[ أوزنه واعزله عندك حتى آتيك فأنقله ففعل فسرق الطعام فهو من ضمان البائع ولا يكون هذا قبضا من رب الطعام ولو كاله البائع للمشترى بأمره حتى يقبض أو يقبضه وكيل له فيبرأ البائع من ضمانه حينئذ.
باب الخيار في السلف (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز الخيار في السلف لو قال رجل لرجل أبتاع منك بمائة دينار أنقدكها مائة صاع تمرا إلى شهر على أنى بالخيار بعد تفرقنا من مقامنا الذى تبايعنا فيه أو أنت بالخيار أو كلانا بالخيار لم يجز فيه البيع كما يجوز أن يتشارطا الخيار ثلاثا في بيوع الاعيان وكذلك لو قال أبتاع منك مائة صاع تمرا بمائة دينار على أنى بالخيار يوما إن رضيت أعطيتك الدنانير وإن لم أرض فالبيع بينى وبينك مفسوخ لم يجز لان هذا بيع موصوف والبيع الموصوف لا يجوز إلا بأن يقبض صاحبه ثمنه قبل أن يتفرقا لان قبضه ما سلف فيه قبض ملك وهو لو قبض مال الرجل على أنه بالخيار لم يكن قبضه قبض ملك ولا يجوز أن يكون الخيار لواحد منهما لانه إن كان للمشترى فلم يملك البائع ما دفع إليه وإن كان للبائع فلم يملكه البائع ما باعه لانه عسى أن ينتفع بماله ثم يرده إليه فلا يجوز البيع فيه إلا مقطوعا بلا خيار وكذلك لا يجوز أن يسلف رجل رجلا مائة دينار على أن يدفع إليه مائة صاع موصوف إلى أجل كذا فإذا حل الاجل فالذي عليه الطعام بالخيار في أن يعطيه ما أسلفه أو يرد إليه رأس ماله حتى يكون البيع مقطوعا بينهما ولا يجوز أن يقول: فإن حبستنى عن رأس مالى فلى زيادة كذا.
فلا يجوز شرطان حتى يكون الشرط فيهما واحدا معروفا.
باب ما يجب للمسلف على المسلف من شرطه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أحضر المسلف السلعة التى أسلف فكانت طعاما فاختلفا فيه دعى له أهل العلم به فإن كان شرط المشترى طعاما جيدا جديدا قيل هذا جيد جديد؟ فإن قالوا نعم قيل ويقع عليه اسم الجودة؟ فإن قالوا نعم لزم المسلف أخذ أقل ما يقع عليه اسم الصفة من الجودة وغيرها ويبرأ المسلف ويلزم المسلف أخذه وهكذا هذا في الثياب يقال هذا ثوب من وشى صنعاء والوشى الذي يقال له يوسفى وبطول كذا وبعرض كذا ودقيق أو صفيق أو جيد أو هما ويقع عليه اسم الجودة؟ فإذا قالوا نعم فأقل ما يقع عليه اسم الجودة يبرأ منه الذى سلف فيه ويلزم المسلف ويقال في الدقيق من الثياب وكل شئ هكذا إذا ألزمه في كل صنف منه صفة وجودة فأدنى ما يقع عليه اسم الصفة من دقة وغيرها واسم الجودة يبرئه منه وكذلك إن شرطه رديئا فالردئ يلزمه (قال الشافعي)
أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عطاء قال إذا أسلفت فإياك إذا حل حقك بالذى سلفت فيه كما اشترطت ونقدت فليس لك خيار إذا أوفيت شرطك وبيعك (قال الشافعي) وإن جاء به على غاية من الجودة أكثر من أقل ما يقع عليه اسم الجودة فهو متطوع بالفضل ويلزم المشترى لان الزيادة فيما يقع عليه اسم الجودة خير له إلا في موضع سأصف لك منه إن شاء الله تعالى.
](3/136)
[ باب اختلاف المتبايعين بالسلف إذا رآه المسلف (قال الشافعي) رحمه الله: لو أن رجلا سلف رجلا ذهبا في طعام موصوف حنطة أو زبيب أو تمر أو شعير أو غيره فكان أسلفه في صنف من التمر ردئ فأتاه بخير من الردئ أو جيد فأتاه بخير مما يلزمه اسم الجيد بعد أن لا يخرج من جنس ما سلفه فيه إن كان عجوة أو صيحانيا أو غيره لزم المسلف أن يأخذه لان الردئ لا يغنى غناء إلا أغناه الجيد وكان فيه فضل عنه وكذلك إذا ألزمناه أدنى ما يقع عليه اسم الجودة فأعطاه أعلى منها فالاعلى يغنى أكثر من غناء الاسفل فقد أعطى خيرا مما لزمه ولم يخرج له مما يلزمه اسم الجيد فيكون أخرجه من شرطه إلى غير شرطه فإذا فارق الاسم أو الجنس لم يجبر عليه وكان مخيرا في تركه وقبضه (قال الشافعي) وهكذا القول في كل صنف من الزبيب والطعام المعروف كيله قال وبيان هذا القول أنه لو أسلفه في عجوة فأعطاه برديا وهو خير منها أضعافا لم اجبره على أخذه لانه غير الجنس الذى أسلفه فيه قد يريد العجوة لامر لا يصلح له البردى وهكذا الطعام كله إذا اختلفت أجناسه لان هذا اعطاه غير شرطه ولو كان خيرا منه (قال الشافعي) وهكذا العسل ولا يستغنى في العسل عن أن يصفه ببياض أو صفرة أو خضرة لانه يتباين في ألوانه في القيمة وهكذا كل ماله لون يتباين به ما خالف لونه من حيوان وغيره قال ولو سلف رجل رجلا عرضا في فضة بيضاء جيدة فجاء بفضة بيضاء أكثر مما يقع عليه أدنى اسم الجودة أو سلفه عرضا في ذهب أحمر جيد فجاء بذهب أحمر أكثر من أدنى ما يقع عليه أدنى اسم الجودة لزمه وكذا لو سلفه في صفر أحمر جيد فجاءه بأحمر بأكثر مما يقع عليه أقل اسم الجودة لزمه ولكن لو سلفه في صفر أحمر فأعطاه أبيض والابيض يصلح لما لا يصلح له الاحمر لم يلزمه إذا اختلف اللونان فيما يصلح له أحد اللونين ولا يصلح
له الآخر لم يلزمه المشترى إلا ما يلزمه اسم الصفة وكذلك إذا اختلفا فيما تتباين فيه الاثمان بالالوان لم يلزم المشترى إلا ما يلزمه بصفة ما سلف فيه فأما ما لا تتباين فيه بالالوان (1) مما لا يصلح له المشترى فلا يكون أحدهما أغنى فيه من الآخر ولا أكثر ثمنا وإنما يفترقان لاسمه فلا أنظر فيه إلى الالوان.
باب ما يلزم في السلف مما يخالف الصفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو سلفه في ثوب مروى ثخين فجاء برقيق أكثر ثمنا من ثخين لم ألزمه إياه لان الثخين يدفئ أكثر مما يدفئ الرقيق وربما كان أكثر بقاء من الرقيق ولانه مخالف لصفته خارج منها قال وكذلك لو سلفه في عبد بصفة وقال وضئ فجاءه بأكثر من صفته إلا أنه غير وضئ لم ألزمه إياه لمباينته من أنه ليس بوضئ وخروجه من الصفة وكذلك لو سلفه في عبد بصفة فقال غليظ شديد الخلق فجاء بوضئ ليس بشديد الخلق أكثر منه ثمنا لم يلزمه لان الشديد يغنى غير غناء الوضئ وللوضئ ثمن أكثر منه ولا ألزمه أبدا خيرا من شرطه حتى يكون منتظما لصفته زائدا عليها فأما إذا زاد ]
__________
(1) قوله: مما لا يصلح له المشترى الخ كذا في النسخ ولعل الصواب " مما يصلح للمشترى الخ " فتأمل.
كتبه مصححه.(3/137)
[ عليها في القيمة وقصر عنها في بعض المنفعة أو كان هذا خارجا منها بالصفة فلا ألزمه إلا ما شرط فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه.
باب ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز السلف في حنطة أرض رجل بعينها بصفة لان الآفة قد تصيبها في الوقت الذي يحل فيه السلف فلا يلزم البائع أن يعطيه صفته من غيرها لان البيع وقع عليها ويكون قد انتفع بماله في أمر لا يلزمه والبيع ضربان لا ثالث لهما بيع عين إلى غير أجل وبيع صفة إلى أجل أو غير أجل فتكون مضمونة على البائع فإذا باعه صفة من عرض بحال فله أن يأخذ منها من حيث شاء قال: وإذا كان خارجا من البيوع التى أجزت كان بيع ما لا يعرف أولى أن يبطل (قال الشافعي) وهكذا ثمر حائط رجل بعينه ونتاج رجل بعينه وقرية بعينها غير مأمونة ونسل ماشية بعينها فإذا شرط
المسلف من ذلك ما يكون مأمونا أن ينقطع أصله لا يختلف في الوقت الذى يحل فيه جاز وإذا شرط الشئ الذى الاغلب منه أن لا يؤمن انقطاع أصله لم يجز قال وهكذا لو أسلفه في لبن ماشية رجل بعينه وبكيل معلوم وصفة لم يجز وإن أخذ في كيله وحلبه من ساعته لان الآفة قد تأتى عليه قبل يفرغ من جميع ما أسلف فيه ولا نجيز في شئ من هذا إلا كما وصفت لك في أن يكون بيع عين لا يضمن صاحبها شيئا غيرها إن هلكت انتقض البيع أو بيع صفة مأمونة أن تنقطع من أيدى الناس في حين محله فأما ما كان قد ينقطع من أيدى الناس فالسلف فيه فاسد (قال الشافعي) وإن أسلف سلفا فاسدا وقبضه رده وإن استهلكه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ورجع برأس ماله فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه.
باب اختلاف المسلف والمسلف في السلم (قال الشافعي) رحمه الله: ولو اختلف المسلف والمسلف في السلم فقال المشترى أسلفتك مائة دينار في مائتي صاع حنطة وقال البائع أسلفتني مائة دينار في مائة صاع حنطة أحلف البائع بالله ما باعه بالمائة التى قبض منه إلا مائة صاع فإذا حلف قيل للمشترى إن شئت فلك عليه المئة الصاع التى أقر بها وإن شئت فاحلف ما ابتعت منه مائة صاع وقد كان بيعك مائتي صاع لانه مدع عليك أنه ملك عليك المائة الدينار بالمائة الصاع وأنت منكر؟ فإن حلف تفاسخا البيع (قال الشافعي) وكذلك لو اختلفا فيما اشترى منه فقال أسلفتك مائتي دينار في مائة صاع تمرا وقال بل أسلفتني في مائة صاع ذرة أو قال أسلفتك في مائة صاع بردى وقال بل أسلفتني في مائة صاع عجوة أو قال أسلفتك في سلعة موصوفة وقال الآخر بل أسلفتني في سلعة غير موصوفة كان القول فيه كما وصفت لك يحلف البائع ثم يخير المبتاع بين أن يأخذ بما أقر له البائع بلا يمين أو يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان (قال الربيع) (1) إن أخذه المبتاع وقد ناكره البائع فإن أقر المبتاع ثم قال البائع حل له أن يأخذها وإلا فلا ]
__________
(1) قوله: قال الربيع إن أخذه المبتاع الخ عبارة الربيع هذه ثابتة هكذا في النسخ التى بأيدينا على ما فيها فحرر.
كتبه مصححه.(3/138)
[ يحل له إذا أنكره والسلف ينفسخ بعد أن يتصالحا (قال الشافعي) وكذلك لو تصادقا في السلعة واختلفا في الاجل فقال المسلف هو إلى سنة وقال البائع هو إلى سنتين حلف البائع وخير المشترى فإن رضى وإلا حلف وتفاسخا فإن كان الثمن في هذا كله دنانير أو دراهم رد مثلها أو طعاما رد مثله فإن لم يوجد رد قيمته وكذلك لو كان سلفه سلعة غير مكيلة ولا موزونة ففاتت رد قيمتها قال وهكذا القول في بيوع الاعيان إذا اختلفا في الثمن أو في الاجل أو اختلفا في السلعة المبيعة فقال البائع بعتك عبدا بألف واستهلكت العبد وقال المشترى اشتريته منك بخمسمائة وقد هلك العبد تحالفا ورد قيمة العبد وإن كانت أقل من الخمسمائة أو أكثر من ألف (قال الشافعي) وهكذا كل ما اختلفا فيه من كيل وجودة وأجل قال ولو تصادقا على البيع والاجل فقال البائع لم يمض من الاجل شئ أو قال مضى منه شئ يسير وقال المشترى بل قد مضى كله أو لم يبق منه إلا شئ يسير كان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشترى البينة (قال الشافعي) رحمه الله ولا ينفسخ بيعهما في هذا من قبل تصادقهما على الثمن والمشترى والاجل فأما ما يختلفان فيه في أصل العقد فيقول المشترى اشتريت إلى شهر ويقول البائع بعتك إلى شهرين فإنهما يتحالفان ويترادان من قبل اختلافهما فيما يفسخ العقدة والاولان لم يختلفا (قال الشافعي) وكرجل استأجر رجلا سنة بعشرة دنانير فقال الاجير قد مضت وقال المستأجر لم تمض فالقول قول المستأجر وعلى الاجير البينة لانه مقر بشئ يدعى المخرج منه.
باب السلف في السلعة بعينها حاضرة أو غائبة (قال الشافعي) رحمه الله: ولو سلف رجل رجلا مائة دينار في سلعة بعينها على أن يقبض السلعة بعد يوم أو أكثر كان السلف فاسدا ولا تجوز بيوع الاعيان على أنها مضمونة على بائعها بكل حال لانه لا يمتنع من فوتها ولا بان لا يكون لصاحبها السبيل على أخذها متى شاء هو لا يحول بائعها دونها إذا دفع إليه ثمنها وكان إلى أجل لانها قد تتلف في ذلك الوقت وإن قل فيكون المشتري قد اشترى غير مضمون على البائع بصفة موجودة بكل حال يكلفها بائعها ولا ملكه البائع شيئا بعينه يتسلط على قبضه حين وجب له وقدر على قبضه (قال الشافعي) وكذلك لا يتكارى منه راحلة بعينها معجلة الكراء على أن يركبها بعد يوم أو أكثر لانها قد تتلف ويصيبها ما لا يكون فيها ركوب معه ولكن يسلفه على أن يضمن له
حمولة معروفة وبيوع الاعيان لا تصلح إلى أجل إنما المؤجل ما ضمن من البيوع بصفة وكذلك لا يجوز أن يقول أبيعك جاريتي هذه بعبدك هذا على أن تدفع إلى عبدك بعد شهر لانه قد يهرب ويتلف وينقص إلى شهر (قال الشافعي) وفساد هذا خروجه من بيع المسلمين وما وصفت وأن الثمن فيه غير معلوم لان المعلوم ما قبضه المشترى أو ترك قبضه وليس للبائع أن يحول دونه قال: ولا بأس أن أبيعك عبدى هذا أو دفعه إليك بعبد موصوف أو عبدين أو بعير أو بعيرين أو خشبة أو خشبتين إذا كان ذلك موصوفا مضمونا لان حقى في صفة مضمونة على المشترى لا في عين تتلف أو تنقص أو تفوف فلا تكون مضمونة عليه.
باب امتناع ذى الحق من أخذ حقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حل حق المسلم وحقه حال بوجه من الوجوه فدعا الذى ](3/139)
[ عليه الحق الذى له الحق إلى أخذ حقه فامتنع الذى له الحق فعلى الوالى جبره على أخذ حقه ليبرأ ذو الدين من دينه ويؤدى إليه ماله عليه غير منتقص له بالاداء شيئا ولا مدخل عليه ضررا إلا أن يشاء رب الحق أن يبرئه من حقه بغير شئ يأخذه منه فيبرأ بإبرائه إياه (قال الشافعي) فإن دعاه إلى أخذه قبل محله وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذى روح يحتاج إلى العلف أو النفقة جبرته على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه لانه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله ولست أنظر في هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون في وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذى له الحق: إن شئت حبسته وقد يكون في وقت أجله أكثر منه حين يدفعه وأقل (قال الشافعي) فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قلت أخبرنا أن أنس بن مالك كاتب غلاما له على نجوم إلى أجل فأراد المكاتب تعجيلها ليعتق فامتنع أنس من قبولها وقال لا آخذها إلا عند محلها فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال عمر " إن أنسا يريد الميراث " فكان في الحديث فأمره عمر بأخذها منه وأعتقه (قال الشافعي) وهو يشبه القياس (قال) وإن كان ما سلف فيه مأكولا أو مشروبا لا يجبر على أخذه لانه قد يريد أكله وشربه جديدا في وقته الذى سلف إليه فإن عجله ترك أكله وشربه (1) وأكله
وشربه متغيرا بالقدم في غير الوقت الذى أراد أكله أو شربه فيه (قال الشافعي) وإن كان حيوانا لا غناء به عن العلف أو الرعى لم يجبر على أخذه قبل محله لانه يلزمه فيه مؤنة العلف أو الرعى إلى أن ينتهى إلى وقته فدخل عليه بعض مؤنة وأما ما سوى هذا من الذهب والفضة والتبر كله والثياب والخشب والحجارة وغير ذلك فإذا دفعه برئ منه وجبر المدفوع إليه على أخذه من الذى هو له عليه (قال الشافعي) فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا أعلمه يجوز فيه غير ما وصفت أو أن يقال لا يجبر أحد على أخذ شئ هو له حتى يحل له فلا يجبر على دينار ولا درهم حتى يحل له وذلك أنه قد يكون لا حرز له ويكون متلفا لما صار في يديه فيختار أن يكون مضمونا على ملئ من أن يصير إليه فيتلف من يديه بوجوه منها ما ذكرت ومنها أن يتفاضاه ذو دين أو يسأله ذو رحم لو لم يعلم ما صار إليه لم يتقاضاه ولم يسأله فإنما منعنا من هذا أنا لم نر أحدا خالف في أن الرجل يكون له الدين على الرجل فيموت الذى عليه الدين فيدفعون ماله إلى غرمائه وإن لم يريدوه لئلا يحبسوا ميراث الورثة ووصية الموصى لهم ويجبرونهم على أخذه لانه خير لهم والسلف يخالف دين الميت في بعض هذا.
باب السلف في الرطب فينفد (قال الشافعي) رحمه الله: إذا سلف رجل رجلا في رطب أو عنب إلى أجل يطيبان له فهو جائز فإن نفد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شئ بالبلد الذى سلفه فيه فقد قيل المسلف بالخيار فإن شاء رجع بما بقى من سلفه كأن سلف مائة درهم في مائة مد فأخذ خمسين فيرجع بخمسين وإن شاء أخذ ذلك إلى رطب قابل ثم أخذ بيعه بمثل صفة رطبه وكيله وكذلك العنب وكل فاكهة رطبة تنفد في وقت من الاوقات وهذا وجه قال وقد قيل إن سلفه مائة درهم في عشرة آصع من رطب فأخذ ]
__________
(1) قوله: فإن عجله ترك أكله وشربه كذا بالاصول التى بأيدينا.
والمعنى على ترك أكله وشربه جديدا كما هو معلوم مما بعده.
كتبه مصححه.(3/140)
[ خمسة آصع ثم نفذ الرطب كانت له الخمسة آصع بخمسين درهما لانها حصتها من الثمن فانفسخ البيع فيما بقى من الرطب فرد إليه خمسين درهما (قال الشافعي) وهذا مذهب والله تعالى تعالى أعلم ولو سلفه في
رطب لم يكن عليه أن يأخذ فيه بسرا ولا مختلفا وكان له أن يأخذ رطبا كله ولم يكن عليه أن يأخذه إلا صحاحا غير منشدخ ولا معيب بعفن ولا عطش ولا غيره وكذلك العنب لا يأخذه إلا نضيجا غير معيب وكذلك كل شئ من الفاكهة الرطبة يسلف فيها فلا يأخذ إلا صفته غير معيبة قال وهكذا كل شئ أسلفه فيه لم يأخذه معيبا إن أسلف في لبن مخيض لم يأخذه رائبا ولا مخيضا وفى المخيض ماء لا يعرف قدره والماء غير اللبن (قال الشافعي) ولو أسلفه في شئ فأعطاه إياه معيبا والعيب مما قد يخفى فأكل نصفه أو أتلفه وبقى نصفه كأن كان رطبا فأكل نصفه أو أتلفه وبقى نصفه يأخد النصف بنصف الثمن ويرجع عليه بنقصان ما بين الرطب معيبا وغير معيب وإن اختلفا في العيب والمشترى قائم في يد المشترى ولم يستهلكه فقال: دفعته إليك بريئا من العيب وقال المشترى: بل دفعته معيبا فالقول قول البائع إلا أن يكون ما قال عيب لا يحدث مثله وإن كان أتلفه فقال البائع ما أتلفت منه غير معيب وما بقى معيب فالقول قوله إلا أن يكون شيئا واحدا لا يفسد منه شئ إلا بفساده كله كبطيخة واحدة أو دباءة واحدة وكل ما قلت القول فيه قوله فعليه فيه اليمين (1).
كتاب الرهن الكبير إباحة الرهن (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل " وقال عزوجل " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهن مقبوضة " (قال الشافعي) فكان بينا في الآية الامر بالكتاب في الحضر والسفر وذكر الله تبارك اسمه الرهن إذا كانوا مسافرين ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا والله أعلم فيها: أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا ولا أن يأخذوا رهنا لقول الله عزوجل " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته " فكان معقولا أن الوثيقة في الحق في السفر والاعواز غير محرمة والله أعلم في الحضر وغير الاعواز ولا بأس بالرهن في الحق الحال والدين في الحضر والسفر وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر عند أبى الشحم اليهودي وقيل في سلف والسلف حال (قال ]
__________
(1) وترجم في اختلاف العراقيين " باب السلم " فإذا كان لرجل على رجل طعام أسلم إليه فيه فأخذ بعض طعامه
وبعض رأس ماله فإن أبا حنيفة كان يقول هو جائز.
بلغنا عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول: إذا أخذ بعض رأس ماله فقد فسد السلم ويأخذ رأس ماله كله (قال الشافعي) رحمه الله وإذا أسلف الرجل الرجل مائة دينار في مكيلة طعام موصوف إلى أجل معلوم فحل الاجل فتراضيا بأن يتفاسخا البيع كله كان جائزا وإذا كان هذا جائزا جاز أن يتفاسخا نصف البيع ويثبتا نصفه وقد سئل عن هذا ابن عباس فلم ير به بأسا وقال هذا المعروف الحسن الجميل وقول ابن عباس القياس وقد خالفه فيه غيره قال وإذا أسلم الرجل في اللحم فإن أبا حنيفة كان يقول لا خير فيه لانه غير معروف وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا بأس به ثم رجع أبو يوسف إلى قول ابن أبى ليلى وقال إذا بين مواضع اللحم فقال أفخاذ وجنوب ونحو هذا فهو جائز (قال الشافعي) وإذا أسلم الرجل الرجل في لحم بوزن وصفة وموضع ومن سن معلوم وسمى من ذلك الشئ فالسلف جائز.(3/141)
[ الشافعي) أخبرنا الدراوردى عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند أبى الشحم اليهودي (قال الشافعي) وروى الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة (قال الشافعي) فأذن الله جل ثناؤه بالرهن في الدين والدين حق لازم فكل حق مما يملك أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه ولا يجوز الرهن فيما لا يلزم فلو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره وصالحه ورهنه به رهنا كان الرهن مفسوخا لانه لا يلزم الصلح على الانكار ولو قال أرهنك دارى على شئ إذا داينتني به أو بايعتني ثم داينه أو بايعه لم يكن رهنا لان الرهن كان ولم يكن للمرتهن حق وإذن الله عزوجل به فيما كان للمرتهن من الحق دلالة على أن لا يجوز إلا بعد لزوم الحق أو معه فأما قبله فإذا لم يكن حق فلا رهن.
باب ما يتم به الرهن من القبض قال الله عز وجل " فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) فلما كان معقولا أن الرهن غير مملوك الرقبة للمرتهن ملك البيع ولا مملوك المنفعة له ملك الاجارة لم يجز أن يكون رهنا إلا بما أجازه الله عزوجل به من أن يكون مقبوضا وإذا لم يجز فللراهن ما لم يقبضه المرتهن منه منعه منه وكذلك لو أذن له في قبضه فلم يفبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن كان ذلك له لما وصفت من أنه لا يكون رهنا إلا بأن
يكون مقبوضا وكذلك كل ما لم يتم إلا بأمرين فليس يتم بأحدهما دون الآخر مثل الهبات التى لا تجوز إلا مقبوضة وما في معناها ولو مات الراهن قبل أن يقبض المرتهن الرهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن وكان هو والغرماء فيه أسوة سواء ولو لم يمت الراهن ولكنه أفلس قبل أن يقبض المرتهن الرهن كان المرتهن والغرماء فيه أسوة لانه لا يتم له ولو خرس الراهن أو ذهب عقله قبل أن يقبض المرتهن الرهن ولا سلطه على قبضه لم يكن للمرتهن قبض الرهن ولو أقبضه الراهن إياه في حال ذهاب عقله لم يكن له قبضه ولا يكون له قبض حتى يكون جائز الامر في ماله يوم رهنه ويوم يقبضه الراهن إياه ولو رهنه إياه وهو محجور ثم أقبضه اياه وقد فك الحجر عنه فالرهن الاول لم يكن رهنا إلا بأن يجدد له رهنا ويقبضه إياه بعد أن يفك الحجر عنه وكذلك لو رهنه وهو غير محجور فلم يقبضه حتى حجر عليه لم يكن له قبضه منه ولو رهنه عبدا فلم يقبضه حتى هرب العبد وسلطه على قبضه فإن لم يقدر عليه حتى يموت الراهن أو يفلس فليس برهن وإن لم يقدر على قبضه حتى رجع الراهن في الرهن لم يكن للمرتهن له قبضه ولو رهنه عبدا فارتد العبد عن الاسلام فاقبضه إياه مرتدا أو أقبضه إياه غير مرتد فارتد فالعبد رهن بحاله إن تاب فهو رهن وإن قتل على الردة قتل بحق لزمه وخرج من ملك الراهن والمرتهن ولو رهنه عبدا ولم يقبضه حتى رهنه من غيره وأقبضه إياه كان الرهن للثاني الذى أقبضه صحيحا والرهن الذى لم يقبض كما لم يكن وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى أعتقه كان حرا خارجا من الرهن وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى كاتبه كان خارجا من الرهن وكذلك لو وهبه أو أصدقه امرأة أو أقربه لرجل أو دبره كان خارجا من الرهن في هذا كله (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لو رهنه فلم يقبضه المرتهن حتى دبره أنه لا يكون خارجا من الرهن بالتدبير لانه لو رهنه بعد ما دبره كان الرهن جائزا لان له أن يبيعه بعد ما دبره فلما كان له بيعه كان له أن يرهنه (قال الشافعي) ولو رهن رجلا رجلا عبدا ومات ](3/142)
[ المرتهن قبل أن يقبضه كان لرب الرهن منعه من ورثته فإن شاء سلمه لهم رهنا ولو لم يمت المرتهن ولكنه غلب على عقله فولى الحاكم ماله رجلا فإن شاء الراهن منعه الرجل المولى لانه كان له منعه المرتهن وإن شاء سلمه له بالرهن الاول كما كان له أن يسلمه للمرتهن ويمنعه إياه ولو رهن رجل رجلا جارية فلم
يقبضه إياها حتى وطئها ثم أقبضه إياها بعد الوطئ فظهر بها حمل اقر به الراهن كانت خارجة من الرهن لانها لم تقبض حتى حبلت فلم يكن له أن يرهنها حبلى منه وهكذا لو وطئها قبل الرهن ثم ظهر بها حمل فأقر به خرجت من الرهن وإن كانت قبضت لانه رهنها حاملا ولو رهنه إياها غير ذات زوج فلم يقبضها حتى زوجها السيد ثم أقبضه إياها فالتزويج جائز وهى رهن بحالها ولا يمنع زوجها من وطئها بحال وإذا رهن الرجل الرجل الجارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن لان ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق بيعها وكذلك المرتهن فأيهما زوج فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا عليه ولو رهن رجلا رجلا عبدا وسلطه على قبضه فآجره المرتهن قبل أن يقبضه من الراهن أو غيره لم يكن مقبوضا (قال الشافعي) اخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت عبدا فآجرته قبل أن أقبضه قال ليس بمقبوض (قال الشافعي) ليس الاجارة بقبض وليس برهن حتى يقبض وإذا قبض المرتهن الرهن لنفسه أو قبضه له أحد بأمره فهو قبض كقبض وكيله له (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال: إذا إرتهنت عبدا فوضعته على يد غيرك فهو قبض (قال الشافعي) وإذا ارتهن ولى المحجور له أو الحاكم للمحجور فقبض الحاكم وقبض ولى المحجور للمحجور كقبض غير المحجور لنفسه وكذلك قبض الحاكم له وكذلك إن وكل الحاكم من قبض للمحجور أو وكل ولى المحجور من يقبض له فقبضه له كقبض الرجل غير المحجور لنفسه وللراهن منع الحاكم وولى المحجور من الرهن ما لم يقبضاه ويجوز ارتهان ولى المحجور عليه له ورهنهما عليه في النظر له وذلك أن يبيع لهما فيفضل ويرتهن فأما أن يسلف مالهما ويرتهن فلا يجوز عليهما وهو ضامن لانه لا فضل لهما في السلف ولا يجوز رهن المحجور لنفسه وإن كان نظرا له كما لا يجوز بيعه ولا شراؤه لنفسه وإن كان نظرا له.
قبض الرهن وما يكون بعد قبضه مما يخرجه من الرهن وما لا يخرجه.
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) إذا قبض الرهن مرة واحدة فقد تم وصار المرتهن أولى به من غرماء الراهن ولم يكن للراهن إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما في الرهن من الحق كما يكون المبيع مضمونا من البائع فإذا قبضه المشترى مرة صار في ضمانه فإن رده
إلى البائع بإجارة أو وديعة فهو من مال المبتاع ولا ينفسخ ضمانه بالبيع وكما تكون الهبات وما في معناها غير تامة فإذا قبضها الموهوب له مرة ثم أعارها إلى الواهب أو أكراها منه أو من غيره لم يخرجها من الهبة وسواء إذا قبض المرتهن الرهن مرة ورده على الراهن بإجارة أو عارية أو غير ذلك ما لم يفسخ الراهن الرهن أو كان في يده لما وصفت (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت رهنا فقبضته ثم آجرته منه قال نعم هو عندك إلا أنك آجرته منه قال ابن جريج فقلت لعطاء فأفلس فوجدته عنده؟ قال أنت أحق به من غرمائه (قال الشافعي) يعنى لما وصفت من أنك إذا قبضته مرة ثم آجرته من راهنه فهو كعبد لك آجرته منه لان رده إليه بعد القبض لا يخرجه من الرهن ](3/143)
[ قال: ولا يكون الرهن مقبوضا إلا أن يقبضه المرتهن أو أحد غير الراهن بأمر المرتهن فيكون وكيله في قبضه فإن ارتهن رجل من رجل رهنا ووكل المرتهن الراهن أن يقبضه له من نفسه فقبضه له من نفسه لم يكن قبضا ولا يكون وكيلا على نفسه لغيره في قبض كما لو كان له عليه حق فوكله بأن يقبضه له من نفسه ففعل فهلك لم يكن بريئا من الحق كما يبرأ منه لو قبضه وكيل غيره ولا يكون وكيلا على نفسه في حال إلا الحال التي يكون فيها وليا لمن قبض له وذلك أن يكون له ابن صغير فيشترى له من نفسه ويقبض له أو يهب له شيئا ويقبضه فيكون قبضه من نفسه قبضا لابنه لانه يقوم مقام ابنه وكذلك إذا رهن ابنه رهنا فقبضه له من نفسه فإن كان ابنه بالغا غير محجور لم يجز من هذا شئ إلا أن يقبضه ابنه لنفسه أو وكيل لابنه غير أبيه وإذا كان للرجل عبد في يد رجل وديعة أو دار أو متاع فرهنه إياه وأذن له بقبضه فجاءت عليه مدة يمكنه فيها أن يقبضه وهو في يده فهو قبض فإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن فصدقه المرتهن أو ادعى قبضه فالرهن مقبوض وإن لم يره الشهود وسواء كان الرهن غائبا أو حاضرا وذلك أن الرهن قد يقبضه المرتهن بالبلد الذى هو به فيكون ذلك قبضا إلا في خصلة أن يتصادقا على أمر لم يمكن أن يكون مثله مقبوضا في ذلك الوقت وذلك أن يقول اشهدوا أنى قد رهنته اليوم دارى التى بمصر وهما بمكة وقبضها فيعلم أن الرهن إن كان اليوم لم يمكن أن يقبض له بمكة من يومه هذا وما في هذا المعنى ولو كانت الدار في يده بكراء أو وديعة كانت كهى لو لم تكن في يده لا
يكون قبضا حتى تأتى عليها مدة يمكن أن تكون في يده بالرهن دون الكراء أو الوديعة أو الرهن معهما أو مع أحدهما وكينونتها في يده بغير الرهن غير كينونتها في يده بالرهن فأما إذا لم يؤقت وقتا وأقر بأنه رهنه داره بمكة وقبضها ثم قال الراهن إنما رهنته اليوم وقال المرتهن بل رهنتيها في وقت يمكن في مثله أن يكون قبضها قابض بأمره وعلم القبض فالقول قول المرتهن أبدا حتى يصدق الراهن بما وصفت من أنه لم يكن مقبوضا ولو أراد الراهن أن احلف له المرتهن على دعواه بأنه أقر له بالقبض ولم يقبض منه فعلت لانه لا يكون رهنا حتى يقبضه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما يكون قبضا في الرهن ولا يكون، وما يجوز أن يكون رهنا (قال الشافعي) رحمه الله: كل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات لا يختلف ذلك فيجوز رهن الدابة والعبد والدنانير والدراهم والارضين وغير ذلك ويجوز رهن الشقص من الدار والشقص من العبد ومن السيف ومن اللؤلؤة ومن الثوب كما يجوز أن يباع هذا كله والقبض فيه أن يسلم إلى مرتهنه لا حائل دونه كما يكون القبض في البيع وقبض العبد والثوب ما يجوز أن يأخذه مرتهنه من يد راهنه وقبض ما لا يحول من أرض ودار وغراس أن يسلم لا حائل دونه وقبض الشقص مما لا يحول كقبض الكل أن يسلم لا حائل دونه وقبض الشقص مما يحول مثل السيف واللؤولؤة وما أشبههما أن يسلم للمرتهن فيها حقه حتى يضعها المرتهن والراهن على يد عدل أو في يد الشريك فيها الذى ليس براهن أو يد المرتهن فإذا كان بعض هذا فهو قبض وإن صيرها المرتهن إلى الراهن أو إلى غيره بعد القبض فليس بإخراج لها من الرهن كما وصفت لا يخرجها إلا فسخ الرهن أو البراءة من الحق الذى به الرهن وإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك المرتهن حكم له بأن الرهن تام بإقرار الراهن ودعوى المرتهن ولو كان الرهن في الشقص غائبا فأقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك ](3/144)
[ المرتهن أجزت الاقرار لانه قد يقبض له وهو غائب عنه فيكون قد قبضه بقبض من أمره بقبضه له ولو كان لرجل عبد في يدى رجل بإجارة أو وديعة فرهنه إياه وأمره بقبضه كان هذا رهنا إذا جاءت عليه ساعة بعد ارتهانه إياه وهو في يده لانه مقبوض في يده بعد الرهن ولو كان العبد الرهن غائبا عن المرتهن
لم يكن قبضا حتى يحضره فإذا أحضره بعدما أذن له بقبضه فهو مقبوض كما يبيعه إياه وهو في يديه ويأمره بقبضه فيقبضه بأنه في يديه فيكون البيع تاما ولو مات مات من مال المشترى ولو كان غائبا لم يكن مقبوضا حتى يحضر المشترى بعد البيع فيكون مقبوضا بعد حضوره وهو في يديه ولو كانت له عنده ثياب أو شئ مما لا يزول بنفسه وديعة أو عارية أو بإجارة فرهنه إياها وأذن له في قبضها قبل القبض وهى غير غائبة عن منزله كان هذا قبضا وإن كانت غائبة عن منزله لم يكن قبضا حتى يحدث لها قبضا (1) وإن كان رهنه إياها في سوق أو مسجد وهى في منزله وأذن له في قبضها لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله وهى فيه فيكون لها حينئذ قابضا لانها قد تخرج من منزله بخلافه إلى سيدها وغيره ولا يكون القبض إلا ما حضره المرتهن لا حائل دونه أو حضره وكيله كذلك ولو كان الرهن أرضا أو دارا غائبة عن المرتهن وهى وديعة في يديه وقد وكل بها فأذن له في قبضها لم يكن مقبوضا حتى يحضرها المرتهن أو وكيله بعد الرهن مسلمة لا حائل دونها لانها إذا كانت غائبة عنه فقد يحدث لها مانع منه فلا تكون مقبوضة أبدا إلا بأن يحضرها المرتهن أو وكيله لا حائل دونها ولو جاءت عليه في هذه المسائل مدة يمكنه أن يبعث رسولا إلى الرهن حيث كان يقبضه فادعى المرتهن أنه قبضه كان مقبوضا لانه يقبض له وهو غائب عنه وإذا رهن الرجل رهنا وتراضي الراهن والمرتهن بعدل يضعانه على يديه فقال العدل قد قبضته لك ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن لم يقبضه لك العدل وقال المرتهن قد قبضه لى فالقول قول الراهن وعلى المرتهن البينة أن العدل قد قبضه له لانه وكيل له فيه ولا أقبل فيه شهادته لانه يشهد على فعل نفسه ولا يضمن المأمور بقبض الرهن بغروره المرتهن شيئا من حقه وكذا لو أفلس غريمه أو هلك الرهن الذى ارتهنه فقال قبضته ولم يقبضه لانه لم يضمن له شيئا وقد أساء في كذبه ولو كان كل ما ذكرت من الرهن في يدي المرتهن بغصب الراهن فرهنه إياه قبل أن يقبضه منه وأذن له في قبضه فقبضه كان رهنا وكان مضمونا على الغاصب بالغصب حتى يدفعه إلى المغصوب فيبرأ أو يبرئه المغصوب من ضمان الغصب ولا يكون أمره له بالقبض لنفسه براءة من ضمان الغصب وكذلك لو كان في يديه بشراء فاسد لانه لا يكون وكيلا لرب المال في شئ على نفسه ألا ترى أنه لو أمره أن يقبض لنفسه من نفسه حقا فقبضه وهلك لم يبرأ منه ولكنه لو رهنه إياه وتواضعاه على يدي عدل كان الغاصب
والمشترى شراء فاسدا بريئين من الضمان بإقرار وكيل رب العبد أنه قد قبضه بأمر رب العبد وكان كإقرار رب العبد أنه قد قبضه وكان رهنا مقبوضا؟ ولو قال الموضوع على يديه الرهن بعد قوله قد قبضته: لم أقبضه لم يصدق على الغاصب ولا المشترى شراء فاسدا وكان بريئا من الضمان كما يبرأ لو قال رب العبد قد قبضته منه وكان مقبوضا بإقرار الموضوع على يديه الرهن أنه قبضه ولو رهن رجل رجلا عبدين أو عبدا وطعاما أو عبدا ودارا أو دارين فقبض أحدهما ولم يقبض الآخر كان الذى قبض رهنا بجميع الحق وكان الذى لم يقبض خارجا من الرهن حتى يقبضه إياه الراهن ولا يفسد الذى قبض بأن لم يقبض ]
__________
(1) قوله: وإن كان رهنه إياها الخ محترز قوله " مما لا يزول بنفسه الخ " كأنه قال " وإن كان رهنه إياها وهى مما يزول بنفسه في سوق الخ " وتأمل.
كتبه مصححه.(3/145)
[ الذى معه في عقدة الرهن وليس كالبيوع في هذا وكذلك لو قبض أحدهما ومات الآخر أو قبض أحدهما ومنعه الآخر كان الذى قبض رهنا والذى لم يقبض خارجا من الرهن وكذلك لو وهب له دارين أو عبدين أو دارا وعبدا فأقبضه أحدهما ومنعه الآخر كان له الذى قبض ولم يكن له الذى منعه وكذلك لو لم يمنعه ولكنه غاب عنه أحدهما لم تكن الهبة في الغائب تامة حتى يسلطه على قبضه فيقبضه بأمره وإذا رهنه رهنا فأصاب الرهن عيب إما كان عبدا فاعور أو قطع أو أي عيب أصابه فأقبضه إياه فهو رهن بحاله فإن قبضه ثم أصابه ذلك العيب عند المرتهن فهو رهن بحاله وهكذا لو كانت دارا فانهدمت أو حائطا فتقعر نخله وشجره وانهدمت عينه كان رهنا بحاله وكان للمرتهن منع الراهن من بيع خشب نخله وبيع بناء الدار لان ذلك كله داخل في الرهن إلا أن يكون ارتهن الارض دون البناء والشجر فلا يكون له منع ما لم يدخل في رهنه ولو رهنه أرض الدار ولم يسم له البناء في الرهن أو حائطا ولم يسم له الغراس في الرهن كانت الارض له رهنا دون البناء والغراس ولا يدخل في الرهن إلا ما سمى داخلا فيه ولو قال رهنتك بناء الدار كانت الدار له رهنا دون أرضها ولا يكون له الارض والبناء حتى يقول رهنتك أرض الدار وبناءها وجميع عمارتها ولو قال: رهنتك نخلى كانت النخل رهنا ولم يكن ما سواها من الارض ولا البناء عليها رهنا حتى يكتب: رهنتك حائطي بحدوده أرضه وغراسه
وبناءه وكل حق له فيكون جميع ذلك رهنا ولو قال رهنتك بعض دارى أو رهنتك شقصا أو جزءا من دارى لم يكن هذا رهنا ولو أقبضه جميع الدار حتى يسمى كم ذلك البعض أو الشقص أو الجزء ربعا أو أقل أو أكثر منه كما لا يكون بيعا وكذلك لو أقبضه الدار ولو قال: رهنتكها إلا ما شئت أنا وأنت منها أو إلا جزءا منها لم يكن رهنا.
ما يكون إخراجا للرهن من يدى المرتهن وما لا يكون (قال الشافعي) رحمه الله: وجماع ما يخرج الرهن من يدى المرتهن أن يبرأ الراهن من الحق الذى عليه الرهن بدفع أو إبراء من المرتهن له أو يسقط الحق الذى به الرهن بوجه من الوجوه فيكون الرهن خارجا من يدى المرتهن عائدا إلى ملك راهنه كما كان قبل أن يرهن أو بقول المرتهن قد فسخت الرهن أو أبطلته أو أبطلت حقى فيه ولو رهن رجل رجلا أشياء مثل دقيق وإبل وغنم وعروض ودراهم ودنانير بألف درهم أو ألف درهم ومائة دينار أو ألف درهم ومائتي دينار أو بعيرا وطعاما فدفع الراهن إلى المرتهن جميع ماله في الرهون كلها إلا درهما واحدا أو أقل منه أو ويبة حنطة أو أقل منها كانت الرهون كلها بالباقي وإن قل لا سبيل للراهن على شئ منها ولا لغرمائه ولا لورثته لو مات حتى يستوفى المرتهن كل ماله فيها لان الرهون صفقة واحدة لا يفك بعضها قبل بعض ولو رهن رجل رجلا جارية فقبضها المرتهن ثم أذن للراهن في عتقها فلم يعتقها أو أذن له في وطئها فلم يطأها أو وطئها فلم تحمل فهى رهن بحالها لا يخرجها من الرهن (1) إلا بأن يأذن له فيما وصفت كما لو أمره أن يعتق عبدا لنفسه فأعتقه عتق ]
__________
(1) قوله: إلا بأن يأذن له فيما وصفت أي ويفعل بدليل قوله: كما لو أمره الخ وفى نسخة " لا يخرجها من الرهن أن يأذن له " أي بدون أن يفعل كما هو واضح.
كتبه مصححه.(3/146)
[ وإن لم يعتقه فهو على ملكه بحاله وكذلك لو ردها المرتهن إلى الراهن بعد قبضه إياها بالرهن مرة واحدة فقال استمتع من وطئها وخدمتها كانت مرهونة بحالها لا تخرج من الرهن فإن حملت الجارية من الوطئ فولدت أو أسقطت سقطا قد بان من خلفه شئ فهى أم ولد لسيدها الراهن وخارجة من الرهن وليس على الراهن أن يأتيه برهن غيرها لانه لم يتعد في الوطئ، وهكذا لو أذن له في أن يضربها فضربها
فماتت لم يكن عليه أن يأتيه ببدل منها يكون رهنا مكانها لانه لم يتعد عليه في الضرب وإذا رهن الرجل الرجل أمة فآجره إياها فوطئها الراهن أو اغتصبها الراهن نفسها فوطئها فإن لم تلد فهى رهن بحالها ولا عقر للمرتهن على الراهن لانها أمة الراهن ولو كانت بكرا فنقصها الوطئ كان للمرتهن أخذ الراهن بما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق إن شاء الراهن كما تكون جنايته عليها، وهكذا لو كانت ثيبا فأفضاها أو نقصها نقصا له قيمة وإن لم ينقصها الوطئ فلا شئ للمرتهن على الراهن في الوطئ، وهى رهن كما هي وإن حبلت وولدت ولم يأذن له في الوطئ ولا مال له غيرها ففيها قولان أحدهما أنها لا تباع ما كانت حبلى، فإذا ولدت بيعت ولم يبع ولدها، وإن نقصتها الولادة شئ فعلى الراهن ما نقصتها الولادة، وإن ماتت من الولادة فعلى الراهن أن يأتي بقيمتها صحيحة تكون رهنا مكانها أو قصاصا متى قدر عليها ولا يكون إحباله اياها أكبر من أن يكون رهنا ثم أعتقها ولا مال له غيرها فأبطل العتق وتباع بالحق وإن كانت تسوى ألفا وإنما هي مرهونة بمائة بيع منها بقدر المائة وبقي ما بقى رقيقا لسيدها ليس له أن يطأها وتعتق بموته في قول من أعتق أم الولد بموت سيدها ولا تعتق قبل موته، ولو كان رهنه إياها ثم أعتقها ولم تلد ولا مال له بيع منها بقدر الدين وعتق ما بقى مكانه وإن كانت عليه دين يحيط بما له عتق ما بقى ولم يبع لاهل الدين، والقول الثاني أنه إذا أعتقها فهى حرة أو أولدها فهى أم ولد له لا تباع في واحدة من الحالين لانه مالك وقد ظلم نفسه ولا يسعى في شئ من قيمتها وهكذا القول فيما رهن من الرقيق كلهم ذكورهم وإناثهم، وإذا بيعت أم الولد في الرهن بما وصفت فملكها السيد فهى أم ولد له بذلك الولد ووطؤه إياها وعتقه بغير إذن المرتهن مخالف له بإذن المرتهن ولو اختلفا في الوطئ والعتق فقال الراهن وطئتها أو أعتقتها بإذنك وقال المرتهن ما أذنت لك فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن نكل المرتهن حلف الراهن لقد أذن له ثم كانت خارجة من الرهن وإن لم يحلف الراهن أحلفت الجارية فقد أذن له بعتقها أو وطئها وكانت حرة أو أم ولد وإن لم تحلف هي ولا السيد كانت رهنا بحالها ولو مات المرتهن فادعى الراهن عليه أنه أذن له في عتقها أو وطئها وقد ولدت منه أو أعتقها كانت عليه البينة فإن لم يقم بينة فهى رهن بحالها وإن أراد أن يحلف له ورثة الميت أحلفوا ما علموا أباهم أذن له لم يزادوا على ذلك في اليمين ولو مات الراهن فادعى ورثة هذا أحلف لهم المرتهن
ما أذن للراهن في الوطئ والعتق كما وصفت أولا وهذا كله إذا كان مفلسا فأما إذا كان الراهن موسرا فتؤخذ قيمة الجارية منه في العتق والايلاد ثم يخير بين أن تكون قيمتها رهنا مكانها وإن كان أكثر من الحق أن قصاصا من الحق فإن اختار أن يكون قصاصا من الحق وكان فيه فضل عن الحق رد ما فضل عن الحق عليه وإذا أقر المرتهن أنه أذن للراهن في وطئ أمته ثم قال هذا الحبل ليس منك هو من زوج زوجتها إياه أو من عبد فادعاه الراهن فهو ابنه ولا يمين عليه لان النسب لاحق به وهى أم ولد له بإقراره ولا يصدق المرتهن على نفى الولد عنه وإنما منعنى من إحلافه أنه لو أقر بعد دعوته الولد أنه ليس منه ألحقت الولد به وجعلت الجارية أم ولد فلا معنى ليمينه إذا حكمت بإخراج أم الولد من الرهن ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن أذنت لى في وطئها فولدت لى وقال المرتهن ما أذنت لك، كان ](3/147)
[ القول قول المرتهن فإن كان الراهن معسرا والجارية حبلى لم تبع حتى تلد ثم يباع ولا يباع ولدها ولو قامت بينة أن المرتهن أذن للراهن منذ مدة ذكروها في وطئ أمته وجاءت بولد يمكن أن يكون من السيد في مثل تلك المدة فادعاه فهو ولده، وإن لم يمكن أن يكون من السيد بحال وقال المرتهن هو من غيره بيعت الامة ولا يباع الولد بحال ولا يكون الولد رهنا مع الامة، وإذا رهن رجل رجلا أمة ذات زوج أو زوجها بعد الرهن بإذن المرتهن لم يمنع زوجها من وطئها والبناء بها، فإن ولدت فالولد خارج من الرهن وإن حبلت ففيها قولان أحدهما لا تباع حتى تضع حملها ثم تكون الجارية رهنا والولد خارجا من الرهن، ومن قال هذا قال إنما يمنعنى من بيعها حبلى وولدها مملوك أن الولد لا يملك بما تملك به الام إذا بيعت في الرهن، فإن سأل الراهن أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن فذلك له، والقول الثاني أنها تباع حبلى وحكم الولد حكم الام حتى يفارقها فإذا فارقها فهو خارج من الرهن، وإذا رهن الرجل الرجل جارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن، لان ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق من بيعها وكذلك ليس للمرتهن أن يزوجها لانه لا يملكها وكذلك العبد الرهن، وأيهما زوج العبد أو الامة فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا على التزويج قبل عقدة النكاح، وإذا رهن الرجل الرجل رهنا إلى أجل فاستأذن الراهن المرتهن في بيع الرهن فأذن له فيه فباعه فالبيع جائز وليس
للمرتهن أن يأخذ من ثمنه شيئا ولا أن يأخذ الراهن برهن مكانه وله ما لم يبعه أن يرجع في إذنه له بالبيع فإن رجع فباعه بعد رجوعه في الاذن له فالبيع مفسوخ وإن لم يرجع وقال إنما أذنت له في أن يبيعه على أن يعطينى ثمنه وإن كنت لم أقل له أنفذت البيع ولم يكن له أن يعطيه من ثمنه شيئا ولا أن يجعل له رهنا مكانه ولو اختلفا فقال أذنت له وشرطت أن يعطينى ثمنه، وقال الراهن أذن لى ولم يشترط حتى يجعلها رهنا مكانه، ولو تصادقا على أنه أذن له ببيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له أن يبيعه لانه لم يأذن له في بيعه إلا على أن يعجل له حقه قبل محله ولو قامت بينة على أنه أذن له أن يبيعه ويعطيه ثمنه فباعه على ذلك فسخت البيع من قبل فساد الشرط في دفعه حقه قبل محله بأخذ الرهن فإن فات العبد في يدى المشترى بموت فعلى المشترى قيمته لان البيع كان مردودا وتوضع قيمته رهنا إلى الاجل الذى إليه الحق إلا أن يتطوع الذى عليه الحق بتعجيله قبل محله تطوعا مستأنفا لا على الشرط الاول، ولو أذن له أن يبيعه على أن يكون المال رهنا لم يجز البيع وكان كالمسألة قبلها التى أذن له فيها أن يبيعه على أن يقبضه ثمنه في رد البيع فكان فيه غير ما في المسألة الاولى أنه أذن له أن يبيعه على أن يرهنه ثمنه وثمنه شئ غيره غير معلوم، ولو كان الرهن بحق حال فأذن الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن على أن يعطيه حقه فالبيع جائز وعليه ان يدفع إليه ثمن الرهن ولا يحبس عنه منه شيئا، فإن هلك في يده أخذه بجميع الحق في ماله كان أقل أو أكثر من ثمن الرهن وإنما أجزناه ههنا لانه كان عليه ما شرط عليه من بيعه وإيفائه حقه قبل شرط ذلك عليه، ولو كانت المسألة بحالها فأذن له في بيع الرهن ولم يشترط عليه أن يعطيه ثمنه كان عليه أن يعطيه ثمنه إلا أن يكون الحق أقل من ثمنه فيعطيه الحق ولو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ولم يحل كان له الرجوع في إذنه له ما لم يبعه فإذا باعه وتم البيع ولم يقبض ثمه أو قبضه فأراد المرتهن أخذ ثمنه منه على أصل الرهن لم يكن ذلك له لانه أذن له في البيع وليس له البيع وقبض الثمن لنفسه فباع فكان كمن أعطى عطاء وقبضه أو كمن أذن له في فسخ الرهن ففسخه وكان ثمن العبد مالا من مال الراهن يكون المرتهن فيه وغيره من غرمائه أسوة، ولو أذن له في بيعه فهو على الراهن وله الرجوع في الاذن له إلا أن يكون قال قد فسخت فيه الرهن أو أبطلته، فإذا ](3/148)
[ قاله لم يكن الرجوع في الرهن وكان في الرهن كغريم غيره، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية، ثم وطئها المرتهن أقيم عليه الحد فإن ولدت فولده رقيق ولا يثبت نسبهم وإن كان أكرهها فعليه المهر وإن لم يكرهها فلا مهر عليه وإن ادعى جهالة لم يعذر بها إلا أن يكون ممن أسلم حديثا أو كان ببادية نائية أو ما أشبهه ولو كان رب الجارية أذن له وكان يجهل درئ عنه الحد ولحق الولد وعليه قيمتهم يوم سقطوا وهم أحرار، وفى المهر قولان أحدهما أن عليه مهر مثلها والآخر لا مهر عليه لانه اباحها ومتى ملكها لم تكن له أم ولد وتباع الجارية ويؤدب هو والسيد للاذن (قال الربيع) إن ملكها يوما ما كانت أم ولد له بإقراره أنه أولدها وهو يملكها (قال الشافعي) ولو ادعى أن الراهن المالك وهبها له قبل الوطئ أو باعه إياها أو أعمره إياها أو تصدق بها عليه أو اقتصه كانت أم ولد له وخارجة من الرهن إذا صدقه الراهن أو قامت عليه بينة بذلك كان الراهن حيا أو ميتا وإن لم تقم له بينة بدعواه فالجارية وولدها رقيق إذا عرف ملكها للراهن لم تخرج من ملكه إلا ببينة تقوم عليه وإذا أراد المرتهن أحلف له ورثة الراهن على علمهم فيما ادعى من خروجها من ملك الراهن إليه (قال الربيع) وله في ولده قول آخر أنه حر بالقيمة ويدرأ عنه الحد ويغرم صداق مثلها.
جواز شرط الرهن (قال الشافعي) رحمه الله: أذن الله تبارك وتعالى في الرهن مع الدين وكان الدين يكون من بيع وسلف وغيره من وجوه الحقوق وكان الرهن جائزا مع كل الحقوق شرط في عقدة الحقوق أو ارتهن بعد ثبوت الحقوق وكان معقولا أن الرهن زيادة وثيقة من الحق لصاحب الحق مع الحق مأذون فيها حلال وأنه ليس بالحق نفسه ولا جزء من عدده فلو أن رجلا باع رجلا شيئا بألف على أن يرهنه من ماله يعرفه الراهن والمرتهن كان البيع جائزا ولم يكن الرهن تاما حتى يقبضه الراهن المرتهن أو من يتراضيان به معا ومتى ما أقبضاه إياه قبل أن يرفعا إلى الحاكم فالبيع لازم له وكذلك إن سلمه ليقبضه فتركه البائع كان البيع تاما (قال الشافعي) وإن ارتفعا إلى الحاكم وامتنع الراهن من أن يقبضه المرتهن لم يجبره الحاكم على أن يدفعه إليه لانه لا يكون رهنا إلا بأن يقبضه إياه وكذلك لو وهب رجل لرجل هبة فلم يدفعها إليه لم يجبره الحاكم على دفعها إليه لانها لا تتم له إلا بالقبض وإذا باع الرجل الرجل على أن
يرهنه رهنا فلم يدفع الراهن الرهن إلى البائع المشترط له فللبائع الخيار في إتمام البيع بلا رهن أو رد البيع لانه لم يرض بذمة المشترى دون الرهن وكذلك لو رهنه رهونا فأقبضه بعضها ومنعه بعضها وهكذا لو باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يحمل له بها الرجل الذى اشترط حمالته حتى مات كان له الخيار في إتمام البيع بلا حميل أو فسخه لانه لم يرض بذمته دون الحميل ولو كانت المسألة بحالها فأراد المشترى فسخ البيع فمنعه الرهن أو الحميل لم يكن ذلك له لانه لم يدخل عليه هو نقص يكون له به الخيار لان البيع كان في ذمته وزيادة رهن أو ذمة غيره فيسقط ذلك عنه فلم يزد عليه في ذمته شئ لم يكن عليه ولم يكن في هذا فساد للبيع لانه لم ينتقص من الثمن شئ يفسد به البيع إنما انتقص شئ غير الثمن وثيقة للمرتهن لا ملك ولم يشترط شيئا فاسدا فيفسد به البيع وهكذا هذا في كل حق كان لرجل على رجل فشرط له فيه رهنا أو حميلا فإن كان الحق بعوض أعطاه إياه فهو كالبيع وله الخيار في أخذ ](3/149)
[ العوض كما كان له في البيع وإن كان الرهن في أن اسلفه سلفا بلا بيع أو كان له عليه حق قبل أن يرهنه بلا رهن ثم رهنه شيئا فلم يقبضه إياه فالحق بحاله وله في السلف أخذه متى شاء به، وفى حقه غير السلف أخذه متى شاء إن كان حالا ولو باعه شيئا بألف على أن يرهنه رهنا يرضيه حميلا ثقة أو يعطيه رضاه من رهن وحميل أو ما شاء المشترى والبائع أو ما شاء أحدهما من رهن وحميل بغير تسمية شئ بعينه كان البيع فاسدا لجهالة البائع والمشترى أو أحدهما بما تشارطا ألا ترى انه لو جاءه بحميل أو رهن فقال لا أرضاه لم يكن عليه حجة بأنه رضى رهنا بعينه أو حميلا بعينه فأعطاه ولو كان باعه بيعا بألف على أن يعطيه عبدا له يعرفانه رهنا له فأعطاه إياه رهنا فلم يقبله لم يكن له نقض البيع لانه لم ينقصه شيئا من شرطه الذى عرفا معا وهكذا لو باعه بيعا بألف على أن يرهنه ما أفاد في يومه أو من قدم عليه من غيبته من رقيقه أو ما أشبه هذا كان البيع مفسوخا بمثل معنى المسألة قبلها أو أكثر وإذا اشترى منه شيئا على أن يرهنه شيئا بعينه ثم مات المشترى قبل أن يدفع الرهن إلى المرتهن لم يكن الرهن رهنا ولم يكن على ورثته دفعه إليه وإن تطوعوا ولا وارث معهم ولا صاحب وصية فدفعوه إليه فهو رهن وله بيعه مكانه لان دينه قد حل وإن لم يفعلوا فالبائع بالخيار في نقض البيع أو إتمامه ولو كان البائع المشترط
الرهن هو الميت كان دينه إلى أجل إن كان مؤجلا أو حالا إن كان حالا وقام ورثته مقامه فإن دفع المشترى إليهم الرهن فالبيع تام وإن لم يدفعه إليهم فلهم الخيار في نقض البيع كما كان لابيهم فيه أو إتمامه إذا كان الرهن فائتا (قال الشافعي) إذا كان الرهن فائتا أو السلعة المشتراة فائتة جعلت له الخيار بين أن يتمه فيأخذ ثمنه أو ينقضه فيأخذ قيمته كما أجعله له لو باعه عبدا فمات فقال المشترى اشتريته بخمسمائة وقال البائع بعته بألف وجعلت له إن شاء أن يأخذ ما أقر له به المشترى وإن شاء أن يأخذ قيمته بعد أن يحلف على ما ادعى المشترى ولا أحلفه ههنا لانه لا يدعى عليه المشترى براءة من شئ كما ادعى هناك المشترى براءة مما زاد على خمسمائة (قال الشافعي) ولو باع رجل رجلا بيعا بثمن حال أو إلى أجل أو كان له عليه حق فلم يكن له رهن في واحد منهما ولا شرط الرهن عند عقده واحد منهما ثم تطوع له المشترى بأن يرهنه شيئا بعينه فرهنه إياه فقبضه ثم أراد الراهن إخراج الرهن من الرهن لانه كان متطوعا به لم يكن له ذلك إلا أن يشاء المرتهن كما لا يكون له لو كان الرهن بشرط وكذا لو كان رهنه بشرط فأقبضه إياه ثم زاده رهنا آخر معه أو رهونا فأقبضه إياها ثم أراد إخراجها أو إخراج بعضها لم يكن ذلك له ولو كانت الرهون تسوى أضعاف ما هي مرهونة به ولو زاده رهونا أو رهنه رهونا مرة واحدة فأقبضه بعضها ولم يقبضه بعضها كان ما أقبضه رهنا وما لم يقبضه غير رهن ولم ينتقض ما أقبضه بما لم يقبضه وإذا باع الرجل الرجل البيع على أن يكون المبيع نفسه رهنا للبائع فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم يملكه السلعة إلا بأن تكون محتبسة عن المشترى وليس هذا كالسلعة لنفسه برهنه إياها ألا ترى أنه لو وهب له سلعة لنفسه جاز وهو لو اشترى منه شيئا على أن يهبه له لم يجز وسواء تشارطا وضع الرهن على يدى البائع أو عدل غيره وإذا مات المرتهن فالرهن بحاله فلورثته فيه ما كان له وإذا مات الراهن فالرهن بحاله لا ينتقض بموته ولا موتهما ولا بموت واحد منهما قال ولورثة الراهن إذا مات فيه ما للراهن من أن يؤدوا ما فيه ويخرج من الرهن أو يباع عليهم بأن دين أبيهم قد حل ولهم أن يأخذوا المرتهن ببيعه ويمنعوه من حبسه عن البيع لانه قد يتغير في حبسه ويتلف فلا تبرأ ذمة أبيهم وقد يكون فيه الفضل عما رهن به فيكون ذلك لهم ولو كان المرتهن غائبا أقام الحاكم من يبيع الرهن ويجعل حقه على يدى عدل إن لم يكن له وكيل يقوم بذلك وإذا كان للرجل على الرجل الحق بلا رهن ثم رهنه رهنا فالرهن جائز ](3/150)
[ كان الحق حالا أو إلى أجل فإن كان الحق حالا أو إلى أجل فقال الراهن: أرهنك على أن تزيدني في الاجل ففعل فالرهن مفسوخ والحق الحال حال كما كان والمؤجل إلى أجله الاول بحاله والاجل الآخر باطل وغرماء الراهن في الرهن الفاسد أسوة المرتهن وكذلك لو لم يشترط عليه تأخير الاجل وشرط عليه أن يبيعه شيئا أو يسلفه إياه أو يعمله له بثمن على أن يرهنه ولم يرهنه لم يجز الرهن ولا يجوز الرهن في حق واجب قبله حتى يتطوع به الراهن بلا زيادة شئ على المرتهن ولو قال له: بعنى عبدك بمائة على أن أرهنك بالمائة وحقك الذى قبلها رهنا كان الرهن والبيع مفسوخا كله ولو هلك العبد في يدى المشترى كان ضامنا لقيمته، ولو أقر المرتهن أن الموضوع على يديه الرهن قبضه جعلته رهنا ولم أقبل قول العدل: لم أقبضه إذا قال المرتهن قد قبضه العدل.
اختلاف المرهون والحق الذى يكون به الرهن (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا كانت الدار أو العبد أو العرض في يدى رجل فقال رهنتيه فلان على كذا وقال فلان ما رهنتكه ولكني أودعتك إياه أو وكلتك به أو غصبتنيه فالقول قول رب الدار والعرض والعبد لان الذى في يده يقر له بملكه ويدعى عليه فيه حقا فلا يكون فيه بدعواه إلا ببينة وكذلك لو قال الذى هو في يديه رهنتنيه بألف وقال المدعى عليه لك على ألف ولم أرهنك به ما زعمت كان القول قوله وعليه ألف بلا رهن كما أقر ولو كانت في يدى رجل داران فقال رهننيهما فلان بألف وقال فلان رهنتك إحداهما وسماها بعينها بألف كان القول قول رب الدار الذى زعم أنها (1) ليست برهن غير رهن وكذلك لو قال له رهنتك إحداهما بمائة لم يكن رهنا إلا بمائة ولو قال الذى هما في يديه رهنتنيهما بألف وقال رب الدارين بل رهنتك إحداهما بغير عينها بألف لم تكن واحدة منهما رهنا وكانت عليه ألف بإقراره بلا رهن لانه لا يجوز في الاصل أن يقول رجل لرجل أرهنك إحدى دارى هاتين ولا يسميها ولا أحد عبدى هذين ولا أحد ثوبي هذين ولا يجوز الرهن حتى يكون مسمى بعينه ولو كانت دار في يدى رجل فقال رهننيها فلان بألف ودفعها إلى وقال فلان رهنته إياها بألف ولم أدفعها إليه فعدا عليها فغصبها أو تكاراها منى رجل فأنزله فيها أو تكاراها منى هو فنزلها ولم أدفعها إليه قبضا بالرهن
فالقول قول رب الدار ولا تكون رهنا إذا كان يقول ليست برهن فيكون القول قوله وهو إذا أقر بالرهن ولم يقبضه المرتهن فليس برهن ولو كانت الدار في يدى رجل فقال رهننيها فلان بألف دينار وأقبضنيها وقال فلان رهنته إياها بألف درهم أو ألف فلس وأقبضته إياها كان القول قول رب الدار ولو كان في يدى رجل عبد فقال رهننيه فلان بمائة وصدقه العبد وقال رب العبد ما رهنته إياه بشئ فالقول قول رب العبد ولا قول للعبد ولو كانت المسألة بحالها فقال ما رهنتكه بمائة ولكني بعتكه بمائة لم يكن العبد رهنا ولا بيعا إذا اختلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ولو أن عبدا بين رجلين فقال رجل رهنتمانيه بمائة وقبضته فصدقه أحدهما وقال الآخر ما رهنتكه بشئ كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من الرهن فإن شهد شريك صاحب العبد عليه بدعوى المرتهن وكان عدلا عليه أحلف المرتهن معه وكان نصيبه منه رهنا بخمسين ولا شئ في شهادة صاحب الرهن يجر بها إلى نفسه ولا يدفع بها عنه فأرد بها ]
__________
(1) قوله: أنها ليست برهن الخ كذا بالاصول التى عندنا بزيادة " غير رهن " وتأمل.
كتبه مصححه.(3/151)
[ شهادته ولا أرد شهادته لرجل له عليه شئ لو شهد له على غيره ولو كان العبد بين اثنين وكان في يدى اثنين وادعيا أنهما ارتهناه معا بمائة فأقر الرجلان لاحدهما أنه رهن له وحده بخمسين وأنكرا دعوى الآخر لزمهما ما اقرا به ولم يلزمهما ما أنكرا من دعوى الآخر ولو أقرا لهما معا بأنه لهما رهن وقالا هو رهن بخمسين وادعيا مائة لم يلزمهما إلا ما أقرا به ولو قال أحد الراهنين لاحد المرتهنين رهناكه أنت بخمسين وقال الآخر للآخر المرتهن رهناكه أنت بخمسين كان نصف حق كل واحد منهما من العبد وهو ربع العبد رهنا للذى أقر له بخمسة وعشرين تجيز إقراره على نفسه ولا تجيز إقراره على غيره ولو كانا ممن تجوز شهادته فشهد كل واحد منهما على صاحبه ونفسه أجزت شهادتهما وجعلت على كل واحد منهما خمسة وعشرين دينارا بإقراره وخمسة وعشرين أخرى بشهادة صاحبه إذا حلف المدعى مع شاهده وإذا كانت في يدى رجل ألف دينار فقال رهننيها بمائة دينار أو بألف درهم وقال الراهن رهنتكها دينار واحد أو بعشرة دراهم فالقول قول الراهن لان المرتهن مقر له بملك الالف دينار ومدع عليه حقا فالقول قوله فيما ادعى عليه من الدنانير إذا كان القول قول رب الرهن المدعى عليه الحق في أنه ليس برهن
بشئ كان إقراره بأنه رهن بشئ أولى أن يكون القول قوله فيه وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن رهنتني عبدك سالما بمائة وقال الراهن بل رهنتك عبدى موفقا بعشرة حلف الراهن ولم يكن سالم رهنا بشئ وكان لصاحب الحق عليه عشرة دنانير إن صدقه بأن موفقا رهن بها فهو رهن وإن كذبه وقال بل سالم رهن بها لم يكن موفق ولا سالم رهنا لانه يبرئه من أن يكون موفق رهنا ولو قال رهنتك دارى بألف وقال الذى يخالفه بل اشتريتها منك بألف وتصادقا على قبض الالف تحالفا وكانت الالف على الذى أخذها بلا رهن ولا بيع وهكذا لو قال لو رهنتك دارى بألف أخذتها منك وقال المقر له بالرهن بل اشتريت منك عبدك بهذه الالف تحالفا ولم تكن الدار رهنا ولا العبد بيعا وكانت له عليه ألف بلا رهن ولا بيع ولو قال رهنتك دارى بألف وقبضت الدار ولم أقبض الالف منك وقال المقر له بالرهن وهو المرتهن بل قبضت الالف فالقول قول الراهن بأنه لم يقر بأن عليه ألفا فتلزمه ويحلف ما أخذ الالف ثم تكون الدار خارجة من الرهن لانه لم يأخذ ما يكون به رهنا ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها دارا فقال الراهن رهنتك هذه الدار بألف درهم إلى سنة وقال المرتهن بل بألف درهم حالة كان القول قول الراهن وعلى المرتهن البينة وكذلك لو قال رهنتكها بألف درهم وقال المرتهن بل بألف دينار فالقول قول الراهن وكل ما لم أثبته عليه إلا بقوله جعلت القول فيه قوله لانه لو قال لم أرهنكها كان القول قوله وإذا كان لرجل على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضاه ألفا ثم اختلفا فقال القاضى قضيتك الالف التى بالرهن وقال المقتضى بل الالف التى بلا رهن فالقول قول الراهن القاضى ألا ترى أنه لو جاءه بألف فقال هذه الالف التى رهنتك بها فقبضها كان عليه استلام رهنه ولم يكن له حبسه عنه بأن يقول لى عليك ألف أخرى ولو حبسه عنه بعد قبضه كان متعديا بالحبس وإن هلك الرهن في يديه ضمن قيمته فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكون القول إلا قول دافع المال.
والله أعلم.
جماع ما يجوز رهنه (قال الشافعي) رحمه الله: كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه ومن جاز له ](3/152)
[ أن يرهن أو يرتهن من الاحرار البالغين غير المحجور عليهم جاز له أن يرتهن على النظر وغير النظر لانه يجوز
له بيع ماله وهبته بكل حال فإذا جازت هبته في ماله كان له رهنه بلا نظر ولا يجوز أن يرتهن الاب لابنه ولا ولى اليتيم له إلا بما فيه فضل لهما فأما أن يسلف مالهما برهن فلا يجوز له وأيهما فعل فهو ضامن لما أسلف من ماله ويجوز للمكاتب والمأذون له في التجارة أن يرتهنا إذا كان ذلك صلاحا لمالهما وازديادا فيه فأما أن يسلفا ويرتهنا فلا يجوز ذلك لهما ولكن يبيعان فيفضلان ويرتهنان ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما يفضل لنفسه أو يتيمه أو ابنه من أبى ولد وولى يتيم ومكاتب وعبد مأذون له فلا يجوز أن يرهن شيئا لان الرهن امانة والدين لازم فالرهن بكل حال نقص عليهم ولا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم وما أشبه ذلك ولا نجيز رهن من سميت لا يجوز رهنه إلا في قول من زعم أن الرهن مضمون كله فأما ما لا يضمن منه فرهنه غير نظر لانه قد يتلف ولا يبرأ الراهن من الحق والذكر والانثى والمسلم والكافر من جميع ما وصفنا يجوز رهنه ولا يجوز سواء ويجوز أن يرهن المسلم الكافر والكافر المسلم ولا أكره من ذلك شيئا إلا أن يرهن المسلم الكافر مصحفا فإن فعل لم أفسخه ووضعناه له على يدى عدل مسلم وجبرت على ذلك الكافر إن امتنع وأكره أن يرهن من الكافر العبد المسلم صغيرا أو كبيرا لئلا يذل المسلم بكينونته عنده بسبب يتسلط عليه الكافر ولئلا يطعم الكافر المسلم خنزيرا أو يسقيه خمرا فإن فعل فرهنه منه لم أفسخ الرهن قال وأكره رهن الامة البالغة أو المقاربة البلوغ التى يشتهى مثلها من مسلم إلا على أن يقبضها المرتهن ويقرها في يدى مالكها أو يضعها على يدي امرأة أو محرم للجارية فإن رهنها مالكها من رجل، وأقبضها إياه لم أفسخ الرهن وهكذا لو رهنها من كافر غير أنى أجبر الكافر على أن يضعها على يدى عدل مسلم وتكون امرأة أحب إلى ولو لم تكن امرأة وضعت على يدى رجل عدل معه امرأة عدل وإن رضى الراهن والمرتهن على أن يضعا الجارية على يدى رجل غير مأمون عليها جبرتهما أن يرضيا بعدل توضع على يديه فإن لم يفعلا اخترت لهما عدلا إلا أن يتراضيا أن تكون على يدى مالكها أو المرتهن فأما ما سوى بنى آدم فلا أكره رهنه من مسلم ولا كافر حيوان ولا غيره وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبى الشحم اليهودي وإن كانت المرأة بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا جاز بيعها ورهنها وإن كانت ذات زوج جاز رهنها وبيعها بغير إذن زوجها وهبتها له ولها من مالها إذا كانت رشيدة ما لزوجها من ماله وإن كانت المرأة أو رجل مسلم أو كافر حر أو عبد
محجورين لم يجز رهن واحد منهما كما لا يجوز بيعه وإذا رهن من لا يجوز رهنه فرهنه مفسوخ وما عليه وما رهن كما لم يرهن من ماله لا سبيل للمرتهن عليه وإذا رهن المحجور عليه رهنا فلم يقبضه هو ولا وليه من المرتهن ولم يرفع إلى الحاكم فيفسخه حتى يفك عنه الحجر فرضى أن يكون رهنا بالرهن الاول لم يكن رهنا حتى يبتدئ رهنا بعد فك الحجر ويقبضه المرتهن فإذا فعل فالرهن جائز وإذا رهن الرجل الرهن وقبضه المرتهن وهو غير محجور ثم حجر عليه فالرهن بحاله وصاحب الرهن أحق به حتى يستوفى حقه ويجوز رهن الرجل الكثير الدين حتى يقف السلطان ماله كما يجوز بيعه حتى يقف السلطان ماله وإذا رهن الرجل غير المحجور عليه الرجل المحجور عليه الرهن فإن كان من بيع فالبيع مفسوخ وعلى الراهن رده بعينه إن وجد أو قيمته إن لم يوجد والرهن مفسوخ إذا انفسخ الحق الذي به الرهن كان الرهن مفسوخا بكل حال وهكذا إن أكراه دارا أو أرضا أو دابة ورهن المكترى المكرى المحجور عليه بذلك رهنا فالرهن مفسوخ والكراء مفسوخ وإن سكن أو ركب أو عمل له فعليه أجر مثله وكراء مثل الدابة والدار بالغا ما بلغ وهكذا لو أسلفه المحجور مالا ورهنه غير المحجور رهنا كان الرهن مفسوخا لان السلف ](3/153)
[ باطل وعليه رد السلف بعينه وليس له إنفاق شئ منه فإن أنفقه فعليه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وأى رهن فسخته من جهة الشرط في الرهن أو فساد الرهن أو فساد البيع الذى وقع به الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره بحال وكذلك إن كان الشرط في الرهن والبيع صحيحا واستحق الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره قال: وإذا تبايع الرجلان غير المحجورين البيع الفاسد ورهن أحدهما به صاحبه رهنا فالبيع مفسوخ والرهن مفسوخ وجماع علم هذا أن ينظر كل حق كان صحيح الاصل فيجوز به الرهن وكل بيع كان غير ثابت فيفسد فيه الرهن إذا لم يملك المشترى ولا المكترى ما بيع أو أكرى لم يملك المرتهن الحق في الرهن إنما يثبت الرهن للراهن بما يثبت به عليه ما أعطاه به فإذا بطل ما أعطاه به بطل الرهن وإذا بادل رجل رجلا عبدا بعبد أو دارا بدار أو عرضا ما كان بعرض ما كان وزاد أحدهما الآخر دنانير آجلة على أن يرهنه الزائد بالدنانير رهنا معلوما فالبيع والرهن جائز إذا قبض وإذا ارتهن الرجل من الرجل الرهن وقبضه لنفسه أو قبضه له غيره بأمره وأمر
صاحب الرهن فالرهن جائز وإن كان القابض ابن الراهن أو امرأته أو أباه أو من كان من قرابته وكذلك لو كان ابن المرتهن أو واحدا ممن سميت أو عبد المرتهن فالرهن جائز فأما عبد الراهن فلا يجوز قبضه للمرتهن لان قبض عبده عنه كقبضه عن نفسه وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فأنفق عليه المرتهن بغير أمر الراهن كان متطوعا وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ لانها غير مملوكة فإن كان فيها غراس أو بناء للراهن فالغراس والبناء رهن وإن أدى عنها الخراج فهو متطوع بأداء الخراج عنها لا يرجع به على الراهن إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به عليه ومثل هذا الرجل يتكارى الارض من الرجل قد تكاراها فيدفع المكترى الارض كراءها عن المكترى الاول فإن دفعه بإذنه رجع به عليه وإن دفعه بغير إذنه فهو متطوع به ولا يرجع به عليه ويجوز الرهن بكل حق لزم صداق أو غيره وبين الذمي والحربي المستأمن والمستأمن والمسلم كما يجوز بين المسلمين لا يختلف وإذا كان الرهن بصداق فطلق قبل الدخول بطل نصف الحق والرهن بحاله كما يبطل الحق الذى في الرهن إلا قليلا والرهن بحاله وإذا ارتهن الرجل من الرجل رهنا بتمر أو حنطة فحل الحق فباع الموضوع على يديه الرهن بتمر أو حنطة فالبيع مردود ولا يجوز بيعه إلا بالدنانير أو الدراهم ثم يشترى بها قمح أو تمر فيقضاه صاحب الحق ولا يجوز رهن المقارض لان الرهن غير مضمون إلا أن يأذن رب المال للمقارض يرهن بدين له معروف وكذلك لا يجوز ارتهانه إلا أن يأذن له رب المال أن يبيع بالدين فإذا باع بالدين فالرهن ازدياد له ولا يجوز ارتهانه إلا في مال صاحب المال فإن رهن عن غيره فهو ضامن ولا يجوز الرهن.
العيب في الرهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الرهن رهنان فرهن في أصل الحق لا يجب الحق إلا بشرطه وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع على أن يرهنه الرهن يسميانه فإذا كان هكذا فكان بالرهن عيب في بدنه أو عيب في فعله ينقص ثمنه وعلم المرتهن العيب قبل الارتهان فلا خيار له والرهن والبيع ثابتان وإن لم يعلمه المرتهن فعله بعد البيع فالمرتهن بالخيار بين فسخ البيع وإثباته وإثبات الرهن للنقص عليه في الرهن كما يكون هذا في البيوع والعيب الذى يكون له به الخيار كل ما نقص ثمنه من شئ قل أو كثر حتى الاثر الذى لا يضر بعمله والفعل فإذا كان قد علمه فلا خيار له ولو كان قتل أو ارتد وعلم ذلك ](3/154)
[ المرتهن ثم ارتهنه كان الرهن ثابتا فإن قتل في يديه فالبيع ثابت وقد خرج الرهن من يديه وإن لم يقتل فهو رهن بحاله وكذلك لو سرق فقطع في يديه كان رهنا بحاله ولو كان المرتهن لم يعلم بارتداده ولا قتله ولا سرقته فارتهنه ثم قتل في يده أو قطع كان له فسخ البيع ولو لم يكن الراهن دلس للمرتهن فيه بعيب ودفعه إليه سالما فجنى في يديه جناية أو أصابه عيب في يديه كان على الرهن بحاله ولو أنه دلس له فيه بعيب وقبضه فمات في يديه موتا قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار فسخه لما فات من الرهن وليس هذا كما يقتل بحق في يديه أو يقطع في يديه وهكذا كل عيب في رهن ما كان حيوان أو غيره ولو اختلف الراهن والمرتهن في العيب فقال الراهن رهنتك الرهن وهو برئ من العيب وقال المرتهن ما رهنتنيه إلا معيبا فالقول قول الراهن مع يمينه إذا كان العيب مما يحدث مثله وعلى المرتهن البينة فإن أقامها فللمرتهن الخيار كما وصفت وإذا رهن الرجل الرجل العبد أو غيره على أن يسلفه سلفا فوجد بالرهن عيبا أو لم يجده فسواء وله الخيار في أخذ سلفه حالا وإن كان سماه مؤجلا وليس السلف كالبيع ورهن يتطوع به الراهن وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع إلى أجل بغير شرط رهن فإذا وجب بينهما البيع وتفرقا ثم رهنه الرجل فالرجل متطوع بالرهن فليس للمرتهن إن كان بالرهن عيب ما كان أن يفسخ البيع لان البيع كان تاما بلا رهن وله إن شاء أن يفسخ الرهن وكذلك له إن شاء لو كان في أصل البيع أن يفسخه لانه كان حقا له فتركه ويجوز رهن العبد المرتد والقاتل والمصيب للحد لان ذلك لا يزيل عنه الرق فإذا قتل فقد خرج من الرهن فإذا ارتد الرجل عن الاسلام ثم رهن عبدا له فمن أجاز بيع المرتد أجاز رهنه ومن رد بيعه رد رهنه (قال الربيع) كان الشافعي يجيز رهن المرتد كما يجوز بيعه.
الرهن يجمع الشيئين المختلفين من ثياب وأرض وبناء وغيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا رهن الرجل الرجل أرضه ولم يقل ببنائها فالارض رهن دون البناء وكذلك إن رهنه أرضه ولم يقل بشجرها فكان فيها شجر مبدد أو غير مبدد فالارض رهن دون الشجر وكذلك لو رهنه شجرا وبين الشجر بياض فالشجر رهن دون البياض ولا يدخل في الرهن إلا ما سمى وإذا رهنه ثمرا قد خرج من نخلة قبل يحل بيعه ونخله معه فقد رهنه نخلا وثمرا معها فهما رهن جائز
من قبل أنه يجوز له لو مات الراهن أو كان الحق حالا أن يبيعهما من ساعته وكذلك لو كان إلى أجل لان الراهن يتطوع ببيعه قبل يحل أو يموت فيحل الحق وإذا كان الحق في هذا الرهن جائزا إلى أجل فبلغت الثمرة وبيعت خير الراهن بين أن يكون ثمنها قصاصا من الحق أو مرهونا مع النخل حتى يحل الحق ولو حل الحق فأراد بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها دون النخل لم يكن له، وكذلك لو أراد قطعها وبيعها لم يكن له إذا لم يأذن له الراهن في ذلك، ولو رهنه الثمرة دون النخل طلعا أو مؤبرة أو في أي حال قبل أن يبدو صلاحها لم يجز الرهن كان الدين حالا أو مؤجلا إلا أن يتشارطا أن للمرتهن إذا حل حقه قطعها أو بيعها فيجوز الرهن، وذلك أن المعروف من الثمرة أنها تترك إلى أن تصلح ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه لمعرفة الناس أنه يترك حتى يبدو صلاحه وأن حلالا أن تباع الثمرة على أن تقطع قبل أن يبدو صلاحها لانه ليس المعنى الذى نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كل ثمرة وزرع رهن قبل أن يبدو صلاحه ما لم يجز بيعه فلا يجوز رهنه إلا ](3/155)
[ على أن يقطع إذا حل الحق فيباع مقطوعا بحاله وإذا حل بيع الثمر حل رهنه إلى أجل كان الحق أو حالا وإذا بلغ ولم يحل الحق لم يكن للراهن بيعه إذا كان يبس إلا برضا المرتهن فإذا رضى قيمته رهن إلا أن يتطوع الراهن فيجعله قصاصا ولا أجعل دينا إلى أجل حالا أبدا إلا أن يتطوع به صاحب الدين وإذا رهنه ثمرة فزيادتها في عظمها وطيبها رهن له، كما ان زيادة الرهن في يديه رهن له، فإن كان من الثمن شئ يخرج فرهنه إياه وكان يخرج بعده غيره منه فلا يتميز الخارج عن الاول المرهون لم يجز الرهن في الاول ولا في الخارج لان الرهن حينئذ ليس بمعروف، ولا يجوز الرهن فيه حتى يقطع مكانه أو يشترط أنه يقطع في مدة قبل أن تخرج الثمرة التى تخرج بعده أو بعدما تخرج قبل أن يشكل أهى من الرهن الاول ام لا، فإذا كان هذا جاز، وإن ترك حتى تخرج بعده ثمرة لا يتميز حتى تعرف، ففيها قولان، أحدهما أنه يفسد الرهن كما يفسد البيع لانى لا أعرف الرهن من غير الرهن، والثانى أن الرهن لا يفسد، والقول قول الراهن في قدر الثمرة المرهونة من المختلطة بها كما لو رهنه حنطة أو تمرا فاختلطت بحنطة للراهن، أو تمر كان القول قوله في قدر الحنطة التى رهن مع يمينه (قال الربيع) وللشافعي قول
آخر في البيع أنه إذا باعه ثمرا فلم يقبضه حتى حدثت ثمرة أخرى في شجرها لا تتميز الحادثة من المبيع قبلها كان البائع بالخيار بين أن يسلم له الثمرة الحادثة مع المبيع الاول فيكون قد زاده خيرا أو ينقض البيع لانه لا يدرى كم باع مما حدث من الثمرة، والرهن عندي مثله فإن رضى أن يسلم ما زاد مع الرهن الاول لم يفسخ الرهن وإذا رهنه زرعا على أن يحصده إذا حل الحق بأى حال ما كان فيبيعه فإن كان الزرع يزيد بأن ينبت منه ما لم يكن نابتا في يده إذا تركه لم يجز الرهن لانه لا يعرف الرهن منه الخارج دون ما يخرج بعده، فإن قال قائل ما الفرق بين الثمرة تكون طلعا وبلحا صغارا، ثم تصير رطبا عظاما وبين الزرع؟ قيل الثمرة واحدة، إلا أنها تعظم كما يكبر العبد المرهون بعد الصغر ويسمن بعد الهزال وإذا قطعت لم يبق منها شئ يستخلف والزرع يقطع أعلاه، ويستخلف أسفله ويباع منه شئ قصلة بعد قصلة فالخارج منه غير الرهن والزائد في الثمرة من الثمرة ولا يجوز أن يباع منه ما يقصل إلا أن يقصل مكانه قصلة، ثم تباع القصلة الاخرى بيعة أخرى وكذلك لا يجوز رهنه إلا كما يجوز بيعه، وإذا رهنه ثمرة فعلى الراهن سقيها وصلاحها وجدادها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد، وإذا أراد الراهن أن يقطعها قبل أوان قطعها أو أراد المرتهن ذلك منع كل واحد منهما ذلك حتى يجتمعا عليه، وإذا بلغت إبانها جبر الراهن على قطعها لان ذلك من صلاحها وكذلك لو أبى المرتهن جبر، فإذا صارت تمرا وضعت على يدى الموضوع على يديه الرهن أو غيره فإن أبى العدل الموضوع على يديه بأن يتطوع أن يضعها في منزله إلا بكراء قيل للراهن عليك لها منزل تحرز فيه لان ذلك من صلاحها فإن جئت به وإلا يكترى عليك منها ولا يجوز أن يرتهن الرجل شيئا لا يحل بيعه حين يرهنه إياه وإن كان يأتي عليه مدة يحل بعدها وهو مثل أن يرهنه جنين الامة قبل أن يولد على أنها إذا ولدته كان رهنا، ومثل أن يرهنه ما ولدت أمته أو ماشيته أو ما أخرجت نخله على أن يقطعه مكانه، ولا يجوز أن يرهنه ما ليس ملكه له بتام، وذلك مثل أن يرهنه ثمرة قد بدا صلاحها لا يملكها بشراء ولا أصول نخلها وذلك مثل أن يتصدق عليه وعلى قوم بصفاتهم بثمرة نخل، وذلك أنه قد يحدث في الصدقة معه من ينقص حقه ولا يدرى كم رهنه، ولا يجوز أن يرهن الرجل الرجل جلود ميتة لم تدبغ لان ثمنها لا يحل ما لم تدبغ ويجوز أن يرهنه إياها إذا دبغت لان ثمنها بعد دباغها يحل ولا يرهنه إياها قبل الدباغ ولو رهنه
إياها قبل الدباغ ثم دبغها الراهن كانت خارجة من الرهن لان عقدة رهنها كان وبيعها لا يحل، وإذا ](3/156)
[ وهب للرجل هبة أو تصدق عليه بصدقة غير محرمة فرهنها قبل أن يقبضها، ثم قبضها فهى خارجة من الرهن لانه رهنها قبل يتم له ملكها فإذا أحدث فيها رهنا بعد القبض جازت، قال: وإذا أوصى له بعبد بعينه فمات الموصى فرهنه قبل أن تدفعه إليه الورثة فإن كان يخرج من الثلث فالرهن جائز لانه ليس للورثة منعه إياه إذا خرج من الثلث والقبض وغير القبض فيه سواء وللواهب والمتصدق منعه من الصدقة ما لم يقبض وإذا ورث من رجل عبدا ولا وارث له غيره فرهنه فالرهن جائز لانه مالك للعبد بالميراث، وكذلك لو اشتراه فنقد ثمنه ثم رهنه قبل يقبضه، وإذا رهن الرجل مكاتبا له فعجز المكاتب قبل الحكم بفسخ الراهن فالرهن مفسوخ لانى إنما أنظر إلى عقد الرهن لا إلى الحكم، وإن اشترى الرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثا فرهنه فالرهن جائز وهو قطع لخياره، وإيجاب للبيع في العبد، وإذا كان الخيار للبائع أو للبائع والمشترى فرهنه قبل مضى الثلاث وقبل اختيار البائع إنفاد البيع ثم مضت الثلاث أو اختار المشترى إنفاذ البيع فالرهن مفسوخ لانه انعقد وملكه على العبد غير تام ولو أن رجلين ورثا رجلا ثلاثة أعبد فلم يقتسماهم حتى رهن أحدهما عبدا من العبيد الثلاثة أو عبدين، ثم قاسم شريكه واستخلص منه العبد الذى رهن أو العبدين، كانت انصافهما مرهونة له لان ذلك الذى كان يملك منهما وأنصافهما التى ملك بعد الرهن خارجة من الرهن إلا أن يجدد فيهما رهنا ولو استحق صاحب وصية منهما شيئا خرج ما استحق منهما من الرهن وبقى ما لم يستحق من أنصافهما مرهونا (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا رهن شيئا له بعضه ولغيره بعضه فالرهن كله مفسوخ لان صفقة الرهن جمعت شيئين ما يملك وما لا يملك فلما جمعتهما الصفقة بطلت كلها وكذلك في البيع (قال) وهذا أشبه بجملة قول الشافعي ولو أن رجلا له أخ هو وارثه فمات أخوه فرهن داره وهو لا يعلم أنه مات ثم قامت البينة بأنه كان ميتا قبل رهن الدار كان الرهن باطلا ولا يجوز الرهن حتى يرهنه وهو مالك له ويعلم الراهن أنه مالك وكذلك لو قال قد وكلت بشراء هذا العبد فقد رهنتكه إن كان اشترى لى فوجد قد اشترى له لم يكن رهنا، قال فإن ارتهن قد علم أنه قد صار له بميراث أو شراء قبل أن يرهنه أحلف
الراهن فإن حلف فسخ الرهن وإن نكل فحلف المرتهن على ما ادعى ثبت الرهن وكذلك لو رأى شخصا لا يثبته فقال إن كان هذا فلانا فقد رهنتكه لم يكن رهنا وإن قبضه حتى يجدد له مع القبض أو قبله أو بعده رهنا وهكذا إن رأى صندوقا فقال قد كانت فيه ثياب كذا، الثياب يعرفها الراهن والمرتهن فإن كانت فيه فهى لك رهن فلا تكون رهنا وإن كانت فيه وكذلك لو كان الصندوق في يدى المرتهن وديعة وفيه ثياب فقال قد كنت جعلت ثيابي التى كذا في هذا الصندوق فهى رهن وإن كانت فيه ثياب غيرها أو ثياب معها فليس برهن فكانت فيه الثياب التى قال إنها رهن لا غيرها فليست برهن وهكذا لو قال قد رهنتك ما في جرابى وأقبضه إياه والراهن لا يعرفه لم يكن رهنا وهكذا إن كان الراهن يعرفه والمرتهن لا يعرفه ولا يكون الراهن أبدا إلا ما عرفه الراهن والمرتهن وعلم الراهن أنه ملك له يحل بيعه ولا يجوز أن يرهنه ذكر حق له على رجل لان ذكر الحق ليس بشئ يملك إنما هو شهادة على رجل بشئ في ذمته والشئ الذى في ذمته ليس بعين قائمة يجوز رهنها إنما ترهن الاعيان القائمة ثم لا يجوز حتى تكون معلومة عند الراهن والمرتهن مقبوضة ولو أن رجلا جاءته بضاعة أو ميراث كان غائبا عنه لا يعرف قدره فقبضه له رجل بأمره أو بغير أمره ثم رهنه المالك القابض والمالك لا يعرف قدره لم يجز الرهن وإن قبضه المرتهن حتى يكون عالما بما رهنه علم المرتهن.
والله أعلم.
](3/157)
[ الزيادة في الرهن والشرط فيه (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن رجل رجلا رهنا وقبضه المرتهن ثم أراد أن يرهن ذلك الرهن من غير المرتهن أو فضل ذلك الرهن لم يكن ذلك له وإن فعل لم يجز الرهن الآخر لان المرتهن الاول صار يملك أن يمنع رقبته حتى تباع فيستوفى حقه ولو رهنه إياه بألف ثم سأل الراهن المرتهن أن يزيده ألفا ويجعل الرهن الاول رهنا بها مع الالف الاولى ففعل لم يجز الرهن الآخر وكان مرهونا بالالف الاولى وغير مرهون بالالف الآخرة لانه كان رهنا بكماله بالالف الاولى فلم يستحق بالالف الآخرة من منع رقبته على سيده ولا غرمائه إلا ما استحق أولا ولا يشبه هذا الرجل يتكارى المنزل سنة بعشرة ثم يتكاراه السنة التي تليها بعشرين لان السنة الاولى غير السنة الآخرة ولو انهدم بعد السنة الاولى رجع
بالعشرين التى هي حظ السنة الآخرة وهذا رهن واحد لا يجوز الرهنان فيه إلا معا لا مفترقين ولا أن يرهن مرتين بشيئين مختلفين قبل أن يفسخ كما لا يجوز مرتين أن يتكارى الرجل دارا سنة بعشرة ثم يتكاراها تلك السنة بعينها بعشرين إلا أن يفسخ الكراء الاول ولا يبتاعها بمائة ثم يبتاعها بمائتين إلا أن يفسخ البيع الاول ويجدد بيعا فإن أراد أن يصح له الرهن الاخر مع الاول فسخ الرهن الاول وجعل الرهن بألفين ولو لم يفسخ الرهن وأشهد المرتهن أن هذا الرهن بيده بألفين جازت الشهادة وكان الرهن بألفين إذا لم يعرف كيف كان ذلك فإذا تصادقا بأن هذا رهن ثان بعد الرهن الاول لم يفسخ لما وصفت وكان رهنا بالالف وكانت الالف الاخرى بغير رهن، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها بعد شيئا جاز الرهن لانها كانت غير واجبة عليه وكذلك لو زاده ألفا أخرى ورهنه بهما رهنا كان الرهن جائزا ولو أعطاه ألفا ورهنه بها ثم قال له بعد الرهن اجعل لى الالف التى قبل هذا رهنا معها ففعل لم يجز إلا بما وصفت من فسخ الرهن وتجديد رهن بهما معا ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم بلا رهن ثم قال له زدنى ألفا على أن أرهنك بهما معا رهنا يعرفانه ففعل كان الرهن مفسوخا لانه أسلفه الآخرة على زيادة رهن في الاولى ولو كان قال بعنى عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالالف التى لك على بلا رهن دارى رهنا ففعل كان البيع مفسوخا وإذا شرط في الرهن هذا الشرط لم يجز لانها زيادة في سلف أو حصة من بيع مجهولة ولو أن رجلا ارتهن من رجل رهنا بألف وقبضه ثم زاده رهنا آخر مع رهنه بتلك الالف كان الرهن الاول والآخر جائزا لان الرهن الاول بكماله بالالف والرهن الآخر زيادة معه، لم تكن للمرتهن حتى جعلها له الراهن فكان جائزا كما جاز أن يكون له حق بلا رهن ثم برهنه به شيئا فيجوز.
باب ما يفسد الرهن من الشرط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه " الرهن مركوب ومحلوب " وهذا لا يجوز فيه إلا أن يكون الركوب والحلب لمالكه الراهن لا للمرتهن لانه إنما يملك الركوب والحلب من ملك الرقبة والرقبة غير المنفعة التى هي الركوب والحلب وإذا رهن الرجل الرجل عبدا أو دارا أو غير ذلك فسكنى الدار وإجارة العبد وخدمته للراهن وكذلك منافع الرهن للراهن ليس
للمرتهن منها شئ فإن شرط المرتهن على الراهن أن له سكنى الدار أو خدمة العبد أو منفعة الرهن أو ](3/158)
[ شيئا من منفعة الرهن ما كانت أو من أي الرهن كانت دارا أو حيوانا أو غيره فالشرط باطل وإن كان أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن فالشرط باطل لان ذلك زيادة في السلف وإن كان باعه بيعا بألف وشرط البائع للمشترى أن يرهنه بألفه رهنا وأن للمرتهن منفعة الرهن فالشرط فاسد والبيع فاسد لان لزيادة منفعة الرهن حصة من الثمن غير معروفة والبيع لا يجوز إلا بما يعرف، ألا ترى أنه لو رهنه دارا على أن للمرتهن سكناها حتى يقضيه حقه كان له أن يقضيه حقه من الغد وبعد سنين ولا يعرف كم ثمن السكن وحصته من البيع وحصة البيع لا تجوز إلا معروفة مع فساده من أنه بيع وإجارة ولو جعل ذلك معروفا فقال أرهنك دارى سنة على أن لك سكناها في تلك السنة كان البيع والرهن فاسدا من قبل أن هذا بيع وإجارة لا أعرف حصة الاجارة ألا ترى أن الاجارة لو انتقضت بأن يستحق المسكن أو ينهدم فلو قلت تقوم السكنى وتقوم السلعة المبيعة بالالف فتطرح عنه حصة السكنى من الالف واجعل الالف بيعا بهما ولا أجعل للمشترى خيارا دخل عليك أن شيئين ملكا بألف فاستحق أحدهما فلم تجعل للمشترى خيارا في هذا الباقي وهو لم يشتره إلا مع غيره، أو لا ترى أنك لو قلت بل أجعل له الخيار دخل عليك أن ينقص بيع الرقبة بأن يستحق معها كراء ليس هو ملك رقبة؟ ألا ترى أن المسكن إذا انهدم في أول السنة فإن قومت كراء السنة في أولها لم يعرف قيمة كراء آخرها لانه قد يغلو ويرخص؟ وإنما يقوم كل شئ بسوق يومه ولا يقوم ما لم يكن له سوق معلوم؟ فإن قلت بل أقوم كل وقت مضى وأترك ما بقي حتى يحضر فأقومه، قيل لك أفتجعل مال هذا محتبسا في يد هذا إلى أجل وهو لم يؤجله؟ قال فإن شبه على أحد بأن يقول قد تجيز هذا في الكراء إذا كان منفردا فيكترى منه المنزل سنة ثم ينهدم المنزل بعد شهر فيرده عليه بما بقى؟ قيل نعم ولكن حصة الشهر الذى أخذه معروفة لانا لا نقومه إلا بعد ما يعرف بأن يمضى وليس معها بيع وهى إجارة كلها، ولو رهن رجل رجلا رهنا على أنه ليس للمرتهن بيعه عند محل الحق إلا بكذا، أو ليس له بيعه إلا بعد أن يبلغ كذا أو يزيد عليه أو ليس له بيعه إن كان رب الرهن غائبا أو ليس له بيعه إلا أن يأذن له فلان أو يقدم
فلان، أو ليس له بيعه إلا بما رضى الراهن أو ليس له بيعه إن هلك الراهن قبل الاجل أو ليس له بيعه بعد ما يحل الحق إلا بشهر كان هذا الرهن في هذا كله فاسدا لا يجوز، حتى لا يكون دون بيعه حائل عند محل الحق (قال الشافعي) ولو رهنه عبدا على أن الحق إن حل والرهن مريض لم يبعه حتى يصح أو أعجف لم يبعه حتى يسمن أو ما أشبه هذا كان الرهن في هذا كله مفسوخا ولو رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الارض فهو داخل في الرهن أو ماشية على أن ما نتجت فهو داخل في الرهن كان الرهن المعروف بعينه من الحائط والارض والماشية رهنا، ولم يدخل معه ثمر الحائط ولا زرع الارض ولا نتاج الماشية إذا كان الرهن بحق واجب قبل الرهن (قال الربيع) وفيه قول آخر إذا رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الارض فهو داخل في الرهن فالرهن مفسوخ كله من قبل أنه رهنه ما يعرف وما لا يعرف وما يكون وما لا يكون ولا إذا كان يعرف قدر ما يكون فلما كان هكذا كان الرهن مفسوخا (قال الربيع) الفسخ أولى به (قال الشافعي) وهذا كرجل رهن دارا على أن يزيده معها دارا مثلها أو عبدا قيمته كذا غير أن البيع إن وقع على شرط هذا الرهن فسخ الرهن وكان للبائع الخيار لانه لم يتم له ما اشترط ولو رهنه ماشية على أن لربها لبنها ونتاجها أو حائطا على أن لربه ثمره أو عبدا على أن لسيده خراجه أو دارا على أن لمالكها كراءها كان الرهن جائزا لان هذا لسيده وإن لم يشترطه (قال الشافعي) كل شرط ](3/159)
[ اشترطه المشترى على البائع هو للمشترى لو لم يشترطه كان الشرط جائزا كهذا الشرط وذلك أنه له لو لم يشترطه.
جماع ما يجوز أن يكون مرهونا وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله: الرهن المقبوض ممن يجوز رهنه ومن يجوز ارتهانه ثلاث أصناف صحيح وآخر معلول وآخر فاسد فأما الصحيح منه فكل ما كان ملكه تاما لراهنه ولم يكن الرهن جنى في عنق نفسه جناية ويكون المجني عليه أحق برقبته من مالكه حتى يستوفى ولم يكن الملك أوجب فيه حقا لغير مالكه من رهن ولا إجارة ولا بيع ولا كتابة ولا جارية أولدها أو دبرها ولا حقا لغيره يكون
أحق به من سيده حتى تنقضي تلك المدة، فإذا رهن المالك هذا رجلا وقبضه المرتهن فهذا الرهن الصحيح الذى لا علة فيه وأما المعلول فالرجل يملك العبد أو الامة أو الدار فيجنى العبد أو الامة على آدمى جناية عمدا أو خطأ أو يجنيان على مال آدمى فلا يقوم المجني عليه ولا ولى الجناية عليهما حتى يرهنهما مالكيهما ويقبضها المرتهن فإذا ثبتت البينة على الجناية قبل الرهن أو أقر بها الراهن والمرتهن فالرهن باطل مفسوخ وكذلك لو أبطل رب الجناية الجناية عن العبد أو الامة أو صالحه سيدهما منهما على شئ كان الرهن مفسوخا لان ولى الجناية كان أولى بحق في رقابهما من مالكهما حتى يستوفى حقه في رقابهما أرش جنايته أو قيمة ماله فإذا كان أولى بثمن رقابهما من مالكهما حتى يستوفى حقه في رقابهما لم يجز لمالكهما رهنهما ولو كانت الجناية تسوى دينارا وهما يسويان ألوفا لم يكن ما فضل منهما رهنا وهذا أكثر من أن يكون مالكهما رهنهما بشئ ثم رهنهما بعد الرهن بغيره فلا يجوز الرهن الثاني، لانه يحول دون بيعهما وإدخال حق على حق صاحبهما المرتهن الاول الذى هو أحق به مالكهما وسواء ارتهنهما المرتهن بعد علمه بالجناية أو قبل علمه بها، أو قال أرتهن منك ما يفضل عن الجناية، أو لم يقله فلا يجوز الرهن، وفى رقابهما جناية بحال وكذلك لا يجوز ارتهانهما وفى رقابهما رهن بحال ولا فضل من رهن بحال ولو رهن رجل رجلا عبدا أو دارا بمائة فقضاه إياها إلا درهما ثم رهنها غيره لم تكن رهنا للآخر لان الدار والعبد قد ينقص ولا يدرى كم انتقاصه يقل أو يكثر، ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة فقبضهما المرتهن ثم أقر الراهن أنهما جنيا قبل الرهن جناية وادعى ذلك ولى الجناية ففيها قولان، أحدهما أن القول للراهن لانه يقر بحق في عنقه عبده ولا تبرأ ذمته من دين المرتهن وقيل يحلف المرتهن ما علم الجناية قبل رهنه فإذا حلف وأنكر المرتهن أو لم يقر بالجناية قبل رهنه كان القول في إقرار الراهن بأن عبده جنى قبل أن يرهنه واحدا من قولين أحدهما أن العبد رهن ولا يؤخذ من ماله شئ وإن كان موسرا لانه إنما أقر في شئ واحد بحقين لرجلين أحدهما من قبل الجناية والآخر من قبل الرهن وإذا فك من الرهن وهو له فالجناية في رقبته بإقرار سيده إن كانت خطأ أو عمدا لا قصاص فيها وإن كانت عمدا فيها قصاص لم يقبل قوله على العبد إذا لم يقر بها، والقول الثاني أنه إن كان موسرا أخذ من السيد الاقل من قيمة العبد أو الجناية فدفع إلى المجني عليه لانه يقر بأن في عنق عبده حقا أتلفه على المجني
عليه برهنه إياه وكان كمن أعتق عبده وقد جنى وهو موسر وقيل يضمن الاقل من قيمته أو الجناية وهو رهن بحاله ولا يجوز أن يخرج من الرهن وهو غير مصدق على المرتهن وإنما أتلف على المجني عليه لا على ](3/160)
[ المرتهن وإن كان معسرا فهو رهن بحاله ومتى خرج من الرهن وهو في ملكه فالجناية في عنقه وإن خرج من الرهن ببيع ففى ذمة سيده الاقل من قيمته أو الجناية ولو شهد شاهد على جنايتهما قبل الرهن والرهن عبدان حلف ولى المجني عليه مع شاهده وكانت الجناية أولى بهما من الرهن حتى يستوفى المجني عليه جنايته ثم يكون ما فضل من ثمنهما رهنا مكانهما ولو أراد الراهن أن يحلف لقد جنيا لم يكن ذلك له لان الحق بالجناية في رقابهما لغيره ولا يحلف على حق غيره ولو رهن رجل رجلا عبدا فلم يقبضه حتى أقر بعتقه أو بجناية لرجل أو برهن فيه قبل الرهن فإقراره جائز لان العبد لم يكن مرهونا تام الرهن إنما يتم الرهن فيه إذا قبض ولو رهنه العبد وقبضه المرتهن ثم أقر الراهن بأنه أعتقه كان أكثر من إقراره بأنه جنى جناية فإن كان موسرا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا وإن كان معسرا وأنكر المرتهن بيع له منه بقدر حقه، فإن فضل فضل عتق الفضل منه وإن برئ العبد من الرهن في ملك المقر بالعتق عتق وإن بيع فملكه سيده بأى وجه ملكه عتق عليه لانه مقر أنه حر ولو رهنه جارية وقبضها ثم أقر بوطئها قبل الرهن فإن لم تأت بولد فهى رهن بحالها وكذلك لو قامت بينة على وطئه إياها قبل الرهن لم تخرج من الرهن حتى تأتى بولد فإذا جاءت بولد وقد قامت البينة على إقراره بوطئه إياها قبل الرهن خرجت من الرهن وإن أقر بوطئها قبل الرهن وجاءت بولد لاقل من ستة أشهر من يوم كان الرهن فهو ابنه وهى خارجة من الرهن (قال الربيع) قال أبو يعقوب البويطى وكذلك عندي إن جاءت بولد لاكثر ما تلد له النساء وذلك لاربع سنين ألحق به الولد وإن كان إقراره بالوطئ قبل الرهن قال الربيع: وهو قولى أيضا (قال الشافعي) وإن جاءت بولد لستة أشهر من يوم كان الرهن أو أكثر فأقر الراهن بالوطئ كان كإقرار سيدها بعتقها أو أضعف وهى رهن بحالها ولا تباع حتى تلد وولدها ولد حر بإقراره ومتى ملكها فهى أم ولد له ولو لم يقر المرتهن في جميع المسائل ولم ينكر قيل إن أنكرت وحلفت جعلنا الرهن رهنك، وإن لم تحلف أحلفنا الراهن، لكان ما قال قبل رهنك وأخرجنا الرهن من الرهن بالعتق والجارية بأنها أم ولد
له وكذلك إن أقر فيها بجناية فلم يحلف المرتهن على علمه كان المجني عليه أولى بها منه إذا حلف المجني عليه أو وليه ولو اشترى أمة فرهنها وقبضت ثم قال هو أو البائع: إنك اشتريتها مني على شرط فذكر أنه كان الشراء على ذلك الشرط فاسدا كان فيها قولان أحدهما أن الرهن مفسوخ لانه لا يرهن إلا ما يملك وهو لم يملك ما رهن وهكذا لو رهنها ثم أقر أنه غصبها من رجل أو باعه إياها قبل الرهن وعلى الراهن اليمين بما ذكر للمرتهن وليس على المقر له يمين، والقول الثاني: أن الرهن جائز بحاله ولا يصدق على إفساد الرهن.
وفيما أقر به قولان أحدهما أن يغرم للذى أقر له بأنه غصبها منه قيمتها فإن رجعت إليه دفعت إلى الذى أقر له بها إن شاء ويرد القيمة وكانت إذا رجعت إليه بيعا للذى أقر أنه باعها إياه ومردودة على الذى أقر أنه اشتراها منه شراء فاسدا قال الربيع وهذا أصح القولين (قال الشافعي) ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة قد ارتدا عن الاسلام وأقبضهما المرتهن كان الرهن فيهما صحيحا ويستتابان فإن تابا وإلا قتلا على الردة وهكذا لو كانا قطعا الطريق قتلا إن قتلا وهكذا لو كانا سرقا قطعا وهكذا لو كان عليهما حد أقيم وهما على الرهن، في هذا كله لا يختلفان سقط عنهما الحد أو عطل بحال لان هذا حق لله تعالى عليهما ليس بحق لآدمي في رقابهم وهكذا لو أتيا شيئا مما ذكرت بعد الرهن لم يخرجا من الرهن بحال ولو رهنهما وقد جنيا جناية كان صاحب الجناية أولى بهما من السيد الراهن فإن أعفاهما أو فداهما سيدهما أو كانت الجناية قليلة فبيع فيها أحدهما فليس برهن من قبل أن صاحب الجناية كان أحق بهما من المرتهن حين كان الرهن ولو كانا رهنا وقبضا ثم جنيا بعد الرهن ثم برئا من الجناية بعفو من المجني ](3/161)
[ عليه أو وليه أو صلح أو أي وجه برئا من البيع فيهما كانا على الرهن بحالهما لان أصل الرهن كان صحيحا وأن الحق في رقابهما قد سقط عنهما، ولو أن رجلا دبر عبده ثم رهنه كان الرهن مسفوخا لانه قد اثبت للعبد عتقا قد يقع بحال قبل حلول الرهن فلا يسقط العتق والرهن غير جائز فإن قال قد رجعت في التدبير أو أبطلت التدبير ثم رهنه ففيها قولان أحدهما أن يكون الرهن جائزا وكذلك لو قال بعد الرهن قد رجعت في التدبير قبل أن أرهنه كان الرهن جائزا ولو قال بعد الرهن قد رجعت في التدبير وأثبت الرهن لم يثبت إلا بأن يجدد رهنا بعد الرجوع في التدبير والقول الثاني أن الرهن غير جائز وليس له أن
يرجع في التدبير إلا بأن يخرج العبد من ملكه ببيع أو غيره فيبطل التدبير وإن ملكه ثانية فرهنه، جاز رهنه لانه ملكه بغير الملك الاول ويكون هذا كعتق إلى غاية لا يبطل إلا بأن يخرج العبد من ملكه قبل أن يقع وهكذا المعتق إلى وقت من الاوقات ولو قال إن دخلت الدار فأنت حر ثم رهنه كان هكذا ولو كان رهنه عبدا ثم دبره بعد الرهن كان التدبير موقوفا حتى يحل الحق ثم يقال إن أردت إثبات التدبير فاقض الرجل حقه أو أعطه قيمة العبد المدبر قضاء من حقه وإن لم ترده فارجع في التدبير بأن تبيعه فإن أثبت الرجوع في التدبير بعد محل الحق أخذنا ملك قيمته فدفعناها إليه فإن لم نجدها بيع العبد المدبر حتى يقضى الرجل حقه وإنما يمنعنى أن آخذ القيمة منه قبل محل الحق أن الحق كان إلى أجل لو كان العبد سالما من التدبير لم يكن للمرتهن بيعه ولم يكن التدبير عتقا واقعا ساعته تلك وكان يمكن أن يبطل فتركت أخذ القيمة منه حتى يحل الحق فيكون الحكم حينئذ ولو رهن رجل عبده ثم دبره ثم مات الراهن المدبر فإن كان له وفاء يقضى صاحب الحق حقه منه عتق المدبر من الثلث وإن لم يكن له ما يقضى حقه منه ولم يدع مالا إلا المدبر بيع من المدبر بقدر الحق فإن فضل منه فضل عتق ثلث ما بقى من المدبر بعد قضاء صاحب الحق حقه وإن كان له ما يقضى صاحب الحق بعض حقه قضيته وبيع له من العبد الرهن المدبر بقدر ما يبقى من دينه وعتق ما يبقى منه في الثلث (قال الشافعي) ولو رهن رجل رجلا عبدا له قد أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان الرهن مفسوخا للعتق الذى فيه وهذا في حال المدبر أو أكثر حالا منه لا يجوز الرهن فيه بحال، ولو رهنه ثم أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان القول فيه كالقول في العبد يرهنه ثم يدبره، وإذا رهنه عبدا اشتراه شراء فاسدا فالرهن باطل لانه لم يملك ما رهنه، ولو لم يرفع الراهن الحكم إلى الحاكم حتى يملك العبد بعد فأراد إقراره على الرهن الاول لم يكن ذلك لهما حتى يجددا فيه رهنا مستقبلا بعد الملك الصحيح ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا لرجل غائب حى أو لرجل ميت وقبضه المرتهن ثم علم بعد ذلك أن الميت أوصى به للراهن فالرهن مفسوخ لانه رهنه ولا يملكه ولو قبله الراهن كان الرهن مفسوخا لا يجوز حتى يرهنه وهو يملكه ولو لم تقم بينة وادعى المرتهن أن الراهن رهنه إياه وهو يملكه كان رهنا وعلى المرتهن اليمين ما رهنه منه إلا وهو يملكه فإن نكل عن اليمين حلف الراهن ما رهنه وهو يملكه ثم كان الرهن مفسوخا ولو رهن رجل رجلا عصيرا
حلوا كان الرهن جائزا ما بقى عصيرا بحاله فإن حال إلى أن يكون خلا أو مزا أو شيئا لا يسكر كثيره فالرهن بحاله وهذا كعبد رهنه ثم دخله عيب أو رهنه معيبا فذهب عنه العيب أو مريضا فصح فالرهن بحاله لا يتغير بتغير حاله لان بدن الرهن بعينه وإن حال إلى أن يصير مسكرا لا يحل بيعه فالرهن مفسوخ لانه حالى إلى أن يصير حراما لا يصح بيعه كهو لو رهنه عبدا فمات العبد ولو رهنه عصيرا فصب فيه الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا كان رهنا بحاله ولو صار خمرا ثم صب فيه الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا خرج من الرهن حين صار خمرا ولم يحل لمالكه ولا تحل الخمر عندي والله تعالى أعلم ](3/162)
[ أبدا إذا فسدت بعمل آدمى فإن صار العصير خمرا ثم صار خلا من غير صنعة آدمى فهو رهن بحاله ولا أحسبه يعود خمرا ثم يعود خلا بغير صنعة آدمى إلا بأن يكون في الاصل خلا فلا ينظر إلى تصرفه فيما بين أن كان عصيرا إلى أن كان خلا ويكون انقلابه عن الحلاوة والحموضة منزلة انقلب عنها كما انقلب عن الحلاوة الاولى إلى غيرها ثم يكون حكمه حكم مصيره إذا كان بغير صنعة آدمى ولو تبايعا الراهن والمرتهن على أن يرهنه عصيرا بعينه فرهنه إياه وقبضه ثم صار في يديه خمرا خرج من أن يكون رهنا ولم يكن للبائع أن يفسخ البيع لفساد الرهن كما لو رهنه عبدا فمات لم يكن له أن يفسخه بموت العبد ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إياه، فإذا هو من ساعته خمر كان له الخيار لانه لم يتم له الرهن ولو اختلفا في العصير فقال الراهن رهنتكه عصيرا ثم عاد في يديك خمرا، وقال المرتهن بل رهنتنيه خمرا ففيها قولان أحدهما أن القول قول الراهن لان هذا يحدث كما لو باعه عبدا فوجد به عيبا يحدث مثله فقال المشترى بعتنيه وبه العيب، وقال البائع حدث عندك كان القول قوله مع يمينه ومن قال هذا القول قال يهراق الخمر ولا رهن له والبيع لازم، والقول الثاني أن القول قول المرتهن لانه لم يقر له أنه قبض منه شيئا يحل ارتهانه بحال لان الخمر محرم بكل حال وليس هذا كالعيب الذى يحل ملك العبد وهو به والمرتهن بالخيار في أن يكون حقه ثابتا بلا رهن أو يفسخ البيع وإذا رهن الرجل الرجل الرهن على أن ينتفع المرتهن بالرهن إن كانت دارا سكنها أو دابة ركبها فالشرط في الرهن باطل ولو كان اشترى منه على هذا فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إقراره بالرهن ولا شرط له فيه ولا يفسد هذا الرهن إن
شاء المرتهن لانه شرط زيادة مع الرهن بطلت لا الرهن (قال الربيع) وفيها قول آخر أن البيع إذا كان على هذا الشرط فالبيع منتقض بكل حال وهو أصحهما (قال الشافعي) ولا بأس أن يرهن الرجل الرجل الامة ولها ولد صغير لان هذا ليس بتفرقة منه.
الرهن الفاسد (قال الشافعي) رحمه الله: والرهن الفاسد أن يرتهن الرجل من الرجل مكاتبه قبل أن يعجز ولو عجز لم يكن على الرهن حتى يجدد له رهنا يقبضه بعد عجزه ولو ارتهن منه أم ولده كان الرهن فاسدا في قول من لا يبيع أم الولد أو يرتهن من الرجل ما لا يحل له بيعه مثل الخمر والميتة والخنزير أو يرتهن منه ما لا يملك فيقول أرهنك هذه الدار لتي أنا فيها ساكن ويقبضه إياها، أو هذا العبد الذى هو في يدي عارية أو بإجارة ويقبضه إياه على أنى اشتريته ثم يشتريه فلا يكون رهنا ولا يكون شئ رهنا حتى ينعقد الرهن والقبض فيه والراهن مالك لا يجوز بيعه قبل الرهن وبيعه معه ولو عقد الرهن وهو لا يجوز له رهنه ثم أقبضه إياه وهو يجوز رهنه لم يكن رهنا حتى يجتمع الامران معا، وذلك مثل أن يرهنه الدار وهى رهن ثم ينفسخ الرهن فيها فيقبضه إياها وهى خارجة من الرهن الاول فلا يجوز الرهن فيها حتى يحدث له رهنا يقبضها به وهى خارجة من أن تكون رهنا لرجل أو ملكا لغير الراهن ولا يجوز أن يرهن رجل رجلا ذكر حق له على رجل، قبل ذلك الذى عليه، ذكر الحق أو لم يقبله لان إذكار الحقوق ليست بعين قائمة للراهن فيرهنها المرتهن وإنما هي شهادة بحق في ذمة الذى عليه الحق فالشهادة ليست ملكا والذمة بعينها ليست ملكا فلا يجوز والله تعالى أعلم أن يجوز الرهن فيها في قول من أجاز بيع الدين ](3/163)
[ ومن لم يجزه أرأيت إن قضى الذى عليه ذكر الحق المرهون صاحب الحق حقه أما يبرأ من الدين؟ فإذا برئ منه انفسخ المرتهن للدين بغير فسخه له ولا اقتضائه لحقه ولا إبرائه منه ولا يجوز أن يكون رهن إلى الراهن فسخه بغير أمر المرتهن فإن قيل فيتحول رهنه فما اقتضى منه قيل فهو إذا رهنه مرة كتابا ومالا والرهن لا يجوز إلا معلوما وهو إذا كان له مال غائب فقال أرهنك مالى الغائب لم يجز حتى يقبض والمال كان غير مقبوض حين رهنه إياه وهو فاسد من جميع جهاته ولو ارتهن رجل من رجل عبدا وقبضه ثم
إن المرتهن رهن رجلا أجنبيا العبد الذى ارتهن أو قال حقى في العبد الذى ارتهنت لك رهن وأقبضه إياه لم يجز الرهن فيه، لانه لا يملك العبد الذى ارتهن وإنما له شئ في ذمة مالكه جعل هذا الرهن وثيقة منه إذا أداه المالك انفسخ من عنق هذا، أو رأيت إن أدى الراهن الاول الحق أو أبرأه منه المرتهن أما ينفسخ الرهن؟ (قال) فإن قال قائل فيكون الحق الذى كان فيه رهنا إذا قبضه مكانه، قيل فهذا إذا مع أنه رهن عبدا لا يملكه رهن مرة في عبد وأخرى في دنانير بلا رضا المرتهن الآخر أرأيت لو رهن رجل رجلا عبدا لنفسه ثم أراد أن يعطى المرتهن مكان العبد خيرا منه وأكثر ثمنا أكان ذلك له؟ فإن قال ليس هذا له فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يرهن عبدا لغيره وإن كان رهنا له لانه إذا اقتضاه ما فيه خرج من الرهن وإن لم يقبض ارتهنه ماله فيه وإن قال رجل لرجل قد رهنتك أول عبد لى يطلع على أو على عبد وجدته في دارى فطلع عليه عبد له أو وجد عبدا في داره فأقبضه إياه فالرهن مفسوخ لا يجوز الرهن حتى ينعقد على شئ بعينه وكذلك ما خرج من صدفى من اللؤلؤ وكذلك ما خرج من حائطي من الثمر وهو لا ثمر فيه، فالرهن في هذا كله مفسوخ حتى يجدد له رهنا بعدما يكون عينا تقبض ولو قال رهنتك أي دورى شئت أو أي عبيدى شئت فشاء بعضهم وأقبضه إياه لم يكن رهنا بالقول الاول حتى يجدد فيه رهنا ولو رهن رجل رجلا سكنى دار له معروفة وأقبضه إياها لم يكن رهنا لان السكنى ليست بعين قائمة محتبسة وأنه لو حبس المسكن لم يكن فيه منفعة للحابس وكان فيه ضرر على الرهن ولو قال رهنتك سكنى منزلي يعنى يكريه ويأخذ كراءه كان إنما رهنه شيئا لا يعرفه يقل ويكثر ويكون ولا يكون ولو قال أرهنك سكنى منزلي يعنى يسكنه لم يكن هذا كراء جائزا ولا رهنا لان الرهن ما لم ينتفع المرتهن منه إلا بثمنه فإن سكن على هذا الشرط فعليه كراء مثل السكنى الذى سكن ولو كان لرجل عبد فرهنه من رجل ثم قال لرجل آخر قد رهنتك من عبدى الذى رهنت فلانا ما فضل عن حقه ورضى بذلك المرتهن الاول وسلم العبد فقبضه المرتهن الآخر أو لم يرض وقد قبض المرتهن الآخر الرهن أو لم يقبضه فالرهن منتقض لانه لم يرهنه ثلثا ولا ربعا ولا جزءا معلوما من عبد وإنما رهنه ما لا يدرى كم هو من العبد ولا كم هو من الثمن ولا يجوز الرهن على هذا وهو رهن للمرتهن الاول ولو رهن رجل رجلا عبدا بمائة ثم زاده مائة وقال اجعل لى الفضل عن المائة الاولى رهنا بالمائة الآخرة
ففعل كان العبد مرهونا بالمائة الاولى ولا يكون مرهونا بالمائة الاخرى وهى كالمسألة قبلها ولو أقر الراهن أن العبد ارتهن بالمائتين معا في صفقة واحدة وادعى ذلك المرتهن أو أن هذين الرجلين ارتهنا العبد معا بحقيهما وسمياه وادعيا ذلك معا أجزت ذلك فإذا أقر بأنه رهنه رهنا بعد رهن لم يقبل ولم يجز الرهن قال ولو كانت لرجل على رجل مائة فرهنه بها دارا ثم سأله أن يزيده رهنا فزاده رهنا غير الدار وأقبضه إياه فالرهن جائز وهذا كرجل كان له على رجل حتى بلا رهن ثم رهنه به رهنا وإقبضه إياه فالرهن جائز وهو خلاف المسألتين قبلها ولو أن رجلا رهن رجلا دارا بألف فأقر المرتهن لرجل غيره أن هذا الدار رهن بينه وبينه بألفين هذه الالف وألف سواها فأقر الراهن بألف لهذا المدعى الرهن المقر له المرتهن بلا رهن ](3/164)
[ وأنكر الراهن فالقول قول رب الرهن والالف التي لم يقر فيها بالرهن عليه بلا رهن في هذا الرهن والاولى بالرهن الذى أقر به ولو كان المرتهن أقر أن هذه الدار بينه وبين رجل ونسب ذلك إلى أن الالف التي باسمه بينه وبين الذى أقر له لزمه إقراره وكانت الالف بينهما نصفين وهو كرجل له على رجل حق فأقر أن ذلك الحق لرجل غيره فذلك الحق لرجل غيره على ما أقر به ولو دفع رجل إلى رجل حقا فقال قد رهنتكه بما فيه وقبضه المرتهن ورضى كان الرهن بما فيه إن كان فيه شئ منفسخا من قبل أن المرتهن لا يدرى ما فيه أرأيت لو لم يكن فيه شئ أو كان فيه شئ لا قيمة له فقال المرتهن: قبلته وأنا أرى أن فيه شيئا ذا ثمن ألم يكن ارتهن ما لم يعلم والرهن لا يجوز إلا معلوما وكذلك جراب بما فيه وخريطة بما فيها وبيت بما فيه من المتاع ولو رهنه في هذا كله الحق دون ما فيه أو قال الحق ولم يسم شيئا كان الحق رهنا وكذلك البيت دون ما فيه وكذلك كل ما سمى دون ما فيه وكان المرتهن بالخيار في فسخ الرهن والبيع إن كان عليه أو ارتهان الحق دون ما فيه وهذا في أحد القولين والقول الثاني ان البيع إن كان عليه مفسوخ بكل حال فأما الخريطة فلا يجوز الرهن فيها إلا بان يقول دون ما فيها لان الظاهر من الحق والبيت أن لهما قيمة والظاهر من الخريطة أن لا قيمة لها وإنما يراد بالرهن ما فيها قال ولو رهن رجل من رجل نخلا مثمرا ولم يسم الثمر فالثمر خارج من الرهن كان طلعا أو بسرا أو كيف كان فإن كان قد خرج طلعا كان أو غيره فاشترطه المرتهن مع النخل فهو جائز وهو رهن مع النخل لانه عين ترى وكذلك لو
ارتهن الثمر بعدما خرج ورؤى جاز الرهن وله تركه في نخله حتى يبلغ وعلى الراهن سقيه والقيام بما لا بد له منه مما لا يثبت إلا به ويصلح في شجره إلا به كما يكون عليه نفقة عبده إذا رهنه ولو رهن رجل رجلا نخلا لا ثمرة فيها على أن ما خرج من ثمرها رهن أو ماشية لا نتاج معها على أن ما نتجت رهن كان الرهن في الثمرة والنتاج فاسدا لانه ارتهن شيئا معلوما وشيئا مجهولا ومن أجاز هذا في الثمرة لزمه والله أعلم أن يجيز أن يرهن الرجل الرجل ما أخرجت نخله العام وما نتجت ماشيته العام ولزمه أن يقول أرهنك ما حدث لى من نخل أو ماشية أو ثمرة نخل أو أولاد ماشية وكل هذا لا يجوز فإن ارتهنه على هذا فالرهن فاسد وإن أخذ من الثمرة شيئا فهو مضمون عليه حتى يرد مثله وكذلك ولد الماشية أو قيمته إن لم يكن له مثل ولا يفسد الرهن في النخل والماشية التى هي بأعيانها بفساد ما شرط معها في قول من أجاز أن يرهنه عبدين فيجد أحدهما حرا أو عبدا أو زق خمر فيجيز الجائز ويرد المردود معه وفيها قول آخر أن الرهن كله يفسد في هذا كما يفسد في البيوع لا يختلف فإذا جمعت صفقة الرهن شيئين أحدهما جائز والآخر غير جائر فسدا معا وبه أخذ الربيع وقال هو أصح القولين (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل رجلا كلبا لم يجز لانه لا ثمن له وكذلك كل ما لا يحل بيعه لا يجوز رهنه ولو رهنه جلود ميتة لم تدبغ لم يجز الرهن ولو دبغت بعد لم يجز فإن رهنه إياها بعد ما دبغت جاز الرهن لان بيعها في تلك الحال يحل ولو ورث رجل مع ورثة غيب دارا فرهن حقه فيها لم يجز حتى يسميه نصفا أو ثلثا أو سهما من أسهم فإذا سمى ذلك وقبضه المرتهن جاز وإذا رهن الرجل الرجل شيئا على أنه إن لم يأت بالحق عند محله فالرهن بيع للمرتهن فالرهن مفسوخ والمرتهن فيه أسوة الغرماء ولا يكون بيعا له بما قال لان هذا لا رهن ولا بيع كما يجوز الرهن أو البيع ولو هلك في يدى المرتهن قبل محل الاجل لم يضمنه المرتهن وكان حقه بحاله كما لا يضمن الرهن الصحيح ولا الفاسد وإن هلك بعد محل الاجل في يديه ضمنه بقيمته وكانت قيمته حصصا بين أهل الحق لانه في يديه ببيع فاسد ولو كان هذا الرهن الذى فيه هذا الشرط أرضا فبنى فيها قبل محل الحق قلع بناءه منها لانه بنى قبل أن يجعله بيعا فكان بانيا قبل أن يؤذن له بالبناء ](3/165)
[ فلذلك قلعه ولو بناها بعد محل الحق فالبقعة لراهنها والعمارة للذى عمر متى أعطى صاحب البقعة قيمة
العمارة قائمة أخرجه منها وليس له أن يخرجه بغير قيمة العمارة لان بناءه كان بإذنه على البيع الفاسد ولا يخرج من بنائه بإذن رب البقعة إلا بقيمته قائما وإذا دفع الرجل إلى الرجل المتاع ثم قال كل ما اشتريت منك أو اشترى منك فلان في يومين أو سنتين أو أكثر أو على الابد فهذا المتاع مرهون به فالرهن مفسوخ ولا يجوز الرهن حتى يكون معلوما بحق معلوم وكذلك لو دفعه إليه رهنا بعشرة عن نفسه أو غيره ثم قال كل ما كان لك على من حق فهذا المتاع مرهون به مع العشرة أو كل ما صار لك على من حق فهذا مرهون لك به كان رهنا بالعشرة المعلومة التى قبض عليها ولم يكن مرهونا بما صار له عليه وعلى فلان لانه كان غير معلوم حين دفع الرهن به فإن هلك المتاع في يدى المدفوع في يديه قبل أن يشترى منه شيئا أو يكون له على فلان شئ أو بعد فهو غير مضمون عليه كما لا يضمن الرهن الصحيح ولا الفاسد إذا هلك ولو أنه دفع إليه دارا رهنها بألف ثم ازداد منه ألفا فجعل الدار رهنا بألفين كانت الدار رهنا بالالف الاولى ولم تكن رهنا بالالف الآخرة وإن كان عليه دين بيعت الدار فبدى المرتهن بالالف الاولى من ثمن الدار وحاص الغرماء بالالف الآخرة في ثمن الدار وفى مال إن كان للغريم سواها فإذا أراد أن يصح له أن تكون الدار رهنا بألفين فسخ الرهن الاول ثم استأنف ان تكون مرهونة بألفين ولو رهنه إياها بألف ثم تقارا على أنها رهن بألفين ألزمتهما إقرارهما لان الرهن الاول مفسوخ وتجدد فيها رهن صحيح بألفين وإذا كان الاقرار (1) ألزمته صاحبه قال وإذا رهن الرجل الرجل ما يفسد من يومه أو غده أو بعد يومين أو ثلاثة أو مدة قصيرة ولا ينتفع به يابسا مثل البقل والبطيخ والقثاء والموز وما أشبهه فإن كان الحق حالا فلا بأس بارتهانه ويباع على الراهن وإن كان الرهن إلى أجل يتباقى إليه فلا يفسد فلا بأس وإن كان إلى أجل يفسد إليه الرهن كرهته ولم أفسخه وإنما منعنى من فسخه أن للراهن بيعه قبل محل الحق على أن يعطى صاحب الحق حقه بلا شرط وإن الراهن قد يموت من ساعته فيباع فإن تشارطا في الرهن أن لا يبيعه إلى أن يحل الحق أو أن الراهن إن مات لم يبعه إلى يوم كذا وهو يفسد إلى تلك المدة فالرهن مفسوخ ولو رهنه ما يصلح بعد مدة مثل اللحم الرطب ييبس والرطب ييبس وما أشبهه كان الرهن جائزا لا أكرهه بحال ولم يكن للمرتهن تيبيسه حتى يأذن بذلك الراهن فإن سأل المرتهن في المسائل كلها بيع الرهن خوف فساده إذا لم يأذن للمرتهن بتيبيس ما يصلح للتيبيس منه لم
يكن ذلك له إلا أن يأذن الراهن وكذلك كرهت رهنه وإن لم أفسخه.
زيادة الرهن (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن الرجل الرجل الجارية حبلى فولدت أو غير حبلى فحبلت وولدت فالولد خارج من الرهن لان الرهن في رقبة الجارية دون ما يحدث منها وهكذا إذا رهنه الماشية مخاضا فنتجت أو غير مخاض فمخضت ونتجت فالنتاج خارج من الرهن وكذلك لو رهنه شاة فيها لبن فاللبن خارج من الرهن لان اللبن غير لشاة (قال الربيع) وقد قيل اللبن إذا كان فيها حين رهنها فهو ]
__________
(1) قوله: وإذا كان الاقرار ألزمته الخ كذا بالاصول التى بأيدينا وفيها سقط لا يخفى ولعل الاصل " وإذا كان الاقرار من أحدهما ألزمته الخ " وحرر اه.(3/166)
[ رهن معها كما يكون إذا باعها كان اللبن لمشتريها وكذلك نتاج الماشية إذا كانت مخاضا وولد الجارية إذا كانت حبلى يوم يرهنها فما حدث بعد ذلك من اللبن فليس برهن (قال الشافعي) ولو رهنه جارية عليها حلى كان الحلى خارجا من الرهن وهكذا لو رهنه نخلا أو شجرا فأثمرت كانت الثمرة خارجة من الرهن لانها غير الشجرة قال وأصل معرفة هذا أن للمرتهن حقا في رقبة الرهن دون غيره وما يحدث منه مما قد يتميز منه غيره وهكذا لو رهنه عبدا فاكتسب العبد كان الكسب خارجا من الرهن لانه غير العبد والولاد والنتاج واللبن وكسب الرهن كله للراهن ليس للمرتهن أن يحبس شيئا عنه وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فدفعه إليه فهو على يديه رهن ولا يمنع سيده من أن يؤجره ممن شاء فإن شاء المرتهن أن يحضر إجارته حضرها وإن أراد سيده أن يخدمه خلى بينه وبينه فإذا كان الليل أوى إلى الذى هو على يديه وإن أراد سيده إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه إلا بإذن المرتهن وهكذا إن أراد المرتهن إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه منه وإذا مرض العبد أخذ الراهن بنفقته وإذا مات أخذ بكفنه لانه مالكه دون المرتهن وأكره رهن الامة إلا أن توضع على يدى امرأة ثقة لئلا يغب (2) عليها رجل غير مالكها ولا أفسخ رهنها إن رهنها فإن كان للرجل الموضوعة على يديه أهل أقررتها عندهم وإن لم يكن عنده نساء وسأل الراهن أن لا يخلو الذى هي على يديه بها أقررتها رهنا ومنعت الرجل غير سيدها
المغب عليها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بامرأة وقلت تراضيا بامرأة تغيب عليها وإن أراد سيدها أخذها لتخدمه لم يكن له ذلك لئلا يخلو بها خوف أن يحبلها فإن لم يرد ذلك الراهن فيتواضعانها على يدى امرأة بحال وإن لم يفعلا جبرا على ذلك ولو شرط السيد للمرتهن أن تكون على يديه أو يد رجل غيره ولا أهل لواحد منهما ثم سأل إخراجها أخرجتها إلى امرأة ثقة ولم أجز أبدا أن يخلو بها رجل غير مالكها وعلى سيد الامة نفقتها حية وكفنها ميتة وهكذا إن رهنه دابة تعلف فعليه علفها وتأوى إلى المرتهن أو إلى الذى وضعت على يديه ولا يمنع مالك الدابة من كرائها وركوبها وإذا كان في الرهن در ومركب فللراهن حلب الرهن وركوبه (أخبرنا) سفيان عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال الرهن مركوب ومحلوب (قال الشافعي) يشبه قول أبى هريرة والله تعالى أعلم أن من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن درها وظهرها لان له رقبتها وهى محلوبة ومركوبة كما كانت قبل الرهن ولا يمنع الراهن برهنه إياها من الدر والظهر الذى ليس هو الرهن بالرهن الذى هو غير الدر والظهر وهكذا إذا رهنه ماشية راعية فعلى ربها رعيها وله حلبها ونتاجها وتأوى إلى المرتهن أو الموضوعة على يديه وإذا رهنه ماشية وهو في بادية فأجدب موضعها وأراد المرتهن حبسها فليس ذلك له ويقال له إن رضيت أن ينتجع بها ربها وإلا جبرت أن تضعها على يدى عدل ينتجع بها إذا طلب ذلك ربها وإذا أراد رب الماشية النجعة من غير جدب والمرتهن المقام قيل لرب الماشية ليس لك إخراجها من البلد الذى رهنتها به إلا من ضرر عليها ولا ضرر عليه فوكل برسلها من شئت وإن أراد المرتهن النجعة من غير جدب قيل له ليس لك تحويلها من البلد الذى ارتهنتها به وبحضرة مالكها إلا من ضرورة فتراضيا من شئتما ممن يقيم في الدار ما كانت غير مجدبة فإن لم يفعلا جبرا على رجل تأوى إليه وإن كانت الارض التى رهنها بها غير مجدبة وغيرها أخصب منها لم يجبر واحد منهما على نقلها منها فإن أجدبت فاختلفت نجعتهما إلى بلدين مشتبهين في الخصب فسأل رب الماشية أن تكون معه وسأل المرتهن أن تكون معه قيل إن اجتمعتما معا ببلد فهى مع المرتهن أو الموضوعة على يديه وإن اختلفت داركما فاختلفتما جبرتما على عدل تكون على يديه في البلد الذى ينتجع إليه رب الماشية لينتفع برسلها وأيهما دعا إلى بلد فيه عليها ضرر لم يجب عليه الحق الراهن في رقابها ورسلها وحق المرتهن في رقابها وإذا رهنه ماشية عليها صوف ]
__________
(2) قوله: لئلا يغب وكذا قوله بعد " المغب " وقوله " تغب عليها " كذا بالاصول بغين معجمة فرسم باء أو ياء بدون نقط والمناسب للمعنى واللغة " المغب " بباء موحدة مشددة من " أغب " علينا أتى مرة بعد أخرى.
وحرر اه مصححه.(3/167)
[ أو شعر أو وبر فإن أراد الراهن ان يجزه فذلك له لان صوفها وشعرها ووبرها غيرها كاللبن والنتاج وسواء كان الدين حالا أو لم يكن أو قام المرتهن ببيعه أو لم يقم كما يكون ذلك سواء في اللبن (قال الربيع) وقد قيل إن صوفها إذا كان عليها يوم رهنها فهو رهن معها ويجز ويكون معها مرهونا لئلا يختلط به ما يحدث من الصوف لان ما يحدث للراهن (قال الشافعي) وإذا رهنه دابة أو ماشية فأراد أن ينزى عليها وأبى ذلك المرتهن فليس ذلك للمرتهن فإن كان رهنه منها ذكرانا فأراد أن ينزيها فله أن ينزيها لان إنزاءها من منفعتها ولا نقص فيه عليها وهو يملك منافعها وإذا كان فيها ما يركب ويكرى لم يمنع ان يكريه ويعلفه وإذا رهنه عبدا فأراد الراهن أن يزوجه أو أمة فأراد ان يزوجها فليس ذلك له لان ثمن العبد أو الامة ينتقص بالتزويج ويكون مفسدة لها بينة وعهدة فيها وكذلك العبد ولو رهنه عبدا أو أمة صغيرين لم يمنع أن يعذرهما لان ذلك سنة فيهما وهو صلاحهما وزيادة في أثمانهما وكذلك لو عرض لهما ما يحتاجان فيه إلى فتح العروق وشرب الدواء أو عرض للدواب ما تحتاج به إلى علاج البياطرة من توديج وتبزيغ وتعريب وما أشبهه لم يمنعه وإن امتنع الراهن أن يعالجها بدواء أو غيره لم يجبر عليه فإن قال المرتهن أنا أعالجها وأحسبه على الراهن فليس ذلك له وهكذا إن كانت ماشية فجربت لم يكن للمرتهن أن يمنع الراهن من علاجها ولم يجبر الراهن على علاجها وما كان من علاجها ينفع ولا يضر مثل أن يملحها أو يدهنها في غير الحر بالزيت أو يمسحها بالقطران مسحا خفيفا أو يسعط الجارية أو الغلام أو يمرخ قدميه أو يطعمه سويقا قفارا أو ما أشبه هذا فتطوع المرتهن بعلاجها به لم يمنع منه ولم يرجع على الراهن به وما كان من علاجها ينفع أو يضر مثل فتح العروق وشرب الادوية الكبار التى قد تقتل فليس للمرتهن علاج العبد ولا الدابة وإن فعل وعطبت ضمن إلا أن يأذن السيد له به وإذا كان الرهن أرضا لم يمنع الراهن من أن يزرعها الزرع الذي يقلع قبل محل الحق أو معه وفيما لا ينبت من الزرع قبل محل الحق قولان أحدهما أن
يمنع الراهن في قول من لا يجيز بيع الارض منزرعة دون الزرع من زرعها ما ينبت فيها بعد محل الحق وإذا تعدى فزرعها بغير إذن المرتهن ما ينبت فيها بعد محل الحق لم يقلع زرعه حتى يأتي محل الحق فإن قضاه ترك زرعه وإن بيعت الارض مزروعة فبلغت وفاء حقه لم يكن له قلع زرعه وإن لم تبلغ وفاء حقه إلا بأن يقلع الزرع أمر بقلعه إلا أن يجد من يشتريها منه بحقه على أن يقلع الزرع ثم يدعه إن شاء متطوعا، وهذا في قول من أجاز بيع الارض مزروعة والقول الثاني لا يمنع من زرعها بحال ويمنع من غراسها وبنائها إلا أن يقول أنا أقلع ما أحدثت إذا جاء الاجل فلا يمنعه وإذا رهنه الارض فأراد أن يحدث فيها عينا أو بئرا فإن كانت العين أو البئر تزيد فيها أو لا تنقص ثمنها لم يمنع ذلك وإن كانت تنقص ثمنها ولا يكون فيما يبقى منها عوض من نقص موضع البئر أو العين بأن يصير إذا كانا فيه أقل ثمنا منه قبل يكونان فيه منعه، وإن تعدى بعمله فهو كما قلت في الزرع لا يدفن عليه حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه القول في الزرع والغراس وهكذا كلما أراد أن يحدث في الارض المرهونة إن كان لا ينقصها لم يمنعه وإن كان ينقصها منعه ما يبقى ولا يكون ما أحدث فيها داخلا في الرهن إلا أن يدخله الراهن فكان إذا أدخله لم ينقص الرهن لم يمنعه وإن كان ينقصه منعه وإذا رهنه نخلا لم يمنعه أن يأبرها ويصرمها يعنى يقطع جريدها وكرانيفها وكل شئ انتفع به منها لا يقتل النخل ولا ينقص ثمنه نقصا بينا ويمنع ما قتل النخل وأضر به من ذلك وإن رهنه نخلا في الشربة منه نخلات فأراد تحويلهن إلى موضع غيره وامتنع المرتهن سئل أهل العلم بالنخل فإن زعموا أن الاكثر لثمن الارض والنخل أن يتركن لم يكن له تحويلهن وإن زعموا أن الاكثر بثمن الارض والنخل أن يحول بعضهن ولو ترك مات لانهن إذا كان بعضهن مع بعض قتله أو منع منفعته حول من الشربة حتى يبقى فيها ما لا يضر بعضه بعضا وإن زعموا أن لو حول كله كان خيرا للارض في العاقبة وأنه قد لا يثبت لم يكن لرب الارض أن يحوله كله لانه قد لا يثبت وإنما له أن يحول منه ما لا نقص في تحويله على الارض لو هلك كله وهكذا لو أراد أن يحول مساقيه فان لم يكن في ذلك نقص النخل أو الارض ترك وإن كان فيه نقص الارض أو النخل أو هما لم يترك ](3/168)
[ فإن كانت في الشربة نخلات فقيل الاكثر لثمن الارض أن يقطع بعضهن، ترك الراهن وقطعه وكان
جميع النخلة المقطوعة جذعها وجمارها رهنا بحاله وكذلك قلوبها وما كان من جريدها لو كانت قائمة لم يكن لرب النخلة قطعها وكان ما سوى ذلك من ثمرها وجريدها الذى لو كانت قائمة كان لرب النخلة نزعه من كرانيف وليف لرب النخلة خارجا من الرهن وإذا قلع منها شيئا فثبته في الارض التى هي رهن فهو رهن فيها لان الرهن وقع عليه وإذا أخرجه إلى أرض غيرها لم يكن ذلك له إن كان له ثمن وكان عليه أن يبيعه فيجعل ثمنه رهنا أو يدعه بحاله، ولو قال المرتهن في هذا كله للراهن اقلع الضرر من نخلك لم يكن ذلك عليه لان حق الراهن بالملك أكثر من حق المرتهن بالرهن (قال الشافعي) وإذا رهنه أرضا لا نخل فيها فأخرجت نخلا فالنخل خارج من الرهن وكذلك ما نبت فيها ولو قال المرتهن له اقلع النخل وما خرج قيل إن أدخله في الرهن متطوعا لم يكن عليه قلعها بكل حال لانها تزيد الارض خيرا فإن قال لا أدخلها في الرهن لم يكن عليه قلعها حتى يحل الحق فإن بلغت الارض دون النخل حق المرتهن لم يقلع النخل وإن لم تبلغه قيل لرب النخل إما أن توفيه حقه بما شئت من أن تدخل معى الارض النخل أو بعضه وإما أن تقلع عنه النخل وإن فلس بديون الناس والمسألة بحالها بيعت الارض بالنخل ثم قسم الثمن على أرض بيضاء بلا نخل وعلى ما بلغت قيمة الارض والنخل فأعطى مرتهن الارض ما أصاب الارض وللغرماء ما أصاب النخل وهكذا لو كان هو غرس النخل أو أحدث بناء في الارض وهكذا جميع الغراس والبناء والزرع ولو رهنه أرضا ونخلا ثم اختلفا فقال الراهن قد نبت في هذه الارض نخل لم أكن رهنتكه وقال المرتهن ما نبت فيه إلا ما كان في الرهن أريه أهل العلم به فإن قالوا قد ينبت مثل هذا النخل بعد الرهن كان القول قول الراهن مع يمينه وما نبت خارج من الرهن ولا ينزع حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه كما وصفت فإن قالوا لا ينبت مثل هذا في هذا الوقت لم يصدق وكان داخلا في الرهن لا يصدق إلا على ما يكون مثله وإذا ادعى أنه غراس لا بواسطة منبت سئلوا أيضا فإن كان يمكن أن يكون من الغراس ما قال فهو خارج من الرهن وإن لم يكن يمكن فهو داخل في الرهن، ولو كان ما اختلفا فيه بنيانا فإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون يبنى في مثلها بحال فالقول قول الراهن، وإن كانت لم تأت عليه مدة يمكن أن يكون يبنى في مثلها بحال، فالبناء داخل في الرهن، وإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون بعض البناء فيها،
وبعض لا يمكن أن يكون فيها كان البناء الذى لا يمكن أن يكون فيها داخلا في الرهن والبناء الذى يمكن أن يكون فيها خارجا من الرهن مثل أن يكون جدار طوله عشرة أذرع يمكن أن يكون أساسه وقدر ذراع منه، كان قبل الرهن وما فوق ذلك يمكن أن يكون بعد الرهن، وإذا رهنه شجرا صغارا فكبر فهو رهن بحاله لانه رهنه بعينه وكذلك لو رهنه ثمرا صغارا فبلغ كان رهنا بحاله، وإذا رهنه أرضا ونخلا فانقطعت عينها أو انهدمت ودثر مشربها لم يجبر الراهن أن يصلح من ذلك شيئا ولم يكن للمرتهن أن يصلحه على أن يرجع به على الراهن، كان الراهن غائبا أو حاضرا وإن أصلحه فهو متطوع بإصلاحه وإن أراد إصلاحه بشئ يكون صلاحا مرة وفسادا أخرى فليس له أن يصلح به وعليه الضمان إن فسد به لانه متعد بما صنع منه، وإذا رهنه عبدا أو أمة فغاب الراهن أو مرض فأنفق عليهما فهو متطوع ولا تكون له النفقة حتى يقضى بها الحاكم على الغائب ويجعلها دينا عليه، لانه لا يحل ان تمات ذوات الارواح بغير حق ولا حرج في إماتة ما لا روح فيه من أرض ونبات، والدواب ذوات الارواح كلها كالعبيد إذا كانت مما تعلف فإن كانت سوائم رعيت ولم يؤمر بعلفها لان السوائم هكذا تتخذ ولو تساوكت هزلا وكان الحق حالا فللمرتهن أخذ الراهن ببيعها وإن كان الحق إلى أجل فقال المرتهن مروا الراهن بذبحها فيبيع لحومها وجلودها لم يكن ذلك على الراهن لان الله عزوجل قد يحدث لها الغيث فيحسن حالها به، ولو أصابها مرض جرب أو غيره لم يكلف علاجها لان ذلك قد يذهب بغير العلاج ولو أجدب مكانها حتى تبين ضرره عليها كلف ربها النجعة بها إذا كانت النجعة موجودة ](3/169)
[ لانها إنما تتخد على النجعة ولو كان بمكانها عصم من عضاه تماسك بها وإن كانت النجعة خيرا لها لم يكلف صاحبها النجعة بها لانها لا تهلك على العصم، ولو كانت الماشية أو ارك أو خميصة أو غوادي فاستؤنيت مكانها فسأل المرتهن الراهن أن ينتجع بها إلى موضع غيره لم يكن ذلك له على الراهن لان المرض قد يكون من غير المرعى فإذا كان الرعى موجودا لم يكن عليه إبدالها غيره وكذلك الماء، وإن كان غير موجود كلف النجعة إذا قدر عليها إلا أن يتطوع بأن يعلفها فإذا ارتهن الرجل العبد وشرط ماله رهنا كان العبد رهنا وما قبض من ماله رهن وما لم يقبض خارج من الرهن.
ضمان الرهن (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه " (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن يحيى بن أبى أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وفيه دليل على أن جميع ما كان رهنا غير مضمون على المرتهن لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال " الرهن من صاحبه الذى رهنه فمن كان منه شئ فضمانه منه لا من غيره " ثم زاد فأكد له فقال " له غنمه وعليه غرمه " وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه فلا يجوز فيه إلا أن يكون ضمانه من مالكه لا من مرتهنه ألا ترى أن رجلا لو ارتهن من رجل خاتما بدرهم يسوى درهما فهلك الخاتم فمن قال يذهب درهم المرتهن بالخاتم كان قد زعم أن غرمه على المرتهن لان درهمه ذهب به وكان الراهن بريئا من غرمه لانه قد أخذ ثمنه من المرتهن ثم لم يغرم له شيئا وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله والله تعالى أعلم " لا يغلق الرهن " لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن قضاء حقه عند محله ولا يستحق مرتهنه خدمته ولا منفعة فيه بارتهانه إياه ومنفعته لراهنه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " هو من صاحبه الذى رهنه " ومنافعه من غنمه وإذا لم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم رهنا دون رهن فلا يجوز أن يكون من الرهن مضمون ومنه غير مضمون لان الاشياء لا تعدو أن تكون أمانة أو في حكمها فما ظهر هلاكه وخفي من الامانة سواء أو مضمونة فما ظهر هلاكه وخفى من المضمون سواء ولو لم يكن في الرهن خبر يتبع ما جاز في القياس إلا أن يكون غير مضمون لان صاحبه دفعه غير مغلوب عليه وسلط المرتهن على حبسه ولم يكن له إخراجه من يديه حتى يوفيه حقه فيه فلا وجه لان يضمن من قبل أنه إنما يضمن ما تعدى الحابس يحبسه من غصب أو بيع عليه تسليمه فلا يسلمه أو عارية ملك الانتفاع بها دون مالكها فيضمنها كما يضمن السلف والرهن ليس في شئ من هذه المعاني فإذا رهن الرجل الرجل شيئا فقبضه المرتهن فهلك الرهن في يدى القابض فلا ضمان عليه والحق ثابت كما كان قبل الرهن (قال الشافعي) لا يضمن المرتهن ولا الموضوع على يديه الرهن من الرهن شيئا إلا فيما
يضمنان فيه الوديعة والامانات من التعدي فإن تعديا فيه فهما ضامنان وما لم يتعديا فالرهن بمنزلة الامانة، فإذا دفع الراهن إلى المرتهن الرهن ثم سأله الراهن أن يرده إليه فامتنع المرتهن فهلك الرهن في يديه لم يضمن شيئا لان ذلك كان له وإذا قضى الراهن المرتهن الحق أو أحاله به على غيره ورضى ](3/170)
[ المرتهن بالحوالة أو أبرأه المرتهن منه بأى وجه كان من البراءة ثم سأله الرهن فحبسه عنه وهو يمكنه أن يؤديه إليه فهلك الرهن في يدى المرتهن فالمرتهن ضامن لقيمة الرهن بالغة ما بلغت إلا أن يكون الرهن كيلا أو وزنا يوجد مثله فيضمن مثل ما هلك في يديه لانه متعد بالحبس وإن كان رب الرهن آجره فسأل المرتهن أخذه من عند من آجره ورده إليه فلم يمكنه ذلك أو كان الرهن غائبا عنه بعلم الراهن فهلك في الغيبة بعد براءة الراهن من الحق وقبل تمكن المرتهن أن يرده لم يضمن وكذلك لو كان عبدا فأبق أو جملا فشرد ثم برئ الراهن من الحق لم يضمن المرتهن لانه لم يحبسه ورده يمكنه، والصحيح من الرهن والفاسد في أنه غير مضمون سواء كما تكون المضاربة الصحيحة والفاسدة في أنها غير مضمونة سواء ولو شرط الراهن على المرتهن أنه ضامن للرهن إن هلك كان الشرط باطلا، كما لو قارضه أو أودعه فشرط أنه ضامن كان الشرط باطلا وإذا دفع الراهن الرهن على أن المرتهن ضامن فالرهن فاسد وهو غير مضمون إن هلك، وكذلك إذا ضاربه على أن المضارب ضامن فالمضاربة فاسدة غير مضمونة وكذلك لو رهنه وشرط له إن لم يأته بالحق إلى كذا فالرهن له بيع فالرهن فاسد والرهن لصاحبه الذى رهنه، وكذلك إن رهنه دارا بألف على أن يرهنه أجنبي داره إن عجزت دار فلان عن حقه أو حدث فيها حدث ينقص حقه لان الدار الآخرة مرة رهن ومرة غير رهن ومرهونة بما لا يعرف ويفسد الرهن لانه إنما زيد معه شئ فاسد ولو كان رهنه داره بألف على أن يضمن له المرتهن داره إن حدث فيها حدث فالرهن فاسد، لان الراهن لم يرض بالرهن إلا على أن يكون له مضمونا وإن هلكت الدار لم يضمن المرتهن شيئا.
التعدي في الرهن (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا دفع الرجل إلى الرجل متاعا له رهنا فليس له أن يخرجه من
البلد الذي ارتهنه به، إلا بإذن سيده فإن أخرجه بغير إذن سيد المتاع فهلك فهو ضامن لقيمته يوم أخرجه لانه يومئذ تعدى فيه فإذا أخذت قيمته منه خير صاحب المتاع أن تكون قصاصا من حقه عليه أو تكون مرهونة حتى يحل حق صاحب الحق ولو أخرجه من البلد ثم رده إلى صاحبه ولم يفسخ الرهن فيه برئ من الضمان وكان له قبضه بالرهن فإن قال صاحب المتاع دفعته إليك وأنت عندي أمين فتغيرت أمانتك بتعديك بإخراجك إياه فأنا مخرجه من الرهن لم يكن له إخراجه من الرهن وقيل إن شئت أن تخرجه إلى عدل تجتمع أنت وهو على الرضا به أخرجناه إلا أن يشاء أن يقره في يديه وهكذا لو لم يتعد بإخراجه فتغيرت حاله عما كان عليه إذ دفع الرهن إليه إما بسوء حال في دينه أو إفلاس ظهر منه ولو امتنع المرتهن في هذه الحالات من أن يرضى بعدل يقوم على يديه جبر على ذلك لتغيره عن حاله حين دفع إليه إذا أبى الراهن أن يقره في يديه ولو لم يتغير المرتهن عن حاله بالتعدي ولا غيره مما يغير الامانة وسأل الراهن أن يخرج من يديه الرهن لم يكن ذلك له وهكذا الرجل يوضع على يديه الرهن فيتغير حاله عن الامانة فأيهما دعا إلى إخراج الرهن من يديه كان له، الراهن لانه ماله أو المرتهن لانه مرهون بماله ولو لم يتغير حاله فدعا أحدهما إلى إخراجه من يديه لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما عليه ولو اجتمعا على إخراجه من يديه فأخرجاه ثم أراد رب الرهن فسخ الرهن لم يكن له فسخه أو أراد المرتهن قبضه لم يكن له وإن كان أمينا لان الراهن لم يرض أمانته وإذا دعوا إلى رجل بعينه فتراضيا به ](3/171)
[ أو اثنين أو امرأة فلهما وضعه على يدى من تراضيا به وإن اختلفا فيمن يدعوان إليه قيل لهما اجتمعا فإن لم يفعلا اختار الحاكم الافضل من كل من دعا واحد منهما إليه إن كان ثقة فدفعه إليه وإن لم يكن واحد ممن دعوا إليه ثقة قيل ادعوا إلى غيره فإن لم يفعلا اختار الحاكم له ثقة فدفعه إليه وإذا أراد العدل الذى على يديه الرهن الذى هو غير الراهن والمرتهن رده بلا علة أو لعلة والمرتهن والراهن حاضران فله ذلك ولا يجبر على حبسه وإن كانا غائبين أو أحدهما لم يكن له إخراجه من يدى نفسه فإن فعل بغير أمر الحاكم فهلك ضمن وإن جاء الحاكم فإن كان له عذر أخرجه من يديه وذلك أن يبدو له سفر أو يحدث له وان كان مقيما شغل أو علة وإن لم يكن له عذر أمره بحبسه إن كانا قريبا حتى يقدما أو يوكلا فإن كانا بعيدا
لم أر عليه أن يضطره إلى حبسه وإنما هي وكالة وكل بها بلا منفعة له فيها ويسأله ذلك فإن طابت نفسه بحبسه وإلا أخرجه إلى عدل وغيره وتعدى العدل الموضوع على يديه الرهن في الرهن وتعدى المرتهن سواء يضمن مما يضمن منه المرتهن إذا تعدى فإذا تعدى فأخرج الرهن فتلف ضمن وإن تعدى المرتهن والرهن موضوع على يدى العدل فأخرج الرهن ضمن حتى يرده على يدى العدل فإذا رده على يدي العدل برئ من الضمان كما يبرأ منه لو رده إلى الراهن لان العدل وكيل الراهن وإذا أعار الموضوع على يديه الرهن فهلك فهو ضامن لانه متعد والقول في قيمته قوله مع يمينه فإن قال كان الرهن لؤلؤة صافية وزنها كذا قيمتها كذا، قومت بأقل ما تقع عليه تلك الصفة ثمنا وأردئه فإن كان ما ادعى مثله أو أكثر قبل قوله وإن ادعى ما لا يكون مثله لم يقبل قوله وقومت تلك الصفة على أقل ما تقع عليه ثمنا وأردئه يغرمه مع يمينه وهكذا إن مات فأوصى بالرهن إلى غيره كان لايهما شاء إخراجه لانهما رضيا أمانته ولم يجتمعا على الرضا بأمانة غيره وإن كان من أسند ذلك إليه إذا غاب أو عند موته ثقة ويجتمعان على من تراضيا أو ينصب لهما الحاكم ثقة كما وصفت وإذا مات المرتهن فإن كان ورثته بالغين قاموا مقامه وإن كان فيهم صغير قام الوصي مقامه وإن لم يكن وصى ثقة قام الحاكم مقامه في أن يصير الرهن على يدى ثقة.
