يده ستة أشهر زكاه وكانت كدنانير أو دراهم أقامت في يده ستة أشهر لانه لا يجب في العرض زكاة إلا بشرائه على نية التجارة فكان حكمه حكم الذهب والورق التى حال عليها الحول في يده (قال الشافعي) ولو كانت في يده مائتا درهم ستة أشهر ثم اشترى بها عرضا فأقام في يده حتى يحول عليه حول من يوم ملك المائتي درهم التى حولها فيه لتجارة عرضا أو باعه بعرض لتجارة فحال عليه الحول من يوم ملك المائتي درهم أو من يوم زكى المائتي درهم، قومه بدراهم ثم زكاه ولا يقومه بدنانير إذا اشتراه بدراهم وإن كانت الدنانير الاغلب من نقد البلد وإنما يقومه بالاغلب إذا اشتراه بعرض للتجارة (قال الشافعي) ولو اشتراه بدراهم ثم باعه بدنانير قبل أن يحول الحول عليه من يوم ملك الدراهم التى صرفها فيه أو من يوم زكاة فعليه الزكاة من يوم ملك الدراهم التى اشتراه بها إذا كانت مما تجب فيه الزكاة وذلك أن الزكاة تجوز في العرض بعينه فبأى شئ بيع العرض ففيه الزكاة، وقوم الدنانير التى باعه بها دراهم ثم أخذ زكاة الدراهم ألا ترى أنه يباع بعرض فيقوم فتؤخذ منه الزكاة ويبقى عرضا فيقوم فتؤخذ منه الزكاة فإذا بيع بدنانير زكيت الدنانير بقيمة الدراهم (قال الربيع) وفيه قول آخر أن البائع إذا اشترى السلعة بدراهم فباعها بدنانير فالبيع جائز ولا يقومها بدراهم ولا يخرج لها زكاة من
قبل أن في الدنانير بأعيانها زكاة فقد تحولت الدراهم دنانير فلا زكاة فيها، وأصل قول الشافعي أنه لو باع بدراهم قد حال عليها الحول إلا يوم بدنانير لم يكن عليه في دنانير زكاة حتى يبتدئ لها حولا كاملا كما لو باع بقرا أو غنما بإبل قد حال الحول على ما باع إلا يوم استقبل حولا بما اشترى إذا كانت سائمة (قال الشافعي) ولو اشترى عرضا لا ينوى بشرائه التجارة فحال عليه الحول أو لم يحل ثم نوى به التجارة لم يكن عليه فيه زكاة بحال حتى يبيعه ويحول على ثمنه الحول، لانه إذا اشتراه لا يريد به التجارة، كان كما ملك بغير شراء لا زكاة فيه (قال الشافعي) ولو اشترى عرضا يريد به التجارة فلم يحل عليه حول من يوم اشتراه حتى نوى به أن يقتنيه ولا يتخذه لتجارة لم يكن عليه فيه زكاة كان أحب إلى لو زكاه وإنما يبين أن عليه زكاته إذا اشتراه يريد به التجارة لم تنصرف نيته عن إرادة التجارة به فاما إذا انصرفت نيته عن إرادة التجارة فلا أعلمه أن عليه فيه زكاة وهذا مخالف لماشية سائمة أراد علفها فلا ينصرف عن السائمة حتى يعلفها (1) فأما نية القنية والتجارة فسواء لا فرق بينهما إلا بنية المالك (قال الشافعي) ولو كان لا يملك إلا أقل من مائتي درهم أو عشرين مثقالا فاشترى بها عرضا للتجارة فباع العرض بعدما حال عليه الحول أو عنده أو قبله بما تجب فيه الزكاة زكى العرض من يوم ملك العرض لا يوم ملك الدراهم لانه لم يكن في الدراهم زكاة لو حال عليها الحول وهى بحالها (قال الشافعي) ولو كانت الدنانير أو الدراهم التى لا يملك غيرها التى اشترى بها العرض أقامت في يده أشهرا لم يحسب مقامها في يده لانها كانت في يده لا تجب فيها الزكاة وحسب للعرض حول من يوم ملكه وإنما صدقنا العرض من يوم ملكه أن الزكاة وجبت فيه بنفسه بنية شرائه للتجارة إذا حال الحول من يوم ملكه وهو مما تجب فيه الزكاة (2) لانى كما وصفت من أن الزكاة صارت فيه نفسه ولا أنظر فيه إلى قيمته في أول *
__________
(1) قوله: فأما نية القنية الخ كذا في النسخ ولعل لفظ " قنية " هذا من زيادة النساخ، فانظر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: لانى كما وصفت، كذا في النسخ، ولعل في الكلام سقطا من الناسخ، والوجه والله أعلم " لانى أنظر لما وصفت الخ " فانظر كتبه مصححه.(2/51)
السنة ولا في وسطها لانه إنما تجب فيه الزكاة إذا كانت قيمته يوم تحل الزكاة مما تجب فيه الزكاة وهو في هذا يخالف الذهب والفضة ألا ترى أنه لو اشترى عرضا بعشرين دينارا وكانت قيمته يوم يحول الحول أقل من عشرين سقطت فيه الزكاة لان هذا بين أن الزكاة تحولت فيه وفى ثمنه إذا بيع لا فيما اشترى به (قال الشافعي) وسواء فيما اشتراه لتجارة كل ما عدا الاعيان التى فيها الزكاة بأنفسها من رقيق وغيرهم فلو اشترى رقيقا لتجارة فجاء عليهم الفطر وهم عنده زكى عنهم زكاة الفطر إذا كانوا مسلمين وزكاة التجارة بحولهم، وإن كانوا مشركين زكى عنهم التجارة وليست عليه فيهم زكاة الفطر (قال) وليس في شئ اشترى لتجارة زكاة الفطر غير الرقيق المسلمين وزكاته غير زكاة التجارة ألا ترى أن زكاة الفطر على عدد الاحرار الذين ليسوا بمال وإنما هي طهور لمن لزمه اسم الايمان (قال الشافعي) ولو اشترى دراهم بدنانير أو بعرض أو دنانير بدراهم أو بعرض يريد بها التجارة فلا زكاة فيما اشترى منها إلا بعدما يحول عليه الحول من يوم ملكه كأنه ملك مائة دينار أحد عشر شهرا ثم اشترى بها مائة دينار أو ألف درهم فلا زكاة في الدنانير الآخرة ولا الدراهم حتى يحول عليها الحول من يوم ملكها لان الزكاة فيها بأنفسها (قال الشافعي) وهكذا إذا اشترى سائمة من إبل أو بقر أو غنم بدنانير أو دراهم أو غنم أو إبل أو بقر فلا زكاة فيما اشترى منها حتى يحول عليها الحول في يده من يوم ملكه اشتراه بمثله أو غيره مما فيه الزكاة (1) ولا زكاة فيما أقام في يده ما اشتراه ما شاء أن يقيم لان الزكاة فيه بنفسه لا بنية للتجارة ولا غيرها (قال الشافعي) وإذا اشترى السائمة لتجارة زكاها زكاة السائمة لا زكاة التجارة وإذا ملك السائمة بميراث أو هبة أو غيره زكاها بحولها زكاة السائمة وهذا خلاف التجارات (قال الشافعي) وإذا اشترى نخلا وأرضا للتجارة زكاها زكاة النخل والزرع وإذا اشترى أرضا فيها غراس غير نخل أو كرم أو زرع غير حنطة (قال أبو يعقوب والربيع) وغير ما فيها الركاز لتجارة زكاها زكاة التجارة لان هذا مما ليس فيه بنفسه زكاة وإنما يزكى زكاة التجارة (قال الشافعي) ومن قال: لا زكاة في الحلى ولا في الماشية غير السائمة فإذا اشترى واحدا من هذين للتجارة ففيه الزكاة كما يكون في العروض التى تشترى للتجارة.
(باب زكاة مال القراض) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا فاشترى بها سلعة
تسوى ألفين وحال عليها الحول قبل أن يبيعها ففيها قولان، أحدهما أن السلعة تزكى كلها لانها من ملك مالكها لا شئ فيها للمقارض حتى يسلم رأس المال إلى رب المال ويقاسمه الربح على ما تشارطا (قال الشافعي) وكذلك لو باعها بعد الحول أو قبل الحول فلم يقتسما المال حتى حال الحول (قال) وإن باعها قبل الحول وسلم إلى رب المال رأس ماله واقتسما الربح ثم حال الحول ففى رأس مال رب المال وربحه الزكاة، ولا زكاة في حصة المقارض لانه استفاد مالا لم يحل عليه الحول (قال الشافعي) وكذلك لو دفع رأس مال رب المال إليه ولم يقتسما الربح حتى حال الحول صدق رأس مال رب المال وحصته من الربح ولم يصدق مال المقارض وإن كان شريكا به، لان ملكه حادث فيه ولم يحل عليه حول من يوم ملكه (قال الشافعي) ولو استأخر المال سنين لا يباع زكى كل سنة على رب المال أبدا حتى يسلم إلى رب المال رأس ماله، فأما ما لم يسلم إلى رب المال رأس ماله فهو من ملك رب المال في هذا القول لا
__________
(1) قوله: ولا زكاة فيما أقام الخ كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/52)
يختلف (قال الشافعي) وإن كان رب المال حرا مسلما أو عبدا مأذونا له في التجارة والعامل نصرانيا أو مكاتبا، فهكذا يزكى ما لم يأخذ رب المال رأس ماله وإذا أخذ رأس ماله زكى جميع ماله ولم يزك مال النصراني ولا المكاتب منه وهو أشبه القولين والله تعالى أعلم (قال الشافعي) والقول الثاني، إذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا فاشترى بها سلعة تسوى ألفا فحال الحول على السلعة في يدى المقارض قبل بيعها قومت، فإذا بلغت ألفين أديت الزكاة على ألف وخمسمائة لانها حصة رب المال ووقفت زكاة خمسمائة، فإن حال عليها حول ثان، فإن بلغت الالفين زكيت الالفان لانه قد حال على الخمسمائة الحول من يوم صارت للمقارض فإن نقصت السلعة فلا شئ على رب المال ولا المقارض يتراجعان به من الزكاة، وإن زادت حتى تبلغ في عام مقبل ثمن ثلاثة آلاف درهم زكيت ثلاثة آلاف كما وصفت ولو لم يكن الفضل فيها إلا مائة درهم للمقارض نصفها وحال عليها حول من يوم صار للمقارض فيها فضل زكيت لان المقارض خليط بها، فإن نقصت السلعة حتى تصير إلى ألف درهم زكيت ألفا ولا تعدو الزكاة الاولى أن تكون عنهما معا، فهما لو كانا خليطين في مال أخذنا الزكاة منهما
معا أو عن رب المال وهذا إذا كان المقارض حرا مسلما أو عبدا أذن له سيده في القراض فكان ماله مال سيده فإن كان المقارض ممن لا زكاة عليه كأن كان نصرانيا والمسألة بحالها زكيت حصة المقارض المسلم ولم تزك حصة المقارض النصراني بحال لان نماءها لو سلم كان له (قال الشافعي) وهكذا لو كان المقارض مكاتبا في القول الاول إذا كان رأس المال لمسلم ولا تزكى حصة العامل النصراني والمكاتب في القول الآخر لانه لا زكاة عليهما في أموالهما (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها ورب المال نصراني والعامل في المال مسلم، فاشترى سلعة بألف فحال عليها حول وهى ثمن ألفين فلا زكاة، فيها وإن حال عليها أحوال لانها مال نصراني إلا أن يدفع العامل إلى النصراني رأس ماله فيكون ما فضل بينه وبين النصراني فيزكى نصيب العامل المسلم منه إذا حال عليها حول ولا يزكى نصيب النصراني في القول الاول وأما القول الثاني، فإنه يحصى ذلك ولا يكون عليه فيه زكاة، فإذا حال حول، فإن سلم له فضلهما أدى زكاته كما يؤدى زكاة ما مر عليه من السنين منذ كان له في المال فضل (قال) وإذا كان الشرك في المال بين المسلم والكافر صدق المسلم ماله صدقة المنفرد لا صدقة الشريك ولا الخليط في الماشية والناض وغير ذلك لانه، إنما يجمع في الصدقة ما فيه كله صدقة، فأما أن يجمع في الصدقة مالا زكاة فيه فلا يجوز له.
(باب الدين مع الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان كان يقول: " هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وحديث عثمان يشبه والله تعالى أعلم أن يكون إنما أمر بقضاء الدين قبل حلول الصدقة في المال في قوله " هذا شهر زكاتكم " يجوز أن يقول هذا الشهر الذى إذا مضى حلت زكاتكم كما يقال شهر ذى الحجة وإنما الحجة بعد مضى أيام منه (قال الشافعي) فإذا كانت لرجل مائتا درهم وعليه دين مائتا درهم فقضى من المائتين شيئا قبل حلول المائتين أو استعدى عليه السلطان قبل محل حول المائتين فقضاها فلا زكاة عليه لان الحول حال وليست مائتين (قال) وإن لم(2/53)
يقض عليه بالمائتين إلا بعد حولها فعليه أن يخرج منها خمسة دراهم ثم يقضى عليه السلطان بما بقى منها (قال الشافعي) وهكذا لو استعدى عليه السلطان قبل الحول فوقف ماله ولم يقض عليه بالدين حتى يحول عليه الحول كان عليه أن يخرج زكاتها ثم يدفع إلى غرمائه ما بقى (قال الشافعي) ولو قضى عليه السلطان بالدين قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقبضه الغرماء لم يكن عليه فيه زكاة، لان المال صار للغرماء دونه قبل الحول، وفيه قول ثان أن عليه فيه الزكاة من قبل أنه لو تلف كان منه ومن قبل أنه لو طرأ له مال غير هذا كان له أن يحبس هذا المال وأن يقضى الغرماء من غيره (قال الشافعي) وإذا أوجب الله عزوجل عليه الزكاة في ماله فقد أخرج الزكاة من ماله إلى من جعلها له فلا يجوز عندي والله أعلم إلا أن يكون كمال كان في يده فاستحق بعضه فيعطى الذى استحقه ويقضى دينه من شئ إن بقى له (قال الشافعي) وهكذا هذا في الذهب والورق والزرع والثمرة والماشية كلها لا يجوز أن يخالف بينها بحال لان كلا مما قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في كله إذا بلغ ما وصف صلى الله عليه وسلم الصدقة (قال الشافعي) وهكذا هذا في صدقة الابل التى صدقتها منها والتى فيها الغنم وغيرها كالمرتهن بالشئ فيكون لصاحب الرهن ما فيه ولغرماء صاحب المال ما فضل عنه وفى أكثر من حال المرتهن وما وجب في مال فيه الصدقة من إجارة أجير وغيرها أعطى قبل الحول (قال الشافعي) ولو استأجر الرجل على أن يرعى غنمه بشاة منها بعينها فهى ملك للمستأجر فإن قبضها قبل الحول فهى له ولا زكاة على الرجل في ماشيته إلا أن يكون ما تجب فيه الصدقة بعد شاة الاجير وإن لم يقبض الاجير الشاة حتى حال الحول ففى غنمه الصدقة، على الشاة حصتها من الصدقة لانه خليط بالشاة (قال الشافعي) وهكذا، هذا في الرجل يستأجر بتمر نخلة بعينها أو نخلات لا يختلف إذا لم يقبض الاجارة (قال الشافعي) فإن استؤجر بشئ من الزرع قائم بعينه لم تجز الاجارة به لانه مجهول كما لا يجوز بيعه إلا أن يكون مضى خبر لازم بجواز بيعه فتجوز الاجارة عليه ويكون كالشاة بعينها وتمر النخلة والنخلات بأعيانهن (قال الشافعي) وإن كان استأجره بشاة بصفة أو تمر بصفة أو باع غنما فعليه الصدقة في غنمه وتمره وزرعه ويؤخذ بأن يؤدى إلى الاجير والمشترى منه الصفة التى وجبت له من ماله الذى أخذت منه الزكاة أو غيره (قال الشافعي) وسواء كانت له عروض كثيرة تحمل دينه أو لم يكن له
شئ غير المال الذى وجبت فيه الزكاة (قال الشافعي) ولو كانت لرجل مائتا درهم فقام عليه غرماؤه فقال: قد حال عليها الحول، وقال الغرماء: لم يحل عليها الحول فالقول قوله ويخرج منها الزكاة ويدفع ما بقى منها إلى غرمائه إذا كان لهم عليه مثل ما بقى منها أو أكثر (قال الشافعي) ولو كانت له أكثر من مائتي درهم فقال: قد حالت عليها أحوال ولم أخرج منها الزكاة وكذبه غرماه كان القول قوله ويخرج منها زكاة الاحوال ثم يأخذ غرماؤه ما بقى منها بعد، الزكاة أبدا أولى بها من مال الغرماء لانها أولى بها من ملك مالكها (قال الشافعي) ولو رهن رجل رجلا ألف درهم بألف درهم أو ألفى درهم بمائة دينار فسواء، وإذا حال الحول على الدراهم المرهونة قبل أن يحل دين المرتهن أو بعده فسواء، ويخرج منها الزكاة قبل دين المرتهن (قال الشافعي) وهكذا كل مال رهن وجبت فيها الزكاة.
(باب زكاة الدين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الدين لرجل غائبا عنه فهو كما تكون التجارة له غائبة(2/54)
عنه والوديعة وفى كل زكاة (قال) وإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحول لم يجز أن يجعل زكاة ماله إلا في حول لان المال لا يعدو أن يكون فيه زكاة ولا يكون إلا كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا يكون فيه زكاة فيكون كالمال المستفاد (قال الشافعي) وإذا كان لرجل على رجل دين فحال عليه حول ورب المال يقدر على أخذه منه بحضور رب الدين وملائه وأنه لا يجحده ولا يضطره إلى عدوى فعليه أن يأخذه منه أو زكاته كما يكون ذلك عليه في الوديعة هكذا، وإن كان رب المال غائبا أو حاضرا لا يقدر على أخذه منه إلا بخوف أو بفلس له إن استعدى عليه وكان الذى عليه الدين غائبا حسب ما احتبس عنده حتى يمكنه أن يقبضه فإذا قبضه أدى زكاته لما مر عليه من السنين لا يسعه غير ذلك، وهكذا الماشية تكون للرجل غائبة لا يقدر عليها بنفسه ولا يقدر له عليها، وهكذا الوديعة والمال يدفنه فينسى موضعه لا يختلف في شئ (قال الشافعي) وإن كان المال الغائب عنه في تجارة يقدر وكيل له على قبضه حيث هو، قوم حيث هو وأديت زكاته ولا يسعه إلا ذلك وهكذا المال المدفون والدين، وكلما قلت لا يسعه إلا تأدية زكاته بحوله وإمكانه له فإن هلك قبل أن يصل إليه وبعد
الحول وقد أمكنه فزكاته عليه دين وهكذا كل مال له يعرف موضعه ولا يدفع عنه فكلما قلت له يزكيه فلا يلزمه زكاته قبل قبضه حتى يقبضه فهلك المال قبل أن يمكنه قبضه فلا ضمان عليه فيما مضى من زكاته لان العين التى فيها الزكاة هلكت قبل يمكنه أن يؤديها (قال الشافعي) فإن غصب مالا فأقام في يدى الغاضب زمانا لا يقدر عليه ثم أخذه، أو غرق له مال فأقام في البحر زمانا ثم قدر عليه أو دفن مال فضل موضعه فلم يدر أين هو ثم قدر عليه فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن لا يكون عليه فيه زكاة لما مضى ولا إذا قبضه حتى يحول عليه حول من يوم قبضه لانه كان مغلوبا عليه بلا طاعة منه كطاعته في السلف والتجارة والدين أو يكون فيه الزكاة إن سلم لان ملكه لم يزل عنه لما مضى عليه من السنين (قال الربيع) القول الآخر أصح القولين عندي لان من غصب ماله أو غرق لم يزل ملكه عنه وهو قول الشافعي (قال الشافعي) وهكذا لو كان له على رجل مال أصله مضمون أو أمانة فجحده إياه ولا بينة له عليه، أو له بينة غائبة لم يقدر على أخذه منه بأى وجه ما كان الاخذ (قال الربيع) فإذا أخذه زكاه لما مضى عليه من السنين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) فإن هلك منه مال فالتقطه منه رجل أو لم يدر التقط أو لم يلتقط فقد يجوز أن يكون مثل هذا ويجوز أن لا يكون عليه فيه زكاة بحال لان الملتقط يملكه بعد سنة أن يؤديه إليه إن جاءه ويخالف الباب قبله بهذا المعنى (قال الشافعي) وكل ما أقبض من الدين الذى قلت عليه فيه زكاة زكاه إذا كان في مثله زكاة لما مضى ثم كلما قبض منه شيئا فكذلك (قال الشافعي) وإذا عرف الرجل اللقطة سنة ثم ملكها فحال عليها أحوال ولم يزكها ثم جاء صاحبها فلا زكاة على الذى وجدها، وليس هذا كصداق المرأة، لان هذا لم يكن لها مالكا قط حتى جاء صاحبها وإن أدى عنها زكاة منها ضمنها لصاحبها (قال الشافعي) والقول في أن لا زكاة على صاحبها الذى اعترفها أو أن عليه الزكاة في مقامها في يدى غيره كما وصفت أن تسقط الزكاة في مقامها في يدى الملتقط بعد السنة لانه أبيح له أكلها بلا رضا (1) من الملتقط أو يكون عليه فيها الزكاة لانها
__________
(1) قوله: من الملتقط، كذا في النسخ، ولعله من تحريف النساخ، ووجه " من صاحبها " فتأمل كتبه مصححه.(2/55)
ماله (1) وكل ما قبض من الدين الذى قلت عليه فيه زكاة زكاه إذا كان في مثله زكاة لما مضى، فكلما قبض منه شيئا فكذلك، وإن قبض منه مالا زكاة في مثله فكان له مال، أضافه إليه، وإلا حسبه، فإذا قبض ما تجب فيه الزكاة معه، أدى زكاته لما مضى عليه من السنين.
(باب الذي (2) يدفع زكاته فتهلك قبل أن يدفعها إلى أهلها) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أخرج رجل زكاة ماله قبل أن تحل فهلكت قبل أن يدفعها إلى أهلها لم تجز عنه وإن حلت زكاة ماله زكى ما في يديه من ماله ولم يحسب عليه ما هلك منه من المال في هذا كله، وسواء في هذا زرعه وثمرة، إن كانت له (قال الشافعي) وإن أخرجها بعدما حلت فهلكت قبل أن يدفعها إلى أهلها، فإن كان لم يفرط والتفريط أن يمكنه بعد حولها دفعها إلى أهلها أو الوالى فتأخر، لم يحسب عليه ما هلك ولم تجز عنه من الصدقة لان من لزمه شئ لم يبرأ منه إلا بدفعه إلى من يستوجبه عليه (قال الشافعي) ورجع إلى ما بقى من ماله، فإن كان فيما بقى منه زكاة زكاه وإن لم يكن فيما بقى منه زكاة لم يزكه كأن حل عليه نصف دينار في عشرين دينارا فأخرج النصف فهلك قبل أن يدفعه إلى أهله فبقيت تسعة عشر ونصف فلا زكاة عليه فيها وإن كانت له إحدى وعشرون دينارا ونصف فهلك قبل أن يدفعه إلى أهله فبقيت تسعة عشر ونصف فلا زكاة عليه فيها وإن كانت له إحدى وعشرون دينارا ونصف فأراد أن يزكيها فيخرج عن العشرين نصفا وعن الباقي عن العشرين ربع عشر الباقي لان ما زاد من الدنانير والدراهم والطعام كله على ما يكون فيه الصدقة ففيه الصدقة بحسابه فإن هلكت الزكاة وقد بقى عشرون دينارا وأكثر فيزكي ما بقى بربع عشره (قال الشافعي) وهذا هكذا مما أنبتت الارض والتجارة وغير ذلك من الصدقة والماشية إلا أن الماشية تخالف هذا في أنها بعدد وأنها معفو عما بين العددين، فإن حال عليه حول وهو في سفر فلم يجد من يستحق السهمان أو هو في مصر فطلب فلم يحضره في ساعته تلك من يستحق السهمان أو سجن أو حيل بينه وبين ماله، فكل هذا عذر، لا يكون به مفرطا، وما هلك من ماله بعد الحول لم يحسب عليه في الزكاة كما لا يحسب ما هلك قبل الحول وإن كان يمكنه إذا حبس من يثق به فلم يأمره بذلك أو وجد أهل السهمان فأخر ذلك قليلا أو كثيرا وهو يمكنه فلم يعطهم بوجود المال وأهل السهمان فهو مفرط وما هلك من ماله فالزكاة
لازمة له فيما بقى في يديه منه كإن كانت له عشرون دينارا فأمكنه أن يؤدى زكاتها فأخرها فهلكت العشرون فعليه نصف دينار يؤديه متى وجده ولو كان له مال يمكنه أن يؤدى زكاته فلم يفعل فوجبت عليه الزكاة سنين ثم هلك أدى زكاته لما فرط فيه وإن كانت له مائة شاة فأقامت في يده ثلاث سنين وأمكنه في مضى السنة الثالثة أداء زكاتها فلم يؤدها أدى زكاتها لثلاث سنين وإن لم يمكنه في السنة الثالثة أداء زكاتها حتى هلكت فلا زكاة عليه في السنة الثالثة وعليه الزكاة في السنتين اللتين فرط في أداء الزكاة فيهما.
__________
(1) قوله: وكل ما قبض إلى قوله " فكذلك " مكرر مع ما سبق قريبا.
كتبه مصححه.
(2) قوله: في الترجمة " يدفع زكاته "، أي يريد دفعها ويهيئها لذلك.
كتبه مصححه.(2/56)
(باب المال يحول عليه أحوال في يدى صاحبه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل خمس من الابل فحال عليها أحوال وهى في يده لم يؤد زكاتها فعليه فيها زكاة عام واحد لان الزكاة في أعيانها وإن خرجت منها شاة في السنة فلم يبق له خمس تجب فيهن الزكاة (قال الربيع) وفيه قول آخر أن عليه في كل خمس من الابل أقامت عنده أحوالا أداء زكاتها في كل عام أقامت عنده شاة في كل عام لانه إنما يخرج الزكاة من غيرها عنها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك إن كانت له أربعون شاة أو ثلاثون من البقر أو عشرون دينارا أو مائتا درهم أخرج زكاتها لعام واحد لان زكاتها خارجة من ملكه مضمونة في يده لاهلها ضمان ما غصب (قال الشافعي) ولو كانت إبله ستا فحال عليها ثلاثة أحوال وبعير منها يسوى شاتين فأكثر أدى زكاتها لثلاثة أحوال لان بعيرا منها إذا ذهب بشاتين أو أكثر كانت عنده خمس من الابل فيها زكاة (قال الشافعي) ولو كانت عنده اثنان وأربعون شاة أو واحد وعشرون دينارا فحالت عليه ثلاثة أحوال أخذت من الغنم ثلاث شياه لان شاتين يذهبان ويبقى أربعون فيها شاة وأخذت منه زكاة الدنانير دينارا ونصفا وحصة الزيادة لان الزكاة تذهب ويبقى في يده ما فيه زكاة وهكذا لو كانت له أربعون شاة أول سنة ثم زادت شاة فحالت عليها سنة ثانية وهى إحدى وأربعون ثم زادت شاة في السنة الثالثة
فحالت عليها سنة وهى اثنتان وأربعون شاة كانت فيها ثلاث شياه لان السنة لم تحل إلا وربها يملك فيها أربعين شاة (قال الشافعي) فعلى هذا هذا الباب كله فيه الزكاة (قال الشافعي) ولو كانت له أربعون شاة فحال عليها أحوال ولم تزد فأحب إلي أن يؤدى زكاتها لما مضى عليها من السنين ولا يبين لى أن نجبره إذا لم يكن له إلا الاربعون شاة فحالت عليها ثلاثة أحوال أن يؤدى ثلاث شياه (قال الربيع) وفى الابل إذا كانت عنده خمس من الابل فحال عليها أحوال كانت عليه في كل حول شاة لان الزكاة ليست من عينها إنما تخرج من غيرها وهى مخالفة للغنم التى في عينها الزكاة.
(باب البيع في المال الذى فيه الزكاة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ولو باع رجل رجلا مائتي درهم بخمسة دنانير بيعا فاسدا فأقامت في يد المشترى شهرا ثم حال عليها الحول من يوم ملكها البائع ففيها الزكاة من مال البائع وهى مردودة عليه لانها لم تخرج من ملكه بالبيع الفاسد وهكذا كل مال وجبت فيه الزكاة فبيع بيعا فاسدا من ماشية أو غيرها زكي على أصل ملك المالك الاول لانه لم يخرج من ملكه ولو كان البائع باعها بيعا صحيحا على أنه بالخيار ثلاثا وقبضها المشترى أو لم يقبضها فحال عليها حول من يوم ملكها البائع وجبت فيها الزكاة لانه لم يتم خروجها من ملك البائع حتى حال عليها الحول ولمشتريها ردها للنقص الذى دخل عليها بالزكاة وكذلك لو كان الخيار للبائع والمشترى معا (قال الشافعي) ولو كان الخيار للمشترى دون البائع فاختار إنفاذ البيع بعدما حال عليها الحول ففيها قولان، أحدهما أن على البائع الزكاة لان البيع لم يتم إلا بعد الحول ولم يتم خروجها من ملكه بحال (قال) والقول الثاني أن الزكاة على المشترى لان الحول حال وهى ملك له وإنما له خيار الرد إن شاء دون البائع (قال الربيع) وكذلك لو كانت له أمة كان للمشترى وطؤها في أيام الخيار دون البائع فلما كان أكثر الملك للمشترى كانت الزكاة(2/57)
عليه إذا حال عليها الحول من يوم اشتراها وقبضت وسقطت الزكاة عن البائع لانها قد خرجت من ملكه ببيع صحيح (قال الشافعي) ولو باع الرجل صنفا من مال وجبت فيه الزكاة قبل حوله بيوم على أن البائع فيه بالخيار يوما، فاختار إنفاذ البيع بعد يوم وذلك بعد تمام حوله كانت في المال الزكاة،
لان البيع لم يتم حتى حال عليه الحول قبل أن يخرج من ملكه وكان للمشترى رده بنقص الزكاة منه ولو اختار إنفاذ البيع قبل أن يمضى الحول لم يكن فيه زكاة لان البيع قد تم قبل حوله (قال الشافعي) وهكذا كل صنف من المال باعه قبل أن تحل الصدقة فيه وبعده من دنانير ودراهم وماشية لا اختلاف فيها (1) ولا عليه بفرق بينها (قال الشافعي) وإذا باع دنانير بدراهم أو دراهم بدنانير أو بقرا بغنم أو بقرا ببقر أو غنما بغنم أو إبلا بإبل أو غنم فكل ذلك سواء فأى هذا باع قبل حوله فلا زكاة على البائع فيه لانه لم يحل عليه الحول في يده ولا على المشترى حتى يحول عليه حول من يوم ملكه (قال الشافعي) وسواء إذا زالت عين المال من الابل أو الذهب بإبل أو ذهب أو بغيرها لا اختلاف في ذلك، فإذا باع رجل رجلا نخلا فيها تمر أو تمرا دون النخل فسواء، لان الزكاة إنما هي في التمر دون النخل فإذا ملك المشترى الثمرة بأن اشتراها بالنخل أو بأن اشتراها منفردة شراء يصح أو وهبت له وقبضها أو أقر له بها أو تصدق بها عليه أو أوصى له بها أو أي وجه من وجوه الملك صح له ملكها به فإذا صح له ملكها قبل أن ترى فيها الحمرة أو الصفرة وذلك الوقت الذى يحل فيه بيعها على أن يترك حتى يبلغ، فالزكاة على مالكها الآخر لان أول وقت زكاتها أن ترى فيها حمرة أو صفرة فيخرص ثم يؤخذ ذلك تمرا (قال الشافعي) فإن ملكها بعد ما رؤيت فيها حمرة أو صفرة فالزكاة في التمر من مال مالكها الاول (2) ولو لم يملك الزكاة المالك الآخر خرصت الثمرة قبل تملكها أو لم تخرص (قال الشافعي) ولا يختلف الحكم في هذا في أي وجه ملك به الثمرة بحال في الزكاة ولا في غيرها إلا في وجه واحد وهو أن يشترى الثمرة بعدما يبدو صلاحها فيكون العشر في الثمرة لا يزول ويكون البيع في الثمرة مفسوخا كما يكون لو باعه عبدين أحدهما له والآخر ليس له مفسوخا ولكنه يصح، لا يصح غيره إذا باعه على ترك الثمرة أن يبيعه تسعة أعشار الثمرة إن كانت تسقى بعين أو كانت بعلا وتسعة أعشارها ونصف عشرها إن كانت تسقى بغرب ويبيعه جميع ما دون خمسة أوسق إذا لم يكن للبائع غيره فيصح البيع ولو تعدى المصدق فأخذ مما ليست فيه الصدقة وزاد فيما فيه الصدقة فأخذ أكثر منها لم يرجع فيه المشترى على البائع وكانت مظلمة دخلت على المشترى (3) (قال الشافعي) ولو كان لواحد حائط فيه خمسة أوسق فباع ثمره من واحد أو اثنين بعد ما يبدو صلاحها ففيه الزكاة كما وصفت في مال البائع نفسه، ولو باعه قبل أن يبدو صلاحه
ولم يشترط أن يقطع من واحد أو اثنين ففيه الصدقة والبيع فيه فاسد (قال الشافعي) وإن استهلك المشترى الثمرة كلها أخذ رب الحائط بالصدقة وإن أفلس أخذ من المشترى قيمتها بما اشترى من ثمنها العشر، ورد ما بقى على رب الحائط، وإن لم يفلس البائع أخذ بعشرها لانه كان سبب هلاكها، *
__________
(1) قوله: ولا عليه الخ كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: ولو لم يملك، كذا في النسخ ولعل " لو " مزيدة من الناسخ، فتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.
(3) من هنا إلى آخر الباب قدمه السراج البلقينى في نسخته عن محله الذى اتفقت عليه النسخ، وهو باب ميراث المال الآتى، وصنيع البلقينى أحسن.
كتبه مصححه.(2/58)
وإن كان للمشترى غرماء فكان ثمن ماستهلك من العشر عشرة ولا يوجد مثله وثمن عشر مثله عشرون يوم تؤخذ الصدقة اشترى بعشرة نصف العشر لانه ثمن العشر الذى استهلكه وهو له دون الغرماء وكان لولى الصدقة أن يكون غريما يقوم مقام أهل السهمان في العشرة الباقية على رب الحائط (قال الشافعي) فإن باع رب الحائط ثمرته وهى خمسة أوسق من رجلين قبل أن يبدو صلاحها على أن يقطعاها كان البيع جائزا، فإن قطعاها قبل أن يبدو صلاحها، فلا لزكاة فيها وإن تركاها حتى يبدو صلاحها، ففيها الزكاة، فإن أخذهما رب الحائط بقطعها فسخنا البيع بينهما لان الزكاة وجبت فيها فلا يجوز أن يقطع فيمنع الزكاة وهى حق لاهلها ولا أن تؤخذ بحالها تلك وليست الحال التى أخذها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يثبت للمشترى على البائع ثمرة في نخله وقد شرط قطعها ولا يكون في هذا البيع إلا فسخه ولو رضى البائع بتركها حتى تجد في نخله ورضى المشتريان لم يرجعا على البائع بالعشر لانه قد أقبضهما جميع ما باعهما من الثمرة ولا عشر فيه، وعليهما أن يزكيا بما وجب من العشر (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فتركها المشتريان حتى بدا صلاحها فرضى البائع بتركها ولم يرضه المشتريان كان فيها قولان (أحدهما) أن يجبرا على تركها ولا يفسخ البيع بما وجب فيها من الصدقة (والثاني) أن يفسخ البيع لانهما شرطا القطع ثم صارت لا يجوز قطعها بما استحق من الصدقة فيها (قال الشافعي) ولو رضى
أحد المشتريين إقرارها والبائع ولم يرضه الآخر جبرا في القول الاول على إقرارها وفى القول الآخر يفسخ نصيب الذى لم يرض ويقر نصيب الذى رضى وكان كرجل اشترى نصف الثمرة وإذا رضى إقرارها ثم أراد قطعها قبل الجداد لم يكن له قطعها كلها ولا فسخ للبيع إذا ترك رده مرة لم يكن له رده بعدها، وكل هذا إذا باع الثمرة مشاعا قبل أن يبدو صلاحها (قال الشافعي) فإن كان لرجل حائط في ثمره خمسة أوسق فباع رجلا منه نخلات بأعيانهن وآخر نخلات بأعيانهن بعدما يبدو صلاحه ففيه العشر والبيع مفسوخ إلا أن يبيع من كل واحد منهما تسعة أعشاره وإن كان هذا البيع قبل أن يبدو صلاح الثمرة على أن يقطعاها فقطعا منها شيئا وتركا شيئا حتى يبدو صلاحه، فإن كان فيما يبقى خمسة أوسق ففيه الصدقة والبيع فيه كما وصفت في المسألة قبله فإن لم يكن فيما بقى من الثمرة خمسة أوسق فالبيع جائز لا يفسخ ويؤخذ بأن يقطعها إلا أن يتطوع البائع بتركها لهما وإن قطعا الثمرة بعدما يبدو صلاحها فقالا: لم يكن فيها خمسة أوسق، فالقول قولهما مع أيمانهما ولا يفسخ البيع في هذا الحال، فإن قامت بينة على شئ أخذ بالبينة وإن لم تقم بينة قبل قول رب المال فيما طرح عن نفسه به الصدقة أو بعضها إذا لم تقم عليه بينة بخلاف ما قال (قال الشافعي) وإذا قامت بينة بأمر يطرح عنه الصدقة أو بعضها وأقر بما يثبت عليه الصدقة أو يزيدها أخذت بقوله لانى إنما أقبل بينته إذا كانت كما ادعى فيما يدفع به عن نفسه فإذا أكذبها قبلت قوله في الزيادة على نفسه وكان أثبت عليه من بينته (قال الشافعي) وإذا كان للرجل الحائط لم يمنع قطع ثمره من حين تطلع إلى أن ترى فيه الحمرة فإذا رؤيت فيه الحمرة منع قطعه حتى يخرص فإن قطعه قبل يخرص بعدما يرى فيه الحمرة فالقول قوله فيما قطع منه وإن أتى عليه كله مع يمينه، إلا أن يعلم غير قوله ببينة أهل مصره فيؤخذ ذلك منه بالبينة (قال الشافعي) وإذا أخذت ببينته أو قوله أخذ بتمر وسط سوى ثمر حائطه حتى يستوفى منه عشره ولا يؤخذ منه ثمنه (قال الشافعي) فهذا إن خرص عليه ثم استهلكه أخذ بتمر مثل وسط تمره.(2/59)
(باب ميراث القوم المال) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا ورث القوم الحائط فلم يقتسموا وكانت في ثمره كله
خمسة أوسق فعليهم الصدقة لانهم خلطاء يصدقون صدقة الواحد (قال الشافعي) فإن اقتسموا الحائط مثمرا قسما يصح فكان القسم قبل أن يرى في الثمرة صفرة أو حمرة فلا صدقة على من لم يكن في نصيبه خمسة أوسق وعلى من كان في نصيبه خمسة أوسق صدقة (قال الشافعي) فإن اقتسموا بعد ما يرى فيه صفرة أو حمرة صدق كله صدقة الواحد إذا كانت في جميعه خمسة أوسق أخذت منه الصدقة لان أول محل الصدقة أن يرى الحمرة والصفرة في الحائط، خرص الحائط أو لم يخرص (قال الشافعي) فإن قال قائل: كيف جعلت صدقة النخل والعنب اللذين يخرصان أولا وآخرا دون الماشية والورق والذهب وإنما أول ما تجب فيه الصدقة عندك وآخره الحول دون المصدق؟ قيل له إن شاء الله تعالى: لما خرصت الثمار من الاعناب والنخل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين طابت علمنا أنه لا يخرصها ولا زكاة له فيها، ولما قبضها تمرا وزبيبا علمنا أن آخر ما تجب فيه الصدقة منها أن تصير تمرا أو زبيبا على الامر المتقدم فإن قال ما يشبه هذا؟ قيل الحج له أول وآخران، فأول آخريه رمى الجمرات والحلق، وآخر آخريه زيارة البيت بعد الجمرة والحلق، وليس هكذا العمرة ولا الصوم ولا الصلاة كلها لها أول وآخر واحد وكل كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولو اقتسموا ولم تر فيه صفرة ولا حمرة ثم لم يقترعوا عليه حتى يعلم حق كل واحد منهم أو لم يتراضوا حتى يعلم كل واحد منهم حقه حتى يرى فيه صفرة أو حمرة كانت فيه صدقة الواحد لان القسم لم يتم إلا بعد وجوب الصدقة فيه (قال الشافعي) والقول قول أرباب المال في أنهم اقتسموا قبل أن يرى فيه صفرة أو حمرة إلا أن تقوم فيه بينة بغير ذلك (قال الشافعي) فإن كان الحائط خمسة أوسق فاقتسمه اثنان فقال أحدهما اقتسمناه قبل أن ترى فيه حمرة أو صفرة وقال الآخر.
بعد ما رؤيت، فيه أخذت الصدقة من نصيب الذي أقر أنهما اقتسماه بعدما حلت فيه الصدقة بقدر ما يلزمه ولم تؤخذ من نصيب الذى لم يقر (قال الشافعي) ولو اقتسما الثمرة دون الارض والنخل قبل أن يبدو صلاحها كان القسم فاسدا وكانوا فيه على الملك الاول (قال) ولو اقتسماه بعدما يبدو صلاحه كانت فيه الزكاة كما يكون على الواحد في الحالين معا (قال الشافعي) وإذا ورث الرجل حائطا فأثمر أو أثمر حائطه ولم يكن بالميراث أخذت الصدقة من ثمر الحائط وكذلك لو ورث ماشية أو ذهبا أو ورقا فلم يعلم أو علم فحال عليه الحول، أخذت صدقتها لانها في
ملكه وقد حال عليها حول، وكذلك ما ملك بلا علمه (قال الشافعي) وإذا كان لرجل مال تجب فيه الزكاة فارتد عن الاسلام وهرب أو جن أو عته أو حبس ليستتاب أو يقتل فحال الحول على ماله من يوم ملكه ففيها قولان أحدهما أن فيها الزكاة لان ماله لا يعدو أن يموت على ردته فيكون للمسلمين وما كان لهم ففيه الزكاة أو يرجع إلى الاسلام فيكون له فلا تسقط الردة عنه شيئا وجب عليه، والقول الثاني أن لا يؤخذ منها زكاة حتى ينظر، فإن اسلم تملك ماله وأخذت زكاته لانه لم يكن سقط عنه الفرض وإن لم يؤجر عليها، وإن قتل على ردته لم يكن في المال زكاة لانه مال مشترك مغنوم فإذا صار لانسان منه شئ فهو كالفائدة ويستقبل به حولا ثم يزكيه، ولو أقام في ردته زمانا كان كما وصفت، إن رجع إلى الاسلام أخذت منه صدقة ماله، وليس كالذمي الممنوع المال بالجزية ولا المجاب ولا المشرك غير الذمي الذى لم تجب في ماله زكاة قط، ألا ترى أنا نأمره بالاسلام فإن امتنع قتلناه وأنا نحكم عليه في حقوق(2/60)
الناس بأن نلزمه، فإن قال: فهو لا يؤجر على الزكاة، قيل: ولا يؤجر عليها ولا غيرها من حقوق الناس التى تلزمه ويحبط أجر عمله فيما أدى منها قبل أن يرتد، وكذلك لا يؤجر على أن يؤخذ الدين منه فهو يؤخذ.
(باب ترك التعدي على الناس في الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن القاسم ابن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت " مر على عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه بغنم من الصدقة فرأى فها شاة حافلا ذات ضرع " فقال عمر: " ما هذه الشاة؟ " فقالوا: شاة من الصدقة فقال عمر: " ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون لا تفتنوا الناس لا تأخذوا (1) حزرات المسلمين نكبوا عن الطعام " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى توهم عمر أن أهلها لم يتطوعوا بها ولم ير عليهم في الصدقات ذات در فقال هذا، ولو علم أن المصدق جبر أهلها على أخذها لردها عليهم إن شاء الله تعالى وكان شبيها أن يعاقب المصدق، ولم أر بأسا أن تؤخذ بطيب أنفس أهلها (قال الشافعي) وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن مصدقا " إياك وكرائم أموالهم "
وفى كل هذا دلالة على أن لا يؤخذ خيار المال في الصدقة وإن أخذ فحق على الوالى رده وأن يجعله من ضمان المصدق لانه تعدى بأخذه حتى يرده على أهله وإن فات ضمنه المصدق وأخذ من أهله ما عليهم إلا أن يرضوا بأن يرد عليهم فضل ما بين القيمتين فيردها المصدق وينفذ ما أخذ هو مما هو فوق ذلك لمن قسم له من أهل السهمان، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد عن محمد بن يحيى بن (2) حبان أنه قال: أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة الانصاري كان يأتيهم مصدقا فيقول لرب المال: أخرج إلى صدقة مالك فلا يقود إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها (قال الشافعي) وسواء أخذها المصدق وليس فيها تعد أو قادها إليه رب المال وهى وافية وإن قال المصدق لرب المال: أخرج زكاة مالك فأخرج أكثر مما عليه، فإن طاب به نفسا بعد علمه، أخذه منه وإلا أخذ منه ما عليه، ولا يسعه أخذه إلا حتى يعلمه أن ما أعطاه أكثر مما عليه.
(باب غلول الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال فرض الله عزوجل الصدقات وكان حبسها حراما ثم أكد تحريم حبسها فقال عز وعلا " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر
__________
(1) قوله: حزرات: جمع " حزرة " كسجدة وسجدات، وحزرة المال خياره، يقال: هذا حزرة نفسي، أي خير ما عندي وقوله " نكبوا عن الطعام " أي اعدلوا عن الاكولة وذات الدر ونحوهما وأتركوها لاهلها.
كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) حبان: بفتح أوله وتشديد الموحدة، كذا في الخلاصة.
كتبه مصححه.(2/61)
لهم " الآية وقال تبارك وتعالى " والذين يكنزون الذهب والفضة " إلى قوله " ما كنتم تكنزون " (قال الشافعي) وسبيل الله والله أعلم ما فرض من الصدقة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال أخبرنا جامع بن أبى راشد وعبد الملك بن أعين سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه " ثم قرأ علينا " سيطوقون ما بخلوا به يوم
القيامة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار قال سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز فقال هو المال الذى لا تؤدى منه الزكاة (قال الشافعي) وهذا كما قال ابن عمر إن شاء الله تعالى لانهم إنما عذبوا على منع الحق فأما على دفن أموالهم وحبسها فذلك غير محرم عليهم وكذلك إحرازها والدفن ضرب من الاحراز ولولا إباحة حبسها ما وجبت فيها الزكاة في حول لانها لا تجب حتى تحبس حولا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار (1) عن أبى هريرة أنه كان يقول: " من كان له مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول أنا كنزك " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة ابن الصامت على صدقة فقال " اتق الله يا أبا الوليد لا تأتى يوم القيامة ببعير تحمله على رقبتك له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها (2) ثؤاج " فقال يا رسول الله وإن ذا لكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إى والذى نفسي بيده إلا من رحم الله تعالى " فقال: والذى بعثك بالحق لا أعمل على أثنين أبدا.
(باب ما يحل للناس أن يعطو من أموالهم) (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " الآية (قال الشافعي) يعنى والله أعلم تأخذونه لانفسكم ممن لكم عليه حق فلا تنفقوا ما لا تأخذون لانفسكم، يعنى لا تعطوا مما خبث عليكم والله أعلم وعندكم طيب (قال الشافعي) فحرام على من عليه صدقة أن يعطى الصدقة من شرها وحرام على من له تمر أن يعطى العشر من شره، ومن له الحنطة أن يعطى العشر من شرها، ومن له ذهب أن يعطى زكاتها من شرها، ومن له إبل أن يعطى الزكاة من شرها إذا ولي إعطاءها أهلها، وعلى السلطان أن يأخذ ذلك منه، وحرام عليه إن غابت أعيانها عن السلطان فقبل قوله أن يعطيه من شرها ويقول: ما له كله هكذا، قال الربيع: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن داود بن أبى هند عن الشعبى عن جرير بن عبد الله البجلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضا " (قال الشافعي) يعنى والله اعلم: أن يوفوه طائعين ولا يلووه لا أن يعطوه من أموالهم ما ليس عليهم فبهذا نأمرهم ونأمر المصدق.
__________
(1) في نسخة المسند زيادة أبى صالح السمان بين عبد الله بن دينار وأبى هريرة فحرر السند.
كتبه مصححه.
(2) الثؤاج: بالضم، صياح الغنم ثأجت نثأج من باب نفع.
كتبه مصححه.(2/62)
(باب الهدية للوالى بسبب الولاية) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبى حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد يقال له (1) ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: " هذا لكم وهذا أهدى إلى فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: (ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدى إلى؟ فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا؟ فوالذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة (2) تيعر " ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال اللهم: " هل بلغت، اللهم هل بلغت؟ " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبى حميد الساعدي قال: بصر عينى وسمع أذنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلوا زيد بن ثابت، يعنى مثله (قال الشافعي) فيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن اللتبية تحريم الهدية إذا لم تكن الهدية له إلا بسبب السلطان ويحتمل أن الهدية لاهل الصدقات إذا كانت بسبب الولاية لاهل الصدقات كما يكون ما تطوع به أهل الاموال مما ليس عليهم لاهل الصدقات لا لوالى الصدقات (قال الشافعي) وإذا أهدى واحد من القوم للوالى هدية، فإن كانت لشئ ينال به منه حقا أو باطلا (3) أو لشئ ينال منه حق أو باطل، فحرام على الوالى أن يأخذها لان حراما عليه أن يستجعل على أخذه الحق لمن ولى أمره، وقد ألزمه الله عزوجل أخذ الحق لهم وحرام عليه أن يأخذ لهم باطلا والجعل عليه أحرم وكذلك إن كان أخذ منه ليدفع به عنه ما كره، أما أن يدفع عنه بالهدية حقا لزمه فحرام عليه دفع الحق إذا لزمه، وأما أن يدفع عنه باطلا فحرام عليه إلا أن يدفع عنه بكل حال (قال الشافعي) وإن أهدى له من غير هذين الوجهين أحد من أهل ولايته فكانت تفضلا عليه أو شكر
الحسن في المعاملة فلا يقبلها، وإن قبلها كانت في الصدقات، لا يسعه عندي غيره إلا أن يكافئه عليه بقدرها فيسعه أن يتمولها.
(قال الشافعي) وإن كان من رجل لا سلطان له عليه وليس بالبلد الذى له به سلطان شكرا على حسن ما كان منه فأحب إلى أن يجعلها لاهل الولاية إن قبلها، أو يدع قبولها فلا يأخذ على الحسن مكافأة، وإن قبلها فتمولها لم تحرم عليه عندي.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وقد أخبرنا مطرف بن مازن عن شيخ ثقة سماه لا يحضرني ذكر اسمه أن رجلا ولى عدن فأحسن فيها فبعث إليه بعض الاعاجم بهدية حمدا له على إحسانه فكتب فيها إلى عمر بن عبد العزيز فأحسبه قال قولا معناه: تجعل في بيت المال.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عثمان بن صفوان الجمحى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تخالط الصدقة مالا إلا أهلكته ".
(قال الشافعي) يعنى والله أعلم أن خيانة الصدقة تتلف المال المخلوط بالخيانة من الصدقة (قال الشافعي) وما أهدى له ذو رحم أو ذو مودة كان يهاديه
__________
(1) في القاموس: وبنو لتب بالضم، حى منهم عبد الله بن اللتبية اه كتبه مصححه.
(2) يعرت الشاة تيعر، من باب ضرب ومنع يعارا بالضم صاحت، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(3) قوله: أو لشئ ينال منه الخ كذا في النسخ.
وانظر.
كتبه مصححه.(2/63)
قبل الولاية لا يبعثه للولاية فيكون إعطاؤه على معنى من الخوف، فالتنزه أحب إلى وأبعد لقالة السوء، ولا بأس أن يقبل ويتمول إذا كان على هذا المعنى ما أهدى أو وهب له.
(باب ابتياع الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنى شيخ من أهل مكة قال: سمعت طاوسا وأنا واقف على رأسه يسال عن بيع الصدقة قبل أن تقبض فقال طاوس: ورب هذا البيت ما يحل بيعها قبل أن تقبض ولا بعد أن تقبض (قال الشافعي) لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فقراء أهل السهمان، فترد بعينها ولا يرد ثمنها (قال الشافعي) وإن باع منها المصدق
شيئا لغير أن يقع لرجل نصف شاة أو ما يشبه هذا فعليه أن يأتي بمثلها أو يقسمها على أهلها لا يجزيه إلا ذلك (قال) وأفسخ بيع المصدق فيها على كل حال إذا قدرت عليه وأكره لمن خرجت منه أن يشتريها من يد أهلها الذى قسمت عليهم ولا أفسخ البيع إن اشتروها منهم وإنما كرهت ذلك منهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حمل على فرس في سبيل الله فرآه يباع أن لا يشتريه وأنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته أو صدقته كالكلب يعود في قيئه " ولم يبن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم شراء ما وصفت على الذى خرج من يديه فأفسخ فيه البيع وقد تصدق رجل من الانصار بصدقة على أبويه ثم ماتا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ ذلك بالميراث فبذلك أجزت أن يملك ما خرج من يديه بما يحل به الملك (قال الشافعي) ولا أكره لمن اشترى من يد أهل السهمان حقوقهم منها إذا كان ما اشترى منها مما لم يؤخذ منه في صدقته ولم يتصدق به متطوعا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عمرو بن مسلم أو ابن طاوس أن طاوسا ولى صدقات الركب لمحمد بن يوسف فكان يأتي القوم فيقول: زكوا يرحمكم الله.
مما أعطاكم الله فما أعطوه قبله ثم يسألهم " أين مساكينهم؟ " فيأخذها من هذا ويدفعها إلى هذا وأنه لم يأخذ لنفسه في عمله ولم يبع ولم يدفع إلى الوالى منها شيئا، وأن الرجل من الركب كان إذا ولى عنه لم يقل له: هلم (قال الشافعي) وهذا يسع من وليهم عندي وأحب إلى أن يحتاط لاهل السهمان فيسأل ويحلف من اتهم لانه قد كثر الغلول فيهم وليس لاحد أن يحتاط ولا يحلف ولا يلى حتى يكون يضعها مواضعها، فأما من لم يكن يضعها مواضعها فليس له ذلك.
(باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة لمن يأخذها منه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم " الآية (قال) والصلاة عليهم الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم (قال) فحق على الوالى إذا أخذ صدقة امرئ أن يدعو له وأحب إلى أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعلها لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت " وما دعا له به أجزأه إن شاء الله.
(باب كيف تعد الصدقة وكيف توسم)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حضرت عمى محمد بن العباس تؤخذ الصدقات بحضرته يأمر(2/64)
بالحظار فيحظر ويأمر قوما فيكتبون أهل السهمان ثم يقف رجال دون الحظار قليلا ثم تسرب الغنم بين الرجال والحظار فتمر الغنم سراعا واحدة واثنتان وفى يد الذى يعدها عصا يشير بها ويعد بين يدى محمد بن العباس وصاحب المال معه فإن قال أخطأ، أمره بالاعادة حتى يجتمعا على عدد ثم يأخذ ما وجب عليه بعد ما يسأل رب المال: هل له من غنم غير ما أحضره؟ فيذهب بما أخذ إلى الميسم فيوسم بميسم الصدقة وهو كتاب الله عزوجل، وتوسم الغنم في أصول آذانها والابل في أفخاذها ثم تصير إلى الحظيرة حتى يحصى ما يؤخذ من المجمع ثم يفرقها بقدر ما يرى (قال الشافعي) وهكذا أحب أن يفعل المصدق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه: إن في الظهر ناقة عمياء فقال " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة " فقال أسلم: بل من نعم الجزية وقال: إن عليها ميسم الجزية (قال الشافعي) وهذا يدل على أن عمر رضى الله تعالى عنه كان يسم وسمين، وسم جزية، ووسم صدقة.
وبهذا نقول.
(باب الفضل في الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن يسار عن أبى هريرة قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب إلا كان كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربى أحدكم (1) فلوه حتى إن اللقمة لتأتى يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظم "، ثم قرأ " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من لدن (2) ثديهما إلى تراقيهما فإذا أراد المنفق أن ينفق سبغت عليه الدرع أو مرت حتى تخفى بنانه وتعفو أثره وإذا أراد البخيل أن ينفق تقلصت ولزمت كل حلقة موضعها حتى تأخذ بعنقه أو ترقوته فهو يوسعها ولا تتسع) أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال " فهو يوسعها ولا تتوسع " (قال الشافعي) حمد الله عز وجل الصدقة في غير موضع من كتابه، فمن قدر على أن يكثر منها فليفعل.
(باب صدقة النافلة على المشرك) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبى بكر قالت " أتتنى أمي راغبة في عهد قريش فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأصلها؟ قال نعم " (قال الشافعي) ولا بأس أن يتصدق على المشرك من النافلة وليس له في الفريضة من الصدقة
__________
(1) الفلو: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، الجحش أو المهر إذا فطم، يقال: فلاه عن أمه، إذا عزله عنها وفطمه كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) قوله " ثديهما " بضم الاول وكسر الثاني وتشديد الثالث، جمع " ثدى " على فعول، كفلس وفلوس.
كتبه مصححه.(2/65)
حق، وقد حمد الله تعالى قوما فقال " ويطعمون الطعام " الآية.
(باب اختلاف زكاة مالا يملك) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا سلف الرجل الرجل مائة دينار في طعام موصوف أو غيره سلفا صحيحا فالمائة ملك للمسلف ويزكيها كان له مال غيرها يؤدى دينه أو لم يكن يزكيها لحولها يوم قبضها ولو أفلس بعد الحول والمائة قائمة في يده بعينها زكاها وكان للذى له المائة أخذ ما وجد منها وأتباعه بما يبقى عن الزكاة وعما تلف منها وهكذا لو أصدق رجل امرأة مائة دينار فقبضتها وحال عليها الحول في يديها ثم طلقها زكت المائة ورجع عليها بخمسين لانها كانت مالكة للكل وإنما انتقض الملك في خمسين بعد تمام ملكها لها حولا وهكذا لو لم تقبضها وحال عليها حول في يده ثم طلقها وجبت عليها فيها الزكاة إذا قبضت الخمسين منه أدت زكاة المال، لانها كانت في ملكها وكانت كمن له على رجل مائة دينار فقبض خمسين بعد الحول وأبرأه من خمسين وهو قادر على أخذها منه، يزكى منها
مائة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو طلقها قبل الحول من يوم نكحها لم يكن عليها إلا زكاة الخمسين إذا حال الحول لانها لم تقبضها ولم يحل الحول حتى انتقض ملكها في الخمسين (قال الشافعي) ولو أكرى رجل رجلا دارا بمائة دينار أربع سنين فالكراء حال إلا أن يشترطه إلى أجل، فإذا حال عليه الحول من يوم أكرى الدار أحصى الحول وعليه أن يزكى خمسة وعشرين دينارا والاختيار له ولا يجبر على ذلك أن يزكى المائة، فإن تم حول ثان فعليه أن يزكي عن خمسين دينارا لسنتين يحتسب منها زكاة الخمسة والعشرين التى أداها في أول سنة ثم إذا حال حول ثالث فعليه أن يزكى خمسة وسبعين لثلاث سنين يحتسب منها ما مضى من زكاته عن الخمسة والعشرين والخمسين، فإذا مضى حول رابع فعليه أن يزكى مائة لاربع سنين يحتسب منها كل ما أخرج من زكاته قليلها وكثيرها (قال الربيع وأبو يعقوب) عليه زكاة المائة (قال الربيع) سمعت الكتاب كله إلا أنى لم أعارض به من ههنا إلى آخره (قال الشافعي) ولو أكرى بمائة فقبض المائة ثم انهدمت الدار انفسخ الكراء من يوم تنهدم ولم يكن عليه زكاة إلا فيما سلم له من الكراء قبل الهدم ولهذا قلت ليس عليه أن يزكى المائة حتى يسلم الكراء فيها وعليه أن يزكي ما سلم من الكراء منه وهكذا إجارة الارض بالذهب والفضة وغير ذلك مما أكراه المالك من غيره (قال الشافعي) وإنما فرقت بين إجارة الارضين والمنازل والصداق لان الصداق شئ تملكته على الكمال، فإن ماتت أو مات الزوج أو دخل بها، كان لها بالكمال، وإن طلقها رجع إليها بنصفه، والاجارات لا يملك منها شئ بكماله إلا بسلامة منفعة ما يستأجره مدة فيكون لها حصة من الاجارة فلم نجز إلا الفرق بينهما بما وصفت (قال الشافعي) وملك الرجل نصف المهر بالطلاق يشبه ملكه الشفعة تكون ملكا للذى هي في يديه حتى تؤخذ من يديه (قال) وكتابة المكاتب والعبد يخارج والامة فلا يشبه هذا هذا لا يكون عليه ولا على سيده فيه زكاة وإن ضمنه مكاتبه أو عبده حتى يقبضه السيد ويحول عليه الحول من يوم قبضه لانه ليس بدين لازم للمكاتب ولا العبد ولا الامة، فليس يتم ملكه عليه بحال حتى يقبضه وما كان في ذمة حر فملكه قائم عليه (قال الشافعي) وهكذا كل ما ملك مما في أصله صدقة تبر، أو فضة، أو غنم، أو بقر، أو إبل.
فأما ما ملك من طعام أو تمر أو غيره فلا زكاة
فيه، إنما الزكاة فيما أخرجت الارض بأن تكون أخرجته وهو يملك ما أخرجت فيكون فيه حق يوم(2/66)
حصاده (قال الشافعي) وما أخرجت الارض فأديت زكاته ثم حبسه صاحبه سنين فلا زكاة عليه فيه لان زكاته إنما تكون بأن تخرجه الارض له يوم تخرجه، فأما ما سوى ذلك فلا زكاة فيه بحال إلا أن يشترى لتجارة، فأما إن نويت به التجارة وهو ملك لصاحبه بغير شراء فلا زكاة فيه (قال الشافعي) فإذا أوجف المسلمون على العدو بالخيل والركاب فجمعت غنائمهم فحال عليها حول قبل أن تقسم فقد أساء الوالى إذا لم يكن له عذر، ولا زكاة في فضة منها ولا ذهب ولا ماشية حتى تقسم، يستقبل بها بعد القسم حولا لان الغنيمة لا تكون ملكا لواحد دون صاحبه فإنه ليس بشئ ملكوه بشراء ولا ميراث فأقروه راضين فيه بالشركة وإن للامام أن يمنعه قسمه إلى أن يمكنه ولان فيها خمسا من جميعها قد يصير في القسم في بعضها دون بعض فليس منها مملوك لاحد بعينه بحال (قال الشافعي) ولو قسمت فجمعت سهام مائة في شئ برضاهم وكان ذلك الشئ ماشية أو شيئا مما تجب فيه الزكاة فلم يقتسموه بعد أن صار لهم حتى حال عليه الحول زكوه لانهم قد ملكوه دون غيره من الغنيمة ودون غيرهم من أهل الغنيمة، ولو قسم ذلك الوالى بلا رضاهم لم يكن له أن يلزمهم ذلك ولو قسمه وهم غيب ودفعه إلى رجل فحال عليه حول لم يكن عليهم فيه زكاة لانهم لم يملكوه، وليس للوالى جبرهم عليه، فإن قبلوه ورضوا به ملكوه ملكا مستأنفا واستأنفوا له حولا من يوم قبلوه (قال الشافعي) ولو عزل الوالى سهم أهل الخمس ثم أخرج لهم سهمهم على شئ بعينه، فإن كان ماشية لم يجب عليهم فيه الصدقة، لانه لقوم متفرقين لا يعرفهم فهو كالغنيمة بين الجماعة لا يحصون، وإذا صار إلى أحد منهم شئ استأنف به حولا، وكذلك الدنانير والتبر والدراهم في جميع هذا (قال الشافعي) وإذا جمع الوالى الفئ ذهبا أو ورقا فأدخله بيت المال فحال عليه حول أو كانت ماشية فرعاها في الحمى فحال عليها حول فلا زكاة فيها لان مالكيها لا يحصون ولا يعرفون كلهم بأعيانهم وإذا دفع منه شيئا إلى رجل استقبل به حولا (قال الشافعي) ولو عزل منها الخمس لاهله كان هكذا لان أهله لا يحصون وكذلك خمس الخمس، فإن عزل منها شيئا لصنف من الاصناف فدفعه إلى أهله فحال عليه في أيديهم حول قبل أن يقتسموه
صدقوه صدقة الواحد لانهم خلطاء فيه، وإن اقتسموه قبل الحول، فلا زكاة عليهم فيه.
(باب زكاة الفطر) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والانثى ممن يمونون.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياص بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: " كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبهذا كله نأخذ وفى حديث نافع دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرضها إلا على المسلمين وذلك موافقة لكتاب الله عزوجل فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا للمسلمين وفى حديث جعفر دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها على المرء في نفسه ومن يمون(2/67)
(قال الشافعي) وفى حديث نافع دلالة (1) سنة بحديث جعفر إذ فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحر والعبد، والعبد لا مال له، وبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فرضها على سيده وما لا اختلاف فيه أن على السيد في عبده وأمته زكاة الفطر وهما ممن يمون (قال الشافعي) فعلى كل رجل لزمته مؤنة أحد حتى لا يكون له تركها أداء زكاة الفطر عنه، وذلك من جبرناه على نفقته من ولده الصغار والكبار الزمنى الفقراء وآبائه وأمهاتها الزمنى الفقراء وزوجته وخادم لها، فإن كان لها أكثر من خادم لم يلزمه أن يزكى زكاة الفطر عنه ولزمها تأدية زكاة الفطر عمن بقى من رقيقها (قال الشافعي) وعليه زكاة الفطر في رقيقة الحضور والغيب رجا رجعتم أو لم يرج إذا عرف حياتهم لان كلا في ملكه، وكذلك أمهات أولاده والمعتقون إلى أجل من رقيقه ومن رهن من رقيقه لان كل هؤلاء في ملكه وإن كان فيمن يمون كافر لم يلزمه زكاة الفطر عنه لانه لا يطهر بالزكاة (قال الشافعي) ورقيق رقيقه
رقيقه، فعليه أن يزكى عنهم (قال الشافعي) فإن كان ولده في ولايته لهم أموال فعليه أن يخرج من أموالهم عنهم زكاة الفطر إلا أن يتطوع فيخرجها من ماله عنهم فتجزى عنهم فإذا تطوع حر ممن يمون الرجل فأخرج زكاة الفطر عن نفسه أو امرأته كانت أو ابن له أو أب أو أم أجزأ عنهم ولم يكن عليه أن يخرج زكاة الفطر عنهم ثانية فإن تطوعوا ببعض ما عليهم كان عليه أن يتم الباقي عنهم من زكاة الفطر (قال) ومن قلت يجب عليه أن يزكى عنه زكاة الفطر فإذا ولد له ولد أو كان أحد في ملكه أو عياله في شئ من نهار آخر يوم من شهر رمضان فغابت الشمس ليلة هلال شوال وجبت عليه زكاة الفطر عنه وإن مات من ليلته وإذا غابت الشمس من ليلة الفطر ثم ولد بينهم أو صار واحد منهم في عياله لم تجب عليه زكاة الفطر في عامه ذلك عنه وكان في سقوط زكاة الفطر عنه كالمال يملكه بعد الحول وإن كان عبد بينه وبين رجل فعلى كل واحد منهما أن يزكى عنه من زكاة الفطر بقدر ما يملك منه (قال الشافعي) وإن باع عبدا على أن له الخيار فأهل هلال شوال ولم يختر إنفاذ البيع ثم أنفذه فزكاة الفطر على البائع (قال الربيع) وكذلك لو باعه على أن البائع والمشترى بالخيار فأهل هلال شوال والعبد في يد المشترى فاختار المشترى والبائع إجازة البيع أو رده فهما سواء وزكاة الفطر على البائع (قال الشافعي) ولو باع رجل رجلا عبدا على أن المشترى بالخيار فأهل هلال شوال قبل أن يختار الرد أو الاخذ كانت زكاة الفطر على المشترى وإن اختار رد البيع إلا أن يختاره قبل الهلال وسواء كان العبد المبيع في يد المشترى أو البائع إنما أنظر إلى من يملكه فأجعل زكاة الفطر عليه (قال) ولو غصب رجل عبد رجل كانت زكاة الفطر في العبد على مالكه وكذلك لو استأجره وشرط على المستأجر نفقته (قال الشافعي) ويؤدى زكاة الفطر عن رقيقه الذى اشترى للتجارة ويؤدى عنهم زكاة التجارة معا وعن رقيقه للخدمة وغيرها وجميع ما يملك من خدم (قال الشافعي) وإن وهب رجل لرجل عبدا في شهر رمضان فلم يقبضه الموهوب له حتى أهل شوال وقفنا زكاة الفطر فإن أقبضه إياه فزكاة الفطر على الموهوب له وإن لم يقبضه فالزكاة على الواهب ولو قبضه قبل الليل ثم غابت الشمس وهو في ملكه مقبوضا له كانت عليه فيه زكاة الفطر ولو رده من ساعته (قال) وكذلك كل ماملك به رجل رجلا عبدا أو أمة (قال الشافعي) وإذا أعتق رجل نصف عبد بينه وبين رجل ولم يكن موسرا فبقى نصفه رقيقا لرجل فعليه في نصفه نصف زكاة الفطر وإن كان للعبد ما يقوت نفسه ليلة الفطر ويومه ويؤدي النصف عن نفسه فعليه أداء زكاة النصف عن
__________
(1) قوله: سنة كذا في النسخ ولعلها محرفة من الناسخ عن " بينة " فانظر.
كتبه مصححه.(2/68)
نفسه لانه مالك ما اكتسب في يومه (قال الشافعي) وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا فاشترى به رقيقا فأهل شوال قبل أن يباعوا فزكاتهم على رب المال (قال الشافعي) ولو مات رجل له رقيق فورثه ورثته قبل هلال شوال ثم أهل هلال شوال ولم يخرج الرقيق من أيديهم فعليهم فيه زكاة الفطر بقدر مواريثهم منه (قال الشافعي) ولو أراد بعضهم أن يدع نصيبه من ميراثه لزمه زكاة الفطر فيه لانه قد لزمه ملكه له بكل حال ولو أنه مات حين أهل هلال شوال وورثه ورثته كانت زكاة الفطر عنه وعمن يملك في ماله مبداة على الدين وغيره من الميراث والوصايا (قال الشافعي) ولو مات رجل فأوصى لرجل بعبد أو بعبيد فإن كان موته بعد هلال شوال فزكاة الفطر عن الرقيق في ماله وإن كان موته قبل شوال فلم يرد الرجل الوصية ولم يقبلها أو علمها أو لم يعلمها حتى أهل شوال فصدقة الفطر عنهم موقوفة، فإذا أجاز الموصى له قبول الوصية فهى عليه لانهم خارجون من ملك الميت وإن ورثته غير مالكين لهم، فإن اختار رد الوصية فليست عليه صدقة الفطر عنهم، وعلى الورثة إخراج الزكاة عنهم لانهم كانوا موقوفين على ملكهم أو ملك الموصى له (قال الشافعي) ولو مات الموصى له بهم قبل أن يختار قبولهم أو ردهم قام ورثته مقامه في أختيار قبولهم أو ردهم، فإن قبولهم فزكاة الفطر عنهم في مال أبيهم لانهم بملكه ملكوهم إلا أن يتطوعوا بها من أموالهم (قال الشافعي) وهذا إذا أخرجوا من الثلث وقبل الموصى له الوصية فإن لم يخرجوا من الثلث فهم شركاء الورثة فيهم، وزكاة الفطر بينهم على قدر ميراث الورثة ووصية أهل الوصايا (قال الشافعي) ولو أوصى برقبة عبد لرجل وخدمته لآخر حياته أو وقتا فقبلا، كانت صدقة الفطر على مالك الرقبة ولو لم يقبل كانت صدقة الفطر على الورثة لانهم يملكون رقبته (قال الشافعي) ولو مات رجل وعليه دين وترك رقيقا فإن زكاة الفطر في ماله عنهم فإن مات قبل شوال زكى عنهم الورثة لانهم في ملكهم حتى يخرجوا بأن يباعوا بالموت أو الدين وهؤلاء يخالفون العبيد يوصى بهم، العبيد يوصى بهم خارجون بأعيانهم من ماله إذا قبل الوصية الموصى له وهؤلاء إن شاء الورثة لم يخرجوا من ماله بحال إذا أدوا الدين فإن كان لرجل مكاتب كاتبه كتابة فاسدة، فهو مثل رقيقه يؤدى
عنه زكاة الفطر، وان كانت كتابته صحيحه فليست عليه زكاة الفطر لانه ممنوع من ماله وبيعه ولا على المكاتب زكاة الفطر لانه غير تام الملك على ماله، وإن كانت لرجل أم ولد أو مدبرة فعلية زكاة الفطر فيهما معا، لانه مالك لهما (قال الشافعي) ويؤدى ولى المعتوه والصبى عنهما زكاة الفطر وعمن تلزمهما مؤنته كما يؤدى الصحيح عن نفسه (قال الشافعي) ولا يقف الرجل عن زكاة عبده الغائب عنه وإن كان منقطع الخبر عنه حتى يعلم موته قبل هلال شوال (1) فإن فعل فعلم أنه مات قبل شوال لم يؤد عنه زكاة الفطر وإن لم يستيقن أدى عنه (قال الشافعي) وإذا غاب الرجل عن بلد الرجل، لم يعرف موته ولا حياته في ساعة زكاة الفطر فليؤد عنه.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وخيبر (قال الشافعي) وكل من دخل عليه شوال وعنده قوته وقوت من يقوته يومه وما يؤدى به زكاة الفطر عنه وعنهم أداها عنهم وعنه، وإن لم يكن عنده إلا ما يؤدى عن بعضهم أداها عن بعض وإن لم يكن عنده سوى مؤنته ومؤنتهم يومه فليس عليه ولا على من يقوت عنه زكاة الفطر (قال الشافعي) فإن كان أحد ممن يقوت
__________
(1) قوله: فإن فعل الخ كذا في النسخ، ولعل هنا تحريفا من النساخ، فانظر.
كتبه مصححه.(2/69)
وأجدا لزكاة الفطر لم أرخص له أن يدع أداءها عن نفسه، ولا يبين لى أن تجب عليه لانها مفروضة على غيره فيه (قال الشافعي) ولا بأس أن يؤدى زكاة الفطر ويأخذها إذا كان محتاجا وغيرها من الصدقات المفروضات وغيرها، وكل مسلم في الزكاة سواء (قال الشافعي) وليس على من لا عرض له ولا نقد ولا يجد قوت يومه أن يستسلف زكاة.
(باب زكاة الفطر الثاني) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من شهر رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله لا زكاة فطر إلا على مسلم، وعلى الرجل أن يزكى عن كل أحد لزمه مؤنته صغارا أو كبارا (قال الشافعي) ويلزمه نفقة امرأته وخادم لها لا أكثر منها
ويلزم امرأته تأدية الزكاة عمن بقى من رقيقها ويلزم من كان له رقيق حضورا أو غيبا كانوا للتجارة أو لخدمة رجا رجوعهم أو لم يرجه إذا عرف حياتهم أن يزكى عنهم وكذلك يزكى عن رقيق رقيقه ويزكي عن أمهات الاولاد والمعتقين إلى أجل، ولا زكاة على أحد في عبد كافر ولا أمة كافرة، ومن قلت تجب عليه زكاة الفطر فإذا ولد أو كان في ملكه أو عياله في شئ من نهار آخر يوم من شهر رمضان فغابت الشمس ليلة هلال شوال وجبت عليه زكاة الفطر عنه، وإن مات من ليلته وإذا غابت الشمس في آخر يوم من شهر رمضان ثم ولد له أو ثار أحد في عياله لم تجب عليه زكاة الفطر وذلك كمال يملكه بعد الحول وإنما تجب إذا كان عنده قبل أن يحل ثم حل وهو عنده، وإذا اشترى رجل عبدا على أن المشترى بالخيار فأهل شوال قبل أن يختار الرد أو الاخذ فاختار الرد أو الاخذ فالزكاة على المشترى لانه إذا وجبت بيعه ولم يكن الخيار إلا له، فالبيع له، وإن اختار رده بالشرط فهو كمختار رده بالعيب وسواء كان العبد المبيع في يد المشترى أو البائع إنما أنظر إلى من يملكه فأجعل زكاة الفطر عليه ولو غصب رجل عبدا كانت زكاة الفطر على مالكه ولو استأجر رجل عبدا وشرط عليه نفقته كانت زكاة الفطر على سيد العبد وإن وهب رجل لرجل عبدا في شهر رمضان فلم يقبضه الموهوب له حتى أهل شوال وقفنا زكاة الفطر فإن أقبضه إياه زكاه الموهوب له وإن لم يقبضه زكاها لواهب وإن قبضه قبل الليل ثم غابت الشمس فرده فعلى الموهوب له زكاة الفطر وكذلك كل ما ملك به رجل رجلا عبدا أو أمة ولو مات رجل وله رقيق فورثه ورثته قبل هلال شوال ثم أهل شوال ولم يخرج الرقيق من أيديهم فعليهم فيهم زكاة الفطر بقدر مواريثهم ولو أراد أحدهم أن يدع نصيبه من ميراثه بعد ما أهل شوال فعليه زكاة الفطر لان الملك لزمه بكل حال، وإذا كان العبد بعضه حر وبعضه رقيق، أدى الذى له فيه الملك بقدر ما يملك وعلى العبد أن يؤدى ما بقى وللعبد ما كسب في يومه إن كان له ما يقوته يوم الفطر وليلته، وإن لم يكن له فضل ما يقوت نفسه ليلة الفطر ويومه فلا شئ عليه وإذا اشترى المقارض رقيقا فأهل شوال وهم عنده فعلى رب المال زكاتهم وإذا مات الرجل حين أهل شوال فالزكاة عليه في ماله مبداة على الدين والوصايا يخرج عنه وعمن يملك ويمون من المسلمين الذين تلزمه النفقة عليهم، ولو مات رجل وأوصى لرجل بعبد، فإن كان موته بعد هلال شوال وخرج من الثلث فالزكاة على السيد
في ماله وإن مات قبل هلال شوال فالزكاة على الموصى له إن قبل الوصية (1) وإن لم يقبلها أو علمها أو
__________
(1) قوله: وإن لم يقبلها أو علمها الخ كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/70)
لم يعلمها فالزكاة موقوفة فإن اختار أخذه فالزكاة عليه، وإن رده فعلى الورثة إخراج الزكاة عن العبد وإن لم يخرج من الثلث فهو شريك للورثة إن قبل الوصية والزكاة عليهم كهى على الشركاء وإن مات الموصى له قبل أن يختار قبولهم أو ردهم فورثته يقومون مقامه، فإن اختاروا قبوله فعليهم زكاة الفطر في مال أبيهم ولو أوصى لرجل برقبة عبد وخدمته لآخر حياة الموصى له فزكاة الفطر على مالك الرقبة ولو لم يقبل الموصى له بالرقبة كانت زكاة الفطر على الورثة (قال الشافعي) وإن مات رجل وله رقيق وعليه دين بعد هلال شوال فالزكاة عليه في ماله عنه وعنهم، وإن مات قبل الهلال فالزكاة على الورثة لانهم في ملكهم حتى يخرجوا في الدين، ولا يؤدى الرجل عن مكاتبه إذا كانت كتابته صحيحة ولا على المكاتب أن يؤدى عن نفسه، فإن كانت كتابته فاسدة فهو مثل رقيقه فيؤدى عنه زكاة الفطر (قال الشافعي) ويؤدى ولى الصبى والمعتوه عنهما وعمن تلزمهما مؤنته كما يؤدى الصحيح، وكل من دخل عليه هلال شوال وعنده قوته وقوت من يقوته يومه وليلته وما يؤدى به زكاة الفطر عنهم وعنه أداها عنه وعنهم فإن لم يكن عنده إلا ما يؤدى به زكاة الفطر عنه أو عن بعضهم أداها، فإن لم يكن عنده إلا قوته وقوتهم فلا شئ عليه فإن كان فيهم واجد للفضل عن قوت يومه أدى عن نفسه إذا لم يؤد عنه ولا يتبين لى أن تجب عليه لانها مفروضة على غيره فيه ولا بأس أن يؤدى الرجل زكاة الفطر ويأخذها وغيرها من الصدقات المفروضات والتطوع وكل مسلم في الزكاة سواء وليس على أحد لا شئ عنده أن يستسلف زكاة الفطر وإن وجد من يسلفه ولو أيسر بعد هلال شوال لم يجب عليه أن يؤدى لان وقتها قد زال وهو غير واجد ولو أخرجها كان أحب إلى (قال الشافعي) وإذا باع الرجل عبدا بيعا فاسدا فزكاة الفطر على البائع لانه لم يخرج من ملكه وكذلك لو رهنه رهنا فاسدا أو صحيحا فزكاة الفطر على مالكه وإذا زوج الرجل أمته عبدا فعليه أن يؤدى عنها زكاة الفطر وكذلك المكاتب، فإن زوجها حرا فعلى الحر الزكاة إذا خلى بينه وبينها فإن لم يخل بينه وبينها فعلى السيد الزكاة فإن كان الزوج الحر معسرا فعلى
سيد الامة الزكاة وإذا وهب الرجل لولده الصغير أمة أو عبدا ولا مال لولده غيره فلا يتبين أن تجب الزكاة على أبيه لان مؤنته ليست عليه إلا أن يكون مرضعا أو من لا غنى بالصغير عنه فيلزم أباه نفقتهم والزكاة عنهم وإن حبسهم أبوه لخدمة نفسه فقد أساء ولا يتبين أن عليه زكاة الفطر فيهم لانهم ليسوا ممن تلزمه النفقة عليهم فإن كان لابنه مال أدى منه عن رقيق ابنه وإن استأجر لا بنه مرضعا فليس على أبيه زكاة الفطر عنها، وليس لغير ولى الصبى أن يخرج عنه زكاة فطر وإن أخرجها بغير أمر حاكم ضمن.
(باب مكيلة زكاة الفطر) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: " كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن داود بن قيس سمع عياض بن عبد الله ابن سعد يقول: " إن أبا سعيد الخدرى يقول " كنا نخرج في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب أو صاعا من تمر أو صاعا(2/71)
من شعير فلم نزل نخرج ذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فخطب الناس فكان فيما كلم الناس به أن قال إنى أرى: " مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر " فأخذ الناس بذلك " (قال الشافعي) ولا يخرج من الحنطة في صدقة الفطر إلا صاع (قال الشافعي) والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر والشعير ولا أرى أبا سعيد الخدرى عزا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضه، إنما عزا أنهم كانوا يخرجونه (قال الشافعي) وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زكاة الفطر مما يقتات الرجل ومما فيه زكاة (قال) وأى قوت كان الاغلب على رجل أدى منه زكاة الفطر (1) وإن وجد من يسلفه فإذا أفلس ليس عليه زكاة الفطر فلو أيسر من يومه أو من بعده لم يجب عليه إخراجها من وقتها لان وقتها كان وليست عليه ولو أخرجها كان أحب إلي له (قال الشافعي) وإذا باع الرجل العبد بيعا فاسدا فزكاة
الفطر على البائع لانه لم يخرجه من ملكه وكذلك لو رهنه رجلا أو غصبه إياه رجل فزكاة الفطر عليه لانه في ملكه (قال الشافعي) وهكذا لو باع عبدا بالخيار فأهل شوال قبل أن يختار إنفاذ البيع ثم أنفذه كانت زكاة الفطر على المشترى لانه ملكه بالعقد الاول وإن كان الخيار للمشترى وقفت زكاة الفطر فإن اختاره فهو على المشترى وإن رده فهو على البائع (قال أبو محمد) وفيه قول آخر، أن زكاة الفطر على البائع من قبل أنه لا يتم ملكه عليه إلا بعد اختياره أو مضى أيام الخيار (قال الشافعي) وإذا زوج الرجل أمته العبد فعليه أن يؤدى عنها زكاة الفطر وكذلك المكاتب، فإن زوجها حرا فعلى الحر أداء زكاة الفطر عنها وإن كان محتاجا فعلى سيدها زكاة الفطر عنها، ولو زوجها حرا فلم يدخلها عليه أو منعها منه فزكاة الفطر على السيد، وإذا وهب الرجل لولده الصغير عبدا أو أمة ولا مال للصغير فلا يبين أن على أبيه فيهم زكاة الفطر وليسوا ممن مؤنته عليه إلا أن تكون مرضعا أو ممن لا غنى للصغير عنه فتلزم أباه نفقتهم وزكاة الفطر عنهم (قال) فإن حبسهم أبوه لخدمة نفسه فقد أساء ولا يبين أن عليه فيهم صدقة الفطر لانهم ليسوا ممن تلزمه نفقتهم بكل حال إنما تلزمه بالحبس لهم، وإن استأجر لابنه مرضعا فليس عليه فيها زكاة الفطر ولا يكون لمن ليس بولي أن يخرج من ماله زكاة الفطر وإن أخرجها أو زكاة غيرها بغير أمر حاكم ضمن ويرفع ذلك إلى الحاكم حتى يأمر من يخرجها عنه إن كانت الحنطة أو الذرة أو العلس أو الشعير أو التمر أو الزبيب وما أدى من هذا أدى صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ليس له عندي أن ينقص من ذلك شيئا، ولا تقوم الزكاة ولو قومت كان لو أدى صاع زبيب (2) ضروع أدى ثمان آصع حنطة (قال الشافعي) ولا يؤدى من الحب غير الحب نفسه ولا يؤدى دقيقا ولا سويقا ولا قيمته وأحب لاهل البادية أن لا يؤدوا أقطا لانه إن كان لهم قوتا فأدوا من قوت فالفث قوت وكذلك لو يقتاتون الحنظل والذى لا شك فيه أن يتكلفوا أداء قوت أقرب أهل البلدان بهم لانهم يقتاتون من ثمرة لا زكاة فيها فيؤدون من ثمرة فيها زكاة صاعا عن كل إنسان وأهل البادية والقرية في هذا سواء لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص أحدا من المسلمين دون أحد ولو أدوا أقطا لم يبن لى أن
__________
(1) قوله: وإن وجد من يسلفه كذا في النسخ، ولعل هذه الجملة مقدمة من النساخ وحقها التأخير بعد قوله " فإذا أفلس ليس عليه زكاة الفطر " فانظر، كتبه مصححه.
(2) قوله: ضروع: الضروع بالضم عنب أبيض، كبير الحب، قليل الماء عظيم العناقيد، وجنس من عنب الطائف اه.
كتبه مصححه.(2/72)
أرى عليهم إعادة، وما أدوا أو غيرهم من قوت ليس في أصله زكاة غير الاقط فعليهم الاعادة (قال الشافعي) ولا أعلم من يقتات القطنية وإن لم تكن تقتات فلا تجزى زكاة وإن كان قوم يقتاتون أجزأت عنهم زكاة لان في أصلها الزكاة (قال) ولايجوز أن يخرج الرجل نصف صاع حنطة ونصف صاع شعير وإن كان قوته الشعير ولا يجوز أن يخرج زكاة واحدة إلا من صنف واحد ويجوز إذا كان قوته الشعير أن يخرج عن واحد وأكثر شعيرا وعن واحد وأكثر حنطة لانها أفضل كما يجوز أن يعطى في الصدقة السن التى هي أعلى ولا يقال جاء بعدل من شعير إنما يقال لهذا جعل له أن يؤدى شعيرا إذا كان قوته لا بأن الزكاة في شعير دون حنطة وإن كان قوته حنطة فأراد أن يخرج شعيرا لم يكن له لانه أدنى مما يقتات كما لا يكون له أن يخرج تمرا رديئا وتمرا طيبا ولا سنا دون سن وجبت عليه وله أن يخرج نصف صاع تمر ردئ إن كان قوته وإن تكلف نصف صاع جيد فأخرج معه أجزأه لان هذا صنف واحد والحنطة والشعير صنفان، فلا يجوز أن يضم صنفا إلى غيره في الزكاة وإذا كانت له حنطة أخرج من أيها شاء زكاة الفطر (قال الشافعي) وإذا كان له تمر أخرج من وسطه الذى تجب فيه الزكاة فإن أخرج من أعلاه كان أحب إلي، ولا يكون له أن يخرج من تمر ولا حنطة ولا غيرها إذا كان مسوسا أو معيبا، لا يخرجه إلا سالما.
ويجوز له أن يخرجه قديما سالما ما لم يتغير طعمه أو لونه فيكون ذلك عيبا فيه.
(باب مكيلة زكاة الفطر الثاني) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياض ابن عبد الله بن سعد أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول " كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط " وأخبرنا أنس بن عياض عن داود بن قيس أنه سمع عياض بن عبد الله بن سعد يقول: إن أبا سعيد الخدرى قال: كنا نخرج في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا
من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير فلم نزل نخرجه كذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فخطب الناس فكان فيما كلم الناس به أن قال: " إنى أرى المدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر " فأخذ الناس بذلك (قال الشافعي) فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم نأخذ (قال الشافعي) ويؤدى الرجل من أي قوت كان الاغلب عليه من الحنطة أو الذرة أو العلس أو العشير أو التمر أو الزبيب وما أدى من هذا أدى صاعا بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤدى ما يخرجه من الحب لا يؤدى إلا الحب نفسه لا يؤدى سويقا ولا دقيقا ولا يؤدى قيمته ولا يؤدى أهل البادية من شئ يقتاتونه من الفث والحنظل وغيره أو ثمرة لا تجوز في الزكاة ويكلفون أن يؤدوا من قوت أقرب البلاد إليهم ممن يقتات الحنطة والذرة والعلس والشعير والتمر والزبيب لا غيره وإن أدوا أقطا أجزأ عنهم وما أدوا أو غيرهم من شئ ليس في أصله الزكاة غير الاقط أعادوا (قال الشافعي) ولا أعلم أحدا يقتات القطنية، فإن كان أحد يقتاتها أجزأت عنه لان في أصلها الزكاة وإن لم يقتتها لم تجز عنه ولا يجوز أن يخرج رجل نصف صاع حنطة ونصفها شعيرا، وإن كان قوته الشعير، لا يجوز أن يخرج زكاة إلا من صنف واحد ويجوز أن يخرج عن نفسه وعن بعض من يمون حنطة(2/73)
ويخرج عن بعض من يمون شعيرا كما يجوز أن يعطى في الصدقة السن الاعلى، وإن كان قوته حنطة فأراد أن يؤدى شعيرا لم يكن له لانه أدنى مما يقوت ولا يكون له أن يخرج تمرا طيبا وتمرا رديئا ولا شيئا دون شئ وجب عليه وإن أخرج تمرا رديئا وهو قوته أجزأه وإن كان له تمر أخرج من وسطه الزكاة، فلا يجوز أن يخرج من تمر أو حنطة ولا غيرهما إذا كان مسوسا ولا معيبا، لا يخرجه إلا سالما.
(باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي: ومن أخرج زكاة الفطر عند محلها أو قبله أو بعده ليقسمها فضاعت منه وكان ممن يجد زكاة الفطر فعليه أن يخرجها حتى يقسمها أو يدفعها إلى الوالى، وكذلك كل حق وجب عليه فلا يبرئه منه إلا أداؤه ماكان من أهل الاداء الذين يجب عليهم (قال الشافعي) وتقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لا يجزئ فيها غير ذلك فإن تولاها رجل قسمها على
ستة أسهم لان سهم العاملين وسهم المؤلفة ساقطان (قال) ويسقط سهم العاملين لانه تولاها بنفسه فليس له أن يأخذ عليه أجرا ويقسمها على الفقراء والمساكين وفى الرقاب وهم المكاتبون والغارمين وفى سبيل الله وابن سبيل فأى صنف من هؤلاء لم يجده فعليه ضمان حقه منها (قال الشافعي) ويعطى الرجل زكاة ماله ذوى رحمه إذا كانوا من أهلها، وأقربهم به أحبهم إلى أن يعطيه إياها إذا كان ممن لا تلزمه نفقته بكل حال ولو أنفق عليه متطوعا أعطاه منها لانه متطوع بنفقته لا أنها لازمة له (قال الشافعي) وأختار قسم زكاة الفطر بنفسى على طرحها عند من تجمع عنده، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل قال سمعت ابن أبى مليكة ورجل يقول له: إن عطاء أمرنى أن أطرح زكاة الفطر في المسجد فقال ابن أبى مليكة: أفتاك العلج بغير رأيه؟ اقسمها فإنما يعطيها ابن هشام أحراسه ومن شاء، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن أسامة بن زيد الليثى أنه سأل سالم بن عبد الله عن الزكاة فقال: أعطها أنت فقلت: ألم يكن ابن عمر يقول ادفعها إلى السلطان؟ قال: بلى، ولكني لا أرى أن يدفعها إلى السلطان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر التى تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.
(باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها الثاني) (قال الشافعي): فمن أخرج زكاة الفطر عند محلها أو قبله أو بعده ليقسمها فضاعت منه وكان ممن يجد فعليه أن يخرجها حتى يقسمها أو يدفعها إلى الوالى كذلك كل حق وجب عليه فلا يبرأ منه إلا بأدائه، وتقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لا يجزئ فيها غير ذلك وإذا تولاها الرجل، فقسمها قسمها على ستة أسهم، لان سهم العاملين والمؤلفة قلوبهم ساقطان ويقسمها على الفقراء(2/74)
والمساكين وفى الرقاب، وهم المكاتبون، والغارمين وفى سبيل الله وابن سبيل، فأى صنف من هؤلاء لم يعطه وهو يجده فعليه ضمان حقه منها وللرجل إذا أخرج زكاة الفطر أن يعطيها ذوى رحمه إذا كانوا من أهلها وأقربهم به أحقهم أن يعطيه إذا كانوا ممن لا تلزمه نفقتهم، وقسم الرجل زكاة الفطر
حسن وطرحها عند من تجمع عنده يجزئه إن شاء الله، كان ابن عمر وعطاء بن أبى رباح يدفعانها إلى الذى تجمع عنده (قال الربيع) سئل الشافعي عن زكاة الفطر فقال: تليها أنت بيديك أحب إلى من أن تطرحها من قبل أنك على يقين إذا أعطيتها بنفسك، وأنت إذا طرحتها لم تتيقن أنها وضعت في حقها.
(باب الرجل يختلف قوته) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كان الرجل يقتات حبوبا مختلفة شعيرا وحنطة وتمرا وزبيبا فالاختيار له أن يخرج زكاة الفطر من الحنطة ومن أيها أخرج أجزأه إن شاء الله تعالى (قال) فإن كان يقتات حنطة فأراد أن يخرج زبيبا أو تمرا أو شعيرا كرهت له ذلك وأحببت لو أخرجه أن يعيد فيخرجه حنطة لان الاغلب من القوت كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة التمر وكان من يقتات الشعير قليلا، ولعله لم يكن بها أحد يقتات حنطة ولعل الحنطة كانت بها شبيها (1) بالصرفة ففرض النبي صلى الله عليه وسلم أن عليهم زكاة الفطر من قوتهم، ولا أحب إذا اقتات رجل حنطة أن يخرج غيرها وأحب لو اقتات شعيرا أن يخرج حنطة لانها أفضل.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا (قال الشافعي) وأحسب نافعا كان مع عبد الله بن عمر وهو يقتات الحنطة وأحب إلى ما وصفت من إخراج الحنطة (قال الشافعي) وإن اقتات قوم ذرة أو دخنا أو سلتا أو أرزا أو أي حبة ما كانت مما فيه الزكاة فلهم إخراج الزكاة منها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرض زكاة الفطر من الطعام وسمى شعيرا وتمرا فقد عقلنا عنه أنه أراد من القوت فكان ما سمى من القوت ما فيه الزكاة فإذا اقتاتوا طعاما فيه الزكاة فأخرجوا منه أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى، وأحب إلى في هذا أن يخرجوا حنطة إلا أن يقتاتوا تمرا أو شعيرا فيخرجوا أيهما اقتاتوا.
(باب الرجل يختلف قوته الثاني) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا كان الرجل يقتات حبوبا شعيرا وحنطة وزبيبا وتمرا فأحب إلى أن يؤدى من الحنطة ومن أيها أخرج أجزأه فإن كان يقتات حنطة فأراد أن يخرج زبيبا أو تمرا أو
شعيرا كرهته وأحببت أن يعيد وإن اقتات قوم ذرة أو دخنا أو أرزا أو سلتا أو أي حبة ما كانت مما فيه الزكاة فلهم إخراج الزكاة منها وكذلك إن اقتاتوا القطنية.
__________
(1) الطرفة: بالضم ما يستطرف، أي يستملح، كذا في المصباح.
كتبه مصححه.(2/75)
(باب من أعسر بزكاة الفطر) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ومن أهل عليه شوال وهو معسر بزكاة الفطر ثم أيسر من يوم الفطر أو بعده فليس عليه زكاة الفطر وأحب إلى أن يؤدى زكاة الفطر متى أيسر في شهرها أو غيره (قال) وإنما قلت وقت زكاة الفطر هلال شوال لانه خروج الصوم ودخول أول شهور الفطر كما لو كان لرجل على رجل حق في انسلاخ شهر رمضان حل إذا رأى هلال شوال لا إذا طلع الفجر من ليلة هلال شوال، ولو جاز هذا في كل يوم من شوال بعد يوم وعشر وأكثر ما لم ينسلخ شوال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يؤدى زكاة الفطر ويأخذها إذا كان محتاجا وغيرها من الصدقات المفروضات وغيرها، وكل مسلم في الزكاة سواء (قال الشافعي) وليس على من لا عرض له ولا نقد ولا يجد قوت يومه أن يستسلف زكاة.
(باب جماع فرض الزكاة) أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: فرض الله عز وجل الزكاة في غير موضع من كتابه (1) قد كتبناه في آخر الزكاة فقال في غير آية من كتابه " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " يعنى أعطوا الزكاة وقال عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " الآية (قال الشافعي) ففرض الله عزوجل على من له مال تجب فيه الزكاة أن يؤدى الزكاة إلى من جعلت له وفرض على من ولى الامر أن يؤديها إلى الوالى إذا لم يؤدها وعلى الوالى إذا أداها أن لا يأخذها منه لانه سماها زكاة واحدة لا زكاتين وفرض الزكاة مما أحكم الله عزوجل وفرضه في كتابه ثم على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم وبين في أي المال الزكاة وفى أي المال تسقط وكم الوقت الذى إذا بلغه المال حلت فيه الزكاة وإذا لم يبلغه لم تكن فيه زكاة ومواقيت الزكاة وما قدرها فمنها خمس ومنها عشر ومنها نصف عشر ومنها
ربع عشر ومنها بعدد يختلف (قال الشافعي) وهذا من بيان الموضع الذى وضع الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من الابانة عنه (قال) وكل ما وجب على مسلم في ماله بلا جناية جناها أو جناها من يكون عليه العقل ولا تطوع تطوع به ولا شئ أوجبه هو في ماله فهو زكاة والزكاة صدقة كلاهما لها اسم فإذا ولى الرجل صدقة ماله أو ولى ذلك الوالى فعلى كل واحد منهما أن يقسمها حيث قسمها الله ليس له خلاف ذلك وقد بينا ذلك في مواضعه ونسأل الله التوفيق.
(كتاب قسم الصدقات) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
__________
(1) قوله: قد كتبناه في آخر الزكاة، ثبتت هذه الجملة في جميع أصول الام، وانظر عبارة من هي؟ كتبه مصححه.(2/76)
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل " فأحكم الله عزوجل فرض الصدقات في كتابه ثم أكدها فقال " فريضة من الله " (قال) وليس لاحد ان يقسمها على غير ما قسمها الله عزوجل عليه ذلك ما كانت الاصناف موجودة لانه إنما يعطى من وجد " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون " وكقوله " ولكم نصف ما ترك أزواجكم " وكقوله " ولهن الربع مما تركتم " ومعقول عن الله عزوجل أنه فرض هذا لمن كان موجودا يوم يموت الميت وكان معقولا عنه أن هذه السهمان لمن كان موجودا يوم تؤخذ الصدقة وتقسم (قال) وإذا أخذت الصدقة من قوم قسمت على من معهم في دارهم من أهل هذه السهمان ولم تخرج من جيرانهم إلى أحد حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها (أخبرنا) مطرف عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن معاذ بن جبل أن قضى: أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته (قال الشافعي) وهو ما وصفت من أنه جعل العشر والصدقة إلى جيران المال ولم يجعلها على جيران مالك المال إذا ما نأى عن موضع المال، أخبرنا وكيع ابن الجراح أو ثقة غيره أو هما عن زكريا بن إسحق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبى معبد عن ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن " فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم الصدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد
على فقرائهم " (قال) وهذا مما وصفت من أنه جعل العشر والصدقة إلى جيران المال ولم يجعلها إلى جيران مالك المال إذا نأى عن موضع المال، أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك ان رجلا قال: يا رسول الله، ناشدتك.
الله آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا وتردها على فقرائنا؟ فقال " اللهم نعم " (قال) ولا تنقل الصدقة من موضع حتى لا يبقى فيه أحد يستحق منها شيئا.
(جماع بيان أهل الصدقات) (قال الشافعي) رحمه الله: الفقير والله أعلم من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن سائلا كان أو متعففا، والمسكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه، سائلا كان أو غير سائل (قال) وإذا كان فقيرا أو مسكينا فأغناه وعياله كسبه أو حرفته فلا يعطى في واحد من الوجهين شيئا لانه غنى بوجه.
والعاملون عليها المتولون لقبضها من أهلها من السعاة ومن أعانهم من عريف لا يقدر على أخذها إلا بمعرفته، فأما الخليفة ووالى الاقليم العظيم الذى تولى أخذها عامل دونه فليس له فيها حق وكذلك من أعان واليا على قبضها ممن به الغنى عن معونته فليس له في سهم العاملين حق وسواء كان العاملون عليها أغنياء أو فقراء من أهلها كانوا أو غرباء إذا ولوها فهم العاملون، ويعطى أعوان إدارة والى الصدقة بقدر معوناتهم عليها ومنفعتم فيها، والمؤلفة قلوبهم من دخل في الاسلام، ولا يعطى من الصدقة مشرك يتألف على الاسلام، فإن قال قائل: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين بعض المشركين من المؤلفة، فتلك العطايا من الفئ ومن مال النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا من مال الصدقة ومباح له أن يعطى من ماله وقد خول الله تعالى المسلمين أموال المشركين لا المشركين أموالهم وجعل صدقات المسلمين مردودة فيهم كما سمى لا على من خالف دينهم (قال) والرقاب المكاتبون من جيران الصدقة فإن اتسع لهم السهم أعطوا حتى يعتقوا وإن دفع ذلك الوالى إلى من يعتقهم فحسن وإن دفع إليهم أجزأه وإن ضاقت السهمان دفع ذلك إلى المكاتبين فاستعانوا بها في(2/77)
كتابتهم، والغارمون صنفان، صنف ادانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية ثم عجزوا عن أداء
ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم، فإن كان لهم عروض أو نقد يقضون منه ديونهم فهم أغنياء لا يعطيهم منها شيئا ويقضون من عروضهم أو من نقودهم ديونهم وإن قضوها فكان قسم الصدقة ولهم ما يكونون به أغنياء لم يعطوا شيئا وإن كان وهم فقراء أو مساكين فسألوا بأى الاصناف كانوا أعطوا لانهم من ذلك الصنف ولم يعطوا من صدقة غيره (قال) وإذا بقى في أيديهم من أموالهم ما يكونون به أغنياء وإن كان عليهم فيه دين يحيط به لم يعطوا من السهمان شيئا لانهم من أهل الغنى وأنهم قد يبرءون من الدين فلا يعطوا حتى لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء (قال) وصنف ادانوا في حمالات وإصلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها إن بيعت أضر ذلك بهم وإن لم يفتقروا فيعطى هؤلاء ما يوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا غرمهم، أخبرنا سفيان بن عيينة عن هرون بن (1) رياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال تحملت بحمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال " نؤديها أو نخرجها عنك غدا إذا قدم نعم الصدقة يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل اصابته فاقة أو حاجة حتى شهد له أو تكلم ثلاثة من ذوى الحجا من قومه أن به حاجة أو فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت " (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهو معنى ما قلت في الغارمين وقول النبي صلى الله عليه وسلم " تحل المسألة في الفاقة والحاجة " يعنى والله أعلم من سهم الفقراء والمساكين لا الغارمين وقوله صلى الله عليه وسلم حتى يصيب سدادا من عيش يعنى والله أعلم أقل من اسم الغنى وبذلك نقول وذلك حين يخرج من الفقر أو المسكنة ويعطى من سهم سبيل الله عزوجل من غزا من جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين وابن السبيل من جيران الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون عن بلوغ سفرهم إلا بمعونة على سفرهم وأما ابن السبيل يقدر على بلوغ سفره بلا معونة فلا يعطى لانه ممن دخل في جملة من لا تحل له الصدقة وليس ممن استثنى أنها تحل له ومخالف للغازي في دفع الغازى بالصدقة
عن جماعة أهل الاسلام ومخالف للغارم الذى ادان في منفعة أهل الاسلام وإصلاح ذات البين والعامل الغنى بصلاح أهل الصدقة وهو مخالف للغنى يهدى له المسلمون لان الهدية تطوع من المسلمين لا أن الغنى أخذها بسبب الصدقة وهذا يدل على أن الصدقة والعطايا غير المفروضة تحل لمن لا تحل له الصدقة من آل محمد صلى الله عليه وسلم وهم أهل الخمس ومن الاغنياء من الناس وغيرهم.
(باب من طلب من أهل السهمان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الاغلب من أمور الناس أنهم غير اغنياء حتى يعرف غناهم ومن طلب من جيران الصدقة باسم فقر أو مسكنة أعطى ما لم يعلم منه غيره، أخبرنا سفيان عن هشام بن
__________
(1) قوله: رياب، براء مكسورة ومثناة تحتية ثم موحدة كما في شرح مسلم.
كتبه مصححه.(2/78)
عروة عن أبيه عن عبد الله ابن عدى بن الخيار قال حدثنى رجلان أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فصعد فيهما النظر وصوب ثم قال " إن شئتما ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب " (قال الشافعي) رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلدا ظاهرا يشبه الاكتساب الذى يستغنى به وغاب عنه العلم في المال وعلم أن قد يكون الجلد فلا يغنى صاحبه مكسبه به إما لكثرة عيال وإما لضعف حرفة فأعلمهما أنهما إن ذكرا أنهما لا غنى لهما بمال ولا كسب أعطاهما، فإن قيل: أين أعلمهما؟ قيل حيث قال " لا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب " أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ريحان بن يزيد قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: لا تصلح الصدقة لغنى ولا لذى مرة، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة إلا لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغنى " (قال الشافعي) وبهذا قلنا يعطى الغازى والعامل وإن كانا غنيين والغارم في الحمالة على ما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غارما غيره إلا غارما لا مال له يقضى منه فيعطى في غرمه، ومن طلب سهم ابن السبيل وذكر أنه عاجز عن البلد الذى يريد إلا بالمعونة أعطى على مثل معنى ما قلت من أنه غير قوى حتى يعلم قوته بالمال ومن طلب بأنه يغزو أعطى
غنيا كان أو فقيرا، ومن طلب بأنه غارم أو عبد بأنه مكاتب لم يعط إلا ببينة تقوم على ما ذكر لان أصل أمر الناس أنهم غير غارمين حتى يعلم غرمهم والعبيد أنهم غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم، ومن طلب بأنه من المؤلفة قولبهم لم يعط إلا أن يعلم ذلك، وما وصفته يستحق به أن يعطى من سهم المؤلفة.
(باب علم قاسم الصدقة بعد ما أعطى غير ما علم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أعطى الوالى القاسم الصدقة من وصفنا أن عليه أن يعطيه بقوله أو بينة تقوم له ثم علم بعد إعطائهم أنهم غير مستحقين لما أعطاهم نزع ذلك منهم وأعطاه غيرهم ممن يستحقه (قال) وإن أفلسوا به أو (1) فاتوه فلم يقدر لهم على مال ولا عين فلا ضمان على الوالى لانه أمين لمن يعطيه ويأخذ منه لا لبعضهم دون بعض وإن أخطأ وإنما كلف فيه الظاهر مثل الحكم فلا يضمن الامرين معا، ومتى ما قدر على ما فات من ذلك أو قدر على غيره أغرمهموه وأعطاه الذين استحقوه يوم كان قسمه (قال الشافعي) وإن كانوا ماتوا دفعه إلى ورثته إن كانوا فقراء أو أغنياء دفعه إليهم لانهم استحقوه في اليوم الذى أعطاه غيرهم وهم يومئذ من أهله، وإن كان المتولي القسم رب المال دون الوالى فعلم أن بعض من أعطاه ليس من أهل السهمان أماما أعطاهم على مسكنة وفقر وغرم أو ابن سبيل فإذا هم مماليك أو ليسوا على الحال التى أعطاهم لها رجع عليهم فأخذه منهم فقسمه على أهله فإن ماتوا أو أفلسوا ففيها قولان أحدهما أن عليه ضمانه وأداءه إلى أهله ومن قال هذا قال على صاحب الزكاة أن يوفيها أهلها ولا يبرئه منها إلا أن يدفعها إلى أهلها كما لا يبرئه ذلك من شئ لزمه فأما الوالى فهو أمين في أخذها وإعطائها ألا ترى أنه لا يضمن صاحب الصدقة الدافع إلى الوالى وأنه يبرأ بدفعه إليه الصدقة لانه أمر بدفعها إليه، والقول الثاني أنه لا ضمان على صاحب الصدقة إذا قسمها
__________
(1) فاتوه: أي سبقوه وأعجزوه، كما يفيده قوله: فلم يقدر الخ.
كتبه مصححه.(2/79)
على الاجتهاد كما لا يضمن الوالى (قال) وإن أعطاها رجلا على أن يغزو أو رجلا على أن يسير من بلد إلى بلد، فأقاما نزع منهما الذى أعطاهما وأعطاه غيرهما ممن يخرج إلى مثل مخرجهما.
(باب جماع تفريع السهمان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ينبغى لوالى الصدقة أن يبدأ فيأمر بأن يكتب أهل السهمان ويوضعون مواضعهم ويحصى كل أهل صنف منهم على حدتهم فيحصى أسماء الفقراء والمساكين ويعرف كم يخرجهم من الفقر أو المسكنة إلى أدنى اسم الغنى وأسماء الغارمين ومبلغ غرم كل واحد منهم وابن السبيل وكم يبلغ كل واحد منهم البلد الذى يريد والمكاتبين وكم يؤدى كل واحد منهم حتى يعتقوا وأسماء الغزاة وكم يكفيهم على غاية مغازيهم ويعرف المؤلفة قلوبهم والعاملين عليها وما يستحقون بعملهم حتى يكون قبضه الصدقات مع فراغه من معرفة ما وصفت من معرفة أهل السهمان أو بعدها ثم يجزئ الصدقة ثمانية أجزاء ثم يفرقها كما أصف إن شاء الله تعالى وقد مثلت لك مثالا كان المال ثمانية آلاف فلكل صنف ألف لا يخرج عن صنف منهم من الالف شئ وفيهم أحد يستحقه فأحصينا الفقراء فوجدناهم ثلاثة والمساكين فوجدناهم مائة والغارمين فوجدناهم عشرة ثم ميزنا الفقراء فوجدناهم يخرج واحد منهم من الفقر بمائة وآخر من الفقر بثلثمائة وآخر من الفقر بستمائة فأعطينا كل واحد ما يخرجه من الفقر إلى الغنى وميزنا المساكين هكذا فوجدنا الالف يخرج المائة من المسكنة إلى الغنى فأعطيناهموها على قدر مسكنتهم كما وصفت في الفقراء لا على العدد ولا وقت فيما يعطى الفقراء والمساكين إلى ما يصيرهم إلى أن يكونوا ممن يقع عليهم اسم أغنياء لا غنى سنة ولا وقت ولكن ما يعقل أنهم خارجون به من الفقر أو المسكنة داخلون في أول منازل الغنى إن أغنى أحدهم درهم مع كسبه أو ماله لم يزد عليه وإن لم يغنه الالف أعطيها إذا اتسعت الاسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا حظ فيها لغنى " والغنى إذا كان غنيا بالمال " ولا لقوى مكتسب " يعنى والله تعالى أعلم ولا فقير استغنى بكسبه لانه أحد الغناءين ولكنه صلى الله عليه وسلم فرق الكلامين لافتراق سبب الغناءين فالغنى الاول الغنى بالمال الذى لا يضر معه ترك الكسب ويزيد فيه الكسب وهو الغنى الاعظم، والغنى الثاني الغنى بالكسب فإن قيل: قد يذهب الكسب بالمرض، قيل: ويذهب المال بالتلف وإنما ينظر إليه بالحال التي يكون فيها القسم لا في حال قبلها ولا بعدها لان ما قبلها ماض وما بعدها لا يعرف ما هو كائن فيه وإنما الاحكام على يوم يكون فيه القسم
والقسم يوم يكون الاستحقاق ووجدنا الغارمين فنظرنا في غرمهم فوجدنا الالف تخرجهم معا من الغرم على اختلاف ما يخرج كل واحد منهم فأعطيناهم الالف كلها على مثال ما أعطينا الفقراء والمساكين ثم فعلنا هذا في المكاتبين كما فعلناه في الفقراء والمساكين، الغارمين ثم نظرنا في أبناء السبيل فميزناهم ونظرنا البلدان التى يريدون فإن كانت بعيدة أعطيناهم الحملان والنفقة، وإن كانوا يريدون البداءة فالبداءة وحدها، وإن كانوا يريدون البداءة والرجعة فالبداءة والرجعة والنفقة مبلغ الطعام والشراب والكراء، وإن لم يكن لهم ملبس فالملبس بأقل ما يكفى من كان من أهل صنف من هذا وأقصده، وإن كان المكان قريبا وابن السبيل ضعيفا فهكذا وإن كان قريبا(2/80)
وابن السبيل قويا، فالنفقة دون الحمولة إذا كان بلادا يمشى مثلها مأهولة متصلة المياه مأمونة فإن (1) انتاطت مياهها أو أخافت أو أوحشت أعطوا الحمولة ثم صنع بهم فيها كما وصفت في أهل السهمان قبلهم يعطون على المؤنة لا على العدد ويعطى الغزاة الحمولة والرحل والسلاح والنفقة والكسوة فإن اتسع المال زيدوا الخيل وإن لم يتسع فحمولة الابدان بالكراء ويعطون الحمولة بادئين وراجعين وإن كانوا يريدون المقام أعطوا المؤنة بادئين وقوة على المقام بقدر ما يريدون منه على قدر مغازيهم ومؤناتهم فيها لا على العدد وما أعطوا من هذا ففضل في أيديهم لم يضيق عليهم أن يتمولوه ولم يكن للوالى أخذه منهم بعد أن يغزوا وكذلك ابن السبيل (قال) ولا يعطى أحد من المؤلفة قلوبهم على الاسلام ولا إن كان مسلما إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة لا تكون الطاعة للوالى فيها قائمة ولا أهل الصدقة (2) المولين أقوياء على استخراجها إلا بالمؤلفة لها وتكون بلاد أهل الصدقات ممتنعة بالعبد أو كثرة الاهل أو منعهم من الاداء أو يكون قوم لا يوثق بثباتهم فيعطون منها الشئ على ما قدر ما يرى الامام على اجتهاد الامام لا يبلغ اجتهاده في حال أن يزيدهم على سهم المؤلفة وينقصهم منه إن قدر حتى يقوى بهم على أخذ الصدقات من أهلها، وقد روى أن عدى بن حاتم أتى أبا بكر بنحو ثلثمائة بعير صدقة قومه فأعطاه منها ثلاثين بعيرا وأمره بالجهاد مع خالد فجاهد معه بنحو من ألف رجل، ولعل أبا بكر أعطاه من سهم المؤلفة إن كان هذا ثابتا فإني لا أعرفه من وجه يثبته أهل الحديث وهو من حديث من ينسب إلى بعض
أهل العلم بالردة (قال) ويعطى العاملون عليها بقدر أجور مثلهم فيما تكلفوا من السفر وقاموا به من الكفاية لا يزادون عليه شيئا وينبغى للوالى أن يستأجرهم أجرة فإن أغفل ذلك أعطاهم أجر أمثالهم فإن ترك ذلك لم يسعهم أن يأخذوا إلا قدر أجور أمثالهم وسواء كان ذلك سهما من أسهم العاملين أو سهم العاملين كله إنما لهم فيه أجور أمثالهم فإن جاوز ذلك سهم العاملين ولم يوجد أحد من أهل الامانة والكفاية يلى إلا بمجاوزة العاملين ورأيت أن يعطيهم الوالى سهم العاملين تاما ويزيدهم قدر أجور أمثالهم من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفئ والغنيمة ولو أعطاهم من السهمان معه حتى يوفيهم أجور أمثالهم ما رأيت ذلك والله أعلم ضيقا عليه ولا على العامل أن يأخذه لانه إن لم يأخذه ضاعت الصدقة ألا ترى أن مال اليتيم يكون بالموضع فيستأجر عليه إذا خيف ضيعته من يحفظه وإن أتى ذلك على كثير منه وقلما يكون أن يعجز سهم العاملين عن مبلغ أجرة العامل وقد يوجد من أهل الصدقة أمين يرضى بسهم العامل وأقل منه فيولاه أحب إلى.
(باب جماع بيان قسم السهمان) (قال الشافعي) رحمه الله: وجماع ما قسمنا على السهمان على استحقاق كل من سمى لا على العدد ولا على أن يعطى كل صنف سهما وإن لم يعرفوه بالحاجة إليه ولا يمنعهم أن يستوفوا سهمانهم أن يأخذوا من غيرها إذا فضل عن غيرهم لان الله عزوجل أعطى كل صنف منهم سهما موقتا فأعطيناه بالوجهين
__________
(1) انتاطت المياه: أي بعدت، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) قوله: المولين كذا في النسخ ولعله محرف من النساخ والوجه " المولون " بالواو، لانه صفة للمدفوع كما لا يخفى كتبه مصححه.(2/81)
معا فكان معقولا أن الفقراء والمساكين والغارمين إذا أعطوا حتى يخرجوا من الفقر والمسكنة إلى الغنى والغرم إلى أن لا يكونوا غارمين لم يكن لهم في السهمان شئ وصاروا أغنياء كما لم يكن للاغنياء على الابتداء معهم شئ وكان الذى يخرجهم من اسم الفقر والمسكنة والغرم يخرجهم من معنى أسمائهم وهكذا المكاتبون وكان ابن السبيل والغازي يعطون مما وصفت من كفايتهم مؤنة سبيلهم وغزوهم وأجرة
الوالى العامل على الصدقة ولم يخرجهم من اسم أن يكونوا بنى سبيل ولا غزاة ولا عاملين ما كانوا مسافرين وغزاة وعمالا، فلم يعطوا إلا بالمعنى دون جماع الاسم، وهكذا المؤلفة قلوبهم لا يزول هذا الاسم عنهم، ولو أعطى كل صنف من هؤلاء كل السهمان (قال) فهم يجتمعون في المعاني التى يعطون بها وإن تفرقت بهم الاسماء.
(باب اتساع السهمان حتى تفضل عن بعض أهلها) أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا اتسعت السهمان فقد مثلت لها مثالا كانت السهمان ثمانية آلاف فوجدنا الفقراء ثلاثة يخرجهم من الفقر مائة والمساكين خمسة يخرجهم من المسكنة مائتان والغارمين أربعة يخرجهم من الغرم ألف، فيفضل عن الفقراء تسعمائة، وعن المساكين ثمانمائة واستغرق الغارمون سهمهم، فوقفنا الالف وسبعمائة التى فضلت عن الفقراء والمساكين، فضممناها إلى السهمان الخمسة الباقية سهم الغارمين وسهم المؤلفة وسهم الرقاب وسهم سبيل الله وسهم ابن السبيل، ثم ابتدأنا بالقسم بين هؤلاء الباقين كابتدائنا لو كانوا هم أهل السهمان ليس لاحد من غير أهل السهمان معهم، فأعطيناهم سهمانهم، والفضل عمن استغنى من أهل السهمان منهم فإذا استغنى صنف منهم بأقل من سهمه جعل في جملة الاصل وهو الثمن وما رد عليهم من الفضل عن أهل السهمان، وأرد الفضل عنه على أهل السهمان معا، كما أرد عليه وعلى أهل السهمان معه الفضل عن غيره.
(باب اتساع السهمان عن بعض وعجزها عن بعض) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا كانت السهمان ثمانية آلاف فكان كل سهم ألفا فأحصينا الفقراء فوجدناهم خمسة يخرجهم من الفقر خمسمائة ووجدنا المساكين عشرة يخرجهم من المسكنة خمسمائة ووجدنا الغارمين عشرة يخرجهم من الغرم خمسة آلاف فسأل الغارمون أن يبدأ بالقسم بينهم فوضى على قدر استحقاقهم بالحاجة فليس ذلك لهم ويعطى كل صنف منهم سهمه حتى يستغنى عنه فإذا استغنى عنه رد على أهل السهمان معه ولم يكن أحد منهم بأحق به من جميع أهل السهمان ثم هكذا يصنع في جميع أهل السهمان (1) وفى كل صنف منهم سهمه ولا يدخل عليه غيره حتى يستغنى ثم لا
يكون أحد أحق بالفضل عنه من أهل السهمان من غيره، فإن اختلف غرم الغارمين فكان عدتهم عشرة
__________
(1) وفى: فعل ماض مبنى للمفعول كن التوفية و " كل صنف " نائب فاعل " وسهمه " مفعول ثان.
كتبه مصححه.(2/82)
وغرم أحدهم مائة وغرم الآخر ألف وغرم الآخر خمسمائة فسألوا أن يعطوا على العدد لم يكن ذلك لهم وجمع غرم كل واحد منهم فكان غرمهم عشرة آلاف وسهمهم ألفا فيعطى كل واحد منهم عشر غرمه بالغا ما بلغ، فيعطى الذى غرمه مائة عشرة، والذى غرمه ألف مائة، والذى غرمه خمسمائة خمسين فيكونون قد سوى بينهم على قدر غرمهم لا على عددهم ولا يزاد عليه فإن فضل فضل عن أحد من أهل السهمان معهم عيد به عليهم وعلى غيرهم فأعطى كل واحد منهم ما يصيبه لعشر غرمه فإذا لم تكن رقاب ولا مؤلفة ولا غارمون ابتدأ القسم على خمسة أسهم ففضت الثمانية أسهم عليه أخماسا، وهكذا كل صنف منهم لا يوجد، وكل صنف استغنى عيد بفضله على من معه من أهل السهمان، ولا يخرج من الصدقة شئ عن بلده الذى أخذت به، قل ولا كثر، حتى لا يبقى واحد من أهل السهمان إلا أعطى حقه، ولو فقد أهل السهمان كلهم إلا الفقراء والعاملين، قسمت الثمانية عليهم، حتى يوفى الفقراء ما يخرجهم من الفقر، ويعطى العاملون بقدر إجزائهم.
(باب ضيق السهمان عن بعض أهلها دون بعض) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كانت السهمان ثمانية وأهل السهمان وافرون فجمعنا الفقراء فوجدناهم (1) ووجدنا المساكين مائة يخرجهم من المسكنة ألف والغارمين فوجدناهم ثلاثة يخرجهم من الغرم ألف فسأل الفقراء والمساكين أن يجعل المال كله بينهم فوضى على قدر استحقاقهم منه لم يكن ذلك لهم، وأعطى كل صنف منهم كاملا وقسم بين أهل كل صنف على قدر استحقاقهم فإن أغناهم فذاك وإن لم يغنم لم يعطوا شيئا إلا ما فضل عن غيرهم من أهل السهمان، وإن لم يفضل عن غيرهم شئ لم يزادوا على سهمهم، ولو كانت المسألة بحالها فضاقت السهمان عنهم كلهم فلم يكن منهم صنف يستغنى بسهمه، أو في كل صنف منهم سهمه، لم يزد عليه لانه ليس في المال فضل يعاد به عليه ولو
كان أهل صنف منهم متماسكين لو تركوا ولم يعطوا في علمهم ذلك لما شكوا (2) وأهل كل صنف منهم يخاف هلاكهم لكثرتهم وشدة حاجتهم وضيق سهمهم لم يكن للوالى أن يزيدههم على سهمهم من سهم غيرهم حتى يستغنى غيرهم ثم يرد فضلا إن كان عليهم مع غيرهم ولم يجعلهم أولى بالفضل من غيرهم، وإن كانوا أشد حاجة، كما لا يجعل ما قسم لقوم على قوم بمعنى لغيرهم لشدة حاجة ولا علة، ولكن يوفى كل ما جعل له، وهكذا يصنع بجميع السهمان ولو أجدب أهل البلد وهلكت مواشيهم حتى يخاف تلفهم وأهل بلد آخر مخصبون لا يخاف عليهم لم يجز نقل صدقاتهم عن جيرتهم حتى يستغنوا فلا ينقل شئ جعل لقوم إلى غيرهم أحوج منهم لان الحاجة لا تحق لاحد أن يأخذ مال غيره.
__________
(1) بياض في جميع النسخ التى بيدنا.
(2) قوله: وأهل كل صنف كذا في النسخ، ولعل لفظ " كل " هنا من زيادة النساخ، فانظر.
كتبه مصححه.(2/83)
(باب قسم المال على ما يوجد) (قال الشافعي) وأى مال أخذت منه الصدقة قسم المال على وجهه ولم يبدل بغيره ولم يبع، فإن اجتمع حق أهل السهمان في بعير أو بقرة أو شاة أو دينار أو درهم أو اجتمع فيه اثنان من اهل السهمان وأكثر أعطوه واشرك بينهم فيه كما يعطى الذى وهب لهم وأوصى لهم به وأقر لهم به واشتروه بأموالهم وكذلك إن استحق أحدهم عشرة وآخر نصفه وآخر ما بقى منه أعطوه على قدر ما استحقوا منه وهكذا يصنع في جميع أصناف الصدقات لا يختلف فيه في الماشية كلها والدنانير والدراهم حتى يشرك بين النفر في الدرهم والدينار ولا يباع عليهم بغيره ولا تباع الدنانير بدراهم ولا الدراهم بفلوس ولا بحنطة ثم يفرق بينهم، وأما التمر والزبيب وما أخرجت الارض فإنه يكال لكل حقه.
(باب جماع قسم المال من والوالى ورب المال) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وجميع ما أخذ من مسلم من صدقة فطر وخمس ركاز وزكاة معدن وصدقة ماشية وزكاة مال وعشر زرع وأى أصناف الصدقات أخذ من مسلم فقسمه واحد على
الآية التى في براءة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية لا يختلف، وسواء قليله وكثيره على ما وصفت، فإذا قسمه الوالى ففيه سهم العاملين منه ساقط لانه لا عامل عليه يأخذه فيكون له أجره فيه والعاملون فيه عدم فإن قال رب المال: فأنا إلى أخذه من نفسي وجمعه وقسمه فآخذ أجر مثلى قيل إنه لا يقال لك عامل نفسك ولا يجوز لك إذا كانت الزكاة فرضا عليك أن يعود إليك منها شئ فإن أديت ما كان عليك أن تؤديه وإلا كنت عاصيا لو منعته، فإن قال: فإن وليتها غيرى؟ قيل إذا كنت لا تكون عاملا على غيرك لم يكن غيرك عاملا إذا استعملته أنت، ولا يكون وكيلك فيها إلا في معناك أو أقل لان عليك تفريقها (1) فإذا تحقق منك فليس لك الانتقاص منها لما تحققت بقيامه بها (قال) ولا أحب لاحد من الناس يولى زكاة ماله غيره لان المحاسب بها المسئول عنها هو، فهو أولى بالاجتهاد في وضعها مواضعها من غيره وأنه على يقين من فعل نفسه في أدائها، وفى شك من فعل غيره لا يدرى أداها عنه أو لم يؤدها فإن قال: أخاف حبائى، فهو يخاف من غيره مثل ما يخاف من نفسه، ويستيقن فعل نفسه في الاداء ويشك في فعل غيره.
(باب فضل السهمان عن جماعة أهلها) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويعطى الولاة جميع زكاة الاموال الظاهرة، الثمرة، والزرع، والمعادن والماشية.
فإن لم يأت الولاة بعد حلولها لم يسع أهلها إلا قسمها فإن جاء الولاة بعد قسم
__________
(1) قوله: فإذا تحقق منك الخ كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر " فإذا تحققت منه فليس لك الانتقاص منها لما تحققت بقيامه بها " وانظر، وحرر.
كتبه مصححه.(2/84)
أهلها لم يأخذوها منهم ثانية فإن ارتابوا بأحد وخافوا دعواه الباطل في قسمها فلا بأس أن يحلفوه بالله لقد قسمها كاملة في أهلها، وإن أعطوهم زكاة التجارات أجزأهم ذلك إن شاء الله تعالى، وإن قسموها دونهم فلا بأس، وهكذا زكاة الفطر والركاز.
(باب تدارك الصدقتين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا ينبغى للوالى أن يؤخر الصدقة عن محلها عاما واحدا، فإن أخرها لم ينبغ لرب المال أن يؤخر، فإن فعلا معا قسماها معا في ساعة يمكنهما قسمها لا يؤخرانها
بحال، فإن كان قوم في العام الماضي من أهلها وهم العام من أهلها وكان بقوم حاجة في عامهم هذا وكانوا من أهلها ولم يكونوا في العام الماضي أعطى الذين كانوا في العام الماضي من أهلها صدقة العام الماضي، فإن استغنوا به، لم يعطوا منه في هذا العام شيئا وكذلك لو أخذت الصدقة ورجل من أهلها فلم تقسم حتى أيسر، لم يعط منها شيئا، ولا يعطى منها حتى يكون من أهلها يوم تقسم، وإن لم يستغنوا بصدقة العام الماضي كانوا شركاء في صدقة عامهم هذا مع الذين استحقوا في عامهم هذا بأن يكونوا من أهلها ولا يدفعهم عن الصدقة العام وهم من أهلها بأن يكونوا استوجبوها في العام الماضي قبله على قوم لم يكونوا من أهلها، وإنما يستحقها في العامين معا الفقراء والمساكين والغارمون والرقاب، فأما من سواهم من أهل السهمان فلا يؤتى لعام أول، وذلك أن العاملين إنما يعطون على العمل فهم لم يعملوا عام أول، وأن ابن السبيل والغزاة إنما يعطون على الشخوص وهم لم يشخصوا عام أول أو شخصوا فاستغنوا عنها وأن المؤلفة قلوبهم لا يعطون إلا بالتأليف في قومهم للعون على أخذها وهى في عام أول لم تؤخذ فيعينون عليها.
(باب جبران الصدقة) (قال الشافعي) رحمه الله: كانت العرب أهل الصدقات وكانت تجاور بالقرابة (1) ليمتنع بعضها على بعض لمن أرادها، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ الصدقة من أغنيائهم وترد على فقرائهم كان بينا في أمره أنها ترد على الفقراء الجيران للمأخوذة منه الصدقة، وكانت الاخبار بذلك متظاهرة على رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصدقات أن أحدهم يأخذها من أهل هذا البيت ويدفعها إلى أهل هذا البيت بجنبهم إذا كانوا من أهلها وكذلك قضى معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " أيما رجل انتقل عن مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فصدقته وعشره إلى مخلاف عشيرته " يعنى إلى جار المال الذى تؤخذ منه الصدقة دون جار رب المال فبهذا نقول إذا كان للرجل مال ببلد وكان ساكنا ببلد غيره قسطت صدقته على أهل البلد الذى به ماله الذى فيه الصدقة
__________
(1) قوله: ليمتنع بعضها الخ كذا في النسخ ولعل فيها تحريفا من النساخ والوجه والله أعلم " ليمتنع بعضها ببعض ممن أرادها " فحرر كتبه مصححه.(2/85)
كانوا أهل قرابة له أو غير قرابة، وأما أهل الزرع والثمرة التى فيها الصدقة فأمرهم بين، يقسم الزرع والثمرة على جيرانها، فإن لم يكن لها جيران فأقرب الناس بها جوارا لانهم أولى الناس باسم جوارها، وكذلك أهل المواشى الخصبة (1) والاوارك والابل التى لا ينتجع بها فأما أهل النجع (2) الذين يتتبعون مواقع الفطر، فإن كانت لهم ديار، بها مياههم وأكثر مقامهم لا يؤثرون عليها إذا أخصبت شيئا فأهل تلك الدار من المساكين الذين يلزمهم أن تكون الاغلب عليهم أولى كما كان جيران أهل الاموال المقيمين أولى بها، فإن كان فيهم من ينتجع بنجعتهم، كان أقرب جوارا ممن يقيم في ديارهم إلى أن يقدم عليهم، وتقسم الصدقة على الناجعة المقيمة بنجعتهم ومقامهم دون من انتجع معهم من غير أهل دارهم.
ودون من انتجعوا إليه في داره أو لقيهم في النجعة ممن لا يجاورهم، وإذا تخلف عنهم أهل دارهم ولم يكن معهم منتجع من أهلها يستحق السهمان جعلت السهمان في أهل دارهم دون من انتجعوا إليه.
ولقيهم في النجعة من أهلها، ولو انتقلوا بأموالهم وصدقاتهم بجيران اموالهم التى فروا بها وإن بعدت نجعتهم حتى لا يعودوا إلى بلادهم إلا فيما تقصر فيه الصلاة، قسمت الصدقة على جيران أموالهم، ولم تحمل إلى أهل دارهم إذا صاروا منهم سفرا تقصر فيه الصلاة.
(باب فضل السهمان على أهل الصدقة) (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا لم يبق من أهل الصدقة إلا صنف واحد قسمت الصدقة كلها في ذلك الصنف حتى يستغنوا، فإذا فضل فضل عن إغنائهم نقلت إلى أقرب الناس بهم دارا (قال) وإذا استوى في القرب أهل نسبهم (3) وعدى قسمت على أهل نسبهم دون العدى وإن كان العدى أقرب الناس بهم دارا وكان أهل نسبهم منهم على سفر تقصر الصلاة فيه قسمت الصدقة على العدى إذا كان دون ما تقصر فيه الصلاة لانهم أولى باسم حضرتهم، ومن كان أولى باسم حضرتهم كان أولى بجوارهم، وإن كان أهل نسبهم دون ما تقصر فيه الصلاة والعدى أقرب منهم، قسمت على أهل نسبهم، لانهم بالبادية غير خارجين من اسم الجوار، ولذلك هم في المتعة حاضرو المسجد الحرام.
(باب ميسم الصدقة)
(قال الشافعي) رحمه الله: ينبغى لوالى الصدقة أن يسم كل ما يأخذ منها من إبل أو بقر أو غنم، يسم الابل والبقر في أفخاذها والغنم في أصول آذانها ويجعل ميسم الصدقة مكتوبا لله ويجعل ميسم الغنم ألطف من ميسم الابل والبقر وإنما قلت ينبغى له لما بلغنا أن عمال النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسمون وكذلك بلغنا أن عمال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كانوا يسمون، أخبرنا مالك عن زيد بن
__________
(1) الاوارك: هي الابل المقيمة في الاراك وهو الحمض ترعاه، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) النجع: بضم ففتح جمع نجعة كغرفة وغرف، وهى طلب الكلاء والخصب.
(3) العدى بالكسر والقصر الغرباء قال الشاعر: إذا كنت في قوم عدى لست منهم * فكل ما علفت من خبيث وطيب(2/86)
أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب: إن في الظهر ناقة عمياء فقال عمر " ندفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها " قال: فقلت وهى عمياء؟ فقال " يقطرونها بالابل " قلت: فكيف تأكل من الارض؟ فقال عمر " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة؟ " فقلت: لا.
بل من نعم الجزية فقال عمر " أردتم والله أكلها " فقلت إن عليها وسم الجزية قال فأمر بها عمر فأتى بها فنحرت وكانت عنده صحاف تسع فلا تكون فاكهة ولا طرفة إلا جعل منها في تلك الصحاف فبعث بها إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون الذى يبعث به إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة، قال فجعل في تلك لصحاف من لحم تلك الجزور فبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بما بقى من اللحم فصنع فدعا المهاجرين والانصار (قال الشافعي) فلم تزل السعاة يبلغني عنهم أنهم يسمون كما وصفت، ولا أعلم في الميسم علة إلا أن يكون ما أخذ من الصدقة معلوما فلا يشتريه الذى أعطاه لانه شئ خرج منه لله عزوجل كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب في فرس حمل عليه في سبيل الله فرآه يباع " أن لا يشتريه " وكما ترك المهاجرون نزول منازلهم بمكة، لانهم تركوها لله عزوجل.
(باب العلة في القسم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا تولى الرجل قسم الصدقة قسمها على ستة أسهم أسقط منها سهم المؤلفة قلوبهم إلا أن يجدهم في الحال التى وصفت يشخصون لمعونة على أخذ الصدقة فيعطيهم، ولا سهم للعاملين فيها، وأحب له ما أمرت به الوالى من تفريقها في أهل السهمان من أهل مصره كلهم ما كانوا موجودين، فإن لم يوجد من صنف منهم إلا واحد أعطاه سهم ذلك الصنف كله إن استحقه، وذلك أنى إن لم أعطه إياه فإنما أخرجه إلى غيره ممن له معه قسم فلم أجز أن أخرج عن صنف سموا شيئا ومنهم محتاج إليه (قال) وإن وجد من كل صنف منهم جماعة كثيرة وضاقت زكاته أحببت أن يفرقها في عامتهم بالغة ما بلغت، فإن لم يفعل فأقل ما يكفيه أن يعطى منهم ثلاثة، لان أقل جماع أهل سهم ثلاثة إنما ذكرهم الله عزوجل بجماع فقراء ومساكين، وكذلك ذكر من معهم فإن قسمه على اثنين وهو يجد ثالثا ضمن ثلث السهم وإن أعطاه واحدا ضمن ثلثى السهم لانه لو ترك أهل صنف وهم موجودون ضمن سهمهم وهكذا هذا من أهل كل صنف، فإن أخرجه من بلد إلى بلد غيره كرهت ذلك له، ولم يبن لى أن أجعل عليه الاعادة من قبل أنه قد أعطاه أهله بالاسم وإن ترك موضع الجوار وإن كانت له قرابة من أهل السهمان ممن لا تلزمه النفقة عليه أعطاه منها وكان أحق بها من البعيد منه، وذلك أنه يعلم من قرابته أكثر مما يعلم من غيرهم وكذلك خاصته ومن لا تلزمه نفقته من قرابته ما عدا أولاده ووالديه، ولا يعطى ولد الولد صغيرا ولا كبيرا ولا زمنا ولا أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة زمنى (قال الربيع) لا يعطى الرجل من زكاة ماله لا أبا ولا أما ولا ابنا ولا جدا ولا جدة ولا أعلى منهم إذا كانوا فقراء من قبل أن نفقتهم تلزمه وهم أغنياء به، وكذلك إن كانوا غير زمنى لا يغنيهم كسبهم فهم في حد الفقر لا يعطيهم من زكاته، وتلزمه نفقتهم، وإن كانوا غير زمنى مستغنين بحرفتهم لم تلزمه نفقتهم وكانوا في حد الاغنياء الذين لا يجوز أن يأخذوا من زكاة المال، ولا يجوز له ولا لغيره أن(2/87)
يعطيهم من زكاة ماله شيئا وهذا عندي أشبه بمذهب الشافعي (قال الشافعي) ولا يعطى زوجته لان نفقتها تلزمه، وإنما قلت: لا يعطى من تلزمه نفقتهم لانهم أغنياء به في نفقاتهم (قال الشافعي) وإن
كانت امرأته أو ابن له بلغ فادان ثم زمن واحتاج أو أب له دائن، أعطاهم من سهم الغارمين، وكذلك من سهم ابن السبيل، ويعطيهم بما عدا الفقر والمسكنة لانه لا يلزمه قضاء الدين عنهم ولا حملهم إلى بلد أرادوه، فلا يكونون أغنياء عن هذا كما كانوا أغنياء عن الفقر والمسكنة بإنفاقه عليهم (قال) ويعطى أباه وجده وأمه وجدته وولده بالغين غير زمنى من صدقته إذا أرادوا سفرا لانه لا تلزمه نفقتهم في حالاتهم تلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويعطى رجالهم أغنياء وفقراء إذا غزوا، وهذا كله إذا كانوا من غير آل محمد صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا، قل أو كثر، لا يحل لهم أن يأخذوها ولا يجزئ عمن يعطيهموها إذا عرفهم وإن كانوا محتاجين وغارمين ومن أهل السهمان، وإن حبس عنهم الخمس وليس منعهم حقهم في الخمس، يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة (قال) وآل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة المفروضة أهل الخمس، وهم أهل الشعب، وهم صلبية بنى هاشم وبنى المطلب، ولا يحرم على آل محمد صدقة التطوع إنما يحرم عليهم الصدقة المفروضة، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات الناس بمكة والمدينة فقلت له: أتشرب من الصدقة وهى لا تحل لك؟ فقال: انما حرمت علينا الصدقة المفروضة (قال الشافعي) وتصدق على وفاطمة على بنى هاشم وبنى المطلب بأموالهما وذلك أن هذا تطوع، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من صدقة تصدق بها على بريرة وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة (قال) وإذا تولى العامل قسم الصدقات قسمها على ما وصفت وكان الامر فيها عليه واسعا لانه يجمع صدقات عامة فتكثر فلا يحل له أن يؤثر فيها أحدا على أحد علم مكانه، فإن فعل على غير الاجتهاد خشيت عليه المأثم، ولم يبن لى أن أضمنه إذا أعطاها أهلها، وكذلك لو نقلها من بلد إلى بلد فيه أهل الاصناف لم يتبين لى أن أضمه في الحالين (قال) ولو ضمنه رجل كان مذهبا، والله أعلم (قال) فأما لو ترك العامل أهل صنف موجودين حين يقسمها وهو يعفرهم وأعطى حظهم غيرهم ضمن لان سهم هؤلاء بين في كتاب الله تبارك وتعالى، وليس أن يعمهم بين في النص، وكذلك إذا قسمها الوالى لها فترك أهل سهم موجودين، ضمن، لما وصفت (قال الشافعي) الفقير الذى لا حرفة له ولا مال، والمسكين الذى له
الشئ ولا يقوم به.
(باب العلة في اجتماع أهل الصدقة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الصدقة ثمانية آلاف وأهل السهمان موجودين فكان فيهم فقير واحد يستغرق سهمه ومسكين واحد يستغرق سهمه وغارمون مائة يعجز السهم كله عن واحد منهم فسأل الغارمون أن يعطى الفقراء والمساكين ثلث سهم لانه واحد وأقل ما يجزى عليه أن يعطى إذا وجدوا ثلاثة، قيل ليس ذلك لكم لانكم لا تستحقون من سهم الفقراء والمساكين شيئا أبدا ما كان منهم محتاج إليه والسهم مجموع مقتصر به عليهم ما احتاج إليه أحد منهم فإذا فضل منه فضل كنتم وغيركم من أهل السهمان فيه سواء وأنتم لا تستحقون إلا بما يستحق به واحد منهم وكذلك هذا في(2/88)
جميع أهل السهمان، وإذا كان فيهم غارمون لا أموال لهم عليهم ديون فأعطوا مبلغ غرمهم أو أقل منه فقالوا: نحن فقراء غارمون فقد أعطينا بالغرم وأنتم ترونا أهل فقر، قيل: لهم إنما نعطيكم بأحد المعنيين ولو كان هذا على الابتداء فقال: أنا فقير غارم، قيل له: أختر بأى المعنيين شئت أعطيناك، فإن شئت بمعنى الفقر، وإن شئت بمعنى الغرم.
فأيهما اختار وهو أكثر له أعطيناه، وإن اختار الذى هو أقل لعطائه أعطياه وأيهما قال هو الاكثر أعطيناه به ولم نعطه بالآخر، فإذا أعطيناه باسم الفقر فلغرمائه أن يأخذوا مما في يده حقوقهم كما لهم أن يأخذوا مالا لو كان له، وكذلك إن أعطيناه بمعنى الغرم، فإذا أعطيناه بمعنى الغرم أحببت أن يتولى دفعه عنه فإن لم يفعل فأعطاه جاز كما يجوز في المكاتب أن يعطى من سهمه، فإن قال: ولم لا أعطى بمعنيين إذا كنت من أهلهما معا؟ قيل الفقير المسكين والمسكين فقير بحال يجمعهما اسم ويفترق بهما اسم وقد فرق الله تعالى بينهما (1) فلا يجوز أن يعطى ذلك المسكين فيعطى الفقير بالمسكنة مع الفقر والمسكين بالفقر والمسكنة، ولا يجوز أن يعطى أحدهما إلا بأحد المعنيين، وكذلك لا يجوز أن يعطى رجل ذو سهم إلا بأحد المعنيين، ولو جاز هذا، جاز أن يعطى رجل بفقر وغرم وبأنه ابن سبيل، وغاز ومؤلف وعامل، فيعطى بهذه المعاني كلها، فإن قال قائل: فهل من دلاله تدل على أن اسم الفقر يلزم المسكين؟ والمسكنة تلزم الفقير؟ قيل: نعم.
معنى الفقر معنى
المسكنة، ومعنى المسكنة معنى الفقر، فإذا جمعا معا، لم يجز إلا بأن يفرق بين حاليهما بأن يكون الفقير الذى بدئ به أشدهما، وكذلك هو في اللسان، والعرب تقول للرجل فقير مسكين ومسكين فقير، وإنما (2) المسكنة والفقر لا يكونان بحرفة ولا مال.
(قسم الصدقات الثاني) أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: فرض الله عزوجل على أهل دينه المسلمين في أموالهم حقا لغيرهم من أهل دينه المسلمين المحتاجين إليه لا يسع أهل الاموال حبسه عمن أمروا بدفعه إليه من أهله أو ولاته، ولا يسع الولاة تركه لاهل الاموال لانهم أمناء على أخذه لاهله منهم، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ".
ففي هذه الآية دلالة على ما وصفت من أن ليس لاهل الاموال منع ما جعل الله عزوجل عليهم ولا لمن وليهم ترك ذلك لهم، ولا عليهم (أخبرنا) إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال: لم يبلغنا أن أبا بكر وعمر أخذا الصدقة مثناة ولكن كانا يبعثان عليها في الخصب والجدب والسمن والعجف ولا يضمنانها أهلها ولا يؤخرانها عن كل عام، لان أخذها في كل عام سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم نعلم رسول الله صلى الله
__________
(1) قوله فلا يجوز أن يعطى ذلك المسكين، كذا في النسخ، ولعل في الكلام تكرارا أو تحريفا، فليحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: وإنما الخ الاظهر أن يقال: وإن الفقر إلخ بدل " انما ".(2/89)
عليه السلام أخرها عاما لا يأخذها فيه، وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه " لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها لا تفرقوا بين ما جمع الله " (قال الشافعي) هذا إنما هو فيما أخذ من المسلمين خاصة لان الزكاة والطهور إنما هو للمسلمين والدعاء بالاجر والبركة (قال الشافعي) وإذا أخذ صدقة مسلم دعا له بالاجر والبركة كما قال الله عزوجل: " وصل عليهم " أي أدع لهم فما أخذ من مسلم فهو زكاة والزكاة صدقة والصدقة زكاة وطهور أمرهما ومعناهما واحد.
وإن سميت مرة زكاة ومرة
صدقة هما اسمان لها بمعنى واحد، وقد تسمى العرب الشئ الواحد بالاسماء الكثيرة، وهذا بين في كتاب الله عزوجل وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى لسان العرب، قال الله عزوجل " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " قال أبو بكر " لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله " يعنى والله أعلم قول الله عزوجل " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " واسم ما أخذ من الزكاة صدقة وقد سماها الله تعالى في القسم صدقة فقال " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية تقول: إذا جاء المصدق يعنى الذى يأخذ الماشية وتقول إذا جاء الساعي وإذا جاء العامل (قال الشافعي) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ولا فيما دون خمس أواقى من الورق صدقة " (قال الشافعي) والاغلب على أفواه العامة أن في التمر العشر وفى الماشية الصدقة وفى الورق الزكاة، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله صدقة، والعرب تقول له صدقة وزكاة ومعناهما عندهم معنى واحد، فما أخذ من مسلم من صدقة ماله ضأنا كان أو ماشية أو زرعا أو زكاة فطر أو خمس ركاز أو صدقة معدن أو غيره مما وجب عليه في ماله في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه عوام المسلمين فمعناه واحد أنه زكاة، والزكاة صدقة وقسمه واحد لا يختلف كما قسمه الله.
الصدقات ما فرض الله عزوجل على المسلمين فهى طهور (قال الشافعي) وقسم الفئ خلاف قسم هذا، والفئ ما أخذ من مشرك هو به (1) أهل دين الله وهو موضوع في غير هذا الموضع (قال) يقسم ما أخذ من حق مسلم وجب في ماله بقسم الله في الصدقات سواء قليل ما أخذ منه وكثيره، وعشر ما كان أو خمس أو ربع عشر أو بعدد مختلف أن يستوى لان اسم الصدقة يجمعه كله قال الله تبارك وتعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية فبين الله عزوجل لمن الصدقات ثم وكدها وشددها فقال " فريضة من الله والله عليم حكيم " فقسم كل ما أخذ من مسلم على قسم الله عزوجل وهى سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شئ منه عن أهله ما كان من أهله أحد يستحقه ولا تخرج صدقة قوم منهم عن بلدهم وفى بلدهم من يستحقها، أخبرنا وكيع عن زكرياء بن إسحق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبى معبد عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه " فإن أجابوك فأعلمهم أن
عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " أخبرنا يحيى ابن حسان الثقة من أصحابنا عن الليث بن سعد عن سعيد المقبرى عن شريك بن أبى نمر عن أنس بن مالك أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نشدتك الله آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا؟ قال: نعم (قال الشافعي) والفقراء هاهنا كل من لزمه اسم حاجة ممن سمى الله تعالى من الاصناف الثمانية وذلك أن كلهم إنما يعطى بموضع الحاجة لا بالاسم فلو أن ابن السبيل كان غنيا لم يعط وإنما يعطى ابن السبيل
__________
(1) قوله: هوبه.
هكذا في الاصل بدون نقط.(2/90)
المحتاج إلى السلاح في وقته الذى يعطى فيه، فإن لم يوجد من أهل الصدقات الذين يوجد منه أحد من أهل السهمان الذين سمى الله عزوجل ردت حصة من لم يوجد على من وجد، كأن وجد فيهم فقراء ومساكين وغارمون ولم يوجد غيرهم، فقسم الثمانية الاسهم على ثلاثة أسهم (1) وبيان هذا في أسفل الكتاب فأهل السهمان يجمعهم أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها كلهم وأسباب حاجاتهم مختلفة وكذلك أسباب استحقاقهم بمعان مختلفة يجمعها الحاجة ويفرق بينها صفاتها فإذا اجتمعوا فالفقراء الزمنى الضعفاء الذين لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا يسألون الناس والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله، فإن طلب الصدقة بالمسكنة رجل جلد فعلم الوالى أنه صحيح مكتسب يغنى عياله بشئ إن كان له وبكسبه إذ لا عيال له فعلم الوالى أنه يغنى نفسه بكسبه غنى معروفا لم يعطه شيئا فإن قال السائل لها (2) يعنى الصدقة الجلد لست مكتسبا أو أنا مكتسب لا يغنينى كسبي أو لا يغنى عيالي ولى عيال وليس عند الوالى يقين من أن ما قال على غير ما قال فالقول قوله ويعطيه الوالي، أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عدى بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه من الصدقة فصعد فيهما وصوب وقال " إن شئتما ولا حظ فيها لغنى ولا لذى قوة مكتسب " (قال الشافعي) رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلدا وصحة يشبه الاكتساب وأعلمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلح لهما مع الاكتساب الذى يستغنيان به أن يأخذا منها ولا يعلم أمكتسبان أم لا؟ فقال: إن شئتما بعد أن
أعلمتكما أن لا حظ فيها لغنى ولا مكتسب فعلت وذلك أنهما يقولان أعطنا فإنا ذوا حظ لانا لسنا غنيين ولا مكتسبين كسبا يغنى، أخبرنا إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن ريحان بن يزيد قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول " لا تصلح الصدقة لغنى ولا لذى مرة قوى " (قال الشافعي) ورفع هذا الحديث عن سعد عن أبيه.
والعاملون عليها من ولاه الوالى قبضها وقسمها من أهلها كان أو غيرهم ممن أعان الوالى على جمعها وقبضها من العرفاء ومن لا غنى للوالى عنه ولا يصلحها إلا مكانه، فأما رب الماشية يسوقها فليس من العاملين عليها وذلك يلزم رب الماشية وكذلك من أعان الوالى عليها ممن بالوالى الغنى عن معونته فليس من العاملين عليها الذين لهم فيها حق، والخليفة ووالى الاقليم العظيم الذى يلى قبض الصدقة وإن كانا من العاملين عليها القائمين بالامر بأخذها فليسا عندنا ممن له فيها حق من قبل أنهما لا يليان أخذها، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر شرب لبنا فأعجبه فقال للذى سقاه " من أين لك هذا اللبن؟ " فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه فإذا بنعم من نعم الصدقة وهم يستقون فحلبوا لى من لبنها فجعلته في سقائي فهو هذا، فأدخل عمر إصبعه فاستقاه أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة غاز في سبيل الله والعامل عليها أو الغارم أو الرجل اشتراها بماله أو الرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى
__________
(1) قوله: وبيان هذا في اسفل الكتاب، كذا في جميع النسخ التى بيدنا وليس لهذا البيان أثر في شئ منها، فلعله كان في أصل الام الذى كتبه الربيع أو كتبه من نسخته.
(2) قوله: يعنى الصدقة.
كذا وقعت هذه الجملة في جميع النسخ.
ولعلها حاشية أثبتها النساخ بصلب الكتاب.
كتبه مصححه.(2/91)
المسكين للغنى (قال الشافعي) والعامل عليها يأخذ من الصدقة بقدر غنائه لا يزاد عليه وإن كان العامل موسرا إنما يأخذ على معنى الاجارة والمؤلفة قلوبهم في متقدم من الاخبار (1) فضربان ضرب مسلمون مطاعون أشراف يجاهدون مع المسلمين فيقوى المسلمون بهم ولا يرون من نياتهم ما يرون من نيات غيرهم، فإذا كانوا هكذا فجاهدوا المشركين فأرى أن يعطوا من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو
خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهمانهم مع المسلمين إن كانت نازلة في المسلمين وذلك أن الله عز وجل جعل هذا السهم خالصا لنبيه فرده النبي صلى الله عليه وسلم في مصلحة المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم " مالى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم " يعنى بالخمس حقه من الخمس وقوله " مردود فيكم " يعنى في مصلحتكم وأخبرني من لا أتهم عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم يوم حنين من الخميس (قال الشافعي) وهم مثل عيينة والاقرع وأصحابهما ولم يعط النبي صلى الله عليه وسلم.
عباس بن مرداس وكان شريفا عظيم الغناء حتى أستعتب فأعطاه (قال الشافعي) لما أراد ما أراد القوم واحتمل أن يكون دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شئ حين رغب عما صنع بالمهاجرين والانصار فأعطاه على معنى ما أعطاهم واحتمل ان يكون رأى أن يعطيه من ماله حيث رأى لانه له خالص ويحتمل أن يعطى على النفل وغير النفل لانه له وقد أعطى صفوان بن أمية قبل أن يسلم ولكنه قد أعار رسول الله صلى الله عليه وسلم أداة وسلاحا وقال فيه عند الهزيمة أحسن مما قال فيه بعض من أسلم من أهل مكة عام الفتح وذلك أن الهزيمة كانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في أول النهار فقال له رجل: " غلبت هوازن وقتل محمد " فقال " صفوان بفبك الحجر (2) فوالله لرب من قريش أحب إلى من رب هوازن " وأسلم قومه من قريش وكان كأنه لا يشك في إسلامه والله أعلم " وهذا مثبت في كتاب قسم الفئ " فإذا كان مثل هذا رأيت أن يعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أحب إلى للاقتداء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قال قائل: كان هذا السهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له أن يضع سهمه حيث رأى فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مرة وأعطى من سهمه بخيبر رجالا من المهاجرين والانصار لانه ماله يضعه حيث شاء فلا يعطى اليوم أحد على هذا من الغنيمة ولم يبلغنا أن أحدا من خلفائه أعطى أحدا بعده وليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم مع أهل السهمان، ولو قال هذا أحد، كان مذهبا والله أعلم، وللمؤلفة قلوبهم في سهم الصدقات سهم، والذى أحفظ فيه من متقدم الخبر أن عدى ابن حاتم جاء أبا بكر الصديق أحسبه بثلثمائة من الابل من الصدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد بمن
أطاعه من قومه فجاءه بزهاء الف رجل وأبلى بلاء حسنا وليس في الخبر في إعطائه إياها من أين أعطاه إياها غير أن الذى يكاد أن يعرف القلب بالاستدلال بالاخبار والله أعلم أنه أعطاه إياها من قسم
__________
(1) قوله: فضربان ألخ ذكر الضرب الاول، وأشار للثاني بقوله الآتى " وقد أعطى صفوان الخ " كتبه مصححه.
(2) قوله: فوالله لرب الخ كذا في النسخ والمعروف في الرواية فوالله لان يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن، قال ابن الاثير: يعنى أن يكون ربا فوقى وسيدا يملكني اه فلعل ما في الام رواية أخرى.
كتبه مصححه.(2/92)
المؤلفة فإما زاده ليرغبه فيما يصنع وإما أعطاه ليتألف به غيره من قومه ممن لا يثق منه بمثل ما يثق به من عدى بن حاتم فأرى أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة ولن ينزل إن شاء الله تعالى وذلك أن يكون فيها العدو بموضع (1) شاط لا تناله الجيوش إلا بمؤنة ويكون العدو بإزاء قوم من أهل الصدقات فأعان عليهم أهل الصدقات إما بنية فأرى أن يقوم بسهم سبيل الله من الصدقات، وإما أن يكون لا يقاتلون إلا بأن يعطوا سهم المؤلفة أو ما يكفيهم منه وكذلك إن كان العرب أشرافا ممتنعين (2) غير ذى نية إن أعطوا من صدقاتهم هذين السهمين أو أحدهما إذا كانوا إن أعطوا أعانوا على المشركين فيما أعانوا على الصدقة وإن لم يعطوا لم يوثق بمعونتهم رأيت أن يعطوا بهذا المعنى إذا انتاط العدو وكانوا أقوى عليه من قوم من أهل الفئ يوجهون إليه تبعد دراهم وتثقل مؤنتهم ويضعفون عنه، فإن لم يكن مثل ما وصفت مما كان في زمان أبى بكر مع امتناع أكثر العرب بالصدقة على الردة وغيرها لم أر أن يعطى أحد منهم من سهم المؤلفة قلوبهم، ورأيت أن يرد سهمهم على السهمان معه، وذلك أنه لم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليا أعطوا أحدا تألفا على الاسلام وقد أعز الله وله الحمد الاسلام عن أن يتألف الرجال عليه، وقوله وفى الرقاب يعنى المكاتبين والله أعلم، ولا يشترى عبد فيعتق.
والغارمون كل من عليه دين كان له عرض يحتمل دينه أو لا يحتمله وإنما يعطى
الغارمون إذا ادانوا في حمل دية أو أصابتهم جائحة أو كان دينهم في غير فسق ولا سرف ولا معصية، فأما من ادان في معصية فلا أرى أن يعطى من سهم سبيل الله كما وصفت يعطى منه من أراد الغزو، فلو امتنع قوم كما وصفت من أداء الصدقة فأعان عليهم قوم رأيت أن يعطى من أعان عليهم، فإن لم يكن مما وصفت شئ، رد سهم سبيل الله إلى السهمان معه، وابن السبيل عندي، ابن السبيل من أهل الصدقة الذى يريد البلد غير بلده، لا من لزمه.
(كيف تفريق قسم الصدقات) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ينبغى للساعي على الصدقات أن يأمر بإحصاء أهل السهمان في عمله فيكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهى أسمائهم وأنسابهم وحالاتهم وما يحتاجون إليه، ويحصى ما صار في يديه من الصدقات فيعزل من سهم العاملين بقدر ما يستحق بعمله (3) ثم يقضى جميع ما بقى من السهمان كله عندهم كما أصف إن شاء الله تعالى، إذا كان الفقراء عشرة، والمساكين عشرين، والغارمون خمسة.
وهؤلاء ثلاثة أصناف من أهل الصدقة، وكان سهمانهم الثلاثة من
__________
(1) شاط: أي بعيد، وفى بعض النسخ " منتاط " وهو بمعناه، يقال: شطت الدار وانتاطت، أي بعدت، كذا في كتب اللغة.
(2) غير ذى نية، كذا في النسخ بإفراد " ذى " وانظر.
(3) ثم يقضى الخ كذا في جميع النسخ، ولعل في العبارة تحريفا من النساخ، ووجه الكلام " ثم يفض جميع ما بقى من السهمان عليهم " فانظر.(2/93)
جميع المال ثلاثة آلاف، فإن كان الفقراء (1) يغترقون سهمهم وهو ألف وهو ثلث المال، فيكون سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى حد الغنى أعطوه كله، وإن كان يخرجهم من حد الفقر إلى حد الغنى ثلاثه أو أربعة أو أقل أو أكثر، أعطوا منه ما يخرجهم من اسم الفقر، ويصيرون به إلى اسم الغنى ويقف الوالى ما بقى منه، ثم يقسم على المساكين سهمهم وهو ألف هكذا، وعلى الغارمين سهمهم، وهو ألف، هكذا فإن قال قائل: كيف قلت لكل أهل صنف موجود سهمهم ثم استغنوا
ببعض السهم، فلم لا يسلم إليهم بقيته؟ (قال الشافعي) قلته بأن الله تبارك وتعالى سماه لهم مع غيرهم بمعنى من المعاني وهو الفقر والمسكنة والغرم، فإذا خرجوا من الفقر والمسكنة فصاروا إلى الغنى ومن الغرم، فبرئت ذمتهم وصاروا غير غارمين، فلا يكونون من أهله لانهم ليسوا ممن يلزمه اسم من قسم الله عزوجل له بهذا الاسم ومعناه، وهم خارجون من تلك الحال ممن قسم الله له، ألا ترى أن أهل الصدقة الاغنياء لو سألوا بالفقر والمسكنة في الابتداء أن يعطوا منها لم يعطوا، وقيل لستم ممن قسم الله له، وكذلك لو سألوا بالغرم وليسوا غارمين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغنى " إلا من استثنى، فإذا أعطيت الفقراء والمساكين فصاروا أغنياء فهم ممن لا تحل لهم، وإذا لم تحل لهم كنت لو أعطيتهم أعطيتهم مالا يحل لهم ولا لى أن أعطيهم، وإنما شرط الله عزوجل إعطاء أهل الفقر والمسكنة وليسوا منهم (قال) ويأخذ العاملون عليها بقدر أجورهم في مثل كفايتهم وقيامهم وأمانتهم والمؤنة عليهم، فيأخذ الساعي نفسه لنفسه بهذا المعنى، ويعطى العريف ومن يجمع الناس عليه بقدر كفايته وكلفته وذلك خفيف لانه في بلاده، ويعطى ابن السبيل منهم قدر ما يبلغه البلد الذى يريد في نفقته وحمولته إن كان البلد بعيدا وكان ضعيفا، وإن كان البلد قريبا وكان جلدا الاغلب من مثله وكان غنيا بالمشى إليها أعطى مؤنته في نفقته بلا حمولة، فإن كان يريد أن يذهب ويأتى أعطى ما يكفيه في ذهابه ورجوعه من النفقة، فإن كان ذلك يأتي على السهم كله أعطيه كله إن لم يكن معه ابن سبيل غيره وإن كان يأتي على سهم من مائة سهم من سهم ابن السبيل لم يزد عليه.
فإن قال قائل: لم أعطيت الفقراء والمساكين والغارمين حتى خرجوا من اسم الفقر والمسكنة والغرم ولم تعط العاملين وابن السبيل حتى يسقط عنهم الاسم الذى له أعطيتهم ويزول؟ فليس للاسم أعطيتهم ولكن للمعنى، وكان المعنى إذا زال زال الاسم ونسمى العاملين بمعنى الكفاية وكذلك ابن السبيل بمعنى البلاغ، ولو أنى أعطيت العامل وابن السبيل جميع السهمان وأمثالها لم يسقط عن العامل اسم العامل ما لم يعزل، ولم يسقط عن ابن السبيل اسم ابن السبيل ما دام مجتازا أو كان يريد الاجتياز فأعطيتهما، والفقراء والمساكين والغارمين بمعنى واحد، غير مختلف وإن اختلفت أسماؤه كما اختلفت أسماؤهم.
والعامل إنما هو مدخل عليهم صار له حق معهم بمعنى كفاية وصلاح للمأخوذ منه والمأخوذ له، فأعطى أجر مثله وبهذا في العامل مضت الآثار وعليه من أدركت ممن سمعت منه ببلدنا، ومعنى
ابن السبيل في أن يعطى ما يبلغه، إن كان عاجزا عن سفره إلا بالمعونة عليه بمعنى العامل في بعض أمره ويعطي المكاتب ما بينه وبين أن يعتق قل ذلك أو كثر، حتى يغترق السهم، فإن دفع إليه، فالظاهر عندنا على أنه حريص على أن لا يعجز، وإن دفع إلى مالكه كان أحب إلي وأقرب من الاحتياط.
__________
(1) قوله: يغترقون.
أي.
يستوعبون ويستغرقون.
كتبه مصححه.(2/94)
رد الفضل على أهل السهمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا لم تكن مؤلفة ولا قوم من أهل الصدقة يريدون الجهاد فليس فيهم أهل سهم سبيل الله ولا سهم مؤلفة، عزلت سهامهم، وكذلك إن لم يكن ابن سبيل ولم يكن غارم، وكذلك إن غابوا فأعطوا ما يبلغهم ويفضل عنهم أو عن أحد من أهل السهمان معهم شئ من المال عزل أيضا ما يفضل عن كلهم ثم أحصى ما بقى من أهل السهمان الذين لم يعطوا أو أعطوا فلم يستغنوا فابتدئ قسم هذا المال عليهم كما ابتدئ قسم الصدقات فجزئ على من بقى من أهل السهمان، سواء كان بقى فقراء ومساكين لم يستغنوا، وغارمون لم تقض كل ديونهم ولم يبق معهم من أهل السهمان الثمانية أحد غيرهم، فيقسم جميع ما بقى من المال بينهم على ثلاثة أسهم، فإن استغنى الغارمون بسهمهم وهو ثلث جميع المال أعيد فضل سهمهم على الفقراء والمساكين فيقسم على أهل هذين القسمين حتى ينفد، فإن قسم بينهم فاستغنى الفقراء ببعضه رد ما بقى على المساكين حتى يستغنوا، فإن قال: كيف رددت ما يفضل من السهمان عن حاجة أهل الحاجة منهم ومنهم من لم يكن له سهم من أهل السهمان مثل المؤلفة وغيرهم إذا لم يكونوا (1) على أهل السهمان معهم وأنت إذا اجتمعوا جعلت لاهل كل صنف منهم سهما؟ (قال الشافعي) فإذا اجتمعوا كانوا (2) شرعا في الحاجة وكل واحد منهم يطلب ما جعل الله له وهم ثمانية، فلا يكون لى منع واحد منهم ما جعل الله له، وذكر الله تبارك وتعالى لهم واحد لم يخصص أحدا منهم دون أحد فأقسم بينهم معا كما ذكرهم الله عز وجل معا، وإنما منعنى أن أعطى كل صنف منهم سهمه تاما وإن كان يغنيه أقل منه أن بينا والله تعالى
أعلم أن في حكم الله عزوجل أنهم إنما يعطون بمعان سماها الله تعالى، فإذا ذهبت تلك المعاني وصار الفقير والمسكين غنيا والغارم غير غارم فليسوا ممن قسم له، ولو أعطيتهم كنت أعطيت من لم أومر به، ولو جاز أن يعطوا بعد أن يصيروا إلى حد الغنى والخروج من الغرم جاز أن يعطاها أهل دارهم ويسهم للاغنياء فأحيلت عمن جعلت له إلى من لم تجعل له، وليس لاحد إحالتها عما جعلها الله تعالى له ولا إعطاؤها من لم يجعلها الله له وإنما ردى ما فضل عن بعض أهل السهمان على من بقى ممن لم يستغن من أهل السهمان بأن الله تبارك وتعالى أوجب على أهل الغنى في أموالهم شيئا يؤخذ منهم لقوم بمعان، فإذا ذهب بعض من سمى الله عزوجل له أو استغنى، فهذا مال لا مالك له من الآدميين بعينه يرد إليه كما يرد عطايا الآدميين ووصاياهم لو أوصى رجل لرجل فمات الموصى له قبل الموصى كانت الوصية راجعة إلى وارث الموصى، فلما كان هذا المال مخالفا للمال يورث ههنا لم يكن أحد أولى عندنا به في قسم الله عزوجل، وأقرب ممن سمى الله تبارك وتعالى له هذا المال وهؤلاء من جملة من سمى الله تبارك وتعالى له هذا المال ولم يبق مسلم يحتاج إلا وله حق سواه، أما أهل الفئ فلا يدخلون على أهل الصدقة وأما أهل صدقة أخرى (3) فهو مقسوم لهم صدقتهم ولو كثرت لم يدخل عليهم غيرهم وواحد منهم يستحقها
__________
(1) قوله: على أهل السهمان، متعلق بقوله " رددت " المتقدم في صدر السؤال.
كتبه مصححه.
(2) شرعا: بالتحريك، أي سواء، كتبه مصححه.
(3) فهو مقسوم لهم، كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/95)
فكما كانوا لا يدخلون عليهم غيرهم فكذلك لا يدخلون على غيرهم ما كان من غيرهم من يستحق منها شيئا ولو استغنى أهل عمل ببعض ما قسم لهم ففضل عنهم فضل لرأيت أن ينقل الفضل عنهم إلى أقرب الناس بهم نسبا ودارا.
(ضيق السهمان وما ينبغى فيه عند القسم) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال وإذا ضاقت السهمان فكان الفقراء ألفا وكان سهمهم ألفا والغارمون ثلاثة وكان غرمهم ألفا وسهمهم ألفا، فقال الفقراء: إنما يغنينا مائة ألف، وقد يخرج
هؤلاء من الغرم ألف، فاجمع سهمنا وسهمهم ثم اضرب لنا بمائة سهم من ألف ولهم سهم واحد كما يقسم هذا المال لو كان بيننا فوضى بمعنى واحد فليس ذلك لهم عندنا والله أعلم.
لان الله عزوجل ذكر للغارمين سهما كما ذكر للفقراء سهما فنفض على الغارمين وإن اغترقوا السهم فهو لهم ولم يعطوا أكثر مما أعطوا، وإن فضل عنهم فضل فلستم بأحق به من غيركم إن فضل معكم أهل سهمان ذكروا معكم، ولكن ما فضل منهم أو من غيرهم يرد عليكم وعلى غيركم ممن لم يستغن من أهل السهمان معكم كما يبتدأ القسم بينكم، وكذلك لو كنتم المستغنين والغرماء غير مستغنين لم ندخلهم عليكم إلا بعد غناكم ولم نجعلهم يخاصمونكم ما اغترق كل واحد منكم سهمه ولا وقت فيما يعطى الفقراء إلا ما يخرجه من حد الفقر إلى الغنى، قل ذلك أو كثر، مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب، لانه يوم يعطى لا زكاة عليه فيه، وقد يكون الرجل غنيا وليس له مال تجب فيه الزكاة، وقد يكون الرجل فقيرا بكثرة العيال وله مال تجب فيه الزكاة، وإنما الغنى والفقر ما عرفت الناس بقدر حال الرجل والعرب قديما يتجاورون في بواديهم وقراهم بالنسب لخوفهم من غيرهم، كان في الجاهلية يتجاورون ليمنع بعضهم بعضا، فإذا كانوا هكذا يوم يصدقون قسمت صدقاتهم على فقرائهم بالقرابة والجوار معا، فإن كانوا أهل بادية وكان العامل الوالى يعمل فيهم على قبيلة أو قبيلتين وكان بعض أهل القبيلة يخالط القبيلة الاخرى التى ليس منها دون التى منها، وجوارهم وخلطتهم أن يكونوا ينتجعون معا ويقيمون معا فضاقت السهمان، قسمناها على الجوار دون النسب، وكذلك أن خالطهم عجم غيرهم وهم معهم في القسم على الجوار فإن كانوا عند النجعة يفترقون مرة ويختلطون أخرى فأحب أن لو قسمها على النسب إذا استوت الحالات وكان النسب عندي أولى، فإذا اختلفت الحالات فالجوار أولى من النسب، وإن قال من تصدق لنا فقراء على غير هذا الماء وهم كما وصفت يختلطون في النجعة، أحصوا معا ثم فض ذلك على الغائب والحاضر، وان كانوا بأطراف من باديتهم متباعدة فكان يكون بعضهم بالطرف وهو له ألزم قسم ذلك بينهم وكان الطرف الذى هو له ألزم كالدار لهم، وهذا إذا كانوا معا أهل نجعة لا دار لهم يقرون بها، فأما إن كانت لهم دار يكونون بها ألزم فإنى أقسما على الجوار أبدا، وأهل الاراك والحمض من أهل البادية يلزمون منازلهم فأقسم بينهم على الجوار في المنازل وإن جاورهم في منازلهم
من ليس منهم قسم على جيرانهم القسم على الجوار إذا كان جوار وعلى النسب والجوار إذا كانا معا، ولو كان لاهل البادية معدن، قسم ما يخرج من المعدن على من يلزم قرية المعدن وإن كانوا غرباء دون ذوى نسب أهل المعدن إذا كانوا منه بعيدا، وكذلك لو كان لهم زرع قسم زرعهم على جيران أهل الزرع دون ذوى النسب إذا كانوا بعيدا من موضع الزرع، وزكاة أهل القرية تقسم على أهل السهمان(2/96)
من أهل القرية دون أهل النسب إذا لم يكن أهل النسب بالقرية وكانوا منها بعيدا، وكذلك نخلهم وزكاة أموالهم، ولا يخرج شئ من الصدقات من قرية إلى غيرها وفيها من يستحقها، ولا من موضع إلى غيره، وفيه من يستحقه، وأولى الناس بالقسم أقربهم جوارا ممن أخذ المال منه وإن بعد نسبه إذا لم يكن معه ذو قرابة، وإذا ولى الرجل إخراج زكاة ماله فكان له أهل قرابة ببلده الذى يقسمه به وجيران، قسمه عليهم معا، فإن ضاق فآثر قرابته فحسن عندي إذا كانوا من أهل السهمان معا (قال الشافعي) فأما أهل الفئ فلا يدخلون على أهل الصدقات ما كانوا يأخذون من الفئ، فلو أن رجلا كان في العطاء فضرب عليه البعث في الغزو وهو بقرية فيها صدقات، لم يكن له أن يأخذ من الصدقات شئ، فإن سقط من العطاء بأن قال لا أغزو واحتاج، أعطى في الصدقة، ومن كان من أهل الصدقات بالبادية والقرى ممن لا يغزو عدوا فليس من أهل الفئ، فإن هاجر (1) وأفرض وغزا صار من أهل الفئ وأخذ منه، ولو احتاج وهو في الفئ، لم يكن له أن يأخذ من الصدقات، فإن خرج من الفئ وعاد إلى الصدقات فذلك له.
(الاختلاف) (قال الشافعي) رحمه الله: قال بعض أصحابنا: لا مؤلفة فيجعل سهم المؤلفة وسهم سبيل الله في الكراع والسلاح في ثغر المسلمين حيث يراه الوالى، وقال بعضهم: ابن السبيل من يقاسم الصدقات في البلد الذى به الصدقات من أهل الصدقات أو غيرهم وقال أيضا (2): إنما قسم الصدقات دلالات فحيث كانت الكثرة أو الحاجة فهى أسعد به، كأنه يذهب إلى أن السهمان لو كانت ألفا وكان غارم غرمه ألف ومساكين يغنيهم عشرة آلاف وفقراء مثلهم يغنيهم ما يغنيهم وابن السبيل
مثلهم يغنيهم ما يغنيهم، جعل للغارم سهم واحد من هؤلاء، فكان أكثر المال في الذين معه، لانهم أكثر منه عددا وحاجة، كأنه يذهب إلى أن المال فوضى بينهم فيقتسمونه على العدد والحاجة لا لكل صنف منهم سهم ومن أصحابنا من قال: إذا أخذت صدقة قوم ببلد وكان آخرون ببلد مجدبين فكان أهل السهمان من أهل البلد الذين أخذت صدقاتهم إن تركوا تماسكوا ولم يجهدوا جهد المجدبين الذين لا صدقة ببلادهم، أو لهم صدقة يسيرة لا تقع منهم موقعا، نقلت إلى المجدبين إذا كانوا يخاف عليهم الموت هزلا إن لم ينقل إليهم، كأنه يذهب أيضا إلى أن هذا المال مال من مال الله عزوجل قسمه لاهل السهمان لمعنى صلاح عباد الله فينظر إليهم الوالى فينقل هذه إلى هذه السهمان حيث كانوا على الاجتهاد، قربوا أو بعدوا، وأحسبه يقول: وتنقل سهمان أهل الصدقات إلى أهل الفئ إن جهدوا
__________
(1) وأفرض: بالبناء للمفعول، أي جعل له فرض أي عطية.
كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) إنما قسم الصدقات دلالات، وفى بعض النسخ: إنما الصدقات دلالات، بإسقاط لفظ " قسم " وانظر، وحرر العبارة، كتبه مصححه.(2/97)
وضاق الفئ عليهم، وينقل الفئ إلى أهل الصدقات إن جهدوا وضاقت الصدقات، على معنى إرادة صلاح عباد الله تعالى وإنما قلت بخلاف هذا القول، لان الله عزوجل جعل المال قسمين، أحدهما قسم الصدقات التى هي طهور قسمها لثمانية أصناف ووكدها وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تؤخذ من أغنياء قوم وترد على فقرائهم لا فقراء غيرهم ولغيرهم فقراء، فلم يجز عندي والله أعلم أن يكون فيها غير ما قلت من أن لا تنقل عن قوم إلى قوم وفيهم من يستحقها، ولا يخرج سهم ذى سهم منهم إلى غيره وهو يستحقه، وكيف يجوز أن يسمى الله عزوجل أصنافا فيكونوا موجودين معا فيعطى أحدهم سهمه وسهم غيره لو جاز هذا عندي جاز أن تجعل في سهم واحد فيمنع سبعة فرضا فرض لهم ويعطى واحد ما لم يفرض له، والذى يقول هذا القول لا يخالفنا في أن رجلا (1) ولو قال: أوصى لفلان وفلان وفلان وأوصى بثلث ماله لفلان وفلان وفلان كانت الارض أثلاثا بين
فلان وفلان، وفلان وكذلك الثلث، ولا مخالف علمته في أن رجلا لو قال ثلث مالى لفقراء بنى فلان وغارم بنى فلان رجل آخر وبنى سبيل بنى فلان رجل آخر أن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه وأن ليس لوصي ولا لوال أن يعطى أحد هؤلاء الثلث دون صاحبه، وكذلك لا يكون جميع المال للفقراء دون الغارمين ولا للغارمين دون بنى السبيل ولا صنف ممن سمى دون صنف منهم أفقر وأحوج من صنف ثم يعطيهموه دون غيرهم ممن سمى الموصى، لان الموصى أو المتصدق قد سمى أصنافا فلا يصرف مال صنف إلى غيره، ولا يترك من سمى له لمن لم يسم له معه، لان كلا ذو حق لما سمى له، فلا يصرف حق واحد إلى غيره ولا يصرف حقهم إلى غيرهم ممن لم يسم له فإذا كان هذا عندنا وعند قائل هذا القول فما أعطى الآدميون لا يجوز أن يمضى إلا على ما أعطوا، فعطاء الله عزوجل أحق أن يجوز وأن يمضى على ما أعطى، ولو جاز في أحد العطائين أن يصرف عمن أعطيه إلى من لم يعطه أو يصرف حق صنف أعطى إلى صنف أعطيه منهم كان في عطاء الآدميين أجوز ولكنه لا يجوز في واحد منهما، وإذا قسم الله عزوجل الفئ فقال " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول " الآية.
وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة للفارس من ذلك ثلاثة أسهم وللراجل سهم، فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الفارس ذا الغناء العظيم على الفارس الذى ليس مثله، ولم نعلم المسلمين إلا سووا بين الفارسين، حتى قالوا: لو كان فارس أعظم الناس غناء وآخر جبان سووا بينهما، وكذلك قالوا في الرجالة، أفرأيت لو عارضنا وإياهم معارض فقال، إذا جعلت أربعة أخماس الغنيمة لمن حضر، وإنما معنى الحضور للغناء عن المسلمين والنكاية في المشركين فلا أخرج الاربعة الاخماس لمن حضر ولكننى أحصى أهل الغناء ممن حضر، فأعطى الرجل سهم مائة رجل أو أقل إذا كان يغنى مثل غنائهم أو أكثر، وأترك الجبان وغير ذى النية الذى لم يغن فلا أعطيه أو أعطيه جزءا من مائة جزء من سهم رجل ذى غناء أو أكثر قليلا أو أقل بقدر غنائه هل الحجة عليه إلا أن يقال له: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما، فكان مخرج الخبر منه عاما، ولم نعلمه خص أهل الغناء، بل أعطى من حضر على الحضور والحرية
__________
(1) لو قال أوصى لفلان الخ كذا في جميع النسخ، ولعل في العبارة تحريفا من النساخ،
فتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.
(2) أو أقل: كذا في جميع النسخ، وانظر.
كتبه مصححه؟.(2/98)
والاسلام فقط، دون الغناء.
ومن خالفنا في قسم الصدقات لا يخالفنا في قسم ما أوجف عليه من الاربعة الاخماس.
فكيف جاز له أن يخالفنا في الصدقات وقد قسم الله عزوجل لهم أبين القسم فيعطى بعضا دون بعض؟ وإذا كان لا يجوز عندنا ولا عنده في الموجفين لو أوجفوا وهم أهل لا غناء لهم على أهل ضعف من المشركين لا غناء عندهم وكان بإزائهم أهل غناء يقاتلون عدوا أهل شوكة شديدة أن يعطوا مما أوجف عليه الضعفاء من المسلمين من الضعفاء من المشركين ولا يعطاه المسلمون ذوو الغناء الذين يقاتلون المشركين ذوى العدد والشوكة نظرا للاسلام وأهله حتى يعطى بالنظر ما أوجف عليه المسلمون الضعفاء على المشركين الضعفاء إلى المسلمين الاقوياء المقاتلين للشرك الاقوياء لان عليه مؤنة عظيمة في قتالهم وهم أعظم غناء عن المسلمين، ولكني أعطى كل موجف حقه، فكيف جاز أن تنقل صدقات قوم يحتاجون إليها إلى غيرهم إن كانوا أحوج منهم أو يشركهم معهم، أو ينقلها من صنف منهم إلى صنف، والصنف الذين نقلها عنهم يحتاجون إلى حقهم؟ أو رأيت لو قال قائل لقوم أهل يسر كثير أوجفوا على عدو: أنتم أغنياء فآخذ ما أوجفتم عليه فأقسمه على أهل الصدقات المحتاجين إذا كان عام سنة لان أهل الصدقات مسلمون من عيال الله تعالى، وهذا مال من مال الله تعالى، وأخاف إن حبست هذا عنهم وليس يحضرني مال غيره أن يضربهم ضررا شديدا، وأخذه منكم لا يضربكم هل تكون الحجة عليه إلا أن يقال له: من قسم له أحق بما قسم ممن لم يقسم له وإن كان من لم يقسم له أحوج، وهكذا ينبغى أن يقال في أهل الصدقات إنها بقسمة مقسومة لهم بينة القسم، أو رأيت لو قال قائل في أهل المواريث الذين قسم الله تعالى لهم أو الذين جاء أثر بالقسم لهم أو فيهما معا، إنما ورثوا بالقرابة والمصيبة بالميت، فإن كان منهم أحدا خيرا للميت في حياته ولتركته بعد وفاته وأفقر إلى ما ترك أوثر بميراثه، لان كلا ذو حق في حال هل تكون الحجة عليه إلا أن يقال لا نعدو ما قسم الله تبارك وتعالى فهكذا الحجة في قسم الصدقات (قال الشافعي) الحجة على من قال هذا القول أكثر من
هذا وفيه كفاية وليست في قول من قال هذا شبهة ينبغى عندي أن يذهب إليها ذاهب لانها عندي والله تعالى أعلم إبطال حق من جعل الله عزوجل له حقا وإباحة أن يأخذ الصدقات الوالى فينقلها إلى ذى قرابة له واحد أو صديق ببلد غير البلد الذى به الصدقات إذا كان من أهل السهمان (قال الشافعي) فاحتج محتج في نقل الصدقات بأن قال إن بعض من يقتدى به قال إن جعلت في صنف واحد أجزأ والذى قال هذا القول لا يكون قوله حجة تلزم وهو لو قال هذا لم يكن قال إن جعلت في صنف وأصناف موجودة، ونحن نقول كما قال إذا لم يوجد من الاصناف إلا صنف أجزأ أن توضع فيه، واحتج بأن قال إن طاوسا روى أن معاذ بن جبل قال لبعض أهل اليمن ائتونى بعرض ثياب آخذها منكم مكان الشعير والحنطة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة (قال الشافعي) صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل ذمة اليمن على دينار على كل واحد كل سنة فكان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ من الرجل دينار أو قيمته من (1) المعافر كان ذلك إذا لم يوجد الدينار فلعل معاذا لو أعسروا بالدينار أخذ منهم الشعير والحنطة لانه أكثر ما عندهم وإذا جاز أن يترك الدينار لغرض
__________
(1) المعافر: بفتح الميم: ثياب منسوبة إلى بلد أو قبيلة باليمن، قال الازهر: برد معافرى منسوب إلى معافر اليمن ثم صار اسما لها بغير نسبة فيقال: معافر اه.
كتبه مصححه.(2/99)
فلعله جاز عنده أن يأخذ منهم طعاما وغيره من العرض بقيمة الدنانير فأسرعوا إلى أن يعطوه من الطعام لكثرته عندهم يقول الثياب خير للمهاجرين بالمدينة وأهون عليكم لانه لا مؤنة كثيرة في المحمل للثياب إلى المدينة والثياب بها أغلى ثمنا، فإن قال قائل هذا تأويل لا يقبل إلا بدلالة عمن روى عنه فإنما قلناه بالدلائل عن معاذ وهو الذى رواه عنه هذا، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن معاذا قضى: " أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته " (قال الشافعي) فبين في قصة معاذ أن هذا في المسلمين خاصة وذلك أن العشر والصدقة لا تكون إلا للمسلمين (قال الشافعي) وإذا رأى معاذ في الرجل المأخوذ منه الصدقة ينتقل بنفسه وأهله عن مخلاف عشيرته أن تكون صدقته وعشره إلى مخلاف عشيرته وذلك ينتقل بصدقه ماله
الناض والماشية فيجعل معاذ صدقته وعشره لاهل مخلاف عشيرته لا لمن ينتقل إليه بقرابته دون أهل المخلاف الذى انتقل عنه وإن كان الاكثر أن مخلاف عشيرته لعشيرته، وإنما خلطهم غيرهم وكانت العشيرة أكثر، والآخر أنه رأى أن الصدقة إذا ثبتت لاهل مخلاف عشيرته لم تحول عنهم صدقته وعشره بتحوله وكانت لهم كما تثبت بدءا (قال الشافعي) وهذا يحتمل أن يكون عشره وصدقته التى هي بين ظهرانى مخلاف عشيرته لا تتحول عنهم دون الناض الذى يتحول، ومعاذ إذ حكم بهذا كان من أن ينقل صدقة المسلمين من أهل اليمن الذين هم أهل الصدقة إلى أهل المدينة الذين أكثرهم أهل الفئ أبعد، وفيما روينا من هذا عن معاذ ما يدل على قولنا: لا تنقل الصدقة من جيران المال المأخوذ منه الصدقة إلى غيرهم (قال الشافعي) وطاوس لو ثبت عن معاذ شئ لم يخالفه إن شاء الله تعالى، وطاوس يحلف ما يحل بيع الصدقات قبل أن تقبض ولا بعد ان تقبض ولو كان ما ذهب إليه من احتج علينا بأن معاذا باع الحنطة والشعير الذى يؤخذ من المسلمين بالثياب كان بيع الصدقة قبل أن تقبض ولكنه عندنا إنما قال ائتونى بعرض من الثياب، فإن قال قائل: كان عدى بن حاتم جاء أبا بكر بصدقات والزبرقان بن بدر وهما وإن جاءا بما فضل عن أهله ما فقد نقلاها إلى المدينة فيحتمل أن يكون بالمدينة أقرب الناس نسبا ودارا ممن يحتاج إلى سعة من مضر وطئ من اليمن ويحتمل ان يكون من حولهم إرتد فلم يكن لهم حق في الصدقة ويكون بالمدينة أهل حق هم أقرب من غيرهم ويحتمل أن يؤتى بها أبو بكر ثم يأمر بردها إلى غير أهل المدينة، وليس في ذلك عن أبى بكر خبر نصير إليه، فإن قال قائل: إنه بلغنا أن عمر كان يؤتى بنعم من نعم الصدقة (قال الشافعي) فبالمدينة صدقات النخل والزرع والناض والماشية وللمدنية ساكن من المهاجرين والانصار وحلفائهما وأشجع وجهينة ومزينة بها وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب، فعيال ساكن المدينة بالمدينة، وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد يكون عيال ساكن أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها ويكونون مجمعا لاهل السهمان كما تكون المياه والقرى مجمعا لاهل السهمان من العرب ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم دارا ونسبا وكان أقرب الناس بالمدينة دارا ونسبا فإن قال قائل: فإن عمر كان يحمل على إبل كثيرة إلى الشام والعراق، قيل له: ليست من نعم الصدقة والله أعلم وإنما هي من نعم الجزية لانه إنما يحمل على ما
يحتمل من الابل وأكثر فرائض الابل لا تحمل أحدا، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر كان يؤتى بنعم كثيرة من نعم الجزية، أخبرنا بعض أصحابنا عن محمد ابن عبد الله بن مالك الدار عن يحيى بن عبد الله بن مالك عن أبيه أنه سأله: أرأيت الابل التى كان يحمل عليها عمر الغزاة وعثمان بعده؟ قال أخبرني أبى أنها إبل الجزية التى كان يبعث بها معاوية وعمرو بن العاص، قلت وممن كانت تؤخذ؟(2/100)
قال: من أهل جزية أهل المدينة تؤخذ من بنى تغلب على وجهها فبيعت فيبتاع بها إبل (1) جلة فيبعث بها إلى عمر فيحمل عليها أخبرنا الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن أبى يحيى عن سعيد بن أبى هند قال بعث عبد الملك بعض الجماعة بعطاء أهل المدينة وكتب إلي والى اليمامة أن يحمل من اليمامة إلى المدينة ألف ألف درهم يتم بها عطاءهم فلما قدم المال إلى المدينة أبوا ان يأخذوه وقالوا أيطعمنا أوساخ الناس ومالا يصلح لنا أن نأخذه لا نأخذه أبدا، فبلغ ذلك عبد الملك فرده وقال: لا تزال في القوم بقية ما فعلوا هكذا، قلت لسعيد بن أبى هند؟ ومن كان يومئذ يتكلم: قال أولهم سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله في رجال كثيرة (قال الشافعي) وقولهم لا يصلح لنا أي لا يحل لنا أن نأخذ الصدقة ونحن أهل الفئ وليس لاهل الفئ في الصدقة حق (2) ومن أن ينقل عن قوم إلى قوم غيرهم (قال الشافعي) وإذا أخذت الماشية في الصدقة وسمت وأدخلت الحظير، ووسم الابل والبقر في أفخاذها والغنم في أصول آذانها وميسم الصدقة مكتوب لله عزوجل، وتوسم الابل التى تؤخذ في الجزية ميسما مخالف لميسم الصدقة فإن قال قائل: مادل على أن ميسم الصدقة مخالف لميسم الجزية؟ قيل فإن الصدقة أداها مالكها لله وكتبت لله عزوجل على أن مالكها أخرجها لله عزوجل وإبل الجزية أديت صغارا لا أجر لصاحبها فيها، أخبرنا مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر: إن في الظهر ناقة عمياء قال: " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة؟ " قال: بل من نعم الجزية وقال له: إن عليها ميسم الجزية وهذا يدل على فرق بين الميسمين أيضا وقال بعض الناس مثل قولنا أن كل ما أخذ من مسلم فسبيله سبيل الصدقات وقالوا سبيل الركاز سبيل الصدقات ورووا مثل ما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس (قال الشافعي) والمعادن
من الركاز (3) وفى كل ما أصيب من دفن الجاهلية مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب فهو ركاز ولو أصابه غنى أو فقير كان ركازا فيه الخمس (قال الشافعي) ثم عاد لما شدد فيه كله فأبطله فزعم أن الرجل إذا وجد ركازا فواسع فيما بينه وبين الله عزوجل أن يكتمه الوالى وللوالي أن يرده عليه بعد ما يأخذه منه ويدعه له (قال الشافعي) أو رأيت إذ زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في الركاز الخمس وزعم أن كل ما أخذ من مسلم قسم على قسم الصدقات فقد أبطل الحق بالسنة في أخذه وحق الله عز وجل في قسمه، والخمس إنما يجب عندنا وعنده في ماله لمساكين جعله الله عزوجل لهم فكيف جاز للوالى أن يترك حقا أوجبه الله عزوجل في ماله وذلك الحق لمن قسمه الله عزوجل له؟ أرأيت لو قال قائل: هذا في عشر الطعام أو زكاة الذهب أو زكاة التجارة أو غير ذلك مما يؤخذ من المسلمين ما الحجة
__________
(1) جلة: بكسر الجيم، وتشديد اللام، أي مسان كبيرة، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) قوله: ومن أن ينقل الخ كذا في جميع النسخ، ويظهر أن في الكلام سقطا، فانظر، وحرر.
كتبه مصححه.
(3) قوله: وفى كل ما أصيب.
كذا في النسخ، ولعل لفظ " في " مزيد من الناسخ.
كتبه مصححه.(2/101)
عليه؟ أليس أن يقال إن الذى عليك في مالك إنما هو شئ وجب لغيرك فلا يحل للسلطان تركه لك ولا لك حبسه إن تركه لك السلطان عمن جعله الله تبارك وتعالى له؟ (قال الشافعي) ولست أعلم من قال هذا في الركاز ولو جاز هذا في الركاز في جميع من وجب عليه حق في ماله أن يحبسه وللسلطان أن يدعه له فيبطل حق من قسم الله عزوجل له من أهل السهمان الثمانية فقال: إنا روينا عن الشعبي ان رجلا وجد اربعة آلاف أو خمسة آلاف فقال على بن أبى طالب رضى الله عنه " لاقضين فيها قضاء بينا، أما أربعة أخماس فلك وخمس للمسلمين " ثم قال: " والخمس مردود عليك " (قال الشافعي) وهذا الحديث ينقض بعضه بعضا إذا زعم أن عليا قال وخمس للمسلمين
فكيف يجوز أن يكون الوالى يرى للمسلمين في مال رجل شيئا ثم يرده عليه أو يدعه له والواجب على الوالى أن لو منع رجل من المسلمين شيئا لهم في ماله أن يجاهده عليه (قال الشافعي) وهذا عن على مستنكر وقد روى عن على بإسناد موصول أنه قال " أربعة أخماس لك واقسم الخمس على فقراء أهلك " وهذا الحديث أشبه بعلى لعل عليا علمه أمينا وعلم في أهله فقراء من أهل السهمان فأمره أن يقسمه فيهم (قال الشافعي) وهم مخالفون ما روى عن الشعبى من وجهين أحدهما أنهم يزعمون أن من كانت له مائتا درهم فليس للوالى أن يعطيه ولا له أن يأخذ شيئا من السهمان المقسومة بين من سمى الله عزوجل ولا من الصدقة تطوعا والذى زعموا أن عليا ترك له خمس ركازه وهذا رجل له أربعة آلاف درهم ولعله أن يكون له مال سواها ويزعمون أن الوالى إذا أخذ منه واجبا في ماله لم يكن للوالى أن يعود بما أخذ منه عليه ولا على أحد ويزعمون أن لووليها هو دون الوالى لم يكن له حبسها ولا دفعها إلى أحد يعوله (قال الشافعي) والذى روى عن على رضى الله تعالى عنه إعادتها عليه بعد أن أخذها منه أو تركها له قبل أن يأخذها منه وهذا إبطالها بكل وجه وخلاف ما يقولون وإذا صار له ان يكتمها وللوالي أن يردها عليه فليست بواجبة عليه وتركها لا تؤخذ منه وأخذها سواء وقد أبطل بهذا القول السنة في أن في الركاز الخمس وأبطل به حق من قسم الله عزوجل له من أهل السهمان الثمانية، فإن قال لا يصلح هذا إلا في الركاز قيل فإذا قال قائل فإذا صلح في الركاز وهو من الصدقات صلح في كلها ولو جاز لك أن تخص بعضها دون بعض قلت يصلح في العشور وصدقات الماشية وقال غيرى وغيرك يصلح في صدقة الرقة ولا يصلح في هذا فإن قال فإنما هو خمس وكذلك الحق فيه كما الحق في الزرع العشر وفى الرقة ربع العشر وفى الماشية مختلفة وهى مخالفة كل هذا وإنما يؤخذ من كل بقدر ما جعل فيه ويقسم كل حيث قسم الصدقات (قال الشافعي) ثم خالفنا بعض الناس فيما يعطى من الصدقات فقال لا يأخذها منها أحد له مال تجب فيه الزكاة ولا يعطى منها أحد مائتي درهم ولا شئ تجب فيه الزكاة (قال الشافعي) وإذا كان الرجل لا يكون له مائتا درهم ولا شئ تجب فيه الزكاة فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا إذا لم يكن محتاجا بضعف حرفة أو كثرة عيال وكان الرجل يكون له أكثر منها فيكون محتاجا بضعف الحرفة أو بغلبة العيال فكانت الحاجة إنما هي ما عرف الناس
على قدر حال الطالب للزكاة وماله لا على قدر المال فقط فكيف إذا كان الرجل له مائة من العيال ومائتا درهم لا يعطى وهذا المحتاج البين الحاجة وآخر إن لم يكن له مائتا درهم ولا عيال له وليس بالغنى أعطى والناس يعلمون أن هذا الذى أمر بإعطائه أقرب من الغنى والذى نهى عن إعطائه أبعد من الغنى ولم إذا كان الغارم يعطى ما يخرجه من الغرم لا يعطى الفقير ما يخرجه من الفقر وهو أن يقول(2/102)
إن أخرجه من الفقر إلى الغنى مائة درهم أو أقل لم يزد عليها فلم إذا لم يخرجه من الفقر إلى الغنى إلا مائتا درهم لا يعطاها وهو يوم يعطاها لا زكاة عليه فيها إنما الزكاة عليه فيها إذا حال عليها حول من يوم ملكها.
(كتاب الصيام الصغير (1)) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الشهر تسع وعشرون لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول، فإن لم تر العامة هلال شهر رمضان ورآه رجل عدل رأيت أن أقبله للاثر والاحتياط (قال الشافعي) أخبرنا الدراوردى عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين أن رجلا شهد عند على رضى الله تعالى عنه على رؤية هلال رمضان فصام وأحسبه قال وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان.
(قال الشافعي) بعد لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان (قال الشافعي) وقد قال بعض أصحابنا لا أقبل عليه إلا شاهدين وهذا القياس على كل معيب استدل عليه ببينة وقال بعضهم جماعة (قال الشافعي) ولا أقبل على رؤية هلال الفطر إلا شاهدين عدلين وأكثر فإن صام الناس بشهادة واحدة أو اثنين أكملوا العدة ثلاثين إلا أن يروا الهلال أو تقوم بينة برؤيته فيفطروا وإن غم الشهران معا فصاموا ثلاثين فجاءتهم بينة بأن شعبان رئى قبل صومهم بيوم قضوا يوما لانهم تركوا يوما من رمضان وإن غما فجاءتهم البينة بأنهم صاموا يوم الفطر أفطروا أي ساعة جاءتهم البينة فإن جاءتهم البينة قبل الزوال صلوا صلاة العيد وإن كان بعد الزوال لم يصلوا صلاة العيد وهذا قول من
أحفظ عنه من أصحابنا (قال الشافعي) فخالفه في هذا بعض الناس فقال فيه قبل الزوال قولنا وقال بعد الزوال يخرج بهم الامام من الغد ولا يصلى بهم في يومهم ذلك (قال الشافعي) فقيل لبعض من يحتج بهذا القول: إذا كانت صلاة العبد عندنا وعندك سنة لا تقضى إن تركت وغمك وقت فكيف أمرت بها أن تعمل في غيره وأنت إذا مضى الوقت تعمل في وقت لم تؤمر بأن تعمل، مثل المزدلفة إذا مرت ليلتها لم تؤمر بالمبيت فيها والجمار إذا مضت أيامها لم تؤمر برميها وأمرت بالفدية فيما فيه فدية من ذلك ومثل الرمل إذا مضت الاطواف الثلاثة فلا ينبغى أن تأمر به في الاربعة البواقى لانه مضى وقته وليس منه بدل بكفارة وإذا أمرت بالعيد في غير وقته فكيف لم تأمر به بعد الظهر من يومه والصلاة تحل في يومه؟ وأمرت بها من الغد ويوم الفطر أقرب من وقت الفطر من غده؟ (قال) فإنها من غد تصلى في مثل وقته، قيل له: أو ليس تقول في كل ما فات مما يقضى من المكتوبات يقضى إذا ذكر فكيف
__________
(1) ثبت في جميع النسخ التى بيدنا الوصف بالصغير وهو يفيد أن هناك كتابا كبيرا للصيام ولم نجده في الام بعد البحث والتفتيش ولو وجدناه في غير هذا الموضع أو شيئا منه وضعناه حيث وجدناه إن شاء الله.
كتبه مصححه.(2/103)
خالفت بين هذا وبين ذلك؟ فإن كانت علتك الوقت فما تقول فيه إن تركته من غده أتصليه بعد غده في ذلك الوقت؟ قال: لا.
قيل فقد تركت علتك في أن تصلى في مثل ذلك الوقت فما حجتك فيه؟ قال روينا فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: قد سمعناه ولكنه ليس مما يثبت عندنا والله أعلم، وأنت تضعف ما هو أقوى منه: وإذا زعمت أنه ثابت فكيف يقضى في غده (1) ولم تنهه أن يقضى بعده فينبغي أن تقول يقضى بعد أيام وإن طالت الايام (قال الشافعي) وأنا أحب أن أذكر فيه شيئا وإن لم يكن ثابتا وكان يجوز أن يفعل تطوعا أن يفعل من الغد وبعد الغد إن لم يفعل من الغد لانه تطوع وان يفعل المرء ما ليس عليه أحب إلى من أن يدع ما عليه وان لم يكن الحديث ثابتا فإذا كان يجوز أن يفعل بالتطوع فهذا خير أراده الله به أرجو أن يأجره الله عليه بالنية في عمله.
(قال الشافعي) بعد لا يصلى إذا زالت الشمس من يوم الفطر (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن الهلال رئى في زمن
عثمان بن عفان بعشى فلم يفطر عثمان حتى غابت الشمس (قال الشافعي) وهكذا نقول إذا لم ير الهلال ولم يشهد عليه أنه رئى ليلا لم يفطر الناس برؤية الهلال في النهار كان ذلك قبل الزوال أو بعده، وهو والله أعلم هلال الليلة التى تستقبل وقال بعض الناس فيه إذا رئى بعد الزوال قولنا وإذا رئى قبل الزوال أفطروا وقالوا إنما اتبعنا فيه أثرا رويناه وليس بقياس، فقلنا: الاثر أحق أن يتبع من القياس، فإن كان ثابتا فهو أولى أن يؤخذ به (قال الشافعي) إذا رأى الرجل هلال رمضان وحده يصوم لا يسعه غير ذلك، وإن رأى هلال شوال فيفطر إلا أن يدخله شك أو يخاف أن يتهم على الاستخفاف بالصوم.
(باب الدخول في الصيام والخلاف عليه) (قال الشافعي) رحمه الله فقال بعض أصحابنا لا يجزى صوم رمضان إلا بنية كما لا تجزى الصلاة إلا بنية واحتج فيه بأن ابن عمر قال: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر (قال الشافعي) وهكذا أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر (قال الشافعي) فكان هذا والله أعلم على شهر رمضان خاصة وعلى ما أوجب المرء على نفسه من نذر أو وجب عليه من صوم فأما التطوع فلا بأس أن ينوى الصوم قبل الزوال ما لم يأكل ولم يشرب، فخالف في هذا القول بعض الناس فقال معنى قول ابن عمر هذا على النافلة فلا يجوز في النافلة من الصوم ويجوز في شهر رمضان وخالف في هذا الآثار (قال الشافعي) وقيل لقائل: هذا القول لم زعمت أن صوم رمضان يجزى بغير نية ولا يجزى صوم النذر ولا صوم الكفارات إلا بنية وكذلك عندك لا تجزى الصلاة المكتوبة ولا نذر الصلاة ولا التيمم إلا بنية؟ (قال) لان صوم النذر والكفارات بغير وقت متى عمله أجزأ عنه (2) والصلاة والنية للتيمم بوقت،
__________
(1) قوله: ولم تنهه، كذا في جميع النسخ، ولعله محرف من النساخ.
ووجهه " ولم تنهاه " بصيغة الاستفهام، لان المقام يقتضيه لا النفى، فتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: والصلاة والنية للتيمم بوقت، كذا في النسخ، والظاهر أن في العبارة تحريفا وسقطا، فتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.(2/104)
قيل له: ما تقول فيمن قال لله على أن أصوم شهرا من هذه السنة فأمهل حتى إذا كان آخر شهر منها
فصامه لا ينوى به النذر؟ قال لا يجزئه قيل: قد وقت السنة ولم يبق منها إلا هذا الشهر فصار إن لم يصمه يخرج من الوقت وقيل له ما تقول: إن ترك الظهر حتى لا يبقى عليه من وقتها إلا ما يكملها فيه ثم صلى أربعا كفرض الصلاة لا ينوى الظهر؟ قال لا يجزئه لانه لم ينو الظهر قال الشافعي: لا أعلم بين رمضان وبين هذا فرقا وقد اعتل بالوقت فأوجدنا الوقت في المكتوبة محدودا ومحصورا يفوت إن ترك العمل فيه فأوجدناه ذلك في النذر ثم أوجدناه في الوقتين المحصورين كلاهما عملا كعمل المكتوبة وعمل النذر وليس في الوقتين فضل للمكتوبة والنذر لانه لم يبق للمكتوبة والنذر موضع إلا هذا الوقت الذي عملهما فيه لانه عملهما في آخر الوقت فزعم انهما لا يجزيان إذا لم ينو.
بهما المكتوبة والنذر، فلو كانت العلة أن الوقت محصور، انبغى أن يزعم ههنا أن المكتوبة والنذر يجزيان إذا كان وقتهما محصورا كما يجزى رمضان إذا كان وقته محصورا.
(باب صوم رمضان) (قال الشافعي) رحمه الله فمن قال: لا يجزى رمضان إلا بنية فلو اشتبهت عليه الشهور وهو أسير فصام شهر رمضان ينوى به التطوع لم يجزه وكان عليه أن يأتي بالبدل منه ومن قال يجزى بغير نية فقد أجزأ عنه غير أن قائل هذا القول قد أخطأ قوله عندي والله أعلم فزعم أن رجلا لو أصبح يرى أنه يوم من شعبان فلم يأكل ولم يشرب ولم ينو الافطار فعلم أنه من رمضان قبل نصف النهار فأمسك عن الطعام أجزأ عنه من شهر رمضان، وهذا يشبه قوله الاول، ثم قال: وإن علم بعد نصف النهار فأمسك ونوى الصيام لم يجزه وكان عليه أن يأتي بيوم مكانه وهذا خلاف قوله الاول (قال الشافعي) وإنما قال ذلك فيما علمت بالرأى وكذلك قال فيه أصحابنا والله أعلم بالرأى فيما علمت، ولكن معهم قياس، فصح فيه لمن خالفه قول أصحابنا والله أعلم وهذا فيما أرى أحسن وأولى أن يقال به إذا كان قياسا.
(باب ما يفطر الصائم والسحور والخلاف فيه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الوقت الذى يحرم فيه الطعام على الصائم حين يتبين الفجر الآخر معترضا في الافق (قال الشافعي) وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تغيب الشمس وكذلك قال الله عزوجل " ثم أتموا الصيام إلى الليل " (قال الشافعي) فإن أكل فيما بين هذين الوقتين أو
شرب عامدا للاكل والشرب ذاكرا للصوم فعليه القضاء (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أفطر في رمضان في يوم ذى غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس فقال عمر " الخطيب يسير " (قال الشافعي) كأنه يريد بذلك والله أعلم قضاء يوم مكانه (قال الشافعي) وأستحب التأني بالسحور ما لم يكن في وقت مقارب يخاف أن يكون الفجر طلع فإنى أحب قطعه في ذلك الوقت، فإن طلع الفجر وفى فيه شئ قد أدخله ومضغه، لفظه.
لان إدخاله فاه لا يصنع شيئا إنما يفطر بإدخاله جوفه، فإن ازدرده بعد الفجر، قضى يوما مكانه، والذى لا يقضى فيه من ذلك(2/105)
الشئ يبقى بين أسنانه في بعض فيه مما يدخله الريق لا يمتنع منه، فإن ذلك عندي خفيف فلا يقضى، فأما كل ما عد إدخاله مما يقدر على لفظه فيفطره عندي والله أعلم (وقال بعد) نفطره بما بين أسنانه، إذا كان يقدر على طرحه (قال الربيع) إلا أن يغلبه ولا يقدر على دفعه فيكون مكرها فلا شئ عليه وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) وأحب تعجيل الفطر وترك تأخيره وإنما أكره تأخيره إذا عمد ذلك كأنه يرى الفضل فيه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى حازم بن دينار عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم يؤخروه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب حين ينظران الليل (1) أسود ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان (قال الشافعي) كأنهما يريان تأخير ذلك واسعا لا أنهما يعمدان الفضل لتركه بعد أن أبيح لهما وصارا مفطرين بغير أكل ولا شرب لان الصوم لا يصلح في الليل ولا يكون به صاحبه صائما وإن نواه (قال الشافعي) فقال بعض أصحابنا: لا بأس أن يحتجم الصائم ولا يفطره ذلك (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه لم ير أباه قط احتجم وهو صائم (قال الشافعي) وهذا فتيا كثير ممن لقيت من الفقهاء وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أفطر الحاجم والمحجوم " وروى عنه أنه احتجم صائما (قال
الشافعي) ولا أعلم واحدا منهما ثابتا ولو ثبت واحد منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به فكانت الحجة في قوله ولو ترك رجل الحجامة صائما للتوقى كان أحب إلى، ولو احتجم لم أره يفطره (قال الشافعي) من تقيأ وهو صائم وجب عليه القضاء ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه، وبهذا أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر (قال الشافعي) ومن أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه ولا قضاء عليه وكذلك بلغنا عن أبى هريرة وقد قيل: إن أبا هريرة قد رفعه من حديث رجل ليس بحافظ (قال الشافعي) وقد قال بعض أصحابنا يقضى ولسنا نأخذ بقوله وقال بعض الناس بمثل قولنا لا يقضى والحجة عليهم في الكلام في الصلاة ساهيا وتفريقه بين العمد والنسيان في الصوم حجة عليهم في الصلاة بل الكلام في الصلاة ناسيا أثبت وأولى لانه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف فرق بين العمد والنسيان في الصوم؟ وإنما فرق بينهما بأن أبا هريرة لم ير على من أكل ناسيا لصومه قضاء فرأى أبى هريرة حجة فرق بها بين العمد والنسيان وهو عندنا حجة ثم ترك رواية أبى هريرة وابن عمر وعمران بن حصين وطلحة بن عبيد الله وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ذى اليدين وفيه ما دل على الفرق بين العمد والنسيان في الصلاة فهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب مما جاء عن غيره فترك الاوجب والاثبت وأخذ بالذى هو أضعف عنده وعاب غيره إذ زعم أن العمد في الصوم والنسيان سواء ثم قال بما عاب في الصلاة فزعم أن العمد والنسيان سواء ثم لم يقم بذلك (قال الشافعي) من احتلم في رمضان اغتسل ولم يقض وكذلك من أصاب أهله ثم طلع الفجر قبل أن يغتسل اغتسل ثم أتم صومه (قال الشافعي) وإن طلع الفجر وهو مجامع فأخرجه من ساعته أتم صومه لانه لا يقدر على الخروج من الجماع إلا بهذا وإن ثبت شيئا آخر أو
__________
(1) قوله: أسود، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر " الاسود " ومثله في المسند، وكلاهما صحيح، والمدار على الرواية.
كتبه مصححه.(2/106)
حركه لغير إخراج وقد بان له الفجر كفر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن معمر عن أبى يونس مولى عائشة عن عائشة رضى الله عنها أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهى تسمع: إنى أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل ثم أصوم ذلك اليوم " فقال الرجل: إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله " إنى لارجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى " (قال الشافعي) وقد جاء هذا من غير هذا الوجه وهو قول العامة عندنا وفى أكثر البلدان، فإن ذهب ذاهب إلى أنه جنب من جماع في رمضان فإن الجماع كان وهو مباح والجنابة باقية بمعنى متقدم والغسل ليس من الصوم بسبيل وإن وجب بالجماع فهو غير الجماع (قال الشافعي) وهذا حجة لنا على من قال في المطلقة لزوجها عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وقد قال الله تبارك وتعالى " ثلاثة قروء " والقرء عنده الحيضة فما بال الغسل؟! وإن وجب بالحيض فهو غير الحيض فلو كان حكمه إذا وجب به حكم الحيض كان حكم الغسل إذا وجب بالجماع حكم الجماع فأفطر وكفر من أصبح جنبا (قال الشافعي) فإن قال: فقد روى فيه شئ فهذا أثبت من تلك الرواية لعل تلك الرواية كانت بأن سمع صاحبها من أصبح جنبا أفطر على معنى إذا كان الجماع بعد الفجر أو عمل فيه بعد الفجر كما وصفنا (قال الشافعي) ومن حركت القبلة شهوته كرهتها له وإن فعلها لم ينقض صومه ومن لم تحرك شهوته فلا بأس له بالقبلة، وملك النفس في الحالين عنها أفضل لانه منع شهوة يرجى من الله تعالى ثوابها (قال الشافعي) وإنما قلنا لا ينقض صومه لان القبلة لو كانت تنقض صومه لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرخص ابن عباس وغيره فيها كما لا يرخصون فيما يفطر ولا ينظرون في ذلك إلى شهوة فعلها الصائم لها ولا غير شهوة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم تضحك (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن عائشة كانت إذا ذكرت ذلك قالت " وأيكم أملك لاربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال لم أر القبلة تدعو إلى خير (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب (قال الشافعي) وهذا عندي والله أعلم على ما وصفت، ليس اختلافا منهم، ولكن على الاحتياط، لئلا يشتهى فيجامع، وبقدر ما يرى من السائل أو يظن به.
(باب الجماع في رمضان والخلاف فيه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رجلا أفطر في شهر رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا قال إنى لا أجد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال " خذ هذا فتصدق به " فقال يا رسول الله ما أجد أحدا أحوج منى، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال " كله " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ينتف شعره ويضرب نحره ويقول هلك الابعد(2/107)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وما ذاك؟ " قال: أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ " قال: لا، قال " فهل تستطيع أن تهدى بدنة؟ " قال: لا، قال " فاجلس " فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال: " خذ هذا فتصدق به " فقال " ما أجد أحدا أحوج منى " قال " فكله وصم يوما مكان ما أصبت " قال عطاء فسألت سعيدا كم في ذلك العرق؟ قال: ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين (قال الشافعي) وفى حديث غير هذا " فأطعمه أهلك " (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ يعتق فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين فإن لم يقدر أطعم ستين مسكينا (قال الشافعي) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كله وأطعمه أهلك " يحتمل معاني، منها أنه لما كان في الوقت الذى أصاب أهله فيه ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بأن قال له في شئ أتى به: كفر به، فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال " كله وأطعمه أهلك " (1) وجعل له التمليك حينئذ ويحتمل أن يكون ملكه فلما ملكه وهو محتاج كان إنما يكون عليه الكفارة إذا كان عنده فضل فلم يكن عنده فضل فكان له أكله هو وأهله، ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أو شيئا منها وإن كان ذلك ليس في الخبر وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط، ويحتمل أن كان لا يقدر على شئ من الكفارات فكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يضعه عليه وعلى أهله إن كانوا محتاجين (2) ويجزى عنهم
ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر في حاله تلك على الكفارة أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما تسقط الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم، ويحتمل إذا كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل ان يكون الصيام مع الكفارة ولكل وجهة (قال) وأحب أن يكفر متى قدر وان يصوم مع الكفارة (قال الشافعي) وفي الحديث ما يبين ان الكفارة مد (3) لا مدين (قال الشافعي) وقال بعض الناس مدين وهذا خلاف الحديث والله أعلم (قال الشافعي) (4) وإن جامع يوما فكفر ثم جامع يوما فكفر وكذلك إن لم يكفر فلكل يوم كفارة لان فرض كل يوم غير فرض الماضي (قال الشافعي) وقال بعض الناس: إن كفر ثم عاد بعد الكفارة كفر، وإن لم يكفر حتى يعود فكفارة واحدة ورمضان كله واحد (قال الشافعي) فقيل لقائل هذا القول ليس في هذا خبر بما قلت والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلا مرة بكفارة وفى ذلك ما دل عندنا والله أعلم على أنه لو جامع يوما آخر أمر بكفارة لان كل يوم مفروض عليه فإلى أي شئ ذهبت؟ قال: ألا ترى أنه لو جامع في الحج مرارا كانت عليه كفارة واحدة؟ قلنا: وأى شئ الحج من الصوم؟ الحج شريعة، والصوم أخرى، قد يباح في الحج الاكل والشرب ويحرم في الصوم ويباح في الصوم اللبس والصيد والطيب ويحرم في الحج (قال الشافعي) والحج إحرام واحد ولا يخرج أحد منه إلا بكماله وكل يوم من شهر رمضان كماله بنفسه
__________
(1) قوله: وجعل له التمليك حينئذ، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر زيادة " مع القبض على التمليك " فانظر.
(2) قوله: ويجزى عنهم، كذا في النسخ بضمير الجمع.
(3) قوله: لا مدين، كذا في النسخ بالياء والنون، وانظر + (4) قوله: وإن جامع الخ، كذا في النسخ، ولعل في التركيب تحريفا من الناسخ.
كتبه مصححه.(2/108)
ونقصه فيه، ألا ترى أنه يصوم اليوم من شهر رمضان ثم يفطر وقد كمل اليوم وخرج من صومه ثم يدخل في آخر فلو أفسده لم يفسد الذى قبله والحج متى أفسد عندهم قبل الزوال من يوم عرفة فسد
كله، وإن كان قد مضى كثير من عمله، مع أن هذا القول خطأ من غير وجه، الذى يقيسه بالحج يزعم أن المجامع في الحج تختلف أحكامه فيكون عليه شاة قبل عرفة ويفسد حجه، وبدنة إذا جامع بعد الزوال ولا يفسد حجه وهذا عنده في الصوم لا يختلف في أول النهار وآخره إنما عليه رقبة فيهما ويفسد صومه فيفرق بينهما في كل واحدة منهما ويفرق بينهما في الكفارتين (5) ويزعم أنه جامع يوما ثم كفر ثم جامع يوما آخر ثم كفر وهو لو كفر عنده في الحج عن الجماع ثم عاد لجماع آخر لم يعد الكفارة فإذا قيل له: لم ذلك؟ قال الحج واحد وأيام رمضان متفرقة، قلت: فكيف تقيس أحدهما بالآخر وهو يجامع في الحج فيفسده ثم يكون عليه أن يعمل عمل الحج وهو فاسد وليس هكذا الصوم ولا الصلاة؟ (قال الشافعي) فإن قال قائل منهم فأقيسه بالكفارة قلنا: هو من الكفارة أبعد، الحانث يحنث غير عامد للحنث فيكفر ويحنث عامدا فلا يكفر عندك (1) وأنت إذا جامع عامدا كفر وإذا جامع غير عامد لم يكفر فكيف قسته بالكفارة والمكفر لا يفسد عملا يخرج منه ولا يعمل بعد الفساد شيئا يقضيه إنما يخرج به عندك من كذبة حلف عليها وهذا يخرج من صوم ويعود في مثل الذى خرج منه (قال الشافعي) ولو جامع صبية لم تبلغ أو أتى بهيمة فكفارة واحدة ولو جامع بالغة كانت كفارة لا يزاد عليها على الرجل، وإذا كفر أجزأ عنه وعن امرأته وكذلك في الحج والعمرة وبهذا مضت السنة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل تكفر المرأة وأنه لم يقل في الخبر في الذى جامع في الحج تكفر المرأة (قال الشافعي) فإن قال قائل: فما بال الحد عليها في الجماع ولا تكون الكفارة عليها؟ قيل الحد لا يشبه الكفارة، ألا ترى أن الحد يختلف في الحر والعبد والثيب والبكر ولا يختلف الجماع عامدا في رمضان مع افتراقهما في غير ذلك فإن مذهبنا وما ندعى إذا فرقت الاخبار بين الشئ أن يفرق بينه كما فرقت (قال الشافعي) وإن جامع في قضاء رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أفسد صومه ولا كفارة عليه ولكن يقضى يوما مكان يومه الذى جامع فيه (قال الشافعي) وهكذا قال بعض الناس وهذا كان عندنا أولى أن يكفر لان البدل في رمضان يقوم مقامه فإذا اقتصر بالكفارة على رمضان لانها جاءت فيه في الجماع ولم يقس عليه البدل منه فكيف قاس عليه الطعام والشراب ولم تأت فيه كفارة؟ (قال الشافعي) وإن جامع ناسيا لصومه لم يكفر وإن جامع على شبهة مثل أن يأكل ناسيا فيحسب أنه قد أفطر
فيجامع على هذه الشبهة فلا كفارة عليه في مثل هذا (قال الشافعي) وهذا أيضا من الحجة عليهم في السهو في الصلاة إذ زعموا أن من جامع على شبهة سقطت عنه الكفارة فمن تكلم وهو يرى أن الكلام في الصلاة كان له مباحا أولى أن يسقط عنه فساد صلاته (قال الشافعي) وإن نظر فأنزل، من غير لمس ولا تلذذ بها فصومه تام لا تجب الكفارة في رمضان إلا بما يجب به الحد أن يلتقى الختانان، فأما
__________
(5) قوله: ويزعم أنه لو جامع يوما ثم كفر الخ، كذا في النسخ، ولعل " ثم " في الجملتين زائدة من النساخ، فتأمل.
كتبه مصححه.
(1) قوله: وأنت إذا جامع الخ هكذا في النسخ، ولعل هنا سقطا.
والاصل " وأنت تقول إذا جامع الخ " كتبه مصححه.(2/109)
ما دون ذلك فإنه لا يجب به الكفارة، ولا تجب الكفارة في فطر في غير جماع ولا طعام ولا شراب ولا غيره، وقال بعض الناس: تجب إن أكل أو شرب كما تجب بالجماع (قال الشافعي) فقيل لمن يقول هذا القول السنة جاءت في المجامع، فمن قال لكم في الطعام والشراب؟ قال قلناه قياسا على الجماع فقلنا: أو يشبه الاكل والشرب الجماع فتقيسهما عليه؟ قال: نعم.
في وجه من انهما محرمان يفطران فقيل لهم فكل ما وجدتموه محرما في الصوم يفطر قضيتم فيه بالكفارة؟ قال نعم.
قيل فما تقول فيمن أكل طيبا أو دواء؟ قال لا كفارة عليه قلنا ولم؟ قال هذا لا يغذو الجسد قلنا إنما قست هذا بالجماع لانه محرم يفطر وهذا عندنا وعندك محرم يفطر قال هذا لا يغذو الجسد، قلنا وما أدراك أن هذا لا يغذو البدن وأنت تقول إن ازدرد من الفاكهة شيئا صحيحا فطره ولم يكفر وقد يغذو هذا البدن فيما نرى وقلنا قد صرت من الفقه إلى الطب فإن كنت صرت إلى قياس ما يغذو فالجماع يقص البدن وهو إخراج شئ ينقص البدن وليس بإدخال شئ فكيف قسته بما يزيد في البدن والجماع ينقصه؟ وما يشبعه والجماع يجيع؟ فكيف زعمت أن الحقنة والسعوط يفطران وهما لا يغذوان؟ وإن اعتلك بالغذاء ولا كفارة فيهما عندك كان يلزمك أن تنظر كل ما حكمت له بحكم الفطر أن تحكم فيه بالكفارة إن أردت القياس (قال الشافعي) قال منهم قائل إن هذا ليلزمنا كله ولكن لم لم تقسه بالجماع؟ فقلت له: أخبرنا مالك بن أنس
عن نافع ابن عمر أنه قال " من ذرعه القئ فلا قضاء عليه ومن استقاء عامدا فعليه القضاء " (قال الشافعي) وهكذا نقول نحن وأنتم فقد وجدنا رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرى على رجل إن أفطر من أمر عمده القضاء ولا يرى عليه الكفارة فيه وبهذا قلت: لا كفارة إلا في جماع ورأيت الجماع لا يشبه شيئا سواه رأيت حده مباينا لحدود سواه ورأيت من رأيت من الفقهاء مجتمعين على أن المحرم إذا أصاب اهله افسد حجه ومضى فيه وجاء بالبدل منه وقد يحرم عليه في الحج الصيد والطيب واللبس فأى ذلك فعله لم يفسد حجه غير الجماع ورأيت من جامع وجب عليه الغسل وليس كذلك من صنع ما هو أقذر منه، فبهذا فرقنا بين الجماع وغيره (قال الشافعي) إن تلذذ بامرأته حتى ينزل أفسد صومه وكان عليه قضاؤه وما تلذذ به دون ذلك كرهته ولا يفسد والله أعلم، وإن أتى امرأته في دبرها فغيبه أو بهيمة أو تلوط أفسد وكفر مع الاثم بالله في المحرم الذى أتى مع إفساد الصوم، وقال بعض الناس في هذا كله لا كفارة عليه ولا يعيد صوما إلا أن ينزل فيقضى ولا يكفر (قال الشافعي) فخالفه بعض أصحابه في اللوطى ومن أتى امرأته في دبرها فقال يفسد وقال هذا جماع وإن كان غير وجه الجماع المباح ووافقه في الآتى للبهيمة قال وكل جماع، غير أن في هذا معصية لله عزوجل من وجهين فلو كان أحدهما يزاد عليه زيد على الآتى ما حرم الله من وجهين (قال الشافعي) ولا يفسد الكحل وإن تنخمه فالنخامة تجئ من الرأس باستنزاله والعين متصلة بالرأس ولا يصل إلى الرأس والجوف علمي ولا أعلم أحد اكره الكحل على أنه يفطر (قال الشافعي) ولا أكره الدهن وإن استنقع فيه أو في ماء فلا بأس وأكره العلك أنه يجلب الريق وإن مضغه فلا يفطره وبذلك إن تمضمض واستنشق (1) ولا يستبلغ في الاستنشاق لئلا يذهب في رأسه وإن ذهب في رأسه لم يفطره فإن استيقن أنه قد وصل إلى الرأس
__________
(1) قوله: ولا يستبلغ، كذا في النسخ التى بيدنا، والمعروف المشهور، يبالغ، ولم نجد في كتب اللغة " استبلغ " فلعل هنا تحريفا من النساخ.
كتبه مصححه.(2/110)
أو الجوف من المضمضة وهو عامد ذاكر لصومه فطره (قال الربيع) وقد قال الشافعي مرة لا شئ عليه (قال الربيع) وهو أحب إلى وذلك أنه مغلوب (قال الشافعي) ولا أكره السواك بالعود الرطب واليابس
وغيره بكره وأكرهه بالعشى لما أحب من خلوف فم الصائم وإن فعل لم يفطره وما داوى به قرحه من رطب أو يابس فخلص إلى جوفه فطره إذا داوى وهو ذاكر لصومه عامد لادخاله في جوفه وقال بعض الناس يفطره الرطب ولا يفطره اليابس (قال الشافعي) فإن كان أنزل الدواء إذا وصل إلى الجوف بمنزلة المأكول أو المشروب فالرطب واليابس من المأكول عندهم سواء وإن كان لا ينزله إذا لم يكن من سبيل الاكل ولا الشرب بمنزلة واحد منهما فينبغي أن يقول لا يفطران فأما أن يقول يفطر أحدهما ولا يفطر الآخر فهذا خطأ (قال الشافعي) وأحب له أن ينزه صيامه عن اللغط والمشاتمة وإن شوتم أن يقول: أنا صائم، وإن شاتم لم يفطره (قال الشافعي) وإن قدم مسافر في بعض اليوم وقد كان فيه مفطرا وكانت امرأته حائضا فطهرت فجامعها لم أر بأسا وكذلك إن أكلا أو شربا وذلك أنهما غير صائمين، وقال بعض الناس هما غير صائمين ولا كفارة عليهما إن فعلا وأكره ذلك لان الناس في المصر صيام (قال الشافعي) إما أن يكونا صائمين فلا يجوز لهما أن يفعلا، أو يكونا غير صائمين فإنما يحرم هذا على الصائم (قال الشافعي) ولو توفى ذلك لئلا يراه أحد فيظن أنه أفطر في رمضان من غير علة كان أحب إلي (قال الشافعي) ولو اشتبهت الشهور على أسير فتحرى شهر رمضان فوافقه أو ما بعده من الشهور فصام شهرا أو ثلاثين يوما أجزأه، ولو صام ما قبله فقد قال قائل لا يجزيه إلا أن يصيبه أو شهرا بعده فيكون كالقضاء له وهذا مذهب.
ولو ذهب ذاهب إلى أنه إذا لم يعرفه بعينه فتأخاه أجزأه قبل كان أو بعد، كان هذا مذهبا وذلك أنه قد يتأخى القبلة فإذا علم بعد كمال الصلاة أنه قد أخطأها أجزأت عنه ويجزى ذلك عنه في خطأ عرفة والفطر وإنما كلف الناس في المغيب الظاهر، والاسير إذا اشتبهت عليه الشهور فهو مثل المغيب عنه والله أعلم (قال الربيع) وآخر قول الشافعي أنه لا يجزيه إذا صامه على الشك حتى يصيبه بعينه أو شهرا بعده وآخر قوله في القبلة كذلك لا يجزيه وكذلك لا يجزيه إذا تأخى وإن أصاب القبلة فعليه الاعادة إذا كان تأخيه بلا دلالة وأما عرفة ويوم الفطر والاضحى فيجزيه لان هذا أمر إنما يفعله باجتماع العامة عليه والصوم والصلاة شئ يفعله في ذات نفسه خاصة (قال الشافعي) ولو أصبح يوم الشك لا ينوى الصوم ولم يأكل ولم يشرب حتى علم أنه من شهر رمضان فأتم صومه رأيت إعادة صومه وسواء رأى ذلك قبل الزوال أو بعده إذا أصبح لا ينوى صيامه من شهر رمضان (قال الشافعي)
وأرى والله أعلم كذلك لو أصبح ينوى صومه تطوعا لم يجزه من رمضان ولا أرى رمضان يجزيه إلا بإرادته والله أعلم، ولا أعلم بينه وبين نذر الصلاة وغير ذلك مما لا يجزى إلا بنية فرقا (قال الشافعي) ولو أن مقيما نوى الصيام قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه ذلك لانه قد دخل في الصوم مقيما (قال الربيع) وفى كتاب غير هذا من كتبه " إلا أن يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أفطر (1) بالكديد أنه نوى صيام ذلك اليوم وهو مقيم " (قال الشافعي) ولو نواه من الليل ثم خرج قبل الفجر كان كأن لم يدخل في الصوم حتى سافر وكان له إن شاء أن يتم فيصوم وإن شاء أن يفطر (قال الشافعي) وإذا تأخى الرجل القبلة بلا دلائل فلما أصبح علم أنه أصاب القبلة كانت عليه
__________
(1) الكديد: وزان كريم، ما بين عسفان وقديد، مصغرا، على ثلاث مراحل من مكة شرفها الله تعالى، كذا في المصباح.
كتبه مصححه.(2/111)
الاعادة لانه صلى حين صلى على الشك (قال الشافعي) وقد نهى عن صيام السفر وإنما نهى عنه عندنا والله أعلم على الرفق بالناس لا على التحريم ولا على أنه لا يجزى وقد يسمع بعض الناس النهى ولا يسمع ما يدل على معنى النهى فيقول بالنهي جملة (قال الشافعي) والدليل على ما قلت لك أنه رخصة في السفر أن مالكا أخبرنا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمرو الاسلمي قال: " يا رسول الله أصوم في السفر وكان كثير الصوم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن شئت فصم وإن شئت فافطر " أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم (قال الشافعي) وهذا دليل على ما وصفت، فإن قال إنسان فإنه قد سمى الذين صاموا العصاة فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الصيام في السفر للتقوى للعدو وذلك أنه كان محاربا عام نهى عن الصيام في السفر فأبى قوم إلا الصيام فسمى بعض من سمع النهى العصاة إذ تركوا الفطر الذى أمروا به وقد يمكن أن يكون قد قيل لهم ذلك على أنهم تركوا قبول الرخصة ورغبوا عنها وهذا مكروه عندنا، إنما نقول يفطر أو يصوم وهو يعلم أن ذلك واسع له، فإذا جاز ذلك فالصوم أحب إلينا لمن قوى عليه (قال الشافعي) فإن قيل
فقد روى " ليس من البر الصيام في السفر " قيل ليس هذا بخلاف حديث هشام بن عروة ولكنه كما وصفت إذا رأى الصيام برا والفطر مأثما وغير برغبة عن الرخصة في السفر (قال الشافعي) وإذا أدرك المسافر الفجر قبل أن يصل إلى بلده أو البلد الذى ينوى المقام به وهو ينوى الصوم أجزأه وإن أزمع الفطر ثم أزمع الصوم بعد الفجر لم يجزه في حضر كان أو في سفر وإن سافر فلم يصم حتى مات فليس عليه قضاء ما أفطر لانه كان له أن يفطر وإنما عليه القضاء إذا لزمه أن يصوم وهو مقيم فترك الصوم فهو حينئذ يلزم بالقضاء ويكفر عنه بعد موته وكذلك المريض لا يصح حتى يموت فلا صوم عليه ولا كفارة.
(باب صيام التطوع) (قال الشافعي) والمتطوع بالصوم مخالف للذى عليه الصوم من شهر رمضان وغيره الذين يجب عليهم الصوم لا يجزيهم عندي إلا إجماع الصوم قبل الفجر والذى يتطوع بالصوم ما لم يأكل ولم يشرب وإن أصبح يجزيه الصوم وإن أفطر المتطوع من غير عذر كرهته له ولا قضاء عليه، وخالفنا في هذا بعض الناس فقال عليه القضاء، وإذا دخل في شئ فقد أوجبه على نفسه واحتج بحديث الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وحفصة أن يقضيا يوما مكان يومهما الذى أفطرتا فيه (قال الشافعي) فقيل له ليس بثابت إنما حدثه الزهري عن رجل لا نعرفه ولو كان ثابتا كان يحتمل أن يكون إنما أمرهما على معنى إن شاءتا والله اعلم كما أمر عمر أن يقضى نذرا نذره في الجاهلية وهو على معنى إن شاء.
قال فما دل على معنى ما قلت فإن الظاهر من الخبر ليس فيه ما قلت (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا خبأنا لك حيسا فقال " أما إنى كنت أريد الصوم ولكن قربيه " (قال الشافعي) فقلت له لو كان على المتطوع القضاء إذا خرج من الصوم لم يكن له الخروج منه من غير عذر وذلك أن الخروج حينئذ منه لا(2/112)
يجوز، وكيف يجوز لاحد ان يخرج من عمل عليه تمامه من غير عذر إذا كان عليه أن يعود فيه لم يكن له أن يخرج منه (قال الشافعي) والاعتكاف وكل عمل له قبل أن يدخل فيه أن لا يدخل فيه فله الخروج قبل إكماله وأحب إلى لو أتمه إلا الحج والعمرة فقط فإن قال قائل: فكيف أمرته إذا أفسد الحج والعمرة أن يعود
فيهما فيقضيهما مرتين دون الاعمال؟ قلنا لا يشبه الحج والعمرة الصوم ولا الصلاة ولا ما سواهما.
ألا ترى أنه لا يختلف أحد في أنه يمضى في الحج والعمرة على الفساد كما يمضى فيهما قبل الفساد ويكفر ويعود فيهما؟ ولا يختلف أحد في أنه إذا أفسد الصلاة لم يمض فيها ولم يجز له أن يصليها فاسدة بلا ضوء وهكذا الصوم إذا أفسد لم يمض فيه.
أو لا ترى أنه يكفر في الحج والعمرة متطوعا كان أو واجبا عليه كفارة واحدة ولا يكفر في الصلاة على كل حال ولا في الاعتكاف ولا في التطوع في الصوم؟ وقد روى الذين يقولون بخلافنا في هذا عن ابن عمر أنه صلى ركعة قال: إنما هو تطوع، وروينا عن ابن عباس شبيها به في الطواف.
(باب أحكام من أفطر في رمضان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى من أفطر أياما من رمضان من عذر مرض أو سفر قضاهن في أي وقت ما شاء في ذى الحجة أو غيرها وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر متفرقات أو مجتمعات وذلك أن الله عزوجل يقول " فعدة من أيام أخر " ولم يذكرهن متتابعات وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت (قال) (1) وصوم كفارة اليمين متتابع والله أعلم، فإن مرض أو سافر المفطر من رمضان فلم يصح ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر قضاهن ولا كفارة وان فرط وهو يمكنه ان يصوم حتى يأتي رمضان آخر صام الرمضان الذي جاء عليه وقضاهن.
وكفر عن كل يوم بمد حنطة (قال الشافعي) والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم ولم تخافا على ولديهما (قال الشافعي) وإن كانتا لا تقدران على الصوم فهذا مثل المرض أفطرتا وقضتا بلا كفارة إنما ككفران بالاثر وبأنهما لم تفطرا لانفسهما إنما أفطرتا لغيرهما فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يكفر والشيخ الكبير الذى لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة خبرا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقياسا على من لم يطق الحج ان يحج عنه غيره وليس عمل غيره عنه عمله نفسه كما ليس الكفارة كعمله (قال الشافعي) والحال التى يترك بها الكبير الصوم أن يكون يجهده الجهد غير المحتمل وكذلك المريض والحامل (قال الشافعي) وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر والحامل إذا خافت على ولدها أفطرت وكذلك المرضع إذا أضر بلبنها
__________
(1) في نسخة سراج الدين البلقينى هنا ما نصه " قال شيخنا شيخ الاسلام: ما ذكره الشافعي
هنا من أن صوم كفارة اليمين متتابع هو أحد قوليه، والقول الآخر: أنه لا يجب التتابع في كفارة اليمين، وهو المشهور المعتمد في الفتوى " اه.
كتبه مصححه.(2/113)
الاضرار البين، فأما ما كان من ذلك محتملا فلا يفطر صاحبه والصوم قد يزيد عامة العلل ولكن زيادة محتملة وينتقص بعض اللبن ولكنه نقصان محتمل، فإذا تفاحش أفطرتا (قال الشافعي) فكأنه يتأول إذا لم يطق الصوم الفدية والله أعلم، فإن قال قائل: فكيف يسقط عنه فرض الصلاة إذا لم يطقها ولا يسقط فرض الصوم؟ قيل ليس يسقط فرض الصلاة في حال تفعل فيها الصلاة ولكنه يصلى كما يطيق قائما أو قاعدا أو مضطجعا فيكون بعض هذا بدلا من بعض، وليس شئ غير الصلاة بدلا من الصلاة، ولا الصلاة بدلا من شئ، فالصوم لا يجزى فيه إلا إكماله ولا يتغير بتغير حال صاحبه ويزال عن وقته بالسفر والمرض لانه لا نقص فيه كما يكون بعض الصلاة قصرا وبعضها قاعدا وقد يكون بدلا من الطعام في الكفارة ويكون الطعام بدلا منه (قال الشافعي) ومن مرض فلم يصح حتى مات فلا قضاء عليه إنما القضاء إذا صح ثم فرط، ومن مات وقد فرط في القضاء أطعم عنه مكان كل يوم مسكين مدا من طعام (قال الشافعي) ومن نذر أن يصوم سنة صامها وأفطر الايام التى نهى عن صومها وهى يوم الفطر والاضحى وأيام منى وقضاها، ومن نذر أن يصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان صامه، وإن قدم فلان وقد مضى من النهار شئ أو كان يوم فطر قضاه، وإن قدم ليلا فأحب إلي أن يصوم الغد بالنية لصوم يوم النذر وإن لم يفعل لم أره واجبا (قال الشافعي) ومن نذر أن يصوم يوم الجمعة فوافق يوم فطر أفطر وقضاه ومن نوى أن يصوم يوم الفطر لم يصمه ولم يقضه لانه ليس له صومه وكذلك لو أن امرأة نذرت أن تصوم أيام حيضها (1) لم تصمه ولم تقضه لانه ليس لها أن تصومها (قال الربيع) وقد قال الشافعي مرة: من نذر صوم يوم يقدم فلان، فوافق يوم عيد لم يكن عليه شئ، ومن نذر صوم يوم يقدم فيه فلان فقدم في بعض النهار، لم يكن عليه شئ (2).
(1) قوله: لم تصمه ولم تقضه، كذا في النسخ، بتذكير الضمير، أي لم تصم هذا الصوم ولم تقضه، وهو ظاهر، كتبه مصححه.
(2) وفى اختلاف الحديث: (الرجل يموت ولم يحج أو كان عليه نذر) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أمي ماتت وعليها نذر؟ " فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اقضه عنها " (قال الشافعي) سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقضى فريضة الحج عمن بلغ لا يستمسك على الراحلة وسن أن يقضى نذر الحج عمن نذره وكان فرض الله في الحج على من وجد إليه السبيل، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم =(2/114)
(كتاب الاعتكاف) * أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي والاعتكاف سنة فمن أوجب على نفسه اعتكاف شهر فإنه يدخل في الاعتكاف قبل غروب الشمس ويخرج منه إذا غربت الشمس آخر الشهر (قال) ولا بأس بالاشتراط في الاعتكاف الواجب وذلك أن يقول " إن عرض لى عارض كان لى الخرج " ولا بأس أن يعتكف ولا ينوى أياما ولا وجوب اعتكاف متى شاء انصرف والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلينا وإن اعتكف في غيره فمن الجمعة إلى الجمعة وإذا أوجب على نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم المسجد اعتكف في موضع منه فإن لم يقدر خرج من الاعتكاف وإذا بنى المسجد رجع فبنى على اعتكافه ويخرج المعتكف لحاجته إلى البول والغائط إلى بيته إن شاء أو غيره ولا يمكث بعد فراغه من حاجته ولا بأس أن يسأل عن المريض إذا دخل منزله ولا بأس أن يشترى ويبيع ويخيط ويجالس العلماء ويتحدث بما أحب ما لم يكن إثما ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال (قال) ولا يعود المريض ولا يشهد الجنازة إذا كان اعتكافا واجبا ولا بأس أن يعتكف المؤذن ويصعد المنارة كانت داخلة المسجد أو خارجة منه وأكره له الاذان للوالى بالصلاة ولا بأس أن يقضى وإن كانت عنده شهادة فدعى إليها فإنه يلزمه أن يجبيب فإن أجاب يقضى الاعتكاف وإن أكل المعتكف في بيته فلا شئ عليه وإذا مرض الذى أوجب على نفسه الاعتكاف خرج فإذا برئ رجع فبنى على ما مضى من اعتكافه فإن مكث
بعد برئه شيئا من غير عذر استقبل الاعتكاف وإذا خرج المعتكف لغير حاجة انتقض اعتكافه وإذا أفطر المعتكف أو وطئ استأنف اعتكافه إذا كان اعتكافا واجبا بصوم وكذلك المرأة إذا كانت معتكفة = أن السبيل الزاد والمركب وفى هذا نفقة على المال وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدق عن الميت ولم يجعل الله من الحج بدلا غير الحج، ولم يسم ابن عباس ما كان نذر أم سعد فاحتمل أن يكون نذر حج، فأمره بقضائه عنها لان من سنته قضاءة من الميت ولو نذر صدقة كان كذلك والعمرة كالحج (قال الشافعي) فأما من نذر صياما أو صلاة ثم مات فإنه يكفر عنه في الصوم ولا يصام عنه ولا يصلى عنه ولا يكفر عنه في الصلاة (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما الفرق بين الحج والصوم والصلاة؟ قلت قد فرق الله بينها فإن قال: وأنى قلت فرض الله الحج على من وجد إليه سبيلا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى عمن لم يحج ولم يجعل الله ولا رسوله من الحج بدلا غير الحج وفرض الله عز وجل الصوم فقال " فمن كان منكم مريضا " إلى " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " فقيل يطيقونه كانوا يطيقونه ثم عجزوا فعليهم في كل يوم طعام مسكين وأمر بالصلاة وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقضى الحائض ولا يقضى عنها ما تركت من الصلاة وقال عوام من المفتين ولا المغلوب على عقله ولم يجعلوا في ترك الصلاة كفارة ولم يذكر في كتاب ولا سنة عن صلاة كفارة من صدقة ولا أن يقوم به أحد عن أحد وكان عمل كل امرئ لنفسه وكان الصوم والصلاة عمل المرء لنفسه لا يعمله غيره وكان يعمل الحج عن الرجل اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخلافه الصوم والصلاة فإن فيه نفقة من المال وليس ذلك في صوم ولا صلاة (قال الشافعي) فإن قيل: أفروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحدا أن يصوم عن أحد؟ قيل: نعم.
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل فلم لم تأخذ به؟ قيل حديث الزهري عن عبيد الله بن =(2/115)
(قال) وإذا جعل لله عليه شهرا ولم يسم شهرا بعينه ولم يقل متتابعا اعتكف متى شاء وأحب إلي أن يكون متتابعا ولا يفسد الاعتكاف من الوطئ إلا ما يوجب الحد لا تفسده قبلة ولا مباشرة ولا نظرة أنزل أو لم ينزل وكذلك المرأة كان هذا في المسجد أو في غيره وإذا قال لله على أن أعتكف شهرا بالنهار
فله أن يعتكف النهار دون الليل وكذلك لو قال لله على أن لا أكلم فلانا شهرا بالنهار وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر بعينه فذهب الشهر وهو لا يعلم فعليه أن يعتكف شهرا سواه وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر فاعتكفه إلا يوما فعليه قضاء ذلك اليوم وإذا اعتكف الرجل اعتكافا واجبا فأخرجه السلطان أو غيره مكرها فلا شئ عليه متى خلا بنى على اعتكافه وكذلك إذا أخرجه بحد أو دين فحبسه فإذا خرج رجع فبنى وإذا سكر المعتكف ليلا أو نهار أفسد اعتكافه وعليه أن يبتدئ إذا كان واجبا وإذا = عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نذر نذرا ولم يسمه مع حفظ الزهري وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس فلما جاء غيره عن رجل عن ابن عباس بغير ما في حديث عبيد الله أشبه أن لا يكون محفوظا، فإن قيل: أتعرف الذي جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس؟ قيل: نعم روى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس أنه قال لابن الزبير أن الزبير حل من متعة الحج فروى هذا عن ابن عباس انها متعة النساء وهذا غلط فاحش (قال الشافعي) وليس علينا كبير مؤنة في الحديث الثابت إذا اختلف أو ظن مختلفا لما وصفت ولا مؤنة من أهل العلم بالحديث والنصفة في العلم بالحديث الذى يشبه أن يكون غلطا والحديث الذى لا يثبت مثله وقد عارض صنفان من الناس في الحديث الذى لا يثبت مثله بحال نقص محدثيه والحديث الذى غلط صاحبه بدلالة فلا يثبت، فسألني منهم طائفة: نبطل الحديث عن هذا الموضع بضربين أحدهما الجهالة ممن لا يثبت حديثه والآخر بأن يوجد من الحديث ما يرده فيقولون فإذا جاز في واحد منه جاز في كله وصرتم في معنانا؟ قلت أرأيتم الحاكم إذا شهد عنده ثلاثة، عدل يعرفه ومجروح يعرفه ورجل يجهل جرحه وعدله، أليس يجيز شهادة العدل ويرد شهادة المجروح ويقف شهادة المجهول حتى يعرفه بعدل فيجيزه أو يجرح فيرده، فإن قال بلى.
قيل (1) فلما رد المجروح والموجود في شهادة الظنة والمجهول.
جاز أن يرد العدل الذى لا يوجد ذلك في شهادته، فإن قيل: لا.
قيل فكذلك الحديث لا يختلف وليس نجيز لكم خلاف الحديث وطائفة تكلمت بجهالة ولم ترض أن تترك الجهالة ولم تقبل العلم فثقلت مؤنتها وقالوا قد تردون حديثا وتأخذون بآخر؟ قلنا: نرده بما يجب به رده ونقبله بما يجب به قبوله كما قلنا في الشهود وكانت فيهم مؤنة وإن غضب قوم لبعض من رد من حديثه فقالوا هؤلاء يعيبون الفقهاء وليس يجوز على الحكام أن يقال هؤلاء يردون شهادة المسلمين وإن ردوا شهادة بعضهم بظنة أو
دلالة على غلط أو وجه يجوز به رد الشهادة.
(من أصبح جنبا في شهر رمضان) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر =.
__________
(1) قوله: فلما رد المجروح الخ كذا في الاصل الذى بيدنا، وهى عبارة لا تخلو من تحريف، فارجع في تحريرها إلى الاصول الصحيحة.
كتبه مصححه(2/116)
خرج المعتكف لحاجة فلقيه غريم له فلا بأس أن يوكل به وإذا كان المعتكف الذى عليه الدين يحبسه الطالب عن الاعتكاف فإذا خلاه رجع فبنى وإذا خاف المعتكف من الوالى خرج فإذا أمن بنى والاعتكاف الواجب أن يقول لله على أن أعتكف كذا وكذا والاعتكاف الذى ليس بواجب أن يعتكف ولا ينوى شيئا فإن نوى المعتكف يوما فدخل نصف النهار في الاعتكاف اعتكف إلى مثله وإذا جعل لله عليه اعتكاف يوم دخل قبل الفجر إلى غروب الشمس وإذا جعل لله عليه اعتكاف يومين دخل قبل الفجر فيعتكف يوما وليلة ويوما إلا أن يكون له نية النهار دون الليل وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر بصوم ثم مات قبل أن يقضيه فإنه يطعم عنه مكان كل يوم مدا فإن كان جعل على نفسه وهو مريض فمات قبل أن يصح فلا شئ عليه فإن كان صح أقل من شهر ثم مات اطعم عنه بعدد ما صح من الايام كل = الانصاري عن أبى يونس مولى عائشة أم المؤمنين عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا اسمع: يا رسول الله إنى أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فأغتسل وأصوم ذلك اليوم " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول كنت وأبى عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول " من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم " فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك، قال أبو بكر فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها عبد الرحمن وقال يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا
أفطر ذلك اليوم قالت عائشة ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله؟ قال عبد الرحمن: لا والله.
قالت عائشة " فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم " قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة فخرجنا حتى جئنا مروان فقال له عبد الرحمن ما قالتا فأخبره، فقال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي بالباب فلتأتين أبا هريرة فلتخبرنه بذلك قال فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث عبد الرحمن معه ساعة ثم ذكر ذلك له فقال أبو هريرة لا علم لى بذلك إنما أخبرنيه مخبر، أخبرنا سفيان قال حدثنا سمى مولى أبى بكر عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن عائشة أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الصبح وهو جنب فيغتسل ويصوم يومه (قال الشافعي) فأخذنا نحن بحديث عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم دون ما روى أبو هريرة عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم لمعان (منها) أنهما زوجتاه وزوجتاه أعلم بهذا من رجل إنما يعرفه سماعا أو خبرا (ومنها) أن عائشة مقدمة في الحفظ وأن أم سلمة حافظة ورواية اثنين أكثر من رواية واحد (ومنها) أن الذى روتا عن النبي صلى الله عليه وسلم المعروف في المعقول والاشبه بالسنة، فإن قال قائل وما يعرف منه في المعقول؟ قيل إذا كان الجماع والطعام والشراب مباحا في الليل قبل الفجر وممنوعا بعد الفجر إلى مغيب الشمس فكان الجماع قبل الفجر أما كان في الحال التى كان فيها مباحا؟ فإذا قيل بلى.
قيل أفرأيت الغسل أهو الجماع أم هو شئ وجب بالجماع؟ فإن قال قائل هو شئ وجب بالجماع قيل وليس في فعله شئ محرم على صائم في ليل ولا نهار، فإن قال: لا.
قيل فبذلك زعمنا أن الرجل يتم صومه لانه يحتلم من النهار فيجب =(2/117)
يوم مدا (قال الربيع) إذا مات وقد كان عليه أن يعتكف ويصوم أطعم عنه وإذا لم يمكنه فلا شئ عليه ولا بأس أن يعتكف الرجل الليلة وكذلك لا بأس أن يعتكف يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق والاعتكاف يكون بغير صوم فإذا قال: لله على أن أعتكف يوم يقدم فلان فقدم فلان في أول النهار أو آخره اعتكف ما بقى من النهار وإن قدم وهو مريض أو محبوس فإنه إذا صح أو خرج من الحبس قضاه، وإن قدم ليلا فلا
شئ عليه وإذا جعل الله عليه اعتكاف شهر سماه فإذا الشهر قد مضى فلا شئ عليه (قال) وإذا أحرم المعتكف بالحج وهو معتكف أتم اعتكافه فإن خاف فوات الحج مضى لحجه فإن كان اعتكافه متتابعا فإذا قدم من الحج استأنف وإن كان غير متتابع بنى والاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف فيما سواه وكذلك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما عظم من المساجد وكثر أهله فهو أفضل، والمرأة والعبد والمسافر يعتكفون حيث شاءوا لانهم لا جمعة عليهم وإذا جعلت المرأة على نفسها اعتكافا فلزوجها منعها منه وكذلك لسيد العبد والمدبر وأم الولد منعهم، فإذا أذن لهم ثم أراد منعهم قبل تمام ذلك فذلك له وليس لسيد المكاتب منعهم من الاعتكاف وإذا جعل العبد المعتق نصفه عليه اعتكافا أياما فله أن يعتكف يوما ويخدم يوما حتى يتم اعتكافه وإذا جن المعتكف فأقام سنين ثم أفاق بنى.
والاعمى والمقعد في الاعتكاف كالصحيح، ولا بأس أن يلبس المعتكف والمعتكفة ما بدا لهما من الثياب ويأكلا ما بدا لهما من الطعام ويتطيبا بما بدا لهما من الطيب ولا بأس أن ينام في المسجد ولا بأس بوضع المائدة في المسجد وغسل اليدين في المسجد في الطست ولو نسى المعتكف فخرج ثم رجع لم يفسد اعتكافه ولا بأس أن يخرج المعتكف رأسه من المسجد إلى بعض أهله فيغسله فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بأس أن ينكح المعتكف نفسه وينكح غيره وإذا مات عن المعتكفة زوجها خرجت وإذا قضت عدتها رجعت فبنت وقد قيل ليس لها أن تخرج فإن فعلت ابتدأت والله أعلم = عليه الغسل ويتم صومه لانه لم يجامع في نهار وأن وجوب الغسل لا يوجب إفطار فإن قال فهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تشبه هذا؟ قيل: نعم.
الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنهى عن الطيب للمحرم وقد كان تطيب حلال قبل يحرم بما بقى عليه لونه ورائحته بعد الاحرام لان نفس التطيب كان وهو مباح وهذا في أكثر معنى ما يجب به الغسل من جماع متقدم قبل يحرم الجماع (قال الشافعي) فإن قال قائل فإنا نرى الذى روى خلاف عائشة وأم سلمة قيل والله أعلم قد سمع الرجل سائلا يسأل عن الرجل جامع بليل وأقام مجامعا بعد الفجر شيئا فأمر بأن يقضى لان بعض الجماع كان في الوقت الذى يحرم فيه (قال) فإن قال قائل فكيف إذا أمكن هذا على محدث ثقة ثبت حديثه ولزمت به حجة؟ قيل كما تلزم بشهادة الشاهدين في الحكم في المال والدم ما لم يخالفهما غيرهما وقد يمكن عليهما
الغلط والكذب ولا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إن كانا عدلين في الظاهر ولو شهد غيرهما بضد شهادتهما لم يستعمل شهادتهما كما يستعملها إذا انفرد فحكم المحدث لا يخالفه غير كحكم الشاهدين لا يخالفهما غيرهما ويحول حكمه إذا خالفه غيره بما وصفت ويؤخذ من الدلائل على الاحفظ من المحدثين بما وصفت بما لا يؤخذ في شهادة الشهود بحال إن كان إلا قليلا.
وترجم في اختلاف الحديث: (حجامة الصائم) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى عن خالد الحذاء =(2/118)
(كتاب الحج) (باب فرض الحج على من وجب عليه الحج) أخبرنا الربيع بن سليمان المرادى بمصر سنة سبع ومائتين قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله قال: أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب الله تعالى ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله عزوجل الحج في غير موضع من كتابه فحكى أنه قال لابراهيم عليه السلام " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق "، وقال تبارك وتعالى: " لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " مع ما ذكر به الحج (قال الشافعي) والآية التى فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه قال الله جل ذكره " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين " وقال " وأتموا الحج والعمرة لله " وهذه الآية موضوعة بتفسيرها في العمرة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن عكرمة قال لما نزلت " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " الآية قالت اليهود: فنحن مسلمون فقال الله تعالى لنبيه فحجهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: حجوا فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله جل ثناؤه: " ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين " قال عكرمة: من كفر من أهل الملل فإن الله غنى عن العالمين وما أشبه ما قال عكرمة بما قال والله أعلم، لان هذا كفر بفرض الحج وقد
أنزله الله.
والكفر بآية من كتاب الله كفر " (أخبرنا) مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال: قال مجاهد في قول الله عزوجل " ومن كفر " قال هو ما إن حج لم يره برا وإن جلس لم يره إثما = عن أبى قلابة عن أبي الاشعث الصنعاني عن شداد بن أوس قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من شهر رمضان فقال وهو آخذ بيدى أفطر الحاجم والمحجوم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم محرما صائما (قال الشافعي) وسماع ابن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ولم يكن يومئذ محرما ولم يصحبه محرم قبل حجة الاسلام فذكر ابن عباس حجامة النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الاسلام سنة عشر وحديث " أفطر الحاجم والمحجوم " في الفتح سنة ثمان قبل حجة الاسلام بسنتين فإذا كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ وحديث أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ (قال الشافعي) وإسناد الحديثين معا مشتبه وحديث ابن عباس أمثلهما إسنادا، فإن توقى رجل الحجامة كان أحب إلى احتياطا ولئلا يعرض صومه أن يضعف فيفطر وإن احتجم فلا تفطره الحجامة إلا أن يحدث بعدها ما يفطره مما لو لم يحتجم ففعله فطره (قال الشافعي) ومع حديث ابن عباس القياس أن ليس الفطر من شئ يخرج من جسد إلا أن يخرجه الصائم من جوفه متقيئا وأن الرجل قد ينزل غير متلذذ ولا يبطل صومه ويعرق ويتوضأ ويخرج منه الخلاء والريح والبول ويغتسل ويتنور ولا يبطل صومه وإنما الفطر من إدخال البدن أو التلذذ بالجماع أو التقيؤ فيكون على هذا إخراج شئ من جوفه كما عمد إدخاله فيه (قال الشافعي) رحمه الله والذى أحفظ عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وعامة المدنيين: أنه لا يفطر أحد بالحجامة.(2/119)
كان سعيد بن سالم يذهب إلى أنه كفر بفرض الحج (قال الشافعي) ومن كفر بآية من كتاب الله كان كافرا وهذا إن شاء الله كما قال مجاهد: وما قال عكرمة فيه أوضح وإن كان هذا واضحا (قال الشافعي) فعم فرض الحج بالغ مستطيع إليه سبيلا، فإن قال قائل: فلم لا يكون غير البالغ إذا وجد إليه سبيلا ممن عليه فرض الحج؟ قيل الاستدلال بالكتاب والسنة قال الله جل ذكره: " وإذا بلغ
الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم " يعنى الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في إيذانهم في الاستئذان إذا بلغوا قال الله تعالى " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فلم يأمر بدفع المال إليهم بالرشد حتى يجتمع البلوغ معه وفرض الله الجهاد في كتابه ثم أكد اليقين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن عمر حريصا على أن يجاهد وأبوه حريص على جهاده وهو ابن أربع عشرة سنة فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم عام " أحد " ثم أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغ خمس عشرة سنة عام الخندق ورسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله ما أنزل جملا من إرادته جل شأنه فاستدللنا بأن الفرائض والحدود إنما تجب على البالغين وصنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام " أحد " مع ابن عمر ببضعة عشر رجلا كلهم في مثل سنه (قال الشافعي) فالحج واجب على البالغ العاقل والفرائض كلها وإن كان سفيها وكذلك الحدود فإذا حج بالغا عاقلا أجزأ عنه ولم يكن عليه أن يعود لحجة أخرى إذا صار رشيدا وكذلك المرأة البالغة (قال) وفرض الحج زائل عمن بلغ مغلوبا على عقله لان الفرائض على من عقلها وذلك أن الله عزوجل خاطب بالفرائض من فرضها عليه في غير آية من كتابه ولا يخاطب إلا من يعقل المخاطبة وكذلك الحدود، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك على ما دل عليه كتاب الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبى حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ فإن كان يجن ويفيق فعليه الحج فإذا حج مفيقا أجزأ عنه وإن حج في حال جنونه لم يجز عنه الحج وعلى ولى السفيه البالغ أن يتكارى له ويمونه في حجه لانه واجب عليه ولا يضيع السفيه من الفرائض شيئا وكذلك ولى السفيهة البالغة (قال الشافعي) ولو حج غلام قبل بلوغ الحلم واستكمال خمس عشرة سنة ثم عاش بعدها بالغا لم يحج لم تقض الحجة التى حج قبل البلوغ عنه حجة الاسلام وذلك أنه حجها قبل أن تجب عليه وكان في معنى من صلى فريضة قبل وقتها الذى تجب عليه فيه (1) في هذا الموضع فيكون بها متطوعا كما يكون بالصلاة متطوعا ولم يختلف المسلمون عليه فيما وصفت في الذين لم يبلغوا الحلم والمماليك لو حجوا وأن ليست على واحد منهم فريضة الحج ولو أذن للملوك بالحج أو أحجه سيده كان حجه تطوعا لا يجزى عنه من حجة الاسلام إن عتق ثم
عاش مدة يمكنه فيها أن يحج بعد ما ثبتت عليه فريضة الحج (قال) ولو حج كافر بالغ ثم أسلم لم تجز عنه حجة الاسلام لانه لا يكتب له عمل يؤدى فرضا في بدنه حتى يصير إلى الايمان بالله ورسوله، فإذا أسلم وجب عليه الحج (قال) وكان في الحج مؤنة في المال وكان العبد لا مال له لان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين بقوله " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " فدل ذلك على
__________
(1) قوله: في هذا الموضع، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر في هذا الموضوع، وانظر بماذا يتعلق هذا الجار كما أن قوله بعده " ولم يختلف المسلمون عليه " هو هكذا في النسخ، وانظر بماذا يتعلق قوله " عليه " وحرر.
كتبه مصححه.(2/120)
أن لا مال للعبد وإن ما ملك فإنما هو ملك للسيد وكان المسلمون لا يورثون العبد من ولده ولا والده ولا غيرهم شيئا فكان هذا عندنا من أقاويلهم استدلالا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا يملك إلا لسيده وكان سيده غير الوارث وكان المسلمون لا يجعلون على سيده الاذن له إلى الحج فكان العبد ممن لا يستطيع إليه سبيلا فدل هذا على أن العبيد خارجون من فرض الحج بخروجهم من استطاعة الحج وخارج من الفرض لو أذن له سيده ولو أذن له سيده وحج لم تجز عنه فإن قال قائل فكيف لا تجزى عنه؟ قلت لانها لا تلزمه وأنها لا تجزى عمن لم تلزمه قال ومثل ماذا؟ قلت مثل مصلى المكتوبة قبل وقتها وصائم شهر رمضان قبل إهلاله لا يجزئ عن واحد منهما إلا في وقته لانه عمل على البدن والعمل على البدن لا يجزى إلا في الوقت، والكبير الفاني القادر يلزمه ذلك في نفسه وفى غيره وليس هكذا المملوك ولا غيره البالغ من الاحرار، فلو حجا لم تجز عنهما حجة الاسلام إذا بلغ هذا وعتق هذا وأمكنهما الحج.
(باب تفريع حج الصبى والمملوك) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ليس على الصبى حج حتى يبلغ الغلام الحلم والجارية المحيض في أي سن ما بلغاها أو استكملا خمس عشرة سنة، فإذا بلغا استكمال خمس عشرة سنة، أو بلغا المحيض أو الحلم، وجب عليهما الحج (قال) وحسن أن يحجا صغيرين لا يعقلان ودون البالغين يعقلان
يجردان للاحرام ويجتنبان ما يجتنب الكبير فإذا أطاقا عمل شئ أو كانا إذا أمرا به عملاه عن أنفسهما ما كان فإن لم يكونا يطيقانه عمل عنهما وسواء في ذلك الصلاة التى تجب بالطواف أو غيرها من عمل الحج، فإن قال قائل أفتصلي عنهما المكتوبة؟ قيل لا فإن قال فما فرق بين المكتوبة وبين الصلاة التى وجبت بالطواف؟ قيل تلك عمل من عمل الحج وجبت به كوجوب الطواف والوقوف به والرمى وليست بفرض على غير حاج فتؤدى كما يؤدى غيرها فإن قال قائل: فهل من فرق غير هذا؟ قيل نعم، الحائض تحج وتعتمر فتقضى ركعتي الطواف لا بد منهما ولا تقضى المكتوبة التى مرت في أيام حيضها (قال) والحجة في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للمرء أن يحج عن غيره وفى ذلك أن عمله عنه يجزئ كما أجزأ عمله عن نفسه فمن علم هذا علم أنه مضطر إلى أن يقول لا يبقى من عمل الحج عنه شيئا، فلو جاز أن يبقى من عمل الحج صلاة جاز أن يبقى طواف ورمى ووقوف ولكنه يأتي بالكمال عمن عمل عنه كما كان على المعمول عنه أن يأتي بالكمال عن نفسه (قال) ولا أعلم أحدا ممن سمعت منه في هذا شيئا خالف فيه ما وصفت.
وقد حكى لى عن قائل أنه قال يعمل عنه غير الصلاة، وأصل قول القائل هذا أنه لا يحج أحد عن أحد إلا في بعض الاحوال دون بعض فكيف جاز أن يأمر بالحج في حال لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فيه ويتركها حيث أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وكيف إذا ترك أصل قوله في حال يحج المرء فيها عن غيره أو يعمل فيها شيئا من عمل الحج عن غيره لم يجعل الصلاة التى تجب بالحج مما أمر بعمله في الحج غير الصلاة؟ فان قال قائل فما الحجة أن للصبى حجا ولم يكتب عليه فرضه قيل: إن الله بفضل نعمته أناب الناس على الاعمال أضعافها ومن على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال " ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ " فلما من على الذرارى بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن من عليهم بأن يكتب لهم عمل(2/121)
البر في الحج وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ فقد جاءت الاحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة فالحجة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قفل فلما كان بالروحاء لقى ركبا فسلم عليهم فقال من القوم؟ فقالوا مسلمون، فمن القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا لها من محفة فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال: نعم، ولك أجر.
أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهى في محفتها فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بعضد صبى كان معها فقالت ألهذا حج؟ قال: نعم.
ولك أجر (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن مالك بن مغول عن أبى السفر قال قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه وإن بلغ فليحجج " أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه (قال الشافعي) هذا كما قال عطاء في العبد إن شاء الله ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله: فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الاسلام لم يأمره بأن يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الاسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة لان الله عزوجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " فذكره مرة، ولم يردد ذكره مرة أخرى (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت إن حج العبد تطوعا يأذن له سيده بحج لا أجر نفسه ولا حج به أهله يخدمهم؟ قال: سمعنا أنه إذا عتق حج لا بد.
أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أن أباه كان يقول: تقضى حجة الصغير عنه حتى يعقل فإذا عقل وجبت عليه حجة لا بد منها والعبد كذلك أيضا (قالا) وأخبرنا ابن جريج أن قولهم هذا عن ابن عباس (قال الشافعي) وقولهم: إذا عقل الصبى، إذا احتلم والله أعلم.
ويروى عن عمر في الصبى والمملوك مثل معنى هذا القول، فيجتمع المملوك وغير البالغين والعبد في هذا المعنى، ويتفرقان فيما أصاب كل واحد منهما في حجه.
(الاذن للعبد)
(قال الشافعي) إذا أذن الرجل لعبده بالحج فأحرم فليس له منعه أن يتم على إحرامه وله بيعه وليس لمبتاعه منعه أن يتم إحرامه ولمبتاعه الخيار إذا كان لم يعلم بإحرامه لانه محول بينه وبين حبسه لمنفعتة إلى أن ينقضى إحرامه وكذلك الامة وكذلك الصبيان إذا أذن لهما أبوهما فأحرما لم يكن له حبسهما (قال) ولو أصاب العبد امرأته فبطل حجه لم يكن لسيده حبسه وذلك لانه مأمور بأن يمضى في حج فاسد مضيه في حج صحيح ولو أذن له في الحج فأحرم فمنعه مرض لم يكن له حبسه إذا صح عن أن يحل بطواف وإن أذن له في حج فلم يحرم كان له منعه ما لم يحرم (قال) وإن أذن له أن يتمتع أو يقرن فأعطاه دما للمتعه أو القران لم يجز عنه لان العبد لا يملك شيئا فإذا ملكه شيئا فإنما ملكه للسيد فلا(2/122)
يجزى عنه مالا يكون له مالكا بحال وعليه فيما لزمه الصوم ما كان مملوكا فإن لم يصم حتى عتق ووجد ففيها قولان أحدهما أن يكفر كفارة الحر الواجد والثانى لا يكفر إلا بالصوم لانه لم يكن له ولا عليه في الوقت الذى أصاب فيه شئ إلا الصوم لو أذن له في الحج فأفسده كان على سيده أن يدعه يتم عليه ولم يكن له على سيده أن يدعه يقضيه فإن قضاه أجزأ عنه من القضاء وعليه إذا عتق حجة الاسلام ولو لم يأذن للعبد سيده بالحج فأحرم به كان أحب إلى أن يدعه يتمه فإن لم يفعل فله حبسه وفيها قولان أحدهما أن عليه إذا حبسه سيده عن إتمام حجه شاة يقومها دراهم ثم يقوم الدراهم طعاما ثم يصوم عن كل مد يوما ثم يحل، والقول الثاني يحل ولا شئ عليه حتى يعتق فيكون عليه شاة ولو أذن السيد لعبده فتمتع فمات العبد، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال إذا أذنت لعبدك فتمتع فمات فاغرم عنه، فإن قال قائل فهل يجوز أن يفرق بين ما يجزى العبد حيا من إعطاء سيده عنه وما يجزيه ميتا؟ فنعم، أما ما أعطاه حيا فلا يكون له إخراجه من ملكه عنه حيا حتى يكون المعطى عنه مالكا له والعبد لا يكون مالكا وهكذا ما أعطى عن الحر بإذنه أو وهبه للحر فأعطاه الحر عن نفسه قد ملك الحر في الحالين ولو أعطى عن حر بعد موته أو عبد لم يكن الموتى يملكون شيئا أبدا، ألا ترى أن من وهب لهم أو أوصى أو تصدق عليهم لم يجز وإنما أجزنا أن يتصدق عنهم بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر سعدا أن يتصدق عن أمه، ولولا ذلك، لما جاز ما وصفت لك.
(باب كيف الاستطاعة إلى الحج) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الاستطاعة وجهان، أحدهما أن يكون الرجل مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج فتكون استطاعته تامة ويكون عليه فرض الحج لا يجزيه ما كان بهذا الحال، إلا أن يؤديه عن نفسه، والاستطاعة الثانية أن يكون مضنوا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب فيحج على المركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو قادر على مال يجد من يستأجره ببعضه فيحج عنه فيكون هذا ممن لزمته فريضة الحج كما قدر، ومعروف في لسان العرب أن الاستطاعة تكون بالبدن وبمن يقوم مقام البدن، وذلك أن الرجل يقول: أنا مستطيع لان أبنى دارى، يعنى بيده ويعنى بأن يأمر من يبنيها بإجارة أو يتطوع ببنائها له، وكذلك مستطيع لان أخيط ثوبي وغير ذلك مما يعمله هو بنفسه ويعمله له غيره، فإن قال قائل: الحج على البدن وأنت تقول في الاعمال على الابدان إنما يؤديها عاملها بنفسه مثل الصلاة والصيام فيصلى المرء قائما فإن لم يقدر صلى جالسا أو مضجعا ولا يصلى عنه غيره، وإن لم يقدر على الصوم قضاه إذا قدر أو كفر ولم يصم عنه غيره وأجزأ عنه.
قيل له ان شاء الله تعالى الشرائع تجتمع في معنى ونفترق في غيره بما فرق الله به عزوجل بينها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو بما اجتمعت عليه عوام المسلمين الذين لم يكن فيهم أن يجهلوا أحكام الله تعالى فإن قال: فادللني على ما وصفت من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قيل له: إن شاء الله أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم(2/123)
سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " نعم " قال سفيان هكذا حفظته عن الزهري وأخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فقالت: يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم مثل لو كان عليه دين فقضيته نفعه فكان فيما حفظ سفيان عن الزهري ما بين أن أباها إذا أدركته فريضة الحج ولا يستطيع أن يستمسك على راحلته أن جائزا لغيره أن يحج عنه، ولد أو غيره، وأن لغيره أن يؤدى عنه فرضا إن كان عليه
في الحج إذا كان غير مطيق لتأديته ببدنه فالفرض لازم له، ولو لم يلزمه لقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا فريضة على أبيك إذا كان إنما أسلم ولا يستطيع أن يستمسك على الراحلة إن شاء الله تعالى، ولقال: لا يحج أحد عن أحد إنما يعمل المرء عن نفسه ثم بين سفيان عن عمرو عن الزهري في الحديث ما لم يدع بعده في قلب من ليس بالفهم شيئا فقال في الحديث فقالت له: أينفعه ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم: " كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعة " وتأدية الدين عمن عليه حيا وميتا فرض من الله عزوجل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفى إجماع المسلمين، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تأديتها عنه فريضة الحج نافعة له كما ينفعه تأديتها عنه دينا لو كان عليه ومنفعته إخراجه من المآثم وإيجاب أجر تأديته الفرض له كما يكون ذلك في الدين، ولا شئ أولى أن يجمع بينهما مما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ونحن نجمع بالقياس بين ما أشبه في وجه وإن خالفه في وجه غيره، إذا لم يكن شيئا أشد مجامعة له منه فيرى أن الحجة تلزم به العلماء، فأذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين، فالفرض أن يجمع بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، وفيه فرق آخر أن العاقل للصلاة لا تسقط عنه حتى يصليها جالسا إن لم يقدر على القيام أو مضطجعا أو موميا وكيفما قدر وأن الصوم إن لم يقدر عليه قضاه، فإن لم يقدر على قضاء كفر، والفرض على الابدان مجتمع في أنه لازم في حال ثم يختلف بما خالف الله عزوجل بينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يفرق بينه بما يفرق به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من هو دونهم، فالذي يخالفنا ولا يجيز أن يحج أحد عن أحد يزعم أن من نسى فتكلم في صلاة لم تفسد عليه صلاته، ومن نسى فأكل في شهر رمضان فسد صومه ويزعم أن من جامع في الحج أهدى، ومن جامع في شهر رمضان تصدق ومن جامع في الصلاة فلا شئ عليه ويفرق بين الفرائض فيما لا يحصى كثرة، وعلته في الفرق بينها خبر وإجماع، فإذا كانت هذه علته فلم رد مثل الذى أخذ به؟ قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: كان الفضل ابن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج
عنه؟ فقال: نعم، وذلك في حجة الوداع (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج قال قال ابن شهاب حدثنى سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله: إن أبى أدركته فريضة الله عليه في الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره قال: فحجى عنه (قال الشافعي) أخبرنا عمرو بن أبى سلمة عن عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن عبد الرحمن بن الحرث المخزومى عن زيد بن على بن الحسين بن على عن أبيه عن عبيد الله بن أبى رافع عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وكل منى منحر " ثم جاءت امرأة(2/124)
من خثعم فقالت يا رسول الله: إن أبى شيخ كبير قد (1) أفند وأدركته فريضة الله على عباده في الحج ولا يستطيع أداءها فهل يجزى عنه أن أؤديها عنه؟ فقال: نعم (قال الشافعي) وفى حديث على بن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان أن عليه أداءها إن قدر وإن لم يقدر (2) أداها عنه فأداؤها إياها عنه يجزيه، والاداء لا يكون إلا لما لزم (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبى سفيان قال سمعت طاوسا يقول: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها حجة فقال " حجى عن أمك " أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: لبيك عن فلان فقال: " إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عنك " وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال لشيخ كبير لم يحجج " إن شئت فجهز رجلا يحج عنك " (قال الشافعي) ولو جهز من هو بهذه الحال رجلا فحج عنه ثم أتت له حال يقدر فيها على المركب للحج ويمكنه أن يحج لم تجز تلك الحجة عنه وكان عليه أن يحج عن نفسه فإن لم يفعل حتى مات أو صار إلى حال لا يقدر فيها على الحج وجب عليه أن يبعث من يحج عنه إذا بلغ تلك الحال أو مات لانه إنما يجزى عنه حج غيره بعد أن لا يجد السبيل فإذا وجدها وجب عليه الحج وكان ممن فرض عليه ببدنه أن يحج عن نفسه إذا بلغ تلك الحال، وما أوجب على نفسه من حج في نذر وتبرر فهو مثل حجة الاسلام وعمرته، يلزمه أن يحج عن نفسه ويحجه عنه غيره، إذا جاز أن يحج عنه حجة الاسلام وعمرته جاز ذلك فيما أوجب على نفسه.
(باب الخلاف في الحج عن الميت)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا أعلم أحدا نسب إلى علم ببلد يعرف أهله بالعلم خالفنا في أن يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه إلا بعض من أدركنا بالمدينة وأعلام أهل المدينة والاكابر من ماضى فقهائهم تأمر به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر على بن أبى طالب وابن عباس به وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وربيعة والذى قال لا يحج أحد عن أحد قاله، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه سوى ما روى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير رسول الله، أنه أمر بعض من سأله أن يحج عن غيره ثم ترك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج له بعض من قال بقوله بأن ابن عمر قال لا يحج أحد عن أحد وهو يروى عن ابن عمر ثلاثة وستين حديثا يخالف ابن عمر فيها منها ما يدعه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لما جاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لقول رجل من التابعين ومنها ما يدعه لرأى نفسه فكيف جاز لاحد نسب نفسه إلى علم أن يحل قول ابن عمر عنده في هذا المحل ثم يجعله حجة على السنة ولا يجعله حجة على قول نفسه؟ وكان من حجة من قال بهذا القول أن قال كيف يجوز أن يعمل رجل عن غيره وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها بفرض الله عز وجل كيف والمسألة في شئ قد ثبتت فيه السنة ما لا يسع عالما والله أعلم، ولو جاز هذا لاحد جاز
__________
(1) أفند: بالبناء للفاعل أي ضعف رأيه وخرف من المرض أو الكبر، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) أداها عنه: كذا في النسخ، وانظر أين الفاعل، وحرر.
كتبه مصححه.(2/125)
عليه مثله فقد يثبت الذى قال هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء بأضعف من إسناد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس أن يحج عن بعض وله في هذا مخالفون كثير منها القطع في ربع دينار ومنها بيع العرايا، ومنها النهى عن بيع اللحم بالحيوان وأضعاف هذه السنن، فكيف جاز له على من خالفه أن يثبت الاضعف ويرد على غيره الاقوى؟ وكيف جاز له أن يقول بالقسامة وهى مختلف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأكثر الخلق يخالفه فيها وأعطى فيها بأيمان المدعين الدم وعظيم المال وهو لا
يعطى بها جرحا ولا درهما ولا أقل من المال في غيرها، فإن قال ليس في السنة قياس ولا عرض على العقل فحديث حج الرجل عن غيره أثبت من جميع ما ذكرت وأحرى أن لا يبعد عن العقل بعد ما وصفت من القسامة وغيرها ثم عاد فقال بما عاب من حج المرء عن غيره حيث لو تركه كان أجوز له وتركه حيث لا يجوز تركه فقال إذا أوصى الرجل أن يحج عنه حج عنه من ماله، وأصل مذهبه أن لا يحج أحد عن أحد، كما لا يصلى أحد عن أحد وقد سألت بعض من يذهب مذهبه فقلت: أرأيت لو أوصى الرجل أن يصلى أو يصام عنه بإجارة أو نفقة غير إجارة أو تطوع، أيصام أو يصلى عنه؟ قال: لا.
والوصية باطلة فقلت له: فإذا كان إنما أبطل الحج لانه كالصوم والصلاة فكيف اجاز أن يحج المرء عن غيره بما له ولم يبطل الوصية فيه كما أبطلها؟ قال أجازها الناس قلت: فالناس الذين أجازوها أجازوا أن يحج الرجل عن الرجل إذا أفند، وإن مات بكل حال وأنت لم تجزها على ما أجازوها عليه مما جاءت به السنة ولم تبطلها إبطالك الوصية بالصوم والصلاة فلم يكن عنده فيها سنة ولا أثر ولا قياس ولا معقول، بل كان عنده خلاف هذا كله وخلاف ما احتج به عن ابن عمر، فما علمته إذ قال لا يحج أحد عن أحد استقام عليه، ولا أمر بالحج في الحال التى أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وعامة الفقهاء وما علمت من رد الاحاديث من أهل الكلام تروحوا من الحجة علينا إلى شئ تروحهم إلى إبطال من أبطل أصحابنا أن يحج المرء عن الآخر حيث أبطلها وأشياء قد تركها من السنن ولا شغب فيه شغبه في هذا، فقلنا لبعض من قال ذلك: لنا مذهبك في التروح إلى الحجة بهذا مذهب من لا علم له أو من له علم بلا نصفة فقال: وكيف؟ قلت أرأيت ما تروحت إليه من هذا أهو قول أحد يلزم قوله فأنت تكبر خلافه أو قول آدمى قد يدخل عليه ما يدخل على الآدميين من الخطأ؟ قال بل قول من يدخل عليه الخطأ قلنا فتركه بأن يحج المرء عن غيره حيث تركه مرغوب عنه غير مقبول منه عندما قال فهو من أهل ناحيتكم قلنا وما زعمنا أن أحدا من أهل زماننا وناحيتنا برئ من أن يغفل وإنهم لكالناس وما يحتج منصف على امرئ بقول غيره إنما يحتج على المرء بقول نفسه.
(باب الحال التى يجب فيها الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله: ما أحب لاحد ترك الحج ماشيا إذا قدر عليه ولم يقدر على مركب رجل أو امرأة والرجل فيه أقل عذرا من المرأة ولا يبين لى أن أوجبه عليه لانى لم أحفظ عن أحد من المفتين أنه أوجب على احد ان يحج ماشيا وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجب المشى على أحد إلى الحج وإن أطاقه غير أن منها منقطعة ومنها ما يمتنع أهل العلم بالحديث من تثبيته (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم ابن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال قعدنا(2/126)
إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الحاج؟ فقال " الشعت التفل " فقام آخر فقال يا رسول الله أي الحج أفضل؟ قال " العج والثج " فقام آخر فقال يا رسول الله ما السبيل؟ فقال: زاد وراحلة (قال) وروى عن شريك بن أبى نمر عمن سمع أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " السبيل الزاد والراحلة ".
(باب الاستسلاف للحج) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبى أوفى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سألته عن الرجل لم يحج أيستقرض للحج؟ قال: لا (قال الشافعي) ومن لم يكن في ماله سعة يحج بها من غير أن يستقرض فهو لا يجد السبيل ولكن إن كان ذا عرض كثير فعليه أن يبيع بعض عرضه أو الاستدانة فيه حتى يحج فإن كان له مسكن وخادم وقوت أهله بقدر ما يرجع من الحج إن سلم فعليه الحج وإن كان له قوت أهله أو ما يركب به لم يجمعهما فقوت أهله ألزم له من الحج عندي والله أعلم، ولا يجب عليه الحج حتى يضع لاهله قوتهم في قدر غيبته، ولو آجر رجل نفسه من رجل يخدمه ثم أهل بالحج معه أجزأت عنه من حجة الاسلام وذلك أنه لم ينتقض من عمل الحج بالاجارة شئ إذا جاء بالحج بكماله ولا يحرم عليه أن يقوم بأمر غيره بغير أن ينقض من عمل الحج شيئا كما يقوم بأمر نفسه إذا جاء بما عليه وكما يتطوع فيخدم غيره لثواب أو لغير ثواب، أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال أو آجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك إلى إجر؟ فقال ابن عباس نعم
" أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب " ولو حج رجل في حملان غيره ومؤنته أجزأت عنه حجة الاسلام وقد حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر حملهم فقسم بين عوامهم غنما من ماله فذبحوها عما وجب عليهم وأجزأت عنهم وذلك أنهم ملكوا ما أعطاهم من الغنم فذبحوا ما ملكوا، ومن كفاه غيره مؤنته أجزأت عنه متطوعا أو بأجرة لم ينتقض حجه إذا أتى بما عليه من الحج، ومباح له أن يأخذه الاجرة ويقبل الصلة، غنيا كان أو فقيرا، الصلة لا تحرم على أحد من الناس إنما تحرم الصدقة على بعض الناس وليس عليه إذا لم يجد مركبا أن يسأل ولا يؤاجر نفسه وانما السبيل الذى يوجب الحج أن يجد المؤنة والمركب من شئ كان يملكه قبل الحج أو في وقته.
(باب حج المرأة والعبد) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهى ممن عليه الحج عندي والله أعلم وإن لم يكن معها ذو محرم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجب الحج إلا الزاد والراحلة، وإن لم تكن مع حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعدا لم تخرج مع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم، وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج وإن لم يكن معها محرم، أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سئل عطاء عن امرأة ليس(2/127)
معها ذو محرم ولا زوج معها ولكن معها ولائد وموليات يلين إنزالها وحفظها ورفعها؟ قال: نعم.
فلتحج (قال الشافعي) فإن قال قائل فهل من شئ يشبه غير ما ذكرت؟ قيل: نعم.
مالا يخالفنا فيه أحد علمته من أن المرأة يلزمها الحق وتثبت عليها الدعوى ببلد لا قاضى به فتجلب من ذلك البلد ولعل الدعوى تبطل عنها أو تأتى بمخرج من حق لو ثبت عليها مسيرة أيام مع غير ذى محرم إذا كانت معها امرأة وأن الله تعالى قال في المعتدات " ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فقيل يقام عليها الحد فإذا كان هذا هكذا فقد بين الله عزوجل أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها، وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة فهى بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم فإن قال قائل: مادل على هذا؟ قيل لم
يختلف الناس علمته أن المعتدة تخرج من بيتها لاقامة الحد عليها وكل حق لزمها، والسنة تدل على أنها تخرج من بيتها للنداء كما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس، فإذا كان الكتاب ثم السنة يدلان معا والاجماع في موضع على أن المرأة في الحال التى هي ممنوعة فيها من خروج إلى سفر أو خروج من بيتها في العدة إنما هو على أنها ممنوعة مما لا يلزمها ولا يكون سبيلا لما يلزمها وما لها تركه، فالحج لازم وهى له مستطيعة بالمال والبدن ومعها امرأة فأكثر ثقة، فإذا بلغت المرأة المحيض أو استكملت خمس عشرة سنة ولا مال لها تطيق به الحج يجبر أبواها ولا ولى لها ولا زوج المرأة على أن يعطيها من ماله ما يحجها به (قال) ولو أراد رجل الحج ماشيا وكان ممن يطيق ذلك لم يكن لابيه ولا لوليه منعه من ذلك (قال) ولو أرادت المرأة الحج ماشية كان لوليها منعها من المشى فيما لا يلزمها (قال) وإذا بلغت المرأة قادرة بنفسها ومالها على الحج فأراد وليها منعها من الحج أو أراده زوجها، منعها منه ما لم تهل بالحج، لانه فرض بغير وقت إلا في العمر كله، فإن أهلت بالحج فإذنه لم يكن له منعها، وإن أهلت بغير إذنه ففيها قولان، أحدهما أن عليه تخليتها، ومن قال هذا القول لزمه عندي أن يقول: لو تطوعت فأهلت بالحج أن عليه تخليتها من قبل أن من دخل في الحج ممن قدر عليه لم يكن له الخروج منه ولزمه، غير أنها إذا اتنفلت بصوم لم يكن له منعها ولزمه عندي في قوله أن يقول ذلك في الاعتكاف والصلاة.
والقول الثاني أن تكون كمن أحصر فتذبح وتقصر وتحل ويكون ذلك لزوجها (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها: هي بمنزلة الحصر (قال الشافعي) وأحب لزوجها أن لا يمنعها فإن كان واجبا عليه أن لا يمنعها كان قد أدى ما عليه وأن له تركه إياها أداء الواجب، وإن كان تطوعا أجر عليه إن شاء الله تعالى.
(الخلاف في هذا الباب) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فذهب بعض أهل الكلام إلى معنى سأصف ما كلمني به ومن قال قوله، فزعم أن فرض الحج على المستطيع إذا لزمه في وقت يمكنه أن يحج فيه فتركه في أول ما يمكنه كان آثما بتركه وكان كمن ترك الصلاة وهو يقدر على صلاتها حتى ذهب الوقت، وكان إنما يجزئه
حجه بعد أول سنة من مقدرته عليه قضاء كما تكون الصلاة بعد ذهاب الوقت قضاء، ثم أعطانا(2/128)
بعضهم ذلك في الصلاة إذا دخل وقتها الاول فتركها (1) فإن صلاها في الوقت، وفيما نذر من صوم، أو وجب عليه بكفارة أو قضاء، فقال فيه كله، متى أمكنه فأخره فهو عاص بتأخيره ثم قال في المرأة يجبر أبوها وزوجها على تركها لهذا المعنى وقاله معه غيره ممن يفتى ولا أعرف فيه حجة إلا ما وصفت من مذهب بعض أهل الكلام (قال الشافعي) وقال لى نفر منهم: نسألك من أين قلت في الحج للمرء أن يؤخره وقد أمكنه؟ فإن جاز ذلك جاز لك ما قلت في المرأة؟ قلت: استدالالا مع كتاب الله عزوجل بالحجة اللازمة، قالوا فاذكرها، قلت: نعم نزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحاج وتخلف هو عن الحج بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا، وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا كما تقولون لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه لانه لم يصل إلى الحج بعد فرض الحج إلا في حجة الاسلام التى يقال لها حجة الوداع، ولم يدع مسلما يتخلف عن فرض الله تعالى عليه وهو قادر عليه ومعهم ألوف كلهم قادر عليه لم يحج بعد فريضة الحج وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في وقتين وقال " ما بين هذين وقت " وقد أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة حتى نام الصبيان والنساء، ولو كان كما تصفون صلاها حين غاب الشفق وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها: إن كان ليكون على الصوم من شهر رمضان فما أقدر على أن أقضيه حتى شعبان وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لا مرأة أن تصوم يوما زوجها شاهد إلا بإذنه " (قال الشافعي) فقال لى بعضهم: فصف لى وقت الحج، فقلت الحج ما بين أن يجب على من وجب عليه إلى أن يموت أو يقضيه، فإذا مات علمنا أن وقته قد ذهب، قال: ما الدلالة على ذلك؟ قلت ما وصفت من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وكثير ممن معه وقد أمكنهم الحج، قال: فمتى يكون فائتا؟ قلت إذا مات قبل أن يؤديها أو بلغ مالا يقدر على أدائه من الافناد، قال فهل يقضى عنه؟ قلت: نعم.
قال: أفتوجدني مثل هذا؟ قلت: نعم.
يكون عليه الصوم في كل ما عدا شهر رمضان، فإذا مات قبل أن
يؤديه وقد أمكنه، كفر عنه، لانه كان قد أمكنه فتركه، وإن مات قبل ان يمكنه لم يكفر عنه لانه لم يمكنه أن يدركه قال أفرأيت الصلاة؟ قلت: موافقة لهذا في معنى، مخالفة له في آخر قال: وما المعنى الذى توافقه؟ فيه قلت إن للصلاة وقتين أول وآخر، فإن أخرها عن الوقت الاول كان غير مفرط حتى يخرج الوقت الآخر، فإذا خرج الوقت قبل أن يصلى كان آثما بتركه ذلك وقد أمكنه، غير أنه لا يصلى أحد عن أحد قال: وكيف خالفت بينهما؟ قلت: بما خالف الله ثم رسوله بينهما، ألا ترى أن الحائض تقضى صوما ولا تقضى صلاة ولا تصلى وتحج وأن من أفسد صلاته بجماع أعاد بلا كفارة في شئ منها، وأن من أفسد صومه بجماع كفر وأعاد وأن من أفسد حجه بجماع كفر غير كفارة الصيام وأعاد؟ قال: قد أرى افتراقهما فدع ذكره (قال الشافعي) فإن قال قائل فكيف لم تقل في المرأة تهل بالحج فيمنعها وليها أنه لا حج عليها ولا دم إذ لم يكن لها ذلك، وتقول ذلك في المملوك؟ قلت إنما أقول لا حج عليها ولا دم على من كان لا يجوز له بحال أن يكون محرما في الوقت الذى يحرم فيه والاحرام لهذين جائز (2) بأحوال أو حال ليسا ممنوعين منه بالوقت الذى أحرما فيه إنما كانا ممنوعين منه بأن لبعض
__________
(1) قوله: فإن صلاها الخ كذا في النسخ، ولعل في الكلام تحريفا أو نقصا، فانظر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: بأحوال أو حال، كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/129)
الآدميين عليهما المنع ولو خلاهما كان إحراما صحيحا عنهما معا، فإن قال: فكيف قلت ليهريقا الدم في موضعهما قلت: نحر النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل إذ أحصر، فإن قال: ويشبه هذا المحصر؟ قيل: لا أحسب شيئا أولى أن يقاس عليه من المحصر، وهو في بعض حالاته في أكثر من معنى المحصر، وذلك أن المحصر مانع من الآدميين بخوف من الممنوع فجعل له الخروج من الاحرام وإن كان المانع من الآدميين متعديا بالمنع، فإذا كان لهذه المرأة والمملوك مانع من الآدميين غير متعد كانا مجامعين له في منع بعض الآدميين وفى أكثر منه، من أن الآدمى الذى منعهما، له منعهما (قال الشافعي) في العبد يهل بالحج من غير إذن سيده فأحب إلى أن يدعه سيده وله منعه، وإذا منعه فالعبد كالمحصر لا يجوز فيه إلا قولان والله أعلم، أحدهما أن ليس عليه إلا دم لا يجزيه غيره فيحل إذا كان
عبدا غير واجد للدم ومتى عتق ووجد ذبح، ومن قال هذا في العبد قاله في الحر يحصر بالعدو وهو لا يجد شيئا يحلق ويحل ومتى أيسر أدى الدم، والقول الثاني أن تقوم الشاة دراهم والدراهم طعاما، فإن وجد الطعام تصدق به وإلا صام عن كل مد يوما والعبد بكل حال ليس بواجد فيصوم (قال الشافعي) ومن ذهب هذا المذهب قاسه على ما يلزمه من هدى المتعة فإن الله عز وجل يقول " فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فيصام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " فلو لم يجد هديا ولم يصم لم يمنعه ذلك من أن يحل من عمرته وحجه ويكون عليه بعده الهدى أو الطعام، فيقال إذا كان للمحصر أن يحل بدم يذبحه فلم يجده حل وذبح متى وجد أو جاء بالبدل من الذبح إذا كان له بدل ولا يحبس للهدى حراما على أن يحل في الوقت الذى يؤمر فيه بالاحلال، وقاسه من وجه آخر أيضا على ما يلزمه من جزاء الصيد فإن الله تعالى يقول " يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " فيقول: إن الله عزوجل لما ذكر الهدى في هذا الموضع وجعل بدله غيره، وجعل في الكفارات أبدالا، ثم ذكر في المخصر الدم ولم يذكر غيره كان شرط الله جل ثناؤه الابدال في غيره مما يلزم ولا يجوز للعالم أن يجعل ما أنزل مما يلزم في النسك مفسرا دليلا على ما أنزل مجملا فيحكم في المجمل حكم المفسر كما قلنا في ذكر رقبة مؤمنة في قتل، مثلها رقبة في الظهار وإن لم يذكر مؤمنة فيه، وكما قلنا في الشهود حين ذكروا عدولا وذكروا في موضع آخر فلم يشترط فيهم العدول: هم عدول في كل موضع على ما شرط الله تعالى في الغير حيث شرطه، فاستدللنا والله اعلم على أن حكم المجمل حكم المفسر إذا كانا في معنى واحد والبدل ليس بزيادة وقد يأتي موضع من حكم الله تعالى لا نقول هذا فيه: هذا ليس بالبين أن لازما أن نقول هذا في دم الاحصار كل البيان وليس بالبين وهو مجمل والله اعلم.
(قال الشافعي) في المرأة المعتدة من زوج له عليها الرجعة، تهل بالحج، إن راجعها فله منعها، وإن لم يراجعها منعها حتى تنقضي العدة، فإذا انقضت العدة فهى مالكة لامرها ويكون لها أن تتم على الحج، وهكذا المالكة لامرها الثيب تحرم يمنع وليها من حبسها ويقال لوليها: إن شئت فاخرج معها وإلا بعثنا بها مع نساء ثقات، فإن لم تجد نساء ثقة لم يكن لها في سفر أن تخلو برجل ولا امرأة معها، فإن قال قائل: كيف لم تبطل إحرامها إذا أحرمت في العدة؟ قلت إذا كانت تجد السبيل
إليه بحال لم أعجل بإبطاله حتى أعلم أن لا تجد السبيل إليه، وإن أهلت في عدت من وفاة أو هي قد أتى على طلاقها لزمها الاهلال ومنعها الخروج حتى تتم عدتها، فإن انقضت خرجت فإن أدركت حجا وإلا حلت بعمل عمرة، فإن قال قائل: فلم لا تجعلها محصرة بمانعها؟ قلت له منعها إلى مدة فإذا بلغتها لم يكن له منعها وبلوغها أيام يأتي عليها ليس منعها بشئ إلى غيرها ولا يجوز لها الخروج حتى(2/130)
قيل قد يعتق قبل عتقه شئ يحدثه غيره له أو لا يحدثه وليس كالمعتدة فيما لمانعها من منعها فلو أهل عبد بحج فمنعه سيده حل وإن عتق بعدما يحل فلا حج عليه إلا حجة الاسلام وإن عتق قبل أن يحل مضى في إحرامه، كما يحصر الرجل بعدو فيكون له أن يحل، فإن لم يحل حتى يأمن العدو، لم يكن له أن يحل وكان عليه أن يمضى في إحرامه، ولو أن امرأة مالكة لامرها أهلت بحج ثم نكحت، لم يكن لزوجها منعها من الحج لانه لزمها قبل أن يكون لها منعها ولا نفقة لها عليه في مضيها ولا في إحرامها في الحج لانها مانعة لنفسها بغير إذنه، كان معها في حجها أو لم يكن، ولا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم (قال الربيع) هذه المسألة فيها غلط لان الشافعي يقول لا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم فلما أهلت هذه بحج ثم نكحت كان نكاحها باطلا، ولم يكن لها زوج يمنعها وتمضى في حجها وليس لها زوج تلزمه النفقة لها لانها ليست في أحكام الزوجات، ولعل الشافعي إنما حكى هذا القول في قول من يجيز نكاح المحرم، فأما قوله: فإنه لا يجوز نكاح المحرم ولا المحرمة، وهذا له في كتاب الشغار (قال الشافعي) وعلى ولى السفيهة البالغة إذا تطوع لها ذو محرم وكان لها مال أن يعطيها من مالها ما تحج به إذا شاءت ذلك، وكان لها ذو محرم يحج بها أو خرجت مع نساء مسلمات.
(باب المدة التى يلزم فيها الحج ولا يلزم) (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية وإن لم يستكملا خمس عشرة سنة أو استكملا خمس عشرة سنة قبل البلوغ وهما غير مغلوبين على عقولهما، واجدان، مركبا وبلاغا، مطيقان المركب، غير محبوسين عن الحج بمرض ولا سلطان ولا عدو، وهما في الوقت الذى بلغا فيه
قادران بموضع، لو خرجا منه، فسارا بسير الناس قدرا على الحج فقد وجب عليهما الحج، فإن لم يفعلا حتى ماتا فقد لزمهما الحج، وعليهما بأنهما قادران عليه في وقت يجزئ عنهما لو مضيا فيه حتى يقضى عنهما الحج، وإن كانا بموضع يعلمان أن لو خرجا عند بلوغهما، لم يدركا الحج لبعد دارهما أو دنو الحج، فلم يخرجا للحج ولم يعيشا حتى أتى عليهما حج قابل، فلا حج عليهما، ومن لم يجب الحج عليه فيدعه وهو لو حج أجزأه، لم يكن عليه قضاؤه، ولو كانا إذا بلغا فخرجا يسيران سيرا مباينا لسير الناس في السرعة حتى يسيرا مسيرة يومين في سير العامة في يوم، ومسيرة ثلاث في يومين، لم يلزمهما عندي والله أعلم، أن يسيرا سيرا يخالف سير العامة، هذا كله لو فعلا كان حسنا، ولو بلغا عاقلين ثم لم يأت عليهما مخرج أهل بلادهما حتى غلب على عقولهما ولم ترجع إليهما عقولهما في وقت لو خرجا فيه أدركا حجا، لم يلزمهما أن يحج عنهما، وإنما يلزمهما أن يحج عنهما إذا أتى عليهما وقت يعقلان فيه ثم لم تذهب عقولهما حتى يأتي عليهما وقت لو خرجا فيه إلى الحج بلغاه فإن قال قائل: ما فرق بين المغلوب على عقله وبين المغلوب بالمرض؟ قيل الفرائض على المغلوب على عقله زائلة في مدتها كلها، والفرائض على المغلوب بالمرض العاقل على بدنه غير زائلة في مدته، ولو حج المغلوب على عقله لم يجز عنه لا يجزى عمل على البدن لا يعقل عامله قياسا على قول الله عزوجل " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه، ولو كان بلوغهما في عدم جدب الاغلب فيه على الناس خوف الهلكة بالعطش في سفر أهل ناحية هما فيها، أو لم يكن مالا بد لهم منه من علف موجود فيه، أو في خوف من عدو(2/131)
لا يقوى جماعة حاج مصرهما عليه أو اللصوص كذلك، أشبه هذا والله أعلم أن يكون من أراد فيه الحج غير مستطيع له، فيكون غير لازم له بأنه غير مستطيع، فإن مات قبل أن يمكنه الحج بتغير هذا، لم يكن عليه حج، وكذلك لو حج أول ما بلغ فأحصر بعدو فنحر وحل دون مكة ورجع فلم يمكنه الحج حتى يموت، لم يكن عليه حج، ولو كان ما وصفت من الحائل في البر، وكان يقدر على الركوب في البحر، فيكون له طريقا، أحببت له ذلك، ولا يبين لى أنه يجب عليه ركوب البحر للحج
لان الاغلب من ركوب البحر خوف الهلكة، ولو بلغا مغلوبين على عقولهما فلم يفيقا فتأتى عليهما مدة يعقلان فيها ويمكنهما الحج لم يكن عليهما، وإذا بلغا معا فمنعا الحج بعدو حائل بين أهل ناحيتهما معا وبين الحج، ثم لم يأت عليهما مدة وقت الحج، يقدران هما ولا غيرهما من أهل ناحيتهما فيه على الحج، فلا حج عليهما يقضى عنهما إن ماتا قبل تمكنهما أو أحد من أهل ناحيتهما من الحج، ولو حيل بينهما خاصة بحبس عدو أو سلطان أو غيره وكان غيرهما يقدر على الحج ثم ماتا ولم يحجا كان هذان ممن عليه الاستطاعة بغيرهما ويقضى الحج عنهما، وكذلك لو كان حبس ببلده أو في طريقه بمرض أو زمن لا بعلة غيره وعاش حتى الحج غير صحيح ثم مات قبل أن يصح وجب عليه الحج، وجماع هذا أن يكون البالغان إذا لم يقدرا بأى وجه ما كانت القدرة بأبدانهما وهما قادران بأموالهما وفى ناحيتهما من يقدر على الحج غيرهما ثم ماتا قبل أن يحجا فقد لزمهما الحج، إنما يكون غير لازم لهما إذا لم يقدر أحد من أهل ناحيتهما على الحج ببعض ما وصفت، فإن قال قائل: ما خالف بين هذا وبين المحصر بما ذكرت من عدو وحدث؟ قيل ذلك لا يجد السبيل بنفسه إلى الحج ولا إلى أن يحج عنه غيره من ناحيته، من قبل أن غيره في معناه في خوف العدو والهلكة بالجدب والزمن والمرض، وإن كان معذورا بنفسه فقد يمكنه أن يحج عنه صحيح غيره، ومثل هذا أن يحبسه سلطان عن حج أو لصوص وحده، وغيره يقدر على الحج فيموت، فعليه أن يحج عنه، والشيخ الفاني أقرب من العذر من هذين، وقد وجب عليه أن يحج عنه إذا وجد من يحج عنه (باب الاستطاعة بنفسه وغيره) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الله " من استطاع إليه سبيلا " على معنيين: أحدهما: أن يستطيعه بنفسه وماله، والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة، لا يقدر معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه، إما بشئ يعطيه إياه وهو واجد له، وإما بغير شئ، فيجب عليه أن يعطى إذا وجد، أو يأمر إن أطيع، وهذه إحدى الاستطاعتين، وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبى يبلغ كذلك أو
العبد يعتق كذلك، ويجب عليه ان قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره وإن لم يثبت على غيره، أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب، وإن كان واحد من هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا، فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه، وجماع الطاعة التى توجب الحج وتفريعها اثنان، أحدهما أن يأمر فيطاع بلا مال، والآخر أن يجد مالا يستأجر به من يطيعه، فتكون إحدى الطاعتين، ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن(2/132)
يخف ذلك عليه، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحج عن أبيها إذ أسلم وهو لا يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره، إذا كان في هذه الحال، والميت أولى أن يجوز الحج عنه، لانه في أكثر من معنى هذا الذى لو تكلف الحج بحال أجزأه، والميت لا يكون فيه تكلف أبدا.
(باب الحال التى يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب أن يحج المرء عن غيره فاحتمل القياس على هذا وجهين، أحدهما أن الله تعالى فرض على خلقه فرضين، أحدهما فرض على البدن، والآخر فرض في المال، فلما كان ما فرض الله على الابدان عليها لا يتجاوزها، مثل الصلاة والحدود والقصاص وغيرها، ولا يصرف عنها إلى غيرها بحال، وكان المريض يصلى كما رأى، ويغلب على عقله فيرتفع عنه فرض الصلاة، وتحيض المرأة فيرتفع عنها فرض الصلاة في وقت الغلبة على العقل والحيض، ولا يجزى المغلوب على عقله صلاة صلاها وهو مغلوب على عقله، وكذلك الحائض لا تجزيها صلاة صلتها وهى حائض، ولا يجب عليهما أن يصلى عنهما غيرهما في حالهما تلك، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء أن يحج عن غيره حجة الاسلام، كان هذا كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الاسلام وعمرته، وكل ما وجب على المرء بإيجابه على نفسه من حج وعمرة وكان ما سوى هذا من حج تطوع أو عمرة تطوع لا يجوز لاحد أن يحجه عن أحد ولا يعتمر في حياته ولا بعد موته، ومن قال هذا، كان وجها محتملا ولزمه أن يقول لو أوصى رجلا أن يحج عنه
تطوعا بطلت الوصية كما لو أوصى أن يصلى عنه بطلت الوصية ولزمه أن يقول إن حج أحد عن أحد بوصية فهى في ثلثه والاجارة عليه فاسدة، ثم يكون القول فيما أخذ من الاجارة على هذا واحدا من قولين: أحدهما أن له أجر مثله ويرد الفضل مما أخذ عليه ويلحق بالفضل إن كان نقصه كما يقول في كل إجارة فاسدة، الآخر أن لا أجرة له لان عمله عن نفسه لا عن غيره، والقول الثاني أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر المرء ان يحج عن غيره في الواجب، دل هذا على أن يكون الفرض على الابدان من وجهين، أحدهما مالا يعمله المرء عن غيره، مثل الصلاة، ولا يحمله عنه غيره مثل الحدود وغيرها، والآخر النسك من الحج والعمرة فيكون للمرء أن يعمله عن غيره متطوعا عنه أو واجبا عليه إذا صار في الحال التى لا يقدر فيها على الحج، ولا يشبه أن يكون له أن يتطوع عنه، والمتطوع عنه يقدر على الحج، لان الحال التى أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالحج عنه هي الحال التى لا يقدر فيها على أن يحج عن نفسه ولانه لو تطوع عنه وهو يقدر على الحج لم يجز عنه من حجة الاسلام، فلما كان هو لو تطوع عن نفسه كانت حجة الاسلام وإن لم ينوها فتطوع عنه غيره لم يجز عنه، وقد ذهب عطاء مذهبا يشبه أن يكون أراد أنه يجزى عنه أن يتطوع عنه بكل نسك من حج أو عمرة إن عملهما مطيقا أو غير مطيق، وذلك أن سفيان أخبرنا عن يزيد مولى عطاء قال: ربما أمرنى عطاء أن أطوف عنه (قال الشافعي) فكأنه ذهب إلى أن الطواف من النسك وأنه يجزى أن يعمله المرء عن غيره في أي حال ما كان، وليس نقول بهذا، وقولنا لا يعمل أحد عن أحد إلا والمعمول عنه غير مطيق العمل، بكبر أو مرض لا يرجى أن يطيق بحال، أو بعد موته، وهذا أشبه بالسنة والمعقول، لما(2/133)
وصفت من أنه لو تطوع عنه رجل والمتطوع عنه يقدر على الحج لم يجز المحجوج عنه (قال) ومن ولد زمنا لا يستطيع أن يثبت على مركب، محمل ولا غيره، أو عرض ذلك له عند بلوغه، أو كان عبدافعتق، أو كافرا فأسلم فلم تأت عليه مدة يمكنه فيها الحج حتى يصير بهذه الحال، وجب عليه إن وجد من يحج عنه بإجارة أو غير إجارة، وإذا أمكنه مركب محمل أو (1) شجار أو غيره فعليه أن يحج ببدنه، وإن لم يقدر على الثبوت على بعير أو دابة إلا في محمل أو شجار وكيفما قدر على المركب وأى مركب قدر عليه،
فعليه أن يحج بنفسه، لا يجزيه غيره (قال) ومن كان صحيحا يمكنه الحج فلم يحج حتى عرض له هذا، كان له أن يبعث من يحج عنه، لانه قد صار إلى الحال التى أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج فيها عمن بلغها (قال) ولو كان به مرض يرجى البرء منه، لم أرله أن يبعث أحدا يحج عنه حتى يبرأ فيحج عن نفسه، أو يهرم فيحج عنه أو يموت فيحج عنه بعد الموت، فإن قال قائل: ما الفرق بين هذا المريض المضنى وبين الهرم أو الزمن؟ قيل له لم يصر أحد علمته بعد هرم لا يخلطه سقم غيره إلى قوة يقدر فيها على المركب، والاغلب من أهل الزمانة أنهم كالهرم، وأما أهل السقم فنراهم كثيرا يعودون إلى الصحة (قال) ولو حج رجل عن زمن ثم ذهبت زمانته، ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج عن نفسه، كان عليه أن يحج عن نفسه، لانا إنما أذنا له على ظاهر أنه لا يقدر، فلما أمكنته المقدرة على الحج لم يكن له تركه وهو يقدر على أن يعمله ببدنه والله اعلم (قال) ولو بعث السقيم رجلا يحج عنه فحج عنه ثم برأ وعاش بعد البرء مدة يمكنه أن يحج فيها فلم يحج حتى مات كان عليه الحج، وكذلك الزمن والهرم (قال) والزمن والزمانة التى لا يرجى البرء منها والهرم، في هذا المعنى.
ثم يفارقهم المريض، فلا نأمره أن يبعث أحدا يحج عنه ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحج عنهما، فإن بعث المريض من يحج عنه ثم لم يبرأ حتى مات ففيها قولان، أحدهما أن لا يجزئ عنه لانه قد بعث في الحال التى ليس له أن يبعث فيها، وهذا أصح القولين وبه آخذ.
والثانى أنها مجزية عنه، لانه قد حج عنه حر بالغ وهو لا يطيق، ثم لم يصر إلى أن يقوى على الحج بعد أن حج عنه غيره، فيحج عن نفسه.
(باب من ليس له أن يحج عن غيره) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول " لبيك عن فلان " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إن كنت حججت فلب عن فلان وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه " أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبى قلابة قال: سمع ابن عباس رجلا يقول " لبيك عن شبرمة " فقال ابن عباس " ويحك وما شبرمة؟ " قال فذكر قرابة له فقال " أحججت عن نفسك " فقال: لا قال " فاحجج عن
نفسك ثم أحجج عن شبرمة " (قال الشافعي) وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها ففى ذلك دلائل منها ما وصفنا من أنها إحدى الاستطاعتين، وإذا أمرها بالحج عنه فكان في *
__________
(1) شجار: بوزن كتاب، هو الهودج الصغير الذى يكفى واحدا فقط، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.(2/134)
الحال التى أمر فيها بالحج عنه وكان كقضاء الدين عنه، فأبان أن العمل عن بدنه في حاله تلك، يجوز أن يعمله عنه غيره فيجزئ عنه ويخالف الصلاة في هذا المعنى.
فسواء من حج عنه من ذى قرابة أو غيره، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحج عن رجل وهما مجتمعان في الاحرام كله إلا اللبوس، فإنهما يختلفان في بعضه، فالرجل أولى أن يجوز حجه عن الرجل والمرأة من المرأة عن الرجل وكل جائز مع ما روى عن طاوس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبنا مما يستغنى فيه بنص الخبر، ولو أن امرأ لم يجب عليه الحج إلا وهو غير مطيق ببدنه لم يكن على أحد غيره واجبا أن يحج عنه، وأحب إلى أن يحج عنه ذو رحمه، وإن كان ليس عليه أو يستأجر من يحج عن من كان، ولو كان فقيرا لا يقدر على زاد ومركب وإن كان بدنه صحيحا فلم يزل كذلك حتى أيسر قبل الحج بمدة لو خرج فيها لم يدرك الحج ثم مات قبل أن يأتي عليه حج آخر لم يجب عليه حج يقضى، ولو أيسر في وقت لا يمكنه فيه الحج فأقام موسرا إلى أن يأتي عليه أشهر الحج ولم يدن الوقت الذى يخرج فيه أهل بلده لموافاة الحج حتى صار لا يجد زادا ولا مركبا ثم مات قبل حجه ذلك أو قبل حج آخر يوسر فيه، لم يكن عليه حج، إنما يكون عليه حج إذا أتى عليه وقت حج بعد بلوغ ومقدرة، ثم لم يحج حتى يفوته الحج، ولو كان موسرا محبوسا عن الحج، وجب عليه أن يحج عن نفسه غيره، أو يحج عنه بعد موته وهذا مكتوب في غير هذا الموضع.
(باب الاجارة على الحج) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده، والاجارة على الحج جائزة جوازها على الاعمال سواه، بل
الاجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على مالا بر فيه، ويأخذ من الاجارة ما أعطى وإن كثر كما يأخذها على غيره، لا فرق بين ذلك، ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الاجير وكان زاد المحجوج عنه خيرا لانه قد جاء بحج وزاد معه عمرة ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن غيره فالاجارة جائزة، والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه، ولا تجوز الاجارة على أن يقول تحج عنه من بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا، لانه يجوز الاحرام من كل موضع، فإذا لم يقل هذا فالاجارة مجهولة، وإذا وقت له موضعا يحرم منه فأحرم قبله ثم مات فلا إجارة له في شئ من سفره، وتجعل الاجارة له من حين أحرم من الميقات الذى وقت له إلى أن يكمل الحج، فإن أهل من وراء الميقات لم تحسب الاجارة إلا من الميقات، وإن مر بالميقات غير محرم فمات قبل أن يحرم فلا إجارة له لانه لم يعمل في الحج، وإن مات بعدما أحرم من وراء الميقات حسبت له الاجارة من يوم أحرم من وراء الميقات ولم تحسب له من الميقات إذا لم يحرم منه لانه ترك العمل فيه، وإن خرج للحج فترك الاحرام والتلبية وعمل عمل الحج أو لم يعمله إذا قال لم أحرم بالحج أو قال اعتمرت ولم أحج أو قال استؤجرت على الحج فاعتمرت فلا شئ له، وكذلك لو حج فأفسده لانه تارك للاجارة مبطل لحق نفسه ولو استأجره ليحج عنه على أن يحرم من موضع فأحرم منه ثم مات في الطريق فله من الاجارة بقدر ما مضى من سفره أو استأجره على أن يهل من وراء الميقات ففعل فقد قضى بعض ما استأجره عليه، وإذا استأجره فإنما عليه أن يحرم من الميقات، وإحرامه قبل الميقات تطوع، ولو استأجره على(2/135)
أن يحج عنه من اليمن فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى الميقات الذى استؤجر عليه فأهل بحج عن الذى استأجره، فلا يجزيه إذا أهل بالعمرة عن نفسه إلا أن يخرج إلى ميقات المستأجر الذى شرط أن يهل منه فيهل عنه بالحج منه، فإن لم يفعل وأهل بالحج من دون الميقات فكان عليه أن يهل فبلغ الميقات فأهل منه بالحج عنه أجزأ عنه وإلا أهراق دما، وذلك من ماله دون مال المستأجر، ويرد من الاجارة بقدر ما يصيب ما بين الميقات الموضع الذي أحرم منه لانه شئ من عمله نقصه، ولا يحسب الدم على المستأجر لانه بعمله كان ويجزئه الحج على كل حال شرط عليه أن يهل من دون الميقات أو من وراء الميقات
أو منه وكل شئ أحدثه الاجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية فالفدية عليه في ماله دون مال المستأجر، ولو أهل بالحج بعد العمرة عن نفسه من ميقات المستأجر عن المستأجر ثم مات قبل أن يقضى الحج، كان له من الاجارة بقدر ما عمل من الحج وقد قيل لا أجر له إلا أن يكمل الحج، ومن قال هذا القول قاله في الحاج عن الرجل لا يستوجب من الاجارة شيئا إلا بكمال الحج وهذا قول يتوجه، والقياس القول الاول لان لكل حظا من الاجارة، ولو استأجره يحج عنه فأفسد الحج كان عليه أن يرد جميع ما استأجره به، وعليه أن يقضى عن نفسه من قابل من قبل أنه لا يكون حاجا عن غيره حجا فاسدا، وإذا صار الحج الفاسد عن نفسه فعليه أن يقضيه عن نفسه، فلو حجه عن غيره كان عن نفسه، ولو أخذ الاجارة على قضاء الحج الفاسد ردها لانها لا تكون عن غيره، ولو كان إنما أصاب في الحج ما عليه فيه الفدية مما لا يفسد الحج كانت عليه الفدية فيما أصاب والاجارة له، ولو أستأجره للحج فأحصر بعدو ففاته الحج ثم دخل فطاف وسعى وحلق أن له من الاجارة بقدر ما بين أن أهل من الميقات إلى بلوغه الموضع الذى حبس فيه في سفره لان ذلك ما بلغ من سفره في حجه الذى له الاجارة حتى صار غير حاج وإنما أخذ الاجارة على الحج وصار يخرج من الاحرام بعمل ليس من عمل الحج ولو استأجر رجل رجلا على أن يحج عنه فاعتمر عن نفسه ثم اراد الحج عن المستأجر خرج إلى ميقات المحجوج عنه فأهل عنه منه لا يجزيه غير ذلك فإن لم يفعل أهراق دما ولو استأجر رجل رجلا يحج عن رجل فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى ميقات المحجوج عنه الذي شرط أن يهل عنه منه إن كان الميقات الذى وقت له بعينه فأهل بالحج عنه أجزأت عن المحجوج عنه، فإن ترك ميقاته وأحرم من مكة أجزأه الحج وكان عليه دم لترك ميقاته من ماله ورجع عليه مما استؤجر به بقدر ما ترك مما بين الميقات ومكة ولو استأجره على أن يتمتع عنه فأفرد أجزأت الحجة عنه ورجع بقدر حصة العمرة من الاجارة لانه استأجره على عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يفرد فقرن عنه كان زاده عمرة (1) وعلى المستأجر دم القرآن وهو كرجل استؤجر أن يعمل عملا فعمله وزاد آخر معه فلا شئ له في زيادة العمرة لانه متطوع بها، ولو استأجره على أن يقرن عنه فأفرد الحج أجزأ عنه الحج وبعث غيره يعتمر عنه إن كانت العمرة الواجبة ورجع عليه بقدر حصة العمرة من الاجارة لانه استأجره على
__________
(1) قوله: وعلى المستأجر دم القران كذا في النسخ، وإن كسرت جيم المستأجر فالحكم مخالف لما تقدم في مثل هذا الفرع أول الباب من أن دم القرآن على الاجير، ومخالف أيضا للكلية السابقة وهى قوله " وكل شئ أحدثه الاجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية، فالفدية عليه في ماله دون مال المستأجر " اه فيتعين فتح جيم المستأجر، إلا أن يكون محرفا عن الاجير، كتبه مصححه.(2/136)
عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يحج عنه فأهل بعمرة عن نفسه وحجة عن المستأجر رد جميع الاجارة من قبل أن سفرهما وعملهما واحد، وأنه لا يخرج من العمرة إلى الحج ولا يأتي بعمل الحج دون العمرة لانه لا يكون له أن ينوى جامعا بين عملين أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره ولا يجوز أن يكونا معا عن المستأجر لانه نوى أحدهما عن نفسه فصارا معا عن نفسه لان عمل نفسه أولى به من عمل غيره إذا لم يتميز عمل نفسه من عمل غيره، ولو استأجر رجل رجلا يحج عن ميت فأهل بحج عن ميت ثم نواه عن نفسه كان الحج عن الذى نوى الحج عنه وكان القول في الاجرة واحدا من قولين، أحدهما أنه مبطل لها الترك حقه فيها، والآخر أنها له.
لان الحج عن غيره، ولو استأجر رجلان رجلا يحج عن أبويهما، فأهل بالحج عنهما معا كان مبطلا لاجارته وكان الحج عن نفسه، لا عن واحد منهما، ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته وإذا مات الرجل وقد وجبت عليه حجة الاسلام ولم يحج قط فتطوع متطوع قد حج حجة الاسلام بأن يحج عنه فحج عنه أجزأ عنه ثم لم يكن لوصيه أن يخرج من ماله شيئا ليحج عنه غيره ولا أن يعطى هذا شيئا لحجه عنه لانه حج عنه متطوعا، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية أن تحج عن أبيها ورجلا أن يحج عن أمه ورجلا أن يحج عن أبيه لنذر نذره أبوه دل هذا دلالة بينة أنه يجوز أن تحرم المرأة عن الرجل ولو لم يكن فيه هذا كان أن يحرم الرجل عن الرجل والرجل عن المرأة أولى، من قبل أن الرجل أكمل إحراما من المرأة وإحرامه كإحرام الرجل فأى رجل حج عن امرأة أو رجل أو امرأة حجت عن امرأة أو عن رجل أجزأ ذلك المحجوج عنه، إذا كان الحاج قد حج حجة الاسلام.
(باب من أين نفقة من مات ولم يحج؟) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وطاوس أنهما قالا الحجة الواجبة من رأس المال (قال الشافعي) وقال غيرهما لا يحج عنه إلا أن يوصى، فإن أوصى حج عنه من ثلثه إذا بلغ ذلك الثلث وبدئ على الوصايا لانه لازم فإن لم يوص لم يحج عنه من ثلث ولا من غيره (1) إذا أنزلت الحج عنه وصيه خاص أهل الوصايا ولم يبدأ غيره من الوصايا ومن قال هكذا فكان يبدأ بالعتق بدأ عليه (قال) والقياس في هذا أن حجة الاسلام من رأس المال، فمن قال هذا قضى أن يستأجر عنه بأقل ما يقدر عليه وذلك أن يستأجر رجل من أهل ميقاته أو قربه لتخف مؤنته ولا يستأجر رجل من بلده إذا كان بلده بعيدا إلا ان يبدل ذلك بما يوجد به رجل قريب، ومن قال هذا القول قاله في الحج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ورآه دينا عليه وقاله في كل ما كان في معناه وقاله في كل ما أوجبه الله عزوجل عليه فلم يكن له مخرج منه إلا بأدائه ولم يكن له خيار فيه مثل زكاة المال وما كان، لا يكون أبدا إلا واجبا عليه شاء أو كره بغير شئ أحدثه هو لان حقوق الآدميين إنما وجبت لهم من رأس المال وهذا من حقوق الآدميين، أمر أن يؤديه إلى صنف منهم بعينه فجمع أن وجب وجوب الحج بفرض الله عزوجل وأن كان كما وصفت للادميين، ومن قال هذا بدأ هذا على جميع ما معه من الوصايا والتدبير وحاص به أهل الدين قبل الورثة إذا جعله الله واجبا وجوب
__________
(1) قوله: إذا أنزلت الخ، كذا في النسخ وانظر.
كتبه مصححه.(2/137)
ما للادميين، وهذا قول يصح والله أعلم، ومن قال هذا قاله في الحج إن لم يبلغ إلا مريضا ثم لم يصح حتى مات مريضا أنه واجب عليه لا وصية لان الواجب على المريض والصحيح سواء فأما ما لزمه من كفارة يمين أو غيره فإن أوصى به فقد قيل يكون في ثلثه كالوصايا وقيل بل لازم وما لزمه من شئ ألزمه نفسه من نذر أو كفارة قتل أو ظهار وهو واجد فقد يخالف ما لزمه بكل حال من قبل أنه قد كان ولم يجب عليه فإنما أوجبه على نفسه، فيختلفان في هذا، ويجتمعان في أنه قد أوجب كلا منهما فأوجب هذا وأوجب إقرار الآدمى فيحتمل أن يقال هما لازمان معا وأنا استخير الله تعالى فيه.
(باب الحج بغير نية) (قال الشافعي) رحمه الله: أحب أن ينوى الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في كل واجب عليه غيرهما فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الاسلام ينوى أن يكون تطوعا أو ينوى أن يكون عن غيره أو أحرم فقال إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الاسلام فإن قال قائل مادل على ما وصفت؟ قلت فإن مسلم بن خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول قدم على رضى الله عنه من سعايته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بم أهلت يا على؟ " قال، بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال " فأهد وامكث حراما كما أنت " قال وأهدى له على هديا (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصرى من بين راكب وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينوى إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند المروة قال " أيها الناس من لم يكن معه هدى فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما أهديت " فحل من لم يكن معه هدى، أخبرنا مسلم ابن خالد عن ابن جريج عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبى بكر قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان معه هدى فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدى فليحلل " ولم يكن معى هدى فحللت، وكان مع الزبير هدى فلم يحلل، أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذى القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ماهذا؟ قالوا ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه، قال يحيى فحدثت به القاسم ابن محمد فقال جاءتك والله بالحديث على وجهه، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا
يخالف معناه، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن حمد عن أبيه عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكى فقال " مالك أنفست؟ " فقلت: نعم فقال: " إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقصى ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " قالت(2/138)
وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة وقال " لو استقبلت من امرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولكننى لبدت رأسي وسقت هديى فليس لى محل دون محل هديى " فقال إليه سراقة بن مالك فقال يارسول الله " اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لابد؟ " فقال " لا، بل لابد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " قال ودخل على من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بم أهللت؟ " فقال أحدهما عن طاوس إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء فعقدوا الاحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء، فنزل القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر من لا هدى معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدى أن يجعله حجا (قال الشافعي) ولبى على وأبو موسى الاشعري باليمن وقالا في تلبيتهما " إهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما بالمقام على إحرامهما، فدل هذا على الفرق بين الاحرام والصلاة لان الصلاة لاتجزى عن أحد إلا بأن ينوى فريضة بعينها وكذلك الصوم، ويجزئ بالسنة الاحرام، فلما دلت السنة على أنه يجوز للمرء أن يهل وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة، ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج عن نفسه كانت الحجة عن نفسه وكان هذا معقولا في السنة مكتفى به عن غيره، وقد ذكرت فيه
حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيا لابن عباس رضى الله عنهما متصلا (قال) ولا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان حجهما لانفسهما لا يجزئ عنهما من حجة الاسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم (قال) وأمر الحج والعمرة سواء، فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه، ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر مسلم (قال) ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة، وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر، أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة، ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن نفسه ثم عمله عنه، ولا يجزيه النسك الذى لم يعمله العامل عن نفسه، وإذا كان ممن له أن يبعث من يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا (قال) وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزى رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة (قال الشافعي) ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزى عنه بعد موته وفى الحال التي لا يطيق فيها الحج فكذلك يعمله عنه متطوعا وهكذا كل شئ من أمر النسك، أخبرنا ابن عيينة عن يزيد مولى عطاء قال ربما قال لى عطاء، طف عنى (قال الشافعي) وقد يحتمل أن يقال لا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الاسلام وعمرته ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التى لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه،(2/139)
وإنى لا أعلم مخالفا في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزى عنه من حجة الاسلام، فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأدية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها، لم يجز، ما لم يكن ضرورة مثله (قال الشافعي) ولو أهل رجلا بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الاسلام لانه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة
الاسلام ولا عمرة نذر عليه لانها ليست بعمرة، وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين، أحدهما أنه حج سنة فلا يدخل في حج سنة غيرها، والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج، ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزئ عنه من عمرة الاسلام لانه لا وجه للاهلال إلا بحج أو عمرة، فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته، لان ابتداء ذلك الحج كان حجا، وابتداء هذا الحج كان عمرة، وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة (قال الشافعي) والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة، فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل، ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها (قال) ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الاجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته (قال) ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الاجارة وكان مسيئا بما فعل (قال) ولا بأس بالاجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله، وهى على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح، فإن قال قائل: ما الحجة في جواز الاجارة على تعليم القرآن والخير؟ قيل أخبرنا مالك عن أبى حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن (قال) والنكاح لا يجوز إلا بماله قيمة من الاجارات والاثمان.
(باب الوصية بالحج) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه، فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه، ويحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج (قال الشافعي) ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه إجازة، ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه، فإن قبل ذلك لم أحج عنه غيره (قال) ولو أوصى لغير وارث بمائه دينار يحج بها عنه فإن حج فذلك له وما زاد على
أجر مثله وصية، فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه، ولو قال أحجوا عنى من رأى فلان بمائة دينار فرأى فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه فإن أبى قيل لفلان (1) رأى غير وارث فإن فعل أجزنا ذلك وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا
__________
(1) قوله: رأى غير وارث، كذا في النسخ، ولعل هنا تحريفا من النساخ، ووجه الكلام " ره " غير وارث بصيغة الامر من رأى لحقته هاء السكت وقفا وخطا لبقائه على حرف واحد كما هو معلوم من التصريف.
أي انظر غير وارث.
كتبه مصححه.(2/140)
بأقل ما يوجد به من يحج عنه (قال) ولو قال رجل أول واحد يحج عنى فله مائة دينار فحج عنه غير وارث فله مائة دينار، وإن حج عنه وارث فله أقل ما يوجد به من يحج عنه وما زاد على ذلك مردود لانها وصية لوارث (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر بما شاء كان ذلك مالا من مال المستأجر إذا أحج عنه أو اعتمر، فإن استأجره على أن يحج عنه فأفسد الحج لم يقض ذلك من الرجل الحج وكان عليه أن يرد الاجارة كلها، وكذلك لو أخطأ العدد ففاته الحج، وكذلك الفساد في العمرة (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر فاصطاد صيدا أو تطيب أو فعل في الحج أو العمرة شيئا تجب فيه الفدية فدى ذلك من ماله وكانت له الاجارة وأنظر إلى كل ما كان يكون حجه لو حج عن نفسه قاضيا عنه وعليه فيه كفارة حج عن غيره جعلته قاضيا عن غيره وله الاجارة كاملة في ماله وعليه في ماله فدية كل ما أصاب (قال) وهكذا ولى الميت إذا استأجر رجلا يحج عن الميت لا يختلفان في شئ (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان زاده خيرا له ولم ينقصه وعليه في ماله دم القران (قال) ولو استأجره يحج عنه فاعتمر أو يعتمر فحج رد الاجارة، لان الحاج إذا أمر أن يعتمر عمل عن نفسه غير ما أمر به والحج غير العمرة والعمرة غير الحج (قال) ولو استأجره يحج عنه فاعتمر ثم عاد فحج عنه من ميقاته أجزأت عنه (قال) ولو اعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن غيره، لم تكن حجته كاملة عن غيره إلا بأن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه، يحج عنه من ميقاته، فإن ترك ذلك وحج من دون ميقاته أهراق دما وأجزأت عنه (قال) ولو خرج رجل حاجا عن رجل فسلك غير
طريق المحجوج عنه وأتى على ميقات في طريقه غير ميقات الرجل فأهل منه ومضى على حجه أجزأت عنه حجة الاسلام إن شاء الله تعالى (قال) ويجزى الحاج عن الرجل أن ينوى الحج عنه عند إحرامه وإن لم يتكلم به أجزأ عنه كما يجزئه ذلك في نفسه، والمتطوع بالحج عن الرجل كالمستأجر في كل أمره يجزيه في كل ما أجزأه عنه كما يجزئه ذلك في نفسه كل ما أفسد عليه في كل إلا أن المتطوع لا يرد إجارة لانه لم يأخذها (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو عن ميت فحج ولم يكن حج عن نفسه أجزأت عنه ولم تجز عنهما ورد الاجارة (قال) ولا بأس أن يستأجر الوصي للميت إذا لم يحج الميت بعض ورثة الميت عنه أوصى بذلك الميت أو لم يوص، والاجارة ليست بوصية منه، وإن كان المستأجر وارثا أو غير وارث فسواء ويحج عن الميت الحجة والعمرة الواجبتان أوصى بهما أو لم يوص كما يؤدى عنه الواجب عليه من الدين وإن لم يوص به (قال) ولو أوصى بثلثه للحاج اخترت أن يعطاه فقراء الحاج ولا أعلمه يحرم أن يعطاه غنى منهم (قال) ولو أوصى أن يحج عنه تطوعا ففيها قولان.
أحدهما أن ذلك جائز، والآخر أن ذلك غير جائز كما لو أوصى أن يستأجر عنه من يصلى عنه لم يجز، ومن قال لا يجوز رد وصيته فجعلها ميراثا (قال) ولو قال رجل لرجل: حج عن فلان الميت بنفقتك، دفع إليه النفقة أو لم يدفعها، كان هذا غير جائز، لان هذه أجرة غير معلومة، فإن حج أجزأت عنه وله أجرة مثله، وسواء كان المستأجر وارثا أو غير وارث، أوصى بذلك الميت أو لم يوص به، غير أنه إن أوصى بذلك لوارث لم يجز أن يعطى من الاجارة ما زاد على أجرة مثله من الفضل، لان المحاباة وصية والوصية لا تجوز لوارث.(2/141)
(باب ما يؤدى عن الرجل البالغ الحج) (قال الشافعي) رحمه الله تعال: وإذا وصل الرجل المسلم الحر البالغ إلى أن يحج أجزأت عنه حجة الاسلام وإن كان ممن لا مقدرة له بذات يده فحج ماشيا فهو محسن بتكلفه شيئا له الرخصة في تركه وحج في حين يكون عمله مؤديا عنه، وكذلك لو آجر نفسه من رجل يخدمه وحج، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح أن رجلا سأل ابن عباس فقال أواجر
نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزئ عنى؟ فقال ابن عباس: نعم " أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب " (قال) وكذلك لو حج وغيره يكفيه مؤنته لانه حاج في هذه الحالات عن نفسه لا عن غيره (قال) وكذلك لو حج في عام أخطأ الناس فيه يوم عرفة لان حجهم يوم يحجون كما فطرهم يوم يفطرون وأضحاهم يوم يضحون لانهم إنما كلفوا الظاهر فيما يغيب عنهم فيما بينهم وبين الله عزوجل، وهكذا لو أصاب رجل أهله بعد الرمى والحلاق كانت عليه بدنة وكان حجه تاما، وهكذا لو دخل عرفة بعد الزوال وخرج منها قبل مغيب الشمس أجزأت عنه حجته وأهراق دما، وهكذا كل ما فعل مما ليس له في إحرامه غير الجماع كفر وأجزأت عنه من حجة الاسلام.
(باب حج الصبى يبلغ والمملوك يعتق والذمى يسلم) أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا بلغ غلام أو عتق مملوك أو أسلم كافر بعرفة أو مزدلفة فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج ثم وافى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة، واقفا بها أو غير واقف، فقد أدرك الحج وأجزأ عنه من حجة الاسلام وعليه دم لترك الميقات، ولو أحرم العبد والغلام الذى لم يبلغ بالحج ينويان بإحرامهما فرض الحج أو النافلة أو لا نية لهما ثم عتق هذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة أو بمزدلفة أو أين كانا فرجعا إلى عرفة بعد البلوغ والعتق أجزأت عنهما من حجة الاسلام، ولو احتاطا بأن يهريقا دما كان أحب إلى، ولا يبين لى ان يكون ذلك عليهما، وأما الكافر فلو أحرم من ميقاته ثم أسلم بعرفة لم يكن له بد من دم يهريقه لان إحرامه ليس بإحرام ولو أذن الرجل لعبده فأهل بالحج ثم أفسده قبل عرفة ثم عتق فوافى عرفة لم تجز عنه من حجة الاسلام لانه قد كان يجب عليه تمامها لانه أحرم بإذن أهله وهى تجوز له وإن لم تجز عنه من حجة الاسلام، فإذا أفسدها مضى فيها فاسدة وعليه قضاؤها ويهدى بدنة، ثم إذا قضاها فالقضاء عنه يجزيه من حجة الاسلام (قال الشافعي) في الغلام المراهق لم يبلغ: يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضى في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الاسلام من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد وعليه البدل وبدنة، فإذا جاء ببدل وبدنة أجزأت عنه من حجة الاسلام (قال) ولو أهل ذمى أو كافر ما كان هذا بحج ثم جامع ثم أسلم قبل عرفة
وبعد الجماع فجدد إحراما من الميقات أو دونه وأهراق دما لترك الميقات أجزأت عنه من حجة الاسلام، لانه لا يكون مفسدا في حال الشرك لانه كان غير محرم، فإن قال قائل: فإذا زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم، أفكان الفرض عنه موضوعا؟ قيل: لا، بل كان عليه وعلى كل أحد أن(2/142)
يؤمن بالله عزوجل وبرسوله ويؤدى الفرائض التى أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه، غير أن السنة تدل وما لم أعلم المسلمين اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم ولم يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها وأن الاسلام يهدم ما قبله إذا أسلم ثم استقام، فلما كان إنما يستأنف الاعمال ولا يكون عاملا عملا يكتب له إلا بعد الاسلام كان ما كان غير مكتوب له من إحرامه ليس إحراما والعمل يكتب للعبد البالغ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصغير: له حج، ففى ذلك دلالة على أنه حاج وأن حجه إن شاء الله تعالى مكتوب له.
(باب الرجل ينذر الحج أو العمرة) (قال الشافعي) فمن أوجب على نفسه حجا أو عمرة بنذر فحج أو اعتمر يريد قضاء حجته أو عمرته التى نذر، كان حجته وعمرته التى نوى بها قضاء النذر حجة الاسلام وعمرته ثم كان عليه قضاء حجة النذر بعد ذلك (قال الشافعي) فإذا مات ولم يقض النذر ولا الواجب قضى عنه الواجب أولا، فإن كان في ماله سعة أو كان له من يحج عنه قضى النذر عنه بعده (قال الشافعي) وإن حج عنه رجل بإجارة أو تطوع ينوى عنه قضاء النذر كان الحج الواجب عليه ثم قضى عنه النذر بعده إذا كان إحرام غيره عنه، إذا أراد تأدية الفرض عنه يقوم مقام إحرام نفسه عنه في الاداء عنه، فكذلك هو في النذر عنه والله اعلم، ولو حج عنه رجلان هذا الفرض وهذا النذر، كان أحب إلى وأجزأ عنه.
(باب الخلاف في هذا الباب) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد خالفنا بعض الناس في هذا الباب فقال: نحن نوافقك على أن الرجل إذا حج تطوعا أو بغير نية كان ذلك عندنا حجة الاسلام للاثار والقياس فيه ولان التطوع ليس بواجب عليه، أفرأيت الواجب عليه من النذر إن كان واجبا (1) وفرض الحج التطوع واجبا
فكيف زعمت أنه إذا نوى النذر وهو واجب كان الحج الواجب كما قلته في التطوع والنذر غير تطوع؟ فقلت له زعمته بأنه إذا كان مستطيعا من حين يبلغ إلى أن يموت فلم يكن وقت حج يأتي عليه إلا وفرض الحج لازم له بلا شئ ألزمه نفسه ولم يكن النذر لازما له إلا بعد ايجابه فكان في نفسه بمعنى من حج تطوعا وكان الواجب بكل حال أولى أن يكون المقدم من الذى لم يجب إلا بإيجابه على نفسه، فإن قال ما يشبه النذر من النافلة؟ قيل له إذا دخل فيه بعد حج الاسلام وجب عليه أن يتمه ولكنه لما كان إذا دخل فيه كان في حكمه في أنه يتمه كمبتدئ حج الاسلام ينويه كان دخوله فيه لم يوجبه عليه إنما أوجب على نفسه فرضا عليه وغيره لو أوجبه عليه فأمره بالخروج منه كما آمره بالخروج من الحج بالطواف وآمره بقضائه فقال: فإنك رويت أن ابن عباس وابن عمر سئلا فقال أحدهما: قضيتهما ورب الكعبة لمن نذر حجا فحجه قضاء النذر والحج المكتوب وقال الآخر هذه حجة الاسلام
__________
(1) قوله: وفرض الحج التطوع، كذا في النسخ، ولعل لفظ " التطوع " هنا من زيادة الناسخ، كتبه مصححه.(2/143)
فليلتمس وفاء النذر، فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الاسلام فكيف تحتج بما تخالف؟ قال وأنت تخالف أحدهما، فقلت إن خالفته خالفته بمعنى السنة وأوافق الآخر، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد ابن جبير، قال: إنى لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال: هذه حجة الاسلام فليلتمس أن يقضى نذره (قال الشافعي) ولم نر عملين وجبا عليه، فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزى عنه أن يأتي بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الاسلام، فإن كان قضى حجة الاسلام وبقى عليه حجة نذره فحج متطوعا فهى حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب، وإذا أجزأ التطوع من الحجة المكتوبة لانا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض، فكذلك إذا تطوع وعليه واجب من نذر لا فرق بين ذلك.
(باب هل تجب العمرة وجوب الحج؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين: العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية ابن إسحق عن أبى صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الحج جهاد والعمرة تطوع " فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عزوجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ولم يذكر في الموضع الذى بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عزوجل " وأتموا الحج والعمرة لله " أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " ثم قال " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك (قال) ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية " وأتموا الحج والعمرة لله " إذا دخلتم فيهما، وقال بعض أصحابنا: العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها (قال) وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الائمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها (قال الشافعي) والذى هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة، فإن الله عزوجل قرنها مع الحج فقال " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ان يحج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات، وفى الحج زيادة عمل على العمرة، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره، أخبرنا ابن عيينة(2/144)
عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال: والذى نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله " وأتموا الحج والعمرة لله "، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان (قال الشافعي) وقاله غيره من مكيينا وهو قول الاكثر منهم (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لاحد أن يقرن العمرة مع الحج لان أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر، وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام، وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدى إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال، لان حكم مالا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال (قال الشافعي) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله عن الطيب والثياب " افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك " (أخبرنا) مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبى بكر أن في الكتاب الذى كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ان العمرة هي الحج الاصغر، قال ابن جريج: ولم يحدثنى عبد الله بن أبى بكر عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت: له أفى شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا (قال الشافعي) فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تقضى الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضى العمرة عنه، قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدى بعضه دون بعض، ويجيب عما يسأل عنه ويستغنى أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضى عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت؟ قيل روى عنه طلحة أنه سئل عن الاسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة، وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الاسلام وغير هذا ما يشبه هذا، والله أعلم.
فإن قال قائل: ما وجه هذا؟ قيل له: ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدى بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكتفى بعلم السائل أو يكتفى بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدى ذلك في مسألة السائل ويؤدى في
غيره (قال) وإذا أفرد العمرة فالميقات لها كالميقات في الحج، والعمرة في كل شهر من السنة كلها إلا أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق لانه معكوف على عمل الحج ولا يخرج منه إلى الاحرام حتى يفرغ من جميع عمل الاحرام الذى أفرده (قال الشافعي) ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة حتى تمضى أيام التشريق كان وجها وإن لم يفعل فجائز له، لانه في غير إحرام نمنعه به من غيره لاحرام غيره (قال الشافعي) ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة وتجزيه من العمرة الواجبة عليه ويهريق دما قياسا على قول الله عزوجل " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " فالقارن أخف حالا من المتمتع، المتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجا فسقط عنه ميقات الحج وقد سقط عن هذا وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن، وازاد المتمتع أن تمتع بالاحلال من العمرة إلى إحرام الحج ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القارن فيما يجب عليه من الهدى (قال) وتجزى العمرة قبل الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه (قال) وإذا اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشئ الحج أنشأه من مكة لا من الميقات (قال) وإن أفرد الحج فأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من أين شاء وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات، فأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها، ولا ميقات(2/145)
لها دون الحل.
كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر وأحب إلى أن يعتمر من الجعرانة لان النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها، فإن أخطأه ذلك اعتمر من التنعيم لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر منها وهى أقرب الحل إلى البيت، فإن أخطأه ذلك اعتمر من الحديبية لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد المدخل لعمرته منها، أخبرنا ابن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت عمرو بن أوس الثقفى يقول أخبرني عبد الرحمن بن أبى بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم (قال الشافعي) وعائشة كانت قارنة فقضت الحج والعمرة الواجبتين عليها، وأحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج، فسألت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بإعمارها، فكانت لها نافلة خيرا، وقد كانت دخلت مكة بإحرام، فلم يكن عليها رجوع إلى الميقات، أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسمعيل بن أمية عن مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله
ابن خالد عن (1) محرش الكعبي أو محرش أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر وأصبح بها كبائت، أخبرنا مسلم عن ابن جريج هذا الحديث بهذا الاسناد، وقال ابن جريج هو محرش.
(قال الشافعي) وأصاب ابن جريج لان ولده عندنا يقول بنو محرش، أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك " (أخبرنا) سفيان عن ابن أبى نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (قال الشافعي) فعائشة كانت قارنة في ذى الحجة ثم اعتمرت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعمارها بعد الحج فكانت لها عمرتان في شهر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل الجعرانة عمرة القضية فكان متطوعا بعمرة الجعرانة، فكان وإن دخل مكة عام الفتح بغير إحرام للحرب فليست عمرته من الجعرانة قضاء ولكنها تطوع، والمتطوع يتطوع بالعمرة من حيث شاء خارجا من الحرم (قال الشافعي) ولو أهل رجل بحج ففاته خرج من حجه بعمل عمرة وكان عليه حج قابل والهدى ولم تجز هذه عنه من حجة ولا عمرة واجبة عليه لانه إنما خرج من الحج بعمل العمرة، لا أنه ابتدأ عمرة فتجزى عنه من عمرة واجبة عليه.
(باب الوقت الذى تجوز فيه العمرة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الاسلام وعمرة إن كان أوجبها على نفسه (2) من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره (قال الشافعي) فإن قال
__________
(1) قوله: محرش الكعبي أو محرش كذا في النسخ، وانظر ما الفرق بين الموضعين وما الذى أصاب فيه ابن جريج والذى في المسند والخلاصة أنه محرش بمهملتين قبل العجمة بدون شك في الضبط فحرر المقام.
كتبه مصححه.
(2) قوله: من نذر أو أوجبه تبرر، كذا في النسخ، وفى بعضها " أو أوجبه بنذر " وعلى كل حال
فالعبارة لا تخلو من تحريف، فانظر، وحرر.
كتبه مصححه.(2/146)
قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج؟ قيل قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه هبار بن الاسود وأبا أيوب الانصاري في يوم النحر (1) وكان مهلا بحج أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الايام حرمة أولاها أن ينسك فيها لله تعالى (قال الشافعي) ولا وجه لان ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالى منى إلا أن يكون حاجا فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله، لانه معكوف بمنى على عمل من عمل الحج من الرمى والاقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف، فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لانه أهل بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه (قال الشافعي) والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا، وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان، غير أن قائلا من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة، وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذى لا يصلح إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهى تخالفه في هذا كله، فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدى وممن دخل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذى الحجة ثم سألته أن يعمرها فأعمرها في ذى الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة؟ أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبى حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان (2) إذا حمم رأسه خرج فاعتمر أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال في كل شهر عمرة، أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين، مرة من
ذى الحليفة ومرة من الجحفة، أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة: فقلت هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت، أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال اعتمر عبد الله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر؟ (3) قال نعم (قال الشافعي) وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها في ذى الحجة وفى أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في زمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم زايلت معنى الحج الذى لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر، وحين أراده صاحبه
__________
(1) قوله: وكان مهلا، كذا في النسخ بالافراد فيه وفيما بعده، ولعل معناه " وكان كل منهما مهلا الخ " فانظر.
كتبه مصححه.
(2) إذا حمم رأسه، أي اسود بعد الحلق بنبات شعره، والمعنى أنه كان لا يؤخر العمرة إلى المحرم، وإنما كان يخرج إلى الميقات ويعتمر في ذى الحجة، كذا في النهاية.
كتبه مصححه.
(3) لعل هنا سقطا من الناسخ ووجه الكلام " سئل عطاء عن العمرة في كل شهر أتجوز الخ ".(2/147)
إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله (قال الشافعي) وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لانه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية (قال) ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الاول فاعتمر يومئذ لزمته العمرة لانه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلى ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الاول ولم ينفر كان إهلاله باطلا لانه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه
(قال) وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة، وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلى بن أبى طالب وابن عمر وأنس رضى الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله: إن العمرة تصلح في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذى لا يصلح إلا في يوم من السنة؟ وأى وقت وقت للعمرة من الشهور؟ فإن قال: أي وقت شاء، فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا، وقول العامة على ما قلنا.
(باب من أهل بحجتين أو عمرتين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من أهل بحجتين معا أو حج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن يكمل الحج فهو مهل بحج واحد ولا شئ عليه في الثاني من فدية ولا قضاء ولا غيره (قال) وإكمال عمل الحج أن لا يبقى عليه طواف ولا حلاق ولا رمى ولا مقام بمنى، فإن قال قائل فكيف قلت هذا؟ قيل كان عليه في الحج أن يأتي بعمله على كماله فيدخل فيه حراما ويكون كماله أن يخرج منه حلالا من يوم النحر من بعضه دون بعض وبعد النحر من كله بكماله فلو ألزمناه الحجتين وقلنا: أكمل إحداهما أمرناه بالاحلال وهو محرم بحج، ولو قلنا له لا تخرج من إحرام أحدهما إلا بخروجك من الآخر بكماله قلنا له أئت ببعض عمل الحج دون بعض فإن قال وما يبقى عليه من عمل الحج؟ قيل الحلاق فأمرناه أن لا يكمل الحج انتظارا للذى بعده ولو جاز هذا جاز أن يقال له أقم في بلدك أو في مكة ولا تعمل لاحد حجيك حتى تعمل للآخر منهما كما يقال للقارن، فيكون إنما عمل بحج واحد وبطل الآخر ولو قلنا بل يعمل لاحدهما ويبقى محرما بالآخر قلنا: فهو لم يكمل عمل أحدهما وأكمل عمل الآخر فكيف يجب عليه في أحدهما ما سقط عنه في الآخر؟ فإن قلت بل يحل من أحدهما، قيل فلم يلزمه أداء الآخر إذا جاز له أن يخرج من الاول لم يدخل في غيره إلا بتجديد دخول فيه (قال الشافعي) وإذا كان عمر بن الخطاب وكثير ممن حفظنا عنه لم نعلم منهم اختلافا يقولون أذا أهل بحج ثم فاته عرفة لم يقم حراما وطاف وسعى وحلق ثم قضى الحج الفائت لم يجز أبدا في الذى لم يفته الحج أن يقيم حراما بعد الحج بحج وإذا لم يجز لم يجز إلا سقوط إحدى الحجتين والله أعلم وقد روى من وجه عن عطاء أنه
قال إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج وتابعه الحسن بن أبى الحسن (قال) والقول في العمرتين هكذا(2/148)
وكمال العمرة الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلاق وأمرهم من فاته الحج أن يحل بطواف وسعى وحلاق ويقضى يدلان معا على أنه لا يجوز أن يهل بالحج في غير أشهر الحج لان من فاته الحج قد يقدر أن يقيم حراما إلى قابل ولا أراهم أمروه بالخروج من إحرامه بالطواف ولا يقيم حراما (1) لانه لا يجوز له أن يقيم محرما بحج في غير اشهر الحج ويدل على أنه إذا خرج من حجه يعمل عمرة فليس أن حجه صار عمرة ولا يصير عمرة وقد ابتدأ حجا في وقت يجوز فيه الاهلال بالحج ولو جاز أن ينفسخ الحج عمرة جاز أن يكون من ابتدأ فأهل بحجتين مهلا بحج وعمرة لانه يصلح أن يبتدأ حج وعمرة ولم يجز لمن قال يصير حجه عمرة إلا ما وصفت من أنه إذا ابتدأ فأهل بحجتين فهو مهل بحج وعمرة، فأما من أهل بحج ثم أدخل عليه بعد إهلاله به حجا فبين في كل حال أن لا يكون مدخلا حجا على حج ولا تكون عمرة مع حج، كما لو ابتدأ فأدخل عمرة على حج لم تدخل عليه، ولو جاز ان يصرف الحج عمرة جاز أن تصرف العمرة حجا فيكون من أهل بعمرتين في أشهر الحج مهلا بحج وعمرة، وصرفنا إحرامه إلى الذى يجوز له، ولايجوز شئ من هذا غير القول الاول من أن من أهل بحجتين فهو مهل بحج ومن أهل بعمرتين فهو مهل بعمرة ولا شئ عليه غير ذلك.
(باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين) (قال الشافعي) رحمه الله وخلافنا رجلان من الناس، فقال أحدهما: من أهل بحجتين لزمتاه فإذا أخذ (1) في عملهما فهو رافض للآخر، وقال الآخر: هو رافض للآخر حين ابتدأ الاهلال وأحسبهما قالا: وعليه في الرفض دم وعليه القضاء (قال الشافعي) قد حكى لى عنهما معا أنهما قالا: من أجمع صيام يومين فصام أحدهما فليس عليه الآخر لانه لا يجوز أن يدخل في الآخر إلا بعد الخروج من الاول، وهكذا من فاتته صلوات فكبر ينوى صلاتين لم يكن إلا صلاة واحدة، ولم يلزمه صلاتان معا، لانه لا يدخل في الآخر إلا من بعد الخروج من الاولى (قال) وكذلك لو نوى صلاتين تطوعا مما يفصل بينهما بسلام، فإذا كان هذا هكذا في الصوم والصلاة فكيف لم يكن عندهما هكذا في الحج؟
مع أنه يلزمهما أن يدعا قولهما في الحج، إن زعما أن الحج يصير عمرة إذا فاتت عرفة أشبه أن يلزمهما إذا كان الاحرام بحجتين لازما أن يقولا هو حج وعمرة قالا يقضى أحدهما أو لم يقولاه (قال الشافعي) وبهذا قلنا لا يقرن بين عملين إلا بحج وعمرة يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج إذا بدأ بالحج لان الاصل أن لا نجمع بين عملين، فلما جمع بينهما في حال سلم للخبر في الجمع بينهما، ولم يجمع بينهما إلا على ما جاء فيه الخبر لا يخالفه ولا يقيس عليه.
__________
(1) قوله: لانه لا يجوز، كذا في النسخ، ولعل هنا سقطا، ووجه الكلام " إلا لانه الخ " لان المعنى على حصر النفى فانظر.
كتبه مصححه.
(2) في عملهما، أي في عمل أحدهما، كما هو ظاهر.
كتبه مصححه.(2/149)
(في المواقيت) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يهل أهل المدينة من ذى الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن " قال ابن عمر: ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ويهل أهل اليمن من يلملم " أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذى الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن.
قال ابن عمر: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ويهل أهل اليمن من يلملم " أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال: قام رجل من أهل المدينة في المسجد فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل؟ قال " يهل أهل المدينة من ذى الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن " قال لى نافع: ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ويهل أهل اليمن من يلملم " (قال) وأخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال.
أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال سمعت، ثم أنتهى، أراه يريد النبي صلى الله عليه وسلم يقول " يهل أهل المدينة من ذى الحليفة " والطريق الآخر من الجحفة وأهل المغرب " ويهل أهل
العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم " (قال الشافعي) ولم يسم جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يجوز ان يكون سمع عمر بن الخطاب، قال ابن سيرين: يروى عن عمر بن الخطاب مرسلا أنه وقت لاهل المشرق ذات عرق، ويجوز أن يكون سمع غير عمر بن الخطاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرنا سعيد بن سالم قال: أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المدينة ذاالحليفة ولاهل المغرب الجحفة ولاهل المشرق ذا عرق ولاهل نجد قرنا ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل، ولاهل اليمن يلملم أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال: فراجعت عطاء فقلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ، قال كذلك سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق لاهل المشرق قال: ولم يكن عراق ولكن لاهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يأبى إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقته، أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل مشرق، فوقت الناس ذات عرق (قال الشافعي) ولا أحسبه إلا كما قال طاوس والله أعلم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء انه قال: لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لاهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق، أخبرنا الثقة عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب وقت ذات عرق لاهل المشرق (قال الشافعي) وهذا عن عمر بن الخطاب مرسلا، وذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم (قال الشافعي) فإن أحرم منها أهل المشرق رجوت أن يجزيهم قياسا على قرن ويلملم، ولو اهلوا من العقيق كان أحب إلي، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة ذا الحليفة ولاهل الشام الجحفة ولاهل نجد قرنا ولاهل اليمن يلملم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه المواقيت لاهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج والعمرة ومن كان أهله من دون(2/150)
الميقات فليهل من حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة ".
أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن
طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت مثل معنى حديث سفيان في المواقيت، أخبرنا سعيد ابن سالم عن القاسم بن معن عن ليث عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس أنه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة ذا الحليفة ولاهل الشام الجحفة ولاهل اليمن يلملم ولاهل نجد قرنا ومن كان دون ذلك فمن حيث يبدأ.
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال ليستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتي كذا وكذا للمواقيت، قلت: أفلم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغوا كذا وكذا؟ أهلوا؟ قال: لا أدرى.
(باب تفريغ المواقيت) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال: قال " ولم يسم عمرو القائل إلا أنا نراه ابن عباس " الرجل يهل من أهله ومن بعدما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم (قال الشافعي) وبهذا نأخذ، وإذا أهل الرجل بالحج أو العمرة من دون ميقاته ثم رجع إلى ميقاته فهو محرم في رجوعه ذلك، فإن قال قائل: فكيف أمرته بالرجوع وقد ألزمته إحراما قد ابتدأه من دون ميقاته؟ أقلت ذلك اتباعا لابن عباس أم خبرا من غيره أو قياسا؟ قلت: هو وإن كان اتباعا لابن عباس ففيه أنه في معنى السنة، فإن قال: فاذكر السنة التى هو في معناها، قلت: أرأيت إذ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت لمن أراد حجا أو عمرة، أليس المريد لهما مأمورا أن يكون محرما من الميقات لا يحل إلا بإتيان البيت والطواف والعمل معه؟ قال: بلى.
قلت: أفتراه مأذونا له قبل بلوغ الميقات أن يكون غير محرم؟ قال: بلى.
قلت: أفتراه أن يكون مأذونا له أن يكون بعض سفره حلالا وبعضه حراما؟ قال: نعم.
قلت أفرأيت إذا جاوز الميقات فأحرم أو لم يحرم ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه، أما أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف بالبيت وعمل غيره؟ قال: بلى.
ولكنه إذا دخل في إحرام بعد الميقات فقد لزمه إحرامه وليس بمبتدئ إحراما من الميقات (قال الشافعي) قلت إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الاحرام
قبل الميقات كما لا يضيق عليه لو أحرم من أهله فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لانه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف وعمل الحج، وإذا كان هذا هكذا كان الذى جاوز الميقات ثم أحرم ثم رجع إليه في معنى هذا في أنه قد أتى على الميقات محرما ثم كان بعد محرما إلى ان يطوف ويعمل لاحرامه إلا أنه زاد على نفسه سفرا بالرجوع والزيادة لا تؤثمه ولا توجب عليه فدية إن شاء الله تعالى، فإن قال: أفرأيت من كان أهله من دون الميقات أو كان من أهل الميقات؟ قلت سفر ذلك كله إحرام وحاله إذا جاوز أهله حال من جاوز الميقات يفعل ما أمرنا به من جاوز الميقات (قال الشافعي) اخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عمرو بن(2/151)
دينار عن طاوس: من شاء أهل من بيته ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتي ميقاته ولكن لا يجاوزه إلا محرما يعنى ميقاته، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال: المواقيت في الحج والعمرة سواء ومن شاء أهل من ورائها ومن شاء أهل منها ولا يجاوزها إلا محرما وبهذا نأخذ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن جريج أن عطاء قال: ومن أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهل منه إلا أن يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دما ولا يرجع، وأدنى ما يهريق من الدم في الحج أو غيره شاة، أخبرنا مسلم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذى يخطئ أن يهل بالحج من ميقاته ويأتى وقد أزف الحج فيهريق دما أيخرج مع ذلك من الحرم فيهل بالحج من الحل؟ قال: لا.
ولم يخرج خشية الدم الذى يهريق (قال الشافعي) وبهذا نأخذ من أهل من دون ميقاته أمرناه بالرجوع إلى ميقاته ما بينه وبين أن يطوف بالبيت فإذا طاف بالبيت لم نأمره بالرجوع وأمرناه أن يهريق دما، وإن لم يقدر على الرجوع إلى ميقاته بعذر أو تركه عامدا لم نأمره بأن يخرج إلى شئ دون ميقاته وامرناه أن يهريق دما وهو مسئ في تركه أن يرجع إذا أمكنه عامدا ولو كان ميقات القوم قرية فأقل ما يلزمه في الاهلال أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم وأحب إلى أن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى فيحرم من أقصى بيوتها مما يلى بلده الذى هو أبعد من مكة وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه وأقربه ببلده وأبعده من مكة
وإن كان ظهرا من الارض فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر أو الوادي أو الوضع أو القرية إلا أن يعلم موضعها فيهل منه وأحب إلى أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذى هو أبعد من مكة، فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر، وإن علم أن القرية نقلت فيحرم من القرية الاولى، وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو اهراق دما، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزرى قال رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال: هذه ذات عرق الاولى (قال الشافعي) ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلى أن يحتاط فيحرم من وراء ذلك، فإن علم أنه أهل بعدما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما اخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء انه قال: من سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ومن سلك كداء من اهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن، وذلك قبل أن يأتي ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في نجد وأعلى وادى قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت، إذا حاذى المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنى عما دونه، وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم " هن لاهلهن ولكل آت عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة " وكان بينا فيه إن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وإن قوله يهل أهل المدينة من ذى الحليفة إنما هو لانهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به وقوله " وأهل الشام من الجحفة " لانهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لان كل واحد منهم خارج من بلده وكذلك إول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن،(2/152)
فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لاهل غور اليمن (1) تهمها ممن هي
طريقهم (قال الشافعي) ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذى الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذى الحليفة ورجع اهل اليمن من المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم، ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول فيه ومعقول في الحديث في قوله " ولكل آت أتى عليها " ما وصفت وقوله " ممن أراد حجا أو عمرة " أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة، فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين انشأوا منه يريدون الحج أو العمرة حين انشأوا منه، وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " ممن أراد حجا أو عمرة " لان هذا جاوز الميقات لا يريد حجا ولا عمرة ومعنى قوله " ولكل آت أتى عليهن ممن أراد حجا أو عمرة " فهذه إنما أراد الحج أو العمرة بعدما جاوز المواقيت فأراد وهو ممن دون المواقيت المنصوبة وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ومن كان أهله دون المواقيت فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة " فهذا جملة المواقيت، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اهل من الفرع (قال الشافعي) وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له الاهلال فأهل منها ولم يرجع إلى ذى الحليفة وهو روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت، فلو أن بعض أهل المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة حتى قارب الحرم ثم بدا له ان يهل بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: إذا مر المكى بميقات أهل مصر فلا يجاوزه إلا محرما، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال طاوس: فإن مر المكى على المواقيت يريد مكة فلا يخلفها حتى يعتمر.
(باب دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " إلى قوله " والركوع السجود " (قال الشافعي) المثابة في كلام العرب الموضع يثوب الناس إليه ويئوبون يعودون إليه
بعد الذهاب منه، وقد يقال ثاب إليه اجتمع إليه، فالمثابة تجمع الاجتماع ويئوبون يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين (2) قال ورقة بن نوفل يذكر البيت.
مثابا لا فناء القبائل كلها * تخب إليه اليعملات الذوامل وقال خداش بن زهير النصري:
__________
(1) قوله: تهمها الخ كذا في النسخ بدون نقط، ولعلها محرفة من النساخ وأصلها " تهامنها " ولتحرر العبارة كتبه مصححه.
(2) قوله: قال ورقة ابن نوفل، كذا في جميع نسخ الام التى بيدنا، وفى اللسان في مادة ث وب أن البيت لابي طالب، فانظر لمن البيت منهما.
كتبه مصححه.(2/153)
فما برحت بكر تثوب وتدعى * ويلحق منهم أولون وآخر وقال الله عزوجل " أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " يعنى والله أعلم، آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم وقال لابراهيم خليله " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " (قال الشافعي) فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح صيحة " عباد الله أجيبوا داعى الله " فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته وواقاه من وافاه يقولون " لبيك داعى ربنا لبيك " وقال الله عزوجل " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية، فكان ذلك دلالة كتاب الله عزوجل فينا وفى الامم، على أن الناس مندوبون إلى اتيان البيت بإحرام، وقال الله عزوجل " وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أن طهرا بيتى للطائفتين والعاكفين والركع السجود " وقال " فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم " (قال الشافعي) فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالاحرام قال: وروى عن ابن أبى لبيد عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أنه قال " لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة طأطأه فشكا الوحشة إلى أصوات الملائكة " فقال " يا رب مالى لا أسمع حس الملائكة؟ " فقال " خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فإن لى بيتا بمكة فائته فافعل
حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشى " فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة فلقيته الملائكة (2) بالردم فقالوا " بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام " أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبى لبيد عن محمد ابن كعب القرظى أو غيره قال: حج آدم فلقيته الملائكة فقالت بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفى عام (قال الشافعي) وهو إن شاء الله تعالى كما قال، وروى عن أبى سلمة وسفيان بن عيينة كان يشك في إسناده (قال الشافعي) ويحكى أن النبيين كانوا يحجون فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الامم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراما ولم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة علمناه إلا حراما إلا في حرب الفتح فبهذا قلنا إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرما بحج أو عمرة (قال) ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت وأن الله تعالى ذكر وجه دخول الحرم فقال " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام، إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين " (قال) فدل على وجه دخوله للنسك وفى الامن وعلى رخصة الله في الحرب وعفوه فيه عن النسك وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان وذلك ان جميع البلدان تستوى لانها لا تدخل بإحرام وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابا لها لم يدخلها إلا بإحرام (قال الشافعي) إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن مدخله إياها لمنافع أهلها والكسب لنفسه ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا يشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك، فإذا كان فرض الحج على المملوك ساقطا سقط عنه ما ليس بفرض من النسك، فإن كانوا عبيدا ففيهم هذا المعنى الذى ليس في غيرهم مثله وإن كانت الرخصة لهم لمعنى أن قصدهم في دخول مكة ليس قصد النسك ولا التبرر وأنهم يجمعون أن دخولهم شبيه بالدائم
__________
(1) الردم: بالفتح، سد ينسب إلى بنى جمح بمكة، كذا في معجم ياقوت.
كتبه مصححه.(2/154)
فمن كان هكذا كانت له الرخصة، فأما المرء يأتي أهله بمكة من سفر فلا يدخل إلا محرما لانه ليس في
واحد من المعنيين، فأما البريد يأتي برسالة أو زور أهله وليس بدائم الدخول فلو استأذن فدخل محرما كان أحب إلي، وإن لم يفعل ففيه المعنى الذى وصفت أنه يسقط به عند ذلك، ومن دخل مكة خائفا الحرب فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام، فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل الكتاب والسنة، فإن قال وأين؟ قيل قال الله تبارك وتعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " فأذن للمحرمين بحج أو عمرة أن يحلوا لخوف الحرب، فكان من لم يحرم أولى إن خاف الحرب أن لا يحرم من محرم يخرج من إحرامه، ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح غير محرم للحرب، فإن قال قائل: فهل عليه إذا دخلها بغير إحرام لعدو وحرب أن يقضى إحرامه؟ قيل: لا، إنما يقضى ما وجب بكل وجه فاسد، أو ترك فلم يعمل، فأما دخوله مكة بغير إحرام فلما كان أصله أن من شاء لم يدخلها إذا قضى حجة الاسلام وعمرته كان أصله غير قرض فلما دخلها محلا فتركه كان تاركا لفضل وأمر لم يكن أصله فرضا بكل حال فلا يقضيه، فأما إذا كان فرضا عليه إتيانها لحجة الاسلام أو نذر نذره فتركه إياه لابد أن يقضيه أو يقضى عنه بعد موته أو في بلوغ الوقت الذى لا يستطيع أن يستمسك فيه على المركب، ويجوز عندي لمن دخلها خائفا من سلطان أو أمر لا يقدر على دفعه، ترك الاحرام إذا خافه في الطواف والسعى، وإن لم يخفه فيهما لم يجز له والله أعلم، ومن المدنيين من قال: لا بأس أن يدخل بغير إحرام واحتج بأن ابن عمر دخل مكة غير محرم (قال الشافعي) وابن عباس يخالفه ومعه ما وصفنا واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها عام الفتح غير محرم وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها كما وصفنا محاربا، فإن قال أقيس على مدخل النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: أفتقيس على إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالحرب؟ فإن قال: لا، لان الحرب مخالفة لغيرها، قيل: وهكذا أفعل في الحرب حيث كانت، لا تفرق بينهما في موضع وتجمع بينهما في آخر.
(باب ميقات العمرة مع الحج) (قال الشافعي) رحمه الله: وميقات العمرة والحج واحد ومن قرن أجزأت عنه حجة الاسلام وعمرته وعليه دم القرآن ومن أهل بعمرة ثم بدا له أن يدخل عليها حجة فذلك له ما بينه وبين أن يفتتح الطواف بالبيت فإذا افتتح الطواف بالبيت فقد دخل في العمل الذى يخرجه من الاحرام، فلا يجوز
له أن يدخل في إحرام ولم يستكل الخروج من إحرام قبله، فلا يدخل إحراما على إحرام ليس مقيما عليه، وهذا قول عطاء وغيره من أهل العلم، فإذا أخذ في الطواف فأدخل عليه الحج لم يكن به محرما ولم يكن عليه قضاؤه ولا فدية لتركه، فإن قال قائل: وكيف كان له أن يكون مفردا بالعمرة ثم يدخل عليها حجا؟ قيل: لانه لم يخرج من إحرامها، وهذا لا يجوز في صلاة ولا صوم وقيل له إن شاء الله: أهلت عائشة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون القضاء، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القضاء فأمر من لم يكن معه هدى أن يجعل إحرامه عمرة، فكانت معتمرة بأن لم يكن معها هدى فلما حال المحيض بينها وبين الاحلال من عمرتها ورهقها الحج أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخل عليها الحج ففعلت فكانت قارنة، فبهذا قلنا يدخل الحج على العمرة ما لم يفتتح الطواف(2/155)
وذكرت له قرآن الحج والعمرة فإذا قال جائز قيل أفيجوز هذا في صلاتين أن تقرنا أو في صومين؟ فإن قال: لا، قيل فلا يجوز أن تجمع بين ما تفرق أنت بينه (قال الشافعي) ولو أهل بالحج ثم أراد أن يدخل عليه عمرة فإن أكثر من لقيت وحفظت عنه يقول: ليس ذلك له، وإذا لم يكن ذلك له فلا شئ عليه في ترك العمرة من قضاء ولا فدية (قال الشافعي) فإن قال قائل (1) فكيف إذا كانت السنة أنهما نسكان يدخل أحدهما في الآخر ويفترقان في أنه إذا أدخل الحج على العمرة فإنما زاد إحراما أكثر من إحرام العمرة، فإذا أدخل العمرة على الحج زاد إحراما أقل من إحرام الحج وهذا وإن كان كما وصفت فليس بفرق يمنع أحدهما أن يكون قياسا على الآخر لانه يقاس ما هو أبعد منه، ولا أعلم حجة في الفرق بين هذا إلا ما وصفت من أنه الذى أحفظ عمن سمعت عنه ممن لقيت، وقد يروى عن بعض التابعين، ولا أدري هل يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئ أم لا فإنه قد روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه وليس يثبت، ومن رأى أن لا يكون معتمرا فلا يجزى عنه من عمرة الاسلام ولا هدى عليه ولا شئ لتركها ومن رأى له أن يدخل العمرة على الحج رأى أن يجزى عنه من حجة الاسلام وعمرته، وإذا أهل الرجل بعمرة ثم أقام بمكة إلى الحج أنشأ الحج من مكة وإذا أهل بالحج ثم أراد العمرة أنشأ العمرة من أي موضع شاء إذا خرج من الحرم وقد
أجدهما إذا أقام عامهما بمكة أهل كإهلال الآفاق أن يرجعوا إلى مواقيتهم، فإن قال قائل.
ما الحجة فيما وصفت؟ قيل أهل عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بعمرة ثم أمرهم يهلون بالحج إذا توجهوا إلى منى من مكة فكانت العمرة إذا حج قبلها قياسا على هذا ولم أعلم في هذا خلافا من أحد حفظت عنه ممن لقيته، فإن قال قائل: قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر يعمر عائشة من التنعيم فعائشة كان إحرامها عمرة فأهلت بالحج من مكة وعمرتها من التنعيم نافلة، فليست في هذا حجة عندنا لما وصفنا، ومن أهل بعمرة من خارج الحرم فذلك مجزئ عنه، فإن لم يكن دخل قبلها بحج أو عمرة ثم أقام بمكة فكانت عمرته الواجبة رجع إلى ميقاته وهو محرم في رجوعه ذلك ولا شئ عليه إذا جاء ميقاته محرما وإن لم يفعل أهراق دما فكانت عمرته الواجبة عليه مجزئة عنه، ومن أهل بعمرة من مكة ففيها قولان، أحدهما أنه إذا لم يخرج إلى الحل حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لم يكن حلالا وكان عليه أن يخرج فيلبى بتلك العمرة خارجا من الحرم ثم يطوف بعدها ويسعى ويحلق أو يقصر ولا شئ عليه، إن لم يكن حلق، وإن كان حلق أهراق دما، وإن كان أصاب النساء فهو مفسد لعمرته وعليه أن يلبي خارجا من الحرم ثم يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق وينحر بدنة ثم يقضى هذه العمرة إذا أفسدها بعمرة مستأنفة وإنما خروجه من الحرم لهذه العمرة المفسدة، والقول الآخر أن هذه عمرة ويهريق دما لها، والقول الاول أشبه بها والله أعلم ولكنه لو أهل بحج من مكة ولم يكن دخل مكة محرما ولم يرجع إلى ميقاته أهراق دما لتركه الميقات وأجزأت عنه من حجة الاسلام الحج من مكة لان عماد الحج في غير الحرم وذلك عرفة وجميع عمل العمرة سوى الوقت في الحرم فلا يصلح أن يبتدأ من موضع منتهى عملها وعماده، وأكره للرجل أن يهل بحج أو عمرة من ميقاته ثم يرجع إلى بلده أو يقيم بموضعه وإن فعل فلا فدية عليه ولكن أحب له أن يمضى
__________
(1) قوله: فإن قال قائل: فكيف إذا كانت الخ، كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط، ولعل في العبارة تحريفا أو نقصا، فحرر.
كتبه مصححه.(2/156)
لوجهه فيقصد قصد نسكه (قال) وكذلك أكره له أن يسلك غير طريقة مما هو أبعد منها لغير امر
ينوبه أو رفق به، فإن نابه أمر أو كانت طريق أرفق من طريق فلا أكره ذلك له ولا فدية في أن يعرج وإن كان لغير عذر ومن أهل بعمرة في سنة فأقام بمكة أو في بلده أو في طريق سنة أو سنتين كان على إحرامه حتى يطوف بالبيت وكانت هذه العمرة مجزئة عنه لان وقت العمرة في جميع السنة وليست كالحج الذى إذا فات في عامه ذلك لم يكن له المقام على إحرامه وخرج منه وقضاه وأكره هذا له للتعزير بإحرامه ولو أهل بعمرة مفيقا ثم ذهب عقله ثم طاف مفيقا أجزأت عنه وعماد العمرة الاهلال والطواف ولا يضر المعتمر ما بينهما من ذهاب عقله (قال الشافعي) فقال قائل: لم جعلت على من جاوز الميقات غير محرم أن يرجع إليه إن لم يخف فوت الحج؟ قلت له لما أمر في حجه بأن يكون محرما من ميقاته وكان في ذلك دلالة على أنه يكون فيما بين ميقاته والبيت محرما (1) ولا يكون عليه في ابتدائه الاحرام من اهله إلى الميقات محرما قلت له ارجع حتى تكون مهلا في الموضع الذى أمرت ان تكون مهلا به على الابتداء وإنما قلناه مع قول ابن عباس لما يشبه من دلالة السنة فإن قال قائل: فلم قلت إن لم يرجع إليه لخوف فوت (2) ولا غير عذر بذلك ولا غيره أهراق دما عليه؟ قلت له لما جاوز ما وقت له رسول ل لله صلى الله عليه وسلم فترك أن يأتي بكمال ما عليه أمرناه أن ياتي بالبدل مما ترك فإن قال فكيف جعلت البدل من ترك شئ يلزمه في عمل يجاوزه ومجاوزته الشئ ليس له ثم جعلت البدل منه دما يهريقه وأنت إنما تجعل البدل في غير الحج شيئا عليه فتجعل الصوم بالصوم والصلاة بالصلاة؟ قلت إن الصوم والصلاة مخالفان الحج مختلفان في أنفسهما قال فأتى اختلافهما؟ قلت يفسد الحج فيمضى فيه ويأتى ببدنة والبدل وتفسد الصلاة فيأتى بالبدل ولا يكون عليه كفارة ويفوته يوم عرفة وهو محرم فيخرج من الحج بطواف وسعى ويحرم بالصلاة في وقت فيخرج الوقت فلا يخرج منها ويفوته الحج فلا يقضيه إلا في مثل يومه من سنته وتفوته الصلاة فيقضيها إذا ذكرها من ساعته ويفوته الصوم فيقضيه من غدو يفسده عندنا عندك بقئ وغيره فلا يكون عليه كفارة ويعود له ويفسده بجماع فيجب عليه عتق رقبة إن وجده وبدل مع اختلافهما فيما سوى ما سمينا فكيف تجمع بين المختلف حيث يختلف؟ (قال الشافعي) وقلت له الحجة في هذا أنا لم نعلم مخالفا في ان للرجل أن يهل قبل أن يأتي ميقاته ولا في أنه إن ترك الاهلال من ميقاته ولم يرجع إليه أجزأه حجه وقال أكثر أهل العلم يهريق دما
وقال أقلهم لا شئ عليه وحجه مجزئ عنه ومن قول أكثرهم فيه أن قالوا في التارك البيتوتة بمنى وتارك مزدلفة يهريق دما، وقلنا في الجمار يدعها يهريق دما فجعلنا وجعلوا الابدال في أشياء من عمل الحج دما (قال) وإذا جاوز المكى ميقاتا اتى عليه يريد حجا أو عمرة ثم اهل دونه فمثل غيره يرجع أو يهريق دما، فإن قال قائل: وكيف قلت هذا في المكى وأنت لا تجعل عليه دم المتعة؟ قيل لان الله عزوجل قال " ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام ".
__________
(1) قوله: ولا يكون عليه الخ، كذا في النسخ ولعل كلمة " عليه " من زيادة الناسخ، فانظر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: ولا غير عذر بذلك ولا غيره، كذا في النسخ، والعبارة لا تخلو من تحريف، فحرر.
كتبه مصححه.(2/157)
(باب الغسل للاهلال) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الدراوردى وحاتم بن إسمعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال حدثنا جابر بن عبد الله الانصاري وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فلما كنا بذى الحليفة ولدت أسماء بنت عميس فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل والاحرام (قال الشافعي) فأستحب الغسل عند الاهلال للرجل والصبى والمرأة والحائض والنفساء وكل من أراد الاهلال اتباعا للسنة ومعقول أنه يجب إذا دخل المرء في نسك لم يكن فيه أن يدخله إلا بأكمل الطهارة وأن يتنظف له لا متناعه من إحداث الطيب في الاحرام وإذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرأة وهى نفساء لا يطهرها الغسل للصلاة فاختار لها الغسل كان من يطهره الغسل للصلاة أولى ان يختار له أو في مثل معناه أو أكثر منه وإذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء أن تغتسل وتهل وهى في الحال التى أمرها أن تهل فيها ممن لا تحل له الصلاة فلو أحرم من لم يغتسل من جنب أو غير متوضئ أو حائض أو نفساء أجزأ عنه الاحرام لانه إذا كان يدخل في الاحرام والداخل فيه ممن لا تحل له الصلاة لانه غير طاهر جاز أن يدخل فيه كل من لا تحل له الصلاة من المسلمين في وقته الذى دخل
فيه ولا يكون عليه فيه فدية وإن كنت أكره ذلك له، وأختار له الغسل وما تركت الغسل للاهلال ولقد كنت اغتسل له مريضا في السفر وإنى أخاف ضرر الماء وما صحبت أحدا أقتدى به فرأيته تركه ولا رأيت منهم أحدا عدا به أن رآه اختيارا (قال الشافعي) وإذا كانت النفساء والحائض من أهل أفق فخرجتا طاهرتين فحدث لهما نفاس أو حيض أو كانتا نفساوين أو حائضين بمصر هما فجاء وقت حجهما فلا بأس أن تخرجا محرمتين بتلك الحال وإن قدرتا إذا جاءتا ميقاتهما أن تغتسلا فعلتا، وإن لم تقدرا ولا الرجل على ماء أحببت لهم أن يتيمموا معا ثم يهلوا بالحج أو العمرة، ولا أحب للنفساء والحائض أن تقدما إحرامهما قبل ميقاتهما وكذلك إن كان بلدهما قريبا آمنا وعليهما من الزمان ما يمكن فيه طهورهما وإدراكهما الحج بلا مفاوقة ولا علة أحببت استئخارهما لتطهرها فتهلا طاهرتين، وكذلك إن كانتا من دون المواقيت أو من أهل المواقيت وكذلك إن كانتا مقيمتين بمكة لم تدخلاها محرمتين فأمرتهما بالخروج إلى ميقاتهما بحج أحببت إذا كان عليهما وقت أن لا تخرجا إلا طاهرتين أو قرب تطهرهما لتهلا من الميقات طاهرتين، ولو أقامتا بالميقات حتى تطهر أكان أحب إلى وكذلك إن أمرتهما بالخروج لعمرة قبل الحج وعليهما مالا يفوتهما معه الحج أو من أهلها أحببت لهما أن تهلا طاهرتين وإن أهلتا في هذه الاحوال كلها مبتدئتى وغير مبتدئتي سفر غير طاهرتين أجزأ عنهما ولا فدية على واحدة منهما وكل ما عملته الحائض من عمل الحج عمله الرجل جنبا وعلى غير وضوء والاختيار له أن لا يعمله كله إلا طاهرا وكل عمل الحج تعمله الحائض وغير الطاهر من الرجال إلا الطواف بالبيت الصلاة فقط.
(باب الغسل بعد الاحرام) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن(2/158)
عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالابواء فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني ابن عباس إلى أبى أيوب الانصاري أسأله فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت فقال: من هذا؟ فقلت أنا عبد الله أرسلني إليك ابن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟
قال فوضع أبو أيوب يديه على الثوب فطأطأ حتى بدا لى رأسه ثم قال لانسان يصب عليه أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان ابن يعلى أخبره عن أبيه يعلى بن أمية أنه قال: بينا عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير وأنا أستر عليه بثوب إذ قال عمر يا يعلى (1) أصبب على رأسي فقلت: أمير المؤمنين أعلم، فقال عمر بن الخطاب: والله لا يزيد الماء الشعر إلا شعثا فسمى الله ثم أفاض على رأسه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه بلغه أن ناسا (2) تماقلوا بين يدى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وهو بساحل من السواحل وعمر ينظر إليهم فلم ينكره عليهم، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزرى عن عكرمة عن ابن عباس قال: ربما قال لى عمر بن الخطاب تعال أبا قيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون؟ أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال الجنب المحرم وغير المحرم إذا اغتسل دلك جلده إن شاء ولم يدلك رأسه قال ابن جريج فقلت له لم يدلك جلده إن شاء ولا يدلك رأسه؟ قال من أجل أنه يبدو له من جلده ما لا يبدو له من رأسه أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: تماقل عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد وهما محرمان وعمر ينظر (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ فيغتسل المحرم من غير جنابة ولا ضرورة ويغسل رأسه ويدلك جسده بالماء وما تغير من جميع جسده لينقيه ويذهب تغيره بالماء وإذا غسل رأسه أفرغ عليه الماء إفراغا، وأحب إلى أن لم يغسله من جنابة أن لا يحركه بيديه فإن فعل رجوت أن لا يكون في ذلك ضيق وإذا غسله من جنابة أحببت أن يغسله ببطون أنامله ويديه ويزايل شعره مزايلة رفيقة ويشرب الماء أصول شعره ولا يحكه بأظفاره ويتوقى أن يقطع منه شيئا فإن حركه تحريكا خفيفا أو شديدا، فخرج في يديه من الشعر شئ فالاحتياط أن يفديه ولا يجب عليه أن يفديه يستيقن أنه قطعه أو نتفه بفعله وكذلك ذلك في لحيته لان الشعر قد ينتتف ويتعلق بين الشعر فإذا مس أو حرك خرج المنتتف منه ولا يغسل رأسه بسدر ولا خطمى لان ذلك برجله فإن فعل أحببت لو افتدى ولا أعلم ذلك واجبا ولا يغطس المحرم رأسه في الماء إذا كان قد لبده مرارا ليلين عليه ويدلك المحرم جسده دلكا شديدا إن شاء لانه ليس في بدنه من الشعر ما يتوقى كما
يتوقاه في رأسه ولحيته وإن قطع من الشعر شيئا من دلكه إياه فداه.
(باب دخول المحرم الحمام) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ولا أكره دخول الحمام للمحرم لانه غسل، والغسل مباح لمعنيين
__________
(1) قوله: أصبب على رأسي، كذا في النسخ بصيغة الامر، وحرر الرواية، كتبه مصححه.
(2) تماقلوا: أي تغاطسوا في الماء، كما في كتب اللغة.
كتبه مصححه.(2/159)
للطهارة والتنظيف، وكذلك هو في الحمام والله أعلم، ويدلك الوسخ عنه في حمام كان أو غيره، وليس في الوسخ نسك ولا أمر نهى عنه ولا أكره للمحرم أن يدخل رأسه في ماء سخن ولا بارد جار ولا نافع.
(باب الموضع الذى يستحب فيه الغسل) (قال الشافعي) أستحب الغسل للدخول في الاهلال ولدخول مكة وللوقوف عشية عرفة وللوقوف بمزدلفة ولرمى الجمار سوى يوم النحر وأستحب الغسل بين هذا عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفا للبدن، وكذلك أحبه للحائض، وليس من هذا واحد واجب، وروى عن إسحق بن عبد الله بن أبى فروة عن عثمان بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذى طوى حتى صلى الصبح ثم اغتسل بها ودخل مكة وروى عن أم هانئ بنت أبى طالب وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا بن أبى طالب رضى الله عنه كان يغتسل بمنزله بمكة حين يقدم قبل أن يدخل المسجد، وروى عن صالح بن محمد بن رائدة عن ام ذرة، أن عائشة رضى الله تعالى عنها كانت تغتسل بذى طوى حين تقدم مكة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا خرج حاجا أو معتمرا لم يدخل مكة حتى يغتسل ويأمر من معه فيغتسلوا.
(باب ما يلبس المحرم من الثياب) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثاء جابر بن زيد يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو
يقول " إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد إزارا لبس سراويل " أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفين إلا لمن لا يجد نعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلبسوا القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس، وقال " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " (قال الشافعي) استثنى النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد نعلين أن يلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين (قال الشافعي) ومن لم يجد إزارا لبس سراويل فهما سواء، غير أنه لا يقطع من السراويل شيئا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقطعه، وأيهما لبس ثم وجد بعد ذلك نعلين، لبس النعلين وألقى الخفين، وإن وجد بعد أن لبس السراويل إزارا لبس الازار وألقى السراويل، فإن لم يفعل أفتدى، أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبى بكر أنها كانت تلبس(2/160)
المعصفرات المشبعات وهى محرمة ليس فيها زعفران، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبى جعفر محمد بن على قال: أبصر عمر بن الخطاب على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال: ما هذه الثياب؟ فقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: ما إخال أحدا يعلمنا السنة، فسكت عمر.
(باب ما تلبس المرأة من الثياب) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر أنه سمعه يقول: لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة، ولا أرى المعصفر طيبا، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يفتى النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتى النساء
أن لا يقطعن، فانتهى عنه (قال الشافعي) لا تقطع المرأة الخفين، والمرأة تلبس السراويل والخفين والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل، وليست في هذا كالرجل، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال: في كتاب على رضى الله عنه " من لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما " قلت: أتتيقن بأنه كتاب على؟ قال: ما أشك أنه كتابه؟ قال: وليس فيه " فليقطعهما "، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من لم يكن له إزار وله تبان أو سراويل فليلبسهما، قال سعيد بن سالم: لا يقطع الخفان (قال الشافعي) أرى أن يقطعا، لان ذلك في حديث ابن عمر، وإن لم يكن في حديث ابن عباس، وكلاهما صادق حافظ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئا لم يؤده الآخر، إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يؤده، وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه لبعض هذه المعاني اختلافا، وبهذا كله نقول إلا ما بينا أنا ندعه، والسنة، ثم أقاويل أكثر من حفظت عنه من أهل العلم تدل على أن الرجل والمرأة المحرمين يجتمعان في اللبس ويفترقان، فأما ما يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس، وإذا لم يلبس ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس لانهما طيب، فصبغ الثوب بماء الورد أو المسك أو العنبر أو غير ذلك من الطيب الذى هو أطيب من الورس أو مثله، أو ما يعد طيبا كان أولى (1) أن لا يلبسانه، كان ذلك مما له لون في الثوب أو لم يكن له، إذا كانت له رائحة طيبة توجد والثوب جاف أو رطب، ولو أخذ ماء ورد فصبغ به ثوبا فكان رائحته توجد منه والثوب جاف أو مبلول لانه أثر طيب في الثوب لم يلبسه المحرمان وكذلك لو صعد له زعفران حتى يبيض لم يلبسه المحرمان وكذلك لو غمس في (2) نضوح أو ضياع أو غير ذلك وكذلك لو عصر له الريحان العربي أو الفارسى أو شيئا من الرياحين التي كره للمحرم شمها فغمس في مائه لم يلبسه المحرمان، وجماع هذا أن ينظر إلى كل ما كان طيبا لا يشمه المحرم فإذا استخرج ماؤه بأى وجه استخرج نيئا كان أو مطبوخا ثم غمس فيه الثوب فلا يجوز للمحرم ولا
__________
(1) أن لا يلبسانه، كذا في جميع النسخ، بإثبات النون مع " أن " الناصبة، وكثيرا ما يقع ذلك في هذا الكتاب، ولعله من تحريف النساخ إن لم يكن جريا على لغة من لا ينصب ب " أن ".
(2) النضوح: بالفتح، ضرب من الطيب تفوح رائحته، وأصل النضح الرش، فشبه كثرة ما
يفوح من طيبه بالرشح.
كذا في اللسان، والضياع كسحاب، ضرب من الطيب، كذا في القاموس.
كتبه مصححه.(2/161)
للمحرمة لبسه وما كان مما يجوز للمحرم والمحرمة شمه من نبات الارض الذى لا يعد طيبا ولا ريحانا مثل الاذخر والضرو والشيح والقيصوم والبشام وما أشبهه، أو ما كان من النبات المأكول الطيب الريح مثل الاترج والسفرجل والتفاح فعصر ماو خالصا فغمس فيه الثوب فلو توقاه المحرمان كان أحب إلى وان لبساه فلا فدية عليهما ويجتمعان في أن لا يتبرقعان ولا يلبسان القفازين ويلبسان معا الثوب المصبوغ بالعصفر مشبعا كان أو غير مشبع، وفى هذا دلالة على ان لم يمنع لبس المصبوغ بالورس والزعفران للونه وأن اللون إذا لم يكن طيبا لم يصنع شيئا ولكن إنما نهى عما كان طيبا والعصفر ليس بطيب، والذى أحب لهما معا أن يلبسا البياض وأكره لهما كل شهرة من عصفر وسواد وغيره، ولا فدية عليهما إن لبسا غير المطيب ويلبسان الممشق وكل صباغ بغير طيب ولو تركا ذلك ولبسا البياض كان أحب إلى الذى يقتدى به ولا يقتدى به، أما الذى يقتدى به فلما قال عمر بن الخطاب " يراه الجاهل فيذهب إلى ان الصبغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب "، وأما الذى لا يقتدى به فأخاف ان يساء الظن به حين يترك مستحقا بإحرامه، وهذا وإن كان كما وصفت فالمقتدى به وغير المقتدى به يجتمعان، فيترك العالم عند من جهل العلم مستحقا بإحرامه، وإذا رأى الجاهل فلم ينكر عليه العالم رأى من يجهل أنه لم يقر الجاهل إلا وهذا جائز عند العالم فيقول الجاهل: قد رأيت فلانا العالم رأى من لبس ثوبا مصبوغا وصحبه فلم ينكر عليه ذلك، ثم تفارق المرأة والرجل فيكون لها لبس الخفين ولا تقطعهما وتلبسهما وهى تجد نعلين من قبل أن لها لبس الدرع والخمار والسراويل، وليس الخفان بأكثر من واحد من هذا ولا أحب لها أن تلبس نعلين وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخى جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطى وجهها متجافيا كالستر على وجهها ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال تدلى عليها من جلبابها ولا تضرب به، فلت وما لا تضرب به؟ فأشار إلى كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذى يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال، لتدل المرأة المحرمة ثوبها على وجهها ولا تنتقب (قال الشافعي) ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق ولا تغطى جبهتها ولا شيئا من وجهها إلا مالا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلى قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار ويستر الشعر لان الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر ويكون لها الاختمار ولا يكون للرجل التعمم ولا يكون له لبس الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيلبسهما ويقطعهما أسفل من الكعبين ولا يكون له لبس السراويل إلا أن لا يجد إزارا فيلبسه ولا يقطع منه شيئا ويكون ذلك لها ويلبسان رقيق الوشى (1) والعصب ودقيق القطن وغليظه والمصبوغ كله بالمدر لان المدر ليس بطيب والمصبوغ بالسدر وكل صبغ عدا الطيب، وإذا أصاب الثوب طيب فبقى ريحه فيه لم يلبساه وكان كالصبغ ولو صبغ ثوب بزعفران أو ورس فذهب ريح الزعفران أو الورس من الثوب لطول لبس أو غيره وكان إذا أصاب واحدا منهما
__________
(1) العصب: بفتح فسكون، برود يمنية يعصب غزلها ثم يصبغ وينسج فيأتى موشيا لبقاء ما عصب أبيض لم يأخذه صبغ.(2/162)
الماء حرك ريحه شيئا وإن قل لم يلبسه المحرم وإن كان الماء إذا أصابهما لم يحرك واحدا منهما فلو غسلا كان أحب إلى وأحسن وأحرى أن لا يبقى في النفس منهما شئ وإن لم يغسلا رجوت ان يسع لبسهما إذا كانا هكذا لان الصباغ ليس بنجس وإنما أردنا بالغسل ذهاب الريح فإن ذهب الريح بغير غسل رجوت ان يجزى ولو كان أمره أن لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس بحال كان إن مسه ثم ذهب لم يجز لبسه بعد غسلات ولكنه إنما أمر ان لا يلبسه إذا كان الزعفران والورس موجودا في ذلك الحين فيه والله أعلم (1) وما قلت موجود من ذلك في الخبر والله أعلم (قال) وكذلك لو صبغ ثوب بعد الزعفران والورس بسدر أو سواد فكانا إذا مسهما الماء لم يظهر للزعفران والورس ريح كان له لبسهما ولو
كان الزعفران والورس إذا مسهما الماء يظهر لهما شئ من ريح الزعفران أو الورس لم يلبسهما ولو مس زعفران أو ورس بعض الثوب لم يكن للمحرم لبسه حتى يغسل ويعقد المحرم عليه إزاره لانه من صلاح الازار، والازار ما كان معقودا ولا يأتزر ذيلين ثم يعقد الذيلين من ورائه ولا يعقد رداءه عليه ولكن يغرز طرفي ردائه إن شاء في إزاره أو في سراويله إذا كان الرداء منشورا فإن لبس شيئا مما قلت ليس له لبسه ذاكرا عالما انه لا يجوز له لبسه، أفتدى وقليل لبسه له وكثيره سواء.
فإن قنع المحرم رأسه طرفة عين ذاكرا عالما أو انتقبت المرأة أو لبست ما ليس لها أن تلبسه فعليهما الفدية ولا يعصب المحرم رأسه من علة ولا غيرها فإن فعل افتدى وإن لم يكن ذلك لباسا.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المحرم يلوى الثوب على بطنه من ضرورة أو من برد قال: إذا لواه من ضرورة فلا فدية، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال رأيت ابن عمر يسعى بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب، أخبرنا سعيد ابن سالم عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره أخبرنا سعيد بن سالم عن مسلم بن جندب قال: جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه قال " اخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم " فقال عبد الله " لا تعقد شيئا " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يتوشح بالثوب ثم يعقد طرفيه من ورائه إلا من ضرورة، فإن فعل من ضرورة لم يفتد، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا محتزما بحبل أبرق فقال " انزع الحبل " مرتين، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في المحرم: يجعل المكتل على رأسه؟ فقال: نعم لا بأس بذلك وسألته عن العصابة يعصب بها المحرم رأسه؟ فقال: لا العصابة تكفت شعرا كثيرا (قال الشافعي) لا بأس أن يرتدى المحرم ويطرح عليه القميص والسراويل والفرو وغير ذلك ما لم يلبسه لباسا وهو كالرداء، ولا بأس أن يغسل المحرم ثيابه وثياب غيره ويلبس غير ما أحرم فيه من الثياب ما لم يكن من الثياب المنهى عن لبسها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال " وليلبس المحرم من الثياب ما لم يهل فيه " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بالممشق للمحرم بأسا أن يلبسه وقال: إنما هو مدرة، أخبرنا سعيد بن سالم قال الربيع أظنه عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يلبس
المحرم (2) ساجا ما لم يزره عليه فإن زره عليه عمدا افتدى كما يفتدى إذا تقمص عمدا (قال الشافعي) وبهذا نأخذ (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى
__________
(1) قوله: وما قلت موجود الخ كذا في النسخ، وانظر، وحرر.
كتبه مصححه.
(2) الساج: هو الطيلسان الاخضر أو الاسود.
كما في القاموس.(2/163)
بدرس العصفر والزعفران للمحرم بأسا ما لم يجد ريحه (قال الشافعي) أما العصفر فلا بأس به وأما الزعفران فإذا كان إذا مسه الماء ظهرت رائحته فلا يلبسه المحرم وإن لبسه افتدى، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أنها قالت كنا عند عائشة إذ جاءتها امرأة من نساء بني عبد الدار يقال لها تملك فقالت يا أم المؤمنين إن ابنتي فلانة حلفت أنها لا تلبس حليها في الموسم فقالت عائشة " قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله " أخبرنا سعيد عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة وعبد الله بن دينار قالا: من السنة أن تمسح المرأة يديها عند الاحرام بشئ من الحناء ولا تحرم (1) وهي عفا (قال الشافعي) وكذلك أحب لها (قال) إن اختضبت المحرمة ولفت على يديها رأيت أن تفتدي وأما لو مسحت يديها بالحناء فإني لا أرى عليها فدية وأكرهه، لانه ابتداء زينة، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن ناسا سألوه عن الكحل الاثمد للمرأة المحرمة الذي ليس فيه طيب قال أكرهه لانه زينة وإنما هي أيام تخشع وعبادة (قال الشافعي) والكحل في المرأة أشد منه في الرجل فإن فعلا فلا أعلم على واحد منهما فدية ولكن إن كان فيه طيب فأيهما اكتحل به افتدى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا، وأنه قال: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد، ما لم يكتحل بطيب، ومن غير رمد، ابن عمر القائل.
(باب لبس المنطقة والسيف للمحرم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يلبس المحرم المنطقة ولو جعل في طرفها سيورا فعقد بعضها على بعض لم يضره ويتقلد المحرم السيف من خوف ولا فدية عليه ويتنكب المصحف.
(باب الطيب للاحرام) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب " أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم قال قالت عائشة " أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال سمعت عائشة وبسطت يديها تقول " أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لاحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) قوله: وهى عفا كذا في نسخ الام التي بيدنا، ووقع في " مختصر المزني " وهى غفل، وكتبنا هناك أن الغفل التي لا أثر بها من الخضاب من قول العرب " ناقة غفل " لا علامة عليها، فانظر.
كتبه مصححه.(2/164)
بيدى هاتين لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " أخبرنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة قال سمعت أبى يقول سمعت عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله " فقلت لها بأى الطيب؟ فقالت " بأطيب الطيب " وقال عثمان ما روى هشام هذا الحديث إلا عنى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة قالت " رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع القاسم بن محمد وعروة يخبران عن عائشة أنها قالت " طيبت رسول الله صلى عليه وسلم بيدى في حجة الوداع للحل والاحرام " أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان أنه سمع عائشة بنت سعد تقول طيبت أبى عند إحرامه (1) بالسك والذريرة أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد عن أبيه أنه قال رأيت ابن عباس محرما وأن على رأسه لمثل (2) الرب من الغالية (قال الشافعي)
وبهذا كله نأخذ فنقول: لا بأس أن يتطيب الرجل قبل إحرامه بأطيب ما يجد من الطيب غالبة ومجمر وغيرهما إلا ما نهى عنه الرجل من التزعفر ولا بأس على المرأة في التطيب بما شاءت من الطيب قبل الاحرام وكذلك لا بأس عليهما أن يفعلا بعد ما يرميان جمرة العقبة، ويحلق الرجل وتقصر المرأة قبل الطواف بالبيت، والحجة فيه ما وصفنا من تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحالين، وكذلك لا بأس بالمجمر وغيره من الطيب لانه أحرم وابتدأ الطيب حلالا وهو مباح له، وبقاؤه عليه ليس بابتداء منه له، وكذلك إن كان الطيب دهنا أو غيره ولكنه إذا أحرم فمس من الطيب شيئا قل أو كثر بيده أو أمسه جسده وهو ذاكر لحرمته غير جاهل بأنه لا ينبغى له، أفتدى.
وكل ما سمى الناس طيبا في هذه الحال من الافاويه وغيرها وكل ما كان مأكولا إنما يتخذ ليؤكل أو يشرب لدواء أو غيره، وان كان طيب الريح ويصلح في الطيب فلا بأس بأكله، وشمه وذلك مثل المصطكا والزنجبيل والدارصيني وما أشبه هذا، وكذلك كل معلوف أو حطب من نبات الارض مثل الشيح والقيصوم والاذخر وما أشبه هذا، فإن شمه أو أكله أو دقه فلطخ به جسده فلا فدية عليه، لانه ليس بطيب ولا دهن، والريحان عندي طيب، وما طيب من الادهان بالرياحين فبقى طيبا كان طيبا وما (3) ربب بها عندي طيب إذا بقى طيبا مثل الزنبق والخيرى والكاذي والبان المنشوش وليس البنفسج بطيب إنما يربب للمنفعة لا للطيب، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر أنه سئل: أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب؟ فقال: لا، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال ما أرى الورد والياسمين إلا طيبا (قال الشافعي) وما مس المحرم من رطب الطيب بشئ من بدنه افتدى وإن مس بيده منه شيئا يابسا لا يبقى له أثر في يده ولا له ريح كرهته له ولم أر عليه الفدية وإنما يفتدى من الشم خاصة بما أثر من الطيب من الشم، لان غاية الطيب للتطيب وإن جلس إلى عطار فأطال، أو مر به فوجد ريح الطيب أو وجد ريح الكعبة مطيبة أو مجمرة لم يكن عليه فدية وإن مس خلوق الكعبة جافا كان كما وصفت لا فدية عليه فيه لانه لا يؤثر ولا يبقى ريحه في بدنه وكذلك الركن وإن مس الخلوق رطبا افتدى وإن انتضح عليه أو
__________
(1) السك: بالضم، ضرب من الطيب، يركب من مسك ورامك.
كذا في اللسان.
(2) الرب: بالضم، الطلاء الخاثر.
كذا في اللسان.
(3) ربب: بها أي طيب وغذي ودهن، منشوش، أي مخلوط بالطيب، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.(2/165)
تلطخ به غير عامد له غسله ولا فدية عليه وكذلك لو أصاب ثوبه ولو عقد طيبا فحمله في خرقة أو غيرها وريحه يظهر منها لم يكن عليه فدية وكرهته له لانه لم يمس الطيب نفسه ولو أكل طيبا أو استعط به أو احتقن به افتدى وإذا كان طعام قد خالطه زعفران أصابته نار أو لم تصبه فأنظر، فإن كان ريحه يوجد أو كان طعم الطيب يظهر فيه فأكله افتدى وإن كان لا يظهر فيه ريح ولا يوجد له طعم وإن ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد لانه قد يكثر الطيب في المأكول ويمس النار فيظهر فيه ريحه وطعمه ويقل ولا تمسه نار فلا يظهر فيه طعمه ولا لونه وإنما الفدية وتركها من قبل الريح والطعم وليس للون معنى لان اللون ليس بطيب وإن حشا المحرم في جرح له طيبا افتدى والادهان دهنان، دهن طيب فذلك يفتدى صاحبه إذا دهن به من جسده شيئا قل أو كثر وذلك مثل البان المنشوش بالطيب والزنبق وماء الورد وغيره (قال) ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير المنشوش والشبرق والزيت والسمن والزبد، فذلك إن دهن به أي جسده شاء غير رأسه ولحيته أو أكله أو شربه فلا فدية عليه فيه، وإن دهن به رأسه أو لحيته افتدى، لانهما في موضع الدهن وهما يرجلان ويذهب شعثهما بالدهن فأى دهن أذهب شعثهما ورجلهما، بقى فيهما طيبا أو لم يبق، فعلى المدهن به فدية، ولو دهن رأسه بعسل أو لبن لم يفتد لانه لا طيب ولا دهن إنما هو يقذر لا يرجل ولا يهنئ الرأس، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال يدهن المحرم قدميه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء، أنه سأله عن المحرم يتشقق رأسه أيدهن الشقاق منه بسمن؟ قال: لا، ولا بودك غير لسمن، إلا ان يفتدى فقلت له: إنه ليس بطيب قال ولكنه يرجل رأسه قال فقلت له: فإنه يدهن قدمه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا فقال: إن القدم ليست كالشعر إن الشعر يرجل قال عطاء: واللحية في ذلك مثل الرأس.
(باب لبس المحرم وطيبه جاهلا)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبى رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة (يعنى جبة) وهو متضمخ بالخلوق فقال يارسول الله: إنى أحرمت بالعمرة وهذه على فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كنت تصنع في حجك؟ " قال كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول: من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها (قال الشافعي) والسنة كما قال عطاء لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء، أرأيت لو أن رجلا أهل من ميقاته وعليه جبة ثم سار أميالا ثم ذكرها فنزعها أعليه أن يعود إلى ميقاته فيحدث إحراما؟ قال: لا، حسبه الاحرام الاول (قال الشافعي) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى، وقد أهل من ميقاته والجبة لا تمنعه ان يكون مهلا، وبهذا كله نأخذ (قال الشافعي) أحسب من نهى المحرم عن التطيب قبل الاحرام والافاضة بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الاعرابي بغسل الخلوق عنه ونزع الجبة وهو محرم فذهب إلى أن النهى عن الطيب لان الخلوق كان عنده طيبا وخفى عليهم ما(2/166)
روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو علموه فرأوه مختلفا فأخذوا بالنهي عن الطيب، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعرابي بغسل الخلوق عنه والله أعلم لانه نهى ان يتزعفر الرجل، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إسمعيل الذي يعرف بابن علية قال أخبرني عبد العزيز بن صهيب عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل، فإن قال قائل: إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الجبة بغسل الخلوق يحتمل ما وصفت ويحتمل أن يكون إنما أمره بغسله لانه طيب وليس للمحروم أن يبقى عليه الطيب، وإن كان قبل الاحرام قيل له إن شاء الله تعالى فلو كان كما قلت كان منسوخا فإن قال وما نسخه؟ قلنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الاعرابي بالجعرانة والجعرانة في سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه في
حجة الاسلام وهى سنة عشر.
فإن قال فقد نهى عنه عمر قلنا لعله نهى عنه على المعنى الذى وصفت إن شاء الله تعالى فإن قال أفلا تخاف غلط من روى عن عائشة؟ قيل: هم أولى أن لا يغلطوا ممن روى عن ابن عمر عن عمر لانه إنما روى هذا عن ابن عمر عن عمر رجل أو اثنان وروى هذا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة أو سبعة، والعدد الكثير أولى أن لا يغلطوا من العدد القليل، وكل عندنا لم يغلط إن شاء الله تعالى ولو جاز إذا خالف ما روى عن عمر ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطيب أن يخاف غلط من روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يخاف غلط من روى هذا عن عمر، وإذا كان، علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر كره علما واحدا من جهة الخبر فلا يجوز لاحد أن يزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يترك بحال إلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا لقول غيره وقد خالف عمر سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عباس وغيرهما وقد يترك من يكره الطيب للاحرام والاحلال لقول عمر أقاويل لعمر لقول الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واقاويل لعمر لا يخالفه فيها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخالف عمر لرأي نفسه، فإذا كان يصنع هذا في بعض قول عمر فكيف جاز أن يدع السنة التى فرض الله تعالى على الخلق اتباعها لقول من يفعل في قوله مثل هذا (1) لعمري لئن جاز له أن يأخذ به فيدع السنة بخلافه فما لا سنة عليه فيه أضيق وأحرى أن لا يخرج من خلافه وهو يكثر خلافه فيما لا سنة فيه ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل بأن ينزع الجبة عنه ويغسل الصفرة ولم يأمره بالكفارة قلنا: من لبس ما ليس له لبسه قبل الاحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه (2) ثم يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الاحرام أو ابتدأ لبسه بعد الاحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه أو مخطئا به وذلك ان يريد غيره فيلبسه نزع الجبة والقميص نزعا ولم يشقه ولا فدية عليه في لبسه وكذلك الطيب قياسا عليه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بغسله لما وصفنا من الصفرة وإن كان للطيب فهو أكثر أو مثله والصفر جامعة لانها طيب وصفرة، فإن قال قائل: كيف قلت هذا في الناسي والجاهل في اللبس والطيب ولم تقله فيمن جز شعره أو قتل صيدا؟ قيل له إن شاء الله تعالى
__________
(1) قوله: لعمري لئن جاز الخ في جميع النسخ التي بيدنا اختلاف في هذا المقام بزيادة ونقص
وتحريف، ولعل أقربها إلى الصحة النسخة التي أثبتناها، فانظر.
وحرر.
(2) قوله: ثم يثبت عليه الخ، كذا في النسخ، ولعل في العبارة، تحريفا، فحرر.
كتبه مصححه.(2/167)
قلته خبرا وقياسا وأن حاله في اللبس والطيب مخالفة حاله في جز الشعر وقتل الصيد، فإن قال: فما فرق بين الطيب واللبس وقتل الصيد وجز الشعر وهو جاهل في ذلك كله؟ قيل له الطيب واللبس شئ إذا أزاله عنه زال فكان إذا أزاله كحاله قبل أن يلبس ويتطيب لم يتلف شيئا حرم عليه أن يتلفه ولم يزل شيئا حرم عليه إزالته إنما أزال ما أمر بإزالته مما ليس له أن يثبت عليه وقاتل الصيد أتلف ما حرم عليه في وقته ذلك إتلافه وجاز الشعر والظفر أزال بقطعه ما هو ممنوع من إزالته في ذلك الوقت والازالة لما ليس له إزالته إتلاف وفى الاتلاف لما نهى عن إتلافه عوض خطأ كان أو عمدا، لما جعل الله في إتلاف النفس خطأ من الدية وليس ذلك غير في الاتلاف كهو في الاتلاف ولكنه إذا فعله عالما بأنه لا يجوز له وذاكرا لاحرامه وغير مخطئ فعليه الفدية في قليل اللبس والطيب وكثيره على ما وصفت في الباب قبل هذا ولو فعله ناسيا أو جاهلا ثم علمه فتركه عليه ساعة وقد أمكنه إزالته عنه بنزع ثوب أو غسل طيب أفتدى لانه أثبت الثوب والطيب عليه بعد ذهاب العذر وإن لم يمكنه نزع لعلة مرض أو عطب في بدنه وانتظر من ينزعه فلم يقدر عليه فهذا عذر ومتى أمكنه نزعه نزعه وإلا افتدى إذا تركه بعد الامكان ولا يفتدى إذا نزعه بعد الامكان ولو لم يمكنه غسل الطيب وكان في جسده رأيت ان يمسحه بخرقة فإن لم يجد خرقة فبتراب إن أذهبه فإن لم يذهبه فيشجر أو حشيش، فإن لم يقدر عليه أو قدر فلم يذهبه، فهذا عذر، ومتى أمكنه الماء غسله ولو وجد ماء قليلا إن غسله به لم يكفه لوضوئه غسله به وتيمم لانه مأمور بغسله ولا رخصة له في تركه إذا قدر على غسله وهذا مرخص له في التيمم إذا لم يجد ماء ولو غسل الطيب غيره كان أحب إلي، وإن غسله هو بيده لم يفتد من قبل أن عليه غسله وإن ماسه فإنما ماسه ليذهبه عنه لم يماسه ليتطيب به ولا يثبته، وهكذا ما وجب عليه الخروج منه خرج منه كما يستطيع، ولو دخل دار رجل بغير إذن لم يكن جائزا له وكان عليه الخروج منها، ولم
أزعم أنه يحرج بالخروج منها، وإن كان يمشى فيما لم يؤذن له فيه لان مشيه للخروج من الذنب لا للزيادة، فيه فهكذا هذا الباب كله وقياسه.
(باب الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث " إلى قوله " في الحج " أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبى الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: لا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عن عبد الله بن عمر يسمى شهور الحج؟ فقال: نعم، كان يسمى (1) شوالا وذا القعدة وذا الحجة قلت لنافع: فإن أهل إنسان بالحج قبلهن؟ قال: لم أسمع منه في ذلك شيئا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال طاوس هي شوال وذو القعدة وذو الحجة، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت لو أن رجلا جاء مهلا بالحج في شهر رمضان كيف كنت قائلا له؟ قال
__________
(1) قوله: شوالا وذا القعدة وذا الحجة، كذا في بعض النسخ بالنصب، وفى بعضها شوال وذو القعدة الخ بالرفع ومثله في المسند، وكل صحيح، والمدار على الرواية: كتبه مصححه.(2/168)
أقول له: اجعلها عمرة، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرنا عمر بن عطاء عن عكرمة أنه قال: لا ينبغى لاحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله عزوجل " الحج أشهر معلومات " ولا ينبغى لاحد أن يلبى بحج ثم يقيم.
(باب هل يسمى الحج أو العمرة عند الاهلال أو تكفى النية منهما؟) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فيما حكينا من الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن نية الملبى كافية له من ان يظهر ما يحرم به كما تكون نية المصلى مكتوبة أو نافلة أو ندرا كافية له من إظهار ما ينوى منها بأى إحرام نوى، ونية الصائم كذلك، وكذلك لو حج أو اعتمر عن غيره كفته نيته من أن يسمى أن حجه هذا عن غيره (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن
سعيد بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله قال ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجا قط ولا عمرة (قال الشافعي) ولو سمى المحرم ذلك لم أكرهه إلا أنه لو كان سنة سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من بعده، ولو لبى المحرم فقال: " لبيك بحجة وعمرة " وهو يريد حجة كان مفردا ولو أراد عمرة كان معتمرا ولو سمى عمرة وهو يريد حجا كان حجا ولو سمى عمرة وهو يريد قرانا كان قرانا إنما يصير أمره إلى النية إذا أظهر التلبية معها ولا يلزمه إذا لم يكن له نية أن يكون عليه أكثر من لفظه، وذلك ان هذا عمل لله خالصا لا شئ لاحد من الآدميين غيره فيه فيؤخذ فيه بما ظهر من قوله دون نيته، ولو لبى رجل لا يريد حجا ولا عمرة لم يكن حاجا ولا معتمرا كما لو كبر لا يريد صلاة لم يكن داخلا في الصلاة ولو أكل سحرا لا يريد صوما لم يكن داخلا في الصوم وكذلك لو لم يأكل يوما كاملا ولا ينوى صوما لم يكن صائما، وروى ان عبد الله بن مسعود لقى ركبا بالساحل محرمين فلبوا قلبى ابن مسعود وهو داخل إلى الكوفة والتلبية ذكر من ذكر الله عزوجل، لا يضيق على أحد أن يقول: ولا يوجب على أحد أن يدخل في إحرام إذا لم ينوه.
(باب كيف التلبية؟) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " قال نافع كان عبد الله بن عمر يزيد فيها " لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل " (قال الشافعي) أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " وذكر الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الاعرج عن أبى هريرة رضى الله عنه قال كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " لبيك إله الحق لبيك " (قال الشافعي) كما روى جابر وإبن عمر كانت أكثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى التى أحب ان تكون تلبية المحرم لا يقصر عنها ولا يجاوزها، إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مثلها في المعنى لانها تلبية والتلبية إجابة، فأبان أنه أجاب إله الحق بلبيك أولا وآخرا، أخبرنا سعيد بن(2/169)
سالم عن ابن جريج قال أخبرني حميد الاعرج عن مجاهد أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها " لبيك إن العيش عيش الآخرة " قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة (قال الشافعي) وهذه تلبية كتلبيته التي رويت عنه وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا ولا ما فيها ولا يضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية، غير ان الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية ولا يصل بها شيئا إلا ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعظم الله تعالى ويدعوه بعد قطع التلبية، أخبرنا سعيد عن القاسم بن معن عن محمد بن عجلان عن عبد الله بن أبى سلمة أنه قال سمع سعد بعض بنى أخيه وهو يلبى " باذا المعارج " فقال: سعد المعارج؟ إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(باب رفع الصوت بالتلبية) (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك ابن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن خلاد بن السائب الانصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتانى جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معى أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالاهلال " يريد أحدهما (قال الشافعي) وبما أمر به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الرجال المحرمين وفيه دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم (1) فكانا نكره قطع أصواتهم وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الاصوات بالتلبية الرجال فكان النساء مأمورات بالستر فان لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر لها، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها.
(باب أين يستحب لزوم التلبية؟) (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع، عند اضطمام الرفاق حتى تنضم وعند إشرافهم على الشئ وهبوطهم من بطون الاودية وعند هبوطهم من الشئ الذى يشرفون منه وعند الصلاة إذا فرغوا منها (قال الشافعي) وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ان جبريل عليه السلام أمره بأن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية وإذا كانت التلبية برا أمر الملبون برفع الصوت به فأولى المواضع أن يرفع الصوت به مجتمع الناس حيث كانوا من مساجد الجماعات والاسواق واضطمام الرفاق، وأين كان اجتماعهم بما يجمع من ذلك
__________
(1) قوله: فكانا نكره قطع أصواتهم، كذا في جميع النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/170)
من طاعتهم برفع الصوت، وأن معنى رفع الصوت به كمعنى رفعه بالاذان الذى لا يسمعه شئ إلا شهد له به، وإن في ذلك تنبيها للسامع له، يحدث له الرغبة في العمل لله بنفسه ولسانه أو بعضها، ويؤجر له المنبه له إليه.
(باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد) (قال الشافعي) فإن قال قائل: لا يرفع الملبى صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد مكة ومنى فهذا قول يخالف الحديث ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد، إذ حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فمتى كانت التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها ولو جاز لاحد أن يقول يرفعها في حال دون حال جاز عليه أن يقول يرفعها حيث زعمت أنه يخفضها ويخفضها حيث زعمت أنه يرفعها، وهذا لا يجوز عندنا لاحد، وفى حديث ابن سابط عن السلف أنهم كانوا لا يدعون التلبية عند اضطمام الرفاق دليل على أنهم واظبوا عليها عند اجتماع الناس، وإذا تحروا اجتماع الناس على الطريق كانت المساجد أولى ان يجهروا بذلك فيها أو في مثل معناها؟ أرأيت الاذان أيترك رفع الصوت به في مسجد الجماعات؟ فإن قيل: لا، لانه قد أمر برفع الصوت قيل وكذلك التلبية به أرأيت لو لم يعلم أحد من هؤلاء شيئا أكانت التلبية تعدو أن يرفع الصوت بها مع الجماعات فكل جماعة في ذلك سواء أو ينهى عنها في الجماعات
لان ذلك يشغل المصلى عن صلاته فهى في المسجد الحرام ومسجد منى أولى أن لا يرفع عليهم الصوت أو مثل غيرهم وإن كان ذلك كراهية رفع الصوت في المساجد أدبا وإعظاما لها، فأولى المساجد أن يعظم، المسجد الحرام ومسجد " منى " لانه في الحرم.
(باب التلبية في كل حال) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن محمد بن أبى حميد عن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبى راكبا ونازلا ومضطجعا (قال الشافعي) وبلغني عن محمد بن الحنفية أنه سئل أيلبى المحرم وهو جنب؟ فقال: نعم (قال الشافعي) والتلبية ذكر من ذكر الله عزوجل فيلبى المرء طاهرا وجنبا وغير متوضئ، والمرأة حائضا وجنبا وطاهرا وفى كل حال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وعركت " افعلى ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " والتلبية مما يفعل الحاج.
(باب ما يستحب من القول في أثر التلبية) (قال الشافعي) أستحب إذا سلم المصلى ان يلبى ثلاثا وأستحب إذا فرغ من التلبية أن يتبعها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله جل ثناؤه رضاه والجنة والتعوذ من النار اتباعا ومعقولا أن الملبى وافد الله تعالى وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعى الله وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على(2/171)
النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ويتعوذ من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار، أخبرنا إبراهيم بن محمد أن القاسم بن محمد كان يأمر إذا فرغ من التلبية أن يصلى على محمد النبي صلى الله عليه وسلم.
(باب الاستثناء في الحج)
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال " أما تريدين الحج؟ " فقالت إنى شاكية فقال لها " حجى واشترطي أن محلى حيث حبستنى " أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لى عائشة هل تستثنى إذا حججت؟ فقلت لها ماذا أقول؟ فقالت: قل " اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرت فهو الحج وإن حبستنى بحابس فهى عمرة " (قال الشافعي) ولو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره لانه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحجة فيه أن يكون المستثنى مخالفا غير المستثنى من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ عدد أو توان وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع الذى حبس فيه بلا هدى ولا كفارة غيره وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه إلا ان يكون لم يحج حجة الاسلام فيحجها وكانت الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشرط إلا أن يكون على ما يأمر به وكان حديث عروة عن عائشة يوافقه في معنى أنها أمرت بالشرط وكان وجه أمرها بالشرط إن حبس عن الحج فهى عمرة أن يقول إن حبسني حابس عن الحج ووجدت سبيلا إلى الوصول إلى البيت فهى عمرة وكان موجودا في قولها أنه لا قضاء ولا كفارة عليه والله أعلم، ومن لم يثبت حديث عروة لانقطاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم احتمل أن يحتج في حديث عائشة لانها تقول: إن كان حج وإلا فهى عمرة، وقال أستدل بأنها لم تره يحل إلا بالوصول إلى البيت ولو كانت إذا ابتدأت ان تأمره بشرط رأت له ان يحل بغير وصول إلى البيت أمرته به وذهب إلى ان الاشتراط وغيره سواء وذهب إلى أن على الحاج القضاء إذا حل بعمل عمرة كما روى عن عمر بن الخطاب، والظاهر أنه يحتمل فيمن قال هذا أن يدخل عليه خلاف عائشة إذ أمره بالقضاء والجمع بين من اشترط ولم يشترط فلا يكون للشرط معنى وهذا مما استخير الله تعالى فيه، ولو جرد احد خلاف عائشة ذهب إلى قول عمر فيمن فاته الحج يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويهدي، وبعض أصحابنا يذهب إلى إبطال الشرط وليس يذهب في إبطاله (1) إلى شئ عال أحفظه، أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الاستثناء في الحج فأنكره، ومن أبطل الاستثناء فعمل رجل به فحل من حج أو عمرة فأصاب النساء والطيب والصيد جعله
__________
(1) إلى شئ عال أحفظه، كذا في بعض النسخ، وفى بعضها " إلى شئ قال أحفظه " وانظر.(2/172)
مفسدا وجعل عليه الكفارة فيما أصاب وأن يعود حراما حتى يطوف بالبيت ثم يقضى حجا، إن كان أحرم بحج أو عمرة، إن كان أحرم بعمرة.
(باب الاحصار بالعدو) (قال الشافعي) رحمه الله قال الله عزوجل " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله " الآية (قال الشافعي) فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عزوجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدى محله وأمره ومن كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عزوجل " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء لان الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الاحرام بعد ذكر أمره (قال) والذي أعقل في أخبار أهل المغازى شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو لزمهم القضاء لامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى تواطؤ أخبر أهل المغازى وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية، والحديبية موضع من الارض منه ما هو في الحل، ومنه ما هو في الحرم، فإنما نجر الهدى عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز وجل " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجر " فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا، وأقل ما يذبح شاة، فإن اشترك سبعة في
بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها، فأما إن ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهى له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالاحلال ولو عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى ولو أقام المحصر متأنيا لاى وجه ما كان أو متوانيا في الاحلال فاحتاج إلى شئ مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لان فدية الاذى نزلت في كعب بن عجرة وهو محصر، فإن قال قائل ما قول الله عزوجل في الحديبية " حتى يبلغ الهدى محله؟ " قيل والله أعلم.
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل فإن قال فقد قال الله عزوجل في البدن " ثم محلها إلى البيت العتيق " قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدى المحصر؟ قيل: نعم، عطاء بن أبى رباح كان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم فإن قال فبأى شئ رددت ذلك وخبر عطاء وإن(2/173)
كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازى؟ قلت عطاء وغيره يذهبون (1) إلى أن محل الهدى وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدى الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا في الحرم، فإن قال فهل من شئ يبين ما قلت؟ قلت: نعم (2) إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدى بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحرم فإن قال: وأين ذلك؟ قلت قال الله عزوجل " هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله " فإن قال قائل فإن الله عزوجل يقول " حتى يبلغ الهدى محله " قلت الله أعلم بمحله ههنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الاحصار الحرم وهو كلام عربي واسع، وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الاحرام.
وقال: عمرة النبي صلى الله عليه وسلم التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التى أحصر بها، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة
القصاص؟ فقيل لبعض من قال هذا القول: إن لسان العرب واسع فهى تقول: اقتضيت ما صنع بى واقتصصت ما صنع بى فبلغت ما منعت مما يجب لى وما لا يجب على أن أبلغه وإن وجب لى (قال الشافعي) والذى نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عزوجل اقتص لرسوله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال.
أفتذكر في ذلك شيئا؟ فقلت: نعم، أخبرنا سفيان عن مجاهد (3) (قال الشافعي) فقال فهذا قول رجل لا يلزمنى قوله، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازى وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لى دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي، فإن لم يكن لى دفعك عنه بهذا، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية فقال ما يقنعنى هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عزوجل " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " قال فمن حجتى أن الله عزوجل قال " قصاص " والقصاص إنما يكون بواجب (قال الشافعي) فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك؟ قلت قال الله عزوجل " والجروح قصاص " أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو؟ قال: له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عزوجل " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فلو ان معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا ان نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد
__________
(1) قوله: إلى أن محل الهدى، كذا في النسخ، وفى الكلام نقص أو تحريف، فحرر.
(2) قوله: إذا زعموا الخ، كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط، إن لم تكن " إذا " محرفة عن " إذ " وحرر، كتبه مصححه.
(3) كذا في جميع النسخ لم يذكر بقية الحديث، وانظر، وحرر.
كتبه مصححه.(2/174)
من أن الله عزوجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذى ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب (قال الشافعي) ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذى أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أنى إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط، غير أنى أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا، ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الاتمام لانه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى، وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الاحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضى على وجهه ولو أحصر ومعه هدى قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الاحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدى أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدى لاحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدى وجب عليه بكل حال (قال الشافعي) ولو وجب عليه هدى في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلي، لانه شئ لم يجب عليه في فوره.
وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه (قال) ولو أحصر ولا هدى معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل، ولو وهب له أو ملكه بأى وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه، فإن كان موسرا لان يشترى هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدى وقد أحصر ففيها قولان، أحدهما لا يحل إلا بهدى، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على
شئ خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر (قال) ويقال لا يجزئه إلا هدى، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام، فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدى، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه، وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم، ثم الدراهم طعاما، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين، احدهما أن يحل قبل الصوم، والآخر لا يحل حتى يصوم والاول أشبههما بالقياس لانه إذا أمر بالخروج من الاحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذى أحصر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لان لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد الاحلال من الاحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الاحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أحصر بمشركين؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر(2/175)
الله الاحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى للذى في الشرك الحاضر الذى أحل به المحصر الخروج من الاحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) يعنى أحللنا كما أحللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذى وصفت لانه إنما كان بمكة ابن الزبير وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر
فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أو غيرهم فأعطوهم الامان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف إذا كانوا هكذا بعد الاحلال، ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو كثير، لم أر أن يعطوهم شيئا لان لهم عذرا في الاحصار يحل لهم به الخروج من الاحرام وإنى أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شئ (1) لان المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت من المشركين ومباح له الانصراف عنهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل الامرين فقاتلهم وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب أنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا، ولو كان الصيد لمن هو بين ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لان مكة ليست بدار حرب فيباح ما فيها، ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لان الله جعل فدية الرأس في مكانه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها كعبا وجعل الهدى في مكانه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ساق من الهدى تطوعا في مكانه فيكول حال الاحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لان يحدث عليه حدث فلا يقضى عنه ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا الاحلال ثم قاتلوهم لم أر بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذى أحصروا فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلى، ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لان معنى انصراف العدو مغيب وقدير يريدون الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وانما كان مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية مراسلة المشركين ومهادنتهم، ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الاحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا، لم يلزمهم ركوب البحر لانه مخوف تلف ولو فعلوا كان أحب إلى وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم
أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا قادرين على الوصول إلى البيت بالاموال والابدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا
__________
(1) قوله: لان المشركين الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا من النساخ، فانظر، وحرر كتبه مصححه.(2/176)
حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة، لان أول الاحلال من الحج الطواف، والقول في أن عليهم الاعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين، أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لانهم ممنوعون منه بعدو وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف، ومن قال هذا قال وعليهم هدى لفوت الحج وهو الصحيح في القياس، والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعى وحلاق وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكى المحصر، إن أقبل من أفق محرما وغير المكى يجب على كل ما يجب على كل، وإن أحصر المكى بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان، والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا يخرج واحد منهما من مكة إذا كان أهلا له بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس، ولو تربصا لعلهما يصلان إلى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الاحرام كله كان له الخروج من بعضه فإن كانت حجة الاسلام فحل إلا النساء قضى حجة الاسلام وإن كانت غير حجة الاسلام فلا قضاء عليه لانه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الاحلال حتى يصل إلى البيت فيطوف به ويهريق دما لترك مزدلفة، ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالى منى أجزأ ذلك عنه من حجة الاسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك، لانه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم اهراق له دما أجزأ عنه من حجة الاسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه، وإنما يفسد عليه أن يجزى عنه من حجة الاسلام
النساء فقط، لان الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه، والمحصر بعدو، والمحبوس أي حبس ما كان نأمره بالخروج منه، فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم معا بدنة وحج بعد الحج الذى أفسدوه، وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا حلوا فهم كمن لم يحرم.
(باب الاحصار بغير حبس العدو) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ولو أن رجلا أهل بالحج فحبسه سلطان فإن كان لحبسه غاية يرى أنه يدرك معها الحج وكانت طريقه آمنة بمكة لم يحلل فإن أرسل مضى وإن كان حبسه مغيبا عنه لا تدرى غايته أو كانت له غاية لا يدرك معها الحج إذا أرسل أو لا يمكنه المضى إلى بلده فله أن يحل كما يحل المحصر والقياس في هذا كله أنه محصر كحصر العدو ومثله المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها ومثلها العبيد يهلون فيمنعهم سادتهم (قال الشافعي) في الرجل يهل بالحج غير الفريضة فيمنعه والداه أو أحدهما: أرى واسعا له أن يحل محل المحصر (قال الشافعي) وهذا إذا كانت حجة تطوع، فأما الفريضة إذا أهل بها مضى فيها ولم يكن لواحد من والديه منعه بعدما لزمته وأهل بها، فإن قال قائل أرأيت العدو إذا كان مانعا مخوفا فأذنت للمحرم أن يحل بمنعه أفتجد أبا الرجل وأمه وسيد العبد وزوج المرأة في معناه؟ قيل له: نعم، هم في معناه أنهم مانعون وفى أكثر من معناه في أن لهم المنع وليس(2/177)
للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال: كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى وإن اجتمعوا في معنى غيره؟ قلت اجتمعوا في معنى وارد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لا مرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه " فكان هذا على التطوع دون الفريضة وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لانه لم يكن لها الصوم وكان هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة، وكان حق أحد والدى الرجل أعظم عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب، فبهذا قلت ما وصفت.
(باب الاحصار بالمرض) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتهم فما استيسر من الهدى " (قال الشافعي) فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدى، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذى يحل منه المحرم الاحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو (قال الشافعي) قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو، لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذى وصفت والله أعلم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فإن اضطر إلى شئ من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى (قال الشافعي) يعنى المحصر بالمرض والله أعلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومى وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدى فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدى، أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم والناس فلم يرخص لى أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة، أخبرنا إسمعيل بن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذى أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول:
المحرم لا يحله إلا البيت (قال الشافعي) وسواء في هذا كله أي مرض ما كان، وسواء ذهب عقله أو لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوى به دووى وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء، فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدى عنه والقلم مرفوع عنه في حاله تلك؟ قيل له إن شاء الله إنما(2/178)
يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهى على المداوى له في ماله إن شاء ذلك المداوى لانها جناية من المداوى على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيدا ففيها قولان أحدهما أن عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قلته لرجل والقاتل مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين جميعا، والقول الثاني لا شئ عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه، وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال غلبته (1) وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال (قال) ولو أصاب امرأته احتمل المعنيين وكان أخف لانه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشئ فأما طيبه ولبسه فلا شئ عليه فيه من قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسى العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد منهما إتلاف لشئ وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لانه ليس بإتلاف شئ فإن قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الاحرام كما أنه خارج من الصلاة؟ قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج، فإن قال قائل فأين اختلافهما؟ قيل يحتاج المصلى إلى أن يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لان كلها عمل لا يجزيه غيره والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل: فما أقل ما يجزى الحاج أن يكون فيه عاقلا؟ قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الخصال وذهب عقله فيما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة (قال الشافعي) في مكى أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها
فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لانهما لم يكونا معتمرين قط إنما يخرجان بأقل مايخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعى وأخذ من شعره، فإن قال قائل فكيف بما روى عن عمر من هذا؟ قيل له على معنى ما قلت إن شاء الله وذلك أنه قال لسائله: اعمل ما يعمل المعتمر ولم يقل له: إنك معتمر وقال له احجج قابلا وأهد ولو انقلب إحرامه عمرة لم يكن عليه حج وكان مدركا للعمرة وفى أمره وأمرنا إياه بحج قابل دلالة على أن إحرامه حج وأنه لا ينقلب عمرة، ولو انقلب عمرة لم يجز أن تأمره بحج قابل قضاء وكيف يقضى ما قد انقلب عنه؟ ولكن أمره بالقضاء لانه فائت له وقد جاء من فاته الحج فسأل عمر وهو ينحر ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد دخل الحرم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فلو كان حجه صار عمرة حين طلع الفجر من ليلة النحر وكان الحج فائتا لامره عمر أن يخرج بنفسه إلى الحل فيلبى منه ولكنه كما وصفت إن شاء الله لا كقول من قال صار عمرة (2) وإنما قول من قال صار عمرة بغلط إلى قوله يعنى صار عمله عمرة وسقط بعض عمل الحج إذا فاتت عرفة ولو كان صار عمرة أجزأ عنه من عمرة
__________
(1) قوله: وليس كأموال الخ كذا في النسخ، وفى الكلام تحريف، والاصل والله أعلم " وليست أموال الناس الخ " فانظر.
(2) قوله: وإنما قول من قال الخ كذا في النسخ، وانظر وحرر.
كتبه مصححه.(2/179)
الاسلام وعمرة ولو نذرها فنواها عند فوت الحج له وهو لا يجزى من واحد منهما ومن أحرم بحج فحبس عن الحج بمرض أو ذهاب عقل أو شغل أو توان أو خطأ عدد ثم أفاق من المرض في حين يقدر على إتيان البيت لم يحلل من شئ من إحرامه حتى يصل إلى البيت فإن أدرك الحج عامه الذى أحرم فيه لم يحلل إلى يوم النحر وإن فاته حج عامه الذى أحرم فيه حل إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو قصر، فإن كان إهلاله بحج فأدركه فلا شئ عليه، وإن كان إهلاله بحج ففاته خرج منه بعمل عمرة وعليه حج قابل أو بعد ذلك وما استيسر من الهدى، وإن كان قارنا فأدرك الحج فقد
أدركه والعمرة فإن فاته الحج حج بالطواف والسعى والحلق أو التقصير وكان عليه أن يهل بحج وعمرة مقرونين لا يزيد على ذلك شيئا كما إذا فاته صلاة أو صوم أو عمرة أمرناه أن يقضى ذلك بمثله لا يزيد على قضائه شيئا غيره وإذا فاته الحج فجاء بعد عرفة لم يقم بمنى ولم يعمل من عمل الحج شيئا وقد خرج من عمل الحج مفردا كان أو قارنا بعمل عمرة من طواف وسعى وحلق أو تقصير وحج قابل أحب إلى، فإن أخر ذلك فأداه بعد أجزأ عنه كما يؤخر حجة الاسلام بعد بلوغه أعواما (1) فيؤديها عنه متى أداها وإن اضطر قبل الاحلال إلى شئ مما عليه فيه فدية إذا كان محرما أو أصابه فعليه فدية وكان إذا لم يصل إلى البيت كامل الاحرام قبل فوت الحج وبعده يجب عليه الفدية فيما فيه فدية والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك لان الاحرام قائم عليه ولو كان ممن يذهب إلى ان المريض يحل بهدى يبعث به فبعث بهدى ونحر أو ذبح عنه وحل كان كمن حل ولم يبعث بهدى ولم ينحر ولم يذبح عنه حراما بحاله، ولو رجع إلى بلده رجع حراما بحاله ولو صح وقد بعث بهدى فمضى إلى البيت من فوره ذلك وقد ذبح الهدى لم يجز ذلك الهدى عنه من شئ وجب عليه في إحرامه فدية حج ولا عمرة لانه ذبحه عما لا يلزمه ولو أدرك الهدى قبل أن يذبح فحبسه كان ذلك له ما لم يتكلم بإيجابه ولو أدرك الهدى قبل أن ينحر أو يذبح وقد أوجبه بكلام يوجبه، كان واجبا أن يذبح وكان كالمسألة الاولى وكان كمن أوجبه تطوعا وكان كمن أعتق عن شئ لم يلزمه فيه العتق فالعتق ماض تطوعا، ولو لم يوجب الهدى بكلام وبعث به فأدركه قبل أن يذبح كان مالا من ماله ولو لم يوجبه بكلام وقلده واشعره وبعث به فأدركه قبل أن يذبح فمن قال نيته في هديه وتجليله وتقليده وإعلامه أي علامات الحج أعلمه يوجبه عليه كان كالكلام به ومن قال هذا القول أشبه أن يفرق بين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الله تعالى وبين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الآدميين فلم يوجب عليه للآدميين الا ما تلكم به ولم يلزمه فيما بينه وبينهم إلا ما تكلم به مما يكون فيه الكلام وقال فيما بينه وبين الله عزوجل تجزيه النية والعمل كما تجزيه في الصلاة والصوم والحج ولم يتكلم بفرض صلاة مكتوبة ولا صوم ولا حج إلا أنه نواه وعمله، والمكى يهل بالحج من مكة أو الحل من ميقات أو غير ميقات ثم يمرض أو يغلب على عقله أو يفوته الحج بأى وجه ما كان مثل الغريب لا يزايله يحل بطواف وسعى وحلق أو تقصير، ويكون عليه حج
بعد حجه الذى فاته وأن يهدى ما استيسر من الهدى شاة.
__________
(1) قوله: فيؤديها عنه الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا، والوجه، والله أعلم " فيؤديها وتجزى عنه متى أداها " فحرر.
كتبه مصححه.(2/180)
(باب فوت الحج بلا حصر عدو ولا مرض ولا غلبة على العقل) (قال الشافعي) رحمه الله: تعالى من فاته الحج لا بحصر العدو ولا محبوسا بمرض ولا ذهاب عقل بأى وجه ما فاته من خطأ عدد أو إبطاء في مسيره أو شغل أو توان فسواء ذلك كله، والمريض والذاهب العقل يفوته الحج يجب على كل الفدية والقضاء والطواف والسعى والحلاق أو التقصير وما وجب على بعضهم وجب على كل، غير أن المتوانى حتى يفوته الحج آثم إلا أن يعفو الله عنه فإن قال قائل فهل من أثر فيما قلت؟ قلت نعم، في بعضه وغيره في معناه (قال الشافعي) أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بحيال عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا وليطف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدى فلينحره قبل أن يحلق فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج قابلا فليحجج إن استطاع وليهد في حجه فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله وأنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر فذكر ذلك له فقال له " اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركك الحج قابلا حج وأهد ما استيسر من الهدى " أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الاسود جاء وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال له عمر " اذهب فطف ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان قابل حجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع " (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ، وفى حديث يحيى عن سليمان دلالة عن عمر أنه يعمل عمل
معتمر لا إن إحرامه عمرة وإن كان الذى يفوته الحج قارنا حج قارنا وقرن وأهدى هديا لفوت الحج وهديا للقران ولو أراد المحرم بالحج إذا فاته الحج أن يقيم إلى قابل محرما بالحج لم يكن ذلك له وإذا لم يكن ذلك له فهذا دلالة على ما قلنا من أنه لا يكون لاحد أن يكون مهلا بالحج في غير أشهر الحج لان أشهر الحج معلومات لقول الله عزوجل " الحج أشهر معلومات " فأشبه والله أعلم أن يكون حظر الحج في غيرها.
فإن قال قائل فلم لم تقل أنه يقيم مهلا بالحج إلى قابل؟ قيل لما وصفت من الآية والاثر عن عمر وابن عمر وما لا أعلم اختلفوا فيه وفى هذا دلالة على أنه لو كان له أن يقيم محرما بالحج إلى أن يحج قابلا كان عليه المقام ولم يكن له الخروج من عمل يقدر على المقام فيه حتى يكمله لانا رأينا كذلك العمرة وكل صلاة وصوم كان له المقام فيها كان عليه أن يقيم فيها حتى يكملها إذا كانت مما يلزمه بكل حال وخالفنا بعض الناس وبعض مكيينا في محبوس عن الحج بمرض فقالوا هو والمحصر بعدو لا يفترقان في شئ وقال ذلك بعض من لقيت منهم وقال يبعث المحصر بالهدى ويواعده المبعوث بالهدى معه يوما يذبحه فيه عنه وقال بعضهم يحتاط يوما أو يومين بعد موعده ثم يحلق أو يقصر ثم يحل ويعود إلى بلده وعليه قضاء إحرامه الذى فاته وقال بعض مكيينا كما فاته لا يزيد عليه، وقال بعض الناس بل إن كان مهلا بحج قضى حجا وعمرة لان إحرامه بالحج صار عمرة وأحسبه قال: فإن كان قارنا فحجا وعمرتين لان حجه صار عمرة، وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وقال لى بعض من ذهب إلى هذا القول: لا نخالفك في أن آية الاحصار نزلت في الحديبيه وأنه إحصار عدو، أفرأيت إذن الله تعالى(2/181)
للمحصر بما استيسر من الهدى؟ ثم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبح والاحلال كيف لم تجعل المحصر بالمرض قياسا على المحصر بالعدو أن تحكم له حكمك له؟ فقلت له الاصل على الفرض إتمام الحج والعمرة لله والرخصة في الاحلال للمحصر بعدو فقلنا في كل بأمر الله عزوجل ولم نعد بالرخصة موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين ولم نجعل عمامة ولا قفازين قياسا على الخفين فقال فهل يفترق الحصار بالعدو والمرض؟ قلت: نعم، قال وأين؟ قلت المحصر بعدو خائف القتل على نفسه إن أقدم عليه وغير عالم بما يصير إليه منه إذا أقدم عليه وقد رخص لمن لقى المشركين أن يتحرف للقتال أو
يتحيز إلى فئة فإذا فارق المحصر موضعه راجعا صار إلى حال أحسن من حاله في التقدم والمقام لمزايلة الخوف إلى الامن والمريض ليس في شئ من هذه المعاني، لا هو خائف بشرا ولا صائر بالرجوع إلى أمن بعد خوف ولا حال ينتقل عنه إلا رجاء البر والذى يرجوه في تقدمه رجاؤه في رجوعه ومقامه حتى يكون الحال به معتدلا له في المقام والتقدم إلى البيت والرجوع، فالمريض أولى أن لا يقاس على المحصر بعدو، من العمامة والقفازين والبرقع على الخفين ولو جاز أن يجهل ما وصفنا من الاصل في إتمام الحج والعمرة وأن المستثنى المحصر بعدو فقلنا الحبس ما كان كالعدو جاز لنا لو ضل رجل طريقا أو أخطأ عددا حتى يفوته الحج أن يحل فقال بعضهم، إنا إنما اعتمدنا في هذا على الشئ رويناه عن ابن مسعود وبه قلنا، قلت له لم يخالفه واحد ممن سمينا أنا قلنا بقوله أما كنت محجوجا به؟ قال: ومن أين؟ قلت ألسنا وإياكم نزعم أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو اختلفا فكان قول أحدهما أشبه بالقرآن كان الواجب علينا أن نصير إلى أشبه القولين بالقرآن فقولنا أشبه بالقرآن بما وصفت لك، أو رأيت لو لم نستدل على قولنا وقولك بالقرآن وكان قولنا أصح في الابتداء والمتعقب من قولك أكان قولنا أولى أن يذهب إليه؟ قال: بلى، إن كان كما تقول قلت: فهو كما أقول ومعناه ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة أكثر عددا من واحد، قال فأين هو أصح؟ قلت أرأيت إذا مرض فأمرته أن يبعث بهدى ويواعده يوما يذبح فيه عنه الهدى ثم يحلق أو يقصر ويحل ألست قد أمرته بأن يحل وأنت لا تدرى لعل الهدى لم يبلغ محله وأنت تعيب على الناس أن يأمروا أحدا بالخروج من شئ لزمهم بالظنون؟ قال فإنا لا نقول بظن ولكن بالظاهر قلت: الظاهر في هذا ظن، ولو خرج الظاهر في هذا من أن يكون ظنا كنت أيضا متناقض القول فيه قال ومن أين؟ قلت إذا كان الحكم في أمرك المريض بالاحلال بالموعد بذبح الهدى وكان الظاهر عندك أنه قد حل بهذه المدة (1) فكيف زعمت أنه إن بلغه أن الهدى عطب أو ضل أو سرق وقد أمرته بالاحلال فحل وجامع وصاد (قال) يكون عليه جزاء الصيد والفدية ويعود حراما كما كان قلت وهكذا لو بعث الهدى عشرين مرة وأصابه مثل هذا قال؟ نعم، قلت أفلست قد أبحت له الاحلال ثم جعلت عليه الفدية فيما أبحت له والفساد فيه وجعلته في موضع واحد حلالا أياما وحراما أياما؟ فأى قول أشد تناقضا وأولى أن يترك من هذا؟
وأى شئ يؤخذ من قول أولى أن ترده العقول من هذا؟ وقال أيضا في الرجل تفوته عرفة ويأتى يوم النحر فقال كما قلنا يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وعليه حج قابل ثم خالفنا فقال لاهدى عليه وروى فيه حديثا عن عمر أنه لم يذكر فيه أمر بالهدى قال وسألت زيد بن ثابت بعد ذلك بعشرين سنة فقال كما قال عمر: وقال قد روينا هذا عن عمر (قال) فإلى قول من ذهبتم؟ فقلت روينا عن عمر مثل قولنا
__________
(1) قوله: فكيف زعمت أنه إن بلغه الخ كذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/182)
من أمره بالهدى، قال رويتموه منقطعا وحديثنا متصل قلنا فحديثك المتصل يوافق حديثنا عن عمر ويزيد عليه الهدى، والذى يزيد في الحديث أولى بالحفظ من الذى لم يأت بالزيادة عندنا وعندك قال لا أثبته لك بالحال عن عمر منقطعا فهل ترويه عن غير عمر؟ قلنا: نعم عن ابن عمر كما قلنا متصلا قال فكيف اخترت ما رويت عن ابن عمر على ماروينا عن عمر؟ قلنا روينا عن عمر مثل روايتنا عن ابن عمر وإن لم يكن متصلا قال أفذهبت فيما اخترت من قول ابن عمر إلى شئ غير تقليد ابن عمر فيكون لنا تقليد عمر على ابن عمر؟ فقلت له: نعم ذهبت إلى ما يلزمك أنت خاصة أكثر مما يلزم الناس حتى يكون عليك ترك قولك لقولنا قال وأين؟ قلت له زعمت أن الحائض إذا لم تطهر إلى عرفة وهى معتمرة رفضت العمرة وأهلت بالحج وأهراقت لرفض العمرة دما وكان عليها قضاؤها ثم قلتم هذا فيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين قال قد قلته في الحائض وفيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين ثم شككت في الرجال المعتمرين وأنا ثابت على الحائض بما روينا فيها فقلت له ولم شككت هل كان عليها أن تهريق دما عندك إلا لفوت العمرة؟ قال فإن قلت ليس لفوت العمرة؟ قلت فقل ما شئت قال لخروجها من العمرة بلا فوت لانها لو شاءت أقامت على العمرة قلت فما تقول إن لم يرهقها الحج فأرادت الخروج من العمرة بدم تهريقه ثم تحج وتقضى العمرة؟ قال ليس ذلك لها، قلت فهل أمرتها بالخروج من العمرة إلا بفوتها عندك وهى لو أقامت على العمرة لم يكن عليها شئ والحاج عندك إذا فاته الحج لم يكن له المقام على الحج وكان قد خرج منه قبل يكمله كما خرجت الحائض من العمرة قبل تكملها فلم جعلت على الحائض دما لخروجها قبل إكمال الاحرام الذى لزمها
ولم تجعل ذلك على الحاج وقد خرج منه قبل إكمال الاحرام الذى لزمه واجتمعا في هذا المعنى وفى أنهما يقضيان ما خرجا منه فكيف فرقت بينهما في الدم؟ وقلتم عن ابن عمر أن رجلا لو كان عليه صوم من شهر رمضان فنسيه إلى أن يأتي رمضان آخر فصامه أنه يصوم بعده ما عليه من الشهر لرمضان الذى نسى ويتصدق عن كل يوم على مسكين لانه لم يأت بالصوم في موضعه، فالحاج يفوته الحج في مثل معناه وأولى أن تقولوا به فيه وخالفنا أيضا فقال إن كان الذى فاته الحج مفردا بالحج فعليه حج وعمرة وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان فقلت له أقلت هذا خبرا أم قياسا؟ فلم يذكر خبرا نراه ولا عنده هو إذا أنصف حجة قال قياسا، قلنا فعلى أي شئ قسته؟ قال إن عمر قال " اعمل ما يعمل المعتمر " فدل هذا على أن حجه صار عمرة فقلت له لما لم يكن يخرج من الاحرام إلا بطواف وسعى في حج كان أو عمرة وكان الطواف والسعى كمال مايخرج به من العمرة، وعرفة والجمار ومنى والطواف كمال ما يخرج به من الحج، فكان إذا فاتته عرفة لا حج له ولا عمل عليه من عمل الحج فقيل اخرج بأقل ما يخرج به من الاحرام وذلك عمل معتمر لا أن حجه صار عمرة أرأيت لو كانت عليه عمرة واجبة فنوى بهذا الحج عمرة ففاتته أيقضى العمرة الواجبة عنه؟ قال: لا.
لانه عقده حجا قلت فإذا عقده حجا لم يصر عندك عمرة تجزى عنه؟ قال لا.
فقلت فمن أين زعمت أنه عمرة وهو لا يجزى عنه من عمرة واجبة ولو ابتدأ بإحرامه ابتدأ العمرة الواجبة عليه؟ وقلت له ولو كان صار عمرة كان أبعد لقولك ان لا تقول عليه حج ولا عمرة لانه قد قضى العمرة وإنما فاته الحج فلا يكون عليه حج وعمرة فقال إنما قلته لان الحج تحول عمرة ففاته لما فاته الحج فقلت له: ما أعلمك تورد حجة إلا كانت عليك أرأيت إحرامه بالحج متى صار عمرة؟ قال بعد عرفة، قلت فلو ابتدأ الاحرام بعد عرفة بعمرة أيكون غير محرم بها أو محرما يجزيه العمل عنها ولا يقضيها؟ قال فنقول ماذا؟ قلت أيهما قلت فقد لزمك ترك ما(2/183)
احتججت به قال فدع هذا قلت أقاويلك متباينة قال وكيف؟ قلت رويت عن عمر أنه أمر من فاته الحج يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويحج قابلا وقلت له كان عليه هدى أمره به ورددت روايتنا عنه أنه أمر بالهدى، فإن قلت هي مقطوعة فكيف إذا كان في روايتك عنه أنه أمره بحج قابل ولم يأمره
بعمرة، فلم لا تقول: لا عمرة عليه اتباعا لقول عمر وزيد بن ثابت وروايتنا عن ابن عمر؟ ما أعلمك إلا قصدت قصد خلافهم معا ثم خالفتهم بمحال فقلت لرجل فاته الحج: عليك عمرة وحج وهل رأيت أحدا قط فاته شئ فكان عليه قضاء ما فاته وآخر معه؟ والآخر ليس الذى فاته لان الحج ليس عمرة والعمرة ليست بحج.
(باب هدى الذى يفوته الحج) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في المحصر بعدو يسوق هديا واجبا أو هدى تطوع، ينحر كل واحد منهما حيث أحصر ولا يجزى واحد منهما عنه من هدى الاحصار لان كل واحد منهما وجب عليه الواجب بوجوبه والتطوع بإيجابه، قبل أن يلزمه هدى الاحصار، فإذا أحصر فعليه هدى سواهما يحل به، فأما من فاته الحج بمرض أو غيره فلا يجزيه الهدى حتى يبلغ الحرم.
(باب الغسل لدخول مكة) (قال الشافعي) وإذا اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح لدخول مكة وهو حلال يصيب الطيب فلا أراه إن شاء الله ترك الاغتسال ليدخلها حراما وهو في الحرم لا يصيب الطيب، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل لدخول مكة (قال الشافعي) وأحب الغسل لدخول مكة وإن تركه تارك لم يكن عليه فيه فدية لانه ليس من الغسل الواجب.
(باب القول عند رؤية البيت) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكرميا وتعظيما وبرا " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحرث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ترفع الايدى في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت " أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " (قال الشافعي) فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما
حكيت وما قال من حسن أجزأه إن شاء الله تعالى.(2/184)
(باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو ولم يعرج (قال الشافعي) رحمه الله لم يبلغنا أنه حين دخل مكة لوى لشئ ولا عرج في حجته هذه ولا عمرته كلها حتى دخل المسجد ولا صنع شيئا حين دخل المسجد لا ركع ولا صنع غير ذلك حتى بدأ بالبيت فطاف هذا أجمع في حجه وفى عمرته كلها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عطاء فيمن قدم معتمرا فقدم المسجد لان يطوف بالبيت فلا يمنع الطواف ولا يصلى تطوعا حتى يطوف، وإن وجد الناس في المكتوبة فليصل معهم ولا أحب أن يصلى بعدها شيئا حتى يطوف بالبيت.
وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف فإن قطع الامام طوافه فليتم بعد، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء: ألا أركع قبل تلك المكتوبة إن لم أكن ركعت ركعتين؟ قال: لا، إلا ركعتي الصبح إن لم تكن ركعتهما فأركعهما ثم طف لانهما أعظم شأنا من غيرهما، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: المرأة تقدم نهارا؟ قال ما أبالى إن كانت مستورة أن تقدم نهارا (قال الشافعي) وبما قال عطاء كله آخذ لموافقته السنة فلا أحب لاحد قدر على الطواف أن يبدأ بشئ قبل الطواف إلا أن يكون نسى مكتوبة فيصلها أو يقدم في آخر مكتوبة فيخاف فوتها فيبدأ بصلاتها أو خاف فوت ركعتي الفجر فيبدأ بهما أو نسى الوتر فليبدأ به ثم يطوف فإذا جاء وقد منع الناس الطواف ركع ركعتين لدخول المسجد إذا منع الطواف، فإن جاء وقد أقيمت الصلاة بدأ بالصلاة، فإن جاء وقد تقاربت إقامة الصلاة بدأ بالصلاة والرجال والنساء فيما أحببت من التعجيل حين يقدمون ليلا سواء وكذلك هم إذا قدموا نهارا إلا امرأة لها شباب ومنظر فإنى أحب لتلك تؤخر الطواف حتى الليل ليستر الليل منها.
(باب من أين يبدأ بالطواف؟) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبى وائل عن مسروق
عن عبد الله ابن مسعود أنه رآه بدأ فاستلم الحجر ثم أخذ عن يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين، أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: يلبى المعتمر حين يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم (قال الشافعي) لا اختلاف أن حد مدخل الطواف من الركن الاسود وأن إكمال الطواف إليه، وأحب استلامه حين يدخل الرجل الطواف فإن دخل الطواف في موضع فلم يحاذ بالركن لم يعتد بذلك الطواف وإن استلم الركن بيده من موضع فلم يحاذ الركن لم يعتد بذلك الطواف بحال، لان الطواف على البدن كله لا على بعض البدن دون بعض، وإذا حاذى الشئ من الركن ببدنه كله اعتد بذلك الطواف وكذلك إذا حاذى بشئ من الركن في السابع فقد أكمل الطواف، وإن قطعه قبل أن يحاذي بشئ من الركن وإن استلمه، فلم يكمل ذلك الطواف.(2/185)
(باب ما يقال عند استلام الركن) أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر؟ قال قولوا " باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم " (قال الشافعي) رحمه الله هكذا أحب ان يقول الرجل عند ابتداء الطواف ويقول كلما حاذى الركن بعد " الله أكبر ولا إله إلا الله " وما ذكر الله به وصلى على رسوله فحسن.
(باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الاركان) (قال الشافعي) وأحب أن يفتتح الطائف الطواف بالاستلام، وأحب ان يقبل الركن الاسود وإن استلمه بيده قبل يده وأحب أن يستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لانى لم أعلم أحدا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قبل إلا الحجر الاسود وإن قبله فلا بأس به، ولا آمره باستلام الركنين اللذين يليان الحجر الاسود ولو استلمهما أو ما بين الاركان من البيت لم يكن عليه إعادة ولا فدية إلا أنى أحب أن يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن الاسود فكذلك أحب، ويجوز استلامه بلا تقبيل لانه قد استلمه واستلامه دون تقبيله،
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن (1) أبى جعفر قال رأيت ابن عباس جاء يوم التروية (2) مسبدا رأسه فقبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات، أخبرنا سعيد عن حنظلة بن أبى سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الركن إلا أن يراه خاليا، قال وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات وسجد عليه على أثر كل تقبيلة (قال الشافعي) وأنا أحب إذا أمكننى ما صنع ابن عباس من السجود على الركن لانه تقبيل وزيادة سجود لله تعالى وإذا استلمه لم يدع تقبيله وإن ترك ذلك تارك فلا فدية عليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء: هل رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلموا قبلوا أيديهم؟ قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد الخدرى وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وابن عباس؟ قال: نعم حسبت كثيرا قلت: هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك؟ قال فلم أستلمه إذا؟ (قال الشافعي) وإذا ترك استلام الركن لم أحب ذلك له ولا شئ عليه، أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال: طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الاركان حتى فرغ من طوافه.
*
__________
(1) أبى جعفر: هو كذلك في بعض النسخ، وفى بعضها ابن جعفر، وحرر.
(2) قوله: مسبدا رأسه، في اللسان: سبد شعره استأصله حتى ألزقه بالجلد وأعفاه جميعا فهو ضد، ويقال سبد الشعر إذا نبت بعد الحلق فبدا سواده، وقال أبو عبيد: التسبيد ههنا (يعنى في حديث ابن عباس) ترك التدهن والغسل اه، كتبه مصححه.(2/186)
(الركنان اللذان يليان الحجر) أخبرنا سعيد بن سالم (1) عن موسى بن عبيدة الربذى عن محمد بن كعب القرظى: أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح الاركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت الله تعالى أن يكون شئ منه مهجورا، وكان ابن عباس يقول: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " (قال الشافعي) الذى فعل ابن عباس أحب إلى لانه كان يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر الاسود يدل على أن
منهما مهجورا، وكيف يهجر ما يطاف به؟ ولو كان ترك استلامهما هجرانا لهما لكان ترك استلام ما بين الاركان هجرانا لها.
(باب استحباب الاستلام في الوتر) أخبرنا سعبد بن سالم عن عثمان بن الاسود عن مجاهد أنه كان لا يكاد أن يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل وتر من طوافه، أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن طاوس أنه قال: استلموا هذا لنا خامس (قال الشافعي) أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما أستحب في كل شفع، فإذا لم يكن زحام أحببت الاستلام في كل طواف.
(الاستلام في الزحام) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحب الاستلام حين أبتدئ بالطواف بكل حال وأحب أن يستلم الرجل إذا لم يؤذ ولم يؤذ بالزحام ويدع إذا أوذى أو آذى بالزحام ولا أحب الزحام إلا في بدء الطواف وإن زاحم ففى الآخرة وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن " أصبت " أنه وصف له أنه استلم في غير زحام وترك في زحام لانه لا يشبه أن يقول له أصبت في فعل وترك إلا إذا اختلف الحال في الفعل والترك وإن ترك الاستلام في جميع طوافه وهو يمكنه أو أستلم وهو يؤذى ويؤذى بطوافه لم أحبه له ولا فدية ولا إعادة عليه، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: " إذا وجدت على الركن زحاما فانصرف ولا تقف " أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبى حسين عن منبوذ بن أبى سليمان عن أمه أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها فدخلت عليها مولاة لها فقالت لها: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا، فقالت لها عائشة " لا أجرك الله لا أجرك الله تدافعين الرجال؟ ألا كبرت ومررت " أخبرنا سعيد عن (2)
__________
(1) في بعض النسخ زيادة " عن إبراهيم بن نافع " بين سعيد بن سالم وموسى بن عبيدة، فحرر السند، كتبه مصححه.
(2) عثمان بن مقسم الربى، كذا في النسخ ولم نقف عليه في كتب أسماء الرجال، فحرره.
كتبه مصححه.(2/187)
عثمان بن مقسم الربى عن عائشة بنت سعد أنها قالت كان أبى يقول لنا " إذا وجدتن فرجة من الناس فاستلمن وإلا فكبرن وامضين " فلما قالت عائشة أم المؤمنين وسعد آمر الرجال إذا استلم النساء ان لا يزاحموهن ويمضوا عنهن لانى أكره لكل زحاما عليه وأحب إذا أمكن الطائف الاستلام أن يستلم الركنين الحجر واليماني ويستلمهما بيده ويقبل يده، وأحب إذا أمكنه الحجر أن يقبله بفيه ويستلم اليماني بيده فإن قال قائل: كيف أمرت بتقبيل الحجر ولم تأمر بتقبيل اليماني؟ قيل له إن شاء روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن وأنه استلم الركن اليماني ورأينا أهل العلم يقبلون هذا ويستلمون هذا، فإن قال فلو قبله مقبل؟ قلت حسن وأى البيت قبل فحسن غير أنا إنما نأمر بالاتباع وأن نفعل ما فعل زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فإن قال فكيف لم تأمر باستلام الركنين اللذين يليان الحجر؟ قلنا له لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم استلمهما ورأينا أكثر الناس لا يستلمونهما فإن قال فإنا نرى ذلك قلنا الله أعلم أما الحجة في ترك استلامهما فهى كترك استلام ما بقى من البيت فقلنا نستلم ما رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه دون ما لم ير يستلمه وأما العلة فيهما فنرى أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم فكانا كسائر البيت إذا لم يكونا (1) مستوظفا بهما البيت فإن مسحهما رجل كما يمسح سائر البيت فحسن، أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني موسى بن عبيدة الربذى عن محمد بن كعب القرظى أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح على الاركان كلها ويقول: لا ينبغى لبيت الله أن يكون شئ منه مهجورا.
وكان ابن عباس يقول " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " (قال الشافعي) كان ابن عباس يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركن اليماني والحجر دون الشاميين وبهذا نقول وقول ابن الزبير " لا ينبغى أن يكون شئ من بيت الله مهجورا " ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت الله تعالى ولكنه استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استلامه، وقد ترك استلام ما سوى الاركان من البيت فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله شيئا، أخبرنا سعيد بن سالم عن أبى مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال: ذكر ابن طاوس قال كان لا يدع الركنين أن يستلمهما، قال: لكن
أفضل منه كان يدعهما أبوه.
(القول في الطواف) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، فيما بين ركن بني جمح والركن الاسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وهذا من أحب ما يقال في الطواف إلى، وأحب أن يقال في كله.
__________
(1) مستوظفا، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر مستطيفا، ولعل الاولى هي الصواب، ويكون مستوظفا بفتح الظاء، أي مستوعبا، بالبناء للمفعول، فحرر الكلمة.
كتبه مصححه.(2/188)
(باب إقلال الكلام في الطواف) أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبى سفيان عن طاوس أنه سمعه يقول سمعت ابن عمر يقول: أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة (قال الشافعي) فذهب إلى استحباب قلة الكلام وقوله " في صلاة " في طاعة لا يجوز أن يكون فيها إلا بطهارة الصلاة لان الكلام يقطع الصلاة ولو كان يقطعه عنده نهى عن قليله وكثيره، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال طفت خلف ابن عمر وابن عباس فما سمعت واحدا منهما متكلما حتى فرغ من طوافه أخبرنا سعيد عن إبراهيم بن نافع الاعور قال طفت مع طاوس وكلمته في الطواف فكلمنى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يكره الكلام في الطواف إلا الشئ اليسير منه إلا ذكر الله وقراءة القرآن (قال الشافعي) وبلغنا أن مجاهدا كان يقرأ القرآن في الطواف (قال الشافعي) وأنا أحب القراءة في الطواف وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في الطواف وكلم، فمن تكلم في الطواف فلا يقطع الكلام طوافه وذكر الله فيه أحب إلى من الحديث، فان قال قائل فلم إذا أبحت الكلام في الطواف استحببت إقلاله والاقبال على ذكر الله فيه؟ قيل له إن شاء الله إنى لاحب الاقلال من الكلام في الصحراء والمنازل وفى غير موضع منسك إلا بذكر الله عزوجل لتعود منفعة الذكر على الذاكر أو يكون الكلام في شئ من صلاح أمره، فإذا كان هذا هكذا في الصحراء والبيوت فكيف قرب بيت الله مع عظيم رجاء الثواب
فيه من الله، فإن قال فهل من دليل من الآثار على ما قلت؟ قلت: نعم.
ما ذكرت لك عن ابن عمر وابن عباس " وأستحب القراءة في الطواف " والقراءة أفضل ما تكلم به المرء.
(باب الاستراحة في الطواف) (قال الشافعي) رحمه الله: لا بأس بالاستراحة في الطواف، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالاستراحة في الطواف وذكر الاستراحة جالسا.
(الطواف راكبا) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير المكى عن جابر بن عبد الله الانصاري أنه سمعه يقول: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وأشرف لهم لان الناس غشوه، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته واستلم الركن بمحجته، أخبرنا سعيد عن ابن أبى ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا فقلت: لم؟ قال لا أدرى قال ثم نزل فصلى ركعتين أخبرنا سفيان بن عيينة عن الاحوص بن حكيم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة راكبا على(2/189)
حمار وطاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف للناس ليسألوه وليس أحد في هذا الموضع من الناس، وأكثر ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة لنسكه ماشيا، فأحب إلى أن يطوف الرجل بالبيت والصفا والمروة ماشيا إلا من علة، وإن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية.
(باب الركوب من العلة في الطواف) (قال الشافعي) رحمه الله: ولا أكره ركوب المرأة في الطواف بين الصفا والمروة ولا حمل الناس إياها في الطواف بالبيت من علة وأكره أن يركب المرء الدابة حول البيت، فإن فعل فطاف عليها أجزأه
(قال الشافعي) فأخبر جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف راكبا، وأخبر أنه إنما فعل ليراه الناس وفى هذا دلالة على أنه لم يطف من شكوى ولا أعلمه اشتكى صلى الله عليه وسلم في حجته تلك، وقد قال سعيد بن جبير طاف من شكوى ولا أدرى عمن قبله، وقول جابر أولى أن يقبل من قوله لانه لم يدركه (قال الشافعي) أما سبعه الذى طاف لمقدمه فعلى قدميه لان جابرا المحكى عنه فيه أنه رمل منه ثلاثة ومشى أربعة فلا يجوز أن يكون جابر يحكى عنه الطواف ماشيا وراكبا في ربع واحد وقد حفظ عنه أن سعيه الذى ركب فيه في طوافه يوم النحر، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالافاضة وأفاض في نسائه ليلا على راحلته يستلم الركن بمحجنه وأحسبه قال: ويقبل طرف المحجن.
(باب الاضطباع) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع بردائه حين طاف، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة ان عمر بن الخطاب استلم الركن ليسعى ثم قال لمن نبدى الآن مناكبنا ومن نرائي وقد أظهر الله الاسلام؟ والله على ذلك لاسعين كما سعى (قال الشافعي) رحمه الله يعنى رمل مضطبعا (قال الشافعي) والاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الايسر ومن تحت منكبه الايمن حتى يكون منكبه الايمن بارزا حتى يكمل سبعه فإذا طاف الرجل ماشيا لا علة به تمنعه الرمل لم أحب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف فلا بأس، وإن كان في إزار وعمامة أحببت أن يدخلهما تحت منكبه الايمن، وكذلك إن كان مرتديا بقميص أو سراويل أو غيره وإن كان مؤتزرا لا شئ على منكبيه فهو بادى المنكبين لا ثوب عليه يضطبع فيه ثم يرمل حين يفتتح الطواف فإن ترك الاضطباع في بعض السبع اضطبع فيما بقى منه، وإن لم يضطبع بحال كرهته له كما أكره له ترك الرمل في الاطواف الثلاثة ولا فدية عليه ولا إعادة، أخبرنا سعيد عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرمل من الحجر إلى الحجر ثم يقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من سبعه ثلاثة أطواف خببا ليس بينهن مشى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن
عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى في عمره كلهن الاربع بالبيت وبالصفا والمروة إلا أنهم(2/190)
ردوه في الاولى والرابعة من الحديبية، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال: سعى أبو بكر عام حج إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم عثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك (قال الشافعي) والرمل الخبب لا شدة السعي ثلاثة أطواف لا يفصل بينهن بوقوف إلا أن يقف عند استلام الركنين ثم يمضى خببا، فإذا كان زحام لا يمكنه معه أن يخب فكان إن وقف وجد فرجة وقف، فإذا وجد الفرجة رمل، وإن كان لا يطمع بفرجة لكثرة الزحام أحببت أن يصير حاشية في الطواف فيمكنه أن يرمل فإنه إذا صار حاشية أمكنه أن يرمل ولا أحب ترك الرمل وإن كان إذا صار حاشية منعه كثرة النساء أن يرمل رمل إذا أمكنه الرمل، ومشى إذا لم يمكنه الرمل سجية مشيه ولم أحب أن يثب من الارض وثوب الرمل وإنما يمشى مشيا ويرمل أول ما يبتدئ ثلاثة أطواف ويمشى أربعة فإن ترك الرمل في الطواف الاول رمل في الطوافين بعده وكذلك إن ترك الرمل في الطوافين الاولين رمل في الطواف بعد هما وإن ترك الرمل في الثلاثة لم يقضه في الاربعة لانه هيئة في وقت، فإذا مضى ذلك الوقت لم يضعه في غير موضعه ولم يكن عليه فدية ولا إعادة لانه جاء بالطواف والطواف هو الفرض فإن ترك الذكر فيهما لم نحبه ولا إعادة عليه وإن ترك الرمل في بعض طواف رمل فيما بقى منه لان النبي صلى الله عليه وسلم فرق مابين سبعه فرقين فرقا رمل فيه وفرقا مشى فيه، فلا يرمل حيث مشى النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب إلى لو لم يمش حيث رمل النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وترك الرمل عامدا ذاكرا وساهيا وناسيا وجاهلا سواء لا يعيد ولا يفتدى من تركه غير أنى أكره للعامد ولا مكروه فيه على ساه ولا جاهل، وسواء في هذا كله طواف نسك قبل عرفة وبعدها وفى كل حج وعمرة إذا كان الطواف الذى يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة فإن قدم حاجا أو قارنا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم زار يوم النحر أو بعده لم يرمل لانه طاف الطواف الذى يصل بينه وبين الصفا والمروة، وإنما طوافه بعده لتحل له النساء، وإن قدم حاجا فلم يطف حتى يأتي " منى " رمل في طوافه بالبيت بعد عرفة، أخبرنا سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه رأى مجاهدا يرمل
يوم النحر، فإن قال قائل فإنك قد تقول في أشياء يتركها المرء من نسكه يهريق دما فكيف لم تأمره في هذا بأن يهريق دما؟ قلت إنما آمره إذا ترك العمل نفسه قال: أفليس هذا عمل نفسه؟ قلت: لا.
الطواف العمل وهذا هيئة في العمل فقد أتى بالعمل على كماله وترك الهيئة فيه السجود والركوع العمل فإن ترك التسبيح فيهما لم يكن تاركا لعمل يقضيه كما يقضى سجدة لو تركها أو تفسد بها عليه صلاته لو خرج منها قبل أن يكملها بل التسبيح في الركوع والسجود كان أولى أن يفسد من قبل أنه قول وعمل والقول عمل والا ضطباع والرمل هيئة اخف من التسبيح في الركوع والسجود (قال) وإذا رمل في الطواف فاشتد عليه الزحام تحرك حركة مشيه يقارب وإنما منعنى من ان اقول له يقف حتى يجد فرجة، أنه يؤذى بالوقوف من خلفه ولا أطمع له أن يجد فرجة بين يديه فلو كان في غير مجمع فازدحم الناس لفتح باب الكعبة أو عارض الطواف حيث لا يؤذى بالوقوف من خلفه ويطمع أن ينفرج له ما بين يديه أمرته أن يقف حتى ينفرج مابين يديه فيمكنه أن يرمل ومتى أمكنه الرمل رمل وأحب إلى أن يدنو من البيت في الطواف، وإن بعد عن البيت وطمع أن يجد السبيل إلى الرمل أمرته بالبعد.
(باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طاف الرجل بالصبى أحببت أن يرمل به، وإن طاف(2/191)
رجل برجل أحببت إن قدر على أن يرمل به أن يرمل به وإذا طاف النفر بالرجل في محفة أحببت إن قدروا على الرمل أن يرملوا وإذا طاف الرجل راكبا فلم يؤذ أحدا أحببت أن يحث دابته في موضع الرمل وهذا كله في الرجال.
(باب ليس على النساء سعى) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ليس على النساء سعى بالبيت ولا بين الصفا والمروة.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء: أتسعى النساء؟ فأنكره نكرة شديدة أخبرنا سعيد عن رجل عن مجاهد أنه قال رأت عائشة رضى الله عنها النساء يسعين بالبيت فقالت " أمالكن فينا أسوة؟ ليس عليكن سعى " (قال الشافعي) لا رمل على النساء ولا سعى
بين الصفا والمروة ولا أضطباع وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهن وكذلك الصغيرة منهن تحملها الواحدة، والكبيرة تحمل في محفة، أو تركب دابة، وذلك أنهن مأمورات بالاستتار والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار.
(باب لا يقال شوط ولا دور) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكره أن يقول شوط دور للطواف ولكن يقول طواف طوافين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأكره من ذلك ما كره مجاهد، لان الله عزوجل قال " وليطوفوا بالبيت العتيق " فسمى طوافا لان الله تعالى سمى جماعة طوافا.
(باب كمال الطواف) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن محمد بن أبى بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألم ترى إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ " فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال " لولا حدثان قومك بالكفر لرددتها على ما كانت عليه " فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم.
أخبرنا سفيان قال حدثنا هشام بن حجير عن طاوس فيما أحسب أنه قال عن ابن عباس أنه قال: " الحجر من البيت " قال الله عزوجل " وليطوفوا بالبيت العتيق " وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر أخبرنا سفيان قال حدثنا عبد الله بن أبى يزيد قال أخبرني أبى قال أرسل عمر إلى شيخ من بنى زهرة فجئت معه إلى عمر وهو في الحجر فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية فقال الشيخ، أما النطفة فمن فلان وأما الولد فعلى فراش فلان، فقال عمر " صدقت ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالولد للفراش " فلما ولى الشيخ دعاه عمر فقال " أخبرني عن(2/192)
بناء البيت فقال " إن قريشا كانت (1) تقوت لبناء البيت فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر فقال له عمر " صدقت " أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال ما حجر الحجر فطاف الناس من وارئه إلا ارادة أن
يستوعب الناس الطواف بالبيت وسمعت عددا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في الحجر نحوا من ستة أذرع (قال الشافعي) وكمال الطواف بالبيت ان يطوف الرجل من وراء الحجر فإن طاف فسلك الحجر لم يعتد بطوافه الذى سلك فيه الحجر وإن طاف على جدار الحجر لم يعتد بذلك الطواف لانه لم يكمل الطواف بالبيت وكان كل طواف طافه على شاذر وان الكعبة أو في الحجر أو على جدار الحجر كما لم يطف وإذا ابتدأ الطائف الطواف استلم الركن ثم يدعه عن يساره ويطوف فإن استلم الركن وتركه عن يمينه وطاف فقد نكس الطواف ولا يعتد بما طاف بالبيت منكوسا، ومن طاف سعا على ما نهيت عنه من نكس الطواف أو على شاذر وان الكعبة أو في الحجر أو على جداره كان في حكم من لم يطف ولا يختلفان.
(باب ما جاء في موضع الطواف) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان الكعبة فإن طاف طائف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد الطواف وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف فإن قال قائل فإن الله عزوجل يقول " وليطوفوا بالبيت العتيق " فكيف زعمت أنه يطوف بالبيت وغيره؟ قيل له إن شاء الله تعالى، اما الشاذروان فأحسبه منشأ على أساس الكعبة ثم متقصرا بالبنيان (2) عن استيظافه فإذا كان هذا هكذا كان الطائف عليه لم يستكمل الطواف بالبيت إنما طاف ببعضه دون بعض، وأما الحجر فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت من قواعد إبراهيم فترك في الحجر أذرع من البيت، فهدمه ابن الزبير وابتناه على قواعد إبراهيم وهدم الحجاج زيادة ابن الزبير التي استوظف بها القواعد، وهم بعض الولاة بإعادته على القواعد، فكره ذلك بعض من أشار عليه وقال أخاف أن لا يأتي وال إلا أحب أن يرى له في البيت أثر ينسب إليه والبيت أجل من ان يطمع فيه، وقد أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه بعده (قال الشافعي) والمسجد كله موضع للطواف.
(باب في حج الصبى) أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضى الله عنهما أن
__________
(1) قوله: تقوت، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر، صورة ذلك، بدون نقط.
فليحرر.
(2) قوله: عن استيظافه، أي استيعابه وعبارة الشافعي في " كتاب الصيد والذبائح: إذا ذبحت ذبيحة فاستوظف قطع الحلقوم والمرئ والودجين " أي استوعب ذلك كله، كذا في اللسان اه، كتبه مصححه.(2/193)
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهى في محفتها فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بعضد صبى كان معها فقالت: إلهذا حج؟ قال " نعم ولك أجر " أخبرنا سعيد عن مالك بن مغول عن أبى السفر قال قال ابن عباس " أيها الناس اسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج، وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه وإن بلغ فليحجج " أخبرنا سعيد ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه (قال الشافعي) هذا كما قال عطاء إن شاء الله في العبد ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الاسلام لم يأمره أن يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الاسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة لان الله عزوجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ".
(باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه؟) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والمسجد كله موضع للطواف فمن طاف في المسجد من دون السقاية وزمزم أو من ورائهما أو وراء سقايات المسجد التي أحدثت فحف بها المسجد حتى يكون الطائف من ورائها كلها فطوافه مجزئ عنه لانه في موضع الطواف، وأكثر الطائفين محول بينه وبين الطواف بالناس الطائفين والمصلين وإن خرج من المسجد فطاف من ورائه لم يعتد بشئ من طوافه
خارجا من المسجد لانه في غير موضع الطواف ولو أجزت هذا له أجزت له الطواف لو طافه وهو خارج من الحرم أو في الحرم، ولو طاف بالبيت منكوسا لم يعتد بطوافه أولا أحسب حدا يطوف به منكوسا لان بحضرته من يعلمه لو جهل، ولو طاف بالبيت محرما وعليه طواف واجب ولا ينوى ذلك الطواف الواجب ولا ينوى به نافلة أو نذرا عليه من طوافه كان طوافه هذا طوافه الواجب وهكذا ما عمل من عمل حج أو عمرة لانه إذا أجزأه في الحج والعمرة أن يبتدئه يريد به نافلة فيكون فرضا كان في بعض عمله أولى أن يجزيه ولو طاف بعض طوافه ثم أغمى عليه قبل إكماله فطيف به ما بقى عليه من الطواف لا يعقله من إغماء أو جنون أو عارض ماكان أو ابتدئ به في الطواف مغلوبا على عقله لم يجزه حتى يكون يعقل في السبع كله كما لاتجزئ الصلاة حتى يعقل في الصلاة كلها ولو طاف وهو يعقل ثم أغمى عليه قبل كمال الطواف ثم أفاق بعد ذلك ابتدأ الوضوء والطواف قريبا كان أو بعيدا ولو طاف على بعير أو فرس أجزأه وقد كثر الناس واتخذوا من يحملهم فيكون أخف على من معه في الطواف من أن يركب بعيرا أو فرسا ولو طاف بالبيت فيما لا يجوز للمحرم أن يلبسه من الثياب كان طوافه مجزئا عنه وكانت عليه الفدية فيما لبس مما ليس له لبسه وهو محرم وهكذا الطواف منتقبا أو متبرقعا.
(باب الخلاف في الطواف على غير طهارة) (قال الشافعي) رحمه الله: فزعم بعض الناس أن الطواف لا يجزى إلا طاهرا وأن المعتمر والحاج(2/194)
إن طاف بالبيت الطواف الواجب عليه على غير وضوء أمره بالاعادة فإن بلغ بلده لم يأمره بالاعادة ولو طاف جنبا أمره أن يعود من بلده حيث كان فقيل لبعض من يقول قوله: أيعدو الطواف قبل الطهارة أن يكون كما قلنا لا يطوف بالبيت إلا من تحل له الصلاة أو يكون كذكر الله وعمل الحج والعمرة غير الطواف؟ قال إن قلت هو كالصلاة وأنه لا يجزى إلا بوضوء قلت فالجنب وغير المتوضئ سواء لان كلا غير طاهر وكل غير جائز له الصلاة.
(قال الشافعي) قلت أجل قال فلا أقوله وأقول هو كغيره من عمل الحج قلت: فلم أمرت من طاف على غير وضوء أن يعيد الطواف وأنت تأمره أن يبتدئ على غير وضوء؟ قال فإن قلت لا يعيد
قلت إذا تخالف السنة قال فإن قلت إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن لا تطوف بالبيت لئلا يدخل المسجد حائض.
قلت فأنت تزعم أن المشرك يدخل المسجد الحرام والجنب، قال فلا أقول هذا ولكني أقول إنه كالصلاة ولا تجوز إلا بطهارة ولكن الجنب أشد حالا من غير المتوضئ قلت أو تجد بينهما فرقا في الصلاة؟ قال: لا، قلت فأى شئ شئت فقل ولا تعدو أن تخالف السنة وقول أكثر أهل العلم لانه لا يكون لغير الطاهر أن يطوف بالبيت، أو تقول لا يطوف به إلا طاهر فيكون تركك أن تأمره أن يرجع حيث كان ويكون كمن لم يطف تركا لاصل قولك.
(باب كمال عمل الطواف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك وعبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وأخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف بالبيت ومشى أربعة ثم يصلى سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة (قال الشافعي) فمن طاف بالبيت أقل من سبعة أطواف بخطوة واحدة فلم يكمل الطواف، وإن طاف بعده بين الصفا والمروة فهو في حكم من لم يسع بين الصفا والمروة ولا يجزيه أن يسعى بين الصفا والمروة إلا بعد كمال سبع تام بالبيت، وإن كان معتمرا فصدر إلى أهله فهو محرم كما كان يرجع فيبتدئ أن يطوف سبعا بالبيت وبين الصفا والمروة سبعا، ثم يحلق أو يقصر وإن كان حلق قبل ذلك فعليه دم للحلاق قبل أن يحل ولا أرخص له في قطع الطواف بالبيت إلا من عذر وذلك أن تقام الصلاة فيصليها ثم يعود فيبنى على طوافه من حيث قطع عليه، فإن بنى من موضع لم يعد فيه إلى الموضع الذى قطع عليه منه ألغى ذلك الطواف ولم يعتد به.
(قال الشافعي) أو يصيبه زحام فيقف فلا يكون ذلك قطعا أو يعيى فيستريح قاعدا فلا يكون ذلك قطعا أو ينتقض وضوؤه فيخرج فيتوضأ وأحب إلى إذا فعل أن يبتدئ الطواف ولا يبنى على طوافه وقد قيل يبنى ويجزيه إن لم يتطاول فإذا تطاول ذلك لم يجزه إلا الاستئناف ولا يجزيه أن يطوف إلا في المسجد لان المسجد موضع الطواف ويجزيه أن يطوف في المسجد، وإن حال دون الكعبة شئ نساء أو جماعة ناس أو سقايات أو أساطين المسجد أجزأه ما لم يخرج من المسجد فإن خرج فطاف لم يعتد بما
طاف خارجا من المسجد قل أو كثر، ولو أجزت له أن يطوف خارجا من المسجد أجزت له أن يطوف من رواء الجبال إذا لم يخرج من الحرم، فإن خرج من باب من أبواب المسجد ثم دخل من آخر فإن كان الباب الذى دخل منه يأتي على الباب الذى خرج منه، اعتد بذلك الطوف لانه قد أتى على(2/195)
الطواف ورجع في بعضه، وإن كان لا يأتي عليه لم يعتد بذلك الطواف.
(باب الشك في الطواف) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذى يشك أصلى ثلاثا أو أربعا؟ أن يصلى ركعة فكان في ذلك إلغاء الشك والبناء على اليقين فكذلك إذا شك في شئ من الطواف صنع مثل ما يصنع في الصلاة فألغى الشك وبنى على اليقين إلا أنه ليس في الطواف سجود سهو ولا كفارة (قال) وكذلك إذا شك في وضوئه في الطواف، فإن كان على يقين من وضوئه وشك من حدثه أجزأه الطواف كما تجزئه الصلاة، فإن كان على يقين من حدثه وفى شك من وضوئه لم يجزه الطواف كما لا تجزيه الصلاة.
(باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا طاف في ثوب نجس أو على جسده نجاسة أو في نعليه نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد في الصلاة وكان في حكم من لم يطف وانصرف فألقى ذلك الثوب وغسل النجاسة عن جسده ثم رجع فاستأنف لا يجزيه من الطهارة في نفسه وبدنه وما عليه إلا ما يجزيه في الصلاة ومن طاف بالبيت فكالمصلى في الطهارة خاصة، وإن رعف أوقاء انصرف فغسل الدم عنه والقئ ثم رجع فبنى، وكذلك إن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى وأحب إلى في هذا كله لو استأنف (قال) ولو طاف ببعض ما لا تجزيه به الصلاة ثم سعى أعاد الطواف والسعى ولا يكون له أن يعتد بالسعي حتى يكمل الطواف بالبيت ولو انصرف إلى بلده رجع حتى يطوف ويسعى هذا الطواف على الطهارة، وجماع هذا أن يكون من طاف بغير كمال الطهارة في نفسه ولباسه فهو كمن لم يطف (قال الشافعي) وأختار إن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه ان يستأنف فإن ذلك احتياط وقد قيل: لو طاف اليوم طوافا وغدا آخرا أجزأ عنه لانه عمل بغير وقت.
(باب الطواف بعد عرفة) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " (قال الشافعي) فاحتملت الآية أن تكون على طواف الوداع لانه ذكر الطواف بعد قضاء التفث واحتملت أن تكون على الطواف بعد " منى " وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها لان الطواف بعد " منى " واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على ايجابه والله اعلم، وليس هكذا طواف الوداع (قال الشافعي) إن كانت نزلت في الطواف بعد " منى " دل ذلك على إباحة الطيب (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الاحول عن طاوس عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر الناس أن(2/196)
يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال " لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت " (قال الشافعي) وبهذا نقول وفى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يفسد حجا والحج أعمال متفرقة منها شئ إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه وذلك الاحرام وأن يكون عاقلا للاحرام وعرفة فأى هذا ترك لم يجزه عنه حجه (قال الشافعي) ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله وذلك الطواف بالبيت والصفا والمروة الذى يحل به (1) إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى يقضيه، ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب " منى " ورمى الجمار ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الاحرام ومثله والله أعلم طواف الوداع لانهما عملان أمر بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة والجمار والبيتوتة ليالى " منى " لانه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن ابن عباس أنه قال " من نسى من نسكه شيئا أو
تركه فليهرق دما " فإن قال قائل طواف الوداع طواف مأمور به وطواف الاحلال من الاحرام طواف مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف؟ قيل له بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل وأين الدلالة؟ قيل له لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للاحلال من الاحرام لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن صفية: أطافت بعد النحر؟ فقيل: نعم، فقال: فلتنفر (قال الشافعي) وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر وتخفيف طواف الوداع (قال الشافعي) ولا يخفف ما لا يحل المحرم إلا به أو لا ترى أن من طاف بعد الجمرة والنحر والحلاق حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من إحرام الحج بكمال الخروج ومن خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه؟ وهذا يبين أن ترك الميقات لا يفسد حجا لانه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزى عنه، والشئ المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزى أحدا غير فعله وقد يجزى عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان أهلوهم دونه، ويدل على أن ترك البيتوتة ليالى " منى " وترك رمى الجمار لا يفسد الحج.
(باب ترك الحائض الوداع) أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت " حاضت صفية بعد ما أفاضت فذكرت حيضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أحابستنا هي؟ " فقلت " يا رسول الله
__________
(1) قوله: إلا النساء، كذا في بعض النسخ بلفظ " إلا " الاستثنائية، وفى بعضها " إلى النساء " بلفظ " إلى " الجارة، وكلاهما لا يظهر، ولعله من زيادة النساخ، فحرر كتبه مصححه.(2/197)
إنها حاضت بعد ما أفاضت " قال " فلا إذا " أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن صفية بنت حيى حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أحابستنا هي؟ " فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك فقال " فلا إذا " أخبرنا سفيان عن الزهري
عن عروة عن عائشة أن صفية حاضت يوم النحر فذكرت عائشة حيضتها للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " أحابستنا هي؟ " فقلت: إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك قال " فلتنفر إذا " أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيى فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها " حابستنا " فقالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال " فلا إذا " أخبرنا مالك عن هشام بن عروة قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم ولو كان ذلك الذى يقول لاصبح " بمنى " أكثر من ستة آلاف امراة حائض.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس قال كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتى أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ قال: نعم، قال فلا تفت بذلك قال فقال ابن عباس إما لا، فسل فلانة الانصارية هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال فرجع إليه زيد ابن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت، أخبرنا سفيان عن ابن أبى حسين قال اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة الحائض فقال ابن عباس تنفر، وقال زيد لا تنفر، فقال له ابن عباس سل، فسأل أم سليم وصواحباتها قال فذهب زيد فلبث عنه ثم جاءه وهو يضحك فقال " القول ما قلت " أخبرنا مالك عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن حضن بعد ذلك لم تنتظر بهن أن يطهرن تنفر بهن وهن حيض، أخبرنا سفيان عن أيوب عن القاسم بن محمد أن عائشة كانت تأمر النساء أن يعجلن الافاضة مخافة الحيض، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال: جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " فقلت " ماله أما سمع ما سمع أصحابه؟ " ثم جلست إليه من العام المقبل فسمعته يقول: زعموا أنه رخص للمرأة الحائض (قال الشافعي) كأن ابن عمر والله أعلم سمع الامر بالوداع ولم يسمع الرخصة للحائض فقال به على العام وهكذا ينبغى له ولمن سمع عاما أن يقول به فلما بلغه الرخصة للحائض ذكرها وأخبرنا عن ابن شهاب قال جلت عائشة للنساء عن ثلاث، لا صدر
لحائض إذا أفاضت بعد المعرف ثم حاضت قبل الصدر وإذا طافت المراة طواف الزيارة الذى يحلها لزوجها ثم حاضت نفرت بغير وداع ولا فدية عليها وإن طهرت قبل أن تنفر فعليها الوداع كما يكون على التى لم تحض من النساء، وإن خرجت من بيوت مكة كلها قبل أن تطهر ثم طهرت لم يكن عليها الوداع وإن طهرت في البيوت كان عليها الوداع، وكذلك لو رأت الطهر فلم تجد ماء كان عليها الوداع كما تكون عليها الصلاة، فإن كانت مستحاضة طافت في الايام التى تصلى فيها فإن بدأت بها الاستحاضة قلنا لها، تقف حتى تعلم قدر حيضتها واستحاضتها فنفرت فعلمنا أن اليوم الذى نفرت فيه يوم طهر كان عليها دم لترك الوداع، وإن كان يوم حيض لم يكن عليها دم.(2/198)
(باب تحريم الصيد) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاها لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " (قال الشافعي) والبحر اسم جامع فكل ما كثر ماؤه واتسع قيل هذا بحر، فإن قال قائل فالبحر المعروف البحر هو المالح، قيل: نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب، فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله قيل: نعم قال الله عزوجل " وما يستوى البحر ان هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا " ففى الآية دلالتان إحداهما أن البحر العذب والمالح وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا فكل ما صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وان كان في الحرم لان حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك وأنه أحل كل ما يعيش في مائه لانه صيده وطعامه عندنا ما ألقى وطفا عليه والله أعلم ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالايدي بغير تكلف كتكلف صيده فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية والله أعلم، فإن قال قائل فهل من خبر يدل على هذا؟ قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن صيد الانهار وقلات المياه أليس بصيد البحر؟ قال: بلى.
وتلا " هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح
أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا " أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء عن حيتان بركة القسرى وهى بئر عظيمة في الحرم: أتصاد؟ قال: نعم، ولوددت أن عندنا منه.
(باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه) (قال الشافعي) ذكر الله عزوجل صيد البحر جملة ومفسرا، فالمفسر من كتاب الله عزوجل يدل على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة والله أعلم، قال الله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فلما أثبت ألله عزوجل إحلال صيد البحر وحرم صيد البر ما كانوا حرما، دل على أن الصيد الذى حرم عليهم ما كانوا حرما، ما كان أكله حلالا لهم قبل الاحرام، لانه والله أعلم لا يشبه أن يكون حرم بالاحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله، فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الاول كف منه، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنى ما قلت وإن كان بينا في الآية والله أعلم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور ".
(باب قتل الصيد خطأ) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " (قال الشافعي) يجزى الصيد من قتله عمدا أو خطأ، فإن قال قائل إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد(2/199)
عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ؟ قيل له إن شاء الله: إن ايجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ؟ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والاجماع فإن قال فأين القياس على القرآن؟ قيل قال الله عزوجل في قتل الخطأ " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " وقال " فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " فلما كانت النفسان ممنوعتين بالاسلام والعهد فأوجب الله عزوجل فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الاحرام
ممنوعا بقول الله عزوجل " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى " هديا بالغ الكعبة " ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله عزوجل " احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فلما كان الصيد محرما كله في الاحرام وكان الله عزوجل حكم في شئ منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الاحرام ولا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والاموال في العمد والخطأ، فإن قال قائل فمن قال هذا معك؟ قيل الحجة فيه ما وصفت وهى عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله عزوجل " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " قلت له فمن قتله خطأ أيغرم؟ قال: نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس يغرمون في الخطأ (قال الشافعي) فإن قال قائل فهل شئ أعلى من هذا؟ قيل شئ يحتمل هذا المعنى ويحتمل خلافه فإن قال ما هو؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب (1) (قال الشافعي) فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطاه عامدين له فقال لى قائل هل ذهب أحد في هذا خلاف مذهبك؟ فقلت: نعم قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعنى بقوله فقد أحل؟ قلت أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله، قال أفتراه يريد أحل من إحرامه؟ قلت ما أراه ولو أراده كان مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة، قال فما جماع معنى قوله في الصيد؟ قلت إنه لا يكفر العمد الذى لا يخلطه خطأ، ويكفر العمد الذى يخلطه الخطأ (قال) فنصه، قلت يذهب إلى
أنه إن عمد قتله ونسى إحرامه ففي هذا خطأ من جهة نسيان الاحرام وإن عمد غيره فأصابه ففى هذا
__________
(1) سقط هنا من النسخ بقية الاسناد والمتن وكثيرا ما يقع مثل هذا في الام و " قريب " بضم القاف وفتح الراء على بناء التصغير، وعبد الملك ابن قريب، هو الاصمعي اللغوى الشهير، حكى عنه أنه قال " سمع منى مالك " كذا في الخلاصة كتبه مصححه.(2/200)
خطأ من جهة الفعل الذى كان به القتل، أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد في قوله " ومن قتله منكم متعمدا " لقتله ناسيا لحرمه فذلك الذى يحكم عليه ومن قتله متعمدا لقتله ذاكرا لحرمه لم يحكم عليه، قال عطاء: يحكم عليه ويقول عطاء نأخذ، فإن قال قائل فهل يخالف هذين المذهبين أحد؟ قلت: نعم، قال غيرهم من أهل العلم: يحكم على من قتله عمدا، ولا يحكم على من قتله خطأ بحال.
(باب من عاد لقتل الصيد) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قتل صيدا فحكم عليه ثم عاد لآخر قال يحكم عليه كلما عاد أبدا فإن قال قائل ومن أين قلته؟ قلت إذا لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الاول لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الثاني وكل ما بعده كما يكون عليه لو قتل نفسا ديته وأنفسا بعده دية دية، في كل نفس وكما يكون عليه لو أفسد متاعا لاحد ثم أفسد متاعا لآخر ثم أفسد متاعا كثيرا بعده قيمة ما أفسد في كل حال فإن قال فما قول الله عزوجل " ومن عاد فينتقم الله منه " ففى هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه؟ (قال الشافعي) ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك فإن قال قائل فما معناه؟ قيل الله أعلم ما معناه أما الذى يشبه معناه والله أعلم فإن يجب عليه بالعود النقمة وقد تكون النقمة بوجوه، في الدنيا المال وفى الآخرة النار فإن قال فهل تجد ما يدل على ما وصفت في غير هذه الآية أو على ما يشبهه؟ قيل: نعم قال الله تعالى " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " وجعل الله القتل على الكفار والقتل على القاتل عمدا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولى المقتول وجعل
الحد على الزانى (1) فلما أوجب الله عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا وجعل الحد على الزانى فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكم غيرها في الدنيا قال الله تبارك وتعالى " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جلدا فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الاول ولو انبغى أن يفرقا كان في الزنا الآخر والقتل الآخر أولى ولم يطرح، فإن قال أفرأيت من طرحه على معنى أنه عمد مأثم فأول ما قتل من الصيد عمدا يأثم به فكيف حكم عليه؟ فقلت حكم الله تعالى عليه فيه ولو كان كما تقول كان أولى أن لا يعرض له في عمد المأثم فإذا كان الابتداء على أنه عمد مأثم فالثاني مثله فإن قال فهل قال هذا معك أحد غيرك؟ قيل: نعم.
فإن قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المحرم يقتل الصيد عمدا: يحكم عليه كلما قتل فإن قال قائل فما قول الله عز وجل " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه " قيل الله أعلم بمعنى ما أراد فأما عطاء بن أبى رباح فيذهب إلى " عفا الله عما سلف " في الجاهلية ومن عاد في الاسلام بعد التحريم لقتل صيد مرة فينتقم الله منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله عزوجل " عفا الله عما سلف " قال عفا
__________
(1) قوله: فلما أوجب الله عليهم، إلى قوله: فلما أوجب الله عليهم الحدود، هكذا في النسخ، وتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.(2/201)
الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله " ومن عاد فينتقم الله منه " قال ومن عاد في الاسلام فينتقم الله منه وعليه في ذلك الكفارة زيادة قال وإن عمد فعليه الكفارة؟ قلت له: هل في العود من حد يعلم؟ قال لا.
قلت: أفترى حقا على الامام أن يعاقبه فيه؟ قال: لا، ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله تعالى ويفتدى (قال الشافعي) ولا يعاقبه الامام فيه لان هذا ذنب جعلت عقوبته فديته إلا أن يزعم أنه يأتي ذلك عامدا مستخفا.
(باب أين محل هدى الصيد؟) (قال الشافعي) قال الله تعالى " هديا بالغ الكعبة " (قال الشافعي) فلما كان كل ما أريد به هدى من ملك ابن آدم هديا كانت الانعام كلها وكل ما أهدى فهو بمكة والله أعلم ولو خفى عن أحد أن هذا هكذا ما انبغى والله أعلم أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزى بشئ من النعم لا يجزي فيه إلا أن
يجزى بمكة فعلم أن مكة أعظم أرض الله تعالى حرمة وأولاه أن تنزه عن الدماء لولا ما عقلنا من حكم الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة، فإذا عقلنا هذا عن الله عزوجل فكان جزاء الصيد بطعام لم يجز والله أعلم إلا بمكة وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل وفى مواضع فلم يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل ولم نزعم أن الموضع الذى لم يذكر الله عزوجل فيه العدل معفو عن العدل فيه، فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة لم يجز عنه وأعاد الاطعام بمكة أو ب " منى " فهو من مكة لانه لحاضر الحرم ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى أو طيب أو لبس أو غيره لا يخالفه في شئ لان كله من جهة النسك والنسك إلى الحرم ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم (قال) ومن حضر الكعبة حين يبلغها الهدى من النعم أو الطعام من مسكين كان له أهل بها أو غريب لانهم إنما أعطوا بحضرتها وإن قل فكان يعطى بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطى مساكين الغرباء دون أهل مكة ومساكين أهل مكة دون مساكين الغرباء وأن يخلط بينهم، ولو آثر به أهل مكة لانهم يجمعون الحضور والمقام لكان كأنه أسرى إلى القلب والله أعلم، فإن قال قائل: فهل قال هذا أحد يذكر قوله؟ قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء " فجزاء مثل ما قتل من النعم (1) هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين " قال من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال له مرة أخرى يتصدق الذى يصيب الصيد بمكة قال الله عزوجل " هديا بالغ الكعبة " قال فيتصدق بمكة (قال الشافعي) يريد عطاء: ما وصفت من الطعام، والنعم كله هدى، والله أعلم.
(باب كيف يعدل الصيام) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى " أو عدل ذلك صياما " الآية، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه
__________
(1) سقط هنا من جميع النسخ ومن أصل المسند جملة من لفظ القرآن وهى قوله تعالى " يحكم به ذوا عدل منكم هديا " الخ.
كتبه مصححه.(2/202)
قال لعطاء ما قوله " أو عدل ذلك صياما؟ " قال إن أصاب ما عدله شاة فصاعدا أقيمت الشاة طعاما
ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه (قال الشافعي) وهذا إن شاء الله كما قال عطاء وبه أقول وهكذا بدنة إن وجبت وهكذا مد إن وجب عليه في قيمة شئ من الصيد صام مكانه يوما وإن أصاب من الصيد ما قيمته أكثر من مد وأقل من مدين صام يومين وهكذا كل ما لم يبلغ مدا صام مكانه يوما أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء هذا المعنى (قال الشافعي) فإن قال قائل فمن أين قلت مكان المد صيام يوم وما زاد على مد مما لا يبلغ مد آخر صوم يوم؟ قلت قلته معقولا وقياسا، فإن قال: فأين القياس به والمعقول فيه؟ قلت أرأيت إذا لم يكن لمن قتل جرادة أن يدع أن يتصدق بقيمتها ثمرة أو لقمة لانها محرمة مجزية لا تعطل بقلة قيمتها ثم جعل فيها قيمتها فإذا بدا له أن يصوم هل يجد من الصوم شيئا يجزيه أبدا أقل من يوم؟ فإن قال: لا، قلت فبذلك عقلنا أن أقل ما يجب من الصوم يوم وعقلنا وقسنا أن الطلاق إذا كان لا يتبعض فأوقع إنسان بعض تطليقة لزمته تطليقة، وعقلنا أن عدة الامة إذا كانت نصف عدة الحرة فلم تتبعض الحيضة نصفين فجعلنا عدتها حيضتين.
(باب الخلاف في عدل الصيام والطعام) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله قال لى بعض الناس: إذا صام عن جزاء الصيد صام عن كل مديوما، وإذا أطعم منه في كفارة اليمين أطعم كل مسكين مدين وقال هل رويت في هذا عن أصحابك شيئا يوافق قولنا ويخالف قولك؟ قلت نعم أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا كان يقول مكان كل مدين يوما فقال: وكيف لم تأخذ بقول مجاهد وأخذت بقول عطاء يطعم المسكين حيث وجب إطعامه مدا إلا في فدية الاذى فإنك قلت يطعمه مدين ولم لم تقل إذ قلت في فدية الاذى يطعمه مدين في كل موضع؟ (قال الشافعي) فقلت له يجمع بين مسألتيك جواب واحد إن شاء الله قال فأذكره (قال الشافعي) أصل ما ذهبنا إليه نحن وأنت ومن نسبناه معنا إلى الفقه فالفرض عليه في تأدية ما يجب عليه من ان لا يقول إلا من حيث يعلم ويعلم أن أحكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد ثم في التعبد وجهان فمنه تعبد لامر أبان الله عزوجل أو رسوله سببه فيه أو في غيره من كتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه ومنه ما هو تعبد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا مما أبان لنا في كتابه أو على لسان
نبيه صلى الله عليه وسلم فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه ولم نعرف في شئ له معنى فنقيس عليه وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علمنا الله جل ثناؤه فقال هذا كله كما وصفت لم أسمع أحدا من أهل التكشيف قال بغيره فقفنى منه على أمر أعرفه فإن أصحابنا يعطون هذه الجملة كما وصفت لا يغادرون منها حرفا وتختلف أقاويلهم إذا فرعوا عليها فقلت فأقبل منهم الصواب وأردد عليهم الغفلة قال: إن ذلك للازم لى وما يبرأ آدمى رأيته من غفلة طويلة ولكن انصب لما قلت مثالا فقلت: أرأيت إذ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة قلنا وقلت قيمتها خمسون دينارا وهو لو كان حيا كانت فيه ألف دينار أو ميتا لم يكن فيه شئ وهو لا يخلو ان يكون ميتا أو حيا فكان مغيب(2/203)
المعنى يحتمل الحياة والموت إذا جنى عليه فهل قسنا عليه ملففا أو رجلا في بيت يمكن فيهما الموت والحياة وهما مغيبا المعنى؟ قال: لا، قلت ولا قسنا عليه شيئا من الدماء؟ قال: لا قلت ولم؟ قال لانا تعبدنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولم نعرف سبب ما حكم له به قلت فهكذا قلنا في المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان قال وهكذا قلنا فيه لان فيه فرض وضوء وخص منه الخفان خاصة فهو تعبد لا قياس عليه قلت وقسنا نحن وأنت إذ قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان أن الخدمة كالخراج قال: نعم قلت لانا عرفنا أن الخراج حادث في ملك المشترى وضمنه منه ولم تقع عليه صفقة البيع قال: نعم، وفى هذا كفاية من جملة ما أردت ودلالة عليه من أن سنة مقيس عليها وأخرى غير مقيس عليها وكذلك القسامة لا يقاس عليها غيرها ولكن أخبرني بالامر الذى له اخترت ان لكل مسكين مدا إلا في فدية الاذى إذا ترك الصوم فإما أن يصوم مكان كل مد يوما فيكون صوم يوم مكان مد فإن ثبت لك المد صحيح لا أسألك عنه إلا فيما قلت أن صوم اليوم يقوم مقام إطعام مسكين فقلت له حكم الله عزوجل على المظاهر إذا عاد لما قال " فتحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " فكان معقولا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوما كإطعام ستين مسكينا وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم قال فهل من دليل مع هذا؟ قلت نعم أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصيب لاهله نهارا في
شهر رمضان " هل تجد ما تعتق؟ " قال: لا، فسأله " هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " فقال لا.
فسأله " هل تقدر أن تطعم ستين مسكينا؟ " فقال: لا، فأعطاه عرق تمر فأمره أن يتصدق به على ستين مسكينا فأدى المؤدى للحديث أن في العرق خمسة عشر صاعا قال أو عشرين ومعروف أن العرق يعمل على خمسة عشر صاعا ليكون الوسق به أربعة فذهبنا إلى أن إطعام المسكين مد طعام ومكان إطعام المسكين صوم يوم، قال: أما صوم يوم مكان كل مسكين فكما قلت، وأما إطعام المسكين مدا فإذا قال أو عشرين صاعا قلت فهذا مد وثلث لكل مسكين قال: فلم لا تقول به؟ قلت فهل علمت أحدا قط قال إلا مدا أو مدين؟ قال: لا قلت فلو كان كما قلت أنت كنت أنت قد خالفته ولكنه احتياط من المحدث وهذا كما قلت في العرق خمسة عشر صاعا وعلى ذلك كانت تعمل فيما أخبرني غير واحد من أهل العلم باليمن أنهم كانوا يجعلونها معايير كالمكاييل على خمسة عشر صاعا بالتمر قال فقد زعمت أن الكفارة في الطعام وإصابة المرأة تعبد لامر قد عرفته وعرفناه معك فأبن أن الكفارة في فدية الاذى وغيرها تعبد لا يقاس عليه قلت أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة في الطعام فرقا بين ستة مساكين فكان ذلك مدين مدين؟ قال: بلى قلت وأمره فقال أو صم ثلاثة أيام؟ قال: بلى قلت وقال " أو أنسك شاة " قال: بلى، قلت: فلو قسنا الطعام على الصوم أما نقول صوم يوم مكان إطعام مسكينين؟ قال: بلى قلت ولو قسنا الشاة بالصوم كانت شاة عدل صيام ثلاثة أيام؟ قال: بلى، قلت وقد قال الله عزوجل في المتمتع " فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " فجعل البدل من شاة صوم عشرة أيام قال: نعم، وقلت قال الله عز وجل " فكفارته إطعام عشرة مساكين " الآية فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال: نعم، قلت والرقبة في الظهار والقتل مكان ستين يوما، قال: نعم وقد بان أن صوم ستين يوما أولى بالقرب من الرقبة من صوم عشرة وبأن لى أن صوم يوم أولى بإطعام مسكين منه بإطعام مسكينين لان صوم يوم جوع يوم، وإطعام مسكين إطعام يوم فيوم بيوم أولى أن يقاس عليه من يومين بيوم وأوضح من أنه أولى(2/204)
الامور بالقياس قال فهل فيه من أثر أعلى من قول عطاء (1)؟ قلت: نعم، أخبرنا مالك (قال
الشافعي) قال فهل خالفك في هذا غيرك من أهل ناحيتك؟ فقلت نعم زعم منهم زاعم ما قلت من أن الكفارات يمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام قال (2) فلعل مد هشام مدين فيكون أراد قولنا مدين وإنما جعل مد هشام علما قلت: لا مد هشام، مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد ونصف (قال الشافعي) فقال فالغنى بالمسألة عن هذا القول إذا كان كما وصفت غنى بما لا يعيد ولا يبدى كيف جاز لاحد أن يزعم أن الكفارت بمد مختلف؟ أرأيت لو قال له إنسان هي بمد أكبر من مد هشام اضعافا والطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وما سواه (3) بمد محدث الذى هو أكبر من مد هشام، أو رأيت الكفارات إذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كيف جاز أن تكون بمد رجل لم يخلق أبوه ولعل جده لم يخلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال الناس هي مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فما أدخل مدا وكسرا؟ هذا خروج من قول أهل الدنيا في الكفارات (قال الشافعي) وقلت له وزعم بعض أهل ناحيتنا أيضا أن على غير أهل المدينة من الكفارات أكثر مما على أهل المدينة لان الطعام فيهم أوسع منه بالمدينة قال فما قلت لمن قال هذا؟ (قال الشافعي) فقلت له: أرأيت الذين يقتاتون الفث والذين يقتاتون اللبن والذين يقتاتون الحنظل والذين يقتاتون الحيتان لا يقتاتون غيرها والذين السعر عندهم أغلى منه بالمدينة بكثير كيف يكفرون ينبغى في قولهم أن يكفروا أقل من كفارة أهل المدينة ويكفرون من الدخن وهو نبات يقتاته بعض الناس في الجدب؟ وينبغى إذا كان سعر أهل المدينة أرخص من سعر أهل بلد أن يكون من يكفر في زمان غلاء السعر ببلد أقل كفارة من أهل المدينة إن كان إنما زعم أن هذا لغلاء سعر أهل المدينة وقيل له هل رأيت من فرائض الله شيئا خفف عن أحد أو اختلفوا في صلاة أو زكاة أو حد أو غيره؟ (قال الشافعي) قلت فما ينبغى أن يعارض بقول من قال هذا (قال الشافعي) وزعم زاعم غير قائل هذا أنه قال الطعام حيث شاء المكفر في الحج والصوم كذلك (قال الشافعي) فقيل له لئن زعمت أن الدم لا يكون إلا بمكة ما ينبغى أن يكون الطعام إلا بمكة كما قلت لانها طعامهان.
قال فما حجتك في الصوم؟ قلت اذن الله للمتمتع أن يكون من صومه ثلاث في الحج وسبعة إذا رجع ولم يكن في الصوم منفعة لمساكين الحرم وكان على بدن الرجل فكان عملا بغير وقت فيعمله حيث شاء.
(باب هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم؟) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به
__________
(1) قوله: قلت نعم أخبرنا مالك كذا في جميع النسخ لم يذكر بقية الاثر وكثيرا ما يقع مثل هذا في الام فليعلم.
(2) قوله: فلعل مد هشام مدين كذا في النسخ مدين بالنصب وهى لغة قليلة يكثر في هذا الكتاب وقوعها.
(3) قوله: بمد محدث الذى هو، كذا في النسخ، وانظر، وحرر العبارة.
كتبه مصححه.(2/205)
ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " إلى قوله " صياما " فكان المصيب مأمورا بأن يفديه وقيل له " من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " فاحتمل أن يكون جعل له الخيار بأن يفتدى بأى ذلك شاء ولا يكون له أن يخرج من واحد منها وكان هذا أظهر معانيه وأظهرها الاولى بالآية وقد يحتمل أن يكون أمر بهدى إن وجده فإن لم يجده فطعام فإن لم يجده فصوم كما أمر في التمتع وكما أمر في الظهار والمعنى الاول أشبههما وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بأن يكفر بأى الكفارات شاء في فدية الاذى وجعل الله تعالى إلى المولى أن يفئ أو يطلق وإن احتمل الوجه الآخر فإن قال قائل: فهل قال ما ذهبت إليه غيرك؟ قيل: نعم أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال " هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " قال عطاء فإن أصاب إنسان نعامة كان عليه إن كان ذا يسار أن يهدى جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما أيتهن شاء من أجل قول الله عزوجل " فجزاء " كذا وكذا وكل شئ في القرآن أو أو فليختر منه صاحبه ما شاء قال ابن جريج فقلت لعطاء أرأيت إن قدر على الطعام ألا يقدر على عدل الصيد الذى أصاب؟ قال ترخيص الله عسى أن يكون عنده طعام وليس عنده ثمن الجزور وهى الرخصة (قال الشافعي) إذا جعلنا إليه ذلك كان له أن يفعل أية شاء وإن كان قادرا على اليسير معه والاختيار والاحتياط له أن يفدى بنعم فإن لم يجد فطعام وأن لا يصوم إلا بعد الاعواز منهما أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
عن عمرو بن دينار في قول الله عزوجل " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " له أيتهن شاء أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال كل شئ في القرآن أو أو، له أية شاء قال ابن جريج إلا في قوله " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " فليس بمخير فيها (قال الشافعي) وكما قال ابن جريج وعمرو في المحارب وغيره في هذه المسألة أقول قيل للشافعي فهل قال أحد ليس هو بالخيار؟ فقال: نعم، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن الحسن ابن مسلم قال: من أصاب من الصيد ما يبلغ فيه شاة فذلك الذي قال الله " فجزاء مثل ما قتل من النعم " وأما " أو كفارة طعام مساكين " فذلك الذى لا يبلغ أن يكون فيه هدى العصفور يقتل فلا يكون فيه هدى قال " أو عدل ذلك صياما " عدل النعامة وعدل العصفور قال ابن جريج فذكرت ذلك لعطاء، فقال عطاء كل شئ في القرآن أو أو يختار منه صاحبه ما شاء (قال الشافعي) وبقول عطاء في هذا أقول قال الله عزوجل في جزاء الصيد " هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " وقال جل ثناؤه " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكعب بن عجرة، أي ذلك فعلت أجزأك (قال الشافعي) ووجدتهما معا فدية من شئ أفيت قد منع المحرم من إفاتته الاول الصيد والثاني الشعر (قال الشافعي) فكل ما أفاته المحرم سواهما كما نهى عن إفاتته فعليه جزاؤه وهو بالخيار بين أن يفديه من النعم أو الطعام أو الصوم أي ذلك شاء فعل كان واجدا وغير واجد قال الله عزوجل " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام " الآية (قال الشافعي) فكان التمتع بالعمرة إلى الحج ليس بإفاتة شئ جعل الله عزوجل فيه الهدى فما فعل المحرم من فعل تجب عليه فيه الفدية وكان ذلك الفعل ليس بإفاتة شئ فعليه أن يفديه من النعم إن بلغ النعم وليس له أن يفديه بغير النعم وهو يجد النعم وذلك مثل طيب ما تطيب به أو لبس ما ليس له لبسه أو جامع أو نال من امرأته أو ترك من نسكه أو ما معنى هذا (قال الشافعي) فإن قال فما معنى قول الله عزوجل " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه؟ " قلت الله أعلم أما الظاهر فإنه مأذون بحلاق(2/206)
الشعر للمرض والاذى في الرأس وإن لم يمرض فإذا جعلت عليه في موضع الفدية النعم فقلت لا يجوز
إلا من النعم ما كانت موجودة فأعوز المفتدى من النعم لحاجة أو انقطاع من النعم فكان يقدر على طعام قوم الذى وجب عليه دراهم، والدراهم طعاما، ثم تصدق بالطعام على كل مسكين بمد وإن أعوز من الطعام صام عن كل مد يوما فإن قال قائل: فإذا قسته على هذه المتعة فكيف لم تقل فيه ما قلت في المتمتع؟ قيل له إن شاء الله قسته عليه في أنه جامعه في أنه فعل لا إفاتة وفرقت بينه وبينه أنه يختلف فيكون بدنة على قدر عظم ما أصاب وشاة دون ذلك فلما كان ينتقل فيقل ويكثر بقدر عظم ما أصاب فارق في هذا المعنى هدى المتعة الذي لا يكون على أحد إذا وجد أقل ولا أكثر منه وإن زاد عليه كان متطوعا (قال الشافعي) فصرنا بالطعام والصوم إلى المعنى المعقول في القرآن من كفارة المظاهر والقتل والمصيب أهله في شهر رمضان، ومن هذا ترك البيتوتة ب " منى " وترك المزدلفة والخروج قبل أن تغيب الشمس من عرفة وترك الجمار وما أشبهه.
(الاعواز من هدى المتعة ووقته) (قال الشافعي) قال الله تعالى " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " إلى قوله " عشرة كاملة " (قال الشافعي) فدل الكتاب على أن يصوم في الحج وكان معقولا في الكتاب أنه في الحج الذى وجب به الصوم ومعقولا أنه لا يكون الصوم إلا بعد الدخول في الحج لا قبله في شهور الحج ولا غيرها (قال الشافعي) " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " فإن أهل بالحج في شوال أو ذى القعدة أو ذى الحجة كان له أن يصوم حين يدخل في الحج وعليه أن لا يخرج من الحج حتى يصوم إذا لم يجد هديا وأن يكون آخر ماله من الايام في آخر صيامه الثلاث يوم عرفة وذلك أنه يخرج من الغد من يوم عرفة من الحج ويكون في يوم لا صوم فيه يوم النحر، وهكذا روى عن عائشة وابن عمر، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها في المتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل يوم عرفة فليصم أيام منى، أخبرنا إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثل ذلك (قال الشافعي) وبهذا نقول، وهو معنى ما قلنا والله أعلم ويشبه القرآن (قال الشافعي) واختلف عطاء وعمرو بن دينار في وجوب صوم المتمتع أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا يجب عليه الصوم حتى يوافي عرفة مهلا بالحج، وقال عمرو ابن دينار إذا أهل بالحج وجب عليه الصوم
(قال الشافعي) وبقول عمرو بن دينار نقول وهو أشبه بالقرآن ثم الخبر عن عائشة وابن عمر (قال الشافعي) فإذا أهل بالحج ثم مات من ساعته أو بعد قبل أن يصوم ففيها قولان أحدهما أن عليه دم المتعة لانه دين عليه لانه لم يصم ولا يجوز أن يصام عنه وهذا قول يحتمل، والقول الثاني لادم عليه ولا صوم لان الوقت الذى وجب عليه فيه الصوم وقت زال عنه فرض الدم وغلب على الصوم فإن كان بقي مدة يمكنه أن يصوم فيها ففرط تصدق عنه مكان الثلاثة الايام ثلاثة أمداد حنطة لان السبعة لا تجب عليه إلا بعد الرجوع إلى أهله، ولو رجع إلى أهله ثم مات ولم يصم الثلاثة ولا السبع تصدق عنه في الثلاث وما أمكنه صومه من السبع فتركه يوما كان ذلك أو أكثر وهذا قول يصح قياسا ومعقولا والله أعلم (قال الشافعي) في صوم المتمتع أيام منى: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام منى ولا نجد السبيل إلى ان يكون النهى خاصة إذا لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم دلالة بأن نهيه إنما هو على(2/207)
ما لا يلزم من الصوم وقد يجوز أن يكون من قال يصوم المتمتع أيام منى ذهب عليه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها فلا أرى أن يصوم أيام منى وقد كنت أراه وأسأل الله التوفيق (قال الشافعي) ووجدت أيام منى خارجا من الحج يحل به إذا طاف بالبيت النساء فلم يجز أن أقول هذا في الحج وهو خارج منه وإن بقى عليه بعض عمله فإن قال قائل: فهل يحتمل اللسان أن يكون في الحج؟ قيل نعم يحتمله اللسان ما بقى عليه من الحج شئ احتمالا مستكرها باطنا لا ظاهرا، ولو جاز هذا جاز إذا لم يطف الطواف الذي يحل به من حجه النساء شهرا أو شهرين يصومهن على أنه صامهن في الحج (قال) ولو جاز أن يصوم أيام منى جاز فيها يوم النحر لانه منهى عن صومه وصومها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومها مرة كنهيه عن صوم يوم النحر مرة ومرارا.
(باب الحال التي يكون المرء فيها معوزا بما لزمه من فدية) (قال الشافعي) إذا حج الرجل وقد وجبت عليه بدنة فليس له أن يخرج منها إذا كان قادرا عليها فإن قدر على الهدى لم يطعم وإن لم يقدر على الهدى أطعم ولا يكون الطعام والهدى إلا بمكة وإن لم يقدر على واحد منهما صام حيث شاء ولو صام في فوره ذلك كان أحب إلى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج
عن عطاء أنه قال في صيام المفتدى ما بلغني في ذلك شئ وإنى لاحب أن يصنعه في فوره ذلك، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول فدية من صيام أو صدقة أو نسك في حجه ذلك أو عمرته أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن سليمان بن موسى قال في المفتدى بلغني أنه فيما بين أن صنع الذى وجبت عليه فيه الفدية وبين أن يحل إن كان حاجا أن ينحر وإن كان معتمرا بأن يطوف (قال الشافعي) وهذا إن شاء الله هكذا فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل إن كانت الفدية شيئا وجبت بحج وعمرة فأحب إلى أن يفتدى في الحج والعمرة وذلك أن إصلاح كل عمل فيه كما يكون إصلاح الصلاة فيها وإن كان هذا يفارق الصلاة بأن الفدية غير الحج وإصلاح الصلاة من الصلاة فالاختيار فيه ما وصفت وقد روى أن ابن عباس أمر رجلا يصوم ولا يفتدى وقدر له نفقته فكأنه لولا أنه رأى الصوم يجزيه في سفره لسأله عن يسره ولقال آخر هذا حتى يصير إلى مالك إن كنت موسرا (قال الشافعي) فأنظر إلى حال من وجبت عليه الفدية في حج أو عمرة في ذلك الحج أو العمرة فإن كان واجدا للفدية التى لا يجزيه إذا كان واجدا غيرها جعلتها عليه لا مخرج له منها فإذا جعلتها عليه فلم يفتد حتى أعوز كان دينا عليه حتى يؤديه متى قدر عليه، وأحب إلى أن يصوم احتياطا لا إيجابا ثم إذا وجد أهدى (قال الشافعي) وإذا كان غير قادر تصدق فإن لم يقدر صام فإن صام يوما أو أكثر ثم أيسر في سفره أو بعد فليس عليه أن يهدى وإن فعل فحسن (قال) وإن كان معوزا حين وجبت فلم يتصدق ولم يصم حتى أيسر أهدى ولا بد له لانه مبتدئ شيئا فلا يبتدئ صدقة ولا صوما وهو يجد هديا (قال) وإن رجع إلى بلده وهو معوز في سفره ولم يفتد حتى أيسر ثم أعوز كان عليه هدى لابد له لانه لم يخرج من الهدى إلى غيره حتى أيسر فلا بد من هدى وأحب إلى أن يصوم احتياطا لا واجبا وإذا جعلت الهدى دينا فسواء بعث به من بلده أو اشترى له بمكة فنحر عنه لا يجزى عنه حتى يذبح بمكة ويتصدق به وكذلك الطعام، وأما الصوم فيقضيه حيث شاء إذا أخره عن سفره وهكذا كل واجب عليه من أي وجه كان من دم أو طعام لا يجزيه إلا بمكة.(2/208)
(فدية النعام)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب وعثمان وعلى بن أبى طالب وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية رضى الله تعالى عنهم قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الابل (قال الشافعي) هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث وهو قول الاكثر ممن لقيت فبقولهم إن في النعامة بدنة وبالقياس قلنا في النعامة بدنة لا بهذا فإذا أصاب المحرم نعامة ففيها بدنة أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء (1) فكانت ذات جنين حين سميتها أنها جزاء النعامة ثم ولدت فمات ولدها قبل أن يبلغ محله أغرمه؟ قال: لا.
قلت فابتعتها ومعها ولدها فأهديتها فمات ولدها قبل أن يبلغ محله أغرمه؟ قال: لا (قال الشافعي) وهذا يدل على ان عطاء يرى في النعامة بدنة وبقوله نقول في البدنة والجنين في كل موضع وجبت فيه بدنة فأوجبت جنينا معها فينحر معها ونقول في كل صيد يصاد ذات جنين ففيه مثله ذات جنين.
(باب بيض النعامة يصيبه المحرم) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إن أصبت بيض نعامة وأنت لا تدرى غرمتها تعظم بذلك حرمات الله تعالى (قال الشافعي) وبهذا نقول لان بيضة من الصيد جزء منها لانها تكون صيدا ولا أعلم في هذا مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت وقول عطاء هذا يدل على أن البيضة تغرم وأن الجاهل يغرم لان هذا إتلاف قياسا على قتل الخطأ وبهذا نقول (قال الشافعي) وفى بيض النعام قيمته (2) لانه حيث يصاب من قبل أنه خارج مما له مثل من النعم وداخل فيما له قيمة من الطير مثل الجرادة وغيرها قياسا على الجرادة فإن فيها قيمتها فقلت للشافعي: فهل تروى فيها شيئا عاليا؟ قال أما شئ يثبت مثله فلا، فقلت فما هو؟ فقال أخبرني الثقة عن أبى الزناد عن الاعرج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في بيضة النعامة يصيبها المحرم قيمتها " أخبرنا سعيد بن سالم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن عبد الله بن الحصين عن أبى موسى الاشعري أنه قال: في بيضة النعامة يصيبها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين أخبرنا سعيد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود مثله فقلت للشافعي: أفرأيت إن كان في بيضة النعامة فرخ؟ فقال لى: كل ما أصاب المحرم مما لا مثل له من النعم ولا أثر فيه من الطائر فعليه فيه قيمته بالموضع الذى أصابه فيه وتقومه عليه كما تقومه لو
أصابه وهو لانسان فتقوم البيضة لا فرخ فيها قيمة بيضة لا فرخ فيها والبيضة فيها فرخ قيمة بيضة فيها فرخ وهو أكثر من قيمة بيضة لا فرخ فيها قلت فإن كانت البيضة فاسدة؟ قال: تقومها فاسدة إن
__________
(1) قوله: فكانت ذات الخ هكذا في النسخ ولعله محرف من الناسخ وأصل الكلام " فإن كانت الخ " إلا أن يكون بقية حديث فليحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: لانه كذا في جميع النسخ، ولعل هذه الكلمة من زيادة النساخ فإن التعليل هنا ليس له معنى يظهر.(2/209)
كانت لها قيمة وتتصدق بقيمتها وإن لم يكن لها قيمة فلا شئ عليك فيها؟ قلت: للشافعي أفيأكلها المحرم؟ قال: لا لانها من الصيد وقد يكون منها صيد قلت للشافعي فالصيد ممتنع وهو غير ممتنع.
(قال الشافعي) وقد يكون من الصيد ما يكون مقصوصا وصغيرا فيكون غير ممتنع والمحرم يجزئه إذا أصابه فقلت: إن ذلك قد كان ممتنعا أو يؤول إلى الامتناع قال: وقد تؤول البيضة إلى أن يكون منها فرخ ثم يؤول إلى أن يمتنع.
(الخلاف في بيض النعام) فقلت للشافعي: أخالفك أحد في بيض النعامة؟ قال: نعم قلت قال ماذا قال؟ قال قوم إذا كان في النعامة بدنة فتحمل على البدنة وروى هذا عن على رضى الله عنه من وجه لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله ولذلك تركناه وبأن من وجب عليه شئ لم يجزه بمغيب يكون ولا يكون وإنما يجزيه بقائم قلت للشافعي: فهل خالفك غيره؟ قال نعم رجل كأنه سمع هذا القول فاحتذى عليه قلت وما قال فيه؟ قال: عليه عشر قيمة أمه كما يكون في جنين الامة عشر قيمة الامة قلت أفرأيت لهذا وجها؟ قال: لا.
البيضة إن كانت جنينا كان لم يصنع شيئا من قبل أنها مزايلة لامها فحكمها حكم نفسها والجنين لو خرج من أمه ثم قتله إنسان وهو حى كانت فيه قيمة نفسه ولو خرج ميتا فقطعه إنسان لم يكن عليه شئ فإن شئت فاجعل البيضة في حال ميت أو حى فقد فرق بينهما وما للبيضة والجنين؟ إنما حكم البيضة حكم نفسها فلا يجوز إذا كانت ليست من النعم إلا أن يحكم فيها بقيمتها (قال
الشافعي) ولقد قال لى قائل: ما في هذه البيضة شئ لانها مأكولة غير حيوان وللمحرم أكلها ولكن هذا خلاف مذهب أهل العلم.
(باب بقر الوحش وحمار الوحش (1) والثيتل والوعل) قلت للشافعي أرأيت المحرم يصيب بقرة أو حمار الوحش؟ فقال: في كل واحد منهما بقرة فقلت للشافعي ومن أين أخذت هذا؟ فقال قال الله تبارك وتعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمد فجزاء مثل ما قتل من النعم " (قال الشافعي) ومثل ما قتل من النعم يدل على أن المثل على مناظرة البدن فلم يجز فيه إلا أن ينظر إلى مثل ما قتل من دواب الصيد فإذا جاوز الشاة رفع إلى الكبش فإذا جاوز الكبش رفع إلى بقرة فإذا جاوز البقرة رفع إلى بدنة ولا يجاوز شئ مما يؤدى من دواب الصيد بدنة وإذا كان أصغر من شاة ثنية أو جذعة خفض إلى أصغر منها فهكذا القول في دواب الصيد أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في بقرة الوحش بقرة وفى حمار الوحش بقرة وفى (2)
__________
(1) الثيتل بفتح المثلثة والمثناة والفوقية بينهما مثناة تحتية، هو الذكر المسن من الوعول.
كذا في كتب اللغة كتبه مصححه.
(2) الاروى بفتح الاول والثالث بينهما ساكن اسم جمع واحدة أروية بضم فسكون فكسر وهى الانثى من الوعول.
وفى المصباح: أن الاروى تيس الجبل البرى والايل بضم الهمزة وكسرها مع فتح الياء المشددة وبفتح الهمزة مع كسر الياء: الذكر من الوعول.(2/210)
الاروى بقرة أخبرنا سعيد عن إسرائيل عن أبى إسحق الهمداني عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال: في بقرة الوحش بقرة وفى الابل بقرة (قال الشافعي) وبهذا نقول (قال الشافعي) والاروى دون البقرة المسنة وفوق الكبش وفيه (1) عضب ذكرا وأنثى أي ذلك شاء فداه به (قال الشافعي) وإن قتل حمار وحش صغيرا أو ثيتلا صغيرا فداه ببقرة صغيرة ويفدى الذكر بالذكر والانثى بالانثى (قال) وإذا أصاب أروى صغيرة خفضناه إلى أصغر منه من البقر حتى يجعل فيه ما لا يفوته وهكذا ما فدى من دواب الصيد (قال الشافعي) إن كان ما أصيب من الصيد بقرة (2) رقوب فضربها
فألقت ما في بطنها حيا فمات فداهما ببقرة وولد بقرة مولود وهكذا هذا في كل ذات حمل من الدواب (قال الشافعي) وإن خرج ميتا وماتت أمه فأراد فداءه طعاما يقوم المصاب منه ماخضا بمثله من النعم ماخضا ويقوم ثمن ذلك المثل من النعم طعاما.
(باب الضبع) أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن أبى الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في الضبع بكبش (قال الشافعي) وهذا قول من حفظت عنه من مفتينا المكيين (قال الشافعي) في صغار الضبع صغار الضأن وأخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضى الله عنهما يقول في الضبع كبش حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عكرمة مولى ابن عباس قال: أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبعا صيدا وقضى فيها كبشا (قال الشافعي) وهذا حديث لا يثبت مثله لو انفرد وإنما ذكرناه لان مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبى عمار قال ابن أبى عمار: سألت جابرا بن عبد الله عن الضبع أصيد هي؟ قال: نعم.
قلت أتؤكل؟ قال: نعم.
قلت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (قال الشافعي) وفى هذا بيان أنه إنما يفدى ما يؤكل من الصيد دون ما لا يؤكل.
أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد أن عليا بن أبى طالب رضى الله عنه قال: الضبع صيد وفيها كبش إذا أصابها المحرم.
(باب في الغزال) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن أبى الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب قضى في الغزال بعنز (قال الشافعي) وبهذا نقول والغزال لا يفوت العنز.
أخبرنا سعيد عن إسرائيل بن يونس عن أبى إسحق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال: في
__________
(1) العضب: بفتح فسكون ولد البقرة إذا طلع قرنه وذلك بعدما يأتي عليه حول.
كذا في كتب اللغة.
(2) رقوب: هو كذلك في النسخ ولم نقف على هذا اللفظ بمعنى يناسب ما هنا، فحرره.
كتبه
مصححه.(2/211)
الظبى تيس أعفر أو شاة مسنة (قال الشافعي) يفدى الذكران بالذكران والاناث بالاناث مما أصيب والاناث في هذا كله أحب إلى أن يفدى به إلا أن يكون يصغر عن بدن المقتول فيفدى الذكر ويفدى بالذى يلحق بأبدانهما.
أخبرنا سعيد بن سالم عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة أن رجلا بالطائف أصاب ظبيا وهو محرم فأتى عليا فقال: أهد كبشا أو قال تيسا من الغنم.
قال سعيد ولا أراه إلا قال تيسا (قال الشافعي) وبهذا نأخذ لما وصفت قبله مما يثبت فأما هذا فلا يثبته أهل الحديث.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الغزال شاة.
(باب الارنب) أخبرنا مالك وسفيان عن أبى الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب قضى في الارنب بعناق.
أخبرنا سعيد بن سالم عن إسرائيل بن يونس عن أبى إسحق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال في الارنب شاة.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا قال: في الارنب شاة (قال الشافعي) الصغيرة والكبيرة من الغنم يقع عليها اسم شاة فإن كان عطاء ومجاهد أرادا صغيرة فكذلك نقول ولو كانا أرادا مسنة خالفناهما وقلنا قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، وما روى عن ابن عباس من أن فيها عناقا دون المسنة وكان أشبه بمعنى كتاب الله تعالى وقد روى عن عطاء ما يشبه قولهما أخبرنا سعيد بن سالم عن الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبى رباح أنه قال: في الارنب عناق أو حمل.
(باب في اليربوع) أخبرنا مالك وسفيان عن أبى الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في اليربوع بجفرة.
أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزرى عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود أخبرنا سعيد عن الربيع بن صنيح عن عطاء بن أبى رباح أنه قال: في اليربوع جفرة (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ.
(باب الثعلب)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول في الثعلب شاة.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عياش ابن عبد الله بن معبد أنه كان يقول: في الثعلب شاة.
(باب الضب) أخبرنا ابن عيينة عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففقر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال له عمر " احكم فيه يا أربد " فقال: أنت خير منى يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر " إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني " فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر " فذاك فيه " أخبرنا سعيد بن سالم عن عطاء أنه قال: في الضب شاة (قال الشافعي) إن كان عطاء أراد شاة صغيرة فبذلك نقول، وإن كان أراد مسنة(2/212)
خالفناه وقلنا بقول عمر فيه وكان أشبه بالقرآن.
(باب الوبر) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الوبر إن كان يؤكل شاة (قال الشافعي) قول عطاء " إن كان يؤكل " يدل على أنه إنما يفدى ما يؤكل (قال الشافعي) فإن كانت العرب تأكل الوبر ففيه جفرة وليس بأكثر من جفرة بدنا، أخبرنا سعيد أن مجاهدا قال: في الوبر شاة.
(باب أم حبين) أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبى السفر أن عثمان بن عفان قضى في أم حبين يحملان من الغنم (قال الشافعي) يعنى حملا (قال الشافعي) إن كانت العرب تأكلها فهى كما روى عن عثمان يقضى فيها بولد شاة حمل أو مثله من المعز مما لا يفوته.
(باب دواب الصيد التى لم تسم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كل دابة من الصيد المأكول سميناها ففداؤها على ما ذكرنا وكل دابة من دواب الصيد المأكول لم نسمها ففداؤها قياسا على ما سمينا فداءه منها لا يختلف فيما صغر عن الشاة منها أولاد الغنم يرفع في أولاد الغنم بقدر ارتفاع الصيد حتى يكون الصيد مجزيا بمثل بدنه من
أولاد الغنم أو أكبر منه شيئا، ولا يجزى دابة من الصيد إلا من النعم والنعم الابل والبقر والغنم (قال الشافعي) فإن قال قائل: مادل على ما وصفت والعرب تقول للابل الانعام وللبقر البقر وللغنم الغنم؟ قيل هذا كتاب الله تعالى كما وصفت فإذا جمعتها قلت نعما كلها وأضفت الادنى منها إلى الاعلى وهذا معروف عند أهل العلم بها وقد قال الله تعالى " أحلت لكم بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم " فلا أعلم مخالفا أنه عنى الابل والبقر (1) والغنم والضأن وهى الازواج الثمانية قال الله تعالى " من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرام أم الانثيين " الآية، وقال " ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين " فهى بهيمة الانعام وهى الازواج الثمانية وهى الانسية التي منها الضحايا والبدن التي يذبح المحرم ولا يكون ذلك من غيرها من الوحش.
(فدية الطائر يصيبه المحرم) (قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله فجزاء مثل ما
__________
(1) قوله: والغنم والضأن.
كذا في النسخ، ولعل هنا تحريفا من النساخ أو سقطا، فليحرر.
كتبه مصححه.(2/213)
قتل من النعم " (قال الشافعي) وقول الله عزوجل " مثل ما قتل من النعم " يدل على أنه لا يكون المثل من النعم إلا فيما له مثل منه والمثل لدواب الصيد لان النعم دواب رواتع في الارض والدواب من الصيد كهى في الرتوع في الارض وأنها دواب مواش لا طوائر وأن أبدانها تكون مثل أبدان النعم ومقاربة لها وليس شئ من الطير بوافق خلق الدواب في حال ولا معانيها معانيها، فإن قال قائل فكيف تفدى الطائر ولا مثل له من النعم؟ قيل فديته بالاستدلال بالكتاب ثم الآثار ثم القياس والمعقول فإن قال فأين الاستدلال بالكتاب؟ قيل قال الله عزوجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فدخل الصيد المأكول كله في التحريم ووجدت الله عزوجل أمر فيما له مثل منه أن يفدى بمثله، فلما كان الطائر لا مثل له من النعم وكان محرما ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى بقضاء في الزرع بضمانه والمسلمون يقضون فيما كان محرما أن يتلف بقيمته فقضيت في
الصيد من الطائر بقيمته بأنه محرم في الكتاب وقياسا على السنة والاجماع وجعلت تلك القيمة لمن جعل الله له المثل من الصيد المحرم المقضى بجزائه لانهما محرمان معا لا مالك لهما أمر بوضع المبدل منهما فيمن بحضرة الكعبة من المساكين ولا أرى في الطائر إلا قيمته بالآثار والقياس فيما أذكره إن شاء الله تعالى.
(فدية الحمام) أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبى حسين عن عبد الله بن كثير الدارى عن طلحة بن أبى حفصة عن نافع بن عبد الحرث قال: قدم عمر بن الخطاب مكة فدخل دار الندوة في يوم الجمعة وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره فانتهزته حية فقتلته فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان بن عفان فقال " احكما على في شئ صنعته اليوم، إنى دخلت هذه الدار وأردت أن أستقرب منها الرواح إلى المسجد فألقيت ردائي على هذا الواقف فوقع عليه طير من هذا الحمام فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطرته عنه فوقع على هذا الواقف الآخر فانتهزته حية فقتلته فوجدت في نفسي أنى أطرته من منزلة كان فيها آمنا إلى موقعة كان فيها حتفه " فقلت لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء نحكم بها على امير المؤمنين؟ قال إنى أرى ذلك فأمر بها عمر، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء ان عثمان بن عبيد الله بن حميد قتل ابن له حمامة فجاء ابن عباس فقال له ذلك فقال ابن عباس " اذبح شاة فتصدق بها " قال ابن جريج فقلت لعطاء أمن حمام مكة؟ قال: نعم (قال الشافعي) ففى قول ابن عباس دلالتان إحداهما أن في حمام مكة شاة والاخرى أنه يتصدق بالفداء على المساكين وإذا قال يتصدق به فإنما يعنى كله لا بعضه، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء، وأخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في الحمامة شاة أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قال مجاهد أمر عمر بن الخطاب بحمامة فأطيرت فوقعت على المروة فأخذتها حية فجعل فيها شاة (قال الشافعي) من أصاب من حمام مكة بمكة حمامة ففيها شاة، اتباعا لهذه الآثار التى ذكرنا عن عمر وعثمان وابن عباس وابن عمر وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب لا قياسا.(2/214)
(في الجراد) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن أبى عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ ابن جبل وكعب الاحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلى مرت به رجل من جراد، فأخذ جرادتين فملهما ونسى إحرامه، ثم ذكر إحرامه فألقاهما.
فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر ابن الخطاب ودخلت معهم.
فقص كعب قصة الجرادتين على عمر فقال عمر (1) من بذلك أمرك يا كعب قال: نعم قال إن حمير تحب الجراد قال ما جعلت في نفسك؟ قال درهمين قال: بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك (قال الشافعي) في هذا الحديث دلائل منها إحرام معاذ وكعب وغيرهم من بيت المقدس وهو وراء الميقات بكثير وفيه أن كعبا قتل الجرادتين حين أخذهما بلا ذكاة، وهذا كله قد قص على عمر فلم ينكره وقول عمر درهمان خير من مائة جرادة، أنك تطوعت بما ليس عليك فافعله متطوعا، أخبرنا سعيد عن بكير بن عبد الله بن الاشج قال سمعت القاسم بن محمد يقول كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم فقال: فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة جرادات، ولكن ولو، وهذا يدل على أنه إنما رأى عليه قيمة الجرادة وأمره بالاحتياط وفى الجرادة قيمتها في الموضع الذي يصيبها فيه كان تمرة أو أقل أو أكثر وهذا مذهب القوم والله أعلم ووجدت مذهب عمر وابن عباس وغيرهم في الجرادة أن فيها قيمتها ووجدت كذلك مذهبهم أن في دواب الصيد مثله من النعم بلا قيمة لان الضبع لا يسوى كبشا، والغزال قد يسوى عنزا ولا يسوى عنزا واليربوع لا يسوى جفرة والارنب لا يسوى عناقا.
قلما رأيتهم ذهبوا في دواب الصيد على تقارب الابدان لا القيم لما وصفت ولانهم حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى، ولو حكموا بالقيم لا ختلفت أحكامهم لا ختلاف البلدان والازمان ولقالوا فيه قيمته كما قالوا في الجرادة ووجدت مذاهبهم مجتمعة على الفرق بين الحكم في الدواب والطائر لما وصفت من أن في الدواب مثلا من النعم وفى الجرادة من الطائر قيمة وفيما دون الحمام (قال الشافعي) ثم وجدت مذاهبهم تفرق بين الحمام وبين الجرادة لان العلم يحيط أن ليس يسوى حمام مكة شاة وإذا كان هذا هكذا فإنما فيه اتباعهم لانا لا نتوسع في خلافهم، إلا إلى مثلهم ولم نعلم
مثلهم خالفهم، والفرق بين حمام مكة وما دونه من صيد الطير يقتله المحرم لا يجوز فيه إلا أن يقال بما تعرف العرب من أن الحمام عندهم أشرف الطائر وأغلاه ثمنا بأنه الذى كانت تؤلف في منازلهم وتراه أعقل الطائر وأجمعه للهداية بحيث يؤلف، وسرعة الالفة وأصواته التي لها عندهم فضل لاستحسانهم هديرها وأنهم كانوا يستمتعون بها لاصواتها وإلفها وهدايتها وفراخها وكانت مع هذا مأكولة ولم يكن شئ من مأكول الطائر ينتفع به عندها إلا لان يؤكل فيقال كل شئ من الطائر سمته العرب حمامة ففيه شاة وذلك الحمام
__________
(1) قوله: من بذلك أمرك يا كعب، كذا في بعض النسخ وفى بعضها من بذلك لعلك بذلك يا كعب.
وحرر الرواية فإن العبارة هنا لا تخلو من تحريف ولا يلتئم معها قوله بعد " قال نعم " وقوله قال إن حمير، في بعض نسخ المسند.
قال ابن حصين إن حمير الخ.
كتبه مصححه.(2/215)
نفسه واليمام والقمارى والدباسى والفواخت وكل ما أوقعت العرب عليه اسم حمامة (قال الشافعي) وقد كان من العرب من يقول حمام الطائر ناس الطائر أي يعقل عقل الناس وذكرت العرب الحمام في أشعارها: فقال الهذلي: وذكرني بكاى على تليد * حمامة أن تجاوبت الحماما وقال الشاعر: أحن إذا حمامة بطن وج * تغنت فوق مرقبة حنينا وقال جرير: إنى تذكرني الزبير حمامة * تدعو بمدفع رامتين هديلا قال الربيع وقال الشاعر: وقفت على الرسم المحيل فهاجنى * بكاء حمامات على الرسم وقع (قال الشافعي) مع شعر كثير قالوه فيها، ذهبوا فيه إلى ما وصفت من أن أصواتها غناء وبكاء معقول عندهم وليس ذلك في شئ من الطائر غير ما وقع عليه اسم الحمام (قال الشافعي) فيقال فيما وقع عليه اسم الحمام من الطائر، فيه شاة لهذا الفرق باتباع الخبر عمن سميت في حمام مكة ولا أحسبه يذهب فيه مذهب أشبه بالفقه من هذا المذهب، ومن ذهب هذا المذهب انبغى أن يقول ما لم يقع عليه اسم حمامة مما دونها أو فوقها ففيه قيمته في الموضع الذى يصاب فيه.
(الخلاف في حمام مكة) (قال الشافعي) وقد ذهب ذاهب إلى أن في حمام مكة شاة وما سواه من حمام غير حمام مكة وغيره
من الطائر قيمته (قال الشافعي) ويدخل على الذى قال في حمام مكة شاة إن كان إنما جعله لحرمة الحمام نفسه أن يجعل على من قتل حمام مكة خارجا من الحرم وفى غير إحرام شاة (قال الشافعي) ولا شئ في حمام مكة إذا قتل خارجا من الحرم وقتله غير محرم وإذا كان هذا مذهبنا ومذهبه فليس لحمام مكة إلا ما لحمام غير مكة وإن كان ذهب إلى أنه جمع أنه في الحرم ومن حمام مكة انبغى أن يقول هذا في كل صيد غيره قتل في الحرم (قال الشافعي) ومذهبنا ومذهبه أن الصيد يقتله المحرم القارن في الحرم كالصيد يقتله المحرم المفرد أو المعتمر خارجا من الحرم وما قال من هذا قول إذا كشف لم يكن له وجه ولا يصح أن يقول في حمام الحرم فيه شاة ولا يكون في غير حمام الحرم شاة إذا كان قوله إن حمام الحرم إذا أصيب خارجا منه في غير إحرام فلا شئ فيه أخبرنا سعيد بن سالم عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة أنه قال: إن أصاب المحرم حمامة خارجا من الحرم فعليه درهم وإن أصاب من حمام الحرم في الحرم فعليه شاة (قال الشافعي) وهذا وجه من القول الذي حكيت قبله وليس له وجه يصح من قبل أنه يلزمه أن يجعل في حمام مكة إذا أصيب خارجا من الحرم وفى غير إحرام فدية ولا أحسبه يقول هذا ولا أعلم أحدا يقوله وقد ذهب عطاء في صيد الطير مذهبا يتوجه ومذهبنا الذى حكينا أصح منه لما وصفت والله أعلم.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في كل شئ صيد من الطير الحمامة فصاعدا شاة وفي البعقوب والحجلة والقطاة والكروان والكركي وابن الماء ودجاجة الحبش والخرب شاة شاة فقلت لعطاء: أرأيت الخرب فإنه أعظم شئ رأيته قط من صيد الطير أيختلف أن يكون فيه شاة؟ قال: لا.
كل شئ من صيد الطير كان حمامة فصاعدا ففيه شاة (قال الشافعي) وإنما تركناه(2/216)
على عطاء لما وصفنا وأنه كان يلزمه إذا جعل في الحمامة شاة لا لفضل الحمامة ومباينتها ما سواها أن يزيد فيما جاوزها من الطائر عليها لا يستقيم إلا هذا إذا لم يفرق بينهما بما فرقنا به بينهما.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في القمرى والدبسى شاة شاة (قال الشافعي) وعامة الحمام ما وصفت، ما عب في الماء عبا من الطائر فهو حمام، وما شربه قطرة قطرة كشرب الدجاج فليس بحمام.
وهكذا أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء.
(بيض الحمام) (قال الشافعي) رحمه الله وفى بيض حمام مكة وغيره من الحمام وغيره مما يبيض من الصيد الذى يؤدى فيه قيمته (قال الشافعي) كما قلنا في بيض النعامة بالحال التي يكسرها بها، فإن كسرها لا فرخ فيها ففيها قيمة بيضة وإن كسرها وفيها فرخ ففيها قيمة بيضة فيها فرخ لو كانت لانسان فكسرها غيره وإن كسرها فاسدة فلا شئ عليه فيها كما لا يكون عليه شئ فيها لو كسرها لاحد (قال الشافعي) وقول عطاء.
في بيض الحمام خلاف قولنا فيه أخبرنا سعيد عن ابن جريج انه قال لعطاء: كم في بيضة حمام مكة؟ (قال) نصف درهم بين البيضتين درهم وإن كسرت بيضة فيها فرخ ففيها درهم (قال الشافعي) أرى عطاء أراد بقوله هذا القيمة يوم قاله فإن كان أراد هذا فالذي نأخذ به قيمتها في كل ما كسرت.
وإن كان أراد بقوله أن يكون قوله هذا حكما فيها، فلا نأخذ به.
(الطير غير الحمام) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لم أر (1) الضوع أو الضوع شك الربيع فإن كان حماما ففيه شاة (قال الشافعي) الضوع طائر دون الحمام وليس يقع عليه اسم الحمام ففيه قيمته وفى كل طائر اصابه المحرم غير حمام ففيه قيمته كان أكبر من الحمام أو أصغر وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في الصيد " فجزاء مثل ما قتل " (قال الشافعي) فخرج الطائر من أن يكون له مثل وكان معروفا بأنه داخل في التحريم فالمثل فيه بالقيمة إذا كان لا مثل له من النعم وفيه أن هذا قياس على قول عمر وابن عباس في الجرادة وقول من وافقهم فيها وفى الطائر دون الحمام وقد قال عطاء في الطائر قولا إن كان قاله لانه يومئذ ثمن الطائر فهو موافق قولنا، وإن كان قاله تحديدا له خالفناه فيه للقياس على قول عمر وابن عباس وقوله وقول غيره في الجراد وأحسبه عمد به إلى ان يحدد به ولا يجوز أن يحدد إلا بكتاب أو سنة أو أمر لم يختلف فيه أو قياس ولولا أنه لم يختلف في حمام مكة ما فديناه بشاة لانه ليس بقياس وبذلك تركنا على عطاء تحديده في الطائر فوق الحمام ودونه وفى بيض الحمام ولم نأخذ ما أخذنا من قوله إلا بأمر وافق كتابا أو سنة أو أثرا لا مخالف له أو قياسا، فإن قال قائل: ماحد ما قال عطاء فيه؟ (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قال لى عطاء في العصافير قولا بين لى فيه وفسر قال؟ أما
__________
(1) قوله: الضوع، في القاموس: أنه بوزن صرد وعنب فلعل محل شك الربيع الاختلاف في وزنه الذى حكاه صاحب القاموس.
كتبه مصححه.(2/217)
العصفور ففيه نصف درهم: قال عطاء وأرى الهدهد دون الحمامة وفوق العصفور ففيه درهم قال عطاء والكعيت عصفور (قال الشافعي) ولما قال من هذا تركنا قوله إذا كان في عصفور نصف درهم عنده، وفى هدهد درهم لانه بين الحمامة وبين العصفور فكان ينبغى أن يجعل في الهدهد لقربه من الحمامة أكثر من درهم قال ابن جريج قال عطاء: فأما الوطواط وهو فوق العصفور ودون الهدهد ففيه ثلثا درهم.
(باب الجراد) أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سئل ابن عباس عن صيد الجراد في الحرم فقال: لا، ونهى عنه قال أنا قلت له أو رجل من القوم فإن قومك يأخذونه وهم محتبون في المسجد؟ فقال: لا يعلمون أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثله إلا أنه قال: منحنون (قال الشافعي) ومسلم أصوبهما وروى الحفاظ عن ابن جريج منحنون أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الجرادة يقتلها وهو لا يعلم؟ قال إذا يغرمها، الجرادة صيد، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرنا بكير بن عبد الله قال سمعت القاسم بن محمد يقول كنت جالسا عند ابن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم.
فقال ابن عباس: فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة جرادات ولكن ولو (قال الشافعي) وقوله ولنأخذن بقبضة جرادات إنما فيها القيمة وقوله " ولو " يقول تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن أبى عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب روى الحديث وهو معاد (قال الشافعي) قول عمر " درهمان خير من مائة جرادة " يدل على أنه لا يرى في الجراد إلا قيمته وقوله " اجعل ما جعلت في نفسك أنك هممت بتطوع بخير فافعل لا أنه عليك " (قال الشافعي) والدبا جراد صغار ففى الدباة منه أقل من تمرة إن شاء الذى يفديه أو لقمة صغيرة وما فدى به فهو خير منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن الدبا أقتله؟ قال: لا، ها الله إذا فإن قتلته فأغرم قلت
ما أغرم؟ قال قدر ما تغرم في الجرادة ثم أقدر قدر غرامتها من غرامة الجرادة أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء: قتلت وأنا حرام جرادة أو دبا وأنا لا أعلمه أو قتل ذلك بعيرى وأنا عليه قال أغرم كل ذلك تعظم بذلك حرمات الله (قال الشافعي) إذا كان المحرم على بعيره أو يقوده أو يسوقه غرم ما أصاب بعيره منه وإن كان بعيره متفلتا لم يغرم ما أصاب بعيره منه أخبرنا سعيد عن طلحة بن عمرو عن عطاء أنه قال في جرادة إذا ما أخذها المحرم، قبضة من طعام.
(بيض الجراد) (قال الشافعي) إذا كسر بيض الجراد فداه وما فدى به كل بيضة منه من طعام فهو خير منها وإن أصاب بيضا كثيرا أحتاط حتى يعلم انه أدى قيمته أو أكثر من قيمته قياسا على بيض كل صيد.(2/218)
(باب العلل فيما أخذ من الصيد لغير قتله) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في إنسان أخذ حمامة يخلص ما في رجلها فماتت؟ قال ما أرى عليه شيئا (قال الشافعي) ومن قال هذا القول قاله إذا أخذها ليخلصها من شئ ما كان من في هر أو سبع أو شق جدار لحجت فيه أو أصابتها لدغة فسقاها ترياقا أو غيره ليداويها وكان أصل أخذها ليطرح ما يضرها عنها أو يفعل بها ما ينفعها لم يضمن وقال: هذا في كل صيد (قال الشافعي) وهذا وجه محتمل ولو قال رجل هو ضامن له وإن كان أراد صلاحا فقد تلف على يديه كان وجها محتملا والله أعلم.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء بيضة حمامة وجدتها على فراشي؟ فقال: أمطها عن فراشك قال ابن جريج فقلت لعطاء وكانت في (1) سهوة أو في مكان في البيت كهيئة ذلك معتزل قال: فلا تمطها أخبرنا سعيد عن طلحة عن عطاء قال لا تخرج بيضة الحمامة المكية وفرخها من بيتك (قال الشافعي) وهذا قول وبه آخذ، فإن أخرجها فتلفت ضمن وهذا وجه يحتمل من أن له أن يزيل عن فراشه إذا لم يكسره فلو فسدت بإزالته بنقل الحمام عنها لم يكن عليه فدية ويحتمل إن فسدت بإزالته أن تكون عليه فدية، ومن قال هذا قال الحمام لو وقع على فراشه فأزاله عن فراشه فتلف بإزالته عن فراشه كانت عليه فيه فدية، كما أزال عمر الحمام عن ردائه فتلف بإزالته ففداه أخبرنا
سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: وإن كان جراد أو دبا وقد أخذ طريقك كلها ولا تجد محيصا عنها ولا مسلكا فقتلته فليس عليك غرم (قال الشافعي) يعنى إن وطئته، فقأما ان تقتله بنفسه بغير الطريق فتغرمه لا بد (قال الشافعي) وقوله هذا يشبه قوله في البيضة تماط عن الفراش وقد يحتمل ما وصفت من أن هذا كله قياس على ما صنع عمر بن الخطاب في إزالته الحمام عن ردائه فأتلفته حية ففداه.
(نتف ريش الطائر) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن مجاهد عن ابيه وعن عطاء قالا من نتف ريش حمامة أو طير من طير الحرم فعليه فداؤه بقدر ما نتف (قال الشافعي) وبهذا نقول، يقوم الطائر عافيا ومنتوفا ثم يجعل فيه قدر ما نقصه من قيمته ما كان يطير ممتنعا من أن يؤخذ ولا شئ عليه غير ذلك فإن تلف بعد فالاحتياط أن يفديه بجميع ما فيه لا بما ذهب منه لانه لا يدرى لعله تلف من نتفه والقياس لا شئ عليه إذا طار ممتنعا حتى يعلم أنه مات من نتفه (قال) وإن كان المنتوف من الطائر غير ممتنع فحبسه في بيته أو حيث شاء فألقطه وسقاه حتى يطير ممتنعا فدى ما نقص النتف منه ولا شئ عليه غير ذلك (قال الشافعي) وإن أخر فداءه فلم يرد ما يصنع فداه احتياطا والقياس أن لا يفديه حتى يعلمه تلف (قال الشافعي) وما أصابه في حال نتفه فأتلفه ضمن فيه التالف لانه منعه الامتناع، وإن طار طيرانا غير ممتنع به كان
__________
(1) السهوة: بالفتح كالصفة بين يدى البيت وقيل هي شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشئ وقيل هي بيت صغير منحدر في الارض سمكه مرتفع في السماء شبيه بالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع ولها معان غير ذلك، مذكورة في اللسان فارجع إليه كتبه مصححه.(2/219)
كمن لا يطير في جميع جوابنا حتى يكون طيرانه طيرانا ممتنعا ومن رمى طيرا فجرحه جرحا يمتنع معه أو كسره كسرا لا يمتنع معه فالجواب فيه كالجواب في نتف ريش الطائر سواء لا يخالفه، فإن حبسه حتى يجبر ويصير ممتنعا قوم صحيحا ومكسورا ثم غرم فضل ما بين قيمته من قيمة جزائه وإن كان جبر أعرج لا يمتنع كله لانه صيره غير ممتنع بحال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إن رمى حرام
صيدا فأصابه ثم لم يدر ما فعل الصيد فليغرمه (قال الشافعي) وهذا احتياط وهو أحب إلي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أراه عن عطاء قال في حرام أخذ صيدا ثم أرسله فمات بعدما أرسله يغرمه، قال سعيد بن سالم إذا لم يدر لعله مات من أخذه إياه أو مات من إرساله له، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إن أخذته ابنته فلعبت به فلم يدر ما فعل فليتصدق (قال الشافعي) الاحتياط أن يجزيه ولا شئ عليه في القياس حتى يعلمه تلف.
(الجنادب والكدم) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء كيف ترى في قتل (1) الكدم والجندب أتراهما بمنزلة الجرادة؟ قال: لا.
الجرادة صيد يؤكل وهما لا يؤكلان وليستا بصيد فقلت: أقتلهما؟ فقال: ما أحب فإن قتلتهما فليس عليك شئ (قال الشافعي) إن كانا لا يؤكلان فهما كما قال عطاء سواء، لا احب أن يقتلا وإن قتلا فلا شئ فيهما وكل ما لا يؤكل لحمه فلا يفديه المحرم.
(قتل القمل) أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح قال سمعت ميمون بن مهران قال كنت عند ابن عباس فسأله رجل فقال أخذت قملة فألقيتها ثم طلبتها فلم أجدها فقال ابن عباس " تلك ضالة لا تبتغى " (قال الشافعي) من قتل من المحرمين قملة ظاهرة على جسده أو ألقاها أو قتل قملا حلال فلا فدية عليه والقملة ليست بصيد ولو كانت صيدا كانت غير مأكولة فلا تفدى وهى من الانسان لا من الصيد وإنما قلنا إذا أخرجها من رأسه فقتلها أو طرحها افتدى بلقمة وكل ما افتدى به أكثر منها وإنما قلنا يفتدى إذا أخرجها من رأسه فقتلها أو طرحها لانها كالاماطة للاذى فكرهناه كراهية قطع الظفر والشعر (قال الشافعي) والصئبان كالقمل فيما أكره من قتلها وأجيز.
المحرم يقتل الصيد الصغير أو الناقص (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فجزاء مثل ما قتل من النعم " (قال الشافعي) والمثل مثل صفة ما قتل وشبهه، الصحيح بالصحيح والناقص بالناقص والتام بالتام (قال الشافعي) ولا تحتمل الآية إلا هذا ولو تطوع فأعطى بالصغير والناقص تاما كبيرا كان أحب إلى ولا يلزمه ذلك.
أخبرنا سعيد
__________
(1) الكدم: ضبطه في المحكم بفتحتين، وقال: إنه ضرب من الجنادب.
كتبه مصححه.(2/220)
بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت لو قتلت صيدا فإذا هو أعور أو أعرج أو منقوص فمثله أغرم إن شئت؟ قال: نعم.
قال ابن جريج فقلت له وواف أحب إليك؟ قال: نعم.
أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج أنه قال إن قتلت ولد ظبى ففيه ولد شاة مثله أو قتلت ولد بقرة وحشى ففيه ولد بقرة أنسى مثله.
قال: فإن قتلت ولد طائر ففيه ولد شاة مثله فكل ذلك على ذلك.
ما يتوالد في أيدى الناس من الصيد (1) وأهل بالقرى أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت كل صيد قد اهل بالقرى فتوالد بها من صيد الطير وغيره أهو بمنزلة الصيد؟ قال: نعم.
ولا تذبحه وإنت محرم ولا ما ولد في القربة، اولادها بمنزلة أمهاتها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر ولم يسمعه منه أنه كان يرى داجنة الطير والظباء بمنزلة الصيد (قال الشافعي) بهذا كله نأخذ ولا يجوز فيه إلا هذا ولو جاز إذا تحولت حال الصيد عن التوحش إلى الاستئناس أن يصير حكمه حكم الانسى جاز للمحرم ذبحه وأن يضحى به ويجزى به ما قتل من الصيد وجاز إذا توحش الانسى من الابل والبقر والشاء أن يكون صيدا يجزيه المحرم لو ذبحه أو قتله ولا يضحى به ولا يجزى به غيره، ولكن كل هذا على أصله (قال الشافعي) وإذا اشترك الوحشى في الولد أو الفرخ، لم يجز للمحرم قتله فإن قتله فداه كله كاملا.
وأى أبوى الولد والفرخ كان اما أو أبا وذلك أن ينزو حمار وحشى أتانا أهلية أو حمار أهلى أتانا وحشية فتلد أو يعقوب دجاجة أو ديك يعقوبة فتبيض أو تفرخ فكل هذا إذا قتله المحرم فداه من قبل أن المحرم منه على المحرم يختلط بالحلال له لا يتميز منه وكل حرام اختلط بحلال فلم يتميز منه حرم كاختلاط الخمر بالمأكول وما أشبه هذا وإن أشكل على قاتل شئ من هذا أخلطه وحشى أو لم يخلطه أو ما قتل منه وحشى أو إنسى فداه احتياطا ولم يجب فداؤه حتى يعلم أن قد قتل وحشيا أو ما خالطه وحشى أو كسر بيض وحشى أو ما خالطه وحشى.
(مختصر الحج المتوسط)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: ميقات أهل المدينة من ذى الحليفة ومن وراء المدينة من أهل الشام والمغرب ومصر وغيرها من الحجفة وأهل تهامة اليمن يلملم وأهل نجد اليمن وكل نجد قرن وأهل المشرق، ذات عرق، ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي والمواقيت لاهلها ولكل من مر عليها ممن أراد حجا أو عمرة فلو مر مشرقي أو مغربي أو شامى أو مصرى أو غيره بذى الحليفة كانت ميقاته وهكذا لو مر مدنى بميقات غير ميقاته ولم يأت من بلده كان ميقاته ميقات أهل البلد الذى مر به والمواقيت في الحج والعمرة والقرآن سواء (قال) ومن سلك على غير المواقيت برا أو بحرا أهل إذا حاذى المواقيت ويتأخى حتى يهل من جدر المواقيت أو من ورائه، ولا بأس أن يهل
__________
(1) أهل: من باب علم، أي استأنس بالقرى.(2/221)
أحد من وراء المواقيت إلا أنه لا يمر بالميقات إلا محرما فإن ترك الاحرام حتى يجاوز الميقات رجع إليه فإن لم يرجع إليه أهراق دما (قال) وإذا كان الميقات قرية أهل من أقصاها مما يلى بلده وهكذا إذا كان الميقات وأديا أو ظهرا أهل من أقصاه مما يلى بلده من الذى هو أبعد من الحرم وأقل ما عليه فيه أن يهل من القرية لا يخرج من بيوتها أو من الوادي أو من الظهر إلا محرما ولو أنه أتى على ميقات من المواقيت لا يريد حجا ولا عمرة فجاوزه لم يحرم ثم بدا له أن يحرم أحرم من الموضع الذى بدا له وذلك ميقاته ومن كان أهله دون الميقات مما يلى الحرم فميقاته من حيث يخرج من أهله لا يكون له أن يجاوز ذلك إلا محرما فإن جاوزه غير محرم ثم أحرم بعد ما جاوزه رجع حتى يهل من أهله وكان حراما في رجوعه ذلك، وإن لم يرجع إليه أهراق دما.
(الطهارة للاحرام) (قال الشافعي) أستحب للرجل والمرأة الطاهر والحائض والنفساء الغسل للاحرام فإن لم يفعلوا فأهل رجل على غير وضوء أو جنبا فلا إعادة عليه ولا كفارة، وما كانت الحائض تفعله كان للرجل أن يفعله جنبا وغير متوضئ.
(اللبس للاحرام)
(قال الشافعي) يجتمع الرجل والمرأة في اللبوس في الاحرام في شئ ويفترقان في غيره فأما ما يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بطيب ولا ثوبا فيه طيب، والطيب الزعفران والورس وغير ذلك من أصناف الطيب وإن أصاب ثوبا من ذلك شئ فغسل حتى يذهب ريحه فلا يوجد له ريح إذا كان الثوب يابسا أو مبلولا فلا بأس أن يلبسه وإن لم يذهب لونه ويلبسان الثياب المصبغة كلها بغير طيب مثل الصبغ بالسدر والمدر والسواد والعصفر وإن نفض، وأحب إلى في هذا كله أن يلبس البياض وأحب إلى أن تكون ثيابهما جددا أو مغسولة وإن لم تكن جددا ولا مغسولة فلا يضرهما ويغسلان ثيابهما ويلبسان من الثياب ما لم يحرما فيه، ثم لا يلبس الرجل عمامة ولا سراويل ولا خفين ولا قميصا ولا ثوبا محيطا مما يلبس بالخياطة مثل القباء والدراعة وما أشبهه ولا يلبس من هذا شيئا من حاجة إليه إلا أنه إذا لم يجد إزارا لبس سراويل ولم يقطعه وإذا لم يجد نعلين لبس خفين وقطعهما أسفل من الكعبين أخبرنا سفيان قال سمعت عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد ازارا لبس سراويل " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لا يجد نعلين يلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين " (قال الشافعي) وإذا اضطر المحرم إلى لبس شئ غير السراويل والخفين لبسه وافتدى والفدية صيام ثلاثة أيام أو نسك شاة أو صدقة على ستة مساكين مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وتلبس المرأة الخمار والخفين ولا تقطعهما والسراويل من غير ضرورة والدرع والقميص والقباء وحرمها من لبسها في وجهها فلا تخمر وجهها وتخمر رأسها، فإن خمرت وجهها عامدة افتدت وإن خمر المحرم رأسه عامدا افتدى وله أن يخمر وجهه وللمرأة أن تجافى الثوب عن وجهها تستتر به(2/222)
وتجافى الخمار ثم تسدله على وجهها لا يمس وجهها ويلبس الرجل والمرأة المنطقة للدراهم والدنانير فوق الثياب وتحتها (قال) وإن لبست المرأة والرجل ما ليس لهما أن يلبساه ناسيين أو تطيبا ناسيين لاحرامهما أو جاهلين لما عليهما في ذلك غسلا الطيب ونزعا الثياب ولا فدية عليهما، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقطعة وبه أثر
صفرة فقال " أحرمت بعمرة وعلى ما ترى " فقال النبي " ماكنت فاعلا في حجك؟ " قال أنزع المنطقة وأغسل هذه الصفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فافعل في عمرتك ما تفعل في حجك " (قال الشافعي) ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة ولا بأس أن تلبس المرأة المحرمة القفازين كان سعد بن أبى وقاص يأمر بناته أن يلبسن القفازين في الاحرام ولا تتبرقع المحرمة (قال الشافعي) وإذا مات المحرم لم يقرب طيبا وغسل بماء وسدر ولم يلبس قميصا وخمر وجهه ولم يخمر رأسه يفعل به في الموت كما يفعل هو بنفسه في الحياة أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل محرم عن بعيره (1) فوقص فمات فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما فإنه يبعث يوم القيامة مهلا أو ملبيا " قال سفيان وأخبرني إبراهيم بن أبى جرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فيه " ولا تقربوه طيبا " أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان فعل بابن له مات محرما شبيها بهذا (قال الشافعي) ويستظل المحرم على المحمل والراحلة والارض بما شاء ما لم يمس رأسه.
(الطيب للاحرام) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب وهشام بن عروة أو عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى هاتين لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، وزاد عثمان بن عروة عن أبيه قلت بأى شئ؟ قالت بأطيب الطيب أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن عائشة بنت سعد أنها طيبت أباها للاحرام بالسك والذريرة، أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد ولا أعلم إلا وقد سمعته من الحسن عن أبيه قال رأيت ابن عباس محرما وفى رأسه ولحيته مثل الرب من الغالية (قال الشافعي) ولا بأس أن يتطيب المحرمان الرجل والمرأة بأقصى غاية الطيب الذى يبقى من غالية ونضوح وغيره لان الطيب كان في الاحلال وإن بقى في الاحرام شئ فالاحرام شئ أحدث بعده، وإذا أحرما فليس لهما أن يتطيبا ولا أن يمسا طيبا فإن مساه بأيديهما عامدين وكان يبقى أثره وريحه فعليهما الفدية، وسواء قليل
ذلك وكثيره وإن كان يابسا وكان لا يبقى له أثر فإن بقى له ريح فلا فدية ولا بأس أن يجلسا عند العطار ويدخلا بيته ويشتريا الطيب ما لم يمساه بشئ من أجسادهما وأن يجلسا عند الكعبة وهى تجمر وأن يمساها ما لم تكن رطبة فإن مساها وهما لا يعلمان أنها رطبة فعلقت بأيديهما غسلا ذلك ولا شئ عليهما
__________
(1) الوقص: كسر العنق، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.(2/223)
وإن عمدا أن يمساها رطبة فعلقت بأيديهما افتديا ولا يدهنان ولا يمسان شيئا من الدهن الذى يكون طيبا وذلك مثل البان المنشوش والزنبق والخيري والادهان التي فيها الابقال وإن مسا شيئا من هذا عامدين افتديا وإن شما الريحان افتديا وإن شما من نبات الارض ما يكون طيبا مما لا يتخذه الناس طيبا فلا فدية وكذلك إن أكلا التفاح أو شماه أو الاترج أو السفرجل أو ما كان طعاما فلا فدية فيه وإن أدخلا الزعفران أو الطيب في شئ من الطعام فكان يوجد ريحه أو طعمه أو يصبغ اللسان فأكلاه افتديا وإن لم يوجد ريحه ولا طعمه ولا يصبغ اللسان فلا فدية لانه قد صار مستهلكا في الطعام وسواء كان نيئا أو نضيجا لا فرق بين ذلك ويدهنان جميع أجسادهما بكل ما أكلا مما ليس بطيب من زيت وشيرق وسمن وزبد (1) وسقسق ويستعطان ذلك إذا اجتنبا أن يدهنا الرأس أو يدهن الرجل اللحية فإن هذين موضع الدهن فإن دهن الرجل أو المرأة الرأس أو الرجل اللحية بأى هذا كان افتدى وإن احتاجا إلى أن يتداويا بشئ من الطيب تداويا به وافتديا (قال) وكل ما كرهت للمحرم أن يشمه أو يلبسه من طيب أو شئ فيه طيب كرهت له النوم عليه وإن نام عليه مفضيا إليه بجلده افتدى، وإن نام وبينه ثوب فلا فدية عليه.
(التلبية) (قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أن يحرم كان ممن حج أو لم يكن فواسع له أن يهل بعمرة وواسع له أن يهل بحج وعمرة وواسع له أن يفرد وأحب إلى أن يفرد لان الثابت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج (قال الشافعي) وتكفيه النية في هذا كله من أن يمسى
حجا أو عمرة فإن سمى قبل الاحرام أو معه فلا بأس (قال) وإن لبى بحج وهو يريد عمرة فهو عمرة وإن لبى بعمرة وهو يريد حجا فهو حج وإن لبى لا يريد حجا ولا عمرة فليس بحج ولا عمرة وإن لبى ينوى الاحرام ولا ينوى حجا ولا عمرة فله الخيار أن يجعله أيهما شاء وإن لبى وقد نوى أحدهما فنسى فهو قارن لا يجزيه غير ذلك لانه إن كان معتمرا فقد جاء بالعمرة وزاد حجا وإن كان حاجا فقد جاء بحج وعمرة وإن كان قارنا فقد جاء بالقران وإذا لبى قال " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ولا أحب أن يزيد على هذا في التلبية حرفا إلا أن يرى شيئا يعجبه فيقول " لبيك إن العيش عيش الآخرة " فإنه لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاد في التلبية حرفا غير هذا عند شئ رآه فأعجبه وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى رضاه والجنة واستعاذه برحمته من النار فإنه يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) ويلبى قائما وقاعدا وراكبا ونازلا وجنبا ومتطهرا وعلى كل حال ويرفع صوته بالتلبية في جميع المساجد مساجد الجماعات وغيرها وفى كل موضع من المواضع، وليس على المرأة رفع الصوت بالتلبية لتسمع نفسها وكان السلف يستحبون التلبية عند اضطمام الرفاق وعند الاشراف، والهبوط وخلف الصلوات
__________
(1) قوله: وسقسق، كذا في النسخ، ولم نقف له على ضبط ولا معنى، فحرره.
كتبه مصححه.(2/224)
وفى الاسحار وفى استقبال الليل ونحن نبحه على كل حال.
(الصلاة عند الاحرام) (قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أن يبتدئ الاحرام أحببت له أن يصلى نافلة ثم يركب راحلته فإذا استقلت به قائمة وتوجهت للقبلة سائرة أحرم وإن كان ماشيا فإذا توجه ماشيا أحرم (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم " فإذا رحتم متوجهين إلى منى فأهلوا " (قال الشافعي) وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يره يهل حتى تنبعث به راحلته (قال الشافعي) فإن أهل قبل ذلك أو أهل في إثر مكتوبة إذا
صلى أو في غير إثر صلاة فلا بأس إن شاء الله تعالى ويلبى الحاج والقارن وهو يطوف بالبيت وعلى الصفا والمروة وفى كل حال وإذا كان إماما فعلى المنبر بمكة وعرفة ويلبى في الموقف بعرفة وبعد ما يدفع وبالمزدلفة وفى موقف مزدلفة وحين يدفع من مزدلفة إلى أن يرمى الجمرة بأول حصاة ثم يقطع التلبية أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال أخبرني الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من جمع إلى منى فلم يزل يلبى حتى رمى الجمرة، أخبرنا سفيان عن محمد بن أبى حرملة عن كريب عن ابن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، ولبى عمر حتى رمى الجمرة وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى رمت الجمرة وابن عباس حتى رمى الجمرة وعطاء وطاوس ومجاهد (قال) ويلبى المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال يلبى المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم (قال) وسواء في التلبية من أحرم من وراء الميقات أو الميقات أو دونه أو المكى أو غيره.
(الغسل بعد الاحرام) (قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس أن يغتسل المحرم متبردا أو غير متبرد يفرغ الماء على رأسه وإذا مس شعره رفق به لئلا ينتفه وكذلك لا بأس أن يستنقع في الماء ويغمس رأسه اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم محرما، أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزرى عن عكرمة عن ابن عباس قال ربما قال لى عمر " تعال أماقلك في الماء أينا أطول نفسا؟ " ونحن محرمان أخبرنا سفيان أن ابنا لعمر وابن أخيه تماقلا في الماء بين يديه وهما محرمان فلم ينههما (قال الشافعي) ولا بأس أن يدخل المحرم الحمام أخبرنا الثقة إما سفيان وإما غيره عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبى نجيح أن الزبير بن العوام أمر بوسخ في ظهره فحك وهو محرم.
(غسل المحرم جسده) (قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس أن يدلك المحرم جسده بالماء وغيره ويحكه حتى يدميه إن شاء(2/225)
ولا بأس أن يحك رأسه ولحيته وأحب إذا حكهما أن يحكهما ببطون أنامله لئلا يقطع الشعر وإن حكهما أو مسهما فخرج في يديه من شعرهما أو شعر أحدهما شئ أحببت له أن يفتدى احتياطا ولا فدية عليه حتى يعلم أن ذلك خرج من فعله وذلك أنه قد يكون الشعر ساقطا في الرأس واللحية فإذا مسه تبعه والفدية في الشعرة مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة يتصدق به على مسكين وفى الاثنتين مدان على مسكينين وفى الثلاث فصاعدا دم ولا يجاوز بشئ من الشعر وإن كثر دم.
(ما للمحرم ان يفعله) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم (قال الشافعي) فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر وكذلك يفتح العرق ويبط الجرح ويقطع العضو للدواء ولا شئ عليه في شئ من ذلك فلو احتاط إذا قطع عضوا فيه شعر افتدى كان أحب إلى وليس ذلك عليه بواجب لانه لم يقطع الشعر إنما قطع العضو الذى له أن يقطعه ويختتن المحرم ويلصق عليه الدواء ولا شئ عليه ولو حج أغلف أجزأ عنه وإن داوى شيئا من قرحه وألصق عليه خرقة أو دواء فلا فدية عليه في شئ من الجسد إلا أن يكون ذلك في الرأس فتكون عليه الفدية.
(ما ليس للمحرم أن يفعله) (قال الشافعي) رحمه الله وليس للمحرم أن يقطع شيئا من شعره ولا شيئا من أظفاره وإن انكسر ظفر من أظفاره فبقى متعلقا فلا بأس أن يقطع ما انكسر من الظفر وكان غير متصل ببقية الظفر ولا خير في أن يقطع منه شئ موتصل بالبقية لانه حينئذ ليس بثابت فيه وإذا أخذ ظفرا من أظفاره أو بعض ظفر أطعم مسكينا وإن أخذ ظفرا ثانيا أطعم مسكينين فإن أخذ ثلاثة في مقام واحد أهراق دما وإن أخذها متفرقة أطعم عن كل ظفر مدا وكذلك الشعر وسواء النسيان والعمد في الاظفار والشعر وقتل الصيد لانه شئ يذهب فلا يعود ولا بأس على المحرم أن يقطع أظفار المحل وأن يحلق شعره وليس للمحل أن يقطع أظفار المحرم ولا يحلق شعره فإن فعل بأمر المحرم فالفدية على المحرم وإن فعله بغير أمر المحرم راقد أو مكره افتدى المحرم ورجع بالفدية على المحل.
(باب الصيد للمحرم) (قال الشافعي) رحمه الله وصيد البر ثلاثة أصناف صنف يؤكل وكل ما أكل منه فهو صنفان طائر ودواب فما أصاب من الدواب نظر إلى أقرب الاشياء من المقتول من الصيد شبها من النعم والنعم الابل والبقر والغنم فيجزى به ففى النعامة بدنة وفى بقرة الوحش بقرة وفى حمار الوحشى بقرة وفى الثيتل بقرة وفى الغزال عنز وفى الضبع كبش، وفى الارنب عناق وفى اليربوع جفرة وفى صغار أولادها صغار(2/226)
أولاد هذه فإذا أصيب من هذا عور أو مكسور فدى مثله أعور أو مكسورا وأن يفديه بصحيح أحب إلى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في الضبع بكبش وفى الغزال بعنز وفى الارنب بعناق وفى اليربوع بجفرة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزرى عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة، أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق أن أربد أوطأ ضبا (1) ففرز ظهره فأتى عمر فسأله فقال عمر ما ترى؟ فقال جدى قد جمع الماء والشجر فقال: عمر فذاك فيه أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبى السفر أن عثمان بن عفان رضى الله عنه قضى في أم حبين بحملان من الغنم (2) والحملان الحمل أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال لو كان معى حكم لحكمت في الثعلب بجدى أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في صغار الصيد صغار الغنم وفى المعيب منها المعيب من الغنم ولو فداها بكبار صحاح من الغنم كان أحب إلى (قال) وإذا ضرب الرجل صيدا فجرحه فلم يدر أمات أم عاش؟ فالذي يلزمه عندي فيه قيمة ما نقصه الجرح فإن كان ظبيا قوم صحيحا وناقصا فإن نقصه العشر فعليه العشر من ثمن شاة، وهكذا إن كان بقرة أو نعامة وإن قتله إنسان بعد فعليه شاة مجروحة وإن فداه بصحيحة كان أحب إلي وأحب إلي إذا جرحه فغاب عنه أن يفديه احتياطا ولو كسره كان هكذا عليه أن يطعمه حتى يبرأ ويمتنع فإن لم يمتنع فعليه فدية تامة ولو أنه ضرب ظبيا ما خضا فمات كان عليه قيمة شاة ما خض يتصدق بها من قبل أنى لو قلت له أذبح شاة ماخضا كانت شرا من شاة غير ماخض للمساكين فإذا أردت الزيادة لهم لم أزدد لهم ما أدخل به النقص عليهم ولكني ازداد لهم في الثمن وأعطيهموه طعاما (قال) وإذا قتل
المحرم الصيد الذى عليه جزاؤه جزاه إن شاء بمثله فإن لم يرد أن يجزيه بمثله قوم المثل دراهم ثم الدراهم طعاما ثم تصدق بالطعام وإذا أراد الصيام صام عن كل مد يوما ولا يجزيه أن يتصدق بالطعام ولا باللحم إلا بمكة أو منى فإن تصدق به بغير مكة أو منى أعاد بمكة أو منى ويجزيه في فوره ذلك قبل أن يحل وبعدما يحل فإن صدر ولم يجزه بعث بجزائه حتى يجزى عنه فإن جزاه بالصوم صام حيث شاء، لانه لا منفعة لمساكين الحرم في صيامه وإذا أصاب المحرم الصيد خطأ أو عمدا جزاه وإذا أصاب صيدا جزاه ثم كلما عاد جزى ما أصاب فإن أصابه ثم أكله فلا زيادة عليه في الاكل وبئس ما صنع وإذا أصاب المحرمان أو الجماعة صيدا فعليهم كلهم جزاء واحد (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الملك ابن قريب عن ابن سيرين أن عمر قضى هو ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك هو عبد الرحمن بن عوف على رجلين أوطآ ظبيا فقتلاه بشاة وأخبرني الثقة عن حماد بن سلمة عن زياد مولى بنى مخزوم وكان ثقة أن قوما حرما أصابوا صيدا فقال لهم ابن عمر عليكم جزاء، فقالوا على كل واحد منا جزاء أم علينا كلنا جزاء واحد؟ فقال ابن عمر إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد
__________
(1) قوله: ففزر بفاء وزاى آخره راء مهملة أي شقه وفسخه كما في اللسان، وتقدم في باب الضب بلفظ ففقر بقاف بعد الفاء وهو تحريف والصواب ما هنا لان صاحب اللسان ذكر الحديث في مادة " ف زر " فليعلم.
(2) قوله: والحملان، الحمل، في الكلام سقط.
فإن الحمل مفرد وجمعه حملان.
كتبه مصححه.(2/227)
(قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في النفر يشتركون في قتل الصيد قال: عليهم كلهم جزاء واحد (قال) وهذا موافق لكتاب الله عزوجل لان الله تبارك وتعالى يقول " فجزاء مثل ما قتل من النعم " وهذا مثل ومن قال عليه مثلان فقد خالف معنى القرآن.
(طائر الصيد) (قال الشافعي) الطائر صنفان حمام وغير حمام، فما كان منه حماما ذكرا أو أنثى ففدية الحمامة منه
شاة اتباعا وأن العرب لم تزل بين الحمام وغيره من الطائر وتقول الحمام سيد الطائر والحمام كل ما هدر وعب في الماء وهي تسميه أسماء جماعة الحمام وتفرق به بعد أسماء وهى الحمام واليمام والدباسى والقمارى والفواخت وغيره مما هدر أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه قضى في حمامة من حمام مكة بشاة (قال الشافعي) وقال ذلك عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وعبد الله بن عمر وعاصم بن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء (قال) وهذا إذا أصيبت بمكة أو أصابها المحرم (قال) وما كان من الطائر ليس بحمام ففيه قيمته في الموضع الذى يصاب فيه قلت أو كثرت (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن بكير بن عبد الله عن القاسم عن ابن عباس أن رجلا سأله عن محرم أصاب جرادة فقال: يتصدق بقبضة من طعام وقال ابن عباس: وليأخذن بقبضه جرادات (1) ولكن على ذلك رأى (قال الشافعي) وقال عمر في الجرادة تمرة (قال الشافعي) وكل ما فدى من الصيد فباض مثل النعامة والحمامة وغيرها فأصيب بيضة ففيه قيمته في الموضع الذى يصاب فيه كقيمته لو أصيب لانسان وما أصيب من الصيد لانسان فعلى المحرم قيمته دراهم أو دنانير لصاحبه وجزاؤه للمساكين وما أصاب المحرم من الصيد في الحل والحرم قارنا كان أو مفردا أو معتمرا فجزاؤه واحد لا يزاد عليه في تباعد الحرم عليه لان قليل الحرم وكثيره سواء إذا منع بها الصيد، وكل ما أصاب المحرم إلى أن يخرج من إحرامه مما عليه فيه الفدية فداه وخروجه من العمرة بالطواف والسعى والحلق أو التقصير وخروجه من الحج خروجان فالاول الرمى والحلاق فلو أصاب صيدا خارجا من الحرم لم يكن عليه جزاؤه لانه قد خرج من جميع إحرامه إلا النساء وهكذا لو طاف بالبيت أو حلق بعد عرفة وإن لم يرم ويأكل المحرم الصيد ما لم يصده أو يصد له (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبى يحيى عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لحم الصيد حلال لكم في الاحرام ماله تصيدوه أو يصد لكم " (قال الشافعي) وهكذا رواه سليمان بن بلال (قال الشافعي) وأخبرنا الدراوردى عن عمرو بن أبى عمرو عن رجل من بنى سلمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحم الصيد " حلال لكم في الاحرام ما لم تصيدوه أو يصد لكم " (قال الشافعي) ابن أبى يحيى أحفظ من الدراوردى (قال الشافعي) ولو
__________
(1) قوله: ولكن على ذلك رأى كذا في النسخ هنا وتقدم هذا الحديث بلفظ ولكن ولو قال الشافعي قوله وليأخذن بقبضة جرادات إنما فيها القيمة وقوله ولكن ولو يقول تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد ما أعلمتك انه أكثر مما عليك اه كتبه مصححه.(2/228)
أن محرما صيد من أجله صيد فذبحه غيره فأكله هو أكل محرما عليه ولم يكن عليه جزاؤه لان الله تعالى إنما جعل جزاءه بقتله وهو لم يقتله وقد يأكل الميتة وهى محرمة فلا يكون عليه جزاء ولو دل محرم حلالا على صيد أو أعطاه سلاحا أو حمله على دابة ليقتله فقتله لم يكن عليه جزاء وكان مسيئا كما أنه لو امره بقتل مسلم كان القصاص على القاتل لا على الآمر وكان الآمر آثما (قال) ولو صاد حلال صيدا فاشتراه منه محرم أو اتهبه فذبحه كان عليه جزاؤه لانه قاتل له، والحلال يقتل الصيد في الحرم مثل المحرم يقتله في الحرم والاحرام ويجزيه إذا قتله.
(قطع شجر الحرم) (قال الشافعي) ومن قطع من شجر الحرم جزاه، حلالا كان أو حراما، وفي الشجرة الصغيرة شاة وفى الكبيرة بقرة ويروى هذا عن ابن الزبير وعطاء (قال الشافعي) وللمحرم أن يقطع الشجر في غير المحرم لان الشجر ليس بصيد.
(ما لا يؤكل من الصيد) (قال الشافعي) ومالا يؤكل لحمه من الصيد صنفان صنف عدو عاد، ففيه ضرر وفيه أنه لا يؤكل فيقتله المحرم وذلك مثل الاسد والذئب والنمر والغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ويبدأ هذا المحرم ويقتل صغاره وكباره لانه صنف مباح ويبتدئه وإن لم يضره وصنف لا يؤكل ولا ضرر له مثل البغاثة والرخمة واللحكاء والقطا والخنافس والجعلان ولا أعلم في مثل هذا قضاء فأمره بابتدائه وإن قتله فلا فدية عليه لانه ليس من الصيد أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال: لا يفدى المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه (قال) وهذا موافق معنى القرآن والسنة ويقتل المحرم القردان والحمنان والحلم (1) والكتالة والبراغيث والقملان إلا أنه إذا كان القمل في رأسه لم أحب أن يفلى عنه
لانه إماطة أذى وأكره له قتله وآمره أن يتصدق فيه بشئ وكل شئ تصدق به فهو خير منه من غير أن يكون واجبا وإذا ظهر له على جلده طرحه وقتله.
وقتله من الحلال (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن ميمون بن مهران قال جلست إلى ابن عباس فجلس إليه رجل لم أر رجلا أطول شعرا منه فقال: " أحرمت وعلى هذا الشعر " فقال ابن عباس " اشتمل على ما دون الاذنين منه " قال " قبلت امرأة ليست بامرأتي " قال " زنا فوك " قال " رأيت قملة فطرحتها " قال " تلك الضالة لا تبتغى " أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب يقود بعير له في طين بالسقيا وهو محرم (قال الشافعي) قال ابن عباس: لا بأس أن يقتل المحرم القراد والحلمة.
__________
(1) الكتاله: كذا في النسخ وبدون نقط في بعضها ولم نعثر له على ضبط فحرره، وقوله: والقملان، هو بكسر القاف جمع قمال بالضم، لغة في القمل، كغراب وغربان.(2/229)
(صيد البحر) (قال الشافعي) قال الله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة " وقال الله عز وجل " وما يستوى البحر ان هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا " (قال الشافعي) فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر وسواء كان في الحل والحرم يصاد ويؤكل لانه مما لم يمنع بحرمة شئ وليس صيده الا ما كان يعيش في أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوى إلى أرض فيه فهو من صيد البر إذا اصيب جزى.
(دخول مكة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحب للرجل إذا أراد دخول مكة أن يغتسل في طرفها ثم يمضى إلى البيت ولا يعرج فيبدأ بالطواف وإن ترك الغسل أو عرج لحاجة فلا بأس عليه وإذا رأى البيت قال " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " فإذا انتهى إلى الطواف اضطبع فأدخل رداءه تحت منكبه الايمن ورده على منكبه الايسر حتى يكون منكبه الايمن
مكشوفا ثم استلم الركن الاسود إن قدر على استلامه وقال عند استلامه " اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم " ثم يمضى عن يمينه فيرمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ليس بينهما مشى ويمشى أربعة فإن كان الزحام (1) شيئا لا يقدر على أن يرمل فكان إذا وقف لم يؤذ أحدا وقف حتى ينفرج له ما بين يديه ثم يرمل وإن كان يؤذى أحدا في الوقوف مشى مع الناس بمشيهم وكلما انفرجت له فرجة رمل وأحب إلى لو تطرف حتى يخرج من الناس حاشية ثم يرمل فإن ترك الرمل في طواف رمل في اثنين وإن تركه في اثنين رمل في واحد وإن تركه في الثلاثة لم يقض، إذا ذهب موضعه لم يقضه فيما بقى ولا فدية عليبه ولا إعادة وسواء تركه ناسيا أو عامدا إلا أنه مسئ في تركه عامدا وهكذا الاضطباع والاستلام إن تركه فلا فدية ولا إعادة عليه (قال) وأحب إلى أن يستلم فيما قدر عليه ولا يستلم من الاركان إلا الحجر واليماني يستلم اليماني بيده ثم يقبلها ولا يقبله ويستلم الحجر بيده ويقبلها ويقبله إن أمكنه التقبيل ولم يخف على عينيه ولا وجهه أن يجرح وأحب كلما حاذى به أن يكبر وأن يقول في رمله " اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا نغفورا وسعيا مشكورا " ويقول في الاطواف الاربعة " اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم إنك أنت الاعز الاكرم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فإذا فرغ من طوافه صلى خلف المقام ركعتين فيقرأ في الاولى ب " قل يا أيها الكافرون " وفى الاخرى ب " قل هو الله أحد " وكل واحدة منهما بعد أم القرآن ثم يعود إلى الركن فيستلمه وحيثما صلى أجزأه وما قرأ مع أم القرآن أجزأه وإن ترك استلام الركن اليماني فلا شئ عليه ولا يجزيه الطواف بالبيت ولا الصلاة إلا طاهرا ولا يجزئه من الطواف بالبيت أقل من سبع تام فإن خرج قبل سبع فسعى بين الصفا والمروة ألغى سعيه حتى يكون سعيه بعد
__________
(1) شيئا: كذا في النسخ، ولعلها محرفة عن " شديدا " فانظر.
كتبه مصححه.(2/230)
سبع كامل على طهارة وإن قطع عليه الطواف للصلاة بنى من حيث قطع عليه وإن انتقض وضوؤه أو رعف خرج فتوضأ ثم رجع فبنى من حيث قطع (1) وهكذا إن انتقض وضوؤه وإن تطاول ذلك استأنف الطواف وإن شك في طوافه فلم يدر خمسا طاف أو أربعا؟ بنى على اليقين وألغى الشك حتى
يستيقن ان قد طاف سبعا تاما أو أكثر.
(الخروج إلى الصفا) (قال الشافعي) وأحب إلى أن يخرج إلى الصفا من باب الصفا ويظهر فوقه في موضع يرى منه البيت ثم يستقبل البيت فيكبر ويقول " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما هدانا وأولانا ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو ويلبى ثم يعود فيقول مثل هذا القول حتى يقوله ثلاثا ويدعو فيما بين كل تكبيرتين بما بدا له في دين أو دنيا ثم ينزل يمشى حتى إذا كان دون الميل الاخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الاخضرين اللذين بفناء المسجد ودار العباس ثم يمشى حتى يرقى على المروة حتى يبدو له البيت إن بدا له ثم يصنع عليها ما صنع على الصفا حتى يكمل سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وأقل ما عليه في ذلك أن يستوفى ما بينهما مشيا أو سعيا وإن لم يظهر عليهما ولا على واحد منهما ولم يكبر ولم يدع ولم يسع في السعي فقد ترك فضلا ولا إعادة ولا فدية عليه وأحب إلى أن يكون طاهرا في السعي بينهما وإن كان غير طاهر جنبا أو على غير وضوء لم يضره لان الحائض تفعله وإن أقيمت الصلاة وهو يسعى بين الصفا والمروة دخل فصلى ثم رجع فبنى من حيث قطع وإن رعف أو انتقض وضوؤه انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى والسعى بين الصفا والمروة واجب لا يجزى غيره ولو تركه رجل حتى جاء بلده فكان معتمرا كان حراما من كل شئ حتى يرجع وإن كان حاجا قد رمى الجمرة وحلق كان حراما من النساء حتى يرجع ولا يجزى بين الصفا والمروة إلا سبع كامل فلو صدر ولم يكمله سبعا فإن كان إنما ترك من السابع ذراعا كان كهيئته لو لم يطف ورجع حتى يبتدئ طوافا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبى رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني (2) بنت أبى تجزأة إحدى نساء بنى عبد الدار قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار ابن أبى الحسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي
حتى إنى لاقول إنى لا أرى ركبتيه وسمعته يقول " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبى نجيح عن أبيه قال أخبرني من رأى عثمان بن عفان رضى الله عنه يقوم في حوض في أسفل الصفا ولا يظهر عليه (قال الشافعي) وليس على النساء رمل بالبيت ولا
__________
(1) قوله: وهكذا إن انتقض وضوؤه كذا في النسخ وهو مكرر مع قوله قبله " وإن انتقض وضوؤه " فانظر.
(2) بنت أبى تجزأة، في القاموس: اسمها حبيبة، وتجزأة بضم فسكون ففتح.(2/231)
بين الصفا والمروة ويمشين على هينتهن وأحب للمشهورة بالجمال ان تطوف وتسعى ليلا وإن طافت بالنهار سدلت ثوبها على وجهها أو طافت في ستر ويطوف الرجل والمرأة بالبيت وبين الصفا والمروة ماشيين ولا بأس أن يطوفا محمولين من علة وإن طافا محمولين من غير علة فلا إعادة عليهما ولا فدية، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن (1) عبيدالله بن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالافاضة وأفاض في نسائه ليلا وطاف بالبيت يستلم الركن بمحجنه أظنه قال: ويقبل طرف المحجن.
(الرجل يطوف بالرجل يحمله) (قال الشافعي) وإذا كان الرجل محرما فطاف بمحرم صبى أو كبير يحمله ينوى بذلك أن يقضى عن الكبير والصغير طوافه وعن نفسه فالطواف طواف المحمول لا طواف الحامل وعليه الاعادة وعليه أن يطوف لانه كمن لم يطف.
(ما يفعل المرء بعد الصفا والمروة) (قال الشافعي) إذا كان الرجل معتمرا فإن كان معه هدى أحببت له إذا فرغ من الصفا والمروة أن ينحره قبل أن يحلق أو يقصر وينحره عند المروة وحيثما نحره من مكة أجزأه وإن حلق أو قصر قبل أن
ينحره فلا فدية عليه وينحر الهدى وسواء كان الهدى واجبا أو تطوعا وإن كان قارنا أو حاجا أمسك عن الحلق فلم يحلق حتى يرمى الجمرة يوم النحر ثم يحلق أو يقصر والحلق أحب إلى وإن كان الرجل أصلع ولا شعر على رأسه أو محلوقا أمر الموسى على رأسه وأحب إلى لو أخذ من لحيته وشاربيه حتى يضع من شعره شيئا لله وإن لم يفعل فلا شئ عليه لان النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية وليس على النساء حلق الشعر ويؤخذ من شعورهن قدر أنملة ويعم بالاخذ وإن أخذ أقل من ذلك أو من ناحية من نواحى الرأس ماكان ثلاث شعرات فصاعدا أجزأ عنهن وعن الرجال وكيفما أخذوا بحديدة أو غيرها أو نتفا أو قرضا، أجزأ إذا وقع عليه اسم اخذ، وكان شئ موضوعا منه لله عزوجل يقع عليه اسم جماع شعر وذلك ثلاث شعرات فصاعدا.
(ما يفعل الحاج والقارن) (قال الشافعي) وأحب للحاج والقارن أن يكثر الطواف بالبيت وإذا كان يوم التروية أجببت أن
__________
(1) عبيد الله بن عبد الله بن عباس، كذا في بعض النسخ، وفى بعضها " عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس " وانظر.
كتبه مصححه.(2/232)
يخرجا إلى " منى " ثم يقيما بها حتى يصليا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يغدوا إذا طلعت الشمس على ثيبر وذلك أول بزوغها ثم يمضيا حتى يأتيا عرفة فيشهدا الصلاة مع الامام ويجمعا بجمعه بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس وأحب للامام مثل ما أحببت لهما ولا يجهر يومئذ بالقراءة لانها ليست بجمعة ويأتى المسجد إذا زالت الشمس فيجلس على المنبر فيخطب الخطبة الاولى فإذا جلس أخذ المؤذن في الاذان وأخذ هو في الكلام وخفف الكلام الآخر حتى ينزل بقدر فراغ المؤذن من الاذان فيقيم المؤذن فيصلى الظهر ثم يقيم المؤذن إذا سلم الامام من الظهر فيصلى العصر ثم يركب فيروح إلى الموقف عند موقف الامام عند الصخرات ثم يستقبل القبلة فيدعو حتى الليل ويصنع ذلك الناس وحيثما وقف الناس من عرفة أجزأهم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذا الموقف وكل عرفة موقف " ويلبى في الموقف ويقف قائما وراكبا ولا فضل عندي للقيام على الركوب إن كانت معه دابة إلا أن يعلم
أنه يقوى فلا يضعف فلا بأس أن ينزل فيقوم ولو نزل فجلس لم يكن عليه شئ وحيثما وقف من سهل أو جبل فسواء وأقل ما يكفيه في عرفة حتى يكون به مدركا للحج أن يدخلها وإن لم يقف ولم يدع فيما بين الزوال إلى طلوع الفجر من ليلة النحر فمن لم يدرك هذا فقد فاته الحج، وأحب إلى لو تفرغ يومئذ للدعاء ولو اتجر أو تشاغل عن الدعاء لم يفسد عليه حجه ولم يكن عليه فيه فدية، ولو خرج من عرفة بعد الزوال وقبل مغيب الشمس كان عليه أن يرجع فيما بينه وبين طلوع الفجر فإن فعل فلا فدية عليه وإن لم يفعل فعليه الفدية والفدية ان يهريق دماء وإن خرج منها ليلا بعد ما تغيب الشمس ولم يكن وقف قبل ذلك نهارا فلا فدية عليه وعرفة ما جاوز وادى عرنة الذى فيه المسجد وليس المسجد ولا وادى عرنة من عرفة إلى الجبال القابلة على عرفة كلها مما يلى حوائط ابن عامر وطريق الحصن فإذا جاوزت ذلك فليس من عرفة وإن ترك الرجل المرور ب " منى " في البداءة فلا شئ عليه وكذلك إن مر بها وترك المنزل ولا يدفع من عرفة حتى تغيب الشمس ويبين مغيبها.
(باب ما يفعل من دفع من عرفة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب إذا دفع من عرفة أن يسير على هينته راكبا كان أو ماشيا وإن سار أسرع من هينته ولم يؤذ أحدا لم أكره وأكره أن يؤذى فإن أذى فلا فدية عليه وأحب أن يسلك بين المأزمين وإن سكك طريق ضب فلا بأس عليه ولا يصلى المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة فيصليهما فيجمع بينهما بإقامتين ليس معهما أذان وإن أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاهما دون المزدلفة والمزدلفة من حين يفضى من مأزمى عرفة وليس المأزمان من المزدلفة إلى أن يأتي قرن محسر وقرن محسر ما عن يمينك وشمالك من تلك المواطن القوابل والظواهر والشعاب والشجار كلها من المزدلفة ومزدلفة منزل فإذا خرج منه رجل بعد نصف الليل فلا فدية عليه وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد إلى المزدلفة افتدى والفدية شاة يذبحها ويتصدق بها وأحب أن يقيم حتى يصلى الصبح في أول وقتها ثم يقف عل قزح حتى يسفر وقبل تطلع الشمس ثم يدفع وحيثما وقف من مزدلفة أو نزل أجزأه وإن استأخر من مزدلفة إلى أن تطلع الشمس أو بعد ذلك كرهت ذلك له ولا فدية عليه وإن ترك المزدلفة فلم ينزلها ولم يدخلها فيما بين نصف الليل الاول إلى صلاة الصبح افتدى وإن دخلها في ساعة من هذا الوقت فلا
فدية عليه ثم يسير من المزدلفة على هينته كما وصفت السير من عرفة وأحب أن يحرك في بطن محسر قدر(2/233)
رمية حجر فإن لم يفعل فلا شئ عليه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه وأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة وزاد أحدهما على الآخر واجتمعا في المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولن: أشرق ثبير كيما نغير.
فأخر الله تعالى هذه وقدم هذه.
يعنى قدم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر وأخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر وعن سعيد ابن عبد الرحمن بن يربوع عن أبى الحويرث قال رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح وهو يقول " أيها الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا " ثم دفع فرأيت فخذه مما يحرش بعيره بمحجنه (قال الشافعي) أخبرنا الثقة ابن أبى يحيى أو سفيان أو هما عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر كان يحرك في بطن محسر ويقول: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها (قال الشافعي) أخبرنا سفيان أنه سمع عبيدالله بن أبى يزيد يقول سمعت ابن عباس يقول كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم من ضعفه أهله، يعنى من المزدلفة إلى منى.
(دخول منى) (قال الشافعي) أحب أن لا يرمى أحد حتى تطلع الشمس ولا بأس عليه أن يرمى قبل طلوع الشمس وقبل الفجر إذا رمى بعد نصف الليل أخبرنا داود بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه قال دار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر إلى أم سلمة فأمرها أن تعجل الافاضة من جمع ترمى الجمرة وتوافى صلاة الصبح بمكة وكان يومها فأحب أن توافيه أخبرنا الثقة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وهذا لا يكون إلا وقد رمت الجمرة قبل الفجر بساعة ولا يرمى يوم النحر إلا جمرة العقبة وحدها ويرميها راكبا وكذلك يرميها يوم النفر راكبا ويمشى في اليومين الآخرين أحب إلى،
وإن ركب فلا شئ عليه أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني أيمن بن نابل قال أخبرني قدامة بن عبد الله ابن عمار الكلابي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة على ناقته الصهباء ليس ضرب ولا طرد وليس قيل إليك إليك (قال الشافعي) وأحب إلى أن يأخذ حصى الجمرة يوم النحر من مزدلفة ومن حيثما أخذه أجزأه وكذلك في أيام منى كلها من حيث أخذه أجزأه إلا أنى أكرهه من ثلاثة مواضع من المسجد لئلا يخرج حصى المسجد منه وأكرهه من الحش لنجاسته ومن كل موضع نجس وأكرهه من الجمرة لانه حصى غير متقبل وأنه قد رمى به مرة وإن رماها بهذا كله أجزأه (قال) ولا يجزى الرمى إلا بالحجارة وكل ما كان يقع عليه اسم حجر من مرو أو مرمر أو حجر برام أو كذان أو صوان أجزأه وكل ما لا يقع عليه اسم حجر لا يجزيه مثل الآجر والطين المجموع مطبوخا كان أو نيئا والملح والقوارير وغير ذلك مما لا يقع عليه اسم الحجارة، فمن رمى بهذا أعاد وكان كمن لم يرم ومن رمى الجمار من فوقها أو تحتها أو بحذائها من أي وجه لم يكن عليه شئ ولا يرمى الجمار في شئ من أيام منى غير يوم النحر إلا بعد الزوال ومن رماها قبل الزوال أعاد ولا يرمى منها شئ بأقل من سبع حصيات(2/234)
فإن رماها بست ست أو كان معه حصى إحدى وعشرون فرمى الجمار ولم يدر: أي جمرة رمى بست عاد فرمى الاولى بواحدة حتى يكون على يقين من انه قد أكمل رميها بسبع ثم رمى الاثنتين بسبع سبع وإن رمى بحصاة فأصابت إنسانا أو محملا ثم استنت حتى أصابت موضع الحصى من الجمرة أجزأت عنه وإن وقعت فنفضها الانسان أو البعير فأصابت موقف الحصى لم تجز عنه لو رمى إنسان بحصاتين أو ثلاث أو أكثر في مرة لم يكن إلا كحصاة واحدة وعليه أن يرمى سبع مرات وأقل ما عليه في الرمى أن يرمى حتى يوقع حصاه في موضع الحصى وإن رمى بحصاة فغابت عنه فلم يدر أين وقعت أعادها ولم تجز عنه حتى يعلم أنها قد وقعت في موضع الحصى ويرمى الجمرتين الاولى والوسطى يعلوهما علوا ومن حيث رماهما أجزأه ويرمى جمرة العقبة من بطن الوادي ومن حيث رماها أجزأه وإذا رمى الجمرة الاولى تقدم عنها فجعلها في قفاه في الموضع الذى لا يناله ما تطاير من الحصى ثم وقف فكبر وذكر الله ودعا بقدر سورة البقرة ويصنع مثل ذلك عند الجمرة الوسطى إلا أنه يترك الوسطى بيمين لانها على
أكمة لا يمكنه غير ذلك ويقف في بطن المسيل منقطعا عن أن يناله الحصى ولا يصنع ذلك عند جمرة العقبة ويصنعه في أيام منى كلها وإن ترك ذلك فلا إعادة عليه ولا فدية ولا بأس إذا رمى الرعاء الجمرة يوم النحر أن يصدروا ويدعوا المبيت ب " منى " ويبيتوا في إبلهم (1) ويقيموا ويدعوا الرمي الغد من بعد يوم النحر ثم يأتوا بعد الغد من يوم النحر وذلك يوم النفر الاول فيبتدئوا فيرموا لليوم الماضي الذى أعيوه في الابل حتى إذا أكملوا الرمى أعادوا على الجمرة الاولى فاستأنفوا رمى يومهم ذلك فإن أرادوا الصدر فقد قضوا ما عليهم من الرمى وإن رجعوا إلى الابل أو أقاموا بمنى لا يريدون الصدر رموا الغد وهو يوم النفر الاخر (قال) ومن نسى رمى جمرة من الجمار نهارا رماها ليلا ولا فدية عليه وكذلك لو نسى رمى الجمار حتى يرميها في آخر أيام منى وسواء رمى جمرة العقبة إذا نسيه أو رمى الثلاث إذا رمى ذلك في أيام الرمى فلا شئ عليه وإن مضت أيام الرمى وقد بقيت عليه ثلاث حصيات لم يرم بهن أو أكثر من جميع الرمى فعليه دم وإن بقيت عليه حصاة فعليه مد وإن بقيت حصاتان فمدان وإن بقيت عليه ثلاث فدم وإذا تدارك عليه رميان ابتدأ الرمى الاول حتى يكمله ثم عاد فابتدأ الآخر ولا يجزيه أن يرمى في مقام واحد بأربع عشرة حصاة فإن أخر ذلك إلى آخر أيام منى فلم يكمل جميع ما عليه من الرمى إلى أن تغيب الشمس افتدى كما وصفت الفدية في ثلاث حصيات فصاعدا دم ولا رمى إذا غابت الشمس (قال) وكذلك لو نفر يوم النفر الاول ثم ذكر أنه قد بقى عليه الرمى أهراق دما ولو احتاط فرمى لم أكره ذلك ولا شئ عليه لانه قطع الحج وله القطع ويرمى عن المريض الذى لا يستطيع الرمى وقد قيل يرمى المريض في يد الذى يرمى عنه ويكبر فإن فعل فلا بأس وإن لم يفعل فلا شئ عليه فإن صح في أيام منى فرمى ما رمى عنه أحببت ذلك له فإن لم يفعل فلا شئ عليه ويرمى عن الصبى الذى لا يستطيع الرمى فإن كان يعقل أن يرمى إذا أمر رمى عن نفسه وإذا رمى الرجل عن نفسه ورمى عن غيره أكمل الرمى عن نفسه ثم عاد فرمى عن غيره كما يفعل إذا تدارك عليه رميان وأحب إذا رمى أن يرفع يديه حتى يرى بياض ما تحت منكبيه ويكبر مع كل حصاة وإن ترك ذلك فلا فدية عليه (قال) وإذا كان الحصى نجسا أحببت غسله أو ذلك إن شككت في نجاسته لئلا ينجس اليد
__________
(1) ويقيموا، كذا في النسخ، وكذلك قوله بعد " أعيوه " ولعل هنا تحريفا من النساخ،
والاصل " ويعتموا " بالعين المهملة وبعدها مثناة فوقية وكذلك عتموا، فانظر.
وحرر.(2/235)
أو الازار وإن لم يفعل ورمى به أجزأه ويرمى الجمار بقدر حصى الخذف لا يجاوز ذلك أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار بمثل حصى الخذف أخبرنا سفيان عن حميد بن قيس عن محمد عن ابراهيم بن الحرث التيمى عن رجل من قومه من بنى تيم يقال له معاذ أو ابن معاذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ينزل الناس بمنى منازلهم وهو يقول: ارموا ارموا بمثل حصى الخذف (قال الشافعي) (1) والخذف ما خذف به الرجل وقدر ذلك أصغر من الانملة طولا وعرضا وإن رمى بأصغر من ذلك أو أكبر كرهت ذلك وليس عليه إعادة.
(ما يكون بمنى غير الرمى) (قال الشافعي) وأحب للرجل إذا رمى الجمرة فكان معه هدى أن يبدأ فينحره أو يذبحه ثم يحلق أو يقصر ثم يأكل من لحم هديه ثم يفيض فإن ذبح قبل أن يرمى أو حلق قبل أن يذبح أو قدم نسكا قبل نسك مما يعمل يوم النحر فلا حرج ولا فدية (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال " اذبح ولا جرج " فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمى قال " ارم ولا حرج " قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج (قال الشافعي) ولو أفاض قبل أن يرمى فطاف كان عليه أن يرمى ولم يكن عليه إعادة الطواف ولو أخر الافاضة حتى تمضى أيام منى أو بعد ذلك لم يكن عليه فدية ولا وقت للعمل في الطواف (قال الشافعي) ولا يبيت أحد من الحاج إلا بمنى ومنى ما بين العقبة وليست العقبة من منى إلى بطن محسر وليس بطن محسر من منى وسواء سهل ذلك وجبله فيما أقبل على منى فأما ما أدبر من الجبال فليس من منى ولا رخصة لاحد في ترك المبيت عن منى إلا رعاء الابل وأهل السقاية سقاية العباس بن عبد المطلب دون السقايات ولا رخصة فيها لاحد من اهل السقايات إلا لمن ولى القيام عليها منهم وسواء من استعملوا عليها من غيرهم أو هم (قال
الشافعي) أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لاهل السقاية من أهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالى منى (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء مثله وزاد عطاء من أجل سقايتهم (قال الشافعي) ومن بات عن منى غير من سميت تصدق في ليلة بدرهم وفى ليلتين بدرهمين وفى ثلاث بدم (قال) ولا بأس إذا كان الرجل أكثر ليله بمنى أن يخرج من أول ليلة أو آخره عن منى (قال الشافعي) ولو أن رجلا لم يفض فأفاض فشغله الطواف حتى يكون ليله أكثره بمكة لم يكن عليه فدية من قبل أنه كان لازما له من عمل الحج وأنه كان له أن يعمله في ذلك الوقت ولو كان عمله إنما هو تطوع افتدى وكذلك لو كان إنما هو لزيارة أحد أو حديثه، ومن غابت له الشمس يوم النفر الاول بمنى ولم يخرج منها نافرا فعليه أن يبيت تلك الليلة
__________
(1) قوله: والخذف ما خذف الخ كذا في الاصل، وانظر.
كتبه مصححه.(2/236)
ويرمى من الغد ولكنه لو خرج منها قبل أن تغيب الشمس نافرا ثم عاد إليها مارا أو زائرا لم يكن عليه شئ إن بات ولم يكن عليه لو بات أن يرمى من الغد.
(طواف من لم يفض ومن أفاض) (قال الشافعي) ومن قدم طوافه للحج قبل عرفة بالبيت وبين الصفا والمروة فلا يحل حتى يطوف بالبيت سبعا وليس عليه أن يعود للصفا والمروة وسواء كان قارنا أو مفردا ومن أخر الطواف حتى يرجع من منى فلا بد أن يطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، وسواء كان قارنا أو مفردا، والقارن والمفرد سواء في كل امرهما إلا ان على القارن دما وليس ذلك على المفرد ولان القارن قد قضى حجة الاسلام وعمرته وعلى المفرد إعادة عمرته فأما ما أصابا مما عليهما فيه الفدية فهما فيه سواء وسواء الرجل والمرأة في هذا كله إلا أن المرأة تخالف الرجل في شئ واحد فيكون على الرجل ان يودع البيت وإن طاف بعد منى، ولا يكون على المرأة وداع البيت إذا طافت بعد منى إن كانت حائضا وإن كانت طاهرا فهى مثل الرجل لم يكن لها أن تنفر حتى تودع البيت وإذا كانت لم تطف بالبيت بعد منى لم يكن لها أن تنفر حتى تطوف وليس على كريها ولا على رفقائها ان يحتسبوا عليها وحسن لو فعلوا (قال) وإذا نفر الرجل قبل أن يودع البيت فإن كان قريبا والقريب دون ما تقتصر فيه الصلاة أمرته بالرجوع وإن بلغ ما
تقصر فيه الصلاة بعث بدم يهراق عنه بمكة فلو أنه عمد ذلك كان مسيئا ولم يكن ذلك مفسدا لحجه وأجزأه من ذلك دم يهريقه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سليمان الاحول عن طاوس عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض (قال) ولو طاف رجل بالبيت الطواف الواجب عليه ثم نسى الركعتين (1) الواجبة حتى يسعى بين الصفا والمروة لم يكن عليه إعادة، وهكذا تقول في كل عمل يصلح في كل موضع والصلاة في كل موضع وكان عليه أن يصلى ركعتي الطواف حيث ذكرهما من حل أو حرم.
(الهدى) (قال الشافعي) الهدى من الابل والبقر والغنم، وسواء البخت والعراب من الابل والبقر والجواميس والضأن والمعز، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشئ الذى سمى صغيرا كان أو كبيرا ومن لم يسم شيئا أو لزمه هدى ليس بجزاء من صيد فيكون عدله فلا يجزيه.
من الابل ولا البقر ولا المعز إلا ثنى فصاعدا ويجزيه الذكر والانثى ويجزى من الضأن وحده الجذع والموضع الذى يجب عليه فيه الحرم لا محل للهدى دونه إلا أن يسمى الرجل موضعا من الارض فينحر فيه هديا أو يحصر رجل بعدو فينحر حيث أحصر ولا هدى إلا في الحرم لا في غير ذلك (قال) والاختيار في الهدى أن يتركه صاحبه مستقبل القبلة ثم يقلده نعلين ثم يشعره في الشق الايمن.
والاشعار
__________
(1) قوله: الواجبة.
كذا في جميع النسخ وهي وصف للصلاة المستفادة من الركعتين كما هو ظاهر.
كتبه مصححه.(2/237)
في الهدى أن يضرب بحديدة في سنام البعير أو سنام البقر حتى يدمى والبقر والابل في ذلك سواء ولا يشعر الغنم ويقلد الرقاع وخرب القرب ثم يحرم صاحب الهدى مكانه وإن ترك التقليد والاشعار فلا شئ عليه وإن قلده وأشعر وهو لا يريد الاحرام فلا يكون محرما (قال) وإذا ساق الهدى فليس له أن يركبه إلا من ضرورة وإذا اضطر إليه ركبه ركوبا غير فادح له وله أن يحمل الرجل المعيى والمضطر على هديه وإذا كان الهدى أنثى فنتجت فإن تبعها فصيلها ساقه وإن لم يتبعها حمله عليها وليس له أن يشرب من لبنها
إلا بعد رى فصيلها وكذلك ليس له أن يسقى أحدا وله أن يحمل فصيلها وإن حمل عليها من غير ضرورة فأعجفها غرم قيمة ما نقصها وكذلك إن شرب من لبنها ما ينهك فصيلها غرم قيمة اللبن الذى شرب، وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت أو وجهها بكلام فقال هذه هدى، فليس له أن يرجع فيها ولا يبدلها بخير ولا بشر منها كانت زاكية أو غير زاكية وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها وإنما أنظر في الهدى إلى يوم يوجب، فإن كان وافيا ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج أو ما لا يكون به وافيا على الابتداء لم يضره إذا بلغ المنسك، وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل أن ينحر لم يجز عنه ولم يكن له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره أو يكون أصله واجبا فلا يجزي عنه فيه إلا واف، والهدى هديان هدى أصله تطوع فذلك إذا ساقه فعطب فأدرك ذكاته فنحره أحببت له أن يغمس قلادته في دمه ثم يضرب بها صفحته ثم يخلى بين الناس وبينه يأكلونه، فإن لم يحضره أحد تركه بتلك الحال وإن عطب فلم يدرك ذكاته فلا بدل عليه في واحدة من الحالين فإن أدرك ذكاته فترك أن يذكيه أو ذكاه فأكله أو أطعمه أغنياء أو باعه فعليه بدله وإن أطعم بعضه اغنياء وبعضه مساكين أو أكل بعضه وخلى بين الناس وبين ما بقى منه غرم قيمة ما أكل وما أطعم الاغنياء فيتصدق به على مساكين الحرم لا يجزيه غير ذلك، وهدى واجب فذلك إذا عطب دون الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بذله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على مساكين كان عليه بدله لانه قد خرج من أن يكون هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله وإذا ساق المتمتع الهدى معه أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلى وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين فرض في الابدان فلا يكون إلا بعد الوقت وفرض في الاموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض وهكذا إن ساقه مفردا متطوعا به والاختيار إذا ساقه معتمرا أن ينحره بعدما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث نحره من فجاج مكة أجزأه والاختيار في الحج أن ينحره (1) يعنى بعد أن يرمى جمرة العقبة وقبل أن يحلق وحيثما نحره من منى أو مكة إذا اعطاه مساكين الحرم أجزأه ولو أن رجلين كان عليهما هديان واجبان فأخطأ كل واحد منهما بهدى صاحبه فذبحه ثم أدركه قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما
هدى نفسه ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى (2) فات تصدقه، ضمن كل واحد
__________
(1) قوله: يعنى، كذا في جميع النسخ ولعل هذه الغاية وما بعدها من عبارة الربيع فأنظر.
(2) فات تصدقه، كذا في بعض النسخ، وفي بعضها " مات فصدقه " وانظر وحرر.
كتبه مصححه.(2/238)
منهما لصاحبه قيمة الهدى حيا وكان على كل واحد منهما البدل ولا أحب أن يبدل واحد منهما إلا بجميع ثمن هديه وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا ولو أن رجلا نحر هديه فمنع المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان عليه أن يبدله والنحر يوم النحر وأيام منى كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت الشمس فلا نحر إلا أن من كان عليه هدى واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء، ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين حاضرين فسواء وفى أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه، وإن كان ذبحه إياه في غير موضع ناس، وينحر الابل قياما غير معقولة فإن أحب عقل إحدى قوائمها وإن نحرها باركة أو مضطجعة أجزأت عنه وينحر الابل ويذبح البقر والغنم وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الابل كرهت له ذلك وأجزأت عنه ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ أن يذبح النسيكة، وهكذا من حلت ذكاته إلا أنى أكره أن يذبح النسيكة يهودى أو نصراني فإن فعل فلا إعادة على صاحبه، وأحب إلى أن يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة (قال الشافعي) وإذا سمى الله على النسيكة أجزأ عنه وإن قال اللهم تقبل منى أو تقبل عن فلان الذى امره بذبحه فلا بأس، وأحب أن يأكل من كبد ذبيحته قبل أن يفيض أو لحمها، وإن لم يفعل فلا بأس وإنما آمره أن يأكل من التطوع والهدى هديان واجب وتطوع فكل ما كان أصله واجبا على إنسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل هدى الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور والمتعة، وإن أكل من الهدى الواجب تصدق بقيمة ما أكل منه وكل ما كان أصله تطوعا مثل الضحايا والهدايا تطوعا أكل منه وأطعم وأهدى وادخر وتصدق
وأحب إلى أن لا يأكل ولا يحبس إلا ثلثا ويهدى ثلثا ويتصدق بثلث وإن لم يقلد هديه ولم يشعره قارنا كان أو غيره أجزأه أن يشترى هديا من " منى " أو مكة ثم يذبحه مكانه لانه ليس على الهدى عمل إنما العمل على الآدميين والنسك لهم وإنما هذا مال من أموالهم يتقربون به إلى الله عزوجل ولا بأس أن يشترك السبعة المتمتعون في بدنة أو بقرة وكذلك لو كانوا سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة أو محصرين ويخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الزبير عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
(ما يفسد الحج) (قال الشافعي) إذا أهل الرجل بعمرة ثم أصاب فيما بين أن يهل إلى أن يكمل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فهو مفسد وإذا أهل الرجل بحج أو بحج وعمرة ثم أصاب أهله فيما بينه وبين أن يرمى جمرة العقبة بسبع حصيات ويطوف بالبيت وإن لم يرم جمرة العقبة بعد عرفة فهو مفسد والذى يفسد الحج الذى يوجب الحد من أن يغيب الحشفة لا يفسد الحج شئ غير ذلك من عبث ولا تلذذ وإن جاء الماء الدافق فلا شئ وما فعله الحاج مما نهى عنه من صيد أو غيره وإذا أفسد رجل الحج مضى في حجه كما كان يمضى فيه لو لم يفسده فإذا كان قابل حج وأهدى بدنة نجزى عنهما معا وكذلك لو(2/239)
كانت امرأته حلالا وهو حرام أجزأت عنه بدنة وكذلك لو كانت هي حراما وكان هو حلالا كانت عليه بدنة ويحجها من قابل من قبل أنه الفاعل وأن الآثار إنما جاءت ببدنة واحدة تجزى عن كليهما ولو وطئ مرارا كان واحدا من قبل أنه قد أفسده مرة ولو وطئ نساء كان واحدا من قبل أنه أفسده مرة إلا انهن إن كن محرمات فقد أفسد عليهن، وعليه أن يحجهن كلهن ثم ينحر عن كل واحدة منهن بدنة لان إحرام كل واحدة منهن غير إحرام الاخرى وما تلذذ به من امرأته دون ما وصفت من شئ من أمر الدنيا فشاة تجزيه فيه وإذا لم يجد المفسد بدنة ذبح بقرة وإن لم يجد بقرة ذبح سبعا من الغنم وإذا كان معسرا عن هذا كله قومت البدنة له دراهم بمكة والدراهم طعاما ثم أطعم وإن كان معسرا عن الطعام صام عن كل مديوما وهكذا كل ما وجب عليه فأعسر به مما لم يأت فيه نفسه نص خبر صنع فيه هكذا
وما جاء فيه نص خبر فهو على ما جاء فيه ولا يكون الطعام ولا الهدى إلا بمكة ومنى ويكون الصوم حيث شاء لانه لا منفعة لاهل الحرم في صيامه.
(الاحصار) (قال الشافعي) الاحصار الذى ذكره الله تبارك وتعالى فقال: " فإن احصرتم فما استيسر من الهدى " نزلت يوم الحديبية وأحصر النبي صلى الله عليه وسلم بعدو: ونحر عليه الصلاة والسلام في الحل، وقد قيل: نحر في الحرم وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل، وبعضها في الحرم، لان الله عز وجل يقول " وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله " والحرام كله محله عند أهل العلم، فحيثما أحصر الرجل، قريبا كان أو بعيدا، بعدو حائل، مسلم أو كافر، وقد أحرم، ذبح شاة وحل، ولا قضاء عليه، إلا أن يكون حجه حجة الاسلام فيحجها، وهكذا السلطان إن حبسه في سجن أو غيره، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها، لان لهما أن يحبساهما وليس هذا للوالد على الولد، ولا للولى على المولى عليه.
ولو تأتى الذى أحضر رجاء أن يخلى، كان أحب إلى، فإذا رأى أنه لا يخلى حل، وإذا حل ثم خلى، فأحب إلي لو جدد إحراما، وإن لم يفعل فلا شئ عليه، لانى إذا أذنت له أن يحل بغير قضاء، لم اجعل عليه العودة.
وإذا لم يجد شاة يذبحها للفقراء، فلو صام عدل الشاة قبل أن يحل، كان أحب إلى، وإن لم يفعل وحل، رجوت أن لا يكون عليه شئ، ومتى أصابه أذى وهو يرجو أن يخلى، نحاه عنه وافتدى في موضعه كما يفتدى المحصر إذا خلى عنه في غير الحرم، وكان مخالفا لما سواه لمن قدر على الحرم، ذلك لا يجزيه إلا أن يبلغ هديه الحرم.
(الاحصار بالمرض وغيره) (قال الشافعي) رحمه الله: اخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وغيره، عن ابن عباس أنه قال: " لا حصر إلا حصر العدو " وزاد أحدهما " ذهب الحصر الآن " (قال الشافعي): والذي يذهب إلى أن الحصر الذى ذكر الله عزوجل يحل منه صاحبه حصر العدو، فمن حبس بخطأ عدد أو مرض، فلا يحل من إحرامه، وإن احتاج إلى دواء، عليه فيه فدية أو تنحية أذى فعله(2/240)
وافتدى، ويفتدى في الحرم بأن يفعله ويبعث بهدى إلى الحرم: فمتى أطاق المضى مضى فحل من إحرامه بالطواف والسعى، فإن كان معتمرا فلا وقت عليه، ويحل ويرجع وإن كان حاجا فأدرك الحج، فذاك، وإن لم يدرك، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وعليه حج قابل وما استيسر من الهدى، وهكذا من أخطأ العدد (قال الشافعي) ومن لم يدخل عرفة إلا مغمى عليه، لم يعقل ساعة ولا طرفة عين وهو بعرفة، فقد فاته الحج، وإن طيف به وهو لا يعقل فلم يطف، وإن أحرم وهو لا يعقل فلم يحرم، وإذا عقل بعرفة ساعة، أو عقل بعد الاحرام ساعة وهو محرم.
ثم أغمى عليه فيما بين ذلك، لم يضره.
إلا أنه ان لم يعقل حتى تجاوز الوقت، فعليه دم لترك الوقت، ولا يجزى عنه في الطواف ولا في الصلاة إلا أن يكون عاقلا في هذا كله، لان هذا عمل لا يجزيه، قليله من كثيره، وعرفة يجزيه قليلها من كثيرها، وكذلك الاحرام.
(مختصر الحج الصغير) أخبرنا الربيع بن سليمان قال: (قال الشافعي) من سلك على المدينة أهل من ذى الحليفة، ومن سلك على الساحل، أهل من الجحفة، ومن سلك بحرا أو غير الساحل، أهل إذا حاذى الجحفة، ولا بأس أن يهل من دون ذلك إلى بلده، وإن جاوز رجع إلى ميقاته، وإن لم يرجع أهراق دما، وهى شاة يتصدق بها على المساكين (قال): وأحب للرجل والمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء، أن يغتسلا للاحرام ويأخذا من شعورهما وأظفارهما قبله، فإن لم يفعلا وتوضأ أجزأهما (قال): وأحب أن يهلا خلف الصلاة، مكتوبة أو نافلة، وإن لم يفعلا وأهلا على غير وضوء، فلا بأس عليهما (قال): وأحب للرجل أن يلبس ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين، وللمرأة أن تلبس ثيابا كذلك، ولا بأس عليهما فيما لبسا، ما لم يكن مصبوغا بزعفران أو ورس أو طيب، ويلبس الرجل الازار والرداء، أو ثوبا نظيفا يطرحه كما يطرح الرداء، إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل، وأن لا يجد نعلين فيلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين.
ولا يلبس ثوبا مخيطا ولا عمامة.
إلا أن يطرح ذلك على كتفيه أو ظهره طرحا، وله أن يغطى وجهه ولا يغطى رأسه، وتلبس المرأة السراويل والخفين والقميص والخمار،
وكل ما كانت تلبسه غير محرمة إلا ثوبا فيه طيب، ولا تخمر وجهها، وتخمر رأسها إلا أن تريد أن تستر وجهها، فتجافى الخمار، ثم تسدل الثوب على وجهها متجافيا ويستظل المحرم والمحرمة في القبة (1) والكنيسة وغيرهما ويبدلان ثيابهما التى أحرما فيها ويلبسان غيرها (قال) وإذا مات المحرم غسل بماء وسدر ولم يقرب طيبا وكفن في ثوبيه ولم يقمص وخمر وجهه ولم يخمر رأسه (قال) وإذا ماتت المحرمة غسلت بماء وسدر وقمصت وأزرت وشد رأسها بالخمار وكشف عن وجهها (قال) ولا تلبس المحرمة قفازين ولا برقعا (قال) ولا بأس أن يتطيب المحرم والمحرمة بالغالية والنضوح والمجمر وما تبقى رائحته بعد الاحرام إن كان الطيب قبل الاحرام وكذلك يتطيبان إذا رميا جمرة العقبة (قال) وإذا أخذا من شعورهما قبل الاحرام فإذا أهلا فإن شاءا قرنا وإن شاءا أفردا الحج وإن شاءا تمتعا بالعمرة إلى الحج
__________
(1) قوله: والكنيسة هكذا في جميع النسخ، ولم نجد لهذا اللفظ في كتب اللغة إلا المعنى المشهور، وهو المتعبد، وهو غير مناسب لهذا المقام، فحرر.
كتبه مصححه.(2/241)
والتمتع أحب إلي (قال) وإذا تمتعا أو قرنا أجزأهما أن يذبحا شاة فإن لم يجداها صاما ثلاثة أيام فيما بين أن يهلا بالحج إلى يوم عرفة فإن لم يصوماها لم يصوما أيام منى وصاما ثلاثة بعد منى بمكة أو في سفرهما وسبعة بعد ذلك وأختار لهما التمتع، وأيهما أراد أن يحرما به كفتهما النية وإن سمياه فلا بأس.
(التلبية) لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " فإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى رضاه والجنة واستعاذه من سخطه والنار ويكثر من التلبية ويجهر بها الرجل صوته ما لم يفدحه وتخافت بها المرأة وأستحبها خلف الصلوات ومع الفجر ومع مغيب الشمس وعند اضطمام الرفاق والهبوط والاصعاد وفى كل حال أحبها ولا بأس أن يلبى على وضوء وعلى غير وضوء، وتلبي المرأة حائضا ولا بأس أن يغتسل الرجل ويدلك جسده من الوسخ ولا يدلك رأسه لئلا يقطع شعره وأحب له الغسل لدخول مكة فإذا دخلها أحببت له أن لا يخرج حتى يطوف بالبيت (قال) وأحب له إذا رأى البيت أن يقول " الله زد هذا البيت
تشريفا وتعظيما وتكريما وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا " وأن يستلم الركن الاسود ويضطبع بثوبه وهو أن يدخل رداءه من تحت منكبه الايمن حتى يبرز منكبه ثم يهرول ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ويمشى أربعة ويستلم الركن اليماني والحجر ولا يستلم غيرهما فإن كان الزحام كثيرا مضى وكبر ولم يستلم (قال) وأحب أن يكون أكثر كلامه في الطواف " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فإذا فرغ صلى خلف المقام أو حيثما تيسر ركعتين قرأ فيهما بأم القرآن " وقل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " وما قرأ به مع أم القرآن أجزأه ثم يصعد على الصفا صعودا لا يتوارى عنه البيت ثم يكبر ثلاثا " ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو في أمر الدين والدنيا ويعيد هذا الكلام بين أضعاف كلامه حتى يقول ثلاث مرات ثم يهبط عن الصفا، فإذا كان دون الميل الاخضر الذى في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع عدا حتى يحاذي الميلين المتقابلين بفناء المسجد ودار العباس ثم يظهر على المروة جهده حتى يبدو له البيت إن بدا له ثم يصنع عليها مثل ما صنع على الصفا وما دعا به عليها أجزأه حتى يكمل الطواف بينهما سبعا، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، وإن كان متمتعا أخذ من شعره وأقام حلالا فإذا أراد التوجه إلى منى توجه يوم التروية قبل الظهر فطاف بالبيت سبعا للوداع ثم أهل بالحج متوجها من المسجد ثم أتى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم غدا منها إلى عرفة فنزل حيث شاء واختار له أن يشهد الظهر والعصر مع الامام ويقف قريبا منه ويدعو ويجتهد فإذا غابت الشمس دفع وسار على هينته حتى يأتي المزدلفة فيصلى بها المغرب والعشاء والصبح ثم يغدو فيقف ثم يدعو ويدفع قبل أن تطلع الشمس إذا أسفر إسفارا بينا ويأخذ حصى جمرة واحدة سبع حصيات فيرمى جمرة العقبة وحدها بهن، ويرمى من بطن المسيل، ومن حيث رمى أجزأه، ثم قد حل له ما حرم عليه الحج إلا النساء ويلبى حتى يرمى جمرة العقبة بأول حصاة ثم يقطع التلبية فإذا طاف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا فقد حل له النساء وإن كان قارنا أو مفردا فعليه(2/242)
أن يقيم محرما بحاله ويصنع ما وصفت غير انه إذا كان قارنا أو مفردا أجزأه إن طاف قبل منى وبين الصفا والمروة أن يطوف بالبيت سبعا واحدا بعد عرفة تحل له النساء ولا يعود إلى الصفا والمروة وإن لم يطف قبل منى فعليه بعد عرفة أن يطوف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا وأحب له أن يغتسل لرمي الجمار والوقوف بعرفة والمزدلفة وإن لم يفعل وفعل عمل الحج كله على غير وضوء أجزأه، لان الحائض تفعله إلا الصلاة والطواف بالبيت لانه لا يفعله إلا طاهرا فإذا كان بعد يوم النحر فذبح شاة وجبت عليه تصدق بجلدها ولحمها ولم يحبس منها شيئا وإن كانت نافلة تصدق منها وأكل وحبس ويذبح في أيام منى كلها ليلا ونهارا والنهار أحب إلى من الليل ويرمى الجمار أيام منى كلها وهى ثلاث كل واحدة منهن بسبع حصيات ولا يرميها حتى تزول الشمس في شئ من ايام منى كلها بعد يوم النحر وأحب إذا رمى أن يكبر مع كل حصاة ويتقدم عن الجمرة الدنيا حيث يرى الناس يقفون فيدعو ويطيل قدر قراءة سورة البقرة ويفعل ذلك عند الجمرة الوسطى ولا يفعله عند جمرة العقبة وإن أخطأ فرمى بحصاتين في مرة واحدة فهى حصاة واحدة حتى يرمى سبع مرات ويأخذ حصى الجمار من حيث شاء إلا من موضع نجس أو مسجد أو من الجمار فإنى أكره له أن يأخذ من هذه المواضع ويرمى بمثل حصى الخذف وهو أصغر من الانامل ولا بأس أن يطهر الحصى قبل أن يحمله وإن تعجل في يومين بعد يوم النحر فذلك له وإن غابت الشمس من اليوم الثاني أقام حتى يرمى الجمار من يوم الثالث بعد الزوال وإن تتابع عليه رميان بأن ينسى أو يغيب فعليه أن يرمى فإذا فرغ منه عاد فرمى رميا ثانيا ولا يرمى بأربع عشرة في موقف واحد فإذا صدر وأراد الرحيل عن مكة طاف بالبيت سبعا يودع به البيت يكون آخر كل عمل يعمله فإن خرج ولم يطف بعث بشاة تذبح عنه والرجل والمرأة في هذا سواء إلا الحائض فإنها تصدر بغير وداع إذا طافت الطواف الذى عليها وأحب له إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم وهو بين الركن والباب فيقول: اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لى من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عنى فازدد عنى رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك دارى هذا أو ان انصرافي إن أذنت لى غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني بالعافية في بدنى
والعصمة في دينى وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أحييتني " وما زاد إن شاء الله تعالى أجزأه.
* (كتاب الضحايا) * أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الضحايا سنة لا أحب تركها ومن ضحى فأقل ما يجزيه الثنى من المعز والابل والبقر ولا يجزى جذع إلا من الضأن وحدها ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته كانت قد وقعت ثم اسم ضحية ولم تعطل وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضا (قال) ووقت الضحايا انصراف الامام من الصلاة فإذا أبطأ الامام أو كان الاضحى ببلد لا إمام به، فقدر ما تحل الصلاة ثم يقضى صلاته ركعتين (1) وليس على الامام إن أبطأ بالصلاة عن
__________
(1) وليس على الامام الخ هكذا في النسخ، ولعل لفظ " على " محرف عن " عمل " فتأمل.
كتبه مصححه.(2/243)
وقتها لان الوقت إنما هو وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما أحدث بعده وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذى امره بإعادة صحيته بضائنة جذعة فهى تجزى، وإن كان أمره بجذعة غير الضأن فقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك " وأما سوى ما ذكرت فلا يعد ضحايا حتى يجتمع السن والوقت ومابعده من أيام " منى " خاصة فإذا مضت أيام " منى " فلا ضحية وما ذبح يومئذ فهى ذبيحة غير الضحية وإنما أمرنا بالضحية في أيام " منى " وزعمنا أنها لا تفوت لانا حفظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذه أيام نسك ورمى فيها كلها الجمار " ورأينا المسلمين إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام " منى " نهوا عنها ونهوا عن العمرة فيها من كان حاجا لانه في بقية من حجه فإن ذهب ذاهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضحى في يوم النحر فذلك أفضل الاضحى وإن كان يجزى فيما بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذه أيام نسك " فلما قال المسلمون ما وصفنا لزمه أن يزعم أن اليوم الثالث كاليومين وإنما كرهنا أن يضحى بالليل على نحو ما كرهنا من الحداد بالليل لان الليل سكن والنهار ينتشر فيه لطلب المعاش فأحببنا ان يحضر من يحتاج إلى
لحوم الضحايا لان ذلك أجزل عن المتصدق وأشبه أن لا يجد المتصدق في مكارم الاخلاق بدا من أن يتصدق على من حضره للحياء ممن حضره من المساكين وغيرهم مع أن الذى يلى الضحايا يليها بالنهار أخف عليه وأحرى أن لا يصيب نفسه بأذى ولا يفسد من الضحية شيئا وأهل الامصار في ذلك مثل أهل " منى " فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق، ثم ضحى أحد، فلا ضحية له.
(باب ما تجزى عنه البدنة من العدد في الضحايا) (قال الشافعي) رحمه الله أقول بحديث مالك عن أبى الزبير عن جابر أنهم نحروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (قال الشافعي) وكانوا محصرين قال الله تبارك وتعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " (1) فلما قال " فما استيسر من الهدى " شاة فأجزأت البدنة عن سبعة محصورين ومتمتعين وعن سبعة وجبت عليهم من قران أو جزاء صيد أو غير ذلك إذا كانت على كل واحد منهم شاة لان هذا في معنى الشاة ولو أخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أجزأت عنهم وإذا ملكوها بغير بيع أجزأت عنهم (2) وإذا ملكوها بثمن وسواء في ذلك كانوا أهل بيت أو غيرهم لان أهل الحديبية كانوا من قبائل شتى وشعوب متفرقة ولا تجزئ عن أكثر من سبعة وإذا كانوا أقل من سبعة أجزأت عنهم وهم متطوعون بالفضل كما تجزى الجزور عمن لزمته شاة ويكون متطوعا بفضلها عن الشاة وإذا لم توجد البدنة كان عدلها سبعة من الغنم قياسا على هذا الحديث، وكذلك البقرة، وإذا زعم أنه قد سمى الله تعالى عند الذبح فهو أمين وللناس أن يأكلوها وهو أمين على أكثر من هذا الايمان والصلاة (قال الشافعي) وكل ذبح كان واجبا على مسلم فلا أحب له أن
__________
(1) قوله: فلما قال الخ هكذا في النسخ وانظر، وحرر.
اه.
(2) قوله: وإذا ملكوها بثمن، كذا في النسخ، وانظر أين الجواب، ولعل هذه الجملة مزيدة من النساخ كتبه مصححه.(2/244)
يولى ذبحه النصراني ولا أحرم ذلك عليه إن ذبحه لانه إذا حل له لحمه فذبيحته أيسر وكل ذبح ليس بواجب فلا بأس أن يذبحه النصراني والمرأة والصبى وإن استقبل الذابح القبلة فهو أحب إلى وإن أخطأ
أو نسى فلا شئ عليه إن شاء الله وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى فخير الدماء أحب إلى، وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله عزوجل " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " استسمان الهدى واستحسانه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الرقاب أفضل؟ قال " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " (قال الشافعي) والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله عزوجل إذا كان نفيسا كلما عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله تبارك وتعالى كان أعظم لاجره.
(الضحايا الثاني) (قال الشافعي) رحمه الله: الضحايا الجذع من الضأن والثنى من المعز والابل والبقر ولا يكون شئ دون هذا ضحية.
والضحية تطوع سنة فكل ما كان من تطوع فهو هكذا وكل ما كان من جزاء صيد صغير أو كبير إذا كان مثل الصيد أجزأ لانه بدل والبدل مثل ما أصيب وهذا مكتوب بحججه في كتاب الحج (قال الشافعي) وقت الاضحى قدر ما يدخل الامام في الصلاة حين تحل الصلاة وذلك إذا برزت الشمس فيصلى ركعتين ثم يخطب خطبتين خفيفتين فإذا مضى من النهار قدر هذا الوقت حل الاضحى وليس الوقت في عمل الرجال الذين يتولون الصلاة فيقدمونها قبل وقتها أو يؤخرونها بعد وقتها، أرأيت لو صلى رجل تلك الصلاة بعد الصبح وخطب وانصرف مع الشمس أو قبلها أو أخر ذلك إلى الضحى الاعلى هل كان يجوز أن يضحى في الوقت الاول أو يحرم أن يضحى قبل الوقت الآخر لا وقت في شئ وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقته، فأما تأخر الفعل وتقدمه عن فعله فلا وقت فيه (قال الشافعي) وأهل البوادى وأهل القرى الذين لهم أئمة في هذا سواء ولا وقت إلا بقدر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأما صلاة من بعده فليس فيها وقت لان منهم من يؤخر ومنهم من يقدمها (قال الشافعي) وليس في القرن نقص فيضحى بالجلحاء، وإذا ضحى بالجلحاء فهى أبعد من القرن من مكسورة القرن وسواء كان قرنها يدمى أو صحيحا لانه لا خوف عليها في دم قرنها فتكون به مريضة فلا نجزى من جهة المرض ولا يجوز فيها إلا هذا وإن كان قرنها مكسورا كسرا قليلا أو كثيرا يدمى أو لا يدمى فهو يجزى (قال الشافعي) ومن شاء من الائمة أن يضحى في مصلاة ومن شاء ضحى في منزله وإذا صلى الامام فقد علم من معه أن الضحية قد حلت فليسوا يزدادون علما بأن
يضحى ولا يضيق عليهم أن يضحوا، أرأيت لو لم يضح على حال أو أخر الضحية إلى بعض النهار أو إلى الغد أو بعده (قال الشافعي) ولا تجزى المريضة أي مرض ما كان بينا في الضحية وإذا أوجب الرجل الشاة ضحية وإيجابها أن يقول هذه ضحية ليس شراؤها والنية أن يضحى بها إيجابا فإذا أوجبها لم يكن له أن يبدلها بخير ولا شر منها ولو أبدلها فذبح التى أبدل كان عليه أن يعود فيذبح الاولى ولم يكن له إمساكها ومتى لم يوجبها فله الامتناع من أن يضحى بها أبدلها أو لم يبدلها كما يشترى العبد ينوى أن يعتقه والمال ينوى أن يتصدق به فلا يكون عليه أن يعتق هذا ولا يتصدق بهذا ولو فعل كان خيرا له (قال) ولا تجزى الجرباء والجرب قليله وكثيره مرض بين مفسد للحم وناقص للثمن (قال الشافعي) وإذا باع الرجل الضحية قد أوجبها فالبيع مفسوخ فإن فاتت فعليه أن يشترى بجميع ثمنها أضحية(2/245)
فيضحى بها فإن بلغ ثمنها أضحيتين اشتراهما لان ثمنها بدل منها ولا يكون له أن يملك منه شيئا وإن بلغ أضحية وزاد شيئا لا يبلغ ثانية ضحى بالضحية وأسلك الفضل مسلك الضحية (قال الشافعي) وأحب إلي لو تصدق به وإن نقص عن ضحية فعليه أن يزيد حتى يوفى ضحية، لا يجزيه غير ذلك لانه مستهلك الضحية فأقل ما يلزمه ضحية مثلها (قال الشافعي) الضحايا سنة لا يجب تركها فمن ضحى فأقل ما يكفيه جذع الضأن أو ثنى المعز أو ثنى الابل والبقر والابل أحب إلى أن يضحى بها من البقر والبقر أحب إلى أن يضحى بها من الغنم وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي مما رخص وكل ما طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه (قال) والضأن أحب إلى من العمز والعفر أحب إلى من السود وسواء في الضحايا أهل منى وأهل الامصار، فإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى فخير الدماء أحب إلى، وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله تعالى " ذلك ومن يعظم شعائر الله " استسمان الهدى واستحسانه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الرقاب أفضل؟ فقال " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله تعالى إذا كان نفيسا كلما عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله تعالى كان أعظم لاجره وقد قال الله تعالى في المتمتع " فما استيسر من الهدى " وقال ابن عباس ما استيسر من الهدى شاة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه
الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يذبحوا شاة شاة وكان ذلك أقل ما يجزيهم لانه إذا أجزأه أدنى الدم فأعلاه خير منه ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته فقد وقع اسم ضحية عليه ولم تعطل، وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضا، ولا يلزم الرجل أن يضحى عن امرأة ولا ولد ولا نفسه وقد بلغنا أن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما ليظن من رآهما أنها واجبة وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال اشتروا بهما لحما ثم قال " هذه أضحية ابن عباس " وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة وإنما أراد بذلك مثل الذى روى عن أبى بكر وعمر ولا يعدو القول في الضحايا هذا أن تكون واجبة، فهى على كل أحد صغير أو كبير لا تجزى غير شاة عن كل أحد، فأما ما سوى هذا من القول فلا يجوز (قال الشافعي) فإذا أوجب الضحية فولدت ذبح ولدها معها كما يوجب البدنة فتنتج فيذبح ولدها معها إذا لم يوجبها فقد كان له فيها إمساكها، وولدها بمنزلتها إن شاء أمسكه وإن شاء ذبحه، ومن زعم أنه ليس له أن يبدل الضحية بمثلها ولا دونها مما يجزى فقد جعلها في هذا الموضع واجبة فيلزمه أن يقول في هذا الموضع مثل ما قلنا ويلزم أن يقول ولا له أن يبدلها بما هو خير منها لانه هكذا يقول في كل ما أوجب ولا تعدو الضحية إذا اشتريت أن يكون حكمها حكم واجب الهدى فلا يجوز أن تبدل بألف مثلها أو حكمها حكم ماله يصنع به ما شاء فلا بأس أن يبدلها بما شاء مما يجوز ضحية وإن كان دونها ويحبسها (قال الشافعي) وإذا أوجب الضحية لم يجز صوفها وما لم يوجبها فله أن يجز صوفها، والضحية نسك من النسك مأذون في أكله وإطعامه وادخاره فهذا كله جائز في جميع الضحية جلدها ولحمها وأكره بيع شئ منه والمبادلة به بيع (قال الشافعي) فإن قال قائل ومن أين كرهت أن تباع وأنت لا تكره أن تؤكل وتدخر؟ قيل له لما كان نسكا فكان الله حكم في البدن التى هي نسك فقال عزوجل " فكلوا منها وأطعموا " وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل الضحايا والاطعام كان ما أذن الله فيه ورسوله صلى الله عليه وسلم مأذونا فيه فكان أصل ما أخرج الله عزوجل معقولا أن لا يعود إلى مالكه منه شئ إلا ما أذن الله فيه(2/246)
أو رسوله صلى الله عليه وسلم فاقتصرنا على ما أذن الله عزوجل فيه ثم رسوله ومنعنا البيع على أصل النسك أنه ممنوع من البيع فإن قال: أفتجد ما يشبه هذا؟ قيل نعم الجيش يدخلون بلاد العدو فيكون الغلول محرما عليهم ويكون ما أصابوا من العدو بينهم وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصابوا في المأكول لمن أكله فأخرجناه من الغلول إذا كان مأكولا وزعمنا أنه إذا كان مبيعا إنه غلول وإن على بائعه رد ثمنه ولم أعلم بين الناس في هذا اختلافا أن من باع من ضحيته جلدا أو غيره أعاد ثمنه أو قيمة ما باع منه إن كانت القيمة أكثر من الثمن فيما يجوز أن تجعل فيه الضحية والصدقة به أحب إلى كما الصدقة بلحم الضحية أحب ألى ولبن الضحية كلبن البدنة إذا أوجبت الضحية لا يشرب منه صاحبه إلا الفضل عن ولدها وما لا ينهك لحمهما ولو تصدق به كان أحب إلي، فإذا لم يوجب صنع ما شاء (قال الشافعي) ولا تجزئ العوراء وأقل البياض في السواد على الناظر كان أو على غيره يقع به اسم العورة البين ولا تجزئ العرجاء وأقل العرج بين أنه عرج إذا كان من نفس الخلقة أو عرج خارج ثابت فذلك العرج البين (قال) ومن اشترى ضحية فأوجبها أو أهدى هديا ما كان فأوجبه وهو تام ثم عرض له نقص وبلغ المنسك أجزأ عنه إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه فيخرج من ماله إلى ما جعله له فإذا كان تاما وبلغ ما جعله له أجزأ عنه بتمامه عند الايجاب وبلوغه أمده وما اشترى من هذا فلم يوجبه إلا بعد ما نقص فكان لا يجزئ ثم أوجبه ذبحه ولم يجز عنه لانه أوجبه وهو غير مجزئ، فما كان من ذلك لازما له فعليه أن يأتي بتام وما كان تطوعا فليس عليه بدله (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل الضحية فأوجبها أو لم يوجبها فماتت أو ضلت أو سرقت فلا بدل عليه وليست بأكثر من هدى تطوع يوجبه صاحبه فيموت فلا يكون عليه بدل إنما تكون الابدال في الواجب ولكنه إن وجدها بعدما أوجبها ذبحها وإن مضت أيام النحر كلها كما يصنع في البدن من الهدى تضل وإن لم يكن أوجبها فوجدها، لم يكن علة ذبحها ولو ذبحها كان أحب إلى (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل الضحية فلم يوجبها حتى اصابها ما لا تجوز معه بحضرة الذبح قبل أن يذبحها أو قبل ذلك لم تكن ضحية ولو أوجبها سالمة ثم أصابها ذلك وبلغت أيام الاضحى ضحى بها وأجزأت عنه إنما أنظر إلى الضحية في الحال التى أوجبها فيها وليس فيما أصابها بعد ذبحها شئ يسأل عنه أحد إنما هي حينئذ ذكية مذبوحة لا عين
لها قائمة إلا وقد فارقها الروح لا يضرها ما كسرها ولا ما اصابها وإلى الكسر تصير (قال الشافعي) وإذا زعمنا أن العرجاء والعوراء لا تجوز في الضحية كانت إذا كانت عوراء أو لا بد لها ولا رجل داخلة في هذا المعنى وفى أكثر منه وليس في القرن نقص وإذا خلقت لها أذن ما كانت أجزأت وإن خلقت لا أذن لها لم تجز، وكذلك لو جذعت لم تجز لان هذا نقص من المأكول منها (قال الشافعي) فإذا أوجب الرجل ضحية أو هديا فذبحا عنه في وقتهما بغير إذنه فأدركهما قبل أن يستهلك لحمها أجزأتا معا عنه لانهما ذكاتان ومذبوحتان في وقت وكان له أن يرجع على الذى تعدى بما بين قيمتها قائمتين ومذبوحتين ثم يجعله في سبيل الهدى وفى سبيل الضحية، لا يجزيه غير ذلك وإن ذبح له شاة وقد اشتراها ولم يوجبها في وقتها وإدركها فشاء أن تكون ضحية لم تجز عنه ورجع عليه بما بين قيمتها قائمة ومذبوحة وإن شاء أن يحبس لحمها حبسه لانه لم يكن أوجبها فإن فات لحمها في هذا كله يرجع على الذابح بقيمتها حية وكان عليه أن يبتاع بما أخذه من قيمة الواجب منها ضحية أو هديا وإن نقص عن ثمنها زاده من عنده حتى يوفى أقل ما يلزمه فإن زاد جعله كله في سبيل الضحية والهدى حتى لا يكون حبس مما أخذ منها شيئا والجواب في هذا كله كالجواب في حاجين لو نحر كل واحد منهما هدى صاحبه ومضحيين لو(2/247)
ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه، ضمن كل واحد منهما هديه لصاحبه، ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا، وأجزأ عن كل واحد منهما هديه أو ضحيته إذا لم تفت وإن استهلك كل واحد منهما هدى صاحبه أو ضحيته ضمن كل واحد منهما قيمة ما استهلك حيا وكان على كل واحد منهما البدل في كل واجب (قال الشافعي) والحاج المكى (1) والمنتوى والمسافر والمقيم والذكر والانثى ممن يجد ضحية سواء كلهم، لا فرق بينهم إن وجبت (2) على كل واحد منهم وجبت عليهم كلهم وإن سقطت عن واحد منهم سقطت عنهم كلهم ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة لانها نسك وعليه نسك وغيره لا نسك عليه ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق بينهم إلا بمثلهم ولست أحب لعبد ولا أجيز له ولا مدبر ولا مكاتب ولا أم ولد أن يضحوا لانهم لا أموال لهم وإنما أموالهم لمالكيهم وكذلك لا أحب للمكاتب ولا أجيز له أن يضحى لان ملكه على ماله
ليس بتام لانه يعجز فيرجع ماله إلى مولاه ويمنع من الهبة والعتق لان ملكه لم يتم على ماله (قال الشافعي) ولا يضحى عما في البطن (قال الشافعي) والاضحية جائزة يوم النحر وأيام منى كلها لانها أيام النسك وإن ضحى في الليل من أيام منى أجزأ عنه وإنما أكره له أن يضحى في الليل وينحر الهدى لمعنيين، أحدهما خوف الخطأ في الذبح والنحر أو على نفسه أو من يقاربه أو خطأ المنحر والثانى أن المساكين لا يحضرونه في الليل حضورهم إياه في النهار فأما لغير هذا فلا أكرهه فإن قال قائل ما الحجة في أن أيام منى أيام أضحى كلها؟ قيل كما كانت الحجة بأن يومين بعد يوم النحر (3) يومى ضحية فإن قال قائل فكيف ذلك؟ قيل نحر النبي صلى الله عليه وسلم وضحى في يوم النحر فلما لم يحظر على الناس أن يضحوا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله لانه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما فإن قال فهل في هذا من خبر؟ قيل: نعم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دلالة سنة (4) (كتاب الصيد والذبائح) أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: الكلب المعلم الذي إذا
__________
(1) المنتوى: أي المنتقل المتحول من بلد إلى بلد.
كما في كتب اللغة.
(2) قوله: على كل واحد، كذا في النسخ ولعل لفظة " كل " من زيادة النساخ.
(3) يومى ضحية كذا في النسخ بنصب " يومى " وهو جائز على اللغة الاسدية.
كتبه مصححه.
(4) في نسخة البلقينى هنا زيادة نصها " باب في العقيقة " وهى آخر تراجم الام، وفيها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت محمد بن إبراهيم ابن الحرث النيمى يقول تستحب العقيقة ولو بعصفور قال مالك ليس عليه العمل وقد أمكن في محمد ابن إبراهيم مثل ما أمكن في القاسم من أن يقول قائل إنما أعنى أنه تستحب العقيقة ولو بعصفور علماء المدينة مجمعون وسلفهم ثم لم تره أنت ولا أصحابك معنى يلزم ولا يكون حجة لمن أخذ به ولا حجة لكم في تركه إلا أن تقول هذا كلام مغلق لا ندرى من هذا الذى أفتى أنه تستحب العقيقة ولو بعصفور؟.(2/248)
أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل هذا مرة بعد مرة كان معلما يأكل صاحبه ما حبس عليه وإن قتل ما لم يأكل فإذا أكل فقد قيل يخرجه هذا من أن يكون معلما وامتنع صاحبه من أن يأكل من الصيد الذى أكل منه الكلب لان الكلب أمسكه على نفسه وإن أكل منه صاحب الكلب أكل من صيد غير معلم ويحتمل القياس أن يأكل وإن أكل منه الكلب من قبل أنه إذا صار معلما صار قتله ذكاة فأكل ما لم يحرم أكله ما كان ذكيا كما لو كان مذبوحا فأكل منه كلب لم يحرم وطرح ما حول ما أكل وهذا قول ابن عمر وسعد بن أبى وقاص وبعض أصحابنا وإنما تركنا هذا للاثر الذى ذكر الشعبى عن عدى بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " فإذا أكل فلا تأكل " (قال الشافعي) وإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشئ وإذا قلنا هذا في المعلم من الكلاب فأخذ المعلم فحبس بلا أكل فذلك يحل وإن قتله يقوم مقام الذكاة فإن حبس وأكل فذلك موضع ترك فيه أن يكون معلما فصار كهو على الابتداء لا يحل اكله كما كان لا يحل على الابتداء وهذا وجه يحتمله القياس ويصح فيه وفيه أن متأولا لو ذهب فقال إن الكلب إذا نجسا فأكل من شئ رطب قد يمكن أن يجرى بعضه في بعض نجسه ولكن لا يجوز أن يقول حتى يكون آكلا والحياة فيه والدم بالروح يدور فيه فأما إذا كان بعد الموت فلا يدور فيه دم وإنما ينجس حينئذ موضع ما أكل منه وما قاربه قال الربيع وفيه قول آخر ولو نجسه كله كان له أن يغسله ويعصره كما يغسل الثوب ويعصر فيطهر ويغسل الجلد فيطهر فتذهب نجاسته وكذلك تذهب نجاسة اللحم فيأكله.
(باب صيد كل ما صيد به من وحش أو طير) (قال الشافعي) وتعليم الفهد وكل دابة علمت كتعليم الكلب لا فرق بينهما غير ان الكلب أنجسها ولا نجاسة في حى إلا الكلب والخنزيز وتعليم الطائر كله واحد البازى والصقر والشاهين والعقاب وغيرها وهو ان يجمع أن يدعى فيجيب ويستشلى فيطير ويأخذ فيحبس فإذا فعلت هذا مرة بعد مرة فهى معلمة يؤكل ما أخذت وقتلت فإن أكلت فالقياس فيها كهو في الكلب، زعم بعض المشرقيين أنه يؤكل ما قتلت وإن أكلت وزعم إنه إذا أكل الكلب لا يؤكل وزعم أن الفرق بينهما عنده أن الكلب يضرب والبازي
لا يضرب فإذا زعم أنها تفترق في هذا فكيف زعم أن البازى لا يؤكل صيده حتى يكون يدعى فيجيب ويستشلى فيطير وأنه لو طار من نفسه فقتل لم يؤكل إذا لم يكن معلما؟ أفرأيت إذا استجاز في معلمين يفرق بينهما فلو فرق بينهما رجل حيث جمع بينهما أو جمع بينهما حيث فرق بينهما هل كانت الحجة عليه إلا كهى عليه؟.
(باب تسمية الله عزوجل عند إرسال ما يصطاد به) (قال الشافعي) وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمى فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل لانهما إذا كان قتلهما كالذكاة فهو لو نسى التسمية في الذبيحة أكل لان المسلم يذبح على اسم الله عزوجل وإن نسى وكذلك ما أصبت بشئ من سلاحك الذى يمور في الصيد.(2/249)
(باب إرسال المسلم والمجوسي الكلب) (قال الشافعي) وإذا أرسل المسلم والمجوسي كلبا واحدا أو كلبين متفرقين أو طائرين أو سهمين فأصابا الصيد ثم لم تدرك ذكاته فلا يؤكل فهو كذبيحة مسلم ومجوسى لا فرق بينهما فإذا دخل في الذبيحة ما لا يحل لم تحل وكذلك لو أعانه كلب غير معلم وسواء أنفذ السهم أو الكلب العلم مقاتله أو لم ينفذها إذا أصابه على قتله غيره مما لا يحل لان مقاتله قد تنفذ فيحيا إلا أن يكون قد بلغ منه ما يبلغ الذبح التام بالمذبوح مما لا يعيش بعده طرفة عين ومما تكون حركته كحركة المذبوح كحشاشة روح الحياة (1) التي يتتام خروجه فإن خرج إلى هذا فلا يضره ما أصابه لانه قد أصابه وهو ميت.
(باب إرسال (2) الصيد فيتوارى عنك ثم تجد الصيد مقتولا) (قال الشافعي) وإذا رمى الرجل الصيد أو أرسل عليه بعض المعلمات فتوارى عنه ووجده قتيلا فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قبل أنه قد يمكن أن يكون قتله غير ما أرسل عليه من دواب الارض وقد سئل ابن عباس فقال له قائل: " إنى أرمى فأصمى وأنمى " فقال له ابن عباس " كل ما أصميت ودع ما أنميت " (قال الشافعي) ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله فإن كان قد بلغ وهو يراه مثل ما وصفت من الذبح ثم تردى فتوارى أكله فأما إنفاذ
المقاتل فقد يعيش بعدما ينفذ بعض المقاتل ولا يجوز فيه عندي إلا هذا إلا ان يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ فإنى أتوهمه فيسقط كل شئ خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأى ولاقياس فإن الله عزوجل قطع العذر بقوله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وإذا أصابت الرمية الصيد والرامي لا يراه فذبحته أو بلغت به ما شاءت لم يأكله ووجد به أثرا من غيرها أو لم يجده لانه قد يقتله ما لا أثر له فيه وإذا أدرك الرجل الصيد ولم يبلغ سلاحه منه أو معلمه منه ما يبلغ الذبح من ان لا يبقى فيه حياة فأمكنه أن يذبحه فلم يذبحه فلا يأكله وإمكانه أن يكون ما يذكى به حاضرا ويأتى عليه مدة يمكنه فيها أن يذبحه فلا يذبحه لان الذكاة ذكاتان إحداهما ما قدر عليه فذلك لا يذكي إلا بالنحر والذبح والاخرى ما لم يقدر عليه فيذكى بما يقدر عليه فإذا لم يبلغ ذكاته وقدر عليه فلا يجزى فيه إلا الذبح أو النحر فإن اغفل السكين وقدر على الذبح فرجع له فمات لم يأكله إنما يأكله إذا لم يقدر من حين يصيده على ذكاته ولو أجزنا له أكله بالرجوع بلا تذكية أجزنا له إن تعذر عليه ما يذكيه به يوما فمات قبل أن يجده أن يأكله وإذا أدركته ومعك ما تذكيه به فلم يمكنك مذبحة ولم تفرط فيه حتى مات فكله وإن أمكنك مذبحه فلم تفرط وأذنيت السكين فمات قبل أن تضعها على حلقه فكله وإن وضعتها على حلقه ولم تمرها حتى مات ولم تتوان فكله لانه يمكنك في شئ من هذا ذكاته وإن أمررتها فكلت ومات فلا تأكله لانه قد يكون قد مات خنقا والذكاة التي إذا بلغها الذابح أو الرامى أو المعلم أجزأت
__________
(1) قوله: التى لم يتنام خروجه، كذا في النسخ بتأنيث الموصول وتذكير ضمير " خروجه " وحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: إرسال الصيد.
كذا في النسخ.
وانظر.
كتبه مصححه.(2/250)
من الذبح أن يجتمع قطع الحلقوم والمرئ لا شئ دون ذلك وتمامها الودجين ولو قطع الودجان ولم يقطع الحلقوم والمرئ لم تكن ذكاة من قبل أن الودجين قد يقطعان من الانسان ويحيا وأما الذكاة فيما لا حياة فيه إذا قطع فهو الحلقوم والمرئ لانهما أظهر منهما فإذا أتى عليهما حتى استؤصلا فلا يكون إلا بعد إبانة الحلقوم والمرئ وإذا أرسل الرجل كلبه أو سهمه وسمى الله تبارك وتعالى وهو يرى صيدا
فأصاب غيره فلا بأس بأكله من قبل أنه قدر رأى صيدا ونواه وإن أصاب غيره وإن أرسلهما ولا يرى صيدا ونوى فلا يأكل ولا تعمل النية إلا مع عين تراه وهكذا لو رمى صيدا مجتمعا ونوى أنه أصاب أكل ما أصاب منه ولو كان لا يجوز أن يأكل إذا رمى إلا ما نوى بعينه كان العلم يحيط أن رجلا لو أرسل سهما على مائة طير أو كلبا على مائة ظبى لم يقتلها كلها وإذا نواها كلها فأصاب واحدا فالواحد المصاب غير منوى بعينه وكان يلزم من قال لا يأكل الصيد إلا أن يرميه بعينه أن لا يأكل من هذه شيئا لان العلم يحيط أنه لا يقتلها كلها فإذا أحاط العلم بهذا فالذي نوى بغير عينه والله أعلم وكل ما أصاب كلب غير معلم أو حجر أو بندقة أو شئ غير سلاح لم يؤكل إلا أن تدرك ذكاته فيكون مأكولا بالذكاة كما تؤكل الموقوذة والمتردية والنطيحة إذا ذكيت (قال الشافعي) وأكثر ما تكون كلاب الصيد في غير أيديهم إلا أنها تتبعهم وإذا استشلى الرجل كلبه على الصيد قريبا كان منه أو بعيدا فانزجر واستشلى باستشلائه فأخذ الصيد أكل وإن قتله، وكان كإرساله إياه من يده وإن كان الكلب قد توجه للصيد قبل استشلاء صاحبه فمضى في سننه فأخذه فلا يأكله إلا بإدراك ذكاته إلا أن يكون يزجره فيقف أو ينعرج ثم يستشليه فيتحرك باستشلائه الآخر فيكون قد ترك الامر الاول واستشلى باستشلاء مستأنف فيأكل ما أصاب كما يأكله لو أرسله فيقف على الابتداء وإن كان في سننه فاستشلاه فلم يحدث عرجة ولا وقوفا وازداد في سننه استشلاء فلا يأكل وسواء في ذلك استشلاء صاحبه أو غير صاحبه ممن يجوز ذكاته (قال الشافعي) وصيد الصبى أسهل من ذبيحته فلا بأس بصيده لان فعله الكلام والذكاة بغيره فلا بأس بذبيحته إذا أطاق الذبح وأتى منه على ما يكون ذكاة وكذلك المرأة وكل من تجوز ذكاته من نصراني ويهودى (قال الشافعي) وإذا رمى لرجل الصيد أو طعنه أو ضربه أو أرسل إليه كلبه فقطعه قطعتين أو قطع رأسه أو قطع بطنه وصلبه وإن لم يكن من النصف أكل الطرفين معا وهذه ذكاته وكل ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لكل عضو فيه ولكنه لو قطع منه يدا أو رجلا أو اربا أو شيئا يمكن لو لم يزد على ذلك أن يعيش بعده ساعة أو مدة أكثر منها بعد أن يكون ممتنعا ثم قتله بعد برمية أكل ما كان باقيا فيه من أعضائه ولم يأكل العضو الذى بان منه وفيه الحياة التى يبقى بعدها لانه عضو مقطوع من حى ولا يؤكل ما قطع من حى أدركت ذكاته أو لم تدرك ولو كان موته من القطع الاول أكلهما معا وقال
بعض الناس إذا ضربه فقطعه نصفين أكل وإن قطعه بأقل من النصف فكان الاقل مما يلى العجز أكل الذى يلى الرأس ولم يأكل الذى يلى العجز (قال الشافعي) وإذا كانت الضربة التى مات منها ذكاة لبعضه كانت ذكاة لكله ولم يصلح أن يؤكل منهما واحد دون صاحبه (قال الشافعي) وكل ما كان يعيش في الماء من حوت أو غيره فأخذه ذكاته لا ذكاة عليه ولو ذكاه لم يحرم ولو كان من شئ تطول حياته فذبحه لان يستعجل موته ما كرهته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثنى لا ذكاة له لانه ذكى في نفسه فلا يبالى من أخذه وسواء ماكان منه يموت حين يخرج من الماء وما كان يعيش إذا كان منسوبا إلى الماء وفيه أكثر عيشه وإذا كان هكذا فسواء ما لفظ البحر وطفا من ميتته وما أخرج منه وقد خالفنا بعض المشرقيين فزعم أنه لا بأس بما لفظ البحر ميتا وما أخذه الانسان ميتا قبل أن يطفو فإذا طفا فلا(2/251)
خير فيه ولا أدرى أي وجه لكراهية الطافى والسنة تدل على أكل ما لفظ البحر ميتا بضع عشرة ليلة وهو يقول ذلك والقياس أنه كله سواء ولكنه بلغنا أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " سمى جابرا أو غيره " كره الطافى فاتبعنا فيه الاثر (قال الشافعي) قلنا لو كنت تتبع الآثار أو السنن حين تفرق بين المجتمع منها بالاتباع حمدناك ولكنك تتركها ثابتة لا مخالف لها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأخذ ما زعمت برواية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الطافى وقد أكل أبو أيوب سمكا طافيا وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زعمت القياس وزعمنا السنة وأنت تزعم انه لو لم تكن سنة فقال الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا معه القياس وعدد منهم قولا يخالف كان علينا وعليك اتباع القول الذى يوافق القياس وقد تركته في هذا ومعه السنة والقياس، وذكر أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب أكل سمكا طافيا (باب ما ملكه الناس من الصيد) (قال الشافعي) كل ما كان له أصل في الوحش وكان في أيدي الناس منه شئ قد ملكوه فأصابه رجل فعليه رده فإن تلف في يده فعليه قيمته وذلك مثل الظباء والاروى وما أشبهه والقمارى والدباسى والحجل وما أشبهها وكل ما صار إلى رجل من هذا بأن صاده أو صيد له أو صار إليه بوجه من الوجوه
فلم يعرف له صاحبا فلا بأس عليه فيه لان أصله مباح ولا يحرم عليه حتى يعلم أن غيره قد ملكه فإن أخذه فاستهلكه أو بقى في يديه فادعاه مدع فالورع أن يصدقه ويرده عليه أو قيمته والحكم أن ليس عليه تصديقه إلا ببينة يقيمها عليه وكل ما كان في أيدى الناس مما لا أصل له في الوحش مثل الحمام غير حمام مكة فهو كالشاة والبعير فليس لاحد أخذه بوجه من الوجوه لانه لا يكون إلا مملوكا وكذلك لو أصابه في الجبل أو غيره قد فرخ فيه لم يكن له أخذه من قبل أن أفراخه لمالك أمهاته كما لو أصاب الجمر الاهلية مباحة لم يكن له أخذها لانها لا تكون إلا لمالك وهذا عندنا كما وصفت فإن كان بلد فيه شئ من هذا معروفا أنه لغير مالك فهو كما وصفت من الحجل والقطا (قال الشافعي) وإذا كان لرجلين برجان فتحول بعض حمام هذا إلى برج هذا فلازم له أن يرده كما يرد ضوال الابل إذا أوت إلى إبله فإن لم يعرفها إلا بادعاء صاحبها لها كان الورع أن يصدقه فيما ادعى ما لم يعرفه ادعى ما ليس له والحكم أن لا يجبر على تصديقه إلا ببينة يقيمها ولا نحب له حبس شئ يشك فيه ونرى له إعطاءه ما عرف وتأخى ما لم يعرف واستحلال صاحبه فيما جهل، والجواب في الحمام مثله في الابل والبقر والرقيق (قال الشافعي) فإذا ملك الرجل الصيد ساعة ثم انفلت منه فأخذه غيره كان عليه رده إليه كان ذلك من ساعة انفلت منه فأخذه أو بعد مائة سنة لا فرق بين ذلك، ولا يجوز غير هذا أو يكون حين زايل يد، لا يملكه فلو أخذه من ساعته لم يرده إليه (1) فأما يرده إذا انفلت قريبا ولا يرده إذا انفلت بعيدا فليس هذا مما يعذر أحد بجهالته وإذا أصاب الرجل الصيد مقلدا أو مقرطا أو موسوما أو به علامة لا يحدثها إلا الناس فقد علم أنه مملوك لغيره فلا يحل له إلا بما تحل به ضالة الغنم وذلك أن ضالة الغنم لا تغنى عن نفسها قد تحل بالارض المهلكة ويغرمها من أخذها إذا جاء صاحبها والوحش كله في معنى الابل وقد
__________
(1) قوله: فأما يرده الخ هكذا في النسخ، وانظر.
كتبه مصححه.(2/252)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتي ربها " فقلنا كل ما كان ممتنعا بنفسه يعيش بغير راعية كما يعيش للبعير فلا سبيل إليه والوحش كله في هذا المعنى فكذلك البقرة الانسية وبقرة الوحش والظباء والطير كله (قال) وما يدل عليه الكتاب ثم السنة ثم الآثار ثم القياس أنه لا يجزى المحرم من الصيد شيئا لا يؤكل لحمه ويجزى ما كان لحمه مأكولا منه
والبازى والصوائد كلها لا تؤكل لحومها كما لا تؤكل لحوم الغربان فإن قتل المحرم بازا لانسان معلما ضمن له قيمته في الحال التي يقتله بها معلما كما يقتل له العبد الخباز أو الصباغ أو الكاتب فيضمن له قيمته في حاله التى قتله فيها ويقتل له البعير النجيب والبرذون (1) الماشي فيضمن له قيمته في الحال التى قتله فيها ولا فدية في الاحرام عليه لانه قتله وليس لاحد لم يكن عليه فيه فدية ولو قتل له ظبيا كانت عليه شاة يتصدق بها على مساكين الحرم وقيمته بالغة ما بلغت لصاحبه كانت أقل من شاة أو أكثر (قال الشافعي) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب فلا يحل بيع كلب ضار ولا غيره وهكذا قال بعض أصحابنا وقال فإن قتله فعليه قيمته وقيمته بيع ذلك مردود لانه ثمن المحرم والمحرم لا يكون إلا مردودا أعلم بذلك من ساعته أو بعد مائة سنة كما يكون الخمر والخنزير وما لا يحل ثمنه بحال مردودا وليس فيه إلا هذا أو ما قال المشرقيون بأن ثمنه يجوز كما يجوز ثمن الشاة فأما أن يزعم أن أصله محرم يرده إن قرب ولا يرده إن بعد فهذا لا يجوز لاحد ولا يعذر به ولو جاز هذا لاحد بلا خبر يلزم جاز عليه أن يرد الثمن إذا بعد ولا يرده إذا قرب فإن قال استحسنت في هذا؟ قيل له ونحن نستحسن ما استقبحت ونستقبح ما استحسنت ولا يحرم بيع حى من دابة ولا طير ولا نجاسة في واحد منهما إلا الكلب والخنزير فإنهما نجسان حيين وميتين ولا يحل لهما ثمن بحال (قال الشافعي) ومن قتل كلب زرع أو كلب ماشية أو صيد أو كلب الحرس لم يكن عليه قيمته من قبل أن الخبر إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ثمنه وهو حى لم يحل أن يكون له ثمن حيا ولا ميتا وأنا إذا أغرمت قاتله ثمنه فقد جعلت له ثمنا حيا وذلك ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو جاز أن يكون له ثمن في إحدى حالتيه كان ثمنه في الحياة مبيعا حين يقتنيه المشترى للصيد والماشية والزرع أجوز منه حين يكون لا منفعة فيه (قال الشافعي) وإذا كان لك على نصراني حق من أي وجه ما كان ثم قضاكه من ثمن خمر أو خنزير تعلمه لم يحل لك أن تأخذه وسواء في ذلك حلاله وحرامه فيما قضاكه أو وهب لك أو أطعمك كما لو كان لك على مسلم حق فأعطاك من مال غصبه أو ربا أو بيع حرام لم يحل لك أخذه وإذا غاب عنك معناه من النصراني والمسلم فكان ما أعطاك من ذلك أو أطعمك أو وهب لك أو قضاك يحتمل أن يكون من حلال وحرام وسعك أن تأخذه على انه حلال حتى تعلم انه حرام والورع أن تتنزه عنه ولا يعدو ما
أعطاك نصراني من ثمن خمر أو خنزير بحق لك أو تطوع منه عليك أن يكون حلالا لك لانه حلال له إذا كان يستحله من أصل دينه أو يكون حراما عليك باختلاف حكمك وحكمه ولا فرق بين ما أعطاك من ذلك تطوعا أو بحق لزمه واما ان يكون حلالا فحلال الله تعالى لجميع خلقه وحرامه عليهم واحد وكذلك هو في الخمر والخنزير وثمنهما محرمان على النصراني كهو على المسلم فإن قال قائل فلم لا تقول إن ثمن الخمر والخنزير حلال لاهل الكتاب وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به؟ قيل قد اعلمنا الله عز وجل أنهم لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله إلى قوله " وهم صاغرون " (قال
__________
(1) قوله: الماشي، هكذا في النسخ.
وانظر.
كتبه مصححه.(2/253)
الشافعي) فكيف يجوز لاحد عقل عن الله عزوجل أن يزعم أنها لهم حلال وقد أخبرنا الله تعالى أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله؟ فإن قال قائل فأنت تقرهم عليها؟ قلت: نعم، وعلى الشرك بالله لان الله عزوجل أذن لنا ان نقرهم على الشرك واستحلالهم شربها وتركهم دين الحق بأن تأخذ منهم الجزية قوة لاهل دينه وحجة الله تعالى عليهم قائمة لا مخرج لهم منها ولا عذر لهم فيها حتى يؤمنوا بالله ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله وكل ما صاده حلال في غير حرم مما يكون بمكة من حمامها وغيره فلا بأس به لانه ليس في الصيد كله ولا في شئ منه حرمة يمنع بها نفسه إنما يمنع بحرمة من غيره، من بلد أو إحرام محرم أو بحرمة لغيره من أن يكون ملكه مالك، فأما بنفسه فليس بممنوع.
(باب ذبائح أهل الكتاب) (قال الشافعي) رحمه الله: أحل الله طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله تعالى فهى حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله تعالى مثل اسم المسيح أو يذبحونه باسم دون الله تعالى لم يحل هذا من ذبائحهم ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا فإن قال قائل وكيف زعمت أن ذبائحهم صنفان وقد أبيحت مطلقة؟ قيل قد يباح الشئ مطلقا وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا زعم زاعم ان المسلم إن نسى اسم الله تعالى أكلت ذبيحته وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته وهو لا
يدعه للشرك كان من يدعه على الشرك أولى أن تترك ذبيحته، وقد أحل الله عزوجل لحوم البدن مطلقة فقال " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها " ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أن لا يؤكل من البدنة التى هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة، لا أنها خلاف للقرآن ولكنها محتملة ومعقول أن من وجب عليه شئ في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا لانا إذا جعلنا له أن يأخذ منه شيئا فلم نجعل عليه الكل إنما جعلنا عليه البعض الذى أعطى فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلنا.
(ذبائح نصارى العرب) (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة مولى عمر أو ابن سعد الفلجة ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال " ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب اعناقهم " (قال الشافعي) أخبرنا الثقفى عن ايوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن على رضى الله عنه انه قال " لا تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر " (قال الشافعي) كأنهما ذهبا إلى أنهم لا يضبطون موضع الدين فيعقلون كيف الذبائح وذهبوا إلى أن اهل الكتاب هم الذين أوتوه لا من دان به بعد نزول القرآن وبهذا نقول لا تحل ذبائح نصارى العرب بهذا المعنى والله أعلم.
وقد روى عكرمة عن ابن عباس أنه أحل ذبائحهم وتأول " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وهو لو ثبت عن ابن عباس كان المذهب إلى قول عمر(2/254)
وعلى رضى الله تعالى عنهما أولى ومعه المعقول فأما " من يتولهم منكم فإنه منهم " فمعناها على غير حكمهم وهكذا القول في صيدهم من أكلت ذبيحته أكل صيده ومن لم تحل ذبيحته لم يحل صيده إلا بان تدرك ذكاته.
(ذبح نصارى العرب) (قال الشافعي) رحمه الله لا خير في ذبائح نصارى العرب فإن قال قائل فما الحجة في ترك ذبائحهم؟ فما يجمعهم من الشرك وأنهم ليسوا الذين أوتوا الكتاب فإن قال فقد نأخذ منهم الجزية قلنا ومن المجوس ولا نأكل ذبائحهم، ومعنى الذبائح معنى غير معنى الجزية فإن قال فهل من حجة من أثر
يفزغ إليه؟ فنعم ثم ذكر حديثا أن عمر بن الخطاب قال " ما نصارى العرب بأهل كتاب ولا تحل لنا ذبائحهم " ذكره إبراهيم بن أبى يحيى ثم لم أكتبه فإن قال قائل فحديث ثور عن ابن عباس رضى الله عنهما؟ قيل ثور، روى عن عكرمة عن ابن عباس ولم يدرك ثور ابن عباس فإن قال قائل ما دل على الذى رواه عكرمة؟ فحدثنا إبراهيم عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس بهذا الحديث قال وما أفرى الاوداج (1) غير مثرد ذكى به غير الظفر والسن فإنه لا تحل الذكاة بهما لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذكاة بهما.
(المسلم يصيد بكلب المجوسى) (قال الشافعي) رحمه الله في المسلم يصيد بكلب المجوسى المعلم يؤكل من قبل أن الصيد قد جمع المعنيين اللذين يحل بهما الصيد وهما أن الصائد المرسل هو الذى تجوز ذكاته وأنه قد ذكى بما تجوز به الذكاة وقد اجتمع الامران اللذان يحل بهما الصيد وسواء تعليم المجوسى وتعليم المسلم لانه ليس في الكلب معنى إلا ان يتأدب بالامساك على من أرسله فإذا تأدب به فالحكم حكم المرسل لا حكم الكلب وكذلك كلب المسلم يرسله المجوسى فيقتل لا يحل أكله، لان الحكم حكم المرسل وإنما الكلب أداة من الاداة.
(ذكاة الجراد والحيتان) (قال الشافعي) ان ذوات الارواح التي يحل أكلها صنفان صنف لا يحل إلا بأن يذكيه من تحل ذكاته والصيد والرمى ذكاة ما لا يقدر عليه، وصنف يحل بلا ذكاة ميته ومقتوله إن شاء (2) وبغير الذكاة وهو الحوت والجراد وإذا كان كل واحد منهما يحل بلا ذكاة حل ميتا فأى حال وجدتهما ميتا أكل لا فرق بينهما فمن فرق بينهما فالحوت كان أولى أن لا يحل ميتا لان ذكاته أمكن من ذكاة الجراد
__________
(1) قوله: غير مثرد بالثاء المثلثة والراء المكسورة المشددة وعبارة اللسان المثرد الذى يقتل بغير ذكاة، وقيل التثريد أن يذبح الذبيحة بشئ لا ينهر الدم ولا يسيله فهذا المثرد اه.
كتبه مصححه.
(2) قوله: ويغير الزكاة، كذا في النسخ، وانظره مع قوله: قبله يحل بلا زكاة.(2/255)
فهو يحل ميتا والجرادة تحل ميتة ولا يجوز الفرق بينهما فإن فرق بينهما فارق فليدلل من سن له ذكاة الجراد أو أحل له بعضه ميتا وحرم عليه بعضه ميتا؟ ما رأيت الميت يحل من شئ إلا الجراد والحوت (قال الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحلت لنا ميتتان ودمان.
أما الميتتان الحوت والجراد، والدمان أحسبه قال الكبد والطحال ".
أخبرنا الربيع قال اخبرنا الشافعي قال أخبرنا حاتم بن إسماعيل والدراوردى أو أحدهما عن جعفر عن أبيه رضى الله عنهما قال: النون والجراد ذكى.
(ما يكره من الذبيحة) (قال الشافعي) رحمه الله: إذا عرفت في الشاة الحياة تتحرك بعد الذكاة أو قبلها أكلت وليس يتحرك بعد الذكاة ما مات قبلها إنما يتحرك بعدها ما كان فيه الروح قبلها (قال) وكل ما عرفت فيه الحياة ثم ذبحت بعده، أكلت.
(ذكاة ما في بطن الذبيحة) (قال الشافعي) في ذبح الجنين إنما ذبيحته تنظيف وإن لم يفعل فلا شئ عليه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة الشاة، تربط ثم ترمى بالنبل.
(ذبائح من اشترك في نسبه من أهل الملل وغيرهم) (قال الشافعي) في الغلام أحد أبويه نصراني والآخر مجوسي يذبح أو يصيد لا تؤكل ذبيحته ولا صيده لانه من أبويه وليس هذا كالمسلم يكون ابنه الصغير على دينه ولا كالمسلمة يكون ابنها على دينها من قبل أن حظ الاسلام إذا شرك حظ الكفر فيمن لم يدن كان حظ الاسلام أولى به، وليس حظ النصرانية بأولى من حظ المجوسية ولا حظ المجوسية بأولى من حظ النصرانية كلاهما كفر بالله ولو ارتد نصراني إلى مجوسية أو مجوسي إلى نصرانية لم نستتبه ولم نقتله لانه خرج من كفر إلى كفر ومن خرج من دين الاسلام إلى غيره قتلناه إن لم يتب فإذا بلغ هذا المولود فدان دين أهل الكتاب فهو منهم أكلت ذبيحته فإن ذهب رجل يقيس الاسلام بالكفر الحق الولد بالنصرانية فزعم ان النصرانية تعمل ما يعمل الاسلام دخل عليه أن يفرق بين من يرتد من نصرانية إلى مجوسية ودخل لغيره عليه أن يقول ولد الامة
من الحر عبد حكمه حكم أمه، وولد الحرة من العبد حر حكمه حكم أمه فجعل حكم الولد المسلم حكم الام دون الاب (1) فإن قال قائل المرتد عن الاسلام يقتل، والاسلام غير الشرك ولا يؤكل صيد لم يصده مسلم ولا كتابي يقر على دينه ولا أعلم من الناس أحدا مجوسيا ولا وثنيا أشر ذبيحة منه من قبل أنه يجوز للحاكم أن يأخذ الجزية من المجوسى ويقره على دينه ويجوز له بعد القدرة على الحربى
__________
(1) قوله: فإن قال الخ كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط.(2/256)
أن يدعه بلا قتل ولا يجوز له هذا في المرتد فيحل دمه بما يحل به دم المحارب ولا يحل فيه تركه كما يحل في المحارب لعظم ذنبه بخروجه من دين الله الذى ارتضى.
(الذكاة وما أبيح أكله وما لم يبح) (قال الشافعي) الذكاة وجهان: وجه فيما قدر عليه الذبح والنحر وفيما لم يقدر عليه ما ناله الانسان بسلاح بيده أو رميه بيده فهى عمل يده أو ما أحل الله عزوجل من الجوارح ذوات الارواح المعلمات التى تأخذ بفعل الانسان كما يصيب السهم بفعله فأما المحفرة فإنها ليست واحدا من ذا كان فيها سلاح يقتل أو لم يكن ولو أن رجلا نصب سيفا أو رمحا ثم اضطر صيدا إليه فأصابه فذكاه لم يحل أكله لانها ذكاة بغير قتل أحد وكذلك لو مرت شاة أو صيد فاحتكت بسيف فأتى على مذبحها لم يحل أكلها لانها قاتلة نفسها لا قاتلها غيرها ممن له الذبح والصيد وإذا صاد رجل حيتانا وجرادا فأحب إلى لو سمى الله تعالى ولو ترك ذلك لم نحرمه إذا أحللته ميتا فالتسمية إنما هي من سنة الذكاة فإذا سقطت الذكاة حلت بترك التسمية والذكاة ذكاتان، فأما ما قدر على قتله من أنسى أو وحشى فلا ذكاة إلا في اللبة والحلق وأما ما هرب منه من أنسى أو وحشى فما ناله به من السلاح فهو ذكاته إذا قتله، ومثله البعير وغيره يتردى في البئر فلا يقدر على مذبحه ولا منخره فيضرب بالسكين على أي آرابه قدر عليه ويسمى وتكون تلك ذكاة له (قال) ولو حدد المعراض حتى يمور موران السلاح فلا بأس بأكله.
(الصيد في الصيد) (قال الشافعي) وإذا وجد الحوت في بطن حوت أو طائر أو سبع فلا بأس بأكل الحوت ولو وجد
في ميت لم يحرم لانه مباح ميتا ولو كنت أحرمه لان حكمه حكم ما في بطنها لم يحل ما كان منه في بطن سبع لان السبع لا يؤكل ولا في بطن طائر إلا أن أدرك ذكاته ثم ما كان لى أن أجعل ذكاته بذكاة الطائر لانه ليس بمخلوق من الطائر إنما تكون ذكاة الجنين في البطن ذكاة أمه لانه مخلوق منها وحكمه حكمها ما لم يزايلها في الآدميين والدواب فأما ما ازدرده طائر فلو ازدرد عصفورا ما كان حلالا بأن يذكى المزدرد وكان على من وجده أن يطرحه فكذلك ما أصبنا في بطن طائر سوى الجراد والحوت فلا يؤكل لحما كان أو طائرا لانه شئ من غيره فإنما تقع ذكاته على ما هو منه لا على ما هو من غيره فكذلك الحوت لو ازدرد شاة، أكلنا الحوت وألقينا الشاة لان الشاة غير الحوت.
(إرسال الرجل الجارح) (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أرسل الرجل الجارح طائرا كان أو دابة على الصيد فمضى ثم صرعه فرأى الصيد أو لم يره فإن كان إنما رجع عن سننه وأخذ طريقا إلى غيرها فهذا طالب غير راجع فإن قتل الصيد أكل، وإذا رجع إلى صاحبه رأى الصيد أو لم يره ثم عاد بعد رجوعه فقتله لم يؤكل من قبل أن الارسال الاول قد انقضى وهذا إحداث طلب بعد إرسال فإن زجره صاحبه برجوعه(2/257)
فانزجر أو في وقفة وقفها فاستقبل أو في طريق غير طريق الصيد فعاد في جريه فقتله أكل وكان ذلك كإرساله إياه من يده (قال الشافعي) وإذا رمى الصيد فأثبته إثباتا لا يقدر معه على أن يمتنع من أن يؤخذ أو كان مريضا أو مكسورا أو صغيرا لا يستطيع الامتناع من أن يؤخذ فرمى فقتل لم يحل أكله ولا يحل هذا إلا بالذكاة والذكاة وجهان ما كان من وحشى أو أنسى فما قدر عليه بغير الرمى والسلاح لم يحل إلا بذكاة، وما لم يقدر عليه إلا برمى أو بسلاح فهو ذكاة له.
(باب في الذكاة والرمى) (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية ابن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله " إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أنذكى بالليط؟ ".
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوه إلا ما كان من سن
أو ظفر فإن السن عظم من الانسان والظفر مدى الحبش " (قال الشافعي) فإن كان رجل رمى صيدا فكسره أو قطع جناحه أو بلغ به الحال التى لا يقدر الصيد أن يمتنع فيها من ان يكون مأخذوا فرماه أحد فقتله كان حراما وكان على الرامى قيمته بالحال التى رماه بها مكسورا أو مقطوعا لانه مستهلك لصيد قد صار لغيره، ولو رماه فأصابه ثم أدرك ذكاته فذكى كان للرامي الاول وكان على الرامى الثاني ما نقصته الرمية في الحال التى أصابه فيها ولو رماه الاول فأصابه وكان ممتنعا بطيران إن كان طائرا أو بعد، وإن كان دابة، ثم رماه الثاني فأثبته حتى لا يستطيع أن يمتنع كان للثاني ولو رماه الاول في هذه الحال فقتله ضمن قيمته للثاني لانه قد صار له دونه، ولو رمياه معا فمضى ممتنعا ثم رماه ثالث فصيره غير ممتنع كان للثالث دون الاولين، ولو رماه الاولان بعد رمية الثالث فقتلاه ضمناه، ولو رمياه معا أو أحدهما قبل الآخر فأخطأته إحدى الرميتين وأصابته الاخرى كان الذى أصابته رميته ضامنا ولو أصابتاه معا أو إحداهما قبل الاخرى كانت الرميتان مستويتين أو مختلفتين إلا أنهما قد جرحتاه فأنفذت إحداهما مقاتله ولم تنفذه الاخرى كانا جميعا قاتلين له وكان الصيد بينهما كما يجرح الرجلان الرجل أحدهما الجرح الخفيف والآخر الجرح الثقيل أو عدد الجراح الكثيرة فيكونان جميعا قاتلين فإن كانت إحدى الرميتين أتت منه على ما لا يعيش منه طرفة عين مثل أن تقطع حلقومه أو مريئه أو رأسه أو تقطعه باثنين فإن كانت هي التي وقعت اولا ثم وقعت الرمية الاخرى آخرا فإنما رمى الآخر ميتا فلا ضمان عليه إلا أن يكون أفسد بالرمية جلدا أو لحما فيضمن قدر ما أفسد من الجلد أو اللحم ويكون الصيد للرامي الذى ذكاه ولو كانت الرمية التى لم تبلغ ذكاته أولا والرمية التى بلغت ذكاته آخرا كان للرامي الآخر لانه الذى ذكاه ولم يكن على الرامى الاول شئ لانه لم يجن عليه بعد ما صار له ولا على الذى ذكاه شئ لانه إنما رمى صيدا ممتنعا له رميه ولو كان رماه فبلغ أن لا يمتنع مثله وتحامل فدخل دار رجل فأخذه الرجل فذكاه كان للاول لانه الذى بلغ به أن يكون غير ممتنع وكان على صاحب الدار ما نقصته الذكاة إن كانت نقصته شيئا ولو أخذه صاحب الدار ولم يذكه كان عليه رده إلى صاحبه ولو مات في يده قبل أن يرده كان ضامنا له من قبل أنه متعد بأخذه ومنع من صاحبه ذكاته ولو كانت الرمية لم تبلغ به أن يكون غير ممتنع وكان فيه ما يتحامل طائرا أو عاديا فدخل دار رجل فأخذه كان لصاحب الدار
(قال الشافعي) ولو رماه الاول ورماه الثاني فلم يدر أبلغ به الاول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه(2/258)
بينهما نصفين كما نجعل القاتلين معا وهو على الذكاة حتى يعلم أنه قد صار إلى حال لا يقدر فيها على الامتناع ويكون مقدورا على ذكاته (قال) وإذا رمى الرجل طائرا يطير فأصابه أي أصابة ما كانت أو في أي موضع ما كان إذا جرحته فأدمته أو بلغت أكثر من ذلك فسقط إلى الارض ووجدناه ميتا لم ندر أمات في الهواء أو بعدما صار إلى الارض أكل من قبل أنه مما أحل من الصيد وأنه لا يوصل إلى ان يكون مأخوذا إلا بالوقوع ولو حرمنا هذا خوفا أن تكون الارض قتلته حرمنا صيد الطير كله إلا ما أخذ منه فذكى وكذلك لو وقع على جبل أو غيره فلم يتحرك عنه حتى أخذ ولكنه لو وقع على جبل فتردى عن موضعه الذى وقع عليه قليلا أو كثيرا كان مترديا لا يؤكل إلا أن يذكى حتى يحيط العلم أنه مات قبل أن يتردى أو تجد الرمية قد قطعت رأسه أو ذبحته أو قعطته باثنين فيعلم حينئذ انه لم يقع إلا ذكيا فإن وقع على موضع فتردى فمر بحجارة حداد أو شوك أو شئ يمكن أن يكون قطع رأسه أو نصفه أو أتى على ذلك لم يؤكل حتى يحيط العلم أنه لم يترد إلا بعد ما مات وإذا رمى الرجل بسهمه صيدا فأصاب غيره أو أصابه فأنفذه وقتل غيره فسواء ويأكل كل ما أصاب إذا قصد بالرمية قصد صيد يراه فقد جمع الرمية التى تكون بها الذكاة وإن نوى صيدا وإذا رمى الرجل الصيد بحجر أو بندقة فخرقت أو لم تخرق فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته لان الغالب منها أنها غير ذكاة وواقذة وأنها إنما قتلت بالثقل دون الخرق وأنها ليست من معاني السلاح الذى يكون ذكاة ولو رمى بمعراض فأصاب بصفحه فقتل كان موقوذا لا يؤكل ولو أصاب بنصله وحده نصله محدد فخرق أكل من قبل أنه سهم إنما يقتل بالخرق لا بالثقل ولو رمى بعصا أو عود كان موقوذالا يؤكل ولو خسق كل واحد منهما فإن كان الخاسق منهما محددا يمور مور السلاح بعجلة السلاح أكل وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظرت فإن كان العود أو العصا خفيفين كخفة السهم أكلت لانهما إذا خفا قتلا بالمور وان ابطئا، وإن كانا أثقل من ذلك بشئ متباين لم يؤكل من قبل أن الاغلب على ان القتل بالثقل فيكون موقوذا.
(الذكاة)
(قال الشافعي) رحمه الله أحب الذكاة بالحديد وأن يكون ما ذكى به من الحديد موحيا أخف على لمذكى وأحب أن يكون المذكى بالغا مسلما فقيها ومن ذكى من امرأة أو صبى من المسلمين جازت ذكاته وكذلك من ذكى من صبيان أهل الكتاب ونسائهم وكذلك كل ما ذكى به من شئ أنهر الدم وفرى الاوداج والمذبح ولم يثرد جازت به الذكاة إلا الظفر والسن فإن النهى جاء فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذكى بظفره أو سنه وهما ثابتان فيه أو زائلان عنه أو بظفر سبع أو سنه أو ما وقع عليه اسم الظفر من أظفار الطير أو غيره لم يجز الاكل به لنص السنة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق (قال الشافعي) كمال الذكاة بأربع الحلقوم والمرئ والودجين وأقل ما يكفى من الذكاة اثنان الحلقوم والمرئ وإنما أحببنا أن يؤتى بالذكاة على الودجين من قبل أنه إذا أتى على الودجين فقد استوظف قطع الحلقوم والمرئ حتى أبانهما وفيهما موضع الذكاة لا في الودجين لان الودجين عرقان قد يسيلان من الانسان ثم يحيا والمرئ هو الموضع الذى يدخل فيه طعام كل خلق يأكل من بشر أو بهيمة والحلقوم موضع النفس وإذا بانا فلا حياة تجاوز طرفة عين فلو قطع الحلقوم والودجين دون المرئ لم تكن ذكاة لان الحياة قد تكون بعد هذا مدة وإن قصرت(2/259)
وكذلك لو قطع المرئ والودجين دون الحلقوم لم تكن ذكاة من قبل أن الحياة قد تكون بعد هذا مدة وإن قصرت فلا تكون الزكاة إلا ما يكون بعده حياة طرفة عين وهذا لا يكون إلا في اجتماع قطع الحلقوم والمرئ دون غيرهما.
(باب موضع الذكاة في المقدور على ذكاته وحكم غير المقدور عليه) (قال الشافعي) الذكاة ذكاتان فذكاة ما قدر عليه من وحشى أو أنسى الذبح أو النحر وموضعهما اللبة والمنحر والحلق لا موضع غيره لان هذا موضع الحلقوم والمرئ والودجين فذلك الذكاة فيه بما جاءت السنة والآثار وما لم يقدر عليه فذكاته ذكاة الصيد أنسيا كان أو وحشيا فإن قال قائل بأى شئ قست هذا؟ قيل قسته بالسنة والآثار وقد كتبت ذلك في غير هذا الموضع لان السنة أنه أمر في الانسى بالذبح والنحر إذا قدر على ذلك منه وفى الوحشى بالرمي والصيد بالجوارح فلما قدر على الوحشى فلم
يحل إلا بما يحل به الانسى كان معقولا عن الله تعالى أنه إنما أراد به الصيد في الحال التى لا يقدر عليها على ان يكون فيها مذكى بالذبح والنحر وكذلك لما أمر بالذبح والنحر في الانسى فامتنع امتناع الوحشى كان معقولا أنه يذكى بما يذكى به الوحشى الممتنع فإن قال قائل لا أجد هذا في الانسى قيل ولا يجد في الوحشى الذبح فإذا أحلته إلى الذبح والاصل الذى في الصيد غير الذبح حين صار مقدورا عليه فكذلك فأحل الانسى حين صار إلى الامتناع إلى ذكاة الوحشى فإن قلت لا أحيل الانسى وإن امتنع إلى ذكاة الوحشى جاز عليك لغيرك أن يقول لا أحيل الوحشى إذا قدر عليه إلى ذكاة الانسى وأثبت على كل واحد منهما ذكاته في أي حال ما كان ولا أحيلهما عن حالهما بل هذا لصاحب الصيد أولى لانى لا أعلم في الصيد خبرا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وأعلم في الانسى يمتنع خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم يثبت بأنه رأى ذكاته كذكاة الوحشى كيف يجوز لاحد أن يفرق بين المجتمع؟ ثم إذا فرق أبطل الثابت من جهة الخبر ويثبت غيره من غير جهة الخبر؟ (قال) وإذا رمى الرجل بسيف أو سكين صيدا فأصابه بحد السيف أو حد السكين فمار فيه فهو كالسهم يصيبه بنصله وإن أصابه بصفح السيف أو بمقبضه أو قفاه إن كان ذا قفا أو بنصاب السكين أوقفاه أو صفحه فانحرف الحد عليه حتى يمور فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته وهذا كالسهم يرمى به والخشبة والخنجر فلا يؤكل لانه لا يدرى أيهم قتله (قال) وإن رمى صيدا بعينه بسيف أو سهم ولا ينوى أن يأكله فله أن يأكله كما يذبح الشاة لا ينوى أن يأكلها فيجوز له أكلها ولو رمى رجل شخصا يراه يحسبه خشبة أو حجرا أو شجرا أو شيئا فأصاب صيدا فقتله كان أحب إلى أن يتنزه عن أكله ولو أكله ما رأيته محرما عليه وذلك أن رجلا لو أخطأ بشاة له فذبحها لا يريد ذكاتها أو أخذها بالليل فحز حلقها حتى أتى على ذكاتها وهو يراها خشبة لينة أو غيرها ما بلغ علمي أن يكون ذا محرما ما عليه ولو دخل علينا بالتحريم عليه إذا أتى على ما يكون ذكاة إذا لم ينو الذكاة دخل علينا أن يزعم أن رجلا لو أخذ شاة ليقتلها لا ليذكيها فذبحها وسمى لم يكن له أكلها ودخل علينا أن لو رمى ما لا يؤكل من الطائر والدواب فأصاب صيدا يؤكل لم يأكله من قبل أنه قصد بالرمية قصد غير الذكاة ولا نية المأكول ودخل علينا أن لو أراد ذبح شاة فأخطأ بغيرها فذبحه لم يكن له أكله ولو أضجع شاتين ليذبح إحدهما ولا يذبح الاخرى فسمى وأمر السكين
فذبحهما حل له أكل التى نوى ذبحها ولم يحل له أكل التى لم ينو ذبحها ودخل علينا أكثر من هذا وأولى(2/260)
أن يدخل مما أدخله بعض أهل الكلام وذلك أن يذبح الرجل شاة غيره فيدركها الرجل المالك لها فزعم أنه لا يحل أكلها لواحد منهما من قبل أن ذابحها عاص لا يحل له أكلها ومالكها غير ذابح لها ولا آمر بذبحها وهذا قول لا يستقيم يخالف الآثار ولا أعلم في الامر بالذبح ولا في النية عمل غير الذكاة ولقد دخل على قائل هذا القول منه ما تفاحش حتى زعم أن رجلا لو غصب سوطا من رجل فضرب به أمته حد الزنا ولو كان الغاصب السلطان فضرب به الحد لم يكن واحد من هذين محدودا وكان عليهما أن يقام عليهما الحد بسوط غير مغصوب فإذا كان هذا عند أهل العلم على غير ما قال فالية أولى أن لا تكون في الذبائح والصيد تعمل شيئا والله أعلم (قال الشافعي) وما طلبته الكلاب أو البزاة فأتعبته فمات ولم تنله فلا يؤكل لانه ميتة وإنما تكون الذكاة فيما نالت لانها بما نالت تقوم مقام الذكاة ولو أن رجلا طلب شاة ليذبحها فأتعبها حتى ماتت لم يأكلها وما أصيب من الصيد بأى سلاح ما كان ولم يمر فيه فلا يؤكل حتى يبلغ أن يمر فيدمى أو يجاوز الادماء فيخرق أو يهتك وما نالته الكلاب والصقور والجوارح كلها فقتلته ولم تدمه احتمل معنيين أحدهما أن لا يؤكل حتى يخرق شيئا لان الجارح ما خرق وقد قال الله تبارك وتعالى " الجوارح " والمعنى الثاني أن فعلها كله ذكاة فبأى فعلها قتلت حل وقد يكون هذا جائزا فيكون فعلها غير فعل السلاح لان فعل السلاح فعل الآدمى وأدنى ذكاة الآدمى ما خرق حتى يدمى وفعلها عمد القتل لا على أن في القتل فعلين أحدهما ذكاة والآخر غير ذكاة وقد تسمى جوارح لانها تجرح فيكون اسما لازما وأكل ما أمسكن مطلقا فيكون ما أمسكن حلالا بالاطلاق ويكون الجرح إن جرحها هو اسم موضوع عليها لا أنها إن لم تجرح لم يؤكل ما قتلت وإذا أحرز الرجل الصيد فربطه وأقام عنده أو لم يقم فانفلت منه فصاده غيره من ساعته أو بعد دهر طويل فسواء ذلك كله وهو لصاحبه الذي أحرزه لانه قد ملكه ملكا صحيحا كما يملك شاته ألا ترى أن رجلا لو قتله في يديه ضمن له قيمته كما يضمن له قيمة شاته فإذا كان هذا هكذا فقد ملكه ملك الشاة ألا ترى أن حمار الانسى لو استوحش
فأخذه رجل كان للمالك الاول وسنة الاسلام أن من ملك من الآدميين شيئا لم يخرج من ملكه إلا بأن يخرجه هو ولو كان هرب الوحشى من يديه يخرجه من ملكه كان هرب الانسى يخرجه من ملكه ويسأل من خالف هذا القول إذا هرب خرج من ملكه بهرب نفسه يملك نفسه فلا يجوز لاحد غيره أن يملكه فإن قال لا وكيف تملك البهائم أنفسها؟ قيل وهكذا لا يملكها غير من ملكها على من ملكها إلا بإخراجه إياها من يده ويسأل ما فرق بين أن يخرج من يده فيصير ممتنعا فإن أخذه غيره كان للاول إذا تقارب ذلك وإن تباعد كان للاخر أفرأيت إن قال قائل إذا تباعد كان للاول وإذا تقارب كان للاخر ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن يقال لا يجوز إلا أن يكون للاول بكل حال وإذا انفلت كان لمن أخذه من ساعته؟ وهكذا كل وحشى في الارض من طائر أو غيره والحوت وكل ممتنع من الصيد (قال الشافعي) وإذا ضرب الرجل الصيد أو رماه فأبان يده أو رجله فمات من تلك الضربة فسواء ذلك ولو أبان نصفه فيأكل النصفين واليد والرجل وجميع البدن لان تلك الضربة إذا وقعت موقع الذكاة كانت ذكاة على ما بان وبقى كما لو ضربه أو ذبحه فأبان رأسه كانت الذكاة على الرأس وجميع البدن ولا تعدو الضربة أو الرمية أن تكون ذكاة والذكاة لا تكون على بعض البدن دون بعض أو لا تكون ذكاة فلا يؤكل منه شئ ولكنه لو أبان منه عضوا ثم ادرك ذكاته فذكاه لم(2/261)
يأكل العضو الذى أبان لان الضربة الاولى صارت غير ذكاة وكانت الذكاة في الذبح ولا يقع إلا على البدن وما ثبت فيه منه ولم يزايله كان بمنزلة الميتة ألا ترى أنه لو ضرب منه عضوا ثم أدرك ذكاته فتركها لم يأكل منه شيئا لان الذكاة قد أمكنته فصارت الضربة الاولى غير الذكاة؟ (باب فيه مسائل مما سبق) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكل ما كان مأكولا من طائر أو دابة فأن يذبح أحب إلى وذلك سنته ودلالة الكتاب فيه والبقر داخلة في ذلك لقوله عزوجل " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " وحكايته فقال " فذبحوها وما كادوا يفعلون " إلا الابل فقط فإنها تنحر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بدنه، فموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة، وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل من
اللحيين والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللبة والحلق فأين ذبح من ذلك أجزأه فيه ما يجزيه إذا وضع الذبح في موضعه وإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر كرهته له ولم أحرمه عليه وذلك أن النحر والذبح ذكاة كله غير أنى أحب أن يضع كل شئ من ذلك موضعه لا يعدوه إلى غيره قال ابن عباس " الذكاة في اللبة والحلق لمن قدر " وروى مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وزاد عمر ولا تعجلوا الانفس أن تزهق (قال الشافعي) والذكاة ذكاتان فما قدر على ذكاته مما يحل أكله فذكاته في اللبة والحلق لا يحل بغيرهما أنسيا كان أو وحشيا وما لم يقدر عليه فذكاته أن ينال بالسلاح حيث قدر عليه أنسيا كان أو وحشيا فإن تردى بعير في نهر أو بئر فلم يقدر على منحره ولا مذبحه حيث يذكى فطعن فيه بسكين أو شئ تجوز الذكاة به فأنهر الدم منه ثم مات أكل وهكذا ذكاة ما لا يقدر عليه، قد تردى بعير في بئر فطعن في شاكلته فسئل عنه ابن عمر فأمر بأكله وأخذ منه عشيرا بدرهمين، وسئل ابن المسيب عن المتردى ينال بشئ من السلاح فلا يقدر على مذبحه فقال: حيثما نلت منه بالسلاح فكله، وهذا قول أكثر المفتين (قال الشافعي) وأحب في الذبيحة أن توجه إلى القبلة إذا أمكن ذلك وإن لم يفعل الذابح فقد ترك ما أستحبه له ولا يحرمها ذلك (قال الشافعي) نهى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النخع وأن تعجل الانفس أن تزهق والنخع أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح لنخعه ولمكان الكسر فيه أو تضرب ليعجل قطع حركتها فأكره هذا وأن يسلخها أو يقطع شيئا منها ونفسها تضطرب أو يمسها بضرب أو غيره حتى تبرد ولا يبقى فيها حركة فإن فعل شيئا مما كرهت له بعد الاتيان على الذكاة كان مسيئا ولم يحرمها ذلك لانها ذكية (قال الشافعي) ولو ذبح رجل ذبيحة فسبقته يده فأبان رأسها، أكلها وذلك أنه أتى بالذكاة قبل قطع الرأس ولو ذبحها من قفاها أو أحد صفحتي عنقها ثم لم يعلم متى ماتت لم يأكلها حتى يعلم فإن علم أنها حييت بعد قطع القفا أو أحد صفحتي العنق حتى وصل بالمدية إلى الحلقوم والمرئ فقطعهما وهى حية أكل وكان مسيئا بالجرح الاول كما لو جرحها ثم ذكاها كان مسيئا وكانت حلالا ولا يضره بعد قطع الحلقوم والمرئ معا، أقطع ما بقى من رأسها أو لم يقطعه، إنما أنظر إلى الحلقوم والمرئ فإذا وصل إلى قطعهما وفيها الحياة كانت ذكية وإذا لم يصل إلى ذلك وفيها الحياة كانت ميتة وإذا غاب ذلك عنى وقد ابتدأ من غير جهتها جعلت الحكم على
الذى ابتدأ منه إذا لم أستيقن بحياة بعد (قال الشافعي) والتسمية على الذبيحة باسم الله فإذا زاد على ذلك شيئا من ذكر الله عزوجل فالزيادة خير ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول صلى الله على(2/262)
رسول الله بل أحبه له وأحب له أن يكثر الصلاة عليه فصلى الله عليه في كل الحالات لان ذكر الله عزوجل والصلاة عليه إيمان بالله تعالى وعبادة له يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها، وقد ذكر عبد الرحمن ابن عوف أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمه النبي صلى الله عليه وسلم قال فاتبعه فوجده عبد الرحمن ساجدا فوقف ينتظره فأطال ثم رفع فقال عبد الرحمن لقد خشيت أن يكون الله عز ذكره قد قبض روحك في سجودك فقال " يا عبد الرحمن إنى لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل فأخبرني عن الله عزوجل أنه قال " من صلى عليك صليت عليه " فسجدت لله شكرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نسى الصلاة على خطئ به طريق الجنة " (قال الربيع) قال مالك لا يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة وإن ذا لعجب والشافعي يقول يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة (قال الشافعي) ولسنا نعلم مسلما ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه صلى الله عليه وسلم إلا الايمان بالله ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة النهى عن ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة ليمنعهم الصلاة عليه في حال لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة وما يصلى عليه أحد إلا إيمانا بالله تعالى وإعظاما له وتقربا إليه صلى الله عليه وسلم وقربنا بالصلاة عليه منه زلفى والذكر على الذبائح كلها سواء وما كان منها نسكا فهو كذلك فإن أحب أن يقول " اللهم تقبل منى " قاله وإن قال " اللهم منك وإليك فتقبل منى " وإن ضحى بها عن أحد فقال " تقبل من فلان " فلا بأس هذا دعاء له لا يكره في حال وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت مثله أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر اسم الله عزوجل " اللهم عن محمد وعن آل محمد " وفى الآخر " اللهم عن محمد وعن أمة محمد " (قال الربيع) رأيت الشافعي إذا حضر الجزار ليذبح الضحية حضره حتى يذبح.
(باب الذبيحة وفيه من يجوز ذبحه)
(قال الشافعي) رحمه الله وذبح كل من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبى من المسلمين أحب إلى من ذبح اليهودي والنصراني وكل حلال الذبيحة، غير انى أحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من أهله، فاطمة أو غيرها " أحضرى ذبح نسيكتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها ".
(قال الشافعي) وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت لان النبي صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه ونحر بعضه غيره وأهدى هديا فإنما نحره من أهداه معه غير أنى أكره أن يذبح شيئا من النسائك مشرك لان يكون ما تقرب به إلى الله على أيدى المسلمين فإن ذبحها مشرك تحل ذبيحته أجزأت مع كراهتي لما وصفت ونساء أهل الكتاب إذا أطقن الذبح كرجالهم وما ذبح اليهود والنصارى لانفسهم مما يحل للمسلمين أكله من الصيد أو بهيمة الانعام وكانوا يحرمون منه شحما أو حوايا أو ما اختلط بعظم أو غيره إن كانوا يحرمونه فلا بأس على المسلمين في أكله لان الله عزوجل إذا احل طعامهم فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم فكل ما ذبحوا لنا ففيه شئ مما يحرمون فلو كان يحرم علينا إذا ذبحوه لانفسهم من أصل دينهم بتحريمهم لحرم علينا إذا ذبحوه لنا ولو كان يحرم علينا بأنه ليس من طعامهم وإنما أحل لنا طعامهم وكان ذلك على ما يستحلون كانوا قد يستحلون محرما علينا(2/263)
يعدونه لهم طعاما، فكان يلزمنا لو ذهبنا هذا المذهب أن نأكله لانه من طعامهم الحلال لهم عندهم ولكن ليس هذا معنى الآية معناها ما وصفنا والله أعلم (قال الشافعي) وقد أنزل الله عز ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم فما أحل فيه فهو حلال إلى يوم القيامة كان ذلك محرما قبله أو لم يكن محرما وما حرم فيه فهو حرام إلى يوم القيامة كان ذلك حراما قبله أو لم يكن ونسخ به ما خالفه من كل دين أدركه أو كان قبله وافترض على الخلق اتباعه غير أنه أذن جل ثناؤه بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وهم صاغرون غير عاذر لهم بتركهم الايمان ولا محرم عليهم شيئا أحله في كتابه ولا محل لهم شيئا حرمه في كتابه وسواء ذبائح أهل الكتاب حربيين كانوا أو مستأمنين أو ذمة (قال الشافعي) ولا أكره ذبيحة الاخرس المسلم ولا المجنون في حال إفاقته وأكره ذبيحة السكران والمجنون المغلوب في حال جنونه ولا أقول إنها حرام فإن قال قائل فلم زعمت أن الصلاة لا تجزى عن هذين لو صليا وأن ذكاتهما تجزى؟
قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والذكاة، الصلاة أعمال لا تجزى إلا من عقلها ولا تجزى إلا بطهارة وفى وقت وأول وآخر، وهما مما لا يعقل ذلك والذكاة إنما أريد أن يؤتى عليها فإذا أتيا عليها لم أستطع أن أجعلهما فيها أسوأ حالا من مشرك ومشركة حائض أو صغيرة لا تعقل أو من لا تجب عليه الحدود، وكل هؤلاء تجزى ذكاته، فقلت بهذا المعنى: إنه إنما أريد الاتيان على الذكاة.
(كتاب الاطعمة وليس في التراجم وترجم فيه ما يحل ويحرم) (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل ما يحل أكله من البهائم والدواب والطير شيئان، ثم يتفرقان فيكون منها شئ محرم نصا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشئ محرم في جملة كتاب الله عز وجل خارج من الطيبات ومن بهيمة الانعام فإن الله عزوجل يقول " أحلت لكم بهيمة الانعام " ويقول " أحل لكم الطيبات " فإن ذهب ذاهب إلى أن الله عزوجل يقول " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " فأهل التفسير أو من سمعت منه منهم يقول في قول الله عزوجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما " يعنى مما كنتم تأكلون فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث وتحل أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثنى منها وحرمت عليهم الخبائث عندهم قال الله عزوجل " ويحرم عليهم الخبائث " (قال الشافعي) فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل لا يجوز في تفسير الآى إلا ما وصفت من أن تكون الخبائث معروفة عند من خوطب بها والطيبات كذلك إما في لسانها وإما في خبر يلزمها ولو ذهب ذاهب إلى أن يقول كل ما حرم حرام بعينه وما لم ينص بتحريم فهو حلال أحل أكل العذرة والدود وشرب البول لان هذا لم ينص فيكون كحرما ولكنه داخل في معنى الخبائث التى حرموا فحرمت عليهم بتحريمهم وكان هذا في شر من حال الميتة والدم المحرمين لانهما نجسان ينجسان ما ماسا وقد كانت الميتة قبل الموت غير نجسة فالبول والعذرة اللذان لم يكونا قط إلا نجسين أولى أن يحرما أن يؤكلا أو يشربا وإذا كان هذا هكذا ففيه كفاية مع أن ثم دلالة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور دل هذا على تحريم أكل ما أمر بقتله في الاحرام ولما كان هذا من الطائر
__________
(1) هكذا ترجم السراج البلقينى في نسخته التى جرينا على ترتيبها، فليعلم.
كتبه مصححه.(2/264)
والدواب كما وصفت دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالا وإلى ما لم تكن العرب تأكله فيكون حراما فلم تكن العرب تأكل كلبا ولا ذئبا ولا أسدا ولا نمرا وتأكل الضبع فالضبع حلال ويجزيها المحرم بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صيد وتؤكل، ولم تكن الفأر ولا العقارب ولا الحيات ولا الحدأ ولا الغربان فجاءت السنة موافقة للقرآن بتحريم ما حرموا وإحلال ما أحلوا وإباحة أن يقتل في الاحرام ما كان غير حلال أن يؤكل ثم هذا أصله، فلا يجوز أن يؤكل الرخم ولا البغاث ولا الصقور ولا الصوائد من الطائر كله مثل الشواهين والبزاة والبواشق ولا تؤكل الخنافس ولا الجعلان ولا العظاء ولا اللكحاء ولا العنكبوت ولا الزنابير ولا كل ما كانت العرب لا تأكله، ويؤكل الضب والارنب والوبر وحمار الوحش وكل ما أكلته العرب أو فداه المحرم في سنة أو أثر، وتؤكل الضبع والثعلب (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحرث عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبى عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع: أصيد هي؟ فقال: نعم.
قلت أتؤكل؟ قال: نعم، قلت: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (قال الشافعي) وما يباع لحم الضباع بمكة إلا بين الصفا والمروة وكل ذى ناب من السباع لا يكون إلا ما عدا على الناس وذلك لا يكون إلا في ثلاثة أصناف من السباع الاسد والذئاب والنمور فأما الضبع فلا يعدو على الناس وكذلك الثعلب ويؤكل اليربوع والقنفذ (قال الشافعي) والدواب والطير على أصولها، فما كان منها أصله وحشيا واستأنس فيهو فيما يحل منه ويحرم كالوحش وذلك مثل حمار الوحش والظبى يستأنسان والحمار يستأنس فلا يكون للمحرم قتله فإن قتله فعليه جزاؤه ويحل أن يذبح حمار الوحش المستأنس فيؤكل وما كان لا أصل له في الوحش، مثل الدجاج، والحمر الاهلية، والابل، والغنم، والبقر.
فتوحشت فقتلها المحرم، لم يجزها، ويغرم قيمتها للمالك، إن كان لها، لانا صيرنا هذه الاشياء كلها على أصولها، فإن قال قائل: في الوحش بقر وظباء مثل البقر والغنم؟ قيل: نعم، تخلق غير خلق الاهلية، شبها لها معروفة منها.
ولو أنا زعمنا أن حمار الوحش إذا تأهل لا يحل أكله، دخل علينا أن لو قتله محرم لم يجزه، كما لو قتل حمار أهليا لم يجزه، ودخل علينا في الحمار الاهلى أن لو توحش كان
حلالا، وكل ما توحش من الاهلى، في حكم الوحشى، وما استأنس من الوحشى، في حكم الانسى: فأما الابل التى أكثر علفها العذرة اليابسة، فكل ما صنع هذا من الدواب التى تؤكل، فهى جلالة، وأرواح العذرة توجد في عرقها وجررها، لان لحومها تغتذى بها فتقلبها.
وما كان من الابل وغيرها، أكثر علفه من غير هذا، وكان ينال هذا قليلا، فلا يبين في عرقه ولا جرره، لان اغتذاءه من غيره، فليس بجلال منهى عنه.
والجلالة منهى عن لحومها حتى تعلف علفا غيره ما تصير به إلى أن يوجد عرقها وجررها منقلبا عما كانت تكون عليه فيعلم أن اغتذاءها قد انقلب، فانقلب عرقها وجررها فتؤكل إذا كانت هكذا.
ولا نجد شيئا نستطيع أن نجده فيها كلها أبين من هذا، وقد جاء في بعض الآثار: أن البعير يعلف أربعين ليلة، والشاة عددا أقل من هذا، والدجاجة سبعا.
وكلهم فيما يرى إنما أراد المعنى الذى وصفت، من تغيرها من الطباع المكروهة، إلى الطباع غير المكروهة، التى هي في فطرة الدواب.(2/265)
(باب الذبائح بنى إسرائيل) أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى " كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " الآية وقال عز ذكره " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " (قال الشافعي): يعنى والله تعالى أعلم طيبات كانت أحلت لهم.
وقال عزوجل " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر " إلى قوله " لصادقون " (قال الشافعي): الحوايا، ما حوى الطعام والشراب في البطن، فلم يزل ما حرم الله تعالى على بنى إسرائيل اليهود خاصة، وغيرهم عامة محرما من حين حرمه حتى بعث الله جل جلاله محمدا صلى الله عليه وسلم، ففرض الايمان به، وأمر باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة أمره، وأعلم خلقه أن طاعته طاعته، وأن دينه الاسلام الذى نسخ به كل دين كان قبله.
وجعل من أدركه وعلم دينه فلم يتبعه كافرا به فقال " إن الدين عند الله الاسلام " فكان هذا في القرآن، وأنزل عزوجل في أهل الكتاب من المشركين " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " إلى قوله " مسلمون " وأمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون إن لم يسلموا، وأنزل فيهم " الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل " إلى قوله " والاغلال التي كانت عليهم " فقيل والله أعلم أوزارهم وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يبق خلق يعقل منذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كتابي ولا وثنى ولا حى ذو روح، من جن ولا إنس بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت عليه حجة الله عز وجل باتباع دينه، وكان مؤمنا باتباعه وكافرا بترك اتباعه، ولزم كل امرئ منهم آمن به أو كفر، تحريم ما حرم الله عزوجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، كان مباحا قبله في شئ من الملل وأحل الله عزوجل طعام أهل الكتاب، وقد وصف ذبائحهم، ولم يستثن منها شيئا، فلا يجوز أن تحرم منها ذبيحة كتابي وفى الذبيحة حرام على كل مسلم، مما كان حرم على أهل الكتاب قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يبقى من شحم البقر والغنم.
وكذلك لو ذبحها كتابي لنفسه وأباحها لمسلم لم يحرم على مسلم من شحم بقر ولا غنم منها شئ ولا يجوز أن يكون شئ حلالا من جهة الذكاة لاحد، حراما على غيره، لان الله عزوجل أباح ما ذكر عاما لا خاصا.
فإن قال قائل: هل يحرم على أهل الكتاب ما حرم عليهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الشحوم وغيرها إذا لم يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم؟ فقد قيل ذلك كله محرم عليهم حتى يؤمنوا، ولا ينبغي أن يكون محرما عليهم.
وقد نسخ ما خالف دين محمد صلى الله عليه وسلم بدينه، كما لا يجوز، إن كانت الخمر حلالا لهم إلا أن تكون محرمة عليهم، إذ حرمت على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وإن لم يدخلوا في دينه.
(ما حرم المشركون على أنفسهم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عزوجل أنها ليست حراما بتحريمهم.
وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها، وذلك مثل البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
كانوا يتركونها في الابل والغنم كالعتق، فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها، وقد فسرته(2/266)
في غير هذا الموضع، فقال تبارك وتعالى " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " وقال
" قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين " وقال الله عزوجل وهو يذكر ما حرموا " وقالوا هذه أنعام وحرث حجر، لا يعطمها إلا من نشاء بزعمهم " إلى قوله " حكيم عليم " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " الآية وقال " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " الآية والآيتين بعدها فأعلمهم جل ثناؤه، أنه لا يحرم عليهم ما حرموا.
ويقال: نزلت فيهم " قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم " فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم وقال " أحلت لكم بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم " يعنى والله أعلم من الميتة.
ويقال: أنزل في ذلك " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " إلى قوله " فسقا أهل لغير الله به " وهذا يشبه ما قيل يعنى " قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما " أي من بهيمة الانعام إلا ميتة أو دما مسفوحا منها وهي حية أو ذبيحة كافر.
وذكر تحريم الخنزير معها وقد قيل: ما كنتم تأكلون إلا كذا.
وقال " فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا " إلى قوله " وما أهل لغير الله به " وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها.
(ما حرم بدلالة النص) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " فيقال يحل لهم الطيبات عندهم، ويحرم عليهم الخبائث عندهم.
قال الله عزوجل " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " وكان الصيد ما امتنع بالتوحش كله، وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد، وهو يجزى بعض الصيد دون بعض.
فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من الصيد شيئا ليس على المحرم جزاؤه كل ما يباح للمحرم قتله.
ولم يكن في الصيد شئ يتفرق إلا بأحد معنيين، إما بأن يكون الله عزوجل أراد أن يفدى الصيد المباح أكله ولا يفدى ما لا يباح أكله، وهذا أولى معنييه به والله أعلم لانهم كانوا يصيدون ليأكلوا، لا ليقتلوا، وهو يشبه دلالة كتاب الله عزوجل قال الله تعالى " ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " وقال عزوجل " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " وقال " أحل لكم
صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فذكر جل ثناؤه إباحة صيد البحر للمحرم ومتاعا له، يعنى طعاما، والله أعلم، ثم حرم صيد البر فأشبه أن يكون إنما حرم عليه بالاحرام ما كان أكله مباحا له قبل الاحرام، ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يقتل الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والاسد، والنمر، والذئب الذى يعدو على الناس، فكانت محرمة الاكل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع، فكان ما أبيح قتله معها، يشبه أن يكون محرم الاكل لاباحته معها، وأنه لا يضر ضررها، وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الضبع، وهو أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة أضعافا، والوجه الثاني أن يقتل المحرم ما ضر، ولا يقتل ما لا يضر، ويفديه إن قتله، وليس هذا معناه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل أكل لحم الضبع، وأن السلف والعامة عندهم(2/267)
فدوها.
وهى أعظم ضررا من الغراب والحداة والفرأ.
وكل ما لم تكن العرب تأكله من غير ضرورة، وكانت تدعه على التقذر به محرم وذلك مثل الحدأ.
والبغاث.
والعقبان.
والبزاة.
والرخم والفأرة.
واللحكاء.
والخنافس.
والجعلان.
والعظاء.
والعقارب.
والحيات.
والذر.
والذبان.
وما أشبه هذا.
وكل ما كانت تأكله لم ينزل تحريمه.
ولم يكن في معنى ما نص تحريمه.
أو يكون على تحريمه دلالة.
فهو حلال.
كاليربوع.
والضبع.
والثعلب.
والضب (1) وما كانت لا تأكله.
ولم ينزل تحريمه مثل البول.
والخمر.
والدود.
وما في هذا المعنى.
وعلم هذا موجود عندها إلى اليوم.
وكل ما قلت: حلال.
حل ثمنه.
ويحل بالذكاة.
وكل ما قلت حرام.
حرم ثمنه ولم يحل بالذكاة ولا يجوز أكل الترياق المعمول بلحوم الحيات.
إلا أن يجوز في حال ضرورة.
وحيث تجوز الميتة.
ولا تجوز ميتة بحال.
(الطعام والشراب (2)) أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله قال الله تبارك وتعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " وقال عزوجل " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "
فبين الله عزوجل في كتابه أن مال المرأة ممنوع من زوجها الواجب الحق عليها إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها لانها مالكة لمالها، ممنوع بملكها، مباح بطيب نفسها كما قضى الله عزوجل في كتابه، وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به محرم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحا بإباحة مالكه له، لا فرق بين المرأة والرجل، وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد وقول الله عزوجل " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " يدل والله أعلم إذا لم يستثن فيه إلا بطيب أنفس اليتامى، على أن طيب نفس اليتيم لا يحل أكل ماله، واليتيم واليتيمة في ذلك واحد، والمحجور عليه عندنا كذلك لانه غير مسلط على ماله والله أعلم لان الناس في أموالهم واحد من اثنين، مخلى بينه وبين ماله، فما حل له فأحله لغيره، حل، أو ممنوع.
من ماله، فما أباح منه لم يجز لمن أباحه له لانه غير مسلط على إباحته له.
فإن قال قائل: فهل للحجر في القرآن أصل يدل عليه؟ قيل: نعم، إن شاء الله، قال الله عزوجل " فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل " الآية (أخبرنا الربيع) قال: أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر فينتقل متاعه؟ " وقد روى حديث لا يثبت مثله " إذا دخل أحدكم الحائط فليأكل ولا يتخذ (3) خبنة " وما لا يثبت لا حجة فيه.
ولبن الماشية
__________
(1) قوله: وما كانت لا تأكله الخ هكذا في النسخ، وانظر أين الخبر.
(2) كتب هنا في نسخة السراج البلقيني ما نصه وترجم في أوائل الثلث الثالث عقب ترجمة الاستحقاق تقريبا الطعام والشراب، وذكر بعده تراجم تتعلق بما نحن فيه فنذكر ذلك على ما هو عليه اه، كتبه مصححه.
(3) الخبنة: بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة ما تحمله في حضنك، كذا في اللسان، وقوله بعد " فإن لم يثبت " هكذا الخ كذا في النسخ، وانظر أين الجواب؟ وحرر العبارة.
كتبه مصححه.(2/268)
أولى أن يكون مباحا.
فإن لم يثبت هكذا من ثمر الحائط، لان ذلك اللبن يستخلف في كل يوم، والذى يعرف الناس أنهم يبذلون منه ويوجبون من بذله ما لا يبذلون من الثمر، ولو ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم، قلنا به، ولم نخالفه.
(جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم) (قال الشافعي) رحمه الله: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين: أو أحله مالكه من الآدميين، حلال إلا ما حرم الله عزوجل في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم في كتاب الله عزوجل، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع، فإن قال قائل: فما الحجة في أن كل ما كان مباح الاصل يحرم بمالكه حتى أذن فيه مالكه؟ فالحجة فيه أن الله عزوجل قال " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال تبارك وتعالى " وآتوا اليتامى أموالهم " الآية.
وقال " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " إلى قوله " هنيئا مريئا " مع آى كثيرة في كتاب الله عز وجل، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فرض في كتاب الله عزوجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجاءت به حجة (قال) أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر؟ " فأبان الله في كتابه أن ماكان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه.
وأبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الحلال حلالا بوجه، حراما بوجه آخر، وأبانته السنة، فإذا منع الله عزوجل مال المرأة إلا بطيب نفسها، واسم المال يقع على القليل والكثير، ففى ذلك معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن الذى تخف مؤنته على مالكه، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين، فحرم الاقل إلا بإذن مالكه كان الاكثر مثل الاقل أو اعظم تحريما بقدر عظمه، على ما هو أصغر منه من مال المسلم.
ومثل هذا ما فرض الله عزوجل من المواريث بعد موت مالك المال، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال الذى قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك، كان لان يأخذ مال حى بغير طيب نفسه، أو ميت بغير ما جعل الله له، أبعد (قال الشافعي) فالاموال محرمة بمالكها، ممنوعة إلا بما فرض الله عزوجل في كتابه، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وبسنة رسوله، فلزم خلقه بفرضه، طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يجمع معنيين مما لله عزوجل، طاعة بما أوجب في أموال الاحرار
المسلمين، طابت أنفسهم بذلك أو لم تطب، من الزكاة وما لزمهم بإحداثهم وإحداث غيرهم ممن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سن منهم أخذه من أموالهم، والمعنى الثاني يبين أن ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلازم بفرض الله عزوجل فذلك مثل الدية على قاتل الخطأ، فيكون على عاقلته الدية وإن لم تطب بها أنفسهم، وغير ذلك مما هو موضوع في مواضعه من الزكاة والديات، ولولا الاستغناء بعلم العامة بما وصفنا في هذا لاوضحنا من تفسيره أكثر مما كتبنا إن شاء الله تعالى، فمن مر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية أو غير ذلك من ماله، لم يكن له أخذ شئ منه إلا بإذنه، لان هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته، فهو ممنوع بمالكه إلا بإذنه، والله أعلم، وقد قيل(2/269)
من مر بحائط، فله أن يأكل، ولا يتخذ خبنة، وروى فيه حديث، لو كان يثبت مثله عندنا، لم نخالفه، والكتاب والحديث الثابت، أنه لا يجوز أكل مال أحد إلا بإذنه، ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل، لم أر بأسا أن يأكل منه، ما يرد من جوعه، ويغرم له ثمنه، ولم أر للرجل أن يمنعه في تلك الحال، فضلا من طعام عنده، وخفت أن يضيق ذلك عليه، ويكون أعان على قتله، إذا خاف عليه بالمنع القتل.
(جماع ما يحل ويحرم أكله وشربه مما يملك الناس) (قال الشافعي) رحمه الله: أصل ما يملك الناس مما يكون مأكولا ومشروبا، شيآن.
أحدهما، ما فيه روح، وذلك الذى فيه محرم وحلال، ومنه ما لا روح فيه، وذلك كله حلال، إذا كان بحاله التى خلقه الله بها وكان الآدميون لم يحدثوا فيه صنعة خلطوه بمحرم، أو اتخذوه مسكرا، فإن هذا محرم، وما كان منه سما يقتل رأيته محرما، لان الله عزوجل، حرم قتل النفس على الآدميين.
ثم قتلهم أنفسهم خاصة، وما كان منه خبيثا قذرا فقد تركته العرب تحريما له بقذره.
ويدخل في ذلك، ما كان نجسا.
وما عرفه الناس سما يقتل، خفت أن لا يكون لاحد رخصة في شربه، لدواء ولا غيره، وأكره قليله وكثيره، خلطه غيره أو لم يخلطه.
وأخاف منه على شاربه وساقيه، أن يكون قاتلا نفسه ومن سقاه.
وقد قيل: يحرم الكثير البحت منه، ويحل القليل الذى الاغلب منه أن ينفع ولا يبلغ أن يكون قاتلا، وقد سمعت بمن مات
من قليل، قد برأ منه غيره، فلا أحبه، ولا أرخص فيه بحال، وقد يقاس الكثير السم، ولا يمنع هذا أن يكون يحرم شربه.
(تفريع ما يحل ويحرم) (قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " أحلت لكم بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم " فاحتمل قول الله تبارك وتعالى " أحلت لكم بهيمة الانعام " إحلالها دون ما سواها، واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها.
واحتمل قول الله تبارك وتعالى " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " وقوله عزوجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به " وقوله " فكلوا مما ذكر اسم الله عليه " وما أشبه هؤلاء الآيات، أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصا، واحتمل كل مأكول من ذوات الارواح لم ينزل تحريمه بعينه نصا أو تحريمه على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم، فيحرم بنص الكتاب وتحليل الكتاب بأمر الله عزوجل بالانتهاء إلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكون إنما حرم بالكتاب في الوجهين: فلما احتمل أمر هذه المعاني، كان أولاها بنا، الاستدلال على ما يحل ويحرم بكتاب الله ثم سنة تعرب عن كتاب الله أو أمر اجمع المسلمون عليه، فإنه لا يمكن في اجتماعهم أن يجهلوا لله حراما ولا حلالا إنما يمكن في بعضهم، وأما في عامتهم فلا، وقد وضعنا هذا مواضعه على التصنيف.(2/270)
(ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب) (قال الشافعي) رحمه الله: أصل التحريم، نص كتاب أو سنة، أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع قال الله تبارك وتعالى " الذين يتبعون الرسول الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " وقال عز وجل " يسألونك ماذا أحل لهم " الآية.
وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها، وهم العرب الذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الاحكام، وكانا يكرهون من خبيث المآكل مالا يكرهها غيرهم (قال الشافعي) وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عزوجل " قل لا أجد فيما أوحى إلي
محرما على طاعم يطعمه " الآية: يعنى مما كنتم تأكلون.
في الآى التي ذكرت في هذا الكتاب وما في معناه، ما يدل على ما وصفت.
فإن قال قائل: ما يدل على ما وصفت؟ قيل: أرأيت لو زعمنا أن الاشياء مباحة إلا ما جاء فيه نص، خبر في كتاب أو سنة، أما زعمنا أن أكل الدود والذبان والمخاط والنخامة والخنافس واللكحاء والعظاء والجعلان وخشاش الارض والرخم والعقبان والبغاث والغربان والحدأ والفأر، وما في مثل حالها، حلال.
فإن قال قائل: فما دل على تحريمها؟ قيل: قال الله عزوجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فكان شيئآن حلالين، فأثبت تحليل أحدهما؟ وهو صيد البحر وطعامه (1)؟ وطعامه مالحه، وكل ما فيه متاع لهم يستمتعون بأكله، وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والله عزوجل لا يحرم عليهم من صيد البر في الاحرام إلا ما كان حلالا لهم قبل الاحرام، والله أعلم.
فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وقتل الحيات، دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة، لانه لو كان داخلا في جملة ما حرم الله قتله من الصيد في الاحرام، لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله، ودل على معنى آخر، أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الاحرام شيئا (قال) فكل ما سئلت عنه، مما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل من ذوات الارواح فانظر هل كانت العرب تأكله، فإن كانت تأكله ولم يكن فيه نص تحريم، فأحله، فإنه داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم، لانهم كانوا يحلون ما يستطيبون.
وما لم تكن تأكله، تحريما له باستقذاره فحرمه لانه داخل في معنى الخبائث، خارج من معنى ما أحل لