لى كيف؟ قلت إذا التعن، الزوج فأبت المرأة ان تلتعن حدت حدها رجما كان أو جلدا فقلت له بحكم الله عزوجل، قال فاذكره، قلت قول الله تبارك وتعالى، من بعد ذكره التعان الزوج (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) الآية، فكان بينا غير مشكل، والله أعلم في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان قال: فهل توضح هذا بغيره؟ قلت ما فيه إشكال ينبغي لمن قرأ كتاب الله عزوجل وعرف من أحكامه
ولسان العرب أن يبتغى معه غيره قال: فإن كنت تعلم معنى توضحه غيره فقله قلت أرأيت الزوج إذا قذف امرأته ما عليه؟ قال عليه الحد إلا أن يخرج منها بالالتعان قلت أو ليس قد يحكم في القذفة بالحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء؟ قال بلى قلت وقال، في الزوج (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) الآية قال نعم قلت أفتجد في التنزيل سقوط الحد عنه؟ قال أما نصا فلا وأما استدلالا فنعم لانه إذا ذكر غير الزوج يخرج من الحد باربعة شهداء؟ ثم قال في الزوج يشهد أربعا استدلالا على أنه إنما يوجب عليه الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يشهد لم يخرج من معنى القذفة (1) أرأيت لو قال قائل إنما شهادته للفرقة ونفى الولد دون الحد فإذا خالف الله بين الزوج في القذف وغيره ولم أحد الزوج في القذف لان الآية تحتمل ما قلت ولا أجد فيها دلالة على حده.
قال ليس ذلك له وكل شئ إلا وهو يحتمل قلت: وأظهر معانيه أن يفرق بينه وبين القاذف غيره إذا شهد وقلت ويجمع بينه وبين القاذف غيره إذا لم يشهد؟ قال: نعم قلت وتعلم أن شهادة الزوج وإن لم يذكر في القرآن أنها تسقط الحد لا تكون إلا لمعنى أن يخرج بها من الحد وكذلك كل من أحلفته ليخرج عن شئ؟ قال نعم، قلت أفتجد الشهادة للزوج إذا كانت أخرجته وأوجبت على المرأة اللعان وفيها هذه العلل التي وصفت؟ قال نعم قلت فشهادة المرأة أخرجتها من الحد، قال هي تخرجها من الحد، قلت ولا معنى لها في الشهادة إلا الخروج من الحد؟ قال نعم قلت فإذا كانت تخرجها من الحد كيف لم تكن محدودة إن لم تشهد فتخرج بالشهادة منه كما قلت في الزوج إذا لم يشهد حد وكيف اختلف حالاهما عندك فيها فقلت في الزوج ما وصفت من أنه محدود إن لم يشهد وفي المرأة ليست بمحدودة والآية تحتمل في الزوج معاني غير الحد وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا.
وفي التنزيل ان المرأة تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك.
فليس في شهادة المرأة معنى غير درء الحد لان الحد عليها في الكتاب والمعقول والقياس أثبت فتركها الشهادة كالاقرار منها بما قال الزوج فما علمتك إلا فرقت بين حد المرأة والرجل فأسقط حد المرأة وهو أبينهما في الكتاب وأثبت حد الرجل وقلت له
__________
(1) لعله سقط من الناسخ لفظ " قلت " قبل " أرأيت " لان المقام يقتضيها.
كتبه مصححه(5/145)
أرأيت لو قالت لك المرأة المقذوفة إن كانت شهادته على بالزنا شهادة تلزمني فحدنى وإن كانت لا تلزمني فلا تحلفني وحده لي.
وكذلك تصنع في أربعة لو شهدوا على وكانوا عدولا حددتنى وإن لم يثبتوا الشهادة حددتهم أو عبيدا أو مشركين حددتهم قال أقول حكمك وحكم الزوج خارج من حكم الشهود عليك غير الزوج، قلت فقالت لك فإن كانت شهادة لا توجب على حدا فامتنعت من أن أشهد لم حبستنى وأنت لا تحبس إلا بحق؟ قال أقول حبستك لتحلفي قالت وليميني معنى؟ قال نعم تخرجين بها من الحد؟ قالت فإن لم أفعل فالحبس هو الحد؟ قال ليس به قلت فقالت فلم تحبسني لغير المعنى الذي يجب على من الحد؟ قال للحد حبستك قالت فتقيمه على فأقمه قال لا قلت فإن قالت فالحبس ظلم لا أنت أخذت منى حدا ولا منعت عن حبسا فمن أين وجدت على الحبس أتجده في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه أهل العلم أو قياس؟ قال أما كتاب أو سنة أو إجماع فلا وأما قياس فنعم قلت أوجدنا القياس قال إنى أقول في الرجل يدعى عليه الدم يحلف ويبرأ فإن لم يفعل لم أقتله وحبسته (قال الشافعي) رحمه الله فقلت له أو يقبل منك القياس على غير كتاب ولا سنة ولا أمر مجمع عليه ولا أثر؟ قال لا قلت فمن قاقل لك من ادعى عليه دم حبس حتى يحلف فيبرء ام يقر فيقتل؟ قال استحسنه، قلت له أفعلى الناس أن يقبلوا منك ما استحسنت إن خالفت القياس؟ فإن كان ذلك عليهم قبلوا من غيرك مثل ما قبلوا منك لان أجهل الناس لو اعترض فسئل عن شئ فخرص فيه فقال لم يعد قوله أن يكون خيرا لازما من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا أو خارجا منه فيكون استحسنه كما استحسنته أنت قال ما ذلك لاحد قلت فقد قلته في هذا الموضع وغيره وخالفت فيه الكتاب وقياس قولك قال وأين خالفت قياس قولي؟ قلت ما تقول فيمن ادعى على رجل درهما فأكثر إلى أي غاية شاء من الدعوى أو غصب دارا أو عبدا أو غيره؟ قال يحلف فإن حلف برئ وإن نكل لزمه ما نكل عنه وكذلك لو ادعى عليه جرحا في موضحة عمدا فصاعدا من الحراج دون النفس إن حلف برئ وإن نكل اقتص منه قال نعم قلت فكل من جعلت عليه اليمين فيما دون النفس إن حلف برئ وإن نكل قام النكول في الحكم مقام الاقرار فأعطيت به القود والمال؟ قال نعم، قلت ولم لم يكن هذا في النفس هكذا؟ قال لى استعظاما للنفس قلت فأنت تقطع اليدين والرجلين وتفقأ العينين
وتشق الرأس قصاصا وهذا يكون منه التلف بالنكول وتزعم انه بقوم مقام الاقرار فلا تأخذ به النفس قال أما في القياس فيلزمنا أن نأخذ به النفس وقد تفرق فيه صاحباي فقال أحدهما أحبسه كما قلت وقال الآخر لا أحبسه وآخذ منه دية وحبسه ظلم قلت وأخذ الدية منه في أصل قول صاحبك ظلم لان الدية عنده لا تؤخذ في العمد إلا بصلح وهذا لم يصالح فإن كان صاحباك أخطأ في دعوى القتل فاقررت عليهما معا بترك القياس فتقيس على أصل خطأ ثم تقيس عليه ما لا يشبهه ما قد حكم الله عزوجل فيه نصا يدرأ به العذاب والدرء لا يكون إلا لما قد وجب.
وإن قلت العذاب السجن فذاك أخطأ لك أما السجن حد هو؟ فإن كان حدا فكم تحبسها؟ امائة يوم أو إلى ان تموت إن كانت ثيبا؟ قال ما السجن بحد وما السجن إلا لتبيين الحد قلت وقد قال الله تبارك وتعالى في الزانيين (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) أفتراه عنى بعذابهما الحد أو الحبس؟ قال بل الحد وليس السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب (1) قلت والسفر اسم عذاب والدهق والتعليق وغيره مما يعذب به
__________
(1) الدهق بالتحريك ضرب من العذاب.
كذا في اللسان.(5/146)
الناس عذاب فإن قال لك قائل أعذبها إن لم تحلف ببعض هذا؟ قال ليس له وإنما العذاب الحد، قلت أجل وأجدك تروحت إلى مالا حجة فيه ولو كانت لك بهذه حجة كانت عليه لغيرك بمثلها وأبين فيها.
الخلاف في الطلاق ثلاث أخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فبعث إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ليس لك عليه نفقة) (قال الشافعي) رحمه الله: وابن عمر رضى الله عنهما طلق امرأته البتة وعلم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط نفقتها لانه لا رجعة له عليها والبتة التي لا رجعة له عليها ثلاث ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الثلاث وحكم فيما سواها من الطلاق بالنفقة والسكنى
فإن قال قائل ما دل على أن البتة ثلاث؟ فهى لو لم يكن سمى ابن عمر رضى الله عنهما ثلاثا البتة أو نوى بالبتة ثلاثا كانت واحدة يملك الرجعة وعليه نفقتها، ومن زعم أن البتة ثلاث بلا نية المطلق ولا تسمية ثلاث قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يعب الطلاق الذي هو ثلاث دليل على أن الطلاق بيد الزوج ما أبقى منه أبقى لنفسه وما أخرج منه من يده لزمه غير محرم عليه كما لا يحرم عليه أن يعتق رقبة ولا يخرج من ماله صدقة وقد يقال له لو أبقيت ما تستغنى به عن الناس كان خيرا لك فإن قال قائل ما دل على أن أبا عمرو لا يعود أن يكون سمى ثلاثا أو نوى بالبتة ثلاثا؟ قلنا الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا عمى محدم بن على بن شافع عن عبد الله بن على بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنى طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضى الله عنهما (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره أنه تلاعن عويمر وامرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع الناس، فلما فرغا من ملاعنتهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مالك: قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين (قال الشافعي) رحمه الله: فقد طلق عويمر ثلاثا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك محرما لنهاه عنه.
وقال إن الطلاق وإن لزمك فأنت عاص بأن تجمع ثلاثا فافعل كذا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر عبد الله بن عمر رضى الله عنهما حين طلق امرأته حائضا أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فلا يقر النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق لا يفعله أحد بين يديه إلا نهاه عنه لانه العلم بين الحق والباطل لا باطل بين يديه إلا يغيره، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو ابن دينار قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة.
ثم أتى عمر فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته فتلا (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به(5/147)
لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال: قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله ابن ابى سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال للتومة مثل ما قال للمطلب (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان أن رجلا من بنى زريق طلق امرأته البتة قال عمر رضى الله عنه: ما أردت بذلك قال اترانى أقيم على حرام والنساء كثير؟ فأحلفه فحلف (قال الشافعي) رحمه الله: أراه قال فردها عليه قال وهذا الخبر في الحديث في الزرقي يدل على أن قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه للمطلب ما أردت بذلك يريد أو واحدة أو ثلاثا؟ فلما أخبره أنه لم يرد به زيادة في عدد الطلاق وأنه قال بلانية زيادة ألزمه واحدة وهى أقل الطلاق، وقوله (ولو أنهم فعلواما يوعظون به) لو طلق فلم يذكر البتة إذ كانت كلمة محدثة ليست في أصل الطلاق تحتمل صفة الطلاق وزيادة في عدده ومعنى غير ذلك فنهاه عن المشكل من القول ولم ينهه عن الطلاق ولم يعبه ولم يقل له لو أردت ثلاثا كان مكروها عليك وهو لا يحلفه على ما أراد إلا ولو أراد أكثر من واحدة ألزمه ذلك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف وكان أتعلمهم بذلك وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق فقال إذا حضت ثم طهرت فآذنينى فطهرت وهو مريض فأذنته فطلقها ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله: والبتة في حديث مالك بيان هذا الحديث ثلاثا لما وصفنا من أن يقول طالق البتة ينوي ثلاثا وقد بينه ابن سيرين فقطع موضع الشك فيه.
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن بكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له ان ينكحها فجاء يستفتى فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم عن ذلك فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس: إنك
أرسلت من يدك ما كان لك من فضل (قال الشافعي) رحمه الله: وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثا ولو كان ذلك معيبا لقالا له لزمك الطلاق وبئسما صنعت ثم سمى حين راجعه فما زاده ابن عباس على الذي هو عليه أن قال له: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ولم يقل ببئسما صنعت ولا خرجت في إرساله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد عن بكير عن النعمان بن أبى عياش الانصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يستفتى عبد الله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمر إنما أنت قاص الواحدة تبينها وثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره ولم يقل له عبد الله بئسما صنعت حين طلقت ثلاثا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد أن بكيرا أخبره عن النعمان بن أبى عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاء هما محمد بن إياس بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان؟ فقال ابن الزبير إن هذا الامر مالنا فيه قول اذهب إلى ابن عباس وأبى هريرة فإنى تركتهما عند عائشة فسلهما ثم إئتنا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لابي هريرة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة رضى الله عنه الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره(5/148)
وقال ابن عباس مثل ذلك ولم يعيبا عليه الثلاث ولا عائشة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عروة، أن مولاة لبنى عدى يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهى يومئذ أمة فعتقت فقالت فأرسلت إلى حفصة فدعتنى يومئذ فقالت إنى مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا فلم تقل لها حفصة لا يجوز لك أن تطلقي ثلاثا ولو كان ذلك معيبا على الرجل إذا لكان ذلك معيبا عليها إذ كان بيدها فيه ما بيده (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن جهمان عن أم بكرة الاسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت فعثمان رضى الله عنه يخبره أنه إن سمى أكثر من واحدة كان ما سمى ولا يقول
له لا ينبغي لك أن تسمى أكثر من واحدة بل في هذا القول دلالة على أنه جائز له أن يسمى أكثر من واحدة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبى بكر بن محمد ابن عمر وبن حزم أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه قال البته ما يقول الناس فيها فقال أبو بكر فقالت له كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى (قال الشافعي) ولم يحك عن واحدة منهم على اختلافهم في البتة أنه عاب البتة ولا عاب ثلاثا (قال الشافعي) قال مالك في المخيرة إن خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا في واحدة فليس له في ذلك قول وهذا أحسن ما سمعت (قال الشافعي) فإذا كان مالك يزعم أن من مضى من سلف هذه الامة قد خيروا وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم والخيار إذا اختارت المرأة نفسها يكون ثلاثا كان ينبغي أن يزعم أن الخيار لا يحل لانها إذا اختارت كان ثلاثا وإذا زعم أن الخيار يحل وهى إذا اختارت نفسها طلقت ثلاثا فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز طلاق ثلاث وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن قال أنت طالق البتة ينوى ثلاثا فهى ثلاث وان نوى واحدة فواحدة وإن قال أنت طالق ينوى بها ثلاثا فهى ثلاث (قال الشافعي) أحب أن يكون الخيار وفي طهر لم يمسها فيه (قال الشافعي) أحب أن لا يملك الرجل امرأته ولا يرها ولا يخالعها ولا يجعل إليها طلاقا بخلع ولا غيره ولا يوقع عليها طلاقا إلا طاهرا قبل جماع قياسا على المطلقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تطلق طاهرا وقال الله عزوجل (فطلقوهن لعدتهن) فإذا كان هذا طلاقا يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه فلا أحب ان يكون إلا وهى طاهر من غير جماع (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس رضى الله عنه تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء ومجاهدا قالا إن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن أن جريج عن عطاء وحده عن ابن عباس أنه قال وسبعا وتسعين عدوانا أتخذت بها آيات الله هزوا فعاب عليه ابن عباس كل ما
زاد عن عدد الطلاق الذي لم يجعله الله إليه ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثا ولا يجوز له ما لم يكن إليه.(5/149)
ما جاء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه (قال الشافعي) رحمه الله إن الله تبارك وتعالى (1) لما خص به رسوله من وحيه وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه بالفرض على خلقة بطاعته في غير آية من كتابه فقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) وقال (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) وقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) (قال الشافعي) رحمه الله: افترض الله عزوجل على رسوله الله صلى الله عليه وسلم أشياء حففها عن حلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبينا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له وهى موضعة في مواضعها (قال الشافعي) رحمه الله فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخبرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته وأمر الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فقال (قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) إلى قوله (أجرا عظيما) فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه (قال الشافعي) رحمه الله وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عزوجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عزوجل (فتعالين أمتعكن وأسر حكن سراحا جميلا) أحدث لكن إذا ا (ترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا فأما قول عائشة رضى الله عنها قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه أفكان ذلك طلاقا؟ فتعنى والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا فرض الله عزوجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن
الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق عليه (قال الشافعي) رحمه الله كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن إسمعيل بن أبى خالد عن الشعبي عن مسررق أن عائشة قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك طلاقا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله عنها بمثل معنى هذا الحديث (قال الشافعي) فأنزل الله تبارك وتعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) (قال الشافعي) قال بعض أهل العلم أنزلت عليه (لا يحل لك) بعد تخييره أزواجه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة انها قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء أخبرنا الربيع قال قال الشافعي كأنها تعنى اللاتى حظرن عليه في قول الله تبارك وتعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) (قال الشافعي) وأحسب قول عائشة أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى
__________
(1) قوله: لما خص به رسوله من وحيه الخ هكذا في النسخ ولعل في العبارة سقط أو تحريفا فانظر.
كتبه مصححه.(5/150)
(إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله: خالصة لك من دون المؤمنين) (الشافعي) فذكر الله عز وجل ما أحل له فذكر أزواجه اللاتى آتى أجورهن وذكر بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى قال فدل ذلك على معنيين أحدهما أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له وذلك أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة وكان عنده عدد نسوة وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره (1) ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره (قال الشافعي) رحمه الله ثم جعل له في اللاتى يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك فقال (ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء) إلى (عليك) (قال الشافعي) فمن ايتهب منهن فهى زوجة لا تحل لاحد بعده ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة وهى تحل له ولغيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا ا 2 لشافعي، قال أخبرنا مالك عن ابى حازم عن
سهل بن سعد أن امرأة وهبت نفسها للنبى صلى الله على وسمل فقامت قياما طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فذكر أنه زوجه إياها (قال الشافعي) رحمه الله وكان مما خص الله عزوجل به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقال (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله صلى الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين ليس هكذا نساء أحد غيره وقال عزوجل (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) فأثابهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين (قال الشافعي) رحمه الله وقوله (وأزواجه أمهاتهم) مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله فقوله (أمهاتهم) يعنى في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتى ولدنهم أو أرضعنهم (قال الشافعي) رحمه الله: فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ فالدليل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنته وهو أبو المؤمنين وهى بنت خديجة أم المؤمنين زوجها عليا رضى الله عنه وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت، وأن الزبير ابن العوام تزوج بنت أبى بكر وأن طلحة تزوج ابنته الاخرى وهما اختا أم المؤمنين وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن (قال الشافعي) رحمه الله وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر وهى يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه (قال الشافعي) رحمه الله والعرب تقول للمرأة ترب أمرهم أمنا وأم العيال وتقول ذلك للرجل يتولى أن يقوتهم ام العيان بمعنى أنه وضع نفسه موضع الام التي ترب أمر العيال (2) وقال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولى قوتهم:
__________
(1) قوله: ومن لم يأتهب كذا في النسخ ولعل لم زائدة من الناسخ والصواب حذفها وقوله يأتهب على لغة اهل الحجاز من ابدال فاء الافتعال في المثال حرف لين من جنس حركته ما قبله نحو ائتصل يائصل فهو متصل وهكذا،
وقد سبق في الام من ذلك كثيرا فليعلم.
كتبه مصححه.
(2) قوله: قال تابط الخ نسب الشعر في الصحاح والمحكم إلى الشنفري وفي اللسان قال ابن بري واراد بام عيال تابط شرا وكان طعامهم على يده وانما قتر عليهم خوفا ان تطيل بهم الغزاة فيفني زادهم فصار لهم بمنزلد الام وصاروا بمنزلة الاولاد اه.
كتبه مصححه.(5/151)
وأم عيال قد شهدت تقوتهم * إذا احترتهم أقفرت وأقلت تخالف علينا الجوع إن هي أكثرت * ونحن جياع أي أول تألت وما إن بها ضن بما في وعائها * ولكنها من خشية الجوع أبقت قلت: الرجل يسمى أما وقد تقول العرب للناقة والبقرة والشاة والارض هذه أم عيالنا على معنى التى تقوت عيالنا (قال الشافعي) قال الله عزوجل (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) يعنى أن الائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائى يحدثن رضاعا للمولود فيكن به أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو أمهات المؤمنين اللائى حرمن بأنهن ازوج النبي صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء يحرمن بشئ يحدثه رجل يحرمهن أو يحدثنه أو حرمه النبي صلى الله عليه وسلم والام تحرم نفسها وترث وتروث فيحرم بها غيرها فأراد بها الام في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الام غيرها والله أعلم (قال الشافعي) رحمه الله في هذا دلالة على أشباه له من القرآن جهلها من قصر علمه باللسان والفقه فأما ما سوى ما وصفنا من أن للنبى صلى الله عليه وسلم من عدد النساء أكثر مما للناس ومن اتهب بغير مهر ومن إن ازواجه أمهاتهم لا يحللن لاحد بعده وما في مثل معناه من الحكم بين الازواج فيما يحل منهن ويحرم بالحادث ولا يعلم حال الناس يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفرا أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا لكل من له أزواج من الناس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني محمد بن على أنه سمع ابن
شهاب يحدث عن عبيد الله عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها (قال الشافعي) رحمه الله ومن ذلك أنه أراد فراق سودة فقالت لا تفارقني ودعني حتى يحشرني الله في أزواجك وأنا أهب ليلتى ويومى لاختى عائشة (قال) وقد فعلت ابنة محمد بن مسلمة شبيها بهذا حين أراد زوجها طلاقها ونزل فيها ذكر (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب في ذلك (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) إلى (صلحا) (قال الشافعي) وهذا موضوع في موضعه بحججه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبى سلمة عن أم حبيبة بنت أبى سفيان قالت قلت يا رسول الله هل لك في أختى بنت أبى سفيان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأفعل ماذا؟) قالت تنكحها قال (أختك) قالت نعم قال (أو تحبين ذلك؟) قالت نعم لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختى قال (فإنها لا تحل لى) فقلت والله لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبى سلمة قال (ابنة أم سلمة؟) قالت نعم قال (فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لى إنها لابنة أخى من الرضاعة أرضعتني وأياها ثويبة فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن) (قال الشافعي) رحمه الله وكل ما وصفت لك مما فرض الله على النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له دون الناس وبينه في كتاب الله أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا لم يختلفوا فيه.(5/152)
ما جاء في أمر النكاح قال الله تبارك وتعالى (وأنكحوا الايامى منكم) إلى قوله (يغنهم الله من فضله) (قال الشافعي) رحمه الله والامر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني أحدها أن يكون الله عزوجل حرم شيئا ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم كقول الله عزوجل (وإذا حللتم فاصطادوا) وكقوله (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض) الآية (قال الشافعي) رحمه الله وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) إلى
(مريئا) وقوله (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا) (قال الشافعي) وأشباه لهذا كثير في كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلوا ولا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها (قال) ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عزوجل (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) يدل عليه ما فيه سبب الغنى والعفاف كقول النبي صلى الله عليه وسلم (سافروا تصحوا وترزقوا) فإنما هذا دلالة لا حتم أن يسافر لطلب صحة ورزق (قال الشافعي) ويحتمل أن يكون الامر بالنكاح حتما وفي كل الحتم من الرشد فيجتمع الحتم والرشد وقال بعض أهل العلم الامر كله على الاباحة والدلالة على الرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الاجماع على أنه إنما أريد بالامر الحتم فيكون فرضا لا يحل تركه كقوله الله عزوجل (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فدل على أنهما حتم وكقوله (خذ من أموالهم صدقة) وقوله (وأتموا الحج والعمرة لله) وقوله (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) فذكر الحج والعمرة معا في الامر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم وأشباه هذا في كتاب الله عزوجل كثير (قال الشافعي) وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهى عنه على غير التحريم وأنه إنما أريد به الارشاد أو تنزها أو أدبا للمنهى عنه وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا (قال الشافعي) رحمه الله ومن قال الامر على غير الحتم حتى تأتى دلالة على أنه حتم انبغى ان تكون الدلالة على ما وصفت من الفرق بين الامر والنهى وما وصفنا في مبتدأ كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه أكتفاء بما ذكرنا عما لم نذكر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه (قال الشافعي) رحمه الله وقد يحتمل أن يكون الامر في معنى النهى فيكونان لا زمين إلا بدلالة أنهما غير لا زمين ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم (فائتوا منه
ما استطعتم) أن يقول عليهم إتيان الامر فيما استطعتم لان الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شئ لانه شئ متكلف وأما النهى فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لانه ليس بتكلف شئ
__________
(1) قوله: عليهم اتيان الامر الخ كذا في النسخ وفي العبارة تحريف ظاهر ودقة تحتاج إلى نظر وامعان فتأمل.
كتبه مصححه.(5/153)
يحدث إنما هو شئ يكف عنه (قال الشافعي) رحمه الله وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنه طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والارشاد الذي ليس يحتم في الامر والنهى معا (قال) فحتم لازم الاولياء الايامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضا من الازواج أن يزوجوهن لقول الله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) (قال الشافعي) رحمه الله فإن شبه على أحد أن مبتدأ الآية على ذكر الازواج ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الاولياء لان الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الاجل فهو أبعد الناس منها فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يضلها في بعضها؟ فإن قال قائل قد تحتمل إذا قاربن بلوغ أجلهن لان الله عزوجل يقول للازواج (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لانها إذا قاربت بلوغ أجلها أو لم تبلغه فقد حظر الله تعالى عليها أن تنكح لقول الله عزوجل (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو بسبب من منعها (قال الشافعي) رحمه الله وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الاية نزلت في معقل ابن يسار وذلك انه زوج اخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال زوجتك دون غيرك أختى ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) إلى (أزواجهن) قال وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولى مع الزوج والزوجة وهذا موضع في ذكر الاولياء والسنة تدل على ما يدل عليه القرآن من أن على ولى الحرة أن ينكحها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) وقال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كانت أحق بنفسها وكان النكاح يتم به لم يكن له منعها النكاح وقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) يدل على أن السلطان ينكح المرأة لا ولى لها والمرأة لها ولى يمتنع من إنكاحها إذا أخرج الولى نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الاولياء (قال الشافعي) رحمه الله والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الايامى الذين على الاولياء أن ينكحوهن إذا كان مولى بالغا يحتاج إلى النكاح ويقدر بالمال فعلى وليه إنكاحه فلو كانت الآية والسنة في المرأة خاصة لزم ذلك عندي الرجل لان معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خلق فيها من الشهوة وخوف الفتنة وذلك في الرجل مذكور في الكتاب لقول الله عزوجل (زين للناس حب الشهوات من النساء) (قال الشافعي) رحمه الله إذا كان الرجل ولى نفسه والمرأة أحببت لكل واحد منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لان الله عزوجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع قال (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقال الله عزوجل (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) وقيل إن الحفدة الاصهار وقال عزوجل (فجعله نسبا وصهرا) فبلغننا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تناكحوا تكثروا فإنى أباهى بكم الامم حتى بالسقط) وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتى النكاح) وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار) ويقال إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده (قال) وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه(5/154)
الآية (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك (قال الشافعي) رحمه الله ومن لم تتق نفسه ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء بأن لم تخلق فيه الشهوة التي جعلت في أكثر الخلق فإن الله عزوجل يقول (زين للناس حب الشهوات من
النساء) أو بعارض أذهب الشهوة من كبر أو غيره فلا أرى بأسا أن يدع النكاح بل احب ذلك وأن يتخلى لعبادة الله وقد ذكر الله عزوجل القواعد من النساء فلم ينههن عن القعود ولم يندبهن إلى نكاح فقال (والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) الآية وذكر عبدا اكرمه قال (وسيدا وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى نكاح فدل ذلك والله أعلم على أن المندوب إليه من يحتاج إليه ممن يكون محصنا له عن المحارم والمعاني التى في النكاح فإن الله عزوجل يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين) (قال الشافعي) رحمه الله والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غر المرأة ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سنة أجلها من يوم يضرب له السلطان (قال الشافعي) أحب النكاح للعبيد والاماء اللاتى لا يطؤهن ساداتهن احتياطا للعفاف وطلب فضل وغنى فإن كان إنكاحهن واجبا كان قد أدى فرضا وإن لم يكن واجبا كان مأجورا إذا احتسب نيته على التماس الفضل بالاحتياط والتطوع (قال الشافعي) ولا أوجبه إيجاب نكاح الاحرار لانى وجدت الدلالة في نكاح الاحرار ولا أجدها في نكاح المماليك.
ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والاماء وما تحل به الفروج أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) وقال عزوجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) فأطلق الله عزوجل ما ملكت الايمان فلم يحد فيهن حد ينتهى إليه فللرجل أن يتسرى كم شاء ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا وانتهى ما أحل الله بالنكاح إلى أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله عزوجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريما منه لان يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع لا أنه يحرم ان ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولانه أباح الاربع وحرم الجميع بين أكثر منهن فقال لغيلان بن سلمة ونوفل بن معاوية وغيرهما وأسلموا وعندهم أكثر من أربع (أمسك أربع وفارق
سائرهن) وقال عزوجل (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك.
وقوله (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) دليل على أمرين: أحدها أنه أحدهما أنه أحل النكاح وما ملكت اليمين.
والثاني يشبه أن يكون إنما أباح الفعل للتلذذ وغيره بالفرج في زوجة أو ما ملكت يمين من الآدميين ومن الدلالة على ذلك قول الله تبارك وتعالى (فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت اليمين من البهائم فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراما من قبل أن ليس من(5/155)
الوجهين اللذين أبيحا للفرج (قال الشافعي) فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن ان يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم، وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عزوجل في مال اليتيم (ومن كان غنيا فليستعفف) وإنما أراد بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا.
فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال فلم لا تتسرى عبدها كما يتسرى الرجل أمته؟ قلنا إن الرجل هو الناكح المتسرى والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن يقاس بالشئ خلافه فإن قيل كيف يخالفه؟ قلنا إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن تطلقه ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها وانها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لانها المتسراة والمنكوحة لا المتسرية ولا الناكحة (قال الشافعي) ولما أباح الله عزوجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات قلنا حكم الله عزوجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا ملك رجعة أو يملك الرجعة فليس واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن اربعا لانه لا زوجة له ولا عدة عليه، وكذلك ينكح أخت إحداهن (قال الشافعي) ولما قال الله عزوجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع * فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) كان في هذه الآية دليل والله أعلم على أنه إنما خاطب بها الاحرار دون المماليك لانهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون
لا الذى يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان مملوكا أو مالكا وهذا وإن كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه.
الخلاف في هذا الباب (قال الشافعي) فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة أو لا رجعة له على واحدة منهن فلا ينكح حتى تنقضي عدتهن ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع ولو طلق واحدة ثلاثا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها (قال الشافعي) قلت لبعض من يقول هذا القول هل لمطلق نسائه ثلاثة زوجة؟ قال لا قلت فقد أباح الله عزوجل لمن لا زوجة له أن ينكح أربعا وحرم الجمع بين الاختين ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثا وقد حكم الله بين الزوجين أحكاما فقال (للذين يؤلون من نسائهم تربص) وقال (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) وقال (والذين يرمون أزواجهم) وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال (ولهن الربع مما تركتم) أفرأيت المطلق ثلاثا إن آلى منها في العدة أيلزمه إيلاء؟ قال: لا قلت فإن تظاهر أيلزمه الظهار؟ قال لا: قلت فإن قذف أيلزمه اللعان أو مات أترثه أو ماتت أيرثها؟ قال: لا قلت فهذه الاحكام التى حكم الله عزوجل بها بين الزوجين تدل على أن الزوجة المطلقة ثلاثا ليست بزوجة وإن كانت تعتد؟ قال نعم قلت له فهذه سبعة أحكام لله خالفتها وحرمت عليه أن ينكح أربعا وقد أباحهن الله تعالى له وان ينكح اخت امرأته وهو إذا نكحها لم يجمع بينهما وهى في عدد من أباح الله له، فأنت تريد زعمت إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول تخالف القرآن وهى لا تخالفه وهي سنة رسول الله صلى الله وعليه وسلم ثم تخالف أنت سبع آيات من القرآن لا تدعى فيها خبرا(5/156)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خبرا صحيحا عن أحد من أصحابه قال قد قاله بعض التابعين، قلت: فإن من سميت من التابعين وأكثر منهم إذا قالوا شيئا ليس فيه كتاب ولا سنة لم يقبل قولهم لان القول الذي يقبل ما كان في كتاب الله عزوجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حديث صيحيح عن أحد من أصحابه أو إجماع فمن كان عندك هكذا يترك قوله لا يخالف به غيره أتجعله حجة على كتاب
الله عزوجل؟ ومن قال قولك في أن لا ينكح ما دام الاربع في العدة وجعلها في معاني الازواج لزمه أن يقول يلحقها الايلاء والظهار واللعان ويتوارثان قال فما أقوله؟ قلت فلم لا تكون في حكم الزوجة عندك في معنى واحد دون المعاني فقال أقال قولك غيرك؟ قلت نعم: القاسم بن محمد وسالم بن عبيد الله وعروة وأكثر أهل دار السنة وأهل حرم الله عزوجل ما يحتاج فيه إلى أن يحكى قول أحد لثبوت الحجة فيها بأحكام الله تعالى المنصوصة التي لا يحتاج إلى تفسيرها لانه لا يحتمل غير ظاهرها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن القاسم وعروة بن الزبير أنهما كانا يقولان في الرجل عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة إنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تمضى عدتها (قال الشافعي) فقال فإنى إنما قلت هذا لئلا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع ولئلا يجتمع في أختين (قال الشافعي) فقلت له: فإنما كان (1) للعالمين ذوي العقول من أهل العلم أن يقولوا من خبر أو قياس عليه، ولا يكون لهم أن يخرجوا منهما عندنا وعندك.
ولو كان لهم أن يخرجوا منهما كان لغيرهم أن يقول معهم؟ قال أجل.
قلت: أفقلت قولك هذا بخبر لازم أو قياس فهو خلاف هذا كله وليس لك خلاف واحد منهم في أصل ما تقول؟ قال يتفاحش أن يجتمع ماؤه في أكثر من أربع أو في أختين: قلت المتفاحش ان تحرم عليه ما أحل الله تعالى له وإحدى الاختين مما أحل الله عزوجل له وقلت له: لو كان في قولك لا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع حجة فكنت إنما حرمت عليه أن ينكح حتى تنقضي عدة الاربع للماء كنت محجوجا بقولك قال: وأين؟ قلت أرأيت إذا نكح أربعا فأغلق عليهن، أو أرخى الاستار ولم يمس واحدة منهن أعليهن العدة؟ قال نعم قلت أفينكح أربعا سواهن قبل أن تنقضي عدتهن؟ قال لا قلت إفرأيت لو دخل بهن فأصابهن ثم غاب عنهن سنين ثم طلقهن ولا عهد له بواحدة منهن قبل الطلاق بثلاثين سنة أينكح في عدتهن؟ قال: لا قلت أفرأيت لو كان يعزل عنهن ثم طلقهن أينكح في عدتهن؟ قال لا قلت لا أرأيت لو كان قولك إنما حرمت عليه أن ينكح في عدتهن للماء كما وصفت أتبيح له أن ينكح في عدة من سميت وفي عدة المرأة تلد فيطلقها ساعة تضع قبل أن يمسها وفي المرأة يطلقها حائضا أتبيح له أن ينكح بما لزمك في هذه المواضع وقلت أعزل عمن نكحت ولا تصب ماءك حتى تنقضي عدة نسائك اللاتى طلقت؟ قال أفأقفه عن إصابة امرأته؟ فقلت
يلزمك ذلك في قولك قال ومن أين يلزمنى أفتجدني أقول مثله؟ قلت نعم أنت تزعم أنه لو نكح امرأة فأخطأها إلى غيرها فأصابها فرق بينهما وكانت امرأة الاول واعتزلها زوجها حتى تنقضي عدتها وتزعم أن له أن ينكح المرحمة والحائض ولا يصيب واحدة منهما وتقول له أن ينكح الحبلى من زنا ولا يصيبها فقلت له وما الماء من النكاح؟ أرأيت لو أصابهن وفيهن ماؤه ثم أراد العود لاصابتهن أما ذلك مما يحل له؟ قال: بلى قلت كما يباح له لو لم يصبهن قبل ذلك؟ قال نعم، فقلت فإذا طلقهن وفيهن ماؤه ثلاثا أيكون له أن يعيد فيهن ماء آخر وإنما أقر فيهن ماءه قبل ذلك بساعة قال لا وقد انتقل حكمه.
قلت:
__________
(1) قوله: للعالمين الخ كذا في النسخ، وانظر.(5/157)
فالماء ههنا وغير الماء سواء فيما يحل له ويحرم عليه؟ قال نعم.
قلت: فكيف لا يكون هكذا في مثل هذا المعنى ومعه كتاب الله عزوجل وقلت أرأيت المرأة إذا أصيبت ليلا في شهر رمضان ثم أصبح الزوجان جنبين أيفسد صومهما أو صوم المرأة كينونة الماء فيها؟ قال لا، قلت له فكذلك لو اصابها ثم أحرما جنبين وفيها الماء ثم حج بها وفيها الماء؟ قال نعم.
قلت وليس له أن يصيبها نهارا ولا محرما حين تحولت حاله ولا يصنع الماء في أن يحلها له ولا يفسد عليه حجا ولا صوما إذا كان مباحا ثم انتقلت حالها إلى حالة حظرت إصابتها فيه شيئا؟ قال نعم فقلت له: فالماء كان فيهن وهن أزواج يحل ذلك فيهن ثم طلقهن ثلاثا فانتقل حكمه وحكمهن إلى أن كان غير ذي زوجة وكن أبعد الناس منه غير ذوات المحارم ولا يحللن له إلا بانقضاء عدة ونكاح غيره وطلاقه أو موته والعدة منه والنساء سواهن يحللن له من ساعته فحرمت عليه أبعد النساء من ان تكون زوجا له إلا بما يحل له وزعمت ان الرجل يعتد وقد خالفت الله بين حكم الرجل والمرأة فجعل إليه أن يطلق وأن ينفق وزعمت أن ليس له ما جعل الله تعالى إليه ولا عليه ما فرضت السنة عليه من النفقة وأن عليه كل ما جعل له وعليه ثم جعل الله عليها أن تعتد فادخلته معها فيما جعل عليها دونه فخالفت أيضا حكم الله فألزمتها الرجل وإنما جعلها الله على المرأة فكانت هي المعتدة والزوج المطلق أو الميت فتلزمها العدة بقوله أو موته ثم قلت في عدته قولا متناقضا قال وما قلت؟ قلت إذا جعلت عليه العدة كما جعلتها عليها أفيحد كما تحد ويجتنب من الطيب كما تجتنب من الصبغ
والحلى مثلها؟ قال لا.
قلت ويعتد من وفاتها كما تعتد من وفاته فلا ينكح أختها ولا أربعا سواها حتى تأتى عليه أربعة أشهر وعشر؟ قال لا قلت وله أن ينكح قبل دفنها أختها إن شاء وأربعا سواها؟ قال: نعم قلت له هذا في قولك يعتد مرة ويسقط عنه في عدته اجتناب ما تجتنب المعتدة ولا يعتد أخرى أفيقبل من أحد من الناس مثل هذا القول المتناقض؟ وما حجتك على جاهل لو قال لا تعتد من طلاق ولكن تجتنب الطيب وتعتد من الوفاة هل هو إلا أن يكون عليه ما عليها من العدة فيكون مثلها في كل حال أم لا يكون فلا يعتد بحال؟ ما جاء في نكاح المحدودين قال الله تبارك وتعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) (قال الشافعي) فاختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا والذي يشبهه عندنا والله أعلم ما قال ابن المسيب (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال هي منسوخة نسختها (وأنكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فهى من أيامي المسلمين فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من الكتاب والسنة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبى يزيد عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية إنها حكم بينهما (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية كانت على منازلهم رايت (قال الشافعي) رحمه الله: وروى من وجه آخر غير هذا عن عكرمة أنه قال لا يزنى الزانى إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزنى بها إلا زان أو مشرك قال أبو عبد الله يذهب إلى قوله ينكح أي يصيب فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية فحرمن على الناس إلا من كان منهم زانيا أو مشركا فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المشركين وغير زناتهم(5/158)
وإن كن أسلمن فهن بالاسلام محرمات على جميع المشركين لقول الله تعالى (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) (قال الشافعي) والاختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زوانى على من آمن زانيا كان أو عفيفا ولا في أن المسلمة
الزانية محرمة على المشرك بكل حال (قال الشافعي) وليس فيما روى عن عكرمة (لا يزنى الزانى إلا بزانية أو مشركة) تبيين شئ إذا زنى فطاوعنه مسلما كان أو مشركا أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه (قال الشافعي) ومن قال هذا حكم بينهما فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب الله عزوجل الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخا، وذلك قول الله عزوجل: (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله عزوجل (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن والامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) فقد قيل إن هاتين الآيتين في مشركات أهل الاوثان وقد قيل في المشركات عامة ثم رخص منهن في حرائر أهل الكتاب، ولم يختلف الناس فيما علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثنى ولا كتابي، وأن المشركة الزانية لا تحل لمسلم زان ولا غيره فإجماعهم على هذا المعنى في كتاب الله حجة على من قال هو حكم بينهما لان في قوله إن الزانية المسلمة ينكحها الزانى أو المشرك وقد اعترف ما عز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) بكرا في الزنا فجلده وجلد امرأة فلانعلمه قال للزوج: هل لك زوجة فتحرم عليك إذا زنيت ولا يزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا بل يروى عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا شكا من امرأته فجورا فقال (طلقها) فقال إنى أحبها فقال (استمتع بها) وقد روى عن عمرم بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت وتذكر حدثها فقال عمر (انكحها نكاح العفيفة المسلمة).
ما جاء فيما يحرم من نكاح القرابة والرضاع وغيره (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عزوجل (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم) إلى قوله (إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما) (قال الشافعي) فالامهات أم الرجل وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدن الجدات لانه يلزمهن اسم الامهات والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناته وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات والاخوات من ولد أبوه لصلبه أو أمة بعينها وعماته منولد جده وجدته ومن فوقهما من أجداده وجداته وخالاته من ولدته جدته أم أمه ومن فوقها
من جداته من قبلها وبنات الاخ كل من ولد الاخ لابيه أو لامه أو لهما ومن ولد ولده وأولاده بنى أخيه وإن سفلوا وهكذا بنات الاخت وحرم الله الام والاخت من الرضاعة فتحريمهما يحتمل معنيين أحدهما إذا ذكر الله تحريمهما ولم يذكر في الرضاع تحريم غيرهما لان الرضاعة أضعف سببا من النسب فإذا كان النسب الذي هو أقوى سببا قد يحرم به ذوات نسب ذكرن ويحل ذوات نسب غيرهن إن سكت عنهن أولى أن يكون الرضاع هكذا ولا يحرم به إلا الام والاخت وقد تحرم على الرجل أم امرأته وان لم يدخل
__________
(1) قوله: وقد حلف، كذا في نسخة ولعله محرف عن " حد " وليست هذه الجملة في باقي النسخ، فانظر.
كتبه مصححه.(5/159)
بامرأته ولا تحرم عليه ابنتها إذا لم يدخل بواحدة منهما، والمعنى الثاني إذا حرم الله الام والاخت من الرضاعة كما حرم الله الوالدة والاخت التي ولدها أحد الوالدين أو هما ولم يحرمهما بقرابة غيرهما ولا بحرمة غيرهما كما حرم ابنة امرأته بحرمة امرأته وامرأة الابن بحرمة الابن وامرأة الاب بحرمة الاب فاجتمعت الام من الرضاعة إذ حرمت بحرمة نفسها والاخت من الرضاعة إذ حرمت نصا وكانت ابنة الام أن تكون من سواها من قرابتها تحرم كما تحرم بقرابة الام الوالدة والاخت للاب أو الام أو لهما فلما احتملت الآية المعنيين كان علينا أن نطلب الدلالة على أولى المعنيين فنقول به فوجدنا الدلالة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم على ان هذا المعنى أولاهما فقلنا يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) (قال الشافعي) إذا حرم من الرضاع ما حرم من الولادة حرم لبن الفحل (قال الشافعي) لو تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها ولم يدخل بها فلا أرى له ان ينكح أمها لان الله عزوجل قال (وأمهات نسائكم) ولم يشترط فيهن كما شرط في الربائب وهو قول الاكثر ممن لقيت من المفتين وكذلك جداتها وإن بعدن لانهن أمهات امرأته وإذا تزوج الرجل فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فكل بنت لها وإن سفلت حلال لقول الله عز وجل (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) فإن دخل بالام لم تحل له الابنة ولا ولدها وإن تسفل كل من ولدته قال الله عزوجل
(وحلائل أبنائكم الذين من اصلابكم) فأى امرأة نكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن للاب أن ينكحها أبدا، ومثل الاب في ذلك آباؤه كلهم من قبل أبيه وأمه فكذلك كل من نكح ولد ولده الذكور والاناث وإن سفلوا لانهم بنوه قال الله عزوجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء (قال الشافعي) وكذلك امرأة ابنه الذي أرضع تحرم هذه بالكتاب وهذه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة)) وليس هو خلافا للكتاب لانه إذا حرم حلائل الابناء من الاصلاب فلم يقل غير أبنائهم من أصلابهم وكذلك الرضاع في هذا الموضع يقوم مقام النسب فأى امرأة ينكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن لولده ولا لولد ولده الذكور والاناث ون سفلوا أن ينكحها أبدا لانها امرأة أب لان الاجداد آباء في الحكم وفي أمهات النساء لانه لم يستثن فيهما ولا في أمهات النساء وكذلك أبو المرضع له.
والله تعالى أعلم ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عزوجل (وأن تجمعوا بين الاختين) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وأن تجمعوا بين الاختين) (قال الشافعي) ولا يجمع بين أختين أبدا بنكاح ولا وطئ ملك وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع حرم من الاماء مثله إلا العدد والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل فإذا نكح امرأة ثم نكح اختها فنكاح الآخرة باطل ونكاح الاولى ثابت وسواء دخل بها أو لم يدخل بها ويفرق بينه وبين الآخرة وإذا كانت عنده أمة يطؤها لم يكن له وطئ الاخت إلا بأن يحرم عليه فرج التى كان يطأ بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها(5/160)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) (قال الشافعي) فأيتهما نكح أولا ثم نكح عليها أخرى فسد نكاح الآخرة ولو نكحها في عقدة كانت العقدة مفسوخة وينكح أيتهما شاء بعد وليس في أن (لا يجمع بين المرأة وعمتها خلاف كتاب الله عز وجل لان الله ذكر من تحرم بكل حال من النساء ومن يحرم بكل حال إذا فعل في غير شئ مثل
الربيبة إذا دخل بأمها حرمت بكل حال وكانوا يجمعون بين الاختين فنهوا عن ذلك و ليس في نهيه عنه إباحة ما سوى جمعا بين غير الاختين لانه قد يذكر الشئ في الكتاب فيحرمه ويحرم على لسان نبيه غيره كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثا فقال ((فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى ينكح زوجا غيره) فبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يصيبها.
الا لم تحل له مع كثير بينه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (قال) وكذلك ليس في قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) إباحة غيره مما حرم في غير هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ألا ترى أنه يقول (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثى وثلاث ورباع) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم وعنده عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) فبينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله إلى أربع حظر أن يجمع بين أكثر منهن فلو نكح رجل خامسة على أربع كان نكاحها مفسوخا ويحرم من غير جهة الجمع كما حرم نساء منهن المطلقة ثلاثا ومنهن الملاعنة ويحرم إصابة المرأة بالحيض والاحرام فكل هذا متفرق في مواضعه * وما حرم على الرجل من أم امرأته وأو بنتها أو امرأة أبيه أو ارأة ابنه بالنكاح فأصيبت من غير ذلك بالزنا لم تحرم لان حكم النكاح مخالف حكم الزنا وقال الله عزوجل (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) والمحصنات اسم جامع فجماعه أن الاحصان المنع والمنع يكون بأسباب مختلفة منها المنع بالحبس والمنع يقع على الحرائر بالحرية ويقع على المسلمات بالاسلام ويقع على العفائف بالعفاف ويقع على ذوات الازواج بمنع الازواج فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت بأن ترك تحصين الامة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك ولانى لم أعلمهم اختلفوا في ان العفائف وغير العفائف فيما يحل منهن بالنكاح والوطئ بالملك سواء على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية، والآية تدل على أنه لم يرد بالاحصان ههنا الحرائر أنه إنما قصد بالآية قصد ذوات الازواج ثم دل الكتاب وإجماع اهل العلم أن ذوات الازواج من الحرائر والاماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والاجماع لان المماليك غير السبايا لما وصفنا من هذا ومن أن السنة دلت أن المملوكة غير السبية إذا بيعت أو أعتقت لم يكن بيعها طلاقا لان النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين أعتقت في المقام مع زوجها
أو فراقه ولو كان زوال الملك الذي فيه العقدة يزيل عقدة النكاح كان الملك إذا زال بعتق أولى أن يزول العقد منه إذا زال ببيع ولو زال بالعتق لم يخير بريرة وقد زال ملك بريرة بأن بيعت فأعتقت فكان زواله بمعنيين ولم يكن ذلك فرقة لانها لو كانت فرقة لم يقل لك الخيار فيما لا عقد له عليك أن تقيمي معه أو تفارقيه (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله عنها أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) فإذا لم يحل فرج ذات الزوج بزوال الملك في العتق والبيع فهى إذا لم تبع لم تحل بملك يمين حتى يطلقها زوجها وتخالف السبية في معنى آخر وذلك أنها إن بيعت أو وهبت فلم يغر حالها من الرق وإن عتقت تغير بأحسن من(5/161)
حالها الاول والسبية تكون حرة الاصل فإذا سبيت سقطت الحرية واستوهبت فوطئت بالملك فليس انتقالها من الحرية بسبائها بأولى من فسخ نكاح زوجها عنها وما صارت به في الرق بعد أكثر من فرقة زوجها.
الخلاف في السبايا أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عزوجل (إلا ما ملكت أيمانكم) فقال هذا كما قلت ولم يزل يقول به ولا يفسره هذا التفسير الواضح غير أنا نخالفك منه في شئ قلت وما هو؟ قال: نقول في المرأة يسبيها المسلمون قبل زوجها تستبرأ بحيضة، وتصاب، ذات زوج كانت أو غير ذات زوج قال: ولكن إن سبيت وزوجها معها، فهما على النكاح (قال الشافعي) فقلت له سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بنى المصطلق، ونساء هوازن بحنين، وأوطاس، وغيره فكانت سنته فيهم، أن لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، وأمر أن يستبرءان بحيضة حيضة، وقد أسر رجالا من بنى المصطلق وهوازن فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها، فأستدللنا على أن السباء قطع للعصمة، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سبى معها لم يقطع عصمتها لو لم يسب معها ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة إذ لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذات زوج ولا غيرها، وقد علم أن فيهن ذوات أزواج بالحمل
وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل وقد أسر من أزواجهن معهن أن السباء قطع للعصمة، (قال الشافعي) رحمه الله فقال إنى لم أقل هذا بخبر ولكني قلته قياسا فقلت فعلى ماذا قسته؟ قال قسته على المرأة تأتى مسلمة مع زوجها فيكونان على النكاح ولو أسلمت قبله وخرجت من دار الحرب انفسخ النكاح فقلت له والذي قست عليه أيضا خلاف السنة فتخطئ خلافها وتخطئ القياس قال وأين أخطأت القياس؟ قلت أجعلت إسلام المرأة مثل سبيها؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا أسلمت ثبتت على الحرية فازدادت خيرا بالاسلام؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا سبيت رقت وقد كانت حرة؟ قال نعم قلت أفتجد حالها واحدة؟ قال أما في الرق فلا ولكن في الفرج فقلت له فلا يستويان في قولك في الفرج قال وأين يختلفان؟ قلت أرأيت إذا سبيت الحرة في دار الحرب فاستؤمنت وهرب زوجها وحاضت حيضة واحدة أتوطأ؟ قال أكره ذلك فإن فعل فلا بأس قلت وهى لا توطأ إلا والعصمة منقطعة بينها وبين زوجها؟ قال نعم، قلت وحيضة استبراء كما لو لم يكن لها زوج قال وتريد ماذا؟ قلت أريد إن قلت تعتد من زوج أعتدت عندك حيضتين إن ألزمتها العدة بأنها أمة وإن ألزمتها بالحرية فحيض قال ليست بعدة، قلت أفتبين لك أن حالها في النساء إذا صارت سبيا بعد الحرية فيما يحل به من فرجها سواء كانت ذات زوج أو غير ذات زوج؟ قال إنها الآن تشبه ما قلت، قلت له فالحرة تسلم قبل زوجها بدار الحرب؟ قال فهما على النكاح الاول حتى تحيض ثلاث حيض فإن أسلم قبل أن تحيض ثلاث حيض كانا على النكاح الاول، قلت فلم خالفت بينهما في الاصل والفرع؟ قال: ا وجدت من ذلك بدا، قلت له: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في الحرائر يسلمن وأخرى في الحرائر يسبين فيسترقين والاخرى في الاماء لا يسبين فكيف جاز ان تصرف سنة إلى سنة وهما عند أهل العلم سنتان مختلفتان باختلاف حالات النساء فيهما؟ وقلت له فالحرة تسلم قبل زوجها أو زوجها قبلها أيهما أسلم قبل(5/162)
الآخر ثم أسلم الآخر قبل انقضاء عدة المرأة فالنكاح الاول ثابت فإن انقضت العدة قبل إسلام الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وسواء في ذلك كان إسلام المرأة قبل الرجل أو الرجل قبل امرأة إذا افترقت دارهما أو لم تفترق ولا تصنع الدار فيما يحرم من الزوجين بالاسلام شيئا سواء خرج المسلم منهما
إلى دار الاسلام أو صارت داره دار الاسلام أو كان مقيما بدار الكفر لا تغير الدار من الحكم بينهما شيئا (قال الشافعي) رحمه الله، فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل له: أسلم أبو سفيان بن حرب بمر الظهران وهى دار خزاعة وخزاعة مسلمون قبل الفتح في دار الاسلام فرجع إلى مكة وهند بنت عتبة مقيمة على غير الاسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت هند بعد إسلام أبى سفيان بأيام كثيرة وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الاسلام يومئذ وزوجها مسلم في دار الاسلام وهى في دار الحرب ثم صارت مكة دار الاسلام وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة ثم أسلمت قبل انقضاء العدة فاستقرا على النكاح لان عدتها لم تنقض حتى أسلمت وكان كذلك حكيم بن حزام وإسلامه وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبى جهل بمكة فصارت دارهما دار الاسلام وظهر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهى دار حرب وصفوان يريد اليمن وهى دار حرب ثم رجع صفوان إلى مكة وهى دار إسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الاول ورجع عكرمة وأسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الاول وذلك أن عدتهما لم تنقض فقلت له ما وصفت لك من أمر أبى سفيان وحكيم بن حزام وأزواجهما وأمر صفوان وعكرمة و أزواجهما أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي فهل ترى ما احتججت به من أن الدار لا تغير من الحكم شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت وقد حفظ أهل المغازى أن امرأة من الانصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهى في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح ونحن وأنت نقول إذا كانا في دار حرب فأيهما أسلم قبل الآخر لم يحل الجماع وكذلك لو كانا في دار الاسلام وانما يمنع أحدهما من الآخر في الوطئ بالدين لانهما لو كانا مسلمين في دار حرب حل الوطئ فقال إن من أصحابك من يفرق بين المرأة والرجل وأنا أقوم بحجته فقلت له القيام بقول تدين به ألزم لك فإن كنت عجزت عنه فلعلك لا تقوى على غيره قال فأنا أقوم به فأحتج بأن الله عزوجل قال (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فقلت له: أيعدو قول الله عزوجل: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) أن يكون إذا أسلم وزوجته كافرة كان الاسلام قطعا للعصمة بينهما حين يسلم لان الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في تلك الحال إذا كانت وثنية أو يكون قول الله عزوجل (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) إذا جاءت عليهن
مدة لم يسلمن فيها أو قبلها؟ قال ما يعدو هذا قلت فالمدة هل يجوز بأن تكون هكذا أبدا إلا بخير في كتاب الله عزوجل أو سنة أو إجماع؟ قال لا قلت وذلك أن رجلا لو قال مدتها ساعة وقال الآخر يوما وقال آخر سنة وقال آخر مائة سنة لم يكن ههنا دلالة على الحق من ذلك إلا بخبر؟ قال نعم قلت والرجل يسلم قبل امرأته (1) فقلت بأيهما شئت وليس قولك من حكيت قوله داخلا في واحد من هذين القولين قال فهم يقولون إذا أسلم قبلها وتقارب ما بين إسلامهما قلت أليس قد أسلم وصار من ساعته لا يحل له إصابتها ثم أسلمت فقرت معه على النكاح الاول في قولهم؟ قال بلى قلت فلم تقطع بالاسلام
__________
(1) فقلت الخ كذا في النسخ ولا نامن من تحريف العبارة أو سقوط شئ منها والنسخ في هذا الموضع سقيمة فحرر.
كتبه مصححه.(5/163)
بينهما وقطعتها بمدة بعد الاسلام؟ قال نعم ولكنه يقول كان بين إسلام أبى سفيان وهند شئ يسير قلت أفتحده؟ قال لا ولكنه شئ يسير قلت لو كان أكثر منه انقطعت عصمتها منه؟ قال وما علمته يذكر ذلك قلت فإسلام صفوان بعد إسلام امرأته بشهر أو أقل منه وإسلام عكرمة بعد إسلام امرأته بأيام فإن قلنا إذا مضى الاكثر وهو نحو من شهر انقطعت العصمة بين الزوجين لانا لا نعلم أحدا ترك أكثر مما ترك صفوان أيجوز ذلك؟ قال لا قلت هم يقولون إن الزهري حمل حديث صفوان وعكرمة وقال في الحديث غير هذا قلت فقال الزهري إلا أن يقدم زوجها وهى في العدة فجعل العدة غاية انقطاع ما بين الزوجين إذا أسلمت المرأة فلم لا يكون هكذا إذا أسلم الزوج؟ والزهرى لم يرو في حديث مالك أمر أبى سفيان وهو أشهر من امر صفوان وعكرمة والخبر فيهما واحد والقرآن فيهم والاجماع واحد؟ قال الله تبارك وتعالى (فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن * فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها ولا الرجل يسلم قبل امرأته قلت فحرم الله عز وجل على الكفار نساء المؤمنين لم يبح واحدة منهن بحال ولم يختلف أهل العلم في ذلك وحرم على رجال المؤمنين نكاح الكوافر إلا حرائر الكتابيين منهم فزعم أن إحلال الكوافر اللاتى رخص في بعضهن للمسلمين أشد من إحلال الكفار الذين لم يرخص لهم في مسلمة بما وصفنا من قولهم إذا أسلمت المرأة
لم ينفسخ النكاح إلا لانقضاء العدة وزوجها كافر وإذا أسلم الزوج انفسخ نكاح المرأة قبل العدة ولو كان يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر كان الذي شددوا فيه أولى ان يرخصوا فيه والذي رخصوا فيه أولى أن يشددوا فيه والله الموفق.
الخلاف فيما يؤتى بالزنا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه وأبيه وحرمت عليه أمها بما حكيت من قول الله عزوجل (قال) فإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه أو أم امرأته، فقد عصى الله تعالى ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنه امرأته لو زنى بواحدة منهما، لان الله عز وجل إنما حرم بحرمة الحلال تعزيزا لحلاله وزيادة في نعمته بما أباح منه بأن أثبت به الحرم التي لم تكن قبله، وأوجب بها الحقوق والحرام خلاف الحلال، وقال بعض الناس إذا زنى الرجل بامرأة حرمت عليه أمها، وابنتها وإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه حرمت عليهما امرأتاهما، وكذلك إن قبل واحدة منهما، أو لمسها بشهوة فهو مثل الزنا والزنا يحرم ما يحرم الحلال فقال لى لم قلت إن الحرام لا يحرم ما يحرم الحلال؟ فقلت له استدلالا بكتاب الله عزوجل والقياس على ما أجمع المسلمون عليه بما هو في معناه والمعقول، والاكثر من قول أهل دار السنة والهجرة وحرم الله قال فأوجدني ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقال تعالى (وحلائل أبنائكم) وقال (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) أفلست تجد التنزيل إنما حرم من سمى بالنكاح أو النكاح والدخول؟ قال بلى، قلت أفيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى باسمه حرم بالحلال شيئا فأحرمه بالحرام والحرام ضد الحلال؟ فقال لى فما فرق بينهما؟ قلت فقد فرق الله تعالى بينهما قال فأين؟ قلت وجدت الله عزوجل ندب إلى النكاح وأمر به وجعله سبب النسب والصهر والالفة والسكن وأثبت به الحرم والحق لبعض على بعض بالمواريث والنفقة، والمهر وحق الزوج بالطاعة(5/164)
وإباحة ما كان محرما قبل النكاح.
قال: نعم، قلت: ووجدت الله تعالى حرم الزنا فقال (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) فقال أجد جماعا وجماعا فأقيس أحد الجماعين بالآخر: قلت فقد
وجدت جماعا حلالا حمدت به ووجدت جماعا حراما رجمت به صاحبه أفرأيتك قسته به؟ فقال: وما يشبهه؟ فهل توضحه بأكثبر من هذا؟ قلت في أقل من هذا كفاية وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه قال ما ذاك؟ قلت جعل الله تبارك وتعالى اسمه الصهر نعمة فقال (فجعله نسبا وصهرا) قال نعم قلت وجعلك محرما لام امرأتك وابنتها وابنتها تسافر بها؟ قال نعم قلت وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد.
وفي الاخرة بالنار إن لم يعف، قال: نعم قلت أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياسا على الحرام الذي هو نقمة أو الحرام قياسا عليه ثم تخطئ القياس وتجعل الزنا لو زنى بامرأة محرما لامها وابنتها؟ قال هذا أبين ما احتججت به منه، قلت: فإن الله تبارك وتعالى قال في المطلقة الثالثة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح فكانت حلاله له قبل الثلاث ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح ثم وجدناها تنكح زوجا ولا تحل له حتى يصيبها الزوج ووجدنا المعنى الذي يحلها الاصابة أفرأيت إن احتج بهذا عليك رجل يغبى غباءك عن معنى الكتاب فقال الذي يحلها للزوج بعد التحريم هو الجماع لانى قد وجدتها مزوجة فيطلقها الزوج أو يموت عنها فلا تحل لمن طلقها ثلاثا إذا لم يصبها الزوج الآخر وتحل إن جامعها فإنما معنى الزوج في هذا الجماع وجماع بجماع، وأنت تقول جماع الزنا يحرم ما يحرم جماع الحلال فإن جاء معها رجل بزنا حلت له قال إذا يخطئ، قلت ولم؟ أليس لان الله أحلها بزوج والسنة دلت على إصابة الزوج فلا تحل حتى يجتمع الامران فتكون الاصابة من زوج؟ قال نعم قلت: فإن كان الله إنما حرم بنت المرأة وأمها وامرأة الاب بالنكاح فكيف جاز أن تحرمها بالزنا؟ وقلت له قال الله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) وقال (فإن طلقها) فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العدد، قال: نعم قلت أفرأيت المرأة إذا أرادت تطلق زوجها ألها ذلك؟ قال لا قلت فقد جعلت لها ذلك قال وأين؟ قلت زعمت أنها إذا كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلت إليها الم يجعل الله إليها فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله، فقال قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الاسلام حرمت على زوجها؟ قلت وإن رجعت وهى في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها؟ قال لا قلت فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الاسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد؟ أفتزعم في التي
تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال؟ قال لا قلت فأنا أقول إذا ثبتت على الردة حرمتها على المسلمين كلهم لان الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم؟ قال لا قلت وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا؟ قال لا قلت فبأى شئ شبهتها؟ بها قال إنها لمفارقة لها قلت نعم في كل أمرها؟ وقلت له أرأيت لو طلق امرأته ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره؟ قال نعم قلت فإن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره؟ قال لا قلت فأسمعك قد حرمت بالطلاق إذا طلقت زوجة حلال ما لم تحرم بالزنا لو طلق مع الزنا.
قال لا يشتبهان قلت أجل وتشبيهك إحداهما بالاخرى الذي أنكرنا عليك قال أفيكون شئ يحرمه الحلال لا يحرمه الحرام؟ قلت: نعم قال وما هو؟ قلت ما وصفناه وغيره أرأيت الرجل إذا نكح امرأة أيحل له أن ينكح أختها أو عمتها عليها؟ قال لا قلت فإذا نكح أربعا أيحل له أن ينكح عليهن خامسة؟ قال لا قلت أفرأيت لو زنى بامرأة له أن ينكح أختها أو عمتها من ساعته أو زنى بأربع في(5/165)
ساعة أيكون له أن ينكح أربعا سواهن؟ قال نعم ليس يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال.
وقلت له قال الله عزوجل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) ثم حد الزانى الثيب على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفي فعله أعظم حدا حده الرجم وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه وهتك بالزنا حرمة الدم فجعل حقا أن يقتل بعد تحريم دمه ولم يجعل فيه شيئا من الاحكام التي أثبتها باحلال فلم يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أهل دين الله بالزنا نسبا ولا ميراثا ولا حرما أثبتها بالنكاح وقالوا في الرجل إذا نكح المرأة فدخل بها كان محرما لا بنتها يدخل عليها ويخلو بها ويسافر وكذلك أمها وامهاتها وكذلك يكون بنوه من غيرها محرما لها يسافرون بها ويخلون وليس يكون من زنى بامرأة محرما لامها ولا ابنتها ولا ينوه محرما لها بل حمدوا بالنكاح وحكموا به وذموا على الزنا وحكموا بخلاف حكم الحلال وإنما حرم الله أم المرأة وامرأة الاب والابن بحرمة أثبتها الله عزوجل لكل على كل وإنما ثبتت الحرمة بطاعة الله فأما معصية الله بالزنا فلم يثبت بها حرمة بل هتكت بها حرمة
الزانية والزاني فقال ما يدفع ما وصفت؟ فقلت فكيف أمرتنى أن أجمع بين الزنا والحلال وقد فرق الله تعالى ثم رسوله ثم المسلمون بين أحكامهما؟ قال فهل فيه حجة مع هذا؟ قلت بعض هذا عندنا وعندك يقوم بالحجه وإن كانت فيه حجج سوى هذا قال وما هي قلت: أرأيت المرأة ينكحها ولا يراها حتى تموت أو يطلقها أتحرم عليه أمها وأمهاتها وإن بعدن والنكاح كلام؟ قال نعم قلت ويكون بالعقدة محرما لامها يسافر ويخلو بها؟ قال نعم قلت أفرأيت المرأة يواعدها الرجل بالزنا تأخذ عليه الجعل ولا ينال منها شيئا أتحرم عليه أمها بالكلام بالزنا وإلا تعاد به وباليمين لتفين له به؟ قال لا ولا تحرم إلا بالزنا واللمس والقبلة بالشهوة، قلت أرأيت المرأة إذا نكحها رجل ولم يدخل بها ويقع عليها وقذفها أو نفى ولدها أو يحد لها ويلاعن أو آلى منها أيلزمه إيلاء أو ظاهر أيلزمه ظهار أو مات أترثه أو ماتت أيرثها؟ قال نعم قلت فإن طلقها قبل أن يدخل بها وقع عليها طلاقه؟ قال نعم قتل أفرأيت إن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه كما حرم الله عزوجل المنكوحة بعد ثلاث أو قذفها أيلاعنها أو آلى منها أو تظاهر أو مات أترثه أو ماتت أيرثها؟ قال لا قلت ولم؟ ألانها ليست له بزوجة وإنما أثبت الله عزوجل هذا بين الزوجين؟ قال نعم قلت له ولو نكح امرأة حرمت عليه أمها وأمهاتها وإن لم يدخل بالبنت؟ قال نعم قلت له ولو نكح الام فلم يدخل بها حتى تموت أو يفارقها حلت له البنت؟ قال نعم فقلت قد وجدت العقدة تثبت لك عليها أمورا منها لو ماتت لانها زوجته وتثبت بينك وبينها ما يثبت بين الزوجين من الظهار والايلاء واللعان فلما افترقتما قبل الدخول حرمت عليك أمها ولم تحرم عليك بنتها فلم فرقت بينهما وحرمت مرة بالعقدة والجماع وأخرى بالعقدة دون الجماع؟ قال لما أحل الله تعالى الربيبة إن لم يدخل بالام وذكر الام مبهمة فرقت بينهما قلت فلم لم تجعل الام قياسا على الربيبة وقد أحلها غير واحد؟ قال لما أبهم الله الام أبهمناها فحرمناها بغير الدخول ووضعت الشرط في الربيبة وهو الموضع الذي وضعه الله تعالى فيه ولم يكن اجتماعهما في أن كل واحدة منهما زوجة حكمها حكم الازواج بأن كل واحدة منهما تحرم صاحبتها يعد الدخول يوجب على أن أجمع بينهما في غيره إذا لم يدل على اجتماعهما خبر لازم قلت له فالحلال أشد مباينة للحرام أم الام للابنة؟ قال بل الزنا للحلال أشد فراقا قلت فلم فرقت بين الام والابنة وقد اجتمعنا في خصال وافترقنا في واحدة وجمعت بين الزنا والحلال وهو مفارق له عندك في أكثر أمره
وعندنا في كل أمره؟ فقال فإن صاحبنا قال يوجدكم الحرام يحرم الحلال، قلت له في مثل ما اختلفنا(5/166)
فيه من أمر النساء، قال لا ولكن في غيره من الصلاة والمأكول والمشروب والنساء قياس عليه قلت له أفتجيز لغيرك أن يجعل الصلاة قياسا على النساء والمأكول والمشروب؟ قال أما في كل شئ فلا فقلت له الفرق لا يصلح إلا بخبر أو قياس على خبر لازم، قلت فإن قال قائل فأنا أقيس الصلاة بالنساء والنساء بالمأكول والمشروب حيث تفرق وأفرق بينهما حيث تقيس فما الحجة عليه؟ قال ليس له أن يفرق إلا بخبر لازم، قلت ولا لك قال أجل قلت له وصاحبك قد أخطأ القياس ان قاس شريعة بغيرها وأخطأ لو جاز له في ذلك القياس قال وأين أخطأ؟ قلت صف قياسه قال: قال الصلاة حلال والكلام فيها حرام فإذا تكلم فيها فسدت صلاته فقد أفسد الحلال بالحرام فقلت له لم زعمت أن الصلاة فاسدة لو تكلم فيها؟ الصلاة لا تكون فاسدة ولكن الفاسد فعله لا هي ولكني قلت لا تجزئ عنك الصلاة ما لم تأت بها كما أمرت فلو زعمت أنها فاسدة كانت على غير معنى ما أفسدت به النكاح قال وكيف؟ قلت أنا أقول له عد لصلاتك الآن فائت بها كما أمرت ولا أزعم أن حراما عليه أن يعود لها ولا أن كلامه فيها يمنعه من العودة إليها ولا تفسد عليه صلاته قبلها ولا بعدها ولا يفسدها إفساده إياها على غيره ولا نفسه قال وأنا أقول ذلك قلت وأنت تزعم انه إذا قبل امرأة حرمت عليه أمها وابنتها أبدا قال أجل قلت وتحل له هي؟ قال نعم قلت وتحرم على أبيه وابنه؟ قال نعم قلت وهكذا قلت في الصلاة؟ قال لا قلت أفتراهما يشتبهان؟ قال أما الآن فلا وقد قال صاحبنا الماء حلال والخمر حرام فإذا صب الماء في الخمر حرم الماء والخمر فقلت له أرأيت إذا صببت الماء في الخمر أما يكون الماء الحلال مستهلكا في الحرام؟ قال بلى قلت أفتجد المرأة التي قبلها للشهوة وابنتها كالخمر والماء؟ قال وتريد ماذا؟ قلت أتجد المرأة محرمة على كل أحد كما تجد الخمر محرمة على كل أحد؟ قال: لا قلت أو تجد المرأة وابنتها تختلطان اختلاط الماء والخمر حتى لا تعرف واحدة منهما من صاحبتها كما لا يعرف الخمر من الماء؟ قال لا قلت أفتجد القليل من الخمر إذا صب في كثير الماء نجس الماء؟ قال لا قلت أفتجد قليل الزنا والقبلة للشهوة لا تحرم ويحرم كثيرها؟ قال لا ولا يشبه أمر النساء الخمر والماء قلت فكيف قاسه بالمرأة؟ ولو قاسه كان
ينبغي أن يحرم المرأة التي قبلها وزنى بها وابنتها كما حرم الخمر والماء قال ما يفعل ذلك وما هذا بقياس قلت فكيف قبلت هذا منه؟ قال ما وجدنا أحدا قط بين هذا لنا كما بينته ولو كلم صاحبنا بهذا لظننت أنه لا يقيم على قوله ولكنه (1) عقل وضعف من كلمة قلت أفيجوز لاحد أن يقول في رجل يعصى الله في امرأة فيزنى بها فلا يحرم الزنا عليه أن ينكحها وهى التي عصى الله فيها إذا أتاها بالوجه الذي أحله الله له وتحرم عليه ابنتها وهو لم يعص الله في ابنتها؟ فهل رأيت قط عورة أبين من عروة هذا القول؟ قال فالشعبي قال قولنا قلت فلو لم يكن في قولنا كتاب ولا سنة ولا ما أوجدناك من القياس والمعقول أكان قول الشعبي عندك حجة؟ قال لا وقد روى عن عمران بن الحصين قلت من وجه لا يثبت، قال نقل وروى عن ابن عباس قولنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فرجع عن قولهم وقال الحق عندك والعدل في قولكم ولم يصنع أصحابنا شيئا والحجة علينا بما وصفت وأقام أكثرهم على خلاف قولنا والحجة عليهم بما وصفت (قال) فقال لى فاجمع في هذا قولا قلت إذا حرم الشئ بوجه استدللنا على أنه لا يحرم بالذي يخالفه كما إذا أحل شئ بوجه لم يحل بالذى يخالفه والحلال ضد الحرام والنكاح حلال والزنا ضد النكاح ألا ترى أنه يحل لك الفرج بالنكاح ولا يحل لك بالزنا الذي يخالفه؟ فقال لى منهم
__________
(1) قوله عقل الخ كذا في النسخ، وفي الكلام تحريف.(5/167)
قائل فإنا روينا عن وهب بن منبه قال مكتوب في التوراة ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها (قال) قلت له ولا يدفع هذا وأصغر ذنبا من الزانى بالمرأة وابنتها والمرأة بلا ابنة ملعون قد لعنت الواصلة والموصولة والمختفي (قال الربيع) المختفى النباش والمختفية فالزنا أعظم من هذا كله ولعله أن يكون ملعونا بالزنا بأحدهما وإن لم ينظر إلى فرج أم ولا ابنتها لان الله تبارك وتعالى قد أوعد على الزنا، ولو كنت إنما حرمته من أجل أنه ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها لم يجز أن تحرم على الرجل امرأته إن زنى بها أبوه فإنه لم ينظر مع فرج امرأته إلى فرج أمها ولا ابنتها ولو كنت حرمته لقوله ملعون لزمك مكان هذا في آكل الربا ومؤكله وأنت لا تمنع من أربى إذا اشترى بأجل أن يحل له غير السلعة التى أربى ولا إذا اختفى قبرا من القبور أن يحل له أن يحفر غيره ويحفر هو إذا ذهب الميت بالبلى قال اجل قلت
فكيف لم تقل لا يمنع الحرام الحلال كما قلت في الذي أربى واختفى؟ ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم أخبرنا الربع قال (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن * فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقال تبارك وتعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) الآية فنهى الله عزوجل في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين كما نهى عن إنكاح رجالهم (قال) وهاتان الآيتان تحتملان معنيين أن يكون أريد بهما مشركو أهل الاوثان خاصة فيكون الحكم فيهما بحاله لم ينسخ ولا شئ منه لان الحكم في أهل الاوثان ان لا ينكح مسلم منهم امرأة كما لا ينكح رجل منهم مسلمة (قال) وقد قيل هذا فيها وفيما هو مثله عندنا والله أعلم به (قال) وتحتملان أن تكونا في جميع المشركين وتكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة قال الله تبارك وتعالى (أحل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم) الاية وقال الله تبارك وتعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) إلى قوله (ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خير لكم) (قال الشافعي) رحمه الله فبهذا كله نقول لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح ولا يحل أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرة ولا من الاماء إلا مسلمة ولا تحل الامة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معا فيكون ناكحها لا يجد طولا لحرة ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها وهذا أشبه بظاهر الكتاب وأحب إلى لو ترك نكاح الكتابية وإن نكحها فلا بأس وهى كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والايلاء والظهار والعدة وكل أمر غير أنهما لا يتوارثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها من تجتنب المعتدة وكذلك الصبية ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف فأما الامة المسلمة فإن نكحها وهو يجد طولا لحرة فسخ النكاح ولكنه إن لم يجد طولا ثم نكحها ثم أيسر لم يفسخ النكاح لان العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها، ولو عقد نكاح حرة وأمة فقد قيل تثبت عقدة الحره وعقدة الامة مفسوخة وقد قيل: هي مفسوخة معا (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن أبى الشعثاء قال لا يصلح
نكاح الاماء اليوم لانه يجد طولا إلى حرة (قال الشافعي) فقال بعض الناس لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب؟ فقلت استدلالا بكتاب الله عزوجل قال وأين ما استدللت منه؟ فقلت قال الله تبارك(5/168)
وتعالى (ولا تنحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) وقال (إذا جاءكم المؤمنات) الآية فقلنا نحن وأنتم لا يحل لمن لزمه اسم كفر نكاح مسلمة حرة ولا أمة بحال أبدا ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين لان الآيتين عامتان واسم المشرك لازم لاهل الكتاب وغيرهم من المشركين ووجدنا الله عزوجل قال (والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب) فلم نختلف نحن وأنتم انهن الحرائر من أهل الكتاب خاصة إذا خصص وتكون الاماء منهن من جملة المشركات المحرمات فقال إنا نقول قد يحل الله الشئ ويسكت عن غيره غير محرم لما سكت عنه وإذا أحل حرائرهم دل ذلك على إحلال إمائهم ودل ذلك على أنه عنى بالآيتين المشركين غرهم من أهل الاوثان فقلت: أرأيت إن عارضك معارض بمثل حجتك التي قلت فقال وجدت في أهل الكتاب حكما مخالفا حكم أهل الاوثان فوجدت الله عزوجل أباح نكاح حرائر أهل الكتاب وإنما تقاس إماؤهم بحرائرهم فكذلك أنا أقيس رجالهم بنسائهم فأجعل لرجالهم أن ينكحوا المسلمات إذا كانوا خارجين من الآيتين قال ليس ذلك له والارخاص في حرائر نسائهم ليس الارخاص في أن ينكح رجالهم المسلمات؟ قلت: فإن قال لك ولكنه في مثل معناه قياسا عليه قال ولا يكون عليه قياسا وإنما قصد بالتحليل عين من جملة محرمة قلت فهذه الحجة عليك لان إماءهم غير حرائرهم كما رجالهم غير نسائهم وإنما حرائرهم مستثنون من جملة محرمة.
قال: قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم أن ينكح مسلمة.
قلت: فإجماعهم على ذلك حجة عليك لانهم إنما حرموا ذلك بكتاب الله عزوجل فرخصوا في الحرائر بكتاب الله قال قد اختلفوا في الاماء من أهل الكتاب.
قلت: فإذا اختلفوا فالحجة عنده وعندك لمن وافق قوله معنى كتاب الله عزوجل ومن حرمهن فقد وافق معنى كتاب الله لانهن من جملة المشركات وبرئوا من أن يكونوا من الحرائر المخصوصات بالتحليل (قال) وقلنا لا يحل نكاح أمة مسلمة إلا بأن لا يجد ناكحها طولا لحرة ولا تحل وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فيجتمع فيه
المعنيان اللذان لهما أبيح له نكاح الامة وخالفنا فقال: يحل نكاح الامة بكل حال كما يحل نكاح الحرة فقال لنا ما الحجة فيه؟ فقلت كتاب الله الحجة فيه.
و الدليل على أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب مع ما وصفنا من الدلالة عليه؟ فقلت له: قد حرم الله الميتة فقال (حرمت عليكم الميتة والدم) واستثنى إحلاله للمضطر أفيجوز لاحد أن يقول لما حلت الميتة بحال لواحد موصوف وهو المضطر حلت لمن ليس في صفته؟ قال لا.
قلت وقد أمر الله تبارك وتعالى بالطهور وأرخص في السفر والمرض أن يقوم الصعيد مقام الماء لمن يعوزه الماء في السفر وللمريص مثل المحذور في السفر والحضر بغير إعواز أفيجوز لاحد أن يقول أجيز له التيمم في السفر على غير إعواز كما يجوز للمريض؟ قال: لا يجوز أبدا إلا لمعوز مسافر وإذا أحل شئ بشرط لم يحلل إلا بالشرط الذي أحله الله تعالى به واحدا كان أو اثنين.
قلت: وكذلك حين أوجب عتق رقبة في الظهار ثم قال (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبة؟ قال نعم: فقلت له قد أصبت: فإن كانت لك بهذا حجة على أحد لو خالفك فكذلك هي عليك في إحلالك نكاح إماء أهل الكتاب.
وإنما أذن الله تعالى في حرائرهم ونكاح إماء المؤمنين بكل حال وإنما أذن الله فيهن لمن لم يجد طولا ولمن يخاف العنت وما يلزمه في هذا أكثر مما وصفنا وفيما وصفت كفاية إن شاء الله تعالى.
قال: فمن أصحابك من قال يجوز نكاح الاماء المسلمات بكل حال قلت فالحجة على من أجاز نكاح إماء المؤمنين بغير ضرورة الحجة عليك والقرآن يدل على أن لا يجوز نكاحهن إلا بمعنى الضرورة إلا أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت فمن(5/169)
وافق قوله كتاب الله عزوجل كان معه الحق.
باب التعريض في خطبة النكاح (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) الآية (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عزوجل (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) أنه يقول الرجل للمرأة وهى في عدتها من وفاة زوجها إنك على لكريمة واني فيك لراغب فإن
الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول (قال الشافعي) كتاب الله يدل على أن التعريض في العدة جائز لما وقع عليه اسم التعريض إلا ما نهى الله عزوجل عنه من السر وقد ذكر القاسم بعضه والتعريض كثير واسع جائز كله وهو خلاف التصريح وهو ما يعرض به الرجل للمرأة مما يدلها على أنه أراد به خطبتها بغير تصريح والسر الذي نهى الله عنه والله أعلم يجمع بين أمرين أنه تصريح والتصريح خلاف التعريض وتصريح بجماع وهذا كأقبح التصريح فإن قال قائل: ما دل على أن السر الجماع؟ قيل فالقرآن كالدليل عليه إذا أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية فإذا كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السرسر التعريض ولا بد من معنى غيره وذلك المعنى الجماع وقال امرؤ القيس: ألا زعمت بسياسة القوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى كذبت لقد أصبى على المرء عرسه * وأمنع عرسي أن يزن بها الخالى وقال جرير يرثي امرأته: كانت إذا هجر الخليل فراشها * خزن الحديث وعفت الاسرار (قال الشافعي) فإذا علم أن حديثها مخزون فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية فإذا وصفها فلا معنى للعفاف غير الاسرار والاسرار: الجماع.
ما جاء في الصداق (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال عزوجل (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) وقال (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين * فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وقال (ولا تعضلوه لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) وقال (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم) الآية وقال (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وقال (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فأمر الله الازواج أن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والاجر هو الصداق والصداق هو الاجر والمهر وهى كلمة عربية تسمى بعدة أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بالصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لانه
حق الزمه نفسه ولا يكون له حبس لشئ منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله عزوجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن(5/170)
يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل، ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم إلا بأن يلزمه المرء نفسه أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم لها مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان اولاها ان يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب الله أو سنة أو إجماع فاستدللنا بقول الله عزوجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) على أن عقدة النكاح تصح بغير فريضة صداق.
وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من تصح عقدة نكاحه، وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت بهذا دليل على أن الخلاف بين النكاح والبيوع، البيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر وإذا جاز أن ينعقد بغير مهر فيثبت استدلالنا على أن العقدة تصح بالكلام وأن الصداق لا يفسد عقدة النكاح أبدا وإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام ثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت على أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية وبقول الله عزوجل (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) يريد والله تعالى أعلم بالنكاح والمسيس بغير مهر على أنه ليس لاحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح فيمس إلا لزمه مهر مع دلالة الآى قبله.
ودل قول الله تبارك وتعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا) على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهى عن القنطار وهو كثير وتركه حدا للقليل ودلت عليه السنة والقياس على الاجماع فنقول أقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس مما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل وما دل على ذلك؟ قل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق) قيل وما العلائق يا رسول الله؟ قال (ما تراضى عليه الاهلون) ولا يقع اسم علق إلا على ما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال إلا على ماله قيمة يباع بها وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما
أشبه ذلك الذى يطرحونه (قال الشافعي) والقصد في المهر أحب إلينا وأستحب أن لا يريد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلب البركة في كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة قال سألت عائشة رضى الله عنها: كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لازواجه اثنتى عشرة أوقية ونش قالت أتدرى ما النش؟ قلت: لا قالت نصف اوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه (أخبرنا الربيع) قال أخبنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إنى وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل من الانصار فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل عندك شئ تصدقها إياه؟) فقال ما عندي إلا إزارى هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك قال فالتمس شيئا قال ما أجد شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (التمس ولو خاتما من حديد) (قال الشافعي) فالخاتم من الحديد لا يسوى درهما ولا قريبا منه ولكن له ثمن قدر ما يتبايع به الناس على ما وصفنا في الذي قبل هذا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن حميد عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة.(5/171)
باب الخلاف في الصداق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما ذكر الله عزوجل الصداق غير موقت واختلف الصداق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع وانخفض وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ما وصفنا من خاتم الحديد وقال ما تراضى به الاهلون ورأينا المسلمين قالوا في التي لا يفرض لها إذا أصيبت لها مهر مثلها استدللنا على أن الصداق ثمن من الاثمان والثمن ما تراضى به من يجب له ومن يجب عليه من ماله من قل أو كثر فعلمنا أن كل ما كانت له قيمة قلت أو كثرت فتراضى به الزوجان كان صداقا وخالفنا بعض الناس في هذا فقال لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وسألنا عن حجتنا بما قلنا
فذكرنا له ما قلنا من هذا القول فيما كتبنا وقلنا بأى شئ خالفتنا؟ قال روينا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يكن الصداق أقل من عشرة دارهم وذلك ما تقطع فيه اليد قلت قد حدثناك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ثابتا وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة وحديثك عمن حدثت عنه لو كان ثابتا لم يكن فيه حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وليس بثابت؟ قال فيقبح أن نبيح فرجا بشئ تافه؟ قلنا أرأيت رجلا لو اشترى جارية بدرهم أيحل له فرجها؟ قال نعم قلت فقد أحللت الفرج بشئ تافه وزدت مع الفرج رقبة وكذلك تبيح عشر جواز بدرهم في البيع وقلت له أرأيت شريفا ينكح امرأة دنية سيئة الحال بدرهم أدرهم أكثر لها على قدرها وقدره أو عشره دراهم لامرأة شريفة جميلة فاضلة من رجل دنئ صغير القدر؟ قال بل عشرة لهذه لقدرها أقل قلت: فلم تجيز لها التافه في قدرها؟ وانت لو فرضت لها مهرا فرضته الاقل ولو فرضت الاخرى لم تجاوز بها عشرة دراهم لان ذلك كثير لها ولا يجاوز به مهر مثلها قال رضيت به قلت فلو كان أقل من مهر مثلها مائة مرة أجزته لها وعليها؟ قال نعم قلت أليس لانها رضيت به؟ قال بلى قلت قد رضيت الدنيئة بدرهم وهو لها بقدرها أكثر فزدتها على تسعة دراهم قلت أرأيت لو قال لك لك قائل: لو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فرضيت بمائة ألحقتها بمهر مثلها، ولو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فأصدقها رجل عشرة آلاف رددتها إلى ألف حتى يكون الصداق موقتا على ألف قدر مهر مثلها؟ قال ليس ذلك له قلت وتجعله ههنا كالبيوع تجيز فيه التغابن لان الناكح رضى بالزيادة والمنكوحة رضيت بالنقصان وأجزت على كل ما رضى به؟ قال نعم.
قلت: فكذلك لو نكحت بغير مهر فأصابها جعلت لها مهر مثلها عشرة كان أو ألفا؟ قال نعم قلت فأسمعك تشبه المهر بالبيع في كل شئ بلغ عشرة دراهم وتجيز فيه ما تراضيا عليه ثم ترده إلى مهر مثلها إذا لم يكن بصداق وتفرق بينه وبين البيوع في أقل من عشرة دراهم فتقول إذا رضيت بأقل من عشرة دراهم رددتها حتى أبلغ بها عشرة والبيع عندك إذا رضى فيه بأقل من درهم أجزته قلت أرأيت لو قال لك قائل: لا أراك قمت من الصداق على شئ يعتد فيه قولك فأرجع بك في الصداق إلى أن الله عزوجل قال: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا) وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواء فلم يجد فيه حدا فتجعل
الصداق قنطارا لا أنقص منه ولا أزيد عليه.
قال ليس ذلك له لان الله عزوجل لم يفرضه على الناس وان النبي صلى الله عليه وسلم أصدق أقل منه وأصدق في زمانه وأجاز أقل منه فقلنا قد أوجدناك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز في الصداق أقل من عشرة دراهم فتركته وقلت بخلافه وقلت ما تقطع فيه اليد وما لليد والمهر وقلت أرأيت لو قال قائل أحد الصداق ولا أجيز أن يكون أقل من مهر النبي صلى(5/172)
الله عليه وسلم خمسمائة درهم أو قال هو ثمن للمرأة لا يكون أقل من خمسمائة درهم أو قال في البكر كالجناية ففيه أرش جائفة أو قال لا يكون أقل مما تجب في الزكاة وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا ما لحجة عليه؟ قال ليس المهر من هذا بسبيل قلت أجل ولا مما تقطع فيه اليد بل بعض هذا أولى أن يقاس عليه مما تقطع فيه اليد إن كان هذا منه بعيدا.
باب ما جاء في النكاح على الاجارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الصداق ثمن من الاثمان فكل ما يصلح أن يكون ثمنا صلح أن يكون صداقا وذلك مثل أن تنكح المرأة إلى الرجل على أن يخيط لها الثوب ويبنى لها البيت ويذهب بها البلد ويعمل لها العمل فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل إذا كان المهر ثمنا كان في معنى هذا وقد اجازه الله عزوجل في الاجارة في كتابه وأجازه المسلمون وقال الله عزوجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وقال عزوجل (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وذكر قصة شعيب ومسوى صلى الله عليهما وسلم في النكاح فقال (قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الامين * قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) الآية وقال (فلما قضى موسى الاجل وسارا بأهله آنس من جانب الطور نارا) قال ولا أحفظ من أحد خلافا في أن ما جازت عليه الاجارة جاز أن يكون مهرا فمن نكح بأن يعمل عملا فعمله كله ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف قيمة العمل ومن لم يعمله ثم طلق قبل الدخول عمل نصفه فإن فات المعمول بأن يكون ثوبا فهلك كان للمرأة مثل نصف أجر خياطة الثوب أو عمله ما كان (قال الربيع) رجع الشافعي رحمه الله فقال يكون لها نصف مهر مثلها غير أن بعض الناس قال يجوز هذا في كل شئ غير تعليم الخير فإنه لا أجر على تعليم الخير، ولو نكح رجل امرأة على أن يعلمها خيرا
كان لها مهر مثلها لانه لا يصلح أن يستأجر رجل رجلا على أن يعلمه خيرا قرآنا ولا غيره، ولو صلح هذا كان تعليم الخير كخياطة الثوب يجوز النكاح عليه ويكون القول فيه كالقول في خياطة الثوب إذا علمها الخير وطلقها رجع عليها بنصف أجر تعليم ذلك الخير وإن طلقها قبل أن يعلمها رجعت عليه بنصف أجر تعليم ذلك الخير لانه ليس له أن يخلو بها ويعلمها وهذا قول صحيح على ألسنة والقياس معا لو تابعنا في تجويز الاجر على تعليم الخير (رجع الشافعي فقال لها مهر مثلها) قال الربيع للشافعي قول آخر إذا تزوجها على أن يخيط لها ثوبا بعينه أو يعطيها شيئا بعينه فطلقها قبل أن يدخل بها فهلك الثوب قبل ان يخيطه أو هلك الشئ الذي بعينه رجعت عليه بنصف صداق مثلها.
واحتج بأن من اشترى شيئا بدينار فهلك الشئ قبل أن يقبضه رجع بديناره فأخذه فهذه المرأة إنما ملكت خياطة الثوب ببضعها فلما هلك الثوب قبل أن تقبضه فلم يقدر على خياطته رجعت عليه بما ملكت به الخياطة وهو بضعها وهو الثمن الذي اشترت به الخياطة (قال الربيع) وهذا أصح القولين وهو آخر قولى الشافعي رحمه الله تعالى.
باب النهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهم أن(5/173)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرتا مالك عن أبى الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الاعرج عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) (قال الشافعي) وهذان الحديثان يحتملان أن يكون الرجل منهما إذا خطب غيره امرأة أن لا يخطبها حتى تأذن أو يترك رضيت المرأة الخاطب أو سخطته ويحتمل أن يكون النهى عنه إنما هو عند رضا المخطوبة وذلك أنه إذا كان الخاطب الآخر أرجح عندها من الخاطب الاول الذي رضيته تركت ما رضيت به الاول فكان هذا فسادا عليه وفي الفساد ما يشبه الاضرار به والله تعالى أعلم فلما احتمل المعنيين وغيرهما كان أولاهما أن يقال به ما وجدنا الدلالة توافقه فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أنهى أن
يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية (قال) ورضاها إن كانت ثيبا أن تأذن بالنكاح بنعم وإن كانت بكرا أن تسكت فيكون ذلك إذنها وقال لى قائل أنت تقول الحديث على عمومه وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى تأتى دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر قلت: فكذلك أقول قال فما منعك أن تقول في هذا الحديث (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) وإن لم تظهر المرأة رضا أنه لا يخطب حتى يترك الخطبة فكيف صرت فيه إلى ما لا يحتمله الحديث باطنا خاصا دون ظاهر عام؟ قلت بالدلالة قال وما الدلالة؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الله بن زيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها (إذا حللت فآذنيني) قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال (أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه أنكحي أسامة) فكرهته فقال (أنكحني أسامة) فنكحته فجعل الله لى فيه خيرا واغتبطت به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقلت له قد أخبرته فاطمة أن رجلين خطباها ولا أحسبهما يخطبانها إلا وقد تقدمت خطبة أحدهما خطبة الآخر لانه قل ما يخطب اثنان معا في وقت فلم تعلمه قال لها ما كان ينبغي لك أن يخطبك واحد حتى يدع الآخر خطبتك ولا قال ذلك لها وخطبها هو صلى الله عليه وسلم على غيرهما ولم يكن في حديثها أنها رضيت واحدا منهما ولا سخطته وحديثها يدل على أنها مرتادة ولا راضية بهما ولا بواحد منهما ومنتظرة غيرهما أو مميلة بينهما فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة ونكحته دل على ما وصفت من أن الخطبة واسعة للخاطبين ما لم ترض المرأة (قال الشافعي) وقال أرأيت إن قلت هذا مخالف حديث (لا يخطب المرء على خطبة أخيه) وهو ناسخ له؟ فقلت له أو يكون ناسخ أبدا إلا ما يخالفه الخلاف الذي لا يمكن استعمال الحديثين معا؟ قال لا قلت أفيمكن استعمال الحديثين معا على ما وصفت من أن الحال التي يخطب المرء على خطبة أخيه بعد الرضا مكروهة وقبل الرضا غير مكروهة لا ختلاف حال المرأة قبل الرضا وبعده؟ قال نعم.
قلت له فكيف يجوز أن يطرح حديث وقد يمكن أن لا يخالفه ولا يدري أيهما الناسخ أرأيت إن قال قائل حديث فاطمة الناسخ ولا بأس أن يخطب الرجل المرأة بكل حال ما حجتك عليه إلا مثل حجتك على من خالفك فقال أنت ونحن نقول إذا احتمل الحديثان أن
يستعملا لم يطرح أحدهما بالآخر فأبن لى ذلك قلت له نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده وأرخص في أن يسلف في الكيل المعلوم إلى أجل معلوم وهذا بيع ما ليس عند البائع فقلت النهى عن بيع ما ليس عندك بعينه غير مضمون عليك فأما المضمون فهو بيع صفة فاستعملنا الحديثين معا قال هكذا نقول قلت هذه حجة عليك قال فإن صاحبنا قال لا يخطب رضيت(5/174)
أولم ترض حتى يترك الخاطب.
قلت: فهذا خلاف الحديث ضرر على المرأة في أن يكف عن خطبتها حتى يتركها من لعله يضارها ولا يترك خطبتها أبدا قال هذا أحسن مما قال أصحابنا وأنا أرجع إليه ولكن قد قال غيرك لا يخطبها إذا ركنت وجاءت الدلالة على الرضا بأن تشترط لنفسها فكيف زعمت بأن الخاطب لا يدع الخطبة في هذه الحال ولا يدعها حتى تنطق الثيب بالرضا وتسكت البكر؟ فقلت له لما وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد خطبة أبى جهم ومعاوية فاطمة ويخطبها على أسامة على خطبتهما لم يكن للحديث مخرج إلا ما وصفت من أنها لم تذكر رضا ولم يكن بين النطق بالرضا والسكوت عنه عند الخطبة منزلة مباينة لحالها الاولى عند الخطبة فإن قلت الركون والاشتراط؟ قلت له أو يجوز للولى أن يزوجها عند الركون والاشتراط؟ قال: لا حتى تنطق بالرضا إن كانت ثيبا وتسكت إن كانت بكرا، فقل له أرى حالها عند الركون وبعد غير الركون بعد الخطبة سواء لا يزوجها الولى في واحدة منهما قال أجل ولكنها راكنة مخالفة حالها غير راكنة، قلت أرأيت إذا خطبها فشتمته وقالت لست لذلك بأهل وحلفت لا تنكحه ثم عاود الخطبة فلم تقل: لا ولا نعم أحال الاخرى مخالفة لحالها الاولى؟ قال: نعم قلت أفتحرم خطبتها على المعنى الذي ذكرت لاختلاف حالها؟ قال: لا لان الحكم لا يتغير في جواز تزويجها إنما تستبين في قولك إذا كشف ما يدل على أن الحالة التي تكف فيها عن الرضا غير الحال التي تنطق فيها بالرضا حتى يجوز للولى تزويجها فيها قال هذا أظهر معانيها، قلت فأظهرها أولاها بنا وبك.
ما جاء في نكاح المشرك (قال الشافعي) قال الله عزوجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فانتهى
عدد ما رخص فيه للمسلمين إلى أربع لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع إلا ما خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن ومن النكاح بغير مهر فقال عز وعلا (خالصة لك من دون المؤمنين) (قال الشافعي) أخبرنا الثقة أحسبه إسمعيل بن إبراهيم (شك الشافعي) عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (امسك أربعا وفارق سائرهن) (قال الشافعي) أخبرنا بعض أصحابنا عن أبى الزناد عن عبد المجد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية الديلي: قال أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال (فارق واحدة وأمسك أربعا) فعمدت إلى أقدمهن عندي عجوزا عاقرا منذ ستين سنة فارقتها، أخبرنا الشافعي قال أخبرني ابن أبى يحيى عن إسحق بن عبد الله عن أبى وهب الجيشاني عن أبى خراش عن الديلمي أو ابن الديلمى قال أسملت وتحتي اختان فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت وأفارق الاخرى (قال الشافعي) فبهذا نقول إذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا أيتهن شاء وفارق سائرهن لانه لا يحل له غير ذلك لقول الله عزوجل وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يجمع بين أكثر من أربع نسوة في الاسلام (قال الشافعي) ولا أبالى كن في عقدة واحدة أو عقد متفرقة أو أيتهن فارق الاولى ممن نكح أم الآخرة إذا كان من يمسك منهن غير ذات محرم يحرم عليه في الاسلام أن يبتدئ نكاحها بكل وجه وذلك مثل أن يسلم وعنده أختان فلا بد أن يفارق(5/175)
أيتهما شاء لان محرما بكل وجه أن يجمع بينهما في الاسلام ومثله أن يكون نكح امرأة وابنتها فأصابهما فيحرم أن يبتدئ نكاح واحدة منهما في الاسلام وقد أصابهما بالنكاح الذى قد يجوز مثله.
ولو نكح أختين معا ولم يدخل بواحدة منهما قلت له فارق أيتهما شئت وأمسك الاخرى ولا أنظر في ذلك إلى أيتهما نكح أولا وهذا القول كله موافق لمعنى السنة والله أعلم ولو أسلم رجل وعنده يهودية أو نصرانية كانا على النكاح لانه يحل له نكاح واحدة منهما وهو مسلم ولو أسلم وعنده وثنية أو مجوسية لم يكن له إصابتها إلا أن تسلم قبل أن تنفضي العدة وله وطئ اليهودية والنصرانية بالملك، وليس له وطئ وثنية ولا مجوسية
بملك إذا لم يحل له نكاحها لم يحل له وطؤها وذلك للدين فيهما ولا أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وطئ سبية عربية حتى أسلمت وإذ حرم النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم أن يطأ امرأة وثنية حتى تسلم في العدة دل ذلك على أن لا توطأ من كانت على دينها حتى تسلم من حرة أو أمة.
باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) قال لى بعض الناس ما حجتك أن يفارق ما زاد على أربع وإن فارق اللاتى نكح أولا ولم تقل يمسك الاربع الاوائل ويفارق سائرهن؟ فقلت له بحديث الديلمي وحديث نوفل بن معاوية قال أفرأيت لو لم يكن ثابتا أو كانا غير ثابتين أيكون لك في حديث ابن عمر حجة؟ قلت نعم وما على فيما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال هل فيه حجة غيره بل على وعليك التسليم وذلك طاعة الله عزوجل قال هذا كله كما قلت وعلينا أن نقول به إن كان ثابتا قلت إن كنت لا تثبت مثله وأضعف منه فليس عليك حجة فيه فأردد ما كان مثله قال فأحب أن تعلمني هل في حديث ابن عمر حجة لو لم يأت غيره؟ قلت: نعم قال وإين هي؟ قلت: لما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم غيلان أنه لا يحل له أن يمسك أكثر من أربع ولم يقل له الاربع الاوائل استدللنا على انه لو بقى فيما يحل له ويحرم عليه معنى غيره علمه إياه لانه مبتدئ للاسلام لا علم له قبل إسلامه فيعلم بعضا ويسكت له عما يعلم في غيره قال أو ليس قد يعلمه الشيئين فيؤدي أحدهما دون الآخر؟ قلت: بلى قال فلم جعلت هذا حجة وقد يمكن فيه ما قلت؟ قلت له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم شيئان أحدهما العفو عما فات من ابتداء عقدة النكاح ومن يقع عليه النكاح من العدد فلما لم يسأل عما وقع عليه العقد أولا ولم يسأل عن أصل عقدة نكاحهن.
وكان أهل الاوثان لا يعقدون نكاحا إلا نكاحا لا يصلح أن يبتدأ في الاسلام فعفاه وإذا عفا عقدا واحدا فاسدا لانه فائت في الشرك فسواء كل عقد فاسد فيه بأن ينكح بغير ولى وبغير شهود وما أشبه ذلك مما لا يجوز ابتداؤه في الاسلام فأكثر ما في النكاح الزوائد على الاربع في الشرك بأن يكون نكاحهن فاسدا كفساد ما وصفنا فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفو عن ذلك لكل من أسلم من أهل الشرك ويقرهم على نكاحهم وإن كان فاسدا
عندنا فكذلك إن أراد أن يحبس ما عقد بعد الاربع في الشرك يجوز ذلك له لان أكثر حالاتهن أن يكون نكاحهن فاسدا ولا شئ أولى أن يشبه بشئ من عقد فاسد يعفى عنه بعقد يعفى عنه.
ولو لم(5/176)
يكن في هذا حجة غير هذا لا كتفي بها فكيف ومعه تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه وترك مسألته عن الاوائل والاواخر كما ترك مسألة من أسلم من أهل الشرك عن نكاحه ليعلم أفاسد أم صحيح وهو معفو يجوز كله والآخر أنه حظر عليه في الاسلام ما لا يجوز أن يجاوز بعده أربعا ومن الجمع بين الاختين فحكم في العقد بفواته في الجاهلية حكم ما قبض من الربا قال الله تعالى (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين) فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله في ان لم يرد ما قبض من الربا لانه فات ورد ما لم يقبض منه لان الاسلام أدركه غير فائت فكذلك حكم الله عزوجل في عقد النكاح في الجاهلية إن لم يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه فات إنما هو شئ واحد لا يتبعض فيجاز بعضه ويرد بعضه وحكم فيمن أدركه الاسلام من النساء عقدة حكم الاسلام فلم يجز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا أن يجمع بين الاختين لان هذا غير فائت أدركهن الاسلام معه كما أدرك ما لم يفت من الربا بقبض.
قال أفتوجدني سوى هذا ما يدل على أن العقدة في النكاح تكون كالعقدة في البيوع والفوت مع العقدة؟ فقلت فيما أو جدتك كفاية قال: فاذكر غيره إن علمته قلت أرأيت امرأة نكحتها بغير مهر فأصبتها أو بمهر فاسد؟ قال فلها مهر مثلها والنكاح ثابت لا ينفسخ قلت له ولو عقدت البيع بغير ثمن مسمى أو ثمن محرم رد البيع إن وجد فإن هلك في يديك كان عليك قيمته؟ قال نعم قلت: أفتجد عقد النكاح ههنا أخذ كعقد البيع يربونه؟ قال نعم قلت فما منعك في عقد النكاح في الجاهلية أن تقول هو كفائت ما اقتسموا عليه وقبضوا القسم وما أربوا فمضى قبضه ولا أرده، وقلت أرأيت قولك أنظر إلى العقدة فإن كانت لو ابتدئت في الاسلام جازت أجزتها وإن كانت لو ابتدئت في الاسلام ردت رددتها أما ذلك فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن الديلمي ونوفل بن معاوية ما قطع عنك موضع الشك قال فإنما كلمتك على حديث الزهري لان جملته قد يحتمل أن يكون عاما على ما وصفت وإن لم يكن عاما في الحديث فقلت له: هذا لو كان كان
أشد عليك ولو لم يكن فيه إلا حديث ابن عمر ولم يكن في حديث ابن عمر دلالة كنت محجوجا على لسانك مع أن في حديث ابن عمر دلالة عندنا على قولنا والله أعلم قال: فأوجدني ما يدل على خلاف قولى لو لم يكن في حديث ابن عمر دلالة بينة قلت أرأيت رجلا ابتدأ في الاسلام نكاحا بشهادة أهل الاوثان أيجوز؟ قال لا ولا بشهادة أهل الذمة لانهم لا يكونون شهداء على المسلمين قلت: أفرأيت غيلان بن سلمة أمن أهل الاوثان كان قبل الاسلام؟ قال: نعم قلت أفرأيت أحسن ما كان عنده أليس أن ينكح بشهادة أهل الاوثان؟ قال بلى قلت: فإذا زعمت أن يقر مع أربع وأحسن حاله فيهن أن يكون نكاحهن بشهادة أهل الاوثان أما خالفت أصل قولك؟ قال إن هذا ليلزمني، قلت: فلو لم يكن عليك حجة غيره كنت محجوجا مع أنا لا ندرى لعلهم كانوا ينكحون بغير ولى وبغير شهود وفي العدة: قال إن هذا ليمكن فيهم ويروى عنهم أنهم كانوا ينكحون بغير شهود وفي العدة قال أجل ولكن لم أسمع إن النبي صلى الله عليه وسلم كيف سألهم أصل نكاحهم قلت أفرأيت إن قال لك قائل كما قلت لنا قد يجوز أن يكون سألهم ولم يؤد إليك في الخبر قال إذا يكون ذلك له على قلت له أفتجد بدا من أن يكون لما لم يؤد في الخبر أنه سألهم عن أصل العقدة كان ذلك عفوا عن العقدة لانها لا تكون لاهل الاوثان إلا على ما يصلح أن يبتدئها في الاسلام مسلم أن تكون تقول في العقدة قولك في عدد النساء أنه يفرق بينه وبين من تحرم بكل وجه عليه فتقول يبتدئون معا للنكاح في الاسلام قال لا أقوله قلت وما منعك ان تقوله؟ أليس بأن السنة دلت على أن العقدة معفوة لهم؟ قال بلى! قلت: وإذا كانت(5/177)
معفوة لم ينظر إلى فسادها كما لا ينظر إلى فساد نكاح من لا يجوز نكاحه ولا الجمع بينه ولا ما جاوزت أربعا قال والعقدة مخالفة لهذا قال قلت فكيف جمعت بين المختلف ونظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر إليه أخرى؟ فرجع بعضهم إلى قولنا قال يمسك أربعا أيتهن شاء ويفارق سائرهن وعاب قول أصحابه وقال نحن نفرق بين ما لا يتفرق في العقول بقول الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف إذا جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي ألزمناه الله تبارك وتعالى ولكن حد لي فيه حدا، قلت في نكاح الشرك شيئان عقدة وما يحرم مما تقع عليه العقدة بكل وجه ومجاوزة أربع فلما رد النبي صلى الله
عليه وسلم ما جاوز أربعا دل على أنه يرد ذوات المحارم على الناكح وذلك في كتاب الله عزوجل ولمالم يسأل عن العقدة علمت أنه عفا عن العقدة فعفونا عما عفا عنه وانتهينا عن إفساد عقدها إذا كانت المعقود عليها ممن تحل بحال ولولا ذلك رددنا نكاح أهل الاوثان كله وقلنا ابتدءوه في الاسلام حتى يعقد بما يحل في الاسلام باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) وقال في الاماء (فانكحوهن بإذن أهلهن) وقال عزوجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) (قال الشافعي) رحمه الله فهذه الآية أبين آية في كتاب الله عزوجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها فإن قال قائل ترى ابتداء الآية مخاطبة الازواج لان الله تبارك وتعالى يقول ((وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) فدل على أنه إنما أراد غير الازواج من قبل أن الزوج إذا انقضت عدة المرأة ببلوغ أجلها لا سبيل له عليها فإن قال قائل فقد يحتمل قوله (فبلغن أجلهن) إذا شارفن بلوغ أجلهن لان القول للازواج (فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) نهيا أن يرتجعها ضرارا ليعضلها فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى لانها لا تحتمله لان المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغة لا يحل لها أن تنكح وهى ممنوعة من النكاح بآخر العدة كما كانت ممنوعة منه بأولها فإن الله عزوجل يقول (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا) فلا يؤمر بأن يحل إنكاح الزوج إلا من قد حل له الزوج وقال بعض أهل العلم إن هذه الآية نزلت في معقل بن سيسار زوج اخته فطلقها زوجها فانقضت عدتها فأراد زوجها أو أرادت أن يتناكحا فمنعه معقل بن يسار أخوها وقال زوجتك أختى وآثرتك على غيرك ثم طلقتها فلا أزوجكها أبدا فنزلت (فلا تعضلوهن) وفي هذه الآية الدلالة على أن النكاح يتم برضا الولى والمنكحة والناكح وعلى أن على الولى أنلا يعضل فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج إذا عضل لان من منع حقا فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه وإعطاؤه عليه والسنة تدل على ما دل عليه القرآن وما وصفنا من الاولياء والسلطان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا سعيد بن
سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) (قال الشافعي) رحمه الله ففى(5/178)
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالات منها أن للولى شركا في بضع المرأة ولا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملكه وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع أن ينال المرأة من لا يساويها وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الاكفاء والله أعلم ويحتمل أن تدعوا المرأة الشهوة إلى أن تصير إلى ما لا يجوز من النكاح فيكون الولى أبرأ لها من ذلك فيها وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير ولى فهى منفسخة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنكاحها باطل) والباطل لا يكون حقا إلا بتجديد نكاح غيره ولا يجوز لو أجازه الولى أبدا لانه إذا انعقد النكاح باطلا لم يكن حقا إلا بان يعقد عقدا جديدا غير باطل وفي السنة دلالة على أن الاصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر ودرئ الحد لانه لم يذكر حدا وفيها أن على الولى أن يزوج إذا رضيت المرأة وكان البعل رضا فإذا منع ما عليه زوج السلطان كما يعطى السلطان ويأخذ ما منع مما عليه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله ابن الفضل عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) (قال الشافعي) ففي هذا الحديث دلالة على الفرق بين البكر والثيب في أمرين أحدهما ما يكون فيه إذنهما وهو أن إذن البكر الصمت فإذا كان إذنها الصمت فإذن التي تخالفها الكلام لانه خلاف الصمت وهى الثيب والثاني أن أمرهما في ولاية أنفسهما لانفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولى والولى ههنا الاب والله أعلم دون الاولياء ومثل هذا حديث خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها ثيبا وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه والبكر مخالفة لها حين اختلف في أصل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خالفتها كان الاب أحق بأمرها من نفسها فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل اللفظ بالحديث يدل على فرق بينهما إذ قال الثيب أحق بنفسها وأمر في البكر أن تستأذن ولو كانتا معا
سواء كان اللفظ هما أحق بأنفسهما وإذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام فإن قال قائل فقد أمر باستئمارها فاستئمارها يحتمل أن لا يكون للاب تزويجها إلا بأمرها ويحتمل أن تستأمر معنى استطابة نفسها وأن تطلع من نفسها على أمر لو أطلعته لاب كان شبيها أن ينزهها بأن لا يزوجها فإن قال قائل فلم قلت يجوز نكاحها وإن لم يستأمرها؟ قيل له بما وصفت من الاستدلال بفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب إذ قال (الايم أحق بنفسها من وليها) ثم قال (والبكر تستأذن في نفسها) فلا يجوز عندي إلا أن يفرق حالهما في أنفسهما ولا يفرق حالهما في أنفسهما إلا بما قلت من أن للاب على البكر ما ليس له على الثيب كما استدللنا إذ قال في البكر (وإذنها صماتها) ولم يقل في الثيب (إذنها الكلام) على أن إذن الثيب خلاف البكر ولا يكون خلاف الصمت إلا النطق بالاذن قال فهل على ما وصفت من دلالة؟ قيل نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع وبنى بى وأنا بنت تسع سنين (قال الشافعي) زوجه إياها أبوها فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها لان ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها وليس لاحد غير الآباء أن يزوجوا بكرا حتى تبلغ ويكون لها امر في نفسها فإن قال قائل فلم لا تقول في ولى غير الاب له أن يزوج البكر وإن لم تأذن وجعلتها فيمن بقى من الاولياء بمنزلة الثيب؟ قلت فإن الولى الاب الكامل بالولاية كالام الوالدة وإنما تصير الولاية بعد الاب لغيره بمعنى فقده أو إخراجه نفسه من الولاية بالعضل كما تصير الام غير الام كالوالدة بمعنى رضاع أو نكاح أب أو ما يقع عليه اسم الام لانها إذا قيل أم كانت الام التي تعرف الوالدة ألا ترى أن لا ولاية(5/179)
لاحد مع أب ومن كان وليا بعده (1) فقد يشركه في الولاية غير الاخوة وبنو العم مع المولى يكونون شركاء في الولاية ولا يشرك الاب أحد في الولاية بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الابوة مطلقا له دون غيره كما أوجب للام الوالدة اسم الام مطلقا لها دون غيرها فإن قال قائل فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر في نفسه يرد عنه إن خولف أمره وسأل عن الدلالة على ما قلنا من أنه قد يؤمر بالاستئمار من لا يحل محل أن يرد عنه خلاف ما أمر به فالدلالة عليه أن الله عزوجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (فاعف عنهم
واستغفر لهم وشاورهم في الامر) فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا وإنما أمر بمشاورتهم والله أعلم لجمع الالفة وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الامر ماله وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا لا على أن لاحد من الآدميين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرده عنده إذا عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الامر به والنهى عنه ألا ترى إلى قوله عزوجل (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال عزوجل (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها ولا يختلف الناس أن ليس لامها فيها أم ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت أو لا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت لان ابنة نعيم لو كان لها أن ترد أمر أبيها وهى بكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسئلتها فإن أذنت جاز عليها وإن لم تأذن رد عنها كما رد عن خنساء ابنة خذام ولو كان نعيم استأذن ابنته وكان شبيها أن لا يخالف أمها ولو خالفها أو تفوت عليها فكان نكاحها بإذنها كانت أمها شبيها أن لا تعارض نعيما في كراهية إنكاحها من رضيت ولا أحسب أمها تكلمت إلا وقد سخطت ابنتها أو لم تعلمها رضيت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن حارثة عن خنساء بنت خذام الانصارية أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (قال الشافعي) رحمه الله وهذا موافق قول النبي صلى الله عليه وسلم (الايم أحق بنفسها من وليها) والدليل على ما قلنا من أن ليس للمرأة أن تنكح إلا بإذن ولى ولا للولى أن يزوجها إلا بإذنها ولا يتم نكاح إلا برضاهما معا ورضا الزوج (قال الشافعي) وروى عن الحسن بن أبى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لانكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وهذا وإن كان منقطعا دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقول به ويقول الفرق بين النكاح والسفاح الشهود (قال الشافعي) وهو ثابت عن ابن عباس رضى الله عنهما وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنكاح يثبت بأربعة أشياء الولى ورضا المنكوحة ورضا الناكح وشاهدي عدل إلا ما وصفنا من البكر
يزوجها الاب والامة يزوجها السيد بغير رضاهما فإنهما مخالفان ما سواهما وقد تأول فيها بعض اهل العلم قول الله عزوجل (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وقال الاب في ابنتة البكر والسيد في أمته وقد خالفه غيره فيما تأول قال هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر وفي الآية كالدلالة على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج والله سبحانه أعلم وهذا مكتوب في كتاب الطلاق فإذا كان يتم بأشياء فنقص منها واحد فهو غير تام ولا جائز فأي هذه الاربعة نقص لم يجز معه النكاح ويجب خامسة
__________
(1) قوله: فقد يشركه في الولاية غير الخ، لعل في العبارة تحريفا، فانطر.
كتبه مصححه.(5/180)
أن يسمى المهر وإن لم يفعل كان النكاح جائزا فيما ذكرنا من حكم الله تعالى في المهور.
الخلاف في نكاح الاولياء والسنة في النكاح (قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الاولياء فقال: إذا نكحت المرأة كفؤا بمهر مثلها فالنكاح جائز وإن لم يزوجها ولى وإنما أريد بهذا أن يكون ما يفعل أن يأخذ به حظها فإذا أخذته كما يأخذه الولى فالنكاح جائز وذكرت له لبعض ما وصفت من الحجة في الاولياء وقلت له: أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك؟ فقال: إنما أريد من الاشهاد أن لا يتجاحد الزوجان فإذا نكحها بغير بينة فالنكاح ثابت فهو كالبيوع تثبت وإن عقدت بغير بينة قال ليس ذلك له، قلنا ولم؟ قال لان سنة النكاح البينة.
فقلت له: الحديث في البينة في النكاح عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع وأنت لا تثبت المنقطع ولو أثبته دخل عليك الولى.
قال: فإنه عن ابن عباس وغيره متصل قلت: وهكذا أيضا الولى عنهم والحديث رضى الله عنه أنه رد النكاح بغير إذن ولى، وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أفسدت النكاح بترك الشهادة فيه وأثبته بترك الولى وهو أثبت في الاخبار من الشهادة؟ ولم تقل إن الشهود إنما جعلوا لاختلاف الخصمين فيجوز إذا تصادق الزوجان، وقلت لا يجوز لعلة في شئ جاءت به سنة وما جاءت به سنة فإنه يثبت بنفسه ولا يحتاج إلى أن يقاس على سنة أخرى لانا لا ندرى لعله أمر به لعلة أم لغيرها ولو جاز هذا لنا أبطلنا عامة السنن وقلنا إذا نكحت بغير صداق ورضيت لم يكن لها صداق وإن دخل بها لانا إنما نأخذ الصداق لها وأنها إذا عفت
الصداق جاز فنجيز النكاح والدخول بلا مهر فكيف لم تقل في الاولياء هكذا؟ قال: فقد خالفت صاحبي في قوله في الاولياء وعلمت أنه خلاف الحديث فلا يكون النكاح إلا بولي (قال الشافعي) رحمه الله: فقلت له وإنما فارقت قول صاحبك ورأيته محجوجا بأنه يخالف الحديث وإنما القياس الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم فأما أن تعمد إلى حديث والحديث عام فتحمله على أن يقاس فما للقياس ولهذا الموضع إن كان الحديث يقاس؟ فأين المنتهى إذا كان الحديث قياسا؟ قلت من قال هذا فهو منه جهل وإنما العلم اتباع الحديث كما جاء.
قال نعم: قلت فأنت قد دخلت في بعض معنى قول صاحبك قال وأين؟ قلت زعمت أن المرأة إذا نكحت بغير إذن وليها فالنكاح موقوف حتى يجيزه السلطان إذا رآه احتياطا أو يرده: قال: نعم قلت: فقد خالفت الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها باطل وعمر رضى الله عنه يرده فخالفتهما معا، فكيف يجيز السلطان عقدة إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلها؟ قال وكيف تقول؟ قلت: يستأنفها بأمر يحدثه فإذا فعل ذلك فليس ذلك بإجازة العقدة الفاسدة بل الاستئناف وهو نكاح جديد يرضيان به.
قلت أرأيت رجلا نكح امرأة على أنه بالخيار أو هي أيجوز الخيار؟ قال: لا قلت ولم لا يجوز كما يجوز في البيوع؟ قال ليس كالبيوع قلت والفرق بينهما أن الجماع كان محرما قبل العقدة فلما انعقدت حال الجماع ولا يجوز أن تكون العقدة التي بها يكون الجماع بالنكاح تاما أبدا إلا والجماع مباح وإن كان غير مباح فالعقدة غير ثابتة لان الجماع ليس بملك مال يجوز للمشترى هبتة للبائع، واللبائع هبتة للمشترى إنما هي إباحة شئ كان محرما يحل بها لا شئ يملكه ملك الاموال، قال ما فيه فرق أحسن من هذا وإنما دون هذا(5/181)
الفرق، قلت له تركت في المرأة تنكح بغير إذن ولى الحديث والقياس وزعمت أن العقدة مرفوعة والجماع غير مباح، فإن أجازها الولى جازت وقد كان العقد فيها غير تام ثم زعمت هذا أيضا في المرأة يزوجها الولى بغير إذنها فقلت إن أجازت النكاح جاز وإن ردته فو مردود وفي الرجل يزوج المرأة بغير علمه إن أجاز النكاح جاز وإن رده فهو مردود وأجزت ان تكون العقدة منعقدة والجماع غير مباح وأجزت الخيار في النكاح وهو خلاف السنة وخلاف أصل من ذلك قال فما تقول أنت؟ قلت كل عدة
انعقدت غير تامة (1) يكون الجماع بها مباحا فهى مفسوخة لا نجيزها بإجازة رجل ولا امرأة ولا ولى ولا سلطان ولا بد فيها من استئناف بالسنة والقياس عليها وكل ما زعمت أنت من هذا أنه موقوف على رضا امرأة أو رجل أو ولى أو سلطان فهو مفسوخ عندي، وقلت له قال صاحبك في الصبية يزوجها غير الاب النكاح ثابت و لها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل تبلغ قال فقد خالفناه في هذا فقلنا لا خيار لها والنكاح ثابت فقلت له ولم اثبت النكاح على الصغيرة لغير الاب فجعلتها يملك عليها امرها غير أبيها ولا خيار لها، وقد زعمت أن الامة إنما جعل لها الخيار إذا عتقت لانها كانت لا تملك نفسها بأن تأذن فيجوز عليها ولا ترد فيرد عنها فلم يصلح عندك أن تتم عليها عقدة انعقدت قبل أن يكون لها الامر ثم يكون لها أمر فلا تملك النكاح ولا رد إجازته؟ قال فتقول ماذا؟ قلت لا يثبت على صغيرة ولا صغير إنكاح أحد غير أبيها وأبيه ولا يتوارثان؟ قال فإنا إنما أجزناه عليها على وجه النظر لها قلت: فيجوز أن ينظر لها نظرا يقطع به حقها الذي أثبته لها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أنه ليس لغير الاب أن يزوج حرة بالغه إلا برضاها وذلك أن تزويجها إثبات حق عليها لا تخرج منه.
فإن زوجها صغيرة ثم صارت بالغة لا أمر لها في رد النكاح فقد قطعت حقها المجعول لها وإن جعلت لها الخيار دخلت في المعنى الذي عبت من أن تكون وارثة موروثة ولها بعد خيار (قال الشافعي) فقال لى فقد يدخل عليك في الامة مثل ما دخل على قلت: لا الامة أنا أخيرها عند العبد بالاتباع ولا أخيرها عند الحر لاختلاف حال العبد والحر وأن العبد لو انتسب حرا فتزوجها على ذلك خيرتها لانه لا يصل من أداء الحق لها والتوصل إليها إلى ما يصل إليه الحر والامة مخالفة لها والامة الثيب البالغ يزوجها سيدها كارهة ولا يزوج البالغة البكر ولا الصغيرة غير الاب كارهة.
قال فما ترى لو كانت فقيرة فزوجت نظرا لها أن النكاح جائز؟ قلت: أيجوز أن أنظر إليها بأن أقطع الحق الذي جعل لها في نفسها؟ هل رأيت فقير يقطع حقه حقه في نفسه ولا يقطع حق الغنى؟ قال: فقد بيع عليها في مالها، قلت: فيما لا بد لها منه.
وكذلك أبيع على الغنية وفي النظر لهما أبيع وحقهما في أموالهما مخالف حقهما في أنفسهما، قال: فما فرق بينهما؟ قلت: أفرأيت لودعت المرأة البالغة أو الرجل البالغ المولى عليهما إلى بيع شئ من أموالهما إمساكه خير لهما بلا
ضرورة في مطعم ولا غيره أتبيعه؟ قال لا، قلت: ولو وجب على أحدهما أو احتيج إلى بيع بعض ماله في ضرورة نزلت به أو حق يلزمه أتبيعه وهو كاره؟ قال نعم قتل: فلو دعت البالغ إلى منكح كف ء أتمنعها؟ قال لا.
قلت ولو خطبها فمنعته أتنكحها؟ قال لا قلت: أفترى حقها في نفسها يخالف حقها في مالها؟ قال نعم، وقد يكون النكاح للفقيرة الصغيرة والكبيرة سواء، قلت له: وكيف زعمت أن لا نفقة لها حتى تبلغ الجماع فعقدت عليها النكاح ولم تأخذ لها مهرا ولانفقة ومنعتها بذلك من غير من
__________
(1) قوله: يكون الجماع الخ كذا في النسخ ولعل " لا " ساقطة من الناسخ، فانظر.
كتبه مصححه.(5/182)
زوجته إياها ولعل غيره خير لها أو أحب إليها أو أوفق لها في دين أو خلق أو غير ذلك؟ فلست أرى عقدك عليها إلا خلاف النظر لها لانها لو كانت بالغا كانت أحق بنفسها منك كان النظر يكون بوجوه منها أن توضع في كفاءة أو عند ذى دين أو عند ذي خلق أو عند ذى مال أو عند من تهوى فتعف به عن التطلع إلى غيره وكان أحد لا يقوم في النظر لها في الهوى والمعرفة والموافقة لها مقام نفسها لانه لا يعرف ذات نفسها من الناس إلا هي فإنكاحها وإن كانت فقيرة قد يكون نظرا عليها وخلاف النظر لها، قال أما في موضع الهوى في الزوج فنعم قلت فهى لو كانت بالغة فدعوتها إلى خير الناس ودعت إلى دونه إذا كان كفؤا كان الحق عندك أن زوجها من دعت إليه وكانت أعلم بمن يوافقها وحرام عندك أن تمنعها إياه ولعلها تفتتن به أليس تزوجه؟ قال نعم.
قلت فأراها أولى بالنظر لنفسها منك وأرى نظرك لها في الحال التي لا تنظر فيه لنفسها قد يكون عليها، قتل أفتزوح الصغيرة الغنية؟ قال نعم، قلت: قد يكون تزويجها نظرا عليها تموت فيرثها الذي زوجتها إياه وتعيش عمرا غير محتاجة إلى مال الزوج ومحتاجة إلى موافقته وتكون أدخلتها فيما لا توافقها.
وليست فيها الحاجة التي اعتللت بها في الفقيرة، قال فيقبح أن نقول تزوج الفقيرة ولا تزوج الغنية قلت كلاهما قبيح.
قال فقد تزوج بعض التابعين، قلت قد نخالف نحن بعض التابعين بما حجتنا فيه أضعف من هذه الحجة وأنت لا ترى قول أحد من التابعين يلزم فكيف تحتج به (1)؟ قلت له أرأيت إذا جامعنا في أن لا نكاح إلا بشاهدين واكتفينا إذا قلت بشاهدين إنى إنما أردت الشاهدين الذين تجوز شهادتهما فأما من لا تجوز شهادته فلا يجوز النكاح به
كما يكون من شهد بحق ممن لا تجوز شهادته غير مأخوذ بشهادته حق فقلت أنت تجيز النكاح بغير من تجوز شهادته إذا وقع عليها اسم الشهادة فكيف قلت بالاسم دون العدل هنا ولم تقل هناك؟ قال لما جاء الحديث فلم يذكر عدلا قلت هذا معفو عن العدل فيه فقلت له قد ذكر الله عزوجل شهود الزنا والقذف والبيع في القرآن ولم يذكر عدلا وشرط العدل في موضع غير هذا الموضع أفرأيت إن قال لك رجل بمثل حجتك إذا سكت عن ذكر العدل وسمى الشهود اكتفيت بتسمية الشهود دون العدل؟ قال ليس ذلك له إذا ذكر الله الشهود وشرط فيهم العدالة في موضع ثم سكت عن ذكر العدالة فيهم في غيره استدللت على أنه لم يرد بالشهود إلا أن يكونوا عدولا قلت وكذلك إذا قلت لرجل في حق ائت بشاهدين لم تقبل إلا عدولا؟ قال: نعم قلت أفيعد النكاح أن يكون كبعض هذا فلا يقبل فيه إلا العدل وكالبيوع لا يستغني فيه عن الشهادة إذا تشاجر الزوجان أو يكون فيه خير عن أحد يلزم قوله فينتهى إليه؟ قال ما فيه خبر وما هو بقياس ولكنا استحسناه ووجدنا بعض أصحابك يقول قريبا منه، فقلت له إذا لم يكن خبرا ولا قياسا وجاز لك أن تستحسن خلاف الخبر فلم يبق عندك من الخطأ شئ إلا قد أجزته، قال فقد قال بعض أصحابك إذا أشيد بالنكاح ولم يعقد بالشهود جاز وإن عقد بشهود ولم يشد به لم يجز (قال الربيع أشيد يعني إذا تحدث الناس بعضهم في بعض فلان تزوج وفلانة خدر) فقلت له أفترى ما احتججت به من هذا فتشبه به على أحد؟ قال لا هو خلاف الحديث وخلاف القياس لانه لا يعدو أن يكون كالبيوع فالبيوع يستغنى فيها عن الشهود وعن الاشادة ولا ينقضها الكتمان أو تكون سنته الشهود والشهود إنما يشهدون على العقد والعقد ما لم يعقد فإذا وقع العقد بلا شهود لم تجزه الاشادة والاشادة غير شهادة.
قلت له فإذا كان هذا القول خطأ عندك فكيف احتججت به وبالسنة
__________
(1) قوله: قلت له ارأيت الخ كذا في النسخ وهي في مثل هذا الموضع سقيمة، فحرر، كتبه مصححه.(5/183)
عليه؟ قال غيره من أصحابه فإن احتججت بالذي قال بالاشادة فقلت إنما أريد بالاشادة أن يكون يذهب التهمة ويكون أمرهما عند غير الزوجين أنهما زوجان قلت: فإن قال لك قائل هذا في المتنازعين في البيع فجاء المدعى بمن يذكر أنه سمع في الاشادة أن فلانا اشترى دار فلان أتجعل هذه بيعا؟ قال:
لا قلت قإن كانوا ألفا؟ قال فإنى لا أقبل إلا البينة القاطعة قلت: فهكذا نقول لك في النكاح بل النكاح أولى لان أصل النكاح لا يحل إلا بالبينة وأصل البيع يحل بغير بينة وقلت: أرأيت لو أشيد بنكاح امرأة وأنكرت المرأة النكاح أكنا نلزمها النكاح بلا بينة؟ باب طهر الحائض (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله: وإذا انقطع عن الحائض الدم لم يقربها زوجها حتى تطهر للصلاة فإن كانت واجدة للماء فحتى تغتسل وإن كانت مسافرة غير واجدة للماء فحتى تتيمم لقول الله عزوجل (ولا تقربوهن حتى يطهرن) أي حتى ينقطع الدم ويرين الطهر (فإذا تطهرن) يعني والله تعالى أعلم الطهارة التي تحل بها الصلاة لها ولو أتى رجل امرأته حائضا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل فليسغفر الله ولا يعد حتى تطهر وتحل لها الصلاة، وقد روى فيه شئ لو كان ثابتا أخذنا به ولكنه لا يثبت مثله.
باب في إتيان الحائض (قال الشافعي) قال الله عزوجل (ويسألونك عن المحيض قال هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) يحتمل معنيين أحدهما فاعتزلوهن في غير الجماع ولا تقربوهن في الجماع فيكون اعتزالهن من وجهين والجماع أظهر معانيه لامر الله بالاعتزال ثم قال (ولا تقربوهن) فأشبه أن يكون أمرا بينا وبهذا نقول لانه قد يحتمل أن يكون أمر باعتزالهن ويعنى أن اعتزالهن الاعتزال في الجماع (قال الشافعي) وإنما قلنا بمعنى الجماع مع أنه ظهر الآية بالاستدلال بالسنة.
الخلاف في اعتزال الحائض (قال الشافعي) رحمه الله: قال بعض الناس إذا اجتنب الرجل موضع الدم من امرأته وجاريته حل به ما سوى الفرج الذي فيه الاذى، قال الله عزوجل (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) فاستدللنا على أنه إنما أمر باعتزال الدم.
قلت: فلما كان ظاهر الآية أن يعتزلن لقول الله تبارك وتعالى (فاعتزلوا النساء) وقوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فإذا تطهرهن كانت الآية محتملة اعتزالها اعتزالا غير اعتزال الجماع فلما نهى أن يقربن دل ذلك على أن لا يجامعن قال إنها
تحتمل ذلك ولكن كيف قلت يعتزل ما تحت الازار دون سائر بدنها؟ قلت له احتمل اعتزالهن (اعتزلوا) جميع أبدانهن واحتمل بعض أبدانهن دون بعض فاستدللنا بالسنة على ما أراد الله من اعتزالهن فقلت به كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.(5/184)
باب ما ينال من الحائض (قال الشافعي) قال الله عزوجل (ويسألونك عن المحيض قال هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن) (قال الشافعي) فالبين في كتاب الله أن يعتزل إتيان المرأة في فرجها للاذى فيه.
وقوله (حتى يطهرن) يعنى يرين الطهر بعد انقطاع الدم (فإذا تطهرن) إذا اغتسلن (فأتوهن من حيث أمركم الله) قال بعض الناس من أهل العلم من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن يعنى عاد الفرج إذا طهرهن فتطهرن بحاله قبل تحيض حلالا قال جل ثناؤه (فاعتزلوا النساء في المحيض) يحتمل فاعتزلوا فروجهن بما وصفت من الاذى، ويحتمل اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن وفروجهن وبعض أبدانهن دون بعض وأظهر معانيه اعتزال أبدانهن كلها لقول الله عزوجل (فاعتزلوا النساء في المحيض) فما احتمل هذه المعاني طلبنا الدلالة على معنى ما أراد جل وعلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدناها تدل مع نص كتاب الله على اعتزال الفرج؟ وتدل مع كتاب الله عزوجل على أن يعتزل من الحائض في الاتيان والمباشرة ما حول الازار فأسفل ولا يعتزل ما فوق الازار إلى أعلاها فقلنا بما وصفنا لتشدد الحائض إزارا على أسفلنا ثم يباشرها الرجل من إتتيانها من فوق الازار ما شاء.
فإن اتاها حائضا فليستغفر الله ولا يعد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أن ابن عمر رضى الله عنهما أرسل إلى عائشة رضى الله عنها يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهى حائض؟ فقالت لتشدد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أراد الرجل أن يباشر امرأته حائضا لم يباشرها حتى تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها من فوق الازار منها مفضيا إليه ويتلذذ به كيف شاء منها ولا يتلذذ بما تحت الازار منها ولا يباشرها مفضيا إليها والسرة ما فوق الازار.
الخلاف في مباشرة الحائض
(قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في مباشرة الرجل امرأته وإتيانه إيها وهى حائض فقال ولم؟ قلت لا ينال منها بفرجه ولا يباشرها فيما تحت الازار وينال فيما فوق الازار فقلت له بالذي ليس لى ولك ولا لمسلم القول بغيره وذكرت فيه السنة فقال قد روينا خلاف ما رويتم فروينا أن يخلف موضع الدم ثم ينال ما شاء فذكر حديثا لا يثبته أهل العلم بالحديث فقال فهل تجد لما بين تحت الازار وما فوقه فرقا مع الحديث؟ فقلت له: نعم وافرق أقوى من الحديث احد الذي يتلذذ به منها سوى الفرج مما تحت الازار الاليتان والفخذان فأجدهما يفارقان ما فوق الازار في معنيين: أحدهما الدم إذا سال من الفرج جرى فيهما وعليهما، والثاني أن الفرج عورة و الاليتين عورة (1) فهما فرج واحد من بطن الفخذين متصلين بالفرج نفسه وإذا كشف عنها الازار كاد أن ينكشف عنه والازار يكشف عن الفرج ويكون عليه وليس على ما فوقه.
__________
(1) قوله: فهما فرج واحد الخ كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(5/185)
باب إتيان النساء في أدبارهن (قال الشافعي) رضى الله عنه قال الله عزوجل (نساؤكم حرث لكم) الآية (قال الشافعي) احتملت الآية معنين أحدهما أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها لان (أنى شئتم) يبين أين شئتم لا محظور منها كما لا محظور من الحرث، واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات وموضع الحرث الذي يطلب به الولد الفرج دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه، وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما (قال الشافعي) فطلبنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا حديثين مختلفين أحدهما ثابت وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا عمى محمد بن على بن شافع قال أخبرني عبد الله بن على بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح
أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح أنا شككت (يعنى الشافعي) عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أي حلال) فلما ولى الرجل دعاه أو امر به فدعى فقال (كيف؟ قلت في اي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن) قال فما تقول؟ قلت عمى ثقة وعبد الله بن على ثقة وقد أخبرني محمد عن الانصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خبرا وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه.
باب ما يستحب من تحصين الاماء عن الزنا (قال الشافعي) قال الله عزوجل (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) الآية فزعم بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد سماه له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالاولاد فيتخولهن وقد قيل نزلت قبل حد الزنا والله أعلم فإن كانت نزلت قبل حد الزنا ثم جاء حد الزنا فما قبل الحدود منسوخ بالحدود وهذا موضوع في كتاب الحدود وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل إن قول الله عز وجل (فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) نزلت في الاماء المكرهات أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه، وقيل غفور أي هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد عنهن إذا أكرهن على الزنا وقد أبطل الله تعالى عمن أكره على الكفر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيا وضع الله عن أمته وما استكرهوا عليه.
باب نكاح الشغار (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى(5/186)
الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على ان يزوجه الرجل الاخر ابنته وليس بينهما صداق (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبى تجيح عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا شغار في الاسلام) (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا
نقول والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه ابنته صداق كل واحدة منهما بضع الاخرى فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ فإن دخل بها فلها المهر بالوطئ ويفرق بينها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محدم بن على قال الزهري وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر تحريم المتعة (قال الشافعي) والمتعة أن ينكح الرجل المرأة إلى أجل معلوم فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ دخل بها أو لم يدخل فإن أصابها فلها المهر بالمسيس.
الخلاف في نكاح الشغار (قال الشافعي) رحمه الله: فقال بعض الناس أما الشغار فالنكاح فيه ثابت ولكل واحدة من المنكوحتين مهر مثلها وأما المتعة فإن قلت فهو فاسد فما يدخل على؟ قلت ما لا يشتبه فيه خطؤك قال وما هو؟ قلت ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار ولم تختلف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فأجزت الشغار الذي لا مخالف عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهى عنه ورددت نكاح المتعة وقد اختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها قال فإن قلت فإن أبطلا الشرط في المتعة جاز النكاح وإن لم يبطلاه فالنكاح مفسوخ قلت له إذا تخطئ خطأ بينا قال فكيف؟ قلت روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عنها وما نهى عنه حرام ما لم يكن فيه رخصة بحلال وروى عنه أنه أحله فلم يحلله وأحدثت بين الحديثين شيئا خارجا منهما خارجا من مذاهب الفقه متناقضا قال وما ذاك؟ قلت أنت تزعم أنه لو نكح رجل امرأة على أن كل واحد منهما بالخيار كان النكاح باطلا لان الخيار لا يجوز في النكاح لان ما شرط في عقده الخيار لم يكن العقد فيه تاما وهذا وإن جاز في الشرع لم يجز في النكاح عندنا وعندك، فإن قلت فإن ابطل المتناكحان نكاح المتعة الشرط فقد زعمت أن عقد النكاح وقع والجماع لا يحل فيه ولا الميراث إن مات أحدهما قبل إبطال الشرط لم تجزه بعد وقوعه غير جائز فقد أجزت فيه الخيار للزوجين وأنت تزعم أن الخيار لهما يفسد العقدة.
ثم أحللته بشئ آخر عقدة لم يشترط فيها خيار ثم أحدثت لهما شيئا من قبلك أن جعلت لهما خيارا ولو قسته بالبيوع كنت قد اخطأت فيه القياس قال ومن أين؟ قلت: الخيار في البيوع لا يكون عندك إلا بأن يشترى ما لم ير عينه فيكون له الخيار إذا رآه
أو يشترى فيجد عيبا فيكون بالخيار إن شاء رده وإن شاء حبس، والنكاح برئ من هذين الوجهين عندك؟ قال: نعم قلت والوجه الثاني الذي تجيز غيه الخيار في البيوع أن يتشارط المتبايعان أو احدهما الخيار وإن وقع عقدهما البيع على غير الشرط لم يكن لهما ولا لاحد منهما خيار إلا بما وصفت من أن لا يكون المشترى رأى ما اشتراه أو دلس له بعيب، قال: نعم قلت فالمتناكحان نكاح المتعة إنما نكحا نكاحا يعرفانه إلى مدة لم يشترطا خيارا فكيف يكون زوجها اليوم وغدا غير زوجها بغير طلاق يحدثه والعقد إذا عقد ثبت إلا أن يحدث فرقة عندك؟ أو كيف تكون زوجة ولا يتوارثان؟ أم كيف يتوارثان يوما ولا يتوارثان في غده؟ قال: فإن قلت فالنكاح جائز والشرط في المدة في النكاح باطل قلت فأنت(5/187)
تحدث للمرأة والرجل نكاحا بغير رضاهما ولم يعقداه على أنفسهما وإنما قسته بالبيع والبيع لو عقد (1) فقال البائع والمشترى أشترى منك هذا عشرة أيام كل يوم كان البيع مفسوخا لانه لا يجوز أن أملكه إياه عشرا دون الابد ولا يجوز أن أملكه إياه عشرا وقد شرط أن لا يملكها إلا عشرا فكان يلزمك أن لو لم يكن في نكاح المتعة خير يحرمه أن تفسده إذا جعلته قياسا على البيع فأفسدت البيع قال فقال فإن جعلته قياسا على الرجل يشترط للمرأة دارها أن يكون النكاح ثابتا والشرط باطلا؟ قلت له: فإن جعلته قياسا على هذا أخطأت من وجوه قال وما هي؟ قلت من الناس من يقول لها شرطها ما كان والنكاح ثابت بينهما وبينها وبينه وما بين الزوجين من الميراث وغيره فإن قسته على هذا القول لزمك أن تقول ذلك في المتناكحين نكاح متعة، قال: لا أقيسه على هذا القول ولا يجوز أن يثبت بينهما ما يثبت بين الزوجين وهى زوجة في أيام غير زوجة بعده؟ فقلت: فإن قسته على من قال إن النكاح ثابت وشرطها دارها باطل فقد أحدثت لهما تزويجا بغير شرطهما أن ليسا بزوجين ما لم يرضه أحد منهما فكنت رجلا زوج اثنين بلا رضاهما ولزمك إن أخطأت القياس من وجه آخر، قال واين؟ قلت: الناكحة المشترطة دارها نكحت على الابد فليس في عقدها النكاح على الابد شئ يفسد النكاح وشرطت أن لا يخرج بها من دارها نكحت على الابد والشرط فهى وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهى حلال الفرج في دارها وغير دارها والشرط زيادة في مهرها والزيادة في المهر عندنا وعندك كانت جائزة أو
فاسدة لا تفسد العقدة وللناكحة متعة لم ينكحها على الابد إنما نكحته يوما أو عشرا فنكحته على أن زوجها حلال في اليوم أو العشر محرم بعده لانها بعده غير زوجة لا يجوز أن يكون فرج يوطأ بنكاح يحل في هذه ويحرم في أخرى قال ما هي بقياس عليها أن تكون زوجته اليوم وغير زوجته الغد بلا إحداث فرقة (قال الشافعي) رحمه الله: فقلت له أرأيت لو استقامت قياسا على واحد مما أردت ان تقيسها عليه أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم وخبر بتحليل؟ فزعمنا نحن وانت أن التحليل منسوخ فتجلعه قياسا على شي ء غيره ولم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر؟ فإن جاز هذا لك جاز عليك أن يقول لك قائل حرم الطعام والجماع في الصوم والصلاة وحرم الجماع في الاحرام فأحرم الطعام فيه أو أحرم الكلام في الصوم كما حرم في الصلاة قال لا يجوز هذا في شئ من العلم تمضى كل شريعة على ما شرعت عليه وكل ما جاء فيه خبر على ما جاء، قلت: فقد عمدت في نكاح المتعة وفيه خبر فجعلته قياسا في النكاح على ما لا خبر فيه فجعلته قياسا على البيوع وهو شريعة غيره ثم تركت جميع ما قست عليه وتناقض قولك فقال فإنه كان من قول أصحابنا إفساده قلت فلم لم تفسده كما أفسده من زعم أن العقدة فيه فاسدة ولم تجزه كما أجازه من زعم انه حلال على ما تشارطا ولم يقم لك فيه قول على خبر ولا قياس ولا معقول؟ قال فلاى شئ أفسدت أنت الشغار والمتعة؟ قلت: بالذى أوجب الله عزوجل على من طاعة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وما أجد في كتاب الله من ذلك فقال (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم) وقال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) قال فكيف يخرج نهى النبي صلى الله عليه وسلم عندك؟ قلت ما نهى عنه مما كان محرما حتى أحل بنص من كتاب الله عزوجل أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى
__________
قوله: فقال البائع الخ كذا في النسخ ولا تخلو العبارة من تحريف أو سقط، فحرر.
كتبه مصححه.(5/188)
من ذلك عن شئ فالنهى يدل على أن ما نهى عنه لا يحل قال ومثل ماذا؟ قلت مثل النكاح كل النساء محرمات الجماع إ لا بما أحل الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصيح أو ملك
اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلل ما كان منه محرما وكذلك البيوع ثم أموال الناس محرمة على غيرهم إلا بما أحل الله من بيع وغيره فإن انعقد البيع بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل بعقدة منهى عنه فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار والمتعة قلت: المنكوحات بالوجهين كانتا غير مباحتين إلا بنكاح صحيح ولا يكون ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح ولا البيع صحيحا.
قال هذا عندي كما زعمت ولكن قد يقول بعض الفقهاء في النهى ما قلت ويأتى نهى آخر فيقولو ن فيه خلافه ويوجهونه على انه لم يرد به الحرام.
فقلت له إن كان ذلك بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد بالنهي الحرام فكذلك ينبغى لهم وإن لم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة لم يكن لهم ان يزعموا أن النهى مرة محرم وأخرى غير محرم فلا فرق بينهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فدلني في غير هذا على مثله؟ فقلت أرأيت لو قال لك قائل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فعلمت أنه لم ينه عن الجمع بين ابنتى العم ولهما قرابة ولا بين القرابات غيرهما فكانت العمة والخالة وابنة الاخ والاخت حلالا ان يبتدأ بنكاح كل واحدة منهن على اللانفراد أنهن أحللن وخرجن عن معنى الام والبنت وما حرم على الابد بحرمة نفسه أو بحرمة غيره فاستدللت على أن النهى عن ذلك إنما هو كراهية أن يفسد ما بينهما والعمة والخالة ووالدتان ليستا كابنتي العم اللتين لا شئ لواحدة منهما على الاخرى إلا للاخرى مثله فإن كانتا راضيتين بذلك مأمونتين بإذنهما وأخلاقهما على أن لا يتفاسدا بالجمع حل الجمع بينهما قال ليس ذلك له قلت: وكذلك الجمع بين الاختين قال: نعم قلت فإن نكح امرأة على عمتها فلما انعقدت العقدة قبل يمكن الجمع بينهما ماتت التي كانت عنده وبقيت التي نكح قال فعقدة الآخرة فاسدة قلت فإن قال قد ذهب الجمع وصارت التي نهى أن ينكح على هذه المرأة الميتة فقال لك أنا لو ابتدأت نكاحها الآن جاز فأقرر نكاحها الاول؟ قال ليس ذلك له إن انعقدت العقدة بأمر نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح بحال يحدث بعدها فقلت له فهكذا قلت في الشغار والمتعة قد انعقد بأمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا نعلمه في غيره وما نهى عنه
بنفسه أولى أن لا يصح مما نهى عنه بغيره فإن افترق القول في النهى كان الجمع بين المرأة وعمتها ونكاح الاخت على أختها إذا ماتت الاولى منهما قبل أن تجتمع هي والاخرة اولى أن يجوز لانه إنما نهى عنه لعلة الجمع وقد زال الجمع قال فإن زال الجمع فإن العقد كان وهو ثابت على الاولى فلا يثبت على الآخرة وهو منهى عنه قلت له: فالذي أجزته في الشغار والمتعة هكذا أو أولى أن لا يجوز من هذا؟ فقلت له: أرأيت لو قال قائل: إنه أمر بالشهود في النكاح أن لا يتجاحد الزوجان فيجوز النكاح على غير الشهود ما تصادقا؟ قال لا يجوز النكاح بغير شهود.
قلت: وإن تصادقا على أن النكاح كان جائزا أو أشهدا على إقرارهما بذلك؟ قال لا يجوز.
قلت ولم؟ ألان المرأة كانت غير حلال إلا بما أحلها الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به فلما انعقدت عقده النكاح بغير ما امر به لم يحل المحرم إلا من حيث أحل؟ قال نعم قلت فالامر بالشهود لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا بثبوت النهى عن الشغار والمتعة ولو ثبت كنت به محجوجا لانك إذا قلت في النكاح بغير سنة لا يجوز لان عقد النكاحكان بغير كمال ما(5/189)
امر به وإن انعقدت بغير كمال ما أمر به فهى فاسدة قلنا لك فأيهما أولى أن يفسد العقدة التي انعقدت بغير ما أمر به أو العقدة التي انعقدت بما نهى عنه والعقدة التي تعقد بما نهى عنه تجمع النهى وخلاف الامر؟ قال كل سواء قلت وإن كانا سواء لم يكن لك ان تجيز واحدة وترد مثلها أو أوكد وإن من الناس لمن يزعم أن النكاح بغير بينة جائز غير مكروه كالبيوع وما من الناس أحد إلا يكره الشغار وينهى عنه وأكثرهم يكره المتعة وينهى عنها ومنهم من يقول يرجم فيها من ينكحها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل ان يقبض أفرأيت لو تبايع رجلان بطعام قبل ان يقبض ثم تقابضا فذهب الغرر أيجوز؟ قال: لا لان العقدة انعقدت فاسدة منهيا عنها قلت وكذلك إذا نهى عن بيع وسلف وتبايعا أيتم البيع ويرد السلف لو رفعا إليك؟ قال لا يجوز لان العقدة انعقدت فاسدة.
قيل: وما فسادها وقد ذهب المكروه منها؟ قال انعقدت بأمر منهى عنه.
قلنا: وهكذا أفعل في كل أمر ينهى عنه ولو لم يكن في إفساد نكاح المتعة إلا القياس انبغى ان يفسد من قبل أنها إذا زوجت نفسها يومين كنت قد زوجت كل واحد منهما ما لم يزوج نفسه وأبحت له ما لم يبح لنفسه قال فكيف تفسده؟ قلت
لما كان المسلمون لا يجيزون ان يكون النكاح إلا على الابد حتى يحدث فرقة لم يجز ان يحل يومين ويحرم أكثر منهما ولم يجز أن يحل في أيام لم ينكحها فكان النكاح فاسدا نكاح المحرم (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخى بنى عبد الدار أخبره أن عمر ابن عبيدالله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان: إنى قد أردت ان أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت ان تحضر فأنكر ذلك أبان وقال سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ايوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان أظنه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معناه (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الانصار فزوجاه ميمونة ابنة الحرث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن يخرج (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسمعيل بن أمية عن ابن المسيب قال ما نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة إلا وهو حلال (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المرى أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن قدامة بن موسى عن شوذب أن زيد بن ثابت رد نكاح محرم (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا كله نأخذ فإذا نكح المحرم أو أنكح غيره فنكاحه مفسوخ وللمحرم أن يراجع امرأته لان الرجعة قد ثبتت بابتداء النكاح وليست بالنكاح إنما هي شئ له في نكاح كان وهو غير محرم وكذلك له أن يشترى الامة للوطئ وغيره وبهذا نقول فإن نكح المحرم فنكاحه مفسوخ.(5/190)
باب الخلاف في نكاح المحرم أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس في نكاح المحرم فقال لا بأس أن ينكح المحرم ما لم يصب وقال روينا خلاف ما رويتم فذهبنا إلى ما روينا وذهبتم إلى ما رويتم روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح وهو محرم فقلت له أرأيت إذا اختلفت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيها تأخذ؟ قال بالثابت عنه قلت أفترى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا؟ قال: نعم قلت وعثمان غير غائب عن نكاح ميمونة لانه مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفي سفره الذي بنى بميمونة فيه في عمرة القضية وهو السفر الذي زعمت أنت بأنه نكحها فيه وإنما نكحها قبله وبنى بها فيه قال: نعم ولكن الذى روينا عنه روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو محرم فهو وإن لم يكن يوم نكحها بالغا ولا له يومئذ صحبة فإنه لا يشبه أن يكون خفى عليه الوقت الذي نكحها فيه مع قرابته بها ولا يقبله هو وإن لم يشهده إلا عن ثقة فقلت له يزيد بن الاصم ابن اختها يقول نكحها حلالا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها فقال نكحها حلالا فيمكن عليك ما أمكنك فقال هذان ثقة ومكانهما منها المكان الذي لا يخفى عليهما الوقت الذى نكحها فيه لحطها وحط من هو منها نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يقبلا ذلك وإن لم يشهداه إلا بخبر ثقة فيه فتكافأ خبر هذين وخبر من رويت عنه في المكان منها وإن كان أفضل منهما فهما ثقة أو يكون خبر اثنين أكثر من خبر واحد ويزيدونك معهما ثالثا ابن المسيب وتنفرد عليك رواية عثمان التى هي أثبت من هذا كله فقلت له: أو ما أعطيتنا أن الخبرين لو تكافئا نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده فنتبع أيهما كان فعلهما أشبه وأولى الخبرين أن يكون محفوظا فتقبله ونترك الذى خالفه؟ قال: بلى قلت فعمر ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم ويقول ابن عمر لا ينكح ولا ينكح ولا أعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما مخالفا قال فإن المكيين يقولون ينكح.
فقلت مثل ما ذهبت إليه والحجة تلزمهم مثل ما لزمتك ولعلهم خفى عليهم ما خالف ما رووا من نكاح النبي صلى الله عليه وسلم محرما قال فان من اصحابك من قال انما قلنا لا ينكح لان العدة يحل الجماع وهو محرم
عليه قلت له الحجة فيا حكينا لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا فيما وصفت أنهم ذهبوا إليه من هذا وإن كنت أنت قد تذهب احيانا إلى أضعف منه وليس هذا عندنا مذهب المذاهب في الخبر أو علة بينة فيه قال فأنتم قلتم للمحرم أن يراجع امرأته إذا كانت في عدة منه وان يشترى الجارية للاصابة قلت إن الرجعة ليست بعقد نكاح إنما هي شئ جعله الله للمطلق في عقدة النكاح أن يكون له الرجعة في العدة وعقدة النكاح كان وهو حلال فلا يبطل العقدة حق الاحرام ولا يقال للمراجع ناكح بحال فأما الجارية تشترى فإن البيع مخالف عندنا وعندك للنكاح من قبل أنه قد يشترى المرأة قد أرضعته ولا يحل له إصابتها ويشترى الجارية وأمها وولدها لا يحل له أن يجمع بين هؤلاء فأجيز الملك بغير جماع وأكثر ما في ملك النكاح الجماع ولا يصلح أن ينكح امرأة لا يحل له جماعها وقد يصلح أن يشترى من لا يحل له جماعها.
باب في إنكاح الوليين (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إسمعيل بن علية عن سعيد بن أبى عروبة عن(5/191)
قتادة عن الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنكح الوليان فالاول أحق وإذا باع المجيزان فالاول أحق) (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فبهذا نقول وهذا في المرأة توكل رجلين فيزوجانها فيزوجها أحدهما ولا يعلم الآخر حين زوجها فنكاح الاول ثابت لانه ولى موكل ومن نكحها بعده فقد بطل نكاحه وهذا قول عوام الفقهاء لا أعرف بينهم فيه خلافا ولا أدرى أسمع الحسن منه أم لا؟ (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة في الواحدة والاثنتين.
باب في إتيان النساء قبل إحداث غسل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا كان للرجل إماء فلا بأس أن يأتيهن معا قبل أن يغتسل ولو أحدث وضوءا كلما أراد إتيان واحدة كان أحب إلى لمعنيين أحدهما أنه قد روى فيه حديث وإن كان مما
لا يثبت مثله والآخر انه أنظف وليس عندي بواجب عليه وأحب إلى لو غسل فرجه قبل إتيان التي يريد ابتداء إتيانها وإتيانهن معا واحدة بعد واحدة كإتيان الواحدة مرة بعد مرة وإن كن حرائر فحللنه فكذلك وإن لم يحللنه لم أر أن يأتي واحدة في ليلة الاخرى التي يقسم لها فإن قيل فهل في هذا حديث؟ قيل إنه يستغنى فيه عن الحديث بما قد يعرف الناس وقد روى فيه شئ (قال الشافعي) من أصاب امرأة حرة أو أمة ثم أراد ان ينام فلا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة بالسنة.
إباحة الطلاق أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) قال الله عزوجل (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) الآية وقال (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) وقال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) الآية وقال (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) وقال (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) مع ما ذكرته من الطلاق في غير ما ذكرت ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة الطلاق فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض ومن كانت زوجته لا تحرم من محسنة ولا مسيئة في حال إلا أنه ينهى عنه لغير العدة وإمساك كل زوج محسنة أو مسيئة بكل حال مباح إذا أمسكها بمعروف وجماع المعروف إعفاها بتأدية الحق.
كيف إباحة الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله: اختار للزوج أن لا يطلق إلا واحدة ليكون له الرجعة في المدخول بها ويكون خاطبا في غير المدخول بها ومتى نكحها بقيت له عليها اثنتان من الطلاق ولا يحرم عليه ان
__________
(1) ق.
له: اعفاها كذا في النسخ ولعله محرف عن " اعفائها " وانظر.
كتبه مصححه.(5/192)
يطلق اثنتين ولا ثلاثا لان الله تبارك وتعالى أباح الطلاق وما أباح فليس بمحظور على أهله وان النبي صلى الله عليه وسلم علم عبد الله ابن عمر موضع الطلاق ولو كان في عدد الطلاق مباح ومحظور علمه إن شاء الله تعالى إياه لان من خفى عليه أن يطلق امرأته طاهرا كان ما يكره من عدد الطلاق ويجب لو كان فيه مكروه أشبه ان يخفى عليه وطلق عويمر العجلاني امرأته بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثا قبل أن يأمره وقبل أن يخبره انها تطلق عليه باللعان ولو كان ذلك شيئا محظورا عليه نهاه النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه وجماعة من حضره وحكت فاطمة بنت قيس ان زوجها طلقها البتة يعنى والله أعلم ثلاثا فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وطلق ركانة امرأته البتة وهى تحتمل واحدة وتحتمل ثلاثا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن نيته وأحلفه عليها ولم نلمه نهى أن يطلق البتة يريد بها ثلاثا وطلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا.
جماع وجه الطلاق (قال الشافعي) قال الله تعالى: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وقرئت (لقبل عدتهن) وهما لا يختلفان في معنى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهى حائض قال عمر فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس العدة التى أمر الله عزوجل أن تطلق لها النساء) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقال ابن عمر طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك) قال ابن عمر، قال الله تبارك وتعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) أو لقبل عدتهن (شك الشافعي) أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يقرؤها (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن) (قال الشافعي) فبين والله أعلم في كتاب الله عزوجل بدلالة سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التى تحيض دون من سواها من المطلقات أن تطلق لقبل عدتها وذلك أن حكم الله تعالى أن العدة على المدخول بها وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر وحيض، وبين أن الطلاق يقع على الحائض لانه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق.
وقد أمر الله تعالى بالامساك بالمعروف والتسريح بالاحسان ونهى عن الضرر وطلاق الحائض ضرر عليها لانها
لا زوجة ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة وهى إذا طلقت وهى تحيض بعد جماع لم تدر ولا زوجها عدتها الحمل أو الحيض؟ ويشبه ان يكون أراد أن يعلما معا العدة ليرغب الزوج وتقصر المرأة عن الطلاق إن طلبته، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر ان يعلم ابن عمر موضع الطلاق فلم يسم له من الطلاق عددا فهو يشبه أن لا يكون في عدد ما يطلق سنة إلا أنه أباح له الطلاق واحدة واثنتين وثلاثا مع دلائل تشبه هذا الحديث ودلائل القياس.(5/193)
تفريع طلاق السنة في غير المدخول بها والتى لا تحيض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها وكانت ممن تحيض أو لا تحيض فلا سنة في طلاقها إلا أن الطلاق يقع متى طلقها فيطلقها متى شاء فإن قال لها أنت طالق للسنة، أو انت طالق للبدعة، أو أنت طالق، لا للسنة ولا للبدعة، طلقت مكانها (قال) ولو تزوج رجل امرأة ودخل بها وحملت، فقال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة أو بلا سنة ولا بدعة كانت مثل المرأة التي لم يدخل بها لا تختلف هي وهى في شئ مما يقع به الطلاق، عليها حين يتكلم به (قال) ولو تزوج امرأة ودخل بها وأصابها وكانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فقال لها أنت طالق للسنة فهى مثل المرأتين قبلها لا يختلف ذلك في وقوع الطلاق عليها حين يتكلم به لانه ليس في طلاق واحدة ممن سميت سنة إلا أن الطلاق يقع عليها حين يتكلم به بلا وقت لعدة لانهن خوارج من أن يكن مدخولا بهن وممن ليست عددهن الحيض وإن نوى أن يقعن في وقت لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله عزوجل.
تفريع طلاق السنة في المدخول بها التى تحيض إذا كان الزوج غائبا (قال الشافعي) رحمه الله: إذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد ان يطلقها للسنة كتب إليها (إذا أتاك كتابي هذا وقد حضت بعد خروجي من عندك فإن كنت طاهرا فأنت طالق) وإن كان علم أنها قد حاضت قبل ان يخرج ولم يمسها بعد الطهر أو علم أنها قد حاضت وطهرت وهو غائب كتب إليها (إذا أتاك كتابي فإن كنت طاهرا فأنت طالق وإن كنت حائضا فإذا طهرت فأنت طالق) (قال) وإذا قال
الرجل لامرأته التي تحيض وقد دخل بها أنت طالق للسنة سألته فإن قال أردت ان يقع الطلاق عليها للسنة أو لم يكن له نية فإن كانت طاهرا ولم يجامعها في طهرها ذلك وقع الطلاق عليها في حالها تلك وإن كانت طاهرا قد جامعها في ذلك الطهر أو حائضا أو نفساء وقع الطلاق عليها حين تطهر من النفاس أو الحيض ووقع على الطاهر المجامعة حيت تطهر من أول حيضة تحيضها بعد قوله يقع على كل واحدة منهن حين ترى الطهر وقبل الغسل وإن قال أردت أن يقع حين تكلمت وقعت حائضا كانت أو طاهرا بإرادته، وإذا قال الرجل لا مرأته التي تحيض أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن جميعا معا في وقت طلاق السنة إذا كانت طاهرا من غير جماع وقعن حين قاله وإن كانت نفساء أو حائضا أو طاهرا فإذا طهرت قبل تجامع ولو نوى أن يقعن عند كل طهر واحدة وقعن معا كما وصفت في الحكم، فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيقعن على ما نواه ويسعه رجعتها وإصابتها بين كل تطليقتين ما لم تنقض عدتها (قال الشافعي) وتنقضي عدة المرأة بأن تدخل في الحيضة الثالثة من يوم وقع الطلاق في الحكم ولها أن لا تنكحه وتمتنع منه، وإذا قال أنت طالق ثلاثا عند كل قرء لك واحدة فإن كانت طاهرا مجامعة أو غير مجامعة وقعت الاولى لان ذلك قرء ولو طلقت فيه اعتدت به وإن كانت حائضا أو نفساء وقعت الاولى إذا طهرت من النفاس ووقعت الاخرى إذا طهرت من الحيضة الثانية إذا طهرت من الحيضة الثالثة ويبقى عليها من عدتها قرء، فإذا دخلت في الدم من الحيضة الرابعة فقد انقضت عدتها من الطلاق كله (قال) ولو قال لها هذا القول وهى طاهر أو وهى حبلى وقعت الاولى ولم تقع الثنتان كانت(5/194)
تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فيقع عليها إن ارتجع فإن لم يحدث لها رجعة فقد انقضت عدتها ولا تقع الثنتان لانها قد بانت منه وحلت لغيره ولا يقع عليها طلاقه وليست بزوجة له (قال) وسواء قال طالق واحدة أو ثنتين أو ثلاثا يقعن معا لانه ليس في عدد الطلاق سنة إلا أنى أحب له أن يطلق إلا واحدة وكذلك إن قال أردت طلاقا للسنة أن السنة ان يقع الطلاق عليها إذا طلقت فهى طالق مكانه ولو قال لها أنت طالق ولا نية له أو وهو ينوى وقوع الطلاق على ظاهر قوله وقع الطلاق حين تكلم به ولو قال لها أنت طالق للسنة واحدة وأخرى للبدعة فإن كانت طاهرا قد جومعت
أو حائضا أو نفساء وقعت تطليقة البدعة.
فإذا طهرت وقعت السنة وسواء قال لها أنت طالق تطليقة سنية وأخرى بدعية أو تطليقة للسنة وأخرى للبدعة (قال) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة وقعت عليها ثلاثا حين تكلم به لانها لا تعدو أن تكون في حال سنة أو حال بدعة فيقعن في أي الحالين كانت (قال الشافعي) وكذلك لو قال لها أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة جعلنا القول قوله فإن أراد اثنتين للسنة وواحدة للبدعة أوقعنا اثنتين للسنة في موضعهما.
وواحدة للبدعة في موضعها، وهكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وللبدعة فإن قال أردت بثلاث للسنة والبدعة أن يقعن معا وقعن في أي حال كانت المرأة وهكذا إن قال أردت أن السنة والبدعة في هذا سواء ولو قال بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ولا نية له فإن كانت طاهرا من غير جماع وقعت ثنتان للسنة حين يتكلم بالطلاق وواحدة للبدعة حين تحيض.
وإن كانت مجامعة أو في دم نفاس أو حيض وقعت حين تكلم اثنتان للبدعة وإذا طهرت واحدة للسنة (قال) ولو قال لها أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أكمل الطلاق أو خير الطلاق أو ما أشبه هذا من تفصيل الكلام سألته عن نيته فإن قال لم أنو شيئا وقع الطلاق للسنة وكذلك لو قال ما نويت إيقاعه في وقت أعرفه وكذلك لو قال ما أعرف حسن الطلاق ولا قبيحه بصفة غير أنى نويت أن يكون أحسن الطلاق وما قلت معه أن يقع الطلاق حين تكلمت به لا يكون له مدة غير الوقت الذى تكلمت به فيه فيقع حينئذ حين يتكلم به أو يقول أردت بأحسنه أنى طلقت من الغضب أو غيره فيقع حين يتكلم به إذا جاء بدلالة (قال) ولو قال لها أنت طالق أقبح أو أسمج أو أقذر أو أشر أو أنتن أو آلم أو أبغض الطلاق أو ما أشبه هذا مما يقبح به الطلاق سألناه عن نيته فإن قال أردت ما يخالف السنة منه أو قال أردت إن كان فيه شئ يقبح الاقبح وقع طلاق بدعة إن كانت طاهرا مجامعة أو حائضا أو نفساء حين تكلم به وقع مكانه وإن كانت طاهرا من غير جماع وقع إذا حاضت أو نفست أو جومعت وإن قال لم أنو شيئا أو خرس أو عته قبل يسأل وقع الطلاق في موضع البدعة فإن سئل فقال نويت أقبح الطلاق لها إذا طلقتها لريبة رأيتها منها أو سوء عشرة أو بغضة منى لها أو لبغضها من غير ريبة فيكون ذلك يقبح بها وقع الطلاق حين تكلم به لانه لم يصفه في أن يقع في وقت فيوقعه فيه (قال) ولو قال لها أنت طالق واحدة حسنة قبيحة
أو جميلة فاحشة أو ما أشبه هذا مما يجمع الشئ وخلافه كانت طالقا حين تكلم بالطلاق لان ما اوقع في ذلك وقع بإحدى الصفتين وإن قال نويت أن يقع في وقت غير هذا الوقت لم أقبل منه لان الحكم في ظاهر قوله ثنتان أن الطلاق يقع حين تكلم به ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا على نيته، ولو قال لها أنت طالق إن كان الطلاق الساعة أو الآن أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للسنة فإن كانت طاهرا من غير جماع وقع عليها الطلاق، وإن كانت في تلك الحال مجامعة أو حائضا أو نفساء لم يقع عليها الطلاق في تلك الحال ولا غيرها بهذا الطلاق، ولو قال لها أنت طالق(5/195)
إن كان الطلاق الآن أو الساعة أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للبدعة فإن كانت مجامعة أو حائضا أو نفساء طلقت وإن كانت طاهرا من غير جماع لم تطلق، ولو كانت المسألة الاولى في هذا كله غير مدخول بها أو مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى وقع هذا كله حين تكلم به وإن أراد بقوله في المدخول بها التى تحيض في جميع المسائل أردت طلاقا ثلاثا،) وأراد بقوله أنت طالق أحسن الطلاق أو بقوله: أنت طالق أقبح الطلاق ثلاثا كان ثلاثا وكذلك إن أراد اثنتين وإن لم يرد زيادة في عدد الطلاق كانت في هذا كله واحدة، ولو قال أنت طالق أكمل الطلاق فهكذا، ولو قال لها أنت طالق أكثر الطلاق عددا أو قال أكثر الطلاق ولم يزد على ذلك فهن ثلاث ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لان ظاهر هذا ثلاث (قال) وطلاق المدخول بها حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة سواء في وقت إيقاعه وإن نوى شيئا وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا في الوقت الذى نوى، ولو قال أنت طالق مل ء مكة فهى واحدة إلا أن يريد أكثر منها، وكذلك إن قال مل ء الدنيا أو قال مل ء شئ من الدنيا لانها لا تملا شيئا إلا بكلام فالواحدة والثلاث سواء فيما يملا بالكلام (قال) ولو وقت فقال أنت طالق غدا أو إلى سنة أو إذا فعلت كذا وكذا أو كان منك كذا طلقت في الوقت الذى وقت ولا تطلق قبله، ولو قال للمدخول بها التى تحيض إذا قدم فلان أو عتق فلان أو إذا فعل فلان كذا وكذا أو إذا فعلت كذا فأنت طالق لم يقع ذلك إلا في الوقت الذي يكون فيه ما اوقع به الطلاق حائضا كانت أو طاهرا، ولو قال أنت طالق في وقت كذا للسنة فإن كان ذلك الوقت وهى طاهر من غير جماع وقع
الطلاق وإن كان وهى حائض أو نفساء أو مجامعة لم يقع إلا بعد طهرها من حيضة قبل الجماع، ولو قال لها أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة أو للسنة والبدعة كانت طالقا حين تكلم بالطلاق.
طلاق التي لم يدخل بها (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال تبارك وتعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (قال الشافعي) والقرآن يدل والله أعلم على أن من طلق زوجة له دخل بها أو لم يدخل بها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا قال الرجل لامرأته التي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان عن محمد بن إياس بن الكبير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتى فسأل أبو هريرة وعبد الله بن عباس فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك فقال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير ابن عبد الله بن الاشج عن النعمان بن أبى عياش الانصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يسأل عبد الله ابن عمرو ابن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل ان يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمرو إنما أنت قاص الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره (قال الشافعي) قال الله عزوجل: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) الاية فالقرآن يدل على أن الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين انما هي على المعتدة لان الله عز وجل إنما الرجعة في العدة وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت العدة لانه يحل للمرأة في تلك(5/196)
الحال أن تنكح زوجا غير المطلق فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطيقتين فلا رجعة له عليها ولا عدة ولها أن تنكح من شاءت ممن يحل لها نكاحه وسواء البكر في هذا والثيب (قال) ولو قال للمرأة غير المدخول بها أنت طالق ثلاثا للسنة أو ثلاثا للبدعة أو ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقعن معا حين تكلم به لانه ليس فيها سنة ولا بدعة وهكذا لو كانت مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى
وإذا أراد في المدخول بها ثلاثا أن يقعن في رأس كل شهر واحدة لزمه في حكم الطلاق ثلاثا يقعن معا ويسعه فيما بينه وبين الله عزوجل أن يطلقها في رأس كل شهر واحدة ويرتجعها فيما بين ذلك ويصيبها ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسعها هي ان تصدقه ولا تتركه ونفسها لان ظاهره انهن وقعن معا وهى لا تعلم ذلك كما قال وقد يكذب على قلبه ولو قال للتى لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن حين تكلم به فإن نوى أن يقعن في رأس كل شهر فلا يسعها أن تصدقه لانه لا عدة عليها فتقع الثنتان عليها في رأس كل شهر واحدة ويسعه فيما بينه وبين الله عزوجل أن تقع واحدة ولا تقع اثنتان لانهما يقعان وهى غير زوجة ولا معتدة.
ولو قال لامرأة تحيض ولم يدخل بها أنت طالق إذا قدم فلان واحدة للسنة أو ثلاثا للسنة فدخل بها قبل ان يقدم فلان وقعت عليها الواحدة أو الثلاث إذا قدم فلان وهى طاهر من غير جماع، وإن قدم فلان وهى طاهر من أول حيض طلقت قبل يجامع وأسأله هل أراد إيقاع الطلاق بقدوم فلان فقط؟ فإن قال: نعم أو قال أردت إيقاع الطلاق بقدوم فلان للسنة في غير المدخول بها لا سنة التى دخل بها أوقعته عليه كيفما كانت امرأته لانها لم يكن فيها حين حلف ولا حين نوى السنة في التى لم يدخل بها وبنى وإني أوقع الطلاق بنيته مع كلامه، وإذا قال الرجل لامرأته لم يدخل بها أنت طالق انت طالق أنت طالق وقعت عليها الاولى ولم تقع عليها الثنتان من قبل أن الاولى كلمة تامة وقع بها الطلاق فبانت من زوجها بلا عدة عليها ولا يقع الطلاق على غير زوجة أخبرنا محمد بن إسمعيل بن أبى فديك عن أبن أبى ذئب عن أبى قسيط عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام أنه قال في رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق فقال أبو بكر أيطلق امرأة على ظهر الطريق؟ قد بانت منه من حين طلقها التطليقة الاولى.
ما جاء في الطلاق إلى وقت من الزمان (قال الشافعي) رحمه الله: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق غدا فإذا طلع الفجر من ذلك اليوم فهى طالق وكذلك إن قال لها أنت طالق في غرة شهر كذا فإذا رأى غرة شهر كذا فتلك غرته فإن أصابها وهو لا يعلم أن الفجر طلع يوم أوقع عليها الطلاق أو لا يعلم أن الهلال رؤى ثم عليم أن الفجر طلع قبل إصابته إياها أو الهلال رؤى قبل إصابته إياها إلا أنه يعلم أن إصابته كانت بعد المغرب ثم رؤى
الهلال فقد وقع الطلاق قبل إصابته إياها ولها عليه مهر مثلها بإصابته إياها بعد وقوع طلاقه عليها ثلاثا إن كان طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقى عليها من الطلاق إلا هي وإن طلقها واحدة فلها عليه مهر مثلها، ولا تكون إصابته إياها رجعة، والقول في الاصابة قول الزوج مع يمينه وكذلك هو في الحنث إلا أن تقوم عليه بينه في الحنث بخلاف ما قال أو بينة بإقراره بإصابة توجب عليه شيئا فيؤخذ لها (قال) ولو قال لها أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا أو في غرة هلال شهر كذا أو في دخول شهر كذا أو في استقبال شهر كذا كانت طالقا ساعة تغيب الشمس من الليلة التي يرى فيها هلال(5/197)
ذلك الشهر ولو رؤى هلال ذلك الشهر بعشى لم تطلق إلا بمغيب الشمس لانه لا يعد الهلال إلا من ليلته لا من نهار يرى فيه لم ير قبل ذلك في ليلته.
ولو قال أنت طالق إذا دخلت سنة كذا أو في مدخل سنة كذا أو في سنة كذا أو إذا أتت سنة كذا كان هذا كالشهر لا يختلف إذا دخلت السنة التي أوقع فيها الطلاق وقع عليها الطلاق، ولو قال لها أنت طالق في انسلاخ شهر كذا أو بمضي شهر كذا أو نفاذ شهر كذا فإذا نفذ ذلك الشهر فرؤى الهلال من أول ليلة من الشهر الذي يليه فهى طالق.
الطلاق بالوقت الذي قد مضى (قال الشافعي) وإذا قال لامرأته أنت طالق أمس أو طالق عام أول أو طالق في الشهر الماضي أو في الجمعة الماضية ثم ات أو خرس فهى طالق الساعة وتعتد من ساعتها، وقوله طالق في وقت قد مضى يريد إياقعه الآن محال (قال الربيع) وفيه قول آخر للشافعي أنه إذا قال لها أنت طالق أمس وأراد إيقاعه الساعة في أمس فلا يقع به الطلاق لان أمس قد مضى فلا يقع في وقت غير موجود (قال الشافعي) رحمه الله: ولو سئل فقال قلته بلا نية شئ أو قال قلته لان يقع عليها الطلاق في هذا الوقت وقع عليها الطلاق ساعة تكلم به واعتدت من ذلك الوقت ولو قال قلته مقرا أنى قد طلقتها في هذا الوقت ثم أصبتها فلها عليه مهر مثلها وتعتد من يوم أصابها وإن لم يصبها بعد الوقت الذي قال لها أنت طالق في وقت كذا وصدقته أنه طلقها في ذلك الوقت اعتدت منه من حين قاله وإن قالت لا أدرى اعتدت من حين استيقنت وكانت كامرأة طلقت ولم تعلم (قال) ولو كانت المسألة بحالها فقال قد كنت
طلقتها في هذا الوقت فعنيت أنك كنت طالقا فيه بطلاقي إياك أو طلقها زوج في هذا الوقت فقلت أنت طالق أي مطلقة في هذا الوقت فإن علم أنها كانت مطلقة في هذا الوقت منه أو من غيره ببينة تقوم أو بإقرار منها أحلف ما أراد به إحداث طلاق وكان القول قوله وإن نكل حلف وطلقت وهكذا لو قال لها أنت مطلقة في بعض هذه الاوقات وهكذا إن قال كنت مطلقة أو يا مطلقة في بعض هذه الاوقات (قال) وإذا قال الرجل لامرأته وقد أصابها أنت طالق إذا طلقتك أو حين طلقتك أو متى ما طلقتك أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يطلقها فإذا طلقها واحدة وقعت عليها التطليقة بابتدائه الطلاق وكان وقوع الطلاق عليها غاية طلقها إليها كقوله أنت طالق إذا قدم فلان وإذا دخلت الدار وما أشبه هذا فتطلق الثانية بالغاية ولم يقع عليها بعده طلاق ولو قال لها انت طالق كلما وقع عليك طلاقي أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يقع عليها طلاقة فإذا أوقع عليها تطليقة يملك الرجعة وقعت عليها الثلاث الاولى بإيقاعه للطلاق والثانية بوقوع التطليقة الاولى التي هي غاية لها.
والثالثة بأن الثانية غاية لهاو كان هذا كقوله كلما دخلت الدار وكلما كلمت فلانا فأنت طالق فكلما أحدثت شيئا مما جعله غاية يقع عليها الطلاق به طلقت.
ولو قال إنما أردت بهذا كله أنك إذا طلقتك طالق بطلاقي لم يدين في القضاء لان ظاهر قوله غير ما قال وكان له فيما بينه وبين الله تعالى أن يحبسها ولا يسعها هي أن تقيم معه لانها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وهكذا إن طلقها بصريح الطلاق أو كلام يشبه الطلاق نيته فيه الطلاق وهكذا إن خيرها فاختارت نفسها أو ملكها فطلقت نفسها واحدة لان كل هذا بطلاقه وقع عليها وكذلك كل طلاق من قبل الزوج مثل الايلاء وغيره مما يملك فيه الرجعة (قال) وإن وقع الطلاق الذى أوقع لا يملك فيه الرجعة لم يقع عليها إلا الطلاق الذي أوقع يملك فيه الرجعة لان الطلاق الثاني(5/198)
والثالث لا يقع إلا بغاية الاولى بعد وقوعها فلا يقع طلاقه على امرأة لا يملك رجعتها وذلك مثل قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخالعها فوقعت عليها تطليقة الخلع ولا يقع عليها غيرها لان الطلاق الذي أوقع بالخلع يقع وهى بعده غير زوجة ولا يملك رجعتها (قال الربيع) إذا قال لها أنت طالق إذا طلقتك فأراد أن تكون طالقا بالطلاق إذا طلقها فهى واحدة.
الفسخ (قال الشافعي) رحمه الله: وكل فسخ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق لا واحدة ولا ما بعدها وذلك أن يكون عبد تحته أمة فتعتق فتختار فراقه أو يكون عنينا فتخير فراقه أو ينكحها محرما فيفسخ نكاحه أو نكاح متعة ولا يقع بهذا نفسه طلاق ولا بعده لان هذا فسخ بلا طلاق، ولو قال رجل لامرأته أنت طالق أين كنت فطلقها تطليقة لم يقع عليها إلا هي لانها إذا طلقت واحدة فهى طالق أين كانت وهكذا لو قال لها أنت طالق حيث كنت وأنى كنت ومن أين كنت.
ولو قال لها أنت طالق طالقا كانت طالقا واحدة ويسأل عن قوله طالقا فإن قال أردت أنت طالق إذا كنت طالقا وقع اثنتان الاولى بإيقاعه الطلاق.
والثانية بالحنث والاولى لها غاية.
فإن قال أردت اثنتين وقعت اثنتان معا وأن قال أردت إفهام الاولى بالثانية أحلف، وكانت واحدة (قال) ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان بلد كذا وكذا فقدم فلان ذلك البلد طلقت وإن لم يقدم ذلك البلد وقدم بلدا غيره لم تطلق.
ولو قال أنت طالق كلما قدم فلان فكلما قدم فلان طلقت تطليقة ثم كلما غاب من المصر وقدم فهى طالق أخرى حتى يأتي على جميع الطلاق؟ ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان ميتا لم تطلق لانه لم يقدم.
ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان مكرها لم تطلق لان حكم ما فعل به مكرها كما لم يكن ولو قال أنت طالق متى رأيت فلانا بهذا البلد فرأته وقد قدم به مكرها طلقت لانه أوقع الطلاق برؤيتها نفس فلان و ليس في رؤيتها فلانا إكراه لها يبطل به عنها الطلاق (قال الربيع) إذا كان كل قدومه وهى في العدة فأما إذا خرجت من العدة فغاب ثم قدم لم يقع عليها طلاق لانها ليست بزوجة وهي كأجنبية (قال الشافعي) ولو قال لها أنت طالق إن كلمت فلانا فكلمت فلانا وهو حى طلقت وإن كلمته حيث يسمع كلامها طلقت وإن لم يسمعه وإن كلمته ميتا أو نائما أو بحيث لا يسمع أحد كلام من كلمه بمثل كلامها لم تطلق.
ولو كلمته وهى نائمة أو مغلوبة على عقلها لم تطلق لانه ليس بالكلام الذى يعرف الناس ولا يلزمها به حكم بحال، وكذلك لو أكرهت على كلامه لم تطلق وإذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الاولى ويسأل عما نوى في اللتين بعدها فإن كان أراد تبيين الاولى فهى واحدة وإن كان أراد إحداث طلاق بعد لاولى فهو ما أراد.
وإن أراد بالثالثة تبيين الثانية
فهى اثنتان وإن أراد بها طلاقا ثالثا فهى ثالثة وإن مات قبل أن يسأل فهى ثلاث لان ظاهر قوله إنها ثلاث، ولو قال لها أنت طالق وطالق طالق وقعت عليها اثنتان الاولى والثانية التي كانت بالواو لانها استئناف كلام في الظاهر ودين في الثالثة فإن أراد بها طلاقا فهي طالق.
وإن لم يرد بها طلاقا وأراد إفهام الاول أو تكريره فليس بطلاق.
ولو قال أردت بالثانية إفهام الكلام الاول والثالثة إحداث طلاق كانت طالقا ثالثا في الحكم لان ظاهر الثانية ابتداء طلاق لا إفهام ودين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وتقع الثالثة لانه أراد بها ابتداء طلاق لا إفهاما وإن احتملته.
وهكذا إن قال لها(5/199)
أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق وقعت اثنتان ودين في الثالثة كما وصفت ولو قال لها أنت طالق وأنت طالق ثم أنت طالق وقعت ثلاث لان الاولى ابتداء طلاق والثانية استئناف وكذلك الثالثة لا تكون في الظاهر إلا استئنافا لانها ليست على سياق الكلام الاول ولو قال لها أنت طالق بل طالق كانت طالقا اثنتين ولو قال أردت إفهاما أو تكرير الاولى عليها لم يدين في الحكم لان بل إيقاع طلاق حادث لا إفهام ماض غيره ولو قال لها أنت طالق طلاقا كانت واحدة إلا أن يريد بقوله طلاقا ثانية لان طالق طلاقا ابتداء صفة طلاق كقوله طلاقا حسنا أو طلاقا قبيحا.
الطلاق بالحساب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال لها أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعدها واحدة كانت طالقا اثنتين.
فإن قال أردت واحدة ولم أرد بالتى قبلها أو بعدها طلاقا لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى: ولو طلقها واحدة ثم راجعها.
ثم قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة، فقال أردت أنى كنت قد طلقتها قبلها واحدة أحلف ودين في الحكم.
ولو قال أنت طالق واحدة بعدها واحدة.
ثم سكت.
ثم اردت بعلها واحدة اوقعها عليك بعد وقت أو لا اوقعها عليك الا بعده لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى.
وإذا قال الرجل لامرأته بدنك أو رأسك أو فرجك أو رجلك أو يدك أو سمى عضوا من جسدها أو اصبعها أو طرفا ما كان منها طالق فهى طالق، ولو قال لها بعضك طالق أو جزء منك طالق أو سمى جزءا من ألف جزء طالقا كانت طالقا والطلاق لا
يتبعض وإذا قال لها أنت طالق نصف أو ثلث أو ربع تطليقة أو جزء من ألف جزء كانت طالقا والطلاق لا يتبعض، ولو قال لها أنت طالق نصفى تطليقة كانت طالقا واحدة إلا أن يريد اثنتين أو يقول أردت أن يقع نصف بحكمه ما كان ونصف مستأنف بحكمه ما كان فتطلق اثنتين وكذلك لو قال لها انت طالق ثلاثة أثلاث تطليقة أو أربعة أرباع تطليقة كان كل واحد من هؤلاء تطليقة واحدة لان كل تطليقة تجمع نصفين أو ثلاثة أثلاث أو أربعة أرباع إلا ن ينوى به أكثر فيقع بالنية مع اللفظ، وهكذا لو قال لها أنت طالق نصف وثلث وسدس تطليقة أو نصف وربع وسدس تطليقة ولو نظر رجل إلى امرأة له وامرأة معها ليست له بامرأة فقال إحدا كما طالق كان القول قوله، فإن أراد امرأته فهى طالق وإن أراد الاجنبية لم تطلق امرأته، وإن قال أردت الاجنبية أحلف وكانت امرأته بحالها لم يقع عليها طلاق، ولو قال لامرأته أنت طالق واحدة في ثنتين كانت طالقا واحدة وسئل عن قوله في اثنتين فإن قال ما نويت شيئا لم تكن طالقا إلا واحدة لان الواحدة لا تكون داخلة في اثنتين بالحساب فهو ما أراد فهى طالق اثنتين، إن قال أردت واحدة في اثنتين مقرونة بثنتين كانت طالقا ثلاثا في الحكم (قال) ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة كانت طالقا اثنتين، ولو قال واحدة واثنتين باقية لى عليك كانت طالق واحدة وكذلك لو قال واحدة وواحدة باقية لي عليك وواحدة لا أو قعها عليك إلا واحدة، ولو قال أنت طالق واحدة لا يقع عليك إلا واحدة تقع عليك وقعت عليها واحدة حين تكلم بالطلاق، وإذا كان لرجل أربع نسوة فقال قد أو قعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك لو قال اثنتين أو ثلاثا أو أربعا إلا أن يكون نوى أن كل واحدة من الطلاق تقسم بينهن فتكون كل واحدة منهن طالقا ما سمى من جماعتهن واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا، فإن قال قد أوقعت بينكن(5/200)
خمس تطليقات فكل واحدة منهن طالق اثنتين، وكذلك ما زاد إلى أن يبلغ ثمان تطليقات فإن زاد على الثمان شيئا من الطلاق كن طوالق ثلاثا ثلاثا، فإن قال أردت أن يكون ثلاثا أو أربعا أو خمسا لواحدة منهن كانت التي أراد طالقا ثلاثا ولم يدين في الاخر معها في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى وكان من بقي طالقا اثنتين اثنتين، ولو كان قال بينكن خمس تطليقات لبعضكن فيها أكثر مما لبعض
كان القول قوله وأقل ما تطلق عليه منهن واحدة في الحكم ثم يوقف حتى يوقع على من أراد بالفضل منهن الفضل ولا يكون له أن يحدث إياقعا لم يكن أراده في أصل الطلاق فإن لم يكن نوى بالفضل واحدة منهن فشاء أن تكون التطليقة الفضل بينهن أرباعا فكن جميعا تطليقتين ويكون أحق بالرجعة كان ذلك له * وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين فهى طالق واحدة وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة فهى طالق اثنتين وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا كانت طالقا ثلاثا إنما يكون الاستثناء جائزا إذا بقى مما سمى شئ يقع به شئ مما أوقع، فأما إذا لم يبق مما سمى شيئا مما استثنى فلا يجوز الاستثناء والاستثناء حينئذ محال، ولو قال لها أنت طالق ثم طالق وطالق إلا واحدة كانت طالقا ثلاثا لانه قد أوقع كل تطليقة وحدها ولا يجوز أن يستثنى واحدة من واحدة كما لو قال لغلامين له مبارك حر وسالم حر إلا سالم لم يجز الاستثناء ووقع العتق عليهما معا كما لا يجوز أن يقول سالم حر إلا سالم لا يجوز الاستثناء إذا فرق الكلام ويجوز إذا جمعه ثم بقي شئ يقع به بعض ما أوقع، وإذا طلق واحدة واستثنى نصفها فهى طالق واحدة لان ما بقى من الطلاق يكون تطليقة تامة لو ابتدأه وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم تطلق والاستثناء في الطلاق والعتاق والنذر كهو في الايمان لا يخالفها.
ولو قال: أنت طالق إن شاء فلان لم تطلق حتى يشاء فلان، وإن مات فلان قبل أن يشاء أو خرس أو غاب فهى امرأته بحالها، فإن قالت قد شاء فلان وقال الزوج لم يشأ فلان فالقول قول الزوج مع يمينه، ولو شاء فلان وهو معتوه أو مغلوب على عقله من غير سكر لم تكن طالقا ولو شاء وهو سكران كانت طالق لان كلامه سكران كلام يقع به الحكم، وإذا قال لامرأته أنت طالق واحدة بائنا فهى طالق واحدة يملك الرجعة ولا يكون البائن بائنا مما ابتدأ من الطلاق إلا ما أخذ عليه جعلا كما لو قال لعبد أنت حر ولا ولاء لى عليك كان حرا وله ولاؤه لان قضاء النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن اعتق وقضاء الله تبارك وتعالى أن المطلق واحدة واثنتين يملك الرجعة في العدة فلا يبطل ما جعل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لا مرئ بقول نفسه وإن قال لها أنت طالق واحدة غليظة أو واحدة أغلظ أو أشد أو أفظع أو أعظم أو أطول أو أكبر فهى طالق واحدة لا أكثر منها ويكون الزوج في كلها يملك الرجعة لما وصفت، وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا تقع في كل يوم واحدة كان كما قال ولو
وقعت عليها واحدة في أول يوم فإن ألقت حملا فبانت منه ثم جاء الغد ولا عدة عليها منه لم تقع الثانية ولا الثالثة، فإن قال أنت طالق في كل شهر فوقعت الاولى في أول شهر ووقعت الآخرتان واحدة في كل شهر قبل مضى العدة وقعت الثلاث ولو مضت العدة فوقع منهن شئ بعد مضى العدة لم يلزمها لانه وقع وهى غير زوجة ولو قال لها أنت طالق ثلاثا كل سنة واحدة فوقعت الاولى فلم تنقض عدتها منها حتى راجعها فجاءت السنة الثانية وهى زوجة وقعت الثانية فإن راجعها في العدة وجاءت السنة الثالثة وقعت الثالثة وكذلك لو لم يراجعها في العدة ولكن نكحها بعد مضى العدة فجاءت السنة وهى عنده وقع الطلاق ولو وقعت الاولى ثم جاءت السنة الثانية وهى غير زوجة ولا في عدة منه لم تقع الثانية ولو نكحها بعده وجاءت السنة الثانية وهى عنده وقعت الثانية وإن نكحها بعده وجاءت السنة الثالثة(5/201)
وهى عنده وقعت الثالثة لانها زوجة، ولو خالعها فكانت في عدة منه وجاءت سنة وهى في عدة إلا أنه لا يملك رجعتها لم يقع عليها الطلاق في عدة لا يملك رجعتها فيها، ولو قال لها أنت طالق كلما مضت سنة فخالعها ثم مضت السنة الاولى وليست له بزوجة كانت في عدة منه أو في غير عدة لم يلزمه الطلاق لان وقت الطلاق وقع وليست له بزوجة فإن نكحها نكاحا جديدا فكلما مضت سنة من يوم نكحت وقعت تطليقة حتى ينقضى طلاق الملك كله (قال الربيع) وللشافعي قول آخر: أنه إذا خالعها ثم تزوجها لم يقع عليها الطلاق بمجئ السنة لا هذا غير النكاح الاول (قال الشافعي) ولو قال لها أنت طالق في كل شهر واحدة أو في مضى كل شهر واحدة ثم طلقها ثلاثا قبل أن يقع منهن شئ أو بعد ما وقع بعضهن ونكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها فمرت تلك الشهور لم يلزمها من الطلاق شئ لان طلاق ذلك الملك مضى عليه كله وحرمت عليه فلا تحل إلا بعد زوج ونكاح جديد وكانت كمن لم تنكح قط في أن لا يقع عليها طلاق عقده في الملك الذي بعد الزوج، ولو كان طلقها واحدة أو اثنتين فبقي من طلاق ذلك الملك شئ ثم مرت لها مدة أوقع عليها فيها الطلاق وهو يملكها وقع، وهكذا لو قال كلما دخلت هذه الدار فأنت طالق فكلما دخلتها وهى زوجة له أو في عدة من الطلاق يملك فيه الرجعة فهى طالق وكلما دخلتها وهى غير زوجة له أو في عدة من فرقة لا يملك الرجعة فهى
غير طالق فإذا طلقها ثلاثا فحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم نكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها ثم دخل بها لم يقع عليها الطلاق بكلام متقدم في ملك نكاح قد حرم حتى كان بعده زوجا أحل استئناف النكاح وإذا هدم نكاح الزوج الطلاق حتى صارت كمن ابتدأ نكاحه ممن لم تنكحه قط هدم اليمين التي يقع بها الطلاق لانها أضعف من الطلاق.
وهكذا لو قال أنت طالق كلما حضت وغير ذلك مما يقع الطلاق فيه في وقت فعلى هذا الباب كله وقياسه، ولو قال لها أنت طالق كل سنة ثلاثا فطلقت ثلاثا في أول سنة ثم تزوجت زوجا أصابها ثم نكحها زوجها نكاحا جديدا لم يقع عليها فيما يمضى من السنين بعد شئ لان طلاق الملك الذي عقد فيه الطلاق بوقت قد مضى، ولو قال لها أنت طالق في كل سنة تطليقة فوقعت عليها واحدة أو اثنتان ثم تزوجها زوج غيره ثم دخل بها ثم طلقها أو مات عنها فنكحها الاول ثم مضت سنة وقعت عليها تطليقة حتى تعد ثلاث تطليقات لان الزوج يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين.
الخلع والنشوز (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله تبارك وتعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب ان ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني وأمسكني واقسم لى ما بدا لك فأنزل الله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) الآية (قال الشافعي) وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بطلاق بعض نسائه فقالت لا تطلقني ودعني يحشرنى الله تعالى في نسائك وقد وهبت يومى وليلتي لاختى عائشة (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس(5/202)
أن النبي صلى الله عليه وسلم توفى عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ والقرآن يدل على مثل معاني الاحاديث بأن بينا فيه إذا خافت المرأة نشوز بعلها أن لا بأس عليهما أن
يصالحا ونشوز البعل عنها بكراهيته لها فأباح الله تعالى له حبسها على الكره لها فلها وله أن يصالحا وفي ذلك دليل على أن صلحها إياه بترك بعض حقها له.
وقد قال الله عزوجل (وعاشروهن بالمعروف) إلى (خيرا كثيرا) (قال الشافعي) فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القسم لها أو كله ما طابت به نفسا فإذا رجعت فيه لم يحل له إلا العدل لها أو فراقها لانها إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها فما أقامت على هبته حل وإذا رجعت في هبته حل ما مضى بالهبة ولم يحل ما يستقبل إلا بتحديد الهبة له (قال) وإذا وهبت له ذلك فأقام عند امرأة له اياما ثم رجعت استأنف العدل عليها وحل له ما مضى قبل رجوعها (قال) فإن رجعت ولا يعلم بالرجوع فأقام على ما حللته منه ثم علم أن قد رجعت استأنف العدل من يوم علم ولا بأس عليه فيما مضى وإن قال لا أفارقها ولا أعدل لها أجبر على القسم لها ولا يجبر على فراقها (قال) ولا يجبر على أن يقسم لها الاصابة وينبغي له أن يتحرى لها العدل فيها (قال) وهكذا لو كانت منفردة به أو مع امة له يطؤها أمر بتقوى الله تعالى وأن لا يضربها في الجماع ولم يفرض عليه منه شئ بعينه إنما يفرض عليه ما لا صلاح لها إلا به من نفقة وسكنى وكسوة وأن يأوى إليها فأما الجماع فموضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه (قال) ولو اعطاها ما لا على أن تحلله من يومها وليلتها فقبلته فالعطية مردودة عليه غير جائزة لها وكان عليه أن يعدل لها فيوفيها ما ترك من القسم لها لان ما أعطاها عليه لا عين مملوكة ولا منفعة (قال) ولا حللته فوهب لها شيئا على غير شرط كانت الهبة لها جائزة ولم يكن له الرجوع فيها إذا قبضتها وإن رجعت هي في تحليله فيما مضى لم يكن لها وإن رجعت في تحليله فيما لم يمض كان لها وعليه أن يعدل لانها لم تملك ما لم يمض فيجوز تحليلها له فيما ملكت.
جماع القسم للنساء (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) (قال الشافعي) سمعت بعض أهل العلم يقول قولا معناه ما أصف (لن تستطيعوا أن تعدلوا) إنما ذلك في القلوب (فلا تميلوا كل الميل) لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فيصير الميل الذي ليس لكم فتذروها وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا لان الله عزوجل تجاوز عما في القلوب وكتب على الناس الافعال والاقاويل فإذا مال بالقول والفعل فذلك كل الميل قال الله عزوجل (قد علمنا ما فرضنا
عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال في النساء (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال وعاشروهن بالمعروف) (قال الشافعي) وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم القسم بين النساء فيما وصفت من قسمه لازواجه في الحضر وإحلال سودة له يومها وليلتها (قال الشافعي) ولم أعلم مخالفا في ان على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل ثم يقول (اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك) يعني والله أعلم قلبه وقد بلغنا أنه كان يطاف به محمولا في مرضه على نسائه حتى مللنه.(5/203)
تفريع القسم والعدل بينهن (قال الشافعي) عماد القسم الليل لانه سكن قال الله تبارك وتعالى (وجعل لكم الليل لتسكنوا فيه) وقال (وجعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) (قال الشافعي) فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو كتابيات، أو مسلمات وكتابيات.
فهن في القسم سواء وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة (قال الشافعي) وإذا كان فيهن أمة قسم للحرة ليلتين وللامة ليلة (قال) ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها لان الليل هو القسم ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة لا ليأوى فإذا أراد أن يأوى إلى منزله أوى إلى منزل التي يقسم لها ولا يجامع امرأة في غير يومها فإن فعل فلا كفارة عليه (قال) وإن مرضت إحدى نسائه عادها في النهار ولم يعدها في الليل وإن ماتت فلا بأس أن يقيم عندها حتى يواريها ثم يرجع إلى التي لها القسم وإن ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت ثم يوفى من بقى من نسائه مثل ما أقام عندها (قال) وإن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا كان ذلك له وأكره مجاوزة الثلاث من العدد من غير أن أحرمه وذلك أنه قد يموت قبل أن يعدل للثانية ويمرض وإن كان هذا قد يكون فيما دون الثلاث (قال) وإذا قسم لامرأة ثم غاب ثم قدم ابتدأ القسم للتي تليها في القسم، وهكذا إن كان حاضرا فشغل عن المبيت عندها ابتدأ القسم كما يبتدئه القادم من الغيبة فيبدأ بالقسم للتي كانت ليلتها (قال) وإن كان عندها بعض الليل ثم غاب ثم قدم ابتدأ فأوفاها قدر ما بقي من الليل ثم كان عند التي تليها في آخر الليل حتى يعدل بينهن في القسم (قال) وإن كان
عندها مريضا أو متداويا أو هي مريضة أو حائض أو نفساء فذلك قسم يحسبه عليها وكذلك لو كان عندها صحيحا فترك جماعها حسب ذلك من القسم عليها إنما القسم على المبيت كيف كان المبيت (قال) ولو كان محبوسا في موضع يصلن إليه فيه عدل بينهن كما يعدل بينهن لو كان خارجا (قال) والمريض والصحيح في القسم سواء وإن أحب أن يلزم منزلا لنفسه ثم يبعث إلى كل واحدة منهن يومها وليلتها فتأتيه كان ذلك له وعليهن فأيتهن امتنعت من إتيانه كانت تاركة لحقها عاصية ولم يكن عليه القسم لها ما كانت ممتنعة (قال) وهكذا لو كانت في منزله أو في منزل يسكنه فغلقته دونه وامتنعت منه إذا جاءها أو هربت أو ادعت عليه طلاقا كاذبة حل له تركها والقسم لغيرها وترك أن ينفق عليها حتى تعود إلى أن لا تمتنع منه وهذه ناشز، وقد قال الله تبارك وتعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) فإذا أذن في هجرتها في المضجع لخوف نشوزها كان مباحا له أن يأتي غيرها من أزواجه في تلك الحال وفيما كان مثلها (قال الشافعي) رحمه الله: وهكذا الامة إذا امتنعت بنفسها أو منعها اهلها منه فلا نفقة ولا قسم لها حتى تعود إليه.
وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه أو غير إذنه فلا نفقة ولا قسم (قال) وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها وهى إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو وهى مقيمة لان إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم وشخوصه هو شخوص بنفسه وهو الذي عليه القسم لا له (قال) وإذا جنت امرأة من نسائه أو خبلت فغلبت على عقلها فكانت تمتنع منه سقط حقها في القسم، فإن لم تكن تمتنع فلها حقها في القسم وكذلك لو خرست أو مرضت أو ارتتقت كان لها حقها في القسم ما لم تمتنع منه أو يطلقها.
وإنما قلنا يقسم للرتقاء وإن لم يقدر عليها كما قلنا يقسم للحائض ولا يحل له جماعها لان القسم على السكن لا على الجماع ألا(5/204)
ترى أنا لا نجبره في القسم على الجماع وقد يستمتع منها وتستمتع منه بغير جماع (قال) وإذا كان الزوج عنينا أو خصيا أو مجبوبا أو من لا يقدر على النساء بحال أو لا يقدر عليهن إلا بضعف أو إعياء فهو والصحيح القوي في القسم سواء لان القسم على ما وصفت من السكن وكذلك هو في النفقة على النساء
وما يلزم لهن (قال) وإذا تزوج المخبول أو الصحيح فغلب على عقله وعنده نسوة انبغى لوليه القائم بأمره أن يطوف به عليهن أو يأتيه بهن حتى يكن عنده ويكون عندهن كما يكون الصحيح العقل عند نسائه ويكن عنده وإن أغفل ذلك فبئس ما صنع وإن عمد أن يجوز به أثم هو ولا مأثم على مغلوب على عقله.
(قال) ولو كان رجل يجن ويفيق وعنده نسوة فعزل في يوم جنونه عن نسائه جعل يوم جنونه كيوم من غيبته واستأنف القسم بينهن وإن لم يفعل فكان في يوم جنونه عند واحدة منهن حسب كما إذا كان مريضا فقسم لها وقسم للاخرى يومها وهو صحيح (قال) ولو قسم لها صحيحا فجن في بعض الليل وكان عندها كانت قد استوفت وإن خرج من عندها أو في لها ما بقى من الليل (قال) وإن جنت هي أو خرجت في بعض الليل كان له أن يكون عند غيرها ولا يوفيها شيئا من قسمها ما كانت ممتنعة منه ويقسم لنسائه البواقى قسم النساء امرأة معهن غيرهن (قال) ولو استكرهه سلطان أو غيره أو خرج طائعا من عند امرأة في الليل عاد فأوفاها ما بقي من الليل (قال) وإن كان ذلك في النهار لم يكن عليه فيه شئ إذا لم يكن ذاهبا إلى غيرها من نسائه ولا أكره في النهار شيئا إلا أثرة غيرها من أزواجه فيه بمقام أو جماع، فإذا أقام عند غيرها في نهارها أوفاها ذلك من يوم التي أقام عندها (قال) ولو كان له مع نسائه إماء يطؤهن لم يكن للاماء قسم مع الازواج ويأتيهن كيف شاء أكثر مما يأتي النساء في الايام والليالي والجماع وأقل كما يكون له أن يسافر ويغيب في المصر عن النساء فإذا صار إلى النساء عدل بينهن وكذلك يكون له ترك الجواري والمقام مع النساء غير أني أحب في الاحوال كلها أن لا يؤثر على النساء وأن لا يعطل الجواري (قال) وهكذا إذا كان له جوار لا امرأة معهن كان عند أيتهن شاء ما شاء وكيفما شاء وأحب له أن يتحرى استطابة أنفسهن بمقارنة وأن يجعل لكل واحدة منهن حظا منه (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة وخلى بينه وبينها فعليه نفقتها والقسم لها من يوم يخلون بينه وبينها (قال) وإذا كان لرجل أربع نسوة فقسم لثلاث وترك واحدة عامدا أو ناسيا قضاها الايام التي ترك القسم لها فيها متتابعات لا فرق بينهن واستحلها إن كان ترك القسم لها أربعين ليلة فلها منها عشر فيقضيها العشر متتابعات ولو كان نساؤه الحواضر ثلاثا فترك القسم (1) لهن ثلاثين ليلة وقدمت امرأة له كانت غائبة بدأ فقسم للتي ترك القسم لها يومها ويوم المرأتين اللتين قسم لهما وتركها وذلك ثلاث ثم قسم للغائبة يوما ثم
قسم للتي ترك القسم لها ثلاثا حتى يوفيها جميع ما ترك لها من القسم، ولو قسم رجل بين نسائه يومين أو ثلاثا لكل امرأة ثم طلق امرأة لم يقسم لها أو ترك القسم لها لم يكن عليه إلا أن يستحل التي ترك القسم لها ولو راجعها أو نكحها نكاحا جديدا أوفاها ما كان لها من القسم (قال) ولو كان لرجل زوجة مملوكة وحرة فقسم للحرة يومين ثم دار إلى المملوكة فعتقت فإن كانت عتقت وقد أوفها يومها وليلتها دار إلى الحرة فقسم لها يوما وللامة التي أعتقت يوما، وإن لم يكن أوفها ليلتها حتى عتقت يبيت عندها ليلتين حتى يسويها بالحرة لانها قد صارت كهي قبل ان تستكمل حظها من القسم (قال) ويقسم للمرأة قد آلى منها وللمرأة قد تظاهر منها ولا يقرب التي تظاهر منها وكذلك إذا أحرمت بأمره قسم لها ولم يقربها
__________
(1) قوله: لهنن، كذا في النسخ ولعله محرف عن " لاحداهن " كما هو ظاهر.
كتبه مصححه.(5/205)
وكذلك القسم لو كان هو محرما ولا يقرب واحدة ممن معه في إحرامه.
القسم للمرأة المدخول بها (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن جزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها (ليس بك على أهلك هو إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت) (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن حبيب بن أبى ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبى عمرو القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام يحدث عن أم سلمة أنها أخبرته أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة فكذبوها وقالوا ما أكذب الغرائب حتى أنشأ أناس منهم الحج فقالوا أتكتبين إلى أهلك فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة قالت فصدقوني وازددت عليهم كرامة فلما حللت جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني فقلت له ما مثلي نكح أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال قال (أنا أكبر منك وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى وأما العيال فإلى الله ورسوله) فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يأتيها ويقول (أين زناب؟) حتى جاء عمار بن ياسر فاختلحها فقال هذه تمنع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكانت ترضعها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أين زناب؟) فقالت قريبة بنت أبي أمية وواقفها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني آتيكم الليلة) قالت فقمت فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرة وأخرجت شحما فعصدته له أو صعدته (شك الربيع) قالت فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح فقال حين أصبح (إن لك على أهلك كرامة فإن شئت سبعت لك وإن أسبع أسبع لنسائي) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أنه قال للبكر سبع وللثيب ثلاث (قال الشافعي) وحديث ابن جريج ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن الرجل إذا تزوج البكر كان له أن يقيم عندها سبعا وإذا تزوج الثيب كان له أن يقيم عندها ثلاثا ولا يحسب عليه لنسائه اللاتي كن عنده قبلها فيبدأ من السبع ومن الثلاث (قال) وليس له في البكر ولا الثيب إلا إيفاؤهما هذا العدد ولا أن يحللاه منه (قال) وإن لم يفعل وقسم لنسائه عاد فأوفاهما هذا العدد كما يعود فيما ترك من حقهما في القسم فيوفيهما (قال) ولو دخلت عليه بكران في ليلة أو ثيبان أو بكر وثيب كرهت له ذلك وإن دخلتا معا عليه أقرع بينهما فأيتهما خرج سهمها بدأ فأوفاها أيامها ولياليها، وإن لم يقرع فبدأ بإحداهما رجوت أن يسعه لانه لا يصل إلى أن يوفيهما حقهما إلا بأن يبدأ بإحداهما ولا أحب له أن يقسم بينهما أربع عشرة لان حق كل واحدة منهما موالاة أيامها (قال) فإن فعل لم أر عليه إعادة أيام لها بعد العدة التي أوفاها إياها وإن دخلت عليه إحداهما بعد الاخرى بدأ فأوفى التي دخلت عليه أولا أيامها (قال) وإذا بدأ بالتي دخلت عليه آخرا أحببت له أن يقطع ويوفى الاولى قبلها فإن لم يفعل ثم أوفى الاولى لم يكن لها زيادة على أيامها ولا يزاد أحد في العدد بتأخير حقها (قال) وإذا فرغ من أيام البكر والثيب استأنف القسم بين أزواجه فعدل بينهم (قال) فإن كانت عنده أمرأتان ثم نكح عليهما واحدة فدخلت بعدما قسم لواحدة فإذا أو في التي دخلت عليه أيامها بدأ بالتي كان لها القسم بعد التي كانت عنده (قال) ولا يضيق عليه(5/206)
أن يدخل عليها في أي يوم أو أي ليلة شاء من ليالي نسائه (قال) ولا أحب في مقامه عند بكر ولا ثيب أن يتخلف عن صلاة ولا بر كان يعمل قبل العرس ولا شهود جنازة ولا يجوز له أن يتخلف عن إجابة
دعوة.
سفر الرجل بالمرأة (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها (قال الشافعي) فإذا كان للرجل نسوة فأراد سفرا فليس بواجب أن يخرج بهن ولا بواحدة منهن وإن أراد الخروج بهن أو ببعضهن فذلك له فإن أراد الخروج بواحدة أو اثنتين أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ولم يكن له أن يخرج بغيرها وله أن يتركها إن شاء، وهكذا إن أراد الخروج باثنتين أو ثلاث لم يخرج بواحدة منهن إلا بقرعة فإن خرج بواحدة منهن بغير قرعة كان عليه أن يقسم لمن بقي بقدر مغيبه مع التي خرج بها (قال) فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر خالصا دون نسائه لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة شئ وسواء قصر سفره أو طال (قال) ولو أراد السفر لنقله لم يكن له أن ينتقل بواحدة منهن إلا أوفى البواقى مثل مقامه معها (قال) ولو خرج مسافرا بقرعة ثم أزمع المقام لنقلة كان للتي سافر بها بالقرعة ما مضى قبل إزماعه المقام على النقلة وحسب عليها مقامه معها بعد النقلة فأوفى البواقي حقوقهن فيها (قال) ولو أقرع بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ثم أراد سفرا قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كله كالسفر الواحد ما لم يرجع فإذا رجع فأراد سفر أقرع (قال) ولو سافر بواحدة فنكح في سفره أخرى كان للتي نكح ما للمنكوحة من الايام دون التي سافر بها ثم استأنف القسم بينهما بالعدد ولا يحسب لنسائه اللاتي خلف من الايام التي نكح في سفره شيئا لانه لم يكن حيث يمكنه القسم لهن.
نشوز المرأة على الرجل (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) إلى قوله (سبيلا) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تضربوا إماء الله) قال فأتاه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بال
محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون اولئك خياركم) (قال الشافعي) في نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء.
ثم إذنه في ضربهن وقوله (لن يضرب خياركم) يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم نهى عنه على اختيار النهى وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق واختار لهم أن لا يضربوا لقوله (لن يضرب خياركم) (قال) ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن (قال الشافعي) وفي قوله (لن يضرب خياركم) دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن(5/207)
يضربن ونختار له من ذلك ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحب للرجل ان لا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه وما أشبه ذلك (قال الشافعي) وأشبه ما سمعت والله أعلم في قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) أن لخوف النشوز دلائل فإذا كانت (فعظوهن) لان العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل (فاهجروهن في المضاجع) فإن أقمن بذلك على ذلك (فاضربوهن) وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهى عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما (قال) ويحتمل في (تخافون نشوزهن) إذا نشزن فابن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب (قال) ولا يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه (قال ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لان الله عزوجل إنما أباح الهجرة في المضجع.
والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا (قال) ولا يجوز لاحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها (قال) وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولانفقة ما كانت ممتنعه لان الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز والامتناع نشوز (قال) ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قي قوله عزوجل (وللرجال عليهن درجة) وقوله (وعاشروهن بالمعروف) وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الامور من مؤنتها وله عليها مما ليس لها عليه ولكل واحد منهما على صاحبه.
الحكمين (قال الشافعي) قال الله عزوجل (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) الآية (قال الشافعي) والله أعلم بمعنى ما أراد فأما ظاهر الآية فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعى كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك القيام وبالشقاق وذلك أن الله عزوجل أذن في نشوز المرأة بالعظة والهجرة والضرب ولنشوز الرجل الصلح فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا (قال الشافعي) فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما ويصلحا بينهما إن قدرا (قال) وليس له أن يأمرهما يفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يعطيا من مال المرأة إلا بإذنها (قال) فإن اصطلح الزوجان وإلا كان على الحاكم أن يحكم لكل واحد منهما على صاحبه بما يلزمه من حق في نفس ومال وأدب (قال) وذلك أن الله عزوجل إنما ذكر أنهما (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) ولم يذكر تفريقا (قال) وأختار للامام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معا فيوكلهما الزوج إن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا على ما رأيا من أخذ شئ أو غير أخذه إن اختبرا توليا من المرأة عنه (قال) وإن جعل إليهما إن رضيت بكذا وكذا فأعطياها ذلك عني واسألاها أن تكف عني كذا وللمرأة أن توكلهما إن شاءت بأن يعطيا عنها في الفرقة شيئا تسميه إن رأيا أنه لا يصلح الزوج غيره (1) وإن رأيا أن يعطياه أن يفعلا أوله كذا ويترك لها كذا فإن فعل ذلك الزوجان
__________
(1) في العبارة نقص أو تحريف، وكذلك وقع في النسخ.
فانظر(5/208)
أمر الحكمين بأن يجتهدا فإن رأيا الجمع خيرالم يصيرا إلى الفراق وإن رأيا الفراق خيرا أمرهما فصارا إليه وإن رجع الزوجان أو أحدهما بعدما يوكلانهما عن الوكالة أو بعضها أمرهما بما أمر ما به أولا من الاصلاح ولم يجعلهما وكيليهما إلا فيما وكلا فيه (قال) ولا يجبر الزوجان على توكيلهما إن لم يوكلا وإذا وكلاهما معا كما وصفت لم يجز أمر واحد منهما دون صاحبه فإن فرق أحدهما ولم يفرق الآخر لم يجز
الفرقة، وكذلك إن أعطى أحدهما على الآخر شيئا (قال) وإن غاب أحد الحكمين أو غلب على عقله بعث حكما غير الغائب أو المغلوب المصلح من قبل الحاكم وبالوكالة إن وكله بها الزوجان (قال) وإن غلب أحد الزوجين على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يعود إليه عقله ثم يجدد وكالة (قال) وإن غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما ولم تقطع غيبة واحد منهما الوكالة (قال الشافعي) أخبرنا الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني أنه قال في هذه الآية (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) قال جاء رجل وامرأة إلى على رضى الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم على فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما! عليكما إن رأيتما أن يجمعا ان تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولى، وقال الرجل أما الفرقة فلا.
فقال على رضى الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعه يقول: تزوج عقيل ابن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت له أصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت اين عتبة بن ربيعة؟ أين شيبة بن ربيعة؟ فيسكت عنها حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة؟ فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن عفان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لافرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لافرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما (قال الشافعي) حديث علي ثابت عندنا وهو إن شاء الله كما قلنا لا نخالفه لان عليا إذا قال لهم ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والزوجان حاضران فانما خاطب به الزوجين أو من اعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما قال وقوله للرجل لا والله حتى تقر بمثل ما أقرت به أن لا يقضى الحكمان إن رأيا الفرقة إذا رجعت عن توكيلهما حتى تعود إلى الرضا بأن يكونا بوكالتك ناظرين بما يصلح أمركما ولو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بلا وكالة الزوج ما احتاج على رضى الله عنه إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث هو ولقال للزوج إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك وإن لم تأذن به ولم يحلف لا يمضي الحكمان حتى يقر ولو كان للحاكم جبر الزوجين على أن يوكلا كان له أن يمضيه بلا أمرهما (قال) وليس في
الحديث الذي روى عن عثمان دلالة كالدلائل في حديث على رضى الله عنه وهو يشبه أن يكون كالحديث عن على فإن قال قائل: فقد يحتمل خلافه قيل نعم: وموافقته فلست بأولى بأحد الوجهين من غيرك بل هو إلى موافقة حديث على كرم الله وجهه أقرب من أن يكون قوله خلافه.
ما يجوز به أخذ مال المرأة منها (قال الشافعي) قال الله عزوجل (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) الآية (قال الشافعي) فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت نفسها ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله (قال) وقد قال(5/209)
الله عزوجل (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) إلى (مبينا) (قال) وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها، وإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن يستكرهها عليه ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه فإن فعل وأقر بذلك أو قامت عليه بينة رد ما أخذ منها عليها وإن كان طلقها عليه لزمه ما سمى من عدد الطلاق وكان يملك فيه الرجعة إن لم يأت على جميع طلاقها (قال) ويشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون له إذا أزمع على فراقها أن يأتهب من مالها شيئا ثم يطلقها، وذلك أن إعطاءها يكون على استطابة نفسه بحبسها لا على فراقها ويشبه معاني الخديعة لها (قال) ولا يبين لي رد ذلك عليها لو وهبته بلا ضرورة ثم طلقها لان ظاهره أنها طابت به نفسا (قال) ولو علمته يريد الاستبدال بها ولم يمنعها حقها فنشرزت ومنعته بعض الحق وأعطته ما لا جاز له أخذه وصارت في معنى من يخاف أن لا يقيم حدود الله وخرجت من أن يكون يراد فرقها فيفارق بلا سبب منها ولا منع لحق في حال متقدمة لارادته ولا متأخرة.
حبس المرأة على الرجل يكرهها ليرثها (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية (قال الشافعي) يقال والله أعلم نزلت في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها ويحبسها لتموت فيرثها أو يذهب ببعض ما آتاها استثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة.
وقيل لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها لقول الله عزوجل (وعاشروهن
بالمعروف) قرأ إلى (كثيرا) (قال) وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها أو يذهب ببعض ما آتاها (قال) وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته فهو مردود عليها إذا أقر بذلك أو قامت به بينة (قال الشافعي) وقد قيل فإن أتت عنده بفاحشة وهي الزنا فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه وكانت معصيتها الله بالزنا ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به (قال) فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده لم يحل له أن يرثها ولا يأخذ منها شيئا في حياتها فإن أخذه رد عليها وكان أملك برجعتها.
وقيل إن هذه الآية منسوخة وفي معنى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى (سبيلا) فنسخت بآية الحدود (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا عني خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الرجم) فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج وكان عليها الحد (قال) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل والله أعلم لان لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة ويحبسها محسنة ومسيئة وكارها لها وغير كاره ولم يجعل له منعها حقها في حال.
ما تحل به الفدية (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى (فيما(5/210)
افتدت به) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه؟) قالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذ منها) فأخذ منها وجلست في أهلها (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد
عن عمرة عن حبيبة بنت سهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم في الغلس وهي تشكو شيئا ببدنها وهي تقول لا أنا ولا ثابت بن قيس فقالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا ثابت خذ منها) فأخذ منها وجلست (قال الشافعي) فقيل والله أعلم في قوله تعالى (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثر فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معا مقيمين حدود الله.
وقيل: وهكذا قول الله عزوجل (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) إذا حل ذلك للزوج فليس بحرام على المرأة والمرأة في كل حال لا يحرم عليها ما أعطت من مالها وإذا حل له ولم يحرم عليها فلا جناح عليهما معا، وهذا كلام صحيح جائز إذا اجتمعا معا في أن لا جناح عليهما وقد يكون الجناح على أحدهما دون الآخر.
فلا يجوز أن يقال: فلا جناح عليهما وعلى أحدهما جناح (قال) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل لان الله عزوجل حرم على الرجل إذا أراد استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا (قال) وقيل أن تمتنع المرأة من أداء الحق فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية (قال) وجماع ذلك أن تكون المرأة المانعة لبعض ما يجب عليها له المفتدية تحرجا من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له، فإذا كان هكذا حلت الفدية للزوج ولو خرج في بعض ما تمنعه من الحق إلى إيذائها بالضرب أجزت ذلك له لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لثابت يأخذ الفدية من حبيبة وقد نالها بالضرب (قال) وكذلك لو لم تمنعه بعض الحق وكرهت صحبته حتى خافت تمنعه كراهية صحبته بعض الحق فأعطيته الفدية طائعة حلت له، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت له نفسا ويأخذ عوضا بالفراق (قال) ولا وقت في الفدية كانت أكثر مما أعطاها أو أقل لان الله عزوجل يقول (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وتجوز الفدية عند السلطان ودونه كما يجوز إعطاء المال والطلاق عند السلطان ودونه.
الكلام الذي يقع به الطلاق ولا يقع (قال الشافعي) رحمه الله: الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق فإذا قال لها إن اعطيتني
كذا وكذا فأنت طالق أو قد فارقتك أو سرحتك وقع الطلاق، ثم لم أحتج إلى النية (قال) وإن قال لم أنو طلاقا دين فيما بينه وبين الله عزوجل وألزم في القضاء، وإذا قال لها إن أعطيتني كذا فأنت بائن أو خلية أو برية سئل: فإن أراد الطلاق فهي طالق وإن لم يرد الطلاق فليس بطلاق ويرد شيئا إن أخده منها (قال) وإذا قال لها قد خالعتك أو فاديتك أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق لانه(5/211)
ليس بصريح الطلاق (قال) وسواء كان هذا عند غضب أو رضا وذكر طلاق أو غير ذكره إنما أنظر إلى عقد الكلام الذي يلزم لا سببه، وإذا قالت المرأة لزوجها اخلعني أو بتني أو أبني أو بارئني أو أبرأ مني ولك على ألف أو لك هذه الالف أو لك هذا العبد وهي تريد الطلاق فطلقها فله ما ضمنت له وما أعطته (قال) وكذلك لو قالت له أخلعني على ألف ففعل كانت له الالف ما لم يتناكرا فإن قالت إنما قلت على ألف ضمنها لك غيري أو على الف لي عليك لا أعطيك أو على ألف فلس وأنكر تحالفا وكان له عليها مهر مثلها، وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ولك على ألف درهم فقال أنت طالق على ألف إن شئت فلها المشيئة وقت الخيار فان لم تشأ حتى مضي وقت الخيار لم يكن لها مشيئة وان شاءت بعد ذلك كانت مشيئتها باطلة وهى امرأته بحالها (قال) وهكذا فإن قال لها أنت طالق إن أعطيتني ألفا.
فقالت خذها مما لي عليك.
أو قالت أنا أضمنها لك وأعطيك بها رهنا لم يكن هذا طلاقا لانها لم تعطه ألفا في واحد من هذه الاحوال (قال) ولو أعطته ألفا في وقت الخيار لزمه الطلاق فإن لم تعطه الالف حتى يمضي وقت الخيار ثم أعطته إياها لم يلزمه الطلاق وسواء هرب الزوج أو غاب حتى مضى وقت الخيار أو أبطأت هي بإعطائه الالف حتى مضى وقت الخيار (قال) وإذا كان للرجل امرأتان فسألتاه أن يطلقهما بألف فطلقهما في ذلك المجلس لزمهما الطلاق وفي المال قولان أحدهما أن الالف عليهما على قدر مهور مثلهما والآخر أن على كل واحدة منهما مهر مثلها لان الخلع وقع على كل واحدة منهما بشئ مجهول (قال الربيع) وهذا أصح القولين عندي (قال) وإن قالت له أمرأتان له لك ألف فطلقنا معا فطلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الاخرى لزم المطلقة مهر مثلها ولو طلق الاخرى بعد ذلك الوقت لزمه الطلاق وكان يملك فيه الرجعة ولم يلزمها من المال شئ انما يلزمها المال إذا طلقها في وقت
الخيار (قال) ولو قالتا طلقنا بألف فقال إن شئتما فأنتما طالقان لم تطلقا حتى يشاءا معا في وقت الخيار فإن شاءت إحداهما ولم تشأ الاخرى حتى مضى وقت الخيار لم تطلقا قال فإن شاءتا معا فله على كل واحدة منهما مهر مثلها (قال) وإذا قال رجل لامرأته: إن أعطيتني الفا فأنت طالق فأعطته ألفا في وقت الخيار وقع الطلاق وليس له أن يمتنع إذا دفعتها إليه في ذلك الوقت ولا لها أن ترجع فيها (قال) وهكذا إن قال أعطيتني أو إن أعطيتني وما أشبه هذا فإنما ذلك على وقت الخيار فإذا مضى لم يقع في شئ (قال) وإن قال متى أعطيتني أو أي وقت أعطيتني أو أي حين أعطيتني ألفا فأنت طالق فلها أن تعطيه ألفا متى شاءت وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها إذا أعطته ألفا أن ترجع فيها لان هذا كله غاية كقوله متى دخلت الدار فأنت طالق أو متى قدم فلان فأنت طالق فليس له أن يقول قد رجعت فيما قلت وعليه متى دخلت الدار أو قدم فلان أن تطلق.
ما يقع الخلع من الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا خالع الرجل امرأته فنوى الطلاق ولم ينو عددا منه بعينه فالخلع تطليقة لا يملك فيها الرجعة لانها بيع من البيع ولا يجوز أن يملك عليها مالها ويكون أملك بها.
وإنما جعلناها تطليقة لان الله تعالى يقول (الطلاق مرتان) فعقلنا عن الله تعالى أن ذلك إنما يقع بإيقاع الزوج وعلمنا أن الخلع لم يقع إلا بإيقاع الزوج (قال) وإذا خالع الرجل امرأته فسمى طلاقا على خلع أو فراق أو سراح فهو طلاق وهو ما نوى وكذلك وان سمى ما يشبه الطلاق من الكلام بنية الطلاق(5/212)
(قال) وجماع هذا أن ينظر إلى كل كلام يقع به الطلاق بلا خلع فنوقعه به في الخلع وكل ما لا يقع به طلاق بحال على الابتداء يوقع به خلع فلا نوقع به خلعا حتى ينوي به الطلاق وإذا لم يقع به طلاق فما أخذ الزوج من المرأة مردود عليها (قال) فإن نوى بالخلع اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى (قال) وكذلك إن سمى عددا من الطلاق فهو ما سمى وقد روى نحو من هذا عن عثمان رضى الله عنه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن طهمان مولى الاسلميين عن أم بكرة الاسلمية (قال الشافعي) وهذا كما روى عن عثمان رضى الله عنه إن لم يسم بالخلع تطليقة لانه من قبل الزوج ولو سمى أكثر من تطليقة فهو
ما سمى (قال) والمختلعة مطلقة فعدتها عدتها ولها السكنى ولا نفقة لها لان زوجها لا يملك الرجعة (قال) وإذا خالعها ثم طلقها في العدة لم يقع عليها الطلاق لانها ليست بزوجة ولا في معاني الازواج بحال بأن يكون له عليها رجعة ولا تحل له إلا بنكاح جديد كما كانت قبل أن ينكحها وكذلك لو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يقع عليه إيلاء ولا ظهار ولا لعان إن لم يكن ولد ولو ماتت أو مات لم يتوارثا (قال) وإنما قتل هذا بدلالة كتاب الله عزوجل لان الله تعالى حكم بهذه الاحكام الخمسة من الايلاء والظهار واللعان والطلاق والميراث بين الزوجين، فلما عقلنا عن الله تعالى أن هذين غير زوجين لم يجز أن يقع عليها طلاقه فإن قال قائل فهل فيه من أثر؟ فأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير (قال الشافعي) ولو خالعها ثم أخذ منها شيئا على أن طلقها ثانية أو ثالثة لم يلزمها الطلاق وكان الخلع عليها مردودا لانه أخذه على ما لا لزمه لها (قال) وإذا جاز ما أخذ من المال على الخلع والطلاق فيه واقع فلا يملك الزوج فيه الرجعة لان الله عزوجل يقول (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولا تكون مفتدية وله عليها الرجعة ولا يملك المال وهو يملك الرجعة لان من ملك شيئا بعوض أعطاه لم يجز أن يكون يملك ما خرج منه وأخذ المال عليه (قال) ولو خالعت المرأة زوجها بألف ودفعتها إليه ثم أقامت بينة أو أقر أن نكاحها كان فاسدا أو أنه قد كان طلقها ثلاثا قبل الخلع أو تطليقة لم يبق له عليها غيرها أو خالعها ولم يجدد لها نكاحا رجعت عليه في كل هذا بما أخذ منها (قال) وهكذا لو خالعته ثم وجد نكاحها فاسدا كان الخلع باطلا وترجع بما أخذ منها ولا نكاح بينهما.
ما يجوز خلعه وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: جماع معرفة من يجوز خلعه من النساء أن ينظر إلى كل من جاز أمره في ماله فنجيز خلعه ومن لم يجز أمره في ماله فنرد خلعه، فإن كانت المرأة صبية لم تبلغ أو بالغا ليست برشيدة أو محجورا عليها أو مغلوبة على عقلها فاختلعت من زوجها بشئ قل أو كثر فكل ما أخذ منها مردود عليها وما طلقها على ما أخذ منها واقع عليها وهذا يملك الرجعة فإذا بطل ما أخذ ملك الرجعة في الطلاق الذي وقع به إلا أن يكون طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها (قال) وهكذا إن خالع عنها وليها بأمرها من مالها كان (1) أو غيره فالمال مردود وليس للسلطان أن يخالع عنها
من مالها فإن فعل فالطلاق واقع والخلع مردود عليها ولو خالع عنها وهي صبية بأن أبرأ زوجها من مهرها أو دين لها عليه أو اعطاه شيئا من مالها كان الطلاق الذي وقع بالمال واقعا عليها وكان مالها الذي
__________
(1) انظره مع ما ياتي في الصحيفة بعده عند علامة 3.(5/213)
دفعته إليه مردودا عليها وحقها ثابت عليه من الصداق وغيره ولا يبرأ الزوج من شئ مما أبرأه منه الاب والولى غير الاب (قال) ولو كان أبو الصغيرة وولى المحجور عليها خالع عنها بأن أبرأه من صداقها وهو يعرفه على أنه ضامن لما أدركه فيه كان صداقها على الزوج يؤخذ به ويرجع به الزوج على الذي ضمنه أيا كان أو وليا أو أجنبيا ولا يرجع به الضامن على المرأة لانه ضمن عنها متطوعا في غير نظر لها (قال الشافعي) ولو كان دفع إلى الزوج عبدا من مالها على أن ضمن له ما أدركه في العبد فالعبد مردود عليها ويرجع الزوج على الضامن بقيمة العبد لانه إنما ضمن له العبد لا غيره ولا يشبه الضامن البائع ولا المختلعة وقد قيل له صداق مثلها وإن أفلس الضامن فالزوج غريم له ولا يرجع على المرأة بحال (قال) ولا يجوز خلع المحجور عليها بحال إلا بأن يتطوع عنها أحد يجوز أمره في ماله فيعطي الزوج شيئا على أن يفارقها فيجوز للزوج (قال) والذمية المحجور عليها في هذا كالمسلمة المحجور عليها (قال) والامة هكذا وفي أكثر من هذا لانها لا تملك شيئا بحال وسواء كانت رشيدة بالغا أو شفيهة محجورا عليها لا يجوز خلعها بحال إلا أن يخالع عنها سيدها أو من يجوز أمره في مال نفسه من مال نفسه متطوعا به فيجوز للزوج (قال) وإن أذن لها سيدها بشئ تخلعه فالخلع جائز وكذلك المدبرة وأم الولد (قال) ولا يجوز ما جعلت المكاتبة على الخلع ولو أذن لها الذي كاتبها لانه ليس بمال له فيجوز إذنه فيه ولا لها فيجوز ما صنعت في مالها (قال) ولا يجوز خلع زوج حتى يجوز طلاقه، وذلك أن يكون بالغا غير مغلوب على عقله، فإذا كان غير مغلوب على عقله فخلعه جائز محجوار عليه كان أو رشيدا أو ذميا أو مملوكا من قبل ان طلاقه جائز، فإذا جاز طلاقه بلا شئ يأخذه كان أخذه ما أخذ عليه فضلا أولى أن يجوز من طلاقه بلا شئ وهو في الخلع كالبالغ الرشيد فلو كان مهر امرأته ألفا وخالعته بدرهم جاز عليه ولولى المحجور أن يلي عليه ما أخذ بالخلع لانه مال من ماله وما أخذ العبد بالخلع فهو لسيده (قال)
فإن استهلكا ما أخذا قبل إذن ولى المحجور وسيد العبد له رجع ولى المحجور وسيد العبد به على المختلعة من قبل انه حق لزمها له كما لو كان عليها دين أو أرش جناية فدفعته إليه رجع به وليه وسيد العبد عليها (قال الشافعي) وإن خلع أبو الصبي أو المعتوه أو وليه عنه امرأته أو أبا امرأته فالخلع باطل والنكاح ثابت، وما أخذا من المرأة أو وليها على الخلع فهو مردود كله وهي امرأته بحالها وكذلك إن كان مغلوبا على عقله أو غير بالغ فخالع عن نفسه فهى امرأته بحالها، وكذلك سيد العبد إن خالع عن عبده بغير إذنه لان الخلع طلاق فلا يكون لاحد أن يطلق عن أحد أب ولا سيد ولا ولى ولا سلطان إنما يطلق المرء عن نفسه أو يطلق عليه السلطان بما لزم من نفسه إذا امتنع هو أن يطلق وكان ممن له طلاق وليس الخلع من هذا المعنى بسبيل.
الخلع في المرض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والخلع في المرض والصحة جائز كما يجوز البيع في المرض والصحة وسواء أيهما كان المريض أحدهما دون الآخر أو هما معا ويلزمه فيه ما سمى الزوج من الطلاق (قال) فإن كان الزوج المريض فخالعها بأقل من مهر مثلها ما كان أو أكثر فالخلع جائز وإن مات من المرض لانه لو طلقها بلا شئ كان الطلاق جائزا (قال) وإن كانت هي المريضة وهو صحيح أو مريض فسواء وإن خالعته بمهر مثلها أو أقل فالخلع جائز، وإن خالعته بأكثر من مهر مثلها ثم ماتت من مرضها(5/214)
قبل أن تصح جاز لها مهر مثلها من الخلع وكان الفضل على مهر مثلها وصية يحاص أهل الوصاية بها ولا ترث المختلعة في المرض ولا في الصحة زوجها ولا يرثها ولو مات أحدهما وهي في العدة (قال) ولو خالعها على عبد بعينه أو دار بعينها وقيمة العبد والدار مائة ومهر مثلها خمسون ثم ماتت من مرضها كان له الخيار في أن يكون له نصف العبد أو الدار أو يرجع بمهر مثلها نقدا كما لو اشتراه فاستحق نصفه كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع ورجع بالثمن (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إن اشترى عبدا فاستحق بعضه أن الصفقة باطلة من قبل أنها جمعت شيئين أحدهما حرام والآخر حلال فبطلت كلها، وهكذا الخلع على عبد استحق بعضه لان الخلع بيع من البيوع وله مهر
مثلها والعبد مردود (قال الشافعي) وسواء كان للمرأة ميراث (1) أو كان الزوج بحاله أصاب منه أقل أو أكثر أو مثل صداق مثلها أو الصداق الذي أعطاها أو لم يكن إنما الخلع كالبيع، ألا ترى أن الخلع يفسد فيرجع عليها بمهر مثلها كما يرجع في البيوع الفائتة الفاسدة بقيمة السلعة (2) مال والميراث وهو لا يملك حتى تموت المرأة وهو زوج والخلع الذي هو عوض من البضع.
ما يجوز أن يكون به الخلع وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله: جماع ما يجوز به الخلع ولا يجوز أن ينظر إلى كل ما وقع عليه الخلع فإن كان يصلح أن يكون مبيعا فالخلع به جائز وإن كان لا يصلح أن يكون مبيعا فهو مردود وكذلك إن صلح أن يكون مستأجرا فهو كالمبيع (قال) وذلك مثل أن يخالع الرجل امرأته بخمر أو خنزير أو بجنين في بطن أمه أو عبد آبق أو طائر في السماء أو حوت في ماء أو بما في يده أو بما في يدها ولا يعرف الذي هو في يده أو بثمرة لم يبد صلاحها على أن يترك أو بعبد بغير عينه ولا صفة أو بمائة دينار إلى ميسرة أو إلى ما شاء أحدهما بغير أجل معلوم أو ما في معنى هذا أو يخالعها بحكمه أو بما شاء فلان أو بما لها كله وهو لا يعرفه أو بما في بيتها وهو لا يعرفه (قال) وإذا وقع الخلع على هذا فالطلاق واقع لا يرد ويرجع عليها أبدا بمهر مثلها، وكذلك إن خالعها على عبد رجل أو دار رجل فسلم ذلك الرجل العبد أو الدار لم يجيز لان البيع كان لا يجوز فيهما حين عقد وهكذا إن خالعها على عبد فاستحق أو وجد حرا أو مكاتبا رجع عليها بصداق مثلها لا قيمة ما خالعها عليه ولا ما أخذت منه من المهر كما يشتري الشئ شراء فاسد فيهلك في يدي.
المشتري فيرجع البائع بقيمة الشئ المشترى الفائت لا بقيمة ما اشتراه به والطلاق لا يرجع فهو كالمستهلك فيرجع بما فات منه وقيمة ما فات منه صداق مثلها كقيمة السلعة الفائتة (قال) ولو اختلعت منه بعبد فاستحق نصفه أو أقل أو أكثر كان الزوج بالخيار بين أن يأخذ النصف ويرجع عليها بنصف مهر مثلها أو يرد العبد ويرجع عليها بمهر مثلها كحكمه لو اشتراه فاستحق نصفه (قال الربيع) وقول الشافعي الذي نأخذ به إن استحق بعضه بطل كله ورجع بصداق مثلها (قال) وكذلك لو خالعها على أنه برئ من سكناها كان الطلاق واقعا وكان ما اختلعت به غير جائز لان إخراجها من المسكن محرم ولها السكنى ويرجع عليها بمهر مثلها ولو خالعها على أن عليها رضاع ابنها وقتا معلوما كان
جائزا لان الاجازة تصح على الرضاع بوقت معلوم فلو مات المولود وقد مضى نصف الوقت رجع عليها
__________
(1) لعل " أو " بمعنى الواو.
(2) قوله: ومال الميراث الخ، هكذا في النسخ، وانظر كتبه مصححه.(5/215)
بنصف مهر مثلها ولو لم ترضع المولود حتى مات أو انقطع لبنها أو هربت منه حتى مضى الرضاع رجع عليها بمهر مثلها وإنما قلت إذا مات المولود رجع عليها بمهر مثلها ولم أقل يأتيها بمولود مثله ترضعه كما يتكارى منها المنزل فيسكنه غيره والدابة فتحمل عليها ورثته غيره إذا مات ويفعل ذلك هو وهو حى لان إبداله مثلها ممن يسكن سكنه ويركب ركوبه سواء لا يفرق السكن ولا الدابة بينهما وأن المرأة تدر على المولود ولا تدر على غيره ويقبل المولود ثديها ولا يقبله غيره ويستمريه منها ولا يستمريه من غيرها ولا ترى أمه ولا تطيب نفسها له وليس هذا في دار ولا دابة يركبها راكب ولا يسكنها ساكن (قال) ولو اختلعت منه بأن عليها ما يصلح المولود من نفقة وشئ إن نابه وقتا معلوما لم يجز لان ما ينوبه مجهول لما يعرض له من مرض وغيره، وكذلك نفقته إلا أن تسمى مكيلة معلومة ودراهم معلومة تختلع منه بها ويأمرها بنفقتها عليه ويصدقها بها أو يدفعها إلى غيره أو يوكل غيرها بها فيقبضها في أوقات معلومة فإن وكل غيرها بأن يقبضها إذا احتاج لم يجز لان حاجته قد تقدم وتأخر وتكثر وتقل وإذا لم يجز رجع عليها بمهر مثلها وإن قبض منها مع الشرط الفاسد شيئا لا يجوز رده عليها أو مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل (قال) وهكذا لو خالعها على نفقة معلومة في وقت معلوم وأن تكفنه وتدفنه إن مات أو نفقته وجعل طبيب إن مرض لان هذا يكون ولا يكون وتكون نفقة المرض مجهولة وجعل الطبيب فإذا أنفقت عليه رجعت عليه بالنفقة وانفسخ الشرط وكان عليها مهر مثلها (قال) ولو خالعها بسكنى دار لها سنة معلومة أو خدمة عبد سنة معلومة جاز الخلع فإن انهدمت الدار أو مات العبد رجع عليها بمهر مثلها (قال) ولو اختلعت منه بما في بيتها من متاع فإن تصادقا على أنهما كانا يعرفان جميع ما في بيتها ولا بيت لها غيره أو سميا البيت بعينه جاز وإن كانا أو احدها لا يعرفه أو كان لها بيت غيره فلم يسميا البيت وإن عرفا ما فيه فالخلع جائز وله مهر مثلها (قال) وإن اختلعت منه بالحساب الذي كان بينها فإن
كانت تعرفه ويعرفه جاز وإن كانا يجهلانه وقع الخلع وله عليها مهر مثلها وإن عرفه أحدهما وادعى الآخر جهالته تحالفا وله مهر مثلها وإن عرفاه فادعى الزوج أنه كان في البيت شئ فأخرج منه أو المرأة أنه لم يكن في البيت شئ فأدخله وله عليها مهر مثلها.
المهر الذي مع الخلع (قال الشافعي) وإذا خالع الرجل امرأته دخل بها أو لم يدخل بها قبضت منه الصداق أو لم تقبضه فالخلع جائز فإن كانت خالعته على دار أو دابة أو عبد بعينه أو شئ أو دنانير مسماة أو شئ يجوز عليه الخلع ولم يذكر واحد منها المهر فالخلع جائز ولا يدخل المهر في شئ منه فإن كان دفع إليها المهر وقد دخل بها فهو لها لا يأخذ منه شيئا، وإن لم يكن دفع إليها فالمهر لها عليه وإن كان لم يدخل بها وقد دفع المهر إليها رجع عليها بنصف المهر وإن كان لم يدفع منه شيئا إليها أخذت منه نصف المهر وإن كان المهر فاسدا أخذت منه نصف مهر مثلها (قال) والخلع والمبارأة والفدية سواء كله في هذا إذا أريد به الفراق ولا يختلف وكذلك الطلاق على شئ موصوف (قال) وإن تخالعا وقد سمى لها صداقا ولم يذكراه فهو كما وصفت لها الصداق إن دخل ونصفه إن لم يدخل فإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها إن دخل ونصف مهر مثلها إن لم يدخل وإن لم يكن سمى صداقا فلها المتعة والخلع جائز (قال) فإن قالت أبارئك على مائة دينار وأدفعها إليك فهو كقولها أخالعك وإن قالت أبارئك على مائه دينار على أن لا تباعة لواحد منا على صاحبه فتصادقا على البراءة من الصداق جاز وإن لم يتصادقا وأراد البراءة من(5/216)
الصداق وقالت لم أبرئك منه تحالفا وكان لها مهر مثلها وليس هذا كالمسألة قبلها المبارأة ههنا مطلقة على المبارأة من عقد النكاح والمبارأة ههنا على أن لا تباعة لواحد منهما على صاحبه تحتمل عقد النكاح والمال فلذلك جعلنا هذا مبارأة مجهولة ورددناها إلى مهر مثلها فيها إذا تناكرا في الصداق الخلع على الشئ بعينه فيتلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعبد بعينه فلم تدفعه إليه حتى مات العبد رجع عليها بمهر مثلها كما يرجع لو اشتراه منها فمات قبل أن يقبضه رجع عليها بثمنه الذي
قبضت منه وينتقض فيه البيع، ولو قبضه منها ثم غصبته إياه أو قتلته كان له عليها قيمته وكان كعبد له لم تملكه قط جنت عليه أو غصبته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك لو اختلعت منه على دابة أو ثوب أو عرض فمات أو تلف رجع عليها بمهر مثلها، ولو اختلعت منه على دار فاحترقت قبل أن يقبضها كان له الخيار في أن يرجع بمهر مثلها أو تكون له العرصة بحصتها من الثمن، فإن كانت حصتها من الثمن النصف كانت له به ورجع عليها بنصف مهر مثلها (قال) ولو اختلعت منه بعبد معيب فرده بالعيب رجع عليها بمهر مثلها، ولو خالعته على ثوب وشرطت أنه هروي فإذا هو غير هروي فرده بأنه ليس كما شرطت رجع عليها بالمهر والخلع في كل ما وصفت كالبيع لا يختلف.
خلع المرأتين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت للرجل امرأتان فقالتا له طلقنا معا بألف لك علينا فطلقهما في ذلك المجلس لزمه الطلاق وهو بائن لا يملك فيه الرجعة والقول في الالف واحد من قولين فمن أجاز أن ينكح امرأتين معا بمهر مسمى فيكون بينهما على قدر مهر مثلهما أجاز هذا وجعل على كل واحدة منهما من الالف بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما مائة والاخرى مائتين فعلى التي مهر مثلها مائة ثلث الالف والتي مهر مثلها مائتان ثلثاها (قال) ومن قال هذا قال فإن طلق إحداهما دون الاخرى في وقت الخيار وقع عليها الطلاق وكانت عليها حصتها من الالف ثم إن طلق الاخرى قبل مضي وقت الخيار لزمها الطلاق وكانت عليها حصتها من الالف، وإن مضى وقت الخيار فطلقها لزمها الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شئ له من الالف (1) ولو طلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الاخرى حتى يمضي وقت الخيار لزم التي طلق في وقت الخيار حصتها من الالف وكان طلاقا بائنا ولم يلزم التي طلق بعد وقت الخيار شئ وكان يملك في طلاقها الرجعة (قال) وله أن لا يطلقها في وقت الخيار ولا بعد، وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما، وكذلك لو قال هو لهما إن اعطيتماني ألفا فأنتما طالقان ثم أراد أن يرجع لم يكن ذلك له في وقت الخيار فإذا مضى فأعطياه ألفا لم يكن عليه أن يطلقهما إلا أن يشاء أن يبتدئ لهما طلاقا (قال) وإن قالتا طلقنا بألف فطلقهما ثم ارتدتا لزمتهما الالف بالطلاق وأخذت منهما (قال) ولو قالتا هذا له ثم ارتدتا فطلقهما بعد الردة وقف
__________
(1) قوله ولو طلق احداهما في وقت الخيار الخ كذا في النسخ وهو بمعنى ما قبله، وفي بعض النسخ، إسقاط الصورة التي قبلها وهو اوضح، فتأمل.(5/217)
الطلاق فإن رجعتا إلى الاسلام في العدة لزمتهما وكانتا طالقين باثنتين لا يملك رجعتهما وعدتهما من يوم تكلم بالطلاق لا من يوم ارتدتا ولا من يوم رجعتا إلى الاسلام وإن لم ترجعا إلى الاسلام حتى تمضي العدة أو تقتلا أو تموتا لم يقع الطلاق ولم يكن له من الالف شئ (قال) ولو كانت لرجل امرأتان محجورتان فقالتا على ألف فطلقهما فالطلاق لازم وهو يملك فيه الرجعة إذا لم يكن جاء على طلاقهما كله ولا شئ له عليهما من الالف (قال) وإن كانت إحداهما محجورا عليها والاخرى غير محجور عليها لزمهما الطلاق وطلاق غير المحجور عليها جائز بائن وعليها حصتها من الالف وطلاق المحجور عليها يملك فيه الرجعة إذا أبطلت ماله بكل حال جعلت الطلاق يملك الرجعة وإن كان أراد هو أن لا يملك الرجعة ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق واحدة بائن كانت واحدة يملك الرجعة (قال) ولو كانت امرأته أمة فخالعها كانت التطليقة بائنا ولا شئ عليها ما كانت مملوكة إذا لم يأذن لها السيد ويتبعها بالخلع إذا عتقت وإنما أبطلته عنها في الرق لانها لا تملك شيئا كما أبطلته عن المفلس حتى يوسر فلو خلع رجل امرأة له مفلسة كان الخلع في ذمتها إذا أيسرت لاني لم أبطله من جهة الحجر فيبطل بكل حال (قال) وإذا قال الرجل لامرأته اختلعي على ألف على أن أعطيك هذا العبد فمن أجاز نكاحا وبيعا معا أجاز هذا الخلع وجعل العبد مبيعا ومهر مثلها بألف كأن قيمة العبد ألف وقيمة مهر مثلها ألف فالعبد مبيع بخمسمائة فإذا وجدت به عيبا فمن قال إذا جمعت الصفقة شيئين لم يردا إلا معا فردت العبد رجع عليها بمهر مثلها وكان لها الالف يحاصها بها ومن قال إذا جمعت الصفقة شيئين مختلفين رد أحدهما بعيبه بحصته من الثمن رده بخمسمائة (قال) وقد يفترق هذا والبيع لان أصل ما عقد هذا عليه أن الطلاق لا يرد بحال فيجوز لمن قال لا يرد البيع إلا معا أن يرد العبد بخمسمائة من الثمن ويفرق بينه وبين البيع (قال) وإذا كانت للرجل امرأتان فقالت إحداهما طلقني وفلانة على أن لك على ألف درهم أو على ألف درهم ففعل فالالف للتي خاطبه لازمة يتبعها بها وهكذا لو قال ذلك له أجنبي فإن طلق
التي لم تخاطبه وأمسك التي خاطبته لزمت المخاطبة حصة التي طلقت من الصداق على ما وصفت من أن يقسم الصداق على مهر مثلها فيلزمها حصة مهر مثل مطلقة (قال) وهكذا لو قال هذا له أجنبي (قال) وإذا كان لرجل امرأتان فقالت له إحداهما لك على إن طلقتني ألف وحبست صاحبتي فلم تطلقها أبدا فطلقها كان له عليها مهر مثلها لفساد الشرط في حبس صاحبتها أبدا وهو مباح له أن يطلقها (قال) ولو قالت لك على ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فأخذها رجعت بها عليه وكان له أن يطلقها، ولو قالت لك على ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فطلق صاحبتها كان له عليها مثل مهر صاحبتها كان أقل من ألف أو أكثر ولم تكن له الالف لفساد الشرط وكان له أن يطلقها متى شاء (قال) ولو قالت له لك على ألف درهم على أن تطلقني وصاحبتي فطلقهما لزمتها الالف وإن طلق إحدهما كان له من الالف بقدر حصة مهر مثل المطلقة منهما (قال والقول الثاني) أن رجلا لو كانت له امرأتان لاعطتاه ألفا على أن يطلقهما فطلقهما كان له عليهما مهور أمثالهما ولم يكن له من الالف شئ وكذلك لو أعطته واحدة ألف درهم على أن يطلقها ويعطيها عدا له لم يكن لها العبد وكان له عليها مهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع طلاق واحدة شئ غير طلاقها أو شئ تأخذه مع طلاقها كان الشرط باطلا والطلاق واقع ورجع عليها بمهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع شئ تأخذ مع طلاقها في هذه الوجوه كلها (قال) وما أعطته امرأة عن نفسها أو أعطاه أجنبي عنها أن يطلقها فسواء إذا كان ما أعطاه مما يجوز أن يملك تم له وجاز الطلاق وإذا كان مما لا يجوز أن يملك رجع عليها(5/218)
إن كانت المعطية عن نفسها أو غيرها أو أعطت عن غيرها أو أعطى عنها أجنبي ما لزمها من ذلك في نفسها لزمها في غيرها وما لزمها في نفسها لزم الاجنبي فيها إذا أعطاه عنها لا يفترق ذلك كما يلزم ما يؤخذ في البيوع (قال) وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ثلاثا ولك على ألف درهم فطلقها ثلاثا فله الالف وإن طلقها اثنتين فله ثلثا الالف وإن طلقها واحدة فله ثلث الالف والطلاق بائن في الواحدة والثنتين (قال) ولو لم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة فقالت له طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها واحدة كانت له الالف لان الواحدة تقوم مقام الثلاث في أن تحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره
(قال) ولو كانت بقيت له عليها اثنتان فقالت له طلقني ثلاثا وكل ألف درهم فطلقها اثنتين كانت له الالف لانها تحرم عليه بالاثنتين حتى تنكح زوجا غيره ولو طلقها واحدة كان له ثلثا الالف لانها تبقى معه بواحدة ولا تحرم عليه حتى يطلقها إياها فلا تأخذ أكثر من حصتها من الالف (قال) ولو قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا كانت له الالف وكان متطوعا بالثنتين اللتين زادهما (قال) ولو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف أو ألفان فطلقها واحدة كان له مهر مثلها لان الطلاق لم ينعقد على شئ معلوم، وكذلك لو قالت لي الخيار أن أعطيك ألفا لا أنقصك منها أو ألفين أو لك الخيار أولى ولك الخيار (قال) ولو كانت بقيت عليها واحدة من الطلاق فقالت طلقني ثلاثا واحدة أحرم بها واثنتين إن نكحتني بعد اليوم كان له مهر مثلها إذا طلقها كما قالت (قال) ولو قالت له إن طلقتني فعلى أن أزوجك امرأة تغنيك وأعطيك صداقها أو أي امرأة شئت وأعطيك صداقها وسمت صداقها أو لم تسمه فالطلاق واقع وله مهر مثلها وإنما منعنى أن أجيزه إذا سمت المهر أنها ضمنت له تزويج امرأة قد لا يزوجه ففسد الشرط فإذا فسد فإنما له مهر مثلها (قال) وهكذا لو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف ولك إن خطبتني أن أنكحك بمائة فطلقها فله مهر مثلها ولا يكون له عليها أن تنكحه إن طلقها، قال وهكذا لو قالت له طلقني ولك ألف ولك أن لا أنكح بعدك أبدا فطلقها فله مهر مثلها ولها أن تنكح من شاءت (قال) وإذا وكل الزوج في الخلع فالوكالة جائزة والخلع جائز فمن جاز أن يكون وكيلا بمال أو خصومة جاز أن يكون وكيلا بالخلع للرجل وللمرأة معا وسواء كان الوكيل حرا أو عبدا أو محجورا أو رشيدا أو ذميا كل هؤلاء تجوز وكالته (قال) ولا يجوز أن يوكل غير بالغ ولا معتوها.
فإن فعل فالوكالة باطلة إذا كان هذان لا حكم لكليهما على أنفسهما فيما لله عزوجل وللآدميين فلا يلزمهما لم يجز أن يكونا وكيلين يلزم غيرهما بهما قول (قال) وأحب إلى أن يسمى الموكلان ما يبلغ الوكيل لكل واحد منهما الرجل بأن يقول وكلته بكذا لا يقبل أقل منه، والمرأة بأن يعطى عنها وكيلها كذا لا يعطى أكثر منه (قال) وإن لم يفعلا جازت وكالتهما وجاز لهما ما يجوز للوكيل ورد من فعلهما ما يرد من فعل الوكيل فإن أخذ وكليل الرجل من المرأة أو وكيلها أقل من مهر مثلها فشاء الموكل أن يقبله ويجوز عليه الخلع فيكون الطلاق فيه بائنا فعل، وإن شاء أن يرده فعل، فإذا رده فالطلاق فيه جائز يملك الرجعة وهو في هذه الحال في
حكم من اختلع من محجور عليها لا أنه قياس عليه (قال) وكذلك إن خالعها بعرض أو بدين فشاء أن يكون له الدين ما كان كان هل، وإن شاء أن لا يكون له ويلزمه الطلاق ثم يملك فيه الرجعة كان (قال) وإن أخذ وكيل الرجل من المرأة نفسها أكثر من مهر مثلها جاز الخلع وكان قد ازداد للذي وكله (قال) وإن أعطى وكيل المرأة عنها الزوج نفسه مهر مثلها أو أقل نقدا أو دينا جاز عليها وإن أعطى عليها دينا أكثر من مهر مثلها فشاءت لزمها وتم الخلع وإن شاءت رد عليها كله ولزمها مهر مثلها.
وكان حكمها حكم امرأة اختلعت بما إلا يجوز أو بشئ بعينه فتلف فيلزمها مهر مثلها نقدا يجوز في الخلع ما يجوز في(5/219)
البيع ولا يلزم الزوج أن يؤخذ له عرض ولا دين إلا أن يشاء ولا المرأة أن يعطى عليها عرض ويعطى عليها دين مثل أو أقل من مهر مثلها نقدا.
وإنما لزمها أنها إن شاءت أدته نقدا وإن شاءت حسبته فاستفضلت تأخيره ولم تزد عليها في عدده فلا يكون الخلع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم كما لا يكون البيع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم (قال) ولا يغرم وكيل المرأة ولا الرجل شيئا وإن تعديا إلا أن يعطي وكيل المرأة أكثر من مهر مثلها فيتلف ما أعطى فيضمن الفضل من مهر مثلها فأما إذا كان قائما بعينه في يد الزوج فينتزع منه لا يغرم الوكيل ولا يشبه هذا البيوع وذلك أنه إن وكله بسلعة فاشتراها بأكثر من ثمن مثلها لزمته السلعة بيعا لنفسه وأخذ منه الموكل الثمن الذي أعطاه إن لم يختر أخذ السلعة والوكيل لا يملك المرأة ولا يرد الطلاق بحال وطلاقها كشئ اشتراه لها فاستهلكته فإذا كان الثمن مجهولا أو فاسد ضمنت قيمته ولم يضمنها الوكيل (قال) ولو وكله رجل بأن يأخذ من امرأته مائة ويخالعها فأخذ منها خمسين لم يجز الخلع وكانت امرأته بحالها كما لو قال هلا إن أعطيتني مائة فأنت طالق فأعطته خمسين لم تكن طالقا ولو وكلت هي رجلا على ان يعطي عنها مائة على أن يطلقها زوجها فأعطى عنها مائتين فطلقها زوجها بالمائتين فإن قال الوكيل لك مائتا دينار على ان تطلقها فطلقها فالمائتان لازمة للوكيل تؤخذ منها المائة التي وكلته بها ومائة بضمانه إياها وإن كان قال له لك مائتا دينار من مال فلانة لا أضمنها لك أو قاله وسكت ففعل فطلقها لزمها الاكثر من المائة التي وكلت بها الوكيل أو مهر مثلها ولم يلزمها ما زاد على ذلك من المائتين ولا الوكيل لانه لم يضمن له شيئا ولو كان الوكيل قال له طلقها على أن أسلم لك مائتي دينار من
مالها فالوكيل ضامن إن لم تسلم ذلك له المرأة أخذ الزوج من مال المرأة الاكثر من مائة دينار ومهر مثلها ورجع على الوكيل بالفضل عن ذلك حتى يستوفى مائتي دينار ولو أفلست المرأة كانت المائتا الدينار له على الوكيل بالضمان بتسليم المائتين ولو كان مكان الوكيل أب أو أم أو ولى أو أجنبي لم توكله ولا واحدا منهم فقال للزوج اخلعها على أن أسلم لك من مالها مائتي دينار ففعل الزوج ثم رجع كان له عليه مائتا دينار ولم يرجع المتطوع بالضمان عنها عليها بشئ لانها لم توكله بأن يخالع بينها وبين زوجها.
مخاطبة المرأة بما يلزمها من الخلع وما لا يلزمها (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قالت المرأة للرجل إن طلقتني ثلاثا فلك على مائة فسواء هو كقول الرجل بعنى ثوبك هذا بمائة لك على أو بعنى ثوبك هذا بمائة قال فإن طلقها ثلاثا فله عليها مائة دينار (قال) ولو قالت له طلقني بألف فقال أنت طالق بألف فقالت أردت فلوسا وقال هو أردت دراهم أو قالت أردت دراهم وقال هو أردت دنانير تحالفا وكان له مهر مثلها (قال) ولو قالت له طلقني على ألف فقال أنت طالق على ألف، فقالت أردت طلقني على ألف على أبى أو أخى أو جاري أو أجنبي فالالف لازمة لها لان الطلاق لا يرد.
وظاهر هذا أنه كقولها طلقني على ألف علي (قال) ولو قالت إن طلقتني فلك ألف درهم فطلقها في وقت الخيار كانت له عليها ألف درهم والطلاق بائن وأن طلقها بعد مضي وقت الخيار لزمه الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شئ له عليها (قال) وكذلك لو قال لها أنت طالق إن ضمنت لي ألف درهم أو أمرك بيدك تطلقين نفسك إن ضمنت لي ألف درهم أو قد جعلت طلاقك إليك إن ضمنت لي ألف درهم فضمنتها في هذه المسائل في وقت الخيار كانت طالقا وكانت عليها ألف وإن ضمنتها بعد وقت الخيار لم تكن طالقا ولم يكن عليها شئ (قال) وجماع(5/220)
هذا إذا كان الشئ يتم بها وبه لم يجز إلى مدة ولم يجز إلا في وقت الخيار كما لا يجوز ما جعل إليها من أمرها إلا في وقت الخيار لانه قد تم بها وبه (قال) ولو قال لها إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فقالت قد ضمنت لك ألفا أو أعطته عرضا بألف أو نقدا أقل من ألف لم يكن طلاقا إلا بأن تعطيه ألفا في وقت الخيار فإن مضى وقت الخيار لم تطلق وإن أعطته ألفا إلا بأن يحدث لها طلاقا بعد (قال الشافعي) ولو
قال لها أنت طالق إذا دفعت إلى ألفا فدفعت إليه شيئا رهنا قيمته أكثر من ألف لم تطلق ولا تطلق إلا بأن تدفع إليه الالف (قال) ولو قال لها إن أعطيتني ألف درهم طلقتك فأعطته ألف درهم لم يلزمه أن يطلقها ويلزمه أن يرد الالف عليها وهذ موعد لا إيجاب طلاق وكذلك إن قال إذا أعطيتني ألف درهم طلقتك.
وهكذا إن قالت له إن أعطيتك ألف درهم تطلقني أو طلقتني؟ قال نعم، ولا يلزمه طلاق بما أعطته حتى يقول إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق أو أنت طالق إذا أعطيتني ألف درهم فتعطيه ألف درهم في وقت الخيار، ولو قال لها إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألف درهم طبرية لم تطلق إلا بأن تعطيه وزن سبعة ولو أعطته ألفا بغلية طلقت لانها ألف درهم وزيادة وكان كمن قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا وزيادة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أعطته ألفا رديئة مردودة فإن كانت فضة يقع عليها اسم الدراهم طلقت وكان له عليها أن تبدله إياها، ووإن كانت لا يقع عليها اسم الدراهم أو على بعضها اسم فضة لانها ليست فضة لم تطلق ولو قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا أي عبد ما كان أعور أو معيبا فهي طالق ولا يملك العبد وله عليها صداق مثلها، وكذلك لو قال لها إن اعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق فأعطته بعض هذا كانت طالقا لان هذا كقوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق ولا يملك شيئا من هذا ويرجع عليها بمهر مثلها في كل مسألة من هذا.
وإن قال لها إن أعطيتني شيئا يعرفانه جميعا بعينه فأنت طالق فأعطته إياه كانت طالقا فإن وجد به عيبا كان له رده ويرجع عليها بمهر مثلها، وإن أعطته عبدا فوجده مدبرا لها لم يكن له رده لان لها بيعه وإن وجده مكاتبا لم يكن له، ولو عجز بعدما يطلقها لم يكن له لان العقد وقع عليه وهو لا يجوز بيعه وإن وجده حرا أو لغيرها فيه.
شرك لم يكن له ولو سلمه صاحبه وكان له في هذا كله مهر مثلها.
اختلاف الرجل والمرأة في الخلع (قال الشافعي) وإذا اختلفت المرأة والرجل في الخلع على الطلاق فهو كاختلاف المتبايعين فإن قالت طلقتني واحدة أو أكثر على ألف درهم وقال بل على ألفين تحالفا وله صداق مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين، وهكذا لو قالت له خالعتني على ألف إلى سنة وقال بل خالعتك على ألف نقدا
أو قال له خالعني على إبرائك من مهري فقال بل خالعتك على ألف آخذها منك لا على مهرك أو على ألف مع مهرك تحالفا وكان مهرها بحاله ويرجع عليها بصداق مثلها (قال) وهكذا لو قالت له ضمنت لك ألفا أو أعطيتك ألفا على أن تطلقني وفلانة أو تطلقني وتعتق عبدك فطلقتني ولم تطلقها أو طلقتني ولم تعتق عبدك وقال بل طلقتك بألف وحدك تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها وكذلك لو قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل أخذت منك الالف على الخلع وبينونة طلاق فإنما هي واحدة أو على ثنتين فطلقتكهما تحالفا ورجع بمهر مثلها ولم يلزمه من الطلاق إلا ما أقر به وهكذا لو(5/221)
قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا وتطلقني كلما نكحتني ثلاثا فقال ما أخذت الالف إلا على الطلاق الاول تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها.
وكذلك لو أقر لها بما قالت رجع عليها بمهر مثلها لانه لا يجوز أن يأخذ الجعل على أن يطلقها قبل أن ينكحها، ألا ترى أنه لو أخذ من أجنبية مالا على أنها طالق متى نكحها كان المال مردودا لانه لا يملك من طلاقها شيئا وقد لا ينكحها ابدا (قال) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا بمائة وقال بل سألتني أن أطلقك واحدة بألف تحالفا وله مهر مثلها.
فإن أقامت المرأة البينة على دعواها وأقام الزوج البينة على دعواه وشهدت البينة أن ذلك بوقت واحد وأقر به الزوجان تحالفا وله صداق مثلها وسقطت البينة كما تسقط في البيوع إذا اختلفا والسلعة قائمة بعينها ويرد البيع وإن كان مستهلكا فقيمة المبيع (قال) والطلاق لا يرد وقيمة مثل البضع مهر مثلها (قال) وهكذا لو اختلفا فأقاما البينة ولم توقت بينتهما وقتا يدل على الخلع الاول فإن وقتت بينهما وقتا يدل على الخلع الاول فالخلع الاول هو الخلع الجائز، والثاني باطل إذا تصادقا إن لم يكن ثم نكاح ثم خلع فيكونان خلعين.
ألا ترى أن رجلا لو خالع امرأته بمائة ثم خالعها بعد ولم يحدث نكاحا بألف كانت الالف باطلا ولم يقع بها طلاق لانه طلق ما لا يملك والاول جائز لانه طلق ما يملك (قال) ولو قالت طلقتني ثلاثا بألف فقال بل طلقتك واحدة بألفين وأقام كل واحد منهما البينة على ما قال وتصادقا أن لم يكن طلاق إلا واحدة تحالفا وكان له مهر مثلها (قال) ولو قالت له طلقتني على ألف وأقامت شاهدا حلف وكانت امرأته ولو كانت المسألة بحالها فقال طلقتك على ألفين فلم تقبلي وجحدت كان القول قولها في
المال ولم يلزمه الطلاق لانه لم يقر بالطلاق إذ زعم أنه لم يقع (قال) ولو ادعت انه خالعها وجحد فأقامت شاهدا بأنه خالعها على مائة وشاهدا أنه خالعها على ألف أو عرض فالشهادة لا ختلافهما باطلة كلها ويحلف (قال) وهكذا لو كان هو المدعى أنه خالعها على ألف وأقام بها شاهد وشاهدا آخر بألفين أو بعض فالشهادة باطلة وهي تجحد لزمها الطلاق بإقراره ولم يلزمها المال وحلفت عليه ولا يملك الرجعة لانه يقر أن طلاقه طلاق خلع لا يملك فيه الرجعة (قال) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا بألف فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل طلقتك ثلاثا فإن كان ذلك في وقت الخيار فهي طالق ثلاثا وله الالف.
وإن كان اختلافهما وقد مضى وقت الخيار تحالفا.
وكان له مهر مثلها (قال الشافعي) وإذا اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج طلقتك على ألف وقالت المرأة طلقتني على غير شئ فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة والطلاق واقع ولا يملك فيه الزوج الرجعة لانه مقر أن لا رجعة له على المرأة فيه وأن عليها له مالا فلا يصدق فيما يدعى عليها ويصدق على نفسه (قال) ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شئ وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الالف وعلى الزوج البينة والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة (قال) ولو قالت طلقتني أمس على غير شئ فقال بل طلقتك اليوم بألف فهي طالق اليوم بإقراره ولا يملك الرجعة ولا شئ له عليها من المال لانها لم تقربه.
باب ما يفتدى به الزوج من الخلع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا على أن تعطيني ألفا فلم تعطه ألفا فليست طالقا.
وهو كقوله أنت طالق إن أعطيتني ألفا وأنت طالق إن دخلت الدار.
وهكذا(5/222)
إن قال لها أنت طالق على أن عليك ألفا فإن أقرت كانت طالقا وإن لم تضمنها لم تكن طالقا (قال) وهذا مثل قوله لها أنت طالق إن ضمنت لي ألفا (قال) ولو قال لها أنت طالق وعليك ألف كانت طالقا واحدة يملك الرجعة وليس عليها ألف وهذا مثل قوله أنت طالق وعليك حج وأنت طالق وحسنة وطالق وقبيحة (قال) وإن ضمنت له الالف على الطلاق لم يلزمها وهو يملك الرجعة كما لو ابتدأ
الآن طلاقها فطلقها واحدة.
ثم قالت له اجعل الواحدة التي طلقتني بائنا بألف لم تكن بائنا.
وإن أخذ منها عليها ألفا فعليه ردها عليها (قال) ولو تصادقا على أنها سألته الصلاق بألف فقال أنت طالق وعليك ألف كانت عليها وكان الطلاق بائنا (قال) ولو قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني عبدك فأعطته إياه فإذا هو حر طلقت ورجع عليها بمهر مثلها.
ولو قالت له اخلعني على ما في هذه الجرة من الخل وهي مملوءة فخالعها فوجده خمرا وقع الطلاق وكان عليها له مهر مثلها.
خلع المشركين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلعت المرأة الذمية من زوجها بخمر بعينه أو بصفة فدفعتها إليه ثم جاءوا بعد إلينا أجزنا الخلع ولم نرده عليها بشئ ولو لم تدفعها إليه ثم ترافعوا إلينا أجزنا الخلع وأبطلنا الخمر جعلنا له عليها مهر مثلها (قال) وهكذا أهل الحرب إن رضوا بحكمنا لا يخالفون الذميين في شئ إلا أنا لا نحكم على الحربيين حتى يجتمعا على الرضا ونحكم على الذمين إذا جاء أحدهما (قال) ولو أسلم أحد الزوجين وقد تقابضا فهكذا وإن لم يتقابضا بطل الخمر بينهما وكان له عليها مهر مثلها لا يجوز إن كان هو المسلم لمسلم أن يأخذ خمرا ولا إن كانت هي المسلمة أن تعطي خمرا ولو قبضها منها بعدما يسلم عزر وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه.
وكذلك لو كانت هي المسلمة فدفعتها إليه عزرت وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه وهكذا كل ما حرم وإن استحلوه مالا مثل الخنزير وغيره فهما في جميع الاحكام كالمسلمين لا يختلف الحكم عليهم وعلى المسلمين إلا فيما وصفت مما مضى في الشرك ولا يرد في الاسلام.
الخلع إلى أجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلعت المرأة من زوجها بشئ مسمى إلى أجل فالخلع جائز وما سميا من المال إلى ذلك الاجل كما تكون البيوع ويجوز فيه ما يجوز في البيع والسلف إلى الآجال، وإذا اختلعت بثياب موصوفة إلى أجل مسمى فالخلع جائز والثياب لها لازمة، وكذلك رقيق وماشية وطعام يجوز فيه ما يجوز في السلف ويرد فيه ما يرد في السلف (قال) ولو تركت أن تسمى حيث يقيض منه الطعام أو تركت أن تسمى بعض صفة الطعام جاز الطلاق ورجع عليها بمهر مثلها (قال)
ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شئ وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الالف وعلى الزوج البية والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة.(5/223)
العدد عدة المدخول بها التي تحيض (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال والاقراء عندنا والله تعالى أعلم الاطهار، فإن قال قائل ما دل على أنها الاطهار وقد قال غيركم الحيض؟ قيل له دلالتان أولهما الكتاب الذي دلت عليه السنة والآخر اللسان فإن قال وما الكتاب؟ قيل قال الله تبارك وتعالى (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عزوجل أن تطلق لها النساء (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير انه سمع ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك وتلا النبي صلى الله عليه وسلم (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أنا شككت (قال الشافعي) فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عزوجل أن العدة الطهر دون الحيض وقرأ (فطلقوهن لقبل عدتهن) أن تطلق طاهرا لانها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض فإن قال فما اللسان؟ قيل القرء اسم وضع لمعنى فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج والطهر دم يحتبس فلا يخرج كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس لقول العرب هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه، وتقول العرب هو يقري الطعام في شدقه يعني يحبس الطعام في شدقه (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق عروة وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تبارك اسمه يقول: ثلاثة قروء فقالت عائشة رضى الله تعالى عنها صدقتم وهل تدرون ما الاقراء؟ الاقراء الاطهار أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحد من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد الذي قالت عائشة أخبرنا سفيان عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه، أخبرنا مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الاحوص بن حكيم هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة.
وقد كان طلقها فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فكتب إليه زيد إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه ولا يرثها.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال حدثنا سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت، قال: إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه.
ولا يرثها أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في المد من الحيضة الثالثة.
فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها، أخبرنا مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المهري أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقالا قد بانت منه وحلت، أخبرنا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن(5/224)
وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه ولا ميراث (قال الشافعي) والاقراء الاطهار والله تعالى أعلم، فإذا طلق الرجل امرأته طاهرا قبل جماع أو بعده اعتدت بالطهر الذي وقع عليها فيه الطلاق ولو كان ساعة من نهار وتعتد بطهرين تامين بين حيضتين فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حلت، ولا يؤخذ أبدا في القرء الاول إلا أن يكون فيما بين أن يوقع الطلاق وبين أول حيض ولو طلقها حائضا لم تعتد بتلك الحيضة.
فإذا طهرت استقبلت القرء (قال) ولو طلقها فلما أوقع الطلاق حاضت فإن كانت على يقين من انها كانت طاهرا
حين تم الطلاق ثم حاضت بعد تمامه بطرفة عين فذلك قرء وإن علمت أن الحيض وتمام الطلاق كانا معا استأنفت العدة في طهرها من الحيض ثلاثة قروء، وإن اختلفا فقال الزوج وقع الطلاق وأنت حائض وقالت المرأة بل وقع وأنا طاهر فالقول قولها بيمينها، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال أؤتمنت المرأة على فرجها (قال الشافعي) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فهو أحق بها ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت منه وهو خاطب من الخطاب لا يكون له عليها رجعة ولا ينكحها إلا كما ينكحها مبتدئا بولي وشاهدين ورضاها وإذا رأت الدم في وقت الحيضة الثالثة يوما ثم انقطع ثم عاودها بعد أو لم يعاودها أياما كثرت أو قلت فذلك حيض تحل به (قال) وتصدق على ثلاث حيض في أقل ما حاضت له امرأة قط، وأقل ما علمنا من الحيض يوم وإن علمنا أن طهر امرأة أقل من خمس عشرة صدقنا المطلقة على أقل ما علمنا من طهر امرأة وجعلنا القول قولها، وكذلك إن كان يعلم منها أنها تذكر حيضها وطهرها وهي غير مطلقة على شئ فادعت مثله قبلنا قولها مع يمينها، وإن ادعت ما لم يكن يعرف منها قبل الطلاق ولم يوجد في امرأة لم تصدق إنما يصدق من ادعى ما يعلم انه يكون مثله، فأما من ادعى ما لم يعلم أنه يكون مثله فلا يصدق، وإذا لم أصدقها فجاءت مدة تصدق في مثلها وأقامت على قولها قد حضت ثلاثا أحلفتها وخليت بينها وبين النكاح حين أن يمكن أن تكون صدقت، ومتى شاء زوجها أن أحلفها ما انقضت عدتها فعلت؟ ولو رأت الدم من الحيضة الثالثة ساعة أو دفعة ثم ارتفع عنها يومين أو ثلاثا أو أكثر من ذلك فإن كانت الساعة التي رأت فيها الدم أو الدفعة التي رأت فيها الدم في أيام حيضها نظرنا فإن رأت صفرة أو كدرة ولم تر طهرا حتى تكمل يوما وليلة فهي حيض تخلو عدتها بها من الزوج، وإن كانت في غير أيام الحيض فكذلك إذا أمكن أن يكون بين رؤيتها الدم والحيض قبله قدر طهر فإن كان أتى عليها من الطهر الذي يلي هذا الدم أقل ما يكون بين حيضتين من الطهر كان حيضا تنقضي فيه عدتها وتنقطع به نفقتها إن كان يملك الرجعة وتركت الصلاة في تلك الساعة وصلت إذا طهرت وتركت الصلاة إذا عاودها الدم، وإن كانت رأت الدم بعد الطهر الاول بيومين أو ثلاثا أو أكثر مما لا يمكن أن يكون طهرا لم تحل به من زوجها ولم تنقطع نفقتها ونظرنا أول حيض تحيضه فجعلنا عدتها تنقضي به وإن رأت
الدم أقل من يوم.
ثم رأت الطهر لم يكن حيضا، وأقل الحيض يوما وليلة.
والكدرة والصفرة في الحيض حيض، ولو كانت ال مسألة بحالها فطهرت من حيضة أو حيضتين.
ثم رأت دما فطبق عليها فإن كان دمها ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا محتدما، وفي الايام التي بعده رقيقا قليلا فحيضها أيام الدم المحتدم الكثير وطهرها أيام الدم الرقيق القليل.
وإن كان دمها مشتبها كله كان حيضها بقدر عدد أيام حيضها فيما مضى قبل الاستحاضة وإذا رأت الدم في أول الايام التي أجعلها أيام حيضها في الحيضة الثالثة حلت من زوجها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: جعل الله تبارك وتعالى عدة من تحيض من(5/225)
النساء ثلاثة قروء وعدة من لم تحض ثلاثة أشهر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تترك الصلاة في أيام حيضها إذا كان دمها ينفصل وفي قدر عدد أيام حيضها قبل أن يصيبها ما أصابها.
وذلك فيما نرى إذا كان دمها لا ينفصل نجعلها حائضا تاركا للصلاة في بعض دمها وطاهرا تصلى في بعض دمها فكان الكتاب ثم السنة يدلان على أن للمستحاضة طهرا وحيضا فلم يجز والله تعالى أعلم أن تعتد المستحاضة إلا بثلاثة قروء * قال فإذا أراد زوج المستحاضة طلاقها للسنة طلقها طاهرا من غير جماع في الايام التي نأمرها فيها بالغسل من دم الحيض والصلاة.
فإذا طلقت المستحاضة أو استحيضت بعدما طلقت فإن كان دمها منفصلا فيكون منه شئ أحمر قانئ وشئ رقيق إلى الصفرة فأيام حيضها هي أيام الاحمر القانئ وأيام طهرها هي أيام الصفري فعدتها ثلاث حيض إذا رأت الدم الاحمر القانئ من الحيضة الثالثة انقضت عدتها (قال) وإن كان دمها مشتبها غير منفصل كما وصفنا فإن كان لها أيام حيض معروفة فأيام حيضها في الاستحاضة عدد أيام حيضها المعروف ووقتها وقتها إن كان حيضها في أول الشهر أو وسطه أو آخره فتلك أيام حيضها، فإذا كان أول يوم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها.
وإن كان حيضها يختلف فيكون مرة ثلاثا ومرة خمسا ومرة سبعا ثم استحيضت امرتها أن تدع الصلاة أقل أيام حيضها ثلاثا وتغتسل وتصلي وتصوم لانها أن تصلي وتصوم وليس ذلك عليها إذا لم يتستيقن أنها حائض خير من أن تدع الصلاة وهي عليها واجب وأحب إلى لو أعادت صوم أربعة أيام وليس ذلك بلازم لها، وتخلو من زوجها بدخول أول يوم من أيام حيضتها
الثالثة وليس في عدد الحيضتين الاوليين شئ يحتاج إليه إذا أتت على ثلاث وسبع وأيام طهر فلا حاجة بنا إلى علمها * (قال) وإن كانت امرأة ليس لها أيام حيض ابتدئت مستحاضة أو كانت فنسيتها تركت الصلاة أقل ما حاضت أمرأة قط وذلك يوم وليلة وهو أقل ما علمنا امرأة حاضت فإن كانت قد عرفت وقت حيضتها فمبتدأ تركها الصلاة في مبتدأ حيضتها وإن كانت لم تعرفه استقبلنا بها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق فإذا استهل الهلال الثالث انقضت عدتها منه، ولو طلقت امرأة فاتسحيضت أو مستحاضة فكانت تحيض يوما وتطهر يوما، أو يومين وتطهر يومين أو ما أشبه هذا جعلت عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، وذلك المعروف من أمر النساء أنهن يحضن في كل شهر حيضة فأنظر أي وقت طلقها فيه فأحسبها شهرا.
ثم هكذا حتى إذا دخلت في الشهر الثالث حلت من زوجها وذلك أن هذه مخالفة للمستحاضة التي لها أيام حيض كحيض النساء فلا أجد معنى أولى بتوقيت حيضتها من الشهور لان حيضها ليس ببين، ولو كانت تحيض خمسة عشر متتابعة أو بينها فصل ونطهر خمسة عشر متتابعة لافصل بينها جعلت عدتها بالطهر ثلاثة قروء (قال) وعدة التي تحيض الحيض وإن تباعد كأنها كانت تحيض في كل سنة أو سنتين فعدتها الحيض وهكذا إن كانت مستحاضة فكانت لها أيام تحيضها كما تكون تطهر في أقل من شهر فتخلو بدخول الحيضة الثالثة فكذلك لا تخلو إلا بدخول الحيضة الثالثة وإن تباعدت، وكذلك لو أرضعت فكان حيضها يرتفع للرضاع اعتدت بالحيض (قال) وإذا كانت تحيض في كل شهر أو شهرين فطلقت فرفعتها حيضتها سنة أو حاضت حيضة ثم رفعتها حيضتها سنة أنها لا تجل للازواج إلا بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة وإن تباعد ذلك وطال وهي من أهل الحيض حتى تبلغ أن تيأس من المحيض وهي لا تيأس من المحيض حتى تبلغ السن التي من بلغتها من نسائها لم تحض بعدها فإذا بلغت ذلك خرجت من أهل الحيض وكانت من المؤيسات من المحيض اللاتي جعل الله عزوجل عددهن ثلاثة أشهر استقبلت ثلاثة أشهر من يوم بلغت سن المؤيسات من المحيض لا تخلو(5/226)
إلا بكمال الثلاثة الاشهر وهذا يشبه والله تعالى أعلم ظاهر القرآن لان الله تبارك وتعالى جعل على الحيض الاقراء وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور فقال (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم
فعدتهن ثلاثة اشهر) فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الاياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من نسائها أو أكثرهن لم تحض فينقطع عنها الحيض في تلك المدة، وقد قيل إن مدتها أكثر الحمل (1) وهو أربع سنين ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر وقيل تتربص تسعة أشهر والله تعالى أعلم.
ثم تعتد ثلاثة أشهر (قال) والحيض يتباعد فعدة المرأة تنقضي بأقل من شهرين إذا حاضت ثلاث حيض ولا تنقضي إلا بثلاث سنين وأكثر إن كن حيضها يتباعد لانه إنما جعل عليهن الحيض فيعتددن به وإن تباعد وإن كانت البراءة من الحمل تعرف بأقل من هذا فإن الله عزوجل حكم بالحيض فلا أحيله إلى غيره.
فلهذا قلنا عدتها الحيض حتى تؤيس من المحيض بما وصفت من أن تصير إلى السن التي من بلغها من أكثر نسائها لم تحض.
وقد يروى عن ابن مسعود وغيره مثل هذا القول.
أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية فطلق الانصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت أنا أرثه لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى للانصارية بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني على بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله أبى بكرة أخبره أن رجلا من الانصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهى ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بسبعة أشهر أو ثمانية فقلت له إن امرأتك تريد أن ترث فقال لاهله احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده على بن أبي طالب وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان ما تريان؟ فقالا نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد التي قد يئسن من المحيض وليست من الابكار اللاتي لم يبلغن المحيض.
ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ثم توفى حبان من قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته أخبرنا سعيد عن ابن جريج انه بلغه عن عمر بن عبد العزيز في امرأة حبان مثل خبر عبد الله بن أبي بكرة.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تطلق وهم يحسبون أن يكون المحيض قد أدبر عنها ولم يبن لهم ذلك كيف تفعل؟ (قال) كما قال الله عزوجل إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر قلت ما ينتظر بين
ذلك؟ قال إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله تبارك وتعالى.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: اتعتد أقراءها ما كانت إن تقاربت وإن تباعدت؟ قال: نعم كما قال الله تبارك وتعالى.
أخبرنا سعيد عن المثنى عن عمرو بن دينار في امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فقال أما أبو الشعثاء فكان يقول اقراؤها حتى يعلم أنها قد يئست من المحيض.
أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول عدة المطلقة الاقراء وإن تباعدت (قال الشافعي) وإن طلقت فارتفع محيضها أو حاضت حيضة أو حيضتين لم تحل إلا بحيضة ثالثة وإن بعد ذلك، فإذا بلغت تلك السن استأنفت ثلاثة أشهر من يوم تبلغها.
أخبرنا مالك عن يحيي بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن
__________
(1) قوله: اربع سنين ولم تحض الخ اعل فيه سقطا ووجهه " وهي اربع سنين ولم تحض الخ "(5/227)
المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة أشهر ثم حلت (قال الشافعي) قد يحتمل قول عمر أن يكون في المرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض فلا يكون مخالفا لقول ابن مسعود وذلك وجهه عندنا * ولو أن امرأة يئست من المحيض طلقت فاعتدت بالشهور ثم حاضت قبل أن تكمل بالشهور فسقطت عدة الشهور واستقبلت الحيض فإن حاضت ثلاث حيض فقد قضت عدتها وإن لم تحضه حتى مرت عليها بعد الحيضة الاولى تسعة أشهر استقبلت العدة بالشهور، وإن جاءت عليها ثلاثة أشهر قبل أن تحيض فقد أكملت عدتها لانها من اللاتي يئسن من المحيض، فإن حاضت قبل أن تكمل الثلاثة الاشهر فقد حاضت حيضتين فتستقبل تسعة أشهر فإن حاضت فيها أو بعدها في الثلاثة الاشهر فقد أكملت وإن لم تحض فيها اعتدت، فإذا مرت بها تسعة أشهر ثم ثلاثة بعدها حلت، ولو حاضت بعد ذلك لم تعتد بعد بالشهور (قال) والذي يروى عن عمر عندي يحتمل أن يكون إنما قاله في المرأة قد بلغت السن التي يؤيس مثلها من المحيض فأقول بقول عمر على هذا المعنى وهو قول ابن مسعود على معناه في اللائي لم يؤيسن من المحيض ولا يكونان مختلفين
عندي والله تعالى أعلم * قال الله عزوجل في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الاقراء (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) الآية (قال الشافعي) فكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من المحيض وذلك أن يحدث للزوج عند خوفه انقضاء عدتها رأي في ارتجاعها أو يكون طلاقه إياها أدبا لها لا إرادة أن تبين منه فلتعلمه ذلك لئلا تنقضي عدتها فلا يكون له سبيل إلى رجعتها وكان ذلك يحتمل الحمل مع الحيض لان الحمل مما خلق الله تعالى في أرحامهن، وإذا سأل الرجل امرأته المطلقة أحامل هي أو هل حاضت؟ فبين عندي أن لا يحل لها أن تكتمه واحدا منهما ولا أحدا رأت أنه يعلمه إياه، وإن لم يسألها ولا أحد يعلمه إياه فأحب إلى لو أخبرته به وإن لم يسألها لانه قد يقع اسم الكتمان على من ظن أنه يخبر الزوج لما له في إخباره من رجعة أو ترك كما يقع الكتمان على من كنتم شهادة لرجل عنده، ولو كتمته بعد المسألة الحمل والاقراء حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة بالكتمان إذ سئلت وكتمت وخفت عليها الاثم إذا كتمته وإن لم تسأل ولم يكن له عليها رجعة لان الله عز وجل إنما جعلها له حتى تنقضي عدتها فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما قوله (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال الولد لا تكتمه ليرغب فيها وما أدري لعل الحيضة معه.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء أيحق عليها أن تخبره بحملها وإن لم يرسل إليها يسألها عنه ليرغب فيها (قال) تظهره وتخبر به أهلها فسوف يبلغه.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا قال في قول الله عزوجل (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) المرأة المطلقة لا يحل لها أن تقول انا حبلى وليست بحبلى ولا لست بحبلى وهى حبلى ولا أنا حائض وليست بحائض ولا لست بحائض وهي حائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا إن شاء الله تعالى كما قال مجاهد لمعان منها أن لا يحل الكذب والآخر أن لا تكمته الحبل والحيض لعله يرغب فيراجع ولا تدعيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة لولا ما ذكرت من الحمل والحيض فتغره والغرور لا يجوز.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن أرسل إليها فأراد ارتجاعها فقالت قد انقضت عدتي وهي كاذبة فلم نزل تقوله حتى انقضت عدتها؟ قال: لا وقد خرجت (قال الشافعي) هذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وهي آثمة إلا أن يرتجعها فإن ارتجعها وقد قالت قد انقضت عدتي ثم(5/228)
أكذبت نفسها فرجعته عليها ثابتة ألا ترى أنه إن ارتجعها فقالت قد انقضت عدتي فأحلفت فنكلت فحلف كانت له عليها الرجعة ولو أقرت أن لم تنقض عدتها كانت له عليها الرجعة لانه حق له جحدته ثم أقرت به.
عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سمعت من أرضى من أهل العلم يقول: إن أول ما أنزل الله عز وجل من العدد (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أقراء لها وهي التي لا تحيض ولا الحامل فأنزل الله عز ذكره (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل عدة المؤيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر وقوله (إن ارتبتم) فلم تدروا ما تعتد غير ذات الاقراء.
وقال: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال وهذا والله تعالى أعلم يشبه ما قالوا * وإذا أراد الرجل أن يطلق التي لا تحيض للسنة فطلقها أية ساعة شاء ليس في وجه طلاقها سنة إنما السنة في التي تحيض وكذلك ليس في وقت طلاق الحامل سنة وإذا طلق الرجل امرأته وهي كمن لا تحيض من صغر أو كبر فأوقع الطلاق عليها في أول الشهر أو آخره اعتدت شهرين بالاهلة وإن كان الهلالان معا تسعا وعشرين وشهرا ثلاثبن ليلة في أي الشهر طلقها وذلك أنا نجعل عدتها من ساعة وقع الطلاق عليها فإن طلقها قبل الهلال بيوم عددنا لها ذلك اليوم فإذا أهل الهلال عددنا لها هلالين بالاهلة ثم عددنا لها تسعا وعشرين ليلة حتى تكمل ثلاثين يوما وليلة باليوم الذي كان قبل الهلالين، وكذلك لو كان قبل الهلال بأكثر من يوم وعشر أكملنا ثلاثين بعد هلالين وحلت وأى ساعة طلقها من ليل أو نهار انقضت عدتها بأن تأتي عليا تلك الساعة من اليوم الذي يكمل ثلاثين يوما بعد الشهرين بذلك اليوم فتكون قد أكملت ثلاثين يوما عددا وشهرين بالاهلة وله عليها الرجعة في الطلاق الذي ليس ببائن حتى تمضي جميع عدتها، ولو طلقها ولم تحض فاعتدت بالشهور حتى أكملتها ثم حاضت مكانها كانت عدتها قد انقضت ولو بقي من إكمالها طرفة عين فأكثر خرجت من اللائي لم يحضن لانها لم تكمل ما عليها من العدة بالشهور حتى صارت ممن له الاقراء واستقبلت الاقراء وكانت
من أهلها فلا تنقضي عدتها إلا بثلاثة قروء.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج انه قال لعطاء المرأة تطلق ولم تحض فتعتد بالاشهر فتحيض بعدما يمضي شهران من الثلاثة الاشهر (قال) لتعتد حينئذ بالحيض ولا يعتد بالشهر الذي قد مضى (قال الشافعي) ولو ارتفع عنها الحيض بعد أن حاضت كانت في القول الاول لا تنقضي عدتها حتى تبلغ أن تؤيس من المحيض إلا أن تكون بلغت السن التي يؤيس مثلها فيها من المحيض فتتربص تسعة أشهر ثم تعتد بعد التسعة ثلاثة أشهر (قال) واعجل من سمعت به من النساء حضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين، فلو رأت امرأة الحيض قبل تسع سنين فاستقام حيضها اعتدت به وأكملت ثلاثة أشهر في ثلاث حيض فإن ارتفع عنها الحيض وقد رأته في هذه السنين فإن رأته كما ترى الحيضة ودم الحيضة بلا علة إلا كعلل الحيضة ودم الحيضة ثم ارتفع لم تعتد إلا بالحيض حتى تؤيس من المحيض فإن رأت دما يشبه دم الحيضة لعلة في هذه السن اكتفت بثلاثة أشهر إذا لم يتتابع عليها في هذه السن ولم تعرف أنه حيض لم يكن حيضا إلا أن ترتاب فتستبرئ نفسها من الريبة، ومتى رأت الدم بعد التسع سنين فهو حيض إلا أن تراه من شئ أصابها في فرجها من جرح أو(5/229)
قرحة أو داء فلا يكون حيضا وتعتد بالشهور، ولو أن امرأة بالغا بنت عشرين سنة أو أكثر لم تحض قط فاعتدت بالشهور فأكملتها ثم حاضت كانت منقضية العدة بالشهور كالتي لم تبلغ تعتد بثلاثة أشهر ثم تحيض فلا يكون عليها عدة مستقبلة وقد أكملتها بالشهور ولو لم تكملها حتى حاضت استقبلت الحيض وسقطت الشهور.
باب لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكان بينا في حكم الله عزوجل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس هو الاصابة ولم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا ويرخى سترا وهي غير محرمة ولا صائمة فقال ابن عباس وشريح وغيرهما لا عدة عليها إلا بالاصابة نفسها لان الله عزوجل هكذا قال.
أخبرنا مسلم عن ابن
جريج عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق لان الله عزوجل يقول: (وإن طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (قال الشافعي) رحمه تعالى وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره (قال الشافعي) فإن ولدت المرأة التي قال زوجها لم أدخل بها إلى أربع سنين لستة أشهر فأكثر من يوم عقد عقدة نكاحها لزم الزوج الولد إلا بأن يلتعن فإن لم يلتعن حتى مات أو عرض عليه اللعان وقد أقر به أو نفاه أو لم يقر به ولم ينفه لحق نسبه بأبيه وعليه المهر تاما إذا ألزمناه الولد حكمنا عليه بأنه مصيب لها (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا لم يلتعن الحقنا به الولد ولم نغرمه إلا نصف الصداق لانها قد تستدخل نطفة فتحبل فيكون ولده من غير مسيس بعد ان يحلف بالله ما أصابها (قال الشافعي) فإن التعن نفينا عنه الولد وأحلفناه ما أصابها وكان عليه نصف المهر، ولو أقر بالخلوة بها فقال لم أصبها وقالت أصابني ولا ولد فالقول قوله مع يمينه إذا جعلته إذا طلق لا يلزمه إلا نصف الصداق إلا أن يصيب وهي مدعية بالاصابة عليه نصف الصداق لا يجب إلا بالاصابة فالقول قوله فيما يدعى عليه مع يمينه وعليها البينة فإن جاءت ببينة بأنه أقر بإصابتها أخذته بالصداق كله، وكذلك إن جاءت بشاهد أحلفتها مع شاهدها وأعطيتها الصداق فإن جاءت بشاهد وامرأتين قضيت لها بلا يمين وإن جاءت بامرأتين لم أحلفها أو بأربع لم أعطها بهن لا أجيز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يراه الرجال من عيوب النساء خاصة وولادهن أو مع رجل * وقد قال غيرنا إذا خلا بها فأغلق بابا وأرخى سترا وليس بمحرم ولا هي صائمة جعلت لها المهر تاما وعليها العدة تامة ولو صدقته أنه لم يمسها لان العجز جاء من قبله.
وقال غيره لا يكون لها المهر تاما إلا بالاصابة أو بأن يستمتع منها حتى يخلق ثيابها ونحو هذا.
عدة الحرة من أهل الكتاب عند المسلم والكتابي (قال الشافعي) رحمه الله والحرة والكتابية يطلقها المسلم أو يموت عنها مثل الحرة المسلمة في العدة(5/230)
والنفقة والسكنى لا يختلفان في شي ء من العدة والنفقة والسكنى وجميع ما لزم المسلمة لازم لها من
الاحداد وغير ذلك وإن أسلمت في العدة قبل أن تكملها لم تستأنف وبنت على عدتها وهكذا إن طلقها الكتابي أو مات عنها وإن أرادت أن تخرج في العدة كان للزوج حيا وورثته ميتا من منعها الخروج مالهم من منع المسلمة لا مختلفان في شئ غير أنها لا ترث المسلم ولا يرثها.
العدة من الموت والطلاق والزوج غائب (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عزول (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال عز ذكره (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال: فكان بينا في حكم الله عز ذكره أن العدة من يوم يقع الطلاق وتكون الوفاة (قال) وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته أو طلاقه أو أي علم صادق ثبت عندها اعتدت من يوم يكون الطلاق وتكون الوفاة (1) وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق والوفاة لم يكن عليها عدة لان العدة إنما هي مدة تمر عليها فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها (قال) وإذا خفي ذلك عليها وقد استيقنت بالطلاق أو الوفاة اعتدت من يوم استيقنت أنها اعتدت منه وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تعتد من يوم يكون الطلاق أو الوفاة) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يطلق امرأته أو يموت عنها وهو بمصر وهي بمصر آخر من أي يوم تعتد؟ قال من يوم مات أو طلقها تعتد.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: إذا قامت بينة فمن يوم طلقها أو مات عنها.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته قال تعتد من يوم طلقت أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: المتوفى عنها تعتد من يوم مات والمطلقة من يوم طلقت.
عدة الامة (قال الشافعي) رحمه الله: ذكر الله عزوجل العدد من الطلاق بثلاثة قروء وثلاثة أشهر ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشر وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة فاحتمل أن يكون ذلك كله على
الاحرار والحرائر والعبيد والاماء واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون وكان عزوجل قد فرق في حد الزاني بين المماليك والاحرار فقال: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال في الاماء (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال في الشهادات (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فلم يختلف من لقيت أنها على الاحرار دون العبيد وذكر المواريث فلم يختلف أحد لقيته في أن المواريث للاحرار دون العبيد، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب
__________
(1) قوله: وان لم تعتد الخ كذا في النسخ والمعنى: وان لم تقصد العدة الخ لان العدة مدة الخ اي فلا يلزم فيها القصد اه.(5/231)
الحر الزاني ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب (قال) وفرض الله عزوجل العدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر، وفي الموت أربعة أشهر وعشرا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستبرأ الامة بحيضة ففرق بين استبراء الامة والحرة وكانت العدة في الحرائر استبراء وتعبدا، وكذلك الحيضة في الامة استبراء وتعبد (قال الشافعي) فلم أعلم مخالفا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الامة نصف عدة الحرة فيما كان له نصف معدود ما لم تكن حاملا فلم يجز إذ وجدنا ما وصفت من الدلائل على الفرق فيما ذكرنا وغيره بين عدة الامة والحرة إلا أن تجعل عدة الامة نصف عدة الحرة فيما له نصف وذلك الشهور.
فأما الحيض فلا يعرف له نصف فتكون عدتها فيه أقرب الاشياء من النصف إذا لم يسقط من النصف شئ وذلك حيضتان ولو جعلناها حيضة أسقطنا نصف حيضة ولا يجوز أن يسقط عنها من العدة شئ فأما الحمل فلا نصف له.
قد يكون يوما من يوم وقع عليها الطلاق وسنة وأكثر كما لم يكن للقطع نصف فيقطع الحر والعبد والامة والحرة، وكان للزنا حدان أحدهما الجلد فكان له نصف فجعل عليها النصف ولم يكن للرجم نصف فلم يجعل عليها ولم يبطل عنها حد الزنا وحدت بأحد حديه على الاحرار.
وبهذا مضت الآثار عمن روينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإذا تزوجت الامة الحر أو العبد فطلقها أو مات عنها فسواء والعدة بها، تعتد إذا كانت ممن تحيض حيضتين إذا دخلت في الدم من الحيضة الثانية حلت، وتعتد في الشهور خمسا وأربعين إذا
كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر، وتعتد في الوفاة شهرين وخمس ليال، وفي الحمل أن تضع حملها متوفى عنها أو كانت مطلقة (قال) ولزوجها في الطلاق إذا كانت يملك الرجعة عليها ما على الحرة في عدتها وكذلك عليه من نفقتها في العدة ما عليه من نفقة الحرة.
ولا يسقط ذلك عنه إلا أن يخرجها سيدها فيمنعها العدة في منزلة فتسقط النفقة عنه كما تسقط لو كانت له زوجة فأخرجها عنه إلى بلد غير بلده.
وكذلك إن كانت مطلقة طلاقا لا يملك الرجعة كانت عليه نفقتها حاملا ما لم يخرجها سيدها من منزله لان الله عزوجل يقول في المطلقات (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) ولم نجد أثرا لازما ولا إجماعا بأن لا ينفق على الامة الحامل ولو ذهبنا إلى أن نزعم ان النفقة على الحامل إنما هي للحمل كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة وكما يكون لو كان مولودا لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه ولكنه حكم الله تعالى علينا اتباعه تعبدا، وقد ذهب بعض الناس إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها النفقة قياسا على الحامل فقال الحامل محبوسة بسببه، وكذلك المعتدة بغير الحمل محبوسة بسببه عن الازواج، فذهبنا إلى أنه غلط وإنما أنفقنا على الحامل بحكم الله عزوجل لا بأنها محبوسة بسببه وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها، واستدللنا بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملا (قال) والامة في النفقة بعد الفراق والسكني ما كانت في العدة كالحرة إلا ما وصفت من أن يخرجها سيدها، أخبرنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة حيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا: قال سفيان وكانه ثقة، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو ابن أوس الثقفي عن رجل من ثقيف أنه سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا فقال رجل فاجعلها شهرا ونصفا فسكت عمر (قال) وإذا طلق الحر أو العبد الامة طلاقا يملك فيه الرجعة فعدتها عدة أمة وإذا مضت عدتها، ثم عتقت لم تعد لعدة ولم نزد على عدتها(5/232)
الاولى، وإن أعتقت قبل مضى العدة بساعة أو أقل أكملت عدة حرة لان العتق وقع وهي في معاني
الازواج في عامة أمرها.
فإن مات بعد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة قبل العتق لم ترثه وكذلك لو ماتت لم يرثها.
وإن مات أو ماتت وقد عتقت قبل مضى عدة الحرة توارثا ويقع عليها ايلاء وطلاقه وظهاره وما يقع بين الزوجين (قال) وإذا كان طلاقه وايلاؤه وظهاره يقع عليها إذا طلقت طلاقا يملك فيه الرجعة إلى أن تنقضي عدتها فعتقت قبل أن تنقضي عدتها لم يجز والله تعالى أعلم، إلا أن تعتد عدة حرة ويتوارثان قبل انقضاء عدتها التي لزمتها بالحرية، ولو كانت الامة عند عبد فطلقها طلاقا يملك فيه الرجعة فلم تنقض عدتها حتى عتقت فاختارت فراقه كان ذلك لها وكان اختيارها فراقه فسخا بغير طلاق وتكمل منه عدة حرة من الطلاق الاول لانها صارت حرة قبل أن تنقضي عدتها من طلاق يملك فيه الرجعة ولا تستأنف عدة لانه لو كان أحدث لها رجعة ثم طلقها ولم يصبها بنت على العدة الاولى لانها مطلقة لم تمس فإنما عليها من العدة الاولى إكمال عدة حرة.
ولو كان طلاق الامة طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم عتقت في العدة ففيها قولان أحدهما أن تبني على العدة الاولى وأن لا خيار لها لانها غير زوجة ولا تستأنف عدة لانها ليست بزوجة ولا في معاني الازواج لا يقع عليها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا يتوارثان لو كانا في تلك الحال حرين.
والقول الثاني أن عليها أن تكمل عدة حرة ولا تكون حرة تكمل عدة أمة ومن ذهب إلى هذا ذهب إلى أن يقيسه على العدة في الطلاق الذي يملك فيه الرجعة.
وقال المرأة تعتد بالشهور ثم تحيض تستقبل الحيض ولا يجوز أن تكون في بعض عدتها ممن تحيض وهي تعتد بالشهور فيقول وهكذا لا يجوز أن تكون في بعض عدتها حرة وهي تعتد عدة أمة وقال في المسافر يصلى ركعة ثم ينوى المقام يتم اربعا ولا يجوز أن يكون في بعض صلاته مقيما يصلى صلاة مسافر وهذا أشبه القولين والله تعالى أعلم بالقياس (قال) والامة من الازواج فإذا اجتمعت عليها عدتان قضتهما كما كما تقضيهما الحرة وهي في النكاح الفاسد والاحداد كالحرة يثبت عليها ما يثبت على الحرة ويرد عنه ما يرد عنها.
استبراء أم الولد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها قال تعتد بحيضة (قال الشافعي) وإذا ولدت الامة من سيدها فأعتقها أو مات عنها استبرأت بحيضة ولا تحل من الحيضة
للازواج حتى ترى الطهر فإذا رأته حلت وإن لم تغتسل.
وإن اعتقها أو مات عنها وهي حائض لم يعتد بتلك الحيضة، وإن أعتقها أو مات عنها وهي لا تعلم فاستيقنت أنها قد حاضت بعد العتق حلت وإن لم تستيقن استبرأت نفسها بحيضة من ساعة بقينها ثم حلت (قال) وإن كانت حاملا فأجلها أن تضع حملها.
وإن استرابت لم تنكح حتى تستبرأ وهي كالحرة في الاستبراء من العدة سواء.
وإذا ولدت جارية الرجل منه أحببت له أن لا يزوجها وإن استبرأها ثم زوجها فالنكاح ثابت عليها رضيت أو لم ترض.
فإن مات سيدها ولم يطلقها زوجها ولم يمت فلا استبراء عليها من سيدها وإن طلقها زوجها طلاقا يملك فيه الرجعة أو طلاقا بائنا فلم تنقض عدتها حتى مات سيدها لم يكن عليها استبراء من سيدها لان فرجها ممنوع منه بشئ أباحه لغيره بنكاح وعدة من نكاح.
وكذلك لو مات عنها زوجها فلم تنقض عدتها منه حتى يموت سيدها لم تستبرئ من سيدها لان فرجها ممنوع منه بعدة من نكاح.(5/233)
ولو مات زوجها أو طلقها فانقضت عدتها منه ثم مات سيدها استبرأت من سيدها (قال) ولو مات زوجها وسيدها ويعلم أن أحدهما مات قبل الآخر بيوم أو شهرين وخمس ليال أو أكثر ولا يعلم أيهما مات قبل اعتدت من حين مات الآخر منهما أربعة أشهر وعشرا تأتي فيها بحيضة وإنما قلنا تدخل إحدى العدتين في الاخرى أنهما لا يلزمانها معا وإنما يلزمها إحداهما فإذا جاءت بهما معا على الكمال في وقت واحد فذلك أكثر ما يلزمها إن كان سيدها مات قبل زوجها فلا استبراء عليها من سيدها وعليها أربعة اشهر وعشر وإن كان زوجها مات قبل سيدها ولم تستكمل شهرين وخمس ليال فلا استبراء عليها من سيدها.
وإن كان سيدها مات بعد مضي شهرين وخمس ليال فعليها أن تستبرئ من سيدها بحيضة ولا ترث زوجها حتى تستيقن أن سيدها مات قبل زوجها، ولو كان زوج هذه طلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات سيدها.
ثم مات زوجها وهي العدة وكان الزوج حرا اعتدت عدة الوفاة من يوم مات زوجها أربعة أشهر وعشرا وورثت زوجها ولم تبال أن لا تأتي بحيضة لانه لا استبراء عليها من سيدها إذا كانت في عدة من زوجها.
ولو كان زوجها عبدا فطلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات سيدها وهي في عدتها من الطلاق أو أعتقها فلم تختر فراق الزوج حتى مات الزوج حرا كان لها منه
الميراث وتستقبل منه عدة أربعة أشهر وعشرا من يوم مات الزوج ولا استبراء عليها من سيدها، ولو اختارت فراقه حين عتقت قبل أن يموت كان الفراق فسخا بغير طلاق ولم يكن عليها عدة وفاة ولم ترثه وأكملت عدة الطلاق ولم يكن له عليها رجعة بعد اختيارها فراقه قبل موته ولا استبراء لسيدها (قال) وإذا جاءت أم ولد رجل بعد موته بولد الاكثر ما تلد له النساء من آخر ساعات حياته فالولد لا حق به، وهكذا في الحياة لو أعتقها إذا لم يدع أنه استبرها ولو جاءت به الاكثر مما تلد له النساء من يوم مات أو أعتق لم يلزمه (قال) وعدة أم الولد إذا كانت حاملا أن تضع حملها وإن لم تكن حاملا فحيضة (قال) وإذا مات الرجل عن مدبرة له كان يطؤها أو أمة كان يطؤها استبرأت بحيضة فإن نكحت هي أو أم الولد قبلها فسخ النكاح وإن كانت أمة لا يطؤها فلا استبراء عليها وأحب إلي لو لم تنكح حتى تستبرئ نفسها، وإذا كانت للعبد امرأة ثم كاتب فاشتراها للتجارة فالشراء جائز كما يجوز شراؤه لغيرها والنكاح فاسد إذا جعلته يملكها لم أجعل له نكاحها وتعتد من النكاح بحيضتين فإن لم تكن تحيض فشهر ونصف وليس له أن يطأها بالملك لانه لا يملك ملكا تاما، وإن عتق قبل مضى عدتها كان له أن يطأها وهي تعتد من مائة إنما تحرم على غيره في عدتها منه ولا تحرم عليه ولا أكره له وطأها في هذه الحال إنما أكره له ذلك في الماء الفاسد ولا أحرمه عليه ولا أفسد النكاح ولو وقع وهي تعتد من الماء الفاسد، ولو مات المكاتب قبل أن يؤدي أكملت بقية عدتها من انفساخ نكاحه وكانت مملوكة للسيد ترك وفاء أم لم يتركه أو ولدا كانوا معه في الكتابة أو أحرارا ولم يدعهم، ولو رضى السيد أن يزوجه إياها فزوجه إياها لم يجز لانها ملك للمكاتب كما يملك ماله ولو رضى ان يتسراها لم يكن ذلك له ولو تسراها المكاتب فولدت ألحقت به الولد ومنعته الوطئ وفيها قولان: أحدهما لا يبيعها بحال خاف العجز أو لم يخفه لاني قد حكمت لولدها بحكم الحرية وإن عتق أبوه والثاني: أن له بيعها إن خاف العجز ولا يجوز له أن يبيعها إن لم يخفه، وإن مات استبرأت بحيضة كما تستبرئ الامة وكذلك إذا منعته وطأها أو أراد بيعها استبرأت بحيضة لا تزيد عليها، وإذا تزوج المكاتب أمرأة حرة ثم ورثته فسد النكاح واعتدت منه عدة مطلقة وإن مات (1) حين تمكثه حرا أو مملوكا فسواء النكاح ينفسخ وعدتها عدة مطلقة لا عدة
__________
(1): قوله حين تملثه كذا في النسخ ولعله حين " نمكثها " والتانيث اي: اعتدادها.
تأمل.(5/234)
متوفى عنها زوجها ولا ترث منه إن كان حرا لان النكاح انفسخ ساعة وقع عقد الملك وهذا لو كانت بنت سيده زوجه إياها بإذنها فالنكاح ثابت ومتى ورثت منه شيئا كان كما وصفت وإذا مات الرجل وجاءت امرأته بولد لاكثر ما تلد له النساء ألزمت الميت الولد أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها ما لم تنكح زوجا يمكن أن يكون منه، ولو جاءت بولد فأنكر الورثة أن تكون ولدته فجاءت بأربع نسوة يشهدن على أنها ولدته لزم الميت، وهكذا كل زوج جحد ولاد امرأته ولم يقذفها فقال لم تلدي هذا الولد لم يلزمه إلا بأن يقربه أو بالحمل به أو تأتي المرأة بأربع نسوة يشهدن على ولادها فيلزمه إلا أن ينفيه بلعان، وإذا نكح الرجل المرأة فلم يقر بالدخول بها ولا ورثته وجاءت بولد لستة أشهر من يوم نكحها أو أكثر لزمه، وكذلك لو طلقها لزمه لاكثر ما تلد له النساء إلا أن ينفقه بلعان، وإذا مات الصبي الذي لا يجامع مثله عن امرأته دخل بها أو لم يدخل بها حتى مات فعدتها أربعة أشهر وعشر لان الحمل ليس منه ولا يلحق به إذا أحاط العلم أن مثله لا ينزل بعد موته ولا في حياته، وإن وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر أكملت أربعة أشهر وعشرا وإن مضت الاربعة الاشهر والعشر قبل وضع الحمل حلت منه وتحد في الاربعة الاشهر والعشر ولا تحد بعدها، وإذا نكح الخصى غير المجبوب والخصى المجبوب وعلمت زوجتاهما قبل النكاح فرضيتا أو بعد النكاح فاختارتا المقام فالنكاح جائز، وإذا أصاب الخصى غير المجبوب فهو كالرجل غير الخصى يجب المهر بإصابته، وإذا كان أبقى للخصي شئ يغيب في الفرج فهو كالخصي غير المجبوب، وإن لم يبق شئ وكان والخصى ينزلان لحقهما الولد كما يلحق الفحل واعتدت زوجتاهما منهما كما تعتد زوجة الفحل من الطلاق والوفاة وطلاقهما بكل حال إذا كانا بالغين كطلاق الفحل البالغ، ولا يجوز طلاق الصبى حتى يستكمل خمس عشرة أو تحتلم قبلها، ولا طلاق المعتوه، ولا طلاق المجنون الذي يجن ويفيق إذا طلق في حال جنونه وإن طلق في حال صحته جاز (قال) ويجوز طلاق السكران.
ومن لم يجز طلاقه فالمرأة امرأته حتى يموت أو يصير إلى أن يجوز طلاقه وكل بالغ مغلوب على عقله يلزمه الولد كما يلزم الصحيح ولا يكون له أن ينفي الولد بلعان لانه ليس ممن يعقل لعانا ولا تبين منه امرأته.
عدة الحامل قال الله عزوجل في المطلقات (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (قال الشافعي) رحمه الله: فأي مطلقة طلقت حاملا فأجلها أن تضع حملها (قال) ولو كانت تحيض على الحمل تركت الصلاة واجتنبها زوجها ولم تنقض عدتها بالحيض لانها ليست من أهله إنما أجلها أن تضع حملها (قال) فإن كانت ترى أنها حامل وهي تحيض فارتابت أحصت الحيض ونظرت في الحمل فإن مرت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة وقد بان لها أن ليس بها حمل فقد انقضت عدتها بالثلاث الحيض فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض وقفنا الرجعة فإن بان حمل فالرجعة ثابتة، وإن بان أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة، وإن عجل فأصابها فلها المهر بما أصاب منها وتستقبل عدة أخرى ويفرق بينهما وهو خاطب، وهكذا المرأة المطلقة التي لم تحض ترتاب من الحمل فتمر بها ثلاثة أشهر لا تخالف حال التي ارتابت من الحمل وهي تحيض فحاضت ثلاث حيض إن برئت من الحمل برئت من العدة في الثلاثة الاشهر التي مرت بها بعد الطلاق في حال ريبة(5/235)
مرت بها أو غير ريبة، وإن لم تبرأ من الحمل وبان بها الحمل بأجلها أن تضع حملها وإن راجعها زوجها في الثلاثة الاشهر ثبتت الرجعة كانت حاملا أو لم تكن، فإذا راجعها بعد الثلاثة الاشهر وقفت الرجعة فإن برئت من الحمل فالرجعة باطلة، وإن كان الطلاق يملك الرجعة أنفق عليها في الحيض أو الشهور، وإن أنفق عليها وهو يراه حملا بطلت النفقة من يوم أكملت الحيض والشهور ويرجع عليها بما أنفق بعد مضى العدة بالشهور والحيض ويرجع بما أنفق حين كان يراها حاملا فإن كنت حاملا فالرجعة ثابتة ولها النفقة فإن دخل بها فأبطلت الرجعة جعلت لها الصداق بالمسيس واستأنفت العدة من يوم أصابها وكان خاطبا فإن راجعها وهي ترى أنها حامل بعد الثلاثة الاشهر ثم أنفش ما في بطنها فعلم أنها غير حامل فالرجعة باطلة (قال الربيع) انفش ذهب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا تنكح المرتابة من المطلقات ولا المتوفى عنها زوجها من الحمل وإن أوفين عددهن لانهن لا يدرين ما عددهن؟ الحمل أو ما اعتدن به؟ وإن نكحن لم نفسخ النكاح ووقفناه فإن برئن من الحمل فالنكاح ثابت وقد
أسأن حين نكحن وهن مرتابات، وإن كان الحمل منعناهن الدخول حتى يتبين أن ليس حمل فإن وضعن أبطلنا النكاح وإن بان أن لا حمل خلينا بينهن وبين الدخول (قال) ومتى وضعت المعتدة ما في بطنها كله فقد انفضت عدتها مطلقة كانت أو متوفى عنها ولو كان ذلك بعد الطلاق أو الموت بطرفة عين.
وإن كانت حاملا باثنين أو ثلاثة فوضعت الاول فلزوجها عليها الرجعة حتى تضع الثاني.
فإن راجعها بعد وضع الاول وهي تجد حركة ولد أوقفنا الرجعة فإن ولدت ولدا آخر أو اسقطت سقطا تبين له من خلق الآدميين شئ فرجعته ثابتة وإن لم تضع شيئا إلا ما يخرج من النساء مما يتبع الولد أو مالا يتبين فيه شئ من خلق الادميين فالرجعة باطلة وكذلك هذا لو وضعت الاولين وبقي ثالث أو شئ تجده تراه ثالثا.
أو ثلاثة وبقى رابع لا تخلوا أبدا من زوجها إلا بوضع آخر حملها وليس ما يتبع الحمل من المشيمة وغيرها مما لا يبين له خلق آدمى حملا (قال) ولو ارتجعها وقد خرج بعض ولدها وبقي بعضه كانت له عليها الرجعة ولا تخلو منه حتى يفارقها كله خارجا منها فإذا فارقها كله فقد انقضت عدتها.
وإن لم يقع في طست ولا غيره (قال) وأقل ما تخلو به المعتدة من الطلاق والوفاة من وضع الحمل أن تضع سقطا قد بان له من خلق بني آدم شئ عين أو ظفر أو إصبع أو رأس أو يد أو رجل أو بدن أو ما إذا رؤى علم من رآه أنه لا يكون إلا خلق آدمى لا يكون دما في بطن ولا حشوة ولا شيئا لا يبين خلقه.
فإذا وضعت ما هو هكذا حلت به من عدة الطلاق والوفاة (قال) وإذا ألقت شيئا مجتمعا شك فيه أهل العدل من النساء أخلق هو أم لا لم تحل به ولا تخلو إلا بما لا يشككن فيه.
وإن اختلفت هي وزوجها فقالت قد وضعت ولدا أو سقطا قد بان خلقه، وقال زوجها لم تضعي فالقول قولها مع يمينها، وإن لم تحلف ردت اليمين على زوجها.
فإن حلف على البت ما وضعت كانت له الرجعة وإن لم يخلف لم يكن له الرجعة قال ولو قالت وضعت شيئا أشك فيه أو شيئا لا أعقله وقد حضره نساء فاستشهدت بهن وأقل من يقبل في ذلك أربع نسوة حرائر عدول مسلمات لا يقبل أقل منهن ولا يقبل فيهن والدة ولا ولد وتقبل أخواتها وغيرهن من ذوي قرابتها والاجنبيات ومن أرضعها من النساء.
ولو طلق رجل امرأته وولدت فلم تدر هي أوقع الطلاق عليها قبل ولادها أو بعده؟ وقال هو وقع بعدما
__________
(1) قوله: ولو قلت وضعت الخ كذا في النسخ وتامل في جواب " لو " ولعله في قوله " فاستشهدت بهن "
تأمل.(5/236)
ولدت فلى عليك الرجعة وكذبته فالقول قوله وهو أحق بها لان الرجعة حق له.
والخلو من العدة حق لها فإذا لم تدع حقها فتكون أملك بنفسها لانه فيها دونه لم يزل حقه إنما يزول بأن تزعم هي أنه زال (قال) ولو لم يدر هو ولا هي أوقع الطلاق قبل الولاد أو بعده بأن كان عنها غائبا حين طلقها بناحية من مصرها أو خارج منه كانت عليها العدة لان العدة تجب على المطلقة فلا تزيلها عنها إلا بيقين أن تأتي بها وكان الورع أن لا يرتجعها لاني لا أدري لعلها قد حلت منه ولو ارتجعها لم أمنعه لانه لا يجوز لي منعه رجعتها إلا بيقين أن قد حلت منه (قال) والحرة الكتابية تكون تحت المسلم أو الكتابي في عدد الطلاق أو الوفاة وما يلزم المعتدة من ترك الخروج والاحداد وغير ذلك ويلزم لها بكل وجه سواء لا يختلفان في ذلك والحرة المسلمة الصغيرة كذلك وكذلك الامة المسلمة إلا أن عدة الامة في غير الحمل نصف عدة الحرة وأن لسيد الامة أن يخرجها وإذا أخرجها لم يكن لها نفقة على مطلق يملك الرجعة ولا حمل (قال) وتجتمع العدة من النكاح الثابت والنكاح الفاسد في شئ وتفترق في غيره.
وإذا اعتدت المرأة من الطلاق والمنكوحة نكاحا فاسدا بالفرقة فعدتهما سواء لا يختلفان في موضع الحمل والافراء والشهور غير أن لا نفقة لمنكوحة نكاحا فاسد في الحمل ولا سكنى إلا أن يتطوع المصيب لها بالسكنى ليحصنها فيكون ذلك لها بتطوعه وله بتحصينها.
وإذا نكح الرجل المرأة نكاحا فاسدا فمات عنها ثم علم فساد النكاح بعد موته أو قبله فلم يفرق بينهما حتى مات فعليها أن تعتد هذه مطلقة ولا تعتد عدة متوفى عنها ولا تحد في شئ من عدته ولا ميراث بينهما لانها لم تكن زوجة وإنما تستبرأ بعدة مطلقة لان ذلك أقل ما تعتد به حرة فتعتد إلا أن تكون حاملا فتضع حملها فتحل للازواج بوضع الحمل.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فلم يحدث لها الزوج رجعة ولا نكاحا حتى ولدت الاكثر من أربع سنين من يوم طلقها الزوج وأنكر الزوج الولد ولم يقر بالحمل فالولد منفى عنه بلا لعان لانها ولدت بعد الطلاق لما لا تلد له النساء.
وإن كان الطلاق لا يملك في الرجعة ردت نفقة الحمل إن كانت أخذتها.
وإن كان يملك الرجعة فلم تقر بثلاث حيض مضت أو تكون ممن تعتد بالشهور فتقر
بمضي ثلاثة أشهر فلها النفقة في أقل ما تحيض له ثلاث حيض وذلك أني أجلعها طاهرا حين طلقها ثم تحيض من يومها ثم أحسب لها أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض فأجعل لها فيه النفقة إلى أن تدخل في الدم من الحيضة الثالثة ابتدئ ذلك بما وصفت من أن أجعل طهرها قبل حيضها من يوم طلقها وأقل ما تحيض وتطهر وإن كان حيضها يختلف فيطول ويقصر لم أجعل لها إلا أقل ما كانت تحيض لان ذلك اليقين وأطرح عنه الشك وأجعل العدة منقضية بالحمل لانها مفسدة للحيضة وواضعة للحمل فلو كانت عدتها الشهور جعلت لها نفقة ثلاثة أشهر من يوم طلقها وبرئت من العدة بوضع الحمل.
وإن لم يلزمه الولد كان من غيره (قال) ولو أقر به الزوج كان ابنه لانه قد يرتجع وينكح نكاحا جديدا ويصيب بشبهة في العدة فيكون ولده.
ولو لم يقربه الزوج ولكن المرأة ادعت أنه راجعها في العدة أو نكحها إذا كان الطلاق بائنا وأصابها وهي ترى أن له عليها الرجعة وأنكر ذلك كله أو مات ولم يقر لم يلزمه الولد في شئ من هذا وعليه اليمين على دعواها إن كان حيا وعلى ورثته على علمهم إن كان ميتا وسألت أيمانهم.
وإذا طلق الرجعل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فأقرت بانقضاء العدة أو لم تقربها حتى ولدت ولدا لم يجاوز أربع سنين من الساعة التي وقع فيها الطلاق أو أقل فالولد أبدا لا حق بالاب الاكثر ما يكون له حمل النساء من يوم طلقها كان الاب حيا أو ميتا لا ينفى الولد عن الاب إلا بأن تأتي به لاكثر مما تحمل النساء من يوم طلقها أو يلتعن فينفيه بلعان أو تزوجت زوجا غيره فتكون فراشا وإذا(5/237)
تزوجت زوجا غيره وقد أقرت بانقضاء العدة وأقر بالدخول بها أو لم يقر حتى جاءت بولد لستة أشهر من يوم وقعت عقدة الناح فالولد له إلا أن ينفيه بلعان.
وكذلك لو قالت كذبت في قولي أنقضت العدة لم تصدق على الزوج الاول ولو ولدته لاقل من ستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح الآخر وتمام أربع سنين أو أقل من يوم فارقها الاول كان للاول.
ولو وضعته لاقل من ستة أشهر من يوم فارقها الاول كان للاول.
ولو وضعته لاقل من ستة أشهر من يوم نكحها الآخر وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الاول لم يكن ابن واحد منهما لانها وضعته من طلاق الاول لما لا تحمل له النساء ومن نكاح الآخر لما لا تلد له النساء.
وإذا قال الرجل لا مرأته كلما ولدت فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد
وقع الطلاق بالولد الاول وانقضت عدتها بالولد الآخر ولم يقع به طلاق لان الطلاق وقع ولا عدة عليها ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت تطليقتان بالولدين الاولين لان الطلاق وقع وهو يملك الرجعة وانقضت عدتها بالثالث ولا يقع به طلاق ولو كانت المسألة بحالها وولدت أربعة في بطن وقع الثلاث بالثلاث الاوائل وانقضت العدة بالولد الرابع.
ولو قال رجل لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين بين كل واحد منهما سنة وقع الطلاق بالاول و حلت للازواج بالآخر وإن كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة فلا نفقة فيه وإن كان يملك الرجعة فلها النفقة كما وصفت في أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض حتى تدخل في الدم من الحيضة الثالثة (قال) وإنما فرقت بين هذا والمسائل قبله لان الزوج (1) ابتدأ الطلاق كما يقع على الحانث بكلام تقدم قبل وضع حملها وقع بوضع حملها منه ثم لم يحدث نكاحا ولا رجعة فيلزمه بواحد منهما ولم يقر به فيلزمه إقراره وكان الولد منفيا عنه بلا لعان وغير ممكن أن يكون أبدا في الظاهر منه.
فإن قال قائل: فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ثم ولدته لاكثر ستتة اشهر بعد اقرارها؟ قيل لما امكن ان تكون تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة على الظاهر والحمل قائم لم نقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الاب ما أمكن أن يكون حملا منه وذلك أكثر ما تحمل له النساء من يوم طلقها وكان الذي يملك الرجعة والذي لا يملكها في ذلك سواء.
ولما كان هذا هكذا كانت إذا لم تقر بانقضاء العدة وجاءت بولد لاكثر ما تلد له النساء من يوم وقع الطلاق لم أجعل الولد ولده في واحد منهما.
فإن قال: فإن التي يملك عليها الرجعة في معاني الازواج ما لم تقر بانقضاء العدة ففي بعض الامر دون بعض.
ألا ترى أنها تحل بالعدة لغيره وليس هكذا وقيل له أيحل له إصابتها بعد الطلاق بغير رجعة؟ فإن قال لا ولكنه لو أصابها جعلتها رجعة؟ قيل: فكيف يكون عاصيا بالاصابة مراجعا بالمعصية؟ ويقال له أرأيت لو اصابها في عدة من طلاق بائن فجاءت بولد فادعى الشبهة؟ فإن قال يلزمه قيل فقد ألزمته الولد بالاصابة في العدة من طلاق بائن إلزامكه الولد في العدة من طلاق يملك فيه الرجعة فكيف نفيته عنه في أحدهما وأثبته عليه في الآخر وحكمهما في إلحاق الولد عندك سواء؟ عدة الوفاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) الآية (قال الشافعي) حفظت عن غير واحد من أهل العلم
__________
(1) كذا في النسخ ولعله " لما ابتدأ الخ " تأمل.(5/238)
بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آي المواريث وأنها منسوخة وحفظت أن بعضهم يزيد على بعض فيما يذكر مما أحكى من معاني قولهم وإن كنت قد أوضحت بعضه بأكثر مما أوضحوه به وكان بعضهم يذهب إلى أنها نزلت مع الوصية للوالدين والاقربين وأن وصية المرأة بمتاع سنة وذلك نفقها وكسوتها وسكنها وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ولم يحظر عليها أن تخرج ولم تخرج ولم يحرج زوجها ولا وارثه بخروجها إذا كان غير إخراج منهم لها ولا هي لانها إنما هي تاركة الحق لها وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة بأن الله تعالى ورثها الربع إن لم يكن لزوجها ولد والثمن إن كان له ولد وبين أن الله عزوجل أثبت عليها عدة أربعة أشهر وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها ولا النكاح قبلها قال ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن عليها أن تمكث في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله إلا أن تكون حاملا فيكون أجلها أن تضع حملها بعد أو قرب، ويسقط بوضع حملها عدة أربعة أشهر وعشر (قال) وما وصفت من نسخ الوصية لها بالمتاع إلى الحول بالميراث ما لا اختلاف فيه من أحد علمته من أهل العلم.
وكذلك لا اختلاف علمته في أن إليها عدة الاربعة أشهر وعشر وقول الاكثر من أهل العلم مع السنة أن أجلها إذا كانت حاملا وكل ذات عدة أن تضع حملها (قال) وكذلك قول الاكثر بأن عليها أن تعتد في بيت زوجها وليس لها الخيار في أن تخرج مع الاستدلال بالسنة (قال) وكان قول الله عزوجل (والذين يتوفون منكم ويذورن أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا) يحتمل أن يكون على كل زوجة حرة وأمة حامل وغير حامل، واحتمل أن يكون على الحرائر دون الاماء وغير ذوات الحمل دون الحوامل، ودلت السنة على أنها على غير الحوامل من الازواج وأن الطلاق والوفاة في الحوامل المعتدات سواء وأن أجلهن كلهن أن يضعن حملهن.
ولم أعلم مخالفا في أن الامة الحامل في الوفاة والطلاق كالحرة تحل بوضع حملها أخبرنا مالك
عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سئل ابن عباس وأبو هريرة رضى الله تعالى عنهما عن المتوفي عنها زوجها وهي حامل؟ فقال ابن عباس آخر الاجلين.
وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت: ولدت سبيعة الاسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قد حللت فانكحى من شئت) أخبرنا مالك عن يحيي بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس آخر الاجلين وقال أبو سلمة إذا نفست فقد حلت قال فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن اخى يعنى أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت: ولدت سبيعة الاسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها (قد حللت فانكحى) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الاسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها.
أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود عن أبيه أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فمر بها أبو السنابل بن بعكك بعد ذلك بأيام فقال قد تصنعت للازواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال كذب أبو السنابل وليس كما قال إنك قد حللت فتزوجي.
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها(5/239)
زوجها وهي حامل فقال ابن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الانصار أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال: لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت (قال الشافعي) وليس للمتوفى عنها نفقة حاملا كانت أو غير حامل.
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن إبى الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث (قال الشافعي) وكذلك لو كانت مشركة أو مملوكة لا ترث لم يكن لها النفقة لان ملكه عن المال قد انقطع بالموت وإذا وضعت
المتوفى عنها جميع حملها حلت للازواج مكانها ولم تنتظر أن تطهر وكان لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر، وهكذا هي إن كانت مطلقة وهكذا المعتدة من الطلاق إذا دخلت في الدم من الحيظة الثالثة جل لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر فإذا ولدت ولدا وكانت تجد حركة تخاف أن يكون ولدا ثانيا أو وضعت ثانيا وخافت أن تكون الحركة ولدا ثالثا لم تنكح حتى تعلم أن ليس في بطنها ولد غير الذى ولدت اولا، وإن نكحت بعد ولاد الاول والثانى وهى تجد حركة فالنكاح موقوف فإن ولدت فالنكاح مفسوخ وإن علم أنه ليس ولد فالنكاح ثابت فإن كانت مطلقة لزوجها عليها الرجعة فوضعت ولدا فارتجعها زوجها وهى تجد حركة وقفت الرجعة فإن ولدت آخر أو اسقطته قد تبين بعض خلقه فالرجعة ثابتة، وإن لم تضعه فالرجعة باطلة (قال) وسواء ولدته سقطا أو تماما أو ضربه إنسان أو هي فألقته ميتا أو حيا تخلو عدتها بذلك كله لانها قد وضعت حملها وهى ومن ضربه آثمان بضربه، وهذا هكذا في الطلاق وكل عدة على كل امرأة بوجه من الوجوه وسواء هذا في الاستبراء وفى كل عدة من نكاح فاسد تحل بوضع الحمل ولا تحل به حتى يتبين له خلق من خلف بنى آدم رأس أو رجل أو ظفر أو عين شعر أو فرج أو ما يعرف به أنه من خلق الآدميين، فأما ما لا يعرف به أنه خلق آدمى فلا تحل به وعدتها فيه ما فرض عليها من العدة غير عدة أولات الاحمال وسواء في الخروج بوضع الحمل من العدة بالوفاة والطلاق والنكاح الفاسد والمفسوخ والاستبراء كل امرأة حرة وأمة وذمية وبأى وجه اعتدت وأى أمة استبرأت وتعتد المتوفى عنها زوجها الحرة المسلمة والذمية من أي زوج كان حرا أو عبدا أو ذمى لحرة ذمية عدة واحدة إذا لم تكن حاملا أربعة أشهر وعشرا ينظر إلى الساعة التى توفى فيها الزوج فتعتد منها بالايام فإذا رأت الهلال اعتدت بالاهلة (قال) كأنه مات نصف النهار وقد بقى من الشهر خمس ليال سوى يومها الذى مات فيه فاعتدت خمسا ثم رؤى الهلال فتحصى الخمس التى قبل الهلال ثم تعتد أربعة أهلة وإن اختلفت فكان ثلاث منها تسعا وعشرين وكان واحد منها ثلاثين أو كانت كلها ثلاثين إنما الوقت فيها الاهلة فإذا أوفت الاهلة الاربعة اعتدت أربعة ايام بلياليهن واليوم الخامس إلى نصف النهار حتى يكمل لها عشرا سوى الاربعة الاشهر، وإن مات وقد مضى من الهلال عشر ليال أحصت ما بقى من الهلال فإن كان عشرين أو تسعة عشر
يوما حفظتها ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالاهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدد ايامه فإذا كمل لها ثلاثون يوما بلياليها فقد اوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها، فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التى مات فيها فقد مضت عدتها، ولو كانت محبوسة أو عمياء لا ترى الهلال ولا تخبر عنه أو أطبق عليها الغيم اعتدت بالايام على الكمال الاربعة الاشهر مائة وعشرين يوما والعشر بعدها عشر فذلك مائة وثلاثون يوما ولم تحل في شئ من ذلك من زوجها حتى توفى هذه العدة أو يثبت لها أن قد خلت عدتها قبله بالاهلة والعشر كما وصفت وليس عليها وليس عليها أن تأتى في الاربعة الاشهر والعشر بحيضة لان الله عزوجل جعل للحيض موضعا فكان بفرض الله العدة لا الشهورذ فكذلك إذا جعل الشهور والايام عدة فلا موضع(5/240)
للحيضة فيها، ومن قال تأتى فيها بحيضة جعل عليها ما لم يجعل الله عليها.
أرأيت لو كانت تعرف انها لا تحيض في كل سنة أو سنتين إلا مرة أما يكون من جعلها تعتد سنة أو سنتين جعل عليها ما ليس عليها؟ ولكن لو ارتابت من نفسها استبرأت نفسها من الريبة كما يكون ذلك في جميع العدد، وكذلك لو جاءت في الاربعة الاشهر والعشر بحيضة وحيض ثم ارتابت استبرأت من الريبة (قال) ولو طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها حتى يكون لا يملك رجعتعا وهو صحيح ثم مات لم ترثه واعتدت عدة الطلاق، ولو طلقها مريضا ثم صح من مرضه ثم مات وهى في العدة لم ترثه واعتدت عدة الطلاق لانه قد صح في حال لو ابتدأ طلاقها فيها ثم مات لم ترثه فكان في الصحة مطلقا ولم يحدث رجعة ولو طلقها مريضا ثم مات من مرضه وهى في العدة فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة ورثته وورثها لو ماتت لانها في معاني الازواج، وهكذا لو كان هذا الطلاق في الصحة (قال) ولو طلقها لا يملك فيه رجعتها وهو مريض ثم مات في العدة لم يرثها، وإن مات وهى في العدة فقول كثير من أهل الفتيا أنها ترثه في العدة وقول بعض أصحابنا أنها ترثه وإن مضت العدة وقول بعضهم لا ترث مبتوتة.
هذا مما استخير الله عزوجل فيه (قال الربيع) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة طلقها مريضا أو صحيحا (قال الربيع) من قبل أنه لو آلى منها لم يكن موليا ولو تظاهر منها لم يكن مظاهرا ولو قذفها كان عليه الحد ولو ماتت لم يرثها فلما كانت خارجة من معاني الازواج وإنما ورث الله تعالى
الزوجة فقال " ولهن الربع " وإنما خاطب الله عز ذكره الزوجة فكانت غير زوجة في جميع الاحكام لم ترث وهذا قول ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف طلقها على أهنا؟ لا ترث إن شاء الله عنده (قال الشافعي) واختلف أصحابنا فيها إن نكحت فالذي اختار إن ورثت بعد مضى العدة أن ترث ما لم تتزوج فإذا تزوجت فلا ترثه فترث زوجين وتكون كالتاركة لحقها بالتزويج وقد قال بعض أصحابنا ترثه وإن تزوجت عددا وترث أزواجا، وقال غيرهم ترث في العدة لا ترث بعدها.
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبى مليكة أنه سأل ابن الزبير عن المرأة يطلقها الرجل فيبتها ثم يموت وهى في عدتها فقال ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الاصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهى في عدتها فورثها عثمان فقال ابن الزبير فأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة.
وقال غيرهم إن كانت مبتوتة لم ترثه في عدة ولا غيرها وهذا قول يصح لمن قال به، وقد ذهب إليه بعض أهل الآثار والنظر فقال: وكيف ترثه امرأة لا يرثها ولا يحل له وإنما ورث الله تعالى عز ذكره الازواج وهى ليست بزوجة وجعل على الازواج العدة؟ فإن قلتم لا تعتد لانها ليست بزوجة فكيف ترثه من لا تعتد منه من وفاته؟ فإن قلتم تعتد فكيف تعتد منه غير زوجة له؟ وإن مضت بها ثلاث حيض قبل موته أفتعتد امرأة أربعة أشهر وعشرا بعد ثلاث حيض، وإن كانت إذا مضت لها ثلاث حيض وهو مريض فنكحت جاز لها النكاح أفتعتد منه إن توفى وهى تحل لغيره؟ ومن ورثها في العدة أو بعد مضيها انبغى أن يقول أورثها بالاتباع ولا أجعل عليها عدة لانها ليست من الازواج وإنما جعل الله تعالى العدة على الازواج، وإذا مات عنها فلم تعلم وقت موته اعتدت من يوم تستيقن موته أربعة أشهر وعشرا (قال) وإن لم يبلغها موته حتى يمضى لها أربعة اشهر وعشر ثم قامت بينة بموته فقد مضت عدتها ولا تعود لعدة ولا إحداد (قال الشافعي) وكذا المطلقة في هذا كله، ولو ارتد زوج المرأة عن الاسلام أمرناها تعتد عدة الطلاق فإن قضتها قبل ان يرجع إلى الاسلام فقد بانت منه وإن لم تقضها حتى تاب الزوج بالرجوع إلى الاسلام ثم مات قبل مضى آخر عدتها أو بعده فسواء وترثه في هذا كله لانها زوجته بحالها، ولو اختلفت وهى وورثة الزوج(5/241)
فقالوا قد مضت عدتك قبل ان يتوب وقالت لم تمض حتى تاب وهم يتصادقون على توبة الزوج فالقول
قول المرأة مع يمينها، ولو أقرت بانقضاء العدة قبل ان يتوب فلا شئ لها في ماله وكانت عليها عدة الوفاة والاحداد تأتى فيها بثلاث حيض لانها مقرة بأن عليها العدتين في إقرارتين مختلفين، ولو لم يمت ولكن قالت قد انقضت عدتي قبل أن يتوب ثم قالت بعد ما تاب وقبل أن يموت لم تنقض عدتي كانت امرأته بحالها وأصدقها أن عدتها لم تنقض.
وهكذا كل مطلقة لزوجها عليها الرجعة قالت قد انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض فلزوجها الرجعة، وإن قالت قد انقضت عدتي فكذبها الزوج أحلفت فإن حلفت فالقول قولها مع يمينها وان لم تحلف حلف هو على البت ما انقضت عدتها فإن نكل لم ترد عليها، وإذا مات الرجل وله امرأتان قد طلق إحدهما طلاقا لا يملك فيه الرجعة ولا تعرف بعينها اعتدتا أربعة أشهر وعشر تكمل كل واحد منهما فيها ثلاث حيض والله الموفق.
مقام المتوفى عنها والمطلقة في بيتها (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " (قال) فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الاخراج المتوفى عنهن لانهن في معناهن في العدة (قال) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن على المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى تبلغ الكتاب أجله واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لانه مالك ماله ولا يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لان ماله مملوك لغيره (1) وإنما كانت السكنى بالموت إذ لا مال له والله تعالى أعلم.
أخبرنا مالك عن سعيد بن إسحق ابن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب ابن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهى أخت أبى سعيد الخدرى أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بنى خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلى فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة.
قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدعيت له فقال " كيف قلت؟ " قالت فرددت عليه القصة التى ذكرت له من شأن زوجي.
فقال " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا.
قالت فلما كان عثمان بن عفان رضى الله عنه أرسل إلى فسألني عن ذلك فأخبرته فأتبعه وقضى به.
قال: وبهذا نأخذ (قال) وإذا طلق الرجل المرأة فلها سكناها في منزله حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا كان الطلاق يملك فيه الرجعة أولا يملكها (قال) وإن كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو في مال الزوج الميت ولا يكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذى كانت تسكن معه كان له
__________
(1) قوله: وإنما كانت السكنى الخ كذا في النسخ وضبب عليه في بعضها علامة على التوقف فهو غير ظاهر تأمل.
كتبه مصححه.(5/242)
المسكن أو لم يكن، ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر بينه وبينها أن يسكن فيما سوى ما يسعها (قال) وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها (قال) وهذا إذا كان قد اسكنها مسكنا له أو منزلا قد اعطى كراءه (قال) وذلك انها قد ملكت عليه سكناها فيما يكفيها طلقها كما يملك من أكترى من رجل مسكنه سكنى مسكنه دون مالك الدار حتى ينقضى كراؤه (قال) فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو في كراء فانقضى أو بكراء لم يدفعه وأفلس فلاهل هذا كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ واتبعته بفضله متى أيسر (قال) وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا وفى العدة من طلاقه (قال) ولو كانت هذه المسائل كلها في موته كان القول فيها واحدا من قولين.
أحدهما: ما وصفت في الطلاق لا يخالفه.
ومن قال هذا قال: وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة " امكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " دليل على ان للمتوفى عنها السكنى (قال) ويجعل لها السكنى في مال الميت بعد كفه من رأس ماله ويمنع منزلها الذى تركها فيه أن يباع أو يقسم حتى تنقضي عدتها ويتكارى لها إن أخرجت من منزل كان بيده عارية أو بكراء.
والقول الثاني: أن الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا هذا فقد ملكوا المال دونه ولم يكن لنا السكنى حين كان ميتا
لا يملك شيئا ولا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قال هذا قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم " امكثى في بيتك " يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لانها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها.
فإن كان لها المنزل أو للقوم فلم يخرجوها منه لم يجز أن تخرج منه حتى تنقضي عدتها (قال) وإذا أسكنها ورثته فلهم أن يسكنوها حيث شاءوا لا حيث شاءت إذا كان موضعها حريزا ولم يكن لها أن تمتنع من ذلك، وإن لم يسكنوها اعتدت حيث شاءت من المصر (قال) ولو كانت تسكن في منزل لعا معه فطلقها وطلبت أن تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط (قال) ولو كان نقلها إلى منزل غير منزله الذي كانت معه فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنتقل إليه، ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل بعينه أمر أمرها تنتقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلقها اعتدت في بيتها الذي كانت فيه ولا تكون منتقلة إلا ببدنها.
فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه (قال) سواء أذن لها في منزل بعينه أو قال لها انتقلي حيث شئت أو انتقلت بغير إذنه فأذن لها بعد في المقام في ذلك المنزل كل هذا في أن تعتد فيه سواء (قال) ولو انتقلت بغير إذنه ثم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها الذي كانت تسكن معه فيه.
وهكذا السفر يأذن لها به فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج بها مسافرا إلى حج أو بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها الخيار في ان تمضي في سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر.
وإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت فإن بقي من عدتها شئ أكملته في بيته وإن لم يبق منها شئ فقد انقضت عدتها (قال) وسواء كانت قريبا من مصرها الذي خرجت منه إذا مات أو طلقها أو بعيدا وإذنه لها بالسفر وخروجها فيه كإذنه بالنقلة وانتقالها لان نقلة المسافر هكذا.(5/243)
وإن رجعت قبل ان ينقضي سفرها اعتدت بقية عدتها في منزله ولها الرجوع لانه لم يأذن لها بالسفر إذن مقام فيه إلا مقام مسافر، وإن كان أذن لها بالنقلة إلى مصر أو مقام فيه فخرجت ثم مات أو بقي حيا فإذا بلغت ذلك المصر فله إن كان حيا ولوليه إن كان حاضرا أو وكيل له أن ينزلها حيث يرضى من المصر حتى تنقضي عدتها، وعليه سكناها حتى تنقضي عدتها في ذلك المصر، وإن لم يكن حاضرا ولا وكيل له ولا وارث حاضر كان على السلطان أن يحصنها حيث ترضى لئلا يلحق بالميت أو بالمطلق ولدا ليس منه.
وإذا أذن الرجل لا مرأته أن تنتقل إلى أهلها أو غيرهم أو منزل من المنازل أو قال أقيمي في اهلك أو في منزل فلم تخرج حتى طلقها طلاقا لا رجعة له عليها فيه أو مات اعتدت في منزله.
وإن خرجت إلى ذلك الموضع فبلغته أو لم تبلغه.
ثم طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة أو مات عنها مضت إليه وحين زايلت منزله بإذنه إلى حيث أمرها أن تنتقل أو تقيم فمنزلها حيث أمرها وسواء في هذا كله أخرجت متاعها أو تركته أو منعها متاعها أو تركها وإياه.
وهكذا إن قال لها: أقيمي فيه حتى يأتيك أمري وقوله هذا وسكوته سواء لان المقام ليس بموضع زيارة وليس عليها لو نقلها ثم أمرها أن تعود إلى منزله أن تعود إليه وسواء قال إنما قلت هذا لها لتزور أهلها أو لم يقله إذا طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها لم يكن له نقلها عن الموضع الذي قال لها انتقلي إليه أقيمي فيه حتى يراجعها فينقلها إن شاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن كان أذن لها في زيارة أهلها أو غيرهم أو النزهة إلى موضع في المصر أو خارجا منه فخرجت إلى ذلك الموضع الذي أذن لها فيه ثم مات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فعليها أن ترجع إلى منزله فتعتد فيه لان الزيارة ليست مقماما.
فإن قال في هذا كله قبل الطلاق أو الموت إنما نقلتها إليه ولم تعلم هي كان لها أن تقيم حيث اقر انه أمرها أن تنتقل لان النقلة إليه وهي متنقلة لم يكن لها أن ترجع، ولو أذن لها بعد الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة أو يملكها قبل ان يرتجعها أو قال لها في مرضه إذا مت فانتقلي حيث شئت فمات لم يكن لها أن تعتد في غيره (قال) ولو كان أذن لها فيما وصفت فنوت هي النقلة وقالت أنا انتقل ولم ينو هو النقلة.
وقال هو إنما أرسلتك زائرة.
ثم مات أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة كان عليها أن ترجع فتعتد في بيته لان النقلة ليست لها إلا بإذنه (قال) وإذنه لها في المصر إلى موضع معلوم وإلى أين شاءت سواء أن أذن لها في النقلة ثم
طلقها لم يكن عليها أن ترجع إلى منزله حتى تنقضي عدتها إلا أن يراجعها فيكون أحق بها.
وإن أذن لها في الزيارة أو النزهة ثم طلقها فعليها أن ترجع إلى منزله لان الزيارة والنزهة ليست بنقلة ولو انتقلت لم يكن ذلك لها ولا له وكان عليها أن ترجع فتعتد في بيته (قال) ولو كان أذن لها أن تخرج إلى الحج فلم تخرج حتى طلقها أو مات عنها لم يكن لها أن تخرج، ولو خرجت من منزله ففارقت المصر أو لم تفارقه إلا أنها قد فارقت منزله بإذنه للخروج إلى الحج ثم مات عنها أو طلقها كان لها أن تمضي في وجهها وتقيم فيه مقام الحاج ولا تزيد فيه وتعود مع الحاج فتكمل بقية عدتها في منزله إلا أن يكون أذن لها في هذا أن تقيم بمكة أو في بلد غيرها إذا قضت الحج فتكون هذه كالنقلة وتقيم في ذلك البلد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تخرج إلى الحج بعد مضي العدة إلا مع ذي محرم إلا أن تكون حجة الاسلام وتكون مع نساء ثقات فلا بأس أن تخرج مع غير ذي محرم ولو أذن لها إلى سفر يكون مسيرة يوم وليلة غير حجة الاسلام لم يكن لها أن تخرج إلا مع ذي محرم، فإن خرجت من منزله ولم تبلغ السفر حتى طلقها أو مات عنها كان عليها أن ترجع فتعتد في منزله.
ولو بلغت ذلك الموضع وقد سمى لها وقتا تقيمه في ذلك الموضع أو قال زوري أهلك فنوت هي النقلة أو لم تنوها أو خرجت إليه فلا أنظر إلى نيتها هي في النقلة(5/244)
لان ذلك لا يتم لها إلا بقوله قبل الطلاق أو الموت قد أذنت لها في النقلة، فإذا قال ذلك فهي منتقلة تعتد في ذلك الموضع الذي أذن لها في النقلة إليه ولا تعتد في غيره وإن لم يقل هو شيئا حتى مات فقالت هي قد أذن لى فالقول قولها وتعتد حيث أذن لها من ذلك المصر إذا كانت هي قد انتقلت قبل أن يقع عليها الصلاق أو يموت زوجها وليس لورثته أن يمنعوها منه ولا إكذابها وإن أكذبوها كان القول قولها (قال) ولو قال لها اخرجي إلى مصر كذا أو موضع كذا فخرجت إليه أو منزل كذا من مصر فخرجت إليه ولم يقل لها حجى ولا أقيمي ولا ترجعي منه ولا لا ترجعي إلا أن تشائي ولا تزوري فيه أهلك أو بعض معرفتك ولا تتنزهي إليه كانت هذه نقلة وعليها أن تعتد في ذلك الموضع من طلاقه ووفاته إلا أن تقر هي أن ذلك الاذن إنما كان لزيارة أو لمدة نقيمها فيكون عليها أن ترجع إذا بلغها الوفاة فتعتد في بيته وفي مقامها قولان: أحدهما أن لها أن تقيم إلى المدة أمرها أن تقيم إليها لانه نقلها إلى مدة فإن
كانت المدة حتى تنقضي عدتها فقد أكملت عدتها إن شاءت رجعت وإن شاءت لم ترجع وإن كانت المدة ما لا تنقضي فيها عدتها رجعت إذا انقضت المدة.
والثاني أن هذه زيارة لا نقلة إلى مدة فعليها الرجوع إذا طلقها أو مات عنها لان العلم قد أحاط أنها ليست بنقلة (قال) ولو قال لها في المصر اسكني هذا البيت شهرا أو هذه الدار شهرا أو سنة كان هذا مثل قوله في السفر أقيمي في بلد كذا شهرا أو سنة وهذا كله في كل مطلقة ومتوفى عنها سواء غير ان لزوج المطلقة التي يملك رجعتها أن يرتجعها فيقلها من حيث شاء إلى حيث شاء، ولو أراد نقلتها قبل أن يرتجعها من منزلها الذي طلقها فيه أو من سفر أذن لها إليه أو من منزل حولها إليه لم يكن ذلك له عندي كما لا يكون له في التي لا يملك رجعتها (قال) وإن كانت المتوفى عنها أو المطلقة طلاقا بائنا بدوية لم تخرج من منزل زوجها حتى ينتوي أهلها فإن انتوى أهلها انتوت وذلك أن هكذا سكن أهل البادية إنما سكنهم سكن مقام ما كان المقام غبطة فإذا كان الانتواء غبطة انتووا (أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في المرأة البدوية يتوفى عنها زوجها إنها تنتوى حيث ينتوى أهلها) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه وعن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإنما كان لها أن تنتوى لان سكن أهل البادية هكذا إنما هو سكن مقام غبطة وظعن غبطة وأن الظعن إذا أجدب موضعها أو خف أهلها عذر بأنها تبقى بموضع مخوف أو غير ستير بنفسها ولا معها من يسترها فيه (قال) فإذا كانت السنة تدل على أن المرأة تخرج من البذاء عن أهل زوجها فإذا كان العذر كان في ذلك المعنى أو أكثر وذلك أن يتهدم المسكن الذي كانت تسكنه وتحدث الفتنة في ناحيتها أو المكاثرة أو في مصرها أو تخاف سلطانا أو لصوصا فلها في هذا كله أن تنتقل عن المصر إن كان عاما في المصر عن الناحية التي هي فيها إلى ناحية آمن منها ولزوجها أن يحصنها حيث شاء إذا كان موضعا آمنا.
ويجبر زوجها على الكراء لها إذا انهدم المنزل الذي كانت تسكنه أو غصب عليه (قال الشافعي) رحمه الله وللحاكم أن يخرج المرأة في العدة في كل ما لزمها من حد أو قصاص أو خصومة (قال) وإذا أخرجت المرأة فيما يلزمها من حكومة أو حد أو غيره من المصر فانقضى ما أخرجت له رجعت إلى منزلها حيث كان فإن كان الحاكم الذي يخرجها إليه بالمصر فمتى انصرفت من عنده انصرفت إلى بيتها (قال)
وكل ما جعلت على الزوج المطلق فيه السكنى والنفقة قضيت بذلك في ماله إن غاب وكل ما جعلت للزوج تصيير المرأة إليه من المنازل إذا كان العذر الذي تنتقل به المرأة جعلت لمن أسكنها أجنبيا متطوعا كان الذي أسكنها أو السلطان ولم أقض على الزوج بكراء سكنها وقضيت عليه بنفقتها إن كانت عليه(5/245)
نفقة (قال) وإذا مات الزوج فأسكنها وارثه منزله فليس لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها ووارثه يقوم في ذلك مقامه.
فأما أمرأة صاحب السفينة إذا كانت مسافرة معه فكالمرأة المسافرة لا تخالفها في شئ إن شاءت مضت إلى الموضع الذي خرجا في السفر إليه ورجعت فأكملت عدتها في منزله وإن شاءت رجعت إلى منزله فاعتدت فيه وكذلك لو أذن لها فخرجت في سفينة (قال) ولو كان الزوج خرج بامرأته إلى بادية زائرا أو متنزها ثم طلقها أو مات عنه رجعت إلى منزلها فاعتدت فيه وليس هذا كالنقلة ولا كالسفر يأذن لها به إلى غاية وذلك مثل النقلة وهذه زيارة لا نقلة.
الاحداد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ذكر الله تعالى عدة الوفاة والطلاق وسكنى المطلقة بغاية إذا بلغتها المعتدة حلت وخرجت وجاءت السنة بسكنى المتوفى عنها كما وصفت ولم يذكر إحدادا فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفى عنها أن تحد كان ذلك كما أحكم الله عزوجل فرضه في كتابه وبين كيف فرضه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من عدد الصلوات والهيئة فكان على المتوفى عنها والمطلقة عدة بنص كتاب الله تعالى: وللمطلقة سكن بالكتاب وللمتوفى عنها بالسنة كما وصفت وعلى المتوفي عنها إحداد بنص السنة.
وكانت المطلقة إذا كان لها السكنى وكان للمتوفى عنها بالسنة وبأنه يشبه أن يكون لها السكنى لانهما معا في عدة غير ذواتي زوجين يشبه أن يكون على المعتدة من طلاق لا يملك زوجها عليه فيه الرجعة إحداد كهو على المتوفى عنها.
وأحب إلي للمطلقة طلاقا لا يملك زوجها فيه عليها الرجعة تحد إحداد المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها من الطلاق لما وصفت وقد قاله بعض التابعين ولا يبين لي أن وجبه عليها لانهما قد يختلفان في حال وإن اجتمعا في غيره (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب
بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الاحاديث الثلاثة (قال) قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها.
ثم قالت والله مالى بالطيب من حاجة غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج اربعة أشهر وعشرا)) وقالت زينب دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها عبد الله فدعت بطيب فمست منه ثم قالت مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة اشهر وعشرا) قالت زينب وسمعت أمي ام سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينيها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم (لا) مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول (لا) ثم قال ((إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول؟ قالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاء ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتقبض به فقلما تقبض بشئ إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعدما شاءت من طيب أو غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الحفش البيت(5/246)
الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره والقبض ان تأخذ من الدابة موضعا بأطراف أصابعها والقبض الاخذ بالكف كلها (قال الشافعي) وترمى بالبعرة من ورائها على معنى أنها قد بلغت الغاية التي لها ان تكون ناسية زمام الزوج بطول ما حدث عليه كما تركت البعرة وراء ظهرها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أو عائشة أو حفصة أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة اشهر وعشرا) (قال الشافعي) كان الاحداد على المتوفي عنهن الزوج في الجاهلية سنة فأقر الاحداد على المتوفى عنهن في عددهن وأسقط عنهن في غير عددهن ولم يكن الاحداد في سكنى البيوت فتسكن
المتوفى عنها اي بيت كانت فيه جيد أو ردئ وذلك أن الاحداد إنما هو في البدن وترك لزينة البدن (1) وهو أن يدخل على البدن من غير شئ بزينة أو طيب معها عليها يظهر بها فندعو إلى شهوتها فأما اللبس نفسه فلا بد منه.
قال فزينة البدن المدخل عليه من غيره الدهن كله في الرأس فلا خير في شئ منه طيب ولا غيره زيت ولا شيرق ولا غيرهما وذلك أن كل الادهان تقوم مقاما واحدا في ترجيل الشعر وإذهاب الشعر الشعث وذلك هو الزينة وإن كان بعضها أطيب من بعض وهكذا رأيت المحرم يفتدى بأن يدهن رأسه ولحيته بزيت أو دهن طيب لما وصفت من الترحيل وإذهاب الشعث (قال) فأما بدنها فلا بأس أن تدهنه بالزبت وكل ما لا طيب فيه من الدهن كما لا يكون بذلك بأس للمحرم، وإن كانت الحاد تتخالف المحرم في بعض أمرها لانه ليس بموضع زينة للبدن ولا طيب تظهر ريحه فيدعو إلى شهوتها، فأما الدهن الطيب والبخور فلا خير فيه لبدنها لما وصفت من أنه طيب يدعو إلى شهوتها وينبه بمكانها وإنما الحاد من الطيب شئ أذنت فيه الحاد، والحاد إذا مست الطيب لم يجب عليها فدية ولم ينتقض إحدادها وقد اساءت (قال) وكل كحل كان زينة فلا خير فيه لها مثل الاثمد وغيره مما يحسن موقعه في عينها، فأما الكحل الفارسي وما أشبهه إذا احتاجت إليه فلا بأس لانه ليس فيه زينة بل هو يزيد العين مرها وقبحها وا اضطرت إليه مما فيه زينة من الكحل اكتحلت به الليل ومسحته بالنهار وكذلك الدمام وما ارادت به الدواء (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة فقال (ما هذا يا أم سلمة) فقالت يا رسول الله إنما هو صبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) (قال الشافعي) الصبر يصفر فيكون زينة وليس يطيب وأذن لها أن تجعله بالليل حيث لا يراه أحد وتمسحه بالنهار (قال الشافعي) ولو كان في بدنها شئ لا يرى فجعلت عليه الصبر بالليل والنهار لم يكن بذلك بأس.
ألا ترى انه أذن لها فيه بالليل حيث لا يرى وأمرها بمسحه بالنهار (قال) وفي الثياب زينتان.
إحداهما جمال الثياب على اللابس التي تجمع الجمال وتستر العورة قال الله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فقال بعض أهل العلم بالقرآن الثياب فالثياب زينة لمن لبسها وإذا أفردت العرب التزيين على بعض اللابسين دون بعض فإنما تقول تزين من زين الثياب التي هي الزينة بأن يدخل عليها شئ من غيرها من الصبغ خاصة ولا
بأس أن تلبس الحاد كل ثوب وإن جاد من البياض لان البياض ليس بمزين، وكذلك الصوف والوبر وكل ما نسج على وجههه وكذلك كل ثوب منسوج على وجهه لم يدخل عليه صبغ من خز أو مروى
__________
(1) قوله: وهو ان يدخل إلى قوله إلى شهوتها كذا في الاصول وعبارة المزني عن الشافعي " وهو ان تدخل على البدن شيئا من غيره بزينة أو طيبا يظهر عليها فيدعو الخ.
كتبه مصححه.(5/247)
إبريسم أو حشيش (3) أو صوف أو وبر أو شعر أو غيره، وكذلك لك صبغ لم يرد به تزيين الثوب مثل السواد وما أشبهه فإن من صبغ بالسواد إنما صبغه لتقبيحه للحزن وكذلك كل ما صبغ لغير تزيينه إما لتقبيحه وإما لنفي الوسخ عنه مثل الصباغ بالسدر وصباغ الغزل بالخضرة تقارب السواد لا الخضرة الصافية وما في مثل معناه فأما كل صباغ كان زينة أو وشى في الثوب بصبغ كان زينة أو تلميع كان زينة مثل العصب والحبرة والوشى وغيره فلا تلبسه الحاد غلظا كان أو رقيقا (قال) والحرة الكبيرة المسلمة والصغيرة و الذمية والامة المسلمة في الاحداد كلهن سواء من وجبتت عليه عدة الوفاة وجب عليه الاحداد لا يختلفن.
ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) على أن على المعتدة من الوفاة تكون بإحداد أن لا تعتد امرأة بغير إحداد لانهن إن دخلن في المخاطبات بالعدة دخلن في المخاطبات بالاحداد ولو تركت امرأة الاحداد في عدتها حتى تنقضي أو في بعضها كانت مسيئة ولم يكن عليها أن تستأنف إحدادا لان موضع الاحداد في العدة فإذا مضت أو مضى بعضها لم تعد لما مضى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو كان المتوفي عنها أو المطلقة مغمى عليها أو مجنونة فمضت عدتها وهي بتلك الحال لا تعقل حلت ولم يكن عليها استئناف عدة ولا إحداد من قبل أن العدة إنما هي وقت يمر عليها تكون فيه محتبسة عن الازواج كما تكون الزكاة في وقت إذا مر على رب المال زكاة وسواء كان معتوها أو كان يعقل لانه لا عمل له في وقت يمر عليه وإذا سقط عن المعتوه العمل في الصلاة سقط عن المعتدة العمل في الاحداد، وينبغي لاهلها ان يجتنبوها في عدتها ما تجتنب الحاد، وعدة المتوفي عنها والمطلقة من يوم يموت عنها زوجها أو يطلقها فإن لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى تنقضي عدتها لم يكن عليها عدة، وكذلك لو لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى يمضي بعض عدتها أكملت ما بقي من عدتها حادة
ولم تعد ما مضى منها (قال الشافعي) وإن بلغها يقين وفاته أو طلاقه ولم تعرف اليوم الذي طلقها فيه ولا مات عنها اعتدت من يوم استيقنت بطلاقه ووفاته حتى تكمل عدتها ولم تعتد بما تشك فيه كأنه شهد عندها أنه مات في رجب وقالوا لا ندري في أي رجب مات فتعتد في آخر ساعات النهار من رجب فاستقبلت بالعدة شعبان وإذا كان اليوم العاشر بعد الاربعة في آخر ساعات نهاره حلت فكانت قد استكملت اربعة أشهر وعشرا.
اجتماع العدتين (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها البتة فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما) ثم قال عمر بن الخطاب (أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان الزوج الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الاول كان خاطبا من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الاول ثم اعتدت من زوجها الآخر ثم لم ينكحها أبدا (قال الشافعي) قال سعيد ولها مهرها بما استحل منها (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن عطاء ابن السائب عن زاذان أبي عمر عن علي رضى
__________
(1) ولعل في العبارة تحريفا واصلها " على ان العدة من الوفاة تكون باحداد وان لا تعتد الخ "(5/248)
الله تعالى عنه أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الاول وتعتد من الآخر (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شئ من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جهلا ذلك وبنى بها فأبى على بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الاولي.
ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا قال وبقول عمر وعلي نقول في المرأة تنكح في عدتها تأتي بعدتين معا وبقول علي نقول
أنه يكون خاطبا من الخطاب ولم تحرم عليه.
وذلك أنا إذا جعلنا النكاح الفاسد يقوم مقام النكاح الصحيح في أن المنكوحة نكاحا فاسدا إذا أصيبت عدة كعدتها في النكاح الصحيح فنكحت امرأة في عدتها فأصيبت فقد لزمتها عدة الزوج الصحيح ثم لزمها عدة من النكاح الفاسد فكان عليها حقان بسبب زوجين إ لا يؤديهما عنها إلا بأن تأتي بهما معا وكذلك كل حقين لزماها من وجهين لا يؤديهما عن أحد لزماه أحدهما دون الاخر.
ولو أن امرأة طلقت أو ميت عنها فنكحت في عدتها ثم علم ذلك فسخ نكاحها فإن كان الزوج الاخر لم يصبها أكملت عدتها من الاول ولا يبطل عنها من عدتها شئ في الايام التي عقد عليها فيها النكاح الفاسد لانها في عدتها ولم تصب فإن كان أصابها أحصت ما مضى من عدتها قبل إصابة الزوج الآخر وأبطلت كل ما مضى منها بعد إصابته حتى يفرق بينه وبينها واستأنفت البنيان على عدتها التي كانت قبل إصابته من يوم فرق بينه وبينها حتى تكمل عدتها من الاول ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر فإذا أكملتها حلت منها والآخر خاطب من الخطاب إذا مضت عدتها من الاول وبعد لا تحرم عليه لانه إذا كان يعقد عليها النكاح الفاسد فيكون خاطبا إذا لم يدخل بها فلا يكون دخوله بها في النكاح الفاسد أثر من زناه بها وهو لو زنى بها في العدة كان له أن ينكحها إذا انقضت العدة (قال) فإذا انقضت عدتها من الاول فللآخر أن يخطبها في عدتها منه وأحب إلى لو كف عنها حتى تنقضي عدتها من مائة الفاسد ولو كانت هذه الناكح في عدتها المصابة لا تحيض فاعتدت من الاول شهرين ثم نكحها الآخر فأصابها ثم فرقنا بينهما فقلنا لها استأنفي شهرا من يوم فارقك تكملين به الشهرين الاولى اللذين اعتددت فيه من النكاح الصحيح فحاضت قبل أن تكمل الشهرين سقطت عدتها بالشهور وابتدأت من الاول عدتها ثلاث حيض إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت من الاول ثم كانت في حيضتها الثالثة خلية من الاول وغير معتدة من الآخر وللآخر أن يخطبها في حيضتها الثالثة فإذا طهرت منها اعتدت من الآخر ثلاثة أطهار وإذا طعنت في الدم بعدما تكمل الطهر الثالث حلت من الآخر أيضا لجميع الخطاب (قال الشافعي) ولو كانت تحيض فاعتدت حيضة أو اثنتين ثم أصابها الزوج الآخر فحملت وفرق بينهما اعتدت بالحمل فإذا وضعته لاقل من ستة أشهر من يوم نكحها فهو للاول، وإن كانت وضعته لستة أشهر من يوم نكحها الآخر فأكثر إلى أقل من أربع
سنين من يوم فارقها الاول دعى له القافة وإن كانت وضعته لاكثر من أربع سنين ساعة من يوم فارقها الاول فكان طلاقه لا يملك الرجعة فهو للآخر وإن كان طلاقه يملك الرجعة وتداعياه أو لم يتداعياه ولم ينكراه، ولا واحد منهما أريه القافة فبأيهما أالحقوه به لحق وإن ألحقوه بالاول فقد انقضت عدتها من الاول وحل للآخر خطبتها وتبتدئ عدة من الآخر فإذا قضتها حلت خطبتها للاول وغيره فإن ألحقوه بالآخر فقد انقضت عدتها من الآخر وتبتدئ فتكمل على ما مضى من عدة الاول، وللاول عليها الرجعة في عدتها منه إن كان طلاقه يملك الرجعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن لم يلحقوه(5/249)
بواحد منهما أو ألحقوه بهما أو لم تكن قافة أو مات قبل ان تراه القافة أو ألقته ميتا فلم تره القافة فلا يكون ابن واحد منها في هذه الحال.
ولو كان أوصى له بشئ فولد فملكه ثم مات وقف عنهما معا حتى يصطلحا فيه، وإن كان مات بعد ولادة وقبل موت قريب له يرثه المولود وقف له ميراثه حتى يتبين أمره فإن لم يتبين أمره لم يعط شيئا من ميراثه من لا يعرف وارث له أو ليس بوارث (قال الربيع) فإن لم يلحقاه بأحد منهما رجعا عليه بما انفقا عليها ولم تحل من عدتها به (قال الشافعي) ونفقة أمه حبلى في قول من يرى النفقة للحامل في النكاح الفاسد عليهما معا فإن لم يلحق بواحد منهما لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ من نفقتها وإن ألحق بأحدهما رجع الذي نفى عنه على الذي لحق به بما أخرج من نفقتها والقول في رضاعه حتى يتبين أمره كالقول في نفقة أمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأما أنا فلا أرى على الناكح نكاحا فاسدا نفقة في الحمل والنفقة على الزوج الصحيح النكاح فلا آخذه بنفقتها حتى تلد فإن ألق به الولد أعطيتها نفقة الحمل من يوم طلقها هو وإن أشكل أمره لم آخذه بنفقة حتى ينتسب إليه الولد فأعطيها النفقة، وإن الحق بصاحبه فلانفقة عليه لانها حبلى من غيره، وإذا كان أمر الولد مشكلا كما وصفت فقد انقضت إحدى العدتين بوضع الحمل وتستأنف الاخرى بعد وضع الحمل ولا رجعة للاول عليها في العدة الاخرى بعد الحمل وإنما قلت تستأنف العدة لاني لا أدري العدة بالحمل من الاول هي فتستأنف العدة من الآخر أو من الآخر فتبنى فلما أشكلت جعلناها تستأنف وتلغى ما مضى من عدتها قبل الحمل ولا يكون الآخر خاطبا حتى ينقضي آخر عدتها (قال
الربيع) وهذا إذا أنكراه جميعا فأما إذا ادعياه فكل واحد منهما مقر بأن النفقة تلزمه (قال الشافعي) ولو ادعاه أحدها وأنكره الآخر أريته القافة وألحقته بمن ألحقوه به ولا حد على الذي أنكره من قبل أن يعزيه إلى أب قبل أن يتبين له أب غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لاقول لو نكحت ثلاثة أو أربعة فمضت عدتها من الاول ومن كل من أصابها ممن بعده ولا عدة عليها ممن لم يصبها منهم (قال الشافعي) رحمه الله: ولو كان النكاحان جميعا فاسدين الاول والآخر كان القول فيه كالقول في النكاح الصحيح والفاسد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة إلا أن عدة الامة نصف عدة الحرة في الشهور وحيضتان في الحيض ومثلها في وضع الحمل فتصنع الامة في عدتها مثل ما تصنع الحرة في عدتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل المرأة فأقرت بانقضاء العدة ونحكحت فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأقل من أربع سنين من يوم طلقت فهو للاول وإن جاءت به لاقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الاول فليس للاول ولا للآخر.
باب سكنى المطلقات ونفقاتهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعتدتهن وأحصوا العدة واتقو الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) الآية وقال عز ذكره في المطلقات (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فذكر الله عزوجل المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من(5/250)
وجدهن وحرم عليهم ان يخرجوهن وعليهن أن لا يخرجن إلا بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان من خوطب بهذه الآية من الازواج يحتمل ان إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى لان الساكن إذا قيل أخرج من مسكنه فإنما قيل منه مسكنه وكما كان كذلك إخراجه إياها وكذلك خروجها بامتناعها من السكن فيه وسكنها في غيره فكان هذا الخروج المحرم على الزوج والزوجة رضيا بالخروج
معا أو سخطاه معا أو رضى به أحدهما دون الآخر فليس للمرأة الخروج ولا للرجل إخراجها إلا في الموضع الذي استثنى الله عز ذكره من أن تأتي بفاحشة مبينة وفي العذر فكان فيما أوجب الله تعالى على الزوج والمرأة من هذا تعبدا لهما، وقد يحتمل مع التعبد أن يكون لتحصين فرج المرأة في العدة وولد إن كان بها والله تعالى أعلم (قال) ويحتمل أمر الله عزوجل بإسكانهن وأن لا يخرجن ولا يخرجن مع ما وصفت أن لا يخرجن بحال ليلا ولا نهارا ولا لمعنى إلا معنى عذر، وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم في المطلقة هذا المذهب فقال لا يخرجن ليلا ولا نهارا بحال إلا من عذر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو فعلت هذا كان أحب إلى وكان احتياطا لا يبقى في القلب معه شئ، وإنما منعنا من إيجاب هذا عليها مع احتمال الآية لما ذهبنا إليه من إيجابه على ما قال ما وصفنا من احتمال الآيات قبل لما وصفنا، وأن عبد المجيد أخبرنا عن ابن جريج: قال أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال طلقت خالتي فأرادت ان تجد نخلا لها فزجرها رجل أن تخرج فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (بلى فجدي نخلك فلعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفا) (قال الشافعي) نخل الانصار قريب من منازلهم والجدد إنما تكون نهارا (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني إسمعيل بن كثير عن مجاهد قال استشهد رجال يوم احد فآم نساؤهم وكن متجاورات في دار فجئن النبي صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله: إنا نستوحش بالليل أفنبيت عند احدنا فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها) (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن عبيدالله أنه كان يقول لا يصلح للمرأة ان تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق إلا في بيتها.
العذر الذي يكون للزوج ان يخرجها (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى في المطلقات (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن ابن عباس أنه كان يقول: الفاحشة المبينة ان تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم أن عائشة كانت تقول
اتقى الله يا فاطمة فقد علمت في اي شئ كان ذلك: قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ليس لك عليه نفقة) وأمرها ان تعتد في بيت أم شريك.
ثم قال (تلك أمرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك) (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم ابن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال(5/251)
قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتوتة؟ فقال تعتد في بيت زوجها فقلت: فأين حديث فاطمة بنت قيس؟ فقال هاه ووصف أنه تغيظ، وقال فتنت فاطمة الناس كانت للسانها ذرابة فاستطاعت على أحمائها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وسليمان أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت: اتق الله يا مروان واردد المرأة إلى بيتها، فقال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني.
وقال مروان في حديث القاسم أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة لا عليك أن لا تذكر شأن فاطمة فقال: إن كان إنما بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع، أن ابنة لسعيد بن زيد كانت عند عبد الله فطلقها البتة فخرجت فأنكر ذلك عليها ابن عمر (قال الشافعي) فعائشة ومروان وابن المسيب يعرفون أن حديث فاطمة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تعتد في بيت ابن ام مكتوم كما حدثت ويذهبون إلى أن ذلك إنما كان للشر ويزيد ابن المسيب يتبين استطالتها على أحمائها ويكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت في حديثها السبب الذي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في غير بيت زوجها خوفا أن يسمع ذلك سامع فيرى ان للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت (قال الشافعي) وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت قيس إذ بدت على أهل زوجها
فأمرها ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم تدل على معنيين أحدهما أن ما تأول ابن عباس في قول الله عز وجل (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) هو البذاء على أهل زوجها كما تأول إن شاء الله تعالى قال: وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها فلم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم اعتدى حيث شئت ولكنه حصنها حيث رضى إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها.
فإذا بذت المرأة على أهل زوجها فجاء من بذائها ما يخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضرا إخراج أهله عنها فإن لم يخرجهم أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها أن تعتد حيث شاءت كان عليه كراء المنزل وإن كان غائبا كان لوكيله من ذلك ماله.
وإن لم يكن له وكيل كان السلطان ولى الغائب يفرض لها منزلا فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحدا بالمدينة أكرى أحدا منزلا إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه.
ولا يتكارى لها السلطان إلا بأخف ذلك على الزوج وإن كان بذاؤها حتى يخاف أن يتساعر ذلك بينها وبين أهل زوجها عذرا في الخروج من بيت زوجها كان كذلك كل ما كان في معناه وأكثر من أن يجب حد عليها فتخرج ليقام عليها أو حق فتخرج لحاكم فيه أو يخرجها أهل منزل هي فيه بكراء أو عارية ليس لزوجها أو ينهدم منزلها الذي كانت فيه أو تخاف في منزل هي فيه على نفسها أو مالها أو ما أشبه هذا من العذر فللزوج في هذه الحالات أن يحصنها حيث صيرها وإسكانها وكراء منزلها (قال) وإن أمرها أن تكارى منزلا بعينه فتكارته فكراؤه عليه متى قامت به عليه وإن لم يأمرها فتكارت منزلا فلم ينهها ولم يقل لها أقيمي فيه فإن طلبت الكراء وهي في العدة استقبل كراء منزلها من يوم تطلبه حتى تنقضي العدة وإن لم تطلبه حتى تنقضي العدة فحق لها تركته وعصت بتركها أن يسكنها فلا يكون لها وهي عاصية سكنى وقد مضت العدة، وإن أنزلها منزلا له بعد الطلاق أو طلقها في منزل له أو طلقها وهي زائرة(5/252)
فكان عليها أن تعود إلى منزل له قبل أن يفلس ثم فلس فهي أحق بالمنزل منه ومن غرمائه كما تكون أحق به لو أكراها وأخذ كراءه منها من غرمائه أو أقر لها بأنها تملك عليه السكنى قبل أن يقوم غرماؤه عليه،
وإن كان في المنزل الذي أنزلها فيه فضل عن سكناها كانت أحق بما يكفيها ويسترها من منزله وكان الغرماء أحق بما بقي منه لانه شئ أعطاها إياه لم يستحق أصله عليه ولم يهبه لها فتكون أحق به إنما هو عارية، وما أعار فلم يملكه من أعيره فغرماؤه أحق به ممن أعيره ولو كان طلاقه إياها بعدما يقف السلطان ماله للغرماء، كانت أسوة الغرماء في كراء منزل يقدر كرائة ويحصنها حيث يكارى لها، فإن كان لاهلها منزل أو لغير أهلها فأرادت نزوله وأراد إنزالها غيره فإن تكارى لها منزلا فهو أحق بأن ينزلها حيث أراد وإن لم يتكار لها منزلا ولم يجده لم يكن عليها أن تعتد حيث أراد زوجها بلا منزل يعطيها إياه حيث قدرت إذا كان قرب ثقة ومنزلا ستيرا منفردا أو مع من لا يخاف، فإن دعت إلى حيث يخاف منعته، ولو أعطاها السلطان في هذا كله كراء منزل كان أحب إلى وحصنها له فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكل نكاح صحيح طلق رجل فيه امرأته مسلمة حرة أو ذمية أو مملوكة فهو كما وصفت في الحرة إلا أن لاهل الذمية أن يخرجوها في العدة ومتى أخرجوها فلا نفقة لها إن كانت حاملا ولا سكنى كان طلاق زوجها يملك الرجعة أو لا يملكها.
وهكذا كل زوج حر مسلم وذمي وعبد أذن له سيده في النكاح فعليه من سكنى امرأته ونفقتها إذا كانت حرة أو أمة متروكة معه ما على الحر وليس نفقتها وهي زوجة له بأوجب من سكناها في الفراق ونفقتها عليه (قال الشافعي) وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة فهكذا القول في الكسنى فأما طلاق يملك فيه الزوج الرجعة فحال المرأة في السكنى والنفقة حال امرأته التي لم تطلق لانه يرثها وترثه في العدة ويقع عليها إيلاؤه وليس له أن ينقلها من منزله إلى غيره إلا أن تبذو أو يراجعها فيحولها حيث شاء.
وله أن يخرجها قبل مراجعتها إن بذت عليه كما تخرج التي لا يملك رجعتها.
والله سبحانه وتعالى الموفق.
نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) الآية إلى (فآتوهن أجورهن) قال فكان بينا والله تعالى أعلم في هذه الآية أنها في المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها من قبل أن الله عزوجل لما أمر بالسكنى عاما ثم قال في النفقة (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) دل على أن الصنف الذي
أمر بالنفقة على ذوات الاحمال منهن صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الاحمال منهن لانه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة ففي ذلك دليل على أنه لا تجب نفقة لمن كان في غير صفتها من المطلقات (قال الشافعي) فلما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها في معاني الازواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنه يرثها وترثه كانت الآية على غيرها من المطلقات ولم يكن من المطلقات واحدة تخالفها إلا مطلقة لا يملك الزوج رجعتها (قال الشافعي) والدليل من كتاب الله عزوجل كاف فيما وصفت من سقوط نفقة التي لا يملك الزوج رجعتها وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود ابن سفيان عن أبى سلمة عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص(5/253)
طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال مالك علينا نفقة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ليس لك عليهم نفقة) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز ابن جريج (قال) أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت فمتاع بالمعروف.
وأخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال عطاء ليست المبتوتة الحبلى منه في شئ إلا أنه يتفق عليها من أجل الحبل فإذا كانت غير حبلى فلا نفقة لها (قال الشافعي) فكل مطلقة كان زوجها يملك رجعتها فلها النفقة ما كانت في عدتها منه، وكل مطلقة كان زوجها لا يملك رجعتها فلا نفقة لها في عدتها منه إلا أن تكون حاملا فيكون عليه نفقتها ما كانت حاملا.
وسواء في ذلك كل زوج حر وعبد وذمي وكل زوجة أمة وحرة وذمية (قال) وكل ما وصفنا من متعة لمطلقة أو سكنى لها أو نفقة فليست إلا في نكاح صحيح ثابت.
فأما كل نكاح كان منسوخا فليست فيه نفقة ولا متعة ولا سكنى وإن كان فيه مهر بالمسيس حاملا كانت أو غير حامل (قال) وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فأدعت حبلا وأنكره الزوج أو لم ينكره ولم يقربه ففيها قولان.
أحدهما: أن تحصى من يوم طلقها وكم نفقة مثلها في كل شهر من تلك الشهور فإذا ولدت قضى لها بذلك كله عليه لان الحمل لا يعلم بقين حتى تلده (قال) ومن قال هذا قال: إن الله عزوجل قال (وإن كن اولات حمل فأنفقوا
عليهن حتى يضعن حملهن) يحتمل فعليكم نفقتهن حتى يضعن حملهن ليست بساقطة سقوط من لا نفقة به غير الحوامل.
وقال: قد قال الله تعالى (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) فلو مات رجل وله حبل لم يوقف للحبل ميراث رجل ولا ميراث ابنة لانه قد يكون عددا ووقفنا الميراث حتى يتبين فإذا بان أعطيناه.
وهكذا لو أوصى لحبل أو كان الوارث أو الموصى له غائبا ولا يعطي إلا بيقين وقال: أرأيت لو أريها النساء فقلن بها حمل فأنقنا عليها ثم انفش فعلمنا أن ليس بها حمل أليس قد علمنا أنا أعطينا من مال الرجل ما لم يجب عليه؟ وإن قضينا برده فنحن لا نقضي بشئ مثله ثم نرده؟ والقول الثاني: أن تحصى من يوم طلقها الزوج ويراها النساء فإن قلن بها حمل أنفق عليها حتى تضع حملها، وإن قلن لا يبين أحصى عليها وتركت حتى يقلن قد بان فإذا قلن قد بان أنفق عليها لما مضى من يوم طلقها إلى أن تضع حملها ثم لا نفقة عليه بعد وضعها حملها إلا ان ترضع فيعطيها أجر مثلها في الرضاعة أجرا لا نفقة، ولو طلقها ثم ظهر بها حبل فذكر له فنفاه وقذفها لا عنها ولا نفقة عليه إن كان لاعنها فأبرأناه من النفقة ثم أكذب نفسه حد ولحق به الحمل إن تم واخذت منه النفقة التي أبطلت عنه، وكذلك إن كان إقراره بالكذب بعد رضاع الولد ألزمته رضاعة ونفقته، وهكذا لو أكذب نفسه بعد موت الولد أخذت منه نفقة الحمل والرضاع والولد، وإذا قال القوابل بالمطلقة التي لا يملك رجعتها حبل فأنفق عليها الزوج بغير أمر سلطان أو جبره الحاكم على النفقة عليها ثم علم أن لم يكن بها حبل رجع عليها في الحالين معا لانه إنما اعطاها إياه على أنه واجب عليه فلما علم أنه لم يجب عليه رجع عليها بمثل ما أخذت منه إن كان له مثل أو قيمته يوم دفعه إليها إن لم يكن له مثل * وكل زوجة صحيحة النكاح فرقت بينهما بحال كما ذكرناه في المختلعة والمخيرة والمملكة والمبتدأ طلاقها والامة تخير فتختار الفراق والرجل يغر المرأة بنسب فيوجد دونه فتختار فراقه والمرأة تغر بأنها حرة فتوجد أمة أو تجده أجذم أو أبرص أو مجنونا فتختار فراقه أو يجدها كذلك فيفارقها فتكون حاملا في هذه الحالات فعلى الزوج نفقتها حتى تضع حملها (قال) وكل نكاح كان فاسدا بكل حال مثل النكاح بغير ولى أو بغير شهود أو نكاح المرأة ولم ترض أو كارهة فحملت فلها الصداق بالمسيس ولا نفقة(5/254)
لها في العدة ولا الحمل (قال ابو محمد) وفيها قول: أن لها النفقة بالحمل وإن كان نكاحا فاسد لانه يلحق به الولد فلما كان إذا طلقها غير حامل لم تكن زوجة فبرئت منه لم يكن لها نفقة علمنا أنه جعلت النفقة لو أقر بالحمل (قال الشافعي) وكل مطلقة يملك زوجها الرجعة كانت عدتها الشهور فحاضت بعد مضى شهرين استقبلت الحيض ثم عليه النفقة ما كانت في العدة ولو حاضت ثلاث حيض استبرأت نفسها من الريبة وكانت لها النفقة حتى تطعن في الدم من الحيضة الثالثة فإن إرتابت أمسكت عن النكاح ووقف عن نفقتها فان بان بها حبل كان القول فيها كالقول فيمن بان بها حبل بالنفقة حتى يبين أو الوقف حتى تضع فإن انفش ما ظن من حملها ردت من النفقة ما أخذت بعد دخولها في الدم من الحيضة الثالثة (قال) وهكذا إن كانت عدتها الشهور فإرتابت سواء لا يختلفان، ولو كانت عدتها الشهور فارتابت أمسكت عن الريبة فإن حاضت بعد ثلاثة أشهر فلها النفقة في الثلاثة حتى تنقضي ولا نفقة لها بعد الثلاثة ولا عدة عليها فإن ارتابت بحمل أمسكت ولم ينفق عليها حتى يبين ثم يكون القول فيه كالقول في الحمل إذا بان سواء من رأى ان لا ينفق عليها حتى تضع أمسك حتى تضع ثم أعطاها نفقة من يوم قطع النفقة عنها إلى أن وضعت، ومن رأى ان لا ينفق عليها إذا بان الحمل أعطاها النفقة منذ أمسك عنها إلى أن بان بها الحمل ومن حين بان الحمل إلى أن تضع فإن بطل الحمل ردت النفقة بعد الثلاثة الاشهر وينفق عليها حتى تضع آخر حملها وإن كان بين وضع ولادها أيام (قال) وإن كان بها حبل ولا يملك زوجها رجعتها فأنفق عليها زوجها من حين طلقها حتى جاوزت أربع سنين فلم تلد ردت النفقة من يوم طلقها لانها لا نلحق به الحمل ولا نفقة لها في العدة إلا أن تكون حاملا منه.
امرأة المفقود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزوج نفقة امرأته وحكم الله عزوجل بين الزوجين أحكاما منها اللعان والظهار واللايلاء ووقوع الطلاق (قال الشافعي) فلم يختلف المسلمون فيما علمته في أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر.
ولم يختلفوا في أن لا عدة على زوجة إلا من وفاة أو طلاق.
وقال الله عزوجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن) الآية وقال تعالى
(ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) إلى قوله (فلهن الثمن مما تركتم) (قال) فلم أعلم مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع بهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث واحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه.
فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بإسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفى مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر فلم يأت له خبر أو جاء خبر أن غرقا كأن يرون أنه قد كان فيه ولا يستيقنون أنه فيه لا تعتد امرأته ولا تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الاحوال كانت أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك ذلك كله وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة كما لو ظنت أنه طلقها أو(5/255)
مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الاول المفقود لزمها الطلاق، وكذلك إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج.
وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر وعشرا ونكحت ودخل بها أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الاول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لانه زوج، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير أنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح غيره فلا يقال له فئ حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه فإذا أكملت عدتها أجل من يوم تكمل عدتها أربعة أشهر وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الايلاء وكفر وإن لم يصبها قيل له أصبها أو طلق (قال) وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين موته (قال) وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الاربعة الاشهر والعشر من مال زوجها فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لانها مانعة له نفسها، وكذلك لا ينفق عليها وهى في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولا بعد ذلك، ولم أمنعها النفقة من قبل أنها زوجة الآخر ولا
أن عليها منه عدة ولا أن بينهما ميراثا ولا أنه يلزمها طلاقة ولا شئ من الاحكام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما منعتها الفقة من الاول لانها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه كما تقف المرأة على زوجها الغائب بشبهة فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة نفسها بالنكاح والعدة وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بتركها حقها من الاول وإباحتها نفسها لغيره على معنى أنها خارجة من الاول، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة على موته في وقت ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث، ولو حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى ماتت أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له منها وإن حكم لواحد منهما بالميراث من صاحبه رد الميراث فإن كان الزوج الميت رد ميراثه على ورثته وإن كانت هي الميتة وقف ميراث الزوج الاول حتى يعلم أحى هو فيرثها أو ميت فيرد على ورثتها غير زوجها الآخر، لو مات زوجها الاول ورثته وأخر جناها من يدي الآخر بكل حال ولو تربصت أربع سنين ثم أعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء الاول كان الولد ولد الآخر لانه فراش بالشبهة وردت على الزوج ومنع إصابتها حتى تعتد ثلاث حيض.
وإن كانت ممن لا تحيض لا يأس من المحيض أو صغر فثلاثة أشهر، وإن كانت حبلى فأن تضع حملها، وإذا وضعت حملها فلزوجها الاول منعها من رضاع ولدها إلا اللبأ وما إن تركته لم يغذه مرضع غيرها ثم يمنعها ما سوى ذلك، ولا ينفق عليها في أيام عدتها ولا رضاعها ولد غيره شيئا، ولو ادعى الزوج الاول والآخر الولد وقد ولدت وهي مع الآخر أريته القافة (قال) ومتى طلقها الاول وقع عليها طلاقه ولو طلقها زوجها الاول أو مات عنها وهى عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت، ولو ماتت امرأة المفقود والمفقود ولا يعلم أيهما مات أولا لم يتوارثا كما لم يتوارث من خفى موته من أهل الميراث من القتلى والغرقى وغيرهم إلا بيقين أن أحدهما مات قبل الاول فيرث الآخر الاول.
ولو مات الزوج الاول والزوج الآخر ولا يعلم أيهما مات أولا بدأت فاعتدت أربعة
أشهر وعشرا لانه النكاح الصحيح والعدة الاولى بالعقد الاول ثم اعتدت بعد ثلاث حيض تدخل(5/256)
إحداهما في الاخرى لانها وجبت عليها من وجهين مفترقين فلا يجزئها أن تأتي بإحداهما دون الاخرى لانهما في وقت واحد ولو كان الزوج الاول مات أولا فاعتدت شهرا أو أكثر ثم ظهر بها حمل فوضعت حملها حلت من الذي حملت منه وهو الزوج الآخر فاعتدت من الاول أربعة أشهر وعشرا لانها لا تستطيع تقديم عدتها من الاول وعليها عدة حمل من الآخر (قال) ولكن لو مات الاول قبل فاعتدت شهرا أو أكثر ثم رأت أن بها حملا قيل لها تربصي فإن تربصت وهى تراها حاملا ثم مرت بها أربعة أشهر وعشرا وهى تحيض في ذلك وتراها تحيض على الحمل ثم حاضت ثلاث حيض وبان لها أن لا حمل بها فقد أكملت عدتها منهما جميعا وليس عليها أن تستأنف عدة أخرى تحد فيها كما لو مات عنها زوجها ولا تعلم هي حتى مرت أربعة أشهر وعشر قيل لها ليس عليك استئناف عدة أخرى.
وهكذا لو ماتا معا ولم تعلم حتى مضت أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض بعد يقين موتهما معا لم تعد لعدة ولو مات الزوج الآخر اعتدت منه ثلاث حيض فإن أكملتها ثم مات الاول اعتدت عدة الوفاة وإن لم تكملها استقبلت عدة الوفاة (1) من يوم مات الآخر لانها عدة صحيحة.
ثم اعتدت حيضتين تكملة الحيض التي قبلها من نكاح الآخر.
ولو أن امرأة المفقود ماتت عند الزوج الآخر ثم قدم الاول أخذ ميراثها وإن لم تدع شيئا لم يأخذ من المهر شيئا إذا لم يجد امرأته بعينها فلا حق له في مهرها فإن قال قائل: فهل قال غيرك هذا؟ قيل: نعم وروى فيه شئ عن بعض السلف، وقد روى عن الذي روى عنه هذا أنه رجع عنه فإن قال: فهل تحفظ عمن مضى مثل قولك في أن لا تنكح امرأة المفقود حتى تستيقن موته؟ قلنا: نعم عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أخبرنا يحيى بن حسان عن أبى عوانة عن منصور عن أبى المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الاسدي عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال في امرأة المفقود إنها لا تتزوج، أخبرنا يحيى بن حسان عن هشيم بن بشير عن سيار أبى الحكم عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير، أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن منصور عن الحكم أنه قال: إذا فقدت
المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل المرأة طلاقا يملك فيه رجعتها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وورثت ولها السكنى والنفقة قبل أن يموت ما كانت في عدتها إذا كان يملك رجعتها فإذا مات فلا نفقة لها: وليس عليها أن تجتنب طيبا ولا لها أن تخرج من منزله ولو أذن لها وليس له منها ولا لها منه من نظر ولا من تلذذ ولا من خلوة شئ حتى يراجعها وهى محرمة عليه تحريم المبتوتة حتى يراجعها، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى في مسكن حفصة وكانت طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الاخرى من أدبار البيوت كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما يحل
__________
(1) قوله من يوم مات الاخر اي الزوج الاخر في الوفاة وهو في الحقيقة الزوج الاول وقوله تكملة الحيض ولعله تكملة العدة الخ وقوله في حديث عطاء فضلا هو بضمتين اي في قميص واحد، فتنبه.
كتبه مصححه.(5/257)
للرجل من المرأة يطلقها؟ قال لا يحل له منها شئ ما لم يراجعها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عمرو بن دينار قال مثل ذلك، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء وعبد الكريم قالا لا يراها فضلا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن كان في نفسه ارتجاعها ما يحل له منها قبل أن يراجعها وفي نفسه ارتجاعها؟ قال سواء في الحل إذا كن يريد ارتجاعها وإن لم يرده ما لم يراجعها (قال الشافعي) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وإن أصابها في العدة فقال أردت ارتجاعها وأقر أنه لم يشهد فقد أخطأ ولها عليه مهر مثلها بما أصاب منها وتعتد من مائة الآخر وتحصى العدة من الطلاق الاول فإذا أكملت العدة من الطلاق لم يكن له عليها رجعة.
وله عليها الرجعة ما لم تكملها وتكمل عدتها من الاصابة الآخرة ولا تحل لغيره حتى تنقضي عدتها من الاصابة الآخرة وله هو أن يخطبها في عدتها من مائة الآخر، ولو ترك ذلك كان أحب إلى (قال الشافعي) وأكره للمرأة يملك زوجها رجعتها من التعريض للخلوة معه ما أكره للتى لا يملك رجعتها خوفا من أن يصيبها قبل أن
يرتجعها، فإذا طلق الرجل امرأته تطليقة فحاضت حيضة أو حيضتين ثم راجعها ثم طلقها قبل أن يمسها ففيها قولان: أحدها أنها تعتد من الطلاق الاخير عدة مستقبلة.
والقول الثاني أن العدة من الطلاق الاول ما لم يدخل بها، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الشعثاء يقول تعتد من يوم طلقها.
قال ابن جريج وعبد الكريم وطاوس وحسن بن مسلم يقولون تعتد من يوم طلقها.
وإن لم يكن مسها قال سعيد: يقولون طلاقه الآخر قال سعيد: وكان ذلك رأى ابن جريج، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: أرى أن تعتد من يوم طلقها.
(قال الشافعي) وقد قال هذا بعض المشرقيين.
وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير، إن قول الله عزوجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) إنما نزلت في ذلك كان الرجل يطلق امرأته ما شاء بلا وقت فيمهل المرأة حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها فنزل (الطلاق مرتان) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه، قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تقضى عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها.
ثم طلقها، قال: والله لا آويك إلى ولا تحلين أبدا فنزل الله عزوجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فاستقبل الناس الطلاق جديدا من كان منهم طلق ومن لم يطلق.
قال ومن قال هذا انبغى أن يقول إن رجعته إياها في العدة مخالف لنكاحه إياها نكاحا جديدا مستقبلا.
ثم يطلقها قبل أن يمسها وذلك أن حكمها في عدتها حكم الازواج في بعض أمرها.
وإنما تستأنف العدة لانه قد كان مس قبل الطلاق الذي أتبعه هذا الطلاق فلزم فحكمه حكم الطلاق الواحد بعد الدخول وأى امرأة طلقت بعد الدخول اعتدت.
ومن قال هذا أشبه أن يلزمه أن يقول ذلك وإن لم يحدث لها رجعة فيقول إذا طلقها بعد الدخول واحدة فحاضت حيضة أو حيضتين.
ثم أتبعها أخرى استقبلت العدة من التطليقة الآخرة، وإن تركها حتى تحيض حيضة أو حيضتين ثم طلقها استقبلت العدة من التطليقة الآخرة ولم يبال أن لا يحدث بين ذلك رجعة ولا مسيسا، ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة أو حيضتين قبل أن يموت فإن كان طلاقا يملك فيه الرجعة اعتدت عدة وفاة وورثت كما تعتد التي لم تطلق وترث ولو
كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم تعتد عدة وفاة ولم ترث إن طلقها صحيحا.
ولو طلقها مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فورثته لم تعتد عدة الوفاة لانها غير زوجة وقد قيل في الرجل يطلق امرأته تطليقة(5/258)
يملك فيها الرجعة أو تطليقتين ثم يرتجعها.
ثم يطلقها أو يطلقها ولم يرتجعها العدة من الطلاق الاول ولا تعتد من الطلاق الآخر لان وإن ارتجعها فقد كانت حرمت عليه إلا بأن يرتجعها كما حرمت عليه في الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة إلا بنكاح ولو نكحها ثم طلقها قبل أن يصيبها لم تعتد فكذلك لا تعتد من طلاق أحدثه لها.
وإن لزمها في العدة لم يحدث رجعة.
ومن قال هذا ذهب إلى أن المطلق كان إذا ارتجع في العدة ثبتت الرجعة لما جعل الله عزوجل في العدة له من الرجعة وإلى أن قول الله عز وجل (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) لمن راجع ضرارا في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة ولكن عضلا عن أن تحل لغيره.
وقد قال الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فنهى عن إمساكهن للعضل ثم يطلقهن فذهب إلى أن الآية قبل هذا يحتمل أن يكون نهى عن رجعتهن للعضل لا للرغبة وهذا معنى يحتمل الآية ولا يجوز إلا واحد من القولين والله تعالى أعلم بالصواب.
عدة المشركات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت اليهودية أو النصرانية تحت المسلم فطلقها أو مات عنها فهي في العدة والسكنى والنفقة والاحداد مثل المسلمة لا خلاف بينهما وله عليها الرجعة في العدة كما يكون له على المسلمة (قال) وهكذا المجوسية تحت المجوسى والوثنية تحت الوثني لازواجهن عليهن من الرجعة ما لزوج المسلمة وعليهن من العدد والاحداد ما على المسلمة لان حكم الله تعالى على العباد واحد فلا يحل لمسلم إذا تحاكم إليه مشرك أن يحكم له ولا عليه إلا يحكم الاسلام لقول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في المشركين (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) الآية (قال) والقسط حكم الله تعالى الذي أنزل على نبيه.
وقول الله تبارك وتعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتوك عن بعض ما أنزل الله إليك) قال وأهواءهم يحتمل سبيلهم فأمره صلى
الله عليه وسلم أن لا يحكم الا بما أنزل الله إليه ولا يحل لمسلم أن يحكم إلا بحكم الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم (قال) وإذا طلق المسلم النصرانية ثلاثا فانقضت عدتها فنكحت نصرانيا فأصابها أحلها ذلك لزوجها المسلم ويحصنها لانه زوج يحل له نكاحة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين ومن سنته أن لا يرجم إلا محصنا فلو كانت إصابة الذمي لا تحصن المرأة لم يرجمها النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أحصنها أحلها مع إحلالها لان الله عزوجل قال (حتى تنكح زوجا غيره) وأنه زوج نكحها.
أحكام الرجعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال قال قال الله عزوجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) (قال الشافعي) رحمه الله في قول الله عزوجل (إن أرادوا إصلاحا) فقال إصلاح(5/259)
الطلاق الرجعة والله أعلم فمن أراد الرجعة فهي له لان الله تبارك وتعالى جعلها له (قال الشافعي) رحمه الله: فأيما زوج حر طلق امرأته بعد ما يصيبها واحدة أو اثنتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها بدلالة كتاب الله عزوجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ركانة طلق امرأته البتة ولم يرد إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عندنا في العدة والله تعالى أعلم (قال) وسواء في هذا كل زوجة تحت حر مسلمة أو ذمية أو أمة (قال) وطلاق العبد اثنتان.
فإذا طلق واحدة فهو كالحر يطلق الحرة واحدة أو اثنتين ويملك من رجعتها بعد واحدة ما يملك الحر من رجعة امرأته بعد انقضاء واحدة أو اثنتين والحر الكافر الذمي وغير الذمي في الطلاق والرجعة كالحر المسلم، فإذا انقضت العدة فلا سبيل لزوج على امرأته إلا بنكاح جديد لان الله عزوجل إذ جعل الرجعة له عليها في العدة فبين أن لا رجعة عليها بعدها مع قول الله عزوجل (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف).
كيف تثبت الرجعة (قال الشافعي) رحمه الله لما جعل الله عزوجل الزوج أحق برجعة امرأته في العدة كان بينها أن ليس لها منعه الرجعة ولا لها عوض في الرجعة بحال لانها له عليها لا لها عليه ولا أمر لها فيما له دونها، فلما قال الله عزوجل (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) كان بينها أن الرد إنما هو بالكلام دون الفعل من جماع وغيره لان ذلك رد بلا كلام فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما فإذا تكلم بها في العدة ثبتت له الرجعة، والكلام بها أن يقول قد راجعتها أو قد ارتجعتها أو قد رددتها إلى أو قد ارتجعتها إلى فإذا تكلم بهذا فهي زوجة، ولو مات أو خرس أو ذهب عقله كانت امرأته، وإن لم يصبه من هذا شئ فقال لم أرد به رجعة فهي رجعة في الحكم إلا أن يحدث طلاقا (قال) ولو طلقها فخرجت من بيته فردها إليه ينوي الرجعة أو جامعها ينوى الرجعة أو لا ينويها ولم يتكلم بالرجعة لم تكن هذه رجعة حتى يتكلم بها (قال) وإذا جامعها بعد الطلاق ينوي الرجعة أو لا ينويها فالجماع جماع شبهة لا حد عليهما فيه، ويعزر الزوج والمرأة إن كانت عالمة، ولها عليه صداق مثلها، والولد لا حق وعليها العدة (قال الربيع) وفيها قول آخر إذا قال قد رددتها إلى أنها لا تكون رجعة حتى ينوي بها رجعتها فإذا قال قد راجعتها أو ارتجعتها هذا تصريح الرجعة كما لا يكون النكاح إلا بتصريح النكاح أن يقول قد تزوجتها أو نكحتها فهذا تصريح النكاح ولا يكون نكاحا بأن يقول قد قبلتها حتى يصرح بما وصفت لان النكاح تحليل بعد تحريم، وكذلك الرجعة تحليل بعد تحريم فالتحليل بالتحليل شبيه فكذلك أولى أن يقاس بعضه على بعض ولا يقاس بالتحريم بعد التحليل كما لو قال قد وهبتك أو اذهبي أو لا حاجة لي فيك أنه لا يكون طلاقا حتى ينوي به الطلاق وهو لو أراد بقوله قد رددتك إلى الرجعة لم تكن رجعة ينوى به الرجعة (قال الشافعي) فإن طلقها واحدة فاعتدت حيضتين ثم أصابها ينوي الرجعة فحكمنا أن لا رجعة إلا بكلام فإن تكلم بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة فهي رجعة وان لم يتكلم بها حتى تحيض الثالثة فلا رجعة له عليها ولها عليه مهر مثلها ولا تنكح حتى تكمل ثلاث حيض ولا تكون كالمرأة تعتد من رجلين فتبدأ عدتها من الاول فتكملها ثم تستقبل للآخر عدة لان تينك العدتين لحق جعل لرجلين وفي ذلك نسب يلحق(5/260)
أحدهما دون الآخر وهذا حق لرجل واحد ونسب واحد لا يتنازع لمن كان منه ولد ولو طلقها فحاضت حيضة ثم أصابها استأنفت ثلاث حيض من يوم أصابها وكانت له عليها الرجعة حتى تحيض حيضة وتدخل في الدم من الحيضة الثالثة ثم لم يكن له عليها رجعة ولم تحل لغيره حتى ترى الدم من الحيضة الثالثة من إصابته إياها وهي الرابعة من يوم طلقها وله عليها الرجعة ما بقي من العدة شئ وسواء علمت بالرجعة أو لم تعلم إذا كانت تعلم فتمتنع من الرجعة فتلزمها لان الله تعالى جعلها له عليها فعلمها وجهالتها سواء وسواء كانت غائبة أو حاضرة أو كان عنها غائبا أو حاضرا (قال) وإن راجعها حاضرا وكتم الرجعة أو غائبا فكتمها أو لم يكتمها فلم تبلغها الرجعة حتى مضت عدتها ونكحت دخل بها الزوج الذي نكحته أ ولم يدخل فرق بينها وبين الزوج الآخر ولها مهر مثلها إن أصابها لا ما سمى لها ولا مهر ولا متعة إن لم يصبها لان الله عزوجل جعل للزوج المطلق الرجعة في العدة ولا يبطل ما جعل الله عزوجل له منها بباطل من نكاح غيره ولا بدخول لم يكن يحل على الابتداء لو عرفناه كانا عليه محدودين، وفي مثل معنى كتاب الله عزوجل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنكح الوليان فالاول أحق لا استثناء في كتاب الله عزوجل ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل زوج آخر أو لم يدخل ومن جعله الله عز ذكره ثم رسوله أحق بأمر فهو أحق به (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن عبيدالله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك الجزرى عن سعيد بن جبير عن على ابن أبى طالب رضى الله عنه في الرجل يطلق امرأته ثم يشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك فنكحت قال هي امرأة الاول دخل بها الآخر أو لم يدخل.
وجه الرجعة (قال الشافعي) رحمه الله: ينبغى لمن راجع ان يشهد شاهدين عدلين على الرجعة لما أمر الله تعالى به من الشهادة لئلا يموت قبل ان يقر بذلك أو يموت قبل أن تعلم الرجعة بعد انقضاء عدتها فلا يتوارثان إن لم تعلم الرجعة في العدة، ولئلا يتحاحدا أو يصيبها فتنزل منه إصابة غير زوجة، ولو تصادقا أنه راجعها ولم يشهد فالرجعية ثابتة عليها لان الرجعة إليه دونها، وكذلك لو ثبت عليها ما كانت في العدة إذا
أشهد على أنه قال قد راجعتها فإذا مضت العدة فقال قد راجعتها وأنكرت فالقول قولها وعليه البينة أنه قال قد راجعتها في العدة.
والله تعالى الموفق.
ما يكون رجعة وما لا يكون (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لامرأته وهي في العدة من طلاقة إذا كان غد فقد راجعتك وإذا كان يوم كذا وكذا فقد راجتعك وإذا قدم فلان فقد راجعتك وإذا فعلت كذا فقد راجعتك فكان كل ما قال لم يكن رجعة، ولو قال لها إن شئت فقد راجعتك فقالت قد شئت لم تكن رجعة حتى يحدث بعدها رجعة.
وهذا مخالف قوله إن شئت فأنت طالق (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لا مرأته إذا كان أمس فقد راجعتك لم تكن رجعة بحال، ولو نوى إذا كان أمس يوم الاثنين فقد راجعتك لم يكن رجعة وليس بأكثر من قوله لها إذا كان غد فقد راجعتك فلا يكون رجعة، ولو قال كلما طلقتك فقد(5/261)
راجعتك لم يكن رجعة (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا يضعن حملهن) يحتمل فعليكم نفقس أو يوم كذا ليوم ماض بعد الطلاق كانت رجعة.
وهكذا لو قال كنت راجعتك بعد الطلاق، ولو قال لها في العدة قد راجعتك كانت رجعة.
فإن وصل الكلام فقال فقد راجعتك بالمحبة أو راجعتك بالاذى وراجعتك بالكرامة أو راجعتك بالهوان سئل فإذا أراد الرجعة وقال عنيت راجعتك بالمحبة منى لك أو راجعتك بالاذى في طلاقك أو ما أشبه هذا كانت رجعة، وإن قال أردت قد رجعت إلى محبتك بعد بغضك أو إلى أذاك كما كنت أو ما أشبه هذا لم يكن رجعة، وإذا طلق الاخرس امرأته بكتاب أو إشارة تعقل لزمه الطلاق وكذلك إذا راجعها بكتاب له أو إشارة تعقل لزمتها الرجعة، وإذا مرض الرجل فخبل لسانه فهو كالاخرس في الرجعة والطلاق وإذا أشار إشارة تعقل أو كتب كتابا لزمها الطلاق وألزمت له الرجعة ولو لم يخبل ولكنه ضعف عن الكلام فأشار بطلاق أو برجعة إشارة تعقل أو كتب كتابا يعقل كانت رجعة (1) حتى يعقل فيقول لم تكن رجعة فتبرأ منه بالطلاق الاول وكل زوج بالغ غير مغلوب على عقله تجوز رجعته كما يجوز طلاقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا تجوز رجعة المغلوب على عقله كما لا يجوز طلاقه، ولو أن رجلا صحيحا طلق امرأته ثم خبل عقله بجنون أو
خبل أو برسام أو غيره ما يغلب على العقل غير المسكر ثم ارتجع امرأته في العدة لم تجز رجعته ولا تجوز رجعته إلا في الحين الذى لو طلق جاز طلاقه، وإن كان يجن ويفيق فراجع في حال جنونه لم تجز رجعته وإن راجع في حال إفاقته جازت رجعته، ولو اختلفا بعد مضى العدة فقالت راجعتني وأنت ذاهب العقل ثم لم تحدث لى رجعة وعقلك معك حتى انقضت عدتي وقال بل راجعتك ومعى عقلي فالقول قوله لان الرجعة إليه دونها وهى في العدة تدعى إبطالها لا يكون لها إبطالها إلا ببينة دعوى المرأة انقضاء العدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلقت المرأة فمتى ادعت انقضاء العدة في مدة يمكن في مثلها أن تنقض العدة فالقول قولها، ومتى ادعت انقضاء العدة في مدة لا يمكن في مثلها انقضاء عدتها لم تصدق ولا تصدق إلا في مدة يمكن فيها انقضاء العدة والقول قوله إذا ادعيت ما لا يمكن مثله بحال، ولو طلق رجل امرأته فقالت من يومها قد انقضت عدتي لم يقبل منها حتى تسأل: فإن قالت قد أسقطت سقطا بان بعض خلقه أو ولدت ولدا ومات كان القول قولها إذا كان يلد مثلها فإن كانت صغيرة لا يلد مثلها أو عجوزا لا يمكن في مثلها أن تلد لم تصدق بحال، ولو قالت قد انقضت عدتي في يوم أو غيره سئلت فإن قالت حضت ثلاث حيض لم تصدق لانه لا يحيض من النساء أحد ثلاث حيض في مثل هذه المدة.
وإن قالت قد حضت في أربعين ليلة ثلاث حيض وما أشبه هذا نظر.
فإن كانت المدعية لانقضاء عدتها في مثل هذه المدة تذكر قبل الطلاق أنها كانت تحيض هكذا وتطهر صدقت في الحكم، وكذلك إن كان من نساء الناس من يذكر ما وصفت، وإن لم تكن هي ولا واحدة من النساء تذكر مثل هذا لم تصدق، ومتى صدقتها في الحكم فلزوجها عليها اليمين بالله عز وجل ولقد انقضت عدتها بما ذكرت من حيض وطهر أو سقط أو ولد، فإن حلفت برئت منه، وإن
__________
(1) قوله: حتى يعقل الخ، كذا في النسخ ولعل الكلمة محرفة تأمل.
كتبه مصححه.(5/262)
نكلت أحلفته ما انقضت عدتها وجعلت له عليها الرجعة، وإذا صدقتها في الحكم بقولها قد انقضت عدتي صدقتها به قبل ارتجاعه إياها وصدقتها إذا قال قد راجعتك اليوم فقالت انقضت عدتي أمس أو
في وقت من اليوم قبل الوقت الذى راجعها فيه إلا أن تقر بعد مراجعته إياها بأن لم تنقض عدتها ثم تدعى انقضاء العدة فلا أصدقها لان الرجعة قد ثبتت بإقرارها، وإن شاءت أن أحلفه لها ما علم عدتها انقضت فعلت فإن حلف لزمتها الرجعة وإن نكل أحلفت على البت لقد انقضت عدتها فإن حلفت فلا رجعة له عليها وإن نكلت فله عليها الرجعة، ولو قال لها راجعتك فقالت قد انقضت عدتي أو قالت قد انقضت عدتي قبل أن تقول قد راجعتك في مدة يمكن فيها انقضاء عدتها ثم راجعها فقالت قد كنت كذبت فيما ادعيت من انقضاء عدتي أو قالته قبل ان يراجعها فراجعها ثبتت عليها الرجعة، ولو رجعت عن الاقرار بانقضاء العدة لم يسقط ذلك الرجعة وهى كمن جحد حقا عليه ثم أقر به، ولو قالت قد انقضت عدتي ثم قالت كذبت لم تنقض عدتي ووهمت ثم قالت قد انقضت عدتي قبل أن يرتجعها ثم ارتجعها لم يكن له عليها رجعة إلا بأن تكذب نفسها بعد الرجعة فتقول لم تنقض عدتي، وإذا قالت قد انقضت عدتي في مدة لا تنقضي عدة امرأة في مثلها فأبطلت قولها ثم جاءت عليها مدة تنقضي العدة في مثلها وهى ثابة على قولها الاول قد انقضت عدتي فعدتها منقضية لانها مدعية لانقضاء العدة في الحالين معا، ولو طلق الرجل امرأته ثم قال أعلمتني بأن عدتها قد انقضت ثم راجعها لم يكن هذا إقرارا بأن عدتها قد انقضت لانها قد تكذبه فيما أعلمته وتثبت الرجعة إذا قالت المرأة لم تنقض عدتي، وإن قال قد انقضت عدتها وقالت هي قد انقضت عدتي ثم قال كذبت لم يكن له عليها رجعة لانه أقر بانقضاء عدتها وكذلك لو صدقها بانقضاء العدة ثم كذبها لم يكن له عليها رجعة.
الوقت الذى تكون له الرجعة بقوله (قال الشافعي) وإذا قال الرجل وامرأته في العدة قد راجعتها اليوم أو أمس أو قبله في العدة وأنكرت فالقول قوله إذا كان له أن يراجعها في العدة فأخبر أن قد فعل بالامس كان كابتدائه الفعل الآن، ولو قال بعد مضى العدة قد راجعتك في العدة وأنكرت كان القول قولها وعليه البينة أنه قد صدقته فالرجعة ثابتة.
فإن كذبته بعد التصديق أو كذبته قبل التصديق ثم صدقته كانت الرجعة، ثابتة، وهكذا لو كانت زوجته أمة فصدقته كانت كالحرة في جميع أمرها، ولو كذبه مولاها لم أقبل قوله لان التحليل بالرجعة والتحريم
بالطلاق فيها، ولها ولو كانت المرأة صبية لم تحض أو معتوهة مغلوبة على عقلها فقال زوجها بعد انقضاء عدتها قد راجعتها في العدة لم يصدق إلا ببينة تقوم له، ولو صدقته لانها ممن لا فرض له عليها، وكذلك لو صدقه وليها أباها كان أو غيره لم أقبل ذلك، ولو كانت صحيحة فعرض لها مرض أذهب عقلها ثم قال بعد انقصاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة لم تكن زوجته فإذا أفاقت فصدقته كانت زوجته بالاقرار وكانت الرجعة عليها ثابتة، وإذا دخل الرجل بالمرأة فقال قد أصبتها وطلقتها وقالت لم يصبنى فالقول قولها ولا رجعة له عليها، ولو قالت قد أصابني وقال لم أصبها فعليها العدة بإقرارها أنها عليها لا تحل للازواج حتى تنقضي عدتها ولا رجعة له عليها بإقراره أن لا عدة له عليها،(5/263)
ويسعه فما بينه وبين الله عزوجل أن يراجعها إن علم أنه كذب ويسعها فيما بينها وبين الله تعالى إن علمت أنها كذبت بادعائها بالاصابة أن تنكح قبل أن تعتد لانه لا عدة عليها، فأما الحكم فكما وصفت، وسواء في هذا أغلق عليها بابا أو أرخى سترا أو لم يغلقه أو طال مقامه معها أو لم يطل لا تجب عليها العدة ولا يكمل لها إذا طلقت إلا بالوطئ نفسه، وإذا اختلفا في الوطئ فالقول قول الزوج لانه يؤخذ منه فضل الصداق، وإذا طلق الرجل امرأته فقال بعد انقضاء عدتها قد راجعتك في العدة وأنكرت فحلفت ثم تزوجت ودخل بها أو لم يدخل ثم أقام شاهدين أنه قد راجعها في العدة فسخ نكاحها من الآخر وكانت زوجة الاول الذى راجعها في العدة وأمسك عنها في العدة وأمسك عنها حتى تعتد من الآخر إن كان أصابها فإن لم يكن أصابها لم يمسك عنها، وإن ماتت أو مات وهى في العدة من الآخر توارثا ولو كانت المسألة بحالها وكذبته ونكحت زوجا غيره ثم صدقت الزوج الاول أنه راجعها في العدة لم تصدق على إفساد نكاح الزوج الآخر ولم يفسخ نكاحها إلا ببينة تقوم على رجعة الزوج الاول في العدة (قال أبو يعقوب البويطى والربيع) وله عليها صداق مثلها بإقرارها أنها أتلفت نفسها عليه (قال الشافعي) في قول الله تبارك وتعالى " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف " إذا شارفن بلوغ أجلهن فراجعوهن بمعروف أو أو دعوهن تنقضي عددهن بمعروف.
ونهاهم أن يمسكوهن ضررا ليعتدوا ولا يحل إمساكهن ضرارا.
نكاح المطلقة ثلاثا (قال الشافعي) أي امرأة حل ابتداء نكاحها فنكاحها حلال متى شاء من كانت تحل له وشاءت إلا امرأتان الملاعنة فإن الزوج إذا التعن لم تحل له أبدا بحال والحجة في الملاعنة مكتوبة في كتاب اللعان.
والثانية المرأة يطلقها الحر ثلاثا فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره لقول الله عز وجل في المطلقة الثالثة " فإن طلقها فلا تحل من بعد حتى تنكح زوجا غيره " قال: فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج غيره ودلت على ذلك السنة فكان أولى المعاني بكتاب الله ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن المسور بن رفاعة القرضى عن الزبير أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الاول الذى كان طلقها فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يتزوجها فقال " لا تحل لك حتى تذوق العسيلة " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت انى كنت عند رفاعة القرضى فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال " أتردين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتك " قالت وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد ابن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبا بكر ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا صحيح النكاح فأصابها ثم طلقها فانقضت عدتها حل لزوجها الاول ابتداء نكاحها لقول الله عزوجل " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح(5/264)
عليها أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " الآية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة " لا ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " يعنى يجامعك (قال) وإذا جامعها الزوج ثم مات عنها حلت للزوج المطلقها ثلاثا كما تحل له بالطلاق لان الموت في معنى الطلاق بافتراقهما بعد
الجماع أو أكثر، وهكذا لو نكحها زوج فأصابها ثم بانت منه بلعان أو ردة أو غير ذلك من الفرقة، وهكذا كل زوح نكحها عبدا أو حرا إذا كان نكاحه صحيحا وأصابهما، وفى قول الله تعالى " أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " والله تعالى أعلم بما أراد.
أما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة لانها من حدود الله تعالى هذا يشبه قول الله تعالى " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا " أي اصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة فالرجعة ثابتة لكل زوج غير مغلوب على عقله إذا أقام الرجعة وإقامتها أن يتراجعا في العدة التى جعل الله عز ذكره له عليها فيها الرجعة (قال) وأحب لهما أن ينوبا إقامة حدود الله تعالى فيما بينهما وغيره من حدود الله تبارك اسمه الجماع الذى تحل به المرأة لزوجها (قال الشافعي) إذا جامع المطلقة ثلاثا زوج بالغ فبلغ إن تغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق عسيلتها وذاقت عسيلته ولا تكون العسيلة إلا في القبل وبالذكر وذلك يحلها لزوجها الاول إذا فارقها هذا ويوجب عليها الغسل والحد لو كان هذا زنا وسواء كان الذى أصابها قوى الجماع أو ضعيفه لا يدخله إلا بيده إذا بلغ هذا منها، وكذلك لو استدخلته هي بيدها، وإن كان غير مراهق لم يحلها جماعه لانه لا يقع موقع جماع الكبير ولا يجوز أن يقال غير هذا، ولو جاز جاز أن يقال لا يحلها إلا من تشتهى جماعه ويكون مبالغا فيه قويا، وإن كان الزوج صبيا فكان جماعه يقع موقع الكبير بأن يكون مراهقا يغيب ذلك منه في ذلك منها أحلها وكذلك إن كان خصيا غير مجبوب أو مجبوبا بقى له ما يغيبه فيها بقدر ما تغيب حشفة غير الخصى أحلها ذلك إن كانت بكرا فلا يحلها إلا ذهاب العذرة وذلك أنه لا يبلغ هذا منها إلا ذهبت العذرة وسواء في ذلك كل زوج جائز النكاح من عبد ومكاتب وحر وكل زوجة حرة ومملوكة وذمية بالغ إذا كان يجامع مثلها ولو أصابها في دبرها فبلغ ما شاء منها لم تحلها تلك الاصابة لانها ليست موضع العسيلة التى دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها تحلها ولو أفضاها زوجها حلت بالافضاء لان الافضاء لا يكون إلا ببلوغ ما يحلها ومجاوزته وهكذا الذمية تكون عند المسلم فيطلقها ثلاثا فينكحها الذمي فبلغ هذا منها وكذلك لو كانت الزوجة مغلوبة على عقلها أو الزوج مغلوبا على عقله أو هما معا فجامعها أحلها ذلك الزوج ولو نكحها الذمي
نكاحا صحيحا فأصابها كان يحلها من جماعه للمسلم ما يحلها من جماع زوج مسلم لو نال ذلك منها لانه زوج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا و إنما يرجم المحصنين ولا يحلها إلا زوج صحيح النكاح وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل زوج إذا انعقد نكاحه لا ينفسخ بفساد عقد وإن انفسخ بعد لمعنى فأصابها فهو يحلها وإن كان أصل نكاحه غير ثابت عند العقد فلا تحلها إصابته لانه غير زوج، فإذا نكحها مملوك فعتقت فاختارت فراقه وقد أصابها أحلها لان عقده كان ثابتا وكذلك الامة ينكحها الحر ثم يملكها، والحرة ينكحها العبد فتملكه فينفسخ النكاح في الحالين وتحلها إصابته قبل الفسخ وكذلك الاجذم والابرص والمجنون ينكح المرأة فيصيبها تحلها إصابته ولو اختارت فسخه إذا كانت الاصابة قبل الفسخ ولو أصابها أحد هؤلاء قبل اختيارها لفسخ نكاحه أحلتها الاصابة لانها كانت وهى(5/265)
زوجة وكذلك الزوجان يصيبها الزوج ثم يرتد أحدهما بعد الاصابة تحلها تلك الاصابة لانه كان زوجها ولو كانت الاصابة بعد ردة أحدهما أو ردتهما معا لم تحلها ولو رجع المرتد منهما إلى الاسلام بعد لان الاصابة كانت والمرأة موقوفة على العدة محرمة في حالها تلك بكل حال عليه ولو أصاب المرأة زوجها وهي محرمة أو صائمة أو حائض أو هو محرم أو صائم كان مسيئا وأحلها ذلك لزوجها الذي طلقها ثلاثا لانه لا محرم عليه من المرأة في هذه الحال إلا الجماع للعلة التي فيه أو فيها ويقع ظهاره وإيلاؤه وطلاقه وبينها وبينه ما بين الزوجين ويحل له أن يراها حاسرا وليس هكذا الزوجان يرتد أحدهما وإذا نكح الحر الامة وهو لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فأصابها أحلها ذلك ولو نكحها وهو يجد طولا أو لا يجد طولا ولا يخاف العنت لم تحلها إصابته، وإذا نكح الرجل نكاحا فاسد بأي وجه كان فأصاب لم يحلها ذلك لزوجها وذلك أن ينكحها متعة أو محرمة أو ينكحها نكاح شغار أو ينكحها بغير ولى أو أي نكاح فسخه في عقده لم يحلها الجماع فيه لانه ليس بزوج ولا يقع عليها طلاقه ولا ما بين الزوجين والعبد في هذا مثل الحر إلا أن العبد إذا طلق اثنتين فقد أتى على جميع طلاقه وهما له كالثلاث للحر وسواء طلق الحر ثلاثا في مقام أو متفرقة لانه قد جاء على جميع طلاقه وكذلك العبد في الاثنتين وطلاق الحر لزوجته أمة وحرة وكتابية ثلاث وطلاق العبد لزوجته اثنتان الطلاق للرجال والعدة على النساء، ولو
طلق رجل امرأة لم يدخل بها واحدة ثم أتبعها طلاقا لم يقع عليها إلا الاولى وإن نكحت بعده زوجا وأصابها من نكحها فهي عنده على ما بقى من الطلاق.
ما يهدمه الزوج من الطلاق وغيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى في المطلقة الثالثة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فعل حكم المطلقة ثلاثا محرمة بكل حال على مطلقها ثلاثا إلا بأن يصيبها زوج غير مطلقها فإذا طلقت المرأة ثلاثا فأصابها زوج غير مطلقها سقط حكم الطلاق الاول وكان لزوجها الذي طلقها ثلاثا إذا طلقها زوجها الذي أصابها أو مات عنها أن ينكحها فإذا نكحها كان طلاقه إياها مبتدأ كهو حين ابتدأ نكاحها قبل أن يطلقها لا يحرم عليه نكاحه حتى يطلقها ثلاثا فإذا فعل عادت حراما عليه بكل وجه حتى يصيبها زوج غيره ثم هكذا أبدا كلما أتى على طلاقها ثلاثا حرمت عليه حتى يصيبها زوج غيره ثم حلت له بعد إصابة زوج غيره وسقط طلاق الثلاث وكانت عنده لا تحرم عليه حتى يطلقها ثلاثا وإذا هدم الزوج طلاق الثلاث كله فكذلك إن كان آلى منها في ملك ثم طلقها ثلاثا سقط الايلاء حيت لا يكون له به طلاق أبدا إذا تناكحا وإذا أصابها الزوج الذى آلى منها في ملك نكاح بعد زوج كفر كفارة يمين وإن لم يصبها لم يوقف وقف الايلاء.
ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن طلقها الزوج واحدة أو اثنتين فنكحها زوج غيره وأصابها ثم بانت منه فنكحها الزوج الاول بعد كانت عنده على ما بقى من طلاقها كهى قبل يصيبها زوج غيره يهدم الزوج المصيبها بعده الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين، فإن قال قائل فقد قال غيرك إذا هدم(5/266)
الثلاث هدم الواحدة والثنتين فكيف لم تقل به؟ قيل إن شاء الله تعالى استدلالا موجودا في حكم الله عزوجل فإن قال وأين؟ قيل قال الله عزوجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى دل حكم الله عزوجل على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين والمطلقة ثلاثا وذلك أنه أبان أن المرأة يحل
لمطلقها رجعتها من واحدة واثنتين فإذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلما لم يكن لزوج غيره حكم يحلها لمطلقها واحدة واثنتين إلا لانها حلال إذا طلقت واحدة أو اثنتين قبل الزوج كان معنى نكاحه وتركه النكاح سواء ولما كانت المطلقة ثلاثا حراما على مطلقها الثلاث حتى تنكح زوجا غيره فكانت إنما تحل في حكم الله تبارك وتعالى اسمه بنكاحه كان له حكم بين أنها محرمة حتى ينكحها هذا الزوج الآخر فلم يجز أن يقاس ماله حكم بما لا حكم له وكان أصل الامر أن المحرم إنما يحل للمرء بفعل نفسه كما يحرم عليه الحلال بفعل نفسه فلما حلت المطلقة ثلاثا بزوج غيره بعد مفارقتها نساء أهل الدنيا في هذا الحكم لم يجز أن يكون الزوج في غير الثلاث في هذا المعنى وكان في المعنى أنه لا يحل نكاحه للزوج المطلق واحدة واثنتين ولا يحرم شيئا لان المرأة لم تحرم فتحل به وكان هو غير الزوج ولا يحل له شئ بفعل غيره ولا يكون لغيره حكم في حكمه إلا حيث جعله الله عزوجل الموضع الذى جعله الله تعالى مخالفا لهذا فلا يجوز أن يقاس عليه خلافه، فإن قال فهل قال هذا أحد غيرك؟ قيل نعم أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار أنهم سمعوا أبا هريرة يقول سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم انقضت عدتها فتزوجها رجل غيره ثم طلقها أو مات عنها ثم تزوجها زوجها الاول قال هي عنده على ما بقى (قال الشافعي) رحمه الله وإذا طلقت المرأة ثلاثا فنكحت زوجا فادعت أنه أصابها وأنكر الزوج أحلها ذلك الزوج لزوجها المطلقها ثلاثا ولم تأخذ من الذى أنكر إصابتها إلا نصفا تصدق على ما تحل به ولا تصدق على ما تأخذ من مال زوجها وهكذا لو لم يعلم الزوج الذى يطلقها ثلاثا أنها نكحت فذكرت انها نكحت نكاحا صحيحا وأصيبت حلت له إذا جاءت عليها مدة يمكن فيها القضاء عدتها منه ومن الزوج الذى ذكرت أنه أصابها ولو كذبها في هذا كله ثم صدقها كان له نكاحها والورع أن لا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كاذبة حتى يجد ما يل على صدقها ولو أن رجلا شك في طلاق امرأته فلم يدر أطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فنكحت زوجا غيره فأصابها ثم طلقها فنكحها الزوج الاول، ثم طلقها واحدة أو اثنتين فقالت قد أتى على جميع طلاقي لانه لم يطلقني إلا واحدة أو اثنتين قبل نكاحي الزوج الآخر الذى نكحنى بعد فراقك أو قاله بعض أهلها ولم تقله وأقر
الزوج بأنه لم يدر أطلقها قبل نكاحها الزوج الآخر واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قيل له هي عندك على ما بقي من الطلاق فإن أستيقن إنه طلقها قبل نكاحها الزوج واحدة فطلقها في هذا الملك واحدة أو اثنتين بنى على الطلاق الاول فإذا استكملت ثلاثا بالطلاق الذي قبل الزوج والطلاق الذي بعده فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وأجعلها تعتد في الطلاق الاول ما يستيقن وتطرح ما يشك فيه ولو قال بعد ما قال أشك في ثلاث أنا أستيقن أني طلقتها قبل الزوج ثلاثا أحلف على ذلك وكان القول قوله.
من يقع عليه الطلاق من النساء قال الله تبارك وتعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) وقال (إذا طلقتم النساء فطلقوهن(5/267)
لعدتهن) وقال عزوجل (للذين يؤلون من نسائهم) وقال (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال عزوجل (ولهن الربع مما تركتم) مع ما ذكر به الازواج ولم أعلم مخالفا في أن أحكام الله تعالى في الطلاق والظهار والايلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الاحرام والمحيض وما أشبه ذلك حتى ينقضى ولا يحرم أن ينظر منها إلى ما لا ينظر إليه غيره ولم أعلم مخالفا في أن الميراث بين الزوجين لا يكون إلا في نكاح صحيح وأن يكون دينا الزوجين غير مختلفين ويكونا حرين فكل نكاح كان ثابتا وقع فيه الطلاق وكل من وقع عليه الطلاق من الازواج وقع عليه الظهار والايلاء وكيفما كان الزوجان حرين أو عبدين أو أحدهما حر والآخر عبد أو مكاتب أو مدبر أو لم تكمل فيه الحرية ويحل لاى زوج وزوجة ويقع الميراث بين كل حرين من الازواج مجتمعي الدين فكل اسم نكاح كان فاسد لم يقع فيه شئ من هذا الاطلاق ولا غيره لان هذين ليسا من الازواج وجميع ما قلنا أن نكاحه مفسوخ من نكاح الرجل المرأة بغير ولى ولا سلطان أو أن ينكحها ولى بغير رضاها رضيت بعد أو لم ترض فالعقد فاسد لا نكاح بينهما، وكذلك لو كان هو الزوج ولم ترض لم يكن زوجا بذلك النكاح وإن رضى، وكذلك المرأة لم تبلغ يزوجها غير أبيها والصبى لم يبلغ يزوجه غير أبيه، وكذلك نكاح المتعة وما كان في معناه ونكاح المحرم، وكذلك الرجل ينكح أخت امرأته وأختها عنده أو خامسة، والعبد لم تكمل فيه الحرية
ينكح ثالثة والحر يجد الطول فينكح أمة والحر والعبد ينكحان أمة كتابية وما كان في هذا المعنى مما يفسخ نكاحه وما كان أصل نكاحه ثابتا فهو يتفرق بمعنيين.
أحدهما: هكذا لا يخالفه وذلك الرجل الحر لا يجد طولا فينكح أمة ثم يملكها فإذا تم له ملكها فسد النكاح ولم يقع عليها شئ مما يقع على الازواج من طلاق ولا غيره، وذلك أن الله عزوجل يقول (والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فلم يحل الجماع إلا بنكاح أو ملك وحكم أن يقع في النكاح ما وصفنا من طلاق يحرم به الحلال من النكاح وغيره وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق فيحرم به الوطئ بالملك، وفرق بين إحلالهما وتحريمهما فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر فلما ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح (قال الربيع) يريد بأحدهما دون الآخر أنه لا يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها حتى يكون ملك وحده بكماله أو التزويج وحده بكماله (قال الشافعي) رحمه الله: وكذلك إذا ملك منها شقصا وإن قل لانها خرجت من أن تكون زوجته لو قذفها ولم تحل له بالملك حتى يستكمل بملكها، وهكذا المرأة تملك زوجها ولا يختلف الملك بين الزوجين بأى وجه ما كان الملك ميراثا أو هبة أو صدقة أو غير ذلك، وهكذا البيع إذا تم كله، وتمام الميراث أن يموت الموروث قبضه الوارث أو لم يقبضه قبله أو لم يقبله لانه ليس له رده، وتمام الهبة أو الصدقة أن يقبلها الموهوب له والمصدق عليه ويقبضها، وتمام الوصية أن يقبلها الموصى له وإن لم يقبضها وتمام البيع أن لا يكون فيه شرط حتى يتفرقا عن مقامهما الذى تبايعا فيه، وما لم يتم البيع والصدقة والهبة فلو أن رجلا وهبت له امرأته أو اشتراها أو تصدق بها عليه فلم يقبض الموهوب له ولا المصدق عليه ولم يفارق البيعان مقامهما الذى تبايعا فيه ولم يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار البيع لم يكن له أن يطأ امرأته بالنكاح لانه له فيها شبها بملك حتى يرد الملك فتكون زوجته بحالها أو يتم الملك فينفسخ النكاح ويكون له الوطئ بالملك، وإذا طلقها في حال الوقف أو تظاهر أو آلى منها وقف ذلك(5/268)
فإن رد الملك وقع عليها الطلاق والايلاء وما يقع بين الزوجين (1) وإن لم يتم ملكه فيها بالعقد الاول من الصدقة أو الهبة أو البيع سقط ذلك كله عنه لانا علمنا حين تم البيع أنها غير زوجة حين أوقع ذلك
عليها، فإذا عتقت الامة عند العبد فلها الخيار فإن أوقع عليها الطلاق بعد العتق قبل الخيار فالطلاق موقوف فإن ثبتت عنده وقع وإن فسخت النكاح سقط.
والوجه الثاني: أن يكون الزوجان مشركين وثنيين فيسلم الزوج أو الزوجة فيكون النكاح موقوفا على العدة فإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما كان النكاح ثابتا وإن لم يسلم حتى تمضى العدة كان النكاح مفسوخا وما أوقع الزوج في هذه الحال على امرأته من طلاق أو ما يقع بين الزوجين فهو موقوف فإن ثبت النكاح بإسلام المتخلف منهما وقع وإن انفسخ النكاح بأن لم يسلم المتخلف عن الاسلام منهما سقط وكل نكاح أبدا يفسد من حادث من واحد من الزوجين أو حادث في واحد منهما ليس بطلاق من الزوج فهو فسخ بلا طلاق.
الخلاف فيما يحرم بالزنا (قال الشافعي) رحمه الله: أما الرجل يزنى بامرأة أبيه أو امرأة ابنه فلا تحرم واحدة منهما على زوجها بمعصية الآخر فيها، ومن حرمها على زوجها بهذا أشبه أن يكون خالف حكم الله تعالى لان الله عزوجل جعل التحريم بالطلاق إلى الازواج فجعل هذا إلى غير الزوج أن يحرم عليه امرأته أو إلى المرأة نفسها أن تحرم نفسها على زوجها، وكذلك الزوج يزنى بأم امرأته أو بنتها لا تحرم عليه امرأته ومن حرم عليه أشبه أن يدخل عليه أن يخالف حكم الله تعالى في أن الله حرمها على زوجها بطلاقه إياها فزنى زوجها بأمها فلم يكن الزنا طلاقا لها ولا فعلا يكون في حكم الله جل ثناؤه ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريما لها وكان فعلا كما وصفت وقع على غيرها فحرمت به فقال قولا مخالفا للكتاب محالا بأن يكون فعل الزوج وقع على غيرها فحرمت به امرأته عليه وذكر الله عزوجل ما من به على العباد فقال (فجعله نسبا وصهرا) فحرم بالنسب الامهات والاخوات والعمات والخالات ومن سمى، وحرم بالصهر ما نكح الآباء وأمهات النساء وبنات المدخول بهن منهن فكان تحريمه بأنه جعله للمحرمات على من حرم عليه حقا ليس لغيرهن عليهن وكان ذلك منا منه بما رضى من حلاله، وكان من حرمن عليه لهن محرما يخلو بهن ويسافر ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن ولمن حرمن عليها ومنا عليهن وعليهم لا عقوبة لواحد منهما، ولا تكون العقوبة فيما رضى ومن حرم بالزنا الذى وعد الله عليه النار حد عليه فاعله وقرنه مع الشرك به وقتل النفس التى حرم الله أحال العقوبة إلى أن
جعلها موضع رحمة.
فمن دخل عليه خلاف الكتاب فيما وصفت وفي أن الله تعالى حين حكم الاحكام بين الزوجين من اللعان والظهار والايلاء والطلاق والميراث كان عندنا وعنده على النكاح الصحيح فإذا زعمنا أن الذي أراد الله عزوجل بأحكامه في النكاح ما صح وحل فكيف جاز له أن يحرم بالزنا وهو حرام غير نكاح ولا شبهة.
من لا يقع طلاقه من الازواج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من
__________
(1) كذا في النسخ، ووجهه " وان تم " باسقاط النافي تأمل.(5/269)
الرجال غير مغلوب على عقله لانه إنما خوطب بالفرائض من بلغ لقول الله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا) ويقول الله تبارك وتعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر في القتال ابن خمس عشرة ورده ابن أربع عشرة، ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن سببا لا جتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم وكل ذى مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله.
فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حدا أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق.
فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق في حال إفاقة لزمه وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته فقال طلقت في حال جنوني أو مرض غالب على عقلي فإن قامت له بينة على مرض غلب على عقله في الوقت الذي طلق فيه سقط طلاقه وأحلف ما طلق وهو يعقل، وإن قالت امرأته قد كان في يوم كذا في أول النهار مغلوبا على عقله وشهد الشاهدان على الطلاق فأثبتا أنه كان يعقل حين طلق لزمه الطلاق لانه قد يغلب على عقله في اليوم ويفيق وفي الساعة ويفيق، وإن لم يثبت شاهدا الطلاق أنه كان يعقل حين طلق أو شهد الشاهدان على الطلاق وعرف أن قد كان في ذلك اليوم مغلوبا على عقله أحلف ما طلق وهو يعقل والقول قوله، وإن شهدا عليه بالطلاق ولم يثبتا أيعقل أم لا؟ وقال هو كنت مغلوبا على عقلي فهو على أنه يعقل حتى
يعلم ببينة تقوم أنه قد كان في مثل ذلك الوقت يصيبه ما يذهب عقله أو يكثر أن يعتريه ما يذهب عقله في اليوم والايام فيقبل قوله لان له سببا يدل على صدقه.
طلاق السكران (قال الشافعي) رحمه الله: ومن شرب خمرا أو نبيذا فأسكره فطلق لزمه الطلاق والحدود كلها والفرائض ولا تسقط المعصية بشرب الخمر والمعصية بالسكر من النبيذ عنه فرضا ولا طلاقا.
فإن قال قائل: فهذا مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله؟ قيل المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله، وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ والصلاة مرفوعة عمن غلب على عقله ولا ترفع عن السكران.
وكذلك الفرائض من حج أو صيام أو غير ذلك، ومن شرب بنجا أو حريفا أو مرقدا ليتعالج به من مرض فأذهب عقله فطلق لم يلزمه الطلاق من قبل أن ليس في شئ من هذا أن نضربهم على شربه في كتاب ولا سنة ولا إجماع فإذا كان هكذا كان جائزا أن يؤخذ الشئ منه للمنفعة لا لقتل النفس ولا إذهاب العقل.
فإن جاء منه قتل نفس أو إذهاب عقل كان كالمريض يمرض من طعام وغيره وأجدر أن لا يأثم صاحبه بأنه لم يرد واحدا منها كما يكون جائزا له بط الجرح وفتح العرق والحجامة وقطع العضو رجاء المنفعة وقد يكون من بعض ذلك سبب التلف ولكن الاغلب السلامة وأن ليس يراد ذلك لذهاب العقل ولا للتلذذ بالمعصية.
صلاق المريض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ملك الله تعالى الازواج الطلاق، فمن طلق من الازواج وهو(5/270)
بالغ غير مغلوب على عقله جاز طلاقه لانه تحريم لامرأته بعد أن كانت حلالا له فسواء كان صحيحا حين يطلق أو مريضا فالطلاق واقع، فإن طلق رجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها أو لا عنها وهو مريض فحكمه في وقوع ذلك على الزوجة وتحريمها عليه حكم الصحيح، وكذلك إن طلقها واحدة ولم يدخل بها، وكذلك كل فرقة وقعت بينهما ليس للزوج عليها فيها رجعة بعد
الطلاق فإن لم يصح الزوج حتى مات فقد اختلف في ذلك أصحابنا منهم من قال لا ترثه وذهب إلى أن حكم الطلاق إذا كان في الصحة والمرض سواء فإن الطلاق يقع على الزوجة، وإن الزوج لا يرث المرأة لو ماتت فكذلك لا ترثه لان الله تعالى ذكره إنما ورث الزوجة من الزوج والزوج من الزوجة ما كانا زوجين وهذان ليسا بزوجين ولا يملك رجعتها فتكون في معاني الازواج فترث وتورث، وذهب إلى أن على الزوجة أن تعتد من الوفاة أربعة أشهر وعشرا وهذه لا تعتد من الوفاة وإلى أن الزوجة إذا كانت وارثة إن مات زوجها كانت موروثة إن ماتت قبله وهذه لا يرثها الزوج، وذهب إلى أن الزوجة تغسل الزوج ويغسلها وهذه لا تغسله ولا يغسلها وإلى أن ينكح أختها وأربعا سواها وكل هذا يبين أن ليست زوجة، ومن قال هذا فليست عليه مسألة صح الزوج بعد الطلاق أو لم يصح أو نكحت الزوجة أو لم تنكح ولم يورثها منه إذا لم يكن له عليها رجعة ولا هو منها، ولو طلقها ساعة يموت أو قال أنت طالق قبل موتى بطرفة عين أو بيوم ثلاثا لم ترث في هذا القول بحال (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبى رواد ومسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبى مليكة انه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة فيبتها ثم يموت وهى في عدتها فقال عبد الله بن الزبير طلق عبد الرحمن ابن عوف تماضر بنت الاصبغ الكلبية فبتها ثم مات عنها وهى في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها (قال الشافعي) رحمه الله فذهب بعض أصحابنا إلى أن يورث المرأة وإن لم يكن للزوج عليها رجعة إذا طلقها الزوج وهو مريض وإذا انقضت عدتها قبل موته وقال بعضهم وإن نكحت زوجا غيره، وقال غيرهم ترثه ما امتنعت من الازواج.
وقال بعضهم ترثه ما كانت في العدة فإذا انقضت العدة لم ترثه.
وهذا مما أستخير الله عزوجل فيه (الربيع) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة (قال الشافعي) رحمه الله غير أنى أيما قلت فإنى أقول لا ترث المرأة زوجها إذا طلقها مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فانقضت عدتها ونكحت لان حديث ابن الزبير متصل وهو يقول ورثها عثمان في العدة وحديث ابن شهاب منقطعع وأيهما قلت فإن صح بعد الطلاق ساعة ثم مات لم
ترثه، وإن طلقها قبل أن يمسها فأيهما قلت فلها نصف ما سمى لها إن كان سمى لها شيئا ولها المتعة إن لم يكن سمى لها شيئا ولا عدة عليها من طلاق ولا وفاة.
ولا ترثه لانها لا عدة عليها وأيهما قلت فلو طلقها وقد أصابها وهى مملوكة أو كافرة وهو مسلم طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم أسلمت هذه وعتقت هذه ثم مات مكانه لم ترثاه لانه طلقها ولا معنى لفراره من ميراثها.
ولو مات في حاله تلك لم ترثاه ولو كان طلاقه يملك فيه الرجعة ثم عتقت هذه وأسلمت هذه ثم مات وهما في العدة ورثتاه.
وإن مضت العدة لم ترثاه لان الطلاق كان وهما غير وارثين لو مات وهما في حالهما تلك وإن كانتا من الازواج، وإذا طلق الرجل امرأته وهو مريض طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات بعد انقضاء عدتها لم ترث في قول من ذهب إلى قول ابن الزبير لان من ذهب إليه نظر إليه حين يموت فإن كانت من الازواج أو في معاني(5/271)
الازواج من المطلقات اللاتى عليهن الرجعة وهن عدتهن ورثها، وكذلك إن ماتت ورثها الزوج.
وإن لم يكن عليها عدة لم يورثها لانها خارجة من الازواج ومعانيهن، وفي قول من ذهب إلى القول الآخر ترثه ما لم تنقض عدتها، وإن طلقها طلاقا صحيحا لا يملك فيه الرجعة ثم صح ثم مرض فمات لم ترثه وإن كانت في العدة لانه قد صح فلو ابتدأ طلاقها في ذلك الوقت لم ترثه وإن كان يملك الرجعة فمات في العدة ورثته * والمرض الذى يمنع صاحبه فيه من الهبة وإتلاف ماله إلا في الثلث إن مات ويورث منه من يورث إذا طلق مريضا كل مرض مخوف مثل الحمى الصالب والبطن وذات الجنب والخاصرة وما أشبهه مما يضمنه على الفراش ولا يتطاول، فأما ما أضمنه مثله وتطاول مثل السل والفالج إذا لم يكن به وجع غيرهما أو يكون بالمفلوج منه سورة ابتدائه في الحال التى يكون مخوفا فيها، فإذا تأول فإنه لا يكاد يكون مخوفا، فأما إذا كانت حمى الربع برجل فالاغلب منها أنها غير مخوفة وأنها إلى السلامة، فإذا لم تضمنه حتى يلزم الفراش من ضمن فهو كالصحيح، وإذا أضمنته كان كالمريض وإذا آلى رجل من امرأته وهو صحيح فمضت الاربعة الاشهر وهو مريض فمات قبل أن يوقف فهى زوجته وإن وقف ففاء بلسانه وهو لا يقدر على الجماع فهى زوجته، وإن طلق والطلاق يملك الرجعة فإن مات وهى في العدة ورثته وإن ماتت ورثها.
وإن مات وقد انقضت العدة لم يرثها ولا
ترثه، ولو قذفها وهو مريض أو صحيح فلم يلاعنها حتى مرض ثم مات كانت زوجته، وكذلك لو التعن فلم يكمل اللعان حتى مات كانت زوجته ترثه ولو أكمل اللعان وقعت الفرقة ولم ترثه وإن كان مريضا حين وقعت الرفقة في واحد من القولين وذلك أن اللعان حكم حكم الله تعالى به يحده السلطان إن لم يلتعن وإن الفرقة لزمته بالسنة أحب أو كره وأنهما لا يجتمعان بحال أبدا فحالهما إذا وقع اللعان غير حال الازواج فلا ترثه ولا يرثها إذا التعن هو ولو تظهر منها صحيحا أو مريضا فسواء هي زوجته ليس الظهار بطلاق إنما هي كاليمين يكفرها فإن لم يكفرها حتى مات أو ماتت توارثا.
وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض إن دخلت دار فلان أو خرجت من منزلي أو فعلت كذا لامر نهاها عنه أن تفعله ولا تأثم بتركه فأنت طالق ثلاثا أو طالق ولم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة ففعلت ذلك طلقت ثم مات لم ترثه في العدة بحال لان الطلاق وإن كان من كلامه كان فبفعلها وقع.
وكذلك لو قال لها إن شئت فأنت طالق ثلاثا فشاءت، وكل ما كان من هذا كان يتم بها وهى تجد منه بدا فطلقت منه طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم ترثه ولم يرثها عندي في قياس جميع الاقاويل.
وكذلك لو سألته أن يطلقها ثلاثا فطلقها ثلاثا لم ترثه، ولو سألته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ورثته في العدة في قول من يورث امرأة المريض إذا طلقها، ولكنه لو قال لها وهو مريض أنت طالق إن صليت المكتوبة أو تطهرت للصلاة أو صمت شهر رمضان أو كلمت أباك أو أمك أو قدت أو قمت ومثل هذا مما تكون عاصية بتركه أو يكون لا بد لها من فعله ففعلته وهو مريض ثم مات ورثته في العدة في قول من ذهب إلى توريثها إذا طلقها مريضا وهكذا لو حلف صحيحا على شئ لا يفعله هو ففعله مريضا ورثت في هذا القول، فأما قول ابن الزبير فيقطع هذا كله وأصله أن ينظر إلى حالها يوم يموت فإن كانت زوجة أو في معناها من طلاق يملك فييه الزوج الرجعة وكانت لو ماتت في تلك الحال ورثها ورثها منه (1) وإن لم يكن يرثها لو ماتت في تلك الحال لم تكن زوجة ولافى طلاق يملك فيه الرجعة ولم نورثها في أي حالة كان القول
__________
(1) قوله: وان لم يكن يرثها لو ماتت إلى قوله ولو قال لها وهو مريض كذا في النسخ والحكم مفهوم مما قبله وان كان في العبارة زيادة أو تحريف من النساخ، تأمل.(5/272)
والطلاق مريضا كان أو صحيحا ولو قال لها وهو مريض: أنت طالق ثلاثا إن صمت اليوم تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيك فصامت تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيها لم ترثه من قبل أنه قد كان لها من هذا بد وكانت غير آثمة بتركها منزل أبيها ذلك اليوم وكل ما قيل مما وصفت انها ترثه في العدة في قول من يورثها إذا كان القول في المرض ووقع الطلاق في المرض فقاله في المرض.
ثم صح ثم وقع لم ترثه إذا كان الطلاق لا يملك الرجعة وكل ما قال في الصحة مما يقع في المرض فوقع الطلاق به في المرض وكان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم ترثه مثل أن يقول أنت طالق غدا أو إذا جاء هلال كذا أو إذا جاءت سنة كذا أو إذا اقدم فلان وما أشبه هذا فوقع به الطلاق البائن وهو مريض لم ترث لان القول كان في الصحة (قال الشافعي) رحمه الله: ولو قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض فمات قبل أن يصح ورثت في قول من يورثها إذا كان الطلاق في المرض لانه عمد أن أوقع الطلاق في المرض.
وإذا مرض الرجل فأقر أنه قد كان طلق امرأته في الصحه ثلاثا وقع الطلاق بإقراره ساعة تكلم و استقبلت العدة من ذلك اليوم ولا ترثه عندي بحال، وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض أنت طالق ثلاثا إذا صححت فصح ثم مرض فمات لم ترثه لانه أوقع الطلاق في وقت لو ابتداأ فيه لم ترثه، وإذا قال الرجل لامرأته صحيحا انت طالق ثلاثا قبل أن أقتل بشهر أو قبل أن أموت بشهر أو قبل أن أموت من الحمى أو سمى مرضا من الامراض فمات من غير ذلك المرض لم يقع الطلاق وورثته.
وكذلك لو مات من ذلك المرض قبل الشهر لان الطلاق لم يقع ولا يقع إلا بأن يموت من ذلك المرض ويكون قبل موته بشهر فيجتمع الامران، ولها الميراث في الاقاويل وإن مضى شهر من يوم قال تلك المقالة.
ثم مات من ذلك المرض بعينه لم يقع الطلاق ولا يقعع الطلاق حتى يعيش بعد القول أكثر من شهر بوقت من الاوقات يقع فيه الطلاق فيكون لقوله موضع.
فأما إذا كان موته مع الشهر سواء فلا موضع لقوله وترث ولم يقع عليها طلاق وإذا قال أنت طالق قبل موتى بشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر ثم عاش أقل مما سمى ثم مات فإن الطلاق لا يقع عليها ولها الميراث وإن عاش من حين تكلم بالطلاق إلى أن مات اكثر مما سمى بطرفة عين أو أكثر وقع الطلاق عليها في ذلك الوقت وذلك قبل موته بما سمى ولا ترث إذا كان ذلك القول وهو صحيح، ولو طلقها ثلاثا وهو مريض ثم ارتدت عن الاسلام، ثم عادت إليه ثم مات ولم
يصح لم ترثه لانها أخرجت نفسها من الميراث، ولو كان هو المرتد ثم عاد إلى الاسلام فمات من مرضه لم ترثه عندي وترثه في قول غيرى لانه فار من الميراث، ولو كانت زوجته أمة فقال لها وهو صحيح أنت طالق ثلاثا إذا عتقت فعتقت وهو مريض ثم مات وهى في العدة لم ترثه، وإن كان قاله لها وهو مريض لم ترث في قول ابن الزبير وترث في القول الآخر (قال الشافعي) رحمه الله: ولو قال لها وهى أمة أنت طالق ثلاثا غدا وهو مريض وقال لها سيدها أنت حرة اليوم بعد قوله لم ترثه لانه قاله وهى غير وارث وكذلك إن كانت مشركة وهو مسلم، ولو قال لها سيدها والزوج مريض أنت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد ولم يعلم عتق السيد لم ترثه وإن مات من مرضه.
وإن كان يعلم عتق السيد لم ترثه في قول ابن الزبير وترثه في قول الآخر لانه فار من الميراث (قال) وإن كانت تحت المسلم مملوكة وكافرة فمات والمملوكة حرة والكافرة مسلمة فقالت هذه عتقت قبل أن يموت وقال ذلك الذى أعتقها وقالت هذه أسلمت قبل أن يموت وقال الورثة مات وأنت مملوكة وللاخرى مات وأنت كافرة فالقول قول الورثة وعليها البينة (قال أبو محمد) فيه قول آخر إن القول قول التى قالت لم أكن مملوكة لان أصل الناس الحرية وعلى التى قالت لم أكن نصرانية البية، وإذا قال الورثة لامرأة الرجل كنت(5/273)