بيع الرهن ومن يكون الرهن على يديه (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ارتهن الرجل من الرجل العبد وشرط عليه أن له إذا حل حقه أن يبيعه لم يجز له بيعه إلا بأن يحضر رب العبد أو يوكل معه ولا يكون وكيلا بالبيع لنفسه فإن باع لنفسه فالبيع مردود بكل حال ويأتى الحاكم حتى يأمر من يبيع ويحضره وعلى الحاكم إذا ثبت عنده ببينة أن يأمر رب العبد أن يبيع فإن امتنع أمر من يبيع عليه وإذا كان الحق إلى أجل فتعدى الموضوع على يديه الرهن فباعه قبل محل الحق فالبيع مردود وهو ضامن لقيمته إن فات ولا يكون الدين حالا كان البائع المرتهن أو عدل الرهن على يديه ولا يحل الحق المؤجل بتعدى بائع له وكذلك لو تعدى بأمر الراهن ولو كان الرهن على يدى عدل لا حق له في المال ووكله الراهن والمرتهن ببيعه كان له أن يبيعه ما لم يفسخا وكالته وأيهما فسخ وكالته لم يكن له البيع بعد فسخ الوكالة وببيع الحاكم على الراهن إذا سأل ذلك
المرتهن وإذا باع الموضوع على يديه الرهن بإذن الراهن والمرتهن والحاكم بالبيع بما لا يتغابن أهل البصر به فالبيع مردود وكذلك إن باع الحاكم بذلك فبيعه مردود وإذا باع بما يتغابن الناس بمثله بإذن الراهن والمرتهن بالبيع فالبيع لازم وإن وجد أكثر مما باع به ولو باع بشئ يجوز فلم يفارق بيعه حتى يأتيه من ](3/172)
[ يزيده قبل الزيادة ورد البيع فإن لم يفعل فبيعه مردود لانه قد باع له بشئ قد وجد أكثر منه وله الرد وإذا حل الحق وسأل الراهن بيع الرهن وأبى ذلك المرتهن أو المرتهن وابى الراهن أمرهما الحاكم بالبيع فإن امتنعا أمر عدلا فباع وإذا أمر القاضى عدلا فباع أو كان الرهن على يدى غير المرتهن فباع بأمر الراهن والمرتهن فهلك الثمن لم يضمن البائع شيئا من الثمن الذى هلك في يديه وإن سأل الموضوع على يديه الرهن البائع أجر مثله لم يكن له، لانه كان متطوعا بذلك كان ممن يتطوع مثله أو لا يتطوع ولا يكون له أجر إلا بشرط وليس للحاكم إن كان يجد عدلا يبيع إذا أمره متطوعا أن يجعل لغيره أجرا وإن كان عدلا في بيعه ويدعو الراهن والمرتهن بعدل وأيهما جاءه بعدل يتطوع ببيع الرهن أمره ببيعه وطرح المؤنة وإن لم يجده استأجر على الرهن من يبيعه وچعل أجره في ثمن الرهن لانه من صلاح الرهن إلا أن يتطوع به الراهن أو المرتهن وإذا تعدى البائع بحبس الثمن بعد قبضه إياه أو باعه بدين فهرب المشترى أو ما أشبه هذا ضمن قيمخة الرهن، قال أبو يعقوب وأبو محمد: عليه في حبس الثمن مثله وفى بيعه بالدين قيمته (قال الشافعي) وإذا بيع الرهن فالمرتهن أولى بثمنه حتى يستوفى حقه فإن لم يكن فيه وفاء حقه حاص غرماء الراهن بما بقى من ماله غير مرهون وإذا أراد أن يحاصهم قبل أن يباع رهنه لم يكن له ذلك ووقف مال غريمه حتى يباع رهنه ثم يحاصهم بما فضل عن رهنه وإن هلك رهنه قبل أن يباع أو ثمنه قبل أن يقبضه حاصهم بجميع رهنه وإذا بيع الرهن لرجل فهلك ثمنه فثمنه من الراهن حتى يقبضه المرتهن وهكذا لو بيع ما لغرمائه بطلبهم بيعه فوقف ليحسب بينهم فهلك هلك من مال المبيع عليه دون غرمائه وهو من مال المبيع عليه حتى يستوفى غرماؤه وإذا رهن الرجل دارا بألف فمات الراهن فطلب المرتهن بيعها فأمر الحاكم ببيعها فبيعت من رجل بألف فهلكت الالف في يدى العدل الذى أمره الحاكم بالبيع وجاء رجل فاستحق الدار على الميت لا يضمن الحاكم ولا العدل من الالف التى
قبض العدل شيئا بهلاكها في يده لانه أمين وأخذ المستحق الدار وكانت ألف المرتهن في ذمة الراهن متى وجد مالا أخذها وكذلك ألف المشترى في ذمة الراهن لانها أخذت بثمن مال له فلم يسلم له المال فمتى وجد له مالا أخذها وعهدته على الميت الذي بيعت عليه الدار وسواء كان المبيعة عليه الدار لا يجد شيئا غير الدار أو موسرا في أن العهدة عليه كهى عليه لو باع على نفسه وليس الذى بيع له الرهن بأمره من العهدة بسبيل (قال الشافعي) وبيع الرباع والارضين والحيوان وغيرها من الرهون سواء إذا سلط الراهن والمرتهن العدل الذى لا حق له في الرهن على بيعها باع بغير أمر السلطان (قال الشافعي) ويتأنى بالرباع والارضين للزيادة أكثر من تأنيه بغيرها فإن لم يتأن وباع بما يتغابن الناس بمثله جاز بيعه وإن باع بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز وكذلك لو تأنى فباع بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز وإن باع بما يتغابن الناس بمثله جاز لانه قد تمكنه الفرصة في عجلته البيع وقد يتأنى فيحابى في البيع والتأنى بكل حال أحب إلى في كل شئ بيع غير الحيوان وغير ما يفسد فأما الحيوان ورطب الطعام فلا يتأنى به وإذا باع العدل الموضوع على يديه الرهن الرهن وقال قد دفعت ثمنه إلى المرتهن وأنكر ذلك المرتهن فالقول قول المرتهن وعلى البائع البينة بالدفع ولو باعه ثم قال هلك الثمن من يدى كان القول قوله فيما لا يدعى فيه الدفع ولو قيل له بيع ولم يقل له بع بدين فباع بدين فهلك الدين كان ضامنا لانه تعدى في البيع وكذلك لو قال له بع بدراهم والحق دراهم فباع بدنانير أو كان الحق دنانير فقيل له بع بدنانير فباع بدراهم فهلك الثمن كان له ضامنا وإن لم يهلك فالبيع في هذا كله مفسوخ، لانه بيع تعد ولا يملك مال رجل بخلافه ولو اختلف عليه الراهن والمرتهن فقال الراهن بع بدنانير وقال المرتهن بع بدراهم لم ](3/173)
[ يكن له أن يبيع بواحد منهما لحق المرتهن في ثمن الرهن وحق الراهن في رقبته وثمنه وجاء الحاكم حتى يأمره أن يبيع بنقد البلد ثم يصرفه فيما الرهن فيه إن كان دنانير أو دراهم ولو باع بعد اختلافهما بما الرهن به كان ضامنا وكان البيع مردودا لان لكليهما حقا في الرهن ولو باع على الامر الاول ولم يختلفا بعد عليه بما الحق به كان البيع جائزا ولو بعث بالرهن إلى بلد فبيع فيه واستوفى الثمن كان البيع جائزا وكان ضامنا إن هلك ثمنه وإنما أجزت البيع لانه لم يتعد في البيع إنما تعدى في إخراج المبيع فكان كمن باع عبدا
فأخرج ثمنه فيجوز البيع بإذن سيده ويضمن ثمنه بإخراجه بلا أمر سيده.
رهن الرجلين الشئ الواحد (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن الرجلان العبد رجلا وقبضه المرتهن منهما فالرهن جائز فإن رهناه معا ثم أقبضه أحدهما العبد ولم يقبضه الآخر فالنصف المقبوض مرهون والنصف غير المقبوض غير مرهون حتى يقبض فإذا قبض كان مرهونا وإذا أبرأ المرتهن أخذ الراهنين من حقه أو اقتضاه منه فالنصف الذى يملكه البرئ من الحق خارج من الرهن والنصف الباقي مرهون حتى يبرأ راهنه من الحق الذى فيه وهكذا كل ما رهناه معا عبدا كان أو عبيدا أو متاعا أو غيره، وإذا رهناه عبدين رهنا واحدا فهو كالعبد الواحد فإن تراضى الراهنان بأن يصير أحد العبدين رهنا لاحدهما والآخر للآخر فقضاه أحدهما وسأل أن يفك له العبد الذى صار إليه لم يكن ذلك له ونصف كل واحد من العبدين خارج من الرهن والنصف الآخر في الرهن لانهما دفعا الرهن صفقة فكل واحد من الرهنين مرهون النصف عن كل واحد منهما فليس لهما أن يقتسماه عليه ولا يخرجان حقه من نصف واحد منهما إلى غيره وحظ القاضى منهما الرهن خارج من الرهن، فلو كان كل واحد منهما رهنه أحد العبدين على الانفراد ثم تقارا في العبدين فصار الذى رهنه عبد الله ملكا لزيد والذى رهنه زيد ملكا لعبد الله فقضاه عبد الله وسأله فك عبده الذى رهنه زيد لانه صار له لم يكن ذلك له وعبد عبد الله الذى رهنه فصار لزيد خارج من الرهن وعبد زيد الذى صار له مرهون بحاله حتى يفتكه زيد لان زيدا رهنه وهو يملكه فلا يخرج من رهن زيد حتى يفتكه زيد أو يبرأ زيد من الحق الذي فيه ولو كان عبدان بين رجلين فرهناهما رجلا فقالا مبارك رهن عن محمد وميمون رهن عن عبد الله كانا كما قالا وأيهما أدى فك له العبد الذى رهن بعينه ولم يفك له شئ من غيره ولو كانت المسألة بحالها وزاد فيها شرطا أن أينا أدى إليك قبل صاحبه فله أن يفك نصف العبدين أو له أن يفك أي العبدين شاء كان الرهن مفسوخا لان كل واحد منهما لم يجعل الحق محضا في رهنه دون رهن صاحبه فكل واحد منهما في شرط صاحبه مرهون مرة على الكمال وخارج من الرهن بغير براءة من راهنه من جميع الحق ولو كانت المسألة بحالها وشرط له الراهنان أنه إذا قضى أحدهما ما عليه فلا يفك له رهنه حتى يقضى الآخر ما عليه كان الشرط فيه باطلا لان
الحق أن يكون خارجا من الرهن إذا لم يكن فيه رهن غيره وأن لا يكون رهنا إلا بأمر معلوم لا أن يكون مرهونا بأمر غير معلوم وشرط فيه مرة أنه رهن بشئ غير معلوم على المخاطرة فيكون مرة خارجا من الرهن إذا قضيا معا وغير خارج من الرهن إذا لم يقض أحدهما ولا يدرى ما يبقى على الآخر وقد كانا رهنين متفرقين ولو كانت المسألة بحالها فتشارطوا أن أحدهما إذا أدى ما عليه دون ما على صاحبه خرج ](3/174)
[ الرهنان معا وكان ما يبقى من المال بغير رهن كان الرهن فاسدا لانهما في هذا الشرط رهن مرة وأحدهما خارج من الرهين أخرى بغير عينه لانى لا أدرى أيهما يؤدى وعلى أيهما يبقى الدين ولو رهن رجل رجلا عبدا إلى سنة على أنه إن جاءه بالحق إلى سنة وإلا فالعبد خارج من الرهن كان الرهن فاسدا وكذلك لو رهنه عبدا على أنه إن جاءه بحقه عند محله وإلا خرج العبد من الرهن وصارت داره رهنا لم تكن الدار رهنا وكان الرهن في العبد مفسوخا لانه داخل في الرهن مرة وخارج منه أخرى بغير براءة من الحق الذي فيه ولو رهنه رهنا على أنه إن جاءه بالحق وإلا فالرهن له بيع فالرهن مفسوخ لانه شرط أنه رهن في حال وبيع في أخرى.
رهن الشئ الواحد من رجلين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل العبد من رجلين بمائة فنصفه مرهون لكل واحد منهما بخمسين فإذا دفع إلى أحدهما خمسين فهى له دون المرتهن معه ونصف العبد الذى كان مرهونا (1) عن القاضى منهما خارج من الرهن وكذلك لو أبرأ الراهن من حقه كانت البراءة له تامة دون صاحبه وكان نصف العبد خارجا من الرهن ونصفه مرهونا وإذا دفع إليهما معا خمسين أو تسعين فالعبد كله مرهون بما بقى لهما لا يخرج منه شئ من الرهن حتى يستوفى أحدهما جميع حقه فيه، فيخرج حقه من الرهن أو يستوفيا معا فتخرج حقوقهما معا والاثنان الراهنان والمرتهنان يخالفان الواحد كما يكون الرجلان يشتريان العبد فيجدان به عيبا فيريد أحدهما الرد بالعيب والآخر التمسك بالشراء فيكون ذلك لهما، ولو كان المشترى واحدا فأراد رد نصف العبد وإمساك نصفه لم يكن له ذلك.
رهن العبد بين الرجلين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا كان العبد بين الرجلين فأذنا لرجل أن يرهنه لرجلين بمائة فرهنه بها ووكل المرتهنان رجلا يقبض حقهما فأعطاه الراهن خمسين على أنها حق فلان عليه فهى من حق فلان ونصف العبد خارج من الرهن لان كل واحد منهما مرتهن نصفه فسواء ارتهنا العبد معا أو أحدهما نصفه ثم الآخر نصفه بعده وهكذا لو دفعها إلى أحدهما دون الآخر ولو دفعها إلى وكيلهما ولم يسم لمن هي ثم قال هي لفلان فهى لفلان فإن قال هذه قضاء مما على ولم يدفعها الوكيل إلى واحد منهما ثم قال ادفعها إلى أحدهما كانت للذى أمره أن يدفعها إليه وإن دفعها الوكيل إليهما معا فأخذاها ثم قال هي لفلان لم يكن لاحدهما أن يأخذ من الآخر ما قبض من مال غريمه ألا ترى أنه لو وجد لغريمه مالا فأخذه لم يكن لغريمه إخراجه من يديه وإذا كان المرتهن عالما بأن العبد لرجلين وكان الرهن على بيع لم يكن له خيار في نقض البيع وإن افتك المرتهن حق أحدهما دون الآخر كما لو رهنه رجلان عبدا كان لاحدهما أن يفتك دون الآخر ولا خيار للمرتهن وإن كان المرتهن جاهلا أن العبد لاثنين فقضاه الغريم ما قضاه مجتمعا فلا خيار له وإن قضاه عن أحدهما دون الآخر ففيها قولان أحدهما أن له الخيار في نقض البيع ]
__________
(1) قوله: عن القاضى منهما كذا بالاصول التى بيدنا.
ولعله " عند القابض منهما " وحرره.
كتبه مصححه.(3/175)
[ لان العبد إذا لم يفك إلا معا كان خيرا للمرتهن والآخر لا خيار له لان العبد مرهون كله والله أعلم.
رهن الرجل الواحد الشيئين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل عبدين أو عبدا ودارا أو عبدا ومتاعا بمائة فقضاه خمسين فأراد أن يخرج من الرهن شيئا قيمته من الرهن أقل من نصف الرهن أو نصفه لم يكن ذلك له ولا يخرج منه شيئا حتى يوفيه آخر حقه وهكذا لو رهنه دنانير أو دراهم أو طعاما واحدا فقضاه نصف حقه فأراد ان يخرج نصف الطعام أو الدنانير أو الدراهم أو أقل من الدراهم لم يكن ذلك له ولا يفك من الرهن شيئا إلا معا لانه قد يعجل بالقضاء التماس فك جميع الرهن أو موضع حاجته منه ولو كان رجلان رهنا معا شيئا من العروض كلها العبيد أو الدور أو الارضين أو المتاع بمائة فقضاه أحدهما ما عليه فأراد القاضى والراهن معه الذى لم يقض أن يخرج عبدا من أولئك العبيد
قيمته أقل من نصف الرهن لم يكن له ذلك وكان عليه أن يكون نصيبه رهنا حتى يستوفى المرتهن آخر حقه ونصيب كل واحد مما رهنا خارج من الرهن وذلك نصيب الذى قضى حقه ولو كان ما رهنا دنانير أو دراهم أو طعاما سواء فقضاه أحدهما ما عليه فأراد أن يأخذ نصف الرهن وقال الذى أدع في يديك مثل ما آخذ منك بلا قيمة فذلك له ولا يشبه الاثنان في الرهن في هذا المعنى الواحد فإذا رهنا الذهب والفضة والطعام الواحد فأدى أحدهما ورضى شريكه مقاسمته كان على المرتهن دفع ذلك إليه لانه قد برئت حصته كلها من الرهن وأن ليس في حصته إشكال إذ ما أخذ منها كما بقى وأنها لا تحتاج إلى أن تقوم بغيرها ولا يجوز أن يحبس رهن أحدهما وقد قضى ما فيه برهن آخر لم يقض ما فيه.
إذن الرجل للرجل في أن يرهن عنه ما للآذن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عنه عبدا للآذن فإن لم يسم بكم يرهنه أو سمى شيئا يرهنه فرهنه بغيره وإن كان أقل قيمة منه لم يجز الرهن ولا يجوز حتى يسمى مالك العبد ما يرهنه به ويرهنه الراهن بما سمى أو بأقل منه مما أذن له به كان أذن له أن يرهنه بمائة دينار فرهنه بخمسين لانه قد أذن له بالخمسين وأكثر ولو رهنه بمائة دينار ودينار لم يجز من الرهن شئ وكذلك لو أبطل المرتهن حقه من الرهن فيما زاد على المائة لم يجز وكذلك لو أذن له أن يرهنه بمائة دينار فرهنه بمائة درهم لم يجز الرهن كما لو أمره أن يبيعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار أو بمائة شاة لم يجز البيع للخلاف ولو قال المرتهن: قد أذنت له أن يرهنه فرهنه بمائة دينار وقال مالك العبد ما أذنت له أن يرهنه إلا بخمسين دينارا أو مائة درهم كان القول قول رب العبد مع يمينه والرهن مفسوخ ولو أذن له أن يرهنه بمائة دينار فرهنه بها إلى أجل وقال مالك العبد لم آذن له إلا على أن يرهنه بها نقدا كان القول قول مالك العبد مع يمينه والرهن مفسوخ وكذلك لو قال: أذنت له أن يرهنه إلى شهر فرهنه إلى شهر ويوم كان القول قوله مع يمينه والرهن مفسوخ ولو قال ارهنه بما شئت فرهنه بقيمته أو أقل أو أكثر كان الرهن مفسوخا، لان الرهن بالضمان أشبه منه بالبيوع لانه اذن له أن يجعله مضمونا في عنق عبده فلا يجوز أن يضمن عن غيره إلا ما علم قبل ضمانه ولو قال ارهنه بمائة دينار فرهنه بها إلى سنة فقال أردت أن يرهنه ](3/176)
[ نقدا كان الرهن مفسوخا لان له أن يأخذه إذا كان الحق في الرهن نقدا بافتداء الرهن مكانه وكذلك لو رهنه بالمائة نقدا فقال أذنت له أن يرهنه بالمائة إلى وقت يسميه كان القول قوله والرهن مفسوخ لانه قد يؤدى المائة على الرهن بعد سنة فيكون أيسر عليه من أن تكون حالة ولا يجوز إذن الرجل للرجل بأن يرهن عبده حتى يسمى ما يرهنه به والاجل فيما يرهنه به وهكذا لو قال رجل لرجل ما كان لك على فلان من حق فقد رهنتك به عبدى هذا أو دارى فالرهن مفسوخ حتى يكون علم ما كان له على فلان والقول قوله أبدا وكل ما جعلت القول فيه قوله فعليه اليمين فيه ولو علم ماله على فلان فقال لك أي مالى شئت رهن وسلطه على قبض ما شاء منه فقبضه كان الرهن مفسوخا حتى يكون معلوما ومقبوضا بعد العلم لا أن يكون الخيار إلى المرتهن وكذلك لو قال الراهن قد رهنتك أي مالى شئت فقبضه ألا ترى أن الراهن لو قال أردت أن أرهنك دارى وقال المرتهن أردت أن أرتهن عبدك أو قال الراهن اخترت أن أرهنك عبدى وقال المرتهن اخترت أن ترهننى دارك لم يكن الرهن وقع على شئ يعرفانه معا ولو قال: أردت أن أرهنك دارى فقال المرتهن: فأنا أقبل ما أردت لم تكن الدار رهنا حتى يجدد له بعد ما يعلمانها معا فيها رهنا ويقبضه إياه وإذا أذن له أن يرهن عبده بشئ مسمى فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن لم يسكن له أن يقبضه إياه وإن فعل فالرهن مفسوخ (قال الشافعي) ولو أذن له فأقبضه إياه ثم أراد فسخ الرهن لم يكن ذلك له وإن أراد الآذن أخذ الراهن بافتكاكه فإن كان الحق حالا كان له أن يقوم بذلك عليه ويبيع في ماله حتى يوفى الغريم حقه وإن لم يرد ذلك الغريم أن يسلم ما عنده من الرهن وإن كان أذن له أن يرهنه إلى أجل لم يكن له أن يقوم عليه إلى محل الاجل فإذا حل الاجل فذلك له كما كان في الحال الاول.
الاذن بالاداء عن الراهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أدى الدين الحال أو الدين المؤجل بإذنه رجع به الآذن في الرهن على الراهن حالا ولو أداه بغير إذنه حالا كان الدين أو مؤجلا كان متطوعا بالاداء ولم يكن له الرجوع به على الراهن ولو اختلفا فقال الراهن الذى عليه الحق أديت عنى بغير أمرى وقال الآذن له في الرهن قد أديت عنك بأمرك كان القول قول الراهن المؤدى عنه لانه الذى عليه الحق ولان المؤدى عنه
يريد أن يلزمه ما لا يلزمه إلا بإقراره أو ببينة تثبت عليه ولو شهد المرتهن الذى أدى إليه الحق على الراهن الذى عليه الحق أن مالك العبد الآذن له في الرهن أدى عنه بأمره كانت شهادته جائزة ويحلف مع شهادته إذا لم يبق من الحق شئ وليس ههنا شئ يجره صاحب الحق إلى نفسه ولا يدفع عنها فأرد شهادته له وكذلك لو كان بقى من الحق شئ فشهد صاحب الحق المترهن للمؤدى إليه أنه أدى بإذن الراهن الذى عليه الحق جازت شهادته له وكان في المعنى الاول ولو أذن الرجل أن يرهن عبدا له بعينه فرهن عبدا له آخر ثم اختلفا فقال مالك العبد: أذنت لك أن ترهن سالما فرهنت مباركا وقال الراهن ما رهنت إلا مباركا وهو الذى أذنت لى به، فالقول قول مالك العبد ومبارك خارج من الرهن ولو اجتمعا على أنه أذن له أن يرهن سالما بمائة حالة فرهنه بها وقال مالك العبد: أمرتك أن ترهنه من فلان فرهنته من غيره كان القول قوله والرهن مفسوخ، لانه قد يأذن في الرجل الثقة بحسن مطالبته ولا يأذن في غيره وكذلك لو قال له: بعه من فلان بمائة فباعه من غيره بمائة أو أكثر لم يجز بيعه لانه أذن له في ](3/177)
[ بيع فلان ولم يأذن له في بيع غيره وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبده فلانا وأذن لآخر أن يرهن ذلك العبد بعينه فرهنه كل واحد منهما على الانفراد وعلم أيهما رهنه أولا فالرهن الاول جائز والآخر مفسوخ وإن تداعيا المرتهنان في الرهن فقال أحدهما رهني أول، وقال الآخر رهني أول وصدق كل واحد منهما الذى رهنه أو كذبه أو صدق الراهنان المأذون لهما بالرهن أحدهما وكذبا الآخر فلا يقبل قول الراهنين ولا شهادتهما بحال، لانهما يجران إلى أنفسهما ويدفعان عنها أما ما يجران إليها فالذي يدعى أن رهنه صحيح يجر إلى نفسه جواز البيع على الراهن وأن يكون ثمن البيع في الرهن ما كان الرهن قائما دون ماله سواء وأما الذى يدفع أن رهنه صحيح فان يقول رهني آخر فيدفع أن يكون لمالك الرهن الآذن له في الرهن أن يأخذه بافتكاك الرهن وإن تركه الغريم.
وإن صدق مالك العبد المرهون أحد الغريمين فالقول قوله لان الرهن ماله وفى ارتهانه نقص عليه لا منفعة له وإن لم يعلم ذلك مالك العبد ولم يدر أي الرهنين أولا فلا رهن في العبد ولو كان العبد المرهون حين تنازعا في أيديهما معا أو أقام كل واحد منهما بينة أنه كان في يده ولم توقت البينتان وقتا يدل على أنه كان رهنا في يد أحدهما قبل الآخر فلا رهن
وإن وقتت وقتا يدل على أنه كان رهنا لاحدهما قبل الآخر كان رهنا للذى كان في يديه أولا، وأى المرتهنين أراد أن أحلف له الآخر على دعواه أحلفته له، وإن أراد أن أحلف لهما المالك أحلفته على علمه وإن أراد أو أحدهما أن أحلف له راهنه لم أحلفه لانه لو أقر بشئ أو ادعاه لم ألزمه إقراره ولم آخذ له بدعواه ولو أن رجلا رهن عبده رجلين وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله بالرهن، فادعى كل واحد منهما أن رهنه وقبضه كان قبل رهن صاحبه وقبضه ولم يقم لواحد منهما بينة على دعواه وليس الرهن في يدى واحد منهما فصدق الراهن أحدهما بدعواه فالقول قول الراهن ولا يمين عليه للذى زعم أن رهنه كان آخرا، ولو قامت بينة للذى زعم الراهن أن رهنه كان آخرا بأن رهنه كان أولا كانت البينة أولى من قول الراهن ولم يكن على الراهن أن يعطيه رهنا غيره ولا قيمة رهن، ولو أن الراهن أنكر معرفة أيهما كان أولا وسأل كل واحد منهما يمينه وادعى علمه أنه كان أولا أحلف بالله ما يعلم أيهما كان أولا وكان الرهن مفسوخا وكذلك لو كان في أيديهما معا، ولو كان في يد أحدهما دون الآخر وصدق الراهن الذى ليس الرهن في يديه كان فيها قولان أحدهما أن القول قول الراهن كان الحق الذى أقر له الراهن في العبد أقل من حق الذى زعم أن رهنه كان آخرا أو أكثر، لان ذمته لا تبرأ من حق الذى أنكر أن يكون رهنه آخرا ولا تصنع كينونة الرهن ههنا في يده شيئا لان الرهن ليس يملك بكينونته في يده، والآخر أن القول قول الذى في يديه الرهن لانه يملك بالرهن مثل ما يملك المرتهن غيره.
الرسالة في الرهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دفع الرجل إلى الرجل متاعا فقال له: ارهنه عند فلان فرهنه عنده فقال الدافع إنما أمرته أن يرهنه عندك بعشرة، وقال المرتهن جاءني برسالتك في أن أسلفك عشرين فأعطيته إياها فكذبه الرسول فالقول قول الرسول والمرسل ولا أنظر إلى قيمة الرهن، ولو صدقه الرسول فقال قد قبضت منك عشرين ودفعتها إلى المرسل وكذبه المرسل كان القول قول المرسل مع يمينه ما أمره إلا بعشرة ولا دفع إليه إلا هي وكان الرهن بعشرة وكان الرسول ضامنا للعشرة التى أقر ](3/178)
[ بقبضها مع العشرة التى أقر المرسل بقبضها ولو دفع إليه ثوبا فرهنه عند رجل وقال الرسول امرتني برهن
الثوب عند فلان بعشرة فرهنته وقال المرسل أمرتك أن تستسلف من فلان عشرة بغير رهن ولم آذن لك في رهن الثوب فالقول قول صاحب الثوب والعشرة حالة عليه ولو كانت المسألة بحالها فقال أمرتك بأخذ عشرة سلفا في عبدى فلان وقال الرسول بل في ثوبك هذا أو عبدك هذا العبد غير الذى أقر به الآمر فالقول قول الآمر والعشرة حالة عليه ولا رهن فيما رهن به الرسول ولا فيما أقر به الآمر لانه لم يرهن إلا أن يجددا فيه رهنا ولو كانت المسألة بحالها فدفع المأمور الثوب أو العبد الذي أقر الآمر أنه أمره برهنه كان العبد مرهونا والثوب الذى أنكر الآمر أنه أمره برهنه خارجا من الرهن ولو أقام المرتهن البينة أن الآمر أمر برهن الثوب وأقام الآمر البينة أنه أمر برهن العبد دون الثوب ولم يرهن المأمور العبد أو أنه نهى عن رهن الثوب كانت البينة بينة المرتهن وأجزت له ما أقام عليه البينة رهنا لانى إذا جعلت بينهما صادقة معا، لم تكذب إحداهما الاخرى لان بينة المرتهن بأن رب الثوب أكره برهنه قد تكون صادقة بلا تكذيب لبينة الراهن أنه نهى عن رهنه ولا أنه أمر رهن غيره لانه قد ينهى عن رهنه بعد ما يأذن فيه ويرهن فلا ينفسخ ذلك الرهن وينهى عن رهنه قبل يرهن ثم يأذن فيه، فإذا رهنه فلا يفسخ ذلك الرهن، فإذا كانتا صادقتين بحال لم يحكم لهما حكم المتضادتين اللتين لا تكونان أبدا إلا وإحداهما كاذبة.
شرط ضمان الرهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل عبدا بمائة ووضع الرهن على يدى عدل على أنه إن حدث في الرهن حدث ينقص ثمنه من المائة، أو فات الراهن أو تلف فالمائة مضمونة على أجنبي أو ما نقص الرهن مضمون على أجنبي أو على الذى على يديه الرهن حتى يستوفى صاحب الحق رهنه أو يضمن الموضوع على يديه الرهن أو أجنبي ما نقص الرهن كان الضمان في ذلك كله ساقطا لانه لا يجوز الضمان إلا بشئ معلوم، ألا ترى أن الرهن إن وفى لم يكن ضامنا لشئ وإن نقص ضمن في شرطه فيضمن مرة دينارا ومرة مائتي دينار ومرة مائة وهذا ضمان مرة ولا ضمان أخرى وضمان غير معلوم ولا يجوز الضمان حتى يكون بأمر معلوم ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة وضمن له رجل المائة عن الراهن كان الضمان له لازما وكان للمضمون له أن يأخذه بضمانه دون الذى عليه الحق وقيل يباع
الرهن وإذا كان لرجل على رجل حق إلى أجل فزاده في الاجل على أن يرهنه رهنا فرهنه إياه فالرهن مفسوخ والدين إلى أجله الاول.
تداعى الراهن وورثة المرتهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات المرتهن وادعى ورثته في الرهن شيئا، فالقول قول الراهن وكذلك القول قوله لو كان المرتهن حيا فاختلفا وكذلك قول ورثة الراهن وإذا مات المرتهن فادعى الراهن أو ورثته أن الميت اقتضى حقه أو برأه منه فعليهم البينة فالقول قول ورثة الذى له الحق إذا عرف لرجل حقا أبدا فهو لازم لمن كان عليه لا يبرأ منه إلا بإبراء صاحب الحق له أو ببينة تقوم عليه ](3/179)
[ بشئ يثبتونه بعينه فيلزمه ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة دينار ثم مات المرتهن أو غلب على عقله فأقام الراهن البينة على أنه قضاه من حقه الذى به الرهن عشرة وبقيت عليه تسعون فإذا أداها، فك له الرهن وإلا بيع الرهن عند محله واقتضيت منه التسعون ولو قالت البينة قضاه شيئا ما نثبته أو قالت البينة أقر عندنا المرتهن أنه اقتضى منه شيئا ما نثبته كان القول قول ورثته إن كان ميتا قبل أقروا فيها بشئ ما كان واحلفوا ما تعلمون أنه أكثر منه وخذوا ما بقى من حقكم ولو كان الراهن الميت والمرتهن الحى كان القول قول المرتهن فإن قال المرتهن قد قضانى شيئا من الحق ما أعرفه قيل للراهن إن كان حيا وورثته إن كان ميتا ادعيتم شيئا تسمونه أحلفناه لكم فإن حلف برئ منه وقلنا أقر بشئ ما كان فما أقر به وحلف ما هو أكثر منه، قبلنا قوله فيه.
جناية العبد المرهون على سيده وملك سيده عمدا أو خطأ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل عبده فجنى العبد على سيده جناية تأتى على نفسه فولى سيده بالخيار بين القصاص منه وبين العفو بلا شئ في رقبته فإن اقتص منه فقد بطل الرهن فيه وإن عفا عنه بلا شئ يأخذه منه فالعبد مرهون بحاله وإن عفا عنه بأخذ ديته من رقبته ففيها قولان أحدهما أن جنايته على سيده إذا أتت على نفس سيده كجنايته على الأجنبي لا تختلف في شئ ومن قال هذا قال: إنما منعنى إذا ترك الولى القود على أخذ المال أن أبطل الجناية أن الجناية التى لزمت
العبد مال للوارث والوارث ليس بمالك للعبد يوم جنى فيبطل حقه في رقبته بأنه ملك له والقول الثاني أن الجناية هدر من قبل أن الوارث إنما يملكها بعدما يملكها المجني عليه، ومن قال هذا قال لولا أن الميت مالك ما قضى بها دينه ولو كان للسيد وارثان فعفا أحدهما عن الجناية بلا مال كان العفو في القول الاول جائزا وكان العبد مرهونا بحاله وإن عفا الآخر بمال يأخذه بيع نصفه في الجناية وكان للذى لم يعف ثمن نصفه إن كان مثل الجناية أو أقل وكان نصفه مرهونا وسواء الذى عفا عن المال والذى عفا عن غير شئ فيما وصفت ولو كانت المسألة بحالها وللسيد المقتول ورثة صغار وبالغون وأراد البالغون قتله لم يكن لهم قتله حتى يبلغ الصغار ولو أراد المرتهن بيعه عند محل الحق قبل أن يعفو أحد من الورثة لم يكن ذلك له وكان له أن يقوم في مال الميت بماله قيام من لا رهن له فإن حاص الغرماء فبقى من حقه شئ ثم عفا بعض ورثة الميت البالغين بلا مال يأخذه كان حق العافين من العبد رهنا له يباع له دون الغرماء حتى يستوفى حقه، وإذا عفا أحد الورثة البالغين عن القود فلا سبيل إلى القود ويباع نصيب من لم يبلغ من الورثة ولم يعف، إن كان البيع نظرا له في قول من قال إن ثمن العبد يملك بالجناية على مالكه حتى يستوفوا مواريثهم من الدية إلا أن يكون في ثمنه فضل عنها فيرد رهنا ولو كانت جناية العبد المرهون على سيده الراهن عمدا فيها قصاص لم يأت على النفس كان للسيد الراهن الخيار في القود أو العفو فإن عفا على غير شئ فالعبد رهن بحاله وإن قال أعفو على أن أخذ آرش الجناية من رقبته فليس له ذلك والعبد رهن بحاله ولا يكون له على عبده دين وإن كانت جنايته على سيده عمدا لا قود فيها أو خطأ فهى هدر، لانه لا يستحق بجنايته عليه من العبد إلا ما كان له قبل جنايته ولا يكون له دين عليه لانه مال له ولا يكون له على ماله دين وإن جنى العبد المرهون على عبد للسيد جناية في نفس أو ما دونها فالخيار إلى السيد الراهن فإن شاء اقتص منه في القتل وغيره مما فيه القصاص وإن شاء عفا وبأى ](3/180)
[ الوجهين عفا فالعبد رهن بحاله إن عفا على غير شئ أو عفا على مال يأخذه فالعبد رهن بحاله ولا مال له في رقبة عبده، ولو كانت جناية العبد المرهون على عبد للراهن مرهون عند آخر كان للسيد الخيار في القود أو في العفو بلا شئ يأخذه فأيهما اختار فذلك له ليس لمرتهن العبد المجني عليه أن يمنعه من ذلك
وإن اختار العفو على مال يأخذه فالمال مرهون في يدى مرتهن العبد المجني عليه وإن اختار سيد العبد عفو المال بعد اختياره إياه لم يكن ذلك له لحق المرتهن فيه (قال الشافعي) وبحق المرتهن أجزت للسيد الراهن أن يأخذ جناية المرتهن على عبده من عتق عبده الجاني ولا يمنع المرتهن السيد العفو على غير مال، لان المال لا يكون على الجاني عمدا حتى يختاره ولى الجناية وإذا جنى العبد المرهون على أم ولد للراهن أو مدبر أو معتق إلى أجل فهى كجنايته على مملوكه والعبد مرهون بحاله فإن جنى على مكاتب السيد فقتله عمدا فللسيد القود أو العفو فإن ترك القود فالعبد رهن بحاله وإن كانت الجناية على المكاتب جرحا فللمكاتب القود أو العفو على مال يأخذه وإذا عفاه عنه على مال بيع العبد الجاني فدفع إلى المكاتب أرش الجناية عليه وإذا حكم للمكاتب بأن يباع له العبد في الجناية عليه ثم مات المكاتب قبل بيعه أو عجز فلسيد المكاتب بيعه في الجناية حتى يستوفيها فيكون ما فضل من ثمنه أو رقبته رهنا، لانه إنما يملك بيعه عن مكاتبه بملك غير الملك الاول، ولو بيع والمكاتب حى ثم اشتراه السيد لم يكن عليه أن يعيده رهنا، لانه ملكه بغير الملك الاول وإذا جنى العبد المرهون على ابن للراهن أو أخ أو مولى جناية تأتى على نفسه والراهن وارث المجني عليه فللراهن القود أو العفو على الدية أو غير الدية فإذا عفا على الدية بيع العبد وخرج من الرهن فإن اشتراه الراهن فهو مملوك له لا يجبر أن يعيده إلى الرهن لانه ملكه بغير الملك الاول، وإن قال المرتهن أنا أسلم العبد وأفسخ الرهن فيه وحقى في ذمة الراهن قيل: إن تطوعت بذلك وإلا لما تكره عليه وبلغنا الجهد في بيعه فإن فضل من ثمنه فضل فهو رهن لك وإن لم يفضل فالحق أتى على رهنه وإن ملكه الراهن بشراء أو ترك منه للرهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا لانه ملكه بملك غير الاول وبطل الاول وبطل الرهن بفسخك الرهن ألا ترى أن رجلا لو رهن رجلا عبدا فاستحقه عليه رجل كان خارجا من الرهن وإن ملكه الراهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا لمعنيين أحدهما أنه إذا كان رهنه وليس له فلم يكن رهنا كما لو رهنه رهنا فاسدا لم يكن رهنا والآخر أن هذا الملك غير الملك الاول وإنما يمنعنى أن أبطل جناية العبد المرهون إذا جنى على ابن سيده أو على أحد السيد وارثه أن الجناية إنما وجبت للمجني عليه والمجني عليه غير سيد الجاني ولا راهنه وإنما ملكها سيده الراهن عن المجني عليه بموت المجني عليه وهذا ملك غير ملك السيد الاول ولو ان رجلا رهن
عبده ثم عدا العبد المرهون على ابن لنفسه مملوك للراهن فقتله عمدا أو خطأ أو جرحه جرحا عمدا أو خطأ فلا قود بين الرجل وبين ابنه والجناية مال في عنق العبد المرهون فلا يكون للسيد بيعه بها ولا إخراجه من الرهن لانه لا يكون له في عنق عبده دين وهكذا لو كانت أمة فقتلت ابنها (1) ولو كان الابن المقتول رهنا لرجل غير المرتهن للاب بيع العبد الاب القاتل فجعل ثمن العبد المرهون المقتول رهنا في يدى المرتهن مكانه ولو كان الابن مرهونا لرجل غير مرتهن الاب بيع الاب فجعل ثمن الابن رهنا مكانه ولم يكن للسيد عفوه لان هذا لم يجب عليه قود قط إنما وجب في عتقه مال فليس لسيده أن ]
__________
(1) قوله: ولو كان الابن المقتول الخ وقوله: ولو كان الابن مرهونا الخ كذا بجميع الاصول التى بأيدينا ولعله تكرار من النساخ.
فحرر اه مصححه.(3/181)
[ يعفوه لحق المرتهن فيه ولو كان الاب والابن مملوكين لرجل ورهن كل واحد منهما رجلا على حدة فقتل الابن الاب كان لسيد الاب أن يقتل الابن أو يعفو عن القتل بلا مال وكذلك لو كان جرحه جرحا فيه قود كان له القود أو العفو بلا مال فإن اختار العفو بالمال بيع الابن وجعل ثمنه رهنا مكان ما لزمه من أرش الجناية وإذا كان هذا القتل خطأ والعبدان مرهونان لرجلين مفترقين فلا شئ للسيد من العفو ويباع الجاني فيجعل ثمنه رهنا لمرتهن العبد المجني عليه لانه لم يكن في أعناقهما حكم إلا المال لا خيار فيه لولى الجناية أجنبيا كان أو سيدا وإن جنى العبد المرهون على نفسه جناية عمدا أو خطأ فهى هدر وإن جنى العبد المرهون على امرأته أو أم ولده جناية فألقت جنينا ميتا فإن كانت الامة لرجل فنكحها العبد فالجناية لمالك الجارية يباع فيها الرهن فيعطى قيمة الجنين إلا أن يكون في العبد الرهن فضل عن قيمة الجنين فيباع منه بقدر قيمة الجنين وجنايته على الجنين كجنايته على غيره خطأ ليس للسيد عفوها لحق المرتهن فيها ويكون ما بقى منه رهنا وإذا جنى العبد المرهون عن حر جناية عمدا فاختار المجني عليه أو أولياؤه العقل ببيع العبد المرهون بذهب أو ورق ثم اشترى بثمنه إبل فدفعت إلى المجني عليه إن كان حيا أو أوليائه إن كان ميتا وكذلك إذا جناها خطأ وإن اختار أولياؤه العفو عن الجناية على غير شئ يأخذونه فالعبد مرهون بحاله.
إقرار العبد المرهون بالجناية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن رهن الرجل الرجل عبدا وأقبضه المرتهن فادعى عليه المرتهن أنه جنى عليه أو على رجل هو وليه جناية عمدا في مثلها قود فأقر بذلك العبد المرهون وأنكر الراهن ذلك أو لم يقر به ولم ينكره فإقرار العبد لازم له وهو كقيام البينة عليه ولا يكون قبوله أن يرتهنه وهو جان عليه إبطالا لدعواه لجناية كانت قبل الرهن أو بعده أو معه وله الخيار في أخذ القود أو العفو بلا مال أو العفو بمال فإن اختار القود فذلك وإن اختار العفو بلا مال فالعبد مرهون بحاله وإن اختار المال بيع العبد في الجناية فما فضل من ثمنه كان رهنا وإن أقر العبد بجناية خطأ أو عمدا لا قود فيها بحال أو كان العبد مسلما والمرتهن كافرا فأقر عليه بجناية عمدا أو أقر بجناية على ابن نفسه وكل من لا يقاد منه بحال بإقراره باطل لانه أقر في عبوديته بمال في عنقه وإقراره بمال في عنقه كإقراره بمال على سيده لان عتقه وما بيعت به عتقه مال لسيده ما كان مملوكا لسيده وسواء كان ما وصفت من الاقرار على المرتهن أو أجنبي غير المرتهن ولو كان مكان الأجنبي والمرتهن سيد العبد الراهن فأقر العبد بجناية على سيده قبل الرهن أو بعده وكذبه المرتهن فإن كانت الجناية مما فيه قصاص جازت على العبد فإن اقتص فذلك وإن لم يقتص فالعبد مرهون بحاله فإن كانت الجناية عمدا على ابن الراهن أو من الراهن وليه فأتت على نفسه فأقر بها العبد المرهون فإقراره جائز ولسيده الراهن قتله أو العفو على مال يأخذه في عنقه كما يكون ذلك له في الأجنبي والعفو على غير مال فإن عفا على غير مال فهو رهن بحاله ولا يجوز إقرار العبد الرهن ولا غير الرهن على نفسه حتى يكون ممن تقوم عليه الحدود فإذا كان ممن تقوم عليه الحدود فلا يجوز إقراره على نفسه إلا فيما فيه القود وإذا أقر العبد المرهون على نفسه بأنه جنى جناية خطأ على غير سيده وصدقه المرتهن وكذبه مالك العبد فالقول قول مالك العبد مع يمينه والعبد مرهون بحاله وإذا بيع بالرهن ](3/182)
[ لم يحكم على المرتهن بأن يعطى ثمنه ولا شيئا منه للمجني عليه وإن كان في إقراره أنه أحق بثمن العبد منه لان إقراره يجمع معنيين أحدهما أنه أقر به في مال غيره ولا يقبل إقراره في مال غيره والآخر أنه إنما أقر للمجني عليه بشئ إذا ثبت له فماله ليس في ذمة الراهن فلما سقط أن يكون ماله في ذمة الراهن
دون العبد سقط عنه الحكم بإخراج ثمن العبد من يديه والورع للمرتهن أن يدفع من ثمنه إلى المجني عليه قدر أرش الجناية وإن جحده حل له أن يأخذ أرش ذلك من ثمن العبد ولا يأخذه إن قدر من مال الراهن غير ثمن العبد وهكذا لو أنكر العبد الجناية وسيده أقر بها المرتهن ولو ادعى المرتهن أن العبد المرهون في يديه جنى عليه جناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكر الراهن كان القول قوله ولم يخرج العبد من الرهن وحل للمرتهن أخذ حقه في الرهن من وجهين من أصل الحق والجناية إن كان يعلمه صادقا ولو ادعى الجناية على العبد المرهون خطأ لابن له هو وليه وحده أو معه فيه ولى غيره والجناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكره السيد فالقول فيه قول السيد والعبد مرهون بحاله وهى كالمسألة في دعوى الأجنبي على العبد الجناية خطأ وإقرار العبد والمرتهن بها وتكذيب المالك له.
جناية العبد المرهون على الاجنبيين (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا جنى العبد المرهون أو جنى عليه فجنايته والجناية عليه كجناية العبد غير المرهون والجناية عليه ومالكه الراهن الخصم فيه فيقال له إن فديته بجميع أرش الجناية فأنت متطوع والعبد مرهون بحاله وإن لم تفعل لم تجبر على أن تفديه وبيع العبد في جنايته وكانت الجناية أولى به من الرهن كما تكون الجناية أولى به من ملكك فالرهن أضعف من ملكك لانه إنما يستحق فيه شئ بالرهن بملكك فإن كانت الجناية لا تبلغ قيمة العبد المرهون ولم يتطوع مالكه بأن يفيده لم يجبر سيده ولا المرتهن على أن يباع منه إلا بقدر الجناية ويكون ما بقى منه مرهونا ولا يباع كله إذا لم تكن الجناية تحيط بقيمته إلا باجتماع الراهن والمرتهن على بيعه فإذا اجتمعا على بيعه بيع فأديت الجناية وخير مالكه بين أن يجعل ما بقى من ثمنه قصاصا من الحق عليه أو يدعه رهنا مكان العبد لانه يقوم مقامه ولا يكون تسليم المرتهن بيع العبد الجاني كله وإن كان فيه فضل كبير عن الجناية فسخا منه لرهنه ولا ينفسخ فيه الرهن إلا بأن يبطل حقه فيه أو يبرأ الراهن من الحق الذى به الرهن ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون ثمن عبده رهنا غير مضمون على أن يكون قصاصا من دينه وتبرأ ذمته مما قبض منه وإذا اختار أن يكون رهنا لم يكن للمرتهن الانتفاع بثمنه وإن أراد الراهن قبضه لينتفع به لم يكن ذلك له وليس المنفعة بالثمن الذى هو دنانير ودراهم كالمنفعة بالعبد الذى هو عين لو باعه لم يجز بيعه ورد بحاله وإذا بيع العبد
المرهون في الجناية أو بعضه لم يكلف الراهن أن يجعل مكانه رهنا لانه بيع بحق لزمه لا إتلاف منه هو له وإن أراد المرتهن أن يفديه بالجناية قيل له إن فعلت فأنت متطوع وليس لك الرجوع بها على مالك العبد والعبد رهن بحاله وإن فداه بأمر سيده وضمن له: ما فداه به رجع بما فداه به على سيده ولم يكن رهنا إلا أن يجعله له رهنا به فيكون رهنا به مع الحق الاول (قال الربيع) معنى قول الشافعي إلا أن يريد أن ينفسخ الرهن الاول فيجعله رهنا بما كان مرهونا وبما فداه به بإذن سيده (قال الشافعي) وإن كانت جناية العبد الرهن عمدا فأراد المجني عليه أو وليه أن يقتص منه فذلك له ولا يمنع الرهن حقا عليه في عنقه ولا في بدنه ولو كان جنى قبل أن يرهن ثم قام عليه المجني عليه كان ذلك له كما يكون له لو جنى ](3/183)
[ بعد أن كان رهنا لا يختلف ذلك ولا يخرجه من الرهن أن يجنى قبل أن يكون رهنا ثم يرهن ولا بعد أن يكون رهنا إذا لم يبع في الجناية وإذا جنى العبد المرهون وله مال أو اكتسب بعد الجناية مالا أو وهب له فماله لسيده الراهن دون المرتهن وجنايته في عنقه كهى في عنق العبد غير المرهون ولو بيع العبد المرهون فلم يتفرق البائع والمشترى حتى جنى كان للمشترى رده لان هذا عيب حدث به وله رده بلا عيب ولو جنى ثم بيع فعلم المشترى قبل التفرق أو بعده بجنايته كان له رده لان هذا عيب دلس له ولو بيع وتفرق المتبايعان أو خير أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار إمضاء البيع ثم جنى كان من المشترى ولم يرد البيع لان هذا حادث في ملكه بعد تمام البيع بكل حال له ولو جنى العبد الرهن جناية عمدا كان للمجني عليه أو وليه الخيار بين الارش والقصاص فإن اختار الارض كان في عنق العبد يباع فيه كما يباع في الجناية خطأ وإن اختار القصاص كان له وإذا جنى العبد المرهون فلم يفده سيده بالجناية فبيع فيها لم يكلف سيده أن يأتي برهن سواه لانه بيع عليه بحق لا جناية للسيد فإن كان السيد أمر العبد بالجناية وكان بالغا يعقل فهو آثم ولا يكلف السيد إذا بيع فيها أو قتل أن يأتي برهن غيره وإن كان العبد صبيا أو اعجميا فبيع في الجناية كلف السيد أن يأتي بمثل قيمته ثمنا ويكون رهنا مكانه إلا أن يشاء أن يجعلها قصاصا من الحق وإذا تم الرهن بالقبض كان المرتهن أولى به من غرماء السيد وورثته إن مات وأهل وصاياه حتى يستوفى فيه ثم يكون لهم الفضل عن حقه وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبدا
للاذن فرهنه فجنى العبد المرهون جناية فجنايته في عنقه والقول في هل يرجع سيد العبد الآذن على الراهن المأذون له بما لزم عبده من جنايته وبتلف إن أصابه في يديه قبل أن يفديه كما يرجع عليه لو أن العبد المرهون عارية في يديه لا رهن أو لا يرجع؟ قولان أحدهما أنه عارية فهو ضامن له كما تضمن العارية والآخر أنه لا يضمن شيئا مما أصابه ومن قال هذا قال: فليس كالعارية لان خدمته لسيده والرهن في عنقه كضمان سيده لو ضمن عن الراهن والعارية ما كانت منفعتها مشغولة عن معيرها ومنفعة هذا له قائمة (1) ومن ضمن الراهن ضمن رجلا لو رهن الرجل عن الرجل متاعا له بأمر المرهون وكان هذا عندي أشبه القولين.
والله تعالى أعلم.
الجناية على العبد المرهون فيما فيه قصاص (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن الرجل الرجل عبده وقبضه المرتهن فجنى على العبد المرهون عبد للراهن أو للمرتهن أو لغيرهما جناية أتت على نفسه فالخصم في الجناية سيد العبد الراهن ولا ينتظر الحاكم المرتهن ولا وكيله ليحضر السيد لان القصاص إلى السيد دون المرتهن وعلى الحاكم إذا ثبت ما فيه القصاص أن يخير سيد العبد الراهن بين القصاص وأخذ قيمة عبده إلا أن يعفو فإن اختار القصاص دفع إليه قاتل عبده فإن قتله قتله بحقه ولم يكن عليه أن يبدل المرتهن شيئا مكانه كما لا يكون عليه لو مات أن يبدله مكانه ولو عفا عنه بلا مال يأخذه منه كان ذلك له لانه دم ملكه فعفاه وإن اختار أخذ قيمة عبده أخذه القاضى بأن يدفعه إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو من على يديه الرهن إلا أن يشاء أن يجعله قصاصا من حق المرتهن عليه وإن اختار ترك القود على أخذ قيمة عبده ثم ]
__________
(1) قوله: ومن ضمن الراهن إلى قوله " بأمر الرهون " كذا بالاصول التى عندنا وتأمل.
كتبه مصححه.(3/184)
[ أراد عفوا بلا أخذ قيمة عبده لم يكن ذلك له وأخذت قيمة عبده فجعلت رهنا وكذلك لو اختار أخذ المال ثم قال أنا أقتل قاتل عبدى فليس ذلك له وإن اختار أخذ المال بطل القصاص لانه قد أخذ أحد الحكمين وترك الآخر وإن عفا المال الذى وجب له بعد اختياره أو أخذه وهو أكثر من قيمة عبده أو مثله أو أقل لم يجز عفوه لانه وهب شيئا قد وجب رهنا لغيره وإذا برئ من المال بأن يدفع الحق إلى المرتهن
من مال له غير المال المرهون أو أبرأه منه المرتهن رد المال الذى عفاه عن العبد الجاني على سيد الجاني لان العفو براءة من شئ بيد المعفو عنه فهو كالعطية المقبوضة وإنما رددتها لعلة حق المرتهن فيها فإذا ذهبت تلك العلة فهى تامة لسيد العبد الجاني بالعفو المتقدم وإذا قضى المرتهن حقه مما أخذ من قيمة عبده لم يغرم من المال الذى قضاه شيئا للمعفو عنه وإن فضل في يديه فضل عن حقه رده على سيد العبد المعفو عنه الجناية والمال وإن أراد مالك العبد الراهن أن يهب للمرتهن ما فضل عن حقه لم يكن ذلك له وإن قضى بقيمة العبد المقتول المرهون دراهم وحق المرتهن دنانير وأخذها الراهن فدفعها إلى المرتهن فأراد الراهن أن يدعها للمرتهن بحقه ولم يرد ذلك المرتهن لم يكن ذلك له وبيعت فأعطى صاحب الحق وسيد العبد العفو عنه ما فضل من أثمانها وإنما منعنى لو كان الراهن موسرا أن أسلم عفوه عن المال بعد أن اختاره وأصنع فيه ما أصنع في العبد لو أعتقه وهو موسر أن حكم العتق مخالف جميع ما سواه أنا إذا وجدت السبيل إلى العتق ببدل منه أمضيته وعفو المال مخالف له فإذا عفا ما غيره أحق به حتى يستوفى حقه كان عفوه في حق غيره باطلا كما لو وهب عبده المرهون لرجل وأقبضه إياه أو تصدق به عليه صدقة محرمة وأقبضه إياه كان ما صنع من ذلك مردودا حتى يقبض المرتهن حقه من ثمن رهنه والبدل من رهنه يقوم مقام رهنه لا يختلفان ولو جنى على العبد المرهون ثلاثة أعبد كان على الحاكم أن يخير سيد العبد المقتول بين القصاص وبين أخذ قيمة عبده أو العفو فإن اختار القصاص فيهم فذلك له في قول من قتل أكثر من واحد بواحد وإن اختار أن يقتص من أحدهم ويأخذ ما لزم الاثنين من قيمة عبده كان له ويباعان فيها كما وصفت ويكون ثمن عبده من ثمنهما رهنا كما ذكرت وإن اختار أن يأخذ ثمن عبده منهما ثم أراد عفوا عنهما أو عن أحدهما كان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها في العبد الواحد إذا اختار أخذ قيمة عبده من رقبته ثم عفاها وأحب أن يحضر الحاكم المرتهن أو وكيله احتياطا لئلا يختار الراهن أخذ المال ثم يدعه أو يفرط فيه فيهرب العبد الجاني وإن اختار الراهن أخذ المال من الجاني على عبده ثم فرط فيه حتى يهرب الجاني لم يغرم الراهن شيئا بتفريطه ولم يكن عليه أن يضع رهنا مكانه، وكان كعبده لو رهنه رجلا فهرب ولا أجعل الحق حالا بحال وهو إلى أجل ولو تعدى فيه الراهن، ولو جنى حر وعبد على عبد مرهون جناية عمدا كان نصف قيمة العبد المرهون على الحر في
ماله حالة تؤخذ منه فتكون رهنا إلا أن يتطوع الراهن بأن يجعلها قصاصا إذا كانت دنانير أو دراهم وخير في العبد كما وصفت بين قتله أو العفو عنه أو أخذ قيمة عبده من عنقه فإن مات العبد الجاني فقد بطل ما عليه من الجناية وإن مات الحر فنصف قيمته في ماله وإن أفلس الحر فهو غريم وكل ما أخذ منه كان مرهونا والحق كله في ذمة الراهن لا يبرأ منه بتلف الرهن وتلف العوض منه بحال، ولو كانت الجناية على العبد المرهون جناية دون النفس مما فيه القصاص كان القول فيها كالقول في الجناية في النفس لا يختلف يخير السيد الراهن بين أخذ القصاص لعبده، أو العفو عن القصاص بلا شئ أو أخذ العقل فإن اختار أخذ العقل كان كما وصفت، ولا خيار للعبد المجني عليه، إنما الخيار لمالكه لا له لانه يملك بالجناية مالا والملك لسيده دونه ولو كان الجاني على العبد المرهون عبدا للراهن أو عبدا له وعبدا لغيره ](3/185)
[ ابن أو غيره كان القول في عبد غيره ابنه كان أو غيره كالقول في المسائل التي قبله وخير في عبده الجاني على عبده كما يخير في عبيد غيره بين القود أو العفو عن القود بلا شئ يأخذه لانه إنما يدع قودا جعل إليه تركه وإن لم يعف القود إلا على اختيار العوض من المال كان عليه أن يفدى عبده الجاني إن كان منفردا بجميع أرش الجناية فإذا فعل خير بين أن يجعلها قصاصا أو يسلمها رهنا فإن كان أرش الجناية ذهبا أو ورقا كالحق عليه فشاء أن يجعله قصاصا فعل وإن كانت إبلا أو شيئا غير الحق فشاء أن يبيعها ويقضى المرتهن منها حتى يستوفى حقه أو لا يبقى من ثمنها شيئا فعل وإن شاء أن يبيعها ويجعل ثمنها رهنا لم يكن له ذلك لان البدل من العبد المرهون يقوم مقامه ولا يكون له أن يبيع البدل منه كما لا يكون له أن يبيعه ويجعل ثمنه رهنا ولا يبدله بغيره فإن قضى بجناية العبد دنانير والحق دراهم كانت الدنانير رهنا ولا يكون للمرتهن أن يجعل ثمن العبد المبيع في الجناية دراهم كالحق ثم يجعلها رهنا وعليه أن يجعلها رهنا كما بيع عبده بهما فإذا كانت جناية عبد الراهن غير المرهون على عبده المرهون في شئ فيه قصاص دون النفس فهكذا لا يختلف ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا ورهن آخر عبدا فعدا أحد عبديه على الآخر فقتله أو جنى عليه جناية دون النفس فيها قود فالقول فيها كالقول في عبد غير مرهون وعبد أجنبي يجنى على عبده يخير بين قتله أو القصاص من جراحه أو العفو بلا أخذ شئ فإن عفا فالعبد
مرهون بحاله وإن اختار أخذ المال بيع العبد المرهون ثم جعلت قيمة العبد المرهون المقتول رهنا مكانه إلا أن يشاء الراهن أن يجعلها قصاصا وإن كانت جرحا جعل أرش جرح العبد المرهون رهنا مع العبد المرهون كشئ من أصل الرهن وإن كانت الجناية جرحا لا يبلغ قيمة العبد المرهون الجاني جبر الراهن والمرتهن على أن يباع منه بقدر أرش الجناية ولم يجبرا على بيعه إلا أن يشاءا ذلك وكان ما يبقى من العبد رهنا بحاله ولو رضى صاحب الحق المجني على رهنه وسيد العبد المرهون الجاني ومرتهنه بأن يكون سيد العبد المجني عليه شريكا للمرتهن في العبد الجاني بقدر قيمة الجناية لم يجز ذلك لان العبد المجني عليه ملك للراهن لا للمرتهن وجبر على بيع قدر الرهن إلا أن يعفو المرتهن حقه وإذا رهن الرجل عبدا فأقر العبد بجناية عمدا فيها القود وكذبه الراهن والمرتهن فالقول قول العبد والمجني عليه بالخيار في القصاص أو اخذ المال وإن كانت عمدا لا قصاص فيها أو خطأ فإقرار العبد ساقط عنه في حال العبودية، ولو أقر سيد العبد المرهون أو غير المرهون على عبده أنه جنى جناية فإن كانت مما فيه قصاص فإقراره ساقط عن عبده إذا أنكر العبد وإن كانت مما لا قصاص فيه فإقراره لازم لعبده لانها مال وإنما أقر في ماله (قال أبو محمد) وفيها قول آخر أنه لا يخرج العبد من يدى المرتهن بإقرار السيد أن عبده قد لزمه جناية لا قصاص فيها لانه إنما يقر في عبد المرتهن أحق برقبته حتى يستوفى حقه فإذا استوفى حقه كان للذى أقر له السيد بالجناية أن يكون أحق بالعبد حتى يستوفى جنايته.
الجناية على العبد المرهون فيما فيه العقل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى أجنبي على عبد مرهون جناية لا قود فيها على الجاني بحال مثل أن يكون الجاني حرا فلا يقاد منه مملوك أو يكون الجاني أب العبد المجني عليه أو جده أو أمه أو جدته أو يكون الجاني لم يبلغ أو معتوها أو تكون الجناية مما لا قود فيه بحال مثل المأمومة والجائفة أو ](3/186)
[ تكون الجناية خطأ فمالك العبد المرهون الخصم في الجناية وان أحب المرتهن حضر الخصومة وإذا قضى على الجاني بالارش في العبد المرهون لم يكن لسيد العبد الراهن عفوها ولا أخذ أرش الجناية دون المرتهن وخير الراهن بين أن يكون أرش الجناية قصاصا من الدين الذى في عنق العبد أو يكون موضوعا
للمرتهن على يدى من كان الرهن على يديه إلى أن يحل الحق ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون أرش الجناية موضوعا غير مضمون على أن يكون قصاصا وسواء أتت الجناية على نفس العبد المرهون أو لم تأت عليها إذا كانت جناية لها أرش لا قود فيها، وإن كان أرش الجناية ذهبا أو فضة فسأل الراهن أن يتركه والانتفاع بها كما يترك خدمة العبد وركوب الدابة المرهونة وسكنى الدار وكراءها لم يكن ذلك له لان العبد والدابة والدارعين قائمة معلومة لا تتغير والعبد والدابة ينفعان بلا ضرر عليهما ويردان إلى مرتهنهما والدار لا تحول ولا ضرر في سكنها على مرتهنها والدنانير والدراهم لا مؤنة فيها على راهنها ولا منفعة لها إلا بأن تصرف في غيرها وليس للراهن صرف الرهن في غيره لان ذلك ابداله ولا سبيل له إلى إبدالها وهى تختلط وتسبك ولا تعرف عينها وإن كان صلحا برضا المرتهن كن أرش جنايته على إبل وهى موضوعة على يدى من الرهن على يديه، وعلى الراهن علفها وصلاحها وله أن يكريها وينتفع بها كما يكون ذلك له في إبل له لو رهنها، وإن سأل المرتهن أن تباع الابل فتجعل ذهبا أو ورقا لم يكن ذلك له لان ذلك كعين رهنه إذ رضى به، كما لو سأل الراهن إبدال الرهن لم يكن ذلك له وإن أراد الراهن مصالحة الجاني على عبده بشئ غير ما وجب له لم يكن ذلك له لان ما وجب له يقوم مقامه ومصالحته بغيره إبدال له كأن وجب له دنانير فأراد مصالحته بدراهم إلا أن يرضى بذلك المرتهن فإذا رضى به فما أخذ بسبب الجناية على رهنه فهو رهن له، وإن أراد سيد العبد المرهون العفو عن أرش الجناية على عبده لم يكن ذلك له إلا أن يبرئه المرتهن أو يوفيه الراهن حقه متطوعا به ولو كانت الجناية على العبد أكثر من حق المرتهن مرارا لم يكن له أن يضع شيئا من الجناية كما لو زاد العبد في يديه لم يكن له أن يخرج قيمة زيادته من رقبته إلا أن يتطوع مالك العبد الراهن بأن يدفع إلى المرتهن جميع حقه في العبد حالا، فإن فعل فذلك له فإن أراد المرتهن ترك الرهن وأن لا يأخذ حقه حالا لم يكن ذلك له وجبر على أخذه إلا أن يشاء إبطال حقه فيبطل إذا أبطله (قال) والجناية على الامة المرهونة كالجناية على العبد المرهون، لا تختلف في شئ إلا في الجناية عليها بما يقع على غيرها فإن ذلك في الامة وليس في العبد بحال وذلك مثل أن يضرب بطنها فتلقى جنينا فيؤخذ أرش الجنين ويكون لمالكه لا يكون مرهونا معها وإن نقصها نقصا له قيمة بلا جرح له أرش يبقى أثره لم يكن على الجاني شئ سوى
أرش الجنين لان الجنين المحكوم فيه، وإن جنى على الامة جناية لها جرح له عقل معلوم أو فيه حكومة وألقت جنينا أخذ من الجاني أرش الجرح أو حكومته فكان رهنا مع الجارية لان حكمه بها دون الجنين وكان عقل الجنين لمالكها الراهن لانه غير داخل في الرهن والجناية على كل رهن من الدواب كهى على كل رهن من الرقيق لا يختلف في شئ إلا أن في الدواب ما نقصها وجراح الرقيق في أثمانهم كجراح الاحرار في دياتهم، وفى خصلة واحدة أن من جنى على أنثى من البهائم فألقت جنينا ميتا فإنما يضمن الجاني عليها ما نقصتها الجناية عن قيمتها تقوم يوم جنى عليها وحين ألقت الجنين فنقصت، ثم يغرم الجاني ما نقصها فيكون مرهونا معها وإن جنى عليها فألقت جنينا حيا، ثم مات مكانه ففيها قولان أحدهما أن عليه قيمة الجنين حين سقط لانه جان عليه ولا يضمن إن كان إلقاؤه نقص أمه شيئا أكثر ](3/187)
[ من قيمة الجنين إلا أن يكون جرحا يلزم عيبه فيضمنه مع قيمة الجنين كما قيل في الامة لا يختلفان والثانى أن عليه الاكثر من قيمة الجنين وما نقص أمه ويخالف بينها وبين الامة يجنى عليها فيختلفان في أنه لا قود بين البهائم بحال على جان عليها وللآدميين قود على بعض من يجنى عليهم وكل جناية على رهن غير آدمى ولا حيوان لا تختلف (1) سواء فيما جنى على الرهن ما نقصه لا يختلف ويكون رهنا مع ما بقى من المجني عليه إلا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا وقيمة ما جنى على الرهن غير الآدميين ذهب أو فضة إلا أن يكون كيل أو وزن يوجد مثله فيتلف منه شئ فيؤخذ بمثله وذلك مثل حنطة رهن يستهلكها رجل فيضمن مثلها ومثل ما في معناها وإن جنى على الحنطة المرهونة جناية تضر عينها بأن تعفن أو تحمر أو تسود ضمن ما نقص الحنطة تقوم صحيحة غير معيبة كما كانت قبل الجناية وبالحال التى صارت إليها بعد الجناية ثم يغرم الجاني ما نقصها من الدنانير أو الدراهم وأى نقد كان الاغلب بالبلد الذى جنى به جبر عليه ولم يكن له الامتناع منه إن كان الاغلب بالبلد الذى جنى به دنانير بدنانير وإن كان الاغلب دراهم فدراهم وكل قيمة فإنما هي بدنانير أو بدراهم والجناية على العبيد كلها دنانير أو دراهم لا إبل ولا غير الدنانير والدراهم إلا أن يشاء ذلك الجاني والراهن والمرتهن أخذ إبل وغيرها بما يصح فيكون ما أخذ رهنا مكان العبد المجني عليه إن تلف أو معه إن نقص ويكون ما غرم
رهنا مع أصل الرهن إلا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا كما وصفت وإذا جنى الراهن على عبده المرهون كانت جنايته كجناية الأجنبي لا تبطل عنه بأنه مالك له لان فيه حقا لغيره ولا تترك بنقص حق غيره وبؤخذ بأرش الجناية على عبده وأمته كما يؤخذ بها الأجنبي فإن شاء أن يجعلها قصاصا من الحق بطل عن المرتهن بقدر أرش الجناية وهكذا لو جنى ابن الراهن أو ابوه أو امرأته على عبده المرهون ولو جنى عبد للراهن غير مرهون على عبده المرهون خير الراهن بين أن يفدى عبده بجميع أرش الجناية على عبده المرهون متطوعا أو يجعلها قصاصا من الحق أو يباع عبده فيؤدى أرش الجناية على المرهون فيكون رهنا معه ولا تبطل الجناية على عبده عن عبده لان في ذلك نقصا للرهن على المرتهن إلا في أن يرهن الرجل الرجل الواحد العبدين فيجنى أحدهما على الآخر والجناية خطأ أو عمد لا قود فيه لان الراهن المالك لا يستحق من ملك عبده المرهون إلا ما كان له قبل الجناية وأن المرتهن لا يستحق من العبد الجاني المرهون بالرهن إلا ما كان له قبل الجناية فبهذا صارت الجناية هدرا وهكذا لو أن رجلا رهن عبدا له بألف درهم ورهنه أيضا عبدا له آخر بمائة دينار أو بحنطة مكيلة فجنى أحدهما على الآخر كانت الجناية هدرا لان المرتهن مستحق لهما معا بالرهن والراهن مالك لهما معا فحالهما قبل الجناية وبعدها في الرهن والملك سواء ولو أن رجلا رهن عبدا له رجلا ورهن عبد ا له آخر رجلا غيره فجنى أحدهما على الآخر كانت جنايته عليه كجناية عبد أجنبي مرهون ويخير السيد بين أن يفدى العبد الجاني بجميع رأس جناية المجني عليه فإن فعل فالعبد الجاني رهن بحاله وإن لم يفعل بيع العبد الجاني فأديت الجناية وكانت رهنا فإن فضل منها فضل كان رهنا لمرتهن الجاني وإن كان في الجاني فضل عن أرش الجناية فشاء الراهن والمرتهن العبد الجاني بيعه معا بيع ورد فضله رهنا إلا أن يتطوع السيد أن يجعله قصاصا وإن دعا أحدهما إلى بيعه كله وامتنع الآخر لم يجبر على بيعه كله إذا كان في ثمن بعضه ما يؤدى أرش الجناية وجناية المرتهن وأب المرتهن وابنه من كان منه بسبيل وعبده على الرهن كجناية الأجنبي لا فرق بينهما وإن كان ]
__________
(1) سواء فيما جنى على الرهن الخ هذه العبارة هكذا بالاصول التى بيدنا وحررها فلعل فيها نقصا اه مصححه.(3/188)
[ الحق حالا فشاء أن تكون جنايته قصاصا كانت وإن كان إلى أجل فشاء الراهن أن يجعله قصاصا فعل
وإن لم يشأ الراهن أخرج المرتهن قيمة جنايته فكانت موضوعة على يدى العدل الموضوع على يديه الرهن وإن كان الرهن على يدى المرتهن فشاء الراهن أن يخرج الرهن وأرش الجناية من يديه وكانت الجناية عمدا فذلك له لان الجناية عمدا تغير من حال الموضوع على يديه الرهن وإن كانت خطأ لم يكن له إخراجها من يديه إلا أن يتغير حاله عن حالة الامانة إلى حال تخالفها وإذا كان العبد مرهونا فجنى عليه فسواء برئ الراهن مما في العبد من الرهن إلا درهما أو أقل وكان في العبد فضل أو لم يبرأ من شئ منه ولم يكن في العبد فضل لانه إذا كان مرهونا بكله فلا يخرجه من الرهن إلا أن لا يبقى فيه شئ من الرهن وكذلك لا يخرج شيئا من أرش الجناية عليه لانها كهو وكذلك لو كانوا عبيدا مرهونين معا لا يخرج شئ من الرهن إلا بالبراءة من آخر الحق ولو رهن رجل رجلا نصف عبده ثم جنى عليه الراهن ضمن نصف أرش جنايته للمرتهن كما وصفت وبطل عنه نصف جنايته لان الجناية على نصفين نصف له لا حق لاحد فيه فلا يلزمه لنفسه غرم ونصف للمرتهن فيه حق فلا يبطل عنه وإن كان مالكه لحق المرتهن فيه ولو جنى عليه أجنبي جناية كان نصفها رهنا ونصفها مسلما لمالك العبد ولو عفا مالك العبد الجناية كلها كان عفوه في نصفها جائزا لانه مالك لنصفه ولا حق لاحد معه فيه وعفوه في النصف الذى للمرتهن فيه حق مردود ولو عفا المرتهن الجناية دون الراهن كان عفوه باطلا لانه لا يملك الجناية إنما ملكها للراهن وإنما ملك احتباسها بحقه حتى يستوفيه وسواء كان حق المرتهن حالا أو إلى أجل فإن كان إلى أجل فقال أنا أجعل الجناية قصاصا من حقى لم يكن ذلك له لان حقه غير حال وإن كان حالا كان ذلك له إن كان حقه دنانير وقضى بالجناية دنانير أو دراهم فقضى بالجناية دراهم لان ما وجب لسيد العبد مثل ما للمرتهن وإن قضى بأرش الجناية دراهم والحق على الغريم دنانير فقال أجعل الجناية قصاصا من حقى لم يكن ذلك له لان الجناية غير حقه وكذلك لو قضى بالجناية دراهم وحقه دنانير أو دنانير وله دراهم لم يكن له أن يجعل الجناية قصاصا من حقه لان أرش الجناية غير حقه وإنما يكون قصاصا ما كان مثلا فأما ما لم يكن مثلا فلا يكون قصاصا ولو كان حقه أكثر من قيمة أرش الجناية إذا لم أكره أحدا على أن يبيع ماله بأكثر من قيمته لم أكره رب العبد أن يأخذ بدنانير طعاما ولا بطعام دنانير وإذا جنى عبد على عبد مرهون فأراد سيد العبد الجاني أن يسلمه مسترقا بالجناية لم يكن
ذلك على الراهن إلا أن يشاء وإن يشاء الراهن ذلك ولم يشأه المرتهن لم يجبر على ذلك المرتهن وكذلك لو شاء ذلك المرتهن ولم يشأه الراهن لم يجبر عليه لان حقهم في رقبته أرش لا رقبة عبد ورقبة العبد عرض وكذلك لو شاء الراهن والمرتهن أن يأخذ العبد الجاني بالجناية والجناية مثل قيمة العبد أو أكثر اضعافا وأبى ذلك رب العبد الجاني لم يكن ذلك لهما لان الحق في الجناية شئ غير رقبته وإنما تباع رقبته فيصير الحق فيها كما يباع الرهن فيصير ثمنا يقضى منه الغريم حقه.
الرهن الصغير (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أصل إجازة الرهن في كتاب الله عز وجل " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) فالسنة تدل على إجازة الرهن ](3/189)
[ ولا أعلم مخالفا في إجازته أخبرنا محمد بن إسمعيل بي أبن فديك عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه " (قال الشافعي) فالحديث جملة على الرهن ولم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا رهنا دون رهن واسم الرهن يقع على ما ظهر هلاكه وخفى ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم " لا يغلق الرهن بشئ " أي إن ذهب لم يذهب بشئ وإن أراد صاحبه افتكاكه ولا يغلق في يدى الذى هو في يديه كأن يقول المرتهن قد أوصلته إلى فهو لى بما أعطيتك فيه ولا يغير ذلك من شرط تشارطا فيه ولا غيره والرهن للراهن أبدا حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له والدليل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرهن من صاحبه الذى رهنه " ثم بينه وأكده فقال " له غنمه وعليه غرمه " (قال الشافعي) وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه (قال) ولو كان إذا رهن رهنا بدرهم وهو يسوى درهما فهلك ذهب الدرهم فلم يلزم الراهن كان إنما هلك من مال المرتهن لا مال الراهن لان الراهن قد أخذ درهما وذلك ثمن رهنه فإذا هلك رهنه فلم يرجع المرتهن بشئ فلم يغرم شيئا إنما ذهب له مثل الذى أخذ من مال غيره فغرمه حينئذ على المرتهن لا على الراهن قال وإذا كان غرمه على المرتهن فهو من المرتهن لا من الراهن وهذا القول خلاف ما روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فلا أعلم بين أحد من أهل العلم خلافا في أن الرهن ملك للراهن وأنه إن أراد إخراجه من يدى المرتهن لم يكن ذلك له بما شرط فيه وأنه مأخوذ بنفقته ما كان حيا وهو مقره في يدى المرتهن ومأخوذ بكفنه إن مات لانه ملكه (قال الشافعي) وإذا كان الرهن في السنة وإجماع العلماء ملكا للراهن فكان الراهن دفعه لا مغصوبا عليه ولا بائعا له وكان الراهن إن أراد أخذه لم يكن له وحكم عليه بإقراره في يدى المرتهن بالشرط فأى وجه لضمان المرتهن والحاكم يحكم له بحبسه للحق الذى شرط له مالكه فيه وعلى مالكه نفقته وإنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو منع شيئا في يديه ملكه لغيره مما ملكه المالك غيره مما عليه تسليمه وليس له حبسه وذلك مثل أن يبتاع الرجل العبد من الرجل فيدفع إليه ثمنه ويمنعه البائع العبد فهذا يشبه الغصب والمرتهن ليس في شئ من هذه المعاني لا هو مالك للرهن فأوجب عليه فيه بيعا فمنعه من ملكه إياه وعليه تسليمه إليه وإنما ملك الرهن للراهن فلا هو متعد بأخذ الرهن من الراهن ولا بمنعه إياه فلا موضع للضمان عليه في شئ من حالاته إنما هو رجل اشترط لنفسه على مالك الرهن في الرهن شرطا حلالا لازما استوثق فيه من حقه طلب المنفعة لنفسه والاحتياط على غريمه لا مخاطرا بالارتهان لانه لو كان الرهن إذا هلك هلك حقه كان ارتهانه مخاطرة إن سلم الرهن فحقه فيه وإن تلف تلف حقه ولو كان هكذا كان شرا للمرتهن في بعض حالاته لان حقه إذا كان في ذمة الراهن وفى جميع ماله لازما أبدا كان خيرا له من أن يكون في شئ من ماله بقدر حقه فإن هلك ذلك الشئ بعينه هلك من المرتهن وبرئت ذمة الراهن قال ولم نر ذمة رجل تبرأ إلا بأن يؤدى إلى غريمه ماله عليه أو عوضا منه يتراضيان عليه فيملك الغريم العوض ويبرأ به غريمه وينقطع مالكه عنه أو يتطوع صاحب الحق بأن يبرئ منه صاحبه والمرتهن الراهن ليسا في واحد من معاني البراءة ولا البواء (قال الشافعي) فإن قال قائل: ألا ترى أن أخذ المرتهن الرهن كالاستيفاء لحقه قلت لو كان استيفاء لحقه وكان الرهن جارية كان قد ملكها وحل له وطؤها ولم يكن له ردها على الراهن ولا عليه ولو أعطاه ما فيه إلا أن يتراضيا بأن يتبايعا فيها بيعا جديدا ولم يكن مع هذا للمرتهن أن يكون حقه إلى سنة فيأخذه اليوم بلا رضا من الذى عليه الحق قال ما هو باستيفاء ولكن كيف؟ قلت ](3/190)
[ إنه محتبس في يدى المرتهن بحق له ولا ضمان عليه فيه فقيل له بالخير وكما يكون المنزل محتبسا بإجارة فيه ثم يتلف المنزل بهدم أو غيره من وجوه التلف فلا ضمان على المكترى فيه وإن كان المكترى سلف الكراء رجع به على صاحب المنزل وكما يكون العبد مؤجرا أو البعير مكرى فيكون محتبسا بالشرط ولا ضمان في واحد منهما ولا في حر لو كان مؤجرا فهلك (قال الشافعي) إنما الرهن وثيقة كالحمالة فلو أن رجلا كانت له على رجل ألف درهم فكفل له بها جماعة عند وجوبها أو بعده كان الحق على الذى عليه الحق وكان الحملاء ضامنين له كلهم فإن لم يؤد الذى عليه الحق كان للذى له الحق أن يأخذ الحملاء كما شرط عليهم ولا يبرأ ذلك الذى عليه الحق شئ حتى يستوفى آخر حقه ولو هلك الحملاء أو غابوا لم ينقص ذلك حقه ورجع به على من عليه أصل الحق وكذلك الرهن لا ينقص هلاكه ولا نقصانه حق المرتهن وأن السنة المبينة بأن لا يضمن الرهن ولو لم يكن فيه سنة كان أنا لم نعلم الفقهاء اختلفوا فيما وصفنا من أنه ملك للراهن وأن للمرتهن أن يحبسه بحقه لا متعديا بحبسه دلالة بينة أن الرهن ليس بمضمون (قال الشافعي) قال بعض أصحابنا قولنا في الرهن إذا كان مما يظهر هلاكه مثل الدار والنخل والعبيد وخالفنا بعضهم فيما يخفى هلاكه من الرهن (قال الشافعي) واسم الرهن جامع لما يظهر هلاكه ويخفى وإنما جاء الحديث جملة ظاهرا وما كان جملة ظاهرا فهو على ظهوره وجملته إلا أن تأتى دلالة عمن جاء عنه أو يقول العامة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر ولم نعلم دلالة جاءت بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصير إليها ولو جاز هذا بغير دلالة جاز لقائل أن يقول الرهن الذى يذهب به إذا هلك هلك حق صاحبه المرتهن الظاهر الهلاك لان ما ظهر هلاكه فليس في موضع أمانة فهو كالرضا منهما بأنه بما فيه أو مضمون بقيمته وأما ما خفى هلاكه فرضى صاحبه بدفعه إلى المرتهن وقد يعلم أن هلاكه خاف فقد رضى فيه أمانته فهو أمينه فإن هلك لم يهلك من مال المرتهن شئ فلا يصح في هذا قول أبدا على هذا الوجه إذا جاز أن يصير خاصا بلا دلالة (قال الشافعي) والقول الصحيح فيه عندنا ما قلنا من أنه أمانة كله لما وصفنا من دفع صاحبه إياه برضاه وحق أوجبه فيه كالكفالة ولا يعدو الرهن أن يكون أمانة فلا اختلاف بين أحد أن ما ظهر وخفى هلاكه من الامانة سواء غير مضمون أو أن يكون مضمونا فلا اختلاف بين أحد أن ما كان مضمونا فما ظهر وخفى هلاكه من المضمون سواء أو
يفرق بين ذلك سنة أو أثر لازم لا معارض له مثله وليس نعرفه مع من قال هذا القول من أصحابنا (قال الشافعي) وقد قال هذا القول معهم بعض أهل العلم وليس في أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة (قال الشافعي) وخالفنا بعض الناس في الرهن فقال فيه إذا رهن الرجل رهنا بحق له فالرهن مضمون فإن هلك الرهن نظرنا فإن كانت قيمته أقل من الدين رجع المرتهن على الراهن بالفضل وإن كانت قيمة الرهن مثل الدين أو أكثر لم يرجع على الراهن بشئ ولم يرجع الراهن عليه بشئ (قال الشافعي) كأنه في قولهم رجل رهن رجلا ألف درهم بمائة درهم فإن هلكت الالف فمائة بمائة وهو في التسعمائة أمين أو رجل رهن رجلا مائة بمائة فإن هلكت المائة فالرهن بما فيه لان مائة ذهبت بمائة أو رجل رهن رجلا خمسين درهما بمائة درهم فإن هلكت الخمسون ذهبت بخمسين ثم رجع صاحب الحق المرتهن على الراهن بخمسين (قال الشافعي) وكذلك في قولهم عرض يسوى ما وصفنا بمثل هذا (قال الشافعي) فقيل لبعض من قال هذا القول هذا قول لا يستقيم بهذا الموضع عند أحد من أهل العلم فقال من جهة الرأى لانكم جعلتم رهنا واحدا مضمونا مرة كله ومضمونا مرة بعضه ومرة بعضه بما فيه ومرة يرجع بالفضل فيه فهو في قولكم لا مضمونا بما يضمن به ما ضمن لان ما ](3/191)
[ ضمن إنما يضمن بعينه فإن فات فقيمته ولا بما فيه من الحق فمن أين قلتم؟ فهذا لا يقبل إلا بخبر يلزم الناس الاخذ به ولا يكون لهم إلا تسليمه؟ قالوا روينا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال يترادان الفضل قلنا فهو إذا قال يترادان الفضل فقد خالف قولكم وزعم أنه ليس منه شئ بأمانة، وقول على أنه مضمون كله كان فيه فضل أو لم يكن مثل جميع ما يضمن مما إذا فات ففيه قيمته (قال الشافعي) فقلنا قد رويتم ذلك عن على كرم الله تعالى وجهه وهو ثابت عندنا برواية أصحابنا فقد خالفتموه قال فأين؟ قلنا زعمتم أنه قال يترادان الفضل وأنت تقول إن رهنه ألفا بمائة درهم فمائة بمائة وهو في التسعمائة أمين والذى رويت عن على رضى الله عنه فيه أن الراهن يرجع على المرتهن بتسعمائة قال فقد روينا عن شريح أنه قال الرهن بما فيه وإن كان خاتما من حديد قلنا فأنت أيضا تخالفه قال وأين؟ قلنا أنت تقول إن رهنه مائة بألف أو خاتما يسوى درهما بعشرة فهلك الرهن رجع صاحب الحق
المرتهن على الراهن بتسعمائة من رأس ماله وبتسعة في الخاتم من رأس ماله وشريح لا يرد واحدا منهما على صاحبه بحال فقال قد روى مصعب بن ثابت عن عطاء أن رجلا رهن رجلا فرسا فهلك الفرس فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ذهب حقك " (قال الشافعي) فقيل له أخبرنا إبراهيم عن مصعب بن ثابت عن عطاء قال زعم الحسن كذا ثم حكى هذا القول قال إبراهيم كان عطاء يتعجب مما روى الحسن وأخبرني به غير واحد عن مصعب عن عطاء عن الحسن وأخبرني بعض من أثق به أن رجلا من أهل العلم رواه عن مصعب عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن الحسن فقيل له أصحاب مصعب يروونه عن عطاء عن الحسن فقال نعم وكذلك حدثنا ولكن عطاء مرسل اتفق من الحسن مرسل (قال الشافعي) ومما يدل على وهن هذا عند عطاء إن كان رواه أن عطاء يفتى بخلافه ويقول فيه بخلاف هذا كله ويقول فيما ظهر هلاكه أمانة وفيما خفى يترادان الفضل وهذا أثبت الرواية عنه وقد روى عنه يترادان مطلقة وما شككنا فيه فلا نشك أن عطاء إن شاء الله تعالى لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مثبتا عنده ويقول بخلافه مع أنى لم أعلم أحدا روى هذا عن عطاء يرفعه إلا مصعب والذى روى هذا عن عطاء يرفعه يوافق قول شريح " إن الرهن بما فيه " قال وكيف يوافقه؟ قلنا قد يكون الفرس أكثر مما فيه من الحق ومثله وأقل ولم يرو أنه سأل عن قيمة الفرس وهذا يدل على أنه إن كان قاله رأى أن الرهن بما فيه قال فكيف لم تأخذ به؟ قلنا لو كان منفردا لم يكن من الرواية التى تقوم بمثلها حجة فكيف وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا بينا مفسرا مع ما فيه من الحجة التى ذكرنا وصمتنا عنها قال فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ قلنا لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثره عن أحد فيما عرفناه عنه إلا ثقة معروف فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه ورأينا غيره يسمى المجهول ويسمى من يرغب عن الرواية عنه ويرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض من لم يلحق من أصحابه المستنكر الذى لا يوجد له شئ يسدده ففرقنا بينهم لافتراق أحاديثهم ولم نحاب أحدا ولكنا قلنا في ذلك بالدلالة البينة على ما وصفناه من صحة روايته وقد أخبرني غير واحد من أهل العلم عن يحيى بن أبى أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن أبى ذئب قال فكيف لم تأخذوا
بقول على فيه؟ قلنا إذا ثبت عندنا عن على رضى الله عنه لم يكن عندنا وعند أحد من أهل العلم لنا ان نترك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما جاء عن غيره قال فقد روى عبد الاعلى التغلبي عن على بن أبى طالب شبيها بقولنا قلنا الرواية عن على رضى الله عنه بأن يتردان الفضل أصح ](3/192)
[ عنه من رواية عبد الاعلى وقد رأينا أصحابكم يضعفون رواية عبد الاعلى التى لا يعارضها معارض تضعيفا شديدا فكيف بما عارضه فيه من هو أقرب من الصحة وأولى بها؟! (قال الشافعي) وقيل لقائل هذا القول قد خرجت فيه مما رويت عن عطاء يرفعه ومن أصح الروايتين عن على رضى الله عنه وعن شريح وما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول رويته عن إبراهيم النخعي وقد روى عن إبراهيم خلافه وإبراهيم لو لم تختلف الرواية عنه فيه زعمت لا يلزم قوله وقلت قولا متناقضا خارجا عن أقاويل الناس وليس للناس فيه قول إلا وله وجه وإن ضعف إلا قولكم فإنه لا وجه له يقوى ولا يضعف ثم لا تمتنعون من تضعيف من خالف قول من قال يترادان الفضل أن يقول لم يدفعه أمانة ولا بيعا وإنما دفعه محتبسا بشئ فإن هلك ترادا فضله وهكذا كل مضمون بعينه إذا هلك ضمن من ضمنه قيمته (قال الشافعي) وهذا ضعيف إذ كيف يترادان فضله وهو إن كان كالبيع فهو بما فيه وإن كان محتبسا بحق فما معنى أنه مضمون وهو لا غصب من المرتهن ولا عدوان عليه في حبسه وهو يبيح له حبسه؟ (قال الشافعي) ووجه قول من قال الرهن بما فيه أن يقول قد رضى الراهن والمرتهن أن يكون الحق في الرهن فإذا هلك هلك بما فيه لانه كالبدل من الحق وهذا ضعيف وما لم يتراضيا تبين ملك الراهن على الرهن إلى أن يملكه المرتهن ولو ملكه لم يرجع إلى الراهن (قال الشافعي) والسنة ثابتة عندنا والله تعالى أعلم بها قلنا وليس مع السنة حجة ولا فيها إلا اتباعها مع أنها أصح الاقاويل مبتدأ ومخرجا (قال) وقيل لبعض من قال هذا القول الذى حكينا: أنت أخطأت بخلاف السنة وأخطأت بخلافك ما قلت قال وأين خالفت ما قلت؟ قلت عبت علينا أن زعمنا أنه أمانة وحجتنا فيه ما ذكرنا وغيرها مما فيما ذكرنا كفاية منه فكيف عبت قولا قلت ببعضه؟ قال لى وأين؟ قلت زعمت أن الرهن مضمون قال نعم قلنا فهل رأيت مضمونا قط بعينه فهلك إلا أدى الذى ضمنه قيمته بالغة ما بلغت؟ قال لا غير الرهن قلنا
فالرهن إذا كان عندك مضمونا لم لم يكن هكذا إذا كان يسوى ألفا وهو رهن بمائة؟ لم لم يضمن المرتهن تسعمائة لو كان مضمونا كما ذكرت قال هو في الفضل أمين قلنا ومعنى الفضل غير معنى غيره؟ قال نعم قلنا لان الفضل ليس برهن؟ قال إن قلت ليس برهن قلت أفيأخذه مالكه قال فليس لمالكه أن يأخذه حتى يؤدى ما فيه قلنا لم؟ قال لانه رهن قلنا فهو رهن واحد محتبس بحق واحد بعضه مضمون وبعضه أمانة قال نعم قلنا أفتقبل مثل هذا القول ممن يخالفك فلو قال هذا غيرك ضعفته تضعيفا شديدا فيما ترى وقلت وكيف يكون الشئ الواحد مدفوعا بالامر الواحد بعضه أمانة وبعضه مضمون (قال الشافعي) وقلنا أرأيت جارية تسوى ألفا رهنت بمائة وألف درهم رهنت بمائة أليست الجارية بكمالها رهنا بمائة والالف الدرهم رهن بكمالها بمائة؟ قال بلى قلنا الكل مرهون منهما ليس له أخذه ولا إدخال أحد برهن معه فيه من قبل أن الكل مرهون بالمائة مدفوع دفعا واحدا بحق واحد فلا يخلص بعضه دون بعض قال نعم قلنا وعشر الجارية مضمون وتسعة أعشارها أمانة ومائة مضمون وتسعمائة أمانة؟ قال نعم قلنا فأى شئت عبت من قولنا ليس بمضمون وهذا أنت تقول في أكثره ليس بمضمون؟ (قال الشافعي) وقيل له إذا كانت الجارية دفعت خارجا تسعة أعشارها من الضمان والالف كذلك فما تقول إن نقصت الجارية في ثمنها حتى تصير تسوى مائة؟ قال الجارية كلها مضمونة قيل فإن زادت بعد النقصان حتى صارت تسوى الفين؟ قال تخرج الزيادة من الضمان ويصير نصف عشرها مضمونا وتسعة عشر جزءا من عشرين سهما غير مضمون قلنا ثم هكذا إن نقصت أيضا حتى صارت تسوى مائة؟ قال نعم تعود كلها مضمونة قال وهكذا جوار ولو رهن يسوين عشرة آلاف بألف كانت تسعة ](3/193)
[ أعشارهن خارجة من الرهن بضمان وعشر مضمون عنده فقلت لبعضهم لو قال هذا غيركم كنتم شبيها أن تقولوا ما يحل لك أن تتكلم في الفتيا وأنت لا تدرى ما تقول كيف يكون رهن واحد بحق واحد بعضه أمانة وبعضه مضمون ثم يزيد فيخرج ما كان مضمونا منه من الضمان لانه إن دفع عندكم بمائة وهو يسوى مائة كان مضمونا كله وإن زاد خرج بعضه من الضمان ثم إن نقص عاد إلى الضمان وزعمت أنه إن دفع جارية رهنا بألف وهى تسوى ألفا فولدت أولادا يساوون آلافا فالجارية مضمونة كلها
والاولاد رهن كلهم غير مضمونين لا يقدر صاحبهم على أخذهم لانهم رهن وليسوا بضمونين ثم إن ماتت أمهم صاروا مضمونين بحساب فهم كله مرة رهن خارجون من الضمان ومرة داخل بعضهم في الضمان خارج بعض (قال الشافعي) فقيل لمن قال هذا القول ما يدخل على أحد أقبح من قولكم أعلمه وأشد تناقضا أخبرني من أثق به عن بعض من نسب إلى العلم منهم أنه يقول لو رهن الجارية بألف ثم أدى الالف إلى المرتهن وقبضها منه ثم دعاه بالجارية فهلكت قبل أن يدفعها إليه هلكت من مال الراهن وكانت الالف مسلمة للمرتهن لانها حقه فإن كان هذا فقد صاروا فيه إلى قولنا وتركوا جميع قولهم وليس هذا بأنكر مما وصفنا وما يشبهه مما سكتنا عنه (قال الشافعي) فقال لى قائل من غيرهم نقول الرهن بما فيه ألا ترى أنه لما دفع الرهن يعنى بشئ بعينه ففى هذا دلالة على أنه قد رضى الراهن والمرتهن بأن يكون الحق في الرهن قلنا ليس في ذلك دلالة على ما قلت قال وكيف؟ قلنا إنما تعاملا على أن الحق على مالك الرهن والرهن وثيقة مع الحق كما تكون الحمالة قال كأنه بأن يكون رضا أشبه؟ قلنا إنما الرضا بأن يتبايعانه فيكون ملكا للمرتهن فيكون حينئذ رضا منهما به ولا يعود إلى ملك الراهن إلا بتجديد بيع منه وهذا في قولنا وقولكم ملك للراهن فأى رضا منهما وهو ملك للراهن بأن يخرج من ملك الراهن إلى ملك المرتهن؟ قإن قلت إنما يكون الرضا إذا هلك فإنما ينبغى أن يكون الرضا عند العقدة والدفع فالعقدة والدفع كان وهو ملك للراهن ولا يتحول حكمه عما دفع به لان الحكم عندنا وعندك في كل أمر فيه عقدة إنما هو على العقدة.
رهن المشاع (قال الشافعي) رحمه الله: لا بأس بأن يرهن الرجل الرجل نصف أرضه ونصف داره وسهما من أسهم من ذلك مشاعا غير مقسوم إذا كان الكل معلوما وكان ما رهن منه معلوما ولا فرق بين ذلك وبين البيوع وقال بعض الناس لا يجوز الرهن إلا مقبوضا مقسوما لا يخالطه غيره وأحتج بقول الله تبارك وتعالى " فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) قلنا فلم لم يجز الرهن إلا مقبوضا مقسوما وقد يكون مقبوضا وهو مشاع غير مقسوم؟ قال قائل فكيف يكون مقبوضا وأنت لا تدرى أي الناحيتين هو؟ وكيف يكون مقبوضا في العبد وهو لا يتبعض؟ فقلت كان القبض إذا كان اسما واحدا لا يقع عندك إلا بمعنى واحد وقد يقع
على معان مختلفة قال بل هو بمعنى واحد قلت أو ما تقبض الدنانير والدراهم وما صغر باليد؟ وتقبض الدور بدفع المفاتيح والارض بالتسليم؟ قال بلى فقلت فهذا مختلف قال يجمعه كله أنه منفصل لا يخالطه شئ قلت فقد تركت القول الاول وقلت آخر وستتركه إن شاء الله تعالى وقلت فكأن القبض عندك لا يقع أبدا إلا على منفصل لا يخالطه شئ قال نعم قلت فما تقول في نصف دار ونصف أرض ](3/194)
[ ونصف عبد ونصف سيف اشتريته منك بثمن معلوم؟ قال جائز قلت وليس على دفع الثمن حتى تدفع إلى ما اشتريت فأقبضه؟ قال نعم قلت فإنى لما اشتريت أردت نقض البيع فقلت باعنى نصف دار مشاعا لا أدرى أشرقي الدار يقع أم غربيها ونصف عبد لا ينفصل أبدا ولا ينقسم وأنت لا تجيزني على قسمه لان فيه ضررا فأنا أفسخ البيع بينى وبينك قال ليس ذلك لك وقبض نصف الدار ونصف الارض ونصف العبد ونصف السيف أن يسلمه ولا يكون دونه حائل قلت أنت لا تجيز البيع إلا معلوما وهذا غير معلوم قال هو وإن لم يكن معلوما بعينه منفصلا فالكل معلوم ونصيبك من الكل محسوب قلت وإن كان محسوبا فإنى لا أدري أين يقع قال أنت شريك في الكل قلت فهو غير مقبوض لانه ليس بمنفصل وأنت تقول فيما ليس بمنفصل لا يكون مقبوضا فيبطل به الرهن وتقول القبض أن يكون منفصلا قال قد يكون منفصلا وغير منفصل قلت وكيف يكون مقبوضا وهو غير منفصل؟ قال لان الكل معلوم وإذا كان الكل معلوما فالبعض بالحساب معلوم قلت فقد تركت قولك الاول وتركت قولك الثاني فلم إذا كان هذا كما وصفت يجوز البيع فيه والبيع لا يجوز إلا معلوما فجعلته معلوما ويتم بالقبض لان البيع عندك لا يتم حتى يقضى على صاحبه بدفع الثمن إلا مقبوضا فكان هذا عندك قبضا زعمت أنه في الرهن غير قبض فلا يعدو أن تكون أخطأت بقولك لا يكون في الرهن قبضا أو بقولك يكون في البيع قبضا (قال الشافعي) فالقبض اسم جامع وهو يقع بمعان مختفة كيف ما كان الشئ معلوما أو كان الكل معلوما والشئ من الكل جزء معلوم من أجزاء وسلم حتى لا يكون دونه حائل فهو قبض فقبض الذهب والفضة والثياب في مجلس الرجل والارض أن يؤتى في مكانها فتسلم لا تحويها يد ولا يحيط بها جدار والقبض في كثير من الدور والارضين إسلافها بأعلاقها والعبيد تسليمهم بحضرة القابض والمشاع
من كل أرض وغيرها أن لا يكون دونه حائل فهذا كله قبض مختلف يجمعه اسم القبض وإن تفرق الفعل فيه غير أنه يجمعه أن يكون مجموع العين والكل جزء من الكل معروف ولا حائل دونه فإذا كان هكذا فهو مقبوض والذى يكون في البيع قبضا يكون في الرهن قبضا لا يختلف ذلك (قال الشافعي) ولم أسمع أحدا عندنا مخالفا فيما قلت من أنه يجوز فيه الرهن والذى يخالف لا يحتج فيه بمتقدم من أثر فيلزم اتباعه وليس بقياس ولا معقول فيغيبون في الاتباع الذى يلزمهم أن يفرقوا بين الشيئين إذا فرقت بينهما الآثار حتى يفارقوا الآثار في بعض ذلك لان يجزئوا الاشياء زعموا على مثال ثم تأتى أشياء ليس فيها أثر فيفرقون بينها وهى مجتمعة بآرائهم ونحن وهم نقول في الآثار تتبع كما جاءت وفيما قلت وقلنا بالرأى لا نقبل إلا قياسا صحيحا على أثر (قال الشافعي) وإن تبايع الراهن والمرتهن على شرط الرهن وهو أن يوضع على يدى المرتهن فجائز وإن وضعاه على يدي عدل فجائز وليس لواحد منهما إخراجه من حيث يضعانه إلا باجتماعهما على الرضا بأن يخرجاه (قال الشافعي) فإن خيف الموضوع على يديه فدعا أحدهما إلى إخراجه من يديه فينبغي للحاكم إن كانت تغيرت حاله عما كان عليه من الامانة حتى يصير غير أمين أن يخرجه ثم يأمرهما أن يتراضيا فإن فعلا وإلا رضى لهما كما يحكم عليهما فيما لم يتراضيا فيه بما لزمهما قال وإن مات الموضوع على يديه الرهن فكذلك يتراضيان أو يرضى لهما القاضى إن أبيا التراضي (قال الشافعي) وإن مات المرتهن والرهن على يديه ولم يرض الراهن وصية ولا وارثه قيل لوارثه - إن كان بالغا أو لوصيه إن لم يكن بالغا -: تراض أنت وصاحب الرهن فإن فعلا وإلا صيره الحاكم إلى عدل وذلك أن الراهن لم يرض بأمانة الوارث ولا الوصي ولما كان للوارث حق في احتباس الرهن حتى يستوفى حقه كان له ما وصفنا من الرضا فيه إذا كان له أمر في ماله (قال الشافعي) وإن مات الراهن ](3/195)
[ فالدين حال ويباع الرهن فإن أدى ما فيه فذلك وإن كان في ثمنه فضل رد على ورثة الميت وإن نقص الرهن من الدين رجع صاحب الحق بما بقى من حقه في تركة الميت وكان أسوة الغرماء فيما يبقى من دينه (قال الشافعي) وليس لاحد من الغرماء أن يدخل معه في ثمن رهنه حتى يستوفيه وله أن يدخل مع الغرماء بشئ إن بقى له في مال الميت غير المرهون إذا باع رهنه فلم يف (قال الشافعي) وإذا كان
الرهن على يدى عدل فإن كانا وضعاه على يدى العدل على أن يبيعه فله بيعه إذا حل الاجل فإن باعه قبل أن يحل الاجل بغير أمرهما معا فالبيع مفسوخ وإن فات ضمن القيمة إن شاء الراهن والمرتهن وكانت القيمة أكثر مما باع به وإن شاء فللراهن ما باع به الرهن قل أو كثر ثم إن تراضيا أن تكون القيمة على يديه إلى محل الاجل وإلا تراضيا أن تكون على يدى غيره لان بيعه للرهن قبل محل الحق خلاف الامانة وإن باعه بعد محل الحق بما لا يتغابن الناس بمثله رد البيع إن شاء فإن فات ففيها قولان إحدهما يضمن قيمته ما بلغت فيه فيؤدى إلى ذى الحق حقه ويكون لمالك الرهن فضلها والقول الآخر يضمن ما حط مما لا يتغابن الناس بمثله لانه لو باع بما يتغابن الناس بمثله جاز البيع فإنما يضمن ما كان لا يجوز له بحال (قال الشافعي) وحد ما يتغابن الناس بمثله يتفاوت تفاوتا شديدا فيما يرتفع وينخفض ويخص ويعم فيدعى رجلان عدلان من أهل البصر بتلك السلعة المبيعة فيقال أيتغابن أهل البصر بالبيع في البيع بمثل هذا؟ فإن قالوا نعم جاز وإن قالوا: لا.
رد إن قدر عليه وإن لم يقدر عليه فالقول فيه ما وصفت (قال الشافعي) ولا يلتفت إلى ما يتغابن به غير أهل البصر وإلى ترك التوقيت فيما يتغابن الناس بمثله رجع بعض أصحابه وخالفه صاحبه وكان صاحبه يقول حد ما يتغابن الناس بمثله العشرة ثلاثة فإن جاوز ثلاثة لم يتغابن أهل البصر بأكثر من ثلاثة (قال الشافعي) وأهل البصر بالجوهر والوشى وعليه الرقيق يتغابنون بالدرهم وأكثر ولا يتغابن أهل البصر بالحنطة والزيت والسمن والتمر في كل خمسين بدرهم وذلك لظهوره وعموم البصر به مع اختلاف ما يدق وظهور ما يجل (قال الشافعي) وإن باع الموضوع على يديه الرهن فهلك الثمن منه فهو أمين والدين على الراهن (قال الشافعي) وإن اختلف مالك الرهن والمرتهن والمؤتمن والبائع فقال بعت بمائة وقال بعت بخمسين فالقول قوله ومن جعلنا القول قوله فعليه اليمين إن أراد الذى يحالفه يمينه قال وإن اختلف الراهن والمرتهن في الرهن فقال الراهن رهنتكه بمائة وقال المرتهن رهنتنيه بمئتين فالقول قول الراهن (قال الشافعي) وإن اختلفا في الرهن فقال الراهن رهنتك عبدا يساوى ألفا وقال المرتهن رهنتني عبدا يساوى مائة فالقول قول المرتهن (قال الشافعي) ولو قال مالك العبد رهنتك عبدى بمائة أو هو في يديك وديعة وقال الذى هو في يديه بل رهنتنيه بألف في الحالين كان القول قول مالك العبد في ذلك لانهما يتصادقان على ملكه ويدعى الذى
هو في يديه فضلا على ما كان يقر به مالكه فيه أو حقا في الرهن لا يقر به مالكه (قال الشافعي) وليس في كينونة العبد في يدى المرتهن دلالة على ما يدعى من فضل الرهن (قال الشافعي) ولو قال رهنتكه بألف ودفعتها إليك وقال المرتهن لم تدفعها إلى كان القول قول المرتهن لانه يقر بألف يدعى منها البراءة (قال الشافعي) ولو قال رهنتك عبدا فأتلفته وقال المرتهن مات كان القول قول المرتهن ولا يصدق الراهن على تضمينه ولو قال رهنتك عبدا بألف وأتلفته وليس بهذا وقال المرتهن هو هذا فلا يصدق الراهن على تضمين المرتهن العبد الذى ادعى ولا يكون العبد الذى ادعى فيه المرتهن الرهن رهنا لان مالك العبد لم يقر بأنه رهنه إياه بعينه ويتحالفان معا ألا ترى أنهما لو تصادقا على أن له عليه ألف درهم وقال صاحب الالف رهنتني بها دارك وقال صاحب الدار لم أرهنك كان القول قوله (قال الشافعي) ](3/196)
[ ويجوز رهن الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم كان الرهن مثلا أو أقل أو أكثر من الحق وليس هذا ببيع (قال الشافعي) وإذا استعار رجل من رجل عبدا يرهنه فرهنه فالرهن جائز إذا تصادقا على ذلك أو قامت به بينة كما يجوز لو رهنه مالك العبد فإن أراد مالك العبد أن يخرجه من الرهن فليس له ذلك إلا أن يدفع الراهن أو مالك العبد متطوعا الحق كله (قال الشافعي) ولمالك الرهن أن يأخذ الراهن بافتكاكه له متى شاء لانه أعاره له بلا مدة كان ذلك محل الدين أو بعده (قال الشافعي) فإن أعاره إياه فقال: أرهنه إلى سنة ففعل وقال أفتكه قبل السنة ففيها قولان أحدهما أن له أن يأخذه ببيع ماله عليه في ماله حتى يعيده إليه كما أخذه منه ومن حجة من قال هذا أن يقول لو أعرتك عبدى يخدمك سنة كان لى أخذه الساعة ولو أسلفتك ألف درهم إلى سنة كان لى أخذها منك الساعة والقول الآخر أنه ليس له أخذه إلى السنة لانه قد أذن له أن يصير فيه حقا لغيرهما فهو كالضامن عنه مالا ولا يشبه إذنه برهنه إلى مدة عاريته إياه ولا سلفه له (قال الشافعي) ولو تصادقا على أنه أعاره إياه برهنه وقال أذنت لك في رهنه بألف وقال الراهن والمرتهن أذنت لى بألفين فالقول قول مالك العبد في أنه بألف والالف الثانية على الراهن في ماله للمرتهن (قال الشافعي) ولو استعاره رجلان عبدا من رجل فرهناه من رجل بمائة ثم أتى أحدهما بخمسين فقال هذا ما يلزمنى من الحق لم يكن واحد منهما ضامنا عن صاحبه وإن
اجتمعا في الرهن فإن نصفه مفكوك ونصفه مرهون (قال الشافعي) وإذا استعار رجل من رجلين عبدا فرهنه بمائة ثم جاء بخمسين فقال هذه فكاك حق فلان من العبد وحق فلان مرهون ففيها قولان أحدهما أنه لا يفك إلا معا، ألا ترى أنه لو رهن عبدا لنفسه بمائة ثم جاء بتسعين فقال فك تسعة أعشاره وأترك العشر مرهونا لم يكن منه شئ مفكوكا وذلك أنه رهن واحد بحق واحد فلا يفك إلا معا والقول الآخر أن الملك لما كان لكل واحد منهما على نصفه جاز أن يفك نصف أحدهما دون نصف الآخر كما لو استعار من رجل عبدا ومن آخر عبدا فرهنهما جاز أن يفك أحدهما دون الآخر والرجلان وإن كان ملكها في واحد لا يتجزأ فأحكامهما في البيع والرهن حكم مالكى العبدين المفترقين (قال الشافعي) ولولى اليتيم أو وصيه أن يرهنا عنه كما يبيعان عليه فيما لابد له منه وللمأذون له في التجارة وللمكاتب والمشترك والمستأمن أن يرهن ولا بأس أن يرهن المسلم عند المشرك والمشرك عند المسلم كل شئ ما خلا المصحف والرقيق من المسلمين فإنا نكره أن يصير المسلم تحت يدى المشرك بسبب يشبه الرق والرهن وإن لم يكن رقا فإن الرقيق لا يمتنع إلا قليلا من الذل لمن صار تحت يديه بتصيير مالكه (قال الشافعي) ولو رهن العبد لم نفسخه ولكنا نكرهه لما وصفنا ولو قال قائل آخذ الراهن بافتكاكه حتى يوفى المرتهن المشرك حقه متطوعا أو يصير في يديه بما يجوز له ارتهانه فإن لم يتراضيا فسخت البيع كان مذهبا فأما ما سواهم فلا بأس برهنه من المشركين فإن رهن المصحف قلنا إن رضيت أن ترد المصحف ويكون حقك عليه فذلك لك أو تتراضيان على ما سوى المصحف مما يجوز أن يكون في يديك وإن لم تتراضيا فسخنا البيع بينكما لان القرآن أعظم من أن يترك في يدى مشرك يقدر على إخراجه من يديه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسه من المسلمين إلا طاهر ونهى أن يسافر به إلى بلاد العدو (أخبرنا) إبراهيم وغيره عن جعفر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبى الشحم اليهودي (قال الشافعي) ويوقف على المرتد ماله فإن رهن منه شيئا بعد الوقف فلا يجوز في قول بعض أصحابنا على حال وفى قول بعضهم لا يجوز إلا أن يرجع إلى الاسلام فيملك ماله فيجوز الرهن وإن رهنه قبل وقف ماله فالرهن جائز كما يجوز للمشرك ببلاد الحرب ما صنع في ماله قبل أن ](3/197)
[ يؤخذ عنه وكما يجوز للرجل من أهل الاسلام والذمة ما صنع في ماله قبل أن يقوم عليه غرماؤه فإذا قاموا عليه لم يجز ما صنع في ماله حتى يستوفوا حقوقهم أو يبرئوه منها (قال الشافعي) وليس للمقارض أن يرهن لان الملك لصاحب المال كان في المقارضة فضل عن رأس المال أو لم يكن وإنما ملك المقارض الراهن شيئا من الفضل شرطه له إن سلم حتى يصير رأس مال المقارض إليه أخذ شرطه وإن لم يسلم لم يكن له شئ قال وإن كان عبد بين رجلين فأذن أحدهما للآخر أن يرهن العبد فالرهن جائز وهو كله رهن بجميع الحق لا يفك بعضه دون بعض وفيها قول آخر أن الراهن إن فك نصيبه منه فهو مفكوك ويجبر على فك نصيب شريكه في العبد إن شاء ذلك شريكه فيه وإن فك نصيب صاحبه منه فهو مفكوك صاحب الحق على حقه في نصف العبد الباقي وإن لم يأذن شريك العبد لشريكه في أن يرهن نصيبه من العبد فرهن العبد فنصفه مرهون ونصف شريكه الذى لم يأذن له في رهنه من العبد غير مرهون ألا ترى أن رجلا لو تعدى فرهن عبد رجل بغير إذنه لم يكن له رهنا وكذلك يبطل الرهن في النصف الذى لا يملكه الراهن (قال الشافعي) ويجوز رهن الاثنين الشئ الواحد (قال الشافعي) فإن رهن رجل رجلا أمة فولدت أو حائطا فأثمر أو ماشية فتناتجت فاختلف أصحابنا في هذا، فقال بعضهم لا يكون ولد الجارية ولا نتاج الماشية ولا ثمرة الحائط رهنا ولا يدخل في الرهن شئ لم يرهنه مالكه قط ولم يوجب فيه حقا لاحد وإنما يكون الولد تبعا في البيوع إذا كان الولد لم يحدث قط إلا في ملك المشترى وإن كان الحمل كان في ملك البائع وتبعا في العتق لان العتق كان ولم يولد المملوك فلم يصر إلى أن يكون مملوكا لانه لم يصر إلى حكم الحياة الظاهر إلا بعد العتق لامه وهو تبع لامه وثمر الحائط إنما يكون تبعا في البيع ما لم يؤبر وإذا أبر فهو للبائع إلا أن يشترط المبتاع (قال الشافعي) والعتق والبيع مخالف للرهن ألا ترى أنه إذا باع فقد حول رقبة الامة والحائط والماشية من ملكه وحوله إلى ملك غيره؟ وكذلك إن أعتق الامة فقد أخرجها من ملكه لشئ جعله الله وملكت نفسها والرهن لم يخرجه من ملكه قط هو في ملكه بحاله إلا أنه محول دونه بحق حبسه به لغيره أجازه المسلمون كما كان العبد له وقد أجره من غيره وكان المستأجر أحق بمنفعته إلى المدة التى شرطت له من مالك العبد والملك له وكما لو آجر الامة فتكون محتبسة عنه بحق فيها وإن ولدت أولادا لم تدخل الاولاد في الاجارة فكذلك لم
تدخل الاولاد في الرهن والرهن بمنزلة ضمان الرجل عن الرجل ولا يدخل في الضمان إلا من أدخل نفسه فيه وولد الامة ونتاج الماشية وثمر الحائط مما لم يدخل في الرهن قط وقد أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن معاذ بن جبل قضى فيمن ارتهن نخلا مثمرا فليحسب المرتهن ثمرها من رأس المال وذكر سفيان بن عيينة شبيها به (قال الشافعي) وأحسب مطرفا قاله في الحديث من عام حج رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وهذا كلام يحتمل معاني فأظهر معانيه أن يكون الراهن والمرتهن تراضيا أن تكون الثمرة رهنا أو يكون الدين حالا ويكون الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة واقتضائها من رأس ماله أو أذن له بذلك وإن كان الدين إلى أجل، ويحتمل غير هذا المعنى فيحتمل أن يكونا تراضيا أن الثمرة للمرتهن فتأداها على ذلك فقال هي من رأس المال لا للمرتهن ويحتمل أن يكونوا صنعوا هذا متقدما فأعلمهم أنها لا تكون للمرتهن ويشبه هذا لقوله من عام حج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم كانوا يقضون بأن الثمرة للمرتهن قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم وظهور حكمه فردهم إلى أن لا تكون للمرتهن فلما لم يكن له ظاهر مقتصرا عليه وصار إلى التأويل لم يجز لاحد فيه شئ إلا جاز عليه وكل يحتمل معنى لا يخالف معنى قول من قال لا تكون الثمرة رهنا مع ](3/198)
[ الحائط إذا لم تشترط (قال الشافعي) فإن قال قائل وكيف لا يكون له ظاهر مخالفا يحكم به؟ قلت أرأيت رجلا رهن رجلا حائطا فأثمر الحائط للمرتهن بيع الثمرة وحسابها من رأس المال فيكون بائعا لنفسه بلا تسليط من الراهن وليس في الحديث أن الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة أو يجوز للمرتهن أن يقبضها من رأس ماله إن كان الدين إلى أجل قبل محل الدين ولا يجيز هذا أحد علمته فليس وجه الحديث في هذا إلا بالتأويل (قال الشافعي) فلما كان هذا الحديث هكذا كان أن لا تكون الثمرة رهنا ولا الولد ولا النتاج أصح الاقاويل عندنا والله تعالى أعلم (قال الشافعي) ولو قال قائل إلا أن يتشارطا عند الرهن أن يكون الولد والنتاج والثمر رهنا فيشبه أن يجوز عندي وإنما أجزته على ما لم يكن أنه ليس بتمليك فلا يجوز أن يملك ما لا يكون وهذا يشبه معنى حديث معاذ والله تعالى أعلم وإن لم يكن بالبين جدا كان مذهبا ولو لا حديث معاذ ما رأيته يشبه أن يكون عند أحد جائزا (قال الربيع) وفيه قول آخر
أنه إذا رهنه ماشية أو نخلا على أن ما حدث من النتاج أو الثمرة رهن كان الرهن باطلا لانه رهنه ما لا يعرف ولا يضبط ويكون ولا يكون ولا إذا كان كيف يكون وهذا أصح الاقاويل على مذهب الشافعي (قال الشافعي) وقال بعض أصحابنا الثمرة والنتاج وولد الجارية رهن مع الجارية والماشية والحائط لانه منه وما كسب الرهن من كسب أو وهب له من شئ فهو لمالكه ولا يشبه كسبه الجناية عليه لان الجناية ثمن له أو لبعضه (قال الشافعي) وإذا دفع الراهن الرهن إلى المرتهن أو إلى العدل فأراد أن يأخذه من يديه لخدمة أو غيرها فليس له ذلك فإن أعتقه فإن مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء في العبد يكون رهنا فيعتقه سيده فإن العتق باطل أو مردود (قال الشافعي) وهذا له وجه، ووجهه أن يقول قائله إذا كان العبد بالحق الذى جعله فيه محولا بينه وبين أن يأخذه ساعة يخدمه فهو من أن يعتقه أبعد فإذا كان في حال لا يجوز له فيها عتقه وأبطل الحاكم فيها عتقه ثم فكه بعد لم يعتق بعتق قد أبطله الحاكم (وقال) بعض أصحابنا إذا أعتقه الراهن نظرت فإن كان له مال يفى بقيمة العبد أخذت قيمته منه فجعلتها رهنا وأنفذت عتقه لانه مالك قال وكذلك إن أبرأه صاحب الدين أو قضاه فرجع العبد إلى مالكه وانفسخ الدين الذى في عتقه أنفذت عليه العتق لانه مالك وإنما العلة التى منعت بها عتقه حق غيره في عنقه فلما انفسخ ذلك أنفذت فيه العتق (قال الشافعي) وقد قال بعض الناس هو حر ويسعى في قيمته والذى يقول هو حر يقول ليس لسيد العبد أن يبيعه وهو مالك له ولا يرهنه ولا يقبضه ساعة وإذا قيل له لم وهو مالك قد باع بيعا صحيحا قال فيه حق لغيره حال بينه وبين أن يخرجه من الرهن فقيل له فإذا منعته أن يخرجه من الرهن بعوض يأخذه لعله أن يوديه إلى صاحبه أو يعطيه إياه رهنا مكانه أو قال أبيعه لا يتلف ثم أدفع الثمن رهنا فقلت لا إلا برضأ المرتهن ومنعته وهو مالك أن يرهنه من غيره فأبطلت الرهن إن فعل ومنعته وهو مالك أن يخدمه ساعة وكانت حجتك فيه أنه قد أوجب فيه شيئا لغيره فكيف أجزت له أن يعتقه فيخرجه من الرهن الاخراج الذى لا يعود فيه أبدا لقد منعته من الاقل وأعطيته الاكثر فإن قال استسعيه فالاستسعاء أيضا ظلم للعبد وللمرتهن أرأيت إن كانت أمة تساوى ألوفا ويعلم أنها عاجزة عن اكتساب نفقتها في أي شئ تسعى أو رأيت إن كان الدين حالا أو إلى أي يوم فأعتقه ولعل العبد يهلك ولا مال له والامة فيبطل حق هذا أو يسعى فيه مائة سنة ثم لعله
لا يؤدى منه كبير شئ ولعل الراهن مفلس لا يجد درهما فقد أتلفت حق صاحب الرهن ولم ينتفع برهة فمرة تجعل الدين يهلك إذا هلك الرهن لانه فيه زعيم ومرة تنظر إلى الذى فيه الدين فتجيز فيه عتق صاحبه وتتلف فيه حق الغريم وهذا قول متباين وإنما يرتهن الرجل بحقه فيكون أحسن حالا ممن لم ](3/199)
[ يرتهن والمرتهن في أكثر قول من قال هذا أسوأ حالا من الذى لم يرتهن وما شئ أيسر على من يستخف بذمته من أن يسأل صاحب الرهن أن يعيره إياه إما يخدمه أو يرهنه فإذا أبى قال لاخرجنه من يدك فأعتقه فتلف حق المرتهن ولم يجد عند الراهن وفاء (قال الشافعي) ولا أدرى أيراه يرجع بالدين على الغريم المعتق أم لا (قال الشافعي) فإن قال قائل لم أجزت العتق فيه إذا كان له مال ولم تقل ما قال فيه عطاء؟ قيل له كل مالك يجوز عتقه إلا لعلة حق غيره فإذا كان عتقه إياه يتلف حق غيره لم أجزه وإذا لم يكن يتلف لغيره حقا وكنت آخذ العوض منه وأصيره رهنا كهو فقد ذهبت العلة التى بها كنت مبطلا للعتق وكذلك إذا أدى الحق الذى فيه استيفاء من المرتهن أو إبراء ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا وإن رهنه رهنا فما قبضه هو ولا عدل يضعه على يديه فالرهن مفسوخ والقبض ما وصفت في صدر الكتاب مختلف قال وإن قبضه ثم أعاره إياه أو آجره إياه هو أو العدل، فقال بعض أصحابنا لا يخرجه هذا من الرهن لانه إذا أعاره إياه فمتى شاء أخذه وإذا آجره فهو كالأجنبي (1) يؤاجر الرهن إذا أذن له سيده والاجارة للمالك فإذا كانت للمالك فلصاحب الرهن أن يأخذ الرهن لان الاجارة منفسخة وهكذا نقول (قال الشافعي) فإن تبايعا على أن يرهنه فرهنه وقبض أو رهنه بعد البيع فكل ذلك جائز وإذا رهنه فليس له إخراجه من الرهن فهو كالضمان يجوز بعد البيع وعنده (قال الشافعي) فإن تبايعا على أن يرهنه عبدا فإذا هو حر فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إثباته لانه قد بايعه على وثيقة فلم تتم له وإن تبايعا على رهنه فلم يقبضه فالرهن مفسوخ لانه لا يجوز إلا مقبوضا.
جناية الرهن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى الأجنبي على العبد المرهون جناية تتلفه أو تتلف بعضه أو تنقصه فكان لها أرش فمالك العبد الراهن الخصم فيها، وإن أحب المرتهن حضوره أحضره فإذا
قضى له بأرش الجناية دفع الارش إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو إلى العدل الذى على يديه وقيل للراهن إن أحببت فسلمه إلى المرتهن قصاصا من حقه عليك وإن شئت فهو موقوف في يديه رهنا، أو في يدى من على يديه الرهن إلى محل الحق (قال الشافعي) لا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون من ماله شئ يقف لا يقبضه فينتفع به إلى محل الدين ولا شئ له بوجه من الوجوه موقوفا غير مضمون إن تلف بلا ضمان على الذى هو في يديه وكان أصل الحق ثابتا كما كان عليه على أن يكون قصاصا من دينه (قال الشافعي) فإن قال الراهن أنا آخذ الارش لان ملك العبد لى فليس ذلك له من قبل أن ما كان من أرش العبد فهو ينقص من ثمنه وما أخذ من أرشه فهو يقوم مقام بدنه لانه عوض من بدنه والعوض من البدن يقوم مقام البدن إذا لم يكن لمالكه أخذ بدن العبد فكذلك لا يكون له أخذ أرش بدنه ولا أرش شئ منه (قال الشافعي) وإن جنى عليه ابن المرتهن فجنايته كجناية الأجنبي وإن جنى عليه المرتهن فجنايته أيضا كجناية الأجنبي إلا أن مالك العبد يخير بين أن يجعل ما يلزمه من ثمن عقل ]
__________
(1) قوله: يؤاجر الرهن، في نسخة " وأجر الرهن " وقوله: فلصاحب الرهن، كذا في النسخ التى عندنا ولعله " فلصاحب الحق " وحرره اه مصححه.(3/200)
[ العبد قصاصا من دينه أو يقره رهنا في يديه إن كان الرهن على يديه وإن كان موضوعا على يدى عدل أخذ ما لزمه من عقله فدفع إلى العدل (قال الشافعي) فإن جنى عليه عبد المرتهن قيل للمرتهن أفد عبدك بجميع الجناية أو أسلمه يباع فإن فداه فالراهن بالخيار بين أن يكون الفداء قصاصا من الدين أو يكون رهنا كما كان العبد وان أسلم العبد بيع العبد ثم كان ثمنه رهنا كما كان العبد المجني عليه (قال الشافعي) وإن جنى عبد المرتهن على عبد الراهن المرهون جناية لا تبلغ النفس فالقول فيها كالقول في الجناية في النفس يخير بين أن يفديه بجميع أرش الجناية أو يسلمه يباع فإن أسلمه بيع ثم كان ثمنه كما وصفت لك (قال الشافعي) وإن كان في الرهن عبدان فجنى أحدهما على الآخر فالجناية هدر لان الجناية في عنق العبد لا في مال سيده فإذا جنى أحدهما على الآخر فكأنما جنى على نفسه لان المالك
الراهن لا يستحق إلا ما هو له رهن لغيره فالسيد لا يستحق من العبد الجاني إلا ماله والمرتهن لا يستحق من العبد الجاني أيضا إلا ما هو ملك لمن رهنه وما هو رهن له (قال الشافعي) وإن كان الرهن أمة فولدت ولدا فجنى عليها ولدها كعبد للسيد، لو جنى عليها لانه خارج من الرهن (قال الشافعي) وإن جنى عبد للراهن على عبده المرهون قيل له قد أتلف عبدك عبدك وعبدك المتلف كله أو بعضه مرهون بحق لغيرك فيه فأنت بالخيار في أن تفدى عبدك بجميع أرش الجناية فإن فعلت فأنت بالخيار في أن يكون قصاصا من الدين أو رهنا مكان العبد المرهون لان البدل من الرهن يقوم مقامه أو تسلم العبد الجاني فيباع، ثم يكون ثمنه رهنا مكان المجني عليه (قال الشافعي) فإن جنى الراهن على عبده المرهون فقد جنى على عبد لغيره فيه حق برهنه لانه يمنع منه سيده ويبيعه فيكون المرتهن أحق بثمنه من سيده ومن غرمائه فيقال أنت وإن كنت جنيت على عبدك فجنايتك عليه إخراج له من الرهن أو نقص له فإن شئت فأرش جنايتك عليه ما بلغت قصاصا من دينك وإن شئت فسلمه يكون رهنا مكان العبد المرهون قال وذلك إذا كان الدين حالا فأما إذا كان إلى أجل فيؤخذ الارش فيكون رهنا إلا أن يتراضيا الجاني الراهن والمرتهن بأن يكون قصاصا (قال الشافعي) وإن كانت الجناية من أجنبي عمدا فلمالك العبد الراهن ان يقتص له من الجاني إن كان بينهما قصاص وإن عرض عليه الصلح من الجناية فليس يلزمه أن يصالح وله أن يأخذ القود ولا يبدل مكانه غيره لانه ثبت له القصاص وليس بمتعد في أخذه القصاص وقال بعض الناس ليس له أن يقتص وعلى الجاني أرش الجناية أحب أو كره (قال الشافعي) وهذا القول بعيد من قياس قوله هو يجيز عتق الراهن إذا أعتق العبد ويسعى العبد والذى يقول هذا القول يقتص للعبد من الحر ويزعم أن الله عزوجل حكم بالقصاص في القتلى وساوى النفس بالنفس ويزعم أن ولاى لقتيل لو أراد أن يأخذ في القتل العمد الدية لم يكن ذلك له من قبل أن الله عزوجل أوجب له القصاص إلا أن يشاء ذلك القاتل وولى المقتول فيصطلحا عليه (قال الشافعي) فإذا زعم أن القتل يجب فيه بحكم الله تعالى في القتل وكان وليه يريد القتل فمنعه إياه فقد أبطل ما زعم أن فيه حكما ومنع السيد من حقه (قال الشافعي) فإن قال فإن القتل يبطل حق المرتهن فكذلك قد أبطل حق الراهن وكذلك لو قتل نفسه أو مات بطل حق المرتهن فيه وحق المرتهن في كل حال على مالك العبد
فإن كان إنما ذهب إلى أن هذا أصلح لهما معا فقد بدأ بظلم القاتل على نفسه فأخذ منه مالا وإنما عليه عنده قصاص ومنع السيد مما زعم أنه أوجب له وقد يكون العبد ثمنه عشرة دنانير والحق إلى سنة فيعطيه به رجل لرغبته فيه ألف دينار فيقال لمالك العبد هذا فضل كثير تأخذه فتقضى دينك ويقول ذلك له الغريم ومالك العبد محتاج فيزعم قائل هذا القول الذى أبطل القصاص للنظر للمالك وللمرتهن أنه لا ](3/201)
[ يكره مالك العبد على بيعه وإن كان ذلك نظرا لهما معا ولا يكره الناس في أموالهم على إخراجها من أيديهم بما لا يريدون إلا أن يلزمهم حقوق للناس وليس للمرتهن في بيعه حق حتى يحل الاجل (قال الشافعي) فإن جنى العبد الراهن جناية فسيده يخير بين أن يفديه بأرش الجناية فإن فعل فالعبد رهن بحاله أو يسلمه يباع فإن أسلمه لم يكلف أن يجعل مكانه غيره لانه إنما أسلمه بحق وجب فيه (قال الشافعي) فإن كان أرش الجناية أقل من قيمة العبد المسلم فأسلمه فبيع دفع إلى المجني عليه أرش جنايته ورد ما بقى من ثمن العبد رهنا (1).
] (1) وترجم في اختلاف العراقيين " باب الرهن " أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وإذا ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدى عدل بصاحبه فهلك الرهن من عند العدل وقيمته والدين سواء فإن أبا حنيفة كان يقول الرهن بما فيه وقد بطل الدين وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول الدين على الراهن كما هو والرهن من ماله لانه لم يكن في يدى المرتهن إنما كان موضوعا على يدى غيره (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل الرهن فقبضه منه أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه أو في يدى العدل فسواء الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شئ وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا وإن مات الراهن وعليه دين يدى العدل فإن أبا حنيفة كان يقول المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول الرهن بين الغرماء والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم وإذا كان الرهن في يدى المرتهن فهو أحق به من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد (قال الشافعي) وإذا مات الراهن وعليه دين وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين أو يدى غيره فسواء والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفى حقه فيه فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شركاء فيه وإن نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له في مال الميت وإذا رهن الرجل الرجل دارا ثم استحق منها شقص وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة كان يقول الرهن باطل ولا يجوز وبهذا يأخذ
حفظى عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفى ماله يباع لدينه وكان ابن أبى ليلى يقول ما بقى من الدار فهو رهن بالحق، وقال أبو حنيفة وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن ثم استحق من الدار شئ كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين الذى كانت الدار به رهنا ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جاز أن يكون رهنا والقبض في البيع مثل القبض في الرهن لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن وإذا وضع الرجل الرهن على يدى عدل وسلطه على بيعه عند محل الاجل ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة كان يقول للعدل أن يبيع الرهن ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لابطل الرهن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليس له أن يبيع وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللسلطان أن يبيعه في مرض الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله (قال الشافعي) وإذا وضع الراهن الرهن على يدى عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل فإذا حل الحق كان له بيعه ما كان الراهن حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان أو برضا الوارث لان الميت وإن رضى بأمانته في بيع الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من ورثته الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا، فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك الوارث والوكالة ببيعه عن الدين غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن وإذا ارتهن الرجل دارا ثم أجرها بإذن الراهن فإن أبا حنيفة كان يقول قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة العارية وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هي رهن على حالها والغلة للمرتهن قضاء من حقه (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها للمرتهن أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن لانه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن وإنما منعنا أن نجعل الكراء رهنا أو قصاصا من الدين أن الكراء سكن والسكن ليس المرهون، ألا ترى أنه لو باعه دارا فسكنها أو استغلها ثم ردها بعيث كان السكن والغلة للمشترى؟ ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن له أن يردها لان ما أخذ من الدار من أصل البيع والكراء والغلة ليسا من أصل البيع، فلما كان =(3/202)
[ التفليس (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك يحيى بن سعيد عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزام عن عمر بن عبد العزيز عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبى
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به " (قال الشافعي) وأخبرنا عبد الوهاب الثقفي أنه سمع يحيى بن سعيد يقول أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز حدثه أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حدثه أنه سمع أبا هريرة رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " (أخبرنا) محمد بن إسمعيل بن أبى فديك عن ابن أبى ذئب قال حدثنى أبو المعتمر بن عمرو بن رافع عن ابن خلدة الزرقى وكان قاضيا بالمدينة أنه قال جئنا أبا هريرة رضى الله عنه في صاحب لنا قد أفلس فقال هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه " (قال الشافعي) وبحديث مالك بن أنس وعبد الوهاب الثقفى عن يحيى بن سعيد وحديث ابن أبى ذئب عن ابى المعتمر في التفليس نأخذ وفى حديث ابن أبى ذئب ما في حديث مالك والثقفي من جملة التفليس ويتبين أن ذلك في الموت والحياة سواء وحديثاهما ثابتان متصلان وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ماله بعينه فهو أحق به " بيان على أنه جعل لصاحب السلعة إذا كانت سلعته قائمة بعينها نقض البيع الاول فيها إن شاء كما جعل للمستشفع الشفعة إن شاء، لان كل من جعل له شئ فهو إليه إن شاء أخذه وإن شاء تركه وإن أصاب السلعة نقص في بدنها عوار أو قطع أو غيره أو زادت فذلك كله سواء، يقال لرب السلعة: أنت أحق بسلعتك من الغرماء إن شئت لانا إنما نجعل ذلك إن اختاره رب السلعة نقضا للعدة الاولى بحال السلعة الآن قال وإذا لم أجعل لورثة الملفس ولا له في حياته دفعه عن سلعته إذا لم يكن هو برئ الذمة بأدائه عن نفسه لم أجعل لغرمائه أن يدفعوا عن السلعة إن شاءوا وما لغرمائه يدفعون عنه وما يعدو غرماؤه أن يكونوا متطوعين للغريم بما يدفعون عنه فليس على الغريم أن يأخذ ماله من غير صاحب دينه كما لو كان لرجل على رجل دين فقال له رجل أقضيك عنه لم يكن عليه أن يقتضى ذلك منه وتبرأ ذمة صاحبه أو يكون هذا لهم لازما فيأخذه منهم وإن لم يريدوه فهذا ليس لهم بلازم ومن قضى عليه أن يأخذ المال منهم خرج من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لانه قد وجد عين ماله عند مفلس فإذا منعه إياه فقد منعه ما جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه شيئا محالا
ظلم فيه المعطى والمعطى وذلك أن المعطى لو أعطى ذلك الغريم حتى يجعله مالا من ماله يدفعه إلى ] = الراهن إنما رهن رقبة الدار كانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون التماس الكراء والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشترى المالك الرقبة في حينه ذلك (قال الشافعي) وإذا ارتهن الرجل ثلث دار أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز، ما جاز أن يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن، وإذا رهن الرجل الرجل دارا أو دابة فقبضها المرتهن وأذن له رب الدابة أو الدار أن ينتفع بالدار أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له من الرهن وما لهذا ولاخراجه من الرهن وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن لانه شئ يملكه الراهن دون المرتهن وإذا كان شئ لم يدخل في الرهن قبض المرتهن الاصل ثم أذن له في الانتفاع بما لم يرهن لم ينفسخ الرهن، ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن؟ اه.(3/203)
[ صاحب السلعة فيكون عنده غير مفلس يحقه وجبره على قبضه فجاء غرماء آخرون رجعوا به عليه فكان قد منعه سلعته التى جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الغرماء كلهم وأعطاه العوض منها والعوض لا يكون إلا لما فات والسلعة لم تفت فقضى ههنا قضاء محالا إذ جعل العوض من شئ قائم ثم زاد أن قضى بأن أعطاه مالا يسلم له لان الغرماء إذا جاءوا ودخلوا معه فيه وكانوا أسوته وسلعته قد كانت له منفردة دونهم عن المعطى فجعله يعطى على أن يأخذ فضل السلعة ثم جاء غرماء آخرون فدخلوا عليه في تلك السلعة فإن قال قائل لم أدخل ذلك عليه وهو تطوع به قيل له: فإذا كان تطوع به فلم جعلت له فيما تطوع به عوض السلعة والمتطوع من لا يأخذ عوضا ما زدت على أن جعلته له بيعا لا يجوز وغررا لا يفعل (قال الشافعي) وإذا باع الرجل من الرجل نخلا فيه ثمر أو طلع قد أبر استثناه المشترى وقبضها المشترى وأكل الثمر ثم أفلس المشترى كان للبائع أن يأخذ حائطه لانه عين ماله ويكون اسوة الغرماء في حصة الثمر الذي وقع عليه البيع فاستهلكه المشترى من أصل الثمن يقسم الثمن على الحائط والثمر فينظر كم قيمة الثمر من أصل البيع فإن كان الربع أخذ الحائط بحصته وهو ثلاثة أرباع الثمن ورجع بقيمة الثمر وهو الربع وإنما قيمته يوم قبضه لا يوم أكله لان الزيادة كانت في ماله ولو قبضه سالما والمسألة بحالها ثم أصابته جائحة رجع بحصته من الثمن لانها أصابته في ملكه بعد قبضه ولو كان باعه الحائط
والثمر قد أخضر ثم أفلس المشترى والثمر رطب أو ثمر قائم أو بسر زائد عن الاخضر كان له أن يأخذه والنخل لانه عين ماله وإن زاد كما يبيعه الجارية الصغيرة فيأخذها كبيرة زائدة ولو أكل بعضه وأدرك بعضه زائدا بعينه أخذ المدرك وتبعه بحصة ما باع من الثمر يوم باعه إياه مع الغرماء (قال الشافعي) وهكذا لو باعه وديا صغارا أو نوى قد خرج أو زرعا قد خرج أو لم يخرج مع أرض فأفلس وذلك كله زائد مدرك أخذ الارض وجميع ما باعه زائدا مدركا وإذا فات رجع بحصته من الثمن يوم وقع البيع كما يكون لو اشترى منه جارية أو عبدا بحال صغر أو مرض فمات في يديه أو أعتقه رجع بثمنه الذى اشتراه به منه ولو كبر العبد أو صح وقد اشتراه سقيما صغيرا كان للبائع أخذه صحيحا كبيرا لانه عين ماله والزيادة فيه منه لا من صنعة الآدميين وكذلك لو باعه فعلمه أخذه معلما ولو كسى المشترى العبد أو وهب له مالا أخذ البائع العبد وأخذ الغرماء مال العبد وليس بالعبد لانها غيره ومال من مال المشترى لا يملكه البائع ولو كان العبد المبيع بيع وله مال استثناه المشترى فاستهلك المشترى ماله أو هلك في يد العبد فسواء ويرجع البائع بالعبد فيأخذه دون الغرماء وبقيمة المال من البيع يحاص به الغرماء ولو باعه حائطا لا ثمر فيه فأثمر ثم فلس المشترى فإن كان الثمر يوم فلس المشترى مأبورا أو غير مأبور فسواء والثمر للمشترى ثم يقال لرب النخل إن شئت فالنخل لك على أن نقر الثمر فيها إلى الجداد وإن شئت فدع الخل وكن أسوة الغرماء وهكذا لو باعه أمة فولدت ثم فلس كانت له الامة ولم يكن له الولد ولو فلس والامة حامل كانت له الامة والحمل تبع يملكها (1) كما يملك به الامة ولو كانت السلعة أمة فولدت له أولادا قبل إفلاس الغريم ثم أفلس الغريم رجع بالام ولم يرجع بالاولاد، لانهم ولدوا في ملك الغريم وإنما نقضت البيع الاول بالافلاس الحادث واختيار البيع نقضه لا بأن أصل البيع كان مفسوخا من الاصل ولو كانت السلعة دارا فبنيت أو بقعة فغرست ثم أفلس والغريم رددت البائع بالدار كما كانت والبقعة كما ]
__________
(1) قوله: يملكها كما يملك به الامة، هكذا في النسخ التى بأيدينا، ولعل الصواب " يملكه بما يملك به الامة " كما هو واضح.
كتبه مصححه.(3/204)
[ كانت حين باعها، ولم أجعل له الزيادة لانها لم تكن في صفقة البيع وإنما هي شئ متميز من الارض
من مال المشترى ثم خيرته بين أن يعطى قيمة العمارة والغراس ويكون ذلك له أو يكون له ما كان من الارض لا عمارة فيها وتكون العمارة الحادثة تباع للغرماء سواء بينهم إلا أن يشاء الغرماء والغريم أن يقلعوا البناء والغراس ويضمنوا لرب الارض ما نقص الارض القلع فيكون ذلك لهم ولو كانت السلعة شيئا متفرقا مثل عبيد أو إبل أو غنم أو ثياب أو طعام فاستهلك المشترى بعضه ووجد البائع بعضه كان له البعض الذى وجد بحصته من الثمن إن كان نصفا قبض النصف وكان غريما من الغرماء في النصف الباقي وهكذا إن كان أكثر أو أقل قال وإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل لانه عين ماله فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من ملكه والنقص لا يمنعه الملك ولو باع رجل من رجل أرضا فغرسها ثم فلس الغريم فأبى رب الارض أن يأخذ الارض بقيمة الغراس وأبى الغريم أن يقلعوا الغراس ويسلموا الارض إلى ربها لم يكن لرب الارض بالخيار إن شاء أن يأخذ أرضه ويبقى الثمر فيها إلى الجداد إن أراد الغريم والغرماء أن يبقوه فيها إلى الجداد فذلك له وليس للغريم منعه وإن أراد أن يدعها ويضرب مع الغرماء بما كان له فعل وكذلك لو باعه أرضا بيضاء فزرعها ثم فلس كان مثل الحائط يبيعه ثم يثمر النخل فإن أراد رب الارض أو رب النخل أن يقبلها ويبقى فيها الزرع إلى الحصاد والثمار إلى الجداد ثم عطبت النخل قبل ذلك بأى وجه ما عطبت بفعل الآدميين أو بأمر من السماء أو جاء سيل فخرق الارض وأبطلها فضمان ذلك من ربها الذى قبلها لا من المفلس لانه عندما قبلها صار مالكا لها إن أراد أن يبيع باع وإن أراد أن يهب وهب فإن قيل ومن أين يجوز أن يملك المرء شيئا لا يتم له جميع ملكه فيه لان هذا لم يملكه الذى جعلت له أخذه ملكا تاما لانه محول بينه وبين جمار النخل والجريد وكل ما أضر بثمر المفلس ومحول بينه وبين أن يحدث في الارض بئرا أو شيئا مما يضر ذلك بزرع المفلس؟ قيل له بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم " من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يملك المبتاع النخل ويملك البائع الثمر إلى الجداد قال ولو سلم رب الارض الارض للمفلس فقال الغرماء أحصد الزرع وبعه بقلا، وأعطنا ثمنه وقال المفلس لست أفعل وأنا أدعه إلى أن يحصد لان ذلك أنمى لى والزرع لا يحتاج إلى الماء ولا المؤنة كان القول قول الغرماء في أن يباع لهم ولو كان يحتاج إلى السقى
والعلاج فتطوع رجل للغريم بالانفاق عليه فأخرج نققة ذلك وأسلمها إلى من يلى الانفاق عليه وزاد حتى ظن أن ذلك إن سلم لم يكن للغريم إبقاء الزرع إلى الحصاد وكان للغرماء بيعه وإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل لانه عين ماله فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من ملكه والنقص لا يمنعه الملك قال ولو كانت السلعة عبدا فأخذ نصف ثمنه ثم أفلس الغريم كان له نصف العبد شريكا به للغريم ويباع النصف الذى كان للغريم لغرمائه دونه على المثال الذى ذكرت ولا يرد مما أخذ شيئا لانه مستوف لما أخذه ولو زعمت أنه يرد شيئا مما أخذ جعلت له لو أخذ الثمن كله أن يرده ويأخذ سلعته ومن قال هذا فهذا خلاف السنة والقياس عليها ولو كانا عبدين أو ثوبين فباعهما بعشرين فقبض عشرة وبقى من ثمنها عشرة كان شريكا فيهما بالنصف يكون نصفهما له والنصف للغرماء يباع في دينه ولو كانت المسألة بحالها فاقتضى نصف الثمن وهلك نصف المبيع وبقى أحد الثوبين أو أحد العبدين وقيمتهما سواء كان أحق به الغرماء من قبل أنه عين ماله عند معدم، والذى قبض من الثمن إنما هو بدل، فكما كان لو كانا قائمين أخذهما ثم أخذ ](3/205)
[ بعض البدل وبقى بعض السلعة كان ذلك كقيامهما معا فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول البدل منهما معا فقد أخذ نصف ثمن ذا ونصف ثمن ذا، فهل من شئ يبين ما قلت غير ما ذكرت؟ قيل نعم أن يكونا جميعا ثمن ذا مثل ثمن ذا مستويى القيمة فيباعان صفقة واحدة ويقبضان ويقبض البائع من ثمنهما خمسين ويهلك أحد الثوبين ويجد بالآخر عيبا فيرده بالنصف الباقي ولا يرد شيئا مما أخذ ويكون ما أخذ ثمن الهالك منهما ولو لم يكونا بيعا وكانا رهنا بمائة فأخذ تسعين وفات أحدهما كان الآخر رهنا بالعشرة الباقية وكذلك يكون لو كانا قائمين ولا يبعض الثمن عليهما ولكنه يجعل الكل في كليهما والباقى في كليهما وكما يكون ذلك في الرهن لو كانوا عبيدا رهنا بمائة فأدى تسعين كانوا معا رهنا بعشرة لا يخرج منهم أحد من الرهن ولا شئ منه حتى يستوفى آخر حقه فلما كان البيع في دلالة حكم النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا فإن أخذ ثمنه وإلا رجع بيعه فأخذه فكان كالمرتهن قيمته وفى أكثر من حال المرتهن في أنه أخذه كله لا يباع عليه كما يباع الرهن فيستوفى حقه ويرد فضل الثمن على مالكه فكان في معنى السنة
(قال الشافعي) في الشريكين يفلس أحدهما: لا يلزم الشريك الآخر من الدين شئ إلا أن يقر أنه أدانه له بإذنه أو هما معا فيكون كدين أدانه له بإذنه بلا شركة كانت، وشركة المفاوضة باطلة لا شركة إلا واحدة.
قال الله تبارك وتعالى " وإن كان ذو عشرة فنظرة إلى ميسرة " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مطل الغنى ظلم " فلم يجعل على ذى دين سبيلا في العشرة حتى تكون الميسرة ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر وإذا لم يكن عليه سبيل فلا سبيل على إجارته لان إجارته عمل بدنه وإذا لم يكن على بدنه سبيل وإنما السبيل على ماله لم يكن إلى استعماله سبيل، وكذلك لا يحبس لانه لا سبيل عليه في حاله هذه، وإذا قام الغرماء على رجل فأرادوا أخذ جميع ماله ترك له من ماله قدر ما لا غناء به عنه، وأقل ما يكفيه وأهله يومه من الطعام والشراب وقد قيل إن كان لقسمه حبس أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم حتى يفرغ من قسم ماله ويترك لهم نفقتهم يوم يقسم آخر ماله وأقل ما يكفيه من كسوته في شتاء كان ذلك أو صيف فإن كان له من الكسوة ما يبلغ ثمنا كثيرا بيع عليه وترك له ما وصفت لك من أقل ما يكفيه منها فإن كانت ثيابه كلها غوالى مجاوزة القدر اشترى له من ثمنها أقل ما يكفيه مما يلبس أقصد من هو في مثل حاله ومن تلزمه مؤنته في وقته ذلك شتاء كان أو صيفا وإن مات كفن من ماله قبل الغرماء وحفر قبره بأقل ما يكفيه ثم اقتسم فضل ماله ويباع عليه مسكنه وخادمه لان له من الخادم بدا وقد يجد المسكن قال وإذا جنيت عليه جناية قبل التفليس فلم يأخذ أرشها إلا بعد التفليس فالغرماء أحق بها منه إذا قبضها لانها مال من ماله لا ثمن لبعضه، ولو وهب له بعد التفليس هبة لم يكن عليه أن يقبلها فلو قبلها كانت لغرمائه دونه وكذلك كل ما اعطاه أحد من الآدميين متطوعا به فليس عليه قبوله ولا يدخل ماله شئ إلا بقبوله إلا الميراث، فإنه لو ورث كان مالكا ولم يكن له دفع الميراث وكان لغرمائه أخذه من يده، ولو جنيت عليه جناية عمدا فكان له الخيار بين اخذ الارش أو القصاص كان له أن يقتص ولم يكن عليه أن يأخذ المال لانه لا يكون مالكا للمال إلا بأن يشاء وكذلك لو عرض عليه من جنى عليه المال ولو استهلك له شيئا قبل التفليس ثم صالح منه على شئ بعد التفليس فإن كان ما صالح قيمة ما
استهلك له بشئ معروف القيمة فأراد مستهلكه أن يزيده على قيمته لم يكن عليه أن يقبل الزيادة لان الزيادة في موضع الهبة فإن فلس الغريم وقد شهد له شاهد بحق على آخر فأبى أن يحلف مع شاهده ](3/206)
[ أبطلنا حقه إذا أحلفنا المشهود عليه ولم نجعل للغرماء أن يحلفوا لانه لا يملك إلا بعد اليمين فلما لم يكن مالكا لم يكن عليه أن يحلف وكذلك لو ادعى عليه فأبى أن يحلف ورد اليمين فامتنع المفلس من اليمين بطل حقه وليس للغرماء في حال أن يحلفوا لانهم ليسوا مالكين إلا ما ملك ولا يملك إلا بعد اليمين ولو جنى هو بعد التفليس جناية عمدا أو استهلك مالا كان المجني عليه والمستهلك له أسوة الغرماء في ماله الموقوف لهم، بيع أو لم يبع ما لم يقتسموه فإذا اقتسموه نظرنا فإن كانت الجناية قبل القسم دخل معهم فيما اقتسموا لان حقه لزمه قبل يقسم ماله وإن كانت الجناية بعد القسم لم يدخل معهم لانهم قد ملكوا ما قسم لهم وخرج عن ملك المفلس والجنابة والاستهلاك دين عليه سواء ولو أن القاضى حجر عليه وأمر بوقف ماله ليباع فجنى عبد له جناية لم يكن له أن يفديه وأمر القاضى ببيع الجاني في الجناية حتى يوفى المجني عليه أرشها فإن فضل فضل رده في ماله حتى يعطيه غرماءه وإن لم يفضل من ثمنه شئ ولم يستوف صاحب الجناية جنايته بطلت جنايته لانها كانت في رقبة العبد دون ذمة سيده ولو كان عبد المفلس مجنيا عليه كان سيده الخصم له فإذا ثبت الحق عليه وكان الجاني عليه عبدا فله أن يقتص إن كانت الجناية فيها قصاص وأن يأخذ الارش من رقبة العبد الجاني فإن أراد الغرماء ترك القصاص وأخذ المال فليس ذلك لهم لانه لا يملك المال إلا بعد اختياره لهم وإن كانت الجناية مما لا قصاص فيه إنما فيه الارش لم يكن لسيد العبد عفو الارش لانه مال من ماله وجب له بكل حال فليس له هبته وهو مردود في ماله يقضى به عن دينه وإذا باع الرجل من الرجل الحنطة أو الزيت أو السمن أو شيئا مما كال أو يوزن فخلطه بمثله أو خلطه بأردأ منه من جنسه ثم فلس غريمه كان له أن يأخذ متاعه بعينه لانه قائم كما كان ويقاسم الغرماء بكيل ماله أو وزنه وكذلك إن كان خلطه فيما دونه إن شاء لانه لا يأخذ فضلا إنما يأخذ نقصا فإن كان خلطه بما هو خير منه ففيها قولان أحدهما أن لا سبيل له لانا لا نصل إلى دفع ماله إليه إلا زائدا بمال غريمه وليس لنا أن نعطيه الزيادة وكان هذا أصح القولين والله أعلم وبه
قول.
قال ولا يشبه هذا، الثوب يصبغ ولا السويق يلت الثوب يصبغ والسويق يلت متاعه بعينه فيه زيادة مختلطة فيه وهذا إذا اختلط انقلب حتى لا توجد عين ماله إلا غير معروفة من عين مال غيره وهكذا كل ذائب.
والقول الثاني أن ينظر إلى قيمة عسله وقيمة العسل المخلوط به متميزين ثم يخير البائع بان يكون شريكا بقدر قيمة عسله من عسل البائع ويترك فضل كيل عسله أو يدع ويكون غريما كأن عسله كان صاعا يسوى دينارين وعسل شريكه كان صاعا يسوى أربعة دنانير فإن اختار أن يكون شريكا بثلثي صاع من عسله وعسل شريكه كان له وكان تاركا لفضل صاع ومن قال هذا قال ليس هذا ببيع إنما هذا وضيعة من مكيلة كانت له ولو باعه حنطة فطحنها كان فيها قولان هذا أشبههما عندي والله أعلم وبه أقول وهو أن له أن يأخذ الدقيق ويعطى الغرماء قيمة الطحن لانه زائد على ماله وكذلك لو باعه ثوبا فصبغه كان له ثوبه وللغرماء صبغه يكونون شركاء بما زاد الصبغ في قيمة الثوب وهكذا لو باعه ثوبا فخاطه كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء ما زادت الخياطة وهكذا لو باعه إياه فقصره كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء بعدما زادت القصارة فيه فإن قال قائل فأنت تزعم أن الغاصب لا يأخذ في القصارة شيئا لانها أثر قلنا المفلس مخالف للغاصب من قبل أن المفلس إنما عمل فيما يملك ويحل له العمل فيه والغاصب عمل فيما لا يملك ولا يحل له العمل فيه ألا ترى أن المفلس يشترى البقعة فيبنيها ولا يهدم بناؤه ويهدم بناء الغاصب ويشترى الشئ فيبيعه فلا يرد بيعة ويرد بيع الغاصب ويشترى العبد فيعتقه فنجيز عتقه ولا نجيز عتق الغاصب (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأفلس الرجل وقد ](3/207)
[ قصر الثوب قصار أو خاطه خياط أو صبغه صباغ بأجرة فاختار صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه أخذه فإن زاد عمل القصار فيه خمسة دراهم وكانت إجارته فيه درهما أخذ الدرهم وكان شريكا به في الثوب لصاحب الثوب وكان صاحب الثوب أحق به من الغرماء وكانت الاربعة الدراهم للغرماء شركاء بها للقصار وصاحب الثوب وإن كان عمله زاد في الثوب درهما وإجارته خمسة دراهم كان شريكا لصاحب الثوب بالدرهم وضرب مع الغرماء في مال المفلس بأربعة دراهم ولو كانت تزيد في الثوب خمسة دراهم والاجارة درهم أعطينا القصار درهما يكون به شريكا في الثوب؟ وللغرماء أربعة يكونون
بها في الثوب شركاء فإن قال قائل كيف جعلته أحق بإجارته من الغرماء في الثوب فإنما جعلته أحق بها إذا كانت زائدة في الثوب فمنعها صاحب الثوب لم يكن للغرماء أن يأخذوا ما زاد عمل هذا في الثوب دونه لانه عين ماله، فإن قالوا: فما بالها إذا كانت أزيد من إجارته لم تدفعها إليه كلها وإذا كانت أنقص من إجارته لم تقتصر به عليها كما تجعلها في البيوع؟ قلنا إنها ليست بعين بيع يقع فاجعلها هكذا وإنما كانت إجارة من الاجارات لزمت الغريم المستأجر فلما وجدت تلك الاجارة قائمة جعلته أحق بها لانها من إجارته كالرهن له ألا ترى أنه لو كان له رهن يسوى عشرة بدرهم أعطيته منها درهما والغرماء تسعة ولو كان رهن يسوى درهما بعشرة دراهم أعطيته منها درهما وجعلته يحاص الغرماء بتسعة فإن قال فما باله يكون في هذا الموضع أولى بالرهن منه بالبيع؟ قلت كذلك تزعم أنت في الثوب يخيطه الرجل أو يغسله له أن يحبسه عن صاحبه حتى يعطيه أجره كما يكون له أن يحبسه في الرهن حتى يعطيه ما فيه لان لا فيه عملا قائما فلا يسلمه إليه حتى يوفيه العمل فإن قال قائل فما تقول أنت؟ قلت لا أجعل له حبسه ولا لصاحب الثوب أخذه وآمر ببيع الثوب فأعطى كل واحد منهما حقه إذا أفلس فإن أفلس صاحب الثوب كان الخياط أحق بما زاد عمله في الثوب فإن كانت إجارته أكثر مما زاد عمله في الثوب أخذ ما زاد عمله في الثوب لانه عين ماله وكانت بقية الاجارة دينا على الغريم يحاص به الغرماء وإن لم يفلس وقد عمل له ثوب فلم يرض صاحب الثوب بكينونة الثوب في يد الخياط أخذ مكانه منهما حتى يقضى بينهما بما وصفت أو يباع عليه الثوب فيعطى إجارته من ثمنه وبه أقول والقول الثاني أنه غريم في إجارته لان ما عمل في الثوب ليس بعين ولا شئ من ماله زائد في الثوب إنما هو أثر في الثوب وهذا يتوجه قال وإذا استأجر الرجل أجيرا في حانوت أو زرع أو شجر بإجارة معلومة ليست مما استأجره عليه إما بمكيلة طعام مضمون وإما بذهب أو ورق أو استأجر حانوتا يبيع فيه بزا أو استأجر رجلا يعلم له عبدا أو يرعى له غنما أو يروض له بعيرا ثم أفلس فالاجير أسوة الغرماء من قبل أنه ليس لواحد من هؤلاء الاجراء شئ من ماله مختلط بهذا زائد فيه كزيادة الصبغ والقصارة في الثوب وهو من مال الصباغ وزيادة الخياطة في الثوب من مال الخياط وعمله وكل شئ من هذا غير ما استؤجر عليه وغير شئ قائم فيما استؤجر عليه ألا ترى أن قيمة الثوب غير مصبوغ وقيمته مصبوغا وقيمته غير مخيط وغير مقصور
وقيمته محيطا ومقصورا معروفة حصة زيادة العامل فيه وليس في الثياب التى في الحانوت ولا في الماشية التى ترعى ولا في العبد الذى يعلمه شئ قائم من صنعة غيره فيعطى ذلك صنعته أو ماله وإنما هو غريم من الغرماء أو لا ترى أنه لو تولى الزرع كان الزرع والماء والارض من مال المستأجر وكانت صنعته فيه إنما هي إلقاء في الارض ليست بشئ زائد فيه والزيادة فيه بعد شئ من قدر الله عزوجل ومن مال المستأجر لا صنعة فيها للاجير أو لا ترى أن الزرع لو هلك كانت له إجارته والثوب لو هلك في يديه لم يكن له إجارته لانه لم يسلم عمله إلى من استأجره؟ ولو تكارى رجل من رجل أرضا واشترى من ](3/208)
[ آخر ماء ثم زرع الارض ببذره ثم فلس الغريم بعد الحصاد كان رب الارض ورب الماء شريكين للغرماء وليسا بأحق بما يخرج من الارض ولا بالماء وذلك أنه ليس لهما فيه عين مال الحب الذى نما من مال الغريم لا من مالهما فإن قال قائل فقد نما بماء هذا وفى أرض هذا قلنا عين المال للغريم لا لهما والماء مستهلك في الارض والزرع عين موجودة والارض غير موجودة في الزرع وتصرفه فيها ليس بكينونة منها فيه فنعطيه عين ماله ولو عنى رجل فقال أجعلهما أحق بالطعام من الغرماء دخل عليه أنه أعطاهما غير عين مالهما ثم أعطاهما عطاء محالا، فإن قال قائل فما المحال فيه؟ قلنا إن زعم أن صاحب الزرع وصاحب الارض وصاحب الماء شركاء فكم يعطى صاحب الارض وصاحب الماء وصاحب الطعام؟ فإن زعم أنه لهما حتى يستوفيا حقهما فقد أبطل حصة الغرماء من مال الزارع وهو لا يكون أحق بذلك من الغرماء إلا بعد ما يفلس الغريم فالغريم فلس وهذه حنطته ليست فيها أرض ولا ماء ولو أفلس والزرع بقل في أرضه كان لصاحب الارض أن يحاص الغرماء بقدر ما أقامت الارض في يدي الزارع إلى أن أفلس ثم يقال للمفلس وغرمائه ليس لك ولا لهم أن تستمتعوا بأرضه وله أن يفسخ الاجارة الآن إلا أن تطوعوا فتدفعوا إليه إجارة مثل الارض إلى أن يحصد الزرع فإن لم تفعلوا فاقلعوا عنه الزرع إلا أن يتطوع بتركه لكم وذلك أنا نجعل التفليس فسخا للبيع وفسخا للاجارة فمتى فسحنا الاجارة كان صاحب الارض أحق بها إلا أن يعطى إجارة مثلها لان الزارع كان غير متعد قال ولو باع رجل من رجل عبدا فرهنه ثم فلس كان المرتهن أحق به من الغرماء يباع له منه بقدر حقه فإن بقى من العبد بقية
كان البائع أحق بها فإن قال قائل فإذا جعلت هذا في الرهن فكيف لم تجعله في القصارة والغسالة كالرهن فتجعله أحق به من رب الثوب؟ قيل له لافتراقهما فإن قال قائل وأين يفترقان؟ قلنا القصارة والغسالة شئ يزيده القصار والغسال في الثوب فإذا أعطيناه إجارته والزيادة في الثوب فقد أوفيناه ماله بعينه فلا نعطيه أكثر في الثوب ونجعل ما بقى من ماله في مال غريمه قال ولو هلك الثوب عند القصار أو الخياط لم نجعل له على المستأجر شيئا من قبل أنه إنما هو زيادة يحدثها فمتى لم يوفها رب الثوب لم يكن له والرهن مخالف لهذا ليس بزيادة في العبد ولكنه إيجاب شئ في رقبته يشبه البيع فإن مات العبد كان ذلك في ذمة مولاه الراهن لا يبطل بموت العبد كما تبطل الاجارة بهلاك الثوب فإن قال فقد يجتمعان في موضع ويفترقان في آخر قيل نعم فنجمع بينهما حيث اجتمعا ونفرق بينهما حيث افترقا ألا ترى أنه إذا رهن العبد فجعلنا المرتهن أحق به حتى يستوفى حقه من البائع والغرماء فقد حكمنا له فيه ببعض حكم البيع ولو مات العبد رددنا المرتهن بحقه ولو كان هذا حكم البيع بكماله لم يرد المرتهن بشئ فإنما جمعنا بينه وبين البيع حيث اشتبها وفرقنا بينهما حيث افترقا ولو استأجر رجل أرضا فقبض صاحب الارض إجارتها كلها وبقى الزرع فيها لا يستغنى عن السقى والقيام عليه وفلس الزارع وهو الرجل قيل لغرمائه إن تطوعتم بأن تنفقوا على الزرع إلى أن يبلغ ثم تبيعوه وتأخذوا نفقتكم مع مالكم فذلك لكم ولا يكون ذلك لكم إلا بأن يرضاه رب الزرع المفلس فإن لم يرضه فشئتم أن تطوعوا بالقيام عليه والنفقة ولا ترجعوا بشئ فعلتم وإن لم تشاءوا وشئتم فبيعوه بحاله تلك لا تجبرون على أن تنفقوا على ما لا تريدون قال وهكذا لو كان عبد فمرض بيع مريضا بحاله وإن قل ثمنه قال وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا أو دارا أو متاعا أو شيئا ما كان بعينه فلم يقبضه حتى فلس البائع فالمشترى أحق به بما باعه يلزمه ذلك ويلزم له كره أو كره الغرماء ولو اشترى منه شيئا موصوفا من ضرب السلف من رقيق موصوفين أو إبل موصوفة أو طعام أو غيره من بيوع الصفة ودفع إليه الثمن كان أسوة الغرماء فيما له وعليه ولو كان الثمن ](3/209)
[ لبعض (1) ما اشترى من هذا عبدا بعينه أو دارا بعينها أو ثيابا بعينها بطعام موصوف إلى أجل أو غيره كان البائع للدار المشترى بها الطعام أحق بداره لانه بائع مشتر ليس بخارج من بيعه وكذلك لو سلف
في الطعام فضة مصوغة معروفة أو ذهبا أو دنانير بأعيانها فوجدها قائمة يقر بها الغرماء أو البائع كان أحق بها فإن كانت مما لا يعرف أو استهلكت فهو أسوة الغرماء وإذا اكترى الرجل من الرجل الدار ثم فلس المكرى فالكراء ثابت إلى مدته ثبوت البيع مات المفلس أو عاش وهكذا قال بعض أهل ناحيتنا في الكراء وزعم في الشراء أنه إذا مات فإنما هو أسوة الغرماء وقد خالفنا غير واحد من الناس في الكراء ففسخه إذا مات المكترى أو المكرى لان ملك الدار قد تحول لغير المكرى والمنفعة قد تحولت لغير المكترى وقال ليس الكراء كالبيوع ألا ترى أن الرجل يكترى الدار فتنهدم فلا يلزم المكرى أن يبنيها ويرجع المكترى بما بقى من حصة الكراء؟ ولو كان هذا بيعا لم يرجع بشئ فيثبت صاحبنا والله يرحمنا واياه الكراء الاضعف لانا ننفرد به دون غيرنا في مال المفلس وإن مات يجعله للمكترى وأبطل البيع فلم يجعله للبائع ولو فرق بينهما لكان البيع أو لن أن يثبت للبائع من الكراء للمكترى لانه ليس بملك تام وإذا جمعنا نحن بينهما لم ينبغ له أن يفرق بينهما قال وإذا تكارى الرجل من الرجل حمل طعام إلى بلد من البلدان ثم أفلس المكترى أو مات فكل ذلك سواء يكون المكرى أسوة الغرماء لانه ليس له في الطعام صنعة ولو كان أفلس قبل أن يحمل الطعام كان له أن يفسخ الكراء لانه ليس للمكترى أن يعطيه من ماله شيئا دون غرمائه ولا أجبر المكرى أن يأخذ شيئا من غريم المفلس إلا أن يشاء غرماؤه ولو حمله بعض الطريق ثم أفلس كان له بقدر ما حمله من الكراء يحاص به الغرماء وكان له أن يفسخ الحمولة في موضعه ذلك إن شاء إن كان موضع لا يهلك فيه الطعام مثل الصحراء أو ما أشبهها وإذا تكارى النفر الابل بأعيانها من الرجل فمات بعض إبلهم لم يكن على المكرى أن يأتيه بإبل بدلها فإذا كان هذا هكذا فلو أفلس المكرى ومات بعض إبلهم لم يرجع على أصحابه ولا في مال المكرى بشئ إلا بما بقى مما دفع إليه من كرائه يكون فيه أسوة الغرماء وتكون الابل التى اكتريت على الكراء فإذا انقضى كانت مالا من مال المكرى المفلس ولو كانوا تكاروا منه حمولة مضمونة على غير إبل بأعيانها يدفع إلى كل رجل منهم إبلا بأعيانها كان له نزعها من أيديهم وإبدالهم غيرها فإذا كان هذا هكذا فحقهم في ذمته مضمون عليه فلو ماتت إبل كان يحمل عليها واحد منهم فأفلس الغريم كانوا جميعا أسوة فيما بقى من الابل بقدر حمولتهم لانها مضمونة في ماله لا في إبل بأعيانها فيكون إذا هلكت لم يرجع وإن كان
معهم غرماء غيرهم من غرمائه بأى وجه كان لهم الدين عليه ضرب هؤلاء بالحمولة وهؤلاء بديونهم وحاصوهم وإذا اكترى الرجل من الرجل الابل ثم هرب فأتى المتكارى السلطان فأقام عنده البينة على ذلك فإن كان السلطان ممن يقضى على الغائب أحلف المتكارى أن حقه عليه لثابت في الكراء ما يبرأ منه بوجه من الوجوه وسمى الكراء والحمولة ثم تكارى له على الرجل كما يبيع له في مال الرجل إذا كانت الحمولة مضمونة عليه وإن كانت الحمولة إبلا بأعيانها لم يتكار له عليه وقال القاضى للمكترى أنت بالخيار بين أن تكترى من غيره وأردك بالكراء عليه لفراره منك أو آمر عدلا فيعلف الابل أقل ما يكفيها ويخرج ذلك متطوعا به غير مجبور عليه وأردك به على صاحب الابل دينا عليه وما أعلف الابل قبل قضاء القاضى فهو متطوع به وإن كان للجمال فضل من إبل باع عليه وأعلف إبله إذا كان ممن ]
__________
(1) قوله: ولو كان الثمن لبعض ما اشترى الخ كذا بالاصل، وتأمل اه مصححه.(3/210)
[ يقضى على الغائب ولم يأمر أحدا ينفق عليها ولم يفسخ الكراء إنما يفعل هذا إذا لم يكن فضل إبل قال وإذا باع عليه فضلا من إبله ومالا له سوى الابل ثم جاء الجمال لم يرد بيعه ودفع إليه ماله وأمره بالنفقة على إبله قال والاحتياط لمن تكارى من جمال أن يأخذه بأن يوكل رجلا ثقة ويجيز أمره في بيع ما رأى من إبله ومتاعه فيعلف إبله من ماله ويجعله مصدقا فيما أدان على إبله وعلفها به لازما له ذلك ويحلفه لا يفسخ وكالته فإن غاب قام بذلك الوكيل قال وإذا تكارى القوم من الجمال إبلا بأعيانها ثم أفلس فلكل واحد منهم أن يركب إبله بأعيانها ولا تباع حتى يستوفوا الحمولة وإن كانت بغير أعيانها ودفع إلى كل إنسان بعيرا دخل بعضهم على بعض إذا ضاقت الحمولة كما يدخل بعضهم على بعض في سائر ماله حتى يتساووا في الحمولة ودخل عليهم غرماؤه الذين لا حمولة لهم حتى يأخذوا من إبله بقدر مالهم وأهل الحمولة بقيمة حمولتهم ومن أصدق امرأة عبدا بعينه فقبضته أو لم تقبضه ثم أفلس فهو لها وكذلك لو باعه أو تصدق به صدقة محرمة وكذلك لو أقر أنه غصبه إياه أو أقر أنه له فإن وهبه لرجل أو نحله أو تصدق به صدقة غير محرمة فلم يقبضه الموهوب له حتى فلس فليس له دفعه إليه ولا للموهوب له قبضه فإن قبضه بعد وقف القاضى ماله كان مردودا لان ملك هذا لا يتم إلا بالقبض من الهبة والصدقة
والنحل وإذا أفلس الغريم بمال لقوم قد عرفه الغريم كله وعرف كل واحد من الغرماء ما لكل واحد منهم فدفع إلى غرمائه ما كان له قل أو كثر فإن كانوا ابتاعوا ما دفع إليهم من ماله بمالهم عليه أو أبرءوه مما لهم عليه حين قبضوه منه فهو برئ بلغ ذلك من حقوقهم ما بلغ قليلا كان أو كثيرا ولكل واحد منهم من ذلك المال بقدر ماله على الغريم فلصاحب المائتين سهمان ولصاحب المائة سهم وإن كان دفعه إليهم ولم يتبايعوه ولم يبرئوه وبقى عليه مالا يبلغه ثمن ماله فهذا لا بيع لهم ولا رهن فإن لم يكن بيع فجاء غرماء آخرون دخلوا معهم فيه وكذلك لو كان إنما أفلس بعد دفعه إليهم والمال ماله بحاله إلا أنهم ضامنون له بقبولهم إياه على الاستيفاء له فإن لم يفت استؤنف فيه البيع ودخل من حدث من غرمائه معهم فيه وإن كان بيع فالمفلس بالخيار بين أن يكون له جميع ما بيع به يقبضونه ومن حدث من غرمائه داخل عليهم فيه أو يضمنهم قيمة المال إن كان فات يقاصهم به من دينه وما كان قائما بعينه فالبيع مردود فيه إلا أن يكون وكلهم ببيعه فيجوز عليه البيع كما يجوز على من وكل بيع وكيله وإذا بيع مال المفلس لغرماء أقاموا عليه بينة ثم أفاد بعد مالا واستحدث دينا فقام عليه أهل الدين الآخر وأهل الدين الاول ببقايا حقوقهم فكلهم فيما أفاد من مال سواء قديمهم وحديثهم وكل دين ادانه قبل يحجر عليه القاضى لزمه يضرب فيه كل واحد منهم بقدر ماله عليه وهكذا لو حجر عليه القاضى ثم باع ماله وقضى غرماءه ثم أفاد مالا وادان دينا كان الاولون والآخرون من غرمائه سواء في ماله وليس بمحجور عليه بعد الحجر الاول وبيع المال لانه لم يحجر عليه لسفه إنما حجر في وقت لبيع ماله فإذا مضى فهو على غير الحجر قال ولو كانت المسألة بحالها وحضر له غرماء كانوا غيبا داينوه قبل تفليسه الاول أدخلنا الغرماء الذين داينوه قبل تفليسه الاول في ماله الاول على الغرماء الذين اقتسموا ماله بقدر ما لكل واحد عليه ثم أدخلنا هؤلاء الذين كانوا والآخرين المدخل هؤلاء عليهم والغرماء الآخرين معا في المال المستحدث الذى فلسناه فيه الثانية بقدر ما بقى لاولئك وما لهؤلاء عليه سواء وإذا باع الرجل الرجل السلعة وقبضها المشترى على أنهما بالخيار ثلاثا ففلس البائع أو المشترى أو هما قبل الثلاث فذلك كله سواء ولهما إجازة البيع ورده لايهما شاء رده وإنما زعمت أن لهما إجازة البيع لانه ليس ببيع حادث ألا ترى أنهما لو لم يتكلما في البيع برد ولا إجازة حتى تمضى الثلاث جاز ولو لم يختارا ولم يردا ولا واحد ](3/211)
[ منهما حتى تمضى الثلاث كان البيع لازما كالبيع بلا خيار قال: ومن وجد عين ماله عند مفلس كان أحق به إن شاء، وسواء كان مفلسا فتركه أو أراد الغرماء أخذه أو غير مفلس لانه لا يملكه إلا أن يشاء فلا أجبره على ملك ما لا يشاء إلا الميراث فإنه لو ورث شيئا فرده لم يكن له وكان للغرماء أخذه كما يأخذون سائر ماله ولكل واحد منهما إجازة البيع ورده في أيام الخيار أحب ذلك الغرماء أو كرهوا لان البيع وقع على عين فيها خيار قال: ولو أسلف رجل في طعام أو غيره بصفة فحلت وفلس فأراد أخذه دون الصفة لم يكن له إذا لم يرض ذلك الغرماء لانه يأخذ ما لم يشتر قال ولو أعطى خيرا مما سلف عليه فإن كان من غير جنس ما سلف عليه لم يكن عليه أخذه وإن أراد ذلك الغرماء لان الفضل هبة وليس عليه أن يتهب ولهم أن يأخذوا من الغريم ما عليه بعينه وإن كان من جنس ما سلف عليه لزمه أخذه إذا رضى الغرماء وإن كره لانه لا ضرر عليه في الزيادة وذلك في العبيد وغيرهم مما لا تكون الزيادة مخالفة غير الزيادة خلافا لا تصلح الزيادة لما يصلح له النقص، باب كيف ما يباع من مال المفلس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ينبغى للحاكم إذا أمر بالبيع على المفلس أن يجعل أمينا يبيع عليه ويأمر المفلس بحضور البيع أو التوكيل بحضوره إن شاء ويأمر بذلك من حضر من الغرماء فإن ترك ذلك المبيع عليه والمبيع له أو بعضهم باع الامين وما يباع من مال ذى الدين ضربان أحدهما مرهون قبل أن يقام عليه والآخر غير مرهون فإذا باع المرهون من ماله دفع ثمنه إلى المرتهن ساعة يبيعه إذا كان قد أثبت رهنه عند الحاكم وحلف على ثبوت حقه فإن فضل عن رهنه شئ وقفه وجميع ما باع مما ليس برهن حتى يجتمع ماله وغرماؤه فيفرق عليهم قال وإذا باع الرجل رهنه فعجز عن مبلغ حقه دفع إليه ما نقص من ثمن رهنه وكان فيما بقى من حقه أسوة الغرماء ولو كان ذو الدين رهن غريمه رهنا فلم يقبضه المرتهن حتى قام عليه الغرماء كان الرهن مفسوخا وكان الغرماء فيه أسوة وكذلك لو رهنه رهنا وقبضه ثم فسخه صاحب الحق أو رهنه رهنا فاسدا بوجه من الوجوه لم يكن رهنا وكان فيه أسوة الغرماء ولو رهنه رجلين معا كانا كالرجل الواحد ولو رهنه رجلا فقبضه ثم رهنه آخر بعده فأعطى الاول جميع حقه
وبقيت من ثمن الرهن بقية لم يكن للآخر فيها إلا ما لسائر الغرماء لانه لا يجوز له أن يرهن الآخر شيئا قد رهنه فصار غير جائز لامر فيه قال ولو رهن رجل رهنا فلم يقبضه المرتهن وأفلس الرجل الراهن فالرهن مفسوخ وكل رهن مفسوخ بوجه فهو مال من مال المفلس ليس أحد من غرمائه أحق به من أحدهم فيه معا أسوة، قال ولا يجوز رهن الثمر في رءوس النخل ولا الزرع قائما لانه لا يقبض ولا يعرف، ويجوز بعد ما يجد ويحصد فيقبض.
باب ما جاء فيما يجمع ما يباع مما يباع من مال صاحب الدين (قال الشافعي) رحمه الله: ولا ينبغى للحاكم أن يأمر من يبيع مال الغريم حتى يحضره ويحضر من حضر من غرمائه فيسألهم فيقول ارتضوا بمن أضع ثمن ما بعت على غريمكم لكم حتى أفرقه عليكم ](3/212)
[ وعلى غريم إن كان له حق معكم فإن اجتمعوا على ثقة لم يعده وإن اجتمعوا على غير ثقة لم يقبله لان عليه أن لا يولى إلا ثقة لان ذلك مال الغريم حتى يقضى عنه ولو فضل منه فضل كان له ولو كان فيه نقص كان عليه ولعله يطرأ عليه دين لغيرهم كبعض من لم يرض بهذا الموضوع على يديه وإن تفرقوا فدعوا إلى ثقتين ضمهما قال وكذلك أكثر إذا قبلوا ولم يكن منهم أحد يطلب على ذلك جعلا وإن طلبوا جعلا جعله إلى واحد ليكون أقل في الجعل وكان عليه أن يختار خيرهم لهم ولغائب إن كان معهم ويقول للغرماء: أحضروه فأحصوا أو وكلوا من شئتم ويقول ذلك للذى عليه الدين ويطلب أن يكون الموضوع على يديه المال ضامنا بأن يسلفه سلفا حالا فإن فعل لم يجعله أمانة وهو يجد السبيل إلى أن يكون مضمونا وإن وجد ثقة مليا يضمنه ووجد أوثق منه لا يضمنه دفعه إلى الذى ضمنه وإن لم يدعوا إلى أحد أودعوا إلى غير ثقة اختار لهم قال وأحب إلى فيمن ولى هذا أن يرزق من بيت المال فإن لم يكن لم يجعل له شيئا حتى يشارطوه هم فإن لم ينفقوا اجتهد لهم فلم يعطه شيئا وهو يجد ثقة يقبل أقل منه وهكذا يقول لهم فيمن يصيح على ما يباع عليه بمن يزيد، وفى أحد إن كال منه طعاما أو نقله إلى موضع بسوق وكل ما فيه صلاح المبيع إن جاء رب المال أو هم بمن يكفى ذلك لم يدخل عليهم غيرهم وإن لم يأتوا استأجر عليه من يكفيه بأقل ما يجد وإذا بيع مال المفلس لغريم بعينه أو غرماء بأعيانهم فسواء هم
ومن ثبت معهم حقا عليه قبل أن يقسم المال ولا ينبغى أن يدفع من ماله شيئا إلى من اشتراه إلا بعد أن يقبض منه الثمن وإن وقف على يدى عدل أو يدى البائع حتى يأتي المشترى بالثمن فهلك فمن مال المفلس لا يضمنه المشترى حتى يقبضه فإن قبضه المشترى مكانه ولم يعلم البائع ثم هرب أو استهلكه فأفلس فذلك من مال المفلس لا من أهل الدين وكذلك إن قبض العدل ثمن ما اشترى أو بعضه فلم يدفعه إلى الغرماء حتى هلك فمن مال المفلس لا يكون من مال الغرماء حتى يقبضوه والعهدة فيما باع على المفلس لانه بيع له ملكه في حق لزمه فهو بيع له وعليه وأحق الناس بأن تكون العهدة عليه مالك المال المبيع ولا يضمن القاضى ولا أمينه شيئا ولا عهدة عليهما ولا على واحد منهما وإن بيع للغريم من مال المفلس شئ ثم استحق رجع به في مال المفلس.
باب ما جاء في العهدة في مال المفلس (قال الشافعي) رحمه الله: من بيع عليه مال من ماله في دين بعد موته أو قبله أو في تفليسه أو باعه هو فكله سواء (1) لا نراه لمن باع للميت إلا كهى لمن باع لحى والعهدة في مال الميت كهى في مال الحى لا اختلاف في ذلك عندي ولو مات رجل أو أفلس وعليه ألف درهم وترك دارا فبيعت بألف درهم فقبض أمين القاضى الالف فهلكت من يده واستحقت الدار فلا عهدة على الغريم الذى باعها والعهدة على الميت المبيع عليه أو المفلس فإن وجد للميت أو المفلس مال بيع ثم رد على المشترى المعطى الالف ألفه لانها مأخوذة منه ببيع لم يسلم له وأعطى الغرماء حقوقهم وإن لم يوجد له شئ فلا ضمان على القاضى ولا أمينه وترجع الدار إلى الذى استحقها ويقال للمشترى الدار: قد ]
__________
(1) قوله: لا نراه لمن باع الخ كذا بالاصول بتذكير ضمير " نراه " وهو عائد على العهدة إما بمعنى الضمان أو التأويل بالمذكور وإلا فحقه نراها بدليل قوله كهى فتأمل.
كتبه مصححه.(3/213)
[ هلكت ألفك فأنت غريم للميت والمفلس متى ما وجدت له مالا أخذتها ويقال للغريم لم تستوف فلا عهدة عليك فمتى وجدت للميت مالا أعطيناك منه وإذا وجدتماه تحاصصتما فيه لا يقدم منكما واحد على صاحبه.
باب ما جاء في التأني بمال المفلس (قال الشافعي) رحمه الله: الحيوان أولى مال المفلس والميت عليه الدين أن يبدأ به ويعجعل ببيعه وإن كان ببلاد جامعة لم يتأن به أكثر من ثلاث ولا يبلغ به أناة ثلاث إلا أن يكون أهل العلم قد يرون أنه إن تؤنى به ثلاث بلغ أكثر مما يبلغ في يوم أو اثنين وإن كان ذلك في بعض الحيوان دون بعض تؤنى بما كان ذلك فيه ثلاث دون ما ليس ذلك فيه وينفق عليه من مال الميت لانه صلاح له كما يعطى في القيام عليه من مال الميت قال ويتأنى بالمساكن بقدر ما يرى أهل البصر بها أن قد بلغت أثمانها أو قاربتها أو تناهت زيادتها على قدر مواضع المساكن وارتفاعها ويتأنى بالارضين والعيون وغيرها بقدر ما وصفت مما يرى أهل الرأى أنه قد استوفى بها أو قورب أو تناهت زيادتها وما ارتفع منها تؤنى به أكثر وإن كان أهل بلد غير بلده إذا علموا زادوا فيه تؤنى به إلى علم أهل ذلك البلد وإذا باع القاضى على الميت أو المفلس وفارق المشترى البائع من مقامهما الذى تبايعا فيه ثم زيد لم يكن له رد ذلك البيع إلا بطيب نفس المشترى وأحب للمشترى لو رده أو زاد وليس ذلك بواجب عليه وللقاضي طلب ذلك إليه فإن لم يفعل لم يظلمه وأنفذه له والبيع على الميت والمفلس في شرط الخيار وغيره وفى العهدة كبيع الرجل مال نفسه لا يفترق.
باب ما جاء في شراء الرجل وبيعه وعتقه وإقراره (قال الشافعي) رحمه الله: شراء الرجل وبيعه وعتقه وإقراره وقضاؤه بعض غرمائه دون بعض جائز كله عليه مفلسا كان أو غير مفلس وذا دين كان أو غير ذى دين في إجازة عتقه وبيعه لا يرد من ذلك شئ ولا مما فضل منه ولا إذا أقام الغرماء عليه حتى يصيروه إلى القاضى وينبغى إذا صيروه إلى القاضى أن يشهد على أنه قد أوقف ماله عنه فإذا فعل لم يجز له حينئذ أن يبيع من ماله ولا يهب ولا يتلف وما فعل من هذا ففيه قولان أحدهما أنه موقوف فإن قضى دينه وفضل له فضل أجاز ما صنع من ذلك الفضل لان وقفه ليس بوقف حجر إنما هو وقف كوقف مال المريض فإذا صح ذهب الوقف عنه فكذلك هذا إذا قضى دينه ذهب الوقف عنه والثانى أن ما صنع من هذا باطل لانه قد منه ماله والحكم فيه قال ولا يمنعه حتى يقسم ماله نفقته ونفقة أهله وإذا باع ترك له ولاهله قوت يومهم ويكفن
هو ومن يلزمه أن يكفنه إن مات أو ماتوا من رأس ماله بما يكفن به مثله قال ويجوز له ما صنع في ماله بعد رفعه إلى القاضى حتى يقف القاضى ماله وإذا أقر الرجل بعد وقف القاضى ماله بدين لرجل أو حق من وجه من الوجوه وزعم أنه لزمه قبل وقف ماله ففى ذلك قولان أحدهما أن إقراره لازم له ويدخل من أقر له في هذه الحال مع غرمائه الذين أقر لهم قبل وقف ماله وقامت لهم البينة ومن قال هذا القول قال أجعله قياسا على المريض يقر بحق لزمه في مرضه فيدخل المقر له مع أهل الدين الذين ](3/214)
[ أقر لهم في الصحة وكانت لهم بينة فهذا يحتمل القياس ويدخله أنه لو أقر بشئ مما عرف له أنه لاجنبي غصبه إياه أو أودعه أو كان له بوجه لزمه الاقرار ومن قال هذا قاله في كل من وقف ماله وأجاز عليه ما أقر به ما في يديه وغير ذلك في حاله تلك كما يجيزه في الحال قبلها وبه أقول والقول الثاني أنه إن أقر بحق لزمه بوجه من الوجوه في شئ في ذمته أو في شئ مما في يديه جعل إقراره لازما له في مال إن حدث له بعد هذا وأحسن ما يحتج به من قال هذا أن يقول وقفى ماله هذا في حاله هذه لغرمائه كرهنه ماله لهم فيبدءون فيعطون حقوقهم فإن فضل كان لمن أقر له وإن لم يفضل فضل كان مالهم في ذمته ويدخل هذا القول أمر يتفاحش من أنه ليس بقياس على المريض يوقف ماله ولا على المحجور فيبطل إقراره بكل حال ويدخله أن الرهن لا يكون إلا معروفا بمعروف ويدخل هذا أنه مجهول لان من جاءه من غرمائه أدخله في ماله وما وجد له من مال لا يعرفه ولا غرماؤه أعطاه غرماءه ويدخله أن رجلا لو كان مشهودا عليه بالفقر وكان صائغا أو غسالا مفلسا وفى يده حلى ثمن مال وثياب ثمن مال جعلت الثياب والحلى له حتى يوفى غرماءه حقوقهم ويدخل على من قال هذا أن يزعم هذا في دلالة يوضع على يديها الجوارى ثمن ألوف دنانير وهى معروفة أنها لا تملك كبير شئ فتفلس يجعل لها الجوارى ويبيعهن عليها ويدخل عليه أن يزعم أن الرجل يملك ما في يديه وإن لم يدعه وليس ينبغى أن يقول هذا أحد فإن ذهب رجل إلى أن يترك بعض هذا ترك القياس واختلف قوله ثم لعله يلزمه لو بيع عليه عبد فذكر أنه أبق فقال الغرماء أراد كسره لك يقبل قوله فيباع ماله وعليه عهدته ولا يصدق في قوله وهذا القول مدخول كثير الدخل والقول الاول قولى وأسأل الله عز وجل التوفيق والخيرة برحمته (1).
باب ما جاء في هبة المفلس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل هبة لرجل على أن يثيبه فقبل الموهوب له وقبض ثم أفلس بعد الهبة قبل أن يثيبه فمن أجاز الهبة على الثواب خير الموهوب له بين أن يثيبه أو يرد عليه هبته إن كانت قائمة بعينها لم تنتقص ثم جعل للواهب الخيار في الثواب فإن أثابه قيمتها أو أضعاف ] (1) وفى اختلاف العراقيين في " باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها " وإذا حبس الرجل في الدين وفلسه القاضى فباع في السجن واشترى أو أعتق أو تصدق بصدقة أو وهب هبة فإن أبا حنيفة كان يقول هذا كله جائز ولا يباع شئ من ماله في الدين وليس بعد التفليس شئ ألا ترى أن الرجل قد يفلس اليوم ويصيب غدا مالا وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا عتقه ولا هبته ولا صدقته بعد التفليس فليبع ماله وليقبضه للغرماء وقال أبو يوسف مثل قول ابن أبى ليلى ما خلا العتاقة في الحجر وليس من قبيل التفليس ولا يجيز شيئا سوى العتاقة من ذلك أبدا حتى يقضى دينه (قال الشافعي) ويجوز بيع الرجل جميع ما أحدث في ماله كان ذا دين أو غير ذى دين وذا وفاء أو غير ذى وفاء حتى يستعدى عليه في الدين فإذا استعدى عليه فثبت عليه شئ أو أقر منه بشئ انبغى للقاضى أن يحجر عليه مكانه ويقول قد حجرت عليه حتى أقضى دينه وفلسته ثم يحصى ماله ويأمره بأن يجتهد في السوم ويأمر من يتسوم به ثم ينفذ القاضى فيه البيع بأعلى ما يقدر عليه فيقضى دينه فإذا لم يبق عليه دين أحضره فأطلق عنه وعاد إلى أن يجوز له في ماله كل ما صنع إلى أن يستعدى عليه في دين غيره.
وما استهلك من ماله في الحالة التى حجر فيها عليه ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك.
فهو مردود.(3/215)
[ قيمتها فلم يرض جعل له أن يرجع في هبته وتكون للغرماء وإن أثابه أقل من قيمتها فرضى أجاز رضاه وإن كره ذلك الغرماء (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا وهب فالهبة باطلة من قبل أنه لم يرض أن يعطيه إلا بالعوض فلما كان العوض مجهولا كانت الهبة باطلة كما لو باعه بثمن غير معلوم كان البيع باطلا فهذا ملكه بعوض والوعض مجهول فكان بالبيع أشبه من قبل أن البيع بعوض وهذا بعوض فلما كان مجهولا بطل (قال الشافعي) ولو فاتت الهبة في يدى الموهوبة له فما أثابه فرضى به فجائز وإن لم يرض فله قيمة هبته ولو وهب رجل لرجل هبة ليثيبه الموهوبة له ثم أفلس الواهب والهبة قائمة بعينها فمن جعله على هبته
أو يثاب منها كان الثواب إلى الواهب فإن رضى بقليل وكره ذلك غرماؤه جاز عليهم وكذلك لو رضى ترك الثواب وقال لم أهبها للثواب وإن لم يرض بقيمتها كان على هبته سواء نقصت الهبة أو زادت وفيها قول آخر ليس له أن يرجع فيها وإن فاتت بموت أو بيع أو عتق فلا شئ للواهب لانه ملكه إياها ولم يشترط عليه شيئا وإذا كان على هبته ففاتت فلا شئ له لان الذى قد كان له قد فات ولا يضمن له شئ بعينه كما يكون على شفعته فتتلف الشفعة فلا يكون له شئ.
باب حلول دين الميت والدين عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل فهى إلى أجلها لا تحل بموته ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها الغرماء فإن فضل فضل كان لاهل الميراث ووصايا إن كانت له قال ويشبه والله أعلم أن يكون من حجة من قال هذا القول مع تتابعهم عليه أن يقولوا لما كان غرماء الميت أحق بماله في حياته منه كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما يدعها في الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه ولعل من حجتهم أن يقولوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه " (أخبرنا) إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه " (قال الشافعي) فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة بدينه وكان المال ملكا له أشبه أن يجعل قضاء دينه لان نفسه معلقة بدينه ولم يجز أن يكون مال الميت زائلا عنه فلا يصير إلى غرمائه ولا إلى ورثته وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه ولو وقف إلى قضاء دينه علق روحه بدينه وكان ماله معرضا أن يهلك فلا يؤدى عن ذمته ولا يكون لورثته فلم يكن فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقى ورثته.
باب ما حل من دين المفلس وما لم يحل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أفلس الرجل وعليه ديون إلى أجل فقد ذهب غير واحد من المفتين ممن حفظت عنه إلى أن ديونه التي إلى أجل حالة حلول دين الميت وهذا قول يتوجه من أن ماله
وقف وقف مال الميت وحيل بينه وبين أن يقضى من شاء ويدخل في هذا أنهم إذا حكمو له حكم الميت ](3/216)
انبغى أن يدخلوا من أقر له بشئ مع غرمائه وكذلك يخرجون من يديه ما أقر به لرجل كما يصنعون ذلك بالمريض يقر ثم يموت وقد يحتمل أن يباع لمن حل دينه ويؤخر الذين ديونهم متأخرة لانه غير ميت فإنه قد يملك والميت لا يملك والله تعالى أعلم.
قال: وما كان للميت من دين على الناس فهو إلى أجله لا يحل ماله بموته ولا بتفليسه.
باب ما جاء في حبس المفلس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل مال يرى في يديه ويظهر منه شئ ثم قام أهل الدين عليه فأثبتوا حقوقهم فإن أخرج مالا أو وجد له ظاهر يبلغ حقوقهم اعطوا حقوقهم ولم يحبس وإن لم يظهر له مال ولم يوجد له ما يبلغ حقوقهم حبس وبيع في ماله ما قدر عليه من شئ فإن ذكر حاجة دعى بالبينة عليها وأقبل منه البينة على الحاجة وأن لا شئ له إذا كانوا عدولا خابرين به قبل الحبس ولا أحبسه ويوم أحبسه وبعد مدة أقامها في الحبس واحلفه مع ذلك كله بالله ما يملك ولا يجد لغرمائه قضاء في نقد ولا عرض ولا بوجه من الوجوه ثم أخليه وأمنع غرماءه من لزومه إذا خليته ثم لا أعيده لهم إلى حبس حتى يأتوا ببينة أن قد أفاد مالا فإن جاءوا ببينة أن قد رئ في يديه مال سألته فإن قال مال مضاربة لم أعمل فيه أو عملت فيه فلم ينض أو لم يكن لى فيه فضل قبلت ذلك منه وأحلفته إن شاءوا وإن جحد حبسته أيضا حتى يأتي ببينة كما جاء بها أول مرة وأحلفته كما أحلفته فيها ولا أحلفه في واحدة من الحبستين حتى يأتي ببينة وأسأل عنه أهل الخبرة به فيخبروني بحاجته ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عنه فمتى استقر عند الحاكم ما وصفت لم يكن له حبسه ولا ينبغى أن يغفل المسألة عنه قال وجميع ما لزمه من وجه من الوجوه سواء من جناية أو وديعة أو تعد أو مضاربة أو غير ذلك يحاصون في ماله ما لم يكن لرجل منهم مال بعينه فيأخذه منه ولا يشركه فيه غيره ولا يؤخذ الحر في دين عليه إذا لم يوجد له شئ ولا يحبس إذا عرف أن لا شئ له لان الله عزوجل يقول " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " وإذا حبس الغريم وفلس وأحلف ثم حضر آخر لم يحدث له حبس ولا يمين إلا أن يحدث له
يسر بعد الحبس فيحبس للثاني والاول وإذا حبس وأحلف وفلس وخلى ثم أفاد ما لا جاز له فيما أفاد ما صنع من عتق وبيع وهبة وغيره حتى يحدث له السلطان وقفا آخر لان الوقف الاول لم يكن وقفا لانه غير رشيد وإنما وقف ليمنعه ماله ويقسمه بين غرمائه فما أفاد آخر فلا وقف عليه وإذا فلس الرجل وعليه عروض موصوفة وعين من بيع وسلف وجناية ومهر امرأة وغير ذلك مما لزمه بوجه فكله سواء يحاص أهل العروض بقيمتها يوم يفلس فما أصابهم اشترى لهم به عرض من شرطهم فإن استوفوا حقوقهم فذاك وإن لم يستوفوا أو استوفوا انصافها أو أقل أو أكثر ثم حدث له مال آخرا فلاهل العروض أن يقوم لهم ما بقى من عروضهم عند التفليسة الثانية فيشترى لهم لان لهم أن يأخذوا عروضهم إذا وجدوا له مالا وبعضها إذا لم يجدوا كلها إذا وجدوه.
باب ما جاء في الخلاف في التفليس قلت لابي عبد الله: هل خالفك أحد في التفليس؟ فقال نعم خالفنا بعض الناس في التفليس ](3/217)
[ فزعم أن الرجل إذا باع السلعة من الرجل بنقد أو إلى أجل وقبضها المشترى ثم أفلس والسلعة قائمة بعينها فهى مال من مال المشترى يكون البائع فيها وغيره من غرمائه سواء فقلت لابي عبد الله وما احتج به؟ فقال قال لى قائل منهم أرأيت إذا باع الرجل أمة ودفعها إلى المشترى أما ملكها المشترى ملكا صحيحا يحل له وطؤها؟ قلت بلى قال أفرأيت لو وطئها فولدت له أو باعها أو أعتقها أو تصدق بها ثم أفلس أترد من هذا شيئا وتجعلها رقيقا؟ قلت لا فقال لانه ملكها ملكا صحيحا.
قلت نعم قال فكيف تنقض الملك الصحيح؟ فقلت نقضته بما لا ينبغى لى ولا لك ولا لمسلم علمه إلا أن ينقضه له قال وما هو؟ قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر؟ قلت إذا تصير إلى موضع الجهل أو المعاندة قال إنما رواه أبو هريرة وحده فقلت ما نعرف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية إلا عن أبى هريرة وحده وإن في ذلك لكفاية تثبت بمثلها السنة قال أفتوجدنا أن الناس يثبتون لابي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره؟ قلت نعم قال وأين هي؟ قلت قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها؟ فأخذنا نحن وأنت به ولم يروه أحد عن
النبي صلى الله عليه وسلم تثبت روايته غيره قال أجل ولكن الناس أجمعوا عليها فقلت فذلك أوجب للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبى هريرة وحده ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله عز وجل يقول " حرمت عليكم أمهاتكم " الآية وقال " وأحل لكم ما وراء ذلكم " وقلت له وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا " فأخذنا بحديثه كله وأخذت بجملته فقلت الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه ولم توهنه بأن أبا قتادة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة أنها لا تنجس الماء ونحن وأنت نقول لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسا عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب ولم يروه إلا أبو هريرة فقال قبلنا هذا لان الناس قبلوه قلت فإذا قبلوه في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره وإلا فأنت تحكم فتقبل ما شئت وترد ما شئت قال فقال قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصراة وحديث الاجير وغيره افتعلم غيره انفرد برواية؟ قلت نعم أبو سعيد الخدرى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " فصرنا نحن وأنت وأكثر المفتين إليه وتركت قول صاحبك وإبراهيم النخعي " الصدقة في كل قليل وكثير أنبتته الارض " وقد يجدان تأويلا من قول الله عز وجل " وآتوا حقه يوم حصاده " ولم يذكر قليلا ولا كثيرا ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقى بالسماء العشر وفيما بالدالية نصف العشر " قال أجل قلنا وحديث أبى ثعلبة الخشنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع لا يروى عن غيره علمته إلا من وجه عن أبى هريرة وليس بالمشهور المعروف الرجال فقبلناه نحن وأنت وخالفنا المكيون واحتجوا بقول الله عزوجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " الآية وقوله " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " وبقول عائشة وابن عباس وعبيد بن عمير فزعمنا أن الرواية الواحدة تثبت بها الحجة ولا حجة في تأويل ولا حديث عن غير النبي صلى الله عليه وسلم مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال أما ما وصفت فكما وصفت قلت فإذا جاء مثل هذا فلم تجعله حجة؟ قال ما كانت حجتنا في أن لا نقول قولكم في التفليس إلا هذا قلنا ولا حجة لك فيه لانى قد وجدتك تقول وغيرك وتأخذ بمثله فيه قال آخر إنا قد روينا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه شبيها بقولنا قلنا وهذا مما لا حجة فيه عندنا
وعندك لان مذهبنا معا إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ أن لا حجة في أحد معه قال فإنا ](3/218)
[ قلنا لم نعلم أبا بكر ولا عمر ولا عثمان رضى الله عنهم قضوا بما رويتم في التفليس قلنا ولا رويتم أنهم ولا واحد منهم قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ولا تحريم كل ذى ناب من السباع قال فاكتفينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا قلنا ففيه الكفاية المغنية عما سواها وما سواها تبع لها لا يصنع معها شيئا إن وافقها تبعها وكانت به الحاجة إليها وإن خالفها ترك وأخذت السنة قال وهكذا نقول قلنا نعم في الجملة ولا تفى بذلك في التفريع قال فانى لم أنفرد بما عبت على قد شركني فيه غير واحد من اهل ناحيتك وغيرهم فأخذوا بأحاديث وردوا أخرى قلت فإن كنت حمدتهم على هذا فاشركهم فيه قال إذا يلزمنى أن أكون بالخيار في العلم قلت فقل ما شئت فإنك ذممت ذلك ممن فعله فانتقل عن مثل ما ذممت ولا تجعل المذموم حجة قال فإنى أسألك عن شئ قلت فسل قال كيف نقضت الملك الصحيح؟ قلت أو ترى للمسألة موضعا فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال لا ولكني أحب أن تعلمني هل تجد مثل هذا غير هذا؟ قلت نعم أرأيت دارا بعتها لك فيها شفعة أليس المشترى مالكا يجوز بيعه وهبته وصداقه وصدقته فيما ابتاع ويجوز له هدمه وبناوه؟ قال نعم قلت فإذا جاء الذى له الشفعة أخذ ذلك ممن هو في يديه؟ قال نعم قلت أفتراك نقضت لملك الصحيح؟ قال نعم ولكني نقضته بالسنة وقلت أرأيت الرجل يصدق المرأة الامة فيدفعها إليها والغنم فتلد الامة والغنم أليس إن مات الرجل أو المرأة قبل أن يدخل عليها كان ما أصدقها لها قبل موت واحد منهما يكون لها عتق الامة وبيعها وبيع الماشية وهى صحيحة الملك في ذلك كله؟ قال بلى قلت أفرأيت إن طلقها قبل تفوت في الجارية ولا الغنم شيئا وهو في يديها بحاله؟ قال ينتقض الملك ويصير له نصف الجارية والغنم إن لم يكن اولاد أو نصف قيمتها إن كان لها أولاد لانهم حدثوا في ملكها قلنا فكيف نقضت الملك الصحيح؟ قال بالكتاب قلنا فما نراك عبت في مال المفلس شيئا إلا دخل عليك في الشفعة والصداق مثله أو أكثر قال حجتى فيه كتاب أو سنة قلنا وكذلك حجتنا في مال المفلس سنة فكيف خالفتها؟ قلت للشافعي فإنا نوافقك في مال المفلس إذا كان حيا ونخالفك فيه إذا مات وحجتنا
فيه حديث ابن شهاب الذى قد سمعت (قال الشافعي) قد كان فيما قرأنا على مالك أن ابن شهاب أخبره عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذى ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به فإن مات المشترى فصاحب السلعة أسوة الغرماء فقال لى فلم لم تأخذ بهذا؟ قلت لانه مرسل ومن خالفنا ممن حكيت قوله وإن كان ذلك ليس عندي له به عذر يخالفه لانه رد الحديث وقال فيه قولا واحدا وأنتم أثبتم الحديث فلما صرتم إلى تفريعه فارقتموه في بعض ووافقتموه في بعض فقال فلم لم تأخذ بحديث ابن شهاب؟ فقلت الذى أخذت به أولى بى من قبل أن ما أخذت به موصول يجمع فيه النبي صلى عليه وسلم بين الموت والافلاس وحديث ابن شهاب منقطع لو لم يخالفه غيره لم يكن مما يثبته أهل الحديث فلو لم يكن في تركه حجة إلا هذا انبغى لمن عرف الحديث تركه من الوجهين مع أن أبا بكر بن عبد الرحمن يروى عن أبى هريرة حديثا ليس فيه ما روى ابن شهاب عنه مرسلا إن كان روى كله فلا أدرى عمن رواه ولعله روى أول الحديث وقال برأيه آخره (قال الشافعي) وموجود في حديث أبى بكر عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى بالقول فهو أحق به أشبه أن يكون ما زاد على هذا قولا من أبى بكر لا رواية وإن كان موجودا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يبيع السلعة من الرجل فيكون مالكا للمبيع يجوز له فيها ما يجوز لذى المال في المال من وطئ أمة وبيعها وعتقها وإن لم يدفع ](3/219)
[ ثمنها فإذا أفلس والسلعة بعينها في يدي المشترى كان للبائع التسليط على نقض عقدة البيع.
كما يكون للمستشفع أخذ الشفعة وقد كان الشراء صحيحا فكان المشترى لما فيه الشفعة لو مات كان للمستشفع أخذ الشفعة من ورثته كما له أخذها من يديه فكيف لم يكن هذا في الذى يجد عين ماله عند معدم وإن مات كما كان لبائعه ذلك في حياة مالكه وكما قلنا في الشفعة وكيف يكون الورثة يملكون عن الميت منع السلعة وإنما عنه ورثوها ولم يكن للميت منعها من أن ينقض بائعها البيع إذا لم يعط ثمنها كاملا فلا يكون للورثة في حال ما ورثوا عن الميت إلا ما كان للميت أو أقل منه وقد جعلتم للورثة أكثر مما للمورث الذى عنه ملكوها ولو جاز أن يفرق بين الموت والحياة كان الميت أولى أن يأخذ الرجل عين ماله
منه لانه ميت لا يفيد شيئا أبدا والحى يفلس فترجى إفادته وأن يقضى دينه فضعفتم الاقوى وقويتم الاضعف وتركتم بعض حديث أبى هريرة وأخذتم ببعضه قال فليس هذا مما روينا قلنا وإن لم ترووه فقد رواه ثقة عن ثقة فلا يوهنه أن لا ترووه وكثير من الاحاديث لم ترووه فلم يوهنه ذلك.
بلوغ الرشد وهو الحجر (1) (قال الشافعي) رحمه الله: الحال التى يبلغ فيها الرجل والمرأة رشدهما حتى يكونان يليان أموالهما قال الله عزوجل " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرفا وبدارا أن يكبروا " (قال الشافعي) فدلت هذه الآية على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين البلوغ والرشد، فالبلوغ استكمال خمس عشرة سنة الذكر والانثى في ذلك سواء إلا أن يحتلم الرجل أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة فيكون ذلك البلوغ ودل قول الله عزوجل " فادفعوا إليهم أموالهم " على أنهم إذا جمعوا البلوغ والرشد لم يكن لاحد أن يلى عليهم أموالهم وكانوا أولى بولاية أموالهم من غيرهم وجاز لهم في أموالهم ما يجوز لمن خرج من الولاية ممن ولى فخرج منها أو لم يول وأن الذكر والانثى فيهما سواه والرشد والله أعلم الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة وإصلاح المال وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتيم والاختبار يختلف بقدر حال المختبر فإن كان من الرجال من يتبذل فيختلط الناس استدل بمخالطته الناس في الشراء والبيع قبل البلوغ وبعده حتى يعرف أنه يحب توفير ماله والزيادة فيه وأن لا يتلفه فيما لا يعود عليه نفعه كان اختبار هذا قريبا وإن كان من يصان عن الاسواق كان اختباره أبعد قليلا من اختبار الذى قبله (قال الشافعي) ويدفع إلى المولى عليه نفقة شهر فإن أحسن إنفاقها على نفسه وأحسن شراء ما يحتاج إليه منها مع النفقة اختبر بشئ يسير يدفع إليه فإذا أونس منه توفير له وعقل يعرف به حسن النظر لنفسه في إبقاء ماله دفع إليه ماله واختبار المرأة مع علم صلاحها بقلة مخالطتها في البيع والشراء أبعد من هذا قليلا فيختبرها النساء وذوو المحارم بها بمثل ما وصفنا من دفع النفقة وما يشترى لها من الادم وغيره فإذا آنسوا منها صلاحا لما تعطى من نفقتها كما وصفت في الغلام البالغ فإذا عرف منها صلاح دفع إليها اليسير منه فإن هي أصلحته دفع إليها مالها نكحت أو لم تنكح لا يزيد في رشدها ولا ينقص منه النكاح ولا تركه كما لا يزيد في رشد الغلام ولا ]
__________
(1) كتب السراج البلقينى ما نصه " الحجر هو في الاصل بعد الخلاف في الحبس والصدقات الموقوفات وهذا موضعه في الترتيب وفيه بلوغ الرشد " اه نقله مصححه.(3/220)
[ ينقص منه وأيهما نكح وهو غير رشيد وولد له ولى عليه ماله لان شرط الله عزوجل أن يدفع إليه إذا جمع الرشد مع البلوغ وليس النكاح بواحد منهما وأيهما صار إلى ولاية ماله فله أن يفعل في ماله ما يفعل غيره من أهل الاموال وسواء في ذلك المرأة والرجل وذات زوج كانت أو غير ذات زوج وليس الزوج من ولاية مال المرأة بسبيل ولا يختلف أحد من أهل العلم علمته أن الرجل والمرأة إذا صار كل واحد منهما إلى أن يجمع البلوغ والرشد سواء في دفع أموالهما إليهما لانهما من اليتامى فإذا صارا إلى أن يخرجا من الولاية فهما كغيرهما يجوز لكل واحد منهما في ماله ما يجوز لكل من لا يولى عليه غيره.
فإن قال قائل المرأة ذات الزوج مفارقة للرجل لا تعطى المرأة من مالها بغير إذن زوجها قيل له كتاب الله عز وجل في أمره بالدفع إلى اليتامى إذا بلغوا الرشد يدل على خلاف ما قلت لان من أخرج الله عزوجل من الولاية لم يكن لاحد أن يلى عليه إلا بحال يحدث له من سفه وفساد وكذلك الرجل والمرأة أو حق يلزمه لمسلم في ماله فأما ما لم يكن هكذا فالرجل والمرأة سواء فإن فرقت بينهما فعليك أن تأتى ببرهان على فرقك بين المجتمع فإن قال قائل فقد روى أن ليس للمرأة أن تعطى من مالها شيئا بغير إذن زوجها قيل قد سمعناه وليس بثابت فيلزمنا أن نقول به والقرآن يدل على خلافه ثم السنة ثم الاثر ثم المعقول فإن قال فاذكر القرآن قلنا الآية التى أمر الله عزوجل بدفع أموالهم إليهم وسوى فيها بين الرجل والمرأة ولا يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر لازم فإن قال أفتجد في القرآن دلالة على ما وصفت سوى هذا؟ قيل نعم قال الله عزوجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير " فدلت هذه الآية على أن على الرجل أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها كما كان عليه أن يسلم إلى الاجنبيين من الرجال ما وجب لهم ودلت السنة على أن المرأة مسلطة على أن تعفو من مالها وندب الله عزوجل إلى العفو وذكر أنه أقرب للتقوى وسوى بين المرأة والرجل فيما يجوز من عفو كل واحد
منهما ما وجب له يجوز عفوه إذا دفع المهر كله وكان له أن يرجع بنصفه فعفاه جاز وإذا لم يدفعه فكان لها أن تأخذ نصفه فعفته جاز لم يفرق بينهما في ذلك.
وقال عزوجل: " وآتوا النساء صدقاتهمن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " فجعل (1) في إيتائهن ما فرض لهن من فريضة على أرواحهن يدفعونه إليهن دفعهم إلى غيرهم من الرجال ممن وجب له عليهم حق بوجه وحل للرجال أكل ما طاب نساؤهم عنه نفسا كما حل لهم ما طاب الاجنبيون من أموالهم عنه نفسا وما طابوا هم لازواجهم عنه نفسا لم يفرق بين حكمهم وحكم أزواجهم والاجنبيين وغير أزواجهم فيما أوجبه من دفع حقوقهن وأحل ما طبن عنه نفسا من أموالهن وحرم من أموالهن ما حرم من أموال الاجنبيين فيما ذكرت وفى قول الله عزوجل " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " الآية وقال عزوجل " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " فأحله إذا كان من قبل المرأة كما حل للرجل من مال الاجنبيين بغير توقيت شئ فيه ثلث ولا أقل ولا أكثر وحرمه إذا كان من قبل الرجل كما حرم أموال الاجنبيين أن يغتصبوها قال الله عزوجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد " الآية فلم يفرق بين الزوج والمرأة في أن لكل واحد منهما أن يوصى في ماله وفى أن دين كل واحد منهما لازم له في ماله فإذا كان هذا هكذا كان لها أن تعطى من مالها من ]
__________
(1) قوله: فجعل في إيتائهن الخ كذا بالنسخ التى عندنا ولعل " في " زائدة من الناسخ اه مصححه.(3/221)
[ شاءت بغير إذن زوجها وكان لها أن تحبس مهرها وتهبه ولا تضع منه شيئا وكان لها إذا طلقها أخذ نصف ما أعطاها لا نصف ما اشترت لها دونه إذا كان لها المهر كان لها حبسه وما أشبهه فإن قال قائل فأين السنة في هذا؟ قلت (أخبرنا) مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أخبرته أن حبيبة بنت سهل الانصارية كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من هذه؟ " فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال " ما شأنك؟ " فقالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل قد
ذكرت ما شاء الله أن تذكر " فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن مولاة لصفية بنت أبى عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شئ لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر (قال الشافعي) فدلت السنة على ما دل عليه القرآن من أنها إذا اختلعت من زوجها حل لزوجها الاخذ منها ولو كانت لا يجوز لها في مالها ما يجوز لمن لا حجر عليه من الرجال ما حل له خلعها فإن قال قائل وأين القياس والمعقول؟ قلت إذا أباح الله تعالى لزوجها ما أعطته فهذا لا يكون إلا لمن يجوز له ماله وإذا كان مالها يورث عنها وكانت تمنعه زوجها فيكون لها فهى كغيرها من ذوى الاموال قال ولو ذهب ذاهب إلى الحديث الذى لا يثبت أن ليس لها أن تعطى من دون زوجها إلا ما أذن زوجها لم يكن له وجه لا أن يكون زوجها وليا لها ولو كان رجل وليا لرجل أو امرأة فوهبت له شيئا لم يحل له أن يأخذه لان هبتها له كهبتها لغيره لزمه أن يقول لا تعطى من مالها درهما ولا يجوز لها أن تبيع فيه ولا تبتاع ويحكم لها وعليها حكم المحجور عليه ولو زعم أن زوجها شريك لها في مالها سئل أبا لنصف؟ فإن قال نعم قيل فتصنع بالنصف الآخر ما شاءت ويصنع بالنصف ما شاء؟ فإن قال ما قل أو كثر؟ قلت فاجعل لها من مالها شيئا فإن قال مالها مرهون له قيل له فبكم هو مرهون حتى تفتديه؟ فإن قال ليس بمرهون قيل له فقل فيه ما أحببت فهو لا شريك لها في مالها وليس له عندك وعندنا أن يأخذ من مالها درهما وليس مالها مرهونا فتفتكه وليس زوجها وليا لها ولو كان زوجها وليا لها وكان سفيها أخرجنا ولايتها من يديه وولينا غيره عليها ومن خرج من هذه الاقاويل لم يخرج إلى أثر يتبع ولا قياس ولا معقول وإذا جاز للمرأة ان تعطى من مالها الثلث لا تزيد عليه فلم يجعلها مولى عليها ولم يجعل زوجها شريكا ولا مالها مرهونا في يديه ولا هي ممنوعة من مالها ولا مخلى بينها وبينه ثم يجيز لها بعد زمان إخراج الثلث والثلث بعد زمان حتى ينفد مالها فما منعها مالها ولا خلالها وإياه والله المستعان فإن قال هو نكحها على اليسر فإن قال هو نكحها على اليسر قيل أفرأيت إن نكحت مفلسة ثم أيسرت بعد عنده أيدعها ومالها؟ فإن قال نعم فقد أخرجها من الحجر وإن قال لا فقد منعها ما لم تغره به أو رأيت إذا قال غرته فلا أتركها تخرج مالها ضرارا؟ قيل أفرأيت إن غر فقيل هي جميلة فوجدها غير جميلة أو غير فقيل هي موسرة فوجدها مفلسة أينقص عنه
من صداقها أو يرده عليها بشئ؟ أو رأيت إذا قال هذا في المرأة فإذا كان الرجل دينا موسرا فنكح شريفة واعلمتنا أنها لم تنكحه إلا بيسره ثم خدعها فتصدق بماله كله فإذا جاز ذلك له فقد ظلمها بمنعها من مالها ما أباح له وإن قال أجبرها بأن تبتاع له ما يتجهز به مثلها لان هذا مما يتعامل به الناس عندنا وذلك أن المرأة تصدق ألف درهم وتجهز بأكثر من عشرة آلاف وتكون مفلسة لا تجهز إلا بثيابها وبساطها ومما يتعامل الناس به أن الرجل المفلس ذا المروءة ينكح الموسرة فتقول يكون قيما على مالى على ](3/222)
[ هذا تناكحا ويستنفق من مالها وما أشبه هذا مما وصفت ويحسن مما يتعامل الناس وللحاكم الحكم على ما يجب ليس على ما يجمل ويتعامل الناس عليه (قال الشافعي) والحجة تمكن على ما خالفنا بأكثر مما وصفت وفى أقل مما وصفت حجة ولا يستقيم فيها قول إلا معنى كتاب الله عزوجل والسنة والآثار والقياس من أن صداقها مال من مالها وأن لها إذا بلغت الرشد أن تفعل في مالها ما يفعل الرجل لا فرق بينها وبينه.
باب الحجر على البالغين (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحجز على البالغين في آيتين من كتاب الله عزوجل وهما قول الله تبارك وتعالى " فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " (قال الشافعي) وإنما خاطب الله عزوجل بفرائضه البالغين من الرجال والنساء وجعل الاقرار له فكان موجودا في كتاب الله عز وجل أن أمر الله تعالى الذى عليه الحق أن يمل هو وأن إملاءه اقراره وهذا يدل على جواز الاقرار على من أقر به ولا يأمر والله أعلم أحدا أن يمل ليقر إلا البالغ وذلك أن إقرار غير البالغ وصمته وإنكاره سواء عند أهل العلم فيما حفظت عنهم ولا أعلمهم اختلفوا فيه.
ثم قال في المرء الذى عليه الحق أن يمل " فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليمل وليه بالعدل " وأثبت الولاية على السفيه والضعيف والذى لا يستطيع أن يمل هو وأمر وليه بالاملاء عليه لانه أقامه فيما لا غناء به عنه من ماله مقامه (قال الشافعي) قد قيل والذى لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله وهو
أشبه معانيه والله أعلم.
والآية الاخرى قول الله تبارك وتعالى " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فأمر عزوجل أن يدفع إليهم أموالهم إذا جمعوا بلوغا ورشدا قال وإذا أمر بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمرين كان في ذلك دلالة على أنهم إن كان فيهم أحد الامرين دون الآخر لم يدفع إليهم أموالهم وإذا لم يدفع إليهم فذلك الحجر عليهم كما كانوا لو أونس منهم رشد قبل البلوغ لم يدفع إليهم أموالهم فكذلك لو بلغوا ولم يؤنس منهم رشد لم تدفع إليهم أموالهم ويثبت عليهم الحجر كما كان قبل قبل البلوغ وهكذا قلنا نحن وهم في كل أمر يكمل بأمرين أو أمور فإذا نقص واحد لم يقبل فزعمنا أن شرط الله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " عدلان حران مسلمان فلو كان الرجلان حرين مسلمين غير عدلين أو عدلين غير حرين أو عدلين حرين غير مسلمين لم تجز شهادتهما حتى يستكملان الثلاث (قال الشافعي) وإن التنزيل في الحجر بين والله أعلم مكتفى به عن تفسيره وإن القياس ليدل على الحجر أرأيت إذا كان معقولا أن من لم يبلغ ممن قارب البلوغ وعقل محجورا عليه فكان بعد البلوغ أشد تقصيرا في عقله وأكثر افسادا لماله ألا يحجر عليه والمعنى الذى أمر بالحجر عليه له فيه، ولو أونس منه رشد فدفع إليه ماله ثم علم منه غير الرشد أعيد عليه الحجر لان حاله انتقلت إلى الحال التى ينبغى أن يحجر عليه فيها كما يؤنس منه العدل فتجوز شهادته ثم تتغير فترد ثم إن تغير فأونس منه عدل أجيزت وكذلك إن أونس منه إصلاح بعد إفساد أعطى ماله والنساء والرجال في هذا سواء ]
__________
(1) هذه الترجمة نقلها هنا السراج البلقينى من تراجم المواريث التى جرت عليها نسخ الربيع.
كتبه مصححه.(3/223)
[ لان اسم اليتامى يجمعهم واسم الابتلاء يجمعهم وأن الله تعالى لم يفرق بين النساء والرجال في أموالهم وإن خرج الرجل والمرأة من ان يكونا موليين جاز للمرأة في مالها ما جاز للرجل في ماله ذات زوج كانت أو غير ذات زوج سلطانها على مالها سلطان الرجل على ماله لا يفترقان (قال الشافعي) في قول الله عزوجل " وابتلوا اليتامى " إنما هو اختبروا اليتامى قال فيختبر الرجال النساء بقدر ما يمكن فيهم والرجل الملازم للسوق والمخالط للناس في الاخذ والاعطاء قبل البلوغ ومعه وبعده لا يغيب بعد البلوغ أن يعرف حاله بما مضى قبله ومعه وبعده فيعرف كيف هو في عقله في الاخذ والاعطاء وكيف هو في
دينه والرجل القليل المخالطة للناس يكون اختباره أبطأ من اختبار هذا الذى وصفت فإذا عرفه خاصته في مدة وإن كانت أطول من هذه المدة فعدلوه وحمدوا نظره لنفسه في الاخذ والاعطاء وشهدوا له أنه صالح في دينه حسن النظر لنفسه في ماله فقد صار هذان إلى الرشد في الدين والمعاش ويؤمر وليهما بدفع مالهما إليهما (قال الشافعي) وإذا اختبر النساء أهل العدل من أهلها ومن يعرف حالها بالصلاح في دينها وحسن النظر لنفسها في الاخذ والاعطاء صارت في حال الرجلين وإن كان ذلك منها أبطأ منه من الرجلين لقلة خلطتها بالعامة وهو من المخالطة من النساء الخارجة إلى الاسواق الممتهنة لنفسها أعجل منه من الصائنة لنفسها كما يكون من أحد الرجلين أبعد فإذا بلغت المرأة الرشد والرشد كما وصفت في الرجل أمر وليها بدفع مالها إليها (قال الشافعي) وقد رأيت من الحكام من أمر باختبار من لا يوثق بحاله تلك الثقة بأن يدفع إليه القليل من ماله فإن أصلح فيه دفع إليه ما بقى وإن أفسد فيه كان الفساد في القليل أيسر منه في الكل ورأينا هذا وجها من الاختبار حسنا والله أعلم وإذا دفع إلى المرأة مالها والرجل فسواء كانت المرأة بكرا أو متزوجة عند زوج أو ثيبا كما يكون الرجل سواء في حالاته وهى تملك من مالها ما يملك من ماله ويجوز لها في مالها ما يجوز له في ذلك عند زوج كانت أو غير زوج لا فرق في ذلك بينها وبينه في شئ مما يجوز لكل واحد منهما في ماله فكذلك حكم الله عزوجل فيها وفيه ودلالة السنة.
وإذا نكحت فصداقها مال من مالها تصنع به ما شاءت كما تصنع بما سواه من مالها.
باب الخلاف في الحجر (قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الحجر فقال لا يحجر على حر بالغ ولا على حرة بالغة وإن كانا سفيهين وقال لى بعض من يذب عن قوله من أهل العلم عند أصحابه أسألك من أين أخذت الحجر على الحرين وهما مالكان لاموالهما؟ فذكرت لهم ما ذكرت في كتابي أو معناه أو بعضه فقال فإنه يدخل عليك فيه شئ فقلت وما هو؟ قال أرأيت إذا أعتق المحجور عليه عبده؟ فقلت لا يجوز عتقه قال ولم؟ قلت كما يجوز للملوك ولا للمكاتب أن يعتقا قال لانه إتلاف لماله؟ قلت نعم قال أفليس الطلاق والعتاق لعبهما وجدهما واحد؟ قلت ممن ذلك له وكذلك لو باع رجل فقالت لعبت أو أقر لرجل بحق فقال لعبت لزمه البيع والاقرار وقيل له لعبك لنفسك وعليها قال أفيفترق العتق
والطلاق؟ قلت نعم عندنا وعندك قال وكيف وكلاهما إتلاف للمال؟ قلت له إن الطلاق وإن كان فيه إتلاف المال فإن الزوج مباح له بالنكاح شئ كان غير مباح له قبله ومجعول إليه تحريم ذلك المباح ليس تحريمه لمال يليه عليه غيره إنما هو تحريم يقول من قول أو فعل من فعله وكما كان مسلطا على الفرج دون غيره فكذلك كان مسلطا على تحريمه دون غيره ألا ترى أنه يموت فلا تورث عنه امرأته ويهبها ويبيعها ](3/224)
[ فلا تحل لغيره بهبته ولا بيعه ويورث عنه عبده ويباع عليه فيملكه غيره ويلى نفسه فيبيعه ويهبه فيملكه غيره فالعبد مال بكل حال والمرأة غير مال بحال إنما هي متعة لا مال مملوك ننفقه عليه ونمنع إتلافه ألا ترى أن العبد يؤذن له في النكاح والتجارة فيكون له الطلاق والامساك دون سيده ويكون إلى سيده أخذ ماله كله إذا لم يكن عليه دين لان المال ملك والفرج بالنكاح متعة لا ملك كالمال وقلت له تأولت القرآن في اليمين مع الشاهد فلم تصب عندنا تأويله فأبطلت فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدت القرآن يدل على الحجر على بالغين فتركته وقلت له أنت تقول في الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا وكان في القرآن تنزيل يحتمل خلاف قوله في الظاهر قلنا بقوله وقلنا هو أعلم بكتاب الله عزوجل ثم وجدنا صاحبكم يروى الحجر عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخالفهم ومعهم القرآن قال وأى صاحب؟ قلت أخبرنا محمد بن الحسن أو غيره من أهل الصدق في الحديث أو هما عن يعقوب بن إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه قال ابتاع عبد الله بن جعفر بيعا فقال على رضى الله عنه لآتين عثمان فلاحجرن عليك فأعلم بذلك ابن جعفر الزبير قال الزبير أنا شريكك في بيعك فأتى على عثمان فقال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان أحجر على رجل شريكه الزبير فعلى رضى الله عنه لا يطلب الحجر إلا وهو يراه والزبير لو كان الحجر باطلا قال لا يحجر على حر بالغ وكذلك عثمان بل كلهم يعرف الحجر في حديث صاحبك قال فإن صاحبنا أبا يوسف رجع إلى الحجر قلت ما زاده رجوعه إليه قوة ولا وهنه تركه إباه إن تركه وقد رجع إليه فالله أعلم كيف كان مذهبه فيه فقال وما أنكرت قلت زعمت أنه رجع إلى أن الحر إذا ولى ماله برشد يؤنس منه فاشترى وباع ثم تغيرت حاله بعد رشد أحدث عليه الحجر وكذلك قلنا ثم زعم أنه إذا أحدث عليه
الحجر أبطل كل بيع باعه قبله وشراء أفرأيت الشاهد يعدل فتجوز شهادته ثم تغير حاله أينقض الحكم بشهادته أو ينفذ ويكون متغيرا من يوم تغير؟ قال قد قال ذلك فأنكرناه عليه (قال الشافعي) فقال فهل خالف شيئا مما تقول في الحجر واليتامى من الرجال والنساء أحد من أصحابك؟ قلت أما أحد من متقدمي أصحابي فلم أحفظ عن واحد منهم خلافا لشئ مما قلت وقد بلغني عن بعضهم مثل ما قلت قال فهل أدركت أحدا من أهل ناحيتك يقول بخلاف قولك هذا؟ قلت قد روى لى عن بعض أهل العلم من ناحيتنا أنه خالف ما قلت وقلت وقال غيرنا في مال المرأة إذا تزوجت رجلا قال فقال فيه ماذا؟ قلت ما لا يضرك أن لا تسمعه ثم حكيت له شيئا كنت أحفظه وكان يحفظه فقال ما يشكل الخطأ في هذا على سامع يعقل (قال الشافعي) فزعم لى زاعم عن قائل هذا القول أن المرأة إذا نكحت رجلا بمائة دينار جبرت أن تشترى بها ما يتجهز به مثلها وكذلك لو نكحت بعشرة دراهم فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف ما اشترت (قال الشافعي) ويلزمه أن يقاسمها نورة وزرنيخا ونضوحا قال فإن قال قائل: فما يدخل على من قال هذا القول؟ قيل له يدخل عليه أكثر ما يدخل على أحد أو على غيره فإن قال ما هو؟ قيل له قال الله عزوجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " وما فرض ودفع مائة دينار فزعم قائل هذا القول أنه يرده بنصف متاع ليس فيه دنانير وهذا خلاف ما جعل الله تبارك وتعالى له فإن قال قائل إنما قلنا هذا لانا نرى أن واجبا عليها (قال الربيع) يعنى أن واجبا عليها أن تجهز بما أعطاها وكان عليه أن يرجع بنصف ما تجهزت به في قولهم وفى قول الشافعي لا يرجع إلا بنصف ما أعطاها دنانير كانت أو غيرها لانه لا يوجب عليها أن تجهز إلا أن تشاء وهو معنى قول الله تبارك وتعالى " فنصف ما فرضتم ".
](3/225)
[ الصلح (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أملى علينا الشافعي رحمه الله قال: أصل الصلح أنه بمنزلة البيع فما جاز في البيع جاز في الصلح وما لم يجز في البيع لم يجز في الصلح ثم يتشعب ويقع الصلح على ما يكون له ثمن من الجراح التى لها أرش وبين المرأة وزوجها التى لها عليه صداق وكل هذا يقوم مقام الاثمان ولا
يجوز الصلح عندي إلا على أمر معروف كما لا يجوز البيع إلا على أمر معروف وقد روى عن عمر رضى الله عنه " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " ومن الحرام الذى يقع في الصلح أن يقع عندي على المجهول الذى لو كان بيعا كان حراما وإذا مات الرجل وورثته امرأة أو ولد أو كلالة فصالح بعض الورثة بعضا فإن وقع الصلح على معرفة من المصالح والمصالح بحقوقهم أو إقرار بمعرفتهم بحقوقهم وتقابض المتصالحان قبل أن يتفرقا فالصلح جائز وإن وقع على غيره معرفة منهما بمبلغ حقهما أو حق المصالح منهما لم يجز الصلح كما لا يجوز بيع ما امرئ لا يعرفه وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى في العبد أو غيره أو ادعى عليه جناية عمدا أو خطأ بما يجوز به البيع كان الصلح نقدا أو نسيئة وإذا كان الدعى عليه ينكر فالصلح باطل وهما على أصل حقهما ويرجع المدعى على دعواه والمعطى بما أعطى وسواء إذا أفسدت الصلح قال المدعى قد أبرأتك مما ادعيت عليك أو لم يقله من قبل أنه إنما أبرأه على أن يتم له ما أخذ منه وليس هذا بأكثر من أن يبيعه البيع الفاسد فإذا لم يتم له الفساد رجع كل واحد منهما على أصل ملكه كما كانا قبل أن يتبايعا فإذا أراد الرجلان الصلح وكره المدعى عليه الاقرار فلا بأس أن يقر رجل أجنبي على المدعى عليه بما ادعى عليه من جناية أو مال ثم يؤدى ذلك عنه صلحا فيكون صحيحا وليس للذى أعطى على الرجل أن يرجع على المصالح المدعى عليه ولا للمصالح المدعى أن يرجع على المدعى عليه لانه قد أخذ العوض من حقه إلا أن يعقدا صلحهما على فساد فيكونون كما كانوا في أول ما تداعوا قبل الصلح قال ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فأقر له بدعواه وصالحه من ذلك على إبل أو بقر أو غنم أو رقيق أو بز موصوف أو دنانير أو دراهم موصوفة أو طعام إلى أجل مسمى كان الصلح جائزا كما يجوز لو بيع ذلك إلى ذلك الاجل ولو ادعى عليه شقصا من دار فأقر له به ثم صالحه على أن أعطاه بذلك بيتا معروفا من الدار ملكا له أو سكنى له عدد سنين فذلك جائز كما يجوز لو اقتسماه أو تكارى شقصا له في دار ولكنه لو قال أصالحك على سكنى هذا المسكن ولم يسم وقتا كان الصلح فاسدا من قبل أن هذا لا يجوز كما لو ابتدأه حتى يكون إلى أجل معلوم وهكذا لو صالحه على أن يكريه هذه الارض سنين يزرعها أو على شقص من دار أخرى سمى ذلك وعرف جاز كما يجوز في البيع والكراء وإذا لم يسمه لم يجز كما لا يجوز في البيوع والكراء (قال الشافعي)
ولو أن رجلا أشرع ظلة أو جناحا على طريق نافذة فخاصمه رجل ليمنعه منه فصالحه على شئ على أن يدعه كان الصلح باطلا لانه أخذ منه على ما لا يملك ونظر فإن كان إشراعه غير مضر خلى بينه وبينه وإن كان مضرا منعه وكذلك لو أراد إشراعه على طريق لرجل خاصة ليس بنافذ أو لقوم فصالحه أو صالحوه على شئ أخذوه منه على أن يدعوه يشرعه كان الصلح في هذا باطلا من قبل أنه إنما أشرع في جدار نفسه وعلى هواء لا يملك ما تحته ولا ما فوقه فإن أراد أن يثبت خشبة ويصح بينه وبينهم الشرط فليجعل ذلك في خشب يحمله على جدرانهم وجداره فيكون ذلك شراء محمل الخشب ويكون الخشب بأعيانه موصوفا أو موصوف الموضع أو يعطيهم شيئا على ان يقروا له بخشب يشرعه ويشهدون ](3/226)
[ على أنفسهم أنهم أقروا له بمحمل هذا الخشب ومبلغ شروعه بحق عرفوه له فلا يكون لهم بعده أن ينزعوه قال وإن ادعى رجل حقا في دار أو أرض فأقر له المدعى عليه وصالحه من دعواه على خدمة عبد أو ركوب دابة أو زراعة أرض أو سكنى دار أو شئ مما يكون فيه الاجارات ثم مات المدعى والمدعى عليه أو أحدهما فالصلح جائز ولورثة المدعى السكنى والركوب والزراعة والخدمة وما صالحهم عليه المصالح (قال الشافعي) ولو كان الذى تلف الدابة التى صالح على ركوبها أو المسكن الذى صالح على سكنه أو الارض التى صولح على زراعتها فإن كان ذلك قبل أن يأخذ منه المصالح شيئا فهو على حقه في الدار وقد انتقضت الاجارة وإن كان بعد ما أخذ منه شيئا تم من الصلح بقدر ما أخذ إن كان نصفا أو ثلثا أو ربعا وانتقض من الصلح بقدر ما بقى يرجع به في أصل السكن الذى صولح عليه قال وهكذا لو صالحه على عبد بعينه أو ثوب بعينه أو دار بعينها فلم يقبضه حتى هلك انتقض الصلح ورجع على أصل ما أقر له به ولو كان صالحه على عبد بصفة أو غير صفة أو ثوب بصفة أو دنانير أو دراهم أو كيل أو وزن بصفة تم الصلح بينهما وكان عليه مثل الصفة التى صالحه عليها ولو صالحه على ربع أرض مشاع من دار معلومة جاز ولو صالحه على أذرع من دار مسماة وهو يعرف أذرع الدار ويعرفه المصالح جاز وهذا كجزء من أجزاء وإن كان صالحه على أذرع وهو لا يعرف الذرع كله لم يجز من قبل أنه لا يدرى كم قدر الذرع فيها ثلثا أو ربعا أو أكثر أو أقل ولو صالحه على طعام جزاف أو دراهم جزاف أو عبد
فجائز فإن استحق ذلك قبل القبض أو بعده بطل الصلح وإن هلك قبل القبض بطل الصلح ولو كان صالحه على عبد بعينه ولم يرد العبد فله خيار الرؤية فإن اختار أخذه جاز الصلح وإن اختار رده رد الصلح (قال الربيع) (قال الشافعي) بعد لا يجوز شراء عبد بعينه ولا غيره إلى أجل ويكون له خيار رؤيته من قبل أن البيع لا يعدو بيع عين يراها المشترى والبائع عند تبايعهما وبيع صفة مضمون إلى أجل معلوم يكون على صاحبها أن يأتي بها من جميع الارض وهذا العبد الذى بعينه إلى أجل إن تلف بطل البيع فهذا مرة يتم فيه البيع ومرة يبطل فيه البيع والبيع لا يجوز إلا أن يتم في كل حال (قال الشافعي) وهكذا كل ما صالحه عليه بعينه مما كان غائبا فله فيه خيار الرؤية (قال الربيع) رجع الشافعي عن خيار رؤية شئ بعينه (قال الشافعي) ولو قبضه فهلك في يديه وبه عيب رجع بقيمة العيب ولو لم يجد عيبا ولكنه استحق نصفه أو سهم من ألف سهم منه كان لقابض العبد الخيار في أن يجيز من الصلح بقدر ما في يديه من العبد ويرجع بقدر ما استحق منه أو ينقض الصلح كله (قال الربيع) الذى يذهب إليه الشافعي أنه إذا بيع الشئ فاستحق بعضه بطل البيع كله لان الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل كله والصلح مثله (قال الشافعي) ولو ادعى رجل حقا في دار فأقر له رجل أجنبي على المدعى عليه وصالحه على عبد بعينه فهو جائز وإن وجد بالعبد عيبا فرده أو استحق لم يكن له على الأجنبي شئ ورجع على دعواه في الدار وهكذا لو صالحه على عرض من العروض ولو كان الأجنبي صالحه على دنانير أو دراهم أو عرض بصفة أو عبد بصفة فدفعه إليه ثم استحق كان له أن يرجع عليه بمثل تلك الدنانير والدراهم وذلك العرض بتلك الصفة ولو كان الأجنبي إنما صالحه على دنانير بأعيانها فهى مثل العبد بعينه يعطيه إياها وإن استحقت أو وجد عيبا فردها لم يكن له على الأجنبي تباعة وكان له أن يرجع على أصل دعواه والاجنبى إذا كان صالح بغير إذن المدعى عليه فتطوع بما أعطى عنه فليس له أن يرجع به على صاحبه المدعى عليه وإنما يكون له أن يرجع به إذا أمره أن يصالح عنه قال ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فصالحه على بيت معروف سنين معلومة يسكنه كان جائزا أو على سطح ](3/227)
[ معروف يبيت عليه كان جائزا فإن انهدم البيت أو السطح قبل السكنى رجع على أصل حقه وإن انهدم
بعد السكنى تم من الصلح بقدر ما سكن وبات وانتقض منه بقدر ما بقى ولو ادعى رجل حقا في دار وهى في يد رجل عارية أو وديعة أو كراء تصادقا على ذلك أو قامت به بينة فلا خصومة بينه وبين من الدار في يديه ومن لم ير أن يقضى على الغائب لم يقبل منه فيها بينة وأمره إن خاف على بينته الموت أن يشهد على شهادتهم ولو أن الذى في يديه أقر له بدعواه لم يقض له بإقراره لانه أقر له فيما لا يملك ولو صالحه على شئ من دعواه فالصلح جائز والمصالح متطوع والجواب فيه كالجواب في المسائل قبلها من الأجنبي يصالح عن الدعوى ولو ادعى رجل على رجل شيئا لم يسمه فصالحه منه على شئ لم يجز الصلح وكذلك لا يجوز لو ادعى في شئ بعينه حتى يقر فإذا أقر جاز ولو أقر في دعواه التى أجملها فقال: أنت صادق فيما ادعيت على فصالحه منه على شئ كان جائزا كما يجوز لو تصادقا على شراء لا يعلم إلا بقولهما وإن لم يسم الشراء فقال هذا ما اشتريت منك مما عرفت وعرفت فلا تباعة لى قبلك بعد هذا في شئ مما اشتريت منك ولو كانت الدار في يدى رجلين فتداعيا كلها فاصطلحا على أن لاحدهما الثلث وللآخر الثلثين أو بيتا من الدار وللآخر ما بقى فإن كان هذا بعد إقرارهما فجائز وإن كان على الجحد فلا يجوز وهما على أصل دعواهما ولو ادعى رجل على رجل دعوى فصالحه منها على شئ بعد ما أقر له بدعواه غير أن ذلك غير معلوم ببينة تقوم عليه فقال المصالح للذى ادعى عليه: صالحتك من هذه الارض وقال الآخر بل صالحتك من ثوب فالقول قوله مع يمينه ويكون خصما له في هذه الارض (قال أبو محمد) أصل قول الشافعي أنهما إذا اختلفا في الصلح تحالفا وكانا على أصل خصومتهما مثل البيع سواء إذا اختلفا تحالفا ولم يكن بينهما بيع بعد الايمان (قال الشافعي) ولو كانت دار بين ورثة فادعى رجل فيها دعوى وبعضهم غائب أو حاضر فأقر له أحدهم ثم صالحه على شئ بعينه دنانير أو دراهم مضمونة فالصلح جائز وهذا الوارث المصالح متطوع ولا يرجع على إخوته بشئ مما أدى عنهم لانه أدى عنهم بغير أمرهم إذا كانوا منكرين لدعواه ولو صالحه على أن حقه له دون إخوته فإنما اشترى منه حقه دون إخوته وإن أنكر إخوته كان لهم خصما فإن قدر على أخذ حقه كان له وكانت لهم الشفعة معه بقدر حقوقهم وإن لم يقدر على رجع عليه بالصلح فأخذه منه وكان للآخر فيما أقر له به نصيبه من حقه (قال الشافعي) ولو أن دارا في يدى رجلين ورثاها فادعى رجل فيها حقا فأنكر أحدهما وأقر الآخر
وصالحه على حقه منها خاصة دون حق أخيه فالصلح جائز وإن أراد أخوه أن يأخذ بالشفعة مما صالح عليه فله ذلك ولو أن رجلين ادعيا دارا في يدى رجل وقالا هي ميراث لنا عن أبينا وأنكر ذلك الرجل ثم صالح أحدهما من دعواه على شئ فالصلح باطل قال: ولو أقر لاحدهما فصالحه من ذلك الذى أقر له به على شئ كان لاخيه أن يدخل معه فيما أقر له بالنصف لانهما نسبا ذلك إلى أنه بينهما نصفين ولو كانت المسألة بحالها فادعى كل واحد منهما عليه نصف الارض التى في يديه فأقر لاحدهما بالنصف وجحد الآخر كان النصف الذى أقر به له دون المجحود وكان المجحود على خصومته ولو صالحه منه على شئ كان ذلك له دون صاحبه ولو أقر لاحدهما بجميع الارض وإنما كان يدعى نصفها فإن كان لم يقر للآخر بأن له النصف فله الكل لا يرجع به عليه الآخر وإن كان في أصل دعواه أنه زعم أن له النصف ولهذا كان له أن يرجع عليه بالنصف قال ولو ادعى رجلان على رجل دارا ميراثا فأقر لهما بذلك وصالح أحدهما من دعواه على شئ فليس لاخيه أن يشركه فيما صالحه عليه وله أن يأخذ بالشفعة ولو ادعى رجل على رجل دارا فأقر له بها وصالحه بعد الاقرار على أن يسكنها الذى في يديه فهى عارية إن شاء ](3/228)
[ أتمها وإن شاء لم يتمها وإن كان لم يقر له الاعلى أن يسكنها فالصلح باطل وهما على أصل خصومتها ولو أن رجلا اشترى دارا فبناها مسجدا ثم جاء رجل فادعاها فأقر له بأنى المسجد بما ادعى فإن كان فضل من الدار فضل فهو له وإن كان لم يتصدق بالمسجد فهو له ويرجع عليه بقيمة ما هدم من داره ولو صالحه من ذلك على صلح فهو جائز قال وإن أنكر المدعى عليه فأقر الذين المسجد والدار بين أظهرهم وصالحوه كان الصلح جائزا وإذا باع رجل من رجل دارا ثم ادعى فيها رجل شيئا فأقر البائع له وصالحه فالصلح جائز وهكذا لو غصب رجل من رجل دارا فباعها أو لم يبعها وادعى فيها رجل آخر دعوى فصالحه بعد الاقرار من دعواه على شئ كان الصلح جائزا وكذلك لو كانت في يده عارية أو وديعة وإذا ادعى رجل دارا في يدى رجل فأقر له بها ثم جحده ثم صالحه فالصلح جائز ولا يضره الجحد لانها ثبتت له بالاقرار الاول إذا تصادقا أو قامت بينة بالاقرار الاول فإن أنكر المصالح الآخذ لثمن الدار أن يكون أقر له بالدار وقال إنما صالحته على الحجد فالقول قوله مع يمينه والصلح مردود وهما على
خصومتهما ولو صالح رجل من دعوى أقر له بها على خدمة عبد سنة فقتل خطأ انتقض الصلح ولم يكن على المصالح أن يشترى له عبدا غيره يخدمه ولا على رب العبد أن يشترى له عبدا غيره يخدمه قال وهكذا لو كان له سكنى بيت فهدمه إنسان أو انهدم ولو كان الصلح على خدمة عبد بعينه سنة فباعه المولى كان للمشترى الخيار إن شاء أن يجيز البيع ويكون لهذا الملك ولهذا الخدمة فعل وإن شاء أن يرد البيع رده وبه نأخذ وفيه قول ثان أن البيع منتقض لانه محول بينه وبينه ولو كانت المسألة بحالها فأعتقه السيد كان العتق جائزا وكانت الخدمة عليه إلى منتهى السنة يرجع بها على السيد لان الاجارة بيع من البيوع عندنا لا ننقضه ما دام المستأجر سالما قال ولصاحب الخدمة أن يخدمه غيره ويؤاجره غيره في مثل عمله وليس له أن يخرجه من المصر إلا بإذن سيده ولو ادعى رجل في دار دعوى فأقر بها المدعى عليه وصالحه منها على عبد قيمته مائة درهم ومائة درهم والعبد بعينه فلم يقبض المصالح العبد حتى جنى على حر أو عبد فسواء ذلك كله وللمصالح الخيار في أن يقبض العبد ثم يفديه أو يسلمه فيباع أو يرده على سيده وينقض الصلح وليس له أن يجيز من الصلح بقدر المائة ولو كان قبضه ثم جنى في يديه كان الصلح جائزا وكان كعبد اشتراه ثم جنى في يديه قال: ولو كان وجد بالعبد عيبا لم يكن أن يرده ويحبس المائة لانها صفقة واحدة لا يكون له أن يردها إلا معا ولا يجيزها إلا معا إلا أن يشاء ذلك المردود عليه ولو كان استحق كان له الخيار في أن يأخذ المائة بنصف الصلح ويرد نصفه لان الصفقة وقعت على شيئين أحدهما ليس للبائع وليس للمشترى إمساكه وله في العيب إمساكه إن شاء (قال الربيع) أصل قوله إنه إذا استحق بعض المصالح به أو البيع به بطل الصلح والبيع جميعا لان الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل ذلك كله (قال الشافعي) ولو كان الاستحقاق في العيب في الدراهم وإنما باعه بالدراهم بأعيانها كان كهو في العبد ولو باعه بدراهم مسماة رجع بدراهم مثلها ولو كان الصلح بعبد وزاده الآخذ للعبد ثوبا فاستحق العبد انتقض الصلح وكان على دعواه وأخذ ثوبه الذى زاده الذى في يديه الدار إن وجده قائما أو قيمته إن وجد مستهلكا ولو كانت المسألة بحالها وتقابضا وجرح العبد جرحا لم يكن له أن ينقض الصلح وهذا مثل رجل اشترى عبدا ثم جرح عنده، قال ولو كانت المسألة بحالها في العبد والثوب فوجد بالثوب عيبا فله الخيار بين أن يمسكه أو يرده
وينتقض الصلح لا يكون له أن يرد بعض الصفقة دون بعض ولو استحق العبد انتقض الصلح إلا أن يشاء أن يأخذ ما مع العبد ولا يرجع بقيمة العبد (قال الربيع) إذا استحق العبد بطل الصلح في معنى ](3/229)
[ قول الشافعي في غير هذا الموضع (قال الشافعي) ولو كان الصلح عبدا ومائة درهم وزاده المدعى عليه عبدا أو غيره ثم خرج العبد الذى قبض أيهما كان حرا بطل الصلح وكان كرجل اشترى عبدا فخرج حرا ولو كان العبد الذى استحق الذى أعطاه المدعى أو المدعى عليه قيل للذى استحق في يديه العبد: لك نقض الصلح إلا أن ترضى بترك نقضه وقبول ما صار في يديك مع العبد فلا تكره على نقضه وهكذا جميع ما استحق مما صالح عليه ولو كان هذا سلما فاستحق العبد المسلم في الشئ الموصوف إلى الاجل المعلوم بطل السلم (قال الشافعي) ولو كان المسلم عبدين بقيمة واحدة فاستحق أحدهما كان للمسلم إليه الخيار في نقض السلم ورد العبد الباقي في يديه أو إنفاذ البيع ويكون عليه نصف البيع الذى في العبد نصفه إلى أجله (قال الربيع) يبطل هذا كله وينفسخ (قال الشافعي) وإذا كانت الدار في يدى رجلين كل واحد منهما في منزل على حدة فتداعيا العرصة فالعرصة بينهما نصفين لانها في أيديهما معا وإن أحب كل واحد منهما أحلفنا له صاحبه على دعواه فإذا حلفا فهى بينهما نصفين ولو لم يحلفا واصطلحا على شئ أخذه أحدهما من الآخر بإقرار منه بحقه جاز الصلح وهكذا لو كانت الدار منزلا أو منازل، السفل في يد أحدهما يدعيه والعلو في يد الآخر يدعيه فتداعيا عرصة الدار كانت بينهما نصفين كما وصفت وإذا كان الجدار بين دارين أحدهما لرجل والاخرى لآخر وبينهما جدار ليس بمتصل ببناء واحد منهما اتصال البنيان إنما هو ملصق أو متصل ببناء كل واحد منهما فتداعياه ولا بينة لهما تحالفا وكان بينهما نصفين ولا أنظر في ذلك إلى من إليه الخوارج ولا الدواخل ولا أنصاف اللبن ولا معاقد القمط لانه ليس في شئ من ذلك دلالة ولو كانت المسألة بحالها ولاحدهما فيها جذوع ولا شئ للآخر فيها عليه أحلفتهما وأقررت الجذوع بحالها وجعلت الجدار بينهما نصفين لان الرجل قد يرتفق بجدار الرجل بالجذوع بأمره وغير أمره ولو كان هذا الحائط متصلا ببناء أحدهما اتصال البنيان الذى لا يحدث مثله إلا من أول البنيان ومنقطعا من بناء الآخر جعلته للذى هو متصل ببنائه دون الذى هو منقطع من
بنائه ولو كان متصلا اتصالا يحدث مثله بعد كمال الجدار يخرج منه لبنة ويدخل أخرى أطول منها أحلفتهما وجعلته بينهما نصفين وإن تداعيا في هذا الجدار ثم اصطلحا منه على شئ بتصادق منهما على دعواهما أجزت الصلح وإذا قضيت بالجدار بينهما لم أجعل لواحد منهما ان يفتح فيه كوة ولا يبنى عليه بناء إلا بإذن صاحبه ودعوتهما إلى أن نقسمه بينهما إن شاءا فإن كان عرضه ذراعا أعطيت كل واحد منهما شبرا في طول الجدار ثم قلت له إن شئت أن تزيده من عرض دارك أو بيتك شبرا آخر ليكون لك جدارا خالصا فذلك لك وإن شئت تقره بحاله ولا تقاسم منه فأقرره وإذا كان الجدار بين رجلين فهدماه ثم اصطلحا على أن يكون لاحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه على أن يحمل كل واحد منهما ما شاء عليه إذا بناه فالصلح فيه باطل وإن شاءا قسمت بينهما أرضه وكذلك إن شاء أحدهما دون الآخر وإن شاءا تركاه فإذا بنياه لم يجز لواحد منهما أن يفتح فيه بابا ولا كوة إلا بإذن صاحبه (قال الشافعي) وإذا كان البيت في يد رجل فادعاه آخر واصطلحا على أن يكون لاحدهما سطحه ولا بناء عليه والسفل للآخر فأصل ما أذهب إليه من الصلح أن لا يجوز إلا على الاقرار فإن تقارا أجزت هذا بينهما وجعلت لهذا علوه ولهذا سفله وأجزت فيما أقر له به الآخر ما شاء إذا أقر أن له أن يبنى عليه ولا نجيزه إذا بنى (1) وسواء كان عليه علو لم أجزه إلا على إقراره ولو أن رجلا باع علو بيت لا بناء عليه على أن للمشترى أن ]
__________
(1) قوله: ولا نجيزه إذا بنى وسواء كذا بالاصول التى عندنا، وتأمل.
مصححه.(3/230)
[ يبنى على جداره ويسكن على سطحه وسمى منتهى البناء أجزت ذلك كما أجيز أن يبيع أرضا لا بناء فيها ولا فرق بينهما إلا في خصلة أن من باع دارا لا بناء فيها فللمشترى أن يبنى ما شاء ومن باع سطحا بأرضه أو أرضا ورؤوس جدران احتجت إلى أن أعلم كم مبلغ البناء لان من البناء ما لا تحمله الجدران قال ولو كانت دار في يدى رجل في سفلها درج إلى علوها فتداعى صاحبا السفل والعلو الدرج والدرج بطريق صاحب العلو فهى لصاحب العلو دون صاحب السفل بعد الايمان وسواء كانت الدرج معقودة أو غير معقودة لان الدرج إنما تتخذ ممرا وإن ارتفق بما تحتها ولو كان الناس يتخذون الدرج للمرتفق ويجعلون ظهورها مدرجة لا بطريق من الطرق جعلت الدرج بين صاحب السفل والعلو لان
فيها منفعتين إحداهما بيد صاحب السفل والاخرى بيد صاحب العلو بعدما أحلفهما وإذا كان البيت السفل في يد رجل والعلو في يد آخر فتداعيا سقفه فالسقف بينهما لانه في يد كل واحد منهما هو سقف للسفل مانع له وسطح للعلو أرضه له فهو بينهما نصفين بعد أن لا تكون بينة وبعد أن يتحالفا عليه وإذا اصطلحا على أن ينقض العلو والسفل لعلة فيهما أو في أحدهما أو غير علة فذلك لهما ويعيدان معا البناء كما كان ويؤخذ صاحب السفل بالبناء إذا كان هدمه على أن يبنيه أو هدمه بغير علة وإن سقط البيت لم يجبر صاحب السفل على البناء وإن تطوع صاحب العلو بأن يبنى السفل كما كان ويبنى علوه كما كان فذلك له وليس له أن يمنع صاحب السفل من سكنه ونقض الجدران له متى شاء أن يهدمها ومتى جاءه صاحب السفل بقيمة بنائه كان له أن يأخذه منه ويصير البناء لصاحب السفل إلا أن يختار الذى بنى أن يهدم بناءه فيكون ذلك له وأصلح لصاحب العلو أن يبنيه بقضاء قاض وإن تصادقا على أن صاحب السفل امتنع من بنائه وبناه صاحب العلو بغير قضاء قاض فجائز كهو بقضاء قاض وإذا كانت لرجل نخلة أو شجرة فاستعلت حتى انتشرت اغصانها على دار رجل فعلى صاحب النخلة والشجرة قطع ما شرع في دار الرجل منها إلا أن يشاء رب الدار تركه فإن شاء تركه فذلك له وإن اراد تركه على شئ يأخذه منه فليس بجائز من قبل أن ذلك إن كان كراء أو شراء فإنما هو كراء هواء لا أرض له ولا قرار ولا بأس بتركه على وجه المعروف وإذا تداعى رجلان في عينين أو بئرين أو نهرين أو غيلين دعوى فاصطلحا على أن أبرأ كل واحد منهما صاحبه من دعواه في إحدى العينين أو البئرين أو النهرين أو ما سيمنا على أن لهذا هذه العين تامة ولهذا هذه العين تامة فإن كان بعد إقرار منهما فالصلح جائز كما يجوز شراء بعض عين بشراء عين وإذا كان النهر بين قوم فاصطلحوا على إصلاحه ببناء أو كبس أو غير ذلك على أن تكون النفقة بينهم سواء فذلك جائز فإن دعا بعضهم إلى عمله وامتنع بعضهم لم يجبر الممتنع على العمل إذا لم يكن فيه ضرر وكذلك لو كان فيه ضرر لم يجبر والله أعلم ويقال لهؤلاء إن شئتم فتطوعوا بالعمارة ويأخذ هذا ماءه معكم ومتى شئتم أن تهدموا العمارة هدمتموها وأنتم مالكون للعمارة دونه حتى يعطيكم ما يلزمه في العمارة ويملكها معكم وهكذا العين والبئر، وإذا ادعى رجل عود خشبة أو ميزاب أو غير ذلك في جدار رجل فصالحه الرجل من دعواه على شئ جاز إذا أقر له به ولو ادعى
رجل زرعا في أرض رجل فصالحه من ذلك على دراهم مسماة فذلك جائز لان له أن يبيع زرعه أخضر ممن يقصله ولو كان الزرع لرجلين فادعى رجل فيه دعوى فصالحه أحدهما على نصف الزرع لم يجز من قبل أنه لا يجوز أن يقسم الزرع أخضر ولا يجيز هذا على أن يقطع منه شيئا حتى يرضى وإذا ادعى رجل على رجل دعوى في دار فصولح منها على دار أو بعد أو غيره فله فيها خيار الرؤية كما يكون في البيع فإن أقر أن قد رآه قبل الصلح فلا خيار له إلا أن يتغير عن حاله التى رآه عليها قال وإذا ادعى ](3/231)
[ رجل على رجل دراهم فأقر له بها ثم صالحه على دنانير فإن تقابضا قبل أن يتفرقا جاز وإن تفرقا قبل أن يتقابضا كانت له عليه الدراهم ولم يجز الصلح ولو قبض بعضا وبقى بعض جاز الصلح فيما قبض وانتقض فيما لم يقبض إذا رضى ذلك المصالح الآخذ منه الدنانير (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لا يجوز شئ من الصلح لانه صالحه من دنانير على دراهم يأخذها فكان هذا مثل الصرف لو بقى منه درهم انتقض الصرف كله وهو معنى قول الشافعي في غير هذا الموضع وإذا ادعى رجل شقصا في دار فأقر له به المدعى عليه وصالحه منه على عبد بعينه أو ثياب بأعيانها أو موصوفة إلى أجل مسمى فذلك جائز وليس له أن يبيع ما صالحه من ذلك قبل أن يقبضه كما لا يكون له أن يبيع ما اشترى قبل أن يقبضه والصلح بيع ما جاز فيه جاز في البيع وما رد فيه في البيع وسواء موصوف أو بعينه لا يبيعه حتى يقبضه وهكذا كل ما صالح عليه من كيل أو عين موصوف ليس له أن يبيعه منه ولا من غيره حتى يقبضه لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إذا ابتيع حتى يقبض وكل شئ ابتيع عندنا بمنزلته وذلك أنه مضمون من مال البائع فلا يبيع ما ضمانه من ملك غيره وإذا ادعى رجل على رجل دعوى فأقر له بها فصالحه على عبدين بأعيانهما فقبض أحدهما ومات الآخر قبل القبض فالمصالح بالخيار في رد العبد ويرجع على حقه من الدار أو إجازة الصلح بحصة العبد المقبوض ويكون له نصيبه من الدار بقدر حصة العبد الميت قبل أن يقبضه ولو كان الصلح على عبد فمات بطل الصلح وكان على حقه من الدار ولو لم يمت ولكن رجل جنى عليه فقتله خير بين أن يجيز الصلح ويتبع الجاني أو يرد الصلح ويتبعه رب العبد البائع له وهكذا لو قتله عبد أو حر ولو كان الصلح على خدمة عبد سنة فقتل
العبد فأخذ مالكه قيمته فلا يجبر المصالح ولا رب العبد على أن يعطيه عبدا مكانه فإن كان استخدمه شيئا جاز من الصلح بقدر ما استخدمه وبطل من الصلح بقدر ما بطل من الخدمة ولو لم يمت العبد ولكنه جرح جرحا فاختار سيده أن يدعه يباع كان كالموت والاستحقاق، ولو ادعى رجل على رجل شيئا فأقر له به فصالحه المقر على مسيل ماء فإن سمى له عرض الارض التي يسل عليها الماء وطولها ومنتهاها فجائز إذا كان يملك الارض لم يجز إلا بأن يقول يسيل الماء في كذا وكذا لوقت معلوم كما لا يجوز الكراء إلا إلى وقت معلوم وإن لم يسم إلا مسيلا لم يجز ولو صالحه على أن يسقى أرضا له من نهر أو عين وقتا من الاوقات لم يجز ولكنه يجوز له لو صالحه بثلث العين أو ربعها وكان يملك تلك العين وهكذا لو صالحه على أن يسقى ماشية له شهرا من مائه لم يجز وإذا كانت الدار لرجلين لاحدهما منها أقل مما للآخر فدعا صاحب النصيب الكثير إلى القسم وكرهه صاحب النصيب القليل لانه لا يبقى له منه ما ينتفع به أجبرته على القسم وهكذا لو كانت بين عدد فكان أحدهم ينتفع والآخرون لا ينتفعون أجبرتهم على القسم للذى دعا إلى القسم وجمعت للآخرين نصيبهم إن شاءوا، وإذا كان الضرر عليهم جميعا إنما يقسم إذا كان أحدهم يصير إلى منفعة وإن قلت (1).
]
__________
(1) وفي باب الدعوى من اختلاف العراقيين (قال الشافعي) وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل الرجل في دار أو دين أو غير ذلك فأنكر ذلك المدعى قبله الدعوى ثم صالحه من الدعوى وهو منكر لذلك فإن أبا حنيفة كان يقول في هذا جائز وبه يأخذ.
وكان ابن أبى ليلى لا يحيز الصلح على الانكار وقال أبو حنيفة كيف لا يجوز هذا وأجوز ما يكون الصلح على الانكار إذا وقع الاقرار لم =(3/232)
[ الحوالة (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي إملاء قال والقول عندنا والله تعالى أعلم ما قال مالك بن أنس: إن الرجل إذا أحال الرجل على الرجل بحق له ثم أفلس المحال عليه أو مات لم يرجع المحال على المحيل أبدا فإن قال قائل ما الحجة فيه؟ قال مالك بن أنس أخبرنا عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مطل الغنى ظلم وإذا أتبع أحدكم على
ملئ فليتبع " فإن قال قائل وما في هذا مما يدل على تقوية قولك؟ قيل أرأيت لو كان المحال يرجع على المحيل كما قال محمد بن الحسن إذا أفلس المحال عليه في الحياة أو مات مفلسا هل (1) يصير المحال على من أحيل؟ أرأيت لو أحيل على مفلس وكان حقه نائبا عن المحيل هل كان يزداد بذلك إلا خيرا، إن أيسر المفلس وإلا فحقه حيث كان ولا يجوز إلا أن يكون في هذا أما قولنا إذا برئت من حقك وضمنه غيرى فالبراءة لا ترجع إلى أن تكون مضمونة وإما لا تكون الحوالة جائزة فكيف يجوز أن أكون بريئا من دينك إذا أحلتك لو حلفت وحلفت مالك على حق بررنا فإن أفلس عدت على بشئ بعد برئت منه بأمر قد رضيت به جائزا بين المسلمين واحتج محمد بن الحسن بأن عثمان قال في الحوالة والكفالة يرجع صاحبه لا توى على مال مسلم وهو في أصل قوله يبطل من وجهين ولو كان ثابتا عن عثمان لم يكن فيه حجة إنما شك فيه عن عثمان ولو ثبت ذلك عن عثمان احتمل حديث عثمان خلافه وإذا أحال الرجل على الرجل بالحق فأفلس المحال عليه أو مات ولا شئ له لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل، من قبل أن الحوالة تحول حق من موضعه إلى غيره وما تحول لم يعد والحوالة مخالفة للحمالة ما تحول عنه لم يعد إلا بتجديد عودته عليه ونأخذ المحتال عليه دون المحيل بكل حال (2).
]
__________
= يقع الصلح (قال الشافعي) وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه ثم صالح من دعواه على شئ وهو منكر فالقياس أن يكون الصلح باطلا من قبل أنا لا نجيز الصلح إلا بما تجوز به البيوع من الاثمان الحلال المعروفة وإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من أجاز الصلح على الانكار كان هذا عوضا والعوض كله ثمن ولا يصلح أن يكون العوض إلا ما تصادق عليه المعوض والمعوض إلا أن يكون معنا في هذا أثر يلزم مثله فيكون الاثر أولى من القياس ولست أعلم فيه أثرا يلزم مثله (قال الشافعي) وبه أقول وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب والمطلوب متغيب فإن أبا حنيفة كان يقول الصلح جائز وبه يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول: الصلح مردود لان المطلوب متغيب عن المطالب وهكذا لو أخر دينا عليه وهو متغيب كان قولهما جميعا على ما وصفت لك (قال الشافعي) وإذا صالح الرجل الرجل وهو غائب أو أنظره صاحب الحق وهو غائب فذلك كله جائز، ولا أبطل بالتغيب شيئا أجيزه في الحضور لان هذا ليس من معاني الاكراه الذي أرده.
(1) قوله: هل يصير المحال على من أحيل؟ كذا بالاصول التى بأيدينا، وحرر.
كتبه مصححه.
(2) وفى اختلاف العراقيين في باب الحوالة والكفالة والدين ولو كانت حوالة فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره، فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما تحول إلا بتجديد عودته عليه ونأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال.
وفي الترجمة المذكورة أيضا وإذا أفلس المحال عليه فإن أبا حنيفة كان يقول لا يرجع على الذى أحاله حتى يموت المحال عليه ولا يترك مالا =(3/233)
باب الضمان (1) (أخبرنا الربيع) (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا تحمل أو تكفل الرجل عن الرجل بالدين فمات الحميل قبل يحل الدين فللمتحمل (2) عليه أن ياخذه بما حمل له به فإذا قبض ماله برئ الذى عليه الدين والحميل ولم يكن لورثة الحميل أن يرجعوا على المحمول عنه بما دفعوا عنه حتى يحل الدين وهكذا لو مات الذى عليه الحق كان للذى له الحق أن يأخذه من ماله فإن عجز عنه لم يكن له أخذه حتى يحل الدين وقال في الحمالة.
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال إذا تحمل أو تكفل الرجل عن الرجل بدين فمات المحتمل قبل أن يحل الدين فللمحتمل عنه أن يأخذه بما حمل له به، فإذا قبض ماله برئ الذى عليه الدين والحميل ولم يكن لورثة الحميل أن يرجعوا على المحمول عنه بما دفعوا عنه حتى يحل الدين وهكذا لو مات الذى عليه الحق كان للذى له الحق أن يأخذه من ماله فإذا عجز عنه لم يكن له أن يأخذه حتى يحل الدين (قال الشافعي) وإذا كان للرجل على الرجل المال فكفل له به رجل آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفى ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإذا كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن، لم يكن ضامنا لشئ من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى ويشهد له ولا يشهد له، فلا يلزمه شئ مما شهد به بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم
يعرفه فهو من المخاطرة وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا أو لم يتركه فإذا كفل العبد المأذون له في التجارة فالكفالة باطلة لان الكفالة استهلاك مال لا كسب مال فإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يكفل فيغرم من ماله شيئا، قل أو كثر، أخبرنا ابن عيينة عن هرون بن رياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق قال حملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال " يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة " وذكر الحديث (قال الشافعي) ولو أقر لرجل أنه كفل له بمال على أنه بالخيار وأنكر المكفول له الخيار ولا بينة بينهما فمن جعل الاقرار واحدا أحلفه ما كفل له إلا على أنه بالخيار وأبرأه والكفالة لا تجوز بخيار ومن زعم أنه ببعض عليه إقراره فيلزمه ما يضره ألزمه الكفالة بعد أن يحلف المكفول له لقد جعل له كفالة بت لا خيار فيه والكفالة بالنفس على الخيار لا تجوز وإذا ]
__________
= وكان ابن أبى ليلى يقول: له أن يرجع إذا أفلس هذا وبه يأخذ يعنى أبا يوسف (قال الشافعي) الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع وذكر في الكفالة وإذا أحال الرجل على الرجل بالحق فأفلس المحتال عليه أو مات ولا شئ له لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل من قبل أن الحوالة تحول حق من موضعه إلى غيره وما تحول لم يعد والحوالة مخالفة للحمالة.
(1) هكذا ترجم السراج البلقينى، وقال ترجم عليه في الاصل الكفالة والحمالة اه.
(2) قوله: فللمتحمل عليه، هكذا في النسخ في هذا الموضع، وسأتى بعد أسطر " فللمحتمل عنه " والمسألة واحدة في الموضعين، فحرر الصواب من أصل صحيح.
كتبه مصححه.(3/234)
[ جازت بغير خيار فليس يلزم الكافل بالنفس مال إلا أن يسمى مالا كفل له ولا تلزم الكفالة بحد ولا قصاص ولا عقوبة لا تلزم الكفالة إلا بالاموال ولو كفل له بما لزم رجلا في جروح عمد فإن أراد القصاص فالكفالة باطلة وإن أراد أرش الجراح فهو له والكفالة لازمة لانها كفالة بمال وإذا اشترى رجل من رجل دارا فضمن له رجل عهدتها أو خلاصها فاستحقت الدار رجع المشترى بالثمن على الضامن إن شاء لانه ضمن له خلاصها والخلاص مال يسلم، وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا
بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرأ الاول فكلاهما كفيل بنفسه (1).
] (1) وفى اختلاف العراقيين في الكفالة والحمالة والدين وإذا كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة كان يقول للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذى أحاله لانه قد أبرأه وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول ليس له أن يأخذ الذى عليه الاصل فيهما جميعا لانه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع به على الذى عليه الاصل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل له به رجل آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفى ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة كان يقول هما كفيلان جميعا وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول قد برئ الكفيل الاول حين أخذ الكفيل الآخر (قال الشافعي) وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرأ الاول فكلاهما كفيل بنفسه وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة كان يقول هو ضامن له وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز عليه الضمان في ذلك لانه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل أضمن ما قضى له به القاضى عليه من شئ وما كان لك عليه من حق وما شهد لك به الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول (قال الشافعي) وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به القاضى على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا فأنا ضامن لم يكن ضامنا لشئ من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى، ويشهد له ولا يشهد له فلا يلزمه شئ مما شهد له فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزمه الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة كان يقول لا ضمان على الكفيل لان الدين قد توى وكان ابن أبى ليلى يقول الكفيل ضامن وبه يأخذ وقال أبو حنيفة إن ترك شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به (قال الشافعي) وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا أو لم يترك وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فإن أبا حنيفة كان يقول كفالته باطلة لانها معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول كفالته جائزة
لانها من التجارة (قال الشافعي) وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة لان الكفالة استهلاك مال لا كسب ما فإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل أو كثر (وذكر الشافعي) حمالة العبيد في تراجم الكتابة وسيأتى ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى والمراد به تحمل المكاتبين بعضهم من بعضهم.
وفى الدعوى والبينات: (قال الشافعي) وإذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس أو مال فجحد الآخر فإن على المدعى الكفالة البينة فإن لم يكن بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف لزمه ما ادعى عليه وإن نكل سقط عنه غير أن الكفالة بالنفس ضعيفة، وقال أبو حنيفة على مدعى الكفالة البينة فإن لم يكن بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف برئ وإن نكل لزمته الكفالة.
](3/235)
[ الشركة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال: شركة المفاوضة باطل ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون باطلا إن لم تكن المفاوضة باطلا إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان وإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذى اشتركا فيه من تجارة أو إجارة أو كنز أو هبة أو غير ذلك فهو له دون صاحبه وإن زعما أن المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة بينهما فاسدة، ولا أعرف القمار إلا في هذا أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما، أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال أكان يجوز؟ أو رأيت رجلا وهب له هبة أو أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل أو هبة أيكون الآخر له فيه شريكا؟ لقد أنكروا أقل من هذا (1).
] وفى تراجم الايمان: من حلف أن لا يتكفل بمال فتكفل بنفس رجل قيل للشافعي رضى الله عنه فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل أنه إن استثنى في حمالته أن لا مال عليه فلا حنث عليه وإن لم
يستثن ذلك فعليه المال وهو حانث (قال الشافعي) ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل لم يحنث لان النفس غير المال قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفل للوكيل له بكفالة عن رجل ولم يعلم أنه وكيل للذى حلف عليه فإنه إذا لم يكن علم بذلك ولم يكن ذلك الرجل من وكلائه وحشمه ولم يعلم أنه من سببه فلا حنث عليه وإن كان ممن علم ذلك منه فإنه حانث (قال الشافعي) وإذا حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفل لوكيله لم يحنث علم أنه وكيله أو لم يعلم إلا أن يكون نوى أن لا يتكفل لرجل بكفالة يكون له عليها فيها سبيل لنفسه فإن نوى هذا فكفل لوكيل له في مال المحلوف حنث وإن كان كفل في غير المحلوف لم يحنث وكذلك إن كفل لوالده أو زوجته أو ابنه، لم يحنث.
انتهى.
(1) وترجم في اختلاف العراقيين باب الشركة والعتق وغيره (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولاحدهما ألف درهم وللاخر أكثر من ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ليست هذه بمفاوضة وبهذا بأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول: هذه مفاوضة جائزة والمال بينهما نصفان (قال الشافعي) وشركة المفاوضة باطل ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلا إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التى يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان فإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذى اشتركا فيه من تجارة أو إجارة أو كنز أو هبة أو غير ذلك فهو له دون صاحبه وإن زعما أن المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادوا بوجه من الوجوه بسبب المال أو غيره فالشركة بينهما أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال أكان يجوز؟ فإن قالوا: لا يجوز لانه عطية ما لم يكن للمعطى ولا للمعطى وما لم يعلمه واحد منهما أفنجيزه عن مائتي درهم اشتركا بها؟ فإن عدوه بيعا فبيع ما لم يكن لا يجوز أرأيت رجلا وهب له هبة أو أجر نفسه في عمل فأفاد ما لا من عمل أو هبة أيكون الآخر له فيها شريكا؟ لقد انكروا أقل =(3/236)
[ الوكالة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي إملاء قال: وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن
يوكل غيره مرض الوكيل أو أراد الغيبة أو لم يردها لان الموكل رضى بوكالته ولم يرض بوكالة غيره وإن قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل وإذا وكل الرجل الرجل وكالة ولم يقل له في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل لانه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له أو قصاص قبلت الوكالة على تثبيت البينة فإذا حضر الحد أو القصاص لم احدده ولم أقصص حتى يحضر المحدود له والمقتص له من قبل أنه قد يعزله فيبطل القصاص ويعفو وإذا كان لرجل على رجل مال وهو عنده فجاء رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذى في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإذا دفعه إليه لم يبرأ من المال بشئ إلا أن يقر صاحب المال بأنه وكله أو تقوم بينة عليه بذلك وكذلك لو ادعى هذا الذى ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذى في يديه المال أن يعطيه إياه وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره ولا يجوز إقراره على غيره وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضى بشئ أثبت القاضى بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه الخصم أو لم يحضر معه، وليس الخصم من هذا بسبيل وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له ولم يزد على هذا فالوكالة غير جائزة من قبل أنه وكله يبيع القليل والكثير ويحفظه ويدفع القليل والكثير وغيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع أو شراء أو وديعة أو خصومة أو عمارة أو غير ذلك (قال الشافعي) وأقبل الوكالة من الحاضر من الرجال والنساء في العذر وغير العذر وقد كان على رضى الله عنه وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلى حاضر فقيل ذلك عثمان وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبى طالب ولا أحسبه إلا كان يوكله عند عمر ولعل عند أبى بكر وكان على يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان بحضرها (1).
] من هذا.
وترجم في أثناء تراجم الاقرار " باب الشركة " وفى أوله: (قال الشافعي) ولا شركة مفاوضة وإذا أقر صانع من صناعته لرجل بشئ إسكاف أقل لرجل بخف أو غسال أقر لرجل بثوب فذلك عليه دون شريكه إلا أن يقر شريكه معه وإذا كانا شريكين فالشركة كلها ليست مفاوضة وأى الشريكين أقر فإنما يقر على نفسه دون صاحبه وإقرار الشريك ومن لا شريك له سواء.
وفى باب المزابنة: ولا يجوز أن يكون أجيرا على شئ وهو شريك وذلك مثل أن يقول اطحن لى هذه الويبة ولك منها ربع أو ما أشبه ذلك اه.
(1) وفى اختلاف العراقيين في باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحه قال وإذا اعطى الرجل متاعا ببيعه ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة فباعه بالنسيئة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هو جائز وبه يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول البيع جائز والمأمور ضامن لقيمة المتاع حتى يدفعه لرب المتاع فإذا خرج الثمن من عند المشترى وفيه فضل عن القيمة فإنه يرد ذلك الفضل على رب المتاع وإن كان أقل من القيمة لم يضمن غير القيمة الماضية ولم يرجع لبائع على رب المتاع بشئ (قال الشافعي) وإذا دفع الرجل إلى الرجل سلعة فقال بعها ولم يقل بنقد ولا بنسيئة ولا بما رأيت من نقد أو نسيئة فالبيع على النقد فإن باعها بنسيئة كان له نقض البيع بعد(3/237)
[ جماع ما يجوز إقراره إذا كان ظاهرا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أقر ماعز عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمه وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة رجل " فإن اعترفت بالزنا فارجمها " (قال الشافعي) وكان هذا في معنى ما وصفت من حكم الله تبارك وتعالى أن للمرء وعليه ما أظهر من القول وأنه امين على نفسه، فمن أقر من البالغين غير المغلوبين على عقولهم بشئ يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه ذلك الاقرار حرا كان أو مملوكا محجورا كان أو غير محجور عليه لان كل هؤلاء ممن عليه الفرض في بدنه ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه لانه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه ولا عن العبد وإن كان مالا لغيره لان التلف على بدنه بشئ يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد سمعت منه ممن أرضى خلافا وقد أمرت عائشة رضى الله تعالى عنها بعبد أقر بالسرقة فقطع وسواء كان هذا الحد لله أو بشئ أوجبه الله لآدمي (قال الشافعي) وما أقر به الحران البالغان غير المحجورين في أموالهما بأى وجه أقر به لزمهما كما أقرا به، وما أقر به الحران المحجوران في أمولاهما لم يلزم واحدا منهما في حال الحجر ولا بعده في الحكم في الدنيا ويلزمهما فيما بينهما وبين الله عزوجل تأديته إذا خرجا من الحجر إلى من أقرا له به وسواء من أي وجه كان ذلك الاقرار إذا كان لا يلزم إلا أموالهما بحال وذلك
مثل أن يقرا بجناية خطأ أو عمد لا قصاص فيه أو شراء أو عتق أو بيع أو استهلاك مال فكل ذلك ساقط عنهما في الحكم (قال الشافعي) وإذا أقرا بعمد فيه قصاص لزمهما ولولى القصاص إن شاء القصاص وإن شاء أخذ ذلك من أموالهما من قبل أن عليهما فرضا في أنفسهما وإن من فرض الله عزوجل القصاص فلما فرض الله القصاص دل على أن لولى القصاص ان يعفو القصاص ويأخذ العقل ودلت عليه السنة فلزم المحجور عليهما البالغين ما أقرا به وكان لولى القتيل الخيار في القصاص وعفوه على مال يأخذه مكانه وهكذا العبد البالغ فيما أقر به من جرح أو نفس فيها قصاص فلولى القتيل أو المجروح أن يقتص منه أو يعفو القصاص على أن يكون العقل في عتق العبد وإن كان العبد مالا للسيد (قال الشافعي) ولو أقر العبد بجناية عمدا لا قصاص فيها أو خطأ لم يلزمه في حال العبودية منها شئ ويلزمه إذا عتق يوما ما في ماله (قال الشافعي) وما أقر به المحجوران من غصب أو قتل أو غيره مما ليس فيه حد بطل عنهما معا فيبطل عن المحجورين الحرين بكل حال ويبطل عن العبد في حال العبودية ويلزمه أرش الجناية التى أقر بها إذا عتق لانه إنما أبطلته عنه لانه ملك له في حال العبودية لا من جهة حجري على الحر في ماله (قال الشافعي) وسواء ما أقر به العبد المأذون له في التجارة أو غير المأذون له فيها والعاقل من العبيد والمقصر إذا كان بالغا غير مغلوب على عقله من كل شئ إلا ما أقر به العبد فيما وكل به وأذن له فيه من التجارة (قال الشافعي) وإذا أقر الحران المحجوران والعبد بسرقة في مثلها القطع قطعوا معا ولزم الحرين غرم السرقة في أموالهما والعبد في عنقه (قال الشافعي) ولو بطلت الغرم عن المجورين للحجر والعبد لانه يقر في رقبته لم أقطع واحدا منهما لانهما لا يبطلان إلا معا ولا يحقان إلا ] أن يحلف بالله ما وكله أن يبيع إلا بنقد فإن فاتت فالبائع ضامن لقيمتها فإن شاء أن يضمن المشترى ضمنه فإن ضمن البائع لم يرجع البائع على المشترى وإن ضمن المشترى رجع المشترى على البائع بالفضل مما أخذ منه رب السلعة عما ابتاعها به، لانه لم يأخذ منه إلا ما لزمه من قيمة السلعة التى أتلفها إذا كان البيع فيها لم يتم.(3/238)
[ معا (قال الشافعي) ولو أقروا معا بسرقة بالغة ما بلغت لا قطع فيها أبطلتها عنهم معا عن المحجورين لانهما ممنوعان من أموالهما وعن العبد لانه يقر في عنقه بلا حد في بدنه وهكذا ما أقر به المرتد من هؤلاء
في حال ردته الزمته إياه كما ألزمه إياه قبل ردته.
إقرار من لم يبلغ الحلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اقر من لم يبلغ الحلم من الرجال ولا المحيض من النساء ولم يستكمل خمس عشرة سنة بحق الله أو حق لآدمي في بدنه أو ماله فذلك كله ساقط عنه لان الله عز وجل إنما خاطب بالفرائض التى فيها الامر والنهى العاقلين البالغين (قال الشافعي) ولا ننظر في هذا إلى الاثبات والقول قول المقر إن قال لم أبلغ والبينة على المدعى (قال الشافعي) وإذا أقر الخنثى المشكل وقد احتلم ولم يستكمل خمس عشرة سنة وقف إقراره فإن حاض وهو مشكل فلا يلزمه إقراره حتى يبلغ خمس عشرة سنة وكذلك إن حاض ولم يحتلم لا يجوز إقرار الخنثى المشكل بحال حتى يستكمل خمس عشرة سنة، وهذا سواء في الاحرار والمماليك إذا قال سيد المملوك أو أبو الصبى لم يبلغ وقال المملوك أو الصبى قد بلغت فالقول قول الصبى والمملوك إذا كان يشبه ما قال فإن كان لا يشبه ما قال لم يقبل قوله ولو صدقه أبوه، ألا ترى أنه لو أقر به والعلم يحيط أن مثله لا يبلغ خمس عشرة لم يجز أن أقبل إقراره وإذا أبطلته عنه في هذه الحال لم ألزمه الحر ولا المملوك بعد البلوغ ولا بعد العتق في الحكم ويلزمهم فيما بينهم وبين الله عزوجل أن يؤدوا إلى العباد في ذلك حقوقهم.
إقرار المغلوب على عقله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من أصابه مرض ما كان المرض، فغلب على عقله فأقر في حال الغلبة على عقله فإقراره في كل ما أقر به ساقط لانه لا فرض عليه في حاله تلك وسواء كان ذلك المرض بشئ أكله أو شربه ليتداوى به فأذهب عقله أو بعارض لا يدرى ما سببه (قال الشافعي) ولو شرب رجل خمرا أو نبيذا مسكرا فكسر لزمه ما أقر به وفعل مما لله وللآدميين لانه ممن تلزمه الفرائض ولان عليه حراما وحلالا وهو آثم بما دخل فيه من شرب المحرم ولا يسقط عنه ما صنع ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في شرب الخمر (قال الشافعي) ومن أكره فأوجر خمرا فأذهب عقله ثم أقر لم يلزمه إقراره لانه لا ذنب له فيما صنع (قال الشافعي) ولو أقر في صحته أنه فعل شيئا في حال ضر غلبه على عقله لم يلزمه في ذلك حد بحال، لا لله ولا للآدميين كأن أقر أنه قطع رجلا أو قتله أو سرقه
أو قذفه أو زنى فلا يلزمه قصاص ولا قطع ولا حد في الزنا ولولى المقتول أو المجروح إن شاء أن يأخذ من ماله الارش وكذلك للمسروق أن يأخذ قيمة السرقة وليس للمقذوف شئ لانه لا أرش للقذف ثم هكذا البالغ إذا أقر أنه صنع من هذا في الصغر لا يختلف ألا ترى أنه لو أقر في حال غلبته على عقله وصغره فأبطلته عنه ثم قامت به عليه بينة أخذت منه ما كان في ماله دون ما كان في بدنه فإقراره بعد البلوغ أكثر من بينة لو قامت عليه ولو أقر بعد الحرية أنه فعل من هذا شيئا وهو مملوك بالغ ألزمته حد المملوك فيه كله، فإن كان قذفا حددته أربعين أوزنا حددته خمسين ونفيته نصف سنة إذا لم يجد قبل ](3/239)
[ إقراره أو قطع يد حر أو رجله عمدا اقتصصت منه إلا أن يشاء المقتص له أخذ الارش وكذلك لو قتله وكذلك لو أقر بأنه فعله بمملوك يقتص منه لانه لو جنى على مملوك وهو مملوك فأعتق ألزمته القصاص إلا أنه يخالف الحر في خصلة ما أقر به من مال ألزمته إياه نفسه إذا أعتق لانه بإقرار كما يقر الرجل بجناية خطأ فأجعلها في ماله دون عاقلته ولو قامت عليه بينة بجناية خطأ تلزم عنقه وهو مملوك ألزمت سيده الاقل من قيمته يوم جنى والجناية لانه أعتقه فحال بعتقه دون بيعه.
إقرار الصبي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما أقر به الصبى من حد لله عزوجل أو الآدمى أو حق في ماله أو غيره فإقراره ساقط عنه وسواء كان الصبى مأذونا له في التجارة أذن له به أبوه أو وليه من كان أو حاكم ولا يجوز للحاكم أن يأذن له في التجارة فإن فعل فإقراره ساقط عنه وكذلك شراؤه وبيعه مفسوخ ولو أجزت إقراره إذا أذن له في التجارة أجزت أن يأذن له أبوه بطلاق امراته فالزمه أو يأمره فيقذف رجلا فأحذه أو يجرح فأقتص منه فكان هذا وما يشبهه أولى أن يلزمه من إقراره لو أذن له في التجارة لانه شئ فعله بأمر أبيه وأمر أبيه في التجارة ليس بإذن بالاقرار بعينه ولكن لا يلزمه شئ من هذا ما يلزم البالغ بحال.
الاكراه وما في معناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " الآية (قال
الشافعي) وللكفر أحكام كفراق الزوجة وأن يقتل الكافر ويغنم ماله فلما وضع الله عنه سقطت عنه أحكام الاكراه على القول كله لان الاعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وما يكون حكمه بثبوته عليه (قال الشافعي) والاكراه أن يصير الرجل في يدى من لا يقدر على الامتناع منه من سلطان أو لص أو متغلب على واحد من هؤلاء ويكون المكره يخاف خوفا عليه دلالة أنه إن امتنع من قول ما أمر به يبلغ به الضرب المؤلم أو أكثر منه أو إتلاف نفسه (قال الشافعي) فإذا خاف هذا سقط عنه حكم ما أكره عليه من قول ما كان القول شراء أو بيعا أؤ إقرار لرجل بحق أو حد أو إقرارا بنكاح أو عتق أو طلاق أو إحداث واحد من هذا وهو مكره فأى هذا أحدث وهو مكره لم يلزمه (قال الشافعي) ولو كان لا يقع في نفسه أنه يبلغ به شئ مما وصفت لم يسع أن يفعل شيئا مما وصفت انه يسقط عنه ولو أقر أنه فعله غير خائف على نفسه ألزمته حكمه كله في الطلاق والنكاح وغيره وإن حبس فخاف طول الحبس أو قيد فخاف طول القيد أو أوعد فخاف أن يوقع به من الوعيد بعض ما وصفت أن الاكراه ساقط به سقط عنه ما أكره عليه (قال الشافعي) ولو فعل شيئا له حكم فأقر بعد فعله أنه لم يخف أن يوفى له بوعيد ألزمته ما أحدث من إقرار أو غيره (قال الشافعي) ولو حبس فخاف طول الحبس أو قيد فقال ظننت أنى إذا امتنعت مما أكرهت عليه لم ينلنى حبس أكثر من ساعة أو لم ينلنى عقوبة خفت أن لا يسقط المأثم عنه فيما فيه مأثم مما قال (قال الشافعي) فأما الحكم فيسقط عنه من قبل أن الذى به الكره كان ولم يكن على يقين من التخلص (قال الشافعي) ولو حبس ثم خلى ثم أقر لزمه الاقرار وهكذا لو ضرب ضربة أو ضربات ثم خلى فأقر ولم يقل له بعد ذلك ولم يحدث له خوف له ](3/240)
[ سبب فأحدث شيئا لزمه وإن أحدث له أمر فهو بعد سبب الضرب والاقرار ساقط عنه قال وإذا قال الرجل لرجل أقررت لك بكذا وأنا مكره فالقول قوله مع يمينه وعلى المقر له البينة على إقراره له غير مكره (قال الربيع) وفيه قول آخر أن من أقر بشئ لزمه إلا أن يعلم أنه كان مكرها (قال الشافعي) ويقبل قوله إذا كان محبوسا وإن شهدوا أنه غير مكره وإذا شهد شاهدان أن فلانا أقر لفلان وهو محبوس بكذا أو لدى سلطان بكذا فقال المشهود عليه أقررت لغم الحبس أو لاكراه السلطان فالقول قوله مع
يمينه إلا أن تشهد البينة أنه أقر عند السلطان غير مكره ولا يخاف حين شهدوا أنه أقر غير مكره ولا محبوس بسبب ما أقر له وهذا موضوع بنصه في كتاب الاكراه سئل الربيع عن كتاب الاكراه فقال لا أعرفه.
جماع الاقرار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يجوز عندي أن ألزم أحدا إقرارا إلا بين المعنى فإذا احتمل ما أقر به معنيين ألزمته الاقل وجعلت القول قوله ولا ألزمه إلا ظاهر ما أقر به بينا وإن سبق إلى القلب غير ظاهر ما قال وكذلك لا ألتفت إلى سبب ما أقر به إذا كان لكلامه ظاهر يحتمل خلاف السبب لان الرجل قد يجيب على خلاف السبب الذى كلم عليه لما وصفت من (1) أحكام الله عزوجل فيما بين العباد على الظاهر (2).
الاقرار بالشئ غير موصوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لفلان على مال أو عندي أو في يدي أو قد ]
__________
(1) قوله من أحكام الله، كذا بالاصول التى بيدنا ولعله سقط لفظ أن أو إجراء بعد من، وحرر اه مصححه.
(2) باب من أقر لانسان بشئ فكذبه المقر له وليس في التراجم وفي اختلاف العراقيين في " باب المواريث " لما ذكر إقرار بعض الورثة لوارث قال القياس أنه لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذى أقر له به لانه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به فإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها صارت ملكا له وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شئ فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الاقرار له (قال شيخنا) شيخ الاسلام أيده الله تعالى وهذا النص يقتضى أنه لو أقر بدين عليه أو ان هذه الدار ملكه بهبة ونحوها أو مطلقا أنه لا يكون الحكم كذلك وقد اختلف الاصحاب في هذه الصورة والارجح عندهم إلغاء الاقرار وتترك العين في يد المقر وفى وجه آخر يأخذه القاضى ويحفظه بناء على بقاء الاقرار وهذا الثاني قد يتعلق بالتعليل المذكور في نقض البيع والثالث يجبر المقر له على أخذه
وهذا مع ضعفه له شاهد من النص المذكور باعتبار أن الشافعي رضى الله عنه إنما ألغى الاقرار في صورة يكون فيها تعلق من الجانبين له وعليه فإذا كان عليه لا له لا يلغى الاقرار وللذين رجحوا الاول أن يقولوا إنما ذكر الشافعي صورة البيع ليقيس عليها إقرار بعض الورثة لوارث لا لان تكذيب المقر في غير هذا يبقى الاقرار معه اه.(3/241)
[ استهلكت مالا عظيما أو قال عظيما جدا أو عظيما عظيما فكل هذا سواء ويسأل ما أراد فإن قال أردت دينارا أو درهما أو أقل من درهم مما يقع عليه اسم مال عرض أو غيره فالقول قوله مع يمينه وكذلك إن قال مالا صغيرا أو صغيرا جدا أو صغيرا صغيرا من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها يقع عليه قليل قال الله تبارك وتعالى " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " وقليل ما فيها يقع عليه عظيم الثواب والعقاب قال الله عزوجل " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وكل ما أثيب عليه وعذب يقع عليه اسم كثير وهكذا إن قال له على مال وسط أو لا قليل ولا كثير لان هذا إذا جاز في الكثير كان فيما وصفت أنه أقل منه أجوز وهكذا إن قال له عندي مال كثير قليل ولو قال لفلان عندي مال كثير إلا مالا قليلا كان هكذا ولا يجوز إذا قال له عندي مال إلا أن يكون بقى له عنده مال فأقل المال لازم له ولو قال له عندي مال وافر وله عندي مال تافه وله عندي مال مغن كان كله كما وصفت من مال كثير لانه قد يغنى القليل ولا يغنى الكثير وينمى القليل إذا بورك فيه وأصلح ويتلف الكثير (قال الشافعي) فإذا كان المقر بهذا حيا قلت له أعط الذي أقررت له ما شئت مما يقع عليه اسم مال واحلف له ما أقررت له بغير ما أعطيته فإن قال لا أعطيه شيئا جبرته على أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم مال مكانه ويحلف ما أقر له بأكثر منه فإذا حلف لم ألزمه غيره وإن امتنع من اليمين قلت للذى يدعى عليه ادع ما أحببت فإذا ادعى قلت للرجل احلف على ما ادعى فإن حلف برئ وإن أبى قلت له أردد اليمين على المدعى فإن حلف أعطيته وإن لم يحلف لم أعطه شيئا بنكولك حتى يحلف مع نكولك (قال الشافعي) وإن كان المقر بالمال غائبا أقر به من صنف معروف كفضة أو ذهب فسأل المقر له أن يعطى ما أقر له به قلنا إن شئت فانتظر مقدمه أو نكتب لك إلى حاكم البلد الذى هو به وإن شئت أعطيناك من ماله الذى أقر فيه أقل ما يقع عليه اسم المال وأشهد بأنه عليك فإن جاء فأقر لك بأكثر منه
اعطيت الفضل كما أعطيناك وإن لم يقر لك بأكثر منه فقد استوفيت وكذلك إن جحدك فقد أعطيناك أقل ما يقع عليه اسم مال وإن قال مال ولم ينسبه إلى شئ لم نعطه إلا أن يقول هكذا ويحلف أو يموت فتخلف ورثته ويعطى من ماله أقل الاشياء قال وهكذا إن كان المقر حاضرا فغلب على عقله ويحلف على هذا المدعى ما برئ مما أقر له به بوجه من الوجوه ويجعل الغائب والمغلوب على عقله على حجته إن كانت له (قال الشافعي) ومثل هذا إن أقر له بهذا ثم مات واجعل ورثة الميت على حجته إن كانت للميت حجة فيما أقر له به (قال الشافعي) وإن شاء المقر له أن تحلف له ورثة الميت فلا أحلفهم إلا أن يدعى علمهم فإن ادعاه أحلفتهم ما يعلمون أباهم أقر له بشئ أكثر مما أعطيته.
الاقرار بشئ محدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال رجل لفلان على أكثر من مال فلان لرجل آخر وهو يعرف مال فلان الذى قال له على أكثر من ماله أو لا يعرفه أو قال على أكثر مما في يديه من المال وهو يعرف ما في يديه من المال أو لا يعرفه فسواء وأسأله عن قوله فإن قال أردت أكثر لان ماله على حلال والحلال كثير ومال فلان الذى قلت له على أكثر من ماله حرم وهو قليل لان متاع الدنيا قليل لقلة بقائه ولو قال قلت له على أكثر لانه عندي أبقى فهو أكثر بالبقاء من مال فلان وما في يديه لانه ](3/242)
[ يتلفه فيقبل قوله مع يمينه ما أراد أكثر في العدد ولا في القيمة وكان مثل القول الاول وإن مات أو خرس أو غلب فهو مثل الذى قال له عندي مال كثير ولو قال لفلان على أكثر من عدد ما بقى في يديه من المال أو عدد ما في يد فلان من المال كان القول في أن علمه أن عدد ما في يد فلان من المال كذا قول المقر مع يمينه فلو قال علمت أن عدد ما في يده من المال عشرة دراهم فأقررت له بأحد عشر حلف ما أقر له بأكثر منه وكان القول قوله ولو أقام المقر له شهودا أنه قد علم أن في يده ألف درهم لم ألزمه أكثر مما قال إن علمت (1) من قبل أنه يعلم أن في يده ألفا فتخرج من يده وتكون لغيره وكذلك لو أقام بينة أنه قال له أو أن الشهود قالوا له نشهد أن له ألف درهم فقال له على أكثر من ماله كان القول قوله لانه قد يكذب الشهود ويكذبه بما ادعى أن له من المال وإن اتصل ذلك بكلامهم وقد يعلم
لو صدقهم أن ماله هلك فلا يلزمه مما لغريمه إلا ما أحطنا أنه أقر به ولو قال قد علمت أن له ألف دينار فأقررت له بأكثر من عددها فلوسا، كان القول قوله.
وهكذا لو قال: أقررت بأكثر من عددها حب حنطة أو غيره كان القول قوله مع يمينه ولو قال رجل لرجل لى عليك ألف دينار فقال لك على من الذهب أكثر مما كان عليه أكثر من ألف دينار ذهبا فالقول في الذهب الردئ وغير المضروب قول المقر ولو كان قال لى عليك ألف دينار فقال لك عندي أكثر من مالك لم ألزمه أكثر من ألف دينار وقلت له كم ماله؟ فإن قال دينار أو درهم أو فلس ألزمته أقل من دينار أو درهم وفلس لانه قد يكذبه بأن له ألف دينار وكذلك لو شهدت له بينة بذلك فأقر بعد شهود البينة أو قبل لانه قد يكذب البينة ولا ألزمه ذلك حتى يقول قد علمت أن له ألف دينار فأقررت بأكثر منها ذهبا وإن قال له على شئ ألزمته أي شئ قال ما يقع عليه اسم شئ مما أقر به.
الاقرار للعبد والمحجور عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل لعبد رجل مأذون له في التجارة أو غير مأذون له فيها بشئ أو لحر أو لحرة محجورين أو غير محجورين لزمه الاقرار لكل واحد منهم وكان للسيد أخذ ما أقر به لعبده ولولى المحجورين أخذ ما أقر به للمحجورين وكذلك لو أقر به (2) لمجنون أو زمن أو مستأمن كان لهم أخذ، به فلو أقر لرجل ببلاد الحرب بشئ غير مكره ألزمته إقراره له وكذلك ما أقر به الاسرى إذا كانوا مستأمنين ببلاد الحرب لاهل الحرب وبعضهم لبعض غير مكرهين ألزمتهم ذلك كما ألزمه المسلمين في دار الاسلام قال وكذلك الذمي والحربي المستأمن يقر للمسلم والمستأمن والذمى ألزمه ذلك كله.
الاقرار للبهائم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل لبعير لرجل أو لدابة له أو لدار له أو لهذا البعير أو ]
__________
(1) قوله: إن علمت، كذا بالاصل، ولعله محرف عن " أن حلف " فتأمل، وحرر اه مصححه.
(2) قوله: وكذلك لو أقر به المجنون أو زمن الخ كذا بالاصول التى عندنا ولعله تحريف من الناسخ والصواب " لمجوسي أو ذمى الخ " وحرر اه مصححه.(3/243)
[ لهذه الدابة أو لهذه الدار على كذا لم ألزمه شيئا مما أقر به لان البهائم والحجارة لا تملك شيئا بحال ولو قال على بسبب هذا البعير أو سبب هذه الدابة أو سبب هذه الدار كذا وكذا لم ألزمه إقراره لانه لا يكون عليه بسببها شئ إلا أن يبين، وذلك مثل أن يقول على بسببها أن أحالت على أو حملت عنى أو حملت عنها وهى لا تحيل عليه ولا يحمل عنها بحال ولو وصل الكلام فقال على بسببها أنى جنيت فيها جناية ألزمتنى كذا وكذا كان ذلك إقرارا لمالكها لازما للمقر وكذلك لو قال لسيدها على بسببها كذا وكذا ألزمته ذلك ولو لم يزد على هذا لانه نسب الاقرار للسيد وأنه إياه لانه يكون عليه بسبب ما في بطنها شئ أبدا لانه إن كان حملا فلم يجن عليه جناية لها حكم لانه لم يسقط فإن لم يكن حمل كان أبعد من أن يلزمه شئ بسبب ما لا يكون بسبب غرم أبدا.
الاقرار لما في البطن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل هذا الشئ يصفه في يده عبد أو دار أو عرض من العروض أو ألف درهم أو كذا وكذا مكيالا حنطة لما في بطن هذه المرأة لامرأة حرة أو أم ولد لرجل ولدها حر فأب الحمل أو وليه الخصم في ذلك، وإن أقر بذلك لما في بطن أمة لرجل فمالك الجارية الخصم في ذلك.
فإذا لم يصل المقر إقراره بشئ فإقراره لازم له إن ولدت المرأة ولدا حيا لاقل من ستة أشهر بشئ ما كان، فإن ولدت ولدين ذكرا وأنثى أو ذكرين أو أنثيين فما أقر به بينهما نصفين، فإن ولدت ولدين حيا وميتا أقر به كله للحى منهما فإن ولدت ولدا أو ولدين ميتين سقط الاقرار عنه، وهكذا إن ولدت ولدين حيا اثنين لكمال ستة أشهر من يوم أقر سقط الاقرار لانه قد يحدث بعد إقراره فلا يكون أقر بشئ (قال الشافعي) وإنما أجيز الاقرار إذا علمت أنه وقع لبشر قد خلق وإذا أقر للحمل فولدت التى أقر لحملها ولدين في بطن، أحدهما قبل ستة أشهر والآخر بعد ستة أشهر فالاقرار جائز لهما معا لانهما حمل واحد قد خرج بعضه قبل ستة أشهر وحكم الخارج بعده حكمه فإذا أقر لما في بطن امرأة فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا سقط الاقرار، وإن ألقته حيا ثم مات فإن كانت ألقته بما يعلم أنه خلق قبل الاقرار ثبت الاقرار وإن أشكل أو كان يمكن أن يخلق بعد أن
يكون الاقرار سقط الاقرار (قال الشافعي) وإنما أجزت الاقرار لما في بطن المرأة لان ما في بطنها يملك بالوصية فلما كان يملك بحال لم أبطل الاقرار له حتى يضيف الاقرار إلى ما لا يجوز أن يملك به ما في بطن المرأة وذلك مثل أن يقول أسلفني ما في بطن هذه المرأة ألف درهم أو حمل عنى ما في بطن هذه المرأة بألف درهم فغرمها أو ما في هذا المعنى مما لا يكون لما في بطن المرأة بحال، قال: ولكنه لو قال لما في بطن هذه المرأة عندي هذا العبد أو ألف درهم غصبته إياها لزمه الاقرار لانه قد يوصى له بما أقر له به فيغصبه إياه، ومثل هذا أن يقول ظلمته إياه ومثله أن يقول استسلفته لانه قد يوصى إليه لما في بطن المرأة بشئ يستسلفه وهكذا لو قال استهلكته عليه أو أهلكته له وليس هذا كما يقول أسلفنيه ما في بطنها لان ما في بطنها لا يسلف شيئا، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف أوصى له بها أبى كانت له عنده، فإن بطلت وصية الحمل بأن يولد ميتا كانت الالف درهم لورثة أبيه ولو قال أوصى له بها فلان إلى فبطلت وصيته كانت الالف لورثة الذى أقر أنه أوصى بها له، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف درهم أسلفنيها أبوه أو غصبتها أباه كان الاقرار لابيه فإن كان أبوه ميتا فهى موروثة ](3/244)
[ عنه، وإن كان حيا فهى له ولا يلزمه لما في بطن المرأة شئ، ولو قال له على ألف درهم غصبتها من ملكه أو كانت في ملكه، فألزمته الاقرار فخرج الجنين ميتا فسأل وارثه أخذها المقر فإن جحد أحلفته ولم أجعل عليه شيئا، وإن قال أوصى بها فلان له فغصبتها أو أقررت بغصبها كاذبا ردت إلى ورثة فلان فإن قال قد وهبت لهذا الجنين دارى أو تصدقت بها عليه أو بعته إياها لم يلزمه من هذا شئ لان كل هذا لا يجوز لجنين ولا عليه، وإذا أقر الرجل بها لما في بطن جارية فالاقرار باطل.
الاقرار بغصب شئ في شئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل غصبتك كذا في كذا يعتبر قوله في غير المغصوب وذلك مثل أن يقول غصبتك ثوبا أو عبدا أو طعاما في رجب سنة كذا فأخبر بالحين الذى غصبه فيه والجنس الذى أقر أنه غصبه إياه فكذلك إن قال غصبتك حنطة في بلد كذا أو في صحراء أو في أرض فلان أو في أرضك فيعنى الذى أصاب الغصب أن الذى فيه غير الذى أقر أنه غصبه إياه
إنما جعل الموضع الذى أصاب فيه دلالة على أنه غصبه فيه كما جعل الشهر دلالة على أنه غصب فيه كقولك غصبتك حنطة في أرض وغصبتك حنطة من أرض وغصبتك زيتا في حب وغصبتك زيتا من حب وغصبتك سفينة في بحر وغصبتك سفينة من بحر وغصبتك بعيرا في مرعى وغصبتك بعيرا من مرعى وبعيرا في بلد كذا ومن بلد كذا وغصبتك كبشا في خيل وكبشا من خيل يعنى في جماعة خيل وغصبتك عبدا في إماء وعبدا من إماء يعنى أنه كان مع إماء وعبدا في غنم وعبدا في إبل وعبدا من غنم وعبدا من إبل كقوله غصبتك عبدا في سقاء وعبدا في رحى ليس أن السقاء والرحى مما غصب ولكنه وصف أن العبد كان في أحدهما كما وصف أنه كان في إبل أو غنم وهكذا إن قال غصبتك حنطة في سفينة أو في جراب أو في غرارة أو في صاع فهو غاصب للحنطة دون ما وصف أنها كانت فيه وقوله في سفينة وفى جراب كقوله من سفينة وجراب لا يختلفان في هذا المعنى قال وهكذا لو قال غصبتك ثوبا قوهيا في منديل أو ثيابا في جراب أو عشرة أثواب في ثوب أو منديل أو ثوبا في عشرة أثواب أو دنانير في خريطة لا يختلف كل هذا قوله في كذا ومن كذا سواء فلا يضمن إلا ما أقر بغصبه لا ما وصف أن المغصوب كان فيه له، قال وهكذا لو قال غصبتك فصافي خاتم أو خاتما في فص أو سيفا في حمالة أو حمالة في سيف لان كل هذا قد يتميز من صاحبه فينزع الفص من الخاتم والخاتم من الفص ويكون السيف معلقا بالحمالة لا مشدودة إليه ومشدودة إليه فتنزع منه، قال وهكذا إن قال غصبتك حلية من سيف أو حلية في سيف، لان كل هذا قد يكون على السيف فينزع قال وهكذا إن قال غصبتك شارب سيف أو نعله فهو غاصب لما وصفت دون السيف ومثله لو قال غصبتك طيرا في قفص أو طيرا في شبكة أو طيرا في شناق كان غاصبا للطير دون القفص والشبكة والشناق ومثله لو قال غصبتك زيتا في جرة أو زيتا في زق أو عسلا في عكة أو شهدا في جونة أو تمرا في قربة أو جلة كان غاصبا للزيت دون الجرة والزق والعسل دون العكة والشهد دون الجونة والتمر دون القربة والجلة وكذلك لو قال غصبتك جرة فيها زيت وقفصا فيه طير وعكة فيها سمن كان غاصبا للجرة دون الزيت والقفص دون الطير والعكة دون السمن ولا يكون غاصبا لهما معا إلا أن يبين يقول غصبتك عكة وسمنا وجرة وزيتا، فإذا قال هذا فهو غاصب للشيئين، والقول قوله إن قال غصبته سمنا في عكة أو ](3/245)
[ سمنا وعكة لم يكن فيها سمن فالقول قوله في أي سمن أقر به وأى عكة أقر له بها، وإذا قال غصبتك سرجا على حمار أو حنطة على حمار فهو غاصب للسرج دون الحمار والحنطة دون الحمار، وكذلك لو قال غصبتك حمارا عليه سرج أو حمارا مسرجا كان غاصبا للحمار دون السرج، وكذلك لو قال غصبتك ثيابا في عيبة كان غاصبا للثياب دون العيبة، وهكذا لو قال غصبتك عيبة فيها ثياب كان غاصبا للعيبة دون الثياب.
الاقرار بغصب شئ بعدد وغير عدد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل للرجل غصبتك شيئا لم يزد على ذلك فالقول في الشئ قوله فإن أنكر أن يكون غصبه شيئا ألزمه الحاكم أن يقر له بما يقع عليه اسم شئ، فإذا امتنع حبسه حتى يقر له بما يقع عليه اسم شئ، فإذا فعل فإن صدقه المدعى وإلا أحلفه ما غصبه إلا ما ذكر ثم أبرأه من غيره، ولو مات قبل يقر بشئ فالقول قول ورثته ويحلفون ما غصبه غيره ويوقف مال الميت عنهم حتى يقروا له بشئ ويحلفون ما علموا غيره وإذا قال غصبتك شيئا ثم أقر بشئ بإلزام الحاكم له أن يقر به أو بغير إلزامه فسواء ولا يلزمه إلا ذلك الشئ، فإن كان الذى أقر به مما يحل أن يملك بحال جبر على دفعه إليه، فإن فات في يده جبر على أداء قيمته إليه إذا كانت له قيمة، والقول في قيمته قوله، وإن كان مما لا يحل أن يملك أحلف ما غصبه غيره ولم يجبر على دفعه إليه، وذلك مثل أن يقر أنه غصبه عبد أو أمة أو دابة أو ثوبا أو فلسا أو حمارا فيجبر على دفعه إليه وكذلك لو أقر أنه غصبه كلبا جبرته على دفعه إليه لانه يحل ملك الكلب، فإن مات الكلب في يديه لم أجبره على دفع شئ إليه لانه لا ثمن له، وكذلك إن أقر أنه غصبه جلد ميتة غير مدبوغ جبرته على دفعه إليه، فإن فات لم أجبره على دفع قيمته إليه لانه لا ثمن له ما لم يدبغ فإن كان مدبوغا دفعه إليه أو قيمته إن فات لان ثمنه يحل إذا دبغ (قال الشافعي) وإذا أقر أنه غصبه خمرا أو خنزيرا لم أجبره على دفعه إليه، وأهرقت عليه الخمر وذبحت الخنزير والغيته إذا كان أحدهما مسلما، ولا ثمن لهذين، ولا يحل أن يملكا بحال، وإذا أقر أنه غصبه حنطة ففاتت رد إليه مثلها فإن لم يكن لها مثل فقيمتها، وكذلك كل
ماله مثل يرد مثله، فإن فات يرد قيمته (قال الشافعي) وإذا قال الرجل الكثير المال غصبت فلانا لرجل كثير المال شيئا أو شيئا له بال فهو كالفقير يقر للفقير وأى شئ أقر به يقع عليه اسم شئ فلس أو حبة حنطة أو غيره فالقول قوله مع يمينه، فإن قال غصبته أشياء قيل أد إليه ثلاثة أشياء لانها أقل ظاهر الجماع في كلام الناس وأى ثلاثة أشياء قال هي هي فهى هي مختلفة (1) فإن قال هي ثلاثة أفلس أو هي فلس ودرهم وتمرة أو هي ثلاث تمرات أو هي ثلاثة دراهم أو ثلاثة أعبد أو عبد وأمة وحمار لان كل واحد من هذا يقع عليه اسم شئ اختلفت أو اتفقت فسواء، ولو قال غصبتك ولم يزد على ذلك أو غصبتك ما تعلم لم ألزمه بهذا شيئا لانه قد يغصبه نفسه فيدخله المسجد أو البيت لغير مكروه ويغصبه فيمنعه بيته فلا ألزمه حتى يقول غصبتك شيئا، ولو قال غصبتك شيئا فقال عنيت نفسك لم أقبل منه لانه إذا قال غصبتك شيئا، فإنما ظاهره غصبت منك شيئا، ولو قال غصبتك وغصبتك مرارا كثيرة ]
__________
(1) قوله: فهى هي مختلفة كذا بالاصول التى بأيدينا ولعله سقط من الناسخ لفظ " أو متفقة " اه مصححه.(3/246)
[ لم ألزمه شيئا لانه قد يغصبه نفسه كما وصفت، قال ولو سئل فقال لم أغصبه شيئا ولا نفسه لم ألزمه شيئا لانه لم يقر بأنه غصبه شيئا.
الاقرار بغصب شئ ثم يدعى الغاصب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل أنه غصب الرجل أرضا ذات غراس أو غير ذات غرس أو دارا ذات بناء أو غير ذات بناء أو بيتا فكل هذا أرض والارض لا تحول، وإن كان البناء والغراس قد يحول، فإن قال المقر بالغصب بعد قطعه الكلام أو معه إنما أقررت بشئ غصبتك ببلد كذا فسواء القول قوله وأى شئ دفعه إليه بذلك البلد مما يقع عليه اسم ما أقر له به، فليس له عليه غيره وإذا ادعى المقر له سواه أحلف الغاصب ما غصبه غير هذا والقول قوله، فإن مات الغاصب فالقول قول ورثته فإن قالوا لا نعلم شيئا قيل للمغصوب ادع ما شئت من هذه الصفة في هذا البلد فإذا ادعى قيل للورثة احلفوا ما تعلمونه هو، فإن حلفوا برئوا وإلا لزمهم أن يعطوه بعض ما يقع عليه اسم ما أقر به الغاصب، فإن نكلوا حلف المغصوب واستحق ما ادعى وإن أبى المغصوب أن يحلف ولا
الورثة وقف مال الميت حتى يعطيه الورثة أقل ما يقع عليه اسم ما وصفت أنه أقر أنه غصبه ويحلفون ما يعلمونه غصبه غيره ولا يسلم لهم ميراثه إلا بما وصفت، ولو كان الغاصب قال غصبته دارا بمكة ثم قال أقررت له بباطل وما أعرف الدار التى غصبته إياها قيل ان أعطيته دارا بمكه ما كانت الدار وحلفت ما غصبته غيرها برئت، وإن امتنعت وادعى دارا بعينها قيل أحلف ما غصبته إياها فإن حلفت برئت وإن لم تحلف حلف فاستحقها، وإذا امتنع وامتنعت من اليمين حبست أبدا حتى تعطيه دارا وتحلف ما غصبته غيرها (قال الشافعي) وإذا أقر أنه غصبه متاعا يحول مثل عبد أو دابة أو ثوب أو طعام أو ذهب أو فضة فقال غصبتك كذا ببلد كذا بكلام موصول وكذبه المغصوب وقال ما غصبتنيه بهذا البلد فالقول قول الغاصب لانه لم يقر له بالغصب إلا بالبلد الذى سمى فإن كان الذى أقر أنه غصبه منه دنانير أو دراهم أو ذهبا أو فضة أخذ بأن يدفعها إليه مكان لانه لا مؤنة لحمله عليه وكذلك لو أسلفه دنانير أو دراهم أو باعه إياها ببلد أخذ بها حيث طلبه بها (قال الشافعي) وكذلك فص ياقوت أو زبر جد أو لؤلؤ أقر أنه غصبه إياه ببلد يؤخذ به حيث قام به فإن لم يقدر عليه فقيمته، وإن كان الذى أقر أنه غصبه إياه ببلد عبدا أو ثيابا أو متاعا لحمله مؤنة أو حيوانا أو رقيقا أو غيره فلحمل هذا ومشابهه مؤنة جبر المغصوب أو يؤكل من يقتضيه بذلك البلد، فإن مات قبض قيمته بذلك البلد أو يأخذ منه قيمته بالبلد الذى أقر أنه غصبه إياه بذلك البلد الذى يحاكمه به ولا أكلفه لو كان طعاما أن يعطيه مثله بذلك البلد لتفاوت الطعام إلا أن يتراضيا معا فأجيز بينهما ما تراضيا عليه (قال الشافعي) ومثل هذا الثياب وغيرها مما لحمله مؤنة، قال ومثل هذا العبد يغصبه إياه بالبلد، ثم يقول المغتصب قد أبق العبد أو فات يقضى عليه بقيمته ولا يجعل شئ من هذا دينا عليه وإذا قضيت له بقيمة الفائت منه عبدا كان أو طعاما أو غيره لم يحل للغاصب أن يتملك منه شيئا وكان عليه أن يحضره سيده الذى غصبه منه، فإذا أحضره سيده الذى غصبه منه جبرت سيده على قبضه منه ورد الثمن عليه فإن لم يكن عند سيده ثمنه قلت له بعه إياه بيعا جديدا بما له عليك إن رضيتما حتى يحل له ملكه فإن لم يفعل بعت العبد على سيده، وأعطيت المغتصب مثل ما أخذ منه فإن كان فيه فضل رددت على سيده وإن لم يكن فيه فضل فلا شئ يرد ](3/247)
[ عليه، وإن نقص ثمنه عما أعطاه إياه بتغير سوق رددته على سيده بالفضل (قال الشافعي) وإن كان لسيده غرماء لم أشركهم في ثمن العبد لانه عبد قد أعطى الغاصب قيمته، قال وهكذا أصنع بورثة المغصوب إن مات المغصوب، وأحكم للغاصب العبد إلا أنى إنما أصنع ذلك بهم في مال الميت لا أموالهم وهكذا الطعام يغصبه فيحضره ويحلف أنه هو والثياب وغيرها كالعبد لا تختلف، فإن كان أحضر العبد ميتا فهو كأن لم يحضره، ولا أرد الحكم الاول وإن أحضره معيبا أي عيب كان مريضا أو صحيحا دفعته إلى سيده وحسبت على الغاصب خراجه من يوم غصبه وما نقصه العيب في بدنه وألزمته ما وصفت (قال الشافعي) ولو أحضر الطعام متغيرا ألزمته الطعام وجعلت على الغاصب ما نقصه العيب ولو أحضره قد رضه حتى صار لا ينتفع به ولا قيمة له ألزمته الغاصب وكان كتلفه وموت العبد وعليه مثل العطام إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل، ولو قال الحاكم إذا كان المغصوب من عبد وغيره غائبا للغاصب أعطه قيمته ففعل ثم قال للمغصوب حلله من حبسه أو صيره ملكا له بطيبة نفسك وللغاصب: اقبل ذلك كان ذلك أحب إلى، ولا أجبر واحدا منهما على هذا.
الاقرار بغصب الدار ثم ببيعها (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قال الرجل غصبته هذه الدار وهذا العبد أو أي شئ كان من هذا كتب إقراره وأشهد عليه وقد باعها قبل ذلك من رجل أو وهبها له أو تصدق بها عليه وقبضها أو وقفها عليه أو على غيره ففيها قولان أحدهما أن يقال لصاحب الدار إن كان لك بينة على ملك هذه الدار أو إقرار الغاصب قبل إخراجها من يده إلى من أخرجها إليه أخدلك بها وإن لم يكن لك بينة لم يجز إقرار الغاصب في ذلك لانه لا يملكها يوم أقر فيها وقضينا المغصوب بقيمتها لانه يقر أنه استهلكها وهى ملك له وهكذا لو كان عبدا فأعتقه وهكذا لو ادعى عليه رجلان أنه غصب دارا بعينها فأقر أنه غصبها من أحدهما وهو يملكها ثم أقر أنه غصبها منه وهو يملكها وأن الاول لم يملكها قط قضى بالدار للاول لانه قد ملكها بإقراره وقيمتها للآخر بأنه قد أقر أنه قد أتلفها عليه، قال وهكذا كل ما أقر أنه غصبه رجلا، ثم أقر أنه غصبه غيره والقول الثاني أنهما إذا كانا لا يدعيان أنه غصبهما إلا الدار أو الشئ الذى أقر به لهما فهو للاول منهما ولا شئ للمقر له الآخر بحال على الغاصب لانهما يبرئانه من
عين (1) ما يقر به، ومن قال هذا قال أرأيت إن أقرانه باع هذا هذه الدار بألف ثم أقر أنه باعها الآخر بألف والدار تسوى آلافا أتجعلها بيعا للاول وتجعل للآخر عليه قيمتها يحاصه بألف منها لانه أتلفها، أو أرأيت لو أعتق عبدا ثم أقر أنه باعه من رجل قبل العتق أتجعل للمشترى قيمته وينفذ العتق؟ أو رأيت لو باع عبدا ثم اقر أنه كان أعتقه قبل بيعه أينقض البيع أو يتم؟ إنما يكون للعبد عليه ان يقول له قد بعتني حرا فأعطني ثمني أرأيت لو مات فقال ورثته قد بعت أبانا حرا فأعطنا ثمنه أو زيادة ما يلزمك بأنك استهلكته أكان عليه أن بعطيهم شيئا أو يكون إنما أقر بشئ في ملك غيره فلا يجوز إقراره في ملك غيره ولا يضمن بإقراره شيئا؟ ]
__________
(1) قوله: من عين ما يقر به كذا بالاصول التى عندنا ولعل لفظ " عين " محرفا عن " غير " وحرر.
كتبه مصصحه.(3/248)
[ الاقرار بغصب الشئ من أحد هذين الرجلين (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أقر الرجل أنه غصب هذا العبد أو هذا الشئ بعينه من أحد هذين وكلاهما يدعيه ويزعم أن صاحبه الذى ينازعه فيه لم يملك منه شيئا قط وسئل يمين المقر بالغصب قيل له إن أقررت لاحدهما وحلفت للآخر فهو للذى أقررت له به ولاتباعه للآخر عليك وإن لم تقر لم تجبر على أكثر من أن تحلف بالله ما تدرى من أيهما غصبته ثم يخرج من يديك فيوقف لهما ويجعلان خصما فيه فإن أقاما معا عليه بينة لم يكن لواحد منهما دون الآخر لان إحدى البينتين تكذب الاخرى وكان بحاله قبل أن تقوم عليه بينة ويحلف كل واحد منهما لصاحبه أن هذا العبد له غصبه إياه فإن حلفا فهو موقوف أبدا حتى يصطلحا فيه فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان للحالف وإن أقام أحدهما عليه بينة دون الآخر جعلته للذى أقام عليه البينة ولا تباعة على الغصاب في شئ مما وصفت ولو قال رجل غصبت هذا الرجل بعينه هذا العبد أو هذه الامة فادعى الرجل أنه غصبه إياهما معا قيل للمقر احلف أنك لم تغصبه أيهما شئت وسلم له الآخر فإن قال أحلف ما غصبته واحدا منهما لم يكن ذلك له وقيل أحدهما له بإقرارك فاحلف على أيهما شئت فإن أبى قيل للمدعى احلف على أيهما شئت فإن حلف فهو
له وإن قال أحلف عليهما معا قيل للمدعى عليه إن حلفت وإلا أحلفنا المدعى فسلمناهما له معا فإن فاتا في يده أو أحدهما فالحكم كهو لو كانا حيين إلا أنا إذا ألزمناه أحدهما ضمناه قيمته بالفوت فأن أبيا معا يحلفا وسأل المغصوب أن يوقفا له وقفا حتى يقر الغاصب بأحدهما ويحلف قال وإن أفر الغاصب بأحدهما للمغصوب فادعى المغصوب أنه حدث بالعبد عنده عيب فالقول قول الغاصب مع يمينه إن كان ذلك مما يشبه أن يكون عند المغصوب (1).
] (1) " باب إقرار الورثة أو بعضهم لوارث من النسب أو من قبل الزوجية وإقرار الورثة أو بعضهم بالدين " وليس في التراجم، وفيه نصوص: فمنها في: " باب المواريث من اختلاف العراقيين ".
وإذا أقرت الاخت وهى لاب وأم وقد ورث معها العصبة بأخ لاب فإن أبا حنيفة كان يقول نعطيه نصف ما في يدها لانها أقرت أن المال كله بينهما نصفين فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبهذا يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول لا نعطيه مما في يدها شيئا لانها أقرت بما في يد العصبة وهو سواء في الورثة كلهم بما قالا جميعا (قال الشافعي) وإذا مات الرجل وترك أخته لابيه وأمه وعصبته فأقرت الاخت بأخ فالقياس أن لا يأخذ شيئا وهكذا كل من أقر به وارث فكان إقراره لا يثبت نسبه، فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذى أقر له به لانه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شئ فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الاقرار له ومثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه وقد تصادقا على أنه قد خرج من ملك المالك إلى ملك المشترى فلما لم يسلم للمشترى ما زعم أنه ملكه به سقط الاقرار فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق وقد احطنا أنه لم يقر له به من دين ولا وصية اه.(3/249)
[ العارية
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال: العارية كلها مضمونة، الدواب والرقيق والدور والثياب لا فرق بين شئ منها، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له والاشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فما كان منها مضمونا مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه وما خفى فهو مضمون على الغصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفى فالقول فيها قول المستودع مع يمينه وخالفنا بعض الناس في العارية فقال لا يضمن شيئا إلا ما تعدى فيه فسئل من أين قاله؟ فزعم أن شريحا قاله وقال ما حجتكم في تضمينها؟ قلنا استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " عارية مضمونة مؤداة " قال أفرأيت إذا قلنا فإن شرط المستعير الضمان ضمن وإن لم يشرطه لم يضمن؟ قلنا فأنت إذا تترك قولك، قال وأين؟ قلنا أليس قولك أنها غير مضمونة إلا أن يشترط؟ قال بلى قلنا فما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب؟ قال لا يكون ضامنا قلنا فما تقول في المستسلف إذا اشترط أنه غير ضامن؟ قال لا شرط له ويكون ضامنا قلنا ويرد الامانة إلى أصلها والمضمون إلى أصله ويبطل الشرط فيهما جميعا؟ قال نعم قلنا وكذلك ينيغى لك أن تقول في العارية وبذلك شرط النبي صلى الله عليه وسلم أنها مضمونة ولا يشترط أنها مضمونة إلا ما يلزم قال فلم شرط؟ قلنا لجهالة صفوان لانه كان مشركا لا يعرف الحكم ولو عرفه ماضر الشرط إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما لا يضر شرط العهدة وخلاص عقدك في البيع ولو لم يشترط كان عليه العهدة والخلاص أو الرد قبل فهل قال هذا أحد؟ قلنا في هذا كفاية وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضى الله عنهما " إن العارية مضمونة " وكان قول أبى هريرة في بعير استعير فتلف أنه مضمون ولو اختلف رجلان في دابة فقال رب الدابة أكريتها إلى موضع كذا وكذا فركبتها بكذا وقال الراكب ركبتها عارية منك كان القول قول الراكب مع يمينه ولا كراء عليه (قال الشافعي) بعد القول قول رب الدابة وله كراء المثل ولو قال أعرتنيها وقال رب الدابة غصبتنيها كان القول قول المستعير (قال الشافعي) (1) ولا يضمن المستودع إلا أن يخالف فإن خالف فلا يخرج من الضمان أبدا إلا بدفع الوديعة إلى ربها ولو ردها إلى المكان الذى كانت فيه لان ابتداءه لها كان أمينا فخرج من حد الامانة فلم يجدد له رب المال استئمانا لا يبرأ حتى
يدفعها إليه (2).
]
__________
(1) قوله: ولا يضمن المستودع الخ لا يخفى أن هذا من باب الوديعة لا العارية لكنه ثبت هنا في نسختين فأبقيناه كذلك لانه يأتي في الوديعة بمعناه لا بلفظه.
كتبه مصححه.
(2) وفى اختلاف العراقيين في: " باب العارية وأكل الغلة " (قال الشافعي) وإذا أعار الرجل الرجل أرضا يبنى فيها ولم يوقت وقتا ثم بدا له أن يخرجه بعدما بنى فإن أبا حنيفة كان يقول يخرجه ويقول للذى بنى: انقض بناءك وبهذا يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول: الذى اعاره ضامن لقيمة البنيان والبناء للمعير وكذلك بلغنا عن شريح فإن وقت له وقتا فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا أعار الرجل الرجل بقعة من الارض يبنى فيها بناء =(3/250)
[ الغصب (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) إذا شق الرجل للرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا، أو كسر له متاعا فرضه أو كسره كسرا صغيرا أو جنى له على مملوك فأعماه أو قطع يده أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله والحيوان كله غير الرقيق صحيحا ومكسورا وصحيحا ومجروحا قد برأ من جرحه ثم يعطى مالك المتاع والحيوان فضل ما بين قيمته صحيحا ومكسورا ومجروحا فيكون ما جرى عليه من ذلك ملكا له نفعه أو لم ينفعه ولا يملك أحد بالجناية شيئا جنى عليه ولا يزول ملك المالك إلا أن يشاء ولا يملك رجل شيئا إلا أن يشاء إلا في الميراث فأما من جنى عليه من العبيد فيقومون صحاحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطون أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر أرش الجناية عليه من ديته بالغا من ذلك ما بلغ وإن كانت قيما كما يأخذ الحر ديات وهو حى قال الله عز وجل " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " فلم أعلم أحدا من المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحد أن يملك شيئا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث فإن الله عز وجل نقل ملك الاحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاءوا أو أبوا ألا ترى أن الرجل لو أوصى له أو
وهب له أو تصدق عليه أو ملك شيئا لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء ولم أعلم أحدا من المسلمين اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه ببيع أو هبة أو غير ذلك أو عتق أو دين لزمه فيباع في ماله وكل هذا فعله لا فعل غيره قال فإذا كان الله عزوجل حرم أن تكون أموال الناس مملوكة إلا ببيع عن تراض وكان المسلمون يقولون فيما وصفت ما وصفت فمن أين غلط أحد في أن يجنى على مملوكي فيملكه بالجناية وآخذ أنا قيمته وهو قبل الجناية لو اعطاني فيه أضعاف ثمنه لم يكن له أن يملكه إلا أن يشاء ولو وهبته له لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء فإذا لم يملكه بالذى يجوز ويحل من الهبة إلا بمشيئته ولم يملك على بالذى يحل من البيع إلا أن أشاء فكيف ملكه حين عصى الله عزوجل فيه فأخرج من يدى ملكى بمعصية غيرى لله وألزم غيرى ما لا يرضى ملكه إن كان أصابه خطأ وكيف إن كانت الجناية توجب لى شيئا واخترت حبس عبدى سقط الواجب لى وكيف إن كانت الجناية تخالف حكم ما سوى ما وجب لى ولى حبس عبدى وأخذ أرشه ومتاعي وأخذ ما نقصه إذا كان ذلك غير مفسد له فإن جنى عليه ما يكون مفسدا له فزاد الجاني معصية لله وزيد على في مالى ما يكون مفسدا له سقط حقى حين عظم وثبت حين صغر وملك حين عصى وكبرت معصيته ولا يملك حين عصى فصغرت معصيته ما ينبغى أن يستدل أحد على خلاف هذا القول لاصل حكم الله وما لا يختلف المسلمون فيه من أن المالكين على أصل ملكهم ما كانوا أحياء حتى يخرجوا هم الملك من أنفسهم بقول أو فعل بأكثر من أن يحكى فيعلم أنه خلاف ما وصفنا من حكم الله عزوجل وإجماع المسلمين والقياس والمعقول ثم شدة تناقضه هو في نفسه قال وإذا غصب الرجل جارية تسوى مائة فزادت في يديه بتعليم ]
__________
= فبناءه لم يكن لصاحب البقعة أن يخرجه من بنائه حتى يعطيه قيمته قائما يوم يخرجه ولو وقت له وقتا فقال أعيركها عشر سنين وأذنت لك في البناء مطلقا كان هكذا ولكنه لو قال فإن انقضت العشر السنين كان عليك أن تنقض بناءك، كان ذلك عليه لانه لم يغر إنما هو غر نفسه اه.(3/251)
[ منه وسن واغتذاء من ماله حتى صارت تساوى ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوى مائة ثم أدركها المغصوب في يده أخذها وتسعمائة معها كما يكون لو غصبه إياها وهى تساوى ألفا فأدركها وهى تساوى
مائة أخذها وما نقصها وهى تسعمائة قال وكذلك إن باعها الغاصب أو وهبها أو قتلها أو استهلكها فلم تدرك بعينها كانت على الغاصب قيمتها في أكثر ما كانت قيمة منذ غصبت إلى أن هلكت وكذلك ذلك في البيع إلا أن رب الجارية يخير في البيع فإن أحب أخذ الثمن الذى باع به الغاصب كان أكثر من قيمتها أو أقل لانه ثمن سلعته أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة قط.
(قال الشافعي) بعد: ليس له إلا جاريته والبيع مردود لانه باع ما ليس له وبيع الغاصب مردود فإن قال قائل وكيف غصبها بثمن مائة وكان لها ضامنا وهى تساوى مائة ثم زادت حتى صارت تساوى ألفا وهى في ضمان الغاصب ثم ماتت أو نقصت ضمنته قيمتها في حال زيادتها؟ قيل له إن شاء الله تعالى لانه لم يكن غاصبا ولا ضامنا ولا عاصيا في حال دون حال لم يزل غاصبا ضامنا عاصيا من يوم غصب إلى أن فاتت أو ردها ناقصة فلم يكن الحكم عليه في الحال الاولى بأوجب منه في الحال الثانية ولا في الحال الثانية بأوجب منه في الحال الآخرة لان عليه في كلها أن يكون رادا لها وهو في كلها ضامن عاص فلما كان للمغصوب أن يغصبها قيمة مائة فيدركها قيمة ألف فيأخذها ويدركها ولها عشرون ولدا فيأخذها وأولادها كان الحكم في زيادتها في بدنها وولدها كالحكم في بدنها حين غصبها يملك منها زائدة بنفسها وولدها ما ملك منها ناقصة حين غصبها ولا فرق بين أن يقتلها وولدها أو تموت هي وولدها في يديه من قبل أنه إذا كان كما وصفت يملك ولدها كما يملكها لا يختلف أحد علمته في أنه لو غصب رجل جارية فماتت في يديه موتا أو قتلها قتلا ضمنها في الحالين جميعا كذلك، قال وإذا غصب الرجل الرجل جارية فباعها فماتت في يد المشترى فالمغصوب بالخيار في أن يضمن الغاصب قيمة جاريته في أكثر ما كانت قيمة من يوم غصبها إلى أن ماتت فإن ضمنه فلا شئ للمغصوب على المشترى ولا شئ للغاصب على المشترى إلا قيمتها إلا الثمن الذى باعها به أو يضمن المغصوب المشترى فإن ضمنه فهو ضامن لقيمة جارية المغصوب لاكثر ما كانت قيمة من يوم قبضها إلى أن ماتت في يده ويرجع المشترى على الغاصب بفضل ما ضمنه المغصوب من قيمة الجارية على قيمتها يوم قبضها المشترى وبفضل ممن إن كان قبضه منه على قيمتها حتى لا يلزمه في حال إلا قيمتها، قال وإن أراد المغصوب إجازة البيع لم يجز لانها ملكت ملكا فاسدا ولا يجوز الملك الفاسد إلا بتجديد بيع وكذلك لو ماتت في يدى المشترى فأراد
المغصوب أن يجيز البيع لم يجز وكان للمغصوب قيمتها ولو ولدت في يدى المشترى أولادا فمات بعضهم وعاش بعضهم خير المغصوب في أن يضمن الغاصب أو المشترى فإن ضمن الغاصب لم يكن له سبيل على المشترى وإن ضمن المشترى وقد ماتت الجارية رجع عليه بقيمة الجارية ومهرها وقيمة أولادها يوم سقطوا أحياء ولا يرجع عليه بقيمة من سقط منهم ميتا ورجع المشترى على البائع بجميع ما ضمنه المغصوب لا قيمة الجارية ومهرها فقط ولو وجدت الجارية حية أخذها المغصوب رقيقا له وصداقها ولا يأخذ ولدها، قال فإن كان الغاصب هو أصابها فولدت منه أولادا فعاش بعضهم ومات بعض أخذ المغصوب الجارية وقيمة من مات من أولادها في أكثر ما كانوا قيمة والاحياء فاسترقهم وليس الغاصب في هذا كالمشترى المشترى مغرور والغاصب لم يغره إلا نفسه وكان على الغاصب إن لم يدع الشبهة الحد ولا مهر عليه (قال الربيع) فإن كانت الجارية أطاعت الغاصب وهى تعلم أنها حرام عليه وأنه زان بها فلا مهر لان هذا مهر بغى وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغى وإن كانت تظن هي ](3/252)
[ أن الوطئ حلال فعليه مهر مثلها وإن كانت مغصوبة على نفسها فلصاحبها المهر وهو زان وولده رقيق.
فإن قال قائل: أرأيت المغصوب إذا اختار إجازة البيع لم لم يجز البيع؟ قيل له إن شاء الله تعالى البيع إنما يلزم برضا المالك والمشترى ألا ترى أن المشترى وإن كان رضى بالبيع فللمغصوب جاريته كما كانت لو لم يكن فيها بيع وأنه لا حكم للبيع في هذا الموضع إلا حكم الشبهة وأن الشبهة لم تغير ملك المغصوب فإذا كان للمغصوب أخذ الجارية ولم ينفع البيع المشترى فهى على الملك الاول للمغصوب وإذا كان المشترى لا يكون له حبسها ولو علم أنه باعها غاصب غير موكل استرق ولده فلا ينبغى أن يذهب على أحد أنه لا يجوز على المشترى إجازة البيع إلا بأن يحدث المشترى رضا بالبيع فيكون بيعا مستأنفا فإن شبه على أحد بأن يقول إن رب الجارية لو كان أذن ببيعها لزم البيع فإذا أذن بعد البيع فلم لا يلزم؟ قيل له إن شاء الله تعالى إذنه قبل البيع إذا بيعت يقطع خياره ولا يكون له رد الجارية وتكون الجارية لمن اشتراها ولو أولدها لم يكن له قيمة ولدها لانها جارية للمشترى وحلال للمشترى الاصابة والبيع والهبة والعتق فإذا بيعت بغير أمره فله رد البيع ولا يكون له رد البيع إلا والسلعة لم تملك وحرام على البائع البيع
وحرام على المشترى الاصابة لو علم ويسترق ولده فإذا باعها أو أعتقها لم يجز بيعه ولا عتقه فالحكم في الاذن قبل البيع أن المأذون له في البيع كالبائع المالك وأن الاذن بعد البيع إنما هو تجديد بيع ولا يلزم البيع المجدد إلا برضا البائع والمشترى وهكذا كل من باع بغير وكالة أو زوج بغير وكالة لم يجز أبدا إلا بتجديد بيع أو نكاح.
فإن قال قائل لم ألزمت المشترى المهر ووطؤه في الظاهر كان عنده حلالا وكيف رددته بالمهر وهو الوطئ؟ قيل له إن شاء الله تعالى: أما إلزامنا إياه المهر فلما كان من حق الجماع إذا كان بشبهة يدرأ فيه الحد في الامة والحرة أن يكون فيه مهر كان هذا جماعا يدرأ به الحد ويلحق به الولد للشبهة، فإن قال فإنما جامع ما يملك عند نفسه قلنا قتلك الشبهة التى درأنا بها الحد ولم نحكم له فيها بالملك لانا نردها رقيقا ونجعل عليه قيمة الولد والولد إذا كانوا بالجماع الذى أراه له مباحا فألزمناه قيمتهم كان الجماع بمنزلة الولد أو أكثر لان الجماع لازم وإن لم يكن ولد فإذا ضمناه الولد لانهم بسبب الجماع كان الجماع أولى أن نضمنه إياه وتضمين الجماع هو تضمين الصداق فإن قال قائل وكيف ألزمته قيمة الاولاد الذين لم يدركهم السيد إلا موتى؟ قيل له لما كان السيد يملك الجارية وكان ما ولدت مملوكا بملكها إذا وطئت بغير شبهة فكان على الغاصب ردهم حين ولدوا فلم يردهم حتى ماتوا ضمن قيمتهم كما يضمن قيمة أمهم لو ماتت ولما كان المشترى وطئها بشبهة كان سلطان المغصوب عليهم فيما يقوم مقامهم حين ولدوا فقد ثبتت له قيمتهم فسواء ماتوا أو عاشوا لانهم لو عاشوا لم يسترقوا قال وإذا اغتصب الرجل الجارية ثم وطئها بعد الغصب وهو من غير أهل الجهالة أخذت منه الجارية والعقر وأقيم عليه حد الزنا فإن كان من أهل الجهالة وقال كانت أرانى لها ضامنا وأرى هذا محل عزر ولم يحد وأخذت منه الجارية والعقر قال وإذا غصب الرجل الجارية فباعها فسواء باعها في الموسم أو على منبر أو تحت سرداب حق المغصوب فيها في هذه الحالات سواء فإن جنى عليها أجنبي في يدى المشترى أو الغاصب جناية تأتى على نفسها أو بعضها فأخذ هي في يديه أرش الجناية ثم استحقها المغصوب فهو بالخيار في أخذ أرش الجناية من يدى من أخذها إذا كانت نفسا أو تضمينه قيمتها على ما وصفنا وإن كانت جرحا فهو بالخيار في أخذ أرش الجرح من الجاني والجارية من الذى هي في يديه أو تضمين الذى هي في يديه ما نقصها الجرح بالغا ما بلغ وكذلك إن كان المشترى قتلها أو جرحها فإن كان الغاصب قتلها
فلمالكها عليه الاكثر من قيمتها يوم قتلها أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة لانه لم يزل لها ضامنا، قال ](3/253)
[ وإن كان المغصوب ثوبا فباعه الغاصب من رجل فلبسه ثم استحقه المغصوب أخذه وكان له ما بين قيمته يوم اغتصبه وبين قيمته التى نقصه إياها اللبس كان قيمته يوم غصبه عشرة فنقصه اللبس خمسة فيأخذ ثوبه وخمسة وهو بالخيار في تضمين اللابس المشترى أو الغاصب فإن ضمن الغاصب فلا سبيل له على اللابس وهكذا إن غصب دابة فركبت حتى انضيت كانت له دابته وما نقصت عن حالها حين غصبها ولست أنظر في القيمة إلى تغير الاسواق إنما أنظر إلى تغير بدن المغصوب فلو أن رجلا غصب رجلا عبدا صحيحا قيمته مائة دينار فمرض فاستحقه وقيمته مريضا خمسون أخذ عبده وخمسين ولو كان الرقيق يوم أخذه أغلى منهم يوم غصبه وكذلك لو غصبه صبيا مولودا قيمته دينار يوم غصبه فشب في يد الغاصب وشل أو أعور وغلا الرقيق أو لم يغل فكانت قيمته يوم استحقه عشرين دينارا أخذه وقومناه صحيحا وأشل أو أعور ثم رددناه على الغاصب بفضل ما بين قيمته صحيحا وأشل أو أعور لانه كان عليه أن يدفعه إليه صحيحا فما حدث به من عيب ينقصه في بدنه كان ضامنا له وهكذا لو غصبه ثوبا جديدا قيمته يوم غصبه عشرة فلبسه حتى أخلق وغلت الثياب فصار يساوى عشرين أخذ الثوب ويقوم الثوب جديدا وخلقا ثم أعطى فضل ما بين القيمتين، قال ولو غصبه جديدا قيمته عشرة ثم رده جديدا قيمته خمسة لرخص الثياب لم يضمن شيئا من قبل أنه رده كما أخذه فان شبه على أحد بأن يقول قد ضمن قيمته يوم اغتصبه فالقيمة لا تكون مضمونة أبدا إلا لفائت والثوب إذا كان موجودا بحاله غير فائت وإنما تصير عليه القيمة بالفوت، ولو كان حين غصب كان ضامنا لقيمته لم يكن للمغصوب أخذ ثوبه وإن زادت قيمته ولا عليه أخذ ثوبه إن كانت قيمته سواء أو كان أقل قيمة قال وإذا غصب الجارية فأصابها عيب من السماء أو بجناية أحد فسواء وسواء أصابها ذلك عند الغاصب أو المشترى يسلك بما أصابها من العيوب التى من السماء ما سلك بها في العيوب التى يجنى عليها الآدميون، قال وإذا غصب الرجل جارية فباعها من آخر فحدث بها عند المشترى عيب ثم جاء المغصوب فاستحقها أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها العيب من الغاصب فإن أخذه منه لم
يرجع على المشترى بشئ ولرب الجارية أن يأخذ ما نقصه العيب الحادث في يد المشترى من المشترى فإن أخذه من المشترى رجع به المشترى على الغاصب وبثمنها الذى أخذ منه لانه لم يسلم إليه ما اشترى وسواء كان العيب من السماء أو بجناية آدمى، قال وإذا غصب الرجل من الرجل دابة فاستغلها أو لم يستغلها ولمثلها غلة أو دار فسكنها أو أكراها أو لم يسكنها ولم يكرها ولمثلها كراء أو شيئا ما كان مما له غلة استغله أو لم يستغله انتفع به أو لم ينتفع به فعليه كراء مثله من حين أخذه حتى يرده إلا أنه إن كان أكراه بأكثر من كراء مثله فالمغصوب بالخيار في أن يأخذ ذلك الكراء لانه كراء ماله أو يأخذ كراء مثله ولا يكون لاحد غلة بضمان إلا للمالك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قضى بها للمالك الذى كان أخذ ما أحل الله له والذى كان إن مات المغل مات من ماله.
وإن شاء أن يحبس المغل حبسه إلا أنه جعل له الخيار إن شاء أن يرده بالعيب رده، فأما الغاصب فهو ضد المشترى الغاصب أخذ ما حرم الله تعالى عليه ولم يكن للغاصب حبس ما في يديه ولو تلف المغل كان الغاصب له ضامنا حتى يؤدى قيمته إلى الذى غصبه إياه ولا يطرح الضمان له لو تلف قيمة الغلة التى كانت قبل ان يتلف ولا يجوز إلا هذا القول أو قول آخر وهو خطأ عندنا والله تعالى أعلم وهو أن بعض الناس زعم أنه إذا سكن أو اشتغل أو حبس فالغلة والسكن له بالضمان ولا شئ عليه، وإنما ذهب إلى القياس على الحديث الذى ذكرت فأما أن يزعم زاعم أنه إن أخذ غلة أو سكن رد الغلة وقيمة السكنى وإن لم يأخذها فلا شئ عليه فهذا ](3/254)
[ خارج من كل قول لا هو جعل ذلك له بالضمان ولا هو جعل ذلك للمالك إذا كان المالك مغصوبا (قال الربيع) معنى قول الشافعي ليس للمغصوب أن يأخذ إلا كراء مثله لان كراءه باطل وإنما على الذى سكن إذا استحق الدار ربها كراء مثلها وليس له خيار في أن يأخذ الكراء الذى أكراها به الغاصب لان الكراء مفسوخ (قال الشافعي) ولو اغتصبه أرضا فغرسها نخلا أو أصولا أو بنى فيها بناء أو شق فيها أنهارا كان عليه كراء مثل الارض بالحال الذى اغتصبه إياها وكان على البانى والغارس أن يقلع بناءه وغرسه فإذا قلعه ضمن ما نقص القلع الارض حتى يرد إليه الارض بحالها حين اخذها ويضمن القيمة بما نقصها قال وكذلك ذلك في النهر وفى كل شئ أحدثه فيها لا يكون له أن يثبت فيها عرقا
ظالما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق ولا يكون لرب الارض أن يملك مال الغاصب ولم يملكه إياه كان ما يقلع الغاصب منه ينفعه أولا ينفعه لان له منع قليل ماله كما له منع كثيره وكذلك لو كان حفر فيها بئرا كان له دفنها وإن لم ينفعه الدفن وكذلك لو غصبه دارا فزوقها كان له قلع التزويق وإن لم يكن ينفعه قلعه وكذلك لو كان نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه إياها بالحال التى غصبه إياها عليها لا يكون عليه أن يترك من ماله شيئا ينتفع به المغصوب كما لم يكن على المغصوب أن يبطل من ماله شيئا في يد الغاصب فإن تأول رجل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " فهذا كلام مجمل لا يحتمل لرجل شيئا إلا احتمل عليه خلافه ووجهه الذى يصح به: أن لا ضرر في أن لا يحمل على رجل في ماله ما ليس بواجب عليه ولا ضرار في أن يمنع رجل من ماله ضررا ولكل ماله وعليه، فإن قال قائل: بل أحدث للناس في أموالهم حكما على النظر لهم وأمنعهم في أموالهم على النظر لهم قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت رجلا له بيت يكون ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع في دار رجل له مقدرة أعطاه به ما شاء مائة ألف دينار أو أكثر وقيمة البيت درهم أو درهمان واعطاه مكانه دارا مع المال أو رقيقا هل يجبر على النظر له أن يأخذ هذا الكثير بهذا القليل؟ أو رأيت رجل له قطعة أرض بين أراضي رجل لا تساوى القطعة درهما فسأله الرجل أن يبيعه منها ممرا بما شاء من الدنيا هل يجبر على أن يبيع ما لا ينفعه بما فيه غناه؟ أو رأيت رجلا صناعته الخياطة فحلف رجل أن لا يستخيط غيره ومنعه هو أن يخيط له فأعطاه على ما الاجازة فيه درهم مائة دينار أو أكثر أيجبر على أن يخيط له؟ أو رأيت رجلا عنده أمة عمياء لا تنفعه أعطاه بها ابن لها بيت مال هل يجبر على أن يبيعها؟ فإن قال لا يجبر واحد من هؤلاء على النظر له قلنا وكل هؤلاء يقول إنما فعلت هذا إضرارا بنفسى وإضرارا للطالب إلى حتى أكون جمعت الامرين فإن قال وإن أضر بنفسه وضار غيره فإنما فعل في ماله ماله أن يفعل قيل وكذلك حافر البئر في أرض الرجل والمزوق جدار الرجل وناقل التراب إلى أرض الرجل إنما فعل ماله أن يفعل ومنع ماله أن يمنع من ماله، فإن كان في رد التراب ودفن البئر ما يشغل الارض عن ربها حتى يمنعه منفعة في ذلك الوقت، قيل للذى يريد رد التراب أنت بالخيار في أن ترده ويكون عليك كراء الارض بقدر المدة التى حبستها عن المنفعة أو تدعه، وقيل
لرب الارض في البئر لك الخيار في أن تأخذ حافر البئر بدفنها على كال حال، ولا شئ لك عليه لانه ليس في موضعها منفعة حتى تكون مدفونة إلا أن يكون لموضعها لو كانت مستوية منفعة فيما بين أن حكمنا لك بها إلى أن يدفنها فيكون لك أجر تلك المنفعة لانه شغل عنك شيئا من أرضك (قال الشافعي) وإن كان الغاصب نقل من أرض المغصوب ترابا كان منفعة للارض لا ضرر عليها أخذ برده فإن كان لا يقدر على رد مثله بحال أبدا قومت الارض وعليها ذلك التراب، وقومت بحالها حين أخذها ](3/255)
[ ثم ضمن الغاصب ما بين القيمتين، وإن كان يقدر على رده بحال وإن عظمت فيه المؤنة كلفه، قال: وإذا قطع الرجل يد دابة رجل أو رجلها أو جرحها جرحا ما كان صغيرا أو كبيرا، قومت الدابة مجروحة أو مقطوعة، ثم ضمن ما بين القيمتين ولا يملك أحد مال أحد بجنابة أبدا، قال: وإذا أقام شاهدا أن رجلا غصبه هذه الجارية يوم الخميس وشاهدا أنه غصبه إياها يوم الجمعة أو شاهدا أنه غصبه إياها وشاهدا أنه أقر له بغصبه إياها أو شاهدا أنه أقر له يوم الخميس بغصبها وآخر أنه أقر له يوم الجمعة بغصبها فكل هذا مختلف لان غصب يوم الخميس غير غصب يوم الجمعة وفعل الغصب غير الاقرار بالغصب والاقرار يوم الخميس غير الاقرار يوم الجمعة، فيقال له في هذا كله أحلف مع أي شاهديك شئت واستحق الجارية فإن حلف استحقها، قال: ولو أن أرضا كانت بيد رجل فادعى آخر أنها أرضه فأقام شاهدا فشهد له أنها أرضه اشتراها من مالك أو ورثها من مالك أو تصدق بها عليه مالك أو كانت مواتا فأحياها فوصف ذلك بوجه من وجوه الملك الذى يصح وأقام شاهدا غيره أنها حيزة لم تكن الشهادة بأنها حيزة شهادة ولو شهد عليها عدد عدول إذا لم يزيدوا على هذا شيئا لان حيزه يحتمل ما يجوز بالملك وما يجوز بالعارية والكراء ويحتمل ما يلي أرضه وما يلى مسكنه ويحتمل بعطية أهلها فلما لم يكن واحد من هذه المعاني أولى بالظاهر من الآخر لم تكن هذه شهادة أبدا حتى يزيدوا فيها ما يبين أنها ملك له وله أن يحلف مع الشاهد الذى شهد له بالملك ويستحق قال ولو شهد له الشاهد الاول بما وصفنا من الملك وشهد له الشاهد الثاني بأنه كان يجوزها وقف فإن قال بحوزها بملك فقد اجتمعا على الشهادة وإن قال يحوزها ولم يزد على ذلك لم يجتمعا على الشهادة ويحلف مع شاهد الملك
ويستحق قال وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من آخر وقبض الثمن فهلك في يديه ثم جاء رب الجارية والجارية قائمة أخذ الجارية وشيئا إن كان نقصها ورجع المشترى على البائع بالثمن الذي قبض منه موسرا كان أو معسرا، قال وإذا غصب الرجل الرجل دابة أو أكراه إياها، فتعدى فضاعت في تعديه فضمنه رب الدابة المغصوب أو المكرى قيمة دابته ثم ظفر بالدابة بعد فإن بعض الناس وهو أبو حنيفة قال لا سبيل له على الدابة ولو كانت جارية لم يكن له عليها سبيل من قبل أنه أخذ البدل منها والبدل يقوم مقام البيع (قال الشافعي) وإذا ظهر على الدابة رددت عليه الدابة ورد ما قبض من ثمنها إن كانت دابته بحالها يوم غصبها أو تعدى بها أو خيرها حالا فإن كانت ناقصة قبضها وما نقصت ورد الفضل عن نقصانها من الثمن ولا يشبه هذا البيوع إنما البيوع بما تراضيا عليه فسلم له رب السلعة سلعته وأخرجها من يديه إليه راضيا بإخراجها والمشترى غير عاص في اخذها والمتعدي عاص في التعدي والغصب ورب الدابة غير بائع له دابته ألا ترى أن الدابة لو كانت قائمة بعينها لم يكن له أخذ قيمتها فلما كان إنما أخذ القيمة على أن دابته فائتة ثم وجد الدابة كان الفوت قد بطل وكانت الدابة موجودة ولو كان هذا بيعا ما جاز أن تباع دابته غائبة ولو جاز فهلكت الدابة كان للغاصب والمتعدي أن يرجع بالثمن ولو وجدت معيبة كان له أن يردها بالعيب فإن قال رجل فهى لا تشبه البيوع ولكنها تشبه الجنايات قيل له أفرأيت له أن رجلا جنى على عين رجل فابيضت فحكم له بأرشها ثم ذهب البياض فقائل هذا يزعم أنه يرده بالارش ويرده ولو حكم له في سن قلعت من صبى بخمس من الابل ثم نبتت رجع بالارش الذى حكم به عليه فإن شبهها بالجنايات فهذا يلزمه فيه اختلاف القول وإن زعم أنها لا تشبه الجنايات لان الجنايات ما فات فلم يعد فهذه قد عادت فصارت غير فائتة ولو كان هذا بغير قضاء قاض فاغتصب رجل لرجل دابة أو أكراه إياها فتعدى عليها فضاعت ثم اصطلحا من ثمنها على ](3/256)
[ شئ يكون أكثر من قيمة الدابة أو مثله أو أقل فالقول فيه كالقول في حكم القاضى لانه إنما صالحه على ما لزم الغاصب مما استهلك فلما كان ماله غير مستهلك كان الصلح وقع على غير ما علما أو علم رب الدابة ولو كان الغاصب قال له أنا اشترتها منك وهى في يدى قد عرفتها فباعه إياها بشئ قد عرفه قل
أو كثر فالبيع جائز فإن جاء الغاصب بالدابة معيبة عيبا يحدث مثله فزعم أنه لم يكن رآه وأن البائع دلس له به كان القول قول البائع مع يمينه إلا أن يقيم الغاصب البينة على أنه كان في يد المغصوب البائع أو يكون العيب مما لا يحدث مثله فيكون له رد الدابة ويكون للمغصوب ما نقصها على الغاصب فإن قال المتعدى بالغصب أو في الكراء إن الدابة ضاعت فأنا أدفع إليك قيمتها فقيل ذلك منه بغير قضاء قاض فلا يجوز في هذا والله أعلم إلا واحد من قولين أحدهما أن يقال هذا بيع مستأنف فلا نجيزه من قبل أنه لا يجوز بيع الموتى أو يقال هذا بدل إن كانت ضاعت أو تلفت فيجوز لان ذلك يلزمه في أصل الحكم فمن ذهب هذا المذهب لزمه إذا علم بأن الدابة لم تضع أن يكون لرب الدابة أخذها وعليه رد ما أخذ من قبل أنه إنما أخذ ما كان يلزم له لو كانت ضائعة فلما لم تكن ضائعة كان على أصل ملكه أو يقول قائل قولا ثالثا فيقول لما رضى بقوله وترك استحلافه كما كان الحاكم مستحلفه لو ضاعت فلا يكون له الرجوع على حال فأما أن يقول قائل إن كانت عند الغاصب وإنما كذب ليأخذها فللمشترى أخذها وإن لم تكن عند الغاصب ثم وجدها فليس للمشترى أخذها فهذا لا يجوز في وجه من الوجوه لان الذى انعقد إن كان جائزا بكل حال جاز ولم ينتقض وإن كان جائزا ما لم تكن موجودة منتقضا إذا كانت موجودة فهى موجودة في الحالين فما بالها ترد في إحداهما ولا ترد في الاخرى؟ وإن كان فاسدا فهو مردود بكل حال وهذا القول لا جائز ولا فاسد ولا جائز على معنى فاسد في آخر (قال الشافعي) وإذا باع الرجل من الرجل الجارية أو العبد وقبضه منه ثم أقر البائع لرجل آخر أنه عبده غصبه منه أو أمته غصبها منه قلنا للمقر له بالغصب إن أقمت بينة على الغصب دفعنا إليك أيهما أقمت عليه البينة ونقضنا البيع وإن لم تقم بينة فإقرار البائع لك إثبات حق لك على نفسه وإبطال حق لغيرك قد ثبت عليه قبل إقراره لك ولا يصدق في إبطال حق غيره ويصدق على نفسه فيضمن لك قيمة أيهما أقر بأنه غصبكه إلا أن يجد المشترى العيب أو يكون له خيار فيرده بخياره في العيب وخياره في الشرط فإذا رده كان على المقر أن يسلمه إليك وإن صدقه المشترى أنه غاصب رده ورجع عليه بالثمن الذى أخذه منه إن شاء (قال الشافعي) وإذا اغتصب الرجل من الرجل عبدا فباعه من رجل ثم ملك المغتصب البائع ذلك العبد بميراث أو هبة أو بشراء صحيح أو وجه ملك ما كان ثم أراد نقض البيع
الاول لانه باع ما لا يملك فإن صدقه المشترى أو قامت بينة فالبيع منتقض أراده أو لم يرده لانه باع ما لا يجوز له بيعه وإن لم تقم بينة وقال المشترى إنما ادعيت ما يفسد البيع فالقول قول المشترى مع يمينه فإن قال البائع بعتك ما أملك ثم قامت بينة أنه اغتصبه ثم ملكه ولم يصدقه المشترى ثبت البيع من قبل أن البينة إنما تشهد في هذا الوقت للبائع لا عليه فتشهد له بما يرجع به العبد إلى ملكه فيكون مشهودا له لا عليه وقد أكذبهم فلا ينتقض البيع في الحكم لاكذابه بينته وينبغى في الورع أن يجددا بيعا أو يرده المشترى قال وإن كانت البينة شهدت فكان ذلك يخرجه من أيديهما جميعا قبلت البينة لانها عليه قال وإن باعه وقبضه المشترى ثم أعتقه فقامت بينة بغصب وكان المغصوب أو ورثته قياما رد العتق لان البيع كان فاسدا ويرد إلى المغصوب ولو لم تكن بينة وصدق الغاصب والمشترى المدعى أنه غصبه لم يقبل قول واحد منهما في العتق ومضى العتق ورددنا المغصوب على الغاصب بقيمة العبد في أكثر ما كان قيمة ](3/257)
[ وإن أحب رددناه على المشترى المعتق فإن رددناه على المشترى المعتق رجع على الغاصب البائع بما أخذ منه لانه قد أقر أنه باع ما لا يملك والولاء موقوف من قبل أن المعتق يقر أنه أعتق ما لا يملك قال وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من رجل والمشترى يعلم أنها مغصوبة ثم جاء المغصوب فأراد البيع لم يكن البيع جائزا من قبل أن أصل البيع كان محرما فلا يكون لاحد إجازة المحرم ويكون له تجديد بيع حلال هو غير الحرام فإن قال قائل أرأيت لو ان أمرا باع جارية له وشرط لنفسه فيها الخيار أما كان يجوز البيع ويكون له أن يختار إمضاءه فيلزم المشترى بأن له الخيار دون البائع؟ قيل بلى فإن قال فما فرق بينهما؟ قيل هذه باعها مالكها بيعا حلالا وكان له الخيار على شرطه وكان المشترى غير عاص لله ولا البائع والغاصب والمشترى وهو يعلم أنها مغصوبة عاصيان لله وهذا بائع ما ليس له وهذا مشتر ما لا يحل له فلا يقاس الحرام على الحلال لانه ضده ألا ترى أن الرجل المشترى من رب الجارية جاريته لو شرط المشترى الخيار لنفسه كان له الخيار كما يكون للبائع إذا شرطه؟ أفيكون للمشترى الجارية المغصوبة الخيار في أخذها أو ردها؟ فإن قال لا قيل ولو شرط الغاصب الخيار لنفسه؟ فإن قال لا من قبل أن الذى شرط له الخيار لا يملك الجارية قيل ولكن الذى يملكها لو شرط له الخيار جاز فإن قال
نعم قيل له أفلا ترى أنهما مختلفان في كل شئ فكيف يقاس أحد المختلفين في كل شئ على الآخر؟ قال وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فأقر الغاصب بأنه غصبه جارية وقال ثمنها عشرة وقال المغصوب ثمنها مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه ولا تقوم على الصفة من قبل أن التقويم على الصفة لا يضبط قد تكون الجاريتان بصفة ولون وسن وبينهما كثير في القيمة بشئ يكون في الروح والعقل واللسان فلا يضبط إلا بالمعاينة فيقال لرب الجارية إن رضيت وإلا فإن أقام بينة فأقام بينة أخذ له ببينته وإن لم يقمها أحلف له الغاصب وكان القول قوله ولو أقام عليه شاهدين بأنه غصبه جارية فهلكت الجارية في يديه ولم يثبت الشاهدان على قيمتها كان القول في قيمتها قول الغاصب مع يمينه ولو وصفها الشاهدان بصفة أنها كانت صحيحة علم أن قيمتها أكثر مما قال الغاصب كان القول قول الغاصب لانه قد يمكن أن يكون ثم داء أو غائلة تخفى يصير بها ثمنها إلى ما قال الغاصب فإذا أمكن ما قال الغاصب بحال كان القول قوله مع يمينه وهكذا قول من يغرم شيئا من الدنيا بأى وجه ما دخل عليه الغرم إذا أمكن أن يكون القول قوله كان القول قوله ولا يؤخذ منه خلاف ما أقر به إلا ببينة ألا ترى أنا نجعل في الاكثر من الدعوى عليه القول قوله؟ فلو قال رجل غصبني أولى عليه دين أو عنده وديعة كان القول قوله مع يمينه ولم نلزمه شيئا لم يقر به فإذا اعطيناه هذا في الاكثر كان الاقل أولى أن نعطيه إياه فيه ولا تجوز القيمة على ما لا يرى وذلك أنا ندرك ما وصفت من علم أن الجاريتان تكونان في صفة وإحداهما أكثر ثمنا من الاخرى بشئ غير بعيد فلا تكون القيم إلا على ماعوين أو لا ترى ان فيما عوين لا نولي القيمة فيه إلا أهل العلم به في يومه الذى يقومونه فيه؟ ولا تجوز لهم القيمة حتى يكشفوا عن الغائلة والادواء ثم يقيسوه بغيره ثم يكون أكثر ما عندهم في ذلك تآخى قدر القيمة على قدر ما يرى من سعر يومه فإذا كان هذا هكذا لم يجز التقويم على المغيب فإن قال صفته كذا ولا أعرف قيمته قلنا لرب الثوب ادع في قيمته ما شئت فإذا فعل قلنا للغاصب قد ادعى ما تسمع فإن عرفته فأده إليه بلا يمين وإن لم تعرفه فأقر بما شئت نحلفك عليه وتدفعه إليه فإن قال لا أحلف قلنا فرد اليمين عليه فيحلف عليك ويستحق ما ادعى إن ثبت على الامتناع من اليمين فإن حلف بعد أن بين هذا له فقد جاء بما عليه وإن امتنع أحلفنا المدعى ثم الزمناه جميع ما حلف عليه فإن أراد اليمين بعد يمين المدعى لم نعطه إياها فإن جاء ببينة على ](3/258)
[ أقل مما حلف عليه المدعى أعطيناه بالبينة وكانت البينة أولى من اليمين الفاجرة قال وإذا غصب رجل من رجل طعاما حبا أو تمرا أو أدما فاستهكله فعليه مثله إن كان يوجد له مثل بحال من الحال وإن لم يوجد له مثل فعليه قيمته أكثر ما كان قيمة قط قال وإذا غصب رجل لرجل أصلا فأثمر أو غنما فتوالدت وأصاب من صوفها وألبانها كان لرب الاصل والغنم وكل ماشية أن يأخذ ماشيته وأصله من الغاصب إن كان بحاله حين غصبه أو خيرا وإن نقص أخذه والنقصان ورجع عليه بجميع ما أتلف من الثمرة فأخذ منه مثلها إن كان لها مثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل وقيمة ما أتلف من نتاج الماشية ومثل ما أخذ من لبنها أو قيمته إن لم يكن له مثل ومثل ما أخذ من صوفها وشعرها إن كان له مثل وإلا قيمته إن لم يكن له مثل قال وإن كان أعلفها أو هنأها وهى جرب أو استأجر عليها من حفظها أو سقى الاصل فلا شئ له في ذلك (قال الشافعي) وأصل ما يحدث الغاصب فيما اغتصب شيئان أحدهما عين موجودة تميز وعين موجودة لا تميز والثانى أثر لا عين موجودة فأما الاثر الذى ليس بعين موجودة فمثل ما وصفنا من الماشية يغصبها صغارا والرقيق يغصبهم صغارا بهم مرض فيداويهم وتعظم نفقته عليهم حتى يأتي صاحبهم وقد أنفق عليهم أضعاف أثمانهم وإنما ماله في أثر عليهم لا عين ألا ترى أن النفقة في الدواب والاعبد إنما هو شئ صلح به الجسد لا شئ قائم بعينه مع الجسد وإنما هو أثر؟ وكذلك الثوب يغسله ويكمده وكذلك الطين يغصبه فيبله بالماء ثم يضربه لبنا فإنما هذا كله أثر ليس بعين من ماله وجد فلا شئ له فيه لانه ليس بعين تتميز فيعطاه ولا عين تزيد في قيمته ولا هو موجود كالصبغ في الثوب فيكون شريكا له والعين الموجودة التى لا تتميز أن يغصب الرجل الثوب الذى قيمته عشرة دراهم فيصبغه بزعفران فيزيد في قيمته خمسة فيقال للغاصب إن شئت أن تستخرج الزعفران على أنك ضامن لما نقص من الثوب وإن شئت فأنت شريك في الثوب لك ثلثه ولصاحب الثوب ثلثاه ولا يكون له غير ذلك وهكذا كل صبغ كان قائما فزاد فيه وإن صبغه بصبغ يزيد ثم استحق الصبغ فإنما يقوم الثوب فإن كان الصبغ زائدا في قيمته شيئا قل أو كثر فهكذا وإن كان غير زائد في قيمته قيل له ليس لك ههنا مال زاد في مال الرجل فتكون شريكا له به فإن شئت فاستخرج الصبغ على أنك
ضامن لما نقص الثوب وإن شئت فدعه قال وان كان الصبغ مما ينقص الثوب قيل له أنت أضررت بصاحب الثوب وأدخلت عليه النقص فإن شئت فاستخرج صبغك وتضمن ما نقص الثوب وإن شئت فلا شئ لك في صبغك وتضمن ما نقص الثوب كل حال قال ومن الشئ الذى يخلطه الغاصب بما اغتصب فلا يتميز منه أن يغصبه مكيال زيت فيصبه في زيت مثله أو خير منه فيقال للغاصب إن شئت أعطيته مكيال زيت مثل زيته وإن شئت أخذ من هذا الزيت مكيالا ثم كان غير مزداد إذا كان زيتك مثل زيته وكنت تاركا للفضل إذا كان زيتك أكثر من زيته ولا خيار للمغصوب لانه غير منتقص فإن كان صب ذلك المكيال في زيت شر من زيته ضمن الغاصب له مثل زيته لانه قد انتقص زيته بتصييره فيما هو شر منه وإن كان صب زيته في بان أو شيرق أو دهن طيب أو سمن أو عسل ضمن في هذا كله لانه لا يتخلص منه الزيت ولا يكون له أن يدع إليه مكيالا مثله وإن كان المكيال منه خيرا من الزيت من قبل أنه غير الزيت ولو كان صبه في ماء إن خلصه منه حتى يكون زيتا لا ماء فيه وتكون مخالطة الماء غير ناقصة له كان لازما للمغصوب أن يقبله وإن كانت مخالطة الماء ناقصة له في العاجل والمتعقب كان عليه أن يعطيه مكيالا مثله مكانه (قال الربيع) ويعطيه هذا الزيت بعينه وإن نقصه الماء ويرجع عليه بنقصه وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) ولو اغتصب زيتا فأغلاه على النار فنقص ](3/259)
[ كان عليه أن يسلمه إليه وما نقص مكيلته ثم إن كانت النار تنقصه شيئا في القيمة كان عليه أن يغرم له نقصانه وإن لم تنقصه شيئا في القيمة فلا شئ عليه ولو اغتصبه حنطة جديدة خلطها برديئة كان كما وصفت في الزيت يغرم له مثلها بمثل كيلها إلا أن يكون يقدر على أن يميزها حتى تكون معروفة وإن خلطها بمثلها أو أجود كان كما وصفت في الزيت قال ولو خلطها بشعير أو ذرة أو حب غير الحنطة كان عليه أن يؤخذ بتمييزها حتى يسلمها إليه بعينها بمثل كيلها وإن نقص كيلها شيئا ضمنه قال ولو اغتصبه حنطة جيدة فأصابها عنده ماء أو عفن أو أكلة أو دخلها نقص في عينها كان عليه أن يدفعها إليه وقيمة ما نقصها تقوم بالحال التى غصبها والحال التى دفعها بها ثم يغرم فضل ما بين القيمتين قال ولو عصبه دقيقا فخلطه بدقيق أجود منه أو مثله أو أردأ كان كما وصفنا في الزيت قال وإن غصبه زعفرانا وثوبا
فصبغ الثوب بالزعفران كان رب الثوب بالخيار في أن يأخذ الثوب مصبوغا لانه زعفرانه وثوبه ولا شئ له غير ذلك أو يقوم ثوبه أبيض وزعفرانه صحيحا فإن كانت قيمته ثلاثين قوم ثوبه مصبوغا بزعفران فإن كانت قيمته خمسة وعشرين ضمنه خمسة لانه ادخل عليه النقص قال وكذلك إن غصبه سمنا وعسلا ودقيقا فعصده كان للمغصوب الخيار في أن يأخذه معصودا ولا شئ للغاصب في الحطب والقدر والعمل من قبل أن ماله فيه أثر لا عين أو يقوم له العسل منفردا والسمن والدقيق منفردين فإن كان قيمته عشرة وهو معصود قيمته سبعة غرم له ثلاثة من قبل أنه أدخل عليه النقص، ولو غصبه دابة وشعيرا فعلف الدابة الشعير رد الدابة والعشير من قبل أنه هو المستهلك له وليس في الدابة عين من الشعير يأخذه إنما فيها منه أثر قال ولو غصبه طعاما فأطعمه إياه والمغصوب لا يعلم كان متطوعا بالاطعام وكان عليه ضمان الطعام وإن كان المغصوب يعلم أنه طعامه فأكله فلا شئ له عليه من قبل أن سلطانه إنما كان على أخذه طعامه فقد أخذه قال ولو اختلفا فقال المغصوب أكلته ولا أعلم أنه طعامي وقال الغاصب أكلته وأنت تعلمه فالقول قول المغصوب مع يمينه إذا أمكن أن يكون يخفى ذلك بوجه من الوجوه (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا أكله عالما أو غير عالم فقد وصل إليه شيئه ولا شئ على الغاصب إلا أن يكون نقص عمله فيه شيئا فيرجع بما نقصه العمل (قال الشافعي) وإن غصبه ذهبا فحمل عليه نحاسا أو حديدا أو فضة أخذ بتمييزه بالنار وإن نقصت النار ذهبه شيئا ضمن ما نقصت النار وزن ذهبه وسلم إليه ذهبه ثم نظرنا فإن كانت النار نقصت من ذهبه شيئا في القيمة ضمن له ما نقصته النار في القيمة وقال ولو سبكه مع ذهب مثله أو أجود أو أردأ كان هذا مما لا يتميز وكان القول فيه كالقول في الزيت قال ولو اغتصبه ذهبا فجعله قضيبا ثم أضاف إليه قضيبا من ذهب غيره أو قضيبا من نحاس أو فضة ميز بينهما ثم دفع إليه قضيبه إن كان بمثل الوزن الذى غصبه به ثم نظر إليه في تلك الحال وإليه في الحال التى غصبه إياه فيها معا فإن كانت قيمته حين رده أقل منها حين غصبه ضمن له فضل ما بين القيمتين وإن كانت مثله أو أكثر أخذ ذهبه ولا شئ له غير ذلك ولا للغاصب في الزيادة لان الزيادة من عمل إنما هو أثر قال ولو غصبه شاة فأنزى عليها تيسا فجاءت بولد كانت الشاة وللولد للمغصوب ولا شئ للغاصب في عسب التيس من قبل شيئين أحدهما أنه لا يحل ثمن عسب الفحل والآخر أنه
إنما هو شئ أقره فيها فانقلب الذى أقر إلى غيره والذى انقلب ليس بشئ يملكه إنما يملكه رب الشاة قال ولو غصبه نقرة ذهب فضربها دنانير كان لرب النقرة أن يأخذ الدنانير إن كانت بمثل وزن النقرة وكانت بمثل قيمة النقرة أو أكثر ولا شئ للغاصب في زيادة عمله إنما هو أثر وإن كانت ينقص وزنها أخذ الدنانير وما نقص الوزن قال وإن كان قيمتها تنقص مع ذلك أخذ الدنانير وما نقص الوزن وما ](3/260)
[ نقص القيمة قال وان غصبه خشبة فشقها ألواحا أخذ رب الخشبة الالواح فإن كانت الالواح مثل قيمة الخشبة أو أكثر أخذها ولا شئ للغاصب في زيادة قيمة الالواح على الخشبة من قبل أن ماله فيها أثر لا عين وإن كانت الالواح أقل قيمة من الخشبة أخذها وفضل ما بين القيمتين قال ولو أنه عمل هذه الالواح أبوابا ولم يدخل فيها شيئا من عنده كان هكذا ولو أدخل فيها من عنده حديدا أو خشبا غيرها كان عليه أن يميز ماله من مال المغصوب ثم يدفع إلى المغصوب ماله وما نقص ماله إذا ميز منها خشبه وحديده إلا أن يشاء أن يدع له ذلك متطوعا، قال وكذلك لو أدخل لوحا منها في سفينة أو بنى على لوح منها جدارا كان عليه أن يؤخذ بقلع ذلك حتى يسلمه إلى صاحبه وما نقصه قال وكذلك الخيط يخيط به الثوب وغيره فإن غصبه خيطا فخاط به جرح إنسان أو حيوان ضمن قيمته ولم يكن للمغصوب أن ينزع خيطه من إنسان ولا حيوان حى فإن قال قائل ما فرق بين الخيط يخاط به الثوب وفى إخراجه إفساد للثوب وفى إخراج اللوح إفساد للبناء والسفينة وفى إخراج الخيط من الجرح إفساد للجرح (1) فإن زعمت أن أحدهما يخرج مع الفساد والآخر لا يخرج مع الفساد؟ قيل له إن هدم الجدار وقلع اللوح من السفينة ونقض الخياطة ليس بمحرم على مالكها لانه ليس في شئ منها روح تتلف ولا تألم فلما كان مباحا لمالكها كان مباحا لرب الحق أن يأخذ حقه منها واستخراج الخيط من الجرح تلف للمجروح وألم عليه ومحرم عليه أن يتلف نفسه وكذلك محرم على غيره أن يتلفه إلا بما أذن الله تعالى به فيه من الكفر والقتل وكذلك ذوات الارواح ولا يؤخذ الحق بمعصية الله تعالى وإنما يؤخذ بما لم يكن لله معصية (قال الربيع) وفيه قول آخر إن كان الخيط في حيوان لا يؤكل فلا ينزع لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم وإن كان في حيوان يؤكل نزع الخيط لانه حلال له أن يذبحها
ويأكلها (قال الشافعي) قلت أرأيت إن كان الغاصب معسرا وقد صبغ الثوب صبغا ثم قال أنا أغسله حتى أخرج صبغي منه لم نمكنه (2) أن يغسله فينقص على ثوبي وهو معسر بذلك قال وإذا جنى الحر على العبد جناية تكون نفسا أو أقل حملتها عاقلة الحر، إن كانت خطأ وقامت بها بينة فإن قال قائل وكيف ضمنت العاقلة جناية حر على عبد؟ قيل له لما كانت العاقلة تعقل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية الحر على الحر في النفس وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية الحر على الجنين وهو نصف عشر نفس دل ذلك على أن ما جنى الحر من جناية خطأ كانت على عاقلته وعلى أن الحكم في جناية الحر خطأ مخالف للحكم في جناية الحر العمد وفيما استهلك الحر من عروض الآدميين فإن قال قائل فلم لم تجعل العبد عرضا من العروض وإنما فيه قيمته كما يكون ذلك في العروض؟ قيل جعل الله عزوجل على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهل المقتول فكان ذلك في الآدميين دون العروض والبهائم ولم أعلم مخالفا في أن على قاتل العبد تحرير رقبة كما هي على قاتل الحر ولا أن الرقبة في مال القاتل خاصة فلما كانت الدية في الخطأ على العاقلة كانت في العبد دية كما كانت فيه رقبة وكان داخلا في جملة الآية وجملة السنة وجملة القياس على الاجماع في أن فيه عتق رقبة فإن قال قائل فديته ليست كدية الحر؟ قيل والديات مسنة الفرض في كتاب الله تعالى ومبينة العدد في سنة رسول الله صلى ]
__________
(1) قوله: فإن زعمت، لعل صوابه: " كأنك زعمت " الخ وحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: لم نمكنه الخ كذا بالاصول والامر سهل.(3/261)
[ الله عليه وسلم وفى الآثار (1) فإنما يستدرك عددها خبرا ألا ترى أن العاقلة تعقل دية الحر والحرة وهما يختلفان ودية اليهودي والنصراني والمجوسي وهم عندنا مخالفوا المسلم؟ فكذلك تعقل دية العبد وهى قيمته فإن قال قائل ما الفرق بين العبد والبهيمة في شئ غير هذا؟ قيل نعم بين العبيد عند العامة القصاص في النفس وعندنا في النفس وفيما دونها وليس ذلك بين بعيرين لو قتل أحدهما صاحبه وعلى العبيد فرائض الله من تحريم الحرام وتحليل الحلال وفيهم حرمة الاسلام وليس ذلك في البهائم فإن كان الجاني عبدا على حر أو عبد لم تعقل عنه عاقلته ولا سيده وكانت الجناية في عنقه دون ذمة سيده يباع
فيها فيدفع إلى ولى المجني عليه ديته فإن فضل من ثمنه شئ رد على صاحبه فإن لم يفضل من ثمنه شئ أو لم يبلغ الدية بطل ما بقى منه لان الجناية إنما كانت في عنقه دون غيره وترك أن يضمن سيده عنه والعاقلة في الحر والعبد مالا أعلم فيه خلافا وفيه دلالة على أن العقل إنما حكمة بالجاني لا بالمجنى عليه ألا ترى أنه لو كان بالمجنى عليه ضمنت عاقلته لسيد العبد ثمن العبد إذا قتل الحر فلما كانت لا تضمن ذلك عنه وكانت جنايته على الحر والعبد سواء في عنقه كانت كذلك جناية الحر على العبد والحر سواء على عاقلته وكان الحر يعقل عنها كما تعقل عنه قال وإذا استعار الرجل من الرجل الدابة إلى موضع فتعدى بها إلى غيره فعطبت في التعدي أو بعد ما ردها إلى الموضع الذى استعارها منه قبل أن تصل إلى مالكها فهو لها ضامن لا يخرج من الضمان إلا بأن يوصلها إلى مالكها سالمة وعليه الكراء من حيث تعدى بها مع الضمان قال وإذا تكارى الرجل من الرجل الدابة من مصر إلى أيلة فتعدى بها إلى مكة فماتت بمكة وقد كان قبضها من ربها ثمن عشرة فنقصت في الركوب حتى صارت بأيلة ثمن خمسة ثم سار بها عن أيلة فإنما يضمن قيمتها من الموضع الذى تعدى بها منه فيأخذ كراءها إلى أيلة الذى أكرها به ويأخذ قيمتها من أيلة خمسة ويأخذ فيما ركب منها بعد ذلك فيما بين أيلة إلى مكة كراء مثلها لا على حساب الكراء الاول، قال وإذا وهب الرجل للرجل طعاما فأكله الموهوب له أو ثوبا فلبسه حتى أبلاه وذهب، ثم استحقه رجل على الواهب فالمستحق بالخيار في أن يأخذ الواهب لانه سبب إتلاف ماله فإن أخذه بمثل طعامه أو قيمة ثوبه فلا شئ للواهب على الموهوب له إذا كانت هبته إياه لغير ثواب ويأخذ الموهوب له بمثل طعامه وقيمة ثوبه لانه هو المستهلك له، فإن أخذه به فقد اختلف في أن يرجع الموهوب له على الواهب، وقيل لا يرجع على الواهب لان الواهب لم يأخذ منه عوضا فيرجع بعوضه وإنما هو رجل غره من أمر قد كان له أن لا يقبله، قال وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا شهرا أو شهرين فلبسه فأخلقه ثم استحقه رجل آخر أخذه وقيمة ما نقصه اللبس من يوم أخذه منه وهو بالخيار في أن يأخذ ذلك من المستعير اللابس أو من الآخذ لثوبه، فإن أخذه من المستعير اللابس، وكان النقص كله في يده لم يرجع به على من أعاره من قبل أن النقس كان من فعله ولم يغر من ماله بشئ فيرجع به، وإن ضمنه المعير غير اللابس فمن زعم أن العارية مضمونة، قال للمعير أن يرجع به
على المستعير لانه كان ضامنا، ومن زعم أن العارية غير مضمونة لم يجعل له أن يرجع على بشئ لانه سلطه على اللبس، وهذا قول بعض المشرقيين، والقول الاول قياس قول بعض أصحابنا الحجازيين وهو موافق للآثار وبه نأخذ ولو كانت المسألة بحالها غير أن مكان العارية أن المستعير تكارى الثوب كان ]
__________
(1) قوله: فإنما يستدرك الخ كذا في بعض الاصول، وفى بعضها فإنما " يستدل الخ " باللام وبعد فلتحرر.
كتبه مصححه.(3/262)
[ الجواب فيها كالجواب في الاولى إلا أن المستكرى إذا ضمن شيئا رجع به على المكرى لانه غيره من شئ أخذ عليه عوضا، وإنما لبسه على أن ذلك مباح له بعوض ويكون لرب الثوب أن يأخذ قيمة إجارة ثوبه، قال: وإذا ادعى الرجل قبل الرجل دعوى فسأل أن يحلف له المدعى عليه أحلفه له القاضى، ثم قبل البينة من المدعى فإن ثبتت عليه بينة أخذ له بها وكانت البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة وسواء كانت بينة المدعى المستحلف حضورا بالبلد أو غيبا عنه فلا يعدو هذا واحدا من وجهين إما أن يكون المدعى عليه إذا حلف برئ بكل حال قامت عليه بينة أو لم تقم وإما أن يكون إنما يكون بريئا ما لم تقم عليه بينه فإذا قامت بينة فالحكم عليه أن يؤخذ منه بها وليس لقرب الشهود وبعدهم معنى ولكن الشهود إن لم يعدلوا اكتفى فيه باليمين الاولى ولم تعد عليه يمين، وإنما أحلفناه أولا أن الحكم في المدعى عليه حكمان أحدهما أن لا يكون عليه بينة فيكون القول قوله مع يمينه، أو يكون عليه بينة فيزول هذا الحكم ويكون الحكم عليه أن يؤخذ منه بالبينة العادلة ما كان المدعى يدعى ما شهدت به بينته أو أكثر منه، قال: وإذا غصب الرجل من الرجل قمحا فطحنه دقيقا نظر فإن كانت قيمة الدقيق مثل قيمة الحنطة أو أكثر فلا شئ للغاصب في الزيادة ولا عليه لانه لم ينقصه شيئا وإن كانت قيمة الدقيق أقل من قيمة الحنطة رجع على الغاصب بفضل ما بين قيمة الدقيق والحنطة ولا شئ للغاصب في الطحن لانه إنما هو أثر لا عين (1) ] (1) " باب " إذا لقى المالك الغاصب في بلد آخر غير بلد الغصب وكان المغصوب مثليا وليس في التراجم وقد سبق في باب السنة في الخيار ما ينبغى ذكره هنا (قال الشافعي) فيمن استهلك لانسان طعاما فلقيه ببلد آخر
فسأل أن يعطى ذلك الطعام في البلد الذى لقيه فيه فليس ذلك عليه، ويقال له إن شئت فاقتض منه طعاما مثل طعامك وبالبلد الذى استهلكه لك فيه وإن شئت أخذناه لك الآن بقيمة ذلك الطعام في ذلك البلد (قال الشافعي) ولو أن الذى عليه الطعام دعا إلى أن يعطى طعاما بذلك البلد فامتنع الذى له الطعام لم يجبر الذى له الطعام على أن يدفع إليه طعاما مضمونا له ببلد غيره، وهكذا كل ما كان لحمله مؤنة (قال الشافعي) وانما رأيت له القيمة في الطعام يغصبه ببلد فيلقى الغاصب ببلد غيره أنى أزعم أن كل ما استهلك لرجل فأدركه بعينه أو مثله أعطيته المثل أو العين فإن لم يكن له مثل ولا عين أعطيته القيمة لانها تقوم مقام العين أذا كانت العين والمثل عدما، فلما حكمت أنه إذا استهلك له طعاما بمصر فلقيه بمكة أو بمكة فلقيه بمصر لم أقض له بطعام مثله لان من أصل حقه أن يعطى مثله بالبلد الذى ضمن له به بالاستهلاك لما في ذلك من النقص والزيادة على كل واحد منهما وما في الحمل على المستوفى، وكان الحكم في هذا أنه لا عين ولا مثل له أقضى به وأجبره على أخذه فجعلته كما لا مثل له فأعطيته قيمته إذا كنت أبطل الحكم له بمثله وإن كان موجودا.
" وفى باب الغصب " من اختلاف العراقيين (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا غصب الرجل الجارية فباعها وأعتقها المشترى، فإن أبى حنيفة كان يقول البيع فيها والعتق باطل لا يجوز لانه باع ما لا يملك وأعتق ما لا يملك وبهذا يأخذ يعنى أبا يوسف، وكان ابن أبى ليلى يقول عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اغتصب الرجل الجارية فأعتقها أو باعها مما أعتقها أو اشتراها شراء فاسدا فأعتقها أو باعها ممن أعتقها فالبيع باطل وإذا بطل البيع لم يجز عتق المبتاع لانه غير مالك وهى مملوكة الاول البائع بيعا فاسدا ولو تناسخها ثلاثون مشتريا فأكثر وأعتقها أيهم شاء إذا لم يعتقها البائع الاول فالبيع كله باطل ويترادون لان البيع إذا كان بيع المالك الاول الصحيح الملك فاسدا فبائعها الثاني لا يملكها ولا يجوز بيعه فيها بحال ولا بيع من باع بالملك عنه والبيع إذا كان فاسدا فلم يملك به، ومن أعتق ما لا يملك لم يجز عتقه، وإذا اشترى الجارية فوطئها فاستحقها رجل فقضى له بها القاضى فإن أبا حنيفة كان يقول على الواطئ مهر مثلها سئل ما يتزوج به الرجل مثلها يحكم به ذوا عدل ويرجع بالثمن على =(3/263)
[ مسألة المستكرهة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: في الرجل يستكره المرأة أو الامة يصيبها أن
لكل واحدة منهما صداق مثلها ولا حد على واحدة منهما ولا عقوبة وعلى المستكره حد الرجم إن كان ثيبا والجلد والنفى إن كان بكرا، وقال: محمد بن الحسن لا حد عليهما ولا عقوبة وعلى المستكره الحد ولا صداق عليه ولا يجتمع الحد والصداق معا وكان الذى احتج فيه من الآثار عن قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي وهو يزعم أن مثل هذا لا يكون حجة، وقد احتج بعض أصحابنا فيه أن مالكا أخبره عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم قضى في امرأة استكرهها رجل بصداقها على الذى استكرهها، وقال: الذى احتج بهذا أن مروان رجل قد أدرك عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان له علم ومشاورة في العلم وقضى بهذا بالمدينة ولم يرفعه فزعم محمد بن الحسن أن قضاءه لا يكون حجة، وقال: أبو حنيفة لو أن رجلا أصاب امرأة بزنا فاراد سقوط الحد عنه تحامل عليها حتى يفضيها يسقط الحد وصارت جناية يغرمها في ماله وهذا يخالف الاول (قال الشافعي) وإذا كان زانيا يقام عليه الحد قبل أن يفضيها وهو لم يخرج بالافضاء من الزنا ولم يزدد بالافضاء إلا ذنبا (قال الربيع) الذى يذهب إليه الشافعي أنه إذا حلف ليفعلن فعلا إلى أجل فمات قبل الاجل أو فات الذى حلف ليفعلنه به قبل الاجل فلا حنث عليه لانه مكره وإذا حلف ليفعلن فعلا ولم يسم أجلا فأمكنه أن يفعل ذلك فلم يفعل حتى مات أو فات الذى حلف ليفعلنه به أنه حانث.
انتهى الجزء الثالث، ويليه: الجزء الرابع.
واوله: " كتاب الشفعة " ] الذى باعه ولا يرجع بالمهر وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول على الواطئ المهر على ما ذكرت لك من قوله ويرجع على البائع بالثمن والمهر لانه قد غره منها، فأدخل عليه بعضهم فقال وكيف يرجع عليه في قول ابن أبى ليلى بما أحدث وهو الذى وطئ أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه أو أهلكه فاستحقه رجل فضمنه بالقيمة أليس إنما يرجع على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه والذى كان الشافعي ذكره عن ابن أبى ليلى أنه يأخذ العشر من قيمتها ونصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك، وقد كتبناه في الرد بالعيب (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها ثم استحقها رجل أخذها ومهر مثلها من الواطئ ولا وقت لمهر مثلها إلا ما ينكح به مثلها ويرجع المشترى على البائع بثمن الجارية الذى قبض منه ولا يرجع بالمهر الذى أخذه رب الجارية منه لانه ليس استهلكه هو،
عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم قضى في امرأة استكرهها رجل بصداقها على الذى استكرهها، وقال: الذى احتج بهذا أن مروان رجل قد أدرك عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان له علم ومشاورة في العلم وقضى بهذا بالمدينة ولم يرفعه فزعم محمد بن الحسن أن قضاءه لا يكون حجة، وقال: أبو حنيفة لو أن رجلا أصاب امرأة بزنا فاراد سقوط الحد عنه تحامل عليها حتى يفضيها يسقط الحد وصارت جناية يغرمها في ماله وهذا يخالف الاول (قال الشافعي) وإذا كان زانيا يقام عليه الحد قبل أن يفضيها وهو لم يخرج بالافضاء من الزنا ولم يزدد بالافضاء إلا ذنبا (قال الربيع) الذى يذهب إليه الشافعي أنه إذا حلف ليفعلن فعلا إلى أجل فمات قبل الاجل أو فات الذى حلف ليفعلنه به قبل الاجل فلا حنث عليه لانه مكره وإذا حلف ليفعلن فعلا ولم يسم أجلا فأمكنه أن يفعل ذلك فلم يفعل حتى مات أو فات الذى حلف ليفعلنه به أنه حانث.
انتهى الجزء الثالث، ويليه: الجزء الرابع.
واوله: " كتاب الشفعة " ] الذى باعه ولا يرجع بالمهر وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول على الواطئ المهر على ما ذكرت لك من قوله ويرجع على البائع بالثمن والمهر لانه قد غره منها، فأدخل عليه بعضهم فقال وكيف يرجع عليه في قول ابن أبى ليلى بما أحدث وهو الذى وطئ أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه أو أهلكه فاستحقه رجل فضمنه بالقيمة أليس إنما يرجع على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه والذى كان الشافعي ذكره عن ابن أبى ليلى أنه يأخذ العشر من قيمتها ونصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك، وقد كتبناه في الرد بالعيب (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها ثم استحقها رجل أخذها ومهر مثلها من الواطئ ولا وقت لمهر مثلها إلا ما ينكح به مثلها ويرجع المشترى على البائع بثمن الجارية الذى قبض منه ولا يرجع بالمهر الذى أخذه رب الجارية منه لانه ليس استهلكه هو، وإن قال قائل من أين قلت هذا؟ قيل له لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تزوج بغير إذن وليها أن نكاحها باطل وأن لها إن أصيبت المهر كانت الاصابة بالشبهة موجبة للمهر ولا يكون للمصيب الرجوع على من غره لانه هو الآخذ للاصابة ولو كان يرجع به على من غره لم يكن للمرأة عليه مهر لانها قد تكون غارة له لا يجب لها ما يرجع به عليها اه.(3/264)
كتاب الأم - الامام الشافعي ج 4
كتاب الأم الامام الشافعي ج 4(4/)
الام تأليف الامام ابي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي 150 - 204 مع مختصر المزني الجزء الرابع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(4/1)
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الاولى 1400 ه 1980 م الطبعة الثانية: 1403 ه 1983 م(4/2)
[ كتاب الشفعة (أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي رحمه الله: إذا كانت الهبة معقودة على الثواب فهو كما قال إذا أثيب منها ثوابا قيل لصاحب الشفعة إن شئت فخذها بمثل الثواب إن كان له مثل أو بقيمته إن كان لا مثل له وإن شئت فاترك وإذا كانت الهبة على غير ثواب فأثيب الواهب فلا شفعة لانه لا شفعة فيما وهب إنما الشفعة فيما بيع والمثيب متطوع بالثواب فما بيع أو وهب على ثواب فهو مثل البيع والهبة باطلة من قبل أنه اشترط أن يثاب فهو عوض من البهة مجهول فلما كان هكذا بطلت الهبة وهو بالبيع أشبه لان البيع لم يعطه إلا بالعوض وهكذا هذا لم يعطه إلا بالعوض والعوض مجهول فلا يجوز
البيع بالمجهول وكذلك لو نكح امرأة على شقص من دار فإن هذا كالبيع وكذلك لو استأجر عبدا أو حرا على شقص من دار فكل ما ملك به مما فيه عوض فللشفيع فيه الشفعة بالعوض وإن اشترى رجل شقصا فيه شفعة إلى أجل فطلب الشفيع شفعته قيل له إن شئت فتطوع بتعجيل الثمن وتعجل الشفعة وإن شئت فدع حتى يحل الاجل ثم خذ بالشفعة وليس على أحد أن يرضى بأمانة رجل فيتحول على رجل غيره وإن كان أملا منه، قال ولا يقطع الشفعة عن الغائب طول الغيبة وإنما يقطعها عنه أن يعلم فيترك الشفعة مدة يمكنه أخذها فيها بنفسه أو بوكيله قال ولو مات الرجل وترك ثلاثة من الولد ثم ولد لاحدهم رجلان ثم مات المولود له ودارهم غير مقسومة فبيع من الميت حق أحد الرجلين فأراد أخوه الاخذ بالشفعة دون عمومته ففيها قولان أحدهما أن ذلك له ومن قال هذا القول قال أصل سهمهم هذا فيها واحد، فلما كان إذا قسم أصل المال كان هذان شريكين في الاصل دون عمومتهما فأعطيته الشفعة بأن له شركا دون شركهم وهذا قول له وجه والثانى أن يقول أنا إذا ابتدأت القسم جعلت لكل واحد سهما وإن كان أقل من سهم صاحبه فهم جميعا شركاء شركة واحدة فهم شرع في الشفعة وهذا قول يصح في القياس قال وإذا كانت الدار بين ثلاثة لاحدهم نصفها وللآخر سدسها وللآخر ثلثها وباع صاحب الثلث فأراد شركاؤه الاخذ بالشفعة ففيها قولان أحدهما أن صاحب النصف يأخذ ثلاثة أسهم وصاحب السدس يأخذ سهما على قدر ملكهم من الدار ومن قال هذا القول ذهب إلى أنه إنما يجعل الشفعة بالملك فإذا كان أحدهما أكثر ملكا من صاحبه أعطى بقدر كثرة ملكه ولهذا وجه والقول الثاني أنهما في الشفعة سواء وبهذا القول أقول ألا ترى أن الرجل يملك شفعة من الدار فيباع نصفها أو ما خلا حقه منها فيريد الاخذ بالشفعة بقدر ملكه فلا يكون ذلك له ويقال له خذ الكل أو دع فلما كان حكم قليل المال في الشفعة حكم كثيره كان الشريكان إذا اجتمعا في الشفعة سواء لان اسم الملك يقع على كل واحد.
](4/3)
[ ما لا يقع فيه شفعة (أخبرنا الربيع) (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن
أبى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان بن عفان أن عثمان (1) (قال الشافعي) لا شفعة في بئر إلا أن يكون لها بياض يحتمل مقسم أو تكون واسعة محتملة لان تقسم فتكون بئرين ويكون في كل واحدة منهما عين أو تكون البئر بيضاء فيكون فيها شفعة لانها تحتمل القسم قال وأما الطريق التى لا تملك فلا شفعة فيها ولا بها وأما عرصة الدار تكون بين القوم محتملة لان تكون مقسومة وللقوم طريق إلى منازلهم فإذا بيع منها شئ ففيه الشفعة (قال الشافعي) وإذا باع الرجل شقصا في دار على أن البائع بالخيار والمبتاع فلا شفعة حتى يسلم البائع المشترى وإن كان الخيار للمشترى دون البائع عقد خرجت من ملك البائع برضاه وجعل الخيار للمشترى ففيها الشفعة (قال الربيع) وفيها قول آخر أن لا شفعة فيها حتى يختار المشترى أو تمضى أيام الذى كان له الخيار فيتم له البيع من قبل أنه إذا أخذها بالشفعة منع المشترى من الخيار الذى كان له (قال الشافعي) وكل من كانت في يده دار فاستغلها ثم استحقها رجل بملك متقدم رجع المستحق على الذى في يده الدار والارض بجميع الغلة من يوم ثبت له الحق وثبوته يوم شهد شهوده أنه كان له، لا يوم يقضى له به ألا ترى أنه لا معنى للحكم اليوم إلا ما ثبت يوم شهد شهوده وإنما تملك الغلة بالضمان في الملك الصحيح لان الغلة بالضمان في الملك حدثت من شئ المالك كان يملكه لا غيره (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل شقصا لغيره فيه شفعة ثم زعم أنه لا يعلم الثمن بنسيان أحلف بالله ما تثبت الثمن ولا شفعة إلى أن يقيم المستشفع بينة فيؤخذ له ببينته وسواء قد تم الشراء وحديثه لان الذكر قد يكون في الدهر الطويل والنسيان قد يكون في المدة القصيرة (قال الشافعي) وإذا كان لرجل حصة في دار فمات شريكه وهو غائب فباع ورثته قبل القسم أو بعده فهو على شفعته ولا يقطع ذلك القسم لانه كان شريكا لهم غير مقاسم (2) ] (1) كذا بياض بالاصول التي بأيدينا اه.
(2) باب الشفعة من كتابين: " كتاب اختلاف الحديث - واختلاف العراقيين " ففى اختلاف الحديث (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الشفعة فيما لم يقسم فإذا
وقعت الحدود فلا شفعة " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريح عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الشفعة فيما لم يقسم فأذا وقعت الحدود فلا شفعة " (قال الشافعي) فبهذا نأخذ ونقول لا شفعة فيما قسم اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمنا أن الدار إذا كانت مشاعة بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منها فليس يملك أحدهما شيئا وإن قل إلا ولصاحبه منه فإذا دخل المشترى على الشريك للبائع هذا الرجل كان الشريك أحق به منه بالثمن الذى ابتاع به المشترى فإذا قسم الشريكان فباع أحدهما نصيبه باع نصيبا لا حظ في شئ منه =(4/4)
[ باب القرض (أخبرنا الربيع) بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه إذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا فأدخل معه رب المال غلامه وشرط الربح بينه وبين المقارض وغلام رب المال فكل ما ملك غلامه فهو ملك له لا ملك لغلامه إنما ملك العبد شئ يضاف إليه لا ملك صحيح فهو كرجل شرط له ثلثي الربح وللمقارض ثلثه.
] = لجاره وإن كانت طريقهما واحدة لان الطريق غير البيع (قال الشافعي) كما لم يكونا بشركتهما في الطريق شريكين في الدار المقسومة فكذلك لا يؤخذ بالشرك في الطريق شفعة في دار ليسا شريكين فيها (قال الشافعي) وقد روى حديثان ذهب صنفان ممن ينسب إلى العلم وكل واحد منهما على خلاف مذهبنا أما أحدهما فإن سفيان بن عينية أخبرنا عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أحق بشفعته " (قال الشافعي) فقال الذى خالفنا أتأول هذا الخبر فأقول للشريك الذى لم يقاسم شفعة وللجار المقاسم شفعة كان لاصقا أو غير لاصق إذا لم يكن بينه وبين الدار التى بيعت طريق نافذة وإن بعد ما بينهما فاحتج بأن قال أبو رافع يرى الشعفة للذى بيته في داره والبيت مقسوم لانه ملاصق (قال الشافعي) فقلت له أبو رافع فيما رويت عنه متطوع بما صنع فقال وكيف قلت؟ هل كان على أبى رافع أن يعطيه البيت بشئ قبل يبيعه به أم لم يكن له الشفعة حتى يبيعه؟ قال بل ليست له الشفعة حتى يبيعه أبو رافع.
قلت وإن باعه أبو رافع فإنما يأخذ بالشفعة من المشترى؟ قال نعم، قلت وبمثل الثمن الذى اشتراه به لا ينقصه البائع ولا أن على أبى رافع أن يضع
من ثمنه عنه شيئا؟ قال نعم (قال الشافعي) فقلت أتعلم ما وصفت عن أبى رافع كله تطوع؟ قال فقد رأى له الشفعة، قلت وإن رأى له الشفعة في بيت له ما كان علينا في ذلك شئ عارض حديثنا إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم إنما يعارض بحديث النبي صلى الله عليه وسلم فأما رأى رجل فلا يعارض به حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال فلعله سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ألست تسمعه حين حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أحق بشفعته " لا ما أعطى من نفسه قال بل هكذا حكايته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: ولعله لا يرى له الشفعة فتطوع له بما لا يرى كما يتطوع له بما ليس عليه فإن حملته على أنه إنما أعطاه ما يراه عليه قيل: فقد رأى على نفسه أن يعطيه بيتا لم يبعه بنصف ما أعطى به، قال لا أراه يرى هذا.
قلت: ولا يرى عليه أن اله شفعة فيما يرى والله أعلم.
ولكن أحسن أن يفعل وقلت له نحن نعلم وأنت تعلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " الجار أحق بسقيه " لا يحتمل إلا معنيين لا ثالث لهما.
قال: وما هما؟ قلت أن يكون أجاب عن مسألة لم يخل أكثرها من أن يكون أراد أن الشفعة لكل جار أو أراد بعض الجيران دون بعض، فإن كان هذا المعنى فلا يجوز أن يدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم خرج عاما أراد به خاصا إلا بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من أهل العلم وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا شفعة فيما قسم فدل على أن الشفعة للجار الذى لم يقاسم دون الجار المقاسم (قال الشافعي) وقلت حديث أبى رافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة وقولنا عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوص لا يحتمل تأويلا.
قال فما المعنى الثاني الذى يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت أن تكون الشفعة لكل من لزمه اسم جوار وأنت تزعم أن الجوار أربعون دارا من كل جانب وأنت لا تقول بحديثنا ولا بما تأولت من حديثك ولا بهذه المعاني.
قال لا يقول بهذا أحد؟ قلت أجل لا يقول بهذا أحد وذلك يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن الشفعة لبعض الجيران دون بعض وأنها لا تكون إلا لجار لم يقاسم، قال فيقع اسم الجوار على الشريك؟ قلت نعم وعلى الملاصق وعلى غير الملاصق قال الشريك ينفرد باسم الشريك؟ قلت أجل والملاصق ينفرد باسم الملاصقة دون غيره من الجيران ولا يمنع ذلك واحدا منهما أن يقع عليه اسم جوار قال افتوجدني ما يدل على أن اسم الجوار يقع على =(4/5)
[ ما لا يجوز من القراض في العروض
(قال الشافعي) رحمه الله: خلاف مالك بن أنس في قوله من البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمده وتفاحش وإن تقارب رده (قال الشافعي) كل قراض كان في أصله فاسدا فللمقارض العامل فيه أجر مثله ولرب المال المال وربحه لانا إذا أفسدنا القراض فلا يجوز أن يجعل إجارة قراض والقراض ] = الشريك؟ قلت زوجتك التى هي قرينتك يقع عليها اسم الجوار.
قال حمل ابن النابغة كنت بين جارتين لى يعنى ضرتين وقال الاعشى: أجارتنا بينى فإنك طالقة * وموموقة ما كنت فينا ووامقة أجارتنا بينى فإنك طالقة * كذاك أمور الناس تغدو وطارقة وبيني فإن البين خير من العصا * وأن لا تزالى فوق رأسك بارقة حبستك حتى لامنى كل صاحب * وخفت بأن تأتى لدى ببائقة (قال الشافعي) رحمه الله: وروى غيرنا عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كانت الطريق واحدة " (قال الشافعي) فذهب بعض البصريين إلى أن قال الشفعة لا تكون إلا للشريك وهما إذا اشتركا في طريق دون الدار وإن اقتسما الدار شريكان (قال الشافعي) فيقال له: الشريكان في الدار أو في الطريق دون الدار؟ فإن قال في الطريق دون الدار قيل له فلم جعلت الشفعة في الدار التى ليس فيه شريك إذ الشريك في الطريق غير الدار أرأيت لو باع دارا هما فيها شريكان وضم في الشراء معها دارا أخرى لا شريك فيها ولا في طريقها أتكون الشفعة في الدار أو في الشريك؟ قال بل في الشريك دون الدار التى ضمت مع الشريك.
قلت: ولا تجعل فيها شفعة إذا جمعهما الصفقة وفى إحداهما شفعة؟ قال لا قلت فكذلك يلزمك أن تقول إن بيعت الطريق وهى مما يجوز بيعه وقسمه فيها شفعة ولا شفعة فيما قسم من الدار (قال الشافعي) فإن قال فإنما ذهبت فيه إلى الحديث نفسه قيل سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظا، قال ومن أين؟ قلت: إنما رواه عن جابر بن عبد الله وقد روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله مفسرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " وأبو سلمة من الحفاظ وروى أبو الزبير وهو من الحفاظ عن جابر ما يوافق قول أبى سلمة ويخالف ما روى عبد الملك (قال الشافعي) وفيه من الفرق بين الشريك وبين
المقاسم ما وصفت جملته في أول الكتاب فكان أولى الاحاديث أن يؤخذ به عندنا والله أعلم.
لانه أثبتها إسنادا وأبينها لفظا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأعرفها في الفرق بين المقاسم وغير المقاسم.
وفى اختلاف العراقيين وإذا تزوجت امرأة على شقص في دار فإن أبا حنيفة كان يقول: لا شفعة في ذلك لاحد وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول للشفيع الشفعة بالقيمة وتأخذ المرأة فيمة ذلك منه.
وقال أبو حنيفة: كيف يكون ذلك ولبس هذا شراء يكون فيه شفعة؟ إنما هذا نكاح، أرأيت لو طلقها قبل أن يدخل بها كم للشفيع منها وبم يأخذ أبالقيمة أو بالمهر؟ وكذلك إذا اختلعت بشقص من دار في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة بنصف من دار غير مقسومة فأراد شريك المتزوج الشفعة أخدها بقيمة مهر مثلها ولو طلقها قبل أن يدخل بها كانت الشعفة تامة وكان للزوج الرجوع بنصف ثمن الشفعة وكذلك لو اختلعت بشقص في داره ولا يجوز أن يتزوجها بشقص إلا أن يكون معلوما محسوبا فيتزوجها بما قد علمت من الصداق فإن تزوجها على شقص عير =(4/6)
[ غير معلوم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاجارة إلا بأمر معلوم (1) (قال الشافعي) والبيوع وجهان حلال لا يرد وحرام يرد وسواء تفاحش رده أو تباعد والتحريم من وجهين أحدهما خبر لازم والآخر قياس.
وكل ما قسناه حلالا حكمنا له حكم الحلال في كل حالاته وكل ما قسناه حراما حكمنا له حكم الحرام فلا يجوز أن نرد شيئا حرمناه قياسا من ساعته أو يومه ولا نرده بعد مائة سنة الحرام لا يكون حلالا بطول السنين وإنما يكون حراما وحلالا بالعقد.
] = محسوب ولا معلوم كان لها صداق مثلها ولم يكن فيه شفعة لانه مهر مجهول فيثبت النكاح ويفسخ المهر ويرد إلى ربه ويكون لها صداق مثلها وإذا اشترى الرجل دارا وبنى فيها بناء ثم جاء الشفيع يطلبها بالشفعة فإن أبا حنيفة كان يقول يأخذ الشفيع الدار ويأخذ صاحب البناء النقض وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يجعل الدار والبناء للشفيع ويجعل عليه قيمة البناء وثمن الدار الذى اشتراها به صاحب البناء وإلا فلا شفعة له (قال الشافعي) وإذا اشترى رجل نصيبا من دار ثم قاسم فيه وبنى ثم طلبه الشفيع قيل إن شئت الشفعة فأد الثمن الذى اشتراه به وقيمة البناء اليوم وإن شئت فدع الشفعة لا يكون له إلا هذا لانه بنى غير متعد ولا يكون عليه هدم ما بنى وإذا اشترى الرجل
أرضا أو دارا فإن أبا حنيفة كان يقول لصاحب الشفعة الشفعة حين علم بالشراء فإن طلب الشفعة وإلا فلا شفعة له وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هو بالخيار ثلاثة أيام بعد علمه (قال الشافعي) وإذا بيع الشقص من الدار والشفيع حاضر عالم فطلب مكانه فله الشفعة وإن آخر الطلب فذكر عذرا من مرض أو امتناع من وصول إلى سلطان أو حبس سلطان أو ما أشبهه من العذر كان على شفعته لا وقت في ذلك إلا أن يمكنه وعليه اليمين ما ترك ذلك رضا بالتسليم للشفعة ولا تركا لحقه فيه فإن كان غائبا فالقول فيه كهو في معنى الحاضر إذا أمكنه الخروج أو التوكيل ولم يكن له حابس فإن ترك ذلك انقطعت شفعته.
وإذا أخذ الرجل الدار بالشفعة من المشترى ونقده الثمن، فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول العهدة على المشترى الذى أخذ المال وبه يأخذ.
وكان ابن أبى ليلى يقول: العهدة على البائع لان الشفعة وقعت يوم اشترى المشترى للشفيع (قال الشافعي) وإذا أخذ الرجل الشقص بالشفعة من المشترى فعهدته على المشترى الذى أخذه منه وعهدة المشترى على بائعه إنما تكون العهدة على من قبض المال وقبض منه المبيع ألا ترى أن البائع الاول ليس بمالك، ولو أبرأ الآخذ بالشفعة من الثمن لم يبرأ ولو كأن يبرأ إلى المشترى منه من عيب لم يعلمه المستشفع فإن علم المستشفع بعد أخذه بالشفعة كان له رده، أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) وإذا كانت الشفعة لليتيم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول له الشفعة فإن كان له وصى أخذها بالشفعة وإن لم يكن له وصى كان على شفعته إذا أدرك فإن لم يطلب الوصي الشفعة بعد علمه فليس لليتيم شفعة إذا أدرك وكذلك الغلام إذا كان أبوه حيا وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول: لا شفعة للصغير، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الشفعة للشريك الذي لم يقاسم وهي بعده للشريك الذى قاسم والطريق واحد بينهما وهى بعده للجار الملاصق.
وإذا اجتمع الجيران وكان التصاقهم سواء فهم شركاء في الشفعة.
وكان ابن أبى ليلى يقول بقول أبى.
حنيفة حتى كتب إليه أبو العباس أمير المؤمنين يأمره أن لا يقضى بالشفعة إلا لشريك لم يقاسم فأخذ بذلك وكان لا يقضى إلا لشريك لم يقاسم وهذا قول أهل الحجاز.
وكذلك بلغنا عن على وابن عباس رضى الله عنهم (قال الشافعي) وإذا بيع الشقص من الدار، ولليتيم فيه شفعة أو للغلام في حجر أبيه فلولى اليتيم والاب أن يأخذا للذى يليان بالشفعة إذا كانت غبطة.
فإن لم يفعلا فإذا بلغا ان يليا أموالهما كان لهما الاخذ بالشفعة فإذا علما بعد البلوغ فتركا الترك الذي لو أحدث البيع في تلك الحال فتركاه انقطعت شفعتهما فقد انقطعت شفعتهما ولا شفعة إلا فيما لم يقسم.
فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ولذلك لو اقتسموا الدار والارض وتركوا بينهما
طريقا أو تركوا بينهما شربا لم تكن شفعة ولا توجب الشفعة فيما قسم لشريك في طريق ولا ماء.
وقد ذهب بعض أهل البصرة إلى جملة قولنا فقال لا شفعة إلا فيما بين القوم الشركاء فإذا بقيت بين القوم طريق مملوكة لهم أو مشرب مملوك لهم فإن كانت الدار والارض مقسومة ففيها شفعة لانهم شركاء في شئ من الملك.
ورووا حديثا عن عبد الملك بن أبى =
__________
(1) قوله: (قال الشافعي) والبيوع وجهان الخ هذه العبارة ليست في لمحة السراج البلقيني تأملها مع ما قبلها كتبه مصححه.(4/7)
[ الشرط في القراض (قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز أن أقارضك بالشئ جزافا لا أعرفه ولا تعرفه فلما كان هكذا لم يجز أن أقارضك إلى مدة من المدد.
وذلك أنى لو دفعت إليك ألف درهم على أن تعمل ] = سليمان عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيها بهذا المعنى أحسبه يحتمل شبيها بهذا المعنى ويحتمل خلافه.
قال: الجار أحق بصقبه إذا كانت الطريق واحدة.
وإنما منعنى من القول بهذا أن أبا سلمة وأبا الزبير سمعا جابرا وإن بعض حجازيينا يروون عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة شيئا ليس فيه هذا وفيه خلافه فإن اثنين إذا اجتمعا في الرواية عن جابر وكان الثالث يوافقهما أولى بالتثبت في الحديث إذا اختلف عن الثالث وكان المعنى الذى به منعنا الشفعة فيما قسم قائما في هذا المقسوم ألا ترى أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ولا تجد أحدا قال بهذا القول تحرجا من أن يكون قد جعل الشفعة فيما وقعت فيه الحدود قال فإنى إنما جعلتها فيما وقعت فيه الحدود لانه قد بقى من الملك شئ لم تقع فيه الحدود.
قيل فيحتمل ذلك الباقي أن تجعل فيه الشفعة، فإن احتمل فاجعلها فيه ولا تجعلها فيما وقعت فيه الحدود فتكون قد اتبعت الخبر، وإن لم يحتمل فلا تجعل الشفعة في غيره به.
وقال بعض المشرقيين: الشفعة للجار والشريك إذا كان الجار ملاصقا أو كانت بين الدار المبيعة ودار الذى له الشفعة رحبة ما كانت إذا لم يكن فيها طريق نافذة وإن كان فيها طريق نافذة، وإن ضاقت فلا شفعة للجار قلنا لبعض من يقول هذا القول على أي شئ اعتمدتم؟ قال على الاثر: أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أحق بصقبه " فقيل له فهذا لا يختلف حديثنا ولكن هذا جملة وحديثنا مفسر قال وكيف لا يخالف حديثكم؟ قلنا الشريك الذي لم يقاسم يسمى جارا ويسمى المقاسم ويسمى من بينك وبينه اربعون دارا جارا فلم يجز في هذا
الحديث إلا ما قلنا من أنه على بعض الجيران دون بعض وإذا قلناه لم يجز ذلك لنا على غيرنا إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشفعة فيما لم يقسم.
فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " دل هذا على أن قوله في الجملة " الجار أحق بصقبه " على بعض الجيران دون بعض وأنه الجار الذى لم يقاسم.
فإن قال وتسمى العرب الشريك جارا؟ قيل نعم كل من قارن بدنه بدن صاحبه قيل له جار.
قال فادللني على هذا قيل له: قال حمل بن مالك بن النابغة كنت بين جارتين لى فضربت إحداهما الاخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة.
وقال الاعشى لامرأته * أجارتنا بيني فإنك طالقة " فقيل له فأنت إذا قلت هو خاص على بعض الجيران دون بعض ثم لم تأت فيه بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تجعله على من يلزمه اسم الجوار: وحديث إبراهيم بن ميسرة لا يحمل إلا على أحد المعنيين.
وقد خالفتهما معا.
ثم زعمت أن الدار تباع وبينها وبين دار الرجل رحبة فيها ألف ذراع فأكثر إذا لم يكن فيها طريق نافذة فتكون فيها الشفعة.
وإن كانت بينهما طريق نافذة عرضها ذراع لم تجعل فيها الشفعة فجعلت الشفعة لابعد الجارين ومنعتها أقربهما وزعمت أن من أوصى لجيرانه قسمت وصيته على من كان بين داره وداره أربعون دارا فكيف لم يجعل الشفعة على ما قسمت عليه الوصية إذا خالفت حديثنا وحديث إبراهيم بن ميسرة الذى احتججت به؟ قال فهل قال بقولكم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا نعم وما يضرنا بعد إذ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقول به أحد.
قال فمن قال به؟ قيل عمر بن الخطاب وعثمان رضى الله عنهما وقال به من التابعين عمر بن عبد العزيز رحمه الله وغيره وإذا اشترى الرجل الدار وسمى أكثر مما أخذها به فسلم ذلك الشفيع ثم علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك فإن أبا حنيفة كان يقول هو على شفعته لانه إنما سلم بأكثر من الثمن وبه يأخذ.
وكان ابن أبى ليلى يقول لا شفعة لانه قد سلم وروى الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس وعن الحكم عن يحيى بن الجزار عن على عليه السلام أنهما قالا لا شفعة إلا للشريك لم يقاسم الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله =(4/8)
[ بها سنة فبعت بها واشتريت في شهر بيعا فربحت ألف درهم، ثم اشتريت بها كنت قد اشتريت بمالى ومالك غير مفرق ولعلى لا أرضى بشركتك فيه واشتريت برأس مال لى لا أعرفه لعلى لو نض لى لم آمنك عليه أو لا أريد أن يغيب عنى كله فيجمع أن يكون القراض مجهولا عندي لانى لم أعرف
كم رأس مالى ونحن لم نجزه بجزاف ويجمع أنه يزيد على الجزاف أنى قد رضيت بالجزاف ولم أرض بأن أقارضك بهذا الذى لم أعرفه.
وفى باب الصدقة والهبة من اختلاف العراقيين وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فأن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء وكان ابن أبى ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل للرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوب له شيئا فقبضه الواهب سأل الواهب فإن قال وهبتها للثواب كان فيها شفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال: للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر إذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطل من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي رحمه الله.
السلف في القراض (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا وأبضع منه بضاعة فإن كان عقد القراض على أنه يحمل له البضاعة فالقراض فاسد يفسخ إن لم يعمل فيه فإن عمل فيه فله أجر مثله والربح لصاحب المال وإن كانا تقارضا ولم يشرطا من هذا شيئا ثم حمل المقارض له بضاعة فالقراض جائز ولا يفسخ بحال غير أنا نأمرهما في الفتيا أن لا يفعلا هذا على عادة ولا لعلة مما اعتل به ولو عادا لما ذكرنا كرهناه لهما ولم نفسد به القراض ولا نفسد العقد الذى يحل بشئ تطوعا به وقد مضت مدة العقدة ولا تطر (1) إنما تفسد بما عقدت عليه إلا بما حدث بعدها (قال الشافعي) ] = عليه وسلم " الجار أحق بصقبه " ما كان أبو حنيفة عن أبى أمية عن المسور بن مخرمة أو عن سعد بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجار أحق بشفعته " (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل النصيب من الدار فقال أخذته
بمائة فسلم ذلك له الشفيع ثم علم الشفيع بعد أنه أخذها بأقل من المائة فله حينئذ الشفعة وليس تسليمه له بقاطع شفعته إنما سلمه على ثمن فلما علم ما هو دونه كان له الاخذ بالشفعة ولو علم بعد أن الثمن أكثر من الذي سلمه به لم يكن له شفعة من قبل أنه إذا سلمه بالاقل كان الاكثر أولى أن يسلمه به.
__________
(1) قوله: " ولا نطر " كذا بالاصول بدون نقط ولعل صوابه " ولا شرط "(4/9)
[ أكره منه ما كره مالك أن يأخذ الرجل مالا قراضا ثم يسأل صاحب المال أن يسلفه إياه (قال الشافعي) وإنما كرهته من قبل أنه لم يبرأ المقارض من ضمانه ولم يعرف المسلف كم أسلف من أجل (1) الخوف.
المحاسبة في القراض (قال الشافعي) رحمه الله: وهذا كله كما قال مالك إلا قوله يحضر المال حتى يحاسبه فإن كان عنده صادقا فلا يضره يحضر المال أو لا يحضره.
مسألة البضاعة (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله: قال إذا أبضع الرجل مع الرجل ببضاعة وتعدى فاشترى بها شيئا فإن هلكت فهو ضامن وإن وضع فيها فهو ضامن وإن ربح فالربح لصاحب المال كله إلا أن يشاء تركه فإن وجد في يده السلعة التى اشتراها بماله فهو بالخيار في أن يأخذ رأس ماله أو السلعة التي ملكت بماله فإن هلكت تلك السلعة قبل أن يختار أحدهما لم يضمن له إلا رأس المال من قبل أنه لم يختر أن يملكها فهو لا يملكها إلا باختياره أن يملكها والقول الثاني: وهو أحد قوليه - أنه إذا تعدى فاشترى شيئا بالمال بعينه فربح فيه فالشراء باطل والبيع مردود وإن اشترى بمال لا بعينه ثم نقد المال فهو متعد بالنقد والربح له والخسران عليه وعليه مثل المال الذى تعدى فيه فنقده ولصاحب المال إن وجده في يد البائع أن يأخذه فإن تلف المال فصاحب المال مخير إن أحب أخذه من الدافع وهو المقارض وإن أحب أخذه من الذى تلف في يده وهو البائع.
المساقاة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال معنى قوله " إن شئتم فلكم وإن شئتم فلى " أن يخرص النخل كأنه خرصها مائة وسق وعشرة أوسق وقال إذا صارت تمرا نقصت عشرة أوسق فصحت منها مائة وسق تمرا فيقول إن شئتم دفعت إليكم النصف الذى ليس لكم الذى أنا قيم بحق أهله على أن تضمنوا لى خمسين وسقا تمرا من تمر يسميه بعينه ولكم أن تأكلوها وتبيعوها رطبا كيف شئتم وإن شئتم فلى أكون هكذا في نصيبكم فأسلم وتسلمون إلى ]
__________
(1) قوله: من أجل الخوف كذا في نسخة منقوطة وفى أخرى بدون نقط وتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.(4/10)
[ انصباءكم وأضمن لكم هذه المكيلة (قال الشافعي) وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه المساقاة كما يجوز في الاصل وإن كان منفردا عن النخل له طريق غيره لم تجز فيه المساقاة ولم تصح إلا أن يكترى كراء وسواء قليل ذلك وكثيره ولا حد فيه إلا ما وصفت وليس للمساقي فيي النخل أن يزرع البياض إلا بإذن مالك النخل وإن زرعها فهو متعد وهو كمن زرع أرض غيره قال وإن كان دخل على الاجارة بأن له أن يعمل ويحفظ بأن له شيئا من الثمار قبل أن يبدو صلاح التمر فالاجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل وكذلك إن كان دخل على أن يتكلف من المؤنة شيئا غير عمل يديه وتكون أجرته شيئا من الثمار كانت الاجارة فاسدة فإن كان دخل في المساقاة في الحالين معا ورضى رب الحائط أن يرفع عنه من المؤنة شيئا فلا بأس بالمساقاة على هذا قال وكل ما كان مستزادا في الثمرة من إصلاح للمار وطريق الماء وتصريف الجريد وإبار النخل وقطع الحشيش الذى يضر بالنخل أو ينشف عنه الماء حتى يضر بثمرتها شرطه على المساقاة وأما سد الحظار فليس فيه مستزاد لاصلاح في الثمرة ولا يصلح شرطه على المساقى فإن قال فإن أصلح للنخل أن يسد الحظار فكذلك أصلح لها أن يبنى عليها حظار لم يكن وهو لا يجيزه في المساقاة وليس هذا الاصلاح من الاستزادة في شئ من النخل إنما هو دفع الداخل (قال الشافعي) والمساقاة جائزة في النخل والكرم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ فيهما بالخرص وساقى على النخل وثمرها مجتمع لا حائل دونه وليس هكذا شئ من الثمر كله دونه حائل وهو متفرق غير مجتمع ولا تجوز المساقاة في شئ غير النخل والكرم
وهى في الزرع أبعد من أن تجوز ولو جازت إذا عجز عنه صاحبه جازت إذا عجز صاحب الارض عن زرعها أن يزارع فيها على الثلث والربع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال إذا أجزنا المساقاة قبل أن تكون ثمرا بتراضى رب المال والمساقي في أثناء السنة وقد تخطئ الثمرة فيبطل عمل العامل وتكثر فيأخذ أكثر من عمله أضعافا كانت المساقاة إذا بدا صلاح الثمر وحل بيعه وظهر أجوز قال وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم المساقاة فأجزناها بإجازته وحرم كراء الارض البيضاء ببعض ما يخرج منها فحرمناها بتحريمه وإن كانا قد يجتمعان في أنه إنما للعامل في كل بعض ما يخرج النخل أو الارض ولكن ليس في سنته إلا اتباعها وقد يفترقان في أن النخل شئ قائم معروف أن الاغلب منه أنه يثمر وملك النخل لصاحبه والارض البيضاء لا شئ فيها قائما إنما يحدث فيها شئ بعد لم يكن وقد أجاز المسلمون المضاربة في المال يدفعه ربه فيكون للمضارب بعض الفضل والنخل أبين وأقرب من الامان من أن يخطئ من المضاربة وكل قد يخطئ ويقل ويكثر ولم يجز المسلمون أن تكون الاجارة إلا بشئ معلوم ودلت السنة والاجماع أن الاجارات إنما هي شئ لم يعلم إنما هو عمل يحدث لم يكن حين استأجره قال: وإذا ساقى الرجل الرجل النخل فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله إلا بالدخول على النخل فكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرب النخل الماء وكان غير متميز يدخل فيسقى ويدخل على النخل جاز أن يساقى عليه مع النخل لا منفردا وحده ولو لا الخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى أهل خيبر (1) على أن لهم النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهرانى النخل لم يجز فأما إذا ]
__________
(1) قوله: إلى أهل خيبر الخ الذى في أبى داود " دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن الخ " كتبه مصححه.(4/11)
[ انفرد فكان بياضا يدخل عليه من غير أن يدخل على النخل فلا تجوز المساقاة فيه قليلا كان أو كثيرا ولا يحل فيه إلا الاجارة.
الشرط في الرقيق والمساقاة
(قال الشافعي) رحمه الله: ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر والمساقون عمالها لا عامل للنبى صلى الله عليه وسلم فيها غيرهم وإذا كان يجوز للمساقي أن يساقى نخلا على أن يعمل فيه عمال الحائط لان رب الحائط رضى ذلك جاز أن يشترط رقيقا ليسوا في الحائط يعملون فيه لان عمل من فيه وعمل من ليس فيه سواء وإن لم تجز إلا بأن يكون على الدخل في المساقاة العمل كله لم يجز أن يعمل في الحائط أحد من رقيقه وجواز الامرين من أشبه الامور عندنا والله أعلم.
قال ونفقة الرقيق على ما تشارطا عليه وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم فإذا جاز أن يعملوا للمساقي بغير أجرة جاز أن يعملوا له بغير نفقة.
والله أعلم.
المزارعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنيين أحدهما أن تجوز المعاملة في النخل على الشئ مما يخرج منها وذلك اتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الاصل موجود يدفعه مالكه إلى من عامله عليه أصلا يتميز ليكون للعامل بعمله المصلح للنخل بعض الثمرة ولرب المال بعضها وإنما أجزنا المقارضة قياسا على المعاملة على النخل ووجدنا رب المال يدفع ماله إلى المقارض يعمل فيه المقارض فيكون له بعمله بعض الفضل الذى يكون في المال المقارضة لو لا القياس على السنة والخبر عن عمر وعثمان رضى الله عنهما باجازتها أولى أن لا تجوز من المعاملة على النخل وذلك أنه قد لا يكون في المال فضل كبير وقد يختلف الفضل فيه اختلافا متباينا وأن ثمر النخل قلما يتخلف قلما يختلف فإذا اختلفت تقارب اختلافها وإن كانا قد يجتمعان في أنهما مغيبان معا يكثر الفضل فيهما ويقل ويختلف وتدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ولا الربع ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع يقبض الارض بيضاء لا أصل فيها ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذى هو في معنى المزارعة الاجارة ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للاصل والمال يدفع وهذا إذا كان النخل منفردا والارض للزرع منفردة ويجوز كراء الارض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء
المنازل وإجارة العبيد والاحرار وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهرانى النخل على المعاملة وكان ما بين ظهرانى النخل لا يسقى إلا من ماء النخل ولا يوصل إليه إلا من حيث يوصل إلى النخل كان هذا جائزا وكان في حكم ثمرة النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف وإن كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها أو ماء يشرب متى شربه لا يكون ](4/12)
[ شربه ريا للنخل ولا شرب النخل ريا له لم تحل المعاملة عليه وجازت إجارته وذلك أنه في حكم المزارعة لا حكم المعاملة على الاصل وسواء قل البياض في ذلك أو كثر فإن قال قائل ما دل على ما وصفت وهذا مزارعه؟ قيل كانت خيبر نخلا وكان الزرع فيها كما وصفت فعامل النبي صلى الله عليه وسلم أهلها على الشطر من الثمرة والزرع ونهى في الزرع المنفرد عن المعاملة فقلنا في ذلك اتباعا وأجزنا ما اجاز ورددنا ما رد وفرقنا بفرقه عليه الصلاة والسلام بينهما وما به يفترقان من الافتراق أو بما وصفت فلا يحل أن تباع ثمرة النخل سنين بذهب ولا فضة ولا غير ذلك (أخبرنا) ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (أخبرنا) سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معلومة (قال الشافعي) وإذا اشترك الرجلان من عند أحدهما الارض ومن عندهما معا البذر ومن عندهما معا البقر أو من عند أحدهما ثم تعاملا على أن يزرعا أو يزرع أحدهما فما أخرجت الارض فهو بينهما نصفان أو لاحدهما فيه أكثر مما للآخر فلا تجوز المعاملة في هذا إلا على معنى واحد أن يبذرا معا ويمونان الزرع معا بالبقر وغيره مؤنة واحدة ويكون رب الارض متطوعا بالارض لرب الزرع فأما على غير هذا الوجه من أن يكون الزارع يحفظ أو يمون بقدره ما سلم له رب الارض فيكون البقر من عنده أو الآلة أو الحفظ أو ما يكون صلاحا من صلاح الزرع فالمعاملة على هذا فاسدة فإن ترافعاها قبل أن يعملا فسخت وإن ترافعاها بعد ما يعملان فسخت وسلم الزرع لصاحب البذر وإن كان البذر منهما معا فلكل واحد منهما نصفه وإن كان من أحدهما فهو للذى له البذر
ولصاحب الارض كراء مثلها وإذا كان البقر من العامل أو الحفظ أو الاصلاح للزرع ولرب الارض من البذر شئ أعطيناه من الطعام حصته ورجع الحافظ وصاحب البقر على رب الارض بقدر ما يلزم حصته من الطعام من قيمة عمل البقر والحفظ وما أصلح به الزرع فإن أرادا أن يتعاملا من هذا على أمر يجوز لهما تعاملا على ما وصفت أولا وإن أرادا أن يحدثا غيره تكارى رب الارض من رب البقر بقره وآلته وحراثه أياما معلومة بأن يسلم إليه نصف الارض أو أكثر يزرعها وقتا معلوما فتكون الاجارة في البقر صحيحة لانها أيام معلومة كما لو ابتدئت إجارتها بشئ معلوم ويكون ما أعطاه من الارض بكراء صحيح كما لو ابتدأ كراءه بشئ معلوم ثم إن شاءا أن يزرعا ويكون عليهما مؤنة صلاح الزرع مستويين فيها حتى يقسما الزرع كان هذا جائزا من قبل أن كل واحد منهما زرع أرضا له زرعها ويبذر له فيها ما أخرج ولم يشترط أحدهما على الآخر فضلا عن بذره ولا فضلا في الحفظ فتنعقد عليه الاجارة فتكون الاجارة قد انعقدت على ما يحل من المعلوم وما لا يحل من المجهول فيكون فاسدا قال ولا بأس لو كان كراء الارض عشرين دينارا وكراء البقر دينا أو مائة دينار فتراضيا بهذا كما لا يكون بأس بأن أكريك بقرى وقيمة كرائها مائة دينار بأن يخلى بينى وبين أرض أزرعها سنة قيمة كرائها دينار أو ألف دينار لان الاجارة بيع ولا بأس بالتغابن في البيوع ولا في الاجارات وإن اشتركا على أن البقر من عند أحدهما والارض من عند الآخر كان كراء الارض ككراء البقر أو أقل والزرع بينهما فالشركة فاسدة حتى يكون عقدها على استئجار البقر أياما معلومة وعملا معلوما بأرض معلومة لان الحرث يختلف فيقل ويكثر ويجود ويسوء ولا يصلح إلا بمثل ما تصلح به الاجارات على الانفراد فإذا زرعا على هذا والبذر من عندهما فالبذر بينهما نصفان ويرجع ](4/13)
[ صاحب البقر على صاحب الارض بحصته من الارض بقدر ما أصابها من العمل ويرجع صاحب الارض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه قل أو كثر الزرع أو عل أو احترق فلم يكن منه الشئ (1) الاجارة وكراء الارض
(أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي لا بأس أن يكرى الرجل أرضه ووكيل الصدقة أو الامام الارض الموقوفة أرض الفئ بالدراهم والدنانير وغير ذلك من طعام موصوف يقبضه قبل أن يفترقا وكذلك جميع ما أجرها به ولا بأس أن يجعل له أجلا معلوما وأن يفارق صاحبه قبل أن يقبضه وإن لم يكن له أجل معلوم والاجارة في هذا مخالفة لما سواها غير أنى أحب إذا اكتريت إرضا بشئ مما يخرج مثله من مثلها أن يقبض ولو لم يقبض لم أفسد الكراء من أجل أنه إنما يصلح أن يؤجرها بطعام موصوف وهذه صفة بلا عين فقد لا تخرج من تلك الصفة وقد تخرجها ويكون لرب الارض أن يعطيه تلك الصفة من غيرها فإذا كان ذلك الدين في ذمته بصفة فلا بأس من أين أعطاه وهذا خلاف المزارعة المزارعة أن تكرى الارض بما يخرج منها ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر وقد يخرج ذلك قليلا وكثيرا فاسدا وصحيحا وهذا فاسد بهذه العلة قال وإذا تقبل الرجل الارض من الرجل سنين ثم أعارها رجلا أو أكراها إياه فزرع فيها الرجل فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل وهكذا أرض الخراج إذا تقبلها رجل من الوالى فقبالتها عليه فإن زرعها غيره بأمره بعارية أو كراء فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل ولو كان المتقبل زرعها كان على المتقبل القبالة والعشر في الزرع إن كان مسلما وإن كان ذميا فزرع أرض الخراج فلا عشر عليه وكذلك لو كانت له أرض صلح فزرعها لم يكن عليه عشر في زرعها لان العشر زكاة ولا زكاة إلا على أهل الاسلام ولا أعرف ما يذهب إليه بعض الناس في أرض السواد بالعراق من أنها مملوكة لاهلها وأن عليهم خراجا فيها فإن كانت كما ذهب إليه فلو عطلها ربها أو هرب أخذ منه خراجها إلا أن يكون صلحه على غير هذا فيكون على ما صالح عليه قال ولو شرط رب الارض أو متقبلها أو والى الارض المتصدق بها أن الزارع لها له زرعه مسلما لا عشر عليه فيه فالعشر عليه من أجل أنها مزارعة فاسدة لان العشر إنما هو على الزارع وقد يقل ويكثر فإذا ضمن عنه ما لا يعرف فسدت الاجارة فإن أدركت قبل أن يزرع فسخت الاجارة وإن أدركت بعدما يزرع فله زرعه وعليه كراء مثل الارض ذهبا أو فضة بالاغلب
من نقد البلد الذى تكاراها به كان ذلك أقل مما أكراه به أو أكثر قال وإذا كانت الارض عنوة فتقبلها رجل فعجز عن عمارتها وأداء خراجها قيل له إن أديت خراجها تركت في يديك وإن لم تؤده فسخت عنك وكنت مفلسا وجد عين المال عنده ودفعت إلى من يؤدى خراجها قال وللعامل على العشر مثل ماله على الصدقات لان كليهما صدقة فله يقدر أجر مثله على كل واحد منهما أو على أيهما عمل قال وإذا فتحت الارض عنوة فجميع ما كان عامرا فيها للذين فتحوها وأهل الخمس فإن ]
__________
(1) هنا زيادة في نسخ الربيع تتعلق بكراء الارض البيضاء الآتى بعد هذا فألحقناها به ولم توجد في نسخة السراج البلقيني أصلا لا بعد المزارعة ولا في الاجارات.
كتبه مصححه.(4/14)
[ تركوا حقوقهم منها لجماعة المسلمين فذلك لهم وما كان من أرض العنوة مواتا فهو لمن أحياه من المسلمين لانه كان وهو غير مملوك لمن فتح عليه فيملك بملكه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحياء مواتا فهو له " ولا يترك ذمى يحييه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله لمن أحياه من المسلمين فلا يكون للذمي أن يملك على المسلمين ما تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك لمن أحياه منهم وإذا كان فتحها صلحا فهو على ما صالحوا عليه.
كراء الارض البيضاء (أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي ولا بأس بكراء الارض البيضاء بالذهب والورق والعروض وقول سالم بن عبد الله أكتر ورافع لم يخالفه في أن الكراء بالذهب والورق لا بأس به إنما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن كرائها ببعض ما يخرج منها ولا بأس أن يكرى الرجل أرضه البيضاء بالتمر وبكل ثمرة يحل بيعها إلا أن من الناس من كره أن يكريها ببعض ما يخرج منها ومن قال هذا القول قال إن زرعت حنطة كرهت كراءها بالحنطة لانه نهى أن يكون كراؤها بالثلث والربع وقال غيره كراؤها بالحنطة وإن كانت إلى أجل غير ما يخرج منها لانها موصوفة لا يلزمه إذا جاء بها على صفة أن يعطيه مما يخرج من الارض ولو جاءت الارض بحنطة على غير صفتها لم يكن للمكترى أن يعطيه غير صفته وإذا تعجل المكرى الارض كراءها من الحنطة فلا بأس بذلك في القولين معا قال ولا تكون المساقاة في الموز ولا القصب ولا يحل بيعهما إلى أجل لا يحل بيعهما إلا أن
يريا القصب جزة والموز بجناه ولا يحل أن يباع ما لم يخلق منهما وإذا لم يحل أن يبيعهما مثل أن يكونا بصفة لم يحل أن يباع منهما ما لم يكن منهما بصفة ولا غير صفة لانه في معنى ما كرهنا وأزيد منه لانه لم يخلق قط (1) ولا بأس أن يتكارى الرجل الارض للزرع بحنطة أو ذرة أو غير ذلك مما تنبت الارض أو لا تنبته مما يأكله بنو آدم أو لا يأكلونه مما تجوز به إجارة العبد والدار إذا قبض ذلك كله قبل دفع الارض أو مع دفعها كل ما جازت به الاجارة في البيوت والرقيق جازت به الاجارة في الارض قال وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة ببعض ما يخرج من الارض فيما روى عنه فأما ما أحاط العلم أنى قد قبضته ودفعت الارض إلى صاحبها فليس في معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه إنما معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه أن تكون الاجارة بشئ (2) قد يكون الاشياء ويكون ألفا من الطعام ويكون إذا كان جيدا أو رديئا غير موصوف وهذا يفسد من وجهين إذا كان إجارة من وجه أنه مجهول الكيل والاجارة لا تحل بهذا ومن وجه أنه مجهول الصفة ولو كان معروف الكيل وهو مجهول الصفة لم تحل الاجارة بهذا فأما ما فارق هذا المعنى فلا بأس به ولو شرط الاجارة إلى أجل ولم يسم لها أجلا ولم يتقابضا كانت الاجارة من طعام لا تنبته الارض أو غيره من نبات الارض أو هو مما تنبت الارض غير الطعام أو عرض أو ذهب أو فضة فلا بأس بالاجارة إذا قبض الارض وإن لم يقبض الاجارة كانت إلى أجل أو غير أجل وإن ]
__________
(1) من هنا إلى آخر الباب هو الزيادة المنبه عليها قبل.
(2) قوله: بشئ قد يكون الخ كذا بالاصل وليحرر من أصل صحيح.
كتبه مصححه.(4/15)
[ شرطها بشئ من الطعام مكيل مما تخرجه الارض كرهته احتياطا ولو وقع الاجر بهذا وكان طعاما موصوفا ما أفسدته من قبل أن الطعام مكيل معلوم الكيل موصوف معلوم الصفة وأنه لازم للمستأجر أخرجت الارض شيئا أو لم تخرجه وقد تخرج الارض طعاما بغير صفته فلا يلزم المستأجر ان يدفعه ويدفعه بالصفة فعلى هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) إذا تكارى الرجل الارض ذات الماء من العين أو النهر نيل أو غير نيل أو الغيل أو الآبار على أن يزرعها غلة الشتاء والصيف فزرعها
إحدى الغلتين والماء قائم ثم نضب الماء فذهب قبل الغلة الثانية فأراد رد الارض بذهاب الماء فدلك له ويكون عليه من الكراء بحصة ما زرع إن كانت حصة الزرع الذى حصد الثلث أو النصف أو الثلثين أو أقل أو أكثر أدى ذلك وسقطت عنه حصة الزرع الثاني الذى انقطع الماء قبل أن يكون وهذا مثل الدار يكتريها فيسكنها بعض السنة ثم تنهدم في آخرها فيكون عليه حصة ما سكن وتبطل عنه حصة ما لم يقدر على سكنه فالماء إذا كان لا صلاح للزرع إلا به كالبناء الذى لا صلاح للمسكن إلا به وإذا تكارى من الرجل الارض السنة على أن يزرعها ما شاء فزرعها وانقضت السنة وفيها زرع لم يبلغ أن يحصد فإن كانت السنة قد يمكنه فيها أن يزرع زرعا يحصد قبلها فالكراء جائز وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن رب الارض إلا أن يشاء رب الارض تركه قرب ذلك أو بعد، لا خلاف في ذلك، وإن كان شرط أن يزرعها صنفا من الزرع يستحصد أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا وإن تكاراها مدة هي أقل من سنة وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يستحصد فكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل هذه المدة التى تكاراها إليها فالكراء فاسد من قبل أنى أثبت بينهما شرطهما ولو إثبت على رب الارض أن يبقى زرعه فيها بعد انقطاع المدة أبطل شرط رب الزرع أن يتركه حتى يستحصد وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الارض فكان هذا كراء فاسد ولرب الارض كراء مثل أرضه إذا زرع وعليه ترك الزرع حتى يستحصد، وإن ترافعا قبل يزرع فسخت الكراء بينهما، وإذا تكارى الرجل من الرجل الارض التى لا ماء لها والتى إنما تسقى بنطف السماء أو السيل إن حدث فلا يصلح كراؤها إلا على أن يكريه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها يصنع بها المكترى ما شاء في سنة إلا أنه لا يبنى ولا يغرس فيها، وإذا وقع على هذا الكراء صح فإذا جاءه ماء من سيل أو مطر فزرع عليه أو لم يزرع أو لم يأته ماء فالكراء له لازم، وكذلك إن كان شرطه أن يزرعها وقد يمكنه زرعها عثريا بلا ماء أو يمكنه أو يشترى لها ماء من موضع فأكراه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء أو يفعل بها ما شاء صح الكراء ولزمه زرع أو لم يزرع، وإن أكراه إياها على أن يزرعها ولم يقل أرضا بيضاء لا ماء لها وهما يعلمان أنها لا
تزرع إلا بمطر أو سيل يحدث فالكراء فاسد في هذا كله فإن زرعها فله ما زرع وعليه أجر مثلها (وقال الربيع) فإن قال قائل لم أفسدت الكراء في هذا؟ قيل من قبل أنه قد لا يجئ الماء عليها فيبطل الكراء وقد يجئ فيتم الكراء، فلما كان مرة يتم ومرة لا يتم بطل الكراء (قال الشافعي) وإذا تكارى الرجل الارض ذات النهر مثل النيل وغيره مما يعلو الارض على أن يزرعها زرعا هو معروف أن ذلك الزرع لا يصلح إلا بأن يرويها النيل لا يتركها ولا تشرب غيره كرهت هذا الكراء وفسخته إذا كانت الارض بيضاء ثم لم يصح حتى يعلو الماء الارض علوا يكون ريا لها أو يصلح به الزرع بحال فإذا تكوريت ريا بعد نضوب الماء فالكراء صحيح لازم للمكتري زرع أو لم يزرع قل ما يخرج ](4/16)
[ من الزرع أو كثر، وإن تكاراها والماء قائم عليها وقد ينحسر لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع فالكراء فيه جائز وإن كان قد ينحسر ولا ينحسر كرهت الكراء إلا بعد انحساره وكل شئ أجزت كراءه أو بيعه أجزت النقد فيه وإن تكارى الرجل للزرع فزرعها أو لم يزرعها حتى جاء عليها النيل أو زاد أو أصابها شئ يذهب الارض انتقض الكراء بين المستأجر ورب الارض من يوم تلفت الارض ولو كان بعض الارض تلف وبعض لم يتلف ولم يزرع فرب الزرع بالخيار إن شاء أخذ ما بقى بحصته من الكراء وإن شاء ردها لان الارض لم تسلم له كلها وإن كان زرع أبطل عنه ما تلف ولزمته حصة ما زرع من الكراء وهكذا كراء الدور وأثمان المتاع والطعام إذا جمعت الصفقة منه مائة صاع بثمن معلوم فتلف خمسون صاعا فالمشترى بالخيار في أن يأخذ الخمسين بحصتها من الثمن أو يرد البيع لانه لم يسلم له كله كما اشترى (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل الارض من الرجل بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع أو ذهب بها السيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه الكراء من يوم أصابها ذلك وهي مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة أو آخرها والعبد يستأجره السنة فيموت في اول السنة أو آخرها فيكون عليه من الاجارة بقدر ما سكن واستخدم ويسقط عنه ما بقى وإن أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء أو لم يذكر أنه اكتراها
للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقى بحصته من الكراء أو يرده لانه قد انتقص مما اكترى وكذلك إن اكتراها للزرع وكراؤها للزرع أبين في أن له أن يردها إن شاء وإن كان مر بها ماء فأفسد زرعه أو أصابه حريق أو ضريب أو جراد أو غير ذلك فهذا كله جائحة على الزرع لا على الارض فالكراء له لازم فإن أحب أن يجدد زرعا جدده إن كان ذلك يمكنه وإن لم يمكنه فهذا شئ أصيب به في زرعه لم تصب به الارض فالكراء له لازم وهذا مفارق للجائحة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائحة في يديه قبل أن يمكنه جدادها ومن وضع الجائحة ثم انبغى أن أن لا يضعها ههنا فإن قال قائل إذا كانتا جائحتين فما بال إحداهما توضع والاخرى لا توضع فإن من وضع الجائحة الاولى فإنما يضعها بالخبر وبأنه إذا كان البيع جائزا في شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجد فإنما ينزلها بمنزلة الكراء الذى يقبض به الدار ثم تمر به أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلفت وذلك أن العين التى اكترى واشترى تلفت وكان الشراء في هذا الموضع إنما يتم بسلامته إلى أن يجد والمكترى الارص لم يشتر من رب الارض زرعا إنما اكترى أرضا إلا ترى أنه لو تركها فلم يزرعها حتى تمضى السنة كان عليه كراؤها ولو أراد أن يزرعها بشئ يقيم تحت الارض حتى لو مر به سيل لم ينزعه كان ذلك له؟ ولو تكاراها حتى إذا استحصدت فأصاب الارض حريق فاحترق الزرع لم يرجع على رب الارض بشئ من قبل أنه لم يتلف شئ كان أعطاه إياه إنما تلف شئ يضعه الزراع من ماله كما لو تكارى منه دارا للبر فاحترق البر ولا مال له غيره وبقيت الدار سالمة لم ينتقص سكنها كان الكراء له لازما ولم يكن احتراق المتاع من معنى الدار بسبيل، وإذا تكارى الرجل من الرجل الارض سنة مسماة أو سنته هذه فزرعها وحصد وبقى من سنته هذه شهر أو أكثر أو أقل لم يكن لرب الارض أن يخرجها من يده حتى تكمل سنته ولا يكون له أن يأخذ جميع الكراء إلا باستيفاء المكترى جميع السنة وسواء كانت الارض أرض المطر أو أرض السقى لانه قد يكون فيها منافع من زرع وعثرى وسيل ومطر ولا يؤيس من المطر على حال ولمنافع سوى هذا لا يمنعها المكترى وإذا استأجر الرجل من الرجل ](4/17)
[ الارض ليزرعها قمحا فأراد أن يزرعها شعيرا أو شيئا من الحبوب سوى القمح فإن كان الذى أراد ان يزرعه لا يضر بالارض إضرارا أكثر من إضرار ما شرط أنه يزرع ببقاء عروقه في الارض أو إفساده الارض بحال من الاحوال فله زرعها ما أراد بهذا المعنى كما يكترى منه الدار على أن يسكنها فيسكنها مثله، وإن كان ما أراد زرعها ينقصها بوجه من الوجوه أكثر من نقص ما اشترط أن يزرعها لم يكن له زرعها فإن زرعها فهو متعد ورب المال بالخيار بين أن يأخذ منه الكراء الذى سمى له وما نقص زرعه الارض عما ينقصها الزرع الذى شرط له أو يأخذ منه كراء مثلها في مثل ذلك الزرع وإن كان قائما في وقت يمكنه فيه الزرع كان لرب الارض قطع زرعه إن شاء ويزرعها المكترى مثل الزرع الذى شرط له أو ما لا يضر أكثر من إضراره وإذا تكارى الرجل من الرجل البعير ليحمل عليه خمسمائة رطل قرطا فحمل عليه خمسمائة رطل حديد أو تكارى ليحمل عليه حديدا فحمل عليه قرطا بوزنه فتلف البعير فهو ضامن من قبل أن الحديد يستجمع على ظهره استجماعا لا يستجمعه القرط فبهذه يتلف وأن القرط ينتشر على ظهر البعير انتشارا لا ينتشره الحديد فيعمه فيتلف وأصل هذا أن ينظر إذا اكترى منه بعيرا على أن يحمل عليه وزنا من شئ بعينه فحمل عليه وزنه من شئ غيره فإن كان الشئ الذى حمل عليه يخالف الشئ الذى شرط أن يحمله حتى يكون أضر بالبعير منه فتلف ضمن وإن كان لا يكون أضر به منه وكان مثله أو أحرى أن لا يتلف البعير فحمله فتلف لم يضمن، وكذلك إن تكارى دابة ليركبها فحمل عليها غيره مثله في الخفة أو أخف منه فهكذا لا يضمن وإن كان أثقل منه فتلف ضمن وإن كان أعنف ركوبا منه وهو مثله في الخفة فانظر إلى العنف فإن كان العنف شيئا ليس كركوب الناس وكان متلفا ضمن وإن كان كركوب الناس لم يضمن وذلك (1) إن أركب الناس قد يختلف بركوب ولا يوقف للركوب على حد إلا أنه إذا فعل في الركوب ما يكون خارجا به من ركوب العامة ومتلفا فتلف الدابة ضمن، وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا عشر سنين على أن يزرع فيها ما شاء فلا يمنع من شئ من الزرع بحال، فإن أراد الغرس فالغراس غير الزرع لانه يبقى فيها بقاء لا يبقاه الزرع ويفسد منها ما لا يفسد الزرع فإن تكاراها مطلقة عشر سنين ثم اختلفا فيما يزرع فيها أو يغرس كرهت الكراء وفسخته
ولا يشبه هذا السكن السكن شئ على وجه الارض وهذا شئ على وجهها وبطنها فإذا تكاراها على أن يغرس فيها ويزرع ما شاء ولم يزد على ذلك فالكراء جائز وإذا انقضت سنوه لم يكن لرب الارض قلع غراسه حتى يعطيه قيمته في اليوم الذى يخرجه منها قائما على أصوله وبثمره إن كان فيه ثمر ولرب الغراس إن شاء أن يقلعه على أن عليه إذا قلعه ما نقص الارض والغراس كالبناء إذا كان بإذن مالك الارض مطلقا لم يكن لرب الارض أن يقلع البناء حتى يعطيه قيمته قائما في اليوم الذى يخرجه (قال الشافعي) وإذا استأجر الرجل من الرجل الارض يزرعها وفيها نخلة أو مائة نخلة أو أقل أو أكثر وقد رأى ما استأجر منه من البياض زرع في البياض ولم يكن له من ثمر النخل قليل ولا كثير وكان ثمر النخل لرب النخل ولو استأجرها منه بألف دينار على أن له ثمر نخلة يسوى درهما أو أقل أو أكثر كانت الاجارة فاسدة من قبل أنها انعقدت عقدة واحدة على حلال ومحرم فالحلال الكراء والحرام ثمر النخلة إذا كان هذا قبل أن يبدو صلاحه، وإن كان بعدما يبدو صلاحه فلا ]
__________
(1) قوله: إن أركب الناس الخ كذا بالاصل وحرره.
كتبه مصححه.(4/18)
[ بأس به إذا كانت النخلة بعينها (قال الشافعي) وسواء في هذا كثر الكراء في الارض أو الدار وقلت الثمرة أو كثرت أو قل الكراء كما كان لا يحل أن تباع ثمرة نخلة قبل أن يبدو صلاحها وكان هذا فيها محرما كما هو في ألف نخلة وكذلك إذا وقعت الصفقة على بيعه قبل يبدو صلاحه بحال لان الذى يحرم كثيرا يحرم قليلا وسواء كانت النخلة صنوانا واحد في الارض أو مجتمعة في ناحية أو متفرقة (قال الشافعي) وإذا تكارى الرجل الدار أو الارض إلى سنة كراء فاسدا فلم يزرع الارض ولم ينتفع بها ولم يسكن الدار ولم ينتفع بها إلا أنه قد قبضها عند الكراء ومضت السنة لزمه كراء مثلها كما كان يلزمه إن انتفع بها ألا ترى أن الكراء لو كان صحيحا فلم ينتفع بواحدة منهما حتى تمضى سنة لزمه الكراء كله من قبل أنه قبضه وسلمت له منفعته فترك حقه فيها فلا يسقط ذلك حق رب الدار عليه فلما كان الكراء الفاسد إذا انتفع به المكترى يرد إلى كراء مثله كان حكم كراء مثله في الفاسد كحكم الكراء الصحيح، وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار سنة فقبضها المكترى ثم غصبه إياها
من لا يقوى عليه سلطان أو من يرى أنه يقوى عليه سلطان فسواء لا كراء عليه في واحد منهما ولو أراد المكترى أن يكون خصما للغاصب لم يكن له خصما إلا بوكالة من رب الدار وذلك أن الخصومة للغاصب إنما تكون في رقبة الدار فلا يجوز أن يكون خصما في الدار إلا رب الدار أو وكيل لرب الدار والكراء لا يسلم للمكتري إلا بأن يكون المكرى مالكا للدار والمكترى لم يكتر على أن يكون خصما لو كان ذلك جائزا له، أرأيت لو خاصمه فيها سنة فلم يتبين للحاكم أن يحكم بينهما أتجعل على المكترى كراء ولم يسلم له أم تجعل للمخاصم إجارة على رب الدار في عمله ولم يوكله؟ أو رأيت لو أقر رب الدار بأنه كان غصبها من الغاصب ألا يبطل الكراء؟ أو رأيت لو أقر المتكارى أن رب الدار غصبها من الغاصب أيقضى على رب الدار أنه غاصب بإقرار غير مالك ولا وكيل؟ فهل يعدو المكترى إذا قبض الدار ثم غصبت أن يكون الغصب على رب الدار ولم تسلم للمكترى المنفعة بلا مؤنة عليه كما اكترى؟ فإن كان هذا هكذا فسواء غصبها من لا يقوى عليه سلطان أو من يقوى عليه سلطان ولا يكون عليه كراء لانه لم تسلم له المنفعة أو يكون الغصب على المكترى دون رب الدار ويكون ذلك شيئا أصيب به المكترى كما يصاب ماله فيلزمه الكراء غصبها إياه من يقوى عليه السلطان أو من لا يقوى عليه وإذا ابتاع الرجل من الرجل العبد ودفع إليه الثمن أو لم يدفعه وافترقا عن تراض منهما ثم مات العبد قبل أن يقبضه المشترى وإن لم يحل البائع بينه وبينه كان حاضرا عندهما قبل البيع وبعده حتى توفى العبد فالعبد من مال البائع لا من مال المبتاع وإن حدث بالعبد عيب كان المبتاع بالخيار بين أن يقبض العبد أو يرده وكذلك لو اشتراه وقبضه كان الثمن دارا أو عبدا أو ذهبا بأعيانها أو عرضا من العروض فتلف الذى ابتاع به العبد مما وصفنا في يدى مشترى العبد كان البيع منتقضا وكان من مال مالكه فإن قال قائل قد هلك هذا العبد وهذا العرض ثم لم يحدث واحد منهما حولا بينه وبين ملكه إياه فكيف يكون من مال البائع حتى يسلمه للمبتاع؟ فقيل له بالامر البين مما لا يختلف الناس فيه من أن من كان بيده ملك لرجل مضمونا عليه أن يسلمه إليه من دين عليه أو حق لزمه من وجه من الوجوه أرش جناية أو غيرها أو غصب أو أي شئ ما كان فأحضره ليدفع إلى مالكه حقه فيه عرضا بعينه أو غير عينه فهلك في يده لم يبرأ
بهلاكه في يده وإن لم يحل بينه وبين صاحبه وكان ضمانه منه حتى يسلمه إليه ولو أقاما بعد إحضاره إياه في مكان واحد يوما واحدا أو سنة أو أقل أو أكثر لان ترك الحول بغير الدفع لا يخرج من عليه ](4/19)
[ الدفع إلا بالدفع فكان أكثر ما على المتبايعين أن يسلم هذا ما باع وهذا ما اشترى به فلما لم يفعلا لم يخرجا من ضمان بحال وقال الله جل وعلا " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " فلو أن أمرءا نكح امرأة واستخزنها ماله ولم يحل بينها وبين قبض صداقها ولم يدفعه إليها لم يبرأ منه بأن يكون واجدا له وغير حائل دونه وأن تكون واجدة له غير محول بينها وبينه وقال الله عزوجل " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلو أن امرءا أحضر مساكين وأخبرهم أن لهم في ماله دراهم أخرجها بأعيانها من زكاة ماله فلم يقبضوها ولم يحل بينهم وبينها لم تخرج من أن تكون مضمونة عليه حتى يؤديها ولو تلفت في يده تلفت من ماله وكذلك لو تطهر للصلاة وقام يريدها ولا يصليها لم يخرج من فرضها حتى يصليها ولو وجب عليه أن يقتص من نفسه من دم أو جرح فأحضر الذى له القصاص وخلى بينه وبين نفسه أو خلى الحاكم بينه وبينه فلم يقتص ولم يعف لم يخرج هذا مما عليه من القصاص ثم لا يخرج أحدهما مما قبله إلا بأن يؤديه إلى من هو له أو يعفوه الذى هو له وهكذا أصل فرض الله عزوجل في جميع ما فرض قال الله عزوجل " ودية مسلمة إلى أهله " فجعل التسليم الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع وقال في اليتامى " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم أو حق له (1) أن يكون مؤديه وأداؤه دفه لا ترك الحول دونه وسواء دعاه إلى قبضه أو لم يدعه ما لم يبرئه منه فيبرأ منه بالبراءة أو يقبضه منه في مقامه أو غير مقامه ثم يودعه إياه وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من مالكه (قال الربيع) يريد القابض له وهو المشترى (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل من الرجل الارض أو الدار كراء صحيحا بشئ معلوم سنة أو أكثرتم قبض المكترى ما اكترى فالكراء له لازم فيدفعه حين يقبضه إلا أن يشترطه إلى أجل فيكون إلى أجله فإن سلم له ما اكترى فقد استوفى وإن تلف رجع بما قبض منه من الكراء كله فيما لم يستوف فإن قال قائل فكيف يجوز أن يكون يدفع إليه
الكراء كله ولعل الدار أن تتلف أو الارض قبل أن يستوفى؟ قيل لا أعلم يجوز غير هذا من أن تكون الدار التى ملك منفعتها مدفوعة إليه فيستوفى المنفعة المدة التى شرطت له وأولى الناس أن يقول بهذا من زعم أن الجائحة موضوعة وقد دفع البائع الثمرة إلى المشترى ولو شاء المشترى أن يقطعها كلها قطعها فلما كان المشترى إذا تركها إلى اوان يرجو أن تكون خيرا له فتلف رجع بحصة ما تلف كان في الدار التى لا يقدر على قبض منفعتها إلا في مدة تأتى عليها أولى أن يجعل الثمن للمكرى حالا كما يجعله للثمرة إلا أن يشترطه إلى أجل فإن قال قائل من قال هذا؟ قيل له عطاء بن أبى رباح وغيره من المكيين فإن قال فما حجتك على من قال من المشرقيين إذا تشارطا فهو على شرطهما وإن لم يتشارطا فكلما مر عليه يوم له حصة من الكراء كان عليه أن يدفع كراء يومه قيل له من قال هذا لزمه في أصل قوله أن يجيز الدين بالدين إذا لم يقل كما قلنا إن الكراء يلزم بدفع الدار لانه لا يوجد في هذا أبدا دفع غيره وقال المنفعة تأتى يوما بعد يوم فلا أجعل دفع الدار يكون في حكم دفع المنفعة قيل فالمنفعة دين لم يأت والمال دين لم يأت وهذا الدين بالدين وسواء كانت أرض نيل أو غيرها أو أرض مطر (قال) وإذا تكارى الرجل المسلم من الذمي أرض عشر أو خراج فعليه فيما أخرجت من الزرع الصدقة فإن قال قائل فما الحجة في هذا؟ قيل لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة من ]
__________
(1) قوله: أي حق له كذا بالاصل والكلام مستقيم بدونه فحرر.
كتبه مصححه.(4/20)
[ قوم كانوا يملكون أرضهم من المسلمين وهذه أرض من زرعها من المسلمين فإنما زرع مالا يملك من الارض وما كان أصله فيئا أو غنيمة فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقه تطهرهم وتزكيهم بها " وخاطبهم بأن قال " وآتوا حقه يوم حصاده " فلما كان الزرع مالا من مال المسلم والحصاد حصاد مسلم تجب فيه الزكاة وجب عليه ما كان لا يملك رقبة الارض فإن قال فهل من شئ توضحه غير هذا؟ قيل نعم الرجل يتكارى من الرجل الارض أو يمنحه إياها فيكون عليه في زرعها الصدقة كما يكون عليه لو زرع أرض نفسه فإن قال فهذه لمالك معروف قيل فكذلك يتكارى في الارض الموقوفة على أبناء السبيل وغيرهم ممن لا يعرف بعينه
وإنما يعرف بصفته فيكون عليه في زرعها الصدقة فإن قال هذا هكذا ولكن أصل هذه لمسلم أو لمسلمين وأصل تلك لمشرك قيل لو كانت لمشرك ما حل لنا إلا بطيب نفسه ولكنها لما كانت عنوة أو صلحا كانت مالا للمسلمين كما تغنم أموالهم من الذهب والفضة فيكون علينا فيها الصدقة كما يكون علينا فيما ورثنا من آبائنا لان ملكهم قد انقطع عنهم فصار لنا وكذلك الارض فإن قال قائل فهى لقوم غير معروفين قيل هي لقوم معروفين بالصفة من المسلمين وإن لم يكونوا معروفين بأعيانهم كما تكون الارض الموقوفة لقوم موصوفين فإن قال قالخراج يؤخذ منها قيل لو لا أن الخراج كراء ككراء الارض الموقوفة وكراء الارض للرجل حرم على المسلم أن يؤدى خراجا وعلى الآخذ منه أن يأخذ منها خراجا ولكنه إنما هو كراء ألا ترى أن الرجل يكترى الارض بالشئ الكثير فلا يحسب عليه ولا له فيخفف عنه من صدقتها شئ لما أدى من كرائها (قال الشافعي) فإذا ابتاع الرجل من الرجل عبدا فتصادقا على البيع والقبض واختلفا في الثمن والعبد قائم تحالفا وترادا فإن كان العبد تالفا تحالفا وترادا قيمة العبد وإذا كان قائما وهما يتصادقان في البيع ويختلفان في الثمن رد العبد بعينه فكل ما كان على إنسان أن يرده بعينه ففات رده بقيمته لان القيمة تقوم مقام العين إذا فاتت العين فإن كان هذا في كل شئ فما أخرج هذا من تلك الاشياء؟ لا يجوز أن يفرق بين المجتمع في المعنى إلا بخبر يلزم وهكذا في الدور والارضين إذا اختلفا قبل أن يسكن أو يزرع تحالفا وترادا فإذا اختلفا بعد الزرع والسكن تحالفا وترادا قيمة الكراء وإن سكن بعضا رد قيمة ما سكن وفسخ الكراء فيما لم يسكن وإن تكارى أرضا لزرع فزرعها وبقى له سنة أو أكثر تحالفا وتفاسخا فيما بقى ورد كراء مثلها فيما زرع قال وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة بعشرة تصادقا على الكراء ومبلغه واختلفا في الموضع الذى تكارى إليه فقال المكترى اكتريتها إلى المدينة بعشرة وقال المكرى اكتريتها بعشرة إلى أيلة فإن لم يكن ركب الدابة تحالفا وترادا وإن كان ركبها تحالفا وكان لرب الدابة كراء مثلها إلى الموضع الذى ركبها إليه وفسخ الكراء في ذلك الموضع لان كليهما مدع ومدعى عليه لان الكراء بيع من البيوع وهذا مثل معنى قولنا في البيوع وإذا استأجر الرجل من الرجل الارض ليزرعها فغرقت كلها قبل الزرع رجع بالاجارة لان المنفعة لم تسلم له وهى مثل الدار تنهدم قبل السكنى فإن غرق
بعضها فهذا نقص دخل عليه فيما اكترى وله الخيار بين حبسها بالكراء أو ردها لانه لم يسلم له ما اكترى كما اكترى كما يكون له في الدار لو انهدم بعضها أن يحبس ما بقى بحصته من الكراء كأن انهدم نصفها فأراد أن يقيم في نصفها الباقي بنصف الكراء فذلك له لانه نقص دخل عليه فرضى ](4/21)
[ بالنقص وإن شاء أن يخرج ويفسخ الكراء كان ذلك له إذا كان (1) بعض ما بقى من الدار والارض ليس مثل ما ذهب (قال الشافعي) وكذلك لو اشترى مائة أردب طعاما فلم يستوفها حتى تلف نصفها في يدى البائع كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن (قال الربيع) الطعام عندي خلاف الدار ينهدم بعضها لان الطعام شئ واحد والدار لا يكون بعضها مثل بعض سواء مثل الطعام (قال الشافعي) وأصل هذا أن ينظر إلى البيعة فإذا وقعت على شئ يتبعض ويجوز أن يقبض بعضه دون بعض فتلف بعضه قلت فيه هكذا، وإن وقعت على شئ لا يتبعض مثل عبد اشتريته فلم تقبضه حتى حدث به عيب كنت فيه بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده لانه لم يسلم لك فتقبضه غير معيب فإن قال قائل ما فرق بين هذين؟ قيل لا يكون العبد يتبعض من العيب ولا العيب يتبعض من العبد فقد يكون المسكن متبعضا من المسكن من الدار والارض وكذلك إذا تكارى الرجل من الرجل الارض عشر سنين بمائة دينار لم يجز حتى يسمى لكل سنة شيئا معلوما: وإذا اكترى الرجل من الرجل أرضه أو داره فقال أكتريها منك كل سنة بدينار أو أكثر ولم يسم السنة التى يكتريها ولا السنة التى ينقطع إليها الكراء فالكراء فاسد لا يجوز إلا على أمر يعرفه المكرى والمكترى.
كما لا تجوز البيوع إلا على ما يعرف وهذا كلام يحتمل أن يكون الكراء فيه ينقضى إلى مائة سنة أو أكثر أو أقل ويحتمل أن يكون سنة ويحتمل أقل من سنة فكان هذا كراء مجهولا يفسخه قبل السكنى.
فإن فات فيه السكنى جعلنا فيه على المكترى أجر مثله كان أكثر مما وقع به الكراء أو أقل.
إذا أبطلنا أصل العقد فيه وصيرناه قيمة لم نجعل الباطل دليلا على الحق (قال الشافعي) فإذا زرع الرجل أرض رجل فادعى أن رب الارض أكراه أو أعاره إياها وجحد رب الارض فالقول قول رب الارض مع يمينه ويقلع الزارع في زرعه وعلى الزارع كراء مثل أرضه إلى يوم يقلع زرعه
(قال الشافعي) وسواء كان ذلك في إبان الزرع أو في غير إبانه إذا كان زارع الارض المدعى للكراء حبسها عن مالكها فإنما أحكم عليه حكم الغاصب وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا فيها زرع لغيره لا يستطيع إخراجه منها إلى أن يحصده فالكراء مفسوخ لا يجوز حتى يكون المكترى يرى الارض لا حائل دونها من الزرع ويقبضها لا حائل دونها من الزارعين لانا نجعله بيعا من البيوع فلا يجوز أن يبيع لرجل عينا لا يقدر المبتاع على قبضها حين تجب له ويدفع الثمن ولا أن نجعل على المبتاع والمكترى الثمن ولعل المكترى أن يتلف قبل أن يقبضه ولا يجوز أن نقول له الثمن دين إلى أن يقبض فذلك دين بدين (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الارض والدار قبل أن يكتريهما ويقبضهما ولكن يكترى الارض والدار ويقبضهما مكانهما لا حائل بينهما ومتى حدث على واحد منهما حادث يمنع من منفعته رجع المكترى بحصته من الكراء من يوم حدث الحادث وهكذا العبد وجميع الاجارات وليس هذا بيع وسلف إنما البيع والسلف أن تنعقد العقدة على إيجاب بيع وسلف بين المتبايعين فيكون الثمن غير معلوم من قبل أن للمبيع حصة من السلف في أصل ثمنه لا تعرف لان السلف غير مملوك (قال الشافعي) وكل ما جاز لك أن تشتريه على الانفراد جاز لك أن تكتريه على الانفراد والكراء بيع من البيوع وكل ما لم يجز لك أن تشتريه على الانفراد لم يجز لك أن تكتريه على ]
__________
(1) قوله: إذا كان بعض ما بقى كذا بالاصل لا يخفى استقامة الكلام بدون " بعض " إن لم يكن محرفا عن " البعض الباقي " فحرر.
كتبه مصححه.(4/22)
[ الانفراد ولو أن رجلا أكترى من رجل أرضا بيضاء ليزرعها شجرا قائما على أن له الشجر وأرضه كان في الشجر ثم بالغ أو غض أو لم يكن فيه كان هذا كراء جائزا كما يكون بيعا جائزا (قال الربيع) يريد أن لصاحب الارض البيضاء الشجر وأرض الشجر (قال الشافعي) ولو تكارى الارض بالثمرة دون الارض والشجر فإن كانت الثمرة قد حل بيعها جاز الكراء بها وإن كانت لم يحل بيعها لم يحل الكراء بها.
قال الله تبارك وتعالى " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال عزوجل " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " فكانت
الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كله إلا أن تكون دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في إجماع المسلمين الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد الله تخص تحريم بيع دون بيع فنصير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه لانه المبين عن الله عزوجل معنى ما أراد الله خاصا وعاما ووجدنا الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم شيئين أحدهما التفاضل في النقد والآخر النسيئة كلها وذلك أنه يحرم الذهب بالذهب إلا مثل يمثل يدا بيد وكذلك الفضة وكذلك أصناف من الطعام الحنطة والشعير والتمر والملح فحرم في هذا كله معنيان التفاضل في الجنس الواحد وأباح التفاضل في الجنسين المختلفين وحرم فيه كله النسيئة فقلنا الذهب والورق هكذا لان نصه في الخبر وقلنا كل ما كان مأكولا ومشروبا هكذا لانه في معنى ما نص في الخبر.
وما سوى هذا فعلى أصل الآيتين من إحلال الله، البيع حلال كله بالتفاضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة فكانت لنا بهذا دلائل مع وصفنا منها أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع عبدا بعبدين وأجاز ذلك على بن أبى طالب وابن المسيب وابن عمر وغيرهم رضى الله عنهم، ولو لم يكن فيه هذا الخبر ما جاز فيها إلا هذا القول على هذا المعنى أو قول ثان وهو أن يقال إذا كان الشيئان من صنف واحد فلا يجوز إلا أن يكونا سواء بسواء وعينا بعين ومثلا بمثل كما يكون الذهب بالذهب وإذا اختلفا فلا بأس بالتفاضل يدا بيد ولا خير فيه نسيئة كما يكون الذهب بالورق والتمر بالحنطة.
ثم لم يجز أن يباع بعير ببعيرين يدا بيد من قبل أنهما من صنف واحد وإن اختلفت رحلتهما ونجابتهما.
وإذا لم يجز يدا بيد كانت النسيئة أولى أن لا تجوز، فإن قال قائل: قد يختلفان في الرحلة وكذلك التمر قد يختلف في الحلاوة والجودة حتى يكون المد من البردى خيرا من المدين من غيره ولا يجوز إلا مثل بمثل ويدا بيد لانهما تمران يجمعان معا على صاحبهما في الصدقة لانهما جنس وكذلك البعيران جنس يجتمعان على صاحبهما في الصدقة وكذلك الذهب منه ما يكون المثقال ثمن ثلاثين درهما لجودته ومنه ما يكون المثقال بشئ أقل منه بكثير لتفاضلهما ولا يجوز وإن تفاضلا أن يباعا إلا مثلا بمثل يدا بيد ويجمعان على صاحبهما في الصدقة، فإما أن تجرى الاشياء كلها قياسا عليه.
وإما أن يفرق بينها وبينه كما قلنا وبالدلائل التى وصفنا، وبأن المسلمين أجمعوا على أن الذهب والورق يسلمان فيما سواهما بخلاف ما سواهما
فيهما، فأما أن يتحكم المتحكم فيقول مرة في شئ من الجنس لا يجوز الفضل في بعضه على بعض قياسا على هذا.
ثم يقول مرة أخرى ليس هو من هذا فإن كان هذا جائزا لاحد جاز لكل امرئ أن يقول ما خطر على قلبه وإن لم يكن من أهل العلم لان الخاطر لا يعدو أن يوافق أثرا أو يخالفه أو قياسا أو يخالفه فإذا جاز لاحد الاخذ بالاثر وتركه والاخذ بالقياس وتركه لم يكن ههنا معنى إلا أن يقول امرؤ بما شاء وهذا محرم على الناس (قال الشافعي) الاجارة كما وصفت بيعا من البيوع فلا بأس أن تستأجر العبد سنة بخمسة دنانير فتعجل الدنانير أو تكون إلى سنة أو سنتين أو عشر سنين فلا ](4/23)
[ بأس إن كانت عليك خمسة دنانير حالة أن تؤاجر بها عبدا لك من رب الدنانير إذا قبض العبد وليس من هذا شئ دينا بدين الحكم في المستأجر أن يدفع إلى المستأجر له نقدا غير أن صاحبه يستوفى الاجارة في مدة تأتى ولو لا أن الحكم فيه هكذا ما جازت الاجارة بدين أبدا من قبل أن هذا دين بدين ولا عرفت لها وجها تجوز فيه وذلك أنى إن قلت لا تجب الاجارة إلا باستيفاء المستأجر من المنفعة ما يكون له حصة من الثمن كانت الاجارة منعقدة والمنفعة دين فكان هذا دينا بدين.
ولو قلت يجوز أن أستأجر منك عبدك بعشرة دنانير شهرا فإذا مضى الشهر دفعت إليك العشرة كانت العشرة دينا وكانت المنفعة دينا فكان هذا دينا بدين ولو قلت أدفع إليك عشرة وأقبض العبد يخدمني شهرا كان هذا سلفا في شئ غير موصوف وسلفا غير مضمون على صاحبه وكان هذا في هذه المعاني كلها إبطال الاجارات وقد أجازها الله تعالى وأجازتها السنة وأجازها المسلمون وقد كتبنا تثبيت إجازتها في كتاب الاجارات ولو لا أن ما قلت كما قلت إن دفع المستأجر من دار وعبد إلى المستأجر دفع العين التى فيها المنفعة فيحل في الاچجارة النقد والتأخير لان هذا نقد بنقد ونقد بدين ما جازت الاجارات بحال أبدا فإن قال قائل فهى لا يقدر على المنفعة فيها إلا في مدة تأتى قلنا قد عقلنا أن الاجارات منذ كانت هكذا فإن حكمها حكم الطعام يبتاع كيلا فتشرع في كيله فلا تأخذ منه ثانيا أبدا إلا بعد بادئ وكذلك أنه لا يمكنك فيه غير هذا وكذلك السكنى والخدمة لا يمكن فيهما أبدا غير هذا فأما من قال ممن أجاز الاجارات يجوز أن يستأجر العبد شهرا
بدينار أو شهرين أو ثلاثة ثم قال ولا يجوز أن يكون لى عليك دينار فاستأجره منك به لان هذا دين بدين فالذي أجاز هو الدين بالدين إذا كانت الاجارة دينا لا شك والذى أبطل هو الذى ينبغى أن يجيز من قبل أنه يجوز لى أن يكون لى عليك دينار فآخذ به منك دراهم ويكون كينونته عليك كقبضك إياه من يدى ولا يجوز أن يعطيك دراهم بدينار مؤجل ويزعم هنا في الصرف أنه نقد ويزعم في الاجارة أنه دين فلابد أن يكون الحكم أنه نقد فيهما جميعا أو دين فيهما جميعا فإن جاز هذا جاز لغيره أن يجعله نقدا حيث جعله دينا ودينا حيث جعله نقدا (قال الشافعي) البيوع الصحيحة صنفان: بيع عين يراها المشترى والبائع وبيع صفة مضمونة على البائع وبيع ثالث وهو الرجل يبيع السلعة بعينها غائبة عن البائع والمشترى غير مضمونة على البائع إن سلمت السلعة حتى يراها المشترى كان فيها بالخيار باعه إياها على صفة وكانت على تلك الصفة التى باعه إياها أو مخالفة لتلك الصفة لان بيع الصفات التى تلزم المشترى ما كان مضمونا على صاحبه ولا يتم البيع في هذا حتى يرى المشترى السلعة فيرضاها ويتفرقان بعد البيع من مقامهما الذى رآها فيه فحينئذ يتم البيع ويجب عليه الثمن كما يجب عليه الثمن في سلعة حاضرة اشتراها حتى يتفرقا بعد البيع عن تراض فيلزمهما ولا يجوز أن تباع هذه السلعة بعينها إلى أجل من الآجال قريب ولا بعيد من قبل أنه إنما يلزم بالاجل ويجوز فيما حل لصاحبه وأخذه مشتريه ولزمه بكل وجه، فأما بيع لم يلزم فلا يجوز أن يكون إلى أجل وكيف يكون على المشترى دين إلى أجل ولم يتم له بيع ولم يره ولم يرضه؟ فإن تطوع فنقد فيه على أنه إن رضى كان نقد الثمن وإن سخط رجع بالثمن لم يكن بهذا بأس وليس هذا من بيع وسلف ولا ان أسلفك في الطعام إلى أجل فآخذ منك بعد مجئ الاجل بعض طعام وبعض رأس مال فإن ذهب ذاهب إلى أن هذين أو أحدهما أو ما كان في مثل معناهما أو معنى واحد منهما من بيع وسلف فليس هذا من ذلك بسبيل ألا ترى أن معقولا لا شك فيه في الحديث إذا كان إنما نهى ](4/24)
[ عن بيع وسلف فإنما نهى أن يجمعا ونهيه أن يجمعا معقول وذلك أن الاثمان لا تحل إلا معلومة فإذا اشتريت شيئا بعشرة على أن أسلفك عشرة أو تسلفني عشرة فهذا بيع وسلف لان الصفقة جمعتهما
معلوم السلف غير مملوك للمستسلف فله حصة من الثمن غير معلومة أو لا ترى بأن لا بأس بأن أبيعك على حدة وأسلفك على حدة إنما النهى أن يكونا بالشرط مجموعين في صفقة فأما إذا أعطيتك عشرة دنانير على مائة فرق إلى أجل فحلت فإنما لى عليك المائة فإن أخذتها كلها فهى مالى وإن أخذت بعضها فهى بعض مالى وأقيلك فيما بقى منها بإحداث شئ لم يكن على ولم يكن في أصل عقد البيع فيحرم به البيع وإذا جاز أن أقيلك منها كلها فيكون هذا إحداث إقالة لم تكن على جاز هذا في بعضها (قال الربيع) (قال الشافعي) البيع بيعان لا ثالث لهما أحدهما بيع عين يراها البائع والمشترى عند تبايعهما وبيع مضمون بصفة معلومة وكيل معلوم وأجل معلوم والموضع الذى يقبض فيه (قال الربيع) وقد كان الشافعي يجيز بيع السلعة بعينها غائبة بصفة ثم قال لا يجوز من قبل أنها قد تتلف فلا يكون يتم البيع فيها فلما كانت مرة تسلم فيتم البيع ومرة تعطب فلا يتم البيع كان هذا مفسوخا.
كراء الدواب أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال وإذا تكارى رجل دابة من مكة إلى مر فركبها إلى المدينة فعليه الكراء الذى تراضيا عليه إلى مر.
فإن سلمت الدابة فعليه كراء مثلها إلى المدينة وإن عطبت الدابة فعليه الكراء إلى مر وقيمة الدابة وإن نقصت بعيب دخلها من ركوبه فأثر فيها مثل الدبر والعور وما أشبه ذلك ردها وأخذ قيمة ما نقصها كما يأخذ قيمتها لو هلكت وإذا رجعت إلى صاحبها أخذ ما نقصها وكراء مثلها إلى حيث تعدى وإذا هلكت الدابة فلم يتعد المكترى البلد الذى تكاراها إليه ولم يتعد بأن يحمل عليها ما ليس له ولا أن يركبها ركوبا لا تركبه الدواب فلا ضمان عليه وإن كان الكراء ذاهبا وجائيا فإنما عليه في الذهاب نصف الكراء إلا أن يكون الذهاب والجيئة يختلفان فيقسم الكراء على قدر اختلافهما بقول أهل العلم باختلافهما ولو تعدى عليها بعد ما بلغت المكان الذى تكارها إليه ميلا أو أقل ثم ردها فعطبت في الموضع الذى اكتراها إليه ضمن لا يخرج من الضمان الذى تعدى إلا بأدائها سالمة إلى ربها.
الاجارات
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال قائل ليس كراء البيوت ولا الارضين ولا الظهر يلازم ولا جائز وذلك أنه تمليك والتمليك بيع ولما رأينا البيوع تقع على أعيان حاضرة ترى وأعيان غائبة موصوفة مضمونة، والكراء ليس بعين حاضر ولا غائب يرى أبدا ورأينا من أجازهما، قال إذا انهدم المنزل أو هلك العبد انتقض الكراء والاجارة فيهما، وإنما التمليك ما انقطع ملك صاحبه عنه إلى من ملكه إياه وهو إذا ملك مستأجره منفعته فالاجارة ليست هكذا ملك العبد لمالكه، ومنفعته لمستأجره إلى المدة التى تشترط وخدمة العبد مجهولة أيضا مختلفة بقدر نشاطه وبذله وكسله وضعفه، ](4/25)
[ وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهى عندنا بيع والبيوع كما وصفنا، ومن أجازها فقد يحكم فيها بحكم البيع لانها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها، فإن قال أشبهها بالبيع فليحكم لها بحكمه، وإن قال هي بيع فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع (قال الشافعي) وهذا القول جهل ممن قاله والاجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها وهذا كلها جائز قال الله تبارك وتعالى " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " فأجاز الاجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته ولكن لما لم يوجد فيها إلا هذه جازت الاجارة عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه، وقد ذكر الله عزوجل الاجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه.
قال الله عزوجل: " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الامين * قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج " الآية (قال الشافعي) قد ذكر الله عزوجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع امرأة، فدل على تجويز الاجارة وعلى أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الاجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له والله تعالى أعلم.
(قال الشافعي) فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجارتها وعوام فقهاء الامصار (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبى
عبد الرحمن عن حنظلة من قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الارض فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الارض فقال أبا لذهب والورق؟ قال أما بالذهب والورق فلا بأس به (قال الشافعي) فرافع سمع النهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بمعنى ما سمع وإنما حكى رافع النهى عن كرائها بالثلث والربع وكذلك كانت تكرى وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا لانه لا يعلم أن الارض تكرى بالذهب والورق وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الارض ببعض ما يخرج منها (أخبرنا) مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الارض بالذهب والورق فقال لا بأس به (أخبرنا) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به، أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله، أخبرنا مالك انه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند موته فأمرنا بقضاء شئ بقى عليه من كرائها من ذهب أو ورق (قال الشافعي) والاجارات صنف من البيوع لان البيوع كلها إنما هي تمليك من كل واحد منهما لصاحبه يملك بها المستأجر المنفعة التى في العبد والبيت والدابة إلى المدة التى اشترط حتى يكون أحق بالمنفعة التى ملك من مالكها ويملك بها مالك الدابة والبيت العوض الذى أخذه عنها وهذا البيع نفسه فإن قال قائل قد تخالف البيوع في أنها بغير أعيانها وأنها غير عين إلى مدة (قال الشافعي) فهى منفعة معقولة من عين معروفة فهى كالعين (قال الشافعي) والبيوع قد تجتمع في معنى أنها ملك وتختلف في أحكامها ولا يمنعها اختلافها في عامة أحكامها وأنه يضيق في بعضها الامر ويتسع في غيره من أن تكون كلها بيوعا يحللها ما يحلل البيع ويحرمها ما يحرم البيع في الجملة ثم تختلف بعد في معان أخر فلا يبطل صنف منها خالف صنفا في بعض أمره بخلافه صاحبه وإن كانا قد يتفقان في معنى غير المعنى الذى اختلفا فيه فالبيوع لا تحل إلا ](4/26)
[ برضا من البائع والمشترى وثمن معلوم وعندنا لا تجب إلا بأن يتفرق البائع والمشترى من مقامهما أو أن يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار إجازة البيع ثم تختلف البيوع فيكون منها المتصارفان لا يحل لهما أن
يتبايعا ذهبا بذهب وإن تفاضلت الذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وزنا بوزن ثم يكونان إن تصارفا ذهبا بورق فلا بأس بالفضل في أحدهما على الآخر يدا بيد فإن تفرق المتصارفان الاولان أو هذان قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما ويكون المتبايعان السلعة سوى الصرف يتبايعان الثوب بالنقد ويقبض الثوب المشترى ولا يدفع الثمن إلا بعد حين فلا يفسد البيع ويكون السلف في الشئ المضمون إلى أجل يعجل الثمن ويكون المشترى غير حال على صاحبه إلا أنه يكون مضمونا ويضيق فيما كان يكون غير هذا من البيوع التى جازت في هذا مع اختلاف البيوع في غير هذا وكل ما يقع عليه جملة اسم البيع ولا يحل إلا بتراض منهما فحكمهما في هذا واحد وفى سواه مختلف (قال الشافعي) وقبض الاجارات الذى يجب به على المستأجر دفع الثمن كما يجب دفع الثمن إذا دفعت السلعة المشتراة بعينها أن يدفع الشئ الذى فيه المنفعة إن كان عبدا استؤجر دفع العبد وإن كان بعيرا دفع البعير وإن كان مسكنا دفع المسكن حتى يستوفى المنفعة التى فيه كمال (1) الشرط إلى المدة التى اشترط وذلك أنه لا يوجد له دفع إلا هكذا فإن قال قائل هذا دفع مالا يعرف فهذا من علة أهل الجهالة الذين أبطلوا الاجارات (قال الشافعي) والمنفعة من عين معروفة قائمة إلى مدة كدفع العين وإن كانت المنفعة غير عين ترى فهى معقولة من عين وليس دفع المنفعة بدفع الشئ الذى به المنفعة وإن كانت المنفعة غير عين ترى حين دفعت فأول أن يفسد البيع من ملك المنفعة وإن كانت غير عين وإذا صح أن يملكها من السلعة والمسكن وهي غير عين ولا مضمونة فلم تفسد كما زعم من أفسدها لانها وإن كانت غير عين فهى كالعين بأنها من عين فكأنه شئ انتفعوا به من عين معروفة وأجازه المسلمون له فدفعه إذا دفع كما لا يستطاع غيره أولى أن يقوم مقام الدفع من الاعيان والدفع أخف من ملك العقدة لان العقدة تفسد فيبطل الدفع والدفع يفسد ولا تفسد العقدة فإذا جاز أن يكون ملك المنفعة معروفا وإن كان بغير عينه من عين فيصح ويلزم كما يصح ملك الاعيان جاز أن يكون الدفع للعين التي فيها المنفعة يقوم مقام دفع الاعيان إذا دفعت العين التى فيها المنفعة فهو كدفع العين إذا كان هذا الدفع الذى لا يستطاع فيها غيره أبدا (قال الشافعي) فقال قولنا في إجازة الاجارات بعض الناس وشددها واحتج فيها بالآثار وزعم أن ما احتججنا به فيها حجة على من خالفنا في ردها لا يخرج منها ثم عاد لما ثبت منها فقال فيها أقاويل كأنه عمد نقض بعض ما ثبت منها
وتوهين ما شدد فقال الاجارات جائزة وقال إذا استأجر الرجل من الرجل عبدا أو منزلا لم يكن للمستأجر أن يأخذ المؤجر بالاجارة وإنما يجب له من الاجارة بقدر ما اختدم العبد أو سكن المسكن كأنه تكارى بيتا بثلاثين درهما في كل شهر فما لم يسكن لم يجب عليه شئ ثم إذا سكن يوما فقد وجب عليه درهم ثم هكذا على هذا الحساب (قال الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول " الخبر وإجماع الفقهاء بإجازة الاجارة ثابت عندنا وعندك والاجارة ملك من المستأجر للمنفعة ومن المؤجر للعوض الذى بالمنفعة والبيوع إنما هي تحويل الملك من شئ لملك غيره وكذلك الاجارة فقال منهم قائل ليست الاجارة ببيع قلنا وكيف زعمت أنها ليست ببيع وهى تمليك شئ بتمليك غيره؟ قال ألا ترى ]
__________
(1) قوله: التى فيه كمال الشرط كذا بالاصل ولعل الصواب " التى فيه كما شرط إلى المدة التى الخ " وتأمل.
كتبه مصححه.(4/27)
[ أن لها اسما غير البيع؟ قلنا قد يكون للبيوع أسماء مختلفة تعرف دون البيوع والبيوع تجمعها مثل الصرف والسلم يعرفان بلا اسم بيع وهما من البيوع عندنا وعندك قال فكيف يقع البيع مغيبا لعله لا يتم قلنا أو ليس قد نوقع نحن وأنت البيع على المغيب إلى المدة البعيدة في السلم ونوقعها أيضا على الرطب بكيل والرطب قد ينفد ثم تخير أنت المشترى إذا لم يقبض حتى ينفد في رده إلى رأس ماله وأن تترك إلى رطب قابل فإما أخر ماله عن غلة سنة إلى سنة أخرى وإما رجع إليه رأس ماله بعد حبسه وقد كان يملك به رطبا بكيل معلوم فلم يقبض ما ملك ولم يكن في يديه رأس ماله؟ قال هذا كله مضمون قلنا أو لست قد جعلته مضمونا ثم صرت إلى أن تحكم له في المضمون بأحد حكمين تخيره أنت في أن يرد رأس المال وتبطل ما وجب له وضمن الرطب بعدما انتفع به المسلم إليه ولم ينتفع المسلم وأما أن يؤخر ماله عن غلة سنة بلا طيب من نفسه إلى سنة أخرى فقال هذا كله كما قلت ولكني لا أجد غيره فيه قلت فإذا كان قولك لا أجد غيره فيه حجة فكيف لم تجعل لنا الذى هو أوضح وأبين ونحن لا نجد فيه غيره حجة؟ قال وما ذاك؟ قلنا زعمنا أن البيوع تجوز ويحل ثمنها مقبوضا وأن القبض مختلف، فمنه ما يقبض باليد ومنه ما يدفع إليه المفتاح وذلك في الدور ومنه ما يخلى المالك بينه وبين المشترى وهو لا يغلق عليه ولا
يقبضه بيده وذلك مثل الارض المحدودة ومنه ما هو مشاع في الارض لا يدرى أشرقيها هو أم غربيها؟ غير أنه شريك في كلها ومنه ما هو مشاع في العبد لا ينفصل أبدا وكل هذا يقال له دفع يقبض به الثمن ويجب دفعه ويتم به البيع وهو قبض مختلف وذلك أنه لا يوجد فيه مع اختلافه غير هذا، فلو قال لك مشترى نصف العبد البيع يتم مقبوضا والقبض ما يكون منفصلا معروفا وليس يكون في نصف العبد قبض فأنا أنقض البيع قلت القبض يختلف فإذا لم يكن دون نصف العبد حائل وسلمه إليك فهذا القبض الذى لا يستطاع غيره في هذا ومن دالفع الذى لا يستطاع غيره فقد وجب له الثمن فالمنفعة التى في العبد بالاجارة لا يستطاع دفعها إلا بأن يسلم العبد أو المسكن فإذا دفعت كما لا يستطاع غيره فلم لا يجب ما تملك به المنفعة؟ ما بين هذا فرق وقبض الاجارة إنما هو دفع الذى فيه الاجارة وسلامته فإذا دفع الدار وسلمت فله سكناها إلى المدة وإذا دفع العبد وسلم فله خدمته إلى مدة شرطه وخدمته حركة يحدثها العبد وليست في الدار حركة تحدثها إنما منفعته فيها محليته إياها ولا يستطاع أبدا في دفع ما ملك المستأجر غير تسليم ما فيه المنفعة إليه وسلامة ما فيه المنفعة حتى تتم المنفعة إلى مدتها فإن قال قائل فهذا ليس كدفع الاعيان الاعيان بدفع يرى وهذا بدفع لا يرى قيل وما يختلف دفع الاعيان فيه فتكون عين أشتريها بعينها عندك ونصف لى فإذا رأيتها كنت بالخيار وقد كانت عند تبايعنا عينا مضمونة كالسلم مضمونا ويكون السلم بالصفة بغير عينه ويجب ثمنه وإنما هو صفة لا عين فإذا أراد المسلم نقض البيع أو المسلم إليه لم يكن ذلك لواحد منهما وإن جاء به المسلم إليه فقال المسلم: لا أرضى، قلت له: ليس ذلك لك إذا جاء على الصفة التى شرطت لم يكن لك خيار قال بلى قد يفعل هذا كله ولكن الاجارات مغيبة قلنا مغيبة معقولة كالسلم مغيب موصوف قال هو وإن كان موصوفا بغير عينه يصير إلى أن يكون عينا، قلت: يكون عينا وهو لم ير فلا يكون فيها خيار كما يكون في الاعيان التى لم تر قال فهى على الصفة قلنا ولم لا تجعل ما اشترى ولم ير من غير السلم وقد وصف كما وصف السلم إذا جاء على الصفة يلزم كما يلزم السلم؟ قال البيوع قد تختلف قلنا فنراك تجيزها مع اختلافها لنفسك وتريد أن لا تجيزها مع اختلافها لنا قال إنى وإن أجزتها فهى صائرة عينا قلنا الصفة في السلم قبل يكون الشراء مغيبة موصوف بها شئ لم يخلق بعد من ثياب وطعام قال ولكنها تقع على عين ](4/28)
[ فتعرف قلنا فالاجارة في عين قائم تكون في ذلك العين قائمة تعرف فإن زعمت أن الاجارة إنما هي منفعة والمنفعة مغيبة وقد تختلف فلم أجزتها ولم تقل فيها قول من ردها وعبت من ردها ونسبته إلى الجهالة؟ قال لانه ترك السنة وإجماع الفقهاء وليس في السنة ولا إجماع الفقهاء إلا التسليم ولا تضرب له الامثال ولا تدخل عليه المقاييس قلنا فإذا اجتمع الفقهاء على إجازتها وصيروها ملك منفعة معقولة وإن كانت لا تكون شيئا يكال ولا يوزن ولا يذرع وأجازها مغيبة وأوجبوها كما أوجبوا غيرها من البيوع ثم صرت إلى عيب قولنا فيها وأنت تجيزها وقولنا قول مستقيم على السنة والآثار وصرت بحجة من أبطلها فإذا قيل لك إن كانت في هذا حجة فأبطلها وإن لم يكن فيه حجة فلا تحتج به قلت لا أبطلها لانها السنة وإجماع الفقهاء فإن قال قائل فدع حجة من أخطأ في إبطالها وأجزها كما أجازها الفقهاء فقد أجازوها وإذا أجازوها فلا يجوز عندنا أن يكونوا أجازوها إلا على أنها تمليك منفعة معقولة وما كان تمليكا فقد يوجب ثمنه وإلا صرت إلى حجة من أبطلها، فإن قال لك قائل فكيف صيرت هذا قبضا والقبض ما يصير في يدى صاحبه الذى قبضه ويقطع عنه ملك الذى دفعه؟ قيل له إن الدفع من المالك لمن ملكه يختلف ألا ترى أن رجلا لو ابتاع بيوعا ودفع إليه أثمانها ثم حاكمه إلى القاضى قضى عليه بدفعها فإن كان عبدا أو ثوبا أو شيئا واحدا سلمه إليه وإن كان شيئا يتجزأ بعينه فكان طعاما في بيت استوجبه كله بكيل على أن كل مد بدرهم قال كله له فكان يقبضه شيئا بعد شئ لا جملة كقبضه الواحد فيقضى عليه بدفع كل صنف من هذا كما يستطاع قبضه فكذلك قضى عليه بدفع الاجارة كما يستطاع ولا يستطاع فيها أكثر من تسليم الذى فيه المنفعة إلى الذى ملك فيه المنفعة، والمنفعة فيها معروفة كما الشراء في الدار المشاعة معروف بحساب وفى غيره فإن قال قائل فإن الذى فيه المنفعة بسلم ثم ينهدم المنزل أو يموت العبد فتكون أوجبت عليه دفع ماله وهو مائة ثم لا يستوفى بالمائة إلا حق بعضها ويكون المؤاجر قد انتفع بالثمن قلنا بذلك رضى المستأجر قال ما رضى إلا بأن يستوفى قلنا إن قدر على الاستيفاء فذلك له وإن لم يقدر أخذ ماله قال وأى شئ يشبه هذا من البيوع؟ قلنا ما وصفنا من السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لى خذ رأس
مالك وقد انتفع به المسلم إليه أو أخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى فإذا قلت قد انتفع بمالى فإن أخذته فقد أخذ منفعة مالى بلا عوض أخذته وإن أخرته سنة فقد انتفع بمالى سنة بلا طيب نفسي ولا عوض أعطيته منه قال لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب منى حتى مضى الرطب قلت لا أجد شيئا أعديك عليه لانك رضيت أمانته، قلت: ما رضيت إلا بالاستيفاء وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت: وقد فات الرطب الذى يوفيك منه قيل فالمستأجر للعين إنما استأجره وهو يعلم أن العين إذا ذهبت المنفعة فكيف عبته فيه وهو يعلمه ولم تعب في المسلم إليه الذى ضمن لصاحبه الرطب كيلا معلوما بصفة من غير شئ يعينه المسلم إليه كان أولى أن تعيبه فيه من المستأجر وهو يقول: في الرجل يبتاع الشئ من الرجل والشئ المبتاع بعينه ببلد غائب عن المتبايعين ويدفع المشتري إلى المشترى منه الثمن وافيا على أن يسلم البائع للمشترى ما اشترى منه وأشهد به له ودفع إليه ثمنه ثم هلك الشئ المبتاع فيقول يرجع المشترى بالثمن وقد انتفع به رب السلعة ولم يأخذ رب المال عوضا فيقول للمشترى أنت رضيت بذلك وقد كانت لك السلعة لو تمت فلما لم تتم انتقض البيع وإنما رضيت بتمامها ويقول أيضا في الرجل ينكح المرأة بعبد فتخليه ونفسها فلم يدخل بها وتخليتها إياه ونفسها هو الذى يلزمها فإذا فعلت جبرته على دفع العبد إليها ويكون ملكها له صحيحا فإن باعت أو ](4/29)
[ وهبت أو أعتقت أو دبرت أو كاتبت جاز لانه لها ملك تام فإن طلقها قبل يكون من هذا شئ رجع بنصف العبد فكان شريكها فيه فقد زعمت أن ملكها فيه تام كما يتم ملك من دفع العوض بالعبد ثم انتقض ملكها في نصفه فإن قيل لك كيف يتم ملكها ثم ينتقض؟ قلت ليس في هذ قياس هو لم يدخل بها فلها نصف المهر إذا طلقها فإن قيل لك كيف ينتقض نصفه رأيت ذلك جهلا ممن يقوله؟ وقلت: هذا مما لا يختلف فيه الفقهاء وتزعم أيضا أنه إذا اشترى عبدا فدلس له فيه عيب كان ملكا صحيحا إن باع أو وهب أو أعتق فإن لم يفعل فشاء حبسه بالعيب حبسه وإن لم يشأ حبسه وشاء نقض البيع وقد كان تاما نقضه وقد يبيع الرجل الشقص من الرجل فيكون المشترى تام الملك لا سبيل للبائع عليه ولا على أخذه منه ويكون له أن يبيع ويهب ويصنع ما يصنع ذو المال في ماله فإن كان له شفيع فأراد اخذه من يديه بالثمن الذى اشتراه به وإن كان كارها أخذه وقد نجعل نحن وأنت ملكا تاما ويؤخذ
به الثمن ثم ينتقض بأسباب بعد تمامه فكيف عبت هذا في الاجارة وأن ما نقوله في الاجارة إذا فات الشئ فيه الذى المنفعة فلم يكن إلى الاستيفاء سبيل ويرد المستأجر ما بقى من حقه كما يرده لو اشترى سفينة طعام كل قفيز بكذا فاستوفى عشرة أقفزة ثم استهلكها ثم هلك ما بقى من الطعام رددناه بما بقى من المال وألزمناه عشرة بحصتها من الثمن وأنت تنقض الملك والاعيان التى فيها الملك قائمة ثم لو عابك أحد بهذا قلت: هذا من أمر الناس فإن كان في نقض الاجارة إذا كانت العين التى فيها المنفعة قد فاتت عيب فنقض الملك والعين المملوكة قائمة أعيب فإن لم يكن فيه عيب فعيبه فيه جهل.
(قال الشافعي) ثم قالوا فيها أيضا إن دفع المستأجر الاجارة كلها إلى المؤجر قبل أن يسكن البيت أو يركب الدابه ثم أراد أن يرجع فيما دفع لم يكن ذلك له فإن كان دفع ما يجب عليه فهو ما قلنا وإن كان دفع ما لا يجب عليه فلم لا يرجع به فهو لم يهبه ولم يقطع عنه ملكه إلا بأمر يزعم أنه لا يجب عليه أن يدفعه ولا يحق عليه منه شئ إلا أن يسكن أو يركب وهم يقولون إذا انفسخت الاجارة رده لانه إنما دفعه باسم الاجارة لا واهبا له فإن كان دفعه بالاجارة والاجارة لا يلزمه بها دفع فينبغي أن يرده عليه متى شاء ثم قال فيه قولا آخر أعجب من هذا قال إن تكارى دابة بمائة درهم فلم يجب من المائة شئ فأراد أن يدفعها دنانير يصرفها كان حلالا فقيل له أتعنى به تحول الكراء إلى الدنانير وتنقضه من الدراهم؟ قال لا ولكنه يصارفه بها بسعر يومه قلنا أو يحل الصرف في شئ لم يجب؟ قال هو واجب فلما قالوا يجب على صاحبه إذا لم يسم له أجلا دفع مكانه كما لو اشترى رجل سلعة بمائة أو ضمن عن رجل مائة ولم يسم أجلا كان عليه أن ي يدفع المائة مكانه وهذا قولنا وقولك في الواجب كله إذا لم يسم له أجلا فكيف قلت في المستأجر الاجارة واجبة عليه وليس عليه أن يدفعها وله أن يصارف بها والاجارة إلى غير أجل (قال الشافعي) فإن قال هي إلى أجل معلوم وذلك أنه إذا استأجر عبدا سنة فكل يوم من السنة أجل معلوم ولكل يوم من السنة أجرة معلومة والمائة الدرهم التى استأجر بها العبد السنة لازمة على هذا الحساب قيل له فما تقول فيه إن مرض أحد عشر شهرا من السنة أو شهرا من أولها أو وسطها فلم يقدر على الخدمة؟ أليس إن قلت ينتظر فإذا صح استخدمه فيما يستقبل؟ فقد زعمت أن حصة الاحد عشر شهرا أو الشهر قد كانت في وقت لازم ثم استأخر عنه أو كان واجبا ثم بطل فإن جعلت له أن يستخدمه
أحد عشر شهر أو شهرا من سنة أخرى فقد جعلت اجلا بعد أجل ونقلت عمل سنة في سنة أخرى وإن قلت واجبة إن كانت فهذا الفساد الذى لا يشكل لان الاجارة تمليك منفعة من عين معروف والمنفعة معروفة بتمليك دراهم مسماة فإذا كان التمليك مغيبا لا يدرى أيكون أم لا يكون لانه قد يموت العبد ](4/30)
[ ويابق ويمرض فكيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة؟ هذا تمليك الدين بالدين والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين والتمليك بيع فإن قلت يملك المنفعة إن كانت فهذا افسد من قبل ان هذا مخاطرة ويلزم أن تفسد الاجارة كما أفسدها من عاب قوله قال: فقد يلزمك في هذا شبيه بما يلزمنى فليس يلزمنى إذا زعمت أن الاجارة تجب بالقبض وأن المنفعة معلومة وأنه لا قبض لها إلا بقبض الذى فيه المنفعة فإذا قبضت كان ذلك قبضا للمنفعة إن سلمت المنفعة وقد أجاز المسلمون هذا كله كما أجازوا البيوع على اختلافها وكما يحل بيع الطعام بضربين أحدهما بصفة والآخر عين فلو اشتريت من طعام عين مائة قفيز كان صحيحا فإن أخذت في اكتياله واستهلكت ما اكتلت منه وهلك بعض المائة القفيز وجب على ما استهلكت بحصته من الثمن وبطل عنى ثمن ما هلك فإن قال فالخدمة ليست ثمنا فهى معلومة من عين لا يوصل إلى أخذها لتستوفى إلا بأخذ العين فأخذ العين بكمالها التى هي أكثر من المنفعة يوجب الثمن على شرط سلامة المنفعة لا تعدو الاجارة أن تكون واجبة فعليه دفعها أو تكون غير واجبة والصرف عندنا وعندك فيها ربا (قال الشافعي) فإذا قيل له فإن كانت أثمان الاجارات غير واجبة فلا يحل له أن يأخذ بشئ لم يكن ولا يدرى أيكون أم لا يكون ثم يأخذ من جهة الصرف فيفسد من أنه غير واجب لان الصرف فيما لم يجب ربا قال نعم ولكن الاجارة واجبة وثمنها واجب فلا يكون ربا فإذا قيل له وإذا كان واجبا فليدفعه قال ليس بواجب، وهم يروون عن عمر أو ابن عمر أنه تكارى من رجل بالمدينة ثم صارفه قبل أن يركب فإن كان ثابتا عن عمر فهو موافق قولنا وحجة لنا عليهم قال وإذا تكارى الرجل الدار من الرجل فالكراء لازم له لا ينفسخ بموت المكترى ولا المكرى ولا بحال أبدا ما دامت الدار قائمة فإذا دفع الدار إلى المكترى كان الكراء لازما للمكترى كله إلا أن يشترط عند عقدة الكراء أنه إلى أجل معلوم فيكون إليه كالبيوع وقال بعض الناس تفسخ الاجارات بموت أيهما مات
ويفسخها بالعذر ثم ذكر أشياء يفسخها بها قد يكون مثلها ولا يفسخها به (قال الشافعي) فقيل لبعض من يقول هذا القول أقلت هذا بخبر؟ قال روينا عن شريح أنه قال إذا ألقى المفتاح برئ فقيل له أكذا نقول بقول شريح فشريح لا يرى الاجارة لازمة ويرى أن لكل واحد منهما فسخها بلا موت ولا عذر قال هكذا قال شريح ولسنا نأخذ بقوله قيل فلم تحتج بما تخالف فيه وتزعم أنه ليس بحجة؟ قال فما عندنا فيه خبر ولكنه يقبح أن يتكارى رجل منزلا يسكنه فيموت وولده لا يحتاجون إليه فيقال إن شئتم فاسكنوه وهم أيتام ويقبح أن يموت المؤجر فيتحول ملك الدار لغيره فتكون الدار لولده والميت لا يملك شيئا ويسكنها المستأجر بأمر الميت والميت لا أمر له حين مات فقيل له أو يملكها الوارث إلا بملك الميت؟ قال لا قيل أفيزيد الوارث أبدا على أن يقوم إلا مقام الميت فيها؟ قال لا قلنا فالميت قبل موته كان يقدر أن يفسخ هذه الاجارة عن داره ساعة واحدة قبل انقضاء مدتها عندك من غير عذر؟ قال لا، قيل أفيكون الوارث الذى إنما ملك عن الميت الكل أو البعض أحسن حالا من المالك؟ قال فهل رأيت ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شئ؟ قلنا الذى وصفنا لك من أنه إنما ملك ما كان الميت يملك كاف لك منه ونحن نوجدك ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شئ قال وأين؟ قلنا، أرأيت رجلا رهن رجلا دارا تسوى ألفا بمائة ثم مات الراهن أينفسخ الرهن؟ قال لا.
قلنا ولم وقد انتقل ملك الدار فصار للوارث؟ قال إنما يملكها الوارث كما كان يملكها الميت والميت قد أوجب فيها حقا لم يكن له فسخه إلا بإيفاء الغريم حقه فالوارث أولى أن لا يفسخه، قلنا فلا نسمعك تقبل مثل هذا ممن يحتج به عليك في الاجارة وتحتج به في الرهن ولابد من أن تكون تاركا للحق في رده في ](4/31)
[ الاجارة أو في إنفاذه في الرهن لان حالهما ولحد قد أوجب الميت في كليهما حقا عندنا وعندك فلا نفسخه بوجه حتى يستوفيه من أوجبه له عندنا بحال وعندك إلا من عذر ثم تفسخه بعد الموت في الاجارة مما لا يكون عذرا في حياة المؤاجر والعذر أيضا شئ ما وضعته أنت لا أثرا ولا معقولا وأنت لا تفسخه بعذر ولا غير عذر في الرهن وما بينهما في هذا فرق كلاهما أوجب له فيه مالكه حقا جائزا عندنا وعندك فإما أن يثبتا معا بكل حال وإما أن يزول أحدهما بشئ فيزول الآخر، أرأيت لو قال لك قائل
وضعت العذر تفسخ به الاجارة وأنا أبطله في الاجارة وأضعه في الرهن فأفسخ به الرهن أتكون الحجة عليه؟ إلا أن يقال ما ثبت فيه حق لمسلم وكان الحق حلالا لم يفسخه عذر وقد تقدمه الحق الواجب عند المسلمين (قال الشافعي) مع كثير من مثل هذا يقولونه من ذلك الرجل يوصى للرجل برقبة داره ولآخر أن ينزلها في كل سنة عشرة أيام ثم يموت الموصى له برقبة الدار فيملك وارثه الدار فإن أراد منع الموصى له بالنزول قيل ليس ذلك لك أنت للدار مالك ولهذا شرط في النزول ولا تملك عن أبيك إلا ما كان يملك ولا يكون لك فيها أكثر مما كان له (قال الشافعي) فأما قوله إن مات المستأجر فلا حاجة بالورثة إلى المسكن، فلو قاله غيره أشبه أن يقول له لست تعرف ما تقول (قال الشافعي) أرأيت لو أن رجلا كان يريد التجارة فاشترى دابة بألف وهو لا يملك إلا ألفا فلما استوجبها مات وله ورثة أطفال والراحلة تسوى ألفا أو مائة فقال عنهم وصى أو كان فيهم مدرك محتاج كان أبو هؤلاء يعنى بالرواحل لتكسبه فيها وهؤلاء لا يكتسبون أو يعنى بها لضرب من الجسارة وقد أصبح هؤلاء أيتاما وناقة الرجل في يده لم تخرج بعد من يده فأفسخ البيع ورد الدراهم لحاجة الايتام ولا تنزعها من أيديهم إن لم يكن أبوهم دفعها أو كان هذا في حمام اشتراه أو ما أشبهه مما لا منفعة فيه أو مما فيه المنفعة اليسيرة قال لا أفسخ شيئا من هذا وأمضى عليهم ما فعل أبوهم في ماله لانه فعله وهو يملك فأملكهم عنه ما كان هو يملك في حياته ولا يكونون أحسن حالا من أبيهم فيما ملكوه عنه (قال الشافعي) قيل وكذلك الكراء يتكاراه وهو حلال جائز له فقد ملكوا ما ملك أبوهم من منفعة المسكن فإن شاءوا واسكنوا فإن شاءوا أكروا.
قال وزعم أن رجلا لو تكارى من الرجل ألف بعير على أن يسير من بغداد ثمان عشرة إلى مكة فخلف الجمال إبله وعلفها بأثمانها أو أقل أو أكثر وخرج الحاج فلم يبق إلا هو وترك الجمال الكراء من غيره للشرط حتى فاته الحج كان له ذلك ولم يغرم شيئا فإن قال لك الجمال قد غررتني ومنعتني الكراء من غيرك وكلفتني مؤنة أتت على أثمان إبلى وصدقه المكترى فلا يقضى له عليه بشئ ويجلس بلا مؤنة عليه لانه لم يأخذ منه شيئا وإن كان قد غره، وقال قائل هذا القول فإن أراد الجمال أن يجلس وقال بدا لى أن أدع الحج وأنصرف إلى غيره فليس ذلك له فإذا قيل له ولم لا يكون ذلك له؟ قال من قبل أنه غره
فمنعه أن يكترى من غيره وعقد له عقدة حلالا فليس له أن يفسخها (قال الشافعي) فلم لا يكون للجمال على المتكارى أن يجلس وقد عقد له كما قال عقدة حلالا وغره كما كان للمتكارى أن يجلس وحالهما وحجتهما واحدة لو كان يكون لاحدهما في العقدة ما ليس للآخر انبغى أن يكون الكراء للمتكارى ألزم بكل وجه من قبل أن المؤنة على الجمال في العلف وحبس الابل وضمانها ومن قبل أن لا مؤنة على المكترى فعمد إلى أحقهما لو تفرق الحكم فيهما أن يلزمه فأبطل عنه وأحقهما أن يبطل عنه فألزمه؟ قال ولا فرق بينهما من قبل أن العقدة حلال لا تنفسخ إلا باجتماعهما على فسخها (قال الشافعي) وسئل هل وجد عقدة حلالا لا شرط فيها ولا عيب يكون لاحد المتعاقدين فيها ما ليس ليس للآخر فلا أعلمه ذكرها؟ فقيل وما بال هذه العقدة من بين العقد لا خبر ولا قياس؟ (قال ](4/32)
[ الشافعي) وإذا اختلف المكارى والمكترى في قولنا وقولهم تحالفا وترادا، قيل لهم في هذا كيف تحكمون بحكم البيوع؟ قال: هو تمليك وإنما البيوع تمليك فقيل لهم فاحكموا له بحكم البيوع فيما أثبتم فيه حكم البيوع فيقولون ليس ببيع وهم لا يقبلون هذا من أحد فإذا قيل لبعضهم أنتم لا تصيرون في هذه الاقاويل إلى خبر يكون حجة زعمتم ولا قياس ولا معقول فكيف قلتموه؟ قالوا قاله أصحابنا وقال لنا بعضهم ما في الاجارة إلا ما قلتم من أن نحكم لها بحكم البيوع ما كانت السلامة للمنفعة قائمة أو تبطل ولا تجوز بحال فقيل له فتصير إلى أحد القولين فلا أعلمه صار إليه (قال) وإن تكارى رجل من رجل دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فإن سلمت الدابة كان عليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى عسفان فإن عطبت الدابة فله الكراء إلى مر وقيمة الدابة في أكثر ما كانت ثمنا من حين تعدى بها من الساعة التى تعدى بها فيها كان أو بعدها ولا يكون عليه قيمتها قبل التعدي إنما يكون عليه حين صار ضامنا في حال التعدي.
وقال بعضهم لصاحب الدابة إن شاء الكراء بحساب وإن شاء يضمنه قيمة الدابة وإن سلمت وليس نقول بهذا قولنا هو الاول لا يضمنها حتى تعطب (قال الشافعي) ومن أعطى مالا رجلا قراضا ونهاه عن سلعة يشتريها بعينها فاشتراها فصاحب المال بالخيار، إن أحب أن تكون السلعة قراضا على شرطها وإن شاء ضمن المقارض رأس ماله.
قال الربيع وله قول آخر أنه إذا أمره أن
يشترى سلعة بعينها فتعدى فاشترى غيرها فإن كان عقد الشراء بالعين بعينها فالشراء باطل وإن كان الشراء بغير العين فالشراء قد تم ولزم المشترى الثمن والربح له والنقصان عليه وهو ضامن للمال لانه لما اشترى بغير عين المال صار المال في ذمة المشترى وصار له الربح والخسارة عليه وهو ضامن المال لصاحب المال (قال الشافعي) فان أعطى رجل رجلا شيئا ليشترى له شيئا بعينه فاشترى له ذلك الشئ وغيره بما أعطاه أو أمره أن يشترى له شاة فاشترى شاتين أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان، أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره أو أخذ ما أمره به بحصته من الثمن والرجوع على المشترى بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التى اشترى للمشترى وكذلك إن اشترى بذلك الشئ وباع والخيار في ذلك إلى رب المال لانه بماله ملك ذلك كله وبماله باع وفى ماله كان الفضل، والقول الآخر أنه قد رضى أن يشترى له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء أمسكه وإن شاء وهبه لان من رضى شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره لانه قد جاء بالذى رضى وزاده شيئا لا مؤنة عليه في ماله وهو معنى قول الشافعي.
وقال بعض الناس في الدابة يسقط الكراء حيث تعدى لانه ضامن، وقال في المقارض إذا تعدى ضمن وكان له الفضل بالضمان ولا أدرى أقال يتصدق به أم لا؟ (قال الشافعي) وقال في الذى اشترى ما أمره به وغيره معه للامر ما أمره به بحصته من الثمن وللمأمور ما بقى ولا يكون للامر بحال لانه اشترى بغير أمره (قال الشافعي) فجعل هذا القول بابا من العلم ثبته أصلا قاس عليه في الاجارات والبيوع والمقارضة شيئا كثيرا أحسبه لو جمع كان دفاتر (قال الشافعي) فقيل لبعض من قال هذا القول قد زعمنا وزعمتم أن الاصل من العلم لا يكون أبدا إلا من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعضهم أوامر أجمعت عليه عوام الفقهاء في الامصار فهل قولكم هذا واحد من هذا؟ قال لا قيل فإلى أي شئ ذهبتم فيه؟ قال قال شريح في بعضه قلنا قد رددنا نحن وأنتم هذا الكلام وأكثرنا أتزعمون أن شريحا حجة على أحد إن لم يقله إلا شريح؟ قال لا وقد نخالف شريحا في كثير من أحكامه بآرائنا: قلنا فإذا لم يكن شريح عندكم حجة على الانفراد فيكون حجة على خبر رسول الله صلى الله ](4/33)
[ عليه وسلم أو على أحد من أصحابه؟ قال: لا وقال ما دلكم على أن الكراء والربح والضمان قد يجتمع؟ فقلنا لو لم يكن فيه خبر كان معقولا وقلنا دلنا عليه الخبر الثابت عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعبد الله بن عمر والخبر عندكم الذى تثبتونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولو كان ما قالوا من أن من ضمنت له دابته أو بيته أو شئ من ملكه لم يكن له إجارة أو ماله لم يكن له من ربحه شئ كانوا قد أكثروا خلافه (قال الشافعي) وهم يزعمون أن رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم يكن له أن يعمل فيه رحى ولا قصارة ولا عمل الحدادين لان هذا مضر بالبناء فإن عمل هذا فانهدم البيت فهو ضامن لقيمة البيت وإن سلم البيت فله أجره ويزعمون أن من تكارى قميصا فليس له أن يأتزر به لان القميص لا يلبس هكذا فإن فعل فتخرق ضمن قيمة القميص وإن سلم كان له أجره ويزعمون أنه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس أو مطر فقد تعدى لاضرار ذلك بها فإن عطبت ضمن وإن سلمت فعليه أجرها مع أشياء من هذا الضرب يكتفى بأقلها حتى يستدل على أنهم قد تركوا ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار ومما فيه صلاح الناس (قال الشافعي) وأما ما قالوا الحيلة يسيرة لمن لا يخاف الله أن يعطى مالا قراضا فيغيب به ويتعدى فيه فيأخذ فضله ويمنعه رب المال ويتكارى دابة ميلا فيسير عليها أشهرا بلا كراء ولا مؤنة إن سلمت قال قائل منهم إنا لنعلم أن قد تركنا قولنا حيث ألزمنا الضمان والكراء ولكنا استحسنا قولنا، قلنا إن كان قولك عندك حقا فلا ينبغى أن تدعه وإن كان غير حق فلا ينبغى أن تقيم على شئ منه فما الاحاديث التى عليها اعتمدتم؟ قلنا لهم: أما أحاديثكم فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن شبيب ابن غرقدة أنه سمع الحى يحدثون عن عروة بن أبى الجعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاة أو أضحية فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه (قال الشافعي) وروى هذا الحديث غير سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة فوصله ويرويه عن عروة بن أبى الجعد بمثل هذه القصة أو معناها (قال الشافعي) فمن قال له جميع ما اشترى له بأنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له قال إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظره وازدياده واختار أن لا يضمنه وأن يملك ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأى عروة بذلك محسنا غير عاص ولو كان معصية نهاه ولم يقبلها
ولم يملكها في الوجهين معا (قال الشافعي) ومن رضى أن يملك شاة بدينار فملك بالدينار شاتين كان به أرضى وإن معنى ما تضمنه إن أراد مالك المال بأنه إنما أراد ملك واحدة وملكه المشترى الثانية بلا امره ولكنه إن شاء ملكها على المشترى ولم يضمنه.
ومن قال هما له جميعا بلا خيار قال إذا جاز عليه أن يشترى شاة بدينار فأخذ شاتين فقد أخذ واحدة تجوز بجميع الدينار فأوفاه وازداد له بديناره شاة لا مؤنة عليه في ماله في ملكها وهذا أشبه القولين بظاهر الحديث والله تعالى أعلم (قال الشافعي) والذى يخالفنا يقول في مثل هذه المسألة هو مالك لشاة بنصف دينار والشاة الاخرى وثمن إن كان لها للمشترى لا يكون للامر أن يملكها أبدا بالملك الاول والمشترى ضامن لنصف دينار (أخبرنا) مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل وهو أمير البصرة، وقال لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت.
ثم قال بلى ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح ](4/34)
[ فقالا وددنا ففعل وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا لا: فقال عمر قال إنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت.
وأما عبيد الله فقال ما ينبغى لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال أو نقص لضمناه فقال أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال (قال الشافعي) ألا ترى إلى عمر يقول " أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ " كأنه والله أعلم يرى أن المال لا يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع به ويبيع إلا وفى ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين وكان عمر والله تعالى أعلم يرى أن المال يبعث به أو يرسل به مع ثقة يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمة لا حبس فيه ولا منفعة للرسول أو يدفع بالمصر الذى يجتاز إليه إلى ثقة يضمنه ويكتب كتابا بأن يدفع في المصر الذى فيه الخليفة بلا حبس أو يدفع قراضا فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين ويكون فضل إن كان فيه
حبس إن كان له فلما لم يكن المال المدفوع إلى عبد الله وعبيد الله بواحد من هذه الوجوه ولم يكن ملكا للوالى الذى دفعه إليهما فيجيز أمره فيما يملك إليه فيما يرى أن الربح والمال للمسلمين فقال عمر " أدياه وربحه " فلما راجعه عبيد الله وأشار عليه بعض جلسائه وبعض جلسائه عندنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله قراضا رأى أن يفعل وكأنه والله تعالى أعلم رأى أن الوالاى لقائم به الحاكم فيه حتى يصير إلى عمر ورأى أن له أن ينفذ ما صنع الوالى مما يوافق الحكم فلما كان لو دفعه الوالى قراضا كان على عمر أن ينفذ الحبس له والعوض بالمنفعة للمسلمين في فضله رد ما صنع الوالى إلى ما يجوز مما لو صنعه لم يرده عليه، ورد منه فضل الربح الذى لم ير له أن يعطيهما وأنفذ لهما نصف الربح الذى كان له أن يعطيهما (قال الشافعي) قد كانا ضامنين للمال وعلى الضمان أخذاه ولو هلك ضمناه، ألا ترى أن عمر لم يرد على عبيد الله قوله لو هلك أو نقص كنا له ضامنين، ولم يرده أحد ممن حضره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل عمر ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما الربح بالضمان، بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح، فقال قائل فلعل عمر استطاب أنفسهما، قلنا أو ما في الحديث دلالة على أنه إنما حكم عليهما، ألا ترى أن عبيد الله راجعه قال فلم أخذ نصف الربح ولم يأخذه كله؟ قلنا حكم فيه بأن أجاز منه ما كان يجوز على الابتداء لان الوالى لو دفعه إليهما على المقارضة جاز، فلما رأى ومن حضره أن أخذهما المال غير تعد منهما وأنهما أخذاه من وال له فكانا يريان والوالى أن ما صنع جائز فلم يزعم ومن حضره ما صنع يجوز إلا بمعنى القراض أنفذ فيه القراض لانه كان نافذا لو فعله الوالى أولا ورد فيه الفضل الذى جعله لهما على القراض ولم يره بنفذ لهما بلا منفعة للمسلمين فيه (أخبرنا) عبد الوهاب عن داود بن أبى هند عن رياح بن عبيدة قال بعث رجل مع رجل من أهل البصرة بعشرة دنانير إلى رجل بالمدينة فابتاع بها المبعوث معه بعيرا ثم باعه بأحد عشر دينارا فسأل عبد الله بن عمر فقال الاحد عشر لصاحب المال، ولو حدث بالبعير حدث كنت له ضامنا (أخبرنا) الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن عمر مثل معناه (قال الشافعي) وابن عمر يرى على المشترى بالبضاعة لغيره الضمان ويرى الربح لصاحب البضاعة ولا يجعل الربح لمن ضمن إذ المبضع معه تعدى في مال رجل بعينه والذى يخالفنا في هذا يجعل له الربح، ولا أدرى أيأمره أن يتصدق به
أم لا؟ وليس معه خبر إلا توهم عن شريح وهم يزعمون أن الاقاويل التى تلزم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن رجل من أصحابه أو اجتمع الناس عليه فلم يختلفوا وقولهم هذا ليس داخلا في ](4/35)
[ واحد من هذه الاشياء التى تلزم عندنا وعندهم.
كراء الابل والدواب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كراء الابل جائز للمحامل والزوامل والرواحل وغير ذلك من الحمولة وكذلك كراء الدواب للسروج والاكف والحمولة (قال الشافعي) ولا يجوز من ذلك شئ على شئ مغيب لا يجوز حتى يرى الراكب والراكبين وظرف المحمل والوطاء وكيف الظل إن شرطه لان ذلك يختلف فيتباين أو تكون الحمولة بورن معلوم أو كيل معلوم أو ظروف ترى أو تكون إذا شرطت عرفت مثل غرائر الحلبة وما أشبه هذا (قال الشافعي) فإن قال أتكارى منك محملا أو مركبا أو زاملة فهو مفسوخ ألا ترى أنهما إذا اختلفا لو يوقف على حد هذا وإن شرط وزنا؟ وقال المعاليق أو أراه محملا وقال ما يصلحه فالقياس في هذا كله أنه فاسد لان ذلك غير موقوف على حده، وإن شرط وزنا وقال المعاليق أو أراه محملا فكذلك ومن الناس من قال أجيزه بقدر ما يراه الناس وسطا (قال الشافعي) فعقدة الكراء لا تجوز إلا بأمر معلوم كما لا تجوز البيوع إلا معلومة (قال الشافعي) وإذا تكارى رجل محملا من المدينة إلى مكة فشرط سيرا معلوما فهو أصح وإن لم يشترط فالذي أحفظ أن المسير معلوم وأنه المراحل فيلزمان المراحل لانها الاغلب من سير الناس، فإن قال قائل كيف لا يفسد في هذا الكراء والسير يختلف؟ قيل ليس للافساد ههنا موضع فإن قال فبأى شئ قسته؟ قيل بنقد البلد، البلد له نقد وصنج وغلة مختلفة فيبيع الرجل بالدراهم ولا يشترط نقدا بعينه ولا يفسد البيع ويكون له الاغلب من نقد البلد وكذلك يلزمهما الغالب من مسير الناس (قال الشافعي) فإن أراد المكترى مجاوزة المراحل أو الجمال التقصير عنها أو مجاوزتها فليس ذلك لواحد منهما إلا برضاهما فإن كان بعدد أيام فأراد الجمال أن يقيم ثم يطوى بقدر ما أقام أو أراده المكترى فليس لواحد منهما وذلك أنه يدخل على المكترى التعب
والتقصير وكذلك يدخل على الجمال (قال الشافعي) فإن تكارى منه لعبده عقلة فأراد ان يركب الليل دون النهار بالاميال أو النهار دون الليل أو أراد ذلك به الجمال فليس ذلك لواحد منهما ويركب على ما يعرف الناس العقبة ثم ينزل فيمشي بقدر ما تركب ثم يركب بقدر ما مشى ولا يتابع المشى فيفدحه ولا الركوب فيضر بالبعير، قال وإن تكارى إبلا بأعيانها ركبها، قال وإن تكارى حمولة ولم يذكر بأعيانها ركب ما يحمله فإن حمله على بعير غليظ فإن كان ذلك ضررا متفاحشا أمر أن يبدله وإن كان شبيها بما يركب الناس لم يجبر على إبداله (قال الشافعي) وإن كان البعير يسقط أو يعثر فيخاف منه العنت على راكبه أمر بإبداله (قال الشافعي) وعليه أن يركب المرأة البعير باركا وتنزل عنه باركا لان ذلك ركوب النساء أما الرجال فيركبون على الاغلب من ركوب الناس وعليه أن ينزله للصلوات وينتظر حتى يصليها غير معجل له ولما لابد له منه كالوضوء وليس عليه أن ينتظره لغير ما لابد له منه، قال: وليس للجمال إذا كانت القرى هي المنازل أن يتعداها إن أراد الكلا ولا للمكترى إذا أراد عزلة الناس وكذلك إن اختلفا في الساعة التي يسيران فيها، فإن أراد الجمال أو المكترى ذلك في حر شديد نظر إلى مسير الناس بقدر المرحلة التى يريدان (قال الشافعي) ولا خير في أن يتكارى بعيرا بعينه إلى أجل معلوم ولا يجوز أن يتكارى إلا عند خروجه لان المكارى ينتفع بما أخذ من المكترى ولا يلزم الجمال الضمان للحمولة إن مات البعير بعينه لا يجوز أن يشترى شيئا غائبا بعينه إلى أجل وإنما يجوز الكراء على مضمون بغير عينه ](4/36)
[ مثل السلم أو على شئ يقبض المكترى فيه ما اكترى عند أكترائه كما يقبض المبيع (قال الشافعي) فإن تكارى إبلا بأعيانها فركبها ثم ماتت رد الجمال مما أخذ منه بحساب ما بقى ولم يضمن له الحمولة وذلك بمنزلة المنزل يكتريه والعبد يستأجره وإنما تلزمه الحمولة إذا شرطها عليه غير إبل بأعيانها كانت لازمة للجمال بكل حال والكراء لازم للمكترى والكراء بكل حال لا يفسخ أبدا بموتهما ولا بموت واحد منهما، هو في مال الجمال إن مات ومال المكترى إن مات وتحمل ورثة الميت حمولته، أو وزنها وراكبا مثله وورثة الجمال إن شاءوا قاموا بالكراء وإلا باع السلطان في ماله واستأجر عليه من يوفى المكترى ما شرط له من الحمولة (قال الشافعي) وإن اختلفا في الراحلة رجل لا مكبوبا ولا مستلقيا وإن انكسر
المحل أو الظل أبدل محملا مثله أو ظلا مثله وإن اختلفا في الزاد الذى ينفد بعضه فقال صاحب الزاد أبدله بوزنه فالقياس أن يبدل له حتى يستوفى الوزن، قال: ولو قال قائل ليس له أن يبدل من قبل أنه معروف أن الزاد ينقص قليلا ولا يبدل مكانه كان مذهبا - والله أعلم - من مذاهب الناس (قال الشافعي) والدواب في هذا مثل الابل إذا اختلفا في المسير سار كما يسير الناس إن لم يكن بينهما شرط لا متعبا ولا مقصرا كما يسير الاكثر من الناس ويعرف خلاف الضرر بالمكترى للدابة والمكرى فإن كانت صعبة نظر فإن كانت صعوبتها مشابهة صعوبة عوام الدواب أو تقاربها لزمت المكترى وإن كان ذلك منها مخوفا فإن يكاراها بعينها ولم يعلم تناقضا الكراء إن شاء المكترى، وإن تكارى مركبا فعلى المكرى الدابة له غيرها مما لا يباين دواب الناس (قال الشافعي) وعلف الدواب والابل على الجمال أو مالك الدواب فإن تغيب واحد منهما فعلف المكترى فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان، وينبعى للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابة والابل وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب فإن قال قائل يأمر الراكب أن يعلف لان من حقه الركوب والركوب لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة وهذا موضع ضرورة ولا يوجد فيه إلا هذا لانه لابد من العلف وإلا تلفت الدابة ولم يستوف المكترى الركوب كان مذهبا (قال الشافعي) وفى هذا أن المكترى يكون أمين نفسه وإن رب الدابة إن قال لم يعلفها إلا بكذا وقال الامين علفتها بكذا لاكثر فان قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف وإن قيل قول المكترى العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه فقد خرج مالك الدابة والمكترى من أن يكون القول قولهما وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس وأن القياس ضعيف وقد ذكر في غير هذا الموضع ويقولون يقضى فيما بين الناس بأقرب الامور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدم من حكم يتبعه (قال الشافعي) فيعيب هذا المذهب بعض الناس ويقول لابد من القياس على متقدم الاحكام ثم يصير إلى أن يكثر القول بما عاب ويرد ما يشبه هذا فيما يرى رده من كره الرأى فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض
أقاويلهم وإن لم يجز فقد يترك أهل القياس القياس فيكون (1) والله أعلم فمن ذهب مذهب أصحابنا حمل الناس على أكثر معاملتهم وعلى الاقرب من صلاحهم وأنفذ الحكم على كل أحد من المتنازعين بقدر ما يحضره مما يسمع من قضيتهما مما يشبه الاغلب ومن ذهب مذهب القياس أعاد الامور إلى الاصول ثم قاسها عليها وحكم لها بأحكامها وهذا ربما تفاحش.
]
__________
(1) قوله: فيكون كذا في نسخة وفى سخة " فيكثرون " ثم إن هذه العبارة من أولها إلى آخرها محرفة في الاصول التى ييدنا فلتحرر على أصل صحيح إن وجد.
كتبه مصححه.(4/37)
[ مسألة الرجل يكترى الدابة فيضربها فتموت (1) (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو نخسها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما تفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل بالكبح والضرب مثل ما يفعله بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شئ عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع قد يكون بمثله تلف أو فعله في الموضع الذى لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد وأما الرائض فإن من شأن الرواض الذى يعرف به إصلاحهم للدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر ما يفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعناف بين لم يضمن إن عيت.
وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكترى في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال الربيع) قوله الذى نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم " العارية مضمونة مؤداة " وهو آخر قوله (قال الشافعي) والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به وما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها ومن إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلى رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة ففعله الراعى لم يضمن وإن تلف فيه وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شئ ضمنه عند من لا
يضمن الاجير ومن ضمن الاجير ضمنه في كل حال.
مسألة الاجراء (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال: الاجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم شئ من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ اكراء على شئ كان له ضامنا يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول: الامين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على شئ مما دفعت إليه وإعطائي هذا الاجر تفريق بينه وبين الامين الذى أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشئ على منفعة له فيه إما بتسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله.
وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لانه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والاجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس في هذا سنة أعلمها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى فيه شئ عن عمر وعلي ليس يثبت عند ]
__________
(1) هذه المسألة ذكرت في الاصول في آخر الجنايات فنقلها السراج هنا في نسخته لمناسبتها للاجازات كما نبه على ذلك بقوله " وترجم بعد مسألة الحجام والخاتن والبيطار مسألة الرجل يكترى الخ ".
كتبه مصححه.(4/38)
[ أهل الحديث عنهما، ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الاجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والاجير المشترك والاجير على الحفظ والرعى وحمل المتاع والاجير على الشئ يصنعه لان عمر إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من كان أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان على رضى الله عنه ضمن القصار والصائغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرة.
وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس، ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الاجير بكل حال فكان
مع الاجير ما قلت مثل أن يستحمله الشئ على ظهره أو يستعمله الشئ في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأى وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا على الاجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الاجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإن كانت البينة سئل عدلان من أهل ذلك الصناعة، فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم تكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذى اجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى مالا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله.
ومن ضمن الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لانه كان عليه أن يرده إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو يضمن الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذ من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال ويرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال.
قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولى الوزن والكيل.
قلنا في الزيادة والنقصان لاهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما.
وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة؟ فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص.
قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص عما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة، فلما كان النقص يكون ولا يكون، قلنا إن شئت أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشئ أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إذا كانت الزيادة قد تكون لا من حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها
فهى لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أو فينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كان زيادة لا يزيد مثلها أو فينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها.
وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين معك قلنا لرب الطعام هو يقر بأن هذه الزيادة لك.
فإن ادعيتها فهى لك وعليك في المكيلة التى اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما ](4/39)
[ رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لان يعطيك مثل قمحك ببلدك الذى حمل لانه متعد إلا بأن ترضى أن تأخذه من موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان وإن قلت رضيت بأن يحمل لى مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفى الزيادة فاسد والطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله، فالقول فيه كالقول في المسألة الاولى.
فمن رأى تضمين الحمال ما نقص عن المكيلة لا يرفع عنه شيئا، ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان.
اختلاف الاجير والمستأجر (1) (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الرجلان في الكراء وتصادقا في العمل تحالفا وكان للعامل أجر مثله فيما عمل قال وإذا اختلفا في الصنعة فقال أمرتك أن تصبغه أصفر ] في اختلاف العراقيين " باب الاجير والاجارة " (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اختلف الاجير والمستأجر في الاجارة فإن أبا حنيفة كان يقول القول قول المستأجر مع يمينه إذا عمل العمل وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول الاجير فيما بينه وبين أجرة مثله إلا أن يكون الذى ادعى أقل فيعطيه إياه وإن لم يكن عمل العمل تحالفا وترادا في قول أبى حنيفة.
وينبغى كذلك في قول أبن أبى ليلى، وقال أبو يوسف بعد إذا كان شيئا قبلت قول المستأجر وأحلفته وإذا تفاوت لم أقبل وجعلت للعامل أجر مثله إذا حلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استأجر الرجل أجيرا فتصادقا على الاجارة واختلفاكم هي؟
فإن كان لم يعمل تحالفا وتراد الاجارة وإن كان عمل تحالفا وترادا أجر مثله كان أكثر مما ادعى أو أقل مما أقر به المستأجر إذا بطلت العقدة وزعمت أنها مفسوخة لم يجز أن استدل بالمفسوخ على شئ وإن استدللت به كنت لم أستعمل المفسوخ ولا الصحيح على شئ قال وإذا استأجر الرجل بيتا شهرا يسكنه فسكنه شهرين أو استأجر دابة إلى مكان فجاوز ذلك المكان فإن أبا حنيفة كان يقول الاجر فيما سمى ولا أجر له فيما لم يسم بأنه قد خالف وهو ضامن حين خالف ولا يجتمع عليه الضمان والاجر وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول: له الاجرة فيما سمى وفيما خالف إن سلم وإن لم يسلم ذلك ضمن ولا نجعل عليه أجرا في الخلاف إذا ضمنه (قال الشافعي) وإذا تكارى الرجل الدابة إلى موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذى تكاراها إليه الكراء الذى تاراها به وعليه من حين تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع وإذا عطبت لزمه الكراء إلى الموضع الذى عطبت فيه وقيمتها وهذا مكتوب في كتاب الاجارات (قال) وإذا تكارى الرجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم فحمل عليها أكثر من ذلك فعطبت الدابة فإن أبا حنيفة كان يقول هو ضامن من قيمة الدابة بحساب ما زاد عليها وعليه الاجر تاما إذا كانت قد بلغت المكان وبه يأخذ وكان ابن أبى ليل يقول عليه قيمتها تامة ولا أجر عليه (قال الشافعي) وإذا تكارى الرجل الدابة على أن يحمل عليها عشرة مكاييل مسماة فحمل عليها أحد عشرة مكيالا فعطبت فهو ضامن لقيمة الدابة كلها وعليه الكراء وكان أبو حنيفة يجعل عليه الضمان بقدر الزيادة كأنه تكاراها على أن يحمل عليها عشرة مكاييل فحمل عليه أحد عشر فيضمنه سهما من أحد عشر ويجعل الاحد عشر كلها قبلها ثم يزعم أبو حنيفة أنه إذا كان تكاراها مائة ميل فتعدى بها على المائة ميلا أو بعض ميل فعطبت ضمن الدابة كلها وكان ينبغى في أصل قوله أن يجعل المائة والزيادة على المائة قبلها فيضمنه بقدر الزيادة لانه يزعم أنه ضامن للدابة حين تعدى بها حتى يردها ولو كان الكراء مقبلا ومدبرا فماتت في المائة الميل وإذا غرقت سفينة الملاح فغرق الذى فيها وقد حمله بأجر فغرقت من يده أو من معالجته السفينة فإن أبا =(4/40)
[ أو تخيط قميصا فخطته قباء وقال الصانع عملت ما قلت لى تحالفا وكان على الصانع ما نقص الثوب ولا أجر له وإن زاد الصبغ فيه كان شريكا بما زاد الصبغ في الثوب وإن نقصت منه فلا ضمانة عليه ولا أجر له (قال الربيع) الذى يأخذ به الشافعي في هذا أن القول قول رب الثوب وعلى الصانع ما نقص الثوب وإن كان نقصه شيئا لانه مقر يأخذ الثوب صحيحا ومدع على أنه أمره بقطعه أو صبغه كما وصفت
فعليه البينة بما قال فإن لم يكن بينة حلف رب الثوب ولزم الصانع ما نقصته الصنعة وإن كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ولا يأخذ من الاجرة شيئا ] = حنيفة كان يقول هو ضامن وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا ضمان عليه في الماء خاصة (قال الشافعي) وإذا فعل من ذلك الفعل الذي يفعل بمثلها في ذلك الوقت الذى فعل لم يضمن وإذا تعدى لك ضمن.
وفى أول اختلاف العراقيين قال إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتنى بقباء فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول القول رب الثوب ويضمن الخياط قيمة الثوب وبه يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول الخياط في ذلك ولو أن الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب والخياط في عمله فإن أبا حنيفة قال لا ضمان عليه ولا على القصار والصباغ وما أشبه ذلك من العمال إلا فيما جنت أيديهم.
بلغنا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: لا ضمان عليهم وكان ابن أبى ليلى يقول هم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم يجن أيديهم فيه وقال أبو يوسف هم ضامنون إلا أن يجئ شئ غالب (قال الشافعي) إذا ضاع الثوب عند الخياط أو الغسال أو الصباغ أو أجير أمر ببيعه أو حمال استؤجر على تبليغه وصاحبه معه أو تبليغه وليس صاحبه معه من غرق أو حرق أو سرق ولم يجن فيه واحد من الاجراء شيئا أو غير ذلك من وجوه الضيعة فسواء ذلك كله فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين: أحدهما أن من أخذ أجرا على شئ ضمنه ومن قال هذا قاسه على العارية تضمن وقال إنما ضمنت العارية لمنفعة فيها للمستعير فهو ضامن لها حتى يؤديها بالسلامة وهى كالسلف وقد يدخل على قائل هذا أن يقال له والعارية مأذون لك في الانتفاع بها بلا عوض أخذه منك المعير وهى كالسلف وهذا كله غير مأذون لك في الانتفاع به وإنما منفعتك في شئ تعمله فيه فلا يشبه هذا العارية وقد وجدتك تعطى الدابة بكراء فتنتفع منها بعوض يؤخذ منك فلا تضمن إن عطبت في يديك وقد ذهب إلى تضمين القصار شريح فضمن قصارا احترق بيته فقال تضمنني وقد احترق بيتى؟ فقال شريح: أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرتك (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة بهذا عنه (قال الشافعي) ولا يجوز إذا ضمن الصناع إلا هذا وأن يضمن كل من أخذ على شئ أجرا ولا يخلو ما أخذ عليه أجرة من أن يكون مضمونا والمضمون ما يضمن بكل حال والقول الاخر أن لا يكون مضمونا ولا يضمن بحال كما لا تضمن الوديعة بحال وقد يروى من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله أن على بن أبى طالب رضى الله عنه ضمن
الغسال والصباغ وقال لا يصلح الناس إلا بذلك.
أخبرنا بذلك إبراهيم بن أبى يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضى الله عنه قال ذلك.
ويروى عن عمر تضمين بعض الصناع من وجه أضعف من هذا ولم نعلم واحدا منهما يثبت، وقد روى عن على بن أبى طالب أنه كان لا يضمن أحدا من الاجراء من وجه لا يثبت مثله (قال الشافعي) وثابت عن عطاء بن أبى رباح أنه قال: لا ضمان على صانع ولا على اجير فأما ما جنت أيدى الاجراء والصناع فلا مسألة فيه فهم ضامنون كما يضمن المستودع ما جنت يده ولان الجناية لا تبطل عن أحد وكذلك لو تعدوا ضمنوا (قال الربيع) الذى يذهب إليه الشافعي فيما رأيت أنه لا ضمان على الصناع إلا ما جنت أيديهم ولم يكن يبوح بذلك خوفا من الضياع اه.(4/41)
[ كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ولا يأخذ من الاجرة شيئا فإن لم تكن عين قائمة فلا شئ له (1).
إحياء الموات (أخبرنا الربيع) قال: قال محمد بن إدريس الشافعي ولم أسمع هذا الكتاب منه وإنما أقرأه على معرفة أنه كان من كلامه قال: وبلاد المسلمين شيئان عامر وموات فالعامر لاهله وكل ما صلح به العامر إن كان مرفقا لاهله من طريق وفناء ومسيل ماء أو غيره فهو كالعامر في أن لا يملكه على أهل العامر أحد ألا بإذنهم والموات شيئان موات قد كان عامرا لاهل معروفين في الاسلام ثم ذهبت عمارته فصار مواتا لا عمارة فيه فذلك لاهله كالعامر لا يملكه أحد أبدا إلا عن أهله وكذلك مرافقه وطريقه وأفنيته ومسايل مائه ومشاربه والموات الثاني ما لم يملكه أحد في الاسلام بعرف ولا عمارة، ملك في الجاهلية أو لم يملك فذلك الموات الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا مواتا فهو له " والموات الذى للسلطان أن يقطعه من يعمره خاصة وأن يحمى منه ما رأى أن يحميه عاما لمنافع المسلمين وسواء كل موات لا مالك له إن كان إلى جنب قرية جامعة عامرة وفى واد عامر بأهله وبادية عامرة بأهلها وقرب نهر عامر أو صحراء أو أين كان لا فرق بين ذلك، قال وسواء من أقطعه الخليفة أو الوالى أو حماه هو بلا قطع من أحد مواتا لا مالك له (2) وكل هؤلاء أحياء لا فرق بينهم.
ما يكون إحياء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإنما يكون الاحياء ما عرفه الناس إحياء لمثل المحيا إن كان مسكنا فأن يبنى بمثل ما يبنى به مثله من بنيان حجر أو لبن أو مدر يكون مثله بناء وهكذا ما أحيا الآدمى من منزل له أو لدواب من حظار أو غيره فأحياه ببناء حجر أو مدر، أو بماء لان هذه العمارة بمثل هذا ولو جمع ترابا لحظار أو خندق لم يكن هذا إحياء، وكذلك لو بنى خياما من شعر أو جريد أو خشب لم يكن هذا إحياء تملك له الارض بالاحياء، وما كان هذا قائما لم يكن لاحد أن يزيله فإذا أزاله صاحبه لم يملكه وكان لغيره أن ينزله ويعمره وهذا كالفسطاط يضربه المسافر أو المنتجع لغيث وكالخباء وكالمناخ وغيره ويكون الرجل أحق به حتى يفارقه فإذا فارقه لم يكن له فيه حق وهكذا الحظار بالشوك والخصاف وغيره، وعمارة الغراس والزرع أن يغرس الرجل الارض فالغراس كالبناء إذا أثبته في الارض كان كالبناء يبنيه انقطع الغراس كان كانهدام البناء وكان مالكا للارض مالكا لا يحول عنه إلا منه وبسببه، وأقل عمارة الزرع الذى لا يظهر ماء لرجل عليه التى تملك بها الارض كما يملك ما ينبت من الغراس أن يحظر على الارض بما يحظر بمثله من حجر أو مدر أو سعف أو تراب مجموع ويحرثها ويزرعها، فإذا اجتمع هذا فقد أحياها إحياء تكون به له وأقل ما يكفيه من هذا أن يجمع ترابا يحيط بها وإن لم يكن مرتفعا أكثر من أن تبين به الارض مما حولها ويجمع مع هذا حرثها وزرعها وهكذا ]
__________
(1) وجد في هامش بعض الاصول ما نصه: " كان هذا الباب مكتوبا في النكاح فنقلناه إلى هنا " اه.
(2) قوله: " وكل هؤلاء أحياء الخ " كذا بالاصل وتأمله اه مصححه.(4/42)
[ إن ظهر عليه ماء سيل أو غيل مشترك أو ماء مطر لان الماء مشترك فإن كان له ماء خاص وذلك ماء عين أو نهر يحفرها يسقى بها ارضا فهذا إحياء لها وهكذا إن ساق إليها من نهر إو واد أو غيل مشترك في ماء عين له أو خليج خاصة فسقاها به فقد أحياها الاحياء الذى يملكها به (قال الشافعي) ما لا يملكه أحد من المسلمين صنفان، أحدهما يجوز أن يملكه من يحييه وذلك مثل الارض تتخذ للزرع والغراس والآبار والعيون والمياه ومرافق هذا الذى لا يكمل صلاحه إلا به، وهذا انما تجلب منفعته بشئ من غيره لا
كبير منفعة فيه هو نفسه وهذا إذا أحياه رجل بأمر وال أو غير أمره ملكه ولم يملك أبدا إلا أن يخرجه من أحياه من يده، والصنف الثاني ما تطلب المنفعة منه نفسه ليخلص إليها لا شئ يجعل فيه من غيره وذلك المعادن كلها الظاهرة والباطنة من الذهب والتبر والكحل والكبريت والملح وغير ذلك، وأصل المعادن صنفان ما كان ظاهرا كالملح الذى يكون في الجبال ينتابه الناس فهذا لا يصلح لاحد أن يقطعه أحدا بحال والناس فيه شرع، وهكذا النهر والماء الظاهر فالمسلمون في هذا كلهم شركاء.
وهذا كالنبات فيما لا يملكه أحد وكالماء فيما لا يملكه أحد، فإن قال قائل ما الدليل على ما وصفت؟ قيل: (أخبرنا) ابن عيينة عن معمر عن رجل من إهل مأرب عن أبيه أن الابيض بن حمال سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعه ملح مأرب فأراد أن يقطعه أو قال أقطعه إياه، فقيل له إنما كالماء العد، قال فلا إذن (قال الشافعي) فنمنغه إقطاع مثل هذا فإنما هذا حمى وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ورسوله " فإن قال قائل فكيف يكون حمى؟ قيل هو لا يحدث فيه شيئا تكون المنفعة فيه من عمله ولا يطلب فيه شيئا لا يدركه إلا بالمؤنة عليه إنما يستدرك فيه شيئا ظاهرا ظهور الماء والكلا فإذا تحجر ما خلق الله من هذا، فقد حمى لخاصة نفسه فليس ذلك له، ولكنه شريك فيه كشركته في الماء والكلا الذى ليس في ملك أحد، فإن قال قائل فإقطاع الارض للبناء والغراس ليس حمى، قيل إنه إنما يقطع من الارض ما لا يضر بالناس وما يستغنى به وينتفع به هو وغيره، قال: ولا يكون ذلك إلا بما يحدثه هو فيه من ماله فتكون منفعته بما استحدث من ماله من بناء أحدثه أو غرس أو زرع لم يكن لآدمي وماء احتفره ولم يكن وصل إليه آدمى إلا باحتفاره، وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدور والارضين، فدل على أن الحمى الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يحمى الرجل الارض لم تكن ملكا له ولا لغيره بلا مال ينفقه فيها ولا منفعة يستحدثها بها فيها لم تكن فيها فهذا معنى قطيع مأذون فيه لا حمى منهى عنه (قال الربيع) يريد الذى هو مأذون فيه الذى استحدث فيه بالنفقة من ماله وأما ما كان فيه منفعة بلا نفقة على من حماه فليس له أن يحميه (قال الشافعي) ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت أو مومياء أو حجارة ظاهرة كمومياء في غير ملك لاحد فليس لاحد أن يتحجرها دون غيره ولا لسلطانها أن يمنعها لنفسه ولا لخاص من الناس لان هذا
كله ظاهر كالماء والكلا، وهكذا عضاه الارض ليس للسلطان أن يقطعها لمن يتحجرها دون غيره لانها ظاهرة ولو أقطعه أرضا يعمرها فيها عضاه فعمرها كان ذلك له لانه حينئذ يحدث فيها ما وصفت بماله مما هو أنفع مما كان فيها، ولو تحجر رجل لنفسه من هذا شيئا أو منعه له سلطان كان ظالما، ولو أخذ في هذا الحال من هذا شيئا لم يكن عليه أن يرده إلا أنه يشرك فيه من منعه منه ولا أن يغرم لمن منعه شيئا بمنعه، وذلك أنه لم يأخذ شيئا كان لاحد فيضمن له ما أخذ منه وإن منع الرجل مما للرجل أن ياخذه من جهة الاباحة، لا يلزمه غرما إلا أنه لم يمنعه أن يحتطب حطبا أو ينزل أرضا لم يضمن له شيئا إنما يضمن ما اتلف لرجل أو أخذ مما كان ملكه لرجل ولو أحدث على شئ من هذا بناء قيل له حول ](4/43)
[ بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله لانه أحدث فيما ليس له بغير إذن فإن كان أحدث البناء في عين لا يمنع منفعتها لم يحول بناؤه، وقيل له لك بناؤك ولا تمنع أحدا من هذه المنفعة ولا يمنعك وأنت وهم فيها شرع، ولو كان بقعة من الساحل أو الارض يرى أنها تصلح للملح لا يوجد فيها إلا بصنعة وذلك أن يحفر ترابا من أعلاها فينحى ثم يسرب إليها ماء فيدخلها فيظهر ملحها بذلك أو يحفر عنها التراب فيظهر فيها من وقت من الاوقات ماء ثم يظهر فيها ملح كان للسلطان والله تعالى أعلم أن يقطعها وللرجل أن يعمرها ثم تكون له كما تكون له الارض بالزرع والبناء، وذلك أن هذا أكثر عمارتها وأن هذا شئ لا تأتى منفعته إلا بصنعة وفى وقت ليس بدائم (1) وحديث معمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الملح فلما أخبر أنه دائم كالماء منعه ذلك وهذا كالارض يقطعها فيحفر فيها البئر لان المنفعة كانت محولا دونها إلا بعمله، وقد يعمل فيها فتقل المنفعة وتكثر ويخلف ولا يخلف (قال الشافعي) ثم تفرق القطائع فرقين فتكون بما وصفت مما إذا أقطعه الرجل فأحياه ملكه من الارض بالبناء والغراس والزرع والآبار والملح وما أشبه هذا فإذا ملكه لم يملك أبدا إلا عنه وهكذا إذا أحياه ولم يقطعه لان كل من أحيا مواتا فيقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه وعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عطاء كل أحد بعده من سلطان وغيره، ثم يكون شئ يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره ما أقام فيه أو وكيل له، فإذا فارقه لم يكن ملكا له ولا يكون له أن يبيعه، وذلك انه إقطاع أرفاق لا تمليك وذلك
مثل المقاعد بالاسواق التى هي طرق المسلمين كافة، فمن قعد في موضع منها لبيع كان أحق به بقدر ما يصلح له ومتى قام عنه لم يكن له أن يمنعه من غيره، قال وهكذا القوم من العرب يحلون الموضع من الارض في أبنيتهم من الشعر وغيره، ثم ينتجعون عنه لا تكون هذه عمارة يملكون بها حيث نزلوا، وكذلك لو بنوا خياما لان الخيام تجف وتحول تحويل أبنية الشعر والفساطيط وهذا والمقاعد بالسوق ليس بإحياء موات، وفى إقطاع المعادن قولان أحدهما أنه مخالف لاقطاع الارض لان من أقطع أرضا فيها معادن أو عملها ليست لاحد فسواء في ذلك كله وسواء كانت المعادن ذهبا، أو فضة أو نحاسا أو حديدا أو شيئا في معنى الذهب والفضة مما لا يخلص إلا بمؤنة ولم يكن ملكا لاحد فللسلطان أن يقطعها من استقطعه إياها ممن يقوم به وكانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ومخالفة للموات في احد القولين، وإن الموات إذا أحييت مرة ثبت إحياؤها وهذه إذا أحييت مرة ثم تركت دثر إحياؤها وكانت في كل يوم مبتدأ الاحياء يطلبون فيها مما يطلب في المعادن فإقطاعه الموات ليحييه يثبته له ملكا ولا ينبغي أن يقطعه المعادن إلا على أن يكون له منفعتها ما أحياها وإحياؤها إدامة العمل فيها فإذا عطلها فليس له منعها من أحد عمل فيها ولا ينبغى أن يقطعه منها ما لا يعمل ولا وقت في قدر ما يقطعه منها إلا ما احتمل عمله قل منها ما عمل أو كثر والتعطيل للمعادن أن يقول عجزت عنها (قال الشافعي) فمن خالف بين إقطاع المعادن والارضين للزرع انبغى أن يكون من حجته أن يقول إن المعادن إنما هي شئ يطلب فيه ذهب أو فضة أو غير ذلك مما هو غائب عن الطالب مخلوق فيه ليست للآدميين فيه صنعة إنما يلتمسونه ويخلصونه والتماسه وتخليصه ليس صنعة فيه فلا يكون لاحد أن يحتجزه على أحد إلا ما كان يعمل فيه فأما أن يمنع المنفعة فيه غيره ولا يعمل هو فيه فليس له ولقد رأيت للسلطان أن لا يقطع معدنا إلا على ما أصف من أن يقول أقطع فلانا معادن كذا على أن يعمل فيها فما رزق الله أدى ما يجب عليه ]
__________
(1) قوله: وحديث معمر الخ كذا بالاصل وتامل اه مصححه.(4/44)
[ فيما يخرج منه وإذا عطلها كان لمن يحييها العمل فيها وليس له أن يبيعها له قال ومن حجة من فرق بين ملكها وبين ملك الارض أن يقول ليس له بيعها ولا بيع الارض لا معدن فيها، قال ومن قال هذا قال
ولو ملكه إياها السلطان وهو يعملها ملكا بكل حال لم يكن له إلا على ما وصفت وكان هذا جورا من السلطان يرد وإن عملها هو بغير عطاء من السلطان كانت له حتى يعطلها، ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يحفر البئر بالبادية فتكون له فإذا أورد ماشيته لم يكن له منع فضل مائها وجعل عمله فيها غير إحياء له جعله مثل المنزل ينزل بالبادية فلا يكون لاحد أن يحوله عنه وإذا خرج منه لم يمنع منه من ينزله وجعله غير مملوك وسواء في هذا معدن الذهب والفضة وكل تبر وغيره مما يطلب بالعمل ولا يكون ظاهرا كظهور الماء والملح الظاهر، وأما ما كان من هذا ظاهرا من ذهب أو غيره فليس لاحد أن يقطعه ولا يمنعه وللناس أن يأخذوا منه ما قدروا عليه وكذلك الشذر يوجد في الارض ولو أن رجلا أقطع أرضا فأحياها بعمارة بناء أو زرع أو غيره فظهر فيها معدن كان يملكه ملك الارض وكان له منعه كما يمنع أرضه في القولين معا، والقول الثاني أن الرجل إذا أقطع المعدن فعمل فيه فقد ملكه ملك الارض، وكذلك إذا عمله بغير إقطاع، وما قلت في القولين معا في المعادن فإنما أردت بها الارض القفر تكون أرض معادن فيعملها الرجل معادن، وفي القول الاول يكون عمله فيها لا يملكه إياها إلا ملك الاستمتاع يمنعه ما كان يعمل فيه فإذا عطله لم يمنعه غيره، وفي القول الثاني إذا عمل فيها فهو كإحياء الارض يملكها أبدا ولا تملك إلا عنه (قال) وكل معدن عمل جاهليا ثم أراد رجل استقطاعه ففيه أقاويل: منها أنه كالبئر الجاهلية والماء المعد فلا يمنع أحد العمل فيه ولا يكون أحد إولى به من أحد يعمل فيه فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم عملوا معا وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ثم يتبع الآخر فالآخر حتى يتواسوا فيه، والثانى أن للسلطان أن يقطعه على المعنى الاول يعمل فيه من أقطعه ولا يملكه ملك الارض فإذا تركه عمل فيه غيره، والثالث يقطعه فيملكه ملك الارض إذا أحدث فيه عمارة وكل ما وصفت من إحياء الموت وإقطاع المعادن وغيرها فإنما أعنى في عفو بلاد العرب الذى عامره عشر وعفوه غير مملوك قال: وكل ما ظهر عليه عنوة من بلاد العجم فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم لاهل الخمس سهم وأربعة لمن أوجف عليه فيقسم بينهم قسم الميراث وما ملكوا بوجه من الوجوه وما كان في قسم أحدهم من معدن فهو له كما يظهر المعدن في دار الرجل فيكون له ويظهر بئر الماء فيكون له (قال الشافعي) وإن كان فيها معدن ظاهر فوقع في قسم رجل بقيمته فذلك له كما يقع في قسمه العمارة بقيمة
فتكون له وكل ما كان في بلاد العنوة مما عمر مرة ثم ترك فهو كالعامر القائم العمارة وذلك ما ظهرت عليه الانهار وعمر بغير ذلك على نطف السماء وبالرشاء وكل ما كان لم يعمر قط من بلادهم وكان مواتا فهو كالموات من بلاد العرب لا يختلف في أنه ليس بملك لاحد دون أحد ومن أراد أن يقطع منه أقطع ممن أوجف أو لم يوجف هم سواء فيه لا تختلف حالاتهم فيما أحيوا وأرادوا من الاقطاع، قال: وما كان من بلاد العجم صلحا فأنظر مالكه فإن كان المشركون مالكيه فهو لهم ليس لاحد أن يعمل فيه معدنا ولا غيره إلا بإذنهم وعليهم ما صولحوا عليه.
قال: وإن كان المسلمون مالكين شيئا منه بشئ ترك لهم فخمس ما صولح عليه المسلمون لاهل الخمس وأربعة أخماسه لجماعة أهل الفئ من المسلمين حيث كانوا فيقسم لاهل الخمس رقبة الارض والدور ولجماعة المسلمين أربعة أخماس فمن وقع في ملكه شئ كان له وإن صالحوا المسلمين على موات مع العامر فالموات مملوك كالعامر وما كان في حق امرئ من معدن فهو له وما كان في حق جماعة من معدن فبينهم كما يكون بينهم ما سواه وإن صالحوا المسلمين على ](4/45)
[ أن لهم الارض ويكونون أحرارا ثم عاملهم المسلمون بعد فإن الارض كلها صلح وخمسها لاهل الخمس وأربعة أخماسها لجماعة المسلمين كما وصفت وإذا وقع صلحهم على العامر ولم يذكروا العامر فقالوا لكم أرضنا فلهم من أرضهم ما وصفت من العامر والعامر ما فيه أثر عمارة أو ظهر عليه النهر أو عرفت عمارته بوجه وما كان من الموات في بلادهم فمن أراد اقطاعه ممن صالح عليه أو لم يصالح أو عمره ممن صالح أو لم يصالح فسواء لان ذلك كان غير مملوك كما كان عفو بلاد العرب غير مملوك لهم ولو وقع الصلح على عامرها ومواتها كان الموات مملوكا لمن ملك العامر كما يجوز بيع الموات من بلاد المسلمين إذا حازه رجل يجوز الصلح من المشركين إذا جازوه دون المسلمين فمن عمل في معدن في أرض ملكها لواحد أو جماعة فجميع ما خرج من المعدن لمن ملك الارض ولا شئ للعامل في عمله لانه متعد بالعمل ومن عمل في معدن بينه وبين غيره أدى إلى غيره نصيبه مما خرج من المعدن وكان متطوعا بالعمل لا أجر له فيه وإن عمل بإذنه أو على أن له ما خرج من عمله فسواء وأكثر هذا أن يكون هبة لا يعرفها الواهب ولا الموهوب له ولم يقبض فالآذن في العمل والقائل اعمل ولك ما خرج من عملك
سواء له الخيار في أن يتم ذلك للعامل وكذلك أحب له أن يرجع فيأخذ نصيبه مما خرج من غلة ويرجع عليه العامل بأجر مثله في قول من قال يرجع وليس هذا كالدابة يأذن له في ركوبها لانه قد عرف ما اعطاه وقبضه.
عمارة ما ليس معمورا من الارض التى لا مالك لها (قال الشافعي) كان يقال الحرم دار قريش ويثرب دار الاوس والخزرج وأرض كذا دار بنى فلان على معنى أنهم ألزم الناس لها وأن من نزلها غيرهم إنما ينزلها شبيها بالمجتاز وعلى معنى أن لهم مياهها التى لا تصلح مساكنها إلا بها وليس ما سمته العرب من هذا دارا لبنى فلان بالموجب لهم أن يكون ملكا مثل ما بنوه أو زرعوه أو اختبروه لانه موات أحيى كماء نزلوه مجتازين وفارقوه وكما يحيى ما قارب ما عمروا وإنما يملكون بما أحيوا ما أحيوا ولا يملكون ما لم يحيوا (قال الشافعي) وبيان ما وصفت في السنة ثم الاثر منه ما وصفت قبل هذا الباب من قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ورسوله " ثم قول عمر رضى الله عنه " إنها لبلادهم ولو لا المال الذى أحمل عليه في سبيل الله تعالى ما حميت عليهم من بلادهم شبرا " أي أنها تنسب إليهم إذا كانوا ألزم الناس لها وأمنعه (أخبرنا) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا مواتا فهو له وليس لعرق ظالم فيه حق " (قال الشافعي) وجماع العرق الظالم كل ما حفر أو غرس أو بنى ظلما في حق امرئ بغير خروجه منه (أخبرنا) سفيان عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا مواتا من الارض فهو له وعادى الارض لله ولرسوله ثم هي لكم منى " (قال الشافعي) ففى هذين الحديثين وغيرهما الدلالة على أن الموات ليس ملكا لاحد بعينه وأن من أحيا مواتا من المسلمين فهو له وأن الاحياء ليس هو بالنزول فيه وما أشبهه وأن الاحياء الذى يعرفه الناس هو العمارة بالحجر والمدر والحفر لما بنى دون اضطراب الابنية وما أشبه ذلك ومن الدليل على ما وصفت أيضا أن ابن عيينة أخبرنا عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حى من بنى زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة لرسول الله صلى الله ة ليه وسلم " نكب عنا ابن أم عبد " فقال ](4/46)
[ رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلم ابتعثنى الله إذا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه " (قال الشافعي) والمدينة بين لا بتين تنسب إلى أهلها من الاوس والخزرج ومن فيه من العرب والعجم لما كانت المدينة صنفين أحدهما معمور ببناء وحفر وغراس وزرع والآخر خارج من ذلك فاقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخارج من ذلك من الصحراء استدللنا على أن الصحراء وإن كانت منسوبة إلى حى بأعيانهم ليست ملكا لهم كملك ما أحيوا ومما يبين ذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن هشام عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان الناس يحتجرون على عهد عمر بن الخطاب فقال عمر " من أحيا أرضا مواتا فهى له " (اخبرنا) عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الازرقي عن أبيه عن علقمة بن نضلة أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال سنام الارض إن لها أسناما زعم ابن فرقد الاسلمي أنى لا أعرف حقى من حقه، لى بياض المروة وله سوادها ولى ما بين كذا إلى كذا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال ليس لاحد إلا ما أحاطت عليه جدرانه إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو حفرا أو يحاط بالجدران وهو مثل إبطاله التحجير بغير ما يعمر به مثل ما يحجر (قال الشافعي) وإذا أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أحيا أرضا مواتا فهى له والموات ما لا ملك فيه لاحد خالصا دون الناس فللسلطان أن يقطع من طلب مواتا فإذا أقطع كتب في كتابه ولم أقطعه حق مسلم ولا ضررا عليه (قال الشافعي) وخالفنا في هذا بعض الناس فقال ليس لاحد إن يحمى مواتا إلا بإذن سلطان ورجع صاحبه إلى قولنا فقال: وعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت العطايا فمن أحيا مواتا فهو له بعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للسلطان أن يعطى إنسانا ما لا يحل للانسان أن يأخذه من موات لا مالك له أو حق لغيره يعرفه له والسلطان لا يحل له شيئا ولا يحرمه ولو أعطى السلطان أحدا شيئا لا يحل له لم يكن له أخذه (أخبرنا (ابن عيينة عن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا وأن عمر رضى الله عنه أقطع العقيق وقال أين المستقطعون منذ اليوم أخبرناه مالك عن ربيعة (قال الشافعي) ومن أقطعه السلطان اليوم قطيعا أو تحجر أرضا فمنعها من أحد يعمرها ولم يعمرها رأيت للسلطان والله أعلم أن يقول له هذه أرض كان المسلمون فيها سواء لا يمنعها منهم أحد وإنما اعطيناكها أو تركناك وجوزها لانا رأينا العمارة لها غير ضرر بين على جماعة المسلمين منفعة لك وللمسلمين
فيها ينالون من رفقها فإن أحييتها وإلا خلينا من أراد إحياءها من المسلمين فأحياها فإن أراد أجلا رأيت أن يؤجل (قال الشافعي) وإذا كان هذا هكذا كان للسلطان أن لا يعطيه ولا يدعه يتحجر على المسلمين شيئا لا يعمره ولم يدعه أن يتحجر كثيرا يعلمه لا يقوى عليه وتركه وعمارة ما يقوى عليه (قال الشافعي) وإن كانت أرضا يطلب غير واحد عمارتها، فإن كانت تنسب إلى قوم فطلبها بعضهم وغيرهم كان أحب إلى أن يعطيها من تنسب إليهم دون غيرهم ولو أعطاها الامام غيرهم لم أر بذلك بأسا إن كانت غير مملوكة لاحد ولو تشاحوا فيها فضاقت عن أن تسعهم رأيت أن يقرع بينهم فأيهم خرج سهمه أعطاه إياها ولو أعطاهم بغير قرعة لم أر عليه بأسا إن شاء الله وإن اتسع الموضع أقطع من طلب منه فإن بدأ بأحد فأقطعه ترك له حريما للطريق ومسيلا للماء ومغيضة وكل ما لا صلاح لما أقطعه إلا به.
من أحيا مواتا كان لغيره (قال الشافعي) اخبرنا عبد العزيز بن محمد بن زيد بن اسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى ](4/47)
[ الله عنه استعمل مولى له يقال له هنى على لحمى فقال له ياهنى ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة والغنيمة يأتي بعياله فيقول يا امير المؤمنين افتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلا أهون على من الدنانير والدراهم وأيم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام ولو لا المال الذى أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا فقال ولو ثبت هذا عن عمر بإسناد موصول أخذت به، وهذا أشبه ما روى عن عمر رضى الله عنه من أنه ليس لاحد أن يتحجر.
من قال لا حمى إلا حمى من الارض الموات وما يملك به الارض وما لا يملك وكيف يكون الحمى (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا حمى إلا لله ورسوله " (وحدثنا) غير
واحد من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع (قال الشافعي) كان الرجل العزيز من العرب إذا انتجع بلدا مخصبا أوفى بكلب على جبل إن كان به أو نشز إن لم يكن جبل ثم استعواه ووقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء فحيث بلغ صوته حماه من كل ناحية فيرعى مع العامة فيما سواه ويمنع هذا من غيره لضعفاء سائمته وما أراد قرنه معها فيرعى معها فنرى أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم " لا حمى إلا لله ورسوله " لا حمى على هذا المعنى الخاص وأن قوله لله كل محمى وغيره ورسوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يحمى لصلاح عامة المسلمين لا لما يحمى له غيره من خاصة نفسه وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا ما لا غناء به وبعياله عنه ومصلحتهم حتى يصير ما ملكه الله من خمس الخمس مردودا في مصلحتهم وكذلك ماله إذا حبس فوق سنته مردودا في مصلحتهم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله وأن ماله ونفسه كان مفرغا لطاعة الله تعالى فصلى الله عليه وسلم وجزاه أفضل ما جزى به نبيا عن أمته (قال الشافعي) والحمى ليس بإحياء موات فيكون لمن أحياه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ورسوله " يحتمل معنيين أحدهما أن لا يكون لاحد أن يحمى للمسلمين غير ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذهب هذا المذهب قال يحمى الوالى كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاد لجماعة المسلمين على ما حماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكون لوال إن رأى صلاحا لعامة من حمى أن يحمى بحال شيئا من بلاد المسلمين والمعنى الثاني أن قوله " لا حمى إلا لله ورسوله " يحتمل لا حمى إلا على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذهب هذا المذهب قال للخليفة خاصة دون الولاة أن يحمى على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذى عرفناه نصا ودلالة فيما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حمى لنقيع والنقيع بلد ليس بالواسع الذى إذا حمى ضاقت البلاد بأهل المواشى حوله حتى يدخل ذلك الضرر على مواشيهم أو أنفسهم كانوا يجدون فيما سواه من البلاد سعة لانفسهم ومواشيهم وأن ما سواه مما لا يحمى أوسع منه وأن النجع يمكنهم فيه وأنه لو ترك فكان ](4/48)
[ أوسع عليهم لا يقع موقع ضرر بين عليهم لانه قليل من كثير غير مجاوز القدر وفيه صلاح لعامة المسلمين
بأن تكون الخيل المعدة لسبيل الله وما فضل من سهمان أهل الصدقات وما فضل من النعم التى تؤخذ من أهل الجزية ترعى فيه فأما الخيل فقوة لجميع المسلمين وأما نعم الجزية فقوة لاهل الفئ من المسلمين ومسلك سبل الخير أنها لاهل الفئ المحامين المجاهدين قال: وأما الابل التى تفضل عن سهمان أهل الصدقة فيعاد بها على أهل سهمان الصدقة لا يبقى مسلم إلا دخل عليه من هذا صلاح في دينه ونفسه ومن يلزمه أمره من قريب أو عامة من مستحقي المسلمين فكان ما حمى عن خاصتهم أعظم منفعة لعامتهم من أهل دينهم وقوة على من خالف دين الله من عدوهم وحمى القليل الذى حمى عن عامة المسلمين وخواص قراباتهم الذين فرض الله لهم الحق في أموالهم ولم يحم عنهم شيئا ملكوه بحال (قال الشافعي) وقد حمى من حمى على هذا المعنى وأمر أن يدخل الحمى ماشية من ضعف عن النجعة ممن حول الحمى ويمنع ماشية من قوى على النجعة فيكون الحمى مع قلة ضرره أعم منفعة من أكثر منه مما لم يحم وقد حمى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضى الله عنه أرضا لم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حماها وأمر فيها بنحو مما وصفت من أنه ينبغى لمن حمى أن يأمر به (أخبرنا) عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يقال هنى على الحمى فقال له " يا هنى ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الغنيمة والصريمة يأتي بعياله فيقول يا أمير المؤمنين افتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلا أهون على من الدراهم والدنانير وايم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام، ولولا المال الذى احمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا " (قال الشافعي) في معنى قول عمر " إنهم يرونى انى قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الاسلام إنهم يقولون إن منعت لاحد من أحد فمن قاتل عليها وأسلم أولى أن تمنع له " وهذا كما قال لو كانت تمنع لخاصة فلما كان لعامة لم يكن في هذا إن شاء الله مظلمة، وقول عمر " لولا المال الذى أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا إنى لم أحمها لنفسي ولا لخاصتي وإنى حميتها لمال الله الذى أحمل عليه في سبيل الله وكانت من أكثر ما
عنده مما يحتاج إلى الحمى فنسب الحمى إليها لكثرتها وقد أدخل الحمى خيل الغزاة في سبيل الله " فلم يكن ما حمى ليحمل عليه أولى بما عنده من الحمى مما تركه أهله ويحملون عليها في سبيل الله لان كلا لتعزيز الاسلام وأدخل فيها إبل الضوال لانها قليل لعوام من أهل البلدان وأدخل فيها ما فضل من سهمان أهل الصدقة من إبل الصدقة وهم عوام من المسلمين يحتاجون إلى ما جعل مع إدخاله من ضعف عن النجعة ممن قل ماله وفى تماسك أموالهم عليهم غنى عن أن يدخلوا على أهل الفئ من المسلمين وكل هذا وجه عام النفع للمسلمين (قال الشافعي) أخبرني عمى محمد بن على عن الثقة أحسبه محمد بن على بن حسين أو غيره عن مولى لعثمان بن عفان رضى الله عنه قال: بينا أنا مع عثمان في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الارض مثل الفراش من الحر فقال ما على هذا لو اقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فقلت أنا رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فأداه لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة؟ ](4/49)
[ فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل وتكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوى الامين فلينظر إلى هذا " فعاد إلينا فألقى نفسه (قال الشافعي) في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين اللذين تخلفا وقول عثمان " من أحب أن ينظر إلى لقوى الامين فلينظر إلى هذا " (أخبرنا) مالك عن ابن شهاب يعنى بما حكاه عن عمر وعثمان (قال الشافعي) وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم لانه منع منه وأدخل لنفسه وهو من أهل القوة (قال الشافعي) وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل الله دون الخليفة قال ومن سأل الوالى أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه وإن كان
حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة وإن سبق فعمر لم يبن لى أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم.
ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته، وإن أذن له الوالى بعمارة لم يكن له إبطال عمارته لان إذنه له إخراج له من الحمى وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من الحمى ويحمى غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه، وليس للوالى بحال أن يحمى من الارض إلا أقلها، وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه، وما أحدث من حمى فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شئ أكثر من أن يمنع رعيته، فأما غرم أو عقوبة فلا أعلمه عليه.
تشديد أن لا يحمى أحد على أحد (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من منع فضول الماء ليمنع به الكلا منعه الله فضل رحمته يوم القيامة " (قال الشافعي) ففى هذا الحديث ما دل على أنه ليس لاحد أن يمنع فضل مائه وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لاحد منع فضل الماء، وفى هذا الحديث دلالة على أن مالك الماء أولى أن يشرب به ويسقى وأنه إنما يعطى فضله عما يحتاج إليه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من منع فضل الماء ليمنع به الكلا منعه الله فضل رحمته " وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك الماء (قال الشافعي) وهذا أوضح حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء، وأشبه معنى لان مالكا روى عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يمنع نفع البئر (قال الشافعي) فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء، وحديث أبى هريرة رضى الله عنه أصحها وأبينها معنى (قال الشافعي) وكل ماء ببادية يزيد في عين أو بئر أو غيل أو نهر بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب أو يسقى ذا روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقى منه زرعا ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من منع فضل الماء ليمنع به الكلا منعه الله فضل رحمته " ففى هذا ](4/50)
[ دلالة إذا كان الكلا شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن يمنعها من احد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والاثر الذى في معنى السنة وفى منع الماء ليمنع به الكلا الذى هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى (قال الشافعي) فإن كان هذا هكذا ففى هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم لانه في معنى تلف على ما لا غنى به لذوى الارواح والآدميين وغيرهم فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلا، والمعنى الاول أشبه والله أعلم فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا، وفضل منها شئ فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقى إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل من الماء وإن قل منعه إياه إن كان في عين أو بئر أو نهر أو غيل لانه فضل ماء يزيد ويستخلف، وإن كان الماء في سقاء أو جرة أو وعاء ما كان، فهو مختلف للماء الذى يستخلف فلصاحبه منعه وهو كطعامه إلا أن يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء أو يجد بشراء، ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله أعلم منعه لان في منعه تلفا له وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا كان معه فضل من ماء في وعاء فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا يخرج من منعه.
إقطاع الوالي (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور فقال حى من بنى زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلم ابتعثنى الله إذا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه " (قال الشافعي) في هذا الحديث دلائل: منها أن حقا على الوالى إقطاع من سأله القطيع من المسلمين لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه " دلالة أن (1) لمن سأله الاقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة
على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهرانى عمارة الانصار من المنازل والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ولو كان لهم لم يقطعه الناس وفى هذا دلالة على أن ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن سأله من المسلمين (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال اين المستقطعون؟ (قال الشافعي) والعقيق قريب من المدينة وقوله " أين المستقطعون نقطعهم " وإنما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا مواتا فهو له " دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك ]
__________
(1) قوله دلالة: أن لمن سأله الاقطاع كذا بالاصول التى عندنا، وتأمل.
كتبه مصححه.(4/51)
[ من أحيا الموات ما أحيا كاتباع أمره في أن يقطع الموات من يحييه لا فرق بينهما، ولا يجوز أن يقطع الموات من يحييه ولا مالك له، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا مواتا فهو له " فعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لمن أحيا الموات فمن أحيا الموات فبعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه، وعطيته في الجملة أثبت من عطية من بعده في النص والجملة، وقد روى عن عمر مثل هذا المعنى لا يخالفه.
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله: الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن المصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا حمى إلا لله ورسوله " (قال الشافعي) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ورسوله " لم يكن لاحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عزوجل لا مالك لها من الآدميين وإنما سلط الله الآدميين على منع مالهم خاصة لا منع ما ليس لاحد بعينه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ولرسوله " أن لا حمى إلا حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الارض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين، وليس لهم أن يحموا شيئا لانفسهم دون غيرهم (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه استعمل مولى له يقال له هنى على الحمى (قال الشافعي) وقول عمر إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أنى حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفئ وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على المرعى في غير الحمى إلى أنى قد ظلمتهم (قال الشافعي) ولم يظلمهم عمر رضى الله عنه وإن رأوا ذلك، بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر الرجل له خالصا دون غيره وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة وقد كان مباحا قبل يحمى.
قال وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو لا المال الذى أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه (1) لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأى إدخال الضعيف حقا له دون القوى فكل ما لم يعمر من الارض فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالى لمصلحة عوام المسلمين فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من أهلها، وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة (قال الشافعي) وكل هذا عام المنفعة بوجوه لان من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن أرصد له أن يعطى من ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين، وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته ]
__________
(1) قوله: لمن يحتاج إلى الحمى الخ، كذا بالاصول ولعل الصواب " فليس لمن يحتاج الخ " وحرر اه مصححه.(4/52)
[ فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضى الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير
الماشية.
الاحباس أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال جميع ما يعط الناس من أموالهم ثلاثة وجوه.
ثم يتشعب كل وجه منها، والعطايا منها في الحياة وجهان، وبعد الوفاة واحد: فالوجهان من العطايا في الحياة مفترقا الاصل والفرع، فأحدهما يتم بكلام المعطى والآخر يتم بأمرين، بكلام المعطى وقبض المعطى أو قبض من يكون قبضه له قبضا (قال الشافعي) والعطايا التى تتم بكلام المعطى دون أن يقبضها المعطى ما كان إذا خرج به الكلام من المعطى له جائزا على ما أعطى لم يكن للمعطى أن يملك ما خرج منه فيه الكلام بوجه أبدا وهذه العطية الصدقات المحرمات الموقوفات على قوم بأعيانهم أو قوم موصوفين وما كان في معنى هذه العطايا مما سبل محبوسا على قوم موصوفين وإن لم يسم ذلك محرما فهو محرم باسم الحبس (قال الشافعي) فإذا أشهد الرجل على نفسه بعطية من هذه فهى جائزة لمن أعطاها، قبضها أو لم يقبضها، ومتى قام عليه أخذها من يدى معطيها وليس لمعطيها حبسها عنه على حال بل يجبر على دفعها إليه وإن استهلك منها شيئا بعد إشهاده بإعطائها ضمن ما استهلك كما يضمنه أجنبي لو استهلكه لانه إذ خرج من ملكه فهو والاجنبى فيما استهلك منه سواء ولو مات من جعلت هذه الصدقة عليه قبل قبضها وقد أغلت غلة أخذ وارثه حصته من غلتها لان الميت قد كان مالكا لما أعطى وإن لم يقبضه كما يكون له غلة أرض لو غصبها أو كانت وديعة في يدى غيره فجحدها ثم أقر بها وإن لم يكن قبض ذلك ولو مات بها قبل أن يقبضها من تصدق بها عليه لم يكن لوارثه منها شئ وكانت لمن تصدق بها عليه ولا يجوز أن يقال ترحع موروثة والموروث إنما يورث ما كان ملكا للميت فإذا لم يكن للمتصدق الميت أن يملك شيئا في حياته ولا بحال أبدا لم يجز أن يملك الوارث عنه بعد وفاته ما لم يكن له أن يملك في حياته بحال أبدا.
قال وفى هذا المعنى العتق.
إذا تكلم الرجل يعتق من يجوز له عتقه ثم العتق ولم يحتج إلى أن يقبله المعتق ولم يكن للمعتق ملكه ولا لغيره ملك رق يكون له فيه بيع ولا هبة ولا ميراث بحال، والوجه الثاني من العطايا في الحياة ما أخرجه
المالك من يده ملكا تاما لغيره بهبته أو ببيعه ويورث عنه وهذا من العطايا يحل لمن أخرجه من يديه أن يملكه بوجوه، وذلك أن يرث ممن أعطاه أو يرد عليه المعطى العطية أو يهبها له أو يبيعه إياها وهذا مثل النحل والهبة والصدقة غير المحرمة ولا التى في معناها بالتسبيل وغيره وهذه العطية تتم بأمرين: إشهاد من أعطاها وقبضها بأمر من أعطاها والمحرمة والمسبلة تجوز بلا قبض.
قيل تقليد الهدى وإشعاره وسياقه وإيجابه بغير تقليد يكون على مالكه بلاغه البيت ونحره والصدقة فيه بما صنع منه ولم يقبضه من جعل له وليس كذلك ما تصدق به بغير حبس مما لا يتم إلا بقبض من أعطيها لنفسه أو قبض غيره له ممن قبضه له قبض وهذا الوجه من العطايا لمعطيه أن يمنعه من أعطاه إياه ما لم يقبضه، ومتى رجع في عطيته قبل قبض من اعطيه فذلك له وإن مات المعطى قبل يقبض العطية فالمعطى بالخيار إن أحب أن يعطيها ورثته عطاء مبتدأ لا عطاء موروثا عن المعطى لان المعطى لم يملكها فعل وذلك أحب إلي له وإن شاء حبسها ](4/53)
[ عنهم وإن مات المعطى قبل يقبضها المعطى فهى لورثة المعطى لان ملكها لم يتم للمعطى.
قال: والعطية بعد الموت هي الوصية لمن أوصى له في حياته فقال إذا مت فلفلان كذا فله أن يرجع في الوصية ما لم يمت فإذا مات ملك أهل الوصايا وصاياهم بلا قبض كان من المعطى ولا بعده وليس للورثة أن يمنعوه الموصى لهم وهو لهم ملكا تاما قال: وأصل ما ذهبنا إليه أن هذا موجود في السنة والآثار أو فيهما ففرقنا بينه اتباعا وقياسا.
الخلاف في الصدقات المحرمات (قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات وقال من تصدق بصدقة محرمة وسبلها فالصدقة باطل وهى ملك للمتصدق في حياته ولوارثه بعد موته قبضها من تصدق بها عليه أو لم يقبضها وقال لى بعض من يحفظ قول قائل هذا: إنا رددنا لصدقات الموقوفات بأمور قلت له وما هي؟ فقال قال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس فقلت له وتعرف الحبس التى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها؟ قال لا أعرف حبسا إلا الحبس بالتحريم فهل تعرف شيئا يقع عليه اسم الحبس غيرها؟ (قال الشافعي) فقلت له أعرف الحبس التى جاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم بإطلاقها وهى غير ما ذهبت إليه وهى بينة في كتاب الله عزوجل قال أذكرها قلت قال الله عزوجل " ما جعل الله من بحيرة وسائبة ولا وصيلة ولا حام " فهذه الحبس التى كان أهل الجاهلية يحبسونها فأبطل الله شروطهم فيها وأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال الله إياها وهى أن الرجل كان يقول إذا نتج فحل إبله ثم ألقح فأنتج منه هو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه ويجعل ذلك شبيها بالعتق له ويقول في البجيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا ويقول لعبده أنت حر سائبة لا يكون لى ولاؤك ولا على عقلك قال فهل قيل في السائبة غير هذا؟ فقلت نعم قيل إنه أيضا في البهائم قد سيبتك (قال الشافعي) فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة وحكم له بمثل حكم النسب ولم يحبس أهل الجاهلية علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها وإنما حبس أهل الاسلام (قال الشافعي) فالصدقات يلزمها اسم الحبس وليس لك أن تخرج مما لزمه اسم الحبس شيئا إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ما قلت وقلت أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر بن حفص العمرى عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا رسول الله إنى أصبت ما لا لم أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عزوجل " فقال " حبس الاصل، وسبل الثمرة " (قال الشافعي) وأخبرني عمر بن حبيب القاضى عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال " يا رسول الله إنى أصبت مالا من خيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي أو أعظم عندي منه " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن شئت حبست أصله وسبلت ثمره " فتصدق به عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثم حكى صدقته به (قال الشافعي) فقال إن كان هذا ثابتا فلا يجوز إلا أن يكون الحبس التى أطلق غير الحبس التى أمر بحبسها قلت هذا عندنا وعندك ثابت وعندنا أكثر من هذا وإن كانت الحجة تقوم عندنا وعندك بأقل ](4/54)
[ منه قال فكيف أجزت الصدقات المحرمات وإن لم يقبضها من تصدق بها عليه؟ فقلت اتباعا وقياسا فقال وما الاتباع؟ فقلت له لما سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماله فأمره أن يحبس أصل
ماله ويسبل ثمره دل ذلك على إجازة الحبس وعلى أن عمر كان يلى حبس صدقته ويسبل ثمرها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لا يليها غيره، قال: فقال: أفيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم " حبس أصلها وسبل ثمرها " اشترط ذلك؟ قلت نعم والمعنى الاول أظهرهما وعليه من الخبر دلالة أخرى قال وما هي؟ قلت إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس أفيعلمه حبس الاصل وسبل الثمر ويدع أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه لانها لو كانت لا تتم إلا بأن يخرجها المحبس من يديه إلى من يليها دونه، كان هذا أولى أن يعلمه، لان الحبس لا يتم إلا به، ولكنه علمه ما يتم له، ولم يكن في إخراجها من يديه شئ يزيد فيها ولا في إمساكها يليها هو شئ ينقص صدقته ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلى فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى ولم يزل على بن أبى طالب رضى الله عنه يلى صدقته بينبع حتى لقى الله عزوجل ولم تزل فاطمة عليها السلام تلى صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى (قال الشافعي) أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلى وعمر ومواليهم ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والانصار لقد حكى لى عدد كثير من اولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا وأن نقل الحديث فيها كالتكلف وإن كنا قد ذكرنا بعضه قبل هذا فإذا كنا إنما أجزنا الصدقات وفيها العلل التى أبطلها صاحبك بها من قول شريح جاء محمد بإطلاق الحبس بأنه لا يجوز أن يكون مال مملوكا ثم يخرجه مالكه من ملكه إلى غير مالك له كله إلا بالسنة واتباع الآثار فكيف اتبعناهم في إجازتها واجازتها أكثر ونترك اتباعهم في أن يجوزها كما حازوها ولم يولوها أحدا؟ فقال فما الحصة فيه من القياس؟ قلت له لما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس الاصل أصل المال وتسبل الثمرة دل ذلك على أنه أجاز أن يخرجه مالك المال من ملكه بالشرط إلى أن يصير المال محبوسا لا يكون لمالكه بيعه ولا أن يرجع إليه بحال كما لا يكون لمن سبل ثمره عليه بيع الاصل ولا ميراثه فكان هذا مالا مخالفا لكل مال سواه لان كل مال سواه يخرج من مالكه إلى مالك فالمالك يملك بيعه وهبته ويجوز للمالك الذى أخرجه من ملكه أن يملكه بعد
خروجه من يديه ببيع وهبة وميراث وغير ذلك من وجوه الملك ويجامع المال المحبوس الموقوف العتق الذى أخرجه مالكه من ماله بشئ جعله الله إلى غير ملك نفسه ولكن ملكه منفعة نفسه بلا ملك لرقبته كما ملك المحبس من جعل منفعة المال له بغير ملك منه لرقبة المال وكان بإخراجه الملك من يديه محرما على نفسه أن يملك المال بوجه أبدا كما كان محرما أن يملك العبد بشئ أبدا فاجتمعا في معنيين، وإن كان العبد مفارقه في أنه لا يملك منفعة نفسه غير نفسة كما يملك منفعة المال مالك وذلك أن المال لا يكون مالكا إنما يملك الآدميون فلو قال قائل لماله أنت حر لم يكن حرا ولو قال أنت موقوف لم يكن موقوفا لانه لم يملك منفعته أحدا وهو إذا قال لعبده أنت حر فقد ملكه منفعة نفسه فقال قد قال فيها فقهاء المكيين وحكامهم قديما وحديثا وقد علمنا أنهم يقولون قولك، وأبو يوسف حين أجاز الصدقات قال قولك في أنها تجوز وإن وليها صاحبها حتى يموت واحتج فيها بأنه إنما أجازها اتباعا وأن المتصدقين بها من السلف ولوها حتى ماتوا ولكنا قد ذهبنا فيها وبعض البصريين إلى أن الرجل إن لم يخرجها من ](4/55)
[ ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات، وتابعنا بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات (قال الشافعي) فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا شئ أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدرى لعله سمع قولكم أو قول بعض البصريين فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به؟ قال أقوم به لمن قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضى الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا فمرض قبل تقبضه فقال لها لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال " ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال أبى نحلنيه وإن مات ابنه قال مالى وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات أحق بها " وأنه شكى إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يجوز لولده ما داموا صغارا، فأقول إن الصدقات الموقوفات قياسا على هذا ولا أزعم ما تزعمت من أنها مفترقة فقلت له
أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل أو التفريق؟ قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها ثم ردها على الذى أعطاها أو لم يقبلها منه أو رجعت إليه بميراث أو شراء أو غير ذلك من وجوه الملك أيحل له أن يملكها؟ قال نعم: قلت ولو تمت لمن اعطيها حل له بيعها وهبتها؟ قال نعم: قلت أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه أو يملكه من وقف عليه ملكا يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه؟ قال: لا، قلت والوقوف خارجة من ملك مالكها بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقفت عليه غير مملوكة الاصل؟ قال نعم: قلت أفترى العطايا تشبه الوقوف في معنى واحد من معانيها؟ قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة: قلت كذلك.
قلت أنت فأراك جعلت قولك اصلا قال قسته على ما ذكرت إن خالف بعض أحكامه: قلت فكيف يجوز أن يقاس الشئ بخلافه وهى مخالفة ما ذكرت من العطايا غيرها؟ أو رأيت لو قال لك قائل أراك تسلك بالعطايا كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدى على نفسه بكلام أو ساقه أو قلده أو أشعره كان له أن يبيعه ويهبه ويرجع لانه لمساكين الحرم ولم يقبضوه أله ذلك؟ قال: لا.
قلت وأنت تقول لو دفع رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدى الوالى بل يدفعه؟ قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من ان تقيس عليه ما هو أقرب منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه.
قال: وقلت له لو قال لك قائل أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا مقبوضة.
قال وكيف تكون الوصية مقبوضة؟ قلت بأن يدفعها الموصى إلى الموصى له ويجعلها له بعد موته فإن مات جازت وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي صلى الله عليه وسلم وصية، وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له.
قلت: فإن قال لك ولم؟ قال أقول لان الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت: فاذكر من قال لك يجوز بغير ما وصفنا من السلف.
قال ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا: قلنا فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا! قال ما وجدوا بدا من التفريق بينهما.
قلت: والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا فإن الموصى أن
يرجع في وصيته بعد الاشهاد عليها ويرجع في ماله إن مات من أوصى له بها أو ردها فكيف باينت بين ](4/56)
[ العطايا والوصايا سواها وامتنعت من المباينة بين الوقف والعطايا سواه وأنت تفرق بين العطايا سواه فرقا بينا فنقول في العمرى هي لصاحبها لا ترجع إلى الذى أعطاها ولا تقول هذا في العارية ولا العطية غير العمرى، قال بالسنة.
قلت: وإذا جاءت السنة اتبعتها؟ قال فذلك يلزمنى.
قلت: فقد وصفت، لك في الوقف السنة والخبر العام عن الصحابة ولم تتبعه، وقلت له أرأيت النحل والهبة والعطايا غير الوقف ألصاحبها أن يرجع فيها ما لم يقبضها من جعلها له؟ قال نعم: قلت: فمن تقويت به فمن قال قولك من أصحابنا يقول لا يرجع فيها وإن مات قبل يقبضها من أعطيها رجعت ميراثا يكون في ذلك الوقف فيسوى بين قوليه، قال فهذا قول لا يستقيم ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين إما أن يكون كما قلت إذا تكلم بالوقف أو العطية تمت لمن جعلها له وجبر على إعطائها إياه، وإما أن يكون لا يتم إلا بالقبض مع العطايا فيكون له أن يرجع ما لم تتم بقبض من أعطيها ولا يجوز أبدا أن يكون له حبسها إذا تكلم بإعطائها ولا يكون لوارثه ملكها عنه إذا لم ترجع في حياته إلى ملكه لم ترجع في وفاته إلى ملكه فتكون موروثة عنه.
وهذا قول محال وكل ما وهبت لك فلى الرجوع فيه ما لم تقبضه أو يقبض لك وهذا مثل أن أقول قد بعتك عبدى بألف فإن قلت قد رجعت قبل تختار اخذه كان لى الرجوع وكل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد.
فقلت هذا كما قلت إن شاء الله ولكن رأيتك ذهبت إلى رد الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت فهل لك فيها حجة غير ما ذكرت مما لزمك به عندنا إثبات الصدقات؟ قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله قلت ففيما وصفت أن صدقات المهاجرين والانصار بالمدينة معروفة قائمة وقد ورث المهاجرين والانصار النساء الغرائب والاولاد ذوو الدين والاهلاك لاموالهم والحاجة إلى بيعه فمنعهم الحكام في كل دهر إلى اليوم فكيف أنكرت إجازتها مع عموم العلم؟ وأنت تقول لو أخرج رجل بيتا من داره فبناه مسجدا وأذن فيه لمن صلى ولم يتكلم بوقفه كان وقفا للمصلين ولم يكن له أن يعود في ملكه إذا أذن للمصلين فيه وفى قولك هذا أنه لم يخرجه من ملكه ولو كان إذنه في الصلاة إخراجه من ملكه كان إخراجه إلى غير
مالك بعينه فكان مثل الحبس الذى يلزمك إطلاقها لحديث شريح فعمدت إلى ما جاءت به السنة من الوقف في الاموال والدور وما أخرجه مالكه من ملك نفسه فأبطلته بعلة وأجزت المسجد بلا خبر من أحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاوزت القصد فيه فأخرجته من ملك صاحبه ولم يخرجه صاحبه من ملكه إنما يخرجه بالكلام وأنت تعيب على المدنيين أن يقضوا بحيازة عشرة وعشرين سنة إذا حاز الرجل الدار والمحوز عليه حاضر يراه يبنيها ويهدمها وهو يبيع المنازل لا يكلمه فيها.
وقلت الصمت والحوز لا يبطل الحق إنما يبطله القول وتجعل إذن صاحب المسجد وهو لم ينطق بوقفه وقفا فتزكن عليه وتعيب ما هو أقوى في الحجة من قول المدنيين في الحيازة من قولك في المسجد وتقول هذا وهو إزكان وقلت له أرأيت لو أذن في داره للحاج أن ينزلوها سنة أو سنتين: أتكون صدقة عليهم.
قال لا وله منعهم متى شاء من النزول فيها، قلت: فكيف لم تقل هذا في المسجد يخرجه من الدار ولا يتكلم بوقفه.
فقال إن صاحبينا قد عابا قول صاحبهم وصارا إلى قولكم في إجازة الصدقات، فقلت له ما زاد قولنا قوة بنزوعهما إليه ولا ضعفا بفراقهما حين فارقاه ولهما بالرجوع إليه أسعد، وما علمتهما أفادا حين رجعا إليه علما كانا يجهلانه، قال ولكن قد يصح عندهما الشئ بعد أن لم يصح، فقلت الله أعلم كيف كان رجوعهما ومقامهما والرجوع بكل حال خير لهما إن شاء الله وقلت له أيجوز لعالم أن يأتيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر منصوص فيقول به وإن عارضه ](4/57)
[ معارض بخبر غير منصوص فيقول به ثم يأتي مثله فلا يقبله ويصرف أصلا إلى أصل؟ قال لا، قلت فقد فعلت وصرف الصدقات إلى النحل وهما مفترقان عندك، وقلت له أيجوز أن يأتيك الحديث عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات بأمر يدل على أنهم تصدقوا بها وولوها وهم لا يفعلون إلا الجائز عندهم ثم يقولون في النحل عندهم إنما تكون بأن تكون مقبوضات فتقول أجعلوا الصدقات مثله، قال لا: قلت فقد فعلت: قال فلو كان هذا مأثورا عندهم عرفه الحجازيون، فقلت قد ذكرت لك بعض ما حضرني من الاخبار على الدلالة عليه وأنه قول المكيين ولا أعلم من متقدمي المدنيين أحدا قال بخلافه (قال الشافعي) ووصفت لك أهل أن أهل هذه الصدقات من آل
على وغيرهم قد ذكروا ما وصفت من أن عليا رضى الله عنه ومن تصدق لم يزل يلى صدقته وصدقاتهم فيه جارية ثم ثبتت قائمة مشهورة القسم والموضع إلى اليوم وهذا أقوى من خبر الخاصة، فقال فما تقول في الرجل يتصدق على ابنه أو ذى رحمه أو أجنبي بصدقة غير محرمة ولا في سبيل المحرمة بالتسبيل أيكون له ما لم يقبضها المتصدق عليه أن يرجع فيها؟ قلت نعم: قال وسبيلها سبيل الهبات والنحل؟ قلت نعم، قال فأين هذا لى؟ قلت معنى تصدقت عليك متطوعا معنى وهبت لك ونحلتك لانه إنما هو شئ من مالى لم يلزمنى أن أعطيكه ولا غيرك أعطيتك متطوعا وهو يقع عليه اسم صدقة ونحل وهبة وصلة وإمتاع ومعروف وغير ذلك من أسماء العطايا وليس يحرم على لو أعطيتكه فرددته على أن أملكه ولو مت أن أرثه كما يحرم على لو تصدقت عليك بصدقة محرمة أن املكها عنك بميراث أو غيره وقد لزمها اسم صدقة بوجه أبدا؟ قلت له نعم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عبد الله بن زيد الانصاري ذكر الحديث (قال الشافعي) وأخبرنا الثقة أو سمعت مروان بن معاوية عن عبد الله بن عطاء المدينى عن ابن بريدة الاسلمي عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنى تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد وجبت صدقتك وهو لك بميراثك " قال فلم جعلت ما تصدق به غير واجب عليه على أحد بعينه في معنى الهبات تحل لمن لا تحل له الصدقة الواجبة فهل من دليل على ما وصفت؟ قلت نعم أخبرني محمد بن على بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال زيد بن على أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بنى هاشم وبنى المطلب وأن عليا رضى الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم (قال الشافعي) وأخرج إلى والى المدينة صدقة على بن أبى طالب رضى الله عنه وأخبرني أنه أخذها من آل أبى رافع وأنها كانت عندهم فأمر بها فقرئت على فإذا فيها تصدق بها على رضى الله عنه على بنى هاشم وبنى المطلب وسمى معهم غيرهم، قال وبنو هاشم وبنو المطلب تحرم عليهم الصدقة المفروضة ولم يسم على ولا فاطمة منهم غنيا ولا فقيرا وفيهم غنى (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات كان يضعها الناس بين مكة والمدينة فقلت أو قيل له؟ فقال إنما حرمت علينا
الصدقة المفروضة (قال الشافعي) فقال أفتجيز أن يتصدق الرجل على الهاشمي والمطلبى والغنى منهم ومن غيرهم متطوعا؟ فقلت نعم استدلالا بما وصفت وأن الصدقة تطوعا إنما هي عطاء ولا بأس أن يعطى الغنى تطوعا قال فهل تجد أنه يجوز أن يعطى الغنى؟ فقلت ما للمسألة من هذا موضع وما بأس أن يعطى الغنى قال فاذكر فيه حجة قلت أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن السائب ابن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال استعملني قال فهل تحرم الصدقة ](4/58)
[ تطوعا على أحد؟ فقلت لا إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذها ويأخذ الهدية وقد يجوز تركه إياها على ما رفعه الله به وأبانه من خلقه تحريما ويجوز لغير ذلك لان معنى الصدقات من العطايا هبة لا يراد ثوابها ومعنى الهدية يراد ثوابها قال: أفتجد دليلا على قبوله الهدية؟ فقلت: نعم، أخبرنيه مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال " ألم أر برمة لحم " فقالوا ذلك شئ تصدق به على بريرة فقال " هو لها صدقة وهو لنا هدية " فقال ما الذى يجوز أن يكون صدقة محرمة؟ قلت كل ما كان الشهود يسمونه بحدود من الارضين والدور معمورها وغير معمورها والرقيق فقال أما الارضون والدور فهى صدقات من مضى فكيف أجزت الرقيق وأصحابنا لا يجيزون الصدقة بالرقيق إلا أن يكونوا في الارض المتصدق؟ بها فقلت له تصدق السلف بالدور والنخل ولعل في النخل زرعا أفرأيت إن قال قائل لا أجيز الصدقة بحمام ولا مقبرة لانهما مخالفان للدور واراضى النخل والزرع هل الحجة عليه إلا أن يقال إذا كان السلف تصدقوا بدور وأراضي نخل وزرع فكان ذلك إنما يعرف بالحدود وقد تتغير وكذلك الحمام والمقبرة يعرفان بحد وإن تغيرا قال هذه حجة عليه قال فإذا كانوا يعرفون العبيد بأعيانهم أتجدهم في معرفة الشهود بهم في معنى الارضين والنخل أو أكثر بأنهم إذا عرفوا بأعيانهم كانوا كأرض تعرف حدودها؟ قال إنهم لقريب مما وصفت قلت فكيف أبطلت الصدقة المحرمة فيهم؟ قال قد يهلكون ويأبقون وتنقطع منفعتهم قلت فكل هذا يدخل الارض والشجر قد تخرب الارض بذهاب الماء ويأتى عليها السيل فيذهب بها وتنهدم الدار ويذهب بها السيل فما كانت قائمة فهى موقوفة ولا جناية لنا فيما أتى
عليها من قضاء الله عزوجل قلت وكذلك العبد لا جناية لنا في ذهابه ولا نقصه (قال الشافعي) وكل ما عرف بعينه وقطع عليه الشهود مثل الابل والبقر والغنم أنه صدقة محرمة جازت الصدقة في الماشية قال وتتم الصدقات المحرمات أن يتصدق بها مالكها على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجمع في ذلك أن يقول المتصدق بها تصدقت بدارى هذه على قوم أو رجل معروف بعينه يوم تصدق بها أو صفته أو نسبه حتى يكون إنما أخرجها من ملكه لمالك ملكه منفعتها يوم أخرجها ويكون مع ذلك أن يقول صدقة لا تباع ولا توهب أو يقول لا تورث أو يقول غير موروثة أو يقول صدقة محرمة أو يقول صدقة مؤبدة فإذا كان واحد من هذا فقد حرمت الصدقة فلا تعود ميراثا أبدا وإن قال صدقة محرمة على من لم يكن بعد بعينه ولا نسبه ثم على بنى فلان أو قال صدقة محرمة على من كان بعدى بعينه فالصدقة منفسخة ولا يجوز أن يخرجها من ملكه إلا إلى مالك منفعة له فيها يوم يخرجها إليه وإذا انفسخت عادت في ملك صاحبها كما كانت قبل يتصدق بها ولو تصدق بداره صدقة محرمة على رجل بعينه أو قوم بأعيانهم ولم يسلبها على من بعدهم كانت محرمة أبدا فإذا انقرض الرجل المتصدق بها عليه أو القوم المتصدق بها عليهم كانت هذه صدقة محرمة بحالها أبدا ورددناها على أقرب الناس بالرجل الذى تصدق بها يوم ترجع الصدقة إنما تصير غير راجعة موروثة بواحد مما وصفنا أو ما كان في معناه وإنما فسخناها إذا تصدق بها فكانت حين عقدت صدقة لا مالك لمنفعتها لانه لا يجوز أن تخرج من مالك إلى غير مالك منفعة لانها لا تملك منفعة نفسها كما يملك العبد منفعة نفسه بالعتق ولا يزول عنها الملك إلا إلى مالك منفعة فيها فأما إذا لم يقل في صدقته محرمة أو بعض ما قلنا مما هو في معنى تحريمها من شرط المتصدق فالصدقة كالهبات تملك بما تملك به الاموال غير المحرمات وكالعمرى أو غيرها من العطايا، وسواء في الصدقات المحرمات يوم يتصدق بها إلى مالك يملك منفعتها سبلت بعده أو لم تسبل ](4/59)
[ أو دفعت إليه أو إلى غير المتصدق أو لم تدفع كل ذلك يحرم بيعها بكل حال وسواء في الصدقات كل ما جازت فيه الصدقات المحرمات من أرض ودار وغيرهما وعلى ما شرط المتصدق لمن تصدق بها عليه من منفعتها فإن شرط ان لبعضهم على بعض الاثرة بالتقدمة أو الزيادة من المنفعة فذلك على ما اشترط فإن
شرطها عليهم بأسمائهم وأنسابهم فسواء كانوا أغنياء أو فقراء فإن قال الاحوج منهم فالاحوج كانت على ما شرط لا يعدى بها شرطه وإن شرطها على جماعة رجال ونساء تخرج النساء منها إذا تزوجن ويرجعن إليها بالفراق وموت الازواج كانت على ما شرط وكذلك إن شرط بأن يخرج الرجال منها بالغين ويدخلوا صغارا أو يخرجوا اغنياء ويدخلوا فقراء أو يخرجوا غيبا عن البلد الذى به الصدقة ويدخلوا حضورا كيفما شرط أن يكون ذلك كان إذا بقى لمنفعتها مالك سوى من أخرجه منها.
الخلاف في الحبس وهى الصدقات الموقوفات (1) (قال الشافعي) رحمه الله: وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات فقال لا تجوز بحال قال وقال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس قال وقال شريح لا حبس عن فرائض الله تعالى (قال الشافعي) والحبس التى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من البحيرة والوصيلة والحام والسائبة إن كانت من البهائم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل ما علمنا جاهليا حبس دارا على ولد ولا في سبيل الله ولا على مساكين وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم وكان بينا في كتاب الله عزوجل إطلاقها فإن قال قائل فهو يحتمل ما وصفت ويحتمل إطلاق كل حبس فهل من خبر يدل على أن هذا الحبس في الدور والاموال خارجة من الحبس المطلقة؟ قيل نعم أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله " إنى أصبت مالا لم أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عزوجل " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حبس أصله وسبل ثمرته " (قال الشافعي) وحجة الذى أبطل الصدقات الموقوفات أن شريحا قال لا حبس عن فرائض الله تعالى لا حجة فيها عندنا ولا عنده لانه يقول قول شريح على الانفراد لا يكون حجة ولو كان حجة لم يكن في هذا حبس عن فرائض الله عزوجل فإن قال وكيف؟ قيل إنما أجزنا الصدقات الموقوفات إذا كان المتصدق بها صحيحا فارغة من المال فإن كان مريضا لم نجزها إلا من الثلث إذا مات من مرضه ذلك وليس في واحدة من الحالين حبس عن فرائض الله تعالى فإن قال قائل وإذا حبسها صحيحا ثم مات لم تورث عنه قيل فهو أخرجها وهو مالك لجميع ماله يصنع فيه ما يشاء ويجوز له أن
يخرجها لاكثر من هذا عندنا وعندك أرأيت لو وهبها لاجنبي أو باعه إياها فحاباه أيجوز؟ فإن قال نعم قال فإذا فعل ثم مات أتورث عنه؟ فإن قال لا قيل فهذا قرار من فرائض الله تعالى فإن قال لا لانه أعطى وهو يملك وقبل وقوع فرائض الله تعالى قيل وهكذا الصدقة تصدق بها صحيحا قبل وقوع ]
__________
(1) قال السراج البلقينى في نسخته ما نصه " وترجم) يعنى الربيع بعد ترجمة السائبة عقيب الخلاف في النذور في غير طاعة الله.
الخلاف في الحبس الخ " اه كتبه مصححه(4/60)
[ فرائض الله تعالى وقولك لا حبس عن فرائض الله تعالى محال لانه فعله قبل ان تكون فرائض الله في الميراث لان الفرائض إنما تكون بعد موت المالك وفى المرض (قال الشافعي) وحجة الذي صار إليه من أبطل الصدقات أن قال إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحام لان سيدها أخرجها من ملكه إلى غير مالك قيل له قد أخرجها إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله لله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والبحيرة والوصيلة والحام لم تخرج رقبته ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر؟ (قال الشافعي) والذى يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ولم يعد في ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه فإذا قيل له فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه يملك؟ قال لا ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى فلو لم يكن عليه حجة بخلاف السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والارضين وفى الارضين سنة كان محجوجا فإن قال قائل أجيز الارضين والدور لان في الارضين سنة والدور مثلها لانها أرضون تغل وأرد المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والارضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى أن قال: لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا وهو لم يتكلم بوقفه ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه (قال الشافعي) فعاب هذا القول عليه صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا هذا جهل صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر من أن ينبغى أن يجهلها عالم وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والارضين على ما أجزناها عليه ثم اعتدل قول أبى يوسف فيها فقال بأحسن قول فقال تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها
قبضت أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها (قال الشافعي) وما قال فيها أبو يوسف كما قال (قال الشافعي) أخبرني غير واحد من آل عمر وآل على أن عمر ولى صدقته حتى مات وجعلها بعده إلى حفصة وولى على صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن ابن على رضى الله عنهما وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الانصار أنه ولى صدقته حتى مات (قال الشافعي) وفى أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ولم يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الاسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يحوزها دونه دلالة على أن الصدقة تتم بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها دون وال يليها كما كان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا كفارة عليه ولم يأمره في ذلك بكفارة (قال الشافعي) وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات فقال لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم الا بقبض.
](4/61)
[ وثيقة في الحبس (1) (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي إملاء قال: هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا إنى تصدقت بدارى التى بالفسطاط من مصر في موضع كذا أحد حدود جماعة هذه الدار ينتهى إلى كذا والثاني والثالث والرابع تصدقت بجميع أرض هذه الدار وعمارتها من الخشب والبناء والابواب وغير ذلك من عمارتها وطرقها ومسايل مائها وأرفاقها ومرتفقها وكل قليل وكثير هو فيها ومنها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها
وحبستها صدقة بتة مسبلة لوجه الله وطلب ثوابه لا مثنوية فيها ولا رجعة حبسا محرمة لا تباع ولا تورث ولا توهب حتى يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين وأخرجتها من ملكى ودفعتها إلى فلان بن فلان يليها بنفسه وغيره ممن تصدقت بها عليه على ما شرطت وسميت في كتابي هذا وشرطي فيه أنى تصدقت بها على ولدى لصلبي ذكرهم وأنثاهم من كان منهم حيا اليوم أو حدث بعد اليوم وجعلتهم فيها سواء ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم شرعا في سكناها وغلتها لا يقدم واحد منهم على صاحبه ما لم تتزوج بناتى فإذا تزوجت واحدة منهن وباتت إلى زوجها انقطع حقها ما دامت عند زوج وصار بين الباقين من أهل صدقتي كما بقي من صدقتي يكونون فيهم شرعا ما كانت عند زوج فإذا رجعت بموت زوج أو طلاق كانت على حقها من دارى كما كانت عليه قبل ان تتزوج وكلما تزوجت واحدة من بناتى فهى على مثل هذا الشرط تخرج من صدقتي ناكحة ويعود حقها فيها مطلقة أو ميتا عنها لا تخرج واحدة منهن من صدقتي إلا بزوج وكل من مات من ولدى لصلبي ذكرهم وأنثاهم رجع حقه على الباقين معه من ولدى لصلبي فإذا انقرض ولدى لصلبي فلم يبق منهم واحد كانت هذه الصدقة حبسا على ولد ولدى الذكور لصلبي وليس لولد البنات من غير ولدى شئ ثم كان ولد ولدى الذكور من الاناث والذكور في صدقتي هذه على مثل ما كان عليه ولدى لصلبي الذكر والانثى فيها سواء وتخرج المرأة منهم من صدقتي بالزوج وترد إليها بموت الزوج أو طلاقه وكل من حدث من ولدى الذكور من الاناث والذكور فهو داخل في صدقتي مع ولد ولدى وكل من مات منهم رجع حقه على الباقين معه حتى لا يبقى من ولد ولدى أحد فإذا لم يبق من ولد ولدى لصلبي أحد كانت هذه الصدقة بمثل هذا الشرط على ولد ولد ولدى للذكور الذين إلى عمود نسبهم تخرج منها المرأة بالزوج وترد إليها بموته أو فراقه ويدخل عليهم من حدث أبدا من ولد ولد ولدى ولا يدخل قرن ممن إلى عمود نسبه من ولد ولدى ما تناسلوا على القرن الذين هم أبعد إلى منهم ما بقى من ذلك القرن أحد ولا يدخل عليهم أحد من ولد بناتى الذين إلى عمود انتسابهم إلا أن يكون من ولد بناتى من هو من ولد ولدى الذكور الذين إلى عمود نسبه فيدخل مع القرن الذين عليهم صدقتي لولادتي إياه من قبل أبيه لا من قبل أمه ثم هكذا صدقتي أبدا على من بقي من ولد أولادي الذين إلى عمودي نسبهم وإن سفلوا أو تناسخوا حتى يكون
بينى وبينهم مائة أب وأكثر ما بقى أحد إلى عمود نسبه فإذا انقرضوا كلهم فلم يبق منهم أحد إلى عمود نسبه فهذه الدار حبس صدقة لا تباع ولا توهب لوجه الله تعالى على ذوى رحمى المحتاجين من قبل ]
__________
(1) قال السراج البلقينى في " نسخته هذه الوثيقة مذكورة عقب أبواب العتق ترجم عليها في وضع الصدقات " اه.(4/62)
[ أبى وأمى يكونون فيها شرعا سواء ذكرهم وأنثاهم والاقرب إلى منهم والابعد منى فإذا انقرضوا ولم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس على موالى الذين أنعمت عليهم وأنعم عليهم آبائي بالعتاقة لهم وأولادهم وأولاد اولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم ومن بعد إلى وإلى آبائي نسبه بالولاء ونسبه إلى من صار مولاى بولاية سواء فإذا انقرضوا فلم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس صدقة لوجه الله تعالى على من يمر بها من غزاة المسلمين وأبناء السبيل وعلى الفقراء والمساكين من جيران هذه الدار وغيرهم من أهل الفسطاط وأبناء السبيل والمارة من كانوا حتى يرث الله الارض ومن عليها ويلى هذه الدار ابني فلان بن فلان الذى وليته في حياتي وبعد موتى ما كان قويا على ولايتها أمينا عليها بما أوجب الله تعالى عليه من توفير غلة إن كانت لها والعدل في قسمها وفى إسكان من أراد السكن من أهل صدقتي بقدر حقه فإن تغيرت حال فلان بن فلان ابني يضعف عن ولايتها أو قلة أمانة فيها أوليها من ولدى أفضلهم دينا وأمانة على الشروط التى شرطت على ابني فلان ويليها ما قوى وأدى الامانة فإذا ضعف أو تغيرت أمانته فلا ولاية له فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والامانة من ولدى ثم كل قرن صارت هذه الصدقة إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة وأمانة ومن تغيرت حاله ممن وليها بضعف أو قلة أمانة نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه صدقتي قوة وأمانة وهكذا كل قرن صارت صدقتي هذه إليه يليها منه أفضلهم دينا وأمانة على مثل ما شرطت على ولدى ما بقى منهم أحد ثم من صارت إليه هذه الدار من قرابتي أو موالى وليها ممن صارت إليه أفضلهم دينا وأمانة ما كان في القرن الذى تصير إليهم هذه الصدقة ذو قوة وأمانة وإن حدث قرن ليس فيهم ذو قوة ولا أمانة ولى قاضى المسلمين صدقتي هذه من يحمل ولايتها بالقوة والامانة من أقرب الناس إلى رحما ما كان ذلك فيهم فإن لم يكن ذلك فيهم
فمن موالى وموالى آبائي الذين أنعمنا عليهم فإن لم يكن ذلك فيهم فرجل يختاره الحاكم من المسلمين فإن حدث من ولدى أو من ولد ولدى أو من موالى رجل له قوة وأمانة نزعها الحاكم من يدى من ولاه من قبله وردها إلى من كان قويا وأمينا ممن سميت وعلى كل وال يليها أن يعمر ما وهى من هذه الدار ويصلح ما خاف فساده منها ويفتح فيها من الابواب ويصلح منها ما فيه الصلاح لها والمسترد في غلتها وسكنها مما يجتمع من غلة هذه الدار ثم يفرق ما يبقى على من له هذه الغلة سواء بينهم ما شرطت لهم وليس للوالى من ولاة المسلمين أن يخرجها من يدى من وليته إياها ما كان قويا أمينا عليها ولا من يدى أحد من القرن الذي تصير إليهم ما كان فيهم من يستوجب ولايتها بالقوة والامانة ولا يولى غيرهم وهو يجد فيهم من يستوجب الولاية، شهد على إقرار فلان بن فلان، فلان بن فلان ومن شهد.
كتاب الهبة وترجم في اختلاف مالك والشافعي " باب القضاء في الهبات " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبى الغطفان بن طريف المرى عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال " ومن وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد به الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها " وقال مالك إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب للثواب بزيادة أو نقصان فإن على ](4/63)
[ الموهوب له ان يعطى الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها أن الواهب على هبته إن لم يرض منها ان للواهب الخيار حتى يرضى من هبته ولو أعطى أضعافها في مذهبه والله أعلم كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشئ وله فيه الخيار عبد أو أمة فيزيد عند المشترى فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الامة المبيعة فكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر بن الخطاب.
وفي اختلاف العراقيين " باب الصدقة والهبة "
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة أو تصدقت أو تركت له من مهرها ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقبل بينتها وأمضى عليها ما فعلت من ذلك وكان ابن أبى ليلى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت (قال الشافعي) وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشئ أو وضعت له من مهرها أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوبة له وهى دار فبناها بناء وأعظم النفقة أو كانت جارية صغيرة فأصلحها أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن أبا حنيفة كان يقول: لا يرجع الواهب في شئ من ذلك ولا من كل هبة زادت عند صاحبها خيرا ألا ترى أنه فد حدث فيها في ملك الموهوبة له شئ لم يكن في ملك الواهب، أرأيت إن ولدت الجارية ولدا أكان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط؟ وبهذا يأخذ وكان ابن إبى ليلى يقول له أن يرجع في ذلك كله وفى الولد (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل للرجل جارية أو دارا فزادت الجارية في يديه أو بنى الدار فليس للواهب الذى ذكر انه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها ثم طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن البانى إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا يهدمه ويقال له: إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبنى فيها صاحبها ولا ترجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها لانه مبنيا أكثر قيمة منه غير مبنى ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له لانه حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك، وإذا وهب الرجل جاريته لابنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة كان يقول لا يجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وإن كان قد أدرك فهذه الهبة له جائزة وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله أو لم يكن كذلك روى عن أبى بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضى الله عنهم في البالغين وعن عثمان أنه
رأى أن الاب يحوز لولده ما كانوا صغارا فهذا يدل على أنه لا يحوز لهم إلا في حال الصغر (قال الشافعي) وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهى كلها من العطايا التى لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى وإذا وهب الرجل دارا لرجلين أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن ](4/64)
[ أبا حنيفة كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما حصته وكان ابن إبى ليلى يقول الهبة جائزة وبهذا يأخذ وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم أو طعاما أو ثيابا أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم أو لا تنقسم أو عبد الرجل وقبض جازت الهبة وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبهذا يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبى بكر رضى الله عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين جداد عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة " إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة " لانها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبى حنيفة ولا تفسد الهبة لانها كانت لاثنين وبه يأخذ (قال الشافعي) وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة والقبض أن تكون كانت في يدى الموهوبة له ولا وكيل معه فيها أو يسلمها ربها ويخلى بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا، والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبضه الواهب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء (1) ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد
العوض في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل لرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها للثواب كان فيها شفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر وإذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطل لا تجوز وبه يأخذ ولا يكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصية، وكان ابن أبى ليلى يقول هي جائزة من الثلث (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب لم يكن للموهوبة له شئ وكانت الهبة للورثة.
الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة.
الاعمش عن إبراهيم قال الصدقة إذا علمت جازت الهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة، وهو قول أبى يوسف (قال الشافعي) وليس للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبض منها عوضا، قل أو كثر.
]
__________
(1) قوله: ويأخذ الشفيع الخ لعل قبل ذلك سقطا والاصل " وكان ابن ابى ليلى يقول هو بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع الخ " فتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.(4/65)
[ باب في العمرى من كتاب اختلاف مالك والشافعي رضى الله عنهما (قال الربيع) سألت الشافعي عمى أعمر عمرى له ولعقبه فقال هي للذى يعطاها لا ترجع إلى الذى اعطاها فقلت ما الحجة في ذلك؟ قال السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(أخبرنا) مالك عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذى يعطاها لا ترجع إلى
الذى أعطاها " لانه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الامصار بغير المدينة وأكابر أهل المدينة وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال تخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت إن حجتنا فيه أن مالكا قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي) ما أجابه القاسم في العمرى بشئ وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول العمرى من المال والشرط فيها جائز فقد يشترط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم.
فإن قال قائل وما هي؟ قيل الرجل يشترى العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل.
فإن قال السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذتم بالسنة مرة وتركتموها مع ان قول القاسم يرحمه الله، لو كان قصد به قصد العمرى فقال إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإن قال قائل ولم؟ قيل نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبى سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح مما روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال به مما قاله ناس بعده قد يمكن فيهم أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلغهم عنه شئ وأنهم أناس لا نعرفهم.
فإن قال قائل لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أهل العلم لا يجهلون للنبى صلى الله عليه وسلم سنة ولا يجتمعون أبدا من جهة الرأى ولا يجتمعون إلا من جهة السنة، فقيل له قد أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لاهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاث.
وإذا قيل لكم لم لا تقولون قول القاسم والناس إنها تطليقة؟ قلتم لا ندرى من الناس الذين يروى هذا عنهم القاسم فلئن لم يكن
قول القاسم رأى الناس حجة عليكم في رأى أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة أبعد ولئن كان حجة لقد أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم.
وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرنا) ابن عيينة عن عمرو بن دينار وحميد الاعرج عن حبيب ابن أبى ثابت قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال إنى وهبت لابنى هذا ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال إنى تصدقت عليه بها قال ذلك أبعد لك منها (أخبرنا) سفيان عن ابن أبى نجيح عن حبيب بن أبى ثابت مثله إلا أنه قال ](4/66)
[ أضنت (1) يعنى كبرت واضطربت (أخبرنا) الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدرى عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث " (أخبرنا) سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال حضرت شريحا قضى لاعمى بالعمرى فقال له الاعمى يا أبا امية بم قضيت لى؟ فقال شريح لست أنا قضيت لك ولكن محمد صلى الله عليه وسلم قضى لك منذ أربعين سنة قال " من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات " (قال الشافعي) فتتركون ما وصفتم من العمرى مع ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنه قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهكذا عندكم عمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم يعنى في رجل قال لامة قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس.
وفى بعض النسخ مما ينسب للام (في العمرى) (قال الشافعي) وهو يروى عن ربيعة إذ ترك حديث العمرى أنه يحتج بأن الزمان قد طال وأن الرواية يمكن فيها الغلط فإذا روى الزهري عن أبى سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " من
أعمر عمرى له ولعقبه فهى للذى يعطاها لا ترجع إلى الذى أعطى لانه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (قال الشافعي) وقد أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعمر شيئا فهو له " (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدرى عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " العمرى للوارث " (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن أبى نجيح عن حبيب بن أبى ثابت قال كنا عند عبد الله بن عمر فجاءه أعرابي فقال له إنى أعطيت بعض بنى ناقة حياته قال عمر وفى الحديث وإنها تناتجت.
وقال ابن أبى نجيح في حديثه وإنها اضنت واضطربت فقال هي له حياته وموته.
قال فانى تصدقت بها عليه قال " فذلك أبعد لك منها " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى بالعمرى لاعمى فقال بم قضيت لى يا أبا أمية؟ فقال ما أنا قضيت لك ولكن قضى لك محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة قضى من أعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته.
قال سفيان وعبد الوهاب فهو لورثته إذا مات (قال الشافعي) فترك هذا وهو يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله من وجوه ثابتة وزيد بن ثابت ويفتى به جابر بالمدينة ويفتى به ابن عمر ويفتى به عوام أهل البلدان لا أعلمهم يختلفون فيه بأن قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال ]
__________
(1) قوله: أضنت الخ قال في النهاية: هكذا روى، والصواب " ضنت " أي كثر أولادها اه فتأمل كتبه مصححه.(4/67)
[ القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي) والقاسم يرحمه الله لم يجبه في العمرى بشئ إنما أخبره أنه إنما أدرك الناس على شروطهم ولم يقل له إن العمرى من تلك الشروط التى أدرك الناس عليها ويجوز أن لا يكون القاسم سمع الحديث ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله.
قال فإذا قيل لبعض من يذهب مذهبه، لو كان القاسم قال هذا في العمرى أيضا فعارضك معارض بأن يقول أخاف أن يغلط على القاسم من روى هذا عنه إذا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
كما وصفنا يروى من وجوه يسندونه.
قال لا يجوز أن يتهم أهل الحفظ بالغلط فقيل ولا يجوز أن يتهم من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال لا يجوز قلنا ما يثبت عن النبي أولى أن يكون لازما لاهل دين الله أو ما قال القاسم أدركت الناس ولسنا نعرف الناس الذين حكى هذا عنهم، فإن قال لا يجوز على مثل القاسم في علمه أن يقول أدركت الناس إلا والناس الذين أدرك أئمة يلزمه قولهم قيل له فقد روى يحيى بن سعيد عن القاسم أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لاهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وهو يفتى برأى نفسه أنها ثلاث تطليقات فإن قال في هذه لا أعرف الناس الذين روى القاسم هذا عنهم جاز لغيره أن يقول لا أعرف الناس الذين روى هذا عنهم في الشروط وإن كان يقول إن القاسم لا يقول الناس إلا الائمة الذين يلزمه قولهم فقد ترك قول القاسم برأي نفسه وعاب على غيره اتباع السنة.
كتاب اللقطة الصغيرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في اللقطة مثل حديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء وقال في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهى لك فكلها فإذا جاء صاحبها فاغرمها له.
وقال في المال يعرفه سنة ثم يأكله إن شاء فإن جاء صاحبه غرمه له، وقال يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان أو معسرا إن شاء إلا أنى لا أرى له أن يخلطها بماله ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفافها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له وإن مات كانت دينا عليه في ماله ولا يكون عليه في الشاة يجدها بالمهلكة تعريف إن أحب أن يأكلها فهى له ومتى لقى صاحبها غرمها له، وليس ذلك له في ضالة الابل ولا البقر لانهما يدفعان عن أنفسهما، وإنما كان ذلك له.
في ضالة الغنم والمال لانهما لا يدفعان عن أنفسهما ولا يعيشان والشاة يأخذهة من أرادها وتتلف لا تمتنع من السبع إلا أن يكون معها من يمنعها والبعير والبقرة يردان المياه وإن تباعدت ويعيشان أكثر عمرها بلا راع فليس له أن يعرض لواحد منهما والبقر قياسا على الابل (قال الشافعي) وإن وجد رحل شاة ضالة في الصحراء فأكلها ثم جاء صاحبها قال يغرمها خلاف مالك (قال الشافعي) ابن عمر لعله أن لا يكون سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة ولو لم يسمعه انبغى أن يقول لا يأكلها كما قال ابن عمر انبغى أن
يفتيه أن يأخذها وينبغى للحاكم أن ينظر فإن كان الآخذ لها ثقة أمره بتعريفها وأشهد شهودا على عددها وعفاصها ووكائها أمره أن يوقفها في يديه إلى أن يأتي ربها فيأخذها وإن لم يكن ثقة في ماله وأمانته أخرجها من يديه إلى من يعف عن الاموال ليأتي ربها وأمره بتعريفها لا يجوز لاحد ترك لقطة وجدها إذا كان من أهل الامانة ولو وجدها فأخذها ثم أراد تركها لم يكن ذلك له وهذا في كل ما ](4/68)
[ سوى الماشية فأما الماشية فإنها تخرق بأنفسها فهى مخالفة لها، وإذا وجد رجل بعيرا فأراد رده على صاحبه فلا بأس بأخذه وإن كان إنما يأخذه ليأكله فلا وهو ظالم وإن كان للسلطان حمى ولم يكن على صاحب الضوال مؤنة تلزمه في رقاب الضوال صنع كما صنع عمر بن الخطاب رضى الله عنه تركها في الحمى حتى يأتي صاحبها وما تناتجت فهو لمالكها ويشهد على نتاجها كما يشهد على الام حين يجدها ويوسم نتاجها ويوسم أمهاتها وإن لم يكن للسلطان حمى وكان يستأجر عليها فكانت الاجرة تعلق في رقابها غرما رأيت أن يصنع كما صنع عثمان بن عفان إلا في كل ما عرف أن صاحبه قريب بأن يعرف بعير رجل بعينه فيحبسه أو يعرف وسم قوم بأعيانهم حبسها لهم اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك.
اللقطة الكبيرة (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا التقط الرجل اللقطة مما لا روح له ما يحمل ويحول فإذا التقط الرجل لقطة، قلت أو كثرت، عرفها سنة ويعرفها على أبواب المساجد والاسواق ومواضع العامة ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التى أصابها فيها ويعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه فإن جاء صاحبها وإلا فهى له بعد سنة على أن صاحبها متى جاء غرمها وإن لم يأت فهى مال من ماله وإن جاء بعد السنة وقد استهلكها والملتقط حى أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء فإن جاء وسلعته قائمة بعينها فهى له دون الغرماء والورثة وأفتى الملتقط إذا عرف رجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق فإن ادعاها واحد أو اثنان أو ثلاثة فسواء
لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه لانه قد يصيب الصفة بأن الملتقط وصفها ويصيب الصفة بأن الملتقطة عنه قد وصفها فليس لاصابته الصفة معنى يستحق به أحد شيئا في الحكم، وإنما قوله أعرف عفاصها ووكاءها والله أعلم أن تؤدى عفاصها ووكاءها مما تؤدى منها ولنعلم إذا وضعتها في مالك أنها اللقطة دون مالك ويحتمل أن يكون ليستدل على صدق المعترف وهذا الاظهر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى " فهذا مدع أرأيت لو ان عشرة أو أكثر وصفوها كلهم فأصابوا صفتها ألنا أن نعطيهم إياها يكونون شركاء فيها ولو كانوا ألفا أو ألفين ونحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحدا بغير عينه ولعل الواحد يكون كاذبا ليس يستحق أحد بالصفة شيئا ولا تحتاج إذا التقطت أن تأتي بها إماما ولا قاضيا (قال الشافعي) فإذا أراد الملتقط أن يبرأ من ضمان اللقطة ويدفها إلى من اعترفها فليفعل ذلك بأمر حاكم لانه إن دفعها بغير أمر حاكم ثم جاء رجل فأقام عليه البينة ضمن.
قال وإذا كان في يدى رجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها فإذا دفعه ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له أن لا يدفعه إلا بأمر الحاكم لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن لانه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم آخر بينة عادلة فيكون أولى وقد تموت البينة ويدعى هو أنه دفعه ببينة فلا يقبل قوله غير أن الذى قبض منه إذا أقر له فيضمنه القاضى للمستحق الآخر رجع هذا على المستحق الاول إلا أن يكون أقر أنه له فلا يرجع عليه وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لان هذا مال وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد وشهدوا أن هذه صفة عبده وأنه لم ](4/69)
[ يبع ولم يهب أو لم نعلمه باع ولا وهب وحلف رب العبد كتب الحاكم بينته إلى قاضى بلد غير مكة فوافقت الصفة العبد الذى في يديه لم يكن للقاضى أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه ولكن إن شاء الذى له عليه بينة أن يسأل القاضى أن يجعل هذا العبد ضالا فيبيعه فيمن يزيد ويأمر من يشتريه ثم يقبضه من الذى اشتراه (قال الشافعي) وإذا أقام عليه البينة بمكة بعينه أبرأ القاضى الذى اشتراه من الثمن بإبراء رب العبد ويرد عليه الثمن إن كان قبضه منه
وقد قيل يختم في رقبة هذا العبد ويضمنه الذى استحقه بالصفة فإن ثبت عليه الشهود فهو له ويفسخ عنه الضمان وإن لم يثبت عليه الشهود رد، وإن هلك فيما بين ذلك كان له ضامنا وهذا يدخله أن يفلس الذى ضمن ويستحقه ربه فيكون القاضى أتلفه ويدخله أن يستحقه ربه وهو غائب فإن قضى على الذى دفعه إليه بإجازته في غيبته قضى عليه بأجر ما لم يغصب ولم يستأجر وإن أبطل عنه كان قد منع هذا حقه بغير استحقاق له ويدخله أن يكون جارية فارهة لعلها أم ولد لرجل فيخلى بينها وبين رجل يغيب عليها ولا يجوز فيها إلا القول الاول (قال الشافعي) وإذا اعترف الرجل الدابة في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أنها له قضى له القاضى بها فإن ادعى الذى هي في يديه أنه اشتراها من رجل غائب لم يحبس الدابة عن المقضى له بها ولم يبعث بها إلى البلد الذى فيها البيع كان البلد قريبا أو بعيدا ولا أعمد إلى مال رجل فأبعث به إلى البلد لعله يتلف قبل أن يبلغه بدعوى إنسان لا أدرى كذب أم صدق ولو علمت أنه صدق ما كان لى أن أخرجها من يدى مالكها نظرا لهذا أن لا يضيع حقه على المغتصب لا تمنع الحقوق بالظنون ولا تملك بها وسواء كان الذى استحق الدابة مسافرا أو غير مسافر ولا يمنع منها ولا تنزع من يديه إلا أن يطيب نفسا عنها ولو أعطى قيمتها أضعافا لانا لا نجبره على بيع سلعته (قال الشافعي) ويأكل اللقطة الغنى والفقير ومن تحل له الصدقة ومن لا تحل له فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبى بن كعب وهو أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارا أن يأكلها (أخبرنا) الدراوردى عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه وجد دينارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره للنبى صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعرفه فلم يعترف فأمره أن يأكله ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه (قال الشافعي) وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ممن تحرم عليه الصدقة لانه من صلبية بنى هاشم وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الاذن بأكل اللقطة بعد تعريفها سنة على بن أبى طالب وأبى بن كعب وزيد بن خالد الجهنى وعبد الله بن عمرو بن العاص وعياض ابن حماد المجاشعى رضى الله عنهم (قال الشافعي) والقليل من اللقطة والكثير سواء لا يجوز أكله إلا بعد سنة فأما أن آمر الملتقط وإن كان أمينا أن يتصدق بها فما أنصفت الملتقط ولا الملتقط عنه إن فعلت إن كانت اللقطة مالا من مال الملتقط بحال فلم آمره أن
يتصدق وأنا لا آمره أن يتصدق به ولا بميراثه من أبيه وإن أمرته بالصدقة فكيف أضمنه ما آمره باتلافه؟ وإن كانت الصدقة مالا من مال الملتقط عنه فكيف آمر الملتقط بأن يتصدق بمال غيره بغير إذن رب المال؟ ثم لعله يجده رب المال مفلسا فأكون قد أتويت ماله ولو تصدق بها ملتقطها كان متعديا فكان لربها أن يأخذها بعينها فإن نقصت في أيدى المساكين أو تلفت رجع على الملتقط إن شاء بالتلف والنقصان وإن شاء أن يرجع بها على المساكين رجع بها إن شاء (قال الشافعي) وإذا التقط العبد اللقطة فعلم السيد باللقطة فأقرها بيده فالسيد ضامن لها في ماله في رقبة العبد وغيره إذا استهلكها العبد قبل السنة أو بعدها دون مال السيد لان أخذه اللقطة عدوان، إنما يأخذ اللقطة من له ذمة يرجع بها عليه ](4/70)
[ ومن له مال يملكه والعبد لا مال له ولا ذمة وكذلك إن كان مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد، والمدبر والمدبرة كلهم في معنى العبد إلا ان أم الولد لا تباع ويكون في ذمتها إن لم يعلمه السيد وفى مال المولى إن علم (قال الربيع) وفى القول الثاني إن علم السيد أن عبده التقطها أو لم يعلم فأقرها في يده فهى كالجناية في رقبة العبد ولا يلزم السيد في ماله شئ (قال الشافعي) والمكاتب في اللقطة بمنزلة الحر لانه يملك ماله والعبد بعضه حر وبعضه عبد يقضى بقدر رقه فيه فإن التقط اللقطة في اليوم الذى يكون لنفسه فيه أقرت في يديه وكانت مالا من ماله لان ما كسب في ذلك اليوم في معاني كسب الاحرار وإن التقطها في اليوم الذى هو فيه للسيد أخذها السيد منه لان ما كسبه في ذلك اليوم للسيد وقد قيل إذا التقطها في يوم نفسه أقر في يدي العبد بقدر ما عتق منه وأخذ السيد بقدر ما يرق منه وإذا اختلفا فالقول قول العبد مع يمينه لانها في يديه ولا يحل للرجل أن ينتفع من اللقطة بشئ حتى تمضى سنة وإذا باع الرجل الرجل اللقطة قبل السنة ثم جاء ربها كان له فسخ البيع وإن باعها بعد السنة فالبيع جائز ويرجع رب اللقطة على البائع بالثمن أو قيمتها إن شاء فأيهما شاء كان له (قال الربيع) ليس له إلا ما باع إذا كان باع بما يتغابن الناس بمثله، فإن كان باع بما لا يتغابن الناس بمثله، غله ما نقص عما يتغابن الناس بمثله (قال الشافعي) وإذا كانت الضالة في يدى الوالى فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت الضالة عبدا فزعم سيد العبد أنه أعتقها قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت
البيع وجعلته حرا ورددت المشترى بالثمن الذى أخذ منه (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لان بيع الوالى كبيع صاحبه فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه لان رجلا لو باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه قبل أن يبيعه لم يقبل قوله فيفسخ على المشترى بيعه إلا ببينة تقوم على ذلك (قال الشافعي) وإذا التقط الرجل الطعام الرطب الذى لا يبقى فأكله ثم جاء صاحبه غرم قيمته وله أن يأكله إذا خاف فساده وإذا التقط الرجل ما يبقى لم يكن له أكله إلا بعد سنة مثل الحنطة والتمر وما أشبهه (قال الشافعي) والركاز دفن الجاهلية فما وجد من مال الجاهلية على وجه الارض فهو لقطة من اللقط يصنع فيه ما يصنع في اللقطة لان وجوده على ظهر الارض وفى مواضع اللقطة يدل على أنه ملك سقط من مالكه ولو تورع صاحبه فأدى خمسه كان أحب إلى ولا يلزمه ذلك (قال الشافعي) وإذا وجد الرجل ضالة الابل لم يكن له أخذها فإن أخذها ثم أرسلها حيث وجدها فهلكت ضمن لصاحبها قيمتها والبقر والحمير والبغال في ذلك بمنزلة ضوال الابل وغيرها وإذا أخذ السلطان الضوال فإن كان لها حمى يرعونها فيه بلا مؤنة على ربها رعوها فيه إلى أن يأتي ربها وإن لم يكن لها حمى باعوها ودفعوا أثمانها لاربابها، ومن أخذ ضالة فأنفق عليها فهو متطوع بالنفقة لا يرجع على صاحبها بشئ وإن أراد أن يرجع على صاحبها بما أنفق فليذهب إلى الحاكم حتى يفرض لها نفقة ويوكل غيره بأن يقبض لها تلك النفقة منه وينفق عليها ولا يكون للسلطان أن يأذن له أن ينفق عليها إلا اليوم واليومين وما أشبه ذلك مما لا يقع من ثمنها موقعا فإذا جاوز ذلك أمر ببيعها، ومن التقط لقطة فاللقطة مباحة فإن هلكت منه بلا تعد فليس بضامن لها والقول قوله مع يمينه وإذا التقطها ثم ردها في موضعها فضاعت فهو ضامن لها وإن رآها فلم يأخذها فليس بضامن لها وهكذا إن دفعها إلى غيره فضاعت أضمنه من ذلك ما أضمن المستودع وأطرح عنه الضمان فيما أطرح عن المستودع (قال الشافعي) وإذا حل الرجل دابة الرجل فوقفت ثم مضت أو فتح قفصا لرجل عن طائر ثم خرج بعد لم يضمن لان الطائر والدابة أحدثا الذهاب والذهاب غير فعل الحال والفاتح وهكذا الحيوان كله وما فيه روح وله عقل يقف فيه ](4/71)
[ بنفسه ويذهب بنفسه فأما ما لا عقل له ولا روح فيه مما يضبطه الرباط مثل زق زيت وراوية ماء فحلها
الرجل فتدفق الزيت فهو ضامن إلا أن يكون حل الزيت وهو مستند قائم فكان الحل لا يدفقه فثبت قائما ثم سقط بعد فإن طرحه إنسان فطارحه ضامن لما ذهب منه وإن لم يطرحه إنسان لم يضمنه الحال الاول لان الزيت إنما ذهب بالطرح دون الحل وأن الحل قد كان ولا جناية فيه (قال الشافعي) ولا جعل لاحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لاجنبي إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال لآخر إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينار ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله لانه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كله كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين أو لم يسمعه وكذلك لو قال لثلاثة فقال لاحدهم: إن جئتني به فلك كذا ولآخر ولآخر فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به جميعا فلكل احد منهم ثلث جعله.
وفى اختلاف مالك والشافعي اللقطة (قال الربيع) سألت الشافعي رحمه الله عمن وجد لقطة قال يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك؟ فقال السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى بن كعب وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها وأبى من مياسير الناس يومئذ وقبل بعد (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهنى أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال " أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " (أخبرنا) مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها (قال الشافعي) فرويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك فقلتم يكره أكل اللقطة للغنى والمسكين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال إنى وجدت لقطة فماذا ترى؟ فقال له ابن عمر عرفها، قال قد فعلت، قال فزد قال فعلت قال لا آمرك أن تأكلها
ولو شئت لم تأخذها (قال الشافعي) وابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذى وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر يكره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون: لو تركها ضاعت.
وترجم في كتاب اختلاف على وابن مسعود رضى الله عنهما اللطقة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال دخل علاى بن قيس قال سمعت هزيلا يقول رأيت عبد الله أتاه رجل بصرة مختومة فقال عرفتها ولم أجد من يعرفها قال استمتع بها وهذا قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد ](4/72)
[ من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود يشبه السنة، وقد خالفوا هذا كله ورووا دينا عن عامر عن أبيه عن عبد الله أنه اشترى جارية فذهب صاحبها فتصدقوا بثمنها وقال: اللهم عن صاحبها فإن كره فلى وعلاى لغرم، ثم قال وهكذا نفعل باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التى لا حجة فيها، وخالفوا حديث ابن مسعود الذى يوافق السنة وهو عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذى عن عامر وهم يخالفونه فيما هو بعينه يقولون: إن ذهب البائع فليس للمشترى أن يتصدق بثمنها ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء.
كتاب اللقيط (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال سمعت الشافعي رحمه الله يقول في المنبوذ هو حر ولا ولاء له وإنما يرثه المسلمون بأنهم قد خولوا كل مال لا مالك له ألا ترى أنهم يأخذون مال النصراني ولا وارث له؟ ولو كانوا أعتقوه لم يأخذوا ماله بالولاء ولكنهم خولوا ما لا مالك له من الاموال ولو ورثه المسلمون وجب على الامام أن لا يعطيه أحدا من المسلمين دون أحد وأن يكون أهل السوق والعرب من المسلمين فيه سواء ثم وجب عليه أن يجعل ولاءه يوم ولدته أمه لجماعة الاحياء من المسلمين الرجال والنساء ثم يجعل ميراثه لورثته من كان حيا من المسلمين من الرجال دون النساء كما يورث الولاء ولكنه مال كما
وصفنا لا مالك له ويرد على المسلمين يضعه الامام على الاجتهاد حيث يرى.
وترجم في سير الاوزاعي الصبى يسبى ثم يموت سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الصبى يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالاسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لانه لا يقر بالاسلام وقال الاوزاعي: مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه صار مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان وهو ينقض قول الاوزاعي إنه لا بأس أن يبتاع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة إذا كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالاسلام وإذا لم يكن معه أبواه أو احدهما فهو مسلم (قال الشافعي) سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بنى قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بنت عجوز ولدها من النبي صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقى من السبايا أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والابل والمال وفيهم الصغير والكبير وقد يحتمل هذا أن يكونوا من أجل أن أمهات الاطفال معهم ويحتمل أن يكون في الاطفال من لا أم له فإذا سبوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين وكذلك لو سبوا مع آبائهم ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الاسلام لم يكن لنا أن نصلى عليهم لانهم على دين الامهات والآباء إذا كان النساء بلغا فلنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين لانا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم مع آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين ](4/73)
[ وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بالغا من أصحابه ففدى بها رجلين (1) وترجم في اختلاف مالك والشافعي باب المنبوذ (أخبرنا) مالك عن ابن شهاب عن سنين أبى جميلة رجل من بنى سليم أنه وجد منبوذا في زمان
عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ قال وجدتها ضائعة فأخذتها فقال عريفي يا أمير المؤمنين أنه رجل صالح فقال أكذلك؟ قال نعم قال عمر اذهب فهو حر وولاؤه لك وعلينا نفقته قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) فقد تركتم ما روى عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الولاء لمن أعتق " فقد زعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذى أعتقه وهو معتق فخالفتموها جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " فإنما الولاء لمن أعتق " فهذا نفى أن يكون الولاء لمن أعتق والمنبوذ غير معتق ولا ولاء له فمن أجمع ترك السنة وخالف عمر فيا ليت شعرى من هؤلاء المجمعون لا يسمون فإنا لا نعرفهم وهو المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟ إن هذه لغفلة طويلة فلا أعرف احدا يؤخذ عنه هذا العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله واحد يترك ما روى في اللقيط عن عمر للسنة ثم يدع السنة فيه في موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال الشافعي) وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أشد توجيها من قولكم قالوا يتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لانه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق (2) فيمن لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل يسلم على يديه الرجل للمسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن أعتق " لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهى عليكم أبين لانكم خالفتموه حيث ينبغى أن توافقوه ووافقتموه حيث كان لكم شبهة لو خالفتموه.
]
__________
(1) (قال) شيخنا شيخ الاسلام أيده الله تعالى: لم يذكر الشافعي رضى الله عنه جوابه في الصبى الذى يسبى وحده وقد جوز في الخبر أنه يحتمل أن يكون في الاطفال من لا أم له وهذا الاحتمال يقتضى أنه لم يجزم الشافعي بأنه يبيع الصبي إذا لم يكن معه أحد أبويه وهو وجه في المسألة وليس بشاذ كما قال صاحب الروضة بل كلام الشافعي يقتضيه
اه.
(2) قوله: فيمن لا ولاء له، كذا بالاصل ولعل قبله سقطا هكذا " وما جاء عن عمر فيمن لا ولاء له الخ " وحرر فليس عندنا في هذا المقام أصل ثان يعززه.
والله المستعان.
كتبه مصححه.(4/74)
[ باب الجعالة وليس في التراجم وفى آخر اللقطة الكبيرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا جعل لاحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لاجنبي: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال الآخر: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله لانه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين أو لم يسمعه وكذلك لو قال لثلاثة فقال لاحدهم إن جئتني به فلك كذا، ولآخر ولآخر.
فجعل اجعالا مختلفة ثم جاءوا به معا فلكل واحد منهم ثلث جعله (1).
كتاب الفرائض " باب المواريث " من سمى الله تعالى له الميراث وكان يرث، ومن خرج من ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فرض الله تعالى ميراث الوالدين والاخوة والزوجة والزوج (2) فكان ظاهره أن من كان والدا أو أخا محجوبا وزوج وزوجة، فإن ظاهره يحتمل أن يرثوا وغيرهم ممن سمى له ميراث إذا كان في حال دون حال فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقاويل أكثر أهل العلم على أن معنى الآية أن أهل المواريث إنما ورثوا إذا كانوا في حال دون حال، قلت للشافعي: وهكذا نص السنة؟ قال لا ولكن هكذا دلالتها، قلت وكيف دلالتها؟ قال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال قولا يدل على أن بعض من سمى له ميراث لا يرث، فيعلم أن حكم الله تعالى لو كان على أن يرث من لزمه اسم الابوة والزوجة وغيره عاما لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد لزمه اسم الميراث بأن لا يرث بحال، قيل للشافعي فاذكر الدلالة فيمن لا يرث مجموعة، قال لا يرث
أحد ممن سمى له ميراث حتى يكون دينه دين الميت الموروث ويكون حرا، ويكون بريئا من أن يكون قاتلا للموروث، فإذا برئ من هذه الثلاث الخصال ورث، وإذا كانت فيه واحدة منهم لم يرث، فقلت: فاذكر ما وصفت، قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن على بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن على بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن على بن الحسين قال: إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ولم يرثه على ولا جعفر، قال: فلذلك تركنا نصيبنا ]
__________
(1) انتهى الجزء الثالث حسب تجزئة الاصل.
(2) قوله: فكان ظاهره.
إلى قوله " فدلت سنة الخ " كذا في النسخ.
والعبارة لا تخلو من سقط أو تحريف.
فلتحرر كتبه مصححه.(4/75)
[ من الشعب (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت لك من أن الدينين إذا اختلفا بالشرك والاسلام لم يتوارث من سميت له فريضة، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع (قال الشافعي) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مال العبد إذا بيع لسيده دل هذا على أن العبد لا يملك شيئا، وأن اسم ماله إنما هو إضافة المال إليه، كما يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل لاجير في غنمه وداره وأرضه هذه أرضك وهذه غنمك على الاضافة لا الملك، فإن قال قائل: ما دل على أن هذا معناه وهو يحتمل أن يكون المال ملكا له؟ قيل له قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ماله للبائع دلالة على إن ملك المال لمالك الرقبة وأن المملوك لا يملك شيئا، ولم أسمع اختلافا في أن قاتل الرجل عمدا لا يرث من قتل من دية ولا مال شيئا، ثم افترق الناس في القاتل خطأ، فقال بعض أصحابنا يرث من المال ولا يرث من الدية وروى ذلك عن بعض أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، وقال غيرهم: لا يرث قاتل الخطإ من
دية ولا مال وهو كقاتل العمد، وإذا لم يثبت الحديث فلا يرث قاتل عمد ولا خطإ شيئا أشبه بعموم أن لا يرث قاتل ممن قتل.
باب الخلاف في ميراث أهل الملل وفيه شئ يتعلق بميراث العبد والقاتل (قال الربيع) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فوافقنا بعض الناس، فقال: لا يرث مملوك ولا قاتل عمدا ولا خطأ ولا كافر شيئا، ثم عاد فقال: إذا ارتد الرجل عن الاسلام فمات على الردة أو قتل ورثه ورثته المسلمون (قال الشافعي) فقيل لبعضهم أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر، قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم " ولم يستثن من الكفار أحدا فكيف ورثت مسلما كافرا؟ فقال إنه كافر قد كان ثبت له حكم الاسلام ثم أزاله عن نفسه، قلنا فإن كان زال بإزالته إياه، فقد صار إلى أن يكون ممن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرثه مسلم ولا يرث مسلما، وإن كان لم يزل بإزالته إياه، أفرأيت أن من مات له ابن مسلم وهو مرتد أيرثه؟ قال لا: قلنا ولم حرمته؟ قال للكفر، قلنا فلم لا يحرم منه بالكفر كما حرمته؟ هل يعدو أن يكون في الميراث بحاله قبل أن يرتد فيرث ويورث أو يكون خارجا من حاله قبل أن يرتد فلا يرث ولا يورث وقد قتلته؟ وذلك يدل على ان حاله قد زالت بإزالته وحرمت عليه امرأته وحكمت عليه حكم المشركين في بعض وحكم المسلمين في بعض قال فإنى إنما ذهبت إلى أن عليا رضى الله تعالى عنه ورث ورثة مرتد قتله من المسلمين ماله قلنا قد رويته عن على رضى الله عنه وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث قبلك أنه غلط على على كرم الله وجهه ولو كان ثابتا عنه كان أصل مذهبنا ومذهبك أنه لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيحتمل أن يكون لا يرث الكافر الذى لم يزل كافرا قلنا فإن كان حكم المرتد مخالفا حكم من لم يزل كافرا فورثه فورثته المسلمون إذا ماتوا قبله فعلى لم ينهك عن هذا قال هو داخل في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: فإن كان داخلا في جملة الحديث ](4/76)
[ عن النبي صلى الله عليه وسلم لزمك أن تترك قولك في أن ورثته من المسلمين يرثونه (قال الشافعي) وقد
روى عن معاذ بن جبل ومعاوية ومسروق وابن المسيب ومحمد بن على بن الحسين أن المؤمن يرث الكافر ولا يرثه الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا فإن قال لك قائل قضاء النبي صلى الله عليه وسلم كان في كافر من أهل الاوثان وأولئك لا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم وأهل الكتاب غيرهم فيرث المسلمون من أهل الكتاب اعتمادا على ما وصفنا أو بعضهم لانه يحتمل لهم ما احتمل لك بل لهم شبهة ليست لك بتحليل ذبائح أهل الكتاب ونسائهم قال: لا يحل له ذلك قلنا ولم؟ قال لانهم داخلون في الكافرين وحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة.
قلنا: فكذلك المرتد داخل في جملة الكافرين.
(112) باب من قال لا يورث أحد حتى يموت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال الله عزوجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم ] (1) زاد في نسخة السراج البلقينى ما نصه: وفي الرسالة في " ترجمة ما جاء في الفرض المنصوص الذى دلت السنة على أنه إنما أريد به الخاص " قال الله تعالى " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " الآية، وقال عزوجل " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون إلى قوله " مفروضا " وقال عزوجل " ولابويه لكل واحد منهما السدس " الآية.
وقال " ولكم نصف ما ترك ازواجكم " الآية وقال " ولهن الربع " الآية مع أي المواريث كلها (قال لشافعي) رحمه الله تعالى فدلت السنة على ان الله عزوجل إنما أراد ممن سمى له المواريث من الاخوة والاخوات والولد والاقارب والوالدين والازواج وجميع من سمى له فريضة في كتابه خاصا ممن سمى وذلك أن يجتمع دين الوارث والموروث فلا يختلفان ويكونان من أهل دار المسلمين أو ممن له عقد من المسلمين يأمن به على دمه وماله أو يكونان من المشركين فيتوارثان بالشرك.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن على بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن يكون الوارث والموروث حرين مع اللاسلام.
أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من باع عبدا له مال فما له للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فلما كان بينا في سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبد لا يملك مالا وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده وأن اسم المال له إنما هو إضافة إليه لانه في يديه لا أنه مالك له ولا يكون مالكا له وهو لا يملك نفسه وكيف يملك نفسه وهو مملوك يباع ويوهب ويورث؟ وكان الله عزوجل إنما نقل ملك الموتى إلى الاحياء فملكوا منها ما كان الموتى مالكين وإن كان العبد أبا أو غيره ممن سميت له فريضة وكان لو أعطيها ملكها سيده عليه لم يكن السيد بأبي الميت ولا وارثا سميت له فريضة فكنا لو أعطينا العبد بأنه أب إنما اعطينا السيد الذى لا فريضة له فورثنا غير من ورثه الله تعالى فلم نورث عبدا لما وصفت ولا أحدا تجتمع فيه الحرية والاسلام والبراءة من القتل حتى لا يكون قاتلا وذلك أنه أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس لقاتل شئ " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شئ لم نورث قاتلا ممن قتل وكان أخف حال القاتل عمدا أن يمنع الميراث عقوبة مع تعرض سخط الله تعالى أن يمنع ميراث من عصى الله تعالى بالقتل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما وصفت من أنه لا يرث المسلم إلا مسلم حر غير قاتل عمدا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم حفظت عنه ببلدنا ولا في غيره.(4/77)
[ يكن لهن ولد " وقال عز وعلا " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " (قال الشافعي) وكان معقولا عن الله عزوجل ثم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن أمرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت فإذا مات كان موروثا وأن الاحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم الله عزوجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته.
وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا.
وقد يفرق بين الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها.
ونفرق نحن بالعجر عن نفقتها وهاتان سببا ضرر، والمفقود قد يكون سبب ضرر أشد من ذلك، فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا وقالوا كيف يقضى لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة ولم يأت يقين موته؟ ثم
دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة، وجملة ما عابوا، فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب أو جاء إلينا مقاتلا يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول (قال الشافعي) فقال ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت، وقلت له أسألك عن قولك فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما أو قياسا أقولك في أن يورث المرتد وهو حى إذا لحق بدار الكفر خبرا أو قياسا؟ فقال أما خبر فلا، فقلت فقياس؟ قال نعم من وجه: قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال: ألا ترى أنه لو كان معى في الدار وكنت قادرا عليه قتلته؟ فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل؟ قال لا: قلت فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو غير ميت؟ أو رأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الاسلام مقيما على الردة دهرا من دهره أتقسم ميراثه؟ قال: لا، قلت فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته.
قال فإن لم تقدر عليه حكم عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد الاسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته.
ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد الاسلام.
قلت: فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت؟ قال نعم.
قلت: فالمسلم يلحق بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجرى عليه فيها الحكم؟ قال لا.
قلنا فالدار لا تميت أحدا ولا تحييه، فهو حى حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا.
قال نعم: قلنا أفتستدرك على أحد أبدا بشئ من جهة الرأى أقبح من أن تقول الحى ميت؟ أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله أو غبى لا يسمع منه، فكيف إذا كان الكتاب والسنة يدلان معا على دلالة المعقول على خلافكما معا؟ (قال الشافعي) وقلت له عبتم على من قال قول عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا كان قوله غاية ينتهي إليها وقبلتم عن
عمر أنه قال إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين: وهما قول الله عز وجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " وقوله " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " وقد روى هذا ](4/78)
[ عن ابن عباس وشريح وذهبا إلى أن الارخاء والاغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال بقول ابن عباس؟ وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن، ثم امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشئ علمناه، وقلتم لا يجوز أن يحكم عليه حكم الموتى قبل ان تستيقن وفاته وإن طال زمانه.
ثم زعمتم أنكم تحكمون على رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الاخبار التى انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الرأى بمثله وأولى أن يكون معيبا فإى جهل أبين من أن تعيب في الخبر الذى هو عندك فيما تزعم؟ غاية ما نقول من جهة الرأى ما عبت منه أو مثله، وقلت لبعضهم أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا معقول وسكت لك عن هذا كله ألا يكون قولك معيبا بلسانك؟ (قال) وأين؟ قلت أرأيت إذا كان الردة واللحوق بدار الحرب يوجب عليه حكم الموت لم زعمت أن القاضى إن فرط أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضى سنين وهو في دار الحرب، ثم رجع قبل أن يحكم القاضى مسلما أنه على أصل ملكه، ولم زعمت أن القاضى إن حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض.
ما زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب لانك لو زعمت ذلك، قلت: لو رجع مسلما أنفذ عليه الحكم لانه وجب ولا زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم فلا ينفذ.
فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا (قال) وما ذلك؟ قلت: زعمت أنه يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويعطى غريمه الذى حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتى مسلما ومدبروه وأمهات أولاده وماله قائم في يدى غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا وهو ماله بعينه فكل مال في يدى الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم.
ثم تنزع ميراثه من يدى ورثته فكيف نقضت بعض الحكم دون بعض؟ قال: قلت هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم.
ثم
زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله وهو موسر لم يغرمه إياه وإن لم يستهلكه بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في الحكم بعينه؟ أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة، فقد جمعتهما جميعا أو خلاف معقول أو قياس أو تناقض قول فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون ملوما على هذا أنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له وهو يعرفه عذرا عندنا، لانه إذا لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطئ ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطئ وهو يعلم (قال الشافعي) فقال فما تقول أنت؟ فقلت أقول إنى أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا أو يرجع إلى الاسلام فأرده إليه ولا أحكم بالموت على حى فيدخل على بعض ما دخل عليك.
باب رد المواريث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى، قال الله عزوجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال الله عزوجل " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر ](4/79)
[ مثل حظ الانثيين " وقال " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين " وقال تعالى " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم " وقال عز اسمه " ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس " (قال الشافعي) فهذه الآى في المواريث كلها تدل على أن الله عزوجل انتهى بمن سمى له فريضة إلى شئ، فلا ينبغي لاحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شئ غير ما انتهى به ولا ينقصه فبذلك قلنا: لا يجوز رد المواريث (قال الشافعي) وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك وكان ما بقى للعصبة فإن لم تكن عصبة فلمواليه الذين أعتقوه، فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل بلده، ولا تزاد أخته على النصف وكذلك لا يرد على وارث ذى قرابة ولا زوج ولا زوجة له فريضة
ولا تجاوز بذى فريضة فريضته والقرآن إن شاء الله تعالى يدل على هذا وهو قول زيد بن ثابت وقول الاكثر ممن لقيت من أصحابنا.
باب الخلاف في رد المواريث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لى بعض الناس إذا ترك الميت أخته ولا وارث لها غيرها ولا مولى أعطيت الاخت المال كله، قال: فقلت لبعض من يقول هذا إلى أي شئ ذهبتم؟ قال ذهبنا إلى أن روينا عن على بن أبى طالب وابن مسعود رد المواريث: فقلت له ما هو عن واحد منهما فيما علمته بثابت، ولو كان ثابتا كنت قد تركت عليهما أقاويل لهما في الفرائض غير قليلة لقول زيد بن ثابت فكيف إن كان زيد لا يقول بقولهما لا يرد المواريث لم لم تتبعه دونهما كما اتبعته دونهما في غير هذا من الفرائض؟ (قال الشافعي) فقال فدع هذا ولكن أرأيت إذا اختلف القولان في رد المواريث أليس يلزمنا أن نصير إلى أشبه القولين بكتاب الله تبارك وتعالى؟ قلنا بلى قال فعدهما خالفاه أي القولين أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى؟ قلنا قول زيد بن ثابت لا شك إن شاء الله تعالى قال وأين الدلالة على موافقة قولكم في كتاب الله عزوجل دون قولنا؟ قلت قال الله عزوجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال " فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين " فذكر الاخت منفردة فانتهى بها إلى النصف وذكر الاخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الاخ والاخت مجتمعين فجعلها على النصف من الاخ في الاجتماع كما جعلها في الانفراد أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم الله تبارك وتعالى نصا؟ لان الله عزوجل انتهى بها إلى النصف وخالفت معنى حكم الله إذ سويتها به وقد جعلها الله تبارك وتعالى معه على النصف منه (قال الشافعي) فقلت له وآى المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث قال فقال أرأيت إن قلت لا أعطيها النصف الباقي ميراثا؟ قلت له قل ما شئت قال أراها موضعه قلت فإن رأى غيرك غيرها موضعه فأعطاها جارة له محتاجة أو جارا له محتاجا أو غريبا محتاجا؟ قال فليس له ذلك قلت ولا لك بل هذا أعذر منك، هذا لم يخالف حكم الكتاب نصا وإنما خالف قول عوام المسلمين لان عوام منهم يقولون هو لجماعة المسلمين.
](4/80)
[ باب المواريث أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى " وقال عزوجل " وإذا قال إبراهيم لابيه آزر " فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر وقال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم " وقال تبارك وتعالى " وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه " فنسب الموالى نسبين أحدهما إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء بالنعمة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتقه " فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء إنما يكون للمعتق قال وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الاب ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأله أن ينسبه إلى نفسه ورضى ذلك الرجل لم يجز أن يكون له ابنا أبدا فيكون مدخلا به على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه غير من ولد وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " وكذلك إذا لم يعتق الرجل الرجل لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من لم يعتق وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء " لمن أعتق " فبين في قوله " إنما الولاء لمن أعتق " أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق أو لا ترى أن رجلا لو أمر ابنه أن ينتسب إلى غيره أو ينتفى من نسبه وتراضيا على ذلك لم تنقطع أبوته عنه بما أثبت الله عزوجل لكل واحد منهما على صاحبه؟ أولا ترى أنه لو أعتق عبدا له ثم أذن له بعد العتق أن يوالى من شاء أو ينتفى من ولايته ورضى بذلك المعتق لم يكن لواحد منهما أن يفعل ذلك لما أثبت الله تعالى عليه من النعمة؟ فلما كان المولى في المعنى الذى فيه النسب ثبت الولاء بمتقدم المنة كما ثبت النسب بمتقدم الولادة لم يجز أن يفرق بينهما أبدا إلا بسنة أو
إجماع من أهل العلم وليس في الفرق بينهما في هذا المعنى سنة ولا إجماع (قال الشافعي) قد حضرني جماعة من أصحابنا من الحجازيين وغيرهم فكلمنى رجل من غيرهم بأن قال إذا أسلم الرجل على يدى رجل فله ولاؤه إذا لم يكن له ولاء نعمة وله أن يوالى من شاء، وله أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل عنه، وقال لى فما حجتك في ترك هذا؟ قلت خلافه ما حكيت من قول الله عزوجل " ادعوهم لآبائهم " الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن أعتق " فدل ذلك على أن النسب يثبت بمتقدم الولاد كما ثبت الولاء بمتقدم العتق، وليس كذلك الذى يسلم على يدى الرجل، فكان النسب شبيها بالولاء والولاء شبيها بالنسب، فقال لى قائل: إنما ذهبت في هذا إلى حديث رواه ابن موهب عن تميم الدارى قلت لا يثبت، قال أفرأيت إذا كان هذا الحديث ثابتا أيكون مخالفا لما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " قلت لا: قال فكيف تقول؟ قلت أقول إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق ونهيه عن بيع الولاء وعن هبته، وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب فيمن أعتق لان العتق نسب والنسب لا يحول، والذى يسلم على يدى الرجل ليس هو المنهى أن يحول ولاؤه، قال فبهذا قلنا، فما منعك منه إذا كان الحديثان ](4/81)
[ محتملين أن يكون لكل واحد منهما وجه؟ قلت: منعنى أنه ليس بثابت، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقى تميما، ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا نعلمه متصلا، قال: فإن من حجتنا أن عمر قال: في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه، يعنى للذى التقطه، قلت: وهذا لو ثبت عن عمر حجة عليك لانك تخالفه، قال: ومن أين؟ قلت: انت تزعم أنه لا يوالى عن الرجل إلا نفسه بعد أن يعقل، وأن له إذا والى عن نفسه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه، فإن زعمت أن موالاة عمر عنه لانه وليه جائزة عليه، فهل لوصي اليتيم أن يوالى عنه؟ قال: ليس ذلك له، قلت: فإن زعمت أن ذلك للوالى دون الوصي، فهل وجدته يجوز للوالى شئ في اليتيم لا يجوز للوصي (1)؟ فإن زعمت أن ذلك حكم من عمر والحكم لا يجوز عندك على أحد إلا بشئ يلزمه نفسه أو فيما لا بد له منه مما لا يصلحه
غيره، ولليتيم بد من الولاء، فإن قلت هو حكم فلا يكون له أن ينتقل به فكيف يجوز أن يكون له أن ينتقل إذا عقد على نفسه عقدا ما لم يعقل عنه، ولا يكون له أن ينتقل إن عقده عليه غيره؟ (قال) فإن قلت هو أعلم بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت ونعارضك بما هو أثبت عن ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر بن الخطاب، قال وما هو؟ قلت وهبت ميمونة ولاء بني يسار لابن أختها عبد الله بن عباس فاتهبه، فهذه زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وهما اثنان، قال فلا يكون في أحد ولو كانوا عددا كثيرا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة، قلنا فكيف احتججت بأحد على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال هكذا يقول بعض أصحابنا، قلت أبيت أن تقبل هذا من غيرك، فقال من حضرنا من المدنيين هذه حجة ثابتة، قال فأنتم إن كنتم ترونها ثابتة فقد تخالفونها في شئء قالوا ما نخالفها في شئ، وما نزعم أن الولاء يكون إلا لذى نعمة (قال الشافعي) فقال لى قائل اعتقد عنهم جوابهم، فأزعم أن للسائبة أن يوالى من شاء، قلت لا يجوز هذا إذا كان من احتججنا به من الكتاب والسنة والقياس، إلا أن يأتي فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أجمع الناس عليه فنخرجه من جملة المعتقين اتباعا، قال فهم يروون أن حاطبا أعتق سائبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا ونحن: لا نمنع أحدا أن يعتق سائبة، فهل رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولاء السائبة إليه يوالى من شاء؟ قال لا: قلت فداخل هو في معنى المعتقين؟ قال نعم: قلت أفيجوز أن يخرج وهو معتق من أن يثبت له وعليه الولاء، قال فإنهم يروون أن رجلا قتل سائبة فقضى عمر بعقله على القاتل فقال أبو القاتل أرأيت لو قتل ابني؟ قال إذا لا يغرم، قال فهو إذا مثل الارقم، قال عمر فهو مثل الارقم، فاستدلوا بأنه لو كانت له عاقلة بالولاء قضى عمر بن الخطاب على عاقلته؟ قلت فأنت إن كان هذا ثابتا عن عمر محجوج به، قال وأين؟ قلت تزعم أن ولاء السائبة لمن أعتقه، قال فأعفني من ذا فإنما أقوم لهم بقولهم.
قلت: فأنت تزعم أن من لا ولاء له من لقيط ومسلم وغيره إذا قتل إنسانا قضى بعقله على جماعة المسلمين لان لهم ميراثه، وأنت تزعم أن عمر لم يقض بعقله على أحد.
قال: وهكذا يقول جميع المفتين.
قلت: أفيجوز لجميع المفتين أن يخالفوا عمر؟ قال لا هو عن عمر منقطع ليس بثابت.
قلت: فكيف احتججت به؟ قال لا أعلم ]
__________
(1) قوله: فإن زعمت أن ذلك حكم الخ كذا في جميع النسخ بدون ذكر لجواب الشرط، ولعل واوو " الحكم " محرفة عن الفاء فيكون هو الجواب أو غير ذلك وحرر.
كتبه مصححه.(4/82)
[ لهم حجة غيره.
قلت: فبئس ما قضيت على من قمت بحجته إذا كان احتج بغير حجة عندك، قال فعندك في السائبة شئ مخالف لهذا؟ قلت: إن قبلت الخبر المنقطع فنعم (قال الشافعي) أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقلعوا عن بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن تدفع إلى طارق أو إلى ورثة طارق (قال الشافعي) فهذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائبة لمن سيبه، وهذا معروف عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه في تركة سالم الذى يقال له سالم مولى أبى حذيفة أن أبا بكر أعطى فضل ميراثه عمرة بنت يعار الانصارية وكانت أعتقته سائبة.
وروى عن ابن مسعود أنه قال في السائبة شبيها بمعنى ذلك فيما أظن حديث منقطع.
قال: فهل عندك حجة تفرق بين السائبة وبين الذى يسلم على يدى الرجل غير الحديث المنقطع قلت نعم من القياس.
قال ما هو؟ قلت: إن الذى يسلم على يدى الرجل وينتقل بولائه إلى موضع إنما ذلك برضا المنتسب والمنسوب إليه وله أن ينتقل بغير رضا من انتسب إليه وإن السائبة يقع العتق عليه بلا رضا منه وليس له أن ينتقل منه ولو رضى بذلك هو ومعتقه، وإنه ممن يقع عليه عتق المعتق مع دخوله في جملة المعتقين.
كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون الحام وهذه من الابل والغنم.
فكانوا يقولون في الحام إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل نتج له عشرة حام أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب.
ويقولون في الوصيلة وهى من الغنم إذا وصلت بطونا توما ونتج نتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها، ويسيبون السائبة.
فيقولون قد أعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك.
فأنزل الله عزوجل " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا وحام " الآية فرد الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى مالكها إذا كان العتق من لا يقع على غير الآدميين وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عزوجل أن يرد إليه ذلك ويبطل
الشرط فيه، فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ولاء من أعتقه مع الجملة التى وصفنا لك (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبى بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذى أعتقه (قال الشافعي) وإن كانت الكفاية فيما ذكرنا من الكتاب والسنة والقياس.
فقال فما تقول في النصراني يعتق العبد المسلم؟ قلت فهو حر.
قال فلمن ولاؤه؟ قلت للذى أعتقه.
قال فما الحجة فيه؟ قلت ما وصفت لك إذ كان الله عز وجل نسب كافرا إلى مسلم ومسلما إلى كافر والنسب أعظم من الولاء، قال فالنصراني لا يرث المسلم، قلت وكذلك الاب لا يرث ابنه إذا اختلف أديانهما وليس منعه ميراثه بالذى قطع نسبه منه هو ابنه بحاله إذ كان ثم متقدم الابوة، وكذلك العبد مولاه بحاله إذ كان ثم متقدم العتق.
قال وإن أسلم لمعتق؟ قلت يرثه.
قال فإن لم يسلم؟ قلت فإن كان للمعتق ذوو رحم مسلمون فيرثونه.
قال وما الحجة في هذا؟ ولم إذ دفعت الذى أعتقه عن ميراثه تورث به غيره إذ لم يرث هو فغيره أولى أن لا يرث بقرابته منه؟ قلت هذا من شبهك، قال فأوجدني الحجة فيما قلت؟ قلت أرأيت الابن إذا كان مسلما فمات وأبوه كافر؟ قال لا يرثه قلت فإن كان له إخوة أو أعمام أو بنو عم مسلمون؟ قال يرثونه، قلت وبسبب من ورثوه؟ قال بقرابتهم من الاب، قلت فقد منعت الاب من الميراث وأعطيتهم بسببه، قال إنما منعته بالدين فجعلته إذا خالف دينه كأنه ميت وورثته أقرب الناس به ممن هو على دينه قلت فما منعنا من هذه الحجة في النصراني؟ قال هي لك ونحن نقول بها معك ولكنا احتججنا لمن خالفك من ](4/83)
[ أصحابك، قلت: أو رأيت فيما احتججت به حجة؟ قال لا وقال أرأيت إذا مات رجل ولا ولاء له؟ قلت فميراثه للمسلمين، قال: بأنهم مواليه؟ قلت لا ولا يكون المولى إلا معتقا وهذا غير معتق، قال فإذا لم تورثهم بأنهم موال وليسوا بذوى نسب فكيف أعطيتهم ماله؟ قلت لم أعطهموه ميراثا ولو أعطيتهموه ميراثا وجب على أن أعطيه من على الارض حين يموت كما أجعله لو كانوا معا أعتقوه، وأنا وأنت إنما نصيره للمسلمين يوضع منهم في خاصة والمال الموروث لا يوضع في خاصة فكان يدخل عليك لو زعمت بأنه ورث بالولاء هذا وأن تقول أنظر اليوم الذى أسلم فيه فأثبت ولاءه لجماعة من كان
حيا من المسلمين يومئذ فيرثه ورثة أولئك الاحياء دون غيرهم ويدخل عليك في النصراني يموت ولا وارث له فتجعل ماله لجماعة المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " قال فبأى شئ تعطى المسلمين ميراث من لا نسب له ولا ولاء له من المسلمين وميراث النصراني إذا لم يكن له نسب ولا ولاء؟ قلت بما أنعم الله تعالى به على أهل دينه فخولهم من أموال المشركين إذا قدروا عليها ومن كل مال لا مالك له يعرف من المسلمين.
مثل الارض الموات فلم يحرم عليهم أن يحيوها، فلما كان هذان المالان لا مالك لهما يعرف خولهما الله أهل دين الله من المسلمين الرد في المواريث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن كانت له فريضة في كتاب الله عزوجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما جاء عن السلف انتهينا به إلى فريضته، فإن فضل من المال شئ لم نرده عليه، وذلك أن علينا شيئين.
أحدهما أن لا ننقصه مما جعله الله تعالى له والآخر أن لا نزيده عليه والانتهاء إلى حكم الله عزوجل هكذا وقال بعض الناس نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه وكان من ذوى الارحام وأن لا نرده على زوج ولا زوجة وقالوا روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا لهم أنتم تتركون ما تروون عن على بن أبى طالب رضى الله عنه وعبد الله بن مسعود في أكثر الفرائض لقول زيد بن ثابت وكيف لم يكن هذا مما تتركون؟ قالوا إنا سمعنا قول الله عزوجل " وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " فقلنا معناها على غير ما ذهبتهم إليه، ولو كان على ما ذهبتهم إليه كنتم قد تركتموه قالوا فما معناها؟ قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالاسلام والهجرة، ثم نسخ ذلك فنزل قول الله عزوجل " وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " على معنى ما فرض الله عز ذكره وسن رسوله صلى الله عليه وسلم لا مطلقا هكذا.
ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الارحام ولا رحم له، أو لا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله ولا يرثه الخال والخال أقرب رحما منه فإنما معناها على ما وصفت لك من أنها على ما فرض الله لهم وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنتم تقولون: إن الناس يتوارثون بالرحم وتقولون خلافه في موضع آخر تزعمون أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه فماله لمواليه دون أخواله فقد منعت ذوى الارحام الذين
قد تعطيهم في حال وأعطيت المولى الذى لا رحم له المال.
قال فما حجتك في أن لا ترد المواريث؟ قلنا ما وصفت لك من الانتهاء إلى حكم الله عزوجل وأن لا أزيد ذا سهم على سهمه ولا أنقصه قال فهل من شئ تثبته سوى هذا؟ قلت: نعم، قال الله عزوجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال عز ذكره " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر ](4/84)
[ مثل حظ الانثيين " فذكر الاخ والاخت منفردين فانتهى بالاخت إلى النصف وبالاخ إلى الكل وذكر الاخوة والاخوات مجتمعين فحكم بينهم مثل حكمه بينهم منفردين قال " فللذكر مثل حظ الانثيين " فجعلها على النصف منه في كل حال، فمن قال برد المواريث قال أورث الاخت المال كله فخالف قوله الحكمين معا، قلت: فإن قلتم نعطيها النصف بكتاب الله عزوجل ونرد عليها النصف لا ميراثا.
قلنا بأي شئ ترده عليها؟ قال ما نرده أبدا إلا ميراثا أو يكون مالا حكمه إلى الولاة فما كان كذلك فليس الولاة بمخيرين، وعلى الولاة أن يجعلوه لجماعة المسلمين ولو كانوا فيه مخيرين كان للوالى أن يعطيه من شاء والله تعالى الموفق.
باب ميراث الجد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلنا إذا ورث الجد مع الاخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه وهذا قول زيد بن ثابت وعنه قبلنا أكثر الفرائض وقد روى هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه قول زيد بن ثابت وقد روى هذا أيضا عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الاكثر من فقهاء البلدان وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال: الجد أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعائشة وابن عباس وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن الزبير رضى الله عنه: إنه أب إذا كان معه الاخوة طرحوا وكان المال للجد دونهم وقد زعمنا نحن وأنت أن اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر إلا بالتثبت مع الحجة البينه عليه وموافقته للسنة وهكذا نقول وإلى
الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله، قال فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال الجد أب لخصال منها أن الله عزوجل قال " يا بنى آدم " وقال " ملة أبيكم إبراهيم " فاقام الجد في النسب أبا وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس وهذا حكمهم للاب وأن المسلمين حجبوا بالجد الاخ للام وهكذا حكمهم في الاب فكيف جاز أن يجمعوا بين أحكامه في هذه الخصال وأن يفرقوا بين أحكامه وحكم الاب فيما سواها قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامه فيها قياسا منهم للجد على الاب قالوا وما دل على ذلك؟ قلنا أرأيتم الجد لو كان إنما يرث باسم الابوة هل كان اسم الابوة يفارقه لو كان دونه أب أو يفارقه لو كان قاتلا أو مملوكا أو كافرا؟ قال لا قلنا فقد نجد اسم الابوة يلزمه وهو غير وارث وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الابوة قال فإنهم لا ينقصونه من السدس وذلك حكم الاب قلنا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفترى ذلك قيساسا على الاب فتقفها موقف الاب فتحجب بها الاخوة؟ قالوا لا ولكن قد حجبتم الاخوة من الام بالجد كما حجبتموهم بالاب قلنا نعم قلنا هذا خبرا لا قياسا ألا ترى أنا نحجبهم بابنة ابن متسفلة ولا نحكم لها بحكم الاب وهذا يبين لكم أن الفرائض تجتمع في بعض الامور دون بعض قالوا وكيف لم تجعلوا أبا الاب كالاب كما جعلتم ابن الابن كالابن؟ قلنا لاختلاف الابناء والآباء لانا وجدنا الابناء أولى بكثرة المواريث من الآباء وذلك أن الرجل يترك أباه وابنه فيكون لابنه خمسة اسداس ولابيه السدس ويكون له بنون يرثونه معا ولا يكون أبوان يرثانه معا وقد نورث نحن وأنتم الاخت ولا نورث ابنتها أو نورث الام ولا نورث ابنتها إذا كان دونها غيرها وإن ورثناها لم نورثها قياسا على أمها وإنما ورثناها خبرا لا قياسا قال فما حجتكم ](4/85)
[ في أن أثبتم فرائض الاخوة مع الجد؟ قلنا ما وصفنا من الابتاع وغير ذلك قالوا وما غير ذلك؟ قلنا أرأيت رجلا مات وترك أخاه وجده هل يدلى واحد منهما إلى الميت بقرابة نفسه؟ قالوا لا قلنا أليس إنما يقول أخوه أنا ابن أبيه ويقول جده أنا أبو أبيه وكلاهما يطلب ميراثه لمكانه من أبيه؟ قالوا بلى قلنا أفرأيتم لو كان أبوه الميت في تلك الساعة أيهما أولى بميراثه؟ قال يكون لابنه خمسة أسداسه ولابيه السدس قلنا وإذا كانا جميعا إنما يدليان بالاب فابن الاب أولى بكثرة ميراثه من أبيه فكيف جاز أن يحجب الذي
هو أولى بالاب الذى يدليان بقرابته بالذى هو أبعد منه؟ قلنا ميراث الاخوة ثابت في القرآن ولا فرض للجد فيه فهو أقوى في القرآن والقياس في ثبوت الميراث قال فكيف جعلتم الجد إذا كثر الاخوة أكثر ميراثا من أحدهم؟ قلنا خبرا ولو كان ميراثه قياسا جعلناه أبدا مع الواحد وأكثر من الاخوة أقل ميراثا فنظرنا كل ما صار للاخ ميراثا فجعلنا للاخ خمسة أسهم وللجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد أبو الابن قال فلم لم تقولوا بهذا؟ قلنا لم نتوسع بخلاف ما روينا عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يخالف بعضهم إلى قول بعض فنكون غير خارجين من أقاويلهم.
ميراث ولد الملاعنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلنا إذا مات ولد الملاعنة وولد الزنا ورثت أمه حقها في كتاب الله عزوجل وإخوته لامه حقوقهم ونظرنا ما بقى فإن كانت أمه مولاة عتاقة كان ما بقى ميراثا لموالي أمه وإن كانت عربية أو لا ولاء لها كان ما بقى لجماعة المسلمين وقال بعض الناس بقولنا فيها إلا في خصلة واحدة إذا كانت أمه عربية أو لا ولاء لها ردوا ما بقى من ميراثه على عصبة أمه وكان عصبة أمه عصبته واحتجوا فيه برواية ليست بثابتة وأخرى ليست مما يقوم بها حجة وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه كما جعلتم مواليه موالى أمه؟ قلنا بالامر الذى لم نختلف نحن وأنتم في أصله ثم تركتم قولكم فيه قلت أرأيتم المولاة العتيقة تلد من مملوك أو ممن لا يعرف أليس يكون ولاء ولدها تبعا لولائها حتى يكونوا كأنهم اعتقوا معا ما لم يجر أب ولاءهم؟ قالوا بلى قلنا أو يعقل عنهم موالى أمهم ويكونون أولياء في التزويج لهم؟ قالوا بلى قلنا فإن كانت عربية فتكون عصبتها عصبة ولدها فيعقلون عنهم ويزوجون بناتهم قالوا لا قلنا فإذا كان موالى الام يقومون مقام العصبة في ولد مولاتهم وكان الاخوال لا يقومون ذلك المقام في بنى أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والاصل الذى ذهبنا إليه واحد؟ ميراث المجوس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلنا إذا أسلم المجوسى وابنة الرجل امرأته أو أخته أمه نظرنا إلى اعظم السببين فورثناها به وألغينا الآخر وأعظمهما أثبتهما بكل حال وإذا كانت أم أختا ورثناها بأنها أم وذلك أن الام قد تثبت في كل حال والاخت قد تزول وهكذا جميع فرائضهم على هذه المنازل وقال
بعض الناس أورثها من الوجهين معا فقلنا له أرأيت إذا كان معها أخت وهى أخت أم؟ قال احجبها من الثلث بأن معها أختين وأورثها من الوجه الآخر لانها أخت قلنا أرأيت حكم الله عزوجل إذ جعل للام الثلث في حال ونقصها منه بدخول الاخوة عليها أليس إنما نقصها بغيرها لا بنفسها؟ قال بلى ](4/86)
[ بغيرها نقصها فقلنا وغيرها خلافها؟ قال نعم قلنا فإذا نقصتها بنفسها أفليس قد نقصتها بخلاف ما نقصها الله عزوجل به؟ وقلنا أرأيت إذا كانت أما على الكمال فكيف يجوز أن تعطيها بنقصها دون الكمال وتعطيها أما كاملة وأختا كاملة وهما بدنان وهذا بدن؟ قال فقد دخل عليك أن عطلت أحد الحقين قلنا لما لم يكن سبيل إلى استعمالهما إلا بخلاف الكتاب وخلاف المعقول لم يجز إلا تعطيل أصغرهما لا أكبرهما قال فهل تجد علينا شيئا من ذلك؟ قلنا نعم قد تزعم أن المكاتب ليس بكامل الحرية ولا رقيق وأن كل من لم تكمل فيه الحرية صار إلى حكم العبيد لانه لا يرث ولا يورث ولا تجوز شهادته ولا يحد من قذفه ولا يحد هو إلا حد العبيد فتعطل موضع الحرية منه قال: إنى أحكم عليه أنه رقيق قلت أفى كل حاله أو في بعض حاله دون بعض؟ قال بل في بعض حاله دون بعض لانى لو قلت لك في كل حاله قلت لسيد المكاتب أن يبيعه ويأخذ ماله، قلت: فإذا كان قد اختلط أمره فلم يمحض عبدا ولم يمحض حرا فكيف لم تقل فيه بما رويته عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه يعتق منه بقدر ما أدى وتجوز شهادته بقدر ما أدى ويحد بقدر ما أدى ويرث ويورث بقدر ما أدى؟ قال لا تقول به قلنا وتصير على أصل أحكامه وهو حكم العبيد فيما نزل به وتمنعه الميراث؟ قال نعم قلنا فكيف لم تجز لنا في فرض المجوس ما وصفنا؟ وإنما صيرنا المجوس إلى أن أعطيناهم بأكثر ما يستوجبون فلم نمنعهم حقا من وجه إلا أعطيناهم ذلك الحق أو بعضه من وجه آخر وجعلنا الحكم فيهم حكما واحدا معقولا لا متبعضا لا أنا جعلنا بدنا واحدا في حكم بدنين.
ميراث المرتد (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن على بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا ]
(1) في نسخة السراج البلقينى في هذا المقام زيادة نصها: وفى اختلاف العراقيين " باب المواريث " أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وإذا مات الرجل وترك أخاه لابيه وأمه وجده فإن أبا حنيفة كان يقول المال كله للجد وهو بمنزلة الاب في كل ميراث وكذلك بلغنا عن أبى بكر الصديق وعن عبد الله بن عباس وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وعن عبد الله بن الزبير أنهم كانوا يقولون: الجد بمنزلة الاب إذا لم يكن له أب وكان ابن أبى ليلى يقول في الجد يقول على بن أبى طالب رضى الله عنه للاخ النصف وللجد النصف وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود في هذه المنزلة (قال الشافعي) وإذا هلك الرجل وترك جده وأخاه لابيه وأمه فالمال بينهما نصفان وهكذا قال زيد بن ثابت على وعبد الله بن مسعود، وروى عن عثمان وخالفهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه فجعل المال للجد وقالت عائشة معه وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عتبة وهو مذهب الكلام في الفرائض وذلك أنهم يتوهمون أنه القياس وليس واحد من القولين بقياس غير أن طرح الاخ بالجد أبعد من القياس من إثبات الاخ معه وقد قال بعض من يذهب هذا المذهب إنما طرحنا الاخ بالجد لثلاث خصال أنتم مجتمعون معنا عليها منها أنكم تحجبون به بنى الام وكذلك منزلة الاب ولا تنقصونه من السدس وكذلك منزلة الاب وأنتم تسمونه أبا فقال الشافعي: فقلت إنما حجبنا به بنى الام خبرا لا قياسا على الاب قال وكيف ذلك؟ قلت نحن نحجب بنى الام ببنت ابن ابن متسفلة وهذه وإن وافقت منزلة الاب في هذا الموضع فلم نحكم لها نحن وإنت بأن تكون تقوم مقام الاب في غيره إذا وافقه في معنى وإن خالفه في غيره فأما بأنا لا ننقصه من السدس فإنا لم ننقصه =(4/87)
[ الكافر المسلم " (قال الشافعي) وبهذا نقول فكل من خالف دين الاسلام من اهل الكتاب ومن أهل الاوثان فإن ارتد أحد من هؤلاء عن الاسلام لم يرثه المسلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع الله الولاية بين المسلمين والمشركين فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتد وحده فإنه قال ترثه ورثته من المسلمين فقلنا فيعدو المرتد أن يكون داخلا في معنى الكافرين أو يكون في أحكام المسلمين؟ فإن قلت: هو في بعض حكمه في أحكام المسلمين، قلنا أفيجوز أن يكون كافرا في حكم مؤمنا في غيره؟ فيقول لك غيرك فهو كافر حيث جعلته مؤمنا ومؤمن حيث جعلته كافرا، قال لا، قلنا أفليس يجوز لك ] = خبرا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفرأيتنا وإياك أقمناها مقام الاب أن وافقته في معنى؟ واما اسم الابوة فنحن
وأنت نلزم من بيننا وبين آدم اسم الابوة وإذا كان ذلك ودون أحدهم أب أقرب منه لم يرث، وكذلك لو كان كافرا، والموروث مسلما، أو قاتلا والموروث مقتولا، أو كان الموروث حرا والاب مملوكا، فلو كان إنما ورثنا باسم الابوة فقط ورثنا هؤلاء الذين حرمناهم كلهم ولكنا إنما ورثناهم خبرا لا بالاسم فقال فأى القولين أشبه بالقياس؟ قلت ما منهما قياس والقول الذى اخترت أبعد من القياس والعقل قال.
فأين ذلك؟ قلت أرأيت الجد والاخ إذا طلبا ميراث الميت أيدليان بقرابة أنفسهما أم بقرابة غيرهما؟ قال وما ذلك؟ قلت أليس إنما يقول الجد أنا أبو أبي الميت ويقول الاخ أنا ابن أبى الميت؟ قال بلى قلت فبقرابة أبى الميت يدليان معا إلى الميت؟ قال بلى قلت فاجعل أبا الميت هو الميت أيهما أولى بكثرة ميراثه ابنه أو أبوه؟ قال بل ابنه لان له خمسة أسداس ولابيه السدس قلت وكيف حجبت الاخ بالجد والاخ إذا مات الاب أولى بكثرة ميراثه من الجد لو كنت حاجبا أحدهما بالآخر انبغى ان تحجب الجد بالاخ؟ قال وكيف كان يكون القياس فيه؟ قلت لا معنى للقياس فيهما معا يجوز ولو كان له معنى أنبغى أن يجعل للاخ أبدا حيث كان مع الجد خمسة أسداس وللجد السدس وقلت أرأيت الاخوة أمثبتين الفرض في كتاب الله عز وجل؟ قال نعم قلت أفهل للجد في كتاب الله عزوجل فرض؟ فقال لا قلت وكذلك السنة هم مثبتون فيها ولا أعلم للجد في السنة فرضا إلا من وجه واحد لا يثبته أهل الحديث قلت كل التثبيت فلا أعلمك إلا طرحت الاقوى من كل وجه بالاضعف وإذا أقرت الاخت وهى لاب وأم وقد ورث معها العصبة بالاخ للاب فإن أبا حنيفة كان يقول تعطيه نصف ما هو في يدها لانها أقرت أن المال كله بينهما نصفين فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبهذا يؤخذ وكان ابن أبى ليلى لا يعطيه مما في يدها شيئا لانها أقرت بما في يدى العصبة وهو سواء في الورثة كلهم ما قالا جميعا (قال الشافعي) وإذا مات الرجل وترك أخته لابيه وأمه وعصبة فأقرت الاخت بأخ فالقياس أن لا يأخذ شيئا.
وهكذا كل من أقر به وارث فكان إقراره لا يثبت نسبه فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذى أقر له به لانه إذا كان وارثا بسبب كان مورثا به وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شئ فلما سقط أن تكون مملوكة عليه بشئ سقط الاقرار له ومثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه (1) وقد تصادقا على أنه ملك المالك إلى ملك المشترى فلما لم يسلم المشترى ما زعم أنه ملكه به سقط الاقرار، فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق وقد
أحطنا أنه لم يقر له من دين ولا وصية ولا حق على المقر له إلا الميراث الذى إذا ثبت له ثبت أن يكون موروثا به وإذا لم يثبت له أن يكون موروثا بالنسب لم يثبت أن يكون وارثا به، وإذا مات الرجل وترك أمرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته ثم جاءت بولد بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة، فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقبل هذا ولا أثبت نسبه ولا أورثه بشهادة امرأة وكان ابن أبى ليلى يقول أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها وبهذا يؤخذ (قال الشافعي) =
__________
(1) قوله: وقد تصادفا على أنه ملك المالك الخ لعله " على أنه نقل ملك المالك " وحرر.
كتبه مصححه.(4/88)
[ من هذا شئ إلا جاز عليك مثله؟ قال فإنا إنما صرنا في هذا إلى أثر رويناه أن على بن أبى طالب رضى الله عنه قتل المستورد وورث ميراثه ورثته المسلمين قلنا فقد زعم بعض أهل الحديث منكم أنه غلط ونحن نجعله لك ثابتا أفرأيت حكمه في سوى الميراث أحكم مشرك أو مسلم؟ قال بل حكم مشرك قلنا فإن حبست المرتد لتقتله أو لتستتيبة فمات ابن له مسلم أيرثه؟ قال لا، قلنا أفرأيت أحدا قط لا يرث ولده إلا أن يكون قاتله ويرثه ولده؟ إنما أثبت الله عزوجل المواريث للابناء من الآباء حيث أثبت المواريث للآباء من الابناء وقطع ولاية المسلمين من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] = وإذا مات الرجل وترك ولدا وزوجة فأنكر ابنه ولدها فجاءت بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته كان نسبه ثابتا وكان وارثا ولا أقبل فيه أقل من أربع نسوة قياسا على القرآن لان الله عزوجل ذكرها شاهدين وشاهدا وامرأتين فأقام امرأتين حيث أجازهما مقام رجل فلما أجزنا النساء فيما تغيبت عنه الرجال لم يجز أن نجيز منهن إلا أربعا قياسا على ما وصفت.
وجملة هذا القول قول عطاء بن أبى رباح، وإذا كان لرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمة فأقر في صحته أن أحدهما أبنه ثم مات ولم يبين ذلك، فإن أبا حنيفة قال لا يثبت نسب واحد منهما ويعتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته، وكذلك أمهاتهما وبه نأخذ.
وكان ابن أبى ليلى يثبت نسب أحدهما ويرثان ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما (قال الشافعي) وإذا كان لرجل أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد بأن أحدهما ابنه ومات ولا يعرف أيهما أقر به، فإنا نريهما القافة فإن ألحقوا به أحدهما جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد تعتق بموته وأرققنا الآخر، وإن لم يكن قافة أو كانت فأشكل عليهم لم نجعل ابنه واحدا منهما وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه بأنها أم ولد وأرققنا الآخر وأمه، وأصل هذا
مكتوب في كتاب العتق.
وإذا كانت الدار في يدى رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما والذى هي في يديه منكر لذلك فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقضى بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد تركها ميراثا لابيه ولابي صاحبه لا يعلمون له وارثا غيرهما ثم توفى أبو هذا وترك نصيبه منها لهذا ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره.
وكان ابن أبى ليلى يقول أقضى له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع الذى هي في يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث كما وصفت لك في قول أبى حنيفة ولا يقولان لا نعلم في قول ابن أبى ليلى ولكن يقولان لا وارث له غيرهما في قول ابن أبى ليلى وقال أبو يوسف أسكنه ولا يقتسمان (قال الشافعي) وإذا كانت الدار في يدى الرجل فأقام ابن عمه البينة أنها دار جدهما أبى أبيهما ولم تقل البينة أكثر من ذلك والذى في يديه الدار منكر قضيت بها دارا لجدهما ولم أقسمها بينهما حتى تثبت البينة على من ورث جدهما ومن ورث أباهما لانى لا أدرى لعل معهما ورثة أو أصحاب دين أو وصايا وأقبل البينة إذا قالوا مات جدهما وتركها ميراثا لا وارث له غيرهما ولا يكونون بهذا شهودا على ما يعلمون لانهم في هذا كله إنما يشهدون على الظاهر كشهادتهم على النسب وكشهادتهم على الملك وكشهادتهم على العدل ولا أقبلهم إذا قالوا لا نعلم وارثا غير فلان وفلان إلا أن يكونوا من أهل الخبرة بالمشهود عليه الذين يكون الاغلب منهم أنه لا يخفى عليهم وارث لو كان وذلك أن يكونوا ذوى قرابة أو مودة أو خلطة أو خبرة بجوار أو غيره فإذا كانوا هكذا قبلتهم على العلم لان معنى البت معنى العلم ومعنى العلم معنى البت، وإذا توفى الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا فإن أبا حنيفة كان يحدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال: ما كان للرجال من متاع فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للباقى منهما المرأة كانت أو الرجل، وكذلك الزوج إذا طلق.
والباقى الزوج في الطلاق وبه كان يأخذ أبو حنيفة وابو يوسف وقال بعد ذلك لا يكون للمرأة إلا ما يجهز به مثلها في ذلك كله لانه يكون رجل تاجر عنده متاع البيت من تجارته أو صائغ أو تكون رهون عند رجل.
وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كان الرجل أو طلق فمتاع البيت كله متاع الرجل إلا الدرع والخمار وشبهه إلا أن يقوم لاحدهما بينه على دعواه ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت لك في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا أو بعدما تفرقا كان البيت للرجل أو المرأة أو بعد ما يموتان واختلف في ذلك ورثتهما بعد موتهما أو ورثة الميت منهما والباقي كان الباقي =(4/89)
[ أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فإن كان المرتد خارجا من معنى حكم الله تبارك وتعالى وحكم
رسوله صلى الله عليه وسلم من بين المشركين بالاثر الذى زعمت لزمك أن تكون قد خالفت الاثر لان على بن أبى طالب رضى الله عنه لم يمنعه ميراث ولده لو ماتوا وهو لو ورث ولده منه انبغى أن يورثه ولده إذا كان عنده مخالفا لغيره من المشركين ولو جاز أن يرثوه ولا يرثهم كان في مثل معنى ما حكم به معاوية بن أبى سفيان وتابعه عليه غيره فقال نرث المشركين ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا أفرأيت إن احتج عليك أحد بهذا من قول معاوية ومن تابعه عليه منهم سعيد بن المسيب ومحمد بن على بن الحسين وغيرهما وقد روى عن معاذ بن جبل شبيهه، وقد قاله معاوية ومعاذ في أهل الكتاب، وقال لك إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يحكم به على أهل الاوثان والنساء اللاتى يحللن للمسلمين نساء أهل الكتاب لا نساء أهل الاوثان فقال لمعاذ بن جبل ولمعاوية ولهما فقه وعلم فلم لم توافق قولهما؟ وقد يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " أن يكون أراد به الكفار من أهل الاوثان واتبع معاوية ومعاذا في أهل الكتاب فأورث المسلم من الكافر ولا أورث الكافر من المسلم كما أقول في نكاح نسائهم قال لا يكون ذلك له لانه إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم " الكافر فهذا على جميع الكفار، قلنا ولم لا تستدل بقول من سمينا مع أن الحديث محتمل له؟ قال إنه قل حديث إلا وهو يحتمل معاني والاحاديث على ظاهرها لا تحال عنه إلى معنى تحتمله إلا بدلالة عمن حدث عنه قلنا ولا يكون أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مقدما حجة في أن يقول بمعنى يحتمله الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا قلنا فكل ما قلت من هذا حجة عليك في ميراث المرتد وفيما رويت عن على بن أبى طالب رضى الله عنه ] = للزوج أو الزوجة فسواء ذلك كله فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له ومن لم يقم بينة فالقياس الذى لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الاجماع عليه أن هذا المتاع في أيديهما معا فهو بينهما نصفان كما يختلف الرجلان في المتاع بأيديهما جميعا فيكون بينهما نصفين بعد الايمان فإن قال قائل وكيف يكون للرجل الصنوج والحلوق والدروع والخمر ويكون للمرأة السيف والرمح والدرع؟ قيل قد يملك الرجال متاع النساء والنساء متاع الرجال أو رأيت لو أقام الرجال البينة على متاع النساء والمرأة البينة على متاع الرجال أليس يقضى لكل بما أقام عليه البينة؟ فإذا قال بلى قيل أفليس قد زعمت وزعم الناس أن كينونة الشئ في يدى المتنازعين يثبت لكل النصف؟ فإن قال بلى قيل كما تثبت له البينة
فإن قال بلى قيل فلم لم تجعل الزوجين هكذا وهى في أيديهما؟ فإن استعملت عليه الظنون وتركت الظاهر قيل لك فما تقول في عطار ودباغ في أيديهما عطر ومتاع الدباغ تداعياه معا فإن زعمت أنك تعطى الدباغ متاع الدباغين والعطار متاع العطارين قيل فما تقول في رجل غيره موسر ورجل موسر تداعيا ياقوتا ولؤلؤا؟ فإن زعمت أنك تجعله للموسر وهو في أيديهما معا خالفت مذهب العامة وإن زعمت أنك تقسمه بينهما ولا تستعمل عليهما الظن فهكذا ينبغى لك أن تقول في متاع الرجل والمرأة وإذا أسلم الرجل على يدى الرجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث له فإن أبا حنيفة كان يقول ميراثه له بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن مسعود وبهذا نأخذ وكان ابن أبى ليلى لا يورثه تثبتا بمطرف عن الشعبى أنه قال لا ولاء إلا الذى لا نعمة.
الليث ابن أبى سليم عن أبى الاشعث الصنعانى عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن الرجل يسلم على يدى الرجل فيموت ويترك ما لا فهو له وإن أبى فلبيت المال قال أبو حنيفة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل الارض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود عن ذلك فقال ماله له (قال الشافعي) وإذا أسلم الرجل على يدى الرجل ووالاه ثم مات لم يكن له ميراثه من قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن أعتق " وهذا يدل على معنيين أحدهما أن الولاء لا يكون إلا لمن أعتق والآخر على أن لا يتحول الولاء عمن أعتق وهذا مكتوب في " كتاب الولاء ".(4/90)
[ مثله (قال الشافعي) وقلنا لا يؤخذ مال المرتد عنه حتى يموت أو يقتل على ردته وإن رجع إلى الاسلام كان أحق بماله.
وقال بعض الناس إذا ارتد فلحق بدار الحرب قسم الامام ميراثه كما يقسم ميراث الميت وأعتق أمهات أولاده ومدبريه وجعل دينه المؤجل حالا وأعطى ورثته ميراثه فقيل له عبت أن يكون عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما حكما في دار السنة والهجرة في امرأة المفقود الذى لا يسمع له بخبر والاغلب أنه قد مات بأن تتربص امرأته أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح فقلت وكيف نحكم بحكم الوفاة على رجل امرأته وقد يمكن أن يكون حيا؟ وهم لم يحكموا في ماله بحكم الحياة إنما حكموا به لمعنى الضرر على الزوجة، وقد نفرق نحن وأنت بين الزوج وزوجته بأقل من هذا الضرر على الزوجة فنزعم أنه إذا كان عنينا فرق بينهما ثم صرت برأيك إلى أن حكمت على رجل حى لو ارتد بطرسوس فامتنع بمسلحة الروم ونحن نرى حياته بحكم الموتى في كل شئ في ساعة من نهار خالفت
فيه القرآن ودخلت في أعظم من الذي عبت.
وخالفت من عليك عندك اتباعه فيما عرفت وأنكرت قال وأين القرآن الذي خالفت؟ قلت قال: قال الله عزوجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " وقال عزوجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم " فإنما تقل ملك الموتى إلى الاحياء والموتى خلاف الاحياء ولم ينقل بميراث قط ميراث حى إلى حى فنقلت ميراث الحى إلى الحى وهو خلاف حكم الله تبارك وتعالى.
قال فإنى أزعم أن ردته ولحوقه بدار الحرب مثل موته، قلت قولك هذا خبر؟ قال ما فيه خبر ولكني قلته قياسا.
قلت فأين القياس؟ قال ألا ترى أنى لو وجدته في هذه احال قتلته فكان ميتا، قلت قد علمت أنك إذا قتلته مات فأنت لم تقتله فأين القياس؟ إنما قتله لو مته فأنت لم تمته.
ولو كنت بقولك لو قدرت عليه قتلته كالقاتل له لزمك إذا رجع إلى بلاد الاسلام أن يكون حكمه الميت فتنفذ عليه حكم الموتى.
قال ما أفعل وكيف أفعل وهو حى؟ قلت قد فعلت؟ ولا وهو حى ثم زعمت أنك إن حكمت عليه بحكم الموتى فرجع تائبا وأم ولده قائمة ومدبره قائم وفى يد غريمه ماله بعينه الذى دفعته إليه وهو إلى عشر سنين وفى يد أبيه ميراث فقال لك رد على مالى وهذا غريمي يقول هذا مالك بعينه لم أغيره وإنما هو لى إلى عشر سنين وهذه أم ولدى ومدبري بأعيانهما قال لا أرده عليه لان الحكم قد نفذ فيه، قلنا فكيف رددت عليه ما في يدى وارثه وقد نفذ له به الحكم؟ قال هذا ماله بيعنه، قلنا والمال الذى في يد غريمه وأم ولده ومدبره ماله بعينه، فكيف نقضت الحكم في بعضه دون بعض؟ هل قلت هذا خبرا أو قياسا قال ما قلته خبرا ولكن قلته قياسا، قلنا فعلى أي شئ قسته؟ قال على أموال أهل البغى يصيبها أهل العدل، فإن تاب أهل البغى فوجدوا أموالهم بأعيانها أخذوها وإن لم يجدوها بأعيانها لم يغرمها أهل العدل، وكذلك ما أصاب أهل العدل لاهل البغى، قلنا فهذا وجد ماله بعينه فرددت بعضه ولم تردد بعضه فأما أهل العدل لو أصابوا لاهل الغى أم ولد أو مدبرة رددتهما على صاحبهما وقلت لا يعتقان ولا يملكهما غير صاحبهما وليس هكذا قلت في مال المرتد.
ميراث المشركة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلنا إن المشركة زوج وأم وأخوان لاب وأم وأخوان لام فللزوج
النصف وللام السدس وللاخوين من الام الثلث ويشركهم بنو الاب لان الاب لما سقط حكمه صاروا ](4/91)
[ بنى أم معا وقال بعض الناس مثل قولنا إلا أنهم قالوا لا يشركهم بنو الاب والام واحتجوا علينا بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيها فقال بعضهم قولنا وقال بعضهم قولهم فقالوا اخترنا قول من قلنا بقوله من قبل أنا وجدنا بنى الاب والام قد يكونون مع بنى الام فيكون للواحد منهم الثلثان وللجماعة من بنى الام الثلث وووجدنا بنى الاب والام قد يشركهم أهل الفرائض فيأخذون أقل مما يأخذ بنو الام فلما وجدناهم مرة يأخذون أكثر مما يأخذون ومرة أقل مما يأخذون فرقنا بين حكميهم فورثنا كلا على حكمه لانا وإن جمعتهم الام لم نعطهم دون الاب وإن أعطيناهم بالاب مع الام فرقنا بين حكميهم فقلنا إنا إنما أشركناهم مع بنى الام لان الام جمعتهم وسقط حكم الاب فإذا سقط حكم الاب كان كأن لم يكن ولو صار للاب موضع يكون له فيه حكم استعملناه قل نصيبهم أو كثر قال فهل تجد مثل ما وصفت من أن يكون الرجل مستعملا في حال ثم تأتى حال فلا يكون مستعملا فيها؟ قلنا نعم قال وما ذاك؟ قلنا ما قلنا نحن وأنت وخالفت فيه صاحبك من الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ولو نكحها بعد واحدة أو اثنتين لم يهدم الواحد ولا الثنتين كما يهدم الثلاث لانه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذى تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج كما كانت تحل لو لم يطلقها لم يكن له معنى فلم نستعمله قال إنا لنقول هذا خبرا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قلت وقياسا كما وصفنا لانه قد خالف عمر فيه غيره قال فهل تجد لى هذا في الفرائض؟ قلت نعم الاب يموت ابنه وللابن إخوة فلا يرثون مع الاب فإذا كان الاب قاتلا ورثوا ولم يورث الاب من قبل أن حكم الاب قد زال وما زال حكمه كان كمن لم يكن فلم نمنعهم الميراث به إذا صار لا حكم له كما منعناهم به إذا كان له حكم وكذلك لو كان كافرا أو مملوكا قال فهذا لا يرث بحال وأولئك يرثون بحال قلنا أو ليس إنما ننظر في الميراث إلى الفريضة التى يدلون فيها بحقوقهم لا ننظر إلى حالهم قبلها ولا بعدها؟ قال وما تعنى بذلك؟ قلت لو لم يكن قاتلا ورث وإذا صار قاتلا لم
يرث ولو كان مملوكا فمات ابنه لم يرث ولو عتق قبل أن يموت ورث قال هذا هكذا؟ قلنا فنظرنا إلى الحال التى لم يكن فيها للاب حكم في الفريضة أسقطنهاه ووجدناهم لا يخرجون من أن يكونوا إلى بنى الام.
كتاب الوصايا أخبرنا الربيع بن سليمان قال كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي من خطه بيده ولم نسمعه منه وذكر الربيع في أوله وإذا أوصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده وذكر بعده تراجم وفى آخرها ما ينبعى أن يكون مقدما وهو: باب الوصية وترك الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية: إن قوله صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ له مال يحتمل ما لا مرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " ويحتمل ما المعروف في الاخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض.
](4/92)
[ باب الوصية يمثل نصيب أحد ولده أو أحد ورثته ونحو ذلك، وليس في التراجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده، فإن كانوا اثنين فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع حتى يكون مثل أحد ولده، وإن كان أوصى بمثل نصيب ابنه، فقد أوصى له بالنصف فله الثلث كاملا إلا أن يشاء الابن أن يسلم له السدس (قال) وإنما ذهبت إذا كانوا ثلاثة إلى أن يكون له الربع وقد يحتمل أن يكون له الثلث لانه يعلم أن أحد ولده الثلاثة يرثه الثلث وأنه لما كان القول محتملا أن يكون أراد أن يكون كأحد ولده وأراد أن يكون له مثل ما يأخذ أحد ولده، جعلت به الاقل فأعطيته إياه لانه اليقين ومنعته الشك، وهكذا لو قال أعطوه مثل نصيب أحد ولدى فكان في ولده رجال ونساء أعطيته نصيب امرأة لانه أقل، وهكذا لو كان ولده ابنة وابن ابن، فقال أعطوه مثل نصيب احد ولدى أعطيته السدس، ولو كان ولد الابن اثنين أو أكثر أعطيته أقل ما يصيب واحدا منهم، ولو قال له مثل نصيب أحد ورثتي، فكان في ورثته امرأة ترثه ثمنا ولا
وارث له يرث أقل من ثمن أعطيته إياه، ولو كان له أربع نسوة يرثنه ثمنا أعطيته ربع الثمن، وهكذا لو كانت له عصبة فورثوه أعطيته مثل نصيب أحدهم وإن كان سهما من ألف سهم، وهكذا لو كانوا موالى، وإن قل عددهم وكان معهم وارث غيرهم زوجة أو غيرها أعطيته أبدا الاقل مما يصيب أحد ورثته، ولو كان ورثته إخوة لاب وأم وإخوة لاب وإخوة لام، فقال أعطوه مثل نصيب أحد إخوتى أو له مثل نصيب أحد إخوتى فذلك كله سواء، ولا تبطل وصيته بأن الاخوة للاب لا يرثون ويعطى مثل نصيب أقل إخوته الذين يرثونه نصيبا، إن كان أحد إخوته لام أقل نصيبا أو بنى الام والاب أعطى مثل نصيبه (قال) ولو قال أعطوه مثل أكثر نصيب وارث لى نظر من يرثه فأيهم كان أكثر له ميراثا أعطى مثل نصيبه حتى يستكمل الثلث، فإن جاوز نصيبه الثلث لم يكن له إلا الثلث، إلا ان يشاء ذلك الورثة، وهكذا لو قال أعطوه أكثر مما يصيب أحدا من ميراثي أو أكثر نصيب أحد ولدى أعطى ذلك حتى يستكمل الثلث ولو قال أعطوه ضعف ما يصيب أكثر ولدى نصيبا أعطى مثلى ما يصيب أكثر ولده نصيبا ولو قال ضعفي ما يصيب ابني نظرت ما يصيب ابنه فإن كان مائة أعطيته ثلثمائة فأكون أضعفت المائة التى تصيبه بميراثه مرة ثم مرة فذاك ضعفان وهكذا إن قال ثلاثة أضعاف وأربعة لم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به ولو قال أعطوه مثل نصيب أحد من أوصيت له أعطى أقل ما يصيب أحدا ممن أوصى له لانى إذا أعطيته أقل فقد أعطيته ما أعلم أنه أوصى له به فأعطيته باليقين ولا أجاوز ذلك لانه شك والله تعالى أعلم.
باب الوصية بجزء من ماله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال لفلان نصيب من مالى أو جزء من مالى أو حظ من مالى كان هذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم لان كل شئ جزء ونصيب وحظ، فإن قال الموصى له قد علم الورثة أنه أراد أكثر من هذا أحلف الورثة ما تعلمه أراد أكثر مما أعطاه ونعطيه وهكذا لو قال أعطوه جزءا قليلا من مالى أو حظا أو نصيبا ولو قال مكان قليل كثيرا ما عرفت للكثير حدا وذلك أنى لو ذهبت إلى أن أقول الكثير كل ما كان له حكم وجدت قوله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ](4/93)
[ يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " فكان مثقال ذرة قليلا وقد جعل الله تعالى لها حكما يرى في الخير والشر ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء يقضى بأدائه على من أخذه غصبا أو تعديا أو استهلكه (قال الشافعي) ووجدت ربع دينار قليلا وقد يقطع فيه (قال الشافعي) ووجدت مائتي درهم قليلا وفيها زكاة وذلك قد يكون قليلا فكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير فلما لم يكن للكثير حد يعرف وكان اسم الكثير يقع على القليل كان ذلك إلى الورثة وكذلك لو كان حيا فأقر لرجل بقليل ماله أو كثيره كان ذلك إليه فمتى لم يسم شيئا ولم يحدده فذلك إلى الورثة لانى لا أعطيه بالشك ولا أعطيه إلا باليقين.
باب الوصية بشئ مسمى بغير عينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أوصى لرجل فقال أعطوه عبدا من رقيقي أعطوه أي عبد شاءوا وكذلك لو قال اعطوه شاة من غنمي أو بعيرا من إبلى أو حمارا من حميري أو بغلا من بغالى أعطاه الورثة أي ذلك شاءوا مما سماه ولو قال أعطوه أحد رقيقي أو بعض رقيقي أو رأسا من رقيقي أعطوه أي رأس شاءوا من رقيقه ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا معيبا أو غير معيب وكذلك إذا قال دابة من دوابى أعطوه أي دابة شاءوا أنثى أو ذكرا صغيرة كانت أو كبيرة وكذلك يعطونه صغيرا من الرقيق إن شاءوا أو كبيرا ولو أوصى فقال أعطوه رأسا من رقيقي أو دابة من دوابى فمات من رقيقه رأس أو من دابة فقال الورثة هذا الذى أوصى لك به وأنكر الموصى له ذلك فقد ثبت للموصى له عبد أو رأس من رقيقه فيعطيه الورثة أي ذلك شاءوا وليس عليه ما مات ما حمل الثلث ذلك كما لو أوصى له بمائة دينار فهلك من ماله مائة دينار لم يكن عليه أن يحسب عليه ما حمل ذلك الثلث وذلك أنه جعل المشيئة فيما يقطع به إليهم فلا يبرءون حتى يعطوه إلا أن يهلك ذلك كله فيكون كهلاك عبد أوصى له به بعينه وإن لم يبق إلا واحد مما أوصى له به من دواب أو رقيق فهو له وإن هلك الرقيق أو الدواب أو ما أوصى له به كله بطلت الوصية.
باب الوصية بشئ مسمى لا يملكه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال الموصى أعطوا فلانا شاة من غنمي أو بعيرا من إبلى أو
عبدا من رقيقي أو دابة من دوابى فلم يوجد له دابة ولا شئ من الصنف الذى أوصى له به بطلت الوصية لانه أوصى له بشئ مسمى أضافه إلى ملكه لا يملكه وكذلك لو أوصى له وله هذا الصنف فهلك أو باعه قبل موته بطلت الوصية له ولو مات وله من صنف ما أوصى فيه شئ فمات ذلك الصنف إلا واحدا كان ذلك الواحد للموصى له إذا حمله الثلث ولو مات فلم يبق منه شئ بطلت وصية الرجل له بذهابه ولو تصادقوا على أنه بقى منه شئ فقال الموصى له استهلكه الورثة وقال الورثة بل هلك من السماء كان القول قول الورثة وعلى الموصى له البينة فإن جاء بها قيل للورثة أعطوه ما شئتم مما يكون مثله ثمنا لاقل الصنف الذى أوصى له به والقول في ثمنه قولكم إذا جئتم بشئ يحتمل واحلفوا له إلا أن يأتي ببينة على أن أقله ثمنا كان مبلغ ثمنه كذا ولو استهلك ذلك كله وارث أو أجنبي كان للموصى له أن ](4/94)
[ يرجع على مستهلكه من كان بثمن أي شئ سلمه له الوارث منه فإن أخذ الوارث منه ثمن بعض ذلك الصنف وأفلس ببعضه رجع الموصى له على الوارث بما أصاب ما سلم له الوارث من ذلك الصنف بقدر ما أخذ كأنه أخذ نصف ثمن غنم فقال الوارث أسلم له أدنى شاة منها وقيمتها درهمان فيرجع على الوارث بدرهم وهكذا هذا في كل صنف، والله تعالى أعلم.
باب الوصية بشاة من ماله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا أوصى لرجل بشاة من ماله قيل للورثة أعطوه أي شاة شئتم كانت عندكم أو اشتريتموها له صغيرة أو كبيرة ضائنة أو ماعزة فإن قالوا نعطيه ظبيا أو أو أروية لم يكن ذلك لهم وإن وقع على ذلك اسم شاة لان المعروف إذا قيل شاة ضائنة أو ماعزة وهكذا لو قالوا نعطيك تيسا أو كبشا لم يكن ذلك لهم لان المعروف إذا قيل شاة أنها أنثى وكذلك لو قال أعطوه بعيرا أو ثورا من مالى لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ولا بقرة لانه لا يقع على هذين اسم البعير ولا الثور على الانفراد وهكذا لو قال أعطوه عشر أينق من مالى لم يكن لهم أن يعطوه فيها ذكرا وهكذا لو قال أعطوه عشرة أجمال أو عشرة أثوار أو عشرة أتياس لم يكن لهم أن يعطوه أنثى من واحد من هذه الاصناف ولو قال أعطوه عشرا من غنمي أو عشرا من إبلى أو عشرا من أولاد غنمي أو إبلي أو بقرى أو قال أعطوه
عشرا من الغنم أو عشرا من البقر أو عشرا من الابل كان لهم أن يعطوه عشرا إن شاءوا إناثا كلها وإن شاءوا ذكورا كلها وإن شاءوا ذكورا وإناثا لان الغنم والبقر والابل جماع يقع على الذكور والاناث ولا شئ أولى من شئ ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " فلم يختلف الناس أن ذلك في الذكور دون الاناث والاناث دون الذكور والذكور والاناث لو كانت لرجل ولو قال أعطوا فلانا من مالى دابة قيل لهم أعطوه إن شئتم من الخيل أو البغال أو الحمير أنثى أو ذكرا لانه ليس الذكر منها بأولى باسم الدابة من الانثى ولكنه لو قال أنثى من الدواب أو ذكرا من الدواب لم يكن له إلا ما أوصى به ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا أعجف كان أو سيمنا معيبا كان أو سليما.
والله تعالى الموفق.
باب الوصية بشئ مسمى فيهلك بعينه أو غير عينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أوصى الرجل لرجل بثلث شئ واحد بعينه مثل عبد وسيف ودار وأرض وغير ذلك فاستحق ثلثا ذلك الشئ أو هلك وبقى ثلثه مثل دار ذهب السيل بثلثيها أو أرض كذلك فالثلث كالباقي للموصى له به إذا خرج من الثلث من قبل أن الوصية موجودة وخارجة من الثلث.
باب ما يجوز من الوصية في حال ولا يجوز في أخرى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو قال أعطوا فلانا كلبا من كلابي وكانت له كلاب كانت الوصية ](4/95)
[ جائزة لان الموصى له يملكه بغير ثمن وإن استهلكه الورثة ولم يعطوه إياه أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه لانه لا ثمن للكلب ولو لم يكن له كلب فقال أعطوا فلانا كلبا من مالى كانت الوصية باطلة لانه ليس على الورثة ولا لهم أن يشتروا من ثلثه كلبا فيعطوه إياه ولو استوهبوه فوهب لهم لم يكن داخلا في ماله وكان ملكا لهم ولم يكن عليهم أن يعطوا ملكهم للموصى له والموصى لم يملكه ولو قال أعطوه طبلا من طبولي وله الطبل الذى يضرب به للحرب والطبل الذى يضرب به للهو فإن كان الطبل الذى يضرب به للهو يصلح لشئ غير اللهو قيل للورثة أعطوه أي الطبلين شئتم لان كلا يقع عليه اسم طبل ولو لم يكن
له إلا أحد الصنفين، لم يكن لهم أن يعطوه من الآخر وهكذا لو قال أعطوه طبلا من مالى وطبل له ابتاع له الورثة أي الطبلين شاءوا بما يجوز له فيه وإن ابتاعوا له الطبل الذى يضرب به للحرب فمن أي عود أو صفر شاءوا ابتاعوه ويبتاعونه وعليه أي جلد شاءوا مما يصلح على الطبول فإن أخذه بجلدة لا تعمل على الطبول لم يجز ذلك حتى يأخذوه بجلدة يتخذ مثلها على الطبول وإن كانت أدنى من ذلك (1) فإن اشترى له الطبل الذى يضرب به فكان يصلح لغير الضرب واشترى له طبلا فإن كان الجلدان اللذان يجعلان عليهما يصلحان لغير الضرب أخذ بجلدته وإن كانا لا يصلحان لغير الضرب أخذ الطبلين بغير جلدين وإن كان يقع على طبل الحرب اسم طبل بغير جلدة أخذته الورثة إن شاءوا بلا جلد وإن كان الطبل الذى يضرب به لا يصلح إلا للضرب لم يكن للورثة أن يعطوه طبلا إلا طبلا للحرب كما لو كان أوصى له بأى دواب الارض شاء الورثة لم يكن لهم أن يعطوه خنزيرا ولو قال أعطوه كبرا كان الكبر الذى يضرب به دون ما سواه من الطبول ودون الكبر الذى يتخذه النساء في رؤوسهن لانهن إنما سمين ذلك كبرا تشبيها بهذا وكان القول فيه كما وصفت إن صلح لغير الضرب جازت الوصية وإن لم يصلح إلا للضرب لم تجز عندي ولو قال أعطوه عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسى وعصى وغيرها فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذى يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود فإن كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ولم يكن عليه إلا أقل ما يقع عليه اسم عود واصغره بلا وتر وإن كان لا يصلح إلا للضرب بطلت عندي الوصية وهكذا القول في المزامير كلها وإن قال مزمار من مزاميرى أو من مالى فإن كانت له مزامير شتى فأيها شاءوا أعطوه وإن لم يكن له إلا صنف منها أعطوه من ذلك الصنف وإن قال مزمار من مالى أعطوه أي مزمار شاءوا ناى أو قصبة أو غيرها إن صلحت لغير الزمر وإن لم تصلح إلا للزمر لم يعط منها شيئا ولو أوصى رجل لرجل بجرة خمر بعينها بما فيها أهريق الخمر وأعطى ظرف الجرة ولو قال أعطوه قوسا من قسي وله قسى معمولة وقسى غير معمولة أو ليس له منها شئ فقال أعطوه عودا من القسى كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس شاءوا صغيرة أو كبيرة عربية أو أي عمل شاءوا إذا وقع عليها اسم قوس ترمى بالنبل أو النشاب أو الحسبان ومن أي عود شاءوا ولو أرادوا أن يعطوه قوس جلاهق أو قوس نداف أو قوس كرسف لم
يكن لهم ذلك لان من وجه بقوس فإنما يذهب إلى قوس رمى بما وصفت وكذلك لو قال أي قوس شئتم أو أي قوس الدنيا شئتم ولكنه لو قال أعطوه أي قوس شئتم مما يقع عليه اسم قوس أعطوه إن شاءوا قوس نداف أو قوس قطن أو ما شاءوا مما وقع عليه اسم قوس ولو كان له صنف من القسى فقال أعطوه ]
__________
(1) قوله: فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح إلى قوله " وان كان الطبل الذي يضرب به الخ " كذا في جميع النسخ ولعل في العبارة سقطا وحرر.
كتبه مصححه.(4/96)
[ من قسي لم يكن لهم أن يعطوه من غير ذلك الصنف ولا عليهم وكان لهم أن يعطوه أيها شاءوا كانت عربية أو فارسية أو دودانية أو قوس حسبان أو قوس قطن.
باب الوصية في المساكين والفقراء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فقال ثلث مالى في المساكين فكل من لا مال له ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى وهو للاحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه (قال) وينظر أين كان ماله فيخرج ثلثه فيقسم في مساكين أهل ذلك البلد الذى به ماله دون غيرهم فإن كثر حتى يغنيهم نقل إلى أقرب البلدان له ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا وهكذا لو قال ثلث مالى في الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين لان المسكين فقير والفقير مسكين إذا أفرد الموصى القول هكذا ولو قال ثلث مالى في الفقراء والمساكين، علمنا أنه أراد التمييز بين الفقر والمسكنة، فالفقير الذى لا مال له ولا كسب يقع منه موقعا، والمسكين من له مال أو كسب يقع منه موقعا ولا يغنيه، فيجعل الثلث بينهم نصفين ونعنى به مساكين أهل البلد الذى بين أظهرهم ماله وفقراءهم وإن قل، ومن أعطى في فقراء أو مساكين، فإنما أعطى لمعنى فقر أو مسكنة، فينظر في المساكين فإن كان فيهم من يخرجه من المسكنة مائة وآخر يخرجه من المسكنة خمسون أعطى الذى يخرجه من المسكنة مائة سهمين والذى يخرجه خمسون سهما، وهكذا يصنع في الفقراء على هذا الحساب ولا يدخل فيهم ولا يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته أو فقره (قال) فإذا نقلت من بلد إلى بلد أو خص بها بعض المساكين والفقراء دون بعض كرهته، ولم يبن لى أن يكون على من فعل ذلك
ضمان، ولكنه لو أوصى لفقراء ومساكين فأعطى أحد الصنفين دون الآخر ضمن نصف الثلث وهو السدس لانا قد علمنا أنه أراد صنفين فحرم أحدهما، ولو أعطى من كل صنف أقل من ثلاثة ضمن، ولو أعطى واحدا ضمن ثلثى السدس لان أقل ما يقسم عليه السدس ثلاثة، وكذلك لو كان الثلث لصنف كان أقل ما يقسم عليه ثلاثة، ولو أعطاها اثنين ضمن حصة واحد إن كان الذى أوصى به السدس فثلث السدس وإن كان الثلث فثلث الثلث لانه حصة واحدة، وكذلك لو قال ثلث مالى في المساكين يضعه حيث رأى منهم كان له أقل ما يضعه فيه ثلاثة يضمن إن وضعه في أقل حصة ما بقى من الثلاثة وكان الاختيار له أن يعمهم، ولا يضيق عليه أن يجتهد فيضعه في أحوجهم، ولا يضعه كما وصفت في أقل من ثلاثة، وكان له الاختيار إذا خص أن يخص قرابة الميت لان إعطاء قرابته يجمع أنهم من الصنف الذى أوصى لهم وأنهم ذو رحم على صلتها ثواب.
باب الوصية في الرقاب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى بثلث ماله في الرقاب أعطى منها في المكاتبين ولا يبتدئ منها عتق رقبة، وأعطى من وجد من المكاتبين بقدر ما بقى عليهم وعموا كما وصفت في الفقراء والمساكين لا يختلف ذلك وأعطى ثلث كل مال له في بلد في مكاتبي أهله (قال) وإن قال يضعه منهم حيث رأى فكما قلت في الفقراء والمساكين لا يختلف، فإن قال يعتق به عنى رقابا لم يكن له أن ](4/97)
[ يعطى مكاتبا منه درهما وإن فعل ضمن (1) وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب لم يجزه أقل من عتق ثلاث رقاب، فإن فعل ضمن حصة من تركه من الثلث، وإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين يجدهما ثمنا وفضل فضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يذهب في رقبتين ولا يحبس شيئا لا يبلغ رقبة، وهكذا لو لم يبلغ رقبتين وزاد على رقبة، ويجزية أي رقبة اشترى صغيرة أو كبيرة أو ذكرا أو أنثى، وأحب إلى أزكي الرقاب وخيرها وأحراها أن يفك من سيده ملكه، وإن كان في الثلث سعة تحتمل أكثر من ثلاث رقاب فقيل أيهما أحب إليك إقلال الرقاب واستغلاؤها أو إكثارها واسترخاصها؟ قال إكثارها واسترخاصها احب إلى، فإن قال ولم؟ لانه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من
أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " ويزيد بعضهم في الحديث " حتى الفرج بالفرج ".
باب الوصية في الغارمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى بثلث ماله في الغارمين فالقول أنه يقسم في غارمي البلد الذى به ماله وفي أقل ما يعطاه ثلاثة فصاعدا كالقول في الفقراء والرقاب وفى أنه يعطى الغارمون بقدر غرمهم كالقول في الفقراء لا يختلف، ويعطى من له الدين عليهم أحب إلى، ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع.
باب الوصية في سبيل الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى، وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله أعطيه من أراد الغزو لا يجزى عندي غيره، لان من وجه بأن أعطى في سبيل الله لا يذهب إلى غير الغزو وإن كان كل ما أريد الله به من سبيل الله.
والقول في أن يعطاه من غزا من غير البلد الذى به مال الموصى ويجمع عمومهم وأن يعطوا بقدر مغازيهم إذا بعدت وقربت مثل القول في أن تعطى المساكين بقدر منسكنتهم لا يختلف، وفى أقل من يعطاه وفى مجاوزته إلى بلد غيره مثل القول في المساكين لا يختلف، ولو قال أعطوه في سبيل الله أو في سبيل الخير أو في سبيل البر أو في سبيل الثواب جزئ أجزاء فأعطيه ذو قرابته فقراء كانوا أو أغنياء والفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين والغزاة وابن السبيل والحاج، ودخل الضيف وابن السبيل والسائل والمعتر فيهم أو في الفقراء والمساكين لا يجزئ عندي غيره أن يقسم بين هؤلاء لكل صنف منهم سهم فإن لم يفعل الوصي ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا ومن لم يجده حبس له سهمه حتى يجده بذلك البلد أو ينقل إلى أقرب البلدان به ممن فيه ذلك الصنف فيعطونه.
]
__________
(1) قوله: وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب وقوله بعد " وبلغ أقل من رقبتين " كذا في النسخ بزيادة لفظ " أقل من " في الموضعين، والظاهر أنهما من زيادة الناسخ والمعنى على سقوطهما فتأمل.
كتبه مصححه.(4/98)
[ باب الوصية في الحج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى.
وإذا مات الرجل وكان قد حج حجة الاسلام فأوصى أن يحج عنه فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه رجل من بلده وإن لم يبلغ أحج عنه رجلا من حيث بلغ ثلثه (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي أنه من لم يكن حج حجة الاسلام أن عليه أن يحج عنه من رأس المال وأقل ذلك من الميقات (قال الشافعي) ولو قال أحجوا عنى فلانا بمائة درهم وكانت المائة أكثر من إجارته أعطيها لانها وصية له كان بعينه أو بغير عينه ما لم يكن وارثا، فإن كان وارثا فأوصى له أن يحج عنه بمائة درهم وهى أكثر من اجر مثله قيل له إن شئت فأحجج عنه بأجر مثلك ويبطل الفضل عن أجر مثلك لانها وصية والوصية لوارث لا تجوز، وإن لم تشأ أحججنا عنه غيرك بأقل ما يقدر عليه أن يحج عنه من بلده، والاجارة بيع من البيوع فإذا لم يكن فيها محاباة فليست بوصية، ألا ترى أنه لو أوصى أن يشترى عبد لوارث فيعتق فاشترى بقيمته جاز؟ وهكذا لو أوصى أن يحج عنه فقال وارثه أنا أحج عنه بأجر مثلى جاز له أن يحج عنه بأجر مثله (قال) ولو قال أحجوا عنى بثلثي حجة وثلثه يبلغ أكثر من حجج جاز ذلك لغير وارث، ولو قال أحجوا عنى بثلثي وثلثه يبلغ حججا فمن أجاز أن يحج عنه متطوعا أحج عنه بثلثه بقدر ما بلغ لا يزيد أحدا ويحج عنه على أجر مثله فإن فضل من ثلثه ما لا يبلغ أن يحج عنه أحد من بلده أحج عنه من أقرب البلدان إلى مكة حتى ينفد ثلثه.
فإن فضل درهم أو أقل مما لا يحج عنه به أحد رد ميراثا وكان كمن أوصى لمن لم يقبل الوصية (قال) فإن أوصى أن يحج عنه حجة أو حججا في قول من أجاز أن يحج عنه فأحج عنه ضرورة لم يحج فالحج عن الحاج لا عن الميت ويرد الحاج جميع الاجرة (قال) ولو استؤجر عنه من حج فأفسد الحج رد جميع الاجارة لانه أفسد العمل الذى استؤجر عليه ولو احجوا عنه امرأة أجزأ عنه وكان الرجل أحب إلى، ولو أحجوا رجلا عن امرأة أجزأ عنها (قال) وإحصار الرجل عن الحج مكتوب في كتاب الحج، وإذا أوصى الرجل أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل قبل أن يحج عنه أحج عنه غيره كما لو أوصى أن يعتق عنه رقبة فابتيعت فلم تعتق حتى ماتت أعتق عنه أخرى.
ولو أوصى رجل قد حج حجة الاسلام فقال أحجوا عنى فلانا بمائة درهم واعطوا ما بقى من ثلثى فلانا وأوصى بثلث ماله لرجل بعينه فللموصى له بالثلث
نصف الثلث لانه قد أوصى له بالثلث وللحاج وللموصى له بما بقى من الثلث نصف الثلث ويحج عنه رجل بمائة.
باب العتق والوصية في المرض أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق سنة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم، وذكر الحديث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فعتق البتات في المرض إذا مات المعتق من الثلث، وهكذا الهبات والصدقات في المرض لان كله شئ أخرجه المالك من ملكه بلا عوض مال أخذه فإذا أعتق المريض عتق بتات وعتق تدبير ووصية بدئ بعتق البتات قبل عتق التدبير والوصية وجميع الوصايا فإن فضل من الثلث فضل ](4/99)
[ عتق منه التدبير والوصايا وأنفذت الوصايا لاهلها، وإن لم يفضل منه فضل لم تكن وصية وكان كمن مات لا مال له، وهكذا كل ما وهب فقبضه الموهوب له أو تصدق به فقبضه لان مخرج ذلك في حياته وأنه مملوك عليه إن عاش بكل حال لا يرجع فيه فهى كما لزمه بكل حال في ثلث ماله بعد الموت وفى جميع ماله إن كانت له صحة والوصايا بعد الموت لم تلزمه إلا بعد موته فكان له أن يرجع فيها في حياته فإذا أعتق رقيقا له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات قبل أن تحدث له صحة فإن كان عتقه في كلمة واحدة مثل أن يقول: إنهم أحرارا أو يقول رقيقي أو كل مملوك لى حر أقرع بينهم فأعتق ثلثه وأرق الثلثان.
وإن أعتق واحدا أو اثنين ثم أعتق من بقى بدئ بالاول من أعتق فإن خرج من الثلث فهو حر وإن لم يخرج عتق ما خرج من الثلث ورق ما بقى وإن فضل من الثلث شئ عتق الذى يليه.
ثم هكذا أبدا لا يعتق واحد حتى يعتق الذى بدأ بعتقه، فإن فضل فضل عتق الذى يليه لانه لزمه عتق الاول قبل الثاني، وأحدث عتق الثاني والاول خارج من ملكه بكل حال إن صح وكل حال بعد الموت إن خرج من الثلث، فإن لم يفضل من الثلث شئ بعد عتقه فإنما أعتق ولا ثلث له (قال) وهكذا لو قال لثلاثة أعبد له: أنتم احرار.
ثم قال ما بقى من رقيقي حر بدئ بالثلاثة.
فإن خرجوا من الثلث أعتقوا معا وإن عجز الثلث عنهم أقرع بينهم وإن عتقوا معا وفضل من الثلث شئ أقرع بين
من بقى من رقيقه إن لم يحملهم الثلث.
ولو كان مع هؤلاء مدبرون وعبيد.
وقال إن مت من مرضى فهم أحرار بدئ بالذين أعتق عتق البتات فإن خرجوا من الثلث ولم يفضل شئ لم يعتق مدبر ولا موصى بعتقه بعينه ولا صفته، وإن فضل من الثلث عتق المدبر والموصى بعتقه بعينه وصفته، وإن عجز عن أن يعتقوا منه كانوا في العتق سواء لا يبدأ المدبر على عتق الوصية لان كلا وصية ولا يعتق بحال إلا بعد الموت وله أن يرجع في كل في حياته ولو كان في المعتقين في المرض عتق بتات إماء فولدن بعد العتق وقبل موت العتق فخرجوا من الثلث ولم يخرج الولد عتقوا، والاماء من الثلث والاولاد أحرار من غير الثلث لانهم أولاد حرائر.
ولو كانت المسألة بحالها وكان الثلث ضيقا عن أن يخرج جميع من أعتق من الرقيق عتق بتات قومنا الاماء كل أمة منهن معها ولدها لا يفرق بينها وبينه.
ثم أقرعنا بينهم فأى أمة خرجت في سهم العتق عتقت من الثلث وتبعها ولدها من غير الثلث لانا قد علمنا أنه ولد حرة لا يرق.
وإذا الغينا قيم الاولاد الذين عتقوا بعتق أمهم فزاد الثلث أعدنا القرعة بين من بقى.
فإن خرجت أمة معها ولدها أعتقت من الثلث وعتق ولدها لانه ابن حرة من غير الثلث، فإن بقى من الثلث شئ أعدناه هكذا أبدا حتى نستوظفه كله (قال) وإن ضاق ما يبقى من الثلث فعتق ثلث أم ولد منهن عتق ثلث ولدها معها ورق ثلثاه كما رق ثلثاها.
ويكون حكم ولدها حكمها فما عتق منها قبل ولاده عتق منه.
وإذا وقعت عليها قرعة العتق فإنما أعتقناها قبل الولادة.
وهكذا لو ولدتهم بعد العتق البتات وموت المعتق لاقل من ستة أشهر أو أكثر (قال الشافعي) وإذا أوصى الرجل بعتق أمة بعد موته فإن مات من مرضه أو سفره فولدت قبل أو يموت الموصى فولدها مماليك لانهم ولدوا قبل أن يعتق في الحين الذى لو شاء أرقها وباعها.
وفى الحين الذى لو صح بطلت وصيتها ولو كان عتقها تدبيرا كان فيه قولان أحدهما هذا لانه يرجع في التدبير.
والآخر أن ولدها بمنزلتها لانه عتق واقع بكل حال ما لم يرجع فيه.
وقد اختلف في الرجل يوصى بالعتق ووصايا غيره فقال غير واحد من المفتين يبدأ بالعتق ثم يجعل ما بقى من الثلث في الوصايا فإن لم يكن في الثلث فضل عن العتق فهو رجل أوصى فيما ليس له (قال) ولست اعرف في هذا أمرا يلزم من أثر ثابت ولا إجماع لا اختلاف فيه ثم اختلف قول من ](4/100)
[ قال هذا في العتق مع الوصايا فقال مرة بهذا وفارقه أخرى فزعم أن من قال لعبده إذا مت فأنت حر وقال إن مت من مرضى هذا فأنت حر فأوقع له عتقا بموته بلا وقت بدئ بهذا على الوصايا فلم يصل إلى أهل الوصايا وصية إلا فضلا عن هذا وقال إذا قال اعتقوا عبدى هذا بعد موتى أو قال عبدى هذا حر بعد موتى بيوم أو بشهر أو وقت من الاوقات لم يبدأ بهذا على الوصايا وحاص هذا أهل الوصايا واحتج بأنه قيل يبدأ بالعتق قيل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية مطلقا ولا يحاص العتق الوصية مطلقا بل فرق القول فيه بغير حجة فيما أرى والله المستعان (قال) ولا يجوز في العتق في الوصية إلا واحد من قولين إما أن يكون العتق إذا وقع بأى حال ما كان بدئ على جميع الوصايا فلم يخرج منها شئ حتى يكمل العتق وإما أن يكون العتق وصية من الوصايا يحاص بها المعتق أهل الوصايا فيصيبه من العتق ما أصاب اهل الوصايا من وصاياهم ويكون كل عتق كان وصية بعد الموت بوقت أو بغير وقت سواء أو يفرق بين ذلك خبر لازم أو إجماع ولا أعلم فيه واحدا منهما فمن قال عبدى مدبر أو عبدى هذا حر بعد موتى أو متى مت أو إن مت من مرضى هذا أو اعتقوه بعد موتى أو هو مدبر في حياتي فإذا مت فهو حر فهو كله سواء ومن جعل المعتق يحاص أهل الوصايا فأوصى معه بوصية حاص العبد في نفسه أهل الوصايا في وصاياهم فأصابه من العتق ما أصابهم ورق منه ما لم يخرج من الثلث وذلك أن يكون ثمن العبد خمسين دينارا وقيمة ما يبقى من ثلثه بعد العتق خمسين دينارا فيوصى بعتق العبد ويوصى لرجل بخمسين دينارا ولآخر بمائة دينار فيكون ثلثه مائة ووصيته مائتين فلكل واحد من الموصى لهم نصف وصيته فيعتق نصف العبد ويرق نصفه ويكون لصاحب الخمسين خمسة وعشرون وللموصى له بالمائة خمسون.
باب التكملات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بمائة دينار من ماله أو بدار موصوفة بعين أو بصفة أو بعبد كذلك أو متاع أو غيره وقال ثم ما فضل من ثلثى فلفلان كان ذلك كما قال يعطى الموصى له بالشئ بعينه أو صفته ما أوصى له به فإن فضل من الثلث شئ كان للموصى له بما فضل من الثلث وإن لم يفضل شئ فلا شئ له (قال الشافعي) ولو كان الموصى له به عبدا أو شيئا يعرف بعين أو صفة
مثل عبد أو دار أو عرض من العروض فهلك ذلك الشئ هلك من مال الموصى له وقوم من الثلث ثم أعطى الذى أوصى له بتكملة الثلث ما فضل عن قيمة الهالك كما يعطاه لو سلم الهالك فدفع إلى الموصى له به قال) ولو كان الموصى به عبدا فمات الموصى وهو صحيح ثم أعور قوم صحيحا بحاله يوم مات الموصى وبقيمة مثله يومئذ فأخرج من الثلث ودفع إلى الموصى له به كهيئتة ناقصا أو تاما وأعطى الموصى له بما فضل عنه ما فضل عن الثلث: وإنما القيمة في جميع ما أوصى به بعينه يوم يموت الميت.
وذلك يوم تجب الوصية (قال الشافعي) وإذا قال الرجل ثلث مالى إلى فلان يضعه حيث أراه الله فليس له أن يأخذ لنفسه شيئا كما لا يكون له لو أمره أن يبيع له شيئا أن يبيعه من نفسه لان معنى يبيعه أن يكون مبايعا به وهو لا يكون مبايعا إلا لغيره وكذلك معنى يضعه يعطيه غيره وكذلك ليس له أن يعطيه وارثا للميت لانه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت، فلما لم يكن يجوز للميت أن يعطيه لم يجز لمن صيره إليه أن يعطى منه من لم يكن له أن يعطيه (قال) وليس له أن يضعه فيما ليس للميت فيه نظر كما ليس له ](4/101)
[ لو وكله بشئ أن يفعل فيه ما ليس له فيه نظر ولا يكون له أن يحبسه عند نفسه ولا يودعه غيره لانه لا أجر للميت في هذا.
وإنما الاجر للميت في أن يسلك في سبيل الخير التى يرجى أن تقربه إلى الله عز وجل (قال الشافعي) فاختار للموصى إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يعطى كل رجل منهم دون غيرهم فإن اعطاء هموه أفضل من إعطاه غيرهم لما ينفردون به من صلة قرابتهم للميت ويشركون به أهل الحاجة في حاجاتهم (قال) وقرابته ما وصفت من القرابة من قبل الاب والام معا وليس الرضاع قرابة (قال) وأحب له إن كان له رضعاء أن يعطيهم دون جيرانه.
لان حرمة الرضاع تقابل حرمة النسب ثم احب له أن يعطى جيرانه الاقرب منهم فالاقرب.
وأقصى الجوار فيها أربعون دارا من كل ناحية ثم احب له أن يعطيه أفقر من يجده وأشده تعففا واستتارا.
ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار.
باب الوصية للرجل وقبوله ورده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى الرجل المريض لرجل بوصية ما كانت ثم مات
فللموصى له قبول الوصية وردها لا يجبر أن يملك شيئا لا يريد ملكه بوجه أبدا إلا بأن يرث شيئا فإنه إذا ورث لم يكن له دفع الميراث وذلك أن حكما من الله عزوجل أنه نقل ملك الموتى إلى ورثتهم من الاحياء فأما الوصية والهبة والصدقة وجميع وجوه الملك غير الميراث فالمملك لها بالخيار إن شاء قبلها وإن شاء ردها.
ولو أنا أجبرنا رجلا على قبول الوصية جبرناه إن أوصى له بعبيد زمنى أن ينفق عليهم فأدخلنا الضرر عليه وهو لم يحبه ولم يدخله على نفسه (قال الشافعي) ولا يكون قبول ولا رد في وصية حياة الموصى فلو قبل الموصى له قيل موت الموصى كان له الرد إذا مات ولو رد في حياة الموصى كان له أن يقبل إذا مات ويجبر الورثة على ذلك لان تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصى.
فأما في حياته فقبوله ورده وصمته سواء لان ذلك فيما لم يملك (قال) وهكذا لو أوصى له بأبيه وأمه وولده كانوا كسائر الوصية إن قبلهم بعد موت الموصى عتقوا.
وإن ردهم فهم مماليك تركهم الميت لا وصية فيهم فهم لورثته (قال الربيع) فإن قبل بعضهم ورد بعضا كان ذلك له وعتق عليه من قبل.
وكان من لم يقبل مملوكا لورثة الميت ولو مات الموصى ثم مات الموصى له قبل أن يقبل أو يرد كان لورثته أن يقبلوا أو يردوا فمن قبل منهم فله نصيبه بميراثه مما قبل.
ومن رد كان ما رد لورثة الميت.
ولو أن رجلا تزوج جارية رجل فولدت له ثم أوصى له بها ومات فلم يعلم الموصى له بالوصية حتى ولدت له بعد موت سيدها أولادا كثيرا.
فإن قبل الوصية فمن ولدت له بعد موت السيد له تملكهم بما ملك به أمهم وإذا ملك ولده عتقوا عليه ولم تكن أمهم أم ولد له حتى تلد بعد قبولها منه لستة أشهر فأكثر فتكون بذلك أم ولد وذلك أن الوطئ الذى كان قبل القبول إنما كان وطئ نكاح والوطئ بعد القبول وطئ ملك والنكاح منفسخ ولو مات قبل أن يرد أو يقبل قام ورثته مقامه، فإن قبلوا الوصية فإنما ملكوا لابيهم فأولاد أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها الموصى أحرار وأمهم مملوكة وإن ردوها كانوا مماليك كلهم وأكره لهم ردها وإذا قبل الموصى له الوصية بعد أن تجب له بموت الموصى ثم ردها فهى مال من مال الميت موروثة عنه كسائر ماله ولو أراد بعد ردها أخذها بأن يقول إنما اعطيتكم ما لم تقبضوا جاز أن يقولوا له لم تملكها بالوصية دون القبول.
فلما كنت إذا قبلت ملكتها وإن لم تقبضها لانها لا تشبه هبات الاحياء التي ](4/102)
[ لا يتم ملكها إلا بقبض الموهوبة له لها جاز عليك ما تركت من ذلك كما جاز لك ما أعطيت بلا قبض في واحد منهما وجاز لهم أن يقولوا ردكها إبطال لحقك فيما أوصى لك به الميت ورد إلى ملك الميت فيكون موروثا عنه (قال) ولو قبلها ثم قال قد تركتها لفلان من بين الورثة أو كان له على الميت دين فقال فقد تركته لفلان من بين الورثة قيل قولك تركته لفلان يحتمل معنيين أظهرهما تركته تشفيعا لفلان أو تقربا إلى فلان فإن كنت هذا أردت فهذا متروك للميت فهو بين ورثته كلهم وأهل وصاياه ودينه كما ترك وإن مت قبل أن تسأل فهو هكذا لان هذا أظهر معانيه كما تقول عفوت عن دينى على فلان لفلان ووضعت عن فلان حقى لفلان أي بشفاعة فلان أو حفظ فلان أو التقرب إلى فلان وإن لم تمت فسألناك فقلت تركت وصيتى أو تركت دينى لفلان وهبته لفلان من بين الورثة فذلك لفلان من بين الورثة لانه وهب له شيئا يملكه وإذا أوصى رجل لرجلين بعبد أن غيره فقبل أحدهما ورد الآخر فللقابل نصف الوصية ونصف الوصية مردود في مال الميت ولو أوصى رجل لرجل بجارية فمات الموصى ولم يقبل الموصى له ولم يرد حتى وهب إنسان للجارية مائة دينار والجارية ثلث مال الميت ثم قبل الوصية فالجارية له لا يجوز فيما وهب لها وفى ولد ولدته بعد موت السيد وقبل قبول الوصية وردها إلا واحد من قولين أن يكون ما وهب للجارية أو ولدها ملكا للموصى له بها لانها كانت خارجة من مال الميت إلى ماله إلا أن له إن شاء أن يردها.
ومن قال هذا قال هو وإن كان له ردها فإنما ردها إخراج لها من ماله كما له أن يخرج من ماله ما شاء فإذا كانت هي وملك ما وهب للامة وولدها لمن يملكها فالموصى له بها المالك لها.
ومن قال هذا قال فإن استهلك رجل من الورثة شيئا مما وهب لها أو ولدها فهو ضامن له للموصى له بها.
وكذلك إن جنى أجنبي على مالها أو نفسها أو ولدها فالموصى له بها إن قيل الوصية الخصم في ذلك لانه له وإن مات الموصى له بها قبل القبول والرد فورثته يقومون مقامه في ذلك كله.
والقول الثاني أن ذلك كله لورثة الموصى وان الموصى له إنما يملك إذا اختار قبول الوصية وهذا قول منكر لا نقول به لان القبول إنما هو على شئ ملك متقدما ليس بملك حادث وقد قال بعض الناس تكون له الجارية وثلث اولادها وثلث ما وهب لها.
وإن كانت الجارية لا تخرج من الثلث فولدت أولادا بعد موت الموصى ووهب لها مال.
لم يكن في كتاب الشافعي من هذه المسألة غير هذا.
بقى في
المسألة الجواب.
باب ما نسخ من الوصايا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين * فمن بدله بعدما سمعه " الآية (قال الشافعي) وكان فرضا في كتاب الله تعالى على من ترك خيرا والخير المال أن يوصى لوالديه وأقربيه ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والاقربين الوارثين منسوخة واختلفوا في الاقربين غير الوارثين فأكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال الوصايا منسوخة لانه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها فلما قسم الله تعالى ذكره المواريث كانت تطوعا (قال الشافعي) وهذا إن شاء الله تعالى كله كما قالوا، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل له قال الله تبارك وتعالى " ولابويه لكل واحد منهما ](4/103)
[ السدس مما ترك إن كان له ولد * فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث * فإن كان له إخوة فلامه السدس " أخبرنا ابن عيينة عن سليمان الاحول عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا وصية لوارث " وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآى المواريث وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا (قال الشافعي) وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآى المواريث وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث وتدل على أنها تجوز لغير قرابة دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم (قال) ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث فالوصية له جائزة، ومن قبل أنها إنما بطلت وصيته إذا كان وارثا فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية.
وإذا كان الموصى يتناول من شاء بوصيته كان والده دون قرابته إذا كانوا غير ورثة في معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم.
فإن قال قائل فأين الدلالة على أن الوصية لغير ذى الرحم جائزة؟ قيل له إن شاء الله تعالى حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له ليس له مال فيهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة، والمعتق عربي وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه
فلو لم تجز الوصية إلا لذى قرابة لم تجز للمملوكين وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب الخلاف في الوصايا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه (قال الشافعي) والحجة في ذلك ما وصفنا من الاستدلال بالسنة وقول الاكثر ممن لقينا فحفظنا عنه والله تعالى أعلم.
باب الوصية للزوجة.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم " الآية.
وكان فرض الزوجة أن يوصى لها الزوج بمتاع إلى الحول ولم أحفظ عن أحد خلافا أن المتاع النفقة والسكنى والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال " غير إخراج " ثم قال " فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف " فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الازواج لانهن تركن ما فرض لهن ودل الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه.
ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوخ بآية المواريث.
قال الله عز وجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين * ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين " (قال الشافعي) ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة.
ثم احتمل سكناها إذ كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية ](4/104)
[ وأن تكون داخلة في جملة المعتدات فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى وكانت المعتدة من الوفاة في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى لانها في معنى المعتدات.
فإن كان هذا هكذا
فالسكنى لها في كتاب الله عزوجل منصوص أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب.
وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة ثم فما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة.
فإن قال قائل فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها؟ قيل أخبرنا مالك عن سعد بن إسحق عن كعب بن عجرة (قال الشافعي) وما وصفت في متاع المتوفى عنها هو الامر الذى تقوم به الحجة والله تعالى أعلم وقد قال بعض أهل العلم بالقرآن إن آية المواريث للوالدين والاقربين وهذا ثابت للمرأة.
وإنما نزل فرض ميراث المرأة والزوج بعد وإن كان كما قال فقد أثبت لها الميراث كما أثبته لاهل الفرائض وليس في أن يكون ذلك بآخر ما أبطل حقها.
وقال بعض أهل العلم إن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله عزوجل " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " فإن كان هذا هكذا فقد بطلت عنها الاقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله عزوجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل فأين هي في السنة؟ قيل أخبرنا: حديث المغيرة عن حميد بن نافع قال الله عزوجل في عدة الطلاق " واللائى لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن " فاحتملت الآية أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة لانها سياقها واحتملت أن تكون في المطلقة كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها لانها جامعة ويحتمل أن يكون استئناف كلام على المعتدات.
فإن قال قائل فأى معانيها أولى بها؟ قيل والله تعالى أعلم.
فأنا الذى يشبه فإن تكون في كل معتدة ومستبرأة، فإن قال ما دل على ما وصفت؟ قيل قال الشافعي لما كانت العدة استبراء وتعبدا وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاق هادما للاربعة الاشهر والعشر كان هكذا في جميع العدد والاستبراء.
والله أعلم مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس منه شئ، فقد يكون في النفس شئ في جميع العدد والاستبراء وإن كان ذلك براءة في الظاهر، والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب استحداث الوصايا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث " من بعد وصية توصون بها أو دين " و " من بعد وصية يوصين بها أو دين " (قال الشافعي) فنقل الله تبارك وتعالى ملك
من مات من الاحياء إلى من بقى من ورثة الميت فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه وقال الله عزوجل " من بعد وصية توصون بها أو دين " قال فكان ظاهر الآية المعقول فيها " من بعد وصية توصون بها أو دين " إن كان عليهم دين (قال الشافعي) وبهذا نقول ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله (قال الشافعي) وفى قول الله عزوجل " من بعد وصية توصون بها أو دين " معان سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفى دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا ](4/105)
[ والله أعلم في حكم الله عزوجل ثم ما لم أعلم أهل العلم فاختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما وفى قول الله عزوجل " أو دين " ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار أو بينة أو أي وجه ما كان سواء لان الله عزوجل لم يخص دينا دون دين (قال الشافعي) وقد روى في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان عن ابى إسحق عن الحرث عن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل له كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول " وأتموا الحج والعمرة لله؟ " فقال كيف تقرءون الدين قبل الوصية أو الوصية قبل الدين؟ فقالوا الوصية قبل الدين قال فبأيهما تبدءون؟ قالوا بالدين قال فهو ذاك (قال الشافعي) يعنى أن التقديم جائز وإذا قضى الدين كان للميت أن يوصى بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان وإن لم يوص أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من ماله تركه قال فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن أوصى (قال الشافعي) ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ويحتمل أن تكون كما وصفت لك من الفضل عن الوصية وان يكون للوصية غاية ينتهى بها إليها كالميراث بكل وارث غاية كانت
الوصايا مما أحكم الله عزوجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن ابن شهاب (قال الشافعي) فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصى كان للورثة رد ما جاوز ثلث مال الموصى قال وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم.
باب الوصية بالثلث وأقل من الثلث وترك الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فواسع له أن يبلغ الثلث وقال في قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " الثلث والثلث كثير أو كبير، إنك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " (قال الشافعي) غيا كما قال من بعده في الوصايا وذلك بين في كلامه لانه إنما قصد قصد اختيار أن يترك الموصى ورثته أغنياء فإذا تركهم أغنياء اخترت له أن يستوعب الثلث وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث وأن يوصى بالشئ حتى يكون يأخذ بالحظ من الوصية ولا وقت في ذلك إلا ما وقع عليه اسم الوصية لمن لم يدع كثير مال ومن ترك أقل مما يغنى ورثته وأكثر من التافه زاد شيئا في وصيته ولا أحب بلوغ الثلث إلا لمن ترك ورثته أغنياء (قال الشافعي) في قول النبي صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير أو كبير " يحتمل الثلث غير قليل وهو أولى معانيه لانه لو كرهه لسعد لقال له غض منه وقد كان يحتمل أن له بلوغه ويحب له الغض منه وقل كلام إلا وهو محتمل وأولى معاني الكلام به ما دل عليه الخبر والدلالة ما وصفت من أنه لو كرهه لسعد أمره أن يغض منه قيل للشافعي فهل اختلف الناس في هذا؟ قال لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزا لكل موص أن يستكمل ](4/106)
[ الثلث قل ما ترك أو كثر وليس بجائز له أن يجاوزه فقيل للشافعي وهل اختلفوا في اختيار النقص عن الثلث أو بلوغه؟ قال نعم وفيما وصفت لك من الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أغنى عما سواه.
فقلت فاذكر اختلافهم.
فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر.
باب عطايا المريض أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى لما أعتق الرجل ستة مملوكين له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة دل ذلك على أن كل ما أتلف المرء من ماله في مرضه بلا عوض يأخذه مما يتعوض الناس ملكا في الدنيا فمات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية ولما كان إنما يحكم بأنه كالوصية بعد الموت فما أتلف المرء من ماله في مرضه ذلك فحكمه حكم الوصايا فإن صح تم عليه ما يتم به عطية الصحيح وإن مات من مرضه ذلك كان حكمه حكم وصيته ومتى حدثت له صحة بعدما أتلف منه ثم عاوده مرض فمات تمت عطيته إذا كانت الصحة بعد العطية فحكم العطية حكم عطية الصحيح (قال الشافعي) وجماع ذلك ما وصفت من أن يخرج من ملكه شيئا بلا عوض يأخذه الناس من أموالهم في الدنيا فالهبات كلها والصدقات والعتاق ومعانى هذه كلها هكذا فما كان من هبة أو صدقة أو ما في معناها لغير وارث ثم مات فهى من الثلث فإن كان معها وصايا فهى مبدأة عليها لانها عطية بتات قد ملكت عليه ملكا يتم بصحته من جميع ماله ويتم بموته من ثلثه إن حمله والوصايا مخالفة لهذا.
الوصايا لم تملك عليه وله الرجوع فيها ولا تملك إلا بموته وبعد انتقال الملك إلى غيره (قال الشافعي) وما كان من عطية بتات في مرضه لم يأخذ بها عوضا أعطاه إياها وهو يوم أعطاه ممن يرثه لو مات أولا يرثه فهى موقوفة فإذا مات فإن كان المعطى وارثا له حين مات أبطلت العطية لانى إذا جعلتها من الثلث لم أجعل لوارث في الثلث شيئا من جهة الوصية وإن كان المعطى حين مات المعطى غير وارث أجزتها له لانها وصية لغير وارث (قال الشافعي) وما كان من عطايا المريض على عوض أخذه مما يأخذ الناس من الاموال في الدنيا فأخذ به عوضا يتغابن الناس بمثله ثم مات فهو جائز من رأس المال وإن أخذ به عوضا لا يتغابن الناس بمثله فالزيادة عطية بلا عوض فهى من الثلث فمن جازت له وصية جازت له ومن لم تجز له وصية لم تجز له الزيادة وذلك، الرجل يشترى العبد أو يبيعه أو الامة أو الدار أو غير ذلك مما يملك الآدميون فإذا باع المريض ودفع إليه ثمنه أو لم يدفع حتى مات فقال ورثته حاباك فيه أو غبنته فيه نظر إلى قيمة المشترى يوم وقع البيع والثمن لذى اشتراه به فإن كان اشتراه بما يتغابن أهل المصر بمثله كان الشراء جائزا من رأس المال وإن كان اشتراه بما
لا يتغابن الناس بمثله كان ما يتغابن أهل المصر بمثله جائزا من رأس المال وما جاوزه جائزا من الثلث فإن حمله الثلث جاز له البيع وإن لم يحمله الثلث قيل للمشترى لك الخيار في رد البيع إن كان قائما وتأخذ ثمنه الذى أخذ منك أو تعطى الورثة الفضل عما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث فإن كان البيع فائتا رد ما بين قيمة ما لا يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث وكذلك إن كان البيع قائما قد دخله عيب رد قيمته (قال الشافعي) فإن كان المريض المشترى فهو في هذا المعنى ويقال للبائع البيع جائز فيما يتغابن الناس بمثله من رأس المال وبما جاوز ما يتغابن الناس بمثله من الثلث فإن لم يكن له ثلث أو كان ](4/107)
[ فلم يحمله الثلث قيل له إن شئت سلمته بما سلم لك من رأس المال والثلث وتركت الفضل والبيع جائز وإن شئت رددت ما أخذت ونقضت البيع إن كان البيع قائما بعينه (قال الشافعي) وإن كان مستهلكا ولم تطب نفس البائع عن الفضل فللبائع من مال الميت ما يتغابن الناس بمثله في سلعته وما حمل الثلث مما لا يتغابن الناس بمثله ويرد الفضل عن ذلك على الورثة (1) وإن كان السلعة قائمة قد دخلها عيب (قال الشافعي) وإن كان المبيع عبدا أو غيره فاشتراه المريض فظهر منه على عيب فأبرأ البائع من العيب فكان في ذلك غبن كان القول فيه كالقول فيما انعقد عليه البيع وفيه غبن وكذلك لو اشتراه صحيحا ثم ظهر منه على عيب وهو مريض فابرأه منه أو اشتراه وله فيه خيار رؤية أو خيار شرط أو خيار صفقة فلم يسقط خيار الصفقة بالتفرق ولا خيار الرؤية بالرؤية ولا خيار الشرط بانقضاء الشرط حتى مرض ففارق البائع أو رأى السلعة فلم يردها أو مضت أيام الخيار وهو مريض فلم يرده لان البيع تم في هذا كله وهو مريض (قال الشافعي) وسواء في هذا كله كان البائع الصحيح والمشترى المريض أو المشترى الصحيح والبائع المريض على أصل ما ذهبنا إليه من أن الغبن يكون في الثلث وهكذا لو باع مريض من مريض (1) أو صحيح من صحيح (2) ولو اختلف ورثة المريض البائع والمشترى الصحيح في قيمة ما باع المريض فقال المشترى اشتريتها منه وقيمتها مائة وقال الورثة بل باعكها وقيمتها مائتان ولو كان المشترى في هذا كله وارثا أو غير وارث فلم يمت الميت حتى صار وارثا كان بمنزلة من لم يزل وارثا له إذا مات الميت فإذا باعه الميت وقبض الثمن منه ثم مات فهو مثل الأجنبي في جميع حاله إلا فيما زاد
على ما يتغابن الناس به فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله جاز وإن باعه بما لا يتغابن الناس بمثله قيل للوارث حكم الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله حكم الوصية وأنت فلا وصية لك فإن شئت فاردد البيع إذا لم يسلم لك ما باعك وإن شئت فأعط الورثة من ثمن السلعة ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله ثم هو في فوت السلعة وغبنها مثل الأجنبي وكذلك إن باع مريض وارث من مريض وارث.
باب نكاح المريض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى أربعا وما دونهن كما يجوز له أن يشترى فإذا أصدق كل واحدة منهن صداق مثلها جاز لها من جميع المال وأيتهن زاد على صداق مثلها فالزيادة محاباة فإن صح قبل أن يموت جاز لها من جميع المال وإن مات قبل أن يصح بطلت عنها الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مومى ابن عقبة عن نافع مولى بن عمر أنه قال كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبى ربيعة فطلقها تطليقة ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها بعده فحدث أنها عاقر لا تلد فطلقها قبل أن يجامعها فمكث حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان ثم تزوجها عبد الله ابن أبى ربيعة وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث وكان بينها وبينه قرابة.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج ]
__________
(1) قوله: وإن كانت السلعة قائمة كذا في جميع النسخ ولعله " وكذلك إن كانت الخ ".
(1) قوله: أو صحيح من صحيح كذا في جميع النسخ وانظره اه.
(2) قوله: ولو اختلف ورثة المريض الخ كذا في النسخ جميعها بدون جواب ولعله مما وقع في كتاب الشافعي من غير جواب عنه فنقله الربيع وفاته التنبيه على ذلك أو سقط من الناسخ وحرر.
كتبه مصححه.(4/108)
[ عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة بن خالد يقول أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج امرأته من ميراثها منه فأبت فنكح عليها ثلاث نسوة وأصدقهن ألف دينار كل امرأة منهم فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن (قال الشافعي) أرى ذلك صداق مثلهن ولو كان أكثر من صداق مثلهن لجاز النكاج وبطل ما زادهن على صداق مثلهن إذا مات من رضه ذلك لانه في حكم
الوصية والوصية لا تجوز لوارث (قال الشافعي) وبلغنا أن معاذ بن جبل قال في مرضه الذى مات فيه زوجوني لا ألقى الله تبارك وتعالى وأنا عزب (قال) وأخبرني سعيد بن سالم أن شريحا قضى في نكاح رجل نكح عند موته فجعل الميراث والصداق في ماله (قال الشافعي) ولو نكح المريض فزاد المنكوحة على صداق مثلها ثم صح ثم مات جازت لها الزيادة لانه قد صح قبل أن يموت، فكان كمن ابتدأ نكاحا وهو صحيح ولو كانت المسألة بحالها ثم لم يصح حتى ماتت المنكوحة فصارت غير وارث كان لها جميع ما أصدقها صداق مثلها من رأس المال والزياد من الثلث كما يكون ما وهب لاجنبية فقبضته من الثلث فما زاد من صداق المرأة على الثلث إذا ماتت مثل الموهوب المقبوض (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها والمتزوجة ممن لا ترث بأن تكون ذمية ثم مات وهى عنده جاز لها جميع الصداق صداق مثلها من جميع المال والزيادة على صداق مثلها من الثلث لانها غير وارث ولو أسلمت فصارت وارثا بطل عنها ما زاد على صداق مثلها (قال الشافعي) ولو نكح المريض امرأة نكاحا فاسدا ثم مات لم ترثه ولم يكن لها مهر إن لم يكن أصابها فإن كان أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر (قال الشافعي) ولو كانت لرجل أمة فأعتقها في مرضه ثم نكحها وأصدقها صداقا وأصابها بقى الجواب " قال الربيع " أنا أجيب فيها وأقول ينظر فإن خرجت من الثلث كان العتق جائزا وكان النكاح جائزا بصداق مثلها إلا أن يكون الذى سمى لها من الصداق أقل من صداق مثلها فليس لها إلا ما سماه لها فإن كان أكثر من صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها وكانت وارثة وإن لم تخرج نم الثلث عتق منها ما احتمل الثلث وكان لها صداق مثلها بحساب ما عتق منها ولم تكن وارثة لان بعضها رقيق.
هبات المريض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث أو غير وارث فدفع إليه ما وهب له فإن كان وارثا ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذى وهب فيه فالهبة مردودة كلها وكذلك إن وهبه له وهو غير وارث ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له ثم مات الواهب قبل أن يصح رد الغلة لانه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب ولو وهب لوارث وهو مريض ثم صح ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذى مات فيه كانت الهبة مردودة لان الهبة إنما تتم
بالقبض وقبضه إياها كان وهو مريض ولو كانت الهبة وهو مريض ثم كان الدفع وهو صحيح ثم مرض فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها ودفعه وهو صحيح (قال الشافعي) ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات وهو غير وارث أو لاجنبي كانت سواء لان كليهما غير وارث فإذا كانت هبته لهما صحيحا أو مريضا وقبضهما الهبة وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه وكذلك لو كانت هبته وهو مريض ثم صح ثم مات كان ذلك كقبضهما وهو صحيح ولو كان قبضهما الهبة وهو مريض فلم يصح كانت الهبة ](4/109)
[ وهو صحيح أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا لانها عطية بتات وما حمل الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له (قال الشافعي) وما نحل أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف لانه لا يملك من هذا شئ إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف ألا ترى أن الواهب والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واد منهم بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته؟ أولا ترى ان جائزا لمن أعطى هذا أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل خروجه من يده؟ (قال الشافعي) ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة أو عارية فقال: قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة للدار والعبد الذي في يديه ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض (قال الشافعي) وما كان يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات فإذا تكلم بها المتصدق وشهد بها عليه فهى خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من أحكامها ولم تخالفه إلا في المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك
أنها لا تكون مالكة وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره فإذا تكلم بالصدقة المحرمة صحيحا ثم مرض أو مريضا ثم صح فهى جائزة خارجة من ماله وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح فهى من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث.
باب الوصية بالثلث " وفيه الوصية بالزائد على الثلث وشئ يتعلق بالاجارة ولم يذكر الربيع ترجمة تدل على الزائد على الثلث ".
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجوز لاحد وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلى الثلث إلا أن يتطوع الورثة فجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم وإذا تطوع له الورثة فأجازوا ذلك له فإنما أعطوه من أموالهم فلا يجوز في القياس إلا أن يكون يتم للمعطى بما يتم به له ما ابتدءوا به عطيته من أموالهم من قبضة ذلك ويرد بما رد به ما ابتدءوا من أموالهم إن مات الورثة قيل أن يقبضه الموصى له (1) (قال الشافعي) فلو أوصى ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: وفى اختلاف العراقيين في آخر " باب اليمين " وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلثه فأجز ذلك الورثة في حياته وهم كبار ثم ردوا ذلك بعد موته فإن أبا حنيفة قال لا تجوز عليهم تلك الوصية ولهم أن يردوها لانهم أجازوا وهم لا يملكون الاجازة ولا يملكون المال وكذلك بلغنا عن عبد الله بن مسعود وشريح وبهذا يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول إجازتهم جائزة عليهم لا يستطيعون أن يرجعوا إلى شئ منها ولو =(4/110)
[ لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه فلم تجز ذلك الورثة اقتسم أهل الوصايا الثلث على قدر ما أوصى لهم به يجزأ الثلث ثلاثة عشر جزءا فيأخذ منه صاحب النصف ستة وصاحب الثلث أربعة وصاحب الربع ثلاثة ولو أجاز الورثة اقتسموا جميع المال على أنه دخل عليهم عول نصف السدس فأصاب كل واحد منهم من العول نصف سدس وصيته واقتسموا المال كله كما اقتسموا الثلث حتى يكونوا سواء في العول (قال الشافعي) ولو قال لفلان غلامي فلان ولفلان دارى ووصفها ولفلان خمسمائة دينار فلم يبلغ هذا الثلث ولم تجزه لهم الورثة وكان الثلث ألفا والوصية ألفين وكانت قيمة الغلام
خمسمائة وقيمة داره ألفا والوصية خمسمائة دخل على كل واحد منهم في وصيته عول النصف وأخذ نصف وصيته فكان للموصى له بالغلام نصف الغلام وللموصى له بالدار نصف الدار وللموصى له بالخمسمائة مائتان وخمسون دينارا لا تجعل وصية أحد منهم أوصى له في شئ بعينه إلا فيما أوصى له به ولا يخرج إلى غيره إلا ما سلمها الورثة فإن قال الورثة لا نسلم له من الدار إلا ما لزمنا قيل له ثلث الدار شريك لكم بها إن شاء وشئتم اقتسمتم ويضرب بقيمة سدس الدار الذى جاز له من وصيته في مال الميت يكون شريكا لكم به وهكذا العبد وكل ما أوصى له به بعينه فلم تسلمه له الورثة والله تعالى الموفق (1).
باب الوصية في الدار والشئ بعينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أوصى رجل لرجل بدار فقال دارى التى كذا ووصفها وصية لفلان فالدار له بجميع بنائها وما ثبت فيها من باب وخشب وليس له متاع فيها ولا خشب ولا أبواب ليست بثابتة في البناء ولا لبن ولا حجارة ولا آخر لم يبن به لان هذا لا يكون من الدار حتى يبنى به فيكون عمارة للدار ثابتة فيها ولو أوصى له بالدار فانهدمت في حياة الموصى لم يكن له ما انهدم من الدار وكان له ما بقى لم ينهدم من الدار وما ثبت فيها لم ينهدم منها من خشب وأبواب وغيره ولو جاء عليها سبيل فذهب بها أو ببعضها بطلت وصيته أو بطل منها ما ذهب من الدار وهكذا لو أوصى له بعبد فمات أو أعور أو نقص منه شئ بعينه فذهب لم يكن له فيما بقى من الثلث سوى ما أوصى له به شئ لان ما أوصى له به قد ذهب وهكذا كل ما أوصى له به بعينه فهلك أو نقص وهكذا لو أوصى له بشئ فاستحق على الموصى بشئ بشراء أو هبة أو غصب بطلت الوصية لانه أوصى له بما لا يملك.
]
__________
= أجازوها بعد موته ثم أرادوا أن يرجعوا فيها قبل أن تنفذ الوصية لم يكن ذلك لهم وكانت إجازتهم جائزة في هذا الموضع في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلث ماله فأجاز ذلك الورثة وهو حى ثم أرادوا الرجوع بعد أن يموت فذلك جائز لهم لانهم أجازوا ما لم يملكوا ولو مات فأجازوها بعد موته ثم أرادوا الرجوع قبل القسمة لم يكن ذلك لهم من قبل أنهم أجازوا ما ملكوه وإذا أجازوا ذلك قبل موته كانت الوصية وصاحبهم مريض أو صحيح كان لهم الرجوع لانهم في الحالين جميعا غير مالكين أجازوا ما لم يملكوا.
(1) وفى اختلاف العراققين في آخر " باب اليمين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبمائة لآخر ورد ذلك الورثة كله إلى الثلث فإن أبا حنيفة كان يقول الثلث بينهما نصفان لا يضرب صاحب الجميع بحصة الورثة من الثلث وكان ابن أبى ليلى يقول الثلث بينهما على أربعة أسهم يضرب صاحب المال بثلاثة أسهم ويضرب صاحب الثلث بسهم وبهذا يأخذ يعنى أبا يوسف.(4/111)
[ باب الوصية بشئ بصفته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل لرجل بعبد فقال له غلامي البربري أو غلامي الحبشى أو نسبه إلى جنس من الاجناس وسماه باسمه ولم يكن له عبد من ذلك الجنس يسمى بذلك الاسم كان غير جائز ولو زاد فوصفه وكان له عبد من ذلك الجنس يسمى باسمه وتخالف صفته صفته كان جائزا له (قال الربيع) أخاف ان يكون هذا غلطا من الكاتب لانه لم يقرأ على الشافعي ولم يسمع منه والجواب فيها عندي أنه إن وافق اسمه أنه إن أوصى له بغلام وسماه باسمه وجنسه ووصفه فوجدنا له غلاما بذلك الاسم والجنس غير أنه مخالف لصفته كأنه قال في صفته: أبيض طوال حسن الوجه فأصبنا ذلك الاسم والجنس أسود قصير أسمج الوجه لم نجعله له (قال الشافعي) ولو كان سماه باسمه ونسبه إلى جنسه فكان له عبدان أو أكثر من ذلك الجنس فاتفق اسماهما وأجناسهما لا تفرق بينهما صفة ولم تثبت الشهود أيهما أراد (قال الربيع) ففيها قولان أحدهما أن الشهادة باطلة إذا لم يثبتوا العبد بعينه كما لو شهدوا لرجل على رجل أن له هذا العبد أو هذه الجارية ان الشهادة باطلة لانهم لم يثبتوا العبد بعينه والقول الثاني أن الوصية جائزة في أحد العبدين وهما موقوفان بين الورثة والموصى له حتى يصطلحوا لانا قد عرفنا أن له أحدهما وإن كان بغير عينه (1).
باب المرض الذى تكون عطية المريض فيه جائزة أو غير جائزة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: المرض مرضان فكل مرض كان الاغلب منه أن الموت مخوف منه فعطية المريض فيه إن مات في حكم الوصايا وكل مرض كان الاغلب منه أنه غير مخوف فعطية المريض فيه كعطية الصحيح وإن مات منه، فأما المرض الذى الاغلب منه أن الموت مخوف منه فكل
حمى بدأت بصاحبها حتى جهدته أي حمى كانت، ثم إذا تطاولت فكلها مخوف إلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعا كان الاغلب فيها أنها غير مخوفة فما أعطى الذى ستمرت به حمى الربع وهو في حماه فهو كعطية الصحيح وما أعطى من به حمى غير ربع فعطية مريض، فإن كان مع الربع غيرها من الاوجاع وكان ذلك الوجع مخوفا فعطيته كعطية المريض ما لم يبرأ من ذلك الوجع وذلك مثل البر سام والرعاف الدائم وذات الجنب والخاصرة والقولنج وما أشبه هذا وكل واحد من هذا انفرد فهو مرض مخوف، وإذا ابتدأ البطن بالرجل فأصابه يوما أو يومين لا يأتي فيه دم ولا شئ غير ما يخرج من الخلاء لم يكن مخوفا، فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله أو يمنعه نوما أو يكون منخرقا فهو مخوف، ]
__________
(1) زاد السراج البلقينى في نسخته ما نصه: " باب الوصية بالغلة للدار أو ثمرة البستان أو خدمة العبد " وليس في التراجم وقد ذكر حكمه في اختلاف العراقيين في " باب اليمين " فقال رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل للرجل بغلة دار أو ثمرة بستان والثلث يحتمله فذلك جائز وإذا أوصى له بخدمة عبد والثلث يحمل العبد فذلك جائز وإن لم يحمل الثلث العبد جاز ولزمه ما حمل الثلث ورد ما لم يحمل.
هذا ما ذكره هناك.(4/112)
[ وإن لم يكن البطن منخرقا وكان معه زحير أو تقطيع فهو مخوف (قال) وما أشكل من هذا أن يخلص بين مخوفه وغير مخوفه سئل عنه أهل العلم به، فإن قالوا هو مخوف لم تجز عطيته إذا مات إلا من ثلثه، وإن قالوا لا يكون مخوفا جازت عطيته جواز عطية الصحيح، ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو تغلبه، وإن لم يتغير عقله أو المزار فهو في حاله تلك مخوف عليه، وإن تطاول به كان كذلك، ومن ساوره البلغم كان مخوفا عليه في حال مساورته، فإن استمر به فالج فالاغلب أن الفالج يتطاول به وأنه غير مخوف المعاجلة، وكذلك إن أصابه سل فالاغلب أن السل يتطاول وهو غير مخوف المعاجلة، ولو أصابه طاعون فهذا مخوف عليه حتى يذهب عنه الطاعون، ومن أنفذته الجراح حتى تصل منه إلى جوف فهو مخوف عليه ومن أصابه من الجراح ما لا يصل منه إلى مقتل فإن كان لا يحم عليها ولا يجلس لها ولا يغلبه لها وجع ولا يصيبه فيها ضربان ولا أذى ولم يأكل ويرم فهذا غير مخوف، وإن أصابه بعض هذا
فهو مخوف (قال الشافعي) ثم جميع الاوجاع التى لم تسم على ما وصفت يسأل عنها أهل العلم بها فإن قالوا مخوفة فعطية المعطى عطية مريض، وإن قالوا: غير مخوفة فعطيته عطية صحيح، وأقل ما يكون في المسألة عن ذلك والشهادة به شاهدان ذوا عدل.
باب عطية الحامل وغيرها ممن يخاف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز عطية الحامل حتى يضربها الطلق لولاد أو إسقاط فتكون تلك حال خوف عليها إلا أن يكون بها مرض غير الحمل مما لو أصاب غير الحامل كانت عطيتها عطية مريض وإذا ولدت الحامل فإن كان بها وجع من جرح أو ورم أو بقية طلق أو أمر مخوف فعطيتها عطية مريض وإن لم يكن بها من ذلك شئ فعطيتها عطية صحيح (قال الشافعي) فإن ضربت المرأة أو الرجل بسياط أو خشب أو حجارة فثقب الضرب جوفا أو ورم بدنا أو حمل قيحا فهذا كله مخوف وهو قبل أن يبلغ هذا في أول ما يكون الضرب إن كان مما يصنع مثله مثل هذا مخوف، فإن أتت عليه أيام يؤمن فيها أن يبقى بعدها وكان مقتلا فليس بمخوف.
باب عطية الرجل في الحرب والبحر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز عطية الرجل في الحرب حتى يلتحم فيها فإذا التحم كانت عطيته كعطية المريض كان محاربا مسلمين أو عدوا (قال الربيع) وله فيما أعلم قول آخر أن عطيته عطية الصحيح حتى يجرح (قال) وقد قال لو قدم في قصاص لضرب عنقه إن عطيته عطية الصحيح لانه قد يعفى عنه، فإذا أسر فإن كان في أيدى المسلمين جازت عطيته في ماله وإن كان في أيدى مشركين لا يقتلون أسيرا فكذلك وإن كان في أيدى مشركين يقتلون الاسرى ويدعونهم فعطيته عطية المريض، لان الاغلب منهم أن يقتلوا وليس يخلو المرء في حال أبدا من رجاء الحياة وخوف الموت لكن إذا كان الاغلب عنده وعند غيره الخوف عليه فعطيته عطية مريض وإذا كان الاغلب عنده وعند غيره الامان عليه مما نزل به من وجع أو إسار أو حال كانت عطيته عطية الصحيح (قال الشافعي) وإن ](4/113)
[ كان في مشركين يفون بالعهد فأعطوه أمانا على شئ يعطيهموه أو على غير شئ فعطيته عطية
الصحيح.
باب الوصية للوارث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن سليمان الاحول عن مجاهد يعنى في حديث " لا وصية لوارث " (قال الشافعي) ورأيت متظاهرا عند عامه من لقيت من أهل العلم بالمغازي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح " لا وصية لوارث " ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " فحكم الوصية لوارث حكم ما لم يكن فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصية فإن مات الموصى والموصى له وارث فلا وصية له، وإن حدث للموصى وارث يحجبه أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له، بأن يكون أوصى صحيحا لامرأته ثم طلقها ثلاثا ثم مات مكانه فلم يرثه فالوصية لها جائزة لانها غير وارثة وإنما ترد الوصية وتجوز إذا كان لها حكم ولا يكون لها حكم إلا بعد موت الموصى حتى تجب أو تبطل، ولو أوصى لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصى فصار الموصى له وارثا أو لامرأة ثم نكحها ومات وهى زوجته بطلت الوصية لهما معا لانها صارت وصية لوارث ولو أوصى لوارث وأجنبى بعبد أو أعبد أو دار أو ثوب أو مال مسمى ما كان بطل نصيب الوارث وجاز للاجنبي ما يصيبه وهو النصف من جميع ما أوصى به للوارث والاجنبى، ولكن لو قال أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمى للوارث ثلثا وللاجنبي ثلثى ما أوصى به جاز للاجنبي ما سمى له ورد عن الوارث ما سمى له، ولو كان له ابن يرثه ولابنه أم ولدته أو حضنته أو أرضعته أو أب ارضعه أو زوجة أو ولد لا يرثه أو خادم أو غيره فأوصى لهؤلاء كلهم أو لبعضهم جازت لهم الوصية لان كل هؤلاء غير وارث وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به لملكه ماله إن شاء منعه ابنه وإن شاء أعطاه إياه، وما أحد أولى بوصيته من ذوى قرابته ومن عطف على ولده ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين " وان الاغلب من الاقربين لانهم يبتلون أولاد الموصى بالقرابة ثم الاغلب أن يزيدوا وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية وينبغى لمن منع أحدا مخافة أن يرد على وارث أو ينفعه أن يمنع ذوى القرابة وان لا يعتق العبيد الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت.
باب ما يجوز من إجازة الوصية للوارث وغيره وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اراد الرجل أن يوصى لوارث فقال للورثة إنى أريد أن أوصى بثلثي لفلان وارثي فإن أجزتم ذلك فعلت وإن لم تجيزوا أوصيت بثلثي لمن تجوز الوصية له فأشهدوا له على أنفسهم بأن قد اجازوا له جميع ما أوصى له وعلموه ثم مات فخير لهم فيما بينهم وبين الله عزوجل أن يجيزوه لان في ذلك صدقا ووفاء بوعد وبعدا من غدر وطاعة للميت وبرا للحى فإن لم يفعلوا لم يجبرهم الحاكم على إجازته ولم يخرج ثلث مال الميت في شئ إذا لم يخرجه هو فيه وذلك أن ](4/114)
[ إجازتهموه قبل أن يموت الميت لا يلزمهم بها حكم من قبل أنهم أجازوا ما ليس لهم ألا ترى أنهم قد يكونون ثلاثة واثنين وواحدا فتحدث له أولاد أكثر منهم فيكونون أجازوا كل الثلث إنما لهم بعضه ويحدث له وارث غيرهم يحجبهم ويموتون قبله فلا يكونون أجازوا في واحدة من الحالين في شئ يملكونه بحال وإن أكثر أحوالهم فيه أنهم لا يملكونه أبدا إلا بعد ما يموت أو لا ترى أنهم لو أجازوها لوارث كان الذى أجيزت له الوصية قد يموت قبل الموصى فلو كان ملك الوصية بوصية الميت وإجازتهم ملكها كان لم يملكها ولا شئ من مال الميت إلا بموته وبقائه بعده فكذلك الذين أجازوا له الوصية أجازوها فيما لا يملكون وفيما قد لا يملكونه أبدا (قال) وهكذا لو استأذنهم فيما يجاوز الثلث من وصيته فأذنوا له به وهكذا لو قال رجل منهم ميراثي منك لاخى فلان أو لبنى فلان لم يكن له لانه أعطاه ما لم يملك وهكذا لو استأذنهم في عتق عبيد له فأعتقهم بعد موته فلم يخرجوا من الثلث كان لهم رد من لا يخرج من الثلث منهم وخير في هذا كله أن يجيزوه ولكنه لو أوصى لوارث بوصية فقال فإن أجازها الورثة وإلا فهى لفلان رجل أجنبي أو في سبيل الله أو في شئ مما تجوز له الوصية به مضى ذلك على ما قال إن أجازها الورثة جازت وإن ردوها فذلك لهم وعليهم أن ينفذوها لمن أوصى له بها إن لم تجزها الورثة لانها وصية لغير وارث وكذلك لو أوصى بوصية لرجل فقال فإن مات قبلى فما أوصيت له به لفلان فمات قبله كانت الوصية لفلان وكذلك لو قال لفلان ثلثى إلا أن يقدم فلان قدم فلان هذا البلد
فهو له جاز ذلك على ما قال.
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من وارث أو غيره أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات وقد علموا ما أوصى به وترك فقالوا قد أجزنا ما صنع ففيها قولان أحدهما أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصاية بعد الموت مخالفة عطايا الاحياء التى لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ولا يكون مالكا قابضا لشئ يخرجه من يديه وإنما هي إدخال منه لاهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لاهل الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لاهل الميراث وإذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت (1) مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما لم يردوه وليس ما أجازوا لاهل الوصايا بشئ في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شئ لم يصر إليهم إلا بسبب الميت وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من أبرءوه ويبرءون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ولهذا وجه محتمل والقول الثاني أن يقول ما ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما ]
__________
(1) كذا في النسخ وتأمله.
كتبه مصححه.(4/115)
[ تكون لهم أموال ودائع في أيدى غيرهم فيهبون منها الشئ لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ولهذا وجه محتمل والله تعالى أعلم، وإن قالوا أجزنا ما صنع ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين جميعا أن يقال اجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ثم لهم الرجوع فيما بقى وكذلك إن كانوا غيبا وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من اجاز إجازتهم بغير قبض وإنما تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علمواكم ترك كأن أوصى بشئ
يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدى فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له ذلك ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لانا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير ذى دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان احدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم لانهم أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال الميت ويقال لهم إذا احلفوا: أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا أو أقل أو أكثر، باب اختلاف الورثة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن أجاز بعض الورثة فيما تلزم الاجازة فيه ولم يجز بعضهم جاز في حصة من أجاز ما أجاز كأن الورثة كانوا اثنين فيجب للموصى له نصف ما أوصى له به مما جاوز الثلث (قال الشافعي) ولو كان في الورثة صغير أو بالغ محجور عليه أو معتوه لم يجز على واحد من هؤلاء أن يجيز في نصيبه بشئ جاوز الثلث من الوصية ولم يكن لولى واحد من هؤلاء ان يجيز ذلك في نصيبه ولو أجاز ذلك في ماله كان ضامنا له في ماله وإن وجد في يدى من أجيز له أخذ من يديه وكان للولى أن يتبع من أعطاه إياه بما أعطى منه لانه أعطاه ما لا يملك.
الوصية للقرابة (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أوصى الرجل فقال ثلث مالى لقرابتي أو لذوى قرابتي أو لرحمي أو لذوى رحمى أو لارحامي أو لاقربائي أو قراباتى فذلك كله سواء والقرابة من قبل الام والاب في الوصية سواء وأقرب قرابته وأبعدهم منه في الوصية سواء الذكر والانثى والغنى والفقير والصغير والكبير لانهم اعطوا باسم القرابة فاسم القرابة يلزمهم معا كما أعطى من شهد القتال باسم الحضور، وإذا كان الرجل من قبيلة من قريش فأوصى في قرابته فلا يجوز إذا كان كل من يعرف نسبه إلا أن يكون بينه وبين من يلقاه إلى أب وإن بعد قرابة فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش لقرابتي لا يريد جميع قريش ولا من هو أبعد منهم ومن قال لقرابتي لا يريد أقرب الناس أو ذوى قرابة أبعد منه بأب وإن كان قريبا صير إلى المعروف من قول العامة ذوى قرابتي فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها؟
فيقال من بنى عبد مناف ثم يقال قد يتفرق بنو عبد مناف فمن أيهم؟ فيقال من بنى المطلب فيقال أيتميز بنو المطلب؟ قيل نعم هم قبائل فمن أيهم؟ قيل من بنى عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال أفيتميز هؤلاء؟ قيل نعم هم قبائل قيل فمن أيهم؟ قيل من بنى عبيد بن عبد يزيد قيل افيتميز هؤلاء؟ ](4/116)
[ قيل نعم هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد قيل وبنو شافع وبنو على وبنو عباس وكل هؤلاء من بنى السائب، فإن قيل أفيتميز هؤلاء؟ قيل نعم كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه، فإذا كان من آل شافع فقال لقرابته فهو لآل شافع دون آل على وآل عباس، وذلك أن كل هؤلاء يتميزون ظاهر التمييز من البطن الآخر يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دون الشعوب والقبائل في آبائهم وفى تناصرهم وتناكحهم ويحول بعضهم لبعض على هؤلاء الذين معهم، ولو قال ثلث مالى لاقرب قرابتي أو لادنى قرابتي أو لالصق قرابتي كان هذا كله سواء ونظرنا إلى أقرب الناس منه رحما من قبل أبيه وأمه فأعطيناه إياه ولم نعطه غيره ممن هو ابعد منه كأنا وجدنا له عمين وخالين وبنى عم وبنى خال وأعطينا المال عميه وخاليه سواء بينهم دون بنى العم والخال لانهم يلقونه عند أبيه وأمه قبل بنى عمه وخاله وهكذا لو وجدنا له إخوة لاب وإخوة لام وعمين وخالين أعطينا المال إخوته لابيه وإخوته لامه دون عميه وخاليه لانهم يلقونه عند أبيه وأمه الادنين قبل عميه وخاليه ولو كان مع الاخوة للاب والاخوة للام إخوة لاب وأم كان المال لهم دون الاخوة للاب والاخوة للام لانا إذ عددنا القرابة من قبل الاب والام سواء فجمع الاخوة للاب والام قرابة الاب والام كانوا أقرب بالميت ولو كان مع الاخوة للاب والام ولد ولد متسفل لا يرث كان المال له دون الاخوه لانه ابن نفسه، وابن نفسه أقرب إليه من ابن أبيه ولو كان مع ولد الولد المتسفل جد كان الولد أولى منه وإن كان جد أدنى (قال) ولو كان مع الاخوة للاب أو الام جد كان الاخوة أولى من الجد في قول من قال الاخوة أولى بولاء الموالى من الجد لانهم أقرب منه وأنهم يلقون الميت قبل أن يصير الميت إلى الجد ولو قال في هذا كله ثلث مالى لجماعة من قرابتي فإن كان أقرب الناس به ثلاثة فصاعدا فهو لهم وسواء كانوا رجالا أو نساء وإن كانوا اثنين ثم الذين يلونهم واحد أو أكثر كان للاثنين الثلثان من الثلث وللواحد فأكثر ما بقى من الثلث وإن كانوا واحدا فله ثلث الثلث
ولمن يليه من قرابته إن كانوا اثنين فصاعدا ثلثا الثلث ولو كان أقرب الناس واحدا والذى يليه في القرابة واحد أخذ كل واحد منهما ثلث الثلث واخذ الذين يلونهما في القرابة واحد أو أكثر الثلث الباقي سواء بينهم، باب الوصية لما في البطن والوصية بما في البطن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتجوز الوصية بما في البطن ولما في البطن إذا كان مخلوقا يوم وقعت الوصية ثم يخرج حيا فلو قال رجل ما في بطن جاريتي فلانة لفلان ثم توفى فولدت جاريته لاقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية كان لمن أوصى له به وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يكن له لانه قد يحدث الحمل فيكون الحمل الحادث غير الذى أوصى به ولو قال ولد جاريتي أو جاريتي أو عبد بعينة وصية لما في بطن فلانة امرأة يسميها بعينها فإن ولدت تلك المرأة لاقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فالوصية جائزة وإن ولدت لستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فأكثر فالوصية مردودة لانه قد يحدث حمل بعد الوصية فيكون غير ما أوصى له وإن كان الحمل الذى أوصى به غلاما أو جارية أو غلاما وجارية أو أكثر كانت الوصية بهم كلهم جائزة لمن أوصى له بهم وإن كان الحمل الذى أوصى له غلاما أو جارية أو أكثر كانت الوصية بينهم سواء على العدد وإن مات الموصى قبل أن تلد التى أوصى لحملها وقفت الوصية حتى تلد فإذا ولدت لاقل من ستة أشهر كانت الوصية له.
](4/117)
[ باب الوصية المطلقة والوصية على الشئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن أوصى فقال إن مت من مرضى هذا ففلان لعبد له حر ولفلان كذا وصية ويتصدق عنى بكذا ثم صح من مرضه الذى أوصى فيه ثم مات بعده فجأة أو من مرض غير ذلك المرض بطلت تلك الوصية لانه اوصى إلى أجل (1) ومن أوصى له واعتق على شرط لم يكن وكذلك إذا حد في وصيته حدا فقال إن مت في عامى هذا أو في مرضى هذا فمات من مرض سواه بطل فإن أبهم هذا كله وقال هذه وصيتى ما لم أغيرها فهو كما قال وهى وصيته ما لم يغيرها ولكنه لو قال هذا وأشهد أن وصيته هذه ثابتة ما لم يغيرها كانت وصيته نافذة (قال الشافعي) وإن
أوصى فقال إن حدث بى حدث الموت وصية مرسلة ولم يحدد لها حدا أو قال متى حدث بى حدث الموت أو متى مت فوصيته ثابتة ينفذ جميع ما فيها مما جاز له متى مات ما لم يغيرها.
باب الوصية للوارث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين " الآية إلى " المتقين " وقال عزوجل في آى المواريث " ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث " وذكر من ورث جل ثناؤه في آى من كتابه (قال الشافعي) واحتمل إجماع أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والاقربين معنين أحدهما أن يكون للوالدين والاقربين الامران معا فيكون على الموصى أن يوصى لهم فيأخذون بالوصية ويكون لهم الميراث فيأخذون به واحتمل أن يكون الامر بالوصية نزل ناسخا لان تكون الوصية لهم ثابتة فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين والاقربين الوارثين منسوخة بآى المواريث من وجهين أحدهما اخبار ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة اخبرنا عن سليمان الاحول عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا وصية لوارث " وغيره يثبته بهذا الوجه ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآى المواريث واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية وبهذا نقول، وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخا وإذا أوصى لهم جاز وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا وإنما أخذوا بإعطاه الورثة لهم ما لهم لانا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين وسمى معهم الاقربين جملة فلما كان الوالدان وارثين قسنا عليهم كل وارث وكذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الاقربون ورثة وغير ورثة أبطلنا الوصية للورثة من الاقربين بالنص والقياس والخبر " ألا لا وصية لوارث " وأجزنا الوصية للاقربين ولغير الورثة من كان فالاصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب الله عز وجل وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه في أن ]
__________
(1) قوله: ومن أوصى له كذا في النسخ ولعله محرف عن " قد " وتأمل.
كتبه مصححه.(4/118)
[ ينظر إلى الوصايا فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذى تجوز به وموجود عندي والله تعالى أعلم فيما وصفت من الكتاب وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهين وذلك أن ما ترك المتوفى يؤخذ بميراث أو وصية فلما كان حكمهما مختلفين لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد وحال واحدة كما لا يجوز أن يعطى بالشئ وضد الشئ ولم يحتمل معنى غيره بحال فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول إنما لم تجز الوصية للوارث من قبل تهمة الموصى لان يكون يحابى وارثه ببعض ماله فلولا أن العناء مستعل على بعض من يتعاطى الفقه ما كان فيمن ذهب إلى هذا المذهب عندي والله أعلم للجواب موضع لان من خفى عليه هذا حتى لا يتبين له الخطأ فيه كان شبيها أن لا يفرق بين الشئ وضد الشئ فإن قال قائل فأين هذا؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرايت امرءا من العرب عصبته يلقونه بعد ثلاثين أبا قد قتل آباء عصبته آباءه وقتلهم آباؤه وبلغوا غاية العداوة بينهم بتسافك الدماء وانتهاك المحارم والقطيعة والنفى من الانساب في الاشعار وغيرها وما كان هو يصطفى ما صنع بآبائه ويعادي عصبته عليه غاية العداوة ويبذل ماله في أن يسفك دماءهم وكان من عصبته الذين يرثونه من قتل ابويه فأوصى من مرضه لهؤلاء القتلة وهم ورثته مع غيرهم من عصبته كان الوارث معهم في حال عداوتهم أو كان له سلما به برا وله واصلا وكذلك كان آباؤهما أتجوز الوصية لاعدائه وهو لا يتهم فيهم؟ فإن قال لا قيل وكذلك لو كان من الموالى فكان مواليه قد بلغوا بآبائه ما بلغ بهم وبأبيهم ما وصفت من حال القربى فأوصى لورثته من مواليه ومعهم ابنته أتجوز الوصية لهم وهو لا يتهم فيهم؟ فإن قال لا.
قيل وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة منه وامتنع من فراقها إضرارا لها ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته لانها وارث.
فإن قال نعم: قيل ولو أن أجنبيا مات ليس له وارث (1) أعظم النعمة عليه صغيرا وكبيرا وتتابع إحسانه عليه، وكان معروفا
بمودته فأوصى له بثلث ما له أيجوز؟ فإن قال نعم، قيل وهكذا تجوز الوصية له وإن كان ورثته أعداء له.
فإن قال نعم تجوز وصيته في ثلثه كان ورثته أعداء له أو غير أعداء.
قيل له أرأيت لو لم يكن في أن الوصية تبطل للوارث وأنه إذا خص بإبطال وصيته الوارث لم يكن فيها معنى إلا ما قلنا.
ثم كان الاصل الذى وصفت لم يسبقك إليه أحد يعقل من أهل العلم شيئا علمناه أما كنت تركته؟ أو ما كان يلزمك أن تزعم أنك تنظر إلى وصيته أبدا فإن كانت وصيته لرجل عدو له أو بغيض إليه أو غير صديق أجزتها وإن كان وارثا.
وإن كانت لصديق له أو لذى يد عنده أو غير عدو فأبطلتها.
وإذا فعلت هذا خرجت مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدخل فيما لم يختلف فيه أهل العلم علمناه.
أو رأيت لو كان له عبد يعلم أنه أحب الناس إليه وأوثقه في نفسه وأنه يعرف بتوليج ماله إليه في الحياة ولد ولد دون ولده.
ثم مات ولده فصار وارثه عدوا له فأعتق عبده في وصيته أليس يلزمك أن لا تجيز العتق لشأن تهمته فيه حيا إذا كان يؤثره بماله على ولد نفسه وميتا إذ كان عنده بتلك الحال وكان الوارث له عدوا؟ أو رأيت لو كان وارثه له عدوا فقال والله ما يمنعنى أن أدع الوصية فيكون الميراث وافرا عليك إلا حب أن يفقرك الله ولا يغنيك.
ولكني أوصى بثلث مالى لغيرك فأوصى لغيره أليس إن أجاز هذا أجاز ما ]
__________
(1) قوله: أعظم النعمة الخ، لعل هنا سقطا من النساخ وأصل الكلام " وله صديق أعظم النعمة عليه الخ " فانظر(4/119)
[ ينبغى أن يرد ورد ما كان ينبغى أن يجوز من الوصية لوارث عدو في أصل قوله؟ أو رأيت إذا كانت السنة تدل على أن للميت أن يوصى بثلث ماله ولا يحظر عليه منه شئ أن يوصى به إلا لوارث (1) إذ دخل عليه أحد أن يحظر عليه الوصية لغير وارث بحال أليس قد خالفنا السنة؟ أو رأيت إذا كان حكم الثلث إليه ينفذه لمن رأى غير وارث لو كان وارثه في العداوة له على ما وصفت من العداوة.
وكان بعيد النسب أو كان مولى له فأقر لرجل آخر بمال قد كان يجحده إياه أو كان لا يعرف بالاقرار له به ولا الآخر بدعواه أليس إن أجازه له مما يخرج الوارث من جميع الميراث أجابه له أكثر من الثلث وهو متهم على أن يكون صار الوارث؟ وإن أبطله أبطل إقرارا بدين أحق من الميراث لان الميراث لا يكون إلا بعد الدين (قال الشافعي) الاحكام على الظاهر والله ولى المغيب ومن حكم على الناس بالازكان جعل
لنفسه ما حظر الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم لان الله عزوجل إنما يولى الثواب والعقاب على المغيب لانه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه.
وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر ولو كان لاحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما وصفت من هذا يدخل في جميع العلم، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن؟ قيل كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله " قرأ إلى " فصدوا عن سبيل الله " فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم واخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار الايمان على الايمان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه.
فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ به فإنما أقطع له بقطعة من النار " فأخبرهم أنه يقضى بالظاهر وأن الحلال والحرام عند الله على الباطن وأن قضاءه لا يحل للمقتضى له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم أخذوا بذلك، وبذلك أمر الله تعالى ذكره فقال " ولا تجسسوا " وبذلك أوصى صلى الله عليه وسلم.
ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان، ثم قال " انظرو فإن جاءت به كذا فهو للذى يتهمه " فجاءت به على النعت الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للذى يتهمه به، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أمره لبين لولا ما حكم الله " ولم يستعمل عليهما الدلالة البينة التى لا تكون دلالة أبين منها، وذلك خبره أن يكون الولد، ثم جاء الولد على ما قال مع أشياء لهذا كلها تبطل حكم الازكان من الذرائع في البيوع وغيرها من حكم الازكان فأعظم ما فيما وصفت من الخكم بالازكان خلاف ما أمر الله عزوجل به أن يحكم بين عباده من الظاهر وما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يمتنع من حكم
بالازكان ان اختلفت أقاويله فيه حتى لو لم يكن آثما بخلافه ما وصفت من الكتاب والسنة كان ينبغى ان تكون أكثر أقاويله متروكة عليه لضعف مذهبه فيها.
وذلك أنه يزكن في الشئ الحلال فيحرمه.
ثم ]
__________
(1) إذا دخل الخ كذا في النسخ ولعل في العبارة تحريفا فتأمل وحرر.
كتبه مصححه.(4/120)
[ يأتي ما هو أولى أن يحرمه منه إن كان له التحريم بالازكان فلا يحرمه، فإن قال قائل ومثل ماذا من البيوع؟ قيل أرأيت رجلا اشترى فرسا على أنها عقوق، فإن قال لا يجوز البيع لان ما في بطنها مغيب غير مضمون بصفة عليه، قيل له وكذلك لو اشتراها وما في بطنها بدينار، فإن قال نعم قيل أرأيت إذا كان المتبايعان بصيرين فقالا هذه الفرس تسوى خمسة دنانير إن كانت غير عقوق وعشرة إن كانت عقوقا فأنا آخذها منك بعشرة ولو لا أنها عندي عقوق لم أزدك على خمسة ولكنا لا نشترط معها عقوقا لافساد البيع فإن قال هذا البيع يجوز لان الصفقة وقعت على الفرس دون ما في بطنها ونيتهما معا وإظهارهما الزيادة لما في البطن لا يفسد البيع إذا لم تعقد الصفقة على ما يفسد البيع ولا أفسد البيع ههنا بالنية قيل له إن شاء الله تعالى وكذلك لا يحل نكاح المتعة ويفسخ.
فإن قال نعم.
قيل وإن كان أعزب أو آهلا؟ فإن قال نعم، قيل فإن أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يوما أو عشرا إنما أراد أن يقضى منها وطرا وكذلك نوت هي منه غير أنهما عقدا النكاح مطلقا على غير شرط، وان قال: هذا يحل قيل له ولم تفسده بالنية إذا كان العقد صحيحا؟ فإن قال نعم، قيل له إن شاء الله تعالى فهل تجد في البيوع شيئا من الذرائع أو في النكاح شيئا من الذرائع تفسد به بيعا أو نكاحا أولى أن تفسد به البيع من شراء الفرس العقوق على ما وصف وكل ذات حمل سواها والنكاح على ما وصفت فإذا لم تفسد بيعا ولا نكاحا بنية يتصادق عليها المتبايعان والمتناكحان إيما كانت نيتهما ظاهرة قبل العقد ومعه وبعده، وقلت لا أفسد واحدا منهما لان عقد البيع وعقد النكاح وقع على صحة والنية لا تصنع شيئا وليس معها كلام فالنية إذا لم يكن معها كلام أولى أن لا تصنع شيئا يفسد به بيع ولا نكاح (قال الشافعي) وإذا لم يفسد على المتبايعين نيتهما أو كلامهما فكيف أفسدت عليهما بأن أزكنت عليهما أنهما نويا أو أحدهما شيئا والعقد صحيح فأفسدت العقد الصحيح بإزكانك أنه نوى فيه ما لو شرط في البيع أو النكاح فسد فإن قال
ومثل ماذا؟ قال قيل له مثل قولك والله تعالى الموفق.
باب تفريع الوصايا للوارث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكل ما أوصى به المريض في مرضه الذى يموت فيه الوارث من ملك مال ومنفعة بوجه من الوجوه لم تجز الوصية لوارث بأى هذا كان.
الوصية للوارث قال الربيع (قال الشافعي) وإذا استأذن الرجل أن يوصى لوارث في صحة منه أو مرض فأذنوا له أو لم يأذنوا فذلك سواء فإن وفوا له كان خيرا لهم وأتقى لله عز ذكره وأحسن في الاحدوثة أن يجيزوه، فإن لم يفعلوا لم يكن للحاكم أن يجبرهم على شئ منه وذلك بما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميراث (قال الشافعي) أخبرنا سفيان ابن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لاخبرني فلان أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لابي بكرة " تب تقبل شهادتك " أو " إن تبت قبلت شهادتك " قال سفيان سمى الزهري الذى أخبره فحفظته ثم نسيته وشككت فيه فلما قمنا سألت من حضر فقال لى عمرو بن قيس هو سعيد بن المسيب فقلت هل شككت ](4/121)
[ فيما قال؟ فقال لا هو سعيد بن المسيب غير شك (قال الشافعي) وكثيرا ما سمعته يحدثه فيسمى سعيدا وكثير ما سمعته يقول عن سعيد إن شاء الله تعالى.
وقد روى غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه شك وزاد فيه أن عمر استتاب الثلاثة فتاب اثنان فأجاز شهادتهما وأبى أبو بكر فرد شهادته.
مسألة في العتق (قال) ومن أوصى بعتق عبده ولا يحمله الثلث فأجاز له بعض الورثة وأتى بعض أن يجيز عتق منه ما حمل الثلث وحصة من أجاز وكان الولاء للذى أعتق لا للذى أجاز إن قال أجزت لا أرد ما فعل الميت ولا أبطله من قبل أنه لعله أن يكون لزمه عتقه في حياته أو وجه ذكره مثل هذا، ومن أوصى له بثلث رقيق وفيهم من يعتق عليه إذا ملكه فله الخيار في أن يقبل أو يرد الوصية، فإن قبل عتق عليه من يعتق عليه إذا ملكه وقوم عليه ما بقى منه إن كان موسرا وكان له ولاؤه، ويعتق على الرجل كل من
ولد الرجل من أب وجد أب وجد أم إذا كان له والدا من جهة من الجهات وإن بعد.
وكذلك كل من كان ولد بأى جهة من الجهات وإن بعد.
ولا يعتق عليه أخ ولا عم ولا ذو قرابة غيرهم، ومن أوصى لصبي لم يبلغ بأبيه أو جده كان للوصي أن يقبل الوصية لانه لا ضرر عليه في أن يعتق على الصبى وله ولاؤه.
وإن أوصى له ببعضه لم يكن للولى أن يقبل الوصية على الصبى وإن قبل لم يقوم على الصبى وعتق منه ما ملك الصبى، وإنما يجوز له أمر الولى فيما زاد الصبى أو لم ينقص أو فيما لا بد له منه.
فأما ما ينقصه مما له منه بد فلا يجوز عليه وهذا نقص له منه بد، وإذا كان العبد بين اثنين فأعطى أحدهما خمسين دينارا على أن يعتقه أو يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق عليه ورجع شريكه عليه بنصف الخمسين وأخذها ونصف قيمة العبد، وكان له ولاؤه ورجع السيد على العبد بالخمسة والعشرين التى قبضها منه السيد.
ولو كان السيد قال إن سلمت لى هذه الخمسون فأنت حر لم يكن حرا وكان للشريك أن يأخذ منه نصف الخمسين لانه مال العبد وماله بينهما.
ومن قال إذا مت فنصف غلامي حر فنصف غلامه حر ولا يعتق عليه النصف الثاني وإن حمل ذلك ثلثه لانه إذا مات فقد انقطع ملكه عن ماله وإنما كان له أن ياخذ من ماله ما كان حيا.
فلما أوقع العتق في حال ليس هو فيها مالك لم يقع منه إلا ما أوقع وإذا كنا في حياته لو أعتق نصف مملوك ونصفه لغيره وهو معسر لم نعتقه عليه فهو بعد الموت لا يملك في حاله التى أعتق فيها ولا يفيد ملكا بعده، ولو أعتقه فبت عتقه في مرضه عتق عليه كله لانه أعتق وهو مالك للكل أو الثلث وإذا مات فحمل الثلث عتق كله وبدئ على التدبير والوصايا (قال الشافعي) وإذا كان العبد بين رجلين أو أكثر فأعتق أحدهم وهو موسر وشركاؤه غيب عتق كله وقوم فدفع إلى وكلاء شركائه نصيبهم من العبد وكان حرا وله ولاؤه فإن لم يكن لهم وكلاء وقف ذلك لهم على أيدى من يضمنه بالنظر من القاضى لهم أو أقره على المعتق إن كان مليئا ولا يخرجه من يديه إذا كان مليئا مأمونا إنما يخرجه إذا كان غير مأمون.
وإذا قال الرجل لعبده: أنت حر على أن عليك مائة دينار أو خدمة سنة أو عمل كذا فقبل العبد العتق على هذا لزمه ذلك وكان دينا عليه، فإن مات قبل أن يخدم رجع عليه المولى بقيمة الخدمة في ماله إن كان له (قال الشافعي) ولو قال في هذا أقبل العتق ولا أقبل ما جعلت على لم يكن حرا وهو كقولك أنت حر إن ضمنت مائة دينار أو ضمنت كذا
وكذا ولو قال أنت حر وعليك مائة دينار وأنت حر ثم عليك مائة دينار أو خدمة فإن ألزمه العبد نفسه أو ](4/122)
[ لم يلزمه نفسه عتق في الحالين معا ولم يلزمه منه شئ لانه أعتقه ثم استأنف أن جعل عليه شيئا فجعله على رجل لا يملكه ولم يعقد به شرطا فلا يلزمه إلا أن يتطوع بأن يضمنه له (قال الشافعي) وإذا أعتق الرجل شركا له في عبد فإنما أنظر إلى الحال التي أعتق فيها فإن كان موسرا ساعة أعتقه أعتقته وجعلت له ولاءه وضمنته نصيب شركائه وقومته بقيمته حين وقع العتق وجعلته حين وقع العتق حرا جنايته والجناية عليه وشهادته وحدوده وجميع أحكامه أحكام حر وإن لم يدفع القيمة ولم يرتفع إلى القاضى إلا بعد سنة أو أكثر، وإن كانت قيمته يوم أعتقه مائة دينار ثم نقصت ثم لم يرافعه إلى الحاكم حتى تصير عشرة أو زادت حتى تصير ألفا فسواء وقيمته مائة.
وإن كانت المعتقة أمة فولدت أولادا بعد العتق فالقيمة قيمة الام يوم وقع العتق حاملا كانت أو غير حامل ولا قيمة لما حدث من الحمل ولا من الولادة بعد العتق لانهم أولاد حرة ولو كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وأعتقه الثاني بعد عتق الاول فعتقه باطل.
وهذا إذا كان الاول موسرا فله ولاؤه وعليه قيمته وإن كان معسرا فعتق الثاني جائز والولاء بينهما وإن أعتقاه جميعا معا لم يتقدم أحدهما صاحبه في العتق كان حرا ولهما ولاؤه وهكذا إن وليا رجلا عتقه فأعتقه كان حرا وكان ولاؤه بينهما ولو قال أحدهما لصاحبه إذا اعتقت فهو حر فاعتقه صاحبه كان حرا حين قال المعتق ولا يكون حرا لو قال إذا أعتقتك فأنت حر لانه أوقع العتق بعد كمال الاول وكان كمن قال إذا أعتقه فهو حر ولا ألتفت إلى القول الآخر.
وإذا كان العبد بين شريكين فأعتقه أحدهما وهو معسر فنصيبه حر وللمعتق نصف ماله وللذى لم يعتق نصفه ولو كان موسرا كان حرا وضمن لشريكه نصف قيمته وكان مال العبد بينهما ولا مال للعبد إنما ماله لمالكه إن شاء أن ياخذه أخذه وعتقه غير هبة ماله (قال الشافعي) وهو غير ماله وهو يقع عليه العتق ولا يقع على ماله ولو قال رجل لغلامه أنت حر ولماله أنت حر كان الغلام حرا ولم يكن المال حرا ما كان المال من حيوان أو غيره لا يقع العتق إلا على بنى آدم.
وإذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين رجل وله من المال ما يعتق عليه ثلاثة أرباعه أو أقل أو أكثر إلا ان الكل لا يخرج عتق عليه ما احتمل ماله منه وكان له من ولائه بقدر ما
عتق منه ويرق منه ما بقى وسواء فيما وصفت العبد بين المسلمين أو المسلم والنصراني وسواء أيهما أعتقه وسواء كان العبد مسلما أو نصرانيا فإذا أعتقه النصراني وهو موسر فهو حر كله وله ولاؤه وهو فيه مثل المسلم إلا أنه لا يرثه لاختلاف الدينين كما لا يرث ابنه فإن أسلم بعد ثم مات المولى المعتق ورثه.
ولا يبعد النصراني أن يكون مالكا معتقا فعتق المالك جائز.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " ولا يكون مالكا لمسلم فلو أعتقه لم يجز عتقه.
فأما مالك معتق يجوز عتقه ولا يكون له ولاؤه فلم أسمع بهذا.
وهذا خلاف السنة وإذا ملك الرجل أباه أو أمه بميراث عتقا عليه وإذا ملك بعضهما عتق منهما ما ملك ولم يكن عليه أن يقوما عليه لان الملك لزمه وليس له دفعه لانه ليس له دفع الميراث.
لان حكم الله عزوجل أنه نقل ميراث الموتى إلى الاحياء الوارثين.
ولكنه لو أوصى له أو وهب له أو تصدق به عليه أو ملكه بأى ملك ما شاء غير الميراث عتق عليه وإن ملك بعضهما بغير ميراث كان عليه أن يقوما عليه ولو اشترى بعضهما لانه قد كان له دفع هذا الملك كله ولم يكن عليه قبوله ولم يكن مالكا له إلا بأن يشاء فكان اختياره الملك ملك ماله قيمة، والعتق يلزم العبد أحب أو كره، ولو أعتق الرجل شقصا له في عبد قوم عليه فقال عند القيمة إنه آبق أو سارق كلف البينة.
فإن جاء بها قوم كذلك، وإن أقر له شريكه قوم كذلك وإن لم يقر له شريكه أحلف، فإن حلف قوم بريا من الاباق والسرقة.
فإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقا سارقا وإن نكل قومناه صحيحا.
](4/123)
[ باب الوصية بعد الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أوصى رجل بوصية مطلقة ثم أوصى بعدها بوصية أخرى انفذت الوصيتان معا.
وكذلك إن أوصى بالاولى فجعل إنفاذها إلى رجل وبالاخرى فجعل إنفاذها إلى رجل كانت كل واحدا من الوصيتين إلى من جعلها إليه وإن كان قال في الاولى وجعل وصيته وقضاء دينه وتركته إلى فلان وقال في الاخرى مثل ذلك كان كل ما قال في واحدة من الوصيتين ليس في الاخرى إلى الوصي في تلك الوصية دون صاحبه وكان قضاء دينه وولا تركته إليهما معا ولو قال في إحدى الوصيتين أوصى بما في هذه الوصية إلى فلان وقال في الاخرى أوصى بما في هذه الوصية
وولاية من خلف وقضاء دينه إلى فلان فهذا مفرد بما أفرده به من قضاء دينه وولاية تركته وما في وصيته ليست في الوصية الاخرى وشريك مع الآخر فيما في الوصية الاخرى.
باب الرجوع في الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وللرجل إذا أوصى بوصية تطوع بها ان ينقضها كلها أو يبدل منها ما شاء التدبير أو غيره ما لم يمت، وإن كان في وصيته إقرار بدين أو غيره أو عتق بتات فذلك شئ واجب عليه أوجبه على نفسه في حياته لا بعد موته فليس له أن يرجع من ذلك في شئ.
باب ما يكون رجوعا في الوصية وتغييرا لها وما لا يكون رجوعا ولا تغييرا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل ثم أوصى بذلك العبد بعينه لرجل فالعبد بينهما نصفان ولو قال العبد الذى أوصيت به لفلان لفلان أو قد أوصيت بالعبد الذى أوصيت به لفلان لفلان كان هذا ردا للوصية الاولى وكانت وصيته للآخر منهما ولو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا على إبطال وصيته به، وذلك أن البيع والوصية لا يجتمعان في عبد، وكذلك لو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى بعتقه أو أخذ مال منه وعتقه كان هذا كله إبطالا للوصية به للاول ولو أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو كاتبه أو دبره أو وهبه كان هذا كله إبطالا للوصية فيه (قال الشافعي) ولو أوصى به لرجل ثم أذن له في التجارة أو بعثه تاجرا إلى بلد أو أجره أو علمه كتابا أو قرآنا أو علما أو صناعة أو كساه أو وهب له مالا أو زوجه لم يكن شئ من هذا رجوعا في الوصية، ولو كان الموصى به طعاما فباعه أو وهبه أو أكله أو كان حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه أو خبزه فجعلها سويقا كان هذا كله كنقض الوصية ولو أوصى له بما في هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا إبطالا للوصية، ولو اوصى له مما في البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا إبطالا للوصية وكانت له المكيلة التى أوصى بها له.
](4/124)
[ تغيير وصية العتق أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال وللموصى أن يغير من وصيته ما شاء من
تدبير وغير تدبير لان الوصية عطاء يعطيه بعد الموت فله الرجوع فيه ما لم يتم لصاحبه بموته، قال وتجوز وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير بالغ لانا إنما نحبس عليه ماله ما لم يبلغ رشده، فإذا صار إلى أن يحول ملكه لغيره لم نمنعه أن يتقرب إلى الله تعالى في ماله بما أجازت له السنة من الثلث، قال ونقتصر في الوصايا على الثلث، والحجة في أن يقتصر بها على الثلث وفى أن تجوز لغير القرابة حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فاقتصر بوصيته على الثلث وجعل عتقه في المرض إذا مات وصية وأجازها للعبيد وهم غير قرابة وأحب إلينا أن يوصى للقرابة (قال الشافعي) وإذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله أو شئ مسمى من دنانير أو دراهم أو عرض من العروض وله مال حاضر لا يحتمل ما أوصى به ومال غائب فيه فضل عما أوصى به أعطينا الموصى له ما أوصى له بما بينه وبين أن يستكمل ثلث المال الحاضر وبقينا ما بقى له ولكما حضر من المال شئ دفعنا إلى الورثة ثلثيه وإلى الموصى له ثلثه حتى يستوفوا وصاياهم، وإن هلك المال الغائب هلك منهم ومن الورثة، وإن أبطأ عليهم أبطأ عليهم معا وأحسن حال الموصى له أبدا أن يكون كالوارث ما احتملت الوصية الثلث فإذا عجز الثلث عنها سقط معه فأما أن يزاد أحد بحال أبدا على ما أوصى له به قليلا أو كثيرا فلا إلا أن يتطوع له الورثة فيهبون له من أموالهم أرأيت من زعم أن رجلا لو أوصى لرجل بثلاثة دراهم وترك ثلاثة دراهم وعرضا غائبا يساوى ألف فقال أخير الورثة بين أن يعطوا الموصى له هذه الثلاثة دراهم كلها ويسلم لهم ثلث مال الميت أو أجبرهم على درهم من الثلاثة لانه ثلث ما حضر وأجعل للموصى له ثلثى الثلث فيما غاب من ماله أليس كان أقرب إلى الحق وأبعد من الفحش في الظلم لو جبرهم على أن يعطوه من الثلاثة دراهم درهما؟ فإذا لم يجز عنده أن يجبرهم على درهمين يدفعونهما من قبل أن لا يكون له أن تسلم إليه وصيته ولم تأخذ الورثة ميراثهم كان أن يعطوه قيمة ألوف أحرم عليه وأفحش في الظلم وإنما أحسن حالات الموصى له أن يستوفى ما أوصى له به لا يزاد عليه بشئ ولا يدخل عليه النقص فأما الزيادة فلا تحل ولكن كلما حضر من مال الميت اعطينا الورثة الثلثين وله الثلث حتى يستوفى وصيته وكذلك لو أوصى له بعبد بعينه ولم يترك الميت غيره إلا مالا غائبا سلمنا له ثلثه وللورثة الثلثين وكلما حضر من المال الغائب شئ له
ثلث زدنا الموصى له في العبد أبدا حتى يستوفى رقبته أو يعجز الثلث فيكون له ما حمل الثلث ولا أبالى ترك الميت دارا أو أرضا أو غير ذلك لانه لا مأمون في الدنيا قد تنهدم الدار وتحترق ويأتى السيل عليها فينسف أرضها وعمارتها وليس من العدل أن يكون للورثة ثلثان بكتاب الله عزوجل وللموصى له ثلث تطوعا من الميت فيعطى بالثلث ما لا تعطى الورثة بالثلثين.
باب وصية الحامل أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) تجوز وصية الحامل ما لم يحدث لها مرض غير الحمل ](4/125)
[ كالامراض التى يكون فيها صاحبها مضنيا أو تجلس بين القوابل فيضربها الطلق فلو أجزت أن توصى حامل مرة ولا توصى أخرى كان لغيري أن يقول إذا ابتدأ الحمل تغثى نفسها وتغير عن حال الصحة وتكره الطعام فلا أجيز وصيتها في هذه الحال وأجزت وصيتها إذا استمرت في الحمل وذهب عنها الغثيان والنعاس وإقهام الطعام ثم يكون أولى أن يقبل قوله ممن فرق بين حالها قبل الطلق وليس في هذا وجه يحتمله إلا ما قلنا لان الطلق حادث كالتلف أو كأشد وجع في الارض مضن وأخوفه أو لا تجوز وصيتها إذا حملت بحال لانها حاملا مخالفة حالها غير حامل وقد قال في الرجل يحضر القتال تجوز هبته وجمع ما صنع في ماله في كل ما لم يجرح فإذا جرح جرحا مخوفا فهذا كالمرض المضنى أو أشد خوفا فلا يجوز مما صنع في ماله إلا الثلث وكذلك الاسير يجوز له ما صنع في ماله وكذلك من حل عليه القصاص ما لم يقتل أو يجرح من قبل أنه قد يمكن أن يحيا.
صدقة الحى عن الميت اخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال: يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث حج يؤدى عنه ومال يتصدق به عنه أو يقضى ودعاء فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت وإنما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا وذلك الواجب دون التطوع ولا يحج أحد عن أحد تطوعا لانه عمل على البدن فأما المال فإن الرجل يحب عليه فيما له الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدى عنه بأمره لانه إنما أريد بالفرض فيه تأديته إلى أهله لا
عمل على البدن فإذا عمل امرؤ عنى على ما فرض في مالى فقد أدى الفرض عنى واما الدعاء فإن الله عزوجل ندب العباد إليه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فإذا جاز أن يدعى للاخ حيا جاز أن يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله تعالى بركه ذلك مع أن الله عز ذكره واسع لان يوفى الحى أجره ويدخل على الميت منفعته وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع.
باب الاوصياء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم عدل أو امرأة كذلك ولا تجوز إلى عبد أجنبي ولا عبد الموصى ولا عبد الموصى له ولا إلى أحد لم تتم فيه الحرية من مكاتب ولا غيره ولا تجوز وصية مسلم إلى مشرك فإن قال قائل فكيف لم تجز الوصية إلى من ذكرت أنها لا تجوز إليه؟ قيل لا تعدو الوصية أن تكون كوكالة الرجل في الحق له فلسنا نرد على رجل وكل عبدا كافرا خائنا لانه أملك بماله ونجيز له أن يوكل بما يجوز له في ماله ولا نخرج من يديه ما دفع إليه منه ولا نجعل عليه فيه أمينا ولا أعلم أحدا يجيز في الوصية ما يجيز في الوكالة من هذا وما أشبهه فإذا صاروا إلى أن لا يجيزوا هذا في الوصية فلا وجه للوصية إلا بأن يكون الميت نظر لمن أوصى له بدين وتطوع من ولاية ولده فأسنده إليه بعد موته فلما خرج من ملك الميت فصار يملكه وارث أو ذو دين أو موصى له لا يملكه الميت فإذا قضى عليهم فيما كان لهم بسببه قضاء يجوز أن يبتدئ الحاكم القضاء لهم به لانه نظر لهم أجزته وكان فيه معنى أن يكون من أسند ذلك إليه يعطف عليهم من الثقة بمودة للميت أو للموصى لهم فإذا ولى حرا ](4/126)
[ أو حرة عدلين أجزنا ذلك لهما بما وصفت من أن ذلك يصلح على الابتداء للحاكم أن يولى أحدهما فإذا لم يول من هو في هذه الصفة بان لنا أن قد أخطأ عامدا أو مجتهدا على غيره ولا نجيز خطأه على غيره إذا بان ذلك لنا كما نجيز أمر الحاكم فيما احتمل أن يكون صوابا ولا نجيزه فيما بان خطؤه ونجيز أمر الوالي فيما صنع نظرا ونرده فيما صنع من مال من يلى غير نظر ونجيز قول الرجل والمرأة في نفسه فيما أمكن أن يكون صدقا ولا نجيزه فيما لا يمكن أن يكون صدقا وهكذا كل من شرطنا عليه في نظره أن يجوز بحال لم يجز في الحال التى يخالفها وإذا أوصى الرجل إلى من تجوز وصيته ثم حدث للموصى إليه حال تخرجه من
حد أن يكون كافيا لما أسند إليه أو أمينا عليه اخرجت الوصية من يديه إذا لم يكن أمينا وأضم إليه إذا كان أمينا ضعيفا عن الكفاية قويا على الامانة فإن ضعف عن الامانة أخرج بكل حال وكلما صار من أبدل مكان وصى إلى تغير في أمانة وضعف كان مثل الوصي يبدل مكانه كما يبدل مكان الوصي إذا تغيرت حاله وإذا اوصى إلى رجلين فمات أحدهما أو تغيرت حاله أبدل مكان الميت أو المتغير رجل آخر لان الميت لم يرض قيام أحدهما دون الآخر ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه واوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصى الوصي وصيا للميت الاول الميت الاول لم يرض الموصى الآخر (قال الشافعي) ولو قال أوصيت إلى فلان فإن حدث به حدث فقد أوصيت إلى من أوصى إليه لم يجز ذلك لانه إنما أوصى بمال غيره وينبغى للقاضى ان ينظر فيمن أوصى إليه الوصي الميت فإن كان كافيا أمينا ولم يجد آمن منه أو مثله في الامانة ممن يراه أمثل لتركة الميت من ذى قرابة الميت أو مودة له أو قرابة لتركته أو مودة لهم ابتدأ لتوليته بتركة الميت وإن وجد أكفأ وأملا ببعض هذه الامور منه ولى الذى يراه أنفع لمن يوليه أمره إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) وإذا اختلف الوصيان أو الموليان أو الوصي ولا مولى معه في المال قسم ما كان منه يقسم فجعل في أيديهما نصفين وآمر بالاحتفاظ بمالا يقسم منه معا وإذا أوصى الميت بإنكاح بناته إلى رجل فإن كان وليهن الذى لا أولى منه زوجهن بولاية النسب أو الولاء دون الوصية جاز وإن لم يكن وليهن لم يكن له أن يزوجهن وفى إجازة تزويج الوصي إبطال للاولياء إذا كان الاولياء أهل النسب ولا يجوز أن يلى غير ذى نسب فإن قال قائل يجوز بوصية الميت أن يلى ما كان يلى الميت؟ فالميت لا ولاية له على حى فيكون يلى أحد بولاية الميت إذا مات صارت الولاية لاقرب الناس بالمزوجة من قبل أبيها بعده أحبت ذلك أو كرهته ولو جار هذا لوصي الاب جاز لوصي الاخ والمولى ولكن لا يجوز لوصي فإن قيل قد يوكل أبوها الرجل فيزوجها فيجوز؟ قيل نعم ووليها من كان والولاية حينئذ للحى منهما والوكيل يقوم مقامه (قال الشافعي) فإذا قال الرجل قد أوصيت إلى فلان بتركتي أو قال قد أوصيت إليه بمالى أو قال بما خلفت (قال الربيع) أنا أجيب فيها أقول: يكون وصيا بالمال ولا يكون إليه من النكاح شئ إنما النكاح إلى العصبة الاقرب فالاقرب من المزوجة والله تعالى أعلم.
باب ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يخرج الوصي من مال اليتيم كل ما لزم اليتيم من زكاة ماله وجنايته وما لا غنى به عنه من كسوته ونفقته بالمعروف وإذا بلغ الحلم ولم يبلغ رشده زوجه وإذا احتاج إلى خادم ومثله يخدم اشترى له خادم وإذا ابتاع له نفقة وكسوة فسرق ذلك أخلف له مكانها وإن ](4/127)
[ اتلف ذلك فائته يوما يوما وأؤمره بالاحتفاظ بكسوته فإن أتلفها رفع ذلك إلى القاضى وينبغى للقاضى أن يحبسه في إتلافها ويخيفه ولا بأس بأن يأمر أن يكسى أقل ما يكفيه في البيت مما لا يخرج فيه فإذا رأى أن قد أدبه أمر بكسوته ما يخرج فيه وينفق على امرأته إن زوجه وخادم ان كانت لها بالمعروف ويكسوهما وكذلك ينفق على جاريته إن اشتراها له ليطأها ولا أرى أن يجمع له امرأتين ولا جاريتين للوطئ، وإن اتسع ماله لانا إنما نعطيه منه ما فيه الكفاية مما يخرج من حد الضيق وليس بامرأة ولا جارية لوطئ ضيق إلا أن تسقم أيتهما كانت عنده حتى لا يكون فيها موضع للوطئ فينكح أو يتسرى إذا كان ماله محتملا لذلك وهذا ما لا صلاح له إلا به إن كان يأتي النساء فإن كان مجبوبا أو حصورا فأراد جارية يتلذذ بها لم تشتر له وإن أراد جارية للخدمة اشتريت له فإن أراد أن يتلذذ بها تلذذ بها وإن أراد امرأة لم يزوجها لان هذا مما له منه بد وإذا زوج المولى عليه فأكثر طلاقها أحببت أن يتسرى فإن أعتق فالعتق مردود عليه.
الوصية التى صدرت من الشافعي رضى الله عنه قال الربيع بن سليمان: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين وأشهد الله عالم خائنة الاعين وما تخفى الصدور وكفى به جل ثناؤه شهيدا ثم من سمعه أنه شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك وبه يدين حتى يتوفاه الله ويبعثه عليه إن شاء الله وأنه يوصى نفسه وجماعة من سمع وصيته بإحلال ما أحل الله عزوجل في كتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتحريم ما حرم الله في الكتاب ثم في السنة وأن لا يجاوز من ذلك إلى غيره وأن مجاوزته ترك رضا الله وترك ما خالف الكتاب والسنة وهما من المحدثات
والمحافظة على أداء فرائض الله عزوجل في القول والعمل والكف عن محارمه خوفا لله وكثرة ذكر الوقوف بين يديه " يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وما علمت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها الله فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع وإنما جعلها دار عمل وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير أو شر إن لم يعف الله جل ثناؤه، وأن لا يخال أحدا إلا أحدا خاله لله فمن يفعل الخلة في الله تبارك وتعالى ويرجى منه إفادة علم في دين وحسن أدب في الدنيا، وأن يعرف المرء زمانه ويرغب إلى الله تعالى ذكره في الخلاص من شر نفسه فيه، ويمسك عن الاسراف من قول أو فعل في أمر لا يلزمه وأن يخلص النية لله عزوجل فيما قال وعمل، وأن الله تعالى يكفيه مما سواه ولا يكفى منه شئ غيره، وأوصى متى حدث به حادث الموت الذى كتبه الله عزوجل على خلقه الذى أسأل الله العون عليه، وعلى ما بعده وكفاية كل هول دون الجنة برحمته ولم يغير وصيته هذه، أن يلى أحمد بن محمد بن الوليد الازرقي النظر في أمر ثابت الخصى الاقرع الذي خلف بمكة، فإن كان غير مفسد فيما خلفه محمد بن إدريس فيه أعتقه عن محمد بن إدريس فإن حدث بأحمد بن محمد حدث قبل أن ينظر في أمره نظر في أمره القائم بأمر محمد بن إدريس بعد أحمد فأنفذ فيه ما جعل إلى أحمد وأوصى أن جاريته الاندلسية التى تدعى فوز التى ترضع ابنه أبا الحسن بن محمد بن إدريس إذا استكمل أبو الحسن بن محمد بن إدريس سنتين واستغنى ](4/128)
[ عن رضاعها أو مات قبل ذلك فهى حرة لوجه الله تعالى وإذا استكمل سنتين ورؤى أن الرضاع خير له أرضعته سنة أخرى ثم هي حرة لوجه الله تعالى إلا أن يرى أن ترك الرضاع خير له أن يموت فتعتق بأيهما كان ومتى أخرج إلى مكة أخرجت معه حتى يكمل ما وصفت من رضاعه ثم هي حرة وإن عتقت قبل أن يخرج إلى مكة لم تكره في الخروج إلى مكة وأوصى أن تحمل أم أبى الحسن أم ولده دنانير وأن تعطى جاريته سكة السوداء وصية لها أو أن يشترى لها جارية أو خصى بما بينها وبين خمسة وعشرين دينارا أو يدفع إليها عشرون دينارا وصية لها فأى واحد من هذا اختارته دفع إليها وإن مات ابنها أبا الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة فهذه الوصية لها إن شاءتها وإن لم تعتق حتى تخرج بأبى الحسن إلى
مكة حملت وابنها معها مع أبى الحسن وإن مات أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة عتقت فوز وأعطيت ثلاثة دنانير وأوصى أن يقسم ثلث ماله بأربعة وعشرين سهما على دنانير سهمان من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ما عاش ابنها وأقامت معه ينفق عليها منه وإن مات ابنها أبو الحسن وأقامت مع ولد محمد بن إدريس فذلك لها ومتى فارقت ابنها وولده قطع عنها ما أوصى لها به وإن أقامت فوز مع دنانير بعدما تعتق فوز ودنانير مقيمة مع ابنها محمد أو ولد محمد بن إدريس وقف على فوز سهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث مال محمد بن إدريس ينفق عليها منه ما أقامت معها ومع ولد محمد بن إدريس فإن لم تقم فوز قطع عنها ورد على دنانير أم ولد محمد بن إدريس وأوصى لفقراء آل شافع بن السائب بأربعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدفع إليهم سواء فيه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأناثهم وأوصى لاحمد بن محمد بن الوليد الازرقي بستة أسهم مع أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله وأوصى أن يعتق عنه رقاب بخمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ويتحرى أفضل ما يقدر عليه وأحمده ويشترى منهم مسعدة الخياط إن باعه من هوله فيعتق وأوصى أن يتصدق على جيران داره التى كان يسكن بذى طوى من مكة بسهم واحد من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدخل فيهم كل من يحوى إدريس ولاءه وموالى أمه ذكرهم وإناثهم فيعطى كل واحد منهم ثلاثة أضعاف ما يعطى واحدا من جيرانه وأوصى لعبادة السندية وسهل وولدهما مواليه وسليمة مولاة أمه ومن أعتق في وصيته بسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يجعل لعبادة ضعف ما يجعل لكل واحد منهم ويسوى بين الباقين ولا يعطى من مواليه إلا من كان بمكة وكل ما إوصى به من السهمان من ثلثه بعدما أوصى به من الحمولة والوصايا يمضى بحسب ما أوصى به بمصر فيكون مبدأ ثم يحسب باقى ثلثه فيخرج الاجزاء التى وصفت في كتابه وجعل محمد بن إدريس إنفاذ ما كان من وصاياه بمصر وولاية جميع تركته بها إلى الله تعالى ثم إلى عبد الله بن عبد الحكم القرشى ويوسف بن عمرو بن يزيد الفقيه وسعيد بن الجهم الاصبحي فأيهم مات أو غاب أو ترك القيام بالوصية قام الحاضر القائم بوصيته مقاما يغنيه عمن غاب عن وصية محمد بن إدريس أو تركها وأوصى يوسف بن يزيد وسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم أن يلحقوا ابنه أبا الحسن متى أمكنهم إلحاقه بأهله بمكة
ولا يحمل بحرا وإلى البر سبيل بوجه ويضموه وأمه إلى ثقة وينفذوا ما أوصاهم به بمصر ويجمعوا ماله ومال أبى الحسن ابنه بها ويلحقوا ذلك كله ورقيق أبى الحسن معه بمكة حتى يدفع إلى وصى محمد بن إدريس بها وما يخلف لمحمد بن إدريس أو ابنه أبى الحسن بن محمد بمصر من شئ فسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو أوصياءه فيه وولاة ولده ما كان له ولهم بمصر على ما شرط أن يقوم الحاضر منهم في كل ما أسند إليه مقام كلهم وما أوصلوا إلى أوصياء محمد بن إدريس بمكة وولاة ](4/129)
[ ولده مما يقدر على إيصاله فقد خرجوا منه وهم قائمون بدين محمد بن إدريس قبضا وقضاء دين إن كان عليها بها وبيع ما رأوا بيعه من تركته وغير ذلك من جميع ماله وعليه بمصر وولاية ابنه ابى الحسن ما كان بمصر وجميع تركة محمد بن إدريس بمصر من أرض وغيرها وجعل محمد بن إدريس ولاء ولده بمكة وحيث كانوا إلى عثمان وزينب وفاطمة بنى محمد بن إدريس وولاء ابنه أبى الحسن بن محمد بن إدريس من دنانير أم ولده إذا فارق مصر والقيام بجميع أموال ولده الذين سمى وولدان حدث لمحمد بن إدريس حتى يصيروا إلى البلوغ والرشد معا وأموالهم حيث كانت إلا ما يلى أوصياؤه بمصر فإن ذلك إليهم ما قام به قائم منهم فإذا تركه فهو إلى وصيه بمكة وهما أحمد بن محمد بن الوليد الازرقي وعبيد الله بن إسمعيل بن مقرظ الصراف فإن عبيد الله توفى أو لم يقبل وصية محمد بن إدريس فأحمد بن محمد القائم بذلك كله ومحمد يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلى على سيدنا محمد عبده ورسوله وأن يرحمه فإنه فقير إلى رحمته وأن يجيره من النار فإن الله تعالى غنى عن عذابه وأن يخلفه في جميع ما يخلف بأفضل ما خلف به أحدا من المؤمنين وأن يكفيهم فقده ويجبر مصيبتهم من بعده وأن يقيهم معاصيه وإتيان ما يقبح بهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته ولله الحمد أشهد محمد بن إدريس الشافعي على نفسه في مرضه أن سليما الحجام ليس له إنما هو لبعض ولده وهو مشهود على فإن بيع فإنما ذلك على وجه النظر له فليس في مالى منه شئ وقد أوصيت بثلثي ولا يدخل في ثلثى ما لا قدر له من فخار وصحاف وحصر من سقط البيت وبقايا طعام البيت وما لا يحتاج إليه مما لا خطر له شهد على ذلك.
] (1) في نسخة السراج البلقينى في هذا المكان زيادة ونصها:
باب الوصي من اختلاف العراقيين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر فإن أبا حنيفة كان يقول هذا الآخر وصى الرجلين جميعا وبهذا يأخذ وكذلك بلغنا عن إبراهيم وكان ابن أبى ليلى يقول هذا الآخر وصى الذى أوصى إليه ولا يكون وصيا للاول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الاول فيكون وصيهما جميعا وقال أبو يوسف بعد لا يكون وصيا للاول إلا أن يقول الثاني قد أوصيت إليك في كل شئ أو يذكر وصية الآخر (قال الشافعي) وإذا أوصى الرجل إلى الرجل ثم حضرت الوصي الوفاة فأوصى إليه بماله ولده وصية الذى أوصى إليه إلى رجل آخر فلا يكون الآخر بوصية الاوسط وصيا للاول ويكون وصيا للاوسط الموصى إليه وذلك أن الاول رضى بأمانة الاوسط ولم يرض بأمانة الذى بعده والوصى أضعف حالا في أكثر أمره من الوكيل ولو أن رجلا وكل رجلا بشئ لم يكن للوكيل أن يوكل غيره بالذى وكله به مستوجب الحق ولو كان الميت الاول أوصى إلى الوصي أن لك أن توصى بما أوصيت به إليك إلى من رأيت فأوصى إلى رجل بتركة نفسه لم يكن وصيا للاول ولا يكون وصيا للاول حتى يقول قد أوصيت إليك بتركة فلان فيكون حينئذ وصيا له (قال) ولو أن وصيا للايتام تجر لهم بأموالهم أو دفعها مضاربة فإن أبا حنيفة كان يقول هو جائز عليهم ولهم بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي وكان ابن أبى ليلى يقول لا يجوز عليهم والوصى ضامن لذلك وقال ابن أبى ليلى أيضا على اليتامى الزكاة في أموالهم وإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن وقال أبو حنيفة لا يكون على يتيم زكاة حتى يبلغ ألا ترى أنه لا صلاة عليه ولا فريضة عليه؟ وبهذا يأخذ (قال الشافعي) وإذا كان الرجل وصيا بتركة ميت يلى أموالهم كان أحب إلى أن يتجر لهم بها وإذا كان أحب إلى أن يتجر لهم بها لم تكن التجارة بها عندي تعديا وإذا لم تكن تعديا لم يكن ضامنا إن تلف وقد = ](4/130)
[ باب الولاء والحلف أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أمر الله تبارك وتعالى أن ينسب من كان له نسب من الناس نسبين من كان له أب أن ينسب إلى أبيه ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه وقد يكون ذا أب وله موال فينسب إلى أبيه ومواليه وأولى نسبيه أن يبدأ به أبوه وأمر أن ينسبوا إلى الاخوة في الدين مع الولاء وكذلك ينسبون إليها مع النسب والاخوة في الدين ليست بنسب إنما هو صفة تقع
على المرء بدخوله في الدين ويخرج منها بخروجه منه والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يزله المولى من فوق ولا من أسفل ولا الاب ولا الولد والنسب اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم وإلى الجهل وإلى الصناعة وإلى التجارة وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه وتركه الفعل وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية الله وإلى أديانهم وصناعاتهم، وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه عوام أهل العلم قال الله تبارك وتعالى " أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم " وقال عزوجل " وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله " وقال تبارك وتعالى " ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوى إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين " وقال عزوجل " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لابيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا؟ " وقال تقدست أسماؤه " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " فميز ] = تجر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمال يتيم كان يليه وكانت عائشة تبضع بأموال بنى محمد بن أبى بكر في التجر وهم أيتام وتليهم وتؤدى منها الزكاة وعلى ولى اليتيم أن يؤدى الزكاة عنه في جميع ماله كما يؤديها عن نفسه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ فيما يجب عليهما كما على ولى اليتيم أن يعطى من مال اليتيم ما لزمه من جناية لو جناها أو نفقة له في صلاحه (قال الشافعي) أخبرنا ابن ابى راود عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب قال لرجل " إن عندنا مال يتيم قد أسرعت فيه الزكاة " وذكر أنه دفعه إلى رجل يتجر فيه (قال الشافعي) إما قال مضاربة وإما قال بضاعة قال بعض الناس لا زكاة في مال اليتيم الناض وفى زرعه الزكاة وعليه زكاة الفطر تؤدى عنه وجناياته التى تلزمه في ماله واحتج بأنه لا صلاة عليه وأنه لو كان بسقوط الصلاة عليه تسقط عنه الزكاة كان قد فارق قوله إذ زعم أن عليه زكاة الفطر وزكاة الزرع وقد ذكر هذا في كتاب الزكاة (قال) ولو أن وصى ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشئ باع عقارا من عقار الميت فإن أبا حنيفة كان يقول في ذلك بيعه جائز على الصغار والكبار وكان ابن أبى ليلى يقول يجوز على الصغار والكبار إذا باع ذلك فيما لا بد منه وقال أبو يوسف بيعه على
الصغار جائز في كل شئ كان منه بد أو لم يكن ولا يجوز على الكبير في شئ من بيع العقار إذا لم يكن الميت أوصى بشئ يباع فيه أو يكون عليه دين (قال الشافعي) ولو أن رجلا مات وأوصى إلى رجل وترك ورثة بالغين أهل رشد وصغارا لم يوص بوصية ولم يكن عليه دين فباع الوصي عقارا مما ترك الميت كان بيعه على الكبار باطلا ونظر في بيعه على الصغار فإن كان باع عليهم فيما لا صلاح لمعاشهم إلا به أو باع عليهم نظرا لهم بيع غبطة كان بيعا جائزا وإن لم يبع في واحد من الوجهين ولا أمر لزمهم كان بيعه مردودا وإذا أمرناه إذا كان في يده الناس أن يشترى لهم به العقار الذى هو خير لهم من الناض لم نجز له أن يبيع العقار إلا ببعض ما وصفت من العذر.(4/131)
[ الله عزوجل بينهم بالدين ولم يقطع الانساب بينهم فدل ذلك على أن الانساب ليست من الدين في شئ.
والانساب ثابتة لا تزول والدين شئ يدخلون فيه أو يخرجون منه ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه كافر ونسب إبراهيم خليله إلى أبيه وأبوه كافر وقال عزوجل ذكره " يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان " فنسب إلى آدم المؤمن من ولده والكافر ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بأمر الله عزوجل إلى آبائهم كفارا كانوا أو مؤمنين وكذلك نسب الموالى إلى ولائهم وإن كان الموالى مؤمنين والمعتقون مشركين (قال الشافعي) أخبرنا مالك وسفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته (اخبرنا الشافعي) قال أخبرنا محمد بن الحسين عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عيله وسلم قال " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد أن عليا رضى الله تعالى عنه قال " الولاء بمنزلة الخلف أقره حيث جعله الله عز وجل " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها أرادت أن تشترى جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إنى كاتبت أهلى على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لى فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس
فقالت إنى قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق " ففعلت عائشة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه فقال " أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق " (قال الشافعي) في حديث هشام عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلائل قد غلط في بعضها من يذهب مذهبهم من أهل العلم فقال لا بأس ببيع المكاتب بكل حال ولا أراه إلا قد غلط الكتابة ثابتة فإذا عجز المكاتب فلا بأس أن يبيعه فقال لى قائل بريرة كانت مكاتبة وبيعت وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع فقلت له ألا ترى أن بريرة جاءت تستعين في كتابتها وتذهب مساومة بنفسها لمن يشتريها وترجع بخبر أهلها؟ فقال بلى ولكن ما قلت في هذا؟ قلت إن هذا رضا منها بأن تباع قال أجل قلت ودلالة على عجزها أو رضاها بالعجز قال أما رضاها بالعجز فإذا رضيت بالبيع دل ذلك على رضاها بالعجز وأما على عجزها فقد تكون غير عاجزة وترضى بالعجز رجاء تعجيل العتق فقلت له والمكاتب إذا حلت نجومه فقال قد عجزت لم يسأل عنه غيره ورددناه رقيقا وجعلنا للذى كاتبه بيعه ويعتق ويرق قال أما هذا فلا يختلف فيه أحد أنه إذا عجز رد رقيقا قلت ولا يعلم عجزه إلا أن يقول قد عجزت أو تحل نجومه فلا يؤدى ولا يعلم له مال قال أجل ولكن ما دل على أن بريرة لم تكن ذات مال قلت مسألتها في أوقية وقد بقيت عليها أواق ورضاها بأن تباع دليل على أن هذا عجز منها على لسانها قال إن هذا الحديث ليحتمل ما وصفت ويحتمل جواز بيع المكاتب قلت أما ظاهره فعلى ما وصفت والحديث على ظاهره ولو احتمل ما وصفت ووصفت كان أولى المعنيين أن يؤخذ به ما لا يختلف فيه أكثر أهل العلم من أن المكاتب لا يباع حتى يعجز ولم ينسب إلى العامة أن يجهل معنى حديث ما روى عن النبي ](4/132)
[ صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فبين في كتاب الله عزوجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم مالا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فانتقل حكمه من العبودية إلى الحرية
فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاءه فيرده رقيقا ولا يهبه ولا يبيعه ولا للمعتق ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذى لا يحول وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل له إن شاء الله تعالى قال الله عزوجل " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى الله وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين أحدهما أنها لمن سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسم على يديه لم يكن مولى له بالاسلام ولا الموالاة ولو اجتمعا على ذلك وكذلك لو وجده معبودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجرى عليه للمعتق فلا يقال لهذا مولى أحد ولا يقال له مولى المسلمين فإن قال قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين؟ قيل له ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عزوجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن لميراث هذا مالك بولاء ولا بنسب ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال وما يشبه هذا؟ قيل الارض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذى يموت ولا وارث له يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه.
ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من أعتقه منهم وهو كافر ولكنهم خولوا ماله بأن لا مالك له.
ولو كان حكم المسلمين في الذى لا ولاء له إذا مات أنهم يرثونه بالولاء حتى كأنه أعتقه جماعة المسلمين وجب علينا فيه أمران.
أحدهما أن ينظر إلى الحال التى كان فيها مولودا لا رق عليه ومسلما فيجعل ورثته الاحياء يومئذ من المسلمين دون من حدث منهم فإن ماتوا ورثنا ورثة الاحياء يومئذ من الرجال ماله أو جعلنا من كان حيا من المسلمين يوم يموت ورثته قسمناه بينهم قسم ميراث الولاء.
ولا نجعل في واحدة من الحالين ماله لاهل بلد دون أهل بلد وأحصينا من في الارض من المسلمين ثم اعطينا كل واحد منهم حظه من ميراثه كما يصنع بجماعة لو أعتقت واحدا فتفرقوا في الارض ونحن والمسلمون إنما يعطون ميراثه أهل البلد الذى يموت فيه دون غيرهم ولكنا إنما جعلناه للمسلمين من الوجه الذى وصفت لا من أنه مولى لاحد فكيف يكون مولى لاحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " فإنما الولاء لمن أعتق " وفى قوله إنما الولاء لمن أعتق تثبيت أمرين أن الولاء للمعتق بأكيد (1) ونفى أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق وهذا غير معتق (قال الشافعي) ومن أعتق عبدا له سائبة فالعتق ماض وله ولاؤه.
ولا يخالف المعتق سائبة في ثبوت الولاء عليه والميراث منه غير السائبة لان هذا معتق وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وهكذا المسلم يعتق مشركا فالولاء للمسلم وإن مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين، وكذلك المشرك الذمي وغير الذمي فالعتق جائز والولاء للمشرك المعتق وإن مات المسلم المعتق لم يرثه المشرك الذى أعتقه باختلاف الدينين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فكان هذا في النسب والولاء لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص واحدا منهم دون الآخر (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لعبده أنت حر عن فلان ]
__________
(1) قوله: ونفى أنه لا يكون الولاء إلا الخ كذا في الاصل.
وتأمله.(4/133)
[ ولم يأمره بالحرية وقبل المعتق عنه ذلك بعد العتق أو لم يقبله فسواء وهو حر عن نفسه لا عن الذى أعتقه عنه وولاؤه له لانه أعتقه (قال الشافعي) وإذا مات المولى المعتق وكانت له قرابة من قبل أبيه ترثه بأصل فريضة أو عصبة أو إخوة لام يرثونه بأصل فريضة أو زوجة أو كانت امرأة وكان لها زوج ورث أهل الفرائض فرائضهم والعصبة شيئا إن بقى عنهم.
فإن لم يكن عصبة قام المولى المعتق مقام العصبة فيأخذ الفضل عن اهل الفرائض، فإذا مات المولى المعتق قبل المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ولا وارث له غير مواليه أو له وارث لا يحوز ميراثه كله خالف ميراث الولاء ميراث النسب كما سأصفه لك إن شاء الله تعالى.
فأنظر فإن كان للمولى المعتق بنون وبنات أحياء يوم يموت المولى المعتق فأقسم مال المولى المعتق أو ما فضل عن أهل الفرائض منه بين بنى المولى المعتق فلا تورث بناته منه شيئا فإن مات المولى المعتق ولا بنين للمولى المعتق لصلبه وله ولد ولد مستفلون أو قرابة نسب من قبل الاب فأنظر الاحياء يوم مات المولى المعتق من ولد ولد المولى المعتق فإن كان واحد منهم أقعد إلى المولى المعتق باب واحد فقط فأجعل الميراث له دون من بقى من ولد ولده.
وإن استووا في القعود فاجعل الميراث بينهم شرعا فإن كان المولى المعتق مات ولا ولد له ولا والد للمولى المعتق وله إخوة لابيه وأمه وإخوة لابيه وإخوة لامه فلا حق
للاخوة من ألام في ولاء مواليه (1) ولم يكن معهم غيرهم والميراث للاخوة من الاب والام دون الاخوة للاب ولو كان الاخوة للاب والام واحدا.
وهكذا منزلة أبناء الاخوة ما كانوا مستوين، فإذا كان بعضهم أقعد من بعض فأنطر فإن كان القعدد لبنى الاخوة للاب والام أو لواحد منهم فاجعل الميراث له.
وكذلك إن كانوا مثله في القعدد لمساواته في القعدد ولانفراده بقرابة الام دونهم ومساواته إياهم في قرابة الاب فإن كان القعدد لابن الاخ لاب دون بنى الاب والام فاجعله لاهل القعدد بالمولى المعتق وهكذا منزلة عصبتهم كلهم بعدوا أو قربوا في ميراث الولاء (قال الشافعي) فإن كانت المعتقة امرأة ورثت من أعتقت وكذلك من أعتق من أعتقت ولا ترث من أعتق أبوها ولا أمها ولا احد غيرها وغير من أعتق من أعتقت وإن سفلوا ويرث ولد المرأة المعتقة من أعتقت كما يرث ولد الرجل الذكور دون الاناث فإن انقرض ولدها وولد ولدها الذكور وإن سفلوا ثم مات مولى لها أعتقته ورثه أقرب الناس بها من رجال عصبتها لا عصبة ولدها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبيه أنه أخبره أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لام ورجل لعلة فهلك أحد الذين لام وترك مالا وموالى فورثه أخوه الذى لامه وأبيه ماله وولاء مواليه.
ثم هلك الذى ورث المال وولاء الموالى وترك ابنه وأخاه لابيه فقال ابنه قد أحرزت ما كان أبى أحرز من المال وولاء الموالى: وقال أخوه ليس كذلك وإنما أحرزت المال فأما ولاء الموالى فلا، أرأيت لو هلك أخى اليوم ألست أرثه أنا؟ فاختصما إلى عثمان فقضى لاخيه بولاء الموالي (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند أبان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحرث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بنى الحرث بن الخزرج يقال له ابراهيم بن كليب فماتت المرأة وتركت مالا وموالى فورثها ابنها وزوجها ثم مات ابنها فقالت ورثته لنا ولاء الموالى قد كان ابنها أحرزه.
وقال الجهنيون ليس كذلك إنما هم موالى صاحبتنا.
فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء ]
__________
(1) قوله: ولم يكن معهم كذا في النسخ والظاهر " وإن لم " تأمل.
كتبه مصححه.(4/134)
[ الموالى (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن إسمعيل بن أبى حكيم أن عمر بن عبد العزيز اعتق عبدا له نصرانيا فتوفى العبد بعدما عتق قال إسمعيل فأمرني عمر بن عبد العزيز أن آخذ ماله فأجعله في بيت مال المسلمين (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ.
ميراث الولد الولاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك ابنين وبنات وموالى هو أعتقهم فمات المولى المعتق ورثه ابناه ولم يرثه أحد من بناته.
فإن مات أحد الابنين وترك ولدا ثم مات أحد الموالى الذين أعتقهم ورثه ابن المعتق لصلبه دون بنى أخيه لان المعتق لو مات يوم يموت المولى كان ميراثه لابنه لصلبه دون ابن ابنه ثم هكذا ميراث الولد وولد الولد أبدا وإن تسفلوا في الموالى أنسب ولد الولد أبدا إلى المولى المعتق يوم يموت المولى المعتق فأيهم كان أقرب إليه بأب واحد فاجعل له جميع ميراث المولى المعتق ولو أعتق رجلا غلاما ثم مات المعتق وترك ثلاثة بنين ثم مات البنون الثلاثة وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة بنين والآخر خمسة بنين ثم مات المولى المعتق اقتسموا ميراث المولى على عشرة أسهم للابن سهم وللاربعة البنين أربعة أسهم وللخمسة خمسة أسهم كما يقتسمون ميراث الجد لو مات يومئذ وهم ورثته لاختلاف حال ميراث الولاء والمال ولو كان الجد الميت فورثه ثلاثة بنون ثم مات البنون وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة والآخر خمسة ثم ظهر للجد مال اقتسم بنو البنين على أنه ورثه ثلاثة بنين ثم ورث الثلاثة البنين أبناؤهم فللابن المنفرد بميراث أبيه ثلث ميراث الجد، وذلك حصة أبيه من ميراث الجد وللاربعة البنين ثلث ميراث الجد أرباعا بينهم وذلك حصة ميراث أبيهم، وللخمسة البنين ثلث ميراث الجد أخماسا بينهم.
وذلك حصة أبيهم من ميراث جدهم.
ولو كان معهم في المال بنات دخلن ولا يدخلن في ميراث الولاء.
فإذا أعتق رجل عبدا فمات المولى المعتق وترك أباه وأولادا ذكورا فميراث المولى المعتق لذكور ولده دون بناته وجده لا يرث الجد مع ولد المعتق شيئا ما كان فيهم ذكر ولا ولد ولده وإن سفلوا، فإذا مات المولى المعتق وترك أباه وإخوته لابيه وأمه أو لابيه فالمال للاب دون الاخوة لانهم إنما يلقون الميت عند أبيه فأبوه أولى بولاء الموالى إذا كانوا إنما يدلون بقرابته فإذا مات المولى المعتق وترك جده وإخوته لابيه وأمه أو لابيه فاختلف أصحابنا في ميراث الجد والاخ، فمنهم من قال الميراث
للاخ دون الجد وذلك لانه يجمعه والميت أب قبل الجد، ومن قال هذا القول قال وكذلك ابن الاخ وابن ابنه وإن سفلوا لان الاب يجمعهم والمولى المعتق قبل الجد وبهذا أقول، ومن أصحابنا من قال الجد والاخ في ولاء الموالى بمنزلة لان الجد يلقى المولى المعتق عند أول أب ينتسب إليه فيجمعه والميت المعتق أب يكونان فيه سواء، وأول من ينسب إليه الميت أبو الميت والميت ابنه والجد أبوه فذهب إلى أن يشرك الجد والميت المعتق أب هما شرع فيه الجد بالابوة والابن بولادته ويذهب إلى أنهما سواء، ومن قال هذا قال الجد أولى بولاء الموالى من بنى الاخ إذا سوى بينه وبين الاخ جعل المال للجد بالقرب من الميت (قال الشافعي) الاخوة أولى بولاء الموالى من الجد، وبنو الاخوة أولى بولاء الموالى من الجد، فعلى هذا الباب كله وقياسه، فأما إن مات المولى المعتق وترك جده وعمه ومات المولى المعتق فالمال للجد دون العم لان العم لا يدلى بقرابة إلا بأبوة الجد فلا شئ له مع من يدلى بقرابته، ولو مات رجل وترك عمه ](4/135)
[ وجد أبيه كان القول فيها على قياس من قال الاخوة أولى بولاء الموالى من الجد أن يكون المال للعم لانه يلقى الميت عند جد يجمعهما قبل الذى ينازعه وكذلك ولد العم وإن تسفلوا لانهم يلقونه عند أب لهم ولد قبل جد أبيه ومن قال الاخ والجد سواء فجد الاب والعم سواء لان العم يلقاه عند جده وجد أبيه أبو جده (قال الشافعي) فإن كان المنازع لجد الاب ابن العم فجد الاب أولى كما يكون الجد أولى من ابن الاخ للقرب من المولى المعتق (قال الشافعي) وإذا مات المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ولا وارث للمولى المعتق وترك أخاه لامه وابن عم قريب أو بعيد فالمال لابن العم القريب أو البعيد لان الاخ من الام لا يكون عصبة، فإن كان الاخ من الام من عصبته وكان في عصبته من هو أقعد منه من أخيه لامه الذى هو من عصبته كان للذى هو أقعد إلى المولى المعتق فإن استوى أخوه لامه الذى هو من عصبته وعصبته فالميراث كله للاخ من الام لانه ساوى عصبته في النسب وانفرد منهم بولادة الام وكذلك القول في عصبته بعدوا أو قربوا، لا اختلاف في ذلك، والله تعالى الموفق.
الخلاف في الولاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال لى بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والاثر
على أكثر ما قلت في أصل ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع ثم نقيس عليه غيره فيكون مواضع.
قلت: وما ذاك؟ قال الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان لا ولاؤه كما يكون للمعتق.
قلت: أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له الولاء كثبوت النسب؟ قال لا.
قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد؟ قال نعم.
قلت: فول أراد الوالد بعد الاقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما ولا لواحد منهما ذلك.
قال نعم.
قلت فلو أن رجلا لا أب له رضى أن ينتسب إلى رجل ورضى ذلك الرجل وتصادقا مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه زوجة ولا أمه وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما ولا لواحد منهما؟ قا ل نعم قلت لانا إنما ننسب بأمرين أحدهما الفراش وفى مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش؟ قال نعم قلت ولا ننسب بالتراضى إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به، قال نعم: قلت: وثبت له حكم الاحرار وينتقل عن أحكام العبودية.
قال نعم قلت والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل منك لم يكن لمملوكك رده عليك؟ قال نعم.
قلت: ولو رضيت أن تهب ولاءه أو تبيعه لم يكن ذلك لك؟ قال نعم.
قلت فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء، أفتعرف أن المعنى الذى اجتمعنا عليه في تثبيت النسب والولاء لا ينتقل وإن رضى المنتسب والمنتسب إليه، والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له ولا لهما بتراضيهما قال نعم.
هكذا السنة والاثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذى كان ذلك؟ (قال الشافعي) فقلت له في واحد ما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذى حكم بذلك بين عندي والله تعالى أعلم.
قال فما هو؟ قلت إن الله عزوجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التى تثبت لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد، وللولد من الام على والدى الوالد حقوقا في المواريث وولاء الموالى وعقل الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك، فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك ](4/136)
[ ومما يثبت لانفسهما لم يكن لهما تركه لآبائهما أو أبنائهما أو عصبتهما، ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن
الاب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى، لم يجز له أن يبطل ذلك لآبائه ولا أبنائه ولا لاخوته، ولا عصبته.
لانه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز للوالد إزالتها بعد ثبوتها، ومثل هذه الحال الولد.
فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه وابنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له (1) ولا من قبل أحد من المسلمين ميراث من نسب إليه من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن يكون موروثا وغير ذلك، فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه لان الذى يثبت المرء على نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم، فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره بأمر لا يثبت ولا لهم بأمر لم يثبت.
فقال هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى قلت فلم جاز لك أن توافقه في معنى وتخالفه في معنى؟ وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء.
قال: أما القياس على الاحاديث التى ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شئ أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة.
قلت وما ذاك؟ قال حديث عمر بن عبد العزيز قلت له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث.
قال لانه خالف غيره من حديثك الذى هو أثبت منه.
قلت لو خالفك ما هو أثبت منه لم نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الاضعف.
قال أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الولاء؟ فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها لانا نجد توجيه الحديثين معا لو ثبت وما وجدنا له من الاحاديث توجيها استعملناه مع غيره، قال فكيف كان يكون القول فيه لو كان ثابتا؟ قلت: يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا ولو نقله عن نفسه وبوجه قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن أعتق " على الاخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن الولاء للذى أعتق إذا كان معتقا لا على العام أن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه.
قال هذا القول المنصف غاية النصفة فلم لم تثبت هذا الحديث فنقول بهذا؟ قلت لانه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين ولا المنقطع من الحديث.
قال: فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق؟ قلت نعم وذلك إن شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وأنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن
يثبت بخلافه.
قال فإن قلت يثبت على المولى بالاسلام لانه أعظم من العتق فإذا أسلم على يديه فكأنما أعتقه.
قلت: فما تقول في مملوك كافر ذمى لغيرك أسلم على يديك أيكون إسلافه ثابتا؟ قال نعم.
قلت: أفيكون ولاؤه لك أم يباع على سيده ويكون رقيقا لمن اشتراه؟ قال: بل يباع ويكون رقيقا لمن اشتراه.
قلت فلست أراك جعلت الاسلام عتقا ولو كان الاسلام يكون عتقا كان للعبد الذمي أن يعتق نفسه ولو كان كذلك كان الذمي الحر الذى قلت هذا فيه حرا وكان إسلامه غير إعتاق من أسلم على يديه لانه إن كان مملوكا للمسلمين فلهم عندنا وعندك أن يسترقوه ولا يخرج بالاسلام من أيديهم وإن قلت كان مملوكا للذميين فينبغي أن يباع ويدفع ثمنه إليهم قال ليس بمملوك للذميين وكيف يكون مملوكا لهم وهو يوارثهم وتجوز شهادته ولا للمسلمين بل هو حر، قلت وكيف كان الاسلام كالعتق؟ قال بالخبر، قلت لو ثبت قلنا به معك إن شاء الله تعالى، وقلت له: وكيف قلت في الذى لا ولاء له ولم ]
__________
(1) قوله: ولا من قبل أحد الخ كذا في الاصل ولتحرر العبارة.
كتبه مصححه.(4/137)
[ يسلم على يدى رجل يوالى من شاء؟ قال قياسا أن عمر قال في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه، قلت أفرأيت المنبوذ إذا بلغ أيكون له أن ينتقل بولائه؟ قال: فإن قلت لا لان الوالى عقد الولاء عليه قلت أفيكون للوالى أن يعقد عليه ما لم يسببه به حرية ولم يعقد على نفسه؟ قال فإن قلت هذا حكم من الوالى؟ قلت أو يحكم الوالى على غير سبب متقدم يكون به لاحد المتنازعين على الآخر حق أو يكون صغيرا يبيع عليه الحاكم فيما لا بد له منه وما يصلحه، وإن كان كما وصفت أفيثبت الولاء بحكم الوالى للملتقط فقست الموالى عليه؟ قلت فإذا والى فأثبت عليه الولاء، ولا تجعل له أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فأنت تقول ينتقل بولائه، قال فإن قلت ذلك في اللقيط؟ قلت فقد زعمت أن للمحكوم عليه أن يفسخ الحكم، قال: فإن قلت ليس للقيط ولا للموالي أن ينتقل وإن لم يعقل عنه؟ قلت فهما يفترقان، قال وأين افتراقهما؟ قلت اللقيط لم يرض شيئا وإنما لزمه الحكم بلا رضا منه، قال ولكن بنعمة من الملتقط عليه، قلت فإن أنعم على غير لقيط أكثر من النعمة على اللقيط فأنقذ من قتل وغرق وحرق وسجن وأعطاه مالا أيكون لاحد بهذا ولاؤه؟ قال لا: قلت فإذا كان الموالى لا يثبت عليه
الولاء إلا برضاه فهو مخالف للقيط الذي يثبت به بغير رضاه فكيف قسته عليه؟ قال ولاى شئ خالفتم حديث عمر؟ قلنا: وليس مما يثبت مثله هو عن رجل ليس بالمعروف، وعندنا حديث ثابت معروف أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهبت ولاء بنى يسار لابن عباس، فقد أجازت ميمونة وابن عباس هبة الولاء فكيف تركته؟ قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته، قلنا أفيحتمل أن يكون نهيه على غير التحريم؟ قال هو على التحريم وإن احتمل غيره، قلت: فإن قال لك قائل لا يجهل ابن عباس وميمونة كيف وجه نهيه، قال قد يذهب عنهما الحديث رأسا فتقول ليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة، قلت فكيف أغفلت هذه الحجة في اللقيط؟ فلم ترها تلزم غيرك كما لزمتك حجتك في أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد يعزب عن بعض أصحابه، وأنه على ظاهره ولا يحال إلى باطن ولا خاص إلا بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن غيره، قال فهكذا نقول: قلت نعم في الجملة وفى بعض الامر دون بعض، قال قد شركنا في هذا بعض أصحابك، قلت أفحمدت ذلك منهم؟ قال: لا.
قلت فلا أشركهم فيما لم تحمد وفيما نرى الحجة في غيره، فقال لمن حضرنا من الحجازيين: أكما قال صاحبكم في أن لا ولاء إلا لمن أعتق؟ فقالوا نعم وبذلك جاءت السنة، قال فإن منكم من يخالف في السائبة والذمى يعتق المسلم، قالوا: نعم.
قال فيكلمه بعضكم أو أتولى كلامه لكم؟ قالوا افعل فإن قصرت تكلمنا، قال فأما أتكلم عن أصحابك في ولاء السائبة ما تقول في ولاء السائبة وميراثه إذا لم يكن له وارث إلا من سيبه؟ فقلت ولاؤه لمن سيبه وميراثه له، قال فما الحجة في ذلك؟ قلت الحجة البينة أمعتق المسيب للمسيب؟ قال: نعم قلت: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " وجعل المسلمون ميراث المعتق لمن أعتقه إذا لم يكن دونه من يحجبه بأصل فريضة، قال فهل من حجة غير هذه؟ قلت ما احسب أحدا سلك طريق النصفة يريد وراءها حجة، قال: بلى.
وقلت له: قال الله تبارك وتعالى " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال وما معنى هذا؟ قلت سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول لا أرثه، ويفعل في الوصيلة من الابل والحام أن لا يركب، فقال الله عزوجل " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "
على معنى ما جعلتم فأبطل شروطهم فيها وقضى أن الولاء لمن أعتق ورد البحيرة والوصيلة والحام إلى ](4/138)
[ ملك مالكها إذا كان العتق في حكم الاسلام أن لا يقع على البهائم، قال فهل تأول أحد السائبة على بعض البهائم؟ قلت: نعم.
وهذا أشبه القولين بما يعرف أهل العلم والسنة، قال أفرأيت قولك قد أعتقتك سائبة أليس خلاف قولك قد أعتقتك؟ قلت أما في قولك أعتقتك فلا، وأما في زيادة سائبة فنعم.
قال: فهما كلمتان خرجتا معا فإنما أعتقه على شرط، قلت: أو ما أعتقت بريرة على شرط أن الولاء للبائعين فإبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرط؟ فقال " الولاء لمن أعتق " قال بلى: قلت فإذا أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط البائع والمبتاع المعتق وإنما انعقد البيع عليه، لان الولاء لمن أعتق ورده إلى المعتق فكيف لا يبطل شرط المعتق ولم يجعله لغيره من الآدميين؟ قال فإن قلت فله الولاء ولا يرثه؟ قلت فقل إذا الولاء للمعتق المشترط عليه أن الولاء لغيره ولا يرثه، قال لا يجوز أن أثبت له الولاء وأمنعه الميراث وديناهما واحد (قال الشافعي) وقلت له أرأيت الرجل يملك أباه ويتسرى الجارية ويموت لمن ولاء هذين؟ قال لمن عتقا بملكه وفعله، قلت أفرأيت لو قال لك قائل قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولم يعتق واحد من هذين.
هذا ورث أباه فيعتقه وإن كره وهذا ولدت جاريته ولم يعتقها بالولد وهو حى فأعتقها به بعد الموت فلا يكون لواحد من هذين ولاء لان كليهما غير معتق هل حجتنا وحجتك عليه إلا أنه إذا زال عنه الرق بسبب من يحكم له بالملك كان له ولاؤه؟ قال لا وكفى بهذا حجة منك، وهذا في معاني المعتقين، قلت فالمعتق سائبة هو المعتق وهذا أكثر من الذى في معاني المعتقين، قال فإن القوم يذكرون أحاديث، قلت فاذكرها قال ذكروا أن حاطب بن ابى بلتعة أعتق سائبة، قلت ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له، قال فيذكرون عن عمر وعثمان ما يوافق قولهم ويذكر سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه غلام من بنى مخزوم فقضى عمر عليهم بعقله، فقال أبو المقضى عليه لو أصاب ابني، قال إذا لا يكون له شئ، قال فهو إذا مثل الارقم، قال عمر فهو إذا مثل الارقم، فقلت له هذا إذا ثبت بقولنا أشبه، قال ومن أين؟ قلت لانه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله، ولكن يشبه أن
يكون رأى عقله على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم ير فيه عقلا حتى يعرف مواليه ولو كان على ما تأولوا، وكان الحديث يحتمل ما قالوا كانوا يخالفونه، قال وأين؟ قلت هم يزعمون أن السائبة لو قتل كان عقله على المسلمين، ونحن نروى عن عمر وغيره مثل معنى قولنا، قال فاذكره: قلت أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم، فقال عمر بن الخطاب أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوا، فقال عمر فاجعلوه في مثلهم من الناس، قال فحديث عطاء مرسل قلت يشبه أن يكون سمعه من آل طارق وإن لم يسمعه عنهم فحديث سليمان مرسل قال فهل غيره؟ قلت أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن إبراهيم النخعي أن رجلا أعتق سائبة فمات فقال عبد الله هو لك قال لا أريد قال فضعه إذا في بيت المال فإن له وارثا كثيرا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان قال أخبرني أبو طوالة عبد الله ابن عبد الرحمن عن معمر قال كان سالم مولى أبى حذيفة لامرأة من الانصار يقال لها عمره بنت يعار أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة فأتى أبو بكر بميراثه فقال أعطوه عمرة فأبت تقبله، قال قد اختلفت فيه الاحاديث قلت فما كنا نحتاج إليها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " وإذا اختلفت فالذي يلزمنا أن نصير إلى أقربها من السنة، وما قلنا معنى السنة مع ما ذكرنا من الاستدلال بالكتاب، قال: فإن قالوا إنما أعتق السائبة عن المسلمين، قلنا: فإن قال قد أعتقتك عن نفسي سائبة لا عن غيرى وأشهد بهذا القول قبل العتق ](4/139)
[ ومعه، فقال أردت أن يكمل أجرى بأن لا يرجع إلى ولاؤه، قال فإن قالوا: فإذا قال هذا؟ فهذا يدل على أنه أعتقه عن المسلمين، قلنا هذا الجواب محال، يقول أعتقتك عن نفسي ويقول أعتقه عن المسلمين، فقال هذا قول غير مستقيم، قلت أرأيت لو كان أخرجه من ملكه إلى المسلمين أكان له أن يعتقه ولم يأمروه بعتقه؟ ولو فعل لكان عتقه باطلا إذا أعتق ما أخرج من ملكه إلى غيره بغير أمره، فإن قال إنما أجزته لانه مالك معتق فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق، قال فما حجتك عليهم في الذمي يسلم عبده فيعتقه؟ قلت مثل أول حجتى في السائبة أنه لا يعدو أن يكون معتقا، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاء لمن أعتق، أو يكون إذا اختلف الدينان لا يجوز
عتقه فيكون عتقه باطلا؟ قال بل هو متق والعتق جائز قلت فما أعلمك بقيت للمسألة موضعا قال بلى لو مات العبد لم يرثه المعتق قلت وما منع الميراث إنما منع الميراث الذى منعه الورثة أيضا غير المعتق باختلاف الدينين وكذلك يمنعه وارثه بالنسب باختلاف الولاء والنسب قال أفيجوز أن يثبت له عليه ولاء وهو لا يرثه؟ قلت نعم كما يجوز أن يثبت له على أبيه أبوة وهو لا يرثه إذا اختلف الدينان أو يجوز أن يقال: إن الذمي إذا أعتق العبد المسلم وللذمي ولد مسلمون كان الولاء لبنيه المسلمين ولا يكون للذى أعتقه؟ لئن لم يكن للمعتق فالمعتق لهم من بنيه أبعد أن يجوز قال وأنت تقول مثل هذا؟ قلت وأين؟ قال تزعم أن رجلا لو كان له ولد مسلمون وهو كافر فمات أحدهم ورثته إخوته المسلمون ولم يرثه أبوه وبه ورثوه قلت أجل فهذه الحجة عليك قال وكيف؟ قلت أرأيت أبوته زالت عن الميت باختلاف دينهما؟ قال لا، هو أبوه بحاله قلت وإن أسلم قبل أن يموت ورثته قال نعم قلت وإنما حرم الميراث باختلاف الدينين قال نعم قلت فلم لم تقل في المولى هذا القول فتقول مولاه من أعتقه ولا يرثه ما اختلف ديناهما فإذا أسلم المعتق ورثه إن مات بعد إسلامه قال فإنهم يقولون إذا أعتقه الذمي ثبت ولاؤه للمسلمين ولا يرجع إليه قلت وكيف ثبت ولاؤه للمسلمين وغيرهم أعتقه؟ قال فبأى شئ يرثونه؟ قلت ليسوا يرثونه ولكن ميراثه لهم لانه لا مالك له بعينه قال وما دلك على ما تقول فإن الذى يعرف أنهم لا يأخذونه إلا ميراثا؟ قلت أفيجوز أن يرثوا كافرا؟ قال لا قلت أفرأيت الذمي لو مات ولا وارث له من أهل دينه لمن ميراثه؟ قال للمسلمين قلت لانه لا مالك له لا أنه ميراث قال نعم قلت وكذلك من لا ولاء من لقيط ومسلم لا ولاء له أو ولاؤه لكافر لا قرابة له من المسلمين وذكرت ما ذكرت في أول الكتاب من أنه لا يؤخذ على الميراث قال فإن من أصحابنا من خالفك في معنى آخر فقال لو أن مسلما أعتق نصرانيا فمات النصراني ورثه إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر في النسب " فقلت أموجود ذلك في الحديث؟ قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا وإياهم غيرنا فقال فإنما معنى الحديث في الولاء؟ قال ليس ذلك له قلت ولم؟ ألان الحديث لا يحتمله؟ قال بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه ولا يورث الكافر
المسلم قال فحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة؟ قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قاله في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبد العزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بنى يسار لابن عباس فأتهيبه وقلت: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهو على جمله ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذى روينا ](4/140)
[ عن عمر بن عبد العزيز أنه وضع ميراث مولى له نصراني في بيت المال وهذا أثبت الحديثين عنه وأولاهما به عندنا والله تعالى أعلم والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وقد روى عن عمر بن عبد العزيز خلاف هذا قال فقد يحتمل أن يكون هذا من عمر بن عبد العزيز ترك شئ وإن كان له قلت نعم وأظهر معانيه عندنا أنه ليس له ان يرث كافرا وأنه إذا منع الميراث للولد والوالد والزوج بالكفر كان ميراث المولى أولى أن يمنعه لان المولى أبعد من ذى النسب قال فما حجتك على أحد إن خالفك في الرجل يعتق عبده عن الرجل بغير أمره فقال الولاء للمعتق عنه دون المعتق لعبده لانه عقد العتق عنه؟ قلت أصل حجتى عليك ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الولاء لمن أعتق " وهذا معتق قال فقد زعمت أنه إن أعتق عبده عنه بأمره كان الولاء للامر المعتق عنه عبده وهذا معتق عنه قلت نعم من قبل أنه إذا أعتق عنه بأمره فإنما ملكه عبده وأعتقه عنه بعدما ملكه قال أفقبضه المالك المعتق عنه؟ قلت إذا أعتقه عنه بأمره فعتقه أكثر من قبضه هو لو قبضه قال ومن أين؟ قلت إذا جاز للرجل أن يأمر الرجل أن يعتق عبد نفسه فأعتقه فجاز بأنه وكيل له ماضى الامر فيه ما لم يرجع في وكالته وجاز للرجل أن يشترى العبد من الرجل فيعتقه المشترى بعد تفرقهما عن المقام الذى تبايعا فيه وقبل القبض فينفذ العتق لانه مالك جاز إذا ملكه سيد العبد عبده أن ينفذ عليه عتقه وعتق غيره بأمره قال والولاء للامر قلت نعم لانه مالك معتق قال ومن أين يكون معتقا وإنما أعتق عنه غيره بأمره؟ قلت إذا أمر بالعتق رجلا فأعتق عنه فهو وكيل له جائز العتق وهو المعتق إذا وكل ونفذ العتق بأمره قال فكيف؟ قلت في الرجل يعتق عن غيره عبده بغير أمره العتق جائز قلت نعم
لانه أعتق ما يملك قال أرأيت قوله هو حر عن فلان ألهذا معنى؟ قلت أما معنى له حكم يرد به العتق أو ينتقل به الولاء فلا، قال فما الحجة في هذا سوى ما ذكرت أرأيت لو قال إذا أعتقه عنه بغير أمره فقبل العتق كان له الولاء قلت إذا يلزمه فيه العلة التى لا نرضى أن نقوله قال وما هو؟ قلت يقال له هل يكون العتق إلا لمالك؟ قال يقول لا قلنا فمتى ملك؟ قال حين قبل قلت أفرأيت حين قبل أقبل حرا أو مملوكا؟ قال فأقول بل قبل حرا قلنا أفيعتق حرا أو يملكه قال فأقول بل حين فعل علمنا أنه كان مالكا حين وهبه له قلت أفرأيت إن قال لك قد قبلت وأبطلت عتقك أيكون العبد المعتق مملوكا له؟ قال وكيف يكون مملوكا له؟ قلت تجعله بإعتاقه إياه عنه مملوكا له قبل العتق وإذا ملكتنى عبدك ثم أعتقته أنت، جاز تمليكك إياي وبطل عنه عتقك إذا لم أحدث له عتقا ولم آمرك تحدثه لى قال هذا يلزم من قال هذا وهذا خطأ بين ما يملكه إياه إلا بعد خروجه من الرق وما أخرجه من الرق غيره فالولاء له كما قلت وهذا قول قد قاله غيرك من أصحابنا أفتوضحه لى بشئ؟ قلت نعم أرأيت لو أعتقت عبدا لى ثم قلت بعد عتقه قد جعلت أجره وولاءه الآن لك؟ قال فلا يكون لى أجره ولا ولاؤه وإنما يقع الاجر والولاء يوم أعتقت فلما أعتقت عن نفسك لم ينتقل إلى أجرك كما لا ينتقل أجر عملك غير هذا إلى (قال الشافعي) وقلت له الولاء لا يملكه إلا من أعتق ولا يكون لمن أعتق إخراجه من ملكه إلى غيره وهو غير الاموال المملوكة التي يحولها الناس من أموالهم إلى أموال من شاءوا قال نعم قلت فهذه الحجة على من خالفنا في هذا.
](4/141)
[ الوديعة (1) أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا استودع الرجل الرجل الوديعة وأراد المستودع سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن وكذلك إن دفنها ولم يعلم بها أحدا يأمنه على ماله فهلكت ضمن، وكذلك إن دفنها ولم يخلف في منزله أحدا يحفظه فهلكت، ضمن وإذا أودع الرجل الوديعة فتعدى فيها فلم تهلك حتى أخذها وردها في موضعها فهلكت ضمن من قبل أنه قد خرج من حد
الامانة إلى أن كان متعديا ضامنا للمال بكل حال حتى يحدث له المستودع أمانة مستقبلة، وكذلك لو تكارى دابة إلى بلد فتعدى بها ذاهبا أو جائيا ثم ردها سالمة إلى الموضع الذى له في الكراء فهلكت من قبل أن يدفعها كان لها ضامنا من قبل أنه صار متعديا ومن صار متعديا لم يبرأ حتى يدفع إلى من تعدى عليه ماله وكذلك لو سرق دابة لرجل من حرزها ثم ردها إلى حرزها فهلكت ضمن ولا يبرأ من ضمن إلا بدفع ما ضمن إلى مالكه ولو أودعه عشرة دراهم فتعدى منها في درهم فأخرجه فأنفقته ثم أخذه فرده بعينه ثم هلكت الوديعة ضمن الدرهم ولا يضمن التسعة لانه تعدى بالدرهم ولم يتعد بالتسعة وكذلك إن كان ثوبا فلبسه ثم رده بعينه ضمنه (قال الربيع) قول الشافعي إن كان الدرهم الذى أخذه ثم وضع (2) غيره معروفا من الدراهم ضمن الدرهم ولم يضمن التسعة وإن كان لا يتميز ضمن العشرة (قال الشافعي) وإذا أودع الرجل الرجل الدابة فأمره بسقيها وعلفها فأمر بذلك من يسقى دوابه ويعلفها فتلفت من غير جناية لم يضمن وإن كان سقى دوابه في داره فبعث بها خارجا من داره ضمن، قال وإذا استودع الرجل الرجل الدابة فلم يأمره بسقيها ولا علفها ولم ينهه فحبسها المستودع مدة إذا أتت على مثلها ولم تأكل ولم تشرب تلفت فتلفت فهو ضامن، وإن كات تلفت في مدة قد تقيم الدواب في مثلها ولا تتلف فتلفت لم يضمن من تركها، وإذا دفع إليه الدابة وأمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يحمل عليها فعطبت ضمن، ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها تبنا فأكراها ممن يحمل عليها حديدا فعطبت ضمن ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها حديدا فاكراها ممن يحمل عليها تبنا بوزنه فعطبت ضمن لانه يفترش عليها من التبن ما يعم فيقتل ويجمع عليها من الحديد ما يلهد فيتلعى ويرم فيقتل، ولو أمره أن يكريها ممن يركب بسرج فأكراها ممن يركبها بلا سرج فعطبت ضمن لان معروفا ان السرج اوقى لها، وإن كان يعرف أنه ليس بأوقى لها لم يضمن لانه زادها خفة، ولو كانت دابة ضئيلة فأكراها ممن يعلم أنها لا تطيق حمله ضمن لانه إذا سلطه على أن يكريها فإنما يسلطه على أن يكريها ممن تحمله فأكراها ممن لا تحمله ضمن، وإذا أمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يركبها بإكاف فكان الاكاف أعم أو أضر في حال ضمن، وإن كان أخف أو مثل السرج لم يضمن (قال الشافعي) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فأراد المستودع السفر فإن كان المستودع حاضرا أو
وكيل له لم يكن له أن يسافر حتى يردها إليه أو إلى وكيله أو يأذنا له أن يودعها من رأى، فإن فعل ]
__________
(1) هذه الترجمة وكذا التراجم التى تليها في قسم الفئ والغنيمة وما يتعلق بها من الكلام على الانفال قد ذكرت في هذا الموضع من نسخة السراج البلقينى فأثبتناها هنا تبعا لها.
(2) قوله: غيره لعله " عينه " فإنه السابق قبله تأمل.
كتبه مصححه.(4/142)
[ فأودعها من شاء فهلكت ضمن إذا لم يأذنا له، وإن كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا على ذلك فهلكت لم يضمن، فإن اودعها ممن يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن، وسواء كان المودع من أهلها أو من غيرهم أو حرا أو عبدا أو ذكرا أو انثى لانه يجوز له أن يستهلك ماله ولا يجوز له أن يستهلك مال غيره، ويجوز له أن يوكل بماله غير أمين ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين، وهكذا لو مات المستودع فأوصى إلى رجل بماله والوديعة أو الوديعة دون ماله فهلكت فإن كان الموصى إليه بالوديعة أمينا لم يضمن الميت وإن كان غير أمين ضمن، ولو استودعه إياها في قرية آهلة فانتقل إلى قرية غير آهلة أو في عمران من القرية فانتقل إلى خراب من القرية وهلكت ضمن في الحالين، ولو استودعه إياها في خراب فانتقل إلى عمارة أو في خوف فانتقل إلى موضع آمن لم يكن ضامنا لانه زاده خيرا، ولو كان شرط عليه أن لا يخرجها من هذا الموضع فتعدى فأخرجها من غير ضرورة فهلكت ضمن، فإن كانت ضرورة فأخرجها إلى موضع أحرز من الموضع الذى كانت فيه لم يضمن.
وذلك مثل النار تغشاه والسيل، ولو اختلفا في السيل أو النار فقال المستودع لم يكن سيل ولا نار وقال المستودع قد كان فإن كان يعلم أنه قد كان في تلك الناحية ذلك بعين ترى أو أثر يدى فالقول قول المستودع، وإن لم يكن فالقول قول المستودع، ومتى ما قلت لواحد منهما القول قوله فعليه اليمين إن شاء الذى يخالفه أحلفه (قال) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فاختلفا فقال المستودع دفعتها إليك وقال المستودع لم تدفعها فالقول قول المستودع ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودع قال أمرتنى أن أدفعها إلى فلان فدفعتها وقال المستودع آمرك فالقول قول المستودع وعلى المستودع البينة.
وإنما فرقنا بينهما أن المدفوع إليه غير المستودع.
وقد قال الله عزوجل: " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أوتمن أمانته "
فالاول إنما ادعى دفعها إلى من أئتمنه، والثانى إنما ادعى دفعها إلى غير المستودع بأمره فلما أنكر أنه أمره أغرم له لان المدفوع إليه غير الدافع.
وقد قال الله عزوجل: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " وقال عز اسمه " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم " وذلك أن ولى اليتيم إنما هو وصى أبيه أو وصى وصاه الحاكم ليس أن اليتيم استودعه، فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمر في نفسه وقال لم أرض أمانة هذا ولم استودعه فيكون القول قول المستودع كان على المستودع أن يشهد عليه إن أراد أن يبرأ، وكذلك الوصي فإذا أقر المدفوع إليه أنه قد قبض بأمر المستودع فإن كانت الوديعة قائمة ردها وإن كان استهلكها رد قيمتها، فإن قال هلكت بغير استهلاك ولا تعد فالقول قوله ولا يضمن من قبل أن الدافع إليه بعد انما دفع إليه بقول رب الوديعة، قال وإذا استودع الرجل الرجل المال في خريطة فحولها إلى غيرها، فإن كانت التى حولها إليها حرزا كالتى حولها منها لا يضمن وإن كانت لا تكون حرزا ضمن إن هلكت، وإن استودعه إياها على أن يجعلها في صندوق على أن لا يرقد عليه أو على أن لا يقفله أو على أن لا يضع عليه متاعا فرقد عليه أو أقفله أو وضع عليه متاعا فسرق لم يضمن لانه زاده خيرا.
وكذلك لو استودعه على أن يدفنها في موضع من البيت ولا يبنى عليه فوضعها في ذلك الموضع وبنى عليه بنيانا بلا أن يكون مخرجا لها من البيت فسرقت لم يضمن لانه زادها بالبناء حرزا.
وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة على أن يجعلها في بيت ولا يدخله أحد فأدخله قوما فسرقها بعض الذين دخلوا أو غيرهم، فإن كان الذى سرقها ممن أدخلها فعليه غرمها وإن كان الذى سرق لم يدخله فلا غرم عليه (قال) وإذا سأل الرجل الرجل الوديعة فقال ما استودعتني شيئا، ثم قال قد كنت استودعتني فهلكت فهو ضامن لها من قبل أنه قد أخرج نفسه من الامانة وكذلك لو سأله إياها فقال قد دفعتها إليك ثم قال ](4/143)
[ بعد قد ضاعت في يدى فلم أدفعها إليك كان ضامنا، ولو قال مالك عندي شئ، ثم قال كان لك عندي شئ فهلك كان القول قوله لانه صادق أنه ليس له عنده شئ إذا هلكت الوديعة (قال) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فوضعها في موضع من داره يحرز فيه ماله ويرى الناس مثله حرزا وإن كان غيره من داره أحرز منه فهلكت لم يضمن وإن وضعها في موضع من داره لا يراه الناس حرزا ولا
يحرز فيه مثل الوديعة فهلكت ضمن، وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة ذهبا أو فضة في منزله على أن لا يربطها في كمه أو بعض ثوبه فربطها فخرج فهلكت ضمن، ولو كان ربطها في مكانه ليحرزها فإن كان إحرازها يمكنه فتركها حتى طرت ضمن، وإن كان لا يمكنه بغلق لم ينفتح أو ما أشبه ذلك لم يضمن.
(قال) وإذ استودعه إياها خارجا من منزله على أن يحرزها في منزله وعلى أن لا يربطها في كمه فربطها فضاعت فإن كان ربطها من كمه فيما بين عضده وجنبه لم يضمن وإن كان ربطها ظاهرة على عضده ضمن لانه لا يجد من ثيابه شيئا أحرز من ذلك الموضع وقد يجد من ثيابه ما هو أحرز من إظهارها على عضده، وإذا استودعه إياها على أن يربطها في كمه فأمسكها في يده فانفلتت من يده ضمن، ولو أكرهه رجل على أخذها لم يضمن، وذلك أن يده أحرز من كمه ما لم يجن هو في يده شيئا هلك به (قال) وإذا استودع الرجل الرجل شيئا من الحيوان ولم يأمره بالنفقة عليه انبغى له أن يرفعه إلى الحاكم حتى يأمره بالنفقة عليه ويجعلها دينا على المستودع ويوكل الحاكم بالنفقة من يقبضها منه وينفقها غيره لئلا يكون أمين نفسه أو يبيعها وإن لم يفعل فأنفق عليها فهو متطوع ولا يرجع عليه بشئ، وكذلك إذا أخذ له دابة ضالة أو عبدا آبقا فأنفق عليه فهو متطوع ولا يرجع عليه بشئ، وإذا خاف هلاك الوديعة فحملها إلى موضع آخر فلا يرجع بالكراء على رب الوديعة لانه متطوع به (قال وإذا استودع الرجل الرجل الذهب فخلطها مع ورق له، فإن كان خلطها ينقصها ضمن النقصان ولا يضمنها لو هلكت وإن كان لا ينقصها لم يضمن وكذلك لو خلطها مع ذهب يتميز منها فهلكت لم يضمن وإن كان يتميز منها تميزا بينا فهلكت ضمن، وإذا استودع الرجل الرجل دنانير أو دراهم فأخذ منها دينارا أو درهما ثم رد مكانه بدله فإن كان الذى رد مكانه يتميز من دنانيره ودراهمه فضاعت الدنانير كلها ضمن ما تسلف فقط وإن كان الذى وضع بدلا مما أخذ لا يتميز ولا يعرف فتلفت الدنانير ضمنها كلها (1).
] (1) وفى اختلاف العراقيين " باب في الوديعة " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع أمرتنى أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه.
قال أبو حنيفة: فالقول قول رب الوديعة والمستودع ضامن وبهذا يأخذ يعنى أبا يوسف، وكان ابن أبى
ليلى يقول القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين (قال الشافعي) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها ثم قال المستودع أمرتنى أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة وعلى المستودع البينة بما ادعى، وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه.
فقال المستودع لا أدرى أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة كان يقول يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما لانه أتلف ما استودع بجهالته، ألا ترى أنه لو قال هذا استودعنيها ثم قال =(4/144)
[ قسم الفئ أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل قسم ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة وجوه أحدها ما جعله الله تبارك تعالى طهورا لاهل دينه.
قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أمولاهم صدقة " الآية فكل ما أوجب الله عزوجل على مسلم في ماله بلا جناية جناها هو ولا غيره ممن يعقل عنه ولا شئ لزمه من كفارة ولا شئ ألزمه نفسه لاحد ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد أو مملوك أو زوجة أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة طهور له وذلك مثل صدقة الاموال كلها عينيها وحوليها وماشيتها وما وجب في مال مسلم من زكاة أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب أو سنة أو أثر أجمع عليه المسلمون.
وقسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب الله عز ذكره، قال الله تبارك وتعالى في سورة براءة " إنما الصدقات للفقراء " الآية وعلى المسلم في ماله إيتاء واجبة في كتاب أو سنة ليست من هذا الوجه، وذلك مثل نفقة من تلزمه نفقته والضيافة وغيرها وما لزم بالجنايات والاقرار والبيوع وكل هذا خروج من دين أو تأدية واجب أو نافلة يوصل فيها الاجر كل هذا موضوع على وجهه في كتاب الصدقات في كل صنف منه في صنفه الذى هو أملك به.
قسم الغنيمة والفئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه غير ضيافة من مر بهم من ] = بل اخطأت بل هو هذا كان عليه أن يدفع الوديعة إلى الذى أقر بها له أولا ويضمن للآخر مثل ذلك لان قوله أتلفه، وكذلك الاول إنما أتلفه هو بجهله وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول في الاول ليس عليه شئ والوديعة والمضاربة
بينهما نصفان (قال الشافعي) وإذا كانت في يدى الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها له وهى مما يعرف بعينه مثل العبد والبعير والدار فقال هي لاحدكما ولا أدرى أيكما هو قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه فإن قالا: لا وقال كل واحد منهما هو لى أحلف بالله ما يدرى لايهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له كله وإن نكلا معا فهو موقوف بينهما وفيها قول آخر يحتمل وهو أن يحلف الذى في يديه الوديعة ثم تخرج من يديه ولا شئ عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه، ومن قال هذا القول قال هذا شئ ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذى هو في يديه يزعم أنه لاحدهما لا لهما وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة كان يقول هو ضامن لانه خالف وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول لا ضمان عليه (قال الشافعي) وإذا أودع الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت لان المستودع رضى بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يدعها غيره وكان متعديا ضامنا إن تلفت، وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة يقول جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ وكان ابن أبى ليلى يقول هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة شئ لان الوديعة مجهولة ليس بشئ بعينه: وقال أبو حنيفة فإن كانت الوديعة بعينها فهى لصاحب الوديعة إذا علم ذلك.
وكذلك قال ابن أبى ليلى، أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين: إنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة، الحجاج بن أرطاة عن أبى جعفر وعطاء مثل ذلك، الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله (قال الشافعي) وإذا استودع الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر بالوديعة بعينها أو قامت عليها بينة وعليه دين يحيط بماله كانت الوديعة لصاحبها فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء.(4/145)
[ المسلمين فهو على وجهين لا يخرج منهما كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى فعله فأحدهما الغنيمة قال الله عزوجل في سورة الانفال " واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه " الآية.
والوجه الثاني الفئ وهو مقسوم في كتاب الله عز ذكره في سورة الحشر قال الله تبارك وتعالى " وما أفاء الله على رسوله منهم " إلى قوله " رءوف رحيم " فهذان المالان اللذان خولهما الله
تعالى من جعلهما له من أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها وعلى أهل الذمة ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت فهو لمن مر بهم من المسلمين خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين.
وعلى الامام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يلزمه إياها.
جماع سنن قسم الغنيمة والفئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل " واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه " الآية وقال الله تعالى " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " الآية، وقال عزوجل " وما أفاء الله على رسوله منهم " الآية.
(قال الشافعي) فالغنيمة والفئ يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له ومن سماه الله عزوجل له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين.
قال ثم يتعرف الحكم في الاربعة الا خمس بما بين الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفى فعله فإنه قسم أربعة أخماس والغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غنى وفقير والفئ وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قرى عرينة التى أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله عز وجل.
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال سمعت عمر بن الخطاب وعلي والعباس رحمة الله عليهم يختصمان إليه في أموال النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله مما لو يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبى صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عزوجل ثم توفى النبي صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها به أبو بكر ثم وليتها به فجئتماني تختصمان أتريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا أتريدان منى قضاء غير ما قضيت به بينكما اولا؟ فلا والله الذى بإذنه تقوم السماء والارض لا أقضى بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلى أكفكماها (قال الشافعي) فقال
لى سفيان لم أسمعه من الزهري ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري قلت كما قصصت؟ قال نعم (قال الشافعي) فأموال بنى النضير التى أفاء الله على رسوله عليه الصلاة والسلام التى يذكر عمر فيها ما بقى في يدى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخمس وبعد أشياء قد فرقها النبي صلى الله عليه وسلم منها بين رجال من المهاجرين لم يعط منها أنصاريا إلا رجلين ذكرا فقرا وهذا مبين في موضعه.
وفى هذا الحديث دلالة على أن عمر إنما حكى أن أبا بكر وهو أمضيا ما بقى من هذه الاموال التى كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه ما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به فيها وأنهما لم يكن ](4/146)
[ لهما مما لم يوجف عليه المسلمون من الفئ ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما كانا فيه أسوة للمسلمين وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما، والامر الذى لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته ولم يزل يحفظ من قولهم أنه ليس لاحد ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صفى الغنيمة ولا من أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها (قال الشافعي) وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه وغيرهن لو كان معهن فلم أعلم احدا من اهل العلم قال لورثتهم تلك النفقة التى كانت لهم ولا خلاف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل فضول غلات تلك الاموال فيما فيه صلاح الاسلام وأهله (قال الشافعي) فما صار في أيدى المسلمين من فئ لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه الله تبارك وتعالى وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله، وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الدلالة على ما وصفت.
أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلى ومؤنة عاملي فهو صدقة " أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة بمثل معناه (قال الشافعي) وقد أخبرنا أن النفقة إنما هي جارية بقوت منه على أعيان أهله وأن ما فضل من نفقتهم فهو صدقة ومن وقفت له نفقة لم تكن موروثة عنه (قال الشافعي) والجزية من الفئ وسبيلها سبيل جميع ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن سمى الله عزوجل الخمس وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله، وكذلك كل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف، وذلك مثل ما أخذ منه إذا
اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات ولا وارث له وغير ذلك مما أخذ من ماله.
وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فتوح في غير قرى عرينة التى وعدها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتحها فأمضاها النبي صلى الله عليه وسلم كلها لمن هي ولم يحبس منها ما حبس من القرى التى كانت له وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فئ من غير قرى عرينة وذلك مثل جزية أهل البحرين فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراه الله عزوجل كما يمضى ماله وأوفى خمسه من جعله الله له، فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الحديث (قال الربيع) قال غير الشافعي قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر " لو جاءني مال البحرين لاعطيتك هكذا وهكذا " فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأته فجاء أبا بكر فأعطاني.
تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا غزا المسلمون بلاد أهل الحرب بالخيل والركاب فغنموا أرضهم وديارهم وأموالهم وأنفسهم أو بعض ذلك دون بعض فالسنة في قسمه أن يقسمه الامام معجلا على وجه النظر فإن كان معه كثيرا في ذلك الموضع آمنين لا يكر عليهم العدو فلا يؤخر قسمه إذا أمكنه في موضعه الذى غنمه فيه وإن كانت بلاد حرب أو كان يخاف كرة العدو عليهم أو كان منزله غير رافق بالمسلمين تحول عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوهم ثم قسمه وإن كانت بلاد شرك (قال الشافعي) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أموال بنى المصطلق وسبيهم في الموضع الذى غنمه ](4/147)
[ فيه قبل أن يتحول عنه وما حوله كله بلاد شرك وقسم أموال أهل بدر (1) بسير على أميال من بدر ومن حول سير وأهله مشركون وقد يجوز أن يكون قسمه بسير لان المشركين كانوا أكثر من المسلمين فتحول إلى موضع لعل العدو لا يأتونه فيه ويجوز أن يكون سير أوصف بهم في المنزل من بدر (قال الشافعي) وأكثر ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمراء سراياه ما غنموا ببلاد أهل الحرب (قال الشافعي) وما وصفت من قسم النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه معروف عند أهل العلم عندنا لا يختلفون فيه
فقال لى بعض الناس لا تقسم الغنيمة إلا في بلاد الاسلام وبلغني أن بعض أصحابه خالفه وقال فيه قولنا والحجة على من خالفنا فيه ما وصفنا من المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم من القسم ببلاد العدو وإذا حوله الامام عن موضعه إلى موضع غيره فإن كانت معه حمولة حمله عليها وإن لم تكن معه فينبغي للمسلمين أن يحملوه له إن كان معهم حمولة بلا كراء وإن امتنعوا فوجد كراء كارى على الغنائم واستأجر عليها ثم أخرج الكراء والاجارة من جميع المال (قال الشافعي) ولو قال قائل يجبر من معه فضل محمل كان مذهبا (قال الشافعي) وإن لم يجد حمولة ولم يحمل الجيش قسمه مكانه ثم من شاء أخذ ماله (قال الشافعي) ولو قال قائل يجبرون على حمله بكراء مثلهم لان هذا موضع ضرورة كان مذهبا (قال الشافعي) وإذا خرجت سرية من عسكر فغنمت غنيمة فالامر فيها كما وصفت في الجيش في بلاد العدو (قال الشافعي) فإن ساق صاحب الجيش أو السرية سبيا (2) أو خرثيا أو غير ذلك فأدركه العدو فخاف أن يأخذوه منه أو أبطأ عليه بعض ذلك فالامر الذى لا أشك فيه أنه إن أراد قتل البالغين من الرجال قتلهم وليس له قتل من لم يبلغ ولا قتل النساء منهم ولا عقر الدواب ولا ذبحها وذلك أنى إنما وجدت الدلالة من كتاب الله عزوجل ثم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لا يختلف أهل العلم فيه عندنا أنه إن ما أبيح قتله من ذوات الارواح من البهائم فإنما أبيح أن يذبح إذا قدر على ذبحه ليؤكل ولا يقتل بغير الذبح والنحر الذى هو مثل الذبح وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصير البهائم وهى أن ترمى بعدما تؤخذ وأبيح ما امتنع منها بما نيل به من سلاح لاحد معنيين أن يقتل ليؤكل وتلك ذكاته لانه لا يقدر من ذكاته على أكثر من ذلك أما قتل ما لا يؤكل لضرره وأذاه لانه في معاني الاعداء أو الحوت أو الجراد فإن قتله ذكاته وهو يؤكل بلا ذكاة وأما ما سوى ذلك فلا أجده أبيح (قال الشافعي) وقد قيل تذبح خيلهم وتعقر ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب ولا أعلم ما روى عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازى ولا ثابتا بالاسناد المعروف الموتصل فإن كان من قال هذا إنما أراد غيط المشركين لما في غيظهم من أن يكتب به عمل صالح فذلك فيما أغيظوا به مما أبيح لنا وكذلك إن أراد توهينهم وذلك أنا نجد مما يغيظهم ويوهنهم ما هو محظور علينا غير مباح لنا فإن قال قائل وما ذلك؟ فلنا قتل أبنائهم ونسائهم ولو قتلوا كان أغيظ وأهون لهم وقد نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن ذلك وقتل ذوى الارواح بغير وجهه عذاب فلا يجوز عندي لغير معنى ما أبيح من أكله وإطعامه أو قتل ما كان عدوا منه (قال الشافعي) فأما ما لا روح فيه من أموالهم فلا بأس بتحريقه وإتلافه بكل وجه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى النضير وعقر النخل بخيبر والعنب بالطائف وإن تحريق هذا ليس بتعذيب له لانه لا يألم بالتحريق إلا ذو روح وهذا مكتوب في ]
__________
(1) سير بالتحريك اسم جبل وبعضهم ضبطه بالفتح راجع " معجم ياقوت " اه، كتبه مصححه.
(2) الخرثى بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم اه من القاموس، كتبه مصححه.(4/148)
[ غير هذا الموضع (قال الشافعي) ولو كان رجل في الحرب فعقر رجل فرسه رجوت أن لا يكون به بأس لان ذلك ضرورة، وقد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات.
الانفال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ثم لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شئ غير السلب، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبى محمد مولى أبى قتادة عن أبى قتادة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه قال فضربته على حبل عاتقه ضربة وأقبل على فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له: ما بال الناس؟ فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقلت من يشهد لى؟ ثم جلست ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مالك يا أبا قتادة؟ " فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله عزوجل يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق فأعطه إياه " فأعطانيه فبعت الدرع وابتعت به مخرفا في بنى سلمة فإنه لاول مال تأثلته في الاسلام (قال الشافعي) هذا حديث
ثابت معروف عندنا والذى لا أشك فيه أن يعطى السلب من قتل والمشرك مقبل يقاتل من أي جهة قتله مبارزا أو غير مبارز وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين جميعا مقبلان ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى أحدا قتل موليا سلب من قتله والذى لا أشك فيه أن له سلب من قتل الذى يقتل المشرك والحرب قائمة والمشركون يقاتلون ولقتلهم هكذا مؤنة ليست لهم إذا انهزموا أو انهزم المقتول ولا أرى ان يعطى السلب إلا من قتل مشركا مقبلا ولم ينهزم جماعة المشركين وإنما ذهبت إلى هذا أنه لم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أنه أعطى السلب قاتلا قتل مقبال وفى حديث أبى قتادة ما دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل قتيلا له سلبه " يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل وفى هذا دلالة على أن بعض الناس خالف السنة في هذا فقال لا يكون للقاتل السلب إلا أن يقول الامام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا من الامام على وجه الاجتهاد وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم عندنا حكم وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم السلب للقاتل في غير موضع (قال الشافعي) ولو اشترك نفر في قتل رجل كان السلب بينهم ولو أن رجلا ضرب رجلا ضربة لا يعاش من مثلها أو ضربة يكون مستهلكا من مثلها وذلك مثل أن يقطع يديه أو رجليه ثم يقتله آخر كان السلب لقاطع اليدين أو الرجلين لانه قد صيره في حال لا يمنع فيها سلبه ولا يمتنع من أن يذفف عليه وإن ضربه وبقى فيه ما يمنع نفسه ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر إنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع فيها (قال الشافعي) والسلب الذى يكون للقاتل كل ثوب عليه وكل سلاح عليه ومنطقته وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه فإن كان منفلتا منه أو مع غيره فليس له وإنما سلبه ما أخذ من يديه أو مما على بدنه أو ](4/149)
[ تحت بدنه (قال الشافعي) فإن كان في سلبه سوار ذهب أو خاتم أو تاج أو منطقة فيها نفقة فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا مما عليه من سلبه كان مذهبا ولو قال ليس هذا من عدة الحرب وإنما له سلب المقتول الذى هو له سلاح كان وجها والله أعلم (قال الشافعي) ولا يخمس السلب (قال الشافعي) فعارضنا معارض فذكر أن عمر بن الخطاب قال إنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ شيئا
كثيرا ولا أرى انى إلا خامسه قال فخمسه وذكر عن ابن عباس أنه قال السلب من الغنيمة وفيه الخمس (قال الشافعي) فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا فله سلبه " فآخذ خمس السلب أليس إنما يكون لصاحبه أربعة أخماسه لا كله وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ لم يجز تركه فإن قال قائل فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب أنه لم يكن ذا خطر وعمر يخبر أنه لم يكن يخمسه وإنما خمسه حين بلغ مالا كثيرا فالسلب إذا كان غنيمة فأخرجناه من أن يكون حكمه حكمها وقلنا قد يحتمل أن يكون قول الله تعالى " فإن لله خمسه " على أكثر الغنيمة لا على كلها فيكون السلب مما لم يرد من الغنيمة وصفى النبي صلى الله عليه وسلم وما غنم مأكولا فأكله من غنمه ويكون هذا بدلالة السنة وما بقى تحتمله الآية وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب من قتل لم يجز عندي والله أعلم أن يخمس ويقسم إذ كان اسم السلب يكون كثيرا وقليلا ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم قليل السلب ولا كثيره أن يقول يعطى القليل من السلب دون الكثير ونقول دلت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما سوى السلب من الغنيمة (قال الشافعي) وهذه الرواية من خمس السلب عن عمر ليست من روايتنا وله رواية عن سعد بن أبى وقاص في زمان عمر تخالفها.
أخبرنا ابن عيينه عن الاسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى سير بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته فبلغ سلبه اثنى عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبى وقاص.
(قال الشافعي) واثنى عشر الفا كثير.
الوجه الثاني من النفل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثنى عشر بعيرا أو احد عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس (قال الشافعي) وحديث ابن عمر يدل على أنهم إنما اعطوا مالهم مما أصابوا على أنهم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شئ زيدوه غير الذى كان لهم وقول ابن المسيب يعطون النفل من الخمس كما قال إن شاء الله وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم فإن له خمس من كل غنيمة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه حيث أراه الله كما يضع سائر ماله فكان الذى يريه الله
تبارك وتعالى ما فيه صلاح المسلمين (قال الشافعي) وما سوى سهم النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الخمس لمن سماه الله عزوجل له فلا يتوهم عالم أن يكون قوم حضروا فأخذوا مالهم وأعطوا مما لغيرهم إلا أن يطوع به عليهم غيرهم (قال الشافعي) والنفل في هذا الوجه من سهم النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي للامام أن يجهد فإذا كثر العدو واشتدت الشوكة وقل من بازائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل وذلك أن أكثر مغازى النبي صلى الله عليه وسلم ](4/150)
[ وسراياه لم يكن فيها أنفال من هذا الوجه (قال الشافعي) والنفل في أول مغزى والثانى وغير ذلك سواء على ما وصفت من الاجتهاد (قال الشافعي) والذى يختار من أرضى من أصحابنا أن لا يزاد اجد على ماله لا يعطى غير الاخماس أو السلب للقاتل ويقولون لم نعلم أحدا من الائمة زاد أحدا على حظه من سلب أو سهما من مغنم إلا أن يكون ما وصفت من كثرة العدو وقلة المسلمين فينفلون وقد روى بعض الشاميين في النفل في البدأة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الاخرى ورواية ابن عمر أنه نفل نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الامام وأكثر مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها إنفال فإذا كان للامام أن لا ينفل فنفل فينبغي لتنفيله أن يكون على الاجتهاد غير محدود.
الوجه الثالث من النفل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال بعض أهل العلم إذا بعث الامام سرية أو جيشا فقال لهم قبل اللقاء من غنم شيئا فهو له بعد الخمس فذلك لهم على ما شرط الامام لانهم على ذلك غزوا وبه رضوا وقالوا يخمس جميع ما أصاب كل واحد منهم غير السلب في إقبال الحرب وذهبوا في هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال " من أخذ شيئا فهو له " وذلك قبل نزول الخمس والله أعلم ولم أعلم شيئا يثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه إلا ما وصفنا من قسمة الاربعة الاخماس بين من حضر القتال وأربعة أخماس الخمس على أهله ووضعه سهمه حيث أراه الله عزوجل وهو خمس الخمس، وهذا أحب إلى والله أعلم، ولهذا مذهب وذلك أن يقال إنما قاتل هؤلاء على هذا الشرط
والله أعلم.
كيف تفريق القسم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شئ قل أو كثر من دار أو أرض وغير ذلك من المال أو سبى قسم كله إلا الرجال البالغين فالامام فيهم بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم أو يقتل أو يفادى أو يسبى وإن من أو قتل فذلك له وإن سبى أو فادى فسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة قال وذلك إذا أخذ منهم شيئا على إطلاقهم فأما أن يكون أسير من المسلمين فيفاديه بأسيرين أو أكثر فذلك له ولا شئ للمسلمين على ما فادى من المسلمين بأسارى المشركين وإذا جاز له أن يمن عليهم فلا يعود على المسلمين منه منفعة يقبضونها كان أن يستخرج أسيرا من المسلمين أنفع وأولى أن يجوز، أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى رجلا برجلين (قال الشافعي) وفى الرجل يأسره الرجل فيسترق أو تؤخذ منه الفدية قولان أحدهما ما أخذ منه كالمال يغنم وأنه إن استرق فهو كالذرية وذلك يخمس وأربعة أخماسه بين جماعة من حضر فلا يكون ذلك لمن أسره وهذا قول صحيح لا أعلم خبرا ثابتا يخالفه وقد قيل الرجل مخالف للسبى والمال لان عليه القتل فهو لمن أخذه وما أخذ منه فلمن أخذه كما يكون سلبه لمن قتله لان أخذه أشد من قتله وهذا مذهب والله أعلم، فينبغي ](4/151)
للامام أن يعزل خمس ما حصل بعدما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه ويحسب من حضر القتال من الرجال المسلمين البالغين ويعرف من حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين ومن النساء فينفلهم شيئا فمن رأى أن ينفلهم من الاربعة الاخماس لهم نفلهم وسيذكر هذا في موضعه إن شاء الله، ثم يعرف عدد الفرسان والرجالة من بالغى المسلمين الذين حضروا القتال فيضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما فيسوى بين الراجل والراجل فيعطيان سهما سهما ويفضل ذو الفرس فإن الله عزوجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " الآية، فأطاع في الرباط وكانت عليه مؤنة في اتخاذه وله غناء بشهوده عليه ليس الراجل شبيها به أخبرنا الثقة عن إسحق الازرق عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم فزعم بعض
الناس أنه لا يعطى فرس إلا سهما وفارس سهما ولا يفضل فرس على مسلم فقلت لبعض من يذهب مذهبه: هو كلام عربي وإنما يعطى الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه ولا يقال لا يفضل فرس على مسلم والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم ولو كان هذا كما قال صاحبك لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم وفى قوله وجهان أحدهما خلاف السنة والآخر قياسه الفرس بالمسلم وهو لو كان قياسا له دخل عليه أن يكون قد سوى فرسا بمسلم وقال بعض أصحابه بقولنا في سهمان الخيل وقال هذه السنة التى لا ينبغى خلافها (قال الشافعي) وأحب الاقاويل إلى وأكثر قول أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية ولانها قد تغنى غناءها في كثير من المواطن واسم الخيل جامع لها وقد قيل يفضل العربي على الهجين وإذا حضر الرجل بفرسين أو أكثر لم يسهم إلا لفرس واحد ولو جاز أن يسهم لاثنين جاز أن يسهم لاكثر وهو لا يلفى أبدا إلا على واحد ولو تحول عنه كان تاركا له آخذا لمثله (قال الشافعي) وليس فيما قلت من ان لا يسهم إلا لفرس واحد ولا خلافه خبر يثبت مثله والله تعالى أعلم وفيه أحاديث منقطعة أشبها أن يكون ثابتا أخبرنا ابن عيينه عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد بن عباد بن عبد الله ابن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما في ذى القربى (قال الشافعي) يعنى والله تعالى أعلم بسهم ذى القربى سهم صفية أمه وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعا ولم يشك سفيان أنه من حديث هشام عن يحيى هو ولا غيره ممن حفظه عن هشام (قال الشافعي) وحديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم سهما له وأربعة أسهم لفرسه ولو كان كما حدث مكحول أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأخذ خمسة أسهم كان ولده أعرف بحديثه وأحرص على ما فيه زيادة من غيرهم إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولا يسهم لراكب دابة غير الفرس لا بغل ولا حمار ولا بعير ولا فيل ولا غيره وينبغى للامام ان يتعاهد الخيل فلا يدخل إلا شديدا ولا يدخل حطما ولا قحما ضعيفا ولا ضرعا ولا أعجف رازحا فإن غفل فشهد رجل على واحد من هذه فقد قيل لا يسهم له لانه ليس لواحد منها غناء الخيل التى أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نعلمه اسهم لاحد فيما مضى على مثل هذه الدواب (قال الشافعي) ولو قال رجل أسهم للفرس كما أسهم للرجل ولم يقاتل كانت شبهة ولكن في الحاضر غير المقاتل العون
بالرأى والدعاء وإن الجيش قد ينصرون بأضعفهم وأنه قد لا يقاتل ثم يقاتل وفيهم مرضى فأعطى سهمه سنة وليست في فرس ضرع ولا قحم ولا واحد مما وصفنا من هذه المعاني (قال الشافعي) وإنما أسهم للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئا من الحرب فارسا قبل أن تنقطع الحرب فأما إن كان فارسا إذا ](4/152)
[ دخل بلاد العدو وكان فارسا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة فلا يسهم له بسهم فارس قال وقال بعض الناس إذا دخل بلاد العدو فارسا ثم مات فرسه أسهم له سهم فارس وإن أفاد فرسا ببلاد العدو قبل القتال فحضر عليه لم يسهم له (قال الشافعي) فقيل له ولم أسهمت له إذا دخل أدنى بلاد العدو فارسا وإن لم يحضر القتال فارسا؟ قال لانه قد يثبت في الديوان فارسا قيل فقد يثبت هو في الديوان فإن مات فلا يسهم له إلا أن يموت بعدما تحرز الغنيمة قيل فقد أثبت هو وفرسه في الديوان فزعمت أن الموت قبل إحراز الغنيمة وإن حضر القتال يقطع حظه في الغنيمة وان موت فرسه قبل حضور القتال لا يقطع حظه قبل فعليه وقد أوفى أدنى بلاد العدو قيل فذلك كله يلزمك في نفسه ويلزمك في الفرس أرأيت الخراساني أو اليماني يقود الفرس للروم حتى إذا لم يكن بينه وبين أدنى بلاد العدو إلا ميل فمات فرسه أيسهم لفرسه؟ قال لا قيل فهذا قد تكلف من المؤنة أكثر مما يتكلف رجل من أهل الثغور ابتاع فرسا ثم غزا عليه فأمسى بأدنى بلاد العدو ثم مات فرسه فزعمت أنك تسهم له، ولو كنت بالمؤنة التى لزمته في الفرس تسهم له كان هذا أولى ان تحرمه من الذى تكلف أكثر مما تكلف فحرمته (قال الشافعي) ولو حاصر قوم مدينة فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة أو غزا قوم في البحر فكافوا لا يقاتلون إلا رجالة لا ينتفعون بالخيل في واحد من المعنيين أعطى الفارس سهم الفارس لم ينقص منه (قال الشافعي) ولو دخل رجل يريد الجهاد فلم يجاهد أسهم له ولو دخل أجير يريد الجهاد فقد قيل يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له ويطرح الاجارة أو الاجارة ولا يسهم له وقد قيل يرضخ له (قال الشافعي) ولو انفلت أسير في أيدى العدو قبل أن تحرز الغنيمة فقد قيل لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى أن يسهم له وقد قيل يسهم له ما لم تحرز الغنيمة ولو دخل قوم تجار فقاتلوا لم أر بأسا أن يسهم لهم وقد قيل لا يسهم لهم (قال الشافعي) فأما الذمي غير البالغ والمرأة يقاتلون فلا يسهم لهم ويرضخ لهم وكان
أحب إلى في الذمي لو استؤجر بشئ من غير الغنيمة أو المولود في بلاد الحرب يرضخ له ويرضخ لمن قاتل أكثر ما يرضخ لمن لم يقاتل وليس ذلك عندي حد معروف يعطون من الخرثى والشئ المتفرق مما يغنم ولو قال قائل يرضخ لهم من جميع المال كان مذهبا وأحب إلى أن يرضخ لهم من الاربعة الاسهم لانهم حضروا القتال والسنة بالرضخ لهم بحضورهم كما كانت بالاسهام لغيرهم بحضورهم (قال الشافعي) فإن جاء مدد للمسلمين بلاد الحرب قبل أن تنقطع الحرب فحضروا من الحرب شيئا قل أو كثر شركوا في الغنيمة وإن لم يأتوا حتى تنقطع الحرب ولا يكون عند الغنيمة مانع لها لم يشركوهم ولو جاءوا بعدما أحرزت الغنيمة ثم كان قتال بعدها فإن غنموا شيئا حضروه شركوا فيه ولا يشركون فيما أحرز قبل حضورهم ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين ولم تغنم الاخرى أو بعث سرية من عسكر أو خرجت هي فغنمت في بلاد العدو ولم يغنم العسكر أو عنم العسكر ولم تغنم السرية شرك كل واحد من الفريقين صاحبه لانه جيش واحد كلهم رد، لصاحبه قد مضت خيل المسلمين فغنمت بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العسكر: " حنين " فشركوهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركهم المقيمون وإن كان منهم قريبا لان السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم ولا يشركهم أهل المدينة ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وامر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدو فغنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإن اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد ويرفعون الخمس إلى الامام وليس واحد من القائدين بأحق بولاية الخمس إلى أن يوصله إلى الامام ](4/153)
[ من الآخر وهما فيه شريكان (قال الشافعي) ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل عدل شركوهم في الغنيمة ولاهل العدل بطاعة الامام أن يلوا الخمس دونهم حتى يوصلوه إلى الامام.
سن تفريق القسم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك اسمه " واعلموا أنما غنمتم من شئ " الآية (قال الشافعي) أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري ان محمد بن جبير بن مطعم أخبره عن أبيه قال لما قسم
النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذى القربى بين بنى بنى هاشم وبنى المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذى وضعك الله به منهم.
أرأيت إخواننا من بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد هكذا وشبك بين أصابعه " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أحسبه داود العطار عن ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه.
أخبرنا الثقة عن محمد بن إسحق عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه (قال الشافعي) فذكرت لمطرف بن مازن أن يونس وابن إسحق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب فقال مطرف حدثنا معمر كما وصفت ولعل ابن شهاب رواه عنهما معا.
أخبرنا عمى محمد بن على بن شافع عن على بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد " لعن الله من فرق بين بنى هاشم وبنى المطلب " (قال الشافعي) وأخبرنا عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب ولم يعط منه أحدا من بنى عبد شمس ولا بنى نوفل شيئا (قال الشافعي) فيعطى جميع سهم ذى القربى حيث كانوا لا يفضل منهم أحد حضر القتال على أحد لم يحضره إلا بسهمه في الغنيمة كسهم العامة ولا فقير على غنى ويعطى الرجل سهمين والمرأة سهما ويعطى الصغير منهم والكبير سواء، وذلك أنهم إنما أعطوا باسم القرابة وكلهم يلزمه اسم القرابة.
فإن قال قائل قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهمم مائه وسق وبعضهم أقل (قال الشافعي) فكل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا فيما وصفت من التسوية بينهم وبأنه إنما قيل أعطى فلانا كذا لانه كان ذا ولد فقيل أعطاه كذا.
وإنما أعطاه حظه وحظ عياله والدلالة على صحة ما حكيت مما قالوا عنهم ما وصفت من اسم القرابة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من حضر خيبر ومن لم يحضرها وأنه لم يسم أحدا من عيال من سمى أنه أعطى بعينه وأن حديث جبير بن مطعم فيه أنه قسم سهم ذى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب والقسم إذا لم يكن تفضيل يشبه قسم المواريث.
وفى حديث جبير بن مطعم الدلالة على أنه لهم خاصة.
وقد أعطى النبي صلى الله
عليه وسلم من سهمه غير واحد من قريش والانصار لا من سهم ذى القربى (قال الشافعي) وتفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله عزوجل على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الاسلام كلها يحصون ثم توزع بينهم لكل صنف منهم سهمه كاملا لا يعطى واحد من أهل السهمان سهم صاحبه (قال الشافعي) وقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم بأبى هو وأمى ماضيا وصلى الله عليه وملائكته ](4/154)
[ فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال يرد على السهمان التى ذكرها الله عزوجل معه لانى رأيت المسلمين قالوا فيمن سمى له سهم من أهل الصدقات فلم يوجد يرد على من سمى معه.
وهذا مذهب يحسن.
وإن كان قسم الصدقات مخالفا قسم الفئ، ومنهم من قال يضعه الامام حيث رأى على الاجتهاد للاسلام وأهله، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح (قال الشافعي) والذى أختار أن يضعه الامام في كل أمر حصن به الاسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع أو سلاح أو إعطاء أهل البلاد في الاسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزير الاسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام خيبر نفرأ من أصحابه من المهاجرين والانصار أهل الحاجة وفضل وأكثرهم أهل فاقة نرى ذلك كله والله تعالى أهلم من سهمه.
وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وزاد سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذى القربى: فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عزوجل له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت، فقال ليس لذى القربى منه شئ (قال الشافعي) وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها وأسأل الله التوفيق.
فقال بعضهم ما حجتكم فيه؟ قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عزوجل وسنة نبيه.
وذكرت له القرآن والسنة فيه قال: فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحق قال سألت أبا جعفر محمد بن على ما صنع على رحمه الله في الخمس؟ فقال سلك به طريق أبى بكر وعمر وكان يكره أن يؤخذ عليه خلافهما، وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما، فقلت له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل
بعض الناس على بعض وقسم على فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس؟ قال نعم: قلت افتعلمه خالفهما معا؟ قال نعم: قلت أو تعلم عمر قال لا تباع أمهات الاولاد وخالفه على؟ قال نعم: قلت وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد؟ قال نعم: قلت فكيف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا وفي غيره؟ قال فما قوله سلك به طريق أبى بكر وعمر، قلت هذا كلام جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه على؟ فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر (قال الشافعي) وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا و عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضى الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه (قال الشافعي) فاخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد فقال صدق: هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده؟ قلت: لا قال ما أحسبه إلا عن جده: قال فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحق؟ قال بل جعفر، فقلت له هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله (قال الشافعي) محمد بن على مرسل عن أبى بكر وعمر وعلى لا أدرى كيف كان هذا الحديث، قلت: وكيف احتججت به إن كان حجة فهو عليك وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن: قال فهل في حديث جعفر اعطاهموه؟ قلت ايجوز على على أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم؟ قال: نعم إن طابت أنفسهم قلنا: وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له أخذه، قال فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبى بكر وعمر شيئا أفعلمته؟ قلت: نعم ورووا ذلك عن أبى ](4/155)
[ بكر وعمر مثل قولنا، قال وما ذاك؟ قلت أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال لقيت عليا عند أحجار الزيت، فقلت له بأبى وأمى ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس؟ فقال على أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان فقد أوفاناه: واما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاء مال السوس
والاهواز، أو قال فارس " قال الربيع أنا أشك ظظ " فقال في حديث مطر أو حديث الآخر، فقال في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه: فقال العباس لعلى لا نطمعه في حقنا: فقلت يا أبا الفضل ألسنا أحق من اجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفى عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه، وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر قال: لكم حق ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله، فقال فإن الحكم يحكى عن أبى بكر وعمر أنهما أعطيا ذوى القربى حقهم ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول مره أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه منهم للمسلمين وهذا تمام على اعطاءهم القليل والكثير منه وتقول مرة أعطاهموه حتى كثر ثم عرض عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله وهذا أعطاهم بعضه دون بعض، وقد روى الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال: فكيف يقسم سهم ذى القربى وليست الرواية فيه عن أبى بكر وعمر متواطئة؟ وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم ولا يثبت عنهما من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا؟ فقلت له قولك هذا قول من لا علم له، قال وكيف؟ قلت هذا الحديث يثبت عن أبى بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال، ثم اختلف عنه في الكثرة وقلت أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشئ منصوصا في كتاب الله عزوجل مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده ويعلم أن فرض الله عزوجل على أهل العلم اتباعه؟ قال بلى: قلت: قلت أفتجد سهم ذى القربى مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله ثابت بما يكون من أخبار الناس من وجهين، أحدهما ثقة المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم الزهري من أخواله وابن المسيب من أخوال أبيه وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في حدم النسب قرابة بنى المطلب الذين أعطوه.
قال نعم: قلت فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة
لم يعارضها عن النبي صلى الله عليه وسلم معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول: ظاهر الكتاب يخالفهما وهو لا يخالفهما ثم نجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذى القربى من الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا وقول من قال قولك؟ (قال الشافعي) له أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد ابطلت سهم ذى القربى من الخمس، فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال ليس ذلك له قلنا فإن قال فأثبت لى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهموه أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه أو أحدهما.
قال ما فيه خبر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمن بعده.
غير أن الذى يجب علينا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من أعطى الله إياه، وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن ](4/156)
[ شاء الله تعالى: قلنا أفرأيت لو قال فأراك تقول نعطى اليتامى والمساكين وابن السبيل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذى القربى فإن جاز لك أن يكون الله عزوجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة فأنا أجعله كله لذوى القربى لانهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون معرفتهم ولان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ذوى القربى ولا أجد خبرا مثل الخبر الذى يحكى أنه عليه الصلاة والسلام أعطى ذوى القرى سهمهم (1) واليتامى والمساكين وابن السبيل ولا أجد ذلك عن أبى بكر ولا عمر فقال ليس ذلك له: قلنا ولم؟ قال لان الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن يعطاها واحد، قلت فكيف جاز لك.
وقد قسم الله عزوجل لخمسة أن أعطيته ثلاثة وذوو القربى موجودون؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لمكانهم منه فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم قلت له أيجوز لاحد نظر في العلم أن يحتج بمثل هذا؟ قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل وإن لم يكن ذلك في الخبر ولا شئ يدل عليه؟ قلت: فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي صلى الله عليه وسلم شئ لانه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والانصار الذين جاهدوا في سبيل الله مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الابناء والعشائر وقعطوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا
لايتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فإذا مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الناس مسلمين ورأينا ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى أخذوا وصار الامر واحدا فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شئ إذا استوى في الاسلام، قال ليس ذلك له قلت ولم؟ قال لان الله عزوجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم القيامة قلت له فقد قسم الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لذوى القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى يوم القيامة؟ قال فما منعك أن أعطيت ذوى القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذى الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له ولا يعطى الغنى شيئا: قلت له منعنى أنى وجدت كتاب الله عزوجل ذكره في قسم الفئ وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة عن كتاب الله عزوجل على غير هذا المعنى الذى دعوت إليه، وأنت أيضا تخالف ما دعوت إليه.
فتقول لا شئ لذوى القربى، قال إنى أفعل فهلم الدلالة على ما قلت قلت قول الله عزوجل " وللرسول ولذي القربى " فهل تراه أعطاهم بغير اسم القرابة؟ قال لا وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة: قلت فإن وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من ذوى القربى غنيا لا دين عليه ولا حاجة به بل يعول عامة أهل بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله، وما من الله عزوجل به عليه من سعة خلقه، قال إذا يبطل المعنى الذى ذهبت إليه، قلت فقد أعطى أبا الفضل العباس ابن عبد المطلب وهو كما وصفت في كثرة المال يعول عامة بنى المطلب ويتفضل على غيرهم، قال فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا أعطيه الغنى، وقلت له أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال قال الله عزوجل في الغنيمة " واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه " الآية، فاستدللنا أن الاربعة الاخماس لغير أهل الخمس فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها من حضر القتال وقد يحتمل أن يكون اعطاهموها على احد معنين أو عليهما فيكون اعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه أو قال قد يجوز إذا كان بالغلبة ] (1) لعله " في اليتامى والمساكين الخ " تأمل(4/157)
[ أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء أو أعطاه من جمع الحاجة
والغناء ما تقول له؟ قال أقول ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما قلت: أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة؟ قال إذ حكى أنه أعطى الفارس والراجل فهو عام حتى تأتى دلالة بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خاص وهو على الغنى والفقير والعاجز والشجاع لانا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضور، فقلت له فالدلالة على أن ذوى القربى أعطوا سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال قائل ما غنم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم؟ ليس بالكثير فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس ذلك له قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير فإذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت أو كثرت أو قلوا أو كثروا أو استغنوا أو افتقروا: قلت فلم لا تقول هذا في سهم ذى القربى؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من التكثير الذى غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك ولم يغنموا شيئا؟ قال لا قلت ولم وكل يقاتل لتكون كملة الله هي العليا؟ قال لا يغير شئ عن موضعه الذى سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بمعنى ولا علة، قلت وكذلك قلت في الفرائض التى أنزلها الله عزوجل وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال وما ذلك؟ قلت أرأيت لو قال لك قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم من خالف هذا ممن كان يسئ إليه في حياته وإلى تركته بعد موته وهو غنى عن ميراثه قال ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عزوجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفئ والمواريث والوصايا على الاسماء دون الحاجة؟ قال نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفئ الغنى والفقير قال نعم قد أخذ عثمان وعبد الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوى القربى وفيه الكتاب والسنة وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا أدخلت فيه ما لا يجوز أن
يدخل في مثله اضعف منه؟ قال فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبى بكر وعمر قلت له أو ما يكتفى بالكتاب والسنة، قال بلى قلت فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبى بكر ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتم؟ قال لا قلت أو رأيت إذا لم يثبت عن ابى بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فكيف قلت فيه وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا قال الامام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبى بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس وهو يقول السلب من الغنيمة وفى السلب الخمس لقول الله عزوجل " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه " الآية، قال إذا ثبت الشئ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده ولا من خالفه من بعده قلت وإن كان معهم التأويل؟ قال وإن، لان الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له قد ثبت حكم الله عزوجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوى القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت وقد قال الله تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقى بالسماء العشر " ](4/158)
[ لم يخص مال دون مال في كتاب الله عزوجل ولا في هذا الحديث وقال إبراهيم النخعي فيما أنبتت الارض فكيف قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة؟ قال فإن أبا سعيد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبى سعيد؟ قال لا قلت أفالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لذى القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبى سعيد عن أبى سعيد هذا الحديث؟ قال بل من روى منهم ذى القربى قلت وقد قرأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عهود عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران وعهدا ثالثا ولابي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وقد عهدوا في العهود التى قرات على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة وغيرها ولا وجدنا أحدا قط يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم يحديث ثابت " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " غير أبي سعيد ولا وجدنا أحدا قط يروى ذلك عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على
فهل وجدته؟ قال لا قلت أفهذا لانهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان وفى السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذى القربى الذى هو لنفر بعدد وفى وقت واحد من السنة؟ قال كلاهما مما كان ينبغى أن يكون مشهورا قلت أفتطرح حديث أبى سعيد " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " لانه ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن لان المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على؟ قال لا ولكني أكتفى بالسنة من هذا كله فقلت له قال الله عزوجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " الآية وقد قال ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع ووافقه الزهري فيما يقول قال كل ذى ناب من السباع حرام والنبى صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عزوجل وذكره من خالف شيئا مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في قوله حجة ولو علم الذى قال قولا يخالف ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله رجع إليه وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن ابى عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك فقلت لا يعطون قال نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة وفى التى تنكح في عدتها وفى أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفى أن قضى في القسامة بشطر الدية وفى أن جلد في التعريض الحد وجلد في ريح الشراب الحد وفي أن جلد وليدة حاطب وهى ثيب حد الزنا حد البكر وفى شئ كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما تخالفه ولا مخالف له منهم قال نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شئ أعطوه وليس لابي بكر وعمر في
هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن على رضوان الله تعالى عليه (قال الشافعي) رحمه الله ](4/159)
[ ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال في التى نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقاله على ومنها أن عمر قضى في الذى لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما ومنها أن عمر رأى أن الايمان في القسامة على قوم ثم حولها على آخرين فقال إنما ألزمنا الله عزوجل قول رسوله صلى الله عليه وسلم وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت فقد خالفت كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في سهم ذى القربى ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالفه قال فقد روى عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما وهو يزاد به الخاص قال ومثل ماذا؟ قلت مثل قول الله عزوجل " الذين قال لهم الناس " الآية فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال هذا كله هكذا؟ قلت فإذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شئ قال أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعنى غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال فكيف لم يعطهم عمر بن عبد العزيز سهم ذى القربى؟ قلت فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذى القربى؟ قال أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال لا قلت ولو قال عمر بن عبد العزيز في سهم ذى القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهموه قال نعم قلت وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره؟ قال نعم وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه وهو عندك هكذا؟ قال: فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذى القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالفرض من الله عزوجل على خلقه اتباعه والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشئ يخالفه عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ ثم إذا كان معه كتاب الله عزوجل فذلك ألزم له واولى ان لا يحتج احد معه وسهم ذى القربى ثابت في الكتاب والسنة.
الخمس فيما لم يوجف عليه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وما أخذ الولاة من المشركين من حزيتهم والصلح عن أرضهم وما أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ومن أموالهم إن صالحوا بغير إيجاف خيل ولا ركاب ومن أموالهم إن مات منهم ميت لا وارث له وما أشبه هذا مما أخذه الولاة من مال المشركين فالخمس في جميعه ثابت فيه وهو على ما قسمه الله عزوجل لمن قسمه له من أهل ](4/160)
[ الخمس الموجف عليه من الغنيمة وهذا هو المسمى في كتاب الله عزوجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال لى قائل قد احتججت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سهم ذى القربى عام خيبر ذوى القربى وخيبر مما أوجف عليه فكيف زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه؟ فقلت له وجدت المالين أخذا من المشركين وخولهما بعض أهل دين الله عزوجل وجدت الله تبارك وتعالى اسمه حكم في خمس الغنيمة بأنه على خمسة لان قول الله تبارك وتعالى " لله " مفتاح كلام كل شئ وله الامر من قبل ومن بعد فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوى القربى حقهم فلا يشك أنه قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل حقهم وأنه قد انتهى إلى كل ما أمره الله عزوجل به فلما وجدت الله عزوجل قد قال في سورة الحشر " وما أفاء الله على رسوله منهم " الآية فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمضى
لكن جعل الله له شيئا مما جعل الله له وإن لم نثبت فيه خبرا عنه كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذى القربى من الموجف عليه كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه مما جعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل بأن الله عزوجل قد أدى إليه رسوله كما أوجب عليه أداءه والقيام به فقال لى قائل فإن الله تبارك وتعالى جعل الخمس فيما أوجف عليه على خمسة وجعل الكل فيما لا يوجف عليه على خمسة فكيف زعمت أنه إنما للخمسة الخمس لا الكل؟ فقلت له ما أبعد ما بينك وبين من يكلمنا في إبطال سهم ذى القربى! أنت تريد أن تثبت لذى القربى خمس الجميع مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وغيرك يريد أن يبطل عنهم خمس الخمس قال إنما قصدت في هذا قصد الحق فكيف لم تقل بما قلت به وأنت شريكي في تلاوة كتاب الله عزوجل ولك فيما زاد لذى القربى؟ فقلت له إن حظى فيه لا يدعوني أن أذهب فيه إلى ما يعلم الله عزوجل أنى أرى الحق في غيره قال فما دلك على أنه إنما هو لمن له خمس الغنيمة الموجف عليها (1) خمس الفئ الذى لم يوجف عليه دون الكل قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر قال كانت بنو النضير مما أفاء الله عزوجل على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فقال لست أنظر إلى الاحاديث والقرآن أولى بنا ولو نظرت إلى الحديث كان هذا الحديث يدل على أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فقلت له هذا كلام عربي إنما يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يكون للمسلمين الموجفين وذلك أربعة أخماس قال فاستدللت بخبر عمر على أن الكل ليس لاهل الخمس مما أوجف عليه قلت نعم قال فالخبر أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فما دل على الخمس لاهل الخمس معه؟ قلت لما احتمل قول عمر أن يكون الكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون الاربعة الاخماس التى كانت تكون للمسلمين فيما أوجف عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون الخمس فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم فيها مقام المسلمين استدللنا بقول الله عزوجل في الحشر " فلله وللرسول ولذي القربى " الآية على أن لهم الخمس وأن الخمس إذا كان لهم ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم سلمه لهم فاستدللنا إذ كان حكم الله عزوجل في الانفال " وأعلموا أنما غنمتم من شئ فإن الله ]
__________
(1) المعنى 8 ما ذلك على أن خمس الفئ الذى لم يوجف عليه دون كله لمن له خمس الغنيمة الموجف ليها.
تأمل.(4/161)
[ خمسه " الآية فاتفق الحكمان في سورة الحشرو وسورة الانفال لقوم موصوفين وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره فقال فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل؟ قلت نعم فلهم الكل وندع الخبر قال لا يجوز عندنا ترك الخبر والخبر يدل على معنى الخاص والعام فقال لى قائل غيره فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بوجه من الوجوه فذكرت له الآية في الحشر قال فأولئك أوجف عليهم بلا خيل ولا ركاب فأعطوه بشئ ألقاه الله عزوجل في قلوبهم (1) قلت أرأيت الجزية التى أعطاها من أوجف عليه بلا خيل ولا ركاب لما كان أصل إعطائها منهم للخوف من الغلبة وقد سير إليهم بالخيل والركاب فأعطوا فيها أهى أقرب من الايجاف أم من أعطى بأمر لم يسير إليه بالخيل والركاب؟ قال نعم قلت فإذا كان حكم الله فيما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب حتى يكون مأخوذا مثل صلح لا مثل ما أوجف عليه بغير صلح أن يكون لمن سمى كيف لم تكن الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بهذه الحال؟ قال فهل من دلالة غير هذا؟ قلت في هذا كفاية وفى أن أصل ما قسم الله من المال ثلاثة وجوه الصدقات وهى ما أخذ من مسلم فتلك لاهل الصدقات لا لاهل الفئ وما غنم بالخيل والركاب فتلك على ما قسم الله عزوجل والفئ الذى لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهل تعلم رابعا؟ قال لا قلت فبهذا قلنا الخمس ثابت لاهله في كل ما أخذ من مشرك لانه لا يعدو ما أخذ منه أبدا أن يكون غنيمة أو فيئا والفئ ما رده الله تعالى على أهل دينه.
كيف يفرق ما أخذ من الاربعة الاخماس الفئ غير الموجف عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وينبغى للامام أن يحصى جميع ما في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم أو قد استكمل خمس عشرة من الرجال ويحصى الذرية وهم من دون المحتلم ودون خمس عشرة سنة والنساء صغيرهن وكبيرهن ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطى المقاتلة في كل عام عطاءهم والذرية ما يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم طعاما أو قيمته دراهم أو دنانير ويعطى المنفوس شيئا ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته وهذا يستوى في أنهم
يعطون الكفاية ويختلف في مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان وحالات الناس فيها فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض ولم أعطم أصحابنا اختلفوا في أن العطاء للمقاتلة حيث كانت إنما يكون من الفئ وقالوا في إعطاء الرجل نفسه لا بأس أن يعطى لنفسه أكثر من كفايته وذلك أن عمر بلغ بالعطاء خمسة آلاف وهى أكثر من كفاية الرجل نفسه ومنهم من قال خمسة آلاف بالمدينة لرجل يغزى إذا غزا ليست بأكثر من الكفاية إذا غزا عليها لبعد المغزى وقال هي كالكفاية على أنه يغزى وإن لم يغز في كل سنة وقالوا ويفرض لمن هو أقرب للجهاد أو أرخص سعر بلد أقل ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء ولا للاغراب الذين هم اهل الصدقة واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال أساوى بين الناس ولا أفضل على نسب ولا سابقة وإن أبا بكر حين قال له عمر أتجعل الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخل في الاسلام كرها؟ فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله عزوجل وإنما الدنيا بلاغ وخير البلاغ أو سعه وسوى ]
__________
(1) وقوله: أرأيت الخ تأمل هذه العبارة فإن النسخة - كنا - غير موثوق به اه.
كتبه مصححه.(4/162)
[ علي بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه بين الناس فلم يفضل أحدا علمناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا الدى أختار وأسأل الله التوفيق وذلك أنى رأيت قسم الله تبارك وتعالى اسمه في المواريث على العدد وقد تكون الاخوة متفاضلى الغناء على الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون وقسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن حضر الوقعة من الاربعة الاخماس على العدد ومنهم من يغنى غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضرر بالجبن والهزيمة فلما وجدت السنة تدل على أنه إنما أعطاهم بالحضور وسوى بين الفرسان أهل الغناء وغيرهم والرجالة وهم يتفاضلون كما وصفت كانت التسوية أولى عندي والله تعالى أعلم من التفضيل على نسب وسابقة ولو وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة من الهواء في التفضيل أسرع ولكني أقول يعطون على ما وصفت وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا وإن تفاضل عدد العطية من التسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وعليهم إن يغزوا إذا أغزوا ويرى
الامام في إغزائهم رأيه فإذا أغزى البعيد أزغاه إلى أقرب المواضع من مجاهده فإن استغنى مجاهده بعدد وكثر من قربهم أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ولهذا كتاب غير هذا.
إعطاه النساء والذرية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في إعطاء من دون البالغين من الذرية وإعطاء نساء أهل الفئ فمنهم من قال يعطون من الفئ وأحسب من حجتهم أن يقولوا أنا إذا معناهم الفئ ومؤنتهم تلزم رجالهم كنا لم نعطهم ما يكفيهم وإن أعطينا رجالهم الكفاية لانفسهم فعليهم مؤنة عيالهم وليس في إعطائهم لانفسهم كفاية ما يلزمهم فدخل علينا أن لم نعطهم مال الكفاية من الفئ ومنهم من قال إذا كان أصل المال غنيمة وفيئا وصدقة فالفئ لمن قاتل عليه أو من سوى معهم في الخمس والصدقة لمن لا يقاتل من ذرية ونساء وليسوا بأولى بذلك من ذرية الاغراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفئ إذ لا يقاتلون عليه * أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال ما أحد إلا وله في هذا المال حق اعطيه أو منعه إلا ما ملكت أيمانكم * أخبرنا إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس عن عمر نحوه وقال لئن عشت ليأتين الراعى بسر وحمير حقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن يقول ليس أحد يعطى بمعنى حاجة من أهل الصدقة أو بمعنى أنه من أهل الفئ الذين يغزون لا وله حق في مال الفئ أو الصدقة وهذا كأنه أولى معانيه فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة " لا حظ فيها لغنى ولا لذى مرة مكتسب " وقال لرجلين سألاه " إن شئتما إن قلتما نحن محتاجون أعطيتكما إذا كنت لا أعرف عيالكما ولا حظ فيها لغنى " والذى أحفظه عن أهل العلم أن الاعراب لا يعطون من الفئ ولو قلنا معنى قوله " إلا وله في هذا المال " يعنى الفئ حق كنا خالفنا ما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لمن أعطى من الصدقة ما يكفيه ولا لمن كان غنيا من أهل الصدقات الذين يؤخذ منهم في الفئ نصيب ولو قلنا يعنى عمر إلا له في هذا المال حق مال الصدقات كنا قد خالفنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا حظ فيها لغنى " وما لا نعلم الناس ](4/163)
[ اختلفوا فيه أنه ليس لاهل الفئ من الصدقة نصيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأهل الفئ كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن الفئ قال والعطاء الواجب من الفئ لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازنى قال نافع فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال هذا الفرق بين المقاتلة والذرية وكتب في أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية (قال الشافعي) رحمه الله وإن كان المستكمل خمس عشرة سنة أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطى بمعنى الكفاية في المقام والكفاية في المقام شبيه بعطاء الذرية لان الكفاية في القتال للسفر والمؤنة أكثر وكذلك لو كان سالما في المقاتلة ثم عمى أو أصابه ما يعلم أنه لا يجاهد معه أبدا صير إلى أن يعطى الكفاية في المقام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن مرض مرضا طويلا قد يرجى برؤه منه أعطاه عطاء المقاتلة ويخرج العطاء في كل عام للمقاتلة في وقت من الاوقات وأحب إلى لو أعطيت الذرية على ذلك الوقت وإذا صار مال الفئ إلى الوالى ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطى ورثته عطاءه وإن مات قبل أن يصير المال الذى فيه عطاؤه لذلك العام إلى الوالى لم تعط ورثته عطاءه وإن فضل من المال فضل بعدما وصفت من إعطاء العطاء وضعه الامام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع وكل ما قوى به المسلمين فإن استغنى به المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما بقى منه بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال وإن ضاق الفئ عن مبلغ العطاء فرق بينهم بالغا ما بلغ لم يحبس عنهم منه شيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويعطى من الفئ رزق الحكام وولاة الاحداث والصلات بأهل الفئ وكل من قام بأمر أهل الفئ من وال وكاتب وجندي ممن لا غنى لاهل الفئ عنه رزق مثله فإن وجد من يغنى غناءه ويكون أمينا كهو يلى له بأقل مما ولى لم يزد أحدا على أقل ما يحدثه أهل الغناء وذلك أن منزلة الوالى من رعيته بمنزلة والى مال اليتيم من ماله لا يعطى منه على الغناء على اليتيم إلا أقل ما يقدر عليه قال وإن ولى أحد على أهل الصدقات كان رزقه مما يؤخذ منها
لان له فيها حقا ولا يعطى من الفئ عليها كما لا يعطى من الصدقات على الفئ ولا يرزق من الفئ على ولاية شئ إلا ما لا صلاح فلا يدخل الاكثر فيمن يرزقه على الفئ وهو يغنيه الاقل وإن ضاق الفئ عن أهله آسى بينهم فيه.
الخلاف (قال الشافعي) فاختلف أصحابنا وغيرهم في قسم الفئ فذهبوا به مذاهب لا أحفظ عنهم تفسيرها ولا أحفظ أيهم قال ما أحكى من القول دون ما خالفه وسأحكى ما حضرني من معاني كل من قال في الفئ شيئا فمنهم من قال هذا المال لله دل على من يعطاه فإذا اجتهد الوالى فأعطاه ففرقه في جميع من سمى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه وإن فضل بعضهم على بعض في ](4/164)
[ العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطى كل واحد منهم لسد خلته ولا يجوز أن يعطيه صنفا منهم ويحرم صنفا ومنهم من قال إذا اجتمع المال ونظر في مصلحة المسلمين فرأى أن يصرف المال إلى بعض الاصناف دون بعض فكان الصنف الذى يصرفه إليه لا يستغنى عن شئ مما يصرف إليه كان أرفق بجماعة المسلمين صرفه وإن حرم غيره ويشبه قول الذى يقول هذا إن طلب المال صنفان فكان إذا حرمه أحد الصنفين تماسك ولم يدخل عليه خلة مضرة وإن آسى بينه وبين الصنف الآخر كانت على الصنف الآخر مضرة أعطاه الذى فيهم الخلة المضرة كله إذا لم يسد خلتهم غيره وإن منعه المتماسكين كله ثم قال بعض من قاله إذا صرف مال الفئ إلى ناحية فسدها وحرم الاخرى ثم جاء مال آخر أعطاها دون الناحية التى سدها فكأنه ذهب إلى أنه إنما جعل أهل الخلة وأخر غيرهم حتى أفاهم بعد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أعلم أحدا منهم قال يعطى من يعطى من الصدقات ولا يجاهد من الفئ شيئا وقال بعض من أحفظ عنه فإن أصابت أهل الصدقات سنة تهلك أموالهم أنفق عليهم من الفئ فإذا استغنوا منعوا من الفئ ومنهم من قال في مال الصدقات هذا القول يزيد بعض أهل الصدقات على بعض والذى أقول به وأحفظه عمن أرضى ممن سمعت منه ممن لقيت أن لا يؤخر المال إذا اجتمع ولكن يقسم فإذا كانت نازلة من عدو وجب على المسلمين القيام بها وإن غشيهم عدو في دارهم وجب
النفير على جميع من غشيه من الرجال أهل الفئ وغيرهم أخبرنا من أهل العلم انه لما قدم على عمر بن الخطاب رضى الله عنه بما أصيب بالعراق قال له صاحب بيت المال الا أدخله بيت المال؟ قال لا ورب الكعبة لا يؤدى تحت سقف بيت حتى أقسمه فامر به فوضع في المسجد ووضعت عليه الانطاع وحرسه رجال المهاجرين والانصار فلما اصبح غدا مع العباس ابن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف اخذ بيد احدهما أو أحدهما أخذ بيده فلما رأوه كشطوا الانطاع عن الاموال فرأى منظرا لم ير مثله رأى الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلالا فبكى عمر بن الخطاب فقال له أحدهما والله ما هو بيوم بكاء ولكنه يوم شكر وسرور فقال إنى والله ما ذهبت حيث ذهبت ولكنه والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال " اللهم إنى أعوذ بك أن أكون مستدرجا " فإنى أسمعك تقول " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " الآية ثم قال أين سراقة بن جعشم؟ فأتى به أشعر الذراعين دقيقهما فأعطاه سوارى كسرى فقال ألبسهما ففعل فقال الله أكبر ثم قال الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بنى مدلج وجعل يقلب بعض ذلك بعضا ثم قال إن الذى أدى هذا لامين فقال له رجل أنا أخبرك أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله عزوجل فإذا رتعت رتعوا قال صدقت ثم فرقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنما ألبسهما سراقة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه " كأنى بك وقد لبست سوارى كسرى " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولم يجعل له إلا سوارين * أخبرنا الثقة من أهل المدينة قال انفق عمر على أهل الرمادة حتى وقع مطر فترحلوا فخرج إليهم عمر راكبا فرسا ينظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم فدمعت عيناه فقال له رجل من بنى محارب بن خصفة أشهد أنها انحسرت عنك ولست بابن أمة فقال له ويلك ذاك لو كنت أنفقت عليهم من مالى ومال الخطاب إنما أنفقت عليهم من مال الله عزوجل.
](4/165)
[ ما لم يوجف عليه من الارضين بخيل ولا ركاب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكل ما صالح عليه المشركون بغير قتال بخيل ولا ركاب فسبيله سبيل الفئ يقسم على قسم الفئ فإن كانوا ما صالحوا عليه أرض ودور فالدور والارضون وقف
للمسلمين تستغل ويقسم الامام غلها في.
كل عام ثم كذلك أبدا وأحسب ما ترك عمر من بلاد أهل الشرك هكذا أو شيئا استطاب أنفس من ظهروا عليه بخيل وركاب فتركوه كما استطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفس أهل سبى هوازن فتركوا حقوقهم وحديث جرير بن عبد الله عن عمر أنه عوضه من حقه وعوض امرأة من حقها بميراثها من أبيها كالدليل على ما قلت ويشبه قول جرير بن عبد الله عن عمر لولا أنى قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم أن يكون قسم لهم بلاد صلح مع بلاد إيجاف فرد قسم الصلح وعوض من بلاد الايجاف بخيل وركاب.
باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " الآية وروى عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين شعارا وللاوس شعارا وللخزرج شعارا وعقد النبي صلى الله عليه وسلم الالوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلة قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لاهله وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالى كذلك لان في تفريقهم إذا أريد والامر مؤنة عليهم وعلى واليهم وهكذا أحب للوالى أن يضع ديوانه على القبائل ويستظهر على من غاب عنه ومن جهل ممن يحضره من اهل الفضل من قبائلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه أجمع على تدوين الديوان فاستشار فقال بمن ترون أبدأ؟ فقال له رجل أبدأ بالاقرب فالاقرب بك قال ذكرتموني بل أبدأ بالاقرب فالاقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببنى هاشم * أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى جعفر محمد بن على أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ؟ قيل له أبدأ بالاقرب فالاقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم * أخبرنا غير واحد من اهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وغيرهم وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث أن عمر لما دون الديوان قال ابدأ ببنى هاشم ثم قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبنى المطلب فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على
المطلبى وإذا كانت في المطلبى قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة ثم استوت له بنو عبد شمس ونوفل في جذم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لابيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا بنى نوفل يتلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بنى أسد ابن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم وهم من حلف الفضول وفيهم كان النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل ذكر سابقة فقدمهم على بنى عبد الدار ثم دعا بنى عبد الدار يتلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلو عبد الدار ثم استوت له بنو تيم ومخزوم فقال ](4/166)
[ في بنى تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ذكر سابقة وقيل ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوم يتلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدى بن كعب فقيل له ابدأ بعدى فقال بل أقر نفسي حيث كنت فإن الاسلام دخل وأمرنا وأمر بنى سهم واحد ولكن انظروا بنى سهم وجمح فقيل قدم بنى جمح ثم دعا بنى سهم فقال وكان ديوان عدى وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال الحمد لله الذى أوصل إلى حظى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا بنى عامر ابن لؤى فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن الجراح الفهرى لما رأى من تقدم عليه قال أكل هؤلاء تدعو أمامى؟ فقال يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدى فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال فقدم معاوية بعد بنى الحرث ابن فهر ففصل بهم بين بنى عبد مناف وأسد بن عبد العزى وشجر بين بنى سهم وعدى شئ في زمان المهدى فافترقوا فأمر المهدى ببنى عدى فقدموا على سهم وجمح للسابقة فيهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا فرغ من قريش قدمت الانصار على قبائل العرب كلها لمكانهم من الاسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد عليه الصلاة والسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن فرض له الوالى من قبائل العرب رأيت أن يقدم الاقرب فالاقرب منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب فإذا استووا قدم اهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هم مثلهم في
القرابة.
كتاب الجزية * أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى خلق الله تعالى الخلق لعبادته ثم ابان جل وعلا أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال تبارك اسمه " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " فجعل النبيين صلى الله عليهم وسلم من أصفيائه دون عباده بالامانة على وحيه والقيام بحجته فيهم ثم ذكر من خاصته صفوته فقال عزوجل " إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " فخص آدم ونوحا بإعادة ذكر اصطفأئهما وذكر إبراهيم فقال جل ثناؤه " واتخذ الله إبراهيم خليلا " وذكر إسمعيل بن إبراهيم فقال عز ذكره " واذكر في الكتاب إسمعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا " ثم أنعم الله عزوجل على آل إبراهيم وعمران في الامم فقال تبارك وتعالى " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ثم اصطفى الله عزوجل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم بصفة فضيلته وفضيلة من اتبعه به فقال عزوجل " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا " الآية وقال لامته " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ففضيلتهم بكينونتهم من أمته دون أمم الانبياء ثم أخبر عزوجل أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " وقال " هو الذى بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ](4/167)
[ ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه لانهم كانوا أهل كتاب أو أميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبوته فقال عزوجل " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " وقضى أن أظهر دينه على الاديان فقال عزوجل " هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين
في غير هذا الموضع مبتدأ التنزيل والفرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على الناس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عزوجل على رسوله صلى الله عليه وسلم " اقرأ باسم ربك الذى خلق " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه ثم اتبع كل واحد منها فرضا بعد فرض في حين غير حين الفرض قبله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عليه " اقرأ باسم ربك الذى خلق " ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فمرت لذلك مدة.
ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله عزوجل بأن يعلمهم نزول الوحى عليه ويدعوهم إلى الايمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول فنزل عليه " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فقال يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حين تبلغ ما أنزل إليك ما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين " (قال الشافعي) وأعلمه من علمه منهم أنه لا يؤمن به فقال " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا " قرأ الربيع إلى " بشرا رسولا " (قال الشافعي) وأنزل الله عزوجل فيما يثبته به إذا ضاق من اذاهم " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك " إلى آخر السورة.
ففرض عليه إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه " قل يا ايها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون " وقوله " فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم " قرأ الربيع الآية: وقوله " ما على الرسول إلا البلاغ " مع أشياء ذكرت في القرآن في غير موضع في مثل هذا المعنى وأمرهم الله عزوجل بأن لا يسبوا اندادهم فقال عزوجل " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " الآية مع ما يشبهها (قال الشافعي) ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الحال التى فرض فيها عزلة المشركين فقال " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم (1) " مما فرض عليه فقال " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ
بها " قرأ الربيع إلى " إنكم إذا مثلهم ".
الاذن بالهجرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى، وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يؤذن لهم فيه بالهجرة ]
__________
(1) هكذا في الاصل وحرر.
كتبه مصححه.(4/168)
[ منها ثم أذن الله عزوجل لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فيقال نزلت " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد جعل الله تبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجا وقال " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة " الآية وامرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة ثم دخل أهل المدينة في الاسلام فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقى ترك الهجرة إليهم وذكر الله جل ذكره للفقراء المهاجرين وقال " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة " قرأ الربيع إلى " في سبيل الله " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ثم أذن الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ولم يحرم في هذا على من بقى بمكة المقام بها وهى دار شرك وإن قلوا بأن يفتنوا ولم يأذن لهم بجهاد.
ثم أذن الله عزوجل لهم بالجهاد، ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك وهذا موضوع في غير هذا الموضع.
مبتدأ الاذن بالقتال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأذن لهم بأحد الجهادين بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال: قال الله تعالى " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق " الآية، وأباح لهم القتال بمعنى أبانه في كتابه فقال عزوجل " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم " قرأ الربيع إلى " كذلك جزاء الكافرين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يقال نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين وفرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز وجل.
ثم يقال نسخ هذا كله والنهى عن التقال حتى يقاتلوا والنهى عن القتال في الشهر الحرام بقول
الله عزوجل " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " الآية ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهى موضوعة في موضعها.
فرض الهجرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما فرض الله عزوجل الجهاد على رسوله صلى الله عليه وسلم وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة ورأوا كثرة من دخل في دين الله عزوجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم أو من فتنوا منهم فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله عزوجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ولا يمتنع " فقال في رجل منهم توفى تخلف عن الهجرة فلم يهاجر " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم " الآية وأبان الله عزوجل عذر المستضعفين فقال " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة " إلى " رحيما " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويقال " عسى " من الله واجبة (قال الشافعي) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذى يسلم بها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن ](4/169)
[ لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم " إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم ".
أصل فرض الجهاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " وقال عزوجل " إن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم " الآية وقال تبارك وتعالى " وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم " وقال عزوجل " وجاهدوا في الله حق جهاد " وقال " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أتخنتموهم فشدوا الوثاق " وقال عزوجل " مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم " إلى " قدير " وقال " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم " الآية ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يظهر الاسلام فقال " لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك " الآية فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد بعد إبانته ذلك في غير مكان في قوله " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب " قرأ الربيع إلى " أحسن ما كانوا يعملون " وسنبين من ذلك ما حضرنا على وجهه إن شاء الله تعالى قال الله عزوجل " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " قرأ الربيع الآية وقال " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " وقال " ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله " مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه.
من لا يجب عليه الجهاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ ولا حر لم يبلغ لقول الله عزوجل " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا " وقرأ الربيع الآية فكأن الله عزوجل حكم أن لا مال للمملوك ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال ولم يكن للمملوك مال.
وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " حرض المؤمنين على القتال " فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الاناث لان الاناث المؤمنات.
وقال عزوجل " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " وقال " كتب عليكم القتال " وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الاناث وقال عزوجل إذا امر بالاستئذان: " وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم " فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين.
وقال: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين، ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من
أهل العلم على مثل ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله أو عبيد الله عن نافع عن ابن عمر " شك الربيع " قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم " أحد " ](4/170)
[ وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه عام " الخندق " وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم القتال عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم ولم يسهم وأسهم لضعفاء أحرار بالغين شهدوا معه فدل دلك على أن السهمان إنما تكون فيمن شهد القتال من الرجال الاحرار، ودل ذلك على أن لا فرض في الجهاد على غيرهم وهذا موضوع في موضعه.
من له عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل في الجهاد: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله " الآية وقال " ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقيل الاعرج المقعد والاغلب انه الاعرج في الرجل الواحدة، وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا.
وهو أشبه ما قالوا وغير محتمل غيره وهم داخلون في حد الضعفاء وغير خارجين من فرض الحج ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحدود ولا يحتمل والله تعالى أعلم ان يكون اريد بهذه الآية إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الغزو غزوان غزو يبعد عن المغازي وهو ما بلغ مسيرة ليلتين قاصدتين حيث تقصر الصلاة وتقدم مواقيت الحج من مكة وغزو يقرب وهو ما كان دون ليلتين مم لا تقصر فيه الصلاة وما هو أقرب من المواقيت إلى مكة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الغزو البعيد لم يلزم القوى السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن تلزمه نفقته قوته إذن قدر ما يرى أنه يلبث وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى نزلت " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولو وأعينهم تفيض من الدمع حزنا " الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وجد هذا كله دخل في جملة من يلزمه
فرض الجهاد فإن تهيأ للغزو ولم يخرج أو خرج ولم يبلغ موضع الغزو أو بلغه ثم أصابه مرض أو صار ممن لا يجد في أي هذه المواضع كان فله أن يرجع وقد صار من أهل العذر، فإن ثبت كان أحب إلى ووسعه الثبوت وإذا كان ممن لم يكن لهم قوتهم لم يحل له أن يغزو على الابتداء ولا يثبت في الغزو إن غزا ولا يكون له أن يضيع فرضا ويتطوع لانه إذا لم يجد فهو متطوع بالغزو، ومن قلت له أن لا يغزو فله أن يرجع إذا غزا بالعذر وكان ذلك له ما لم يلتق الزحفان فإذا التقيا لم يكن له ذلك حتى يتفرقا.
العذر بغير العارض في البدن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كان سالم البدن قويه واجدا لما يكفيه ومن خلف يكون داخلا فيمن عليه فرض الجهاد لو لم يكن عليه دين ولم يكن له أبوان ولا واحد من أبوين يمنعه فلو كان عليه دين لم يكن له أن يغزو بحال إلا بإذن أهل الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم أو كافر وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن، فإن قال قائل كيف تقول لا تجب عليه طاعة أبويه ولا واحد منهما حتى يكون ](4/171)
[ المطاع مسلما في الجهاد ولم تقله في الدين؟ قيل الدين مال لزمه لمن هو له لا يختلف فيه من وجب له من مؤمن ولا كافر لانه يجب عليه اداؤه إلى الكافر كما يجب عليه إلى المؤمن وليس يطيع في التخلف عن الغزو صاحب الدين بحق يجب لصاحب الدين عليه إلا بماله فإذا برئ من ماله فأمر صاحب الدين ونهيه سواء ولا طاعة له عليه لانه لا حق له عليه بغير المال فلما كان الخروج بعرض إهلاك ماله لديه لم يخرج إلا بإذنه أو بعد الخروج من دينه وللوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال للشفقة على الولد والرقة عليه وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما وإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد وله الجهاد وإن خالفهما والاغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين، فإن قال قائل فهل من دليل على ما وصفت؟ قيل جاهد ابن
عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبى مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ب " أحد " ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له أو مخذلين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأى الابوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو وإن غزا رجل وأحد أبويه أو هما مشركان ثم أسلما أو أحدهما فأمره بالرجوع فعليه الرجوع عن وجهه ما لم يصر إلى موضع لا طاقة له بالرجوع منه إلا بخوف أن يتلف وذلك أن يصير إلى بلاد العدو فلو فارق المسلمين لم يأمن أن يأخذه العدو فإذا كان هذا هكذا لم يكن له أن يرجع للتعذر في الرجوع وكذلك إن لم يكن صار إلى بلاد مخوفة إن فارق الجماعة فيها خاف التلف وهكذا إذا غزا ولا دين عليه ثم ادان فسأله صاحب الدين الرجوع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن سأله أبواه أو أحدهما الرجوع وليس عليه خوف في الطريق ولا له عذر فعليه أن يرجع للعذر وإذا قلت ليس له أن يرجع فلا أحب أن يبادر ولا يسرع في أوائل الخيل ولا الرجل ولا يقف الموقف الذى يقفه من يتعرض للقتل لانه إذا نهيته عن الغزو لطاعة والديه أو لذى الدين نهيته إذا كان له العذر عن تعرض القتل وهكذا أنهاه عن تعرض القتل لو خرج وليس له أن يخرج بخلاف صاحب دينه وأحد أبويه أو خلاف الذى غزا وأحد أبويه وصاحب دينه كاره وليس على الخنثى المشكل الغزو فإن غزا وقاتل لم يعط سهما ويرضخ له ما يرضخ للمرأة والعبد يقاتل فإن بان لنا أنه رجل فعليه من حين يبين الغزو وله فيه سهم رجل.
العذر الحادث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أذن للرجل أبواه في الغزو فغزا ثم امراه بالرجوع فعليه الرجوع إلا من عذر حادث والعذر ما وصفت من خوف الطريق أو جدبه أو من مرض يحدث به لا يقدر معه على الرجوع أو قلة نفقة لا يقدر على أن يرجع يستقل معها أو ذهاب مركب لا يقدر على ](4/172)
[ الرجوع معه أو يكون غزا يجعل مع السلطان ولا يقدر على الرجوع معه ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال رجل فإن غزا به فعليه ان يرجع ويرد الجعل وإنما أجزت له هذا من السلطان أنه يغزو بشئ من حقه وليس للسلطان حبسه في حال قلت عليه فيها الرجوع إلا في حال ثانية أن يكون يخاف برجوعه ورجوع من هو في حاله أن يكثروا وأن يصيب المسلمين خلة برجوعهم بخروجهم يعظم الخوف فيها عليهم فيكون له حبسه في هذه الحال ولا يكون لهم الرجوع عليها فإذا زالت تلك الحال فعليهم أن يرجعوا وعلى السلطان أن يخليهم إلا من غزا منهم بجعل إذا كان رجوعهم من قبل والد أو صاحب دين لا من علة بأبدانهم فإن أراد أحد منهم الرجوع لعلة ببدنة تخرجه من فرض الجهاد فعلى السلطان تخليته غزا بجعل أو غير جعل وليس له الرجوع في الجعل لانه حق من حقه أخذه وهو يستوجبه وحدث له حال عذر وذلك أن يمرض أو يزمن بإقعاد أو بعرج شديد لا يقدر معه على مشى الصحيح وما أشبه هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنى لارى العرج إذا نقص مشيه عن مشى الصحيح وعدوه كله عذرا والله تعالى أعلم وكذلك إن رجل عن دابته أو ذهبت نفقته خرج من هذا كله من أن يكون عليه فرض الجهاد ولم يكن للسلطان حبسه عليه إلا في حال واحدة أن يكون خرج إلى فرض الجهاد بقلة الوجود فعليه أن يعطيهم حتى يكون واجدا فإن فعله حبسه وليس للرجل الامتناع من الاخذ منه إلا أن يقيم معه في الجهاد حتى ينقضى فله إذا فعل الامتناع من الاخذ منه وإذا غزا الرجل فذهبت نفقته أو دابته فقفل ثم وجد نفقة أوفاد دابة فإن كان ذلك ببلاد العدو لم يكن له الخروج وكان عليه الرجوع إلا أن يكون يخاف في رجوعه وإن كان قد فارق بلاد العدو فالاختيار له العود إلا أن يخاف فلا يجب عليه العود لانه قد خرج وهو من أهل العذر فإن كانت تكون خلة برجوعه أو كانوا جماعة أصابهم ذلك وكانت تكون بالمسلمين خلة برجوعهم فعليهم وعلى الواحد أن يرجع إذا كانت كما وصفت إلا أن يخاف إذا تخلفوا أن يقتطعوا في الرجوع خوفا بينا فيكون لهم عذر بأن لا يرجعوا.
تحويل حال من لا جهاد عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الرجل ممن لا جهاد عليه بما وصفت من العذر أو كان
ممن عليه جهاد فخرج فيه فحدث له ما يخرج به من فرض الجهاد بالعذر في نفسه وماله ثم زالت الحال عنه عاد إلى أن يكون ممن عليه فرض الجهاد وذلك أن يكون أعمى فذهب العمى وصح بصره أو إحدى عينيه فيخرج من حد العمى أو يكون أعرج فينطلق العرج أو مريضا فيذهب المرض أو لا يجد ثم يصير واحدا أو صبيا فبلغ أو مملوكا فيعتق أو خنثى مشكلا فيبين رجلا لا يشكل أو كافرا فيسلم فيدخل فيمن عليه فرض الجهاد فإن كان بلده كان كغيره ممن عليه فرض الجهاد فإن كان قد غزا وله عذر ثم ذهب العذر وكان ممن عليه فرض الجهاد لم يكن له الرجوع عن الغزو دون رجوع من غزا معه أو بعض الغزاة في وقت يجوز فيه الرجوع قال وليس للامام (1) أن يجمر بالغزو فإن جمرهم فقد أساء ويجوز لكلهم خلافه والرجوع وإن اطاعته منهم طائفة فأقامت فأراد بعضهم الرجوع لم يكن لهم ]
__________
(1) * وله: أن يجمر أي أن يحبس.
ففى القاموس وجمر 6 لجيش حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم الخ اه مصححه.(4/173)
[ الرجوع إلا أن يكون من تخلف منهم ممتنعين بموضعهم ليس الخوف بشديد أن يرجع من يريد الرجوع فيكون حينئذ لمن أراد الرجوع أن يرجع وسواء في ذلك الواحد يريد الرجوع والجماعة لان الواحد قد يخل بالقليل والجماعة لا تخل بالكثير ولذي العذر الرجوع في كل حال إذا جمر وجوزته قدر الغزو وإن أخل بمن معه وكل منزلة قلت لا ينبغى لاحد أن يرجع فيها فعلى الامام فيها أن يأذن في الوقت الذى قلت: لبعضهم الرجوع ويمنع في الوقت الذى قلت: ليس لهم فيه الرجوع.
شهود من لا فرض عليه القتال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذين لا يأثمون بترك القتال والله تعالى أعلم بحال ضربان ضرب أحرار بالغون معذورون بما وصفت وضرب لا فرض عليهم بحال وهم العبيد أو من لم يبلغ من الرجال الاحرار والنساء ولا يحرم على الامام أن يشهد معه القتال الصنفان معا ولا على واحد من الصنفين أن يشهد معه القتال (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله: هل كان رسول الله صلى لالله عليه وسلم يغزو
بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ فقال قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة (قال) وإذا شهد من ليس عليه فرض الجهاد قويا كان أو ضعيفا القتال أحذى من الغنيمة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذى النساء وقياسا عليهن وخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد والصبيان ولا يبلغ بحذية واحد منهم سهم حر ولا قريبا منه ويفضل بعضهم على بعض في الحذية إن كان منهم أحد له غناء في القتال أو معونة للمسلمين المقاتلين ولا يبلغ بأكثرهم حذية سهم مقاتل من الاحرار وإن شهد القتال رجل حر بالغ له عذر في عدم شهود القتال من زمن أو ضعف بمرض أو عرض أو فقير معذور ضرب له بسهم رجل تام فإن قال من أين ضربت لهؤلاء وليس عليهم فرض القتال ولا لهم غناء بسهم ولم تضرب به للعبيد ولهم غناء ولا للنساء والمراهقين وإن أغنوا وكل ليس عليه فرض القتال؟ قيل له قلنا خبرا وقياسا فأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أحذى النساء من الغنائم وكان العبيد والصبيان ممن لا فرض عليهم وإن كانوا أهل قوة على القتال ليس بعذر في أبدانهم وكذلك العبيد لو أنفق عليهم لم يكن عليهم القتال فكانوا غير أهل جهاد بحال كما يحج الصبى والعبد ولا يجزئ عنهما من حجة الاسلام لانهما ليسا من أهل الفرض بحال ويحج الرجل والمرأة الزمنان اللذان لهما العذر بترك الحج والفقيران الزمنان فيجزئ عنهما عن حجة الاسلام لانهما إنما زال الفرض عنهما بعذر في أبدانهما وأموالهما متى فارقهما ذلك كانا من أهله ولم يكن هكذا الصبى والعبد في الحج قال وكذلك لو لم يكونا كذا والمرأة مثلهما في الجهاد وضربت للزمن والفقير اللذين لا غزو عليهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرمضى وجرحى وقوم لا غناء لهم على الشهود وأنهم لم يزل فرض الجهاد عليهم إلا بمعنى العذر الذى إذا زال صاروا من اهله فإذا تكلفوا شهوده كان لهم ما لاهله.
](4/174)
[ من ليس للامام ان يغزو به بحال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عزوجل من قولهم " وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق فشهدها معه عدد فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل " وغير ذلك مما حكى الله عزوجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله عزوجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عزوجل في غزاة تبوك أو منصرفه عنها ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال " ولو أرادوا الخروج الا عدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأظهر الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم ان يفتنوا من معه بالكذب والارجاف والتخذيل لهم فأخبره انه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين لانه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " قرأ الربيع إلى " الخالفين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للامام أن يدعه يغزو معه ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له ولا يرضخ لانه ممن منع الله عزوجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم (قال) ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبدا وإذا حرم الله عزوجل أن يخرج بهم فلاسهم لهم لو شهدوا القتال ولا رضخ ولا شئ لانه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عزوجل من هؤلاء أو بعضه ولم يكن يحمد حاله أو ظن ذلك به وهو ممن لا يطاع (1) ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين وصف الله عزوجل بشئ من أحكام الاسلام إلا ما منعمه الله عزوجل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على أحكام الاسلام بعد الآية وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عزوجل من ضررهم (2) وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يصلى عليهم بخلاف صلاته صلاة غيره (قال الشافعي) وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطيعه من
مسلم أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به وإن غزا به لم يرضخ له لان هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالاسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم أو أكثر إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر، ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو أو طريق أو ضيغة أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به وأحب إلى أن لا يعطى من الفئ شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه وهو ]
__________
(1) سقط من هنا جواب " أما " ولعله " فلا يمنع من الغزو تأمل ".
(2) كذا في النسخة، والغرض ان تحريم صلاة النبي عليهم لا تنفي عنهم الاسلام لانه لم يمنع أحدا الخ وتأمل.(4/175)
[ غير سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن أغفل ذلك أعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم ورد النبي صلى الله عليه وسلم يوم " بدر " مشركا قيل نعيم فأسلم ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للامام أن يرد المشرك فيمنعه الغزو ويأذن له وكذلك الضعيف من المسلمين ويأذن له ورد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة إباحة الرد والدليل على ذلك والله أعلم أنه قد غزا بيهود بنى قينقاع بعد بدر وشهد صفوان ابن أمية معه حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك (قال) ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن يشهدوا القتال وأحب إلى لو لم يعطوا وإن شهدوا القتال فلا يبين أن يرضخ لهم إلا أن تكون منهم منفعة للمسلمين فيرضخ لهم بشئ ليس كما يرضخ لعبد مسلم أو لامرأة ولا صبى مسلمين وأحب إلى لو لم يشهدوا الحرب إن لم تكن بهم منفعة لانا إنما أجزنا شهود النساء مع المسلمين والصبيان في الحرب رجاء النصرة بهم لما أوجب الله تعالى لاهل الايمان وليس ذلك في المشركين.
كيف تفضل فرض الجهاد (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه وقد وصفنا أن ذلك على الاحرار المسلمين البالغين غير ذوى العذر بدلائل الكتاب والسنة فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لان يكون كفرض الصلاة وغيرها عاما ومحتملا لان يكون على غير العموم فدل كتاب الله عزوجل وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه والآخر أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الاوثان أو يعطى أهل الكتاب الجزية قل فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد وكان الفضل للذين ولو الجهاد على المتخلفين عنه قال الله عزوجل " لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة " الآية (قال الشافعي) وبين إذ وعد الله عزوجل القاعدين غير أولى الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى بالتخلف بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ولا سوء نية وإن تركوا الفضل في الغزو وأبان الله عزوجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير " انفروا خفافا وثقالا " وقال عزوجل " إلا تنفروا يعذبكم عذابا اليما " وقال تبارك وتعالى " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " الآية فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين (قال الشافعي) ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وفى تجهزه للجمع للروم " ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازى في أهله وماله " (قال الشافعي) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت (قال الشافعي) وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف بقوله عزوجل " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " يعنى والله تعالى أعلم، إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم قال ففرض الجهاد على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم بالكفاية فيه، ويأثمون معا إذا تخلفوا معا.
](4/176)
[ تفريع فرض الجهاد (قال الشافعي) قال الله عزوجل " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " قال ففرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين وكان معقولا في فرض
الله جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم بالمسلمين دارا لانهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد من قربه من عورات المسلمين وأن نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد قال فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو أو كانت بالمسلمين عليهم قوة أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين لانهم الذين يلونهم ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه حتى يحكم أمر العدو دونه بأن يسلموا أو يعطوا الجزية إن كانوا أهل كتاب واحب له إن لم يرد تناول عدو وراءهم ولم يطل على المسلمين عدو أن يبدأ بأقربهم من المسلمين لانهم أولى باسم الذين يلون المسلمين، وإن كان كل يلى طائفة من المسلمين فلا أحب أن يبدأ بقتال طائفة تلى قوما من المسلمين دون آخرين وإن كانت أقرب منهم من الاخرى إلى قوم غيرهم، فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض فليبدأ الامام بالعدو الاخوف أو الانكى ولا بأس أن يفعل وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا يخاف من غيره مثله وتكون هذه بمنزلة ضرورة لانه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرث بن أبى ضرار أنه يجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبى سفيان (1) بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب (قال الشافعي) وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما وصفت والواجب أن يكون اول ما يبدأ به سد أطراف المسلمين بالرجال وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر دفع العدو قبل انتياب العدو في ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فعل ويكون القائم بولايتهم أهل الامانة والعقل والنصيحة للمسلمين والعلم بالحرب والنجدة والاناة والرفق والاقدام في موضعه وقلة البطش والعجلة (قال الشافعي) فإذا أحكم هذا في المسلمين وجب عليه أن يدخل المسلمين بلاد المشركين في الاوقات التي لا يغرر بالمسلمين فيها ويرجو أن ينال الظفر من العدو فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عامة وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين أحببت له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون
الجهاد معطلا في عام إلا من عذر، وإذا غزا عاما قابلا غزا ببلدا غيره ولا يتابع الغزو على بلد ويعطل من بلاد المشركين غيره إلا أن يختلف حال أهل البلدان فيتابع الغزو على من يخاف نكايته أو من يرجو غلبة المسلمين على بلاده فيكون تتابعه على ذلك وعطل غيره بمعنى ليس في غيره مثله.
قال: وإنما قلت بما وصفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه أو غيره في عام من غزوة أو غزوتين أو سرايا وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ولا يسرى سرية وقد يمكنه ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه، ويجب على أهل الامام أن يغزوا ]
__________
(1) كذا في النسخ وحرر اه.(4/177)
[ أهل الفئ يغزوا كل قوم إلى من يليهم من المشركين ولا يكلف الرجل البلاد البعيدة وله مجاهد أقرب منها إلا أن يختلف حال المجاهدين فيزيد عن القريب عن يكفيهم فإن عجز القريب عن كفايتهم كلفهم أقرب اهل الفئ بهم.
قال: ولا يجوز أن يغزوا أهل دار من المسلمين كافة حتى يخلف في ديارهم من يمنع دارهم منه (قال الشافعي) فإذا كان أهل دار المسلمين قليلا إن غزا بعضهم خيف العدو على الباقين منهم لم يغز منهم أحد وكان هؤلاء في رباط الجهاد ونزلهم (قال الشافعي) وإن كانت ممتنعة غير مخوف عليها ممن يقاربها فأكثر ما يجوز أن يغزى من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن عن أهله وماله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرت جموعهم، قال ليخرج من كل رجلين رجل ومن في المدينة ممتنع بأقل ممن تخلف فيها، وإذا كان القوم في ساحل من السواحل كسواحل الشام وكانوا على قتال الروم والعدو الذي يليهم أقوى ممن يأتيهم من غير أهل بلدهم وكان جهادهم عليه أقرب منه على غيرهم فلا بأس أن يغزوا إليهم من يقيم في ثغورهم مع من تخلف منهم وإن لم يكن من خلفوا منهم يمنعون دارهم لو انفردوا إذا صاروا يمنعون دارهم بمن تخلف من المسلمين معهم ويدخلون بلاد العدو فيكون عدوهم أقرب ودوابهم أجم وهم ببلادهم أعلم وتكون دارهم غير ضائعة بمن تخلف منهم وخلف معهم من غيرهم قال: ولا ينبغي أن يولى الامام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعا في بدنه حسن الاناة عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من
ولاه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدحوا تحته ولا دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ولا غير ذلك من أسباب المهالك فإن فعل ذلك الامام فقد أساء ويستغفر الله تعالى ولا عقل ولا قود عليه ولا كفارة إن أصيب أحد من المسلمين بطاعته.
قال: وكذلك لا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم ولا يحمل منهم أحدا على غير فرض القتال عليه وذلك أن يقاتل الرجل الرجلين لا يجاوز ذلك وإذا حملهم على ما ليس له حملهم عليه فلهم أن لا يفعلوه.
قال: وإنما قلت لا عقل ولا قود ولا كفارة عليه أنه جهاد ويحل لهم بأنفسهم أن يقدموا فيه على ما ليس عليهم بعرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين، ألا ترى أنى لا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا أو يبادر الرجل وإن كان الاغلب أنه مقتول لانه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل رجلا من الانصار حاسرا على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقتل.
تحريم الفرار من الزحف قال الله تبارك وتعالى " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتل إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وقال عزوجل " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال لما نزلت " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين " فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عزوجل " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا يفر مائة من المائتين: (قال الشافعي) وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل.
وقال الله تعالى: " إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار " الآية فإذا غزا المسلمون ](4/178)
[ أو غزوا فتهيئوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم ولا يستوجب السخط عندي من الله عز وعلا لو ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال والتحيز إلى فئة لان بينا أن الله عزوجل إنما يوجب سخطه على من
ترك فرضه وأن فرض الله عزوجل في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو ويأثم المسلمون لو أطل عدو على أحد من المسلمين وهم يقدرون على الخروج إليه بلا تضييع لما خلفهم من ثغرهم إذا كان العدو ضعفهم وأقل.
قال: وإذا لقى المسلمون العدو فكثرهم العدو أو قووا عليهم وإن لم يكثروهم بمكيدة أو غيرها فولى المسلمون غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا ولا يخرجون والله تعالى أعلم من المأثم إلا بأن لا يولوا العدو دبرا إلا وهم ينوون أحد الامرين من التحرف إلى القتال أو التحيز إلى فئة فإن ولوا على غير نية واحد من الامرين خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا بعد نية خير لهم ومن فعل هذا منهم تقرب إلى الله عزوجل بما استطاع من خير بلا كفارة معلومة فيه.
قال: ولو ولوا يريدون التحرف للقتال أو التحيز إلى الفئة ثم أحدثوا بعد نية في المقام على الفرار بلا واحدة من النيتين كانوا غير آثمين بالتولية مع النية لاحد الامرين وخفت أن يأثموا بالنية الحادثة أن يثبتوا على الفرار لا لواحد من المعنيين (1) وإن بعض أهل الفئ نوى أن يجاهد عدوا بلا عذر خفت عليه المأثم، ولو نوى المجاهد أن يفر عنه لا لواحد من المعنيين كان خوفى عليه من المأثم أعظم، ولو شهد القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الاحرار خفت أن يضيق على أهل القتال لانهم إنما عذروا بتركه فإذا تكلفوه فهم من أهله كما يعذر الفقير الزمن بترك الحج فإذا حج لزمه فيه ما لزم من لا يعذر بتركه من عمل ومأثم وفدية قال: وإن شهد القتال عبد أذن له سيده كان كالاحرار ما كان في إذن سيده يضيق عليه التولية لان كل من سميت من أهل الفرائض الذين يجرى عليهم المأثم ويصلحون للقتال: قال: ولو شهد القتال عبد بغير إذن سيده لم يأثم بالفرار على غير نية واحد من الامرين، لانه لم يكن القتال، ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولى، ولو شهده مغلوب على عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطبق للقتال، ولو شهد القتال من لم يبلغ لم يأثم بالتولية لانه ممن لا حد عليه ولم تكمل الفرائض عليه، ولو شهد النساء القتال فولين رجوت أن لا يأثمن بالتولية لانهن لسن ممن عليه الجهاد كيف كانت حالهن.
قال: وإذا حضر العدو القتال فأصاب المسلمون غنيمة ولم تقسم حتى ولت منهم طائفة، فإن قالوا ولينا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة كانت لهم سهمانهم فيما غنم بعد وإن لم يكونوا مقاتلين ولا ردءا ولو غنم المسلمون غنيمة ثم لم تقسم
خمست أو لم تخمس حتى ولوا وأقروا أنهم ولوا بغير نية واحد من الامرين وادعوا أنهم بعد التولية أحدثوا نية أحد الامرين والرجعة ورجعوا لم يكن لهم غنيمة لانها لم تصر إليهم حتى صاروا ممن عصى بالفرار وترك الدفع عنها وكانوا آثمين بالترك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ولى القوم غير متحرفين إلى فئة ثم غزوا غزاة أخرى وعادوا إلى ترك الغزاة فما كان فيها من غنيمة شهدوها ولم يولوا بعدها فلهم حقهم منها.
وإذا رجع القوم القهقري بلا نية لاحد الامرين كانوا كالمولين لانه إنما أريد بالتحريم الهزيمة عن المشركين، وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا وإن ذهب السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة أو خشب أو غيرها، وكذلك إن لم يجدوا ]
__________
(1) كذا في الاصل: ولعله " أن لا يجاهد " وحرر اه.(4/179)
[ من هذا شيئا فأحب إلى أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة ولا يبين أن يأثموا لانهم ممن لا يقدر في هذه الحالة على شئ يدفع به عن نفسه، وأحب في هذا كله أن لا يولى أحد بحال إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، ولو غزا المشركون بلاد المسلمين كان تولية المسلمين عنهم كتوليتهم لو غزاهم المسلمون إذا كانوا نازلين لهم عليهم أن يبرزوا إليهم.
قال: ولا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو في بلاد العدو وبلاد الاسلام وإن كانوا قاهرين للعدو فيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين أو أموالهم شيئا في تحصنهم عنهم فإذا كان واحد من المعنيين ضررا على المسلمين ضاق عليهم إن أمكنهم الخروج أن يتخلفوا عنهم، فأما إذا كان العدو قاهرين فلا بأس أن يتحصنوا إلى أن يأتيهم مدد أو تحدث لهم قوة وإن ونى عليهم فلا بأس أن يولوا عن العدو ما لم يلتقوا هم والعدو لان النهى إنما هو في التولية بعد اللقاء (قال الشافعي) رحمه الله: والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان الامكان والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو أو ببلاد الاسلام بعد ذلك أقرب إنما يأثم في التولية من لم ينو واحدا من المعنيين * أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلقوا العدو فحاص الناس
حيصة فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله: نحن الفرارون قال " أنتم العكارون وأنا فئتكم " أخبرنا ابن عيينه عن ابن أبى نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: أنا فئة كل مسلم.
في إظهار دين النبي صلى الله عليه وسلم على الاديان (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذى نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " (قال الشافعي) لما أتى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مزقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمزق ملكه " (قال الشافعي) وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يثبت ملكه " (قال الشافعي) ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح بعضها وتم فتحها في زمان عمر وفتح العراق وفارس (قال الشافعي) فقد أظهر الله عزوجل دينه الذى بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم على الاديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الاديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الاميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاميين حتى دانوا بالاسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم الاسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهور الدين كله قال: وقد يقال ليظهرن الله عزوجل دينه على الاديان حتى لا يدان الله عزوجل إلا به وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى (قال الشافعي) وكانت ](4/180)
[ قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا مع معايشها منه وتأتى العراق، قال فلما دخلت في الاسلام ذكرت للنبى صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع تعايشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر
ودخلت في الاسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لاهل الاسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده " (قال الشافعي) فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمر بعده، قال: " وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده " فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع الله الاكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بالامر بعده عن الشام (قال الشافعي) قال النبي صلى الله عليه وسلم في كسرى " يمزق ملكه " فلم يبق للاكاسرة ملك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال في قيصر " يثبت ملكه " فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا أمر يصدق بعضه بعضا.
الاصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: بعث الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة وهى بلاد قومه وقومه أميون وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك أو أجير أو مجتاز أو من لا يذكر قال الله تبارك وتعالى " هو الذى بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته " الآية فلم يكن من الناس أحد في أول ما بعث أعدى له من عوام قومه ومن حولهم، وفرض الله عزوجل عليه جهادهم فقال " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " فقيل فيه فتنة شرك ويكون الدين كله واحدا لله وقال في قوم كان بينه وبينهم شئ " فإذا انسلخ الاشهر الحرام فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم " الآية مع نظائر لها في القرآن * أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا أزال اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " أخبرنا سفيان بن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن أبى عصام المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال " إن رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا " أخبرنا سفيان عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " قال أبو بكر " هذا من حقها لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه "
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى يعنى من منع الصدقة ولم يرتد * أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبى هريرة أن عمر قال لابي بكر هذا القول أو ما معناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقا وإنما يراد به والله تعالى أعلم مشركو أهل الاوثان ولم يكن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قربه أحد من مشركي أهل الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء الانصار ولم تكن أنصار اجتمعت أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلاما فوادعت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخرج إلى شئ من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فكلم بعضها بعضا بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولم يكن بالحجاز علمته إلا يهودي أو نصراني بنجران وكانت المجوس بهجر وبلاد البربر ](4/181)
[ وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركون أهل أوثان كثير (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأنزل الله عز وجل على رسوله فرض قتال المشركين من أهل الكتاب فقال " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله " الآية ففرق الله عزوجل كما شاء لا معقب لحكمه بين قتال أهل الاوثان ففرض أن يقاتلوا حتى يسلموا وقتل أهل الكتاب ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو أن يسلموا وفرق الله تعالى * بين قتالهم أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم قال " إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو ثلاث خلال شك علقمة ادعهم إلى الاسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم واخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم وإن اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله عزوجل كما يجرى على المسلمين وليس لهم في الفئ شئ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الاسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم.
فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم (قال الشافعي) حدثنى عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان الثوري عن علقمة بمثل معنى هذا
الحديث لا يخالفه (قال الشافعي) وهذا في أهل الكتاب خاصة دون أهل الاوثان وليس يخالف هذا الحديث حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ولكن أولئك الناس أهل الاوثان والذين أمر الله أن تقبل منهم الجزية أهل الكتاب، والدليل على ذلك ما وصفت من فرق الله بين القتالين ولا يخالف أمر الله عزوجل أن يقاتل المشركون حتى يكون الدين لله ويقتلوا حيث وجدوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة وأمر الله عزوجل بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ولا تنسخ واحدة من الآى غيرها ولا واحد من الحديثين غيره وكل فيما أنزل الله عزوجل ثم سن رسوله فيه (قال الشافعي) ولو جهل رجل فقال إن أمر الله بالجزية نسخ أمره بقتال المشركين حتى يسلموا جاز عليه أن يقول جاهل مثله بل الجزية منسوخة بقتال المشركين حتى يسلموا ولكن ليس فيهما ناسخ لصاحبه ولا مخالف.
من يلحق بأهل الكتاب (قال الشافعي) انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه الفرقان فدانت دين أهل الكتاب وقارب بعض أهل الكتاب العرب من أهل اليمن فدان بعضهم دينهم وكان من أنزل الله عزوجل فرض قتاله من أهل الاؤثان حتى يسلم مخالفا دين من وصفته دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان على نبى الله صلى الله عليه وسلم لتمسك أهل الاوثان بدين آبائهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو من كندة وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من ذمة أهل اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب فدل ذلك على ما وصفت من أن الاسلام لم يكن وهم أهل أوثان بل دائنين دين أهل الكتاب مخالفين دين أهل الاوثان وكان في هدا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والانجيل من النصارى وكانوا من بنى إسرائيل ](4/182)
[ وأحطنا بأن الله عزوجل أنزل كتبا غير التوراة والانجيل والفرقان قال الله عزوجل " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذى وفى " فأخبر أن لابراهيم صحفا وقال تبارك وتعالى " وإنه لفى زبر
الاولين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الاوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض دينهم وكان المجوس بطرف من الارض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا والله تعالى أعلم أهل كتاب يجمعهم اسم انهم اهل كتاب مع اليهود والنصارى * أخبرنا ابن عيينة عن أبى سعد سعيد بن المرزيان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل الاشجعى على م تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلبه وقال يا عدو الله تطعن على أبى بكر وعلى أمير المؤمنين يعنى عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج على عليهما فقال ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال على رضى الله تعالى عنه أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإنما ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما اتوه قال تعلمون دينا خيرا من دين آدم؟ وقد كان آدم ينكح بنيه بناته وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه؟ فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذى في صدورهم فهن أهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر منهم الجزية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما روى عن على من هذا دليل على ما وصفت أن المجوس أهل كتاب ودليل أن عليا كرم الله وجهه ما خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ولا من بعده فلو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال على الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا اهله، ولم أعلم ممن سلف من المسلمين أحدا أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب * أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع بجالة يقول ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس أهل هجر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وحديث بجالة متصل ثبات لانه ادرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله وحديث نصر بن عاصم عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل وبه يأخذ وقد روى من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس * أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن
أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر له المجوس فقال ما أدرى كيف أصنع في أمرهم فقال له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن كان ثابتا فنفتى في أخذ الجزية لانهم أهل كتاب لا أنه يقال إذا قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب والله تعالى أعلم في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم قال ولو أراد جميع المشركين (1) غير أهل الكتاب لقال والله تعالى أعلم سنوا بجميع المشركين سنة اهل الكتاب ولكن لما قال سنوا بهم فقد خصهم وإذا خصهم فغيرهم مخالف ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب * أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عثمان بن ]
__________
(1) أي ان الشافعي يفتن بحمل الحديث على معاملة المجوس معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط اه.(4/183)
[ عفان رضى الله تعالى عنه أخذها من البربر (قال الشافعي) رحمه الله ولا يجوز أن يسأل عمر عن المجوس ويقول ما أدرى كيف أصنع بهم وهو يجوز عنده أن تؤخذ الجزية من جميع المشركين لا يسأل عما يعلم أنه جائز له ولكنه سأل عن المجوس إذ لم يعرف من كتابهم ما عرف من كتاب اليهود والنصارى حتى أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه الجزية وأمره بأخذ الجزية منهم فيتبعه وفى كل ما حكيت ما يدل على أنه لا يسعه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب.
تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الاوثان (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فكل من دان ودان آباؤه أو دان بنفسه وإن لم يدن آباؤه دين أهل الكتاب اي كتاب كان قبل نزول الفرقان وخالف دين أهل الاوثان قبل نزول الفرقان فهو خارج من أهل الاوثان وعلى الامام إذا أعطاه الجزية وهو صاغر أن يقبلها منه عربيا كان أو عجميا، وكل من دخل عليه الاسلام ولا يدين دين أهل الكتاب ممن كان عربيا أو عجميا، فأراد ان تؤخذ منه الجزية ويقر على دينه أو يحدث أن يدين دين أهل الكتاب فليس للامام ان يأخذ منه الجزية، وعليه ان يقاتله حتى يسلم كما يقاتل أهل الاوثان حتى يسلموا، قال: واي مشرك ما كان إذا لم يدع أهل دينه دين اهل الكتاب فهو كأهل الاوثان وذلك مثل أن يعبد الصنم وما استحسن من شئ ومن يعطل
ومن في معناهم، ومن غزا المسلمون ممن يجهلون دينه فذكروا لهم أنهم اهل كتاب (1) فهم أهل كتاب سئلوا متى دانوا به وآباؤهم، فإن ذكروا أن ذلك قبل نزول الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبلوا قولهم إلا أن يعلموا غير ما قالوا، فإن علموا ببينة تقوم عليهم لم يأخذوا منهم الجزية ولم يدعوهم حتى يسلموا أو يقتلوا وإن علموه بإقرار فكذلك، وإن أقر بعضهم أنه لم يدن ولم يدن آباؤه دين اهل الكتاب إلا في وقت يذكرونه يعلم أنه قبل أن ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أقررناهم على دينه وأخذنا منهم الجزية، ولا يكون الامام أخذها إلا أن يقول آخذها منكم حتى أعلم أن لم تدينوا وآباؤكم هذا الدين إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمته لم آخذها منكم فيما أستقبل ونبذت إليكم فإما أن تسلموا وإما أن تقتلوا (2) فإذا أخبرنا من الذين أسلموا منهم قوما عدولا فأثبتوا لنا على هؤلاء الذين أخذت منهم الجزية بقولهم بأن لم يدينوا دين أهل الكتاب بحال إلا بعد نزول الفرقان، وإن شهد هؤلاء النفر المسلمون أو اثنان منهم على جماعتهم أن لم يدينوا دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وأن آباءهم كانوا يدينون دين أهل الكتاب نبذت إلى من بلغ منهم ولم يدن دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وكان ذلك بعد نزول الفرقان، قال ولم ينبذ إلى صغارهم إذ كان آباؤهم دانوا دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان، ولو ان هؤلاء النفر العدول شهدوا على أنفسهم أنهم لم يكونوا دانوا دين أهل الكتاب إلا بعد نزول الفرقان كان إقرارا منهم على أنفسهم لا أجعله شهادة على غيرهم ولا أقبل الشهادة على أحد منهم إلا بأن يثبتوها عليه أن الفرقان نزل ولا يدين دين أهل الكتاب فإذا فعلوا لم أقبل منه الجزية ولو كان آباؤهم من أهل الكتاب لانه لا يكون دينه دين آبائه إذا بلغ إنما يكون مقرا ]
__________
(1) قوله: فهم أهل كتاب لعله زائد من الناسخ، تأمل، فإن الجواب ما بعده، وحرر.
(2) وقوله: فإذا أخبرنا الخ لم يذكر الجواب ولعله ينبذ إليهم " فتأمل.(4/184)
[ على دين آبائه ما لم يبلغ فلو شهدوا أن أبا رجلين مات على دين أهل الكتاب يهوديا أو نصرانيا وله ابن بالغ مخالف دين أهل الكتاب وابن صغير ونزل الفرقان وهما بتلك الحال فبلغ الصغير ودان دين أهل الكتاب وعاد البالغ إلى دينهم أخذت الجزية من الصغير لانه كان يقر على دين أبيه ولم يدن بعد البلوغ
دينا غيره ولا اخذها من الكبير الذي نزل الفرقان وهو على دين غير دين أهل الكتاب.
من ترفع عنه الجزية (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " قال فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن الذين فرض الله عزوجل قتالهم حتى يعطوا الجزية الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ فتركوا دين الله عز وجل واقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب وكان بينا أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال وهم الرجال البالغون (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ثم أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معنى كتاب الله عز وجل فأخذ الجزية من المحتلمين دون من دونهم ودون النساء وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقتل النساء من أهل الحرب ولا الولدان وسباهم فكان ذلك دليلا على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ولا جزية على من لم يبلغ من الرجال ولا على امرأة وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا دين لا تمسك به ترك له الاسلام وكذلك لا جزية على مملوك لانه لا مال له يعطى منه الجزية فأما من غلب على عقله أياما ثم أفاق أو جن فتؤخذ منه الجزية لانه يجري عليه القلم في حال إفاقته وليس يخلو بعض الناس من العلة يغرب بها عقله ثم يفيق فإذا أخذت من صحيح ثم غلب على عقله حسب له من يوم غلب على عقله فإن أفاق لم ترفع عنه الجزية وإن لم يفق رفعت عنه من يوم غلب على عقله قال وإذا صولحوا على أن يؤدوا عن أبنائهم ونسائهم سوى من يؤدون عن أنفسهم فإن كان ذلك من أموال الرجال فذلك جائز وهو كما ازديد عليهم من أقل الجزية ومن الصدقة ومن أموالهم إذا اختلفوا وغير ذلك مما يلزمهم إذا شرطوه لنا وإن كانوا على أن يؤدوها من أموال نسائهم أو أبنائهم الصغار لم يكن ذلك عليهم ولا لنا أن نأخذه من أبنائهم ولا نسائهم بقولهم (1) فلا شيئا عليك فإن قالت فأنا أؤدى بعد علمها قبل ذلك منها ومتى امتنعت وقد شرطت أن تؤدى لم يلزمها الشرط ما أقامت في بلادها وكذلك لو تجرت بمالها لم يكن عليها أن تؤدى إلا أن تشاء ولكنها تمنع الحجاز فإن قالت أدخلها على شئ يؤخذ منى فألزمته نفسها جاز عليها لانه ليس لها دخول الحجاز وإذا صالحت على أن يؤخذ من مالها شئ في غير
بلاد الحجاز فإن أدته قبل وإن منعته بعد شرطه فلها منعه لانه لا يبين لى أن على أهل الذمة أن يمنعوا من غير الحجاز ولو شرط هذا صبى أو مغلوب على عقله لم يجز الشرط عليه ولا يؤخذ من ماله وكذلك لو شرط أبو الصبى أو المعتوه أو وليهما ذلك عليهما لم يكن ذلك لنا ولنا أن نمنعهما من أن يختلفا في بلاد الحجاز وكذلك يمنع مالهما مع الذى لا يؤدى شيئا عن نفسه ولا يكون لنا منعه من مسلم ولا ذمى يؤدى عن ماله وتمنع أنفسهما قال ولو أن أهل دار من أهل الكتاب امتنع رجالهم من أن يصالحوا على جزية أو ]
__________
(1) لعله " ويقال لهم فلا شئ عليك " تأمل.
كتبه مصححه(4/185)
[ يجرى عليهم الحكم واطاعوا بالجزية ولنا قوة عليهم وليس في صلحهم نظر فسألوا أن يؤدوا الجزية عن نسائهم وأبنائهم دونهم لم يكن ذلك لنا وإن صالحوهم على ذلك فالصلح منتقض ولا نأخذ منهم شيئا إن سموه على النساء والابناء لانهم قد منعوا أموالهم بالامان وليس على أموالهم جزية وكذلك لا نأخذها من رجالهم وإن شرطها رجالهم ولم يقولوا من أبنائنا ونسائنا أخذناها من أموال من شرطها بشرطه وكذلك لو دعا إلى هذا النساء والابناء لم يؤخذ هذا منهم وكذلك لو كان النساء والابناء إخلياء من رجالهم ففيها قولان احدهما ليس لنا ان نأخذ منهم الجزية ولنا أن نسبيهم لان الله عزوجل إنما أذن بالجزية مع قطع حرب الرجال وأن يجري عليهم الحكم ولا حرب في النساء والصبيان إنما هن غنيمة وليسوا في المعنى الذى أذن الله عزوجل بأخذ الجزية به والقول الثاني: ليس لنا سباؤهم وعلينا الكف عنهم إذا أقروا بأن يجرى عليهم الحكم وليس لنا أن نأخذ من أموالهم شيئا وإن أخذناه فعلينا رده قال وتؤخذ الجزية من الرهبان والشيخ الفاني الزمن وغيره ممن عليه الحكم من رجال المشركين الذين أذن الله عزوجل بأخذ الجزية منهم وإذا صالح القوم من أهل الذمة على الجزية ثم بلغ منهم مولود قبل حولهم بيوم أو أقل أو أكثر فرضى بالصلح سئل فإن طابت نفسه بالاداء لحوله قومه أخذت منه وإن لم تطب نفسه فحوله حول نفسه لانه إنما وجب عليه الجزية بالبلوغ والرضا ويأخذ منه الامام من حين رضى على حوله أصحابه وفضل إن كان عليه من سنة قبلها لئلا تختلف أحوالهم كأن بلغ قبل الحول بشهر فصالحه على دينار كل حول فيأخذ منه إذا حال حول أصحابه نصف سدس دينار وفى حول
مستقبل معهم دينار فإذا أخره أخذ منه في حول أصحابه دينار ونصف سدس دينار.
الصغار مع الجزية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " قال فلم يأذن الله عزوجل في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يد صاغرا (قال الشافعي) وسمعت عددا من أهل العلم يقولون الصغار أن يجزى عليهم حكم الاسلام (قال الشافعي) وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الاسلام فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغروا بما يجرى عليهم منه (قال الشافعي) وإذا أحاط الامام بالدار قبل أن يسبى أهلها أو قهر أهلها القهر البين ولم يسبهم أو كان على سبيه بالاحاطة من قهره لهم ولم يغزهم لقربهم أو قلتهم أو كثرتهم وقوته فعرضوا عليه أن يعطوا الجزية على أن يجرى عليهم حكم الاسلام لزمه أن يقبلها منهم ولو سألوه أن يعطوها على أن لا يجرى عليهم حكم الاسلام لم يكن ذلك له وكان عليه أن يقاتلهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون بأن يجرى عليهم حكم الاسلام قال فإن سألوه أن يتركوا من شئ من حكم الاسلام إذا طلبهم به غيرهم أو وقع عليهم بسبب غيرهم لم يكن له أن يجيبهم إليه ولا يأخذ الجزية منهم عليه فأما إذا كان في غزوهم مشقة أو من بإزائهم من المسلمين ومن ينتابهم عنهم ضعف أو بهم (1) انتصاف فلا بأس أن يوادعوا وإن لم يعطوا شيئا أو أعطوه على النظر وإن لمو يجر عليهم حكم الاسلام كما يجوز ترك قتالهم وموادعتهم على النظر وهذا موضوع في كتاب الجهاد دون الجزية، ]
__________
(1) لعله " أو بهم أي بالمسلمين انتقاص تأمل.
كتبه مصححه.(4/186)
[ مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون (قال الشافعي) وإذا أسر الامام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه تخليتهم وذراريهم ونسائهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ولا أولادهم ولا ما غلب من ذراريهم وأموالهم وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم لانهم صاروا غنيمة أو فيئا وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة لان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عزوجل بالمن والفداء فيهم فقال " فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " (قال الشافعي) ولو كان أسر أكثر الرجال وحوى أكثر النساء والذراري والاموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع أو هرب كان له وعليه أن يعطى الممتنعين أحد الجزية والامان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم ولو جاء الامام رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الامان كان لهم قبل الفتح وقبل أن يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم وإن كان سبأوهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الامام إياهم ما أعطاهم مضى عليهم السباء وبطل ما أعطى الامام لانه أعطى الامان ما كان رقيقا وماله غنيمة أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن يرد إليهم أموالهم لم يكن ذلك له.
مسألة اعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إنما المشركون نجس " الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم (قال الشافعي) وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا ينبغي لمسلم أن يؤدى الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم " قال وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجرى عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للامام أن يقبل منه على ذلك شيئا ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا أو غيره لتحريم الله عزوجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجرى عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها لان تركهم بسكنى الحجاز منسوخ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى على
أهل خيبر حين عاملهم فقال " أقركم ما أقركم الله " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من الحجاز ولا يجوز صلح ذمى على أن يسكن الحجاز بحال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب إلى أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يبين لى أن يحرم أن يمر ذمى بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر لانه قد يحتمل أمر النبي ](4/187)
[ صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه " لا يبقين دينان بأرض العرب " لا يبقين دينان مقيمان ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمى شيئا من الحجاز دارا ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح * أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا أذن لهم أن يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال أو عرض بها شغل قيل لهم: وكلوا بها من شئتم من المسلمين واخرجوا ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال أو لم يكن وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها وإن مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه أو زيادة في مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل قال وإن صالح الامام أحدا من أهل الذمة على شئ يأخذه في السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا لانه قد وفى له بما كان بينه وبينه وإن علم بعد مضى نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز وقال إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم وإن ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة لانه قد تم لكم ونبذت إليكم وإن كانوا صالحوا على ان سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من اهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجلبهم أحد من اليمن ولا بأس أن
يصالحهم على مقامهم باليمن فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها فإذا وقع لذمى حق بالحجاز وكل به ولم أحب أن يدخلها بحال ولا يدخلها لمنفعة لاهلها ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطى منها شيئا ولا كراء يكريه مسلم ولا غيره (2) فإن امر بإجلائه من موضع فقد يمنع من الموضع الذى أجلى منه وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شئ وإذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها لانها من أرض الحجاز وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن كان تقدم إليه أدب وأخرج وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج وإن عاد أدب وإن مات منهم ميت في هذه الحال بمكه أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل ولا يدفن في الحرم بحال لان الله عزوجل قضى أن لا يقرب مشرك المسجد الحرام ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش ما لم ينقطع وإن مات بالحجاز دفن بها وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالاخراج حتى يكون محتملا للسفر فإن أحتمله أخرج قال وقد وصفت مقدمهم بالتجارات بالحجاز فيما يؤخذ منهم وأسأل الله التوفيق وأحب إلى أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها.
]
__________
(1) قد بيض في الاصل لمتن الحديث.
(2) وقوله: فإن أمر بإجلائه الخ لعل المراد " أيام أمرنا بإجلائه من الحجز " وهذا يتضمن المنع من الاقامة به.
وتأمل.(4/188)
[ كم الجزية؟ (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " حتى يعطوا الجزية عن يد " وكان معقولا أن الجزية شئ يؤخذ في اوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير (قال الشافعي) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عزوجل معنى ما أراد فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية أهل اليمن دينارا في كل سنة أو قيمته من المعافري وهى الثياب وكذلك روى أنه أخذ من أهل أيلة ومن نصارى مكة دينارا عن كل إنسان قال وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة ولا أدرى ما غاية ما أخذ منهم وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر ان قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر
من دينار وأخذها من أكيدر ومن مجوس البحرين لا أدرى كم غاية ما أخذ منهم ولم أعلم احدا قط حكى عنه أنه أخذ من أحد أقل من دينار * أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسمعيل بن أبى حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن " إن على كل إنسان منكم دينارا أو قيمته من المعافرى " يعنى أهل الذمة منهم * أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارا كل سنة قلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا فقال ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتا عندنا (قال الشافعي) وسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدة من علماء أهل اليمن فكل حكى عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لاهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية وقال عامتهم ولم يأخذ من زروعهم وقد كانت لهم الزروع ولا من مواشيهم شيئا علمناه وقال لى بعضهم قد جاءنا بعض الولاة فخمس زروعهم أو أرادوها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أنى عامة ذمة أهل اليمن من حمير (قال الشافعي) سألت عددا كثيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان اليمن فكلهم أثبت لى لا يختلف قولهم أن معاذا أخذ منهم دينارا على كل بالغ وسموا البالغ الحالم قالوا كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ " إن على كل حالم دينارا " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبى الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة وان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ولا يغشوا مسلما * أخبرنا إبراهيم عن إسحق ابن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلثمائة فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يؤمئذ ثلثمائة دينار كل سنة (قال الشافعي) فإذا دعا من يجوز أن تؤخذ منه الجزية إلى الجزية على ما يجوز وبذل دينارا عن نفسه كل سنة لم يجز للامام إلا قبوله منه وإن زاده على دينار ما بلغت الزيادة قلت أو كثرت جاز للامام أخذها منه لان اشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على نصارى أيلة في كل سنة دينارا على كل واحد والضيافة زيادة على الدينار وسواء معسر البالغين من أهل الذمة وموسرهم بالغا ما بلغ يسره لانا نعلم أنه إذا صالح أهل اليمن وهم عدد كثير على دينار على المحتلم في كل سنة أن منهم المعسر
فلم يضع عنه وأن فيهم الموسر فلم يزد عليه فمن عرض دينارا موسرا كان أو معسرا قبل منه وإن عرض أقل منه لم يقبل منه لان من صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلمه صالح على أقل من دينار قال فالدينار أقل ما يقبل من أهل الذمة وعليه أن بذلوه قبوله منه عن كل واحد منهم وإن لم يزد ضيافة ولا شيئا يعطيه من ماله فإن صالح السلطان أحدا ممن يجوز أخذ الجزية منه وهو يقوى عليه على الابدي على ](4/189)
[ أقل من دينار أو على أن يضع عمن أعسر من أهل دينه الجزية أو على أن ينفق عليهم من بيت المال فالصلح فاسد وليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه إن مضت مدة بعد الصلح توجب عليه بشرطه شيئا وعليه أن ينبذ إليهم حتى يصالحوه صلحا جائزا وإن صالحوه صلحا جائزا على دينار أو أكثر فأعسر واحد منهم بجزيته فالسلطان غريم من الغرماء ليس بأحق بماله من غرمائه ولا غرماؤه منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن فلسه لاهل دينه قبل أن يحول الحول عليه ضرب مع غرمائه بحصة جزيته لما مضى عليه من الحول وإن قضاه الجزية دون غرمائه كان له ما لم يستعد عليه غرماؤه أو بعضهم فإذا استعدى عليه بعضهم فليس له أن يأخذ جزيته دونهم لان عليه حين استعدى عليه أن يقف ماله إذا أقر به أو ثبت عليه ببينة فإن لم يستعد عليه كان له أخذ جزيته منه دونهم لانه لم يثبت عليه حق عنده حين أخذ جزيته وإن صالح أحدا من أهل الذمة على ما يجوز له فغاب الذمي فله أخذ حقه من ماله وإن كان غائبا إذا علم حياته وإن لم يعلم حياته سأل وكيله ومن يقوم بماله عن حياته فإن قالوا مات وقف ماله وأخذ ما استحق فيه إلى يوم يقولون مات فإن قالوا حى وقف ماله إلا أن يعطوه متطوعين الجزية ولا يكون له أخذها من ماله وهو لا يعلم حياته إلا أن يعطوه إياها متطوعين أو يكون بعلم ورثته كلهم وأن لا وارث له غيرهم وأن يكونوا بالغين يجوز أمرهم في مالهم فيجيز عليه إقرارهم على أنفسهم لانه إن مات فهو مالهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن أخذ الجزية من ماله لسنتين ثم ثبت عنده أنه مات قبلهما رد حصة ما لم يستحق وكان عليه أن يحاص الغرماء فإن كان ما يصيبه إذا حاصصهم في للجزية عليه أقل مما أخذ رده عليهم وإن كان ورثته بالغين جائزى الامر فقالوا مات أمس وشهد شهود أنه مات عام أول فسأل الورثة الوالى أن يرد عليهم جزيته سنة لم يكن على الوالي أن يردها
عليهم لانهم يكذبون الشهود بسقوط الجزية عنه بالموت ولو جاءنا وارثان فصدق أحدهما الشهود وكذبهم الآخر فكانا كرجلين شهد لهما رجلان بحقين فصدقهما أحدهما ولم يصدقهما الآخر فتجوز شهادتهما للذى صدقهما وترد للذى كذبهما وكان على الامام أن يرد نصف الدينار على الوارث الذى صدق الشهود ولا يرد على الذى كذب الشهود (قال الشافعي) وإن اخذنا الجزية من أحد من اهلها فافتقر كان الامام غريما من الغرماء ولم يكن له أن ينفق من مال الله عزوجل على فقير من أهل الذمة لان مال الله عز وجل ثلاثة أصناف الصدقات فهى لاهلها الذين سمى الله عزوجل في سورة براءة والفئ فلاهله الذين سمى الله عزوجل في سورة الحشر والغنيمة فلاهلها الذين حضروها وأهل الخمس المسمين في الانفال وكل هؤلاء مسلم فحرام على الامام والله تعالى أعلم أن يأخذ من حق أحد من المسلمين فيعطيه مسلما غيره فكيف بذمي لم يجعل الله تبارك وتعالى فيما تطول به على المسلمين نصيبا؟ ألا ترى أن الذمي منهم يموت فلا يكون له وارث فيكون ماله للمسلمين دون أهل الذمة لان الله عزوجل أنعم على المسلمين بتخويلهم ما لم يكونوا يتخولونه قبل تخويلهم وبأموال المشركين فيئا وغنيمة (قال الشافعي) ويروون ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل على نصارى أيلة جزية دينار على كل إنسان وضيافة من مر بهم من المسلمين وتلك زيادة على الدينار (قال الشافعي) فإن بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما بلغ كان الازدياد أحب إلى ولم يحرم على الامام مما زادوه شئ وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة * أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل المذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام (قال الشافعي) وقد روى أن عمر ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين وعلى أهل اليسر وعلى أهل الاوساط اربعة وعشرين ](4/190)
[ وعلى من دونهم اثنى عشر درهما وهذا في الدرهم أشبه بمذهب عمر بأنه عدل الدراهم في الداية اثنى عشر درهما بدينار أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى إسحق عن حارثة بن مضر أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض أو مطر أنفق من ماله (قال الشافعي) وحديث أسلم ضيافة ثلاثة أيام أشبه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثا وقد يكون جعلها على
قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضا.
بلاد العنوة (قال الشافعي) وإذا ظهر الامام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها أو ظهر على بلاد وقهر أهلها ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الاسلام مشرك أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقى محصورا ومناظرا له وإن لم يكن محصورا فسأله أولئك من العدو أن يدع لهم أموالهم على شئ يأخذ منهم فيها أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له لانها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فإنه ظهر عليها وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب غير يهود وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم ولا يسبى ذراريهم فأعطاهم ذلك لانه لم يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون ولم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من الاموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الاموال وكذلك لم يعطهم ذلك في حصن ظهر فيه بصفية بنت حيى وأختها وصارت في يديه لانه ظهر عليه كما ظهر على الاموال ولم يكن لهم قوة على منعه إياه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين أو كثيره أرض أو دار أو غيره لا يختلف لانه غنيمة وحكم الله عزوجل في الغنيمة أن تخمس وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاربعة الاخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب وإن ظهر المسلمون على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين وإن لم ينالوا المشركين فهو بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة أو كانت لارضه قيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الامام ولم يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لاهله رد حكم الامام فيه لانه مخالف للكتاب ثم السنة معا فإن قيل فأين ذكر ذلك في الكتاب؟ قيل قال الله عزوجل " واعلموا انما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول
الآية " وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاربعة الاخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من كل ما أوجف عليه من أرض أو عمارة أو مال وإن تركها لاهلها اتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لاهلها أن يتبعوا الامام بكل ما فات فيها لانها أموالهم أفاتها، قال فإن ظهر الامام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الاربعة الاخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن ](4/191)
[ تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شئ من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفس من صار في يديه سبى هوازن ب " حنين " فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه.
بلاد أهل الصلح (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا غزا الامام قوما فلم يظهر عليهم حتى عرضوا عليه الصلح على شئ من أرضهم أو شئ يؤدونه عن أرضهم فيه ما هو أكثر من الجزية أو مثل الجزية فإن كانوا ممن يؤخذ منهم الجزية وأعطوه ذلك على أن يجري عليهم الحكم فعليه أن يقبله منهم وليس له قبوله منهم إلا على أن يجري عليهم الحكم وإذا قبله كتب بينه وبينهم كتابا بالشرط بينهم واضحا يعمل به من جاء بعده وهذه الارض مملوكة لاهلها الذين صالحوا عليها على ما صالحوا على أن يؤدوا عنها شيئا فهي مملوكة لهم على ذلك وإن هم صالحوه على أن للمسلمين من رقبة الارض شيئا فإن المسلمين شركاؤهم في رقاب أرضهم بما صالحوهم عليه وإن صالحوا على أن الارض لهم وعليهم أن يؤدوا كذا من الحنطة أو يؤدوا من كل ما زرعوا في الارض كذا من الحنطة لم يجز حتى يستبين فيه ما وصفت فيمن صالح على صدقة ماله وإذا صالحوهم على أن الارض كلها للمشركين فلا بأس أن يصالحهم على ذلك ويجعلوا عليهم خراجا معلوما إما شئ مسمى يضمنونه في أموالهم كالجزية وإما شئ مسمى يؤدى عن كل زرع من الارض كذا من الحنطة أو غيرها إذا كان ذلك إذا جمع مثل
الجزية أو أكثر ولا خير في أن يصالحوهم على أن الارض كلها للمشركين وأنهم إن زرعوا شيئا من الارض للمسلمين من كل جريب أو فدان زرعوه مكيلة معلومة أو جزء معلوم لانهم قد يزرعون فلا ينبت أو يقل أو يكثر أو لا يزرعون ولا يكونون حينئذ صالحوه على جزية معلومة ولا أمر يحيط العلم أنه يأتي كأقل الجزية أو يجاوز ذلك * وأهل الصلح أحرار إن لم يظهر عليهم ولهم بلادهم إلا ما أعطوه منها * وعلى الامام أن يخمس ما صالحوا عليه فيدفع خمسه إلى أهله وأربعة أخماسه إلى أهل الفئ فإن لم يفعل ضمن في ماله ما استهلك عليهم منه كما وصفت في بلاد العنوة وعلى الامام أن يمنع أهل العنوة والصلح لانهم أهل جزية كما وصفته يمنع أهل الجزية.
الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى حكم الله عزوجل في المشركين حكمان فحكم أن يقاتل أهل الاوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يسلموا قال وأحل الله عزوجل نساء أهل الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم فاحتمل إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب وطعامهم كل أهل الكتاب وكل من دان دينهم واحتمل أن يكون أراد بذلك بعض أهل الكتاب دون بعض فكانت دلالة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم مالا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوراة والانجيل من بنى إسرائيل دون المجوس فكان في ذلك دلالة على أن بنى اسرائيل المرادون بإحلال النساء والذبائح ](4/192)
[ والله تعالى اعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفا في أن لا تنكح نساء المجوس ولا تؤكل ذبائحهم فلما دل الاجماع على أن حكم أهل الكتاب حكمان وأن منهم من تنكح نساؤه وتؤكل ذبيحته ومنهم من لا تنكح نساؤه ولا تؤكل ذبيحته وذكر الله عزو جل نعمته على بني إسرائيل في غير موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم كان من دان دين بنى إسرائيل قبل الاسلام من غير بني إسرائيل في غير معنى من بنى إسرائيل ان ينكح لانه لا يقع عليهم أهل الكتاب بأن آباءهم كانوا غير أهل الكتاب ومن غير نسب بني إسرائيل فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى لا أهل كتاب مطلق فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بنى إسرائيل دان دين اليهود
والنصارى بحال.
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الجارى أو عبد الله بن سعيد مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فمن كان من بنى إسرائيل يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته ومن نكح نساؤه فسبى منهم أحد وطئ بالملك ومن دان دين بنى إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه ولم تؤكل ذبيحته ولم توطأ أمته وإذا لم تنكح نساؤهم ولم توطأ منهم أمة بملك اليمين (1) لم تنكح منهم امرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن كان الصابئون والسامرة من بنى إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى فلاصل التوراة ولاصل الانجيل نكحت نساؤهم وأحلت ذبائحهم وإن خالفوهم في فرع من دينهم لانهم فروع قد يختلفون بينهم وإن خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم (قال الشافعي) وكل من كان من بنى إسرائيل تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم بدينه اليهودية والنصرانية حل ذلك منه حيثما كان محاربا أو مهادنا أو معطيا للجزية لا فرق بين ذلك غير أنى أكره للرجل النكاح ببلاد الحرب خوف الفتنة والسباء عليه وعلى ولده من غير أن يكون محرما والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن ارتد من نساء اليهود إلى النصرانية أو من نساء النصارى إلى اليهودية أو رجالهم لم يقروا على الجزية ولم ينكح من ارتد عن أصل دين آبائه وكذلك إذا ارتدوا إلى مجوسية أو غيرها من الشرك لانه إنما أخذ منهم على الاقرار على دينهم فإذا بدلوه بغير الاسلام حالت حالهم عما أخذ إذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من طعامهم ونسائهم.
تبديل أهل الجزية دينهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما نبنى عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه أو هو دان ذلك الدين قبل نزول القرآن وتقبل من كل من يثبت على دينه ودين آبائه قبل نزول القرآن ما ثبتوا على الاديان التي أخذت الجزية منهم عليها فإن بدل يهودي دينه بنصرانية أو مجوسية أو نصراني دينه بمجوسية أو بدل مجوسي دينه بنصرانية أو انتقل أحد منهم من دينه إلى غير دينه من الكفر مما وصفت أو التعطيل أو غيره لم يقتل لانه إنما يقتل من بدل دين الحق وهو الاسلام، وقيل
إن رجعت إلى دينك أخذنا منك الجزية وإن أسلمت طرحنا عنك فيما يستقبل ونأخذ منك حصة ]
__________
(1) قوله: لم تنكح منهم امرأة كذا في النسخ ولعله " لم تؤكل ذبيحتهم " تأمل.(4/193)
[ الجزية التى لزمتك إلى أن أسلمت أو بدلت وإذا بدلت بغير الاسلام نبذنا إليك ونفيناك عن بلاد الاسلام لان بلاد الاسلام لا تكون دار مقام لاحد إلا مسلم أو معاهد ولا يجوز أن نأخذ منك الجزية على غير الدين الذي أخذت منك أولا عليه ولو أجزنا هذا أجزنا أن يتنصر وثنى اليوم أو يتهود أو يتمجس فنأخذ منه الجزية فيترك قتال الذين كفروا حتى يسلموا وإنما أذن الله عزوجل يأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد صلى الله عليه وسلم وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان له مال بالحجاز قيل وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثا وإن كان له بغير الحجاز لم يترك يقيم في بلاد الاسلام إلا بقدر ما يجمع ماله، فإن أبطأ فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد الاسلام أربعة أشهر لانه أكثر مدة جعلها الله تعالى لغير الذميين من المشركين وأكثر مدة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم قال الله تبارك وتعالى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " قرأ الربيع إلى " غير معجزي الله " فأجلهم النبي صلى الله عليه وسلم ما أجلهم من الله أربعة أشهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا لحق بدار الحرب فعلينا أن نؤدى إليه ماله وليس لنا أن نغنمه بردته عن شرك إلى شرك لما سبق من الامان له، فإن كانت له زوجة وولد كبار وصغار لم يبدلوا أديانهم أقرت الزوجة والولد الكبار والصغار في بلاد الاسلام، وأخذ من ولده الرجال الجزية وإن ماتت زوجته أو أم ولده ولم تبدل دينها وهى على دين يؤخذ من أهله الجزية أقر ولدها الصغار، وإن كانت بدلت دينها وهى حية معه أو بدلته ثم ماتت أو كانت وثنية وله ولد صغار منه ففيهم قولان.
أحدهما أن يخرجوا لانه لا ذمة لابيهم ولا أمهم يقرون بها في بلاد الاسلام.
والثاني لا يخرجون لما سبق لهم من الذمة وإن بدلوا هم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قلت في زوجته وولده الصغير وجاريته وعبده ومكاتبه ومدبره: أقره في بلاد الاسلام فأراد إخراجهم وكرهوه فليس ذلك له وآمره فيمن يجوز له بيعه من رقيقه أن يؤكل به أو يبيعه وأوقف مالا إن وجدت له وأشهد عليه أنه ملكه للنفقة على أولاده الصغار
وزوجته ومن تلزمه النفقة عليه وإن لم أجد له شيئا فلا ينشأ له وقف ونفيته بكل حال عن بلاد الاسلام إن لم يسلم أو يرجع إلى دينه الذي أخذت عليه منه الجزية.
وإذا مات قبل إخراجه ورثت ماله من كان يرثه قبل أن يبدل دينه لان الكفر كله ملة واحدة ويورث الوثني الكتابى والمجوسي وبعض الكتابين بعضا وإن اختلفوا كما الاسلام ملة.
جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: جماع الوفاء بالنذر وبالعهد كان بيمين أو غيرها في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " وفي قوله تعالى " يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا " وقد ذكر الله عزوجل الوفاء بالعقود بالايمان في غير آية من كتابه، منه قوله عزوجل " واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " قرأ الربيع الآية وقوله " يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " مع ما ذكر به الوفاء بالعهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا من سعة لسان العرب الذي ](4/194)
[ خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عزوجل أن يوفى بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية فإن قال قائل ما دل على ما وصفت والامر فيه كله مطلق؟ ومن أين كان لاحد أن ينقص عهدا بكل حال؟ قيل الكتاب ثم السنة صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بإيمانهن " ففرض الله عزوجل عليهم أن لا ترد النساء وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عزوجل وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " الآية.
وأنزل " كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا " الآية.
فإن قال قائل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين؟ قيل كان صلحه لهم طاعة لله، إما عن أمر الله عزوجل بما صنع نصا، وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له
أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته، فإن قال قائل وهل لاحد أن يعقد عقدا منسوخا ثم يفسخه؟ قيل له أن يبتدئ عقدا منسوخا وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن يصلى إلى بيت المقدس ثم يصلى إلى الكعبة لان قبلة بيت المقدس قد نسخت.
ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نسخها فهو مطيع لله عزوجل كالطاعة له حين صلى إلى الكعبة.
وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصيه بعدما نسخت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله عزوجل فلا يزاد فيها ولا ينقص منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية، وهذا فرق بين نبى الله وبين من بعده من الولاة في الناسخ والمنسوخ وفى كل ما وصفت دلالة على أن ليس للامام ان يعقد عقدا غير مباح له وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه، فإن قيل فما يشبه يشبه هذا؟ قيل له هذا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه " وأسر المشركون امرأة من الانصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت الانصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عزوجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يعنى والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله عزوجل دل على إبطاله العقود في خلاف ما يباح من طاعة الله عزوجل ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو كانت لهما فلما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنذرت نحرها كان نحرها معصية بغير إذن مالكها فبطل عنها عقد النذر، وقال الله تبارك وتعالى في الايمان " لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " فأعلم أن طاعة الله عز وجل أن لا يفى باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عزوجل من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عزوجل فيه فأما ما
فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ولا ينبغي للامام ان يعقده.
](4/195)
[ جماع نقض العهد بلا خيانة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين " (قال الشافعي) نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شئ استدل به على خيانتهم (قال الشافعي) فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل هدنة بجميع ما هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم، ومن قلت له أن يبنذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن قال الامام أخاف خيانة قوم ولا دلالة له على خيانتهم من خبر ولا عيان فليس له والله تعالى أعلم نقض مدتهم إذا كانت صحيحة لان معقولا أن الخوف من خيانتهم الذي يجوز به النبذ إليهم لا يكون إلا بدلالة على الخوف (1) ألا ترى أنه لو لم يكن بما يخطر على القلوب قبل العقد لهم ومعه وبعده من أن يخطر عليها أن يخونوا، فإن قال قائل فما يشبهه؟ قيل: قول الله عزوجل " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع " فكان معلوما أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ولم يرها فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة ومعقولا عنده أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز وما يجوز به من بعلها ما أتيح له فيها.
نقض العهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وادع الامام قوما مدة أو أخذ الجزية من قوم فكان الذي عقد الموادعة والجزية عليهم رجلا أو رجالا منهم لم تلزمهم حتى نعلم أن من بقى منهم قد أقر بذلك ورضيه وإذا كان ذلك فليس لاحد من المسلمين أن يتناول لهم مالا ودما، فإن فعل حكم عليه بما استهلك ما كانوا مستقيمين، وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم أو نقضت منهم جماعة بين أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول أو فعل ظاهر قبل أن يأتوا الامام أو يعتزلوا بلادهم ويرسلوا إلى الامام إنا على صلحنا أو يكون الذين نقضوا خرجوا إلى قتال المسلمين أو أهل ذمة للمسلمين فيعينون
المقاتلين أو يعينون على من قاتلهم منهم فللامام أن يغزوهم فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الامام خارج مما فعله جماعتهم فللامام قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنيمة أموالهم كانوا في وسط دار الاسلام أو في بلاد العدو.
وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم وهى معه بطرف المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأحرز عليهم، وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل كان للامام قتال جماعتهم كما كان يقاتلهم قبل الهدنة قد أعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى ]
__________
(1) قوله: ألا ترى إلى قوله أن يخونوا كذا في النسخ ولعل الاصل " ألا ترى أنه أي النبد لم يكن بما يخطر على القلوب قبل العقد لهم ومعه فلا يكون بعده من أن الخ ".(4/196)
[ الله عليه وسلم قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة (1) وترك الباقون معونة خزاعة، فإن خرج منهم خارج بعد مسير الامام والمسلمين إليهم إلى المسلمين مسلما أحرز له الاسلام ماله ونفسه وصغار ذريته، وإن خرج منهم خارج فقال: أنا على الهدنة التي كانت وكانوا أهل هدنة لا أهل جزية وذكر أنه لم يكن ممن غدر ولا أعان قبل قوله إذا لم يعلم الامام غير ما قال، فإن علم الامام غير ما قال نبذ إليه ورده إلى مأمنه ثم قاتله وسبى ذريته وغنم ماله إن لم يسلم أو يعط الجزية إن كان من أهلها، فإن لم يعلم غير قوله وظهر منه ما يدل على خيانته وختره أو خوف ذلك منه نبد إليه الامام وألحقه بمأمنه ثم قاتله لقول الله عزوجل " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى نزلت والله تعالى أعلم في قوم أهل مهادنة لا أهل جزية، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية أو لا تؤخذ إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية لم يكن للامام أخذها منه على الابد وأخذها منه إلى مدة، قال وإن أهل الجزية ليخالفون غير أهل الجزية في أن يخاف الامام غدر أهل الجزية فلا يكون له أن ينبذ إليهم بالخوف والدلالة كما ينبذ إلى غير أهل الجزية حتى ينكشفوا بالغدر أو الامتناع من
الجزية أو الحكم، وإذا كان أهل الهدنة ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية فخيف خيانتهم نبذ إليهم، فإن قالوا نعطى الجزية على أن يجري علينا الحكم لم يكن للامام إلا قبولها منهم، وللامام أن يغزو دار من غدر من ذى هدنة أو جزية يغير عليهم ليلا ونهارا ويسبيهم إذا ظهر الغدر والامتناع منهم، فإن تميزوا أو يخالفهم قوم فأظهروا الوفاء وأظهر قوم الامتناع كان له غزوهم ولم يكن له الاغارة على جماعتهم، وإذا قاربهم دعا أهل الوفاء إلى للخروج فإن خرجوا وفى لهم وقاتل من بقى منهم فإن لم يقدروا على الخروج كان له قتل الجماعة ويتوقى أهل الوفاء فإن قتل منهم أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود لانه بين المشركين وإذا ظهر عليهم ترك أهل الوفاء فلا يغنم لهم مالا ولا يسفك لهم دما، وإذا اختلطوا فظهر عليهم فادعى كل أنه لم يغدر وقد كانت منهم طائفة اعتزلت أمسك عن كل من شك فيه فلم يقتله ولم يسب ذريته ولم يغنم ماله وقتل وسبى ذرية من علم أنه غدر، وغنم ماله.
ما أحدث الذين نقضوا العهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وادع الامام قوما فأغاروا على قوم موادعين أو أهل ذمة أو مسلمين فقتلوا أو أخذوا أموالهم قبل أن يظهروا نقض الصلح فللامام غزوهم وقتلهم وسباؤهم وإذا ظهر عليهم ألزمهم بمن قتلوا وجرحوا وأخذوا ماله الحكم كما يلزم أهل الذمة من عقل وقود وضمان.
قال: وإن نقضوا العهد وآذنوا الامام بحرب أو أظهروا نقض العهد وإن لم يأذنوا الامام بحرب إلا أنهم قد أظهروا الامتناع في ناحيتهم ثم أغاروا أو أغير عليهم فقتلوا أو جرحوا وأخذوا المال حوربوا وسبوا وقتلوا، فإن ظهر عليهم ففيها قولان: أحدهما لا يكون عليهم قود في دم ولا جرح وأخذ منهم ما وجد عندهم من مال بعينه ولم يضمنوا ما هلك من المال (1) ومن قال هذا قال إنما فرقت بين هذا وقد حكم الله عز ]
__________
(1) قوله: وترك الباقون عطف على " أعان " وتأمل.
(1) قوله ومن قال هذا الخ كذا في الاصل الذى بيدنا ولا تخلوا العبارة من تحريف ولعل الاظهر " فإن قال قائل لم فرقت؟ " فحرر.
كتبه مصححه.(4/197)
[ وجل بين المؤمنين بالقود وزعمت أنك تحكم بين المعاهدين به ويجري على المعاهدين ما يجري على
المؤمنين.
قلت استدلالا بالسنة في أهل الحرب وقياسا عليهم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا.
فإن قال فأين؟ قلت: قلت وحشى حمزة بن عبد المطلب يوم أحد ووحشى مشرك، وقتل غير واحد من قريش غير واحد من المسلمين ثم أسلم بعض من قتل فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتل منهم قودا وأحسب ذلك لقول الله عزوجل " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " يقال نزلت في المحاربين من المشركين فكان المحاربون من المشركين خارجين من هذا الحكم وما وصفت من دلالة السنة ثم أسلم طليحة وغيره ثم ارتدوا وقتل طليحة وأخوه ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بعدما أظهر طليحة وأخوه الشرك فصارا من أهل الحرب والامتناع.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين موادعين زنيا بأن جاءوه ونزل عليه " فإن جاءوك فأحكم بينهم بما أنزل الله " فلم يجز إلا أن يحكم على كل ذمى وموادع في مال مسلم ومعاهد أصابه بما أصاب ما لم يصر إلى اظهار المحاربة فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع كما لم يحكم على من صار إلى الاسلام ثم رجع عنه بما فعل في المحاربة والامتناع مثل طليحة وأصحابه، فإذا أصابوا وهم في دار الاسلام غير ممتنعين شيئا فيه حق لمسلم أخذ منه وإن امتنعوا بعده لم يزدهم الامتناع خيرا وكانوا في غير حكم الممتنعين ثم ينالون بعد الامتناع دما ومالا أولئك إنما نالوه بعد الشرك والمحاربة وهؤلاء نالوه قبل المحاربة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن مسلما قتل ثم ارتد وحارب ثم ظهر عليه وتاب كان عليه القود، وكذلك ما أصاب من مال مسلم أو معاهد شيئا، وكذلك ما أصاب المعاهد والموادع لمسلم أو غيره ممن يلزم أن يؤخذ له، ويخالف المعاهد المسلم فيما أصاب من حدود الله عزوجل فلا تقام على المعاهدين حتى يأتوا طائعين أو يكون فيه سبب حق لغيرهم فيطلبه، وهكذا حكمهما معاهدين قبل يمتنعان أو ينقضان.
والقول الثاني: أن الرجل إذا أسلم أو القوم إذا اسلموا ثم ارتدوا وحاربوا أو امتنعوا وقتلوا ثم ظهر عليهم أقيد منهم في الدماء والجراح وضمنوا الاموال تابوا أو لم يتوبوا، ومن قال هذا قال ليسوا كالمحاربين من الكفار لان الكفار إذا أسلموا غفر لهم ما قد سلف وهؤلاء إذا ارتدوا حبطت أعمالهم فلا تطرح عنهم الردة شيئا كان يلزمهم لو فعلوه مسلمين بحال من دم ولا قود ولا مال ولا حد ولا غيره ومن
قال هذا قال لعله لم يكن في الردة قاتل يعرف بعينه أو كان فلم يثبت ذلك عليه أو لم يطلبه ولاة الدم (قال الربيع) وهذا عندي أشبههما بقوله عندي في موضع آخر وقال في ذلك إن لم تزده الردة شرا لم تزده خيرا لان الحدود عليهم قائمة فيما نالوه بعد الردة.
ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أخذت الجزية من قوم فقطع قوم منهم الطريق أو قاتلوا رجلا مسلما فضربوه أو ظلموا مسلما أو معاهدا أو زنى منهم زان أو أظهر فسادا في مسلم أو معاهد حد فيما فيه الحد وعوقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ولم يقتل إلا بأن يجب عليه القتل ولم يكن هذا نقضا للعهد يحل دمه ولا يكون النقض للعهد إلا بمنع الجزية أو الحكم بعد الاقرار والامتناع بذلك ولو قال ](4/198)
[ أودى الجزية ولا أقر بحكم نبذ إليه ولم يقاتل على ذلك مكانه وقيل قد تقدم لك أمان بأدائك للجزية وإقرارك بها وقد أجلناك في أن تخرج من بلاد الاسلام ثم إذا خرج فبلغ مأمنه قتل إن قدر عليه وإن كان عينا للمشركين على المسلمين يدل على عوراتهم عوقب عقوبة منكلة ولم يقتل ولم ينقض عهده وإن صنع بعض ما وصفت من هذا أو ما في معناه موادع إلى مدة نبذ إليه فإذا بلغ مأمنه قوتل إلا أن يسلم أو يكون ممن تقبل منه الجزية فيعطيها لقول الله عزوجل " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء " الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأمر في الذين لم يخونوا أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم في قوله " إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فاتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " الآية.
المهادنة (قال الشافعي) فرض الله عزوجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " فهذا فرض الله على المسلمين قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم وقد كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال كثير من أهل الاوثان بلا مهادنة إذا انتاطت دورهم عنهم مثل بنى تميم وربيعة وأسد، وطئ حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا على غير ما خرج أخذه منهم (قال الشافعي) وقتال الصنفين من المشركين فرض إذا قوى عليهم وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف أو في تركهم للمسلمين نظر للمهادنة وغير المهادنة فإذا قوتلوا فقد وصفنا السيرة فيهم في موضعها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين أو طائفة منهم لعبد دارهم أو كثرة عددهم أو خلة بالمسلمين أو بمن يليهم منهم جاز لهم الكف عنهم ومهادنتهم على غير شئ يأخذونه من المشركين وإن أعطاهم المشركون شيئا قل أو كثر كان لهم أخذه ولا يجوز أن يأخذوه منهم إلا إلى مدة يرون أن المسلمين يقوون عليها إذا لم يكن فيه وفاء بالجزية أو كان فيه وفاء ولم يعطوا أن يجري عليهم الحكم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال على أن يكفوا عنهم لان القتل للمسلمين شهادة وأن الاسلام أعز من ان يعطى مشرك على أن يكف عن أهله لان أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال واحدة وأخرى أكثر منها وذلك أن يلتحم قوم من المسلمين فيخافون أن يصطلحوا لكثرة العدو وقلتهم وخلة فيهم فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئا من أموالهم على أن يتخلصوا من المشركين لانه من معاني الضرورات يجوز فيها مالا يجوز في غيرها أو يؤسر مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس أن يفدى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من أصحابه أسره العدو برجلين، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين.
المهادنة على النظر للمسلمين (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه ](4/199)
[ وسلم وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعد له من عدوه بنجد فمنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة فسمعت به قريش فجمعت له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدة ولم يهادنهم على الابد لان قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوى عليهم وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " قال ابن شهاب فما كان في الاسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أحرجت الناس فلما أمنوا لم يتكلم بالاسلام أحد يعقل إلا قبله فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك ثم نقض بعض قريش ولم ينكر عليه غيره إنكارا يعتد به عليه ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مخفيا لوجهه ليصيب منهم غرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكانت هدنة قريش نظرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين للامرين اللذين وصفت من كثرة جمع عدوهم وجدهم على قتاله وإن أرادوا الدخول عليهم وفراغه لقتال غيرهم وأمن الناس حتى دخلوا في الاسلام قال فأحب للامام إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأرجوا أن لا ينزلها الله عزوجل بهم إن شاء الله تعالى مهادنة يكون النظر لهم فيها ولا يهادن إلا إلى مدة ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية كانت النازلة ما كانت فإن كانت بالمسلمين قوة قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة فان لم يقو الامام فلا بأس أن يجدد مدة مثلها أو دونها ولا يجاوزها من قبل أن القوة للمسلمين والضعف لعدوهم قد يحدث في أقل منها وإن هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضة لان أصل الفرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية فإن الله عز وجل أذن بالهدنة فقال " إلى الذين عاهدتم من المشركين " وقال تبارك وتعالى " إلا الذين عاهدتم " فلما لم يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة أكثر من مدة الحديبية لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين ولا تجاوز (قال) وليس للامام أن يهادن القوم من المشركين على النظر إلى غير مدة هدنة مطلقة فإن الهدنة المطلقة على الابد وهي لا تجوز لما وصفت ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه حتى إن شاء أن ينبذ إليهم فإن رأى نظرا للمسلمين ان ينبذ فعل فإن قال قائل فهل لهذه المدة أصل؟ قيل نعم افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال خيبر عنوة وكانت رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحا فصالحوه على ان يقرهم ما أقرهم الله عزوجل ويعملون له وللمسلمين بالشطر من الثمر فإن قيل ففى هذا نظر للمسلمين؟ قيل نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها مخالفين للمشركين وأقوياء على منعها منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ولم يكن بالمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها
فلما كثر المسلمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باجلاء اليهود عن الحجاز فثبت عند عمر ذلك فأجلاهم فإذا أراد الامام أن يهادنهم إلى غير مدة هادنهم على أنه إذا بدا له نقض الهدنة فذلك إليه وعليه أن يلحقهم بما منهم.
فإن قيل فلم لا يقول ما أقركم الله عزوجل؟ قيل للفرق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن أمر الله عزوجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي ولا يأتي أحدا غيره بوحى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن جاء من المشركين يريد الاسلام فحق على الامام أن يؤمنه حتى يتلو عليه كتاب الله عزوجل ويدعوه إلى الاسلام بالمعنى الذي يرجو أن يدخل الله عز وجل به عليه الاسلام لقول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قلت ينبذ إليه ](4/200)
[ أبلغه مأمنه وإبلاغه مأمنه أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين ما كان في بلاد الاسلام أو حيث يتصل ببلاد الاسلام وسواء قرب ذلك أم بعد (قال الشافعي) ثم أبلغه مأمنه: يعنى والله تعالى أعلم منك أو ممن يقتله على على دينك (1) ممن يطيعك لا أمانه من غيرك من عدوك وعدوه الذى لا يأمنه ولا يطيعك، فإذا أبلغه الامام أدنى بلاد المشركين شيئا فقد ابلغه مأمنه الذي كلف إذا أخرجه سالما من أهل الاسلام ومن يجرى عليه حكم الاسلام من أهل عهدهم فإن قطع به بلادنا وهو أهل الجزية كلف المشى ورد إلا أن يقيم على إعطاء الجزية قبل منه، وإن كان ممن لا يجوز فيه الجزية يكلف المشى أو حمل ولم يقر ببلاد الاسلام وألحق بمأمنه وإن كانت عشيرته التي يأمن فيها بعيدة فأراد أن يبلغ أبعد منها لم يكن على الامام وإن كان له مأمنان فعلى الامام إلحاقه بحيث كان يسكن منهما وإن كان له بلدا شرك كان يسكنهما معا ألحقه الامام بأيهما شاء الامام، ومتى سأله أن يجيره حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه مأمنه وغيره من المشركين كان ذلك فرضا على الامام ولو لم يجاوز به موضعه الذي استأمنه منه رجوت أن يسعه.
مهادنة من يقوى على قتاله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة فللامام مهادنتهم على النظر
للمسلمين رجاء أن يسلموا أو يعطوا الجزية بلا مؤنة وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر وليس له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر لقول الله عزوجل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين إلى قوله " إن الله برئ من المشركين ورسوله " الآية وما بعدها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما قوى أهل الاسلام أنزل الله عزوجل على رسوله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك " براءة من الله ورسوله " فأرسل بهذه الآيات مع على بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه فقرأها على الناس في الموسم وكان فرضا أن لا يعطى لاحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر لانها الغاية التي فرضها الله عز وجل، قال وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر لم أعلمه زاد احدا بعد أن قوى المسلمون على أربعة أشهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقيل كان الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم قوما موادعين إلى غير مدة معلومة فجعلها الله عزوجل أربعة أشهر ثم جعلها رسوله كذلك وأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوم عاهدهم إلى مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة نبذ إليه فلم يجز أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله عز وجل فيهم وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ولا أعرف كم كانت مدة النبي صلى الله عليه وسلم ومدة من أمر أن يتم إليه عهده إلى مدته قال ويجعل الامام المدة إلى أقل من أربعة أشهر إن رأى ذلك وليس بلازم له أن يهادن بحال إلا على النظر للمسلمين ويبين لمن هادن ويجوز له في النظر لمن رجا إسلامه وإن تكن له شوكة أن يعطيه مدة أربعة أشهر إذا خاف إن لم يفعل أن يلحق بالمشركين وإن ظهر على بلاده فقد صنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بصفوان حين خرج هاربا إلى اليمن من الاسلام ثم ]
__________
(1) لعله: " أو ممن يطيعك " تأمل.
كتبه مصححه.(4/201)
[ أنعم الله عزوجل عليه بالاسلام من قبل أن تأتي مدته ومدته أشهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن جعل الامام لمن قلت ليس له أن يجعل له مدة أكثر من أربعة أشهر فعليه أن ينبذ إليه لما وصفت من أن ذلك لا يجوز له ويوفيه المدة إلى أربعة أشهر لا يزيده عليها، وليس له إذا كانت مدة أكثر من أربعة
أشهر ان يقول لا أفى لك بأربعة أشهر لان الفساد إنما هو فيما جاوز الاربعة الاشهر.
جماع الهدنة على أن يرد الامام من جاء بلده مسلما أو مشركا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن قريشا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضا وأن من جاء قريشا من المسلمين مرتدا لم يردوه عليه ومن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة منهم رده عليهم ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلما إلى غير المدينة في بلاد الاسلام والشرك وإن كان قادرا عليه ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا الشرط وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " فقال بعض المفسرين قضينا لك قضاء مبينا فتم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبى معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله عز وجل الصلح في النساء وأنزل الله تبارك وتعالى " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن " الآية كلها وما بعدها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز للامام من هذا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل في الرجال دون النساء لان الله عزوجل نسخ رد النساء إن كن في الصلح ومنع أن يرددن بكل حال فإذا صالح الامام على مثل ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالح على أن لا يمنع الرجال دون النساء للرجال من أهل دار الحرب إذا جاء أحد من رجال أهل دار الحرب إلى منزل الامام نفسه وجاء من يطلبه من أوليائه خلى بينه وبينهم بأن لا يمنعه من الذهاب به وأشار على من أسلم أن لا يأتي منزله وأن يذهب في الارض فإن أرض الله عز وجل واسعة فيها مراغم كثيرة، وقد كان أبو بصير لحق بالعيص مسلما ولحقت به جماعة من المسلمين فطلبوهم من النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما أعطيناكم أن لا نؤيهم ثم لا نمنعكم منهم إدا جئتم ونتركهم ينالون من المشركين ما شاءوا " (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا صالح الامام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم منهم بأحد ولم يأمر أبا بصير ولا أصحابه بإتيانهم وهو يقدر على ذلك وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره.
وإذا صالحهم على أن لا يمنعهم من نساء مسلمات جئنه لم يجز الصلح وعليه منعهم
منهن لانهن إن لم يكن دخلن في الصلح بالحديبية فليس له أن يصالح على هذا فيهن وإن كن دخلن فيه فقد حكم الله عزوجل أن لا ترجعوهن إلى الكفار ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاءه من النساء وهكذا من جاءه من معتوه أو صبي هاربا منهم لم تكن له التخلية بينه وبينهم لانهما يجامعان النساء في أن لا يمنعا معا ويزيدان على النساء أن لا يعرفا ثوابا في أن ينال منهما المشركون شيئا ولا يرد إليهم في صبي ولا في معتوه شيئا كما لا يرد إليهم في النساء غير المتزوجات شيئا لان الرد إنما هو في المتزوجات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن جاءه من عبيدهم مسلما لم يرده إليهم وأعتقه ](4/202)
[ بخروجه إليه وفي إعطائهم القيمة قولان أحدهما أن يعطوها ذكرا أو أنثى لان رقيقهم ليس منهم ولهم حرمة الاسلام.
فإن قال قائل فكيف لا يكون منهم؟ قيل فإن الله عزوجل يقول " وأشهدوا ذوى عدل منكم " فلم يختلف المسلمون أنها على الاحرار دون المماليك ذوي العدل ولا يقال لرقيق الرجل هم منك إنما يقال هم مالك وإنما يرد عليهم القيمة بأنهم إذا صولحوا أمنوا على أموالهم ولم امان فلما حكم الله عزوجل بأن يرد نفقة الزوجة لانها فائنه حكم بأن يرد قيمة المملوك لانه فائت.
وما رددنا عليهم فيه من النفقة.
قلنا أن نأخذ منهم إذا فات المسلمين إليهم مثله وما لم نعطهم فيه شيئا من الاحرا الرجال أو غير ذوات الازواج لم نأخذ منهم شيئا إذا مات المسلمين إليهم مثله لان الله عزوجل إنما حكم بأن يرد إليهم العوض في الموضع الذي حكم للمسلمين بأن يأخذوا منهم مثله.
والقول الثاني لا يرد إليهم قيمة ولا يأخذ منهم فيمن فات إليهم من رقيق عينا ولا قيمة لان رقيقهم ليسوا منهم.
ولا يجوز للامام إذا لم يصالح القوم إلا على ما وصفت أن يمكنهم من مسلم كان أسيرا في أيديهم فانفلت منهم ولا يقضى لهم عليه بشئ ولو أقر عبدهم أنهم أرسلوه على أن يؤدى إليهم شيئا لم يجز له أن يأخذه لهم ولم يخرج المسلم بحسبه لانه اعطاهموه على ضرورة هي أكثر الاكراه وكل ما أعطى المرء على الاكراه لم يلزمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن أسيرا في بلاد الحرب أخذ منهم مالا على أن يعطيهم منه عوضا كان بالخيار بين أن يعطيهم مثل مالهم إن كان له مثل أو مثل قيمته إن لم يكن له مثل أو العوض الذي رضوا به، وإن كان في يده إليهم بعينه إن لم يكن تغير وإن كان تغير رده ورد ما نقصه لانه
أخذه على أمان وإنما أبطلت عنه الشرط بالاكراه والضرورة فيما لم يأخذ به عوضا.
وهكذا لو صالحنا قوما من المشركين على مثل ما وصفت فكان في أيديهم أسير من غيرهم فانفلت فأتانا لم يكن لنا رده عليهم من قبل أنه ليس منهم وأنهم قد يمسكون عن قتل وتعذيب من كان منهم إمساكا لا يمسكونه عن غيره.
أصل نقض الصلح فيما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى حفظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية الصلح الذي وصفت فخلى بين من قدم عليه من الرجال ووليه وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما وأخبر أن الله عزوجل نقض الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في صلح الحديبية بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وذكر بعض أهل التفسير أن هذه الآية نزلت فيها " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " قرأ الربيع الآية، ومن قال إن النساء كن في الصلح قال بهذه الآية مع الآية التي في " براءة " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذه الآية مع الآية في براءة قلنا إذا صالح الامام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء وقد أعطى المشركين فيما حفظنا فيهن ما أعطاهم في الرجال بأن لم يستثنين وأنهن منهم وبالآية في براءة، وبهذا قلنا إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهودا وأيمانا بأن يأتيهم أو يبعث إليهم بكذا أو بعدد أسرى أو مال فحلال له أن لا يعطيهم قليلا ولا كثيرا لانها ايمان مكره وكذلك لو أعطى الامام عليه أن يرده عليهم إن جاءه.
فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل ](4/203)
[ له: لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل أحدهما وهرب الآخر منه فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال قولا يشبه التحسين له ولا حرج عليه في الايمان لانها ايمان مكره وحرام على الامام أن يرده إليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أراد هو الرجوع حبسه، وكذلك حرام على الامام أن يأخذ منه شيئا لهم مما صالحهم عليه، وكذلك
إن أعطاهم هذا في عبد له أو متاع غلبوا عليه لم يكن للامام أن يأخذ منه الشئ (1) يعطونه إياه فيأخذه الامام برد السلف أو مثله أو قيمته إن لم يكن له مثل، ولو أعطوه إياه بيعا فهو بالخيار بين أن يرده إليهم إن لم يكن تغير أو يعطيهم قيمته أو الثمن لانه مكره حين اشتراه وهو أسير فلا يلزمه ما اشترى وللامام أن يعطيهم منه ما وجب لهم عليه بما اشتراه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا قلنا لو أعطى الامام قوما من المشركين الامان على أسير في أيديهم من المسلمين ثم جاءوه لم يحل له إلا نزعة من أيديهم بلا عوض لما وصفت من خلاف حال الاسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين (2) ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم الممنوعين منهم ومن غيرهم أن ينالوا بتلف.
فإن ذهب ذاهب إلى رد أبى جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبى ربيعة إلى أهله بما أعطاهم قيل له آباؤهم وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرص على سلامتهم وأهلهم كانوا سيقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أو أمر لا يحملونه من عذاب وإنما نقموا منهم خلافهم دينهم ودين آبائهم فكانوا يتشددون عليهم ليتركوا دين الاسلام وقد وضع الله عزوجل عنهم المأثم في الاكراه فقال " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " ومن أسر مسلما من غير قبيلته وقرابته فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد، وليس حالهم واحدة ويقال له أيضا ألا ترى أن الله عزوجل نقض الصلح في النساء إذا كن إذا أريد بهن الفتنة ضعفن عند عرضها عليهن ولم يفهمن فهم الرجال أن التقيه تسعهن في إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى المسلمين في أكثر من هذا الحال إلا أن الرجال ليس ممن ينكح وربما كان في المشركين من يفعل فيما بلغنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
جماع الصلح في المؤمنات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " قرأ الربيع الآية (قال الشافعي) وكان بينا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر وقطع العصمة بالاسلام بينهن وبين أزواجهن، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين وكان بينا فيها أن يرد على الازواج نفقاتهم ومعقول فيها أن نفقاتهم التي
ترد نفقات الللائى ملكوا عقدهن وهي المهور إذا كانوا قد أعطوهن إياها، وبين أن الازواج الذين يعطون النفقات لانهم الممنوعون من نسائهم وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن لانه لا إشكال عليهم في ان ينكحوا غير ذوات الازواج إنما كان الاشكال في نكاح ذوات ]
__________
(1) فيه سقط ولعل الاصل " لم يكن للامام أن يأخذه منه لهم ويأخذ منه الشئ الخ " تأمل.
(2) قوله: ما أعطى مفعول فلان.
فتنبه.(4/204)
[ الازواج حتى قطع الله عزوجل عصمة الازواج بإسلام النساء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الازواج فلا يؤتى أحد نفقته من امرأة فاتت إلا ذوات الازواج وقد قال الله عزوجل للمسلمين " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة فكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان.
قال " واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا " يعنى والله تعالى أعلم أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالاسلام أوتوا ما دفع إليهن الازواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله الله عزوجل حكما بينهم ثم حكم لهم في مثل هذا المعنى حكما ثانيا، فقال عز وعلا " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم " والله تعالى أعلم يريد فلم تعفوا عنهم إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " كأنه يعنى من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة حسبت مائة المسلم بمائة المشرك فقيل تلك العقوبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطى المشرك ما قاصصناه به من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك، ولو كان للمسلمة التي تحت مشرك أكثر من مائة رد الامام الفضل عن المائة إلى الزوج المشرك.
ولو كان مهر المسلمة ذات الزوج المشرك مائتين ومهر امرأة المسلم الفائتة إلى الكفار مائة ففاتت امرأة مشركة أخرى قص من مهرها مائة وليس على الامام أن يعطى ممن فاتته زوجته من المسلمين إلى المشركين إلا قصاصا من مشرك فاتت زوجته إلينا وإن فاتت زوجة المسلم مسلمة أو
مرتده فمنعوها فذلك له وإن فاتت على أي الحالين كان فردوها لم يؤخذ لزوجها منهم مهر وتقتل إن لم تسلم إذا ارتدت وتقر مع زوجها مسلمة.
تفريع أمر نساء المهادنين (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى موضع الامام من دار الاسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولى سوى زوجها منع منها بلا عوض وإذا طلبها زوجها بنفسه أو طلبها غيره بوكالته منعها وفيها قولان أحدهما يعطى العوض والعوض ما قال الله عزوجل " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومثل ما أنفقوا يحتمل والله تعالى أعلم ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين فأعطاها مائة ردت إليه مائة وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين ردت إليه خمسون لانها لم تأخذ من الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئا من الصداق لم نرد إليه شيئا لانه لم ينفق بالصداق شيئا ولو أنفق من عرس وهدية وكرامة لم يعط من ذلك شيئا لانه تطوع به ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه أو نقصها منه لان الله عزوجل أمر بأن يعطوا مثل ما أنفقوا ويعطى الزوج هذا الصداق من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفئ والغنيمة دون ما سواه من المال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مالى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود ](4/205)
[ فيكم " يعني والله تعالى أعلم في مصلحتكم وبأن الانفال كانت تكون عنه، وأن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل فضل ماله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن ادعى الزوج صداقا وأنكره الامام أو جهله، فإن جاء الزوج بشاهدين من المسلمين أو شاهد حلف معه أعطاه وإن لم يجد شاهدا إلا مشركا لم يعطه بشهادة مشرك وينبغى للامام أن يسأل المرأة فإن أخبرته شيئا وأنكر الزوج أو صدقته لم يقبله الامام وكان على الامام أن يسأل عن مهر مثلها في ناحيتها ويحلفه بأنه دفعه ثم يدفعه إليه وقل قوم إلا ومهورهم معروفة ممن معهم من المسلمين الاسرى والمستأمنين
أو الحاضرين لهم أو المصالح عليهم لم يكن معهم مسلمون منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن أعطاه المهر على واحد من هذه المعاني بلا بينة ثم أقام عنده شاهدا أنه أكثر مما أعطاه رجع عليه بالفضل الذي شهدت له به البينة ولو أعطاه بهذه المعاني أو ببينة ثم أقر عنده أنه أقل مما أعطاه رجع عليه بالفضل وحبسه فيه ولم يكن هذا نقضا لعهده، وإن لم يقدم زوجها ولا رسوله بطلبها حتى مات فليس لورثته فيما أنفق من صداقها شئ لانه لو كان حيا فلم يطلبه إياه، وإنما جعل له ما أنفق إذا منع ردها إليه وهو لا يقال له ممنوع ردها إليه حتى يطلبها فيمنع ردها إليه، وإن قدم في طلبها فلم يطلبها إلى الامام حتى مات كان هكذا، وكذلك لو لم يطلبها إلى الامام حتى طلقها ثلاثا أو ملكها أن تطلق نفسها ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها لم يكن له عوض لانه قد قطع حقه فيها حتى لو أسلم وهى في عدة لم تكن له زوجة فلا يرد إليه المهر من امرأة قد قطع حقه فيها بكل حال، وكذلك لو خالعها قبل أن يرتفع إلى الامام لانه لو أسلم ثبت الخلع وكانت بائنا منه لا يعطى من نفقته شئ من امرأة قطع أن تكون زوجة له بحال، ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم طلب العوض لم نعطه حتى يراجعها فإن راجعها في العدة من يوم طلقها ثم طلبها أعطى العوض لانه لم يقطع حقه في العوض لا يكون قطعه حقه في العوض إلا بأن يحدث طلاقا لو كانت ساعتها تلك أسلمت وأسلم لم يكن له عليها رجعة ولو كانت المرأة قدمت غير مسلمة كان هذا هكذا، قال ولو قدمت مسلمة وجاء زوجها فلم يطلبها حتى ماتت لم يكن له عوض لانه إنما يعاوض بأن يمنعها وهي بحضرة الامام، ولو كانت المسألة بحالها فلم تمت ولكن غلبت على عقلها كان لزوجها العوض ولو قدم الزوج مسلما وهي في العدة كان أحق بها ولو قدم يطلبها مشركا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته ورجع عليه بالعوض فأخذ منه إن كان أخذه ولو طلب العوض فأعطيه ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها ثم أسلم فله العوض لانها قد بانت منه بالاسلام في ملك النكاح ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض لانه إنما ملكها بعقد غيره، وإن قدمت امرأة من بلاد الاسلام أو غيرها حيث ينفذ أمر الامام ثم جاء زوجها يطلبها إلى الامام لم يعط عوضا لانها لم تقدم عليه وواجب على كل من كانت بين ظهرانيه من المسلمين أن يمنعها زوجها ومتى ما صارت إلى دار الامام فمنعها منه فله العوض ومتى طلبها زوجها وهى
في دار الامام فجاء زوجها فلم يرفعها إلى الامام حتى تنحت عن دار الامام لم يكن له عوض لانه يكون له العوض بأن تقيم في دار الامام، ومتى طلبها بعد مدتها أن مغيبها عن دار الامام فلا عوض له، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا قتلت فإن قدم زوجها بعد القتل فقد فاتت ولا عوض، وإن قدم قبل أن ترتد فارتدت وطلبها لم يعطها وأعطى العوض واستتيبت فإن تابت وإلا قتلت، وإن قدم وهى مرتدة قبل أن تقتل فطلبها أعطى العوض وقتلت مكانها، ومتى طلبها فقد استوجب العوض لان على الامام منعه منها، وإن قدمت وطلبها الزوج ثم قتلها رجل فعليه القصاص ](4/206)
[ أو العقل ولزوجها العوض وكذلك لو قدم وفيها الحياة لم تمت وإن كان يرى أنها في آخر رمق لانه يمنعها في هذه الاحوال إلا أن تكن جنى عليها جناية فصارت في حال لا تعيش فيها إلا كما تعيش الذبيحة فهى في حال الميتة فلا يعطى فيها عوضا، وإذا كان على الامام منعه إياها في هذه الاحوال بأن تكون في حكم الحياة كان له العوض ولا يستوجب العوض بحال إلا أن يطلبها إلى الامام أو وال يخلفه ببلده فإن طلبها إلى من دون الامام من عامة أو خاصة الامام أو وال ممن لم يوله الامام هذا فهذا لا يكون له به العوض، ومتى وصل إلى الامام طلبه بها وإن لم يصل إليه فله العوض، وإن ماتت قبل أن تصل إلى الامام ثم طلبها إليه فلا عوض له، وإن كانت القادمة مملوكة متزوجة رجلا حرا أو مملوكا أمر الامام باختيار فراق الزوج إن كان مملوكا وإن كان حرا فطلبها أو مملوكا فلم تختر فراقه حتى قدم مسلما فهى على النكاح، وإن قدم كافرا فطلبها فمن قال تعتق ولا عوض لمولاها لانها ليست منهم فلا عوض لمولاها ولا لزوجها كما لا يكون لزوج المرأة المأسورة فيهم من غيرهم عوض، ومن قال تعتق ويرد الامام على سيدها قيمتها فلزوجها العوض إذا كان حرا وإن كان مملوكا فلا عوض له إلا ان يجتمع طلبه وطلب السيد فيطلب هو امرأته بعقد النكاح والسيد المال (1) مع طلبه، فإن انفرد أحدهما دون الآخر فلا عوض له، وإن كان هذا بيننا وبين أحد من أهل الكتاب فجاءتنا امرأة رجل منهم مشركة أو امرأة غير كتابي وهذا العقد بيننا وبينه فطلبها زوجها لم يكن لنا منعه منها إذا كان الزوج القادم أو محرما لها بوكالته إذا سألت ذلك، وإن كان الزوج القادم فطلبها زوجها وأسلمت أعطيناه العوض وإن لم تسلم دفعناها
إليه، ولو خرجت امرأة رجل منهم معتوهة منعنا زوجها منها حتى يذهب عنها، فإذا ذهب فإن قالت خرجت مسلمة وأن أعقل ثم عرض لي فقد وجب له العوض، وإن قالت خرجت معتوهة ثم ذهب هذا عنى فأنا أسلم منعناها منه وإن طلبها يومئذ أعطيناه العوض وإن لم يطلبها فلا عوض له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن خرجت إلينا منهم زوجة رجل لم تبلغ وإن عقلت فوصفت الاسلام منعناها منه بصفة الاسلام ولا يعطى حتى تبلغ فإذا بلغت وثبتت على الاسلام أعطيناه العوض إذا طلبها بعد بلوغها وثبوتها على الاسلام فإن لم يطلبها بعد ذلك لم يكن له عوض من قبل أنه لا يكمل إسلامها حتى تقتل على الردة إلا بعد البلوغ، ولو جاءتنا جارية لم تبلغ فوصفت الاسلام وجاء زوجها وطلبها فمنعناه منها فبلغت ولم تصف الاسلام بعد البلوغ فتكون من الذين أمرنا إذا علمنا إيمانهن أن لا ندفعهن إلى أزواجهن فمتى وصفت الاسلام بعد وصفها الاسلام والبلوغ لم يكن له عوض وكذلك إن بلغت معتوهة لم يكن له عوض، والقول الثاني: أن له العوض في كل حال منعناها منه بصفة الاسلام وإن كانت صبية، وإذا جاء زوج المرأة يطلبها فلم يرتفع إلى الامام حتى أسلم وقد خرجت امرأته من العدة لم يكن له عوض ولا على امرأته سبيل لانه لا يمنع من امرأته إذا أسلم إلا بانقضاء عدتها ولو كانت في عدتها كانا على النكاح وإنما يعطى العوض من يمنع امرأته، ولو قدم وهى في العدة ثم أسلم ثم طلبها إلى الامام خلى بينه وبينها فإن لم يطلبها حتى ارتدت بعد إسلامه ثم طلب العوض لم يكن له لانه لما أسلم صار ممن لا يمنع امرأته فلا يكون له عوض لانى أمنعها منه بالردة، فإن لحق بدار الحرب مرتدا فسأل العوض لم يعطه لما وصفت، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت ثم طلب (2) منها ]
__________
(1) قوله: مع طلبه، أي طلب المملوك امرأته.
فتنبه.
(2) لعله: لم يمنع منها بالاسلام الخ وتأمل.
كتبه مصححه.(4/207)
[ الاسلام الاول ويمنع منها بالردة وإن رجعت إلى الاسلام وهى في العدة فهو أحق بها وإن رجعت بعد مضى العدة والعصمة منقطعة بينهما فلا عوض وكل ما وصفت فيه العوض في قول من رأى أن يعطى العوض وفيه قول ثان لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض ولو شرط الامام برد
النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال: إن شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل الحديبية إذ دخل فيه أن يرد من جاءه منهم وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ثم رسوله لاهل الحديبية ورد عليهم فيما نسخ منه العوض ولما قضى الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ترد النساء لم يكن لاحد ردهن ولا عليه عوض فيهن لان شرط من شرط رد النساء بعد نسخ الله عزوجل ثم رسوله لها باطل ولا يعطى بالشرط الباطل شئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن قال هذا لم يرد مملوكا بحال ولا يعطيهم فيه عوضا وأشبههما أن لا يعطوا عوضا والآخر كما وصفت يعطون فيه العوض، ومن قال هذا لا نرد إلى أزواج المشركين عوضا لم يأخذ للمسلمين فيما فات من أزواجهم عوضا، وليس لاحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمر الخليفة لانه يلى الاموال كلها فمن عقده غير خليفة فعقده مردود وإن جاءت فيه امرأة أو رجل لم يرد للمشركين ولم يعطوا عوضا ونبذ إليهم، وإذا عقد الخليفة فمات أو عزل واستخلف غيره فعليه أن يفي لهم بما عقد لهم الخليفة قبله، وكذلك على والى الامر بعده إنفاذه إلى انقضاء المدة فإن انقضت المدة فمن قدم من رجل أو امرأة لم يرده ولم يعط عوضا وكانوا كأهل دار الحرب قدم عينا نساؤهم ورجالهم مسلمين فنقبلهم ولا نعطى أحدا عوضا من امرأته في قول من أعطى العوض فإن هادناهم على الترك سنة فقدمت علينا امرأة رجل منهم وكان الذين هادنونا من أهل الكتاب أو ممن دان دينهم قبل نزول الفرقان وأسلموا في دارهم أو أعطوا الجزية ثم جاءونا يطلبون رجالهم ونساءهم قيل قد انقضت الهدنة وخير لكم دخولكم في الاسلام وهؤلاء رجالكم فإن أحبوا رجعوا وإن أحبوا أقاموا وإن أحبوا انصرفوا، ولو نقضوا العهد بيننا وبينهم لم يعطوا عوضا من امرأة رجل منهم ولم يرد إليهم منهم مسلم وهكذا لو هادنا قوما هكذا وأتانا رجالهم فخلينا بين أوليائهم وبينهم ثم نقضوا العهد كان لنا إخراجهم من أيديهم وعلينا طلبهم حتى نخرجهم من أيديهم لانهم تركوا العهد بيننا وبينهم وسقط الشر وهكذا لو هادنا من لا تؤخذ منه الجزية في كل ما وصفته إلا أنه ليس لنا أن نأخذ الجزية وإذا هادنا قوما رددنا إليهم ما فات إلينا من بهائم أموالهم وأمتعتهم لانه ليس في البهائم حرمة يمنعن بها من أن نصيرها إلى مشرك وكذلك المتاع وإن صارت في يد بغضنا فعليه أن يصيرها إليهم ولو استمتع بها واستهلكها كان كالغصب يلزمه لهم ما يلزم الغاصب من كراء إن كان
لها وقيمة ما هلك منها في أكثر ما كانت قيمته.
إذا أراد الامام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول سنة كذا وكذا لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الساكن بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا إنك سألتنى أن أؤمنك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا وأعقد لك ولهم ما يعقد لاهل الذمة على ما أعطيتني وشرطت لك ولهم وعليك وعليهم فأجبتك إلى أن عقدت لك ولهم على وعلى جميع المسلمين الامان ما استقمت ](4/208)
[ واستقاموا بجميع ما أخذنا عليكم وذلك أن يجري عليكم حكم الاسلام لا حكم خلافه بحال يلزمكموه ولا يكون لكم أن تمتنعوا منه في شئ رأيناه نلزمكم به وعلى أن أحدا منكم إن ذكر محمدا صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله عزوجل أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطى عليه الامان وحل لامير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب دماؤهم، وعلى أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنا أو اسم نكاح أو قطع الطريق على مسلم أو فتن مسلما عن دينه أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورة المسلمين وإيواء لعيونهم فقد نقض عهده وأحل دمه وماله، وإن نال مسلما بما دون هذا في ماله أو عرضه أو نال به من على مسلم منعه من كافر له عهد أو أمان لزمه فيه الحكم وعلى أن نتتبع أفعالكم في كل ما جرى بينكم وبين مسلم فما كان لا يحل لمسلم مما لكم فيه فعل رددناه وعاقبناكم عليه وذلك أن تبيعوا مسلما بيعا حرا ما عندنا من خمر أو خنزير أو دم ميته أو غيره ونبطل البيع بينكم فيه ونأخذ ثمنه منكم إن أعطاكموه ولا نرده عليكم إن كان قائما ونهريقه إن كان خمرا أو دما ونحرقه إن كان ميتة وإن استهلكه لم نجعل عليه فيه شيئا ونعاقبكم عليه، وعلى أن لا تسقوه أو تطعموه محرما أو تزوجوه بشهود منكم أو بنكاح فاسد عندنا وما بايعتم به كافرا منكم أو من غيركم لم نتبعكم فيه ولم نسألكم عنه ما تراضيتم به.
وإذا أراد البائع منكم أو المبتاع نقض البيع وأتانا طالبا له فإن كان منتقضا عندنا نقضناه وإن كان جائزا أجزناه إلا أنه إذا قبض المبيع وفات لم يرده لانه بيع بين مشركين مضى ومن جاءنا منكم أو من غيركم
من أهل الكفر يحاكمكم أجريناكم على حكم الاسلام ومن لم يأتنا لم نعرض لكم فيما بينكم وبينه، وإذا قتلتم مسلما أو معاهدا منكم أو من غيركم خطأ فالدية على عواقلكم كما تكون على عواقل المسلمين وعواقلكم قراباتكم من قبل آبائكم وإن قتله منكم رجل لا قرابة له فالدية على في ماله، وإذا قتله عمدا فعليه القصاص إلا أن تشاء ورثته دية فيأخذونها حالة، ومن سرق منكم فرفعه المسروق إلى الحاكم قطعه إذا سرق ما يجب فيه القطع وغرم، ومن قذف فكان للمقذوف حد حد له، وإن لم يكن حد عزر حتى تكون أحكام الاسلام جارية عليكم بهذه المعاني فيما سمينا ولم نسم وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شئ من أمصار المسلمين الصليب ولا تعلنوا بالشرك ولا تبنوا كنيسة ولا موضع مجتمع لصلاتكم ولا تضربوا بناقوس ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى بن مريم ولا في غيره لاحد من المسلمين، وتلبسوا الزنانير من فوق جميع الثياب الاردية وغيرها حتى لا تخفى الزنانير وتخالفوا بسروجكم وركوبكم وتباينوا بين قلانسكم وقلانسهم بعلم تجعلونه بقلانسكم وأن لا تأخذوا على المسلمين سروات الطرق ولا المجالس في الاسواق وأن يؤدى كل بالغ من أحرار رجالكم غير مغلوب عن عقله جزية رأسه دينارا مثقالا جيدا في رأس كل سنة لا يكون له أن يغيب عن بلده حتى يؤديه أو يقيم به من يؤديه عنه لا شئ عليه من جزية رقبته إلى رأس السنة ومن افتقر منكم فجزبته عليه حتى تؤدي عنه وليس الفقر بدافع عنكم شيئا ولا ناقض لذمتكم (1) عن ما به فمتى وجدنا عندكم شيئا أخذتم به، ولا شئ عليكم في أموالكم سوى جزيتكم ما أقمتم في بلادكم واختلفتم ببلاد المسلمين غير تجار وليس لكم دخول مكة بحال وإن اختلفتم بتجارة على أن تؤدوا من جميع تجاراتكم العشر إلى المسلمين فلكم دخول جميع بلاد المسلمين إلا مكة والمقام بجميع بلاد المسلمين كما شئتم إلا الحجاز فليس لكم ]
__________
(1) كذا في النسخ.
وحرر(4/209)
[ المقام ببلد منها إلا ثلاث ليال حتى تظعنوا منه، وعلى أن من أنبت الشعر تحت ثيابه أو احتلم أو استكمل خمس عشرة سنة قبل ذلك فهذه الشروط لازمة له إن رضيها فإن لم يرضها فلا عقد له ولا جزية على أبنائكم الصغار ولا صبى غير بالغ ومغلوب على عقله ولا مملوك فإذا أفاق المغلوب على عقله وبلغ
الصبى وعتق المملوك منكم فدان دينكم فعليه جزيتكم والشرط عليكم وعلى من رضيه ومن سخطه منكم نبذنا إليه ولكم أن نمنعكم وما يحل ملكه عندنا لكم ممن أرادكم من مسلم أو غيره بظلم بما نمنع به أنفسنا وأموالنا ونحكم لكم فيه على من جرى حكمنا عليه بما نحكم به في أموالنا وما يلزم المحكوم في أنفسكم فليس علينا أن نمنع لكم شيئا ملكتموه محرما من دم ولا ميتة ولا خمر ولا خنزير كما نمنع ما يحل ملكه ولا نعرض لكم فيه إلا أنا لا ندعكم تظهرونه في أمصار المسلمين فما ناله منه مسلم أو غيره لم نغرمه ثمنه لانه محرم ولا ثمن لمحرم ونزجره عن العرض لكم فيه فإن عاد أدب بغير غرامة في شئ منه وعليكم الوفاء بجميع ما أخدنا عليكم وأن لا تغشوا مسلما ولا تظاهروا عدوهم عليهم بقول ولافعل عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من الوفاء بالميثاق ولكم عهد الله وميثاقه وذمة فلان أمير المؤمنين وذمة المسلمين بالوفاء لكم وعلى من بلغ من أبنائكم ما عليكم بما أعطيناكم ما وفيتم بجميع ما شرطنا عليكم فإن غيرتم أو بدلتم فذمة الله ثم ذمة فلان أمير المؤمنين والمسلمين بريئة منكم ومن غاب عن كتابنا ممن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه فهذه الشروط لازمة له ولنا فيه ومن لم يرض نبذنا إليه شهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن شرط عليهم ضيافة فإذا فرغ من ذكر الجزية كتب في أثر قوله ولا شئ عليكم في أموالكم غير الدينار في السنة والضيافة على ما سمينا فكل من مر به مسلم أو جماعة من المسلمين فعليه أن ينزله في فضل منازله فيما يمكنه من حر أو برد ليلة ويوما أو ثلاثا إن شرطوا ثلاثا ويطعمه من نفقة عامة أهله مثل الخبز والخل والجبن واللبن والحيتان واللحم والبقول المطبوخة ويعلفه دابة واحدة تبنا أو ما يقوم مقامه في مكانه فإن أقام أكثر من ذلك فليس عليه ضيافة ولا علف دابة وعلى الوسط أن ينزل كل من مر به رجلين وثلاثة لا يزيد عليهم ويصنع لهم ما وصفت وعلى الموسع أن ينزل كل من مر به ما بين ثلاثة إلى ستة لا يزيدون على ذلك ولا يصنعون بدوابهم إلا ما وصفت إلا أن يتطوعوا لهم بأكثر من ذلك فإن قلت المارة من المسلمين يفرقهم وعدلوا في تفريقهم فإن كثر الجيش حتى لا يحتملهم منازل أهل الغني ولا يجدون منزلا أنزلهم أهل الحاجة في فضل منازلهم وليست عليهم ضيافة فإن لم يجدوا فضلا من منازل أهل الحاجة لم يكن لهم أن يخرجوهم وينزلوا منازلهم وإذا كثروا وقل من يضيفهم فأيهم سبق إلى النزول فهو أحق به وإن جاءوا معا أقرعوا فإن لم
يفعلوا وغلب بعضهم بعضا ضيف الغالب ولا ضيافة على أحد أكثر مما وصفت فإذا نزلوا بقوم آخرين من أهل الذمة أحببت أن يدع الذين قروا القرى ويقرى الذين لم يقروا فإذا ضاق عليهم الامر فإن لم يقرهم أهل الذمة لم يأخذ منهم ثمنا للقرى فإذا مضى القرى لم يؤخذوا به (1) إذا سبأ لهم المسلمون ولا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ولا أموالهم شيئا بغير إذنهم وإذا لم يشترطوا عليهم ضيافة فلا ضيافة عليهم وأيهم قال أو فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولا وكذلك إذا كان فعلا لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين إن فعله قتل حدا أو قصاصا فيقتل بحد أو قصاص لا نقض عهد وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال أتوب وأعطى الجزية كما كنت ]
__________
(1) كذا في النسخ ولعله " ينالهم أو انتابهم " أو نحوه.(4/210)
[ أعطيها أو على صلح أجدده عوقب ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلا (1) يوجب القصاص بقتل أو قود فأما ما دون هذا من الفعل أو القول وكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل (قال الشافعي) رحمه الله فإن فعل أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من أن يقول أسلم أو أعطى جزية قتل وأخذ ماله فيئا.
الصلح على أموال أهل الذمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " قال فكان معقولا في الآية أن تكون الجزية غير جائزة والله تعالى أعلم إلا معلوما ثم دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم فأما ما لم يعلم أقله ولا أكثره ولا كيف أخذ من أخذه من الولاة له ولا من أخذت منه من أهل الجزية فليس في معنى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نوقف على حده ألا ترى إن قال أهل الجزية نعطيكم في كل مائة سنة درهما وقال الوالى بل آخذ منكم في كل شهر دينارا لم يقم على أحد هذا ولا يجوز فيها إلا أن يستن فيها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ بأقل ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون لوال أن يقبل أقل منه ولا يرده لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها معلومة ألا ترى أنه أخذها دينارا وازداد فيها ضيافة فأخذ
من كل إنسان من أهل اليمن دينارا ومن أهل أيلة مثله وأخذ من أهل نجران كسوة وأعلمنى علماء من أهلها أنها تتجاوز قيمة دينار ولم يجز في الآية إلا أن تكون على كل بالغ لا على بعض البالغين دون بعض من أهل دين واحد فلا يجوز والله تعالى أعلم أن تؤخذ الجزية من قوم من أموالهم على معنى تضعيف الصدقة بلا ثنى عليهم فيها وذلك أن ذلك لو جاز كان منهم من لا مال له تجب فيه الصدقة وإن كان له مال كثير من عروض ودور كغلة وغيرها فيكونون بين أظهرنا مقرين على دينهم بلا جزية ولم يبح هذا لنا ولا أن يكون أحد من رجالهم خليا من الجزية ويجوز أن يؤخذ من الجزية على ما صالحوا عليه من أموالهم تضعيف صدقة أو عشر أو ربع أو نصف أو نصف أموالهم أو أثلاثها أو ثنى أن يقال من كان له منكم مال أخذ منه ما شرط على نفسه وشرطوا له ما كان يؤخذ منه في السنة تكون قيمته دينارا أو أكثر فإذا لم يكن له ما يجب فيه ما شرط أو هو أقل من قيمة دينار فعليه دينار أو تمام دينار وإنما اخترت هذا أنها جزية معلومة الاقل وأن ليس منهم خلى منها قال ولا يفسد هذا لانه شرط يتراضيان به لا بيع بينهما فيفسد بما تفسد به البيوع كما لم يفسد أن يشترط عليهم الضيافة وقد تتابع عليهم فتلزمهم وتغب فلا تلزمهم بإغبابها شئ قال ولعل عمر أن يكون صالح من نصارى العرب على تضعيف الصدقة وأدخل هذا الشرط وإن لم يحك عنه وقد روى عنه أنه أبى أن يقر العرب إلا على الجزية فأنفوا منها وقالوا تأخذها منا على معنى الصدقة مضعفة كما يؤخذ من العرب المسلمين فأبى فلحقت منهم جماعة بالروم فكره ذلك وأجابهم إلى تضعيف الصدقة عليهم فصالحه من بقى في بلاد الاسلام عليها فلا بأس أن يصالحهم عليها على هذا المعنى الذى وصفت من الثنى.
]
__________
(1) وقوله: يوجب القصاص الخ لعل أصله " يوجب القتل بخد أو قود الخ " وتأمل.
كتبه مصححه.(4/211)
[ كتاب الجزية على شئ من أموالهم (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإذا أراد الامام أن يكتب لهم كتابا على الجزية بشرط معنى الصدقة كتب: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لفلان بن فلان النصراني من بنى فلان الفلاني من أهل بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أنك سألتنى لنفسك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أن أعقد لك ولهم على وعلى المسلمين ما يعقد لاهل الذمة على ما شرطت عليك وعليهم ولك ولهم فأجبتك إلى ما سألت لكم ولمن رضى ما عقدت من أهل بلد كذا على ما شرطنا عليه في هذا الكتاب وذلك أن يجري عليكم حكم الاسلام لا حكم خلافه ولا يكون لاحد منكم الامتناع مما رأيناه لازما له فيه ولا مجاوزا به ثم يجري الكتاب على مثل الكتاب الاول لاهل الجزية التى هي ضريبة لا تزيد ولا تنقص فإذا انتهى إلى موضع الجزية كتب على أن من كان له منكم إبل أو بقر أو غنم أو كان ذا زرع أو عين مال أو تمر يرى فيه المسلمون على من كان له منهم فيه الصدقة أخذت جزيته منه الصدقة مضعفة وذلك أن تكون غنمه أربعين فتؤخذ منه فيها شاتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة أخذت فيها أربع شياه إلى مائتين فإذا زادت شاة على مائتين أخذت فيها ست شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة وتسعة وتسعين فإذا بلغت أربعمائة أخذ فيها ثمان شياه ثم لا شئ في الزيادة حتى تكمل مائة ثم عليه في كل مائة منها شاتان ومن كان منكم ذا بقر فبلغت بقره ثلاثين فعليه فيها تبيعان ثم لا شئ عليه في زيادتها حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين فعليه فيها مسنتان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها أربعة أتبعة ثم لا شئ في زيادتها إلى ثمانين فإذا بلغتها ففيها أربع مسنات ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ تسعين فإذا بلغتها ففيها ستة أتبعة ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة فإذا بلغتها فعليه فيها مسنتان وأربعة أتبعة ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع مسنات وتبيعان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ست مسنات ثم يجرى الكتاب بصدقة البقر مضعفة ثم يكتب في صدقة الابل فإن كانت له إبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا فإذا بلغتها فعليه فيها شاتان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع شياه ثم لا شئ في الزيادة حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغتها فعليه فيها ست شياه ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ثمان شياه لا شئ في زيادتها حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا مخاض فإن لم يكن فيها ابنتا مخاض فابنا لبون ذكران، وإن كانت له ابنة مخاض واحدة وابن لبون
واحد أخذت بنت المخاض وابن اللبون ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستا وثلاثين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا لبون ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستا وأربعين فإذا بلغتها فعليه فيها حقتان طروقتا الجمل ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ إحدى وستين فإذا بغلتها ففيها جذعتان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها أربع بنات لبون ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها ففيها أربع حقائق ثم ذلك فرضها حتى تنتهى إلى عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة طرح هذا وعدت فكان في كل أربعين منها ابنتا لبون وفى كل خمسين حقتان وإذا لم يوجد في مال من عليه ](4/212)
[ الجزية من الابل السن التى شرط عليه أن تؤخذ في ست وثلاثين فصاعدا فجاء بها قبلت منه وإن لم يأت بها فالخيار إلى الامام بأن يأخذ السن التى دونها ويغرمه في كل بعير لزمه شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الامام أخذه وإن شاء الامام أخذ السن التى فوقها ورد إليه في كل بعير شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الامام فعل وأعطاه إياه، وإذا اختار الامام أن يأخذ السن العليا على أن يعطيه الامام الفضل أعطاه الامام أيهما كان أيسر نقدا على المسلمين، وإذا اختار أن يأخذ السن الادنى ويغرم له صاحب الابل فالخيار إلى صاحب الابل فإن شاء أعطاه شاتين وإن شاء أعطاه عشرين درهما، ومن كان منهم ذا زرع يقتات من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن أو أرز أو قطنية لم يؤخذ منه فيه شئ حتى يبلغ زرعه خمسة أوسق يصف الوسق في كتابه بمكيال يعرفونه فإذا بلغها زرعه فإن كان مما يسقى بغرب ففيه العشر وإن كان مما يسقى بنهر أو سيح أو عين ماء أو نيل ففيه الخمس.
ومن كان منهم ذا ذهب فلا جزية عليه فيها حتى تبلغ ذهبه عشرين مثقالا فإذا بلغتها فعليه فيها دينار نصف العشر وما زاد فبحساب ذلك.
ومن كان ذا ورق فلا جزية عليه في ورقه حتى تبلغ مائتي درهم وزن سبعة فإذا بلغت مائتي درهم فعليه فيها نصف العشر ثم ما زاد فبحسابه، وعلى أن من وجد منكم ركازا فعليه خمساه، وعلى أن من كان بالغا منكم داخلا في الصلح فلم يكن له مال عند الحول يجب على مسلم لو كان له فيه زكاة أو كان له مال يجب فيه على مسلم لو كان له الزكاة فأخذنا منه ما شرطنا عليه فلم يبلغ قيمة ما أخذنا منه دينارا فعليه أن يؤدى إلينا دينارا إن لم نأخذ منه شيئا وتمام دينار إن نقص ما
أخذنا منه عن قيمة دينار وعلى أن ما صالحتمونا عليه على كل ما بلغ غير مغلوب على عقله من رجالكم وليس ذلك منكم على بالغ مغلوب على عقله ولا صبى ولا امرأة.
قال: ثم يجري الكتاب كما أجريت الكتاب قبله حتى يأتي على آخره وإن شرطت عليهم في أموالهم قيمة أكثر من دينار كتبت أربعة دنانير كان أو أكثر وإذا شرطت عليهم ضيافة كتبتها على ما وصفت عليهم في الكتاب قبله وإن أجابوك إلى أكثر منها فاجعل ذلك عليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس فيهم وفيمن وقت عليهم الجزية أن يكتب على الفقير منهم كذا ولا يكون أقل من دينار ومن جاوز الفقر كذا لشئ أكثر منه ومن دخل في الغنى كذا لاكثر منه ويستوون إذا أخذت منهم الجزية هم وجميع من أخذت منه جزية مؤقتة فيما شرطت لهم وعليهم وما يجري من حكم الاسلام على كل، وإذا شرط على قوم أن على فقيركم دينارا وعلى من جاوز الفقر ولم يلحق بغنى مشهور دينارين وعلى من كان من أهل الغنى المشهور أربعة دنانير جاز، وينبغى أن يبينه فيقول وإنما انظر إلى الفقر والغنى يوم تحل الجزية لا يوم عقد الكتاب، فإذا صالحهم على هذا فاختلف الامام ومن تؤخذ منه الجزية فقال الامام لاحدهم أنت غنى مشهور الغنى وقال بل أنا فقير أو وسط فالقول قوله إلا أن يعلم غير ما قال ببينة تقوم عليه بأنه غنى لانه المأخوذ منه، وإذا صالحهم على هذا فجاء الحول ورجل فقير فلم تؤخذ منه جزيته حتى يوسر يسرا مشهورا أخذت جزيته دينارا على الفقر لان الفقر حاله يوم وجبت عليه الجزية، وكذلك إن حال عليه الحول وهو مشهور الغنى فلم تؤخذ جزيته حتى افتقر أخذت جزيته أربعة دنانير على حاله يوم حال عليه الحول وإن لم توجد له إلا تلك الاربعة الدنانير فإن أعسر ببعضها أخذ منه ما وجد له منها وأتبع بما بقي دينا عليه وأخذت جزيته ما كان فقيرا فيما استأنف دينارا لكل سنة على الفقر ولو كان في الحول مشهور الغنى حتى إذا كان قبل الحول بيوم افتقر أخذت جزيته في عامه ذلك جزية فقير، وكذلك لو كان في حوله فقيرا فلما كان قيل الحول بيوم صار مشهورا بالغنى أخذت جزيته جزية غنى.
](4/213)
[ الضيافة مع الجزية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أثبت من جعل عمر عليه الضيافة ثلاثا ولا من جعل عليه
يوما وليلة ولا من جعل عليه الجزية ولم يسم عليه ضيافة بخبر عامة ولا خاصة يثبت ولا أحد الذين ولوا الصلح عليها بأعيانهم لانهم قد ماتوا كلهم وأي قوم من أهل الذمة اليوم أقروا أو قامت على أسلافهم بينة بأن صلحهم كان على ضيافة معلومة وأنهم رضوها بأعيانهم الزموها ولا يكون رضاهم الذى ألزموه إلا بأن يقولوا صالحنا على أن نعطى كذا ونضيف كذا وإن قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح لم الزمهموه وأحلفهم ما ضيفوا على إقرار بصلح وكذلك إن أعطوا كثيرا أحلفتهم ما أعطوه على إقرار بصلح فإذا حلفوا جعلتهم كقوم ابتدأت امرهم الآن فإن أعطوا أقل الجزية وهو دينار قبلته وإن أبوا نبذت إليهم وحاربتهم وأيهم أقر بشئ في صلحه وأنكره منهم غيره ألزمته ما أقر به ولم أجعل إقراره لازما لغيره إلا بأن يقولوا صلحنا على أن نعطى كذا ونضيف كذا فأما إذا قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح فلا الزمهموه قال ويأخذهم الامام بعلمه وإقرارهم وبالبينة إن قامت عليهم من المسلمين ولا نجيز شهادة بعضهم على بعض وكذلك نصنع في كل أمر غير مؤقت مما صالحوا عليه وفى كل مؤقت لم يعرفه أهل الذمة بالاقرار به وإذا أقر قوم منهم بشئ يجوز للوالى أخذه ألزمهموه ما حيوا وأقاموا في دار الاسلام وإذا صالحوا على شئ أكثر من دينار ثم أرادوا أن يمتنعوا إلا من أداء دينار ألزمهم ما صالحوا عليه كاملا فإن امتنعوا منه حاربهم فإن دعوا قبل أن يظهر على أموالهم وتسبى ذراريهم إلى أن يعطوا الامام الجزية دينارا لم يكن للامام أن يمتنع منهم وجعلهم كقوم ابتدأ محاربتهم فدعوه إلى الجزية أو قوم دعوه إلى الجزية بلا حرب فإذا أقر منهم قرن بشئ صالحوا عليه ألزمهموه فإن كان فيهم غائب لم يحضر لم يلزمه وإذا حضر ألزم ما أقر به مما يجوز الصلح عليه وإذا نشأ أبناؤهم فبلغوا الحلم أو استكملوا خمس عشرة سنة فلم يقروا بما أقر به آباؤهم قيل إن أديتم الجزية وإلا حاربناكم فإن عرضوا أقل الجزية وقد أعطى آباؤهم أكثر منها لم يكن لنا أن نقاتلهم إذا أعطوا أقل الجزية ولا يحرم علينا أن يعطونا أكثر مما يعطينا آباؤهم ولا يكون صلح الآباء صلحا على الابناء إلا ما كانوا صغارا لا جزية عليهم أو نساء لا جزية عليهن أو معتوهين لا جزية عليهم فأما من لم يجز لنا إقراره في بلاد الاسلام إلا على أخذ الجزية منه فلا يكون صلح أبيه ولا غيره صلحا عنه إلا برضاه بعد البلوغ ومن كان سفيها بالغا محجورا عليه منهم صالح عن نفسه بأمر وليه فإن لم يفعل وليه وهو معا حورب فإن غاب وليه جعل له السلطان وليا يصالح عنه فإن أبى المحجور عليه
الصلح حاربه وإن أبى وليه وقبل المحجور عليه جبر وليه أن يدفع الجزية عنه لانها لازمة إذا أقر بها لانها من معنى النظر له لئلا يقتل ويؤخذ ما له فيئا وإذا كان هذا هكذا وكان من صالحهم ممن مضى من الائمة بأعيانهم قد ماتوا فحق الامام أن يبعث أمناء فيجعمعون البالغين من أهل الذمة في كل بلد ثم يسألونهم عن صلحهم فما أقروا به مما هو أزيد من أقل الجزية قبله منهم إلا أن تقوم عليهم بينة بأكثر منه ما لم ينقضوا العهد فيلزمه منهم من قامت عليه بينة ويسأل عمن نشأ منهم فمن بلغ عرض عليه قبول ما صالحوا عليه فإن فعل قبله منه وإن امتنع إلا من أقل الجزية قبل منه بعد أن يجتهد بالكلام على استزادته ويقول هذا صلح أصحابك فلا تمتنع منه ويستظهر بالاستعانة بأصحابه عليه وإن أبى إلا أقل الجزية قبله منه فإن اتهم أن يكون أحد منهم بلغ ولم يقر عنده بأن قد استكمل خمس عشرة سنة أو قد احتلم ولم يقم بذلك عليه بينة مسلمون أقل من يقبل في ذلك شاهدان عدلان كشفه كما كشف رسول ](4/214)
[ الله صلى الله عليه وسلم بنى قريظة فمن أنبت قتله فإذا أنبت قال له إن أديت الجزية وإلا حاربناك فإن قال أنبت من أنى تعالجت بشئ تعجل إنبات الشعر لم يقبل منه ذلك إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فيدعه ولا يقبل لهم ولا عليهم شهادة غير مسلم عدل ويكتب أسماءهم وحلاهم في الديوان ويعرف عليهم ويحلف عرفاؤهم لا يبلغ منهم مولود إلا رفعه إلى واليه عليهم ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم إلا رفعوا إليه فكلما دخل فيهم أحد من غيرهم ممن لم يكن له صلح وكان ممن تؤخذ منه الجزية فعل به كما وصفت فيمن فعل وكلما بلغ منهم بالغ فعل به ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن دخل من له صلح ألزمته صلحه ومتى أخذ منه صلحه رفع عنه أن تؤخذ عنه في غير بلده فإن كان صالح على دينار وقد كان له صلح قبله على أكثر أخذ منه ما بقى من الفضل على الدينار لانه صالح عليه وإن كان صلحه الاول على دينار ببلده ثم صالح ببلد غيره على دينار أو أكثر قيل له إن شئت رددنا عليك الفضل عما صالحت عليه أولا إلا أن يكون نقض العهد ثم أحدث صلحا فيكون صلحه الآخر كان أقل أو أكثر من الصلح الاول ومتى مات منهم ميت أخذت من ماله الجزية بقدر ما مر عليه من سنته كأنه مر عليه نصفها لم يؤدها يؤخذ نصف جزيته وإن عته رفع
عنه الجزية ما كان معتوها فإذا أفاق أخذتها منه من يوم أفاق فإن جن فكان يجن ويفيق لم ترفع الجزية لان هذا ممن تجرى عليه الاحكام في حال إفاقته وكذلك إن مرض فذهب عقله أياما ثم عاد انما ترفع عنه الجزية إذا ذهب عقله فلم يعد وأيهم أسلم رفعت عنه الجزية فيما يستقبل وأخذت لما مضى وإن غاب فأسلم فقال أسلمت من وقت كذا فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال (قال الربيع) وفيه قول آخر أن عليه الجزية من حين غاب إلى أن قدم فأخبرنا أنه مسلم إلا أن تقوم له بينة بأن إسلامه قد تقدم قبل أن يقدم علينا بوقت فيؤخذ بالبينة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اسلم ثم تنصر لم يؤخذ الجزية وإن أخذت ردت وقيل إن أسلمت وإلا قتلت وكذلك المرأة إن أسلمت وإلا قتلت قال ويبين وزن الدينار والدنانير التى تؤخذ منهم وكذلك صفة كل ما يؤخذ منهم وإن صالح أحدهم وهو صحيح فمرت به نصف سنة ثم عته إلى آخر السنة ثم أفاق أو لم يفق أخذت منه جزية نصف السنة التي كان فيها صحيحا ومتى أفاق استقبل به من يوم أفاق سنة ثم أخذت جزيته منه لانه كان صالح فلزمه الجزية ثم عنه فسقطت عنه وإن طابت نفسه أن يؤديها ساعة أفاق قبلت منه وإن لم تطب لم يلزمها إلا بعد الحول وإذا عتق العبد البالغ من أهل الذمة أخذت منه الجزية أو نبذ إليه وسواء أعتقه مسلم أو كافر.
الضيافة في الصلح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر أهل الذمة بضيافة في صلحهم ورضوا بها فعلى الامام مسألتهم عنها وقبول ما قالوا أنهم يعرفونه منها إذا كانت زيادة على أقل الجزية ولا تقبل منهم ولا يجوز أن يصالحهم عليها بحال حتى تكون زيادة على أقل الجزية فإن أقروا بأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين يوما وليلة أو ثلاثا أو أكثر وقالوا ما حددنا في هذا حد ألزموا أن يضيفوا من وسط ما يأكلون خبزا وعصيدة واداما من زيت أو لبن أو سمن أو بقول مطبوخة أو حيتان أو لحم أو غيره أي هذا تيسر عليهم ](4/215)
[ وإذا أقروا بعلف دواب ولم يحددوا شيئا علفوا التبن والحشيش مما تحشاه الدواب ولا يبين أن يلزموا حبا لدواب ولا ما جاوز أقل ما تعلفه الدواب إلا بإقرارهم ولا يجوز بأن يحمل على الرجل منهم في اليوم والليلة ضيافة إلا بقدر ما يحتمل أن احتمل واحدا أو اثنين أو ثلاثة ولا يجوز عندي أن يحمل عليه أكثر من
ثلاثة وان أيسر إلا بإقرارهم ويؤخذ بأن ينزل المسلمين الذين يضيفهم حيث يشاء من منازله التى ينزلها السفر التى تكن من مطر وبرد وحر وإن لم يقروا بهذا فعلى الامام أن يبين إذا صالحهم كيف يضيف الموسر الذي بلغ يسره كذا ويصف ما يضيف من الطعام والعلف وعدد من يضيفه من المسلمين وعلى الوسط الذي يبلغ ماله عدد كذا من الاصناف وعلى من عنده فضل عن نفعه وأهل بيته عدد كذا واحدا أو أكثر منه ومنازلهم وما يقرى كل واحد منهم ليكون ذلك معلوما إذا نزل بهم الجموع ومرت الجيوش فيؤخذون به ويجعل ذلك كله مدونا مشهودا عليه به ليأخذه من وليهم من ولاته بعده ويكتب في كتابهم أن كل من كان معسرا فرجع إلى ماله حتى يكون موسرا نقل إلى ضيافة المياسير.
الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أحب أن يدع الوالى أحدا من اهل الذمة في صلح إلا مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شئ يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتى الحجاز بحال أو تأتى الحجاز على أنها متى أتت الحجاز أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتى الحجاز لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن يحرم أن تأتى الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شئ مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا إذن لم يؤخذ من مالها شئ وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والاقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلى وإن عرضوا عليه أقل منه لم أحب أن يقبله وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لانه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شئ لم يكن ذلك للوالى ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لى أن له
أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن أتجروا في بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن لهم في مكة بحال (1) وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وينبغى أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ مهم شيئا ولا يبين لى أن يمنعهم غير الحجاز
__________
(1) أي وإن أتوا مكة على الشرط الذى شرطه في الحجاز تأمل.
كتبه مصححه.(4/216)
من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فأما أن يكون ألزمهموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك أهل الحرب يمنعون الاتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منهم شئ من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن تؤخذ منهم الحزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربى بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن ارتاد الاسلام فلا يمنعون الحجاز لان الله عزوجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) وإن أراد أحد من الرسل الامام وهو بالحرم فعلى الامام أن يخرج إليه ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغنى الامام فيه الرسالة والجواب فيكتفى بهما، فلا يترك يدخل الحرم بحال.
ذكر ما أخذ عمر رضى الله تعالى عنه من أهل الذمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر * أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب
بن يزيد أنه قال كنت عاملا مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لعل السائب حكى أمر عمر أن يأخذ من النبط العشر في القطنية كما حكى سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين أو يكون السائب حكى العشر في وقت فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة والزيت عشرا ومرة نصف العشر ولعله كما بصلح يحدثه في وقت برضاه ورضاهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلا عن شرط بينه وبينهم كشرط الجزية وكذلك أحسب عمر بن عبد العزيز أمر بالاخذ منهم ولا يأخذ من أهل الذمة شيئا إلا عن صلح ولا يتركون يدخلون الحجاز إلا بصلح ويحدد الامام فيما بينه وبينهم في تجاراتهم وجميع ما شرط عليهم أمرا يبين لهم وللعامة ليأخذهم به الولاة غيره ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد المسلمين تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا وإن دخلوا بأمان وشرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر أو أقل أخذ منهم فإن دخلوا بلا أمان ولا شرط ردوا إلى مأمنهم ولم يتركوا يمضون في بلاد الاسلام ولا يؤخذ منهم شئ وقد عقد لهم الامان إلا عن طيب أنفسهم وإن عقد لهم الامان على دمائهم لم يؤخذ من أموالهم شئ إن دخلوا بأموال إلا بشرط على أموالهم أو طيب أنفسهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسواء كان أهل الحرب بين قوم يعشرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمسونهم لا يعرضون لهم في أخذ شئ من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم أو صلح يتقدم منهم أو يؤخذ غنيمة أو فيئا إن لم يكن لهم ما يأمنون به على أمواله لان اله عزوجل أذن بأخذ أموالهم غنيمة وفيئا وكذلك الجزية فيما أعطوها(4/217)
أيضا طائعين وحرم أموالهم بعقد الامان لهم ولا يؤخذ إذا أمنوا إلا بطيب أنفسهم بالشرط فيما يختلفون به وغيره فيحل به أموالهم.
تحديد الامام ما يأخذ من أهل الذمة في الامصار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وينبغى للامام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم ويأخذ منهم ويرى أنه ينوبه وينوب الناس منهم فيسمى الجزية وأن يؤديها على ما وصفت ويسمى شهرا تؤخذ منهم فيه وعلى أن يجرى عليهم حكم الاسلام إذا طلبهم به طالب إو أظهروا ظلما لاحد وعلى أن
لا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أهله ولا يطعنوا في دين الاسلام ولا يعيبوا من حكمه شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ويأخذوا عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير وعيسى عليهما للسلام وإن وجدوهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى عليهما السلام إليهم عاقبهم على ذلك عقوبة لا يبلغ بها حدا لانهم قد أذن بإقرارهم على دينهم مع علم ما يقولون ولا يشتموا المسلمين وعلى أن لا يغشوا مسلما وعلى أن لا يكونوا عينا لعدوهم ولا يضروا بأحد من المسلمين في حال وعلى أن نقرهم على دينهم وأن لا يكرهوا أحدا على دينهم إذا لم يرده من أبنائهم ولا رقيقهم ولا غيرهم وعلى أن لا يحدثوا في مصر من أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لضلالاتهم ولاصوت ناقوس ولا حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا يعذبوا بهيمة ولا يقتلوها بغير الذبح ولا يحدثوا بناء يطيلونه على بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيأتهم في اللباس والمركب وبين هيآت المسلمين وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم فإنها من أبين فرق بينهم وبين هيآت المسلمين ولا يدخلوا مسجدا ولا يبايعوا مسلما بيعا يحرم عليهم في الاسلام وأن لا يزوجوا مسلما محجورا إلا بإذن وليه ولا يمنعوا من أن يزوجوه حرة إذا كان حرا ما كان بنفسه أو محجورا بإذن وليه بشهود المسلمين ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه محرما من لحم الخنزير ولا غيره ولا يقاتلوا مسلما ولا غيره ولا يظهروا الصليب ولا الجماعة في أمصار المسلمين وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم يمنعهم إحداث كنيسة ولارفع بناء ولا يعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعاتهم وأخذ عليهم أن لا يسقوا مسلما أتاهم خمرا ولا يبايعوه محرما ولا يطعموه ولا يغشوا مسلما وما وصفت سوى ما أبيح لهم إذا ما انفردوا قال وإذا كانوا بمصر للمسلمين لهم فيه كنيسة أو بناء طائل كبناء المسلمين لم يكن للامام هدمها ولا هدم بنائهم وترك كلا على ما وجده عليه ومنع من إحداث الكنيسة وقد قيل يمنع من البناء الذى يطاول به بناء المسلمين وقد قيل إذا ملك دارا لم يمنع مما لا يمنع المسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحب إلى أن يجعلوا بناءهم دون بناء المسلمين بشئ وكذلك إن أظهروا الخمر والخنزير والجماعات وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحبوه أو فتحوه عنوة وشرطوا على أهل الذمة هذا فإن كانوا فتحوه على صلح بينهم وبين أهل الذمة من ترك إظهار الخنازير والخمر وإحداث الكنائس فيما ملكوا لم يكن له منعهم من ذلك وإظهار الشرك أكثر منه ولايجوز للامام أن يصالح أحدا من أهل
الذمة على أن ينزله من بلاد المسلمين منزلا يظهر فيه جماعة ولا كنيسة ولا ناقوسا إنما يصالحهم على ذلك في بلادهم التى وجدوا فيها فنفتحها عنوة أو صلحا فأما بلاد لم تكن لهم فلا يجوز هذا له فيها فإن فعل ذلك أحد في بلاد بملكه منعه الامام منه فيه ويجوز أن يدعهم أن ينزلوا بلدا لا يظهرون هذا فيه ويصلون في منازلهم بلا جماعات ترتفع أصواتهم ولا نواقيس ولا نكفهم إذا لم يكن ذلك ظاهرا عما(4/218)
كانوا عليه إذا لم يكن فيه فساد لمسلم ولا مظلمة لاحد فإن أحد منهم فعل شيئا مما نهاه عنه مثل الغش لمسلم أو بيعه حراما أو سقيه محرما أو الضرب لاحد أو الفساد عليه عاقبه في ذلك بقدر ذنبه ولا يبلغ به حدا وإن أظهروا ناقوسا أو اجتمعت لهم جماعات أو تهيئوا بهيئة نهاهم عنها تقدم إليهم في ذلك فإن عادوا عاقبهم وإن فعل هذا منهم فاعل وباع مسلما بيعا حراما فقال ما علمت تقدم إليه الوالى وأحلفه وأقاله في ذلك فإن عاد عاقبه ومن أصاب منهم مظلمة لاحد فيها حد مثل قطع الطريق والفرية وغير ذلك أقيم عليه وإن غش أحد منهم المسلمين بأن يكتب إلى العدو لهم بعورة أو يحدثهم شيئا أرادوه بهم وما أشبه هذا عوقب وحبس ولم يكن هذا ولا قطع الطريق نقضا للعهد ما أدوا الجزية على أن يجرى عليهم الحكم.
ما يعطيهم الامام من المنع من العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وينبغى للامام أن يظهر لهم أنهم إن كانوا في بلاد الاسلام وبين أظهر أهل الاسلام منفردين أو مجتمعين فعليه أن يمنعهم من أن يسبيهم العدو أو يقتلهم منعه ذلك من المسلمين وإن كانت دارهم وسط دار المسلمين وذلك أن يكون من المسلمين أحد بينهم وبين العدو فلم يكن في صلحهم أن يمنعهم فعليه منعهم لان منعهم منع دار الاسلام دونهم وكذلك إن كان لا يوصل إلى موضع هم فيه منفردون إلا بأن توطأ من بلادهم شئ كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم وإن كانت بلادهم داخلة ببلاد الشرك ليس بينها وبين بلاد الاسلام شرك حرب فإذا أتاها العدو لم يطأ من بلاد الاسلام شيئا ومعهم مسلم فأكثر كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم لان منع دارهم منه مسلم وكذلك إن لم يكن معهم مسلم وكان معهم مال لمسلم فإن كانت دارهم كما وصفت متصلة ببلاد الاسلام وبلاد الشرك إذا غشيها المشركون لم ينالوا من بلاد الاسلام شيئا وأخذ الامام منهم الجزية فإن
لم يشترط لهم منعهم فعليه منعهم حتى يبين في أصل صلحهم أنه لا يمنعهم فيرضون بذلك وأكره له إذا اتصلوا كما وصفت ببلاد الاسلام أن يشترط أن لا يمنعهم وأن يدع منعهم ولا يبين أن عليه منعهم فإن كان أصل صلحهم أنهم قالوا لا تمنعنا ونحن نصالح المشركين بما شئنا لم يحرم عليه أن يأخذ الجزية منهم على هذا وأحب إلى لو صالحهم على منعهم لئلا ينالوا أحدا يتصل ببلاد الاسلام فإن كانوا قوما من العدو دونهم عدو فسألوا أن يصالحوا على جزية ولا يمنعوا جاز للوالى أخذها منهم ولا يجوز له أخذها بحال من هؤلاء ولاغيرهم إلا على أن يجرى عليهم حكم الاسلام لان الله عزوجل لم يأذن بالكف عنهم إلا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجرى عليهم حكم الاسلام فمتى صالحهم على أن لا يجرى عليهم حكم الاسلام فالصلح فاسد وله أخذ ما صالحوه عليه في المدة التى كف فيها عنهم وعليه أن ينبذ إليهم حتى تصالحوا على أن يجرى عليهم الحكم أو يقاتلهم ولايجوز أن يصالحهم على هذا إلا أن تكون بهم قوة ولايجوز أن يقول آخذ منكم الجزية إذا استغنيتم وأدعها إذا افتقرتم ولا أن يصالحهم إلا على جزية معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص ولا أن يقول متى افتقر منكم مفتقر أنفقت عليه من مال الله تعالى قال ومتى صالحهم على شئ مما زعمت أنه لا يجوز الصلح عليه وأخذ عليه منهم جزية أكثر من دينار في السنة رد الفضل على الدينار ودعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح فإن لم(4/219)
يفعلوا نبذ إليهم وقاتلهم ومتى أخذ منهم الجزية على أن يمنعهم فلم يمنعهم إما بغلبة عدوله حتى هرب عن بلادهم وأسلمهم وإما تحصن منه حتى نالهم العدو فإن كان تسلف منهم جزية سنة أصابهم فيها ما وصفت رد عليهم جزية ما بقى من السنة ونظر فإن كان ما مضى من السنة نصفها أخذ منه ما صالحهم عليه لان الصلح كان تاما بينه وبينهم حتى أسلمهم فيومئذ انتقض صلحه وإن كان لم يتسلف منهم شيئا وإنما أخذ منهم جزية سنة قد مضت وأسلمهم في غيرها لم يرد عليهم شيئا ولا يسعه إسلامهم فإن غلب غلبة فعلى ما وصفت وإن أسلمهم غلبة فهو آثم في إسلامهم وعليه أن يمنع من آذاهم وإذا أخذ منهم الجزية أخذها بإجمال ولم يضرب منهم أحدا ولم يقل لهم قبيح والصغار أن يجرى عليهم الحكم لا أن يضربوا ولا يؤذوا ويشترط عليهم أن لايحيوا من بلاد الاسلام شيئا ولا يكون له أن يأذن لهم فيه بحال وإن أقطعه رجلا
مسلما فغمره ثم باعهموه لم ينقض البيع وتركهم وحياءه لانهم ملكوه بأموالهم وليس له أن يمنعهم الصيد في بر ولا بحر لان الصيد ليس بإحياء أموات وكذلك لا يمنعهم الحطب ولا الرعى في بلاد المسلمين لانه لا يملك.
تفريع ما يمنع من أهل الذمة (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كان علينا أن نمنع أهل الذمة إذا كانوا معنا في الدار وأموالهم التى يحل لهم أن يتمولوها مما نمنع منه أنفسنا وأموالنا من عدوهم إن أرادهم أو ظلم ظالم لهم وان تستنقذهم من عدوهم لو أصابهم وأموالهم التي تحل لهم لو قدرنا فإذا قدرنا استنقذناهم وما حل لهم ملكه ولم نأخذ لهم خمرا ولا خنزيرا فإن قال قائل كيف تستنقذهم وأموالهم التى يحل لهم ملكها ولا تستنقذ لهم الخمر والخنزير وأنت تقرهم على ملكها؟ قلت إنما منعتهم بتحريم دمائهم فإن الله عز وجل جعل في دمائهم دية وكفارة وأما منعى ما يحل من أموالهم فبذمتهم وأما ما أقررتهم عليه فمباح لى بأن الله عزوجل أذن بقتالهم حتى يعطوا الجزية فكان في ذلك دليل على تحريم دمائهم بعد ما أعطوها وهم صاغرون ولم يكن في إقرارى لهم عليها معونة عليها ألا ترى أنه لو امتنع عليهم عبد أو ولد من الشرك فأرادوا إكراههم لم أقرهم على إكراهه بل منعتهم منه وكما لم أكن بإقرارهم على الشرك معينا لهم باقراهم عليه ولا يمنعهم من العدو معينا عليه فكذلك لم يكن إقرارهم على الخمر والخنزير عونا لهم عليه ولا أكون عونا لهم على أخذ الخمر والخنزير وإن أقررتهم على ملكه فإن قال فلم لم تحكم لهم بقيمته على من استهلكه قلت أمرنى الله عزوجل أن أحكم بينهم بما أنزل الله ولم يكن فيما أنزل الله تبارك وتعالى ولا ما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل عليه المبين عن الله عزوجل ولا فيما بين المسلمين أن يكون للمحرم ثمن، فمن حكم لهم بثمن محرم حكم بخلاف حكم الاسلام ولم يأذن الله تعالى لاحد أن يحكم بخلاف حكم الاسلام وأنا مسؤول عما حكمت به ولست مسؤولا عما عملوا مما حرم عليهم مما لم أكلف منعه منهم ومن سرق لهم من بلاد المسلمين أو أهل الذمة ما يجب فيه القطع قطعته وإذا سرقوا فجاءني المسروق قطعتهم وكذلك أحدهم إن قذفوا وأعزر لهم من قذفهم وأودب لهم من ظلمهم من المسلمين وآخذ لهم منه جميع ما يجب لهم مما يحل أخذه وأنهاه عن العرض له وإذا عرض لهم بما يوجب عليه في ماله أو بدنه شيئا أخذته منه وإذا عرض لهم بأذى لا يوجب ذلك عليه
زجرته عنه فإن عاد حبسته أو عاقبته عليه وذلك مثل أن يهريق خمرهم أو يقتل خنازيرهم وما أشبه(4/220)
هذا فإن قال قائل فكيف لا تجيز شهادة بعضهم على بعض وفي ذلك إبطال الحكم عنهم؟ قيل قال الله عزوجل (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وقال (ممن ترضون من الشهداء) فلم يكونوا من رجالنا ولا ممن نرضى من الشهداء فلما وصف الشهود منا دل على أنه لا يجوز أن يقضى بشهادة شهود من غيرنا لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم وأما إبطال حقوقهم فلم نبطلها إذا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه وكذلك يصنع بأهل البادية والشجر والبحر والصناعات لا يكون منهم من يعرف عدله وهم مسلمون.
فلا يجوز شهادة بعضهم على بعض وقد تجرى بينهم المظالم والتداعي والتباعات كما تجرى بين أهل الذمة ولسنة آثمين فيما جنى جانيهم ومن أجاز شهادة من لم يؤمر بإجازه شهادته أثم بذلك لانه عمل نهى عن عمله فإن قال: فإن الله عزوجل يقول (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) قرأ الربيع إلى (فيقسمان بالله) فما معناه؟ قيل والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قوله تبارك وتعالى (اثنان ذوا عدل منكم) الآية أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يمانى صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه اولياؤه من بين آنية (1) وبز ورقة فمرض القرشى فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاء ببعض ماله وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزوجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) إلى آخر الآية فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السموات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وأنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا (ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) فلما حلفا خلى سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناآ من
آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزوجل (فإن عثر) يقول فإن اطلع (على أنهما استحقا إثما) يعنى الداريين أي كتما حقا (فآخران) من أولياء الميت (يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان فيقسمان بالله) فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذى نطلب قبل الداريين لحق (وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) هذا قول الشاهدين أولياء الميت (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) يعنى الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يعنى من كان في مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال وإن كان لم يوضح بعضه لان الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أمينى الميت فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان لا في الشهود فإن قال فكيف تسمى في هذا الوضع شهادة؟ قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة؟ قيل ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ولا يجوز أن يكون إجماعهما خلافا
__________
(1) قوله: وبز، أي ثياب.
ورقة: أي فضة، فتنبه كتبه مصححه.(4/221)
لكتاب الله عزوجل ويشبه قول الله تبارك وتعالى (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما فلما وجد ادعيا ابتياعه فاحلف أولياء الميت على مال الميت فصار مالا من مال الميت بإقرارهما وادعيا لانفسهما شراءه فلم تقبل دعواهما بلا بينة فأحلف وارثاه على ما ادعيا وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وليس في هذا رد اليمين إنما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما وأقرا أنه للميت وأنه صار لهما من قبله وإنما أجزنا رد اليمين من غير هذه الآية فإن قال قائل فإن الله عزوجل يقول (أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) فذلك والله تعالى أعلم أن الايمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا
كان للميت وادعائهم شراءه منه فجاز أن يقال أن ترد أيمان تثنى عليهم الايمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الايمان كما يجب على من حلف لهم وذلك قول الله والله تعالى أعلم (يقومان مقامهما) يحلفان كما أحلفنا وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة لامر الله عزوجل بإشهاد ذوى عدل منكم ومن نرضى من الشهداء.
الحكم بين أهل الذمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عزوجل (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم وقال بعض نزلت في اليهوديين اللذين زنيا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذى قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عزوجل (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) وقوله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك) الآية يعنى والله تعالى أعلم إن تولوا عن حكمك بغير رضاهم وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون وكان في التوارة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم فجاءوا بهما فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وإذا وادع الامام قوما من أهل الشرك، ولم يشترط أن يجرى عليهم الحكم ثم جاءوه متحاكمين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم، فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله عزوجل (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) والقسط حكم الله عزوجل الذى أنزله عليه صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وليس للامام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجرى عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله عزوجل وعليه أن يقيمه ولا يفارقون الموادعين إلا في هذا الموضع، ثم على الامام أن يحكم على الموادعين حكمه على المسلمين إذا جاءوه فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه حاربهم، وسواء في أن له الخيار في الموادعين إذا اصابوا حد الله أو حدا فيما بينهم لان المصاب منه
الحد لم يسلم ولم يقر بأن يجرى عليه الحكم.(4/222)
الحكم بين أهل الجزية (قال الشافعي) قال الله عزوجل (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكان الصغار والله تعالى أعلم أن يجرى عليهم حكم الاسلام وأذن الله بأخذ الجزية منهم على أن قد علم شركهم به واستحلالهم لمحارمه فلا يكشفوا عن شئ مما استحلوا بينهم ما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم وإن كان فيه ضرر على أحد من أنفسهم لم يطلبه لم يكشفوا عنه فإذا أبى بعضهم على بعض ما فيه له عليه حق فأتى طالب الحق إلى الامام يطلب حقه فحق لازم للامام والله تعالى أعلم أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضيا بحكمه وكذلك إن أظهر السخطة لحكمه لما وصفت من قول الله عزوجل (وهم صاغرون) ولايجوز أن تكون دار الاسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال ويقال نزلت (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فكان ظاهر ما عرفنا أن يحكم بينهم والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدى عليه بأنه طلقها أو آلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين فألزمته الطلاق وفيئية الايلاء فإن فاء وإلا أخذته بأن يطلق وإن قالت تظاهر منى أمرته أن لا يقربها حتى يكفر ولا يجزئه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وكذلك لا يجزئه في القتل إلا رقبة مؤمنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فكيف يكفر الكافر؟ قيل كما يؤدى الواجب وإن كان لا يؤجر على أدائه من دية أو أرش جرح أو غيره وكما يحد وإن كان لا يكفر عنه بالحد لشركة فإن قال فيكفر عنه خطيئة الحد؟ قيل فإن جاز أن يكفر خطيئة الحد جاز أن يكفر عنه خطيئة الظهار واليمين وإن قيل يؤدي ويؤخذ منه الواجب وإن لم يؤجر وإن لم يكفر عنه؟ قيل و كذلك الظهار والايمان والرقبة في القتل فإن جاءنا يريد أن يتزوج لم نزوجه إلا كما يزوج المسلم برضا من الزوجة ومهر وشهود عدول من المسلمين وإن جاءتنا امرأة قد نكحها تريد فساد نكاحها بأنه نكحها بغير شهود مسلمين أو غير ولى وما يرد به نكاح المسلم مما لا حق فيه لزوج غيره لم يرد نكاحه إذا كان اسمه عندهم نكاحا لان النكاح ماض قبل حكمنا فإن قال قائل
من أين قلت هذا؟ قلت قال الله تبارك و تعالى في المشركين بعد إسلامهم (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا) وقال وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم) فلم يأمرهم برد ما بقى من الربا وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم يقبضوا منه ورجعوا منه إلى رءوس أموالهم وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المشرك بما كان قبل حكمه وإسلامهم وكان مقتضيا ورد ما جاوز أربعا من النساء لانهن بواق فتجاوز عما مضى كله في حكم الله عزوجل وحكم رسوله وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذمة وأهل هدنة يعلم أنهم ينكحون نكاحهم ولم يأمرهم بأن ينكحوا غيره ولم نعلمه أفسد لهم نكاحا ولا منع أحدا منهم أسلم امرأته وامرأته بالعقد المتقدم في الشرك بل أقرهم على ذلك النكاح إذا كان ماضيا وهم مشركون وإن كانوا معاهدين ومهادنين وهكذا إن جاءنا رجلان منهم قد تبايعا خمرا ولم يتقابضاها أبطلنا البيع وإن تقابضاها لم نرده لانه قد مضى، وإن تبايعاها فقبض المشترى بعضا ولم يقبض بعضا لم يرد المقبوض ورد ما لم يقبض وهكذا بيوع الربا كلها ولو جاءتنا نصرانية قد نكحها مسلم بلا ولى أو شهود نصارى أفسدنا النكاح لانه ليس للمسلم أن يتزوج أبدا غير تزويج الاسلام فنفذ له ولو جاءنا نصراني باع مسلما خمرا أو نصراني ابتاع من مسلم خمرا تقابضاها أو لم يتقابضاها أبطلناها بكل حال ورددنا المال إلى المشترى وأبطلنا ثم الخمر عنه إن كان المسلم المشترى لها لم يملك خمرا.
وإن كان البائع لا لم يكن(4/223)
له أن يملك ثمن خمر ولا آمر الذمي أن يرد الخمر على المسلم وأهريقها على الذمي إذا كان ملكها على المسلم لانها ليست كماله وإن كان المسلم القابض للخمر يرد ثمن الخمر على المسلم وأهريقت الخمر لانى لا أقضى على مسلم أن يرد خمرا.
ويجوز أن أهريقها لان الذمي عصى بإخراجها إلى المسلم مع معصيته بملكها وأخرجها طائعا فأدبته بإهراقها ولم أكن أهريقها ولم يأذن فيها إنما أهريقها بعد ما أذن فيها بالبيع وإن جاءتنا امرأة الذمي قد نكحته في بقية من عدتها من زوج غيره فرقنا بينه وبينها لحق الزوج الاول وليس هذا كفساد عقدة نجيزها له إذا كانت جائزة عنده لاضرر فيها على غيره ولا تجوز في الاسلام بحال وإن طلق رجل امرأته ثلاثا ثم تزوجها وذلك جائز عنده فسخنا النكاح وجعلنا لها مهر مثلها إن أصابها ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها فإذا نكحت زوجا غيره مسلما أو ذميا فأصابها حل له
نكاحها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتبطل بينهم البيوع التى تبطل بين المسلمين كلها فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها إنما نبطلها ما كانت قائمة وإن جاءنا عبد احدهم قد أعتقه أعتقنا عليه وإن كاتبه كتابة جائزة عند ما أجزناها له أو أم ولد يريد بيعها لم ندعه يبيعها في قول من لا يبيع أم الولد ويبيعها في قول من يبيع أم الولد فإذا أسلم عبد الذمي بيع عليه فإن أعتقه الذمي أو وهبه أو تصدق به وأقبضه فكل ذلك جائز لانه مالكه وولاؤه للذمي لانه الذى أعتقه ولا يرثه إن مات بالولاء لاختلاف الدينين، فإن أسلم قبل أن يموت ثم مات ورثه بالولاء وهكذا أمته فإن أسلمت أم ولده عزل عنها وأخذ بنفقتها وكان له أن يؤاجرها فإذا مات فهي حرة وإن دبر عبدا له فأسلم العبد قبل موت السيد ففيها قولان، أحدهما أن يباع عليه كما يباع عبده لو قال له أنت حر إذا دخلت الدار أو كان غد أو جاء شهر كذا والآخر لا يباع حتى يموت فيعتق إلا أن يشاء السيد بيعه فإذا شاء جاز بيعه وإن كاتب عبده فأسلم العبد قيل للمكاتب إن شئت فاترك الكتابة وتباع وإن شئت فأنت على الكتابة فإذا أديت عتقت ومتى عجزت أبعت وهكذا لو أسلم العبد ثم كاتبه سيده النصراني أو أسلم ثم دبر أو أسلمت أمته ثم وطئها فحبلت لانه مالك لهم في هذه الحال ولاحد عليه ولا عليها، وإذا جنى النصراني على النصراني عمدا فالمجني عليه بالخيار بين القود والعقل إن كان جنى جناية فيها القود فإذا اختار العقل فهو حال في مال الجاني، وإن كانت الجناية خطأ فعلى عاقلة الجاني كما تكون على عواقل المسلمين، فإن لم يكن للجاني عاقلة فالجناية في ماله دين يتبع بها ولا يعقل عنه النصارى ولا قرابة بينه وبينهم وهم لا يرثون ولا يعقل المسلمون عنه وهم لا يأخذون ما ترك إذا مات ميراثا إنما يأخذونه فيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وولاة دماء النصارى كولاة دماء المسلمين إلا أنه لا يجوز بينهم شهادة إلا شهادة المسلمين ويجوز إقرارهم بينهم كما يجوز إقرار المسلمين بعضهم لبعض وكل حق بينهم يؤخذ لبعضهم من بعض كما يؤخذ للمسلمين بعضهم من بعض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرا أو قتل له خنزيرا أو حرق له ميتة أو خنزيرا أو جلد ميتة لم يدبغ لم يضمن له في شئ من ذلك شيئا لان هذا حرام ولا يجوز أن يكون للحرام ثمن ولو كانت الخمر في زق فخرقه أو جر فكسره ضمن ما نقص الجر أو الزق ولم يضمن الخمر لانه يحل ملك الزق والجرة إلا أن يكون الزق من ميتة لم يدبغ أو جلد خنزير دبغ أو لم
يدبغ فلا يكون له ثمن ولو كسر له صليبا من ذهب لم يكن عليه شئ ولو كسره من عود وكان العود إذا فرق لم يكن صليبا يصلح لغير الصليب فعليه ما نقص الكسر العود، وكذلك لو كسر له تمثالا من ذهب أو خشب يعبده لم يكن عليه في الذهب شئ ولم يكن أيضا في الخشب شئ إلا أن يكون الخشب موصولا فإذا فرق صلح لغير تمثال فيكون عليه ما نقص كسر الخشب لا ما نقص قيمة الصنم(4/224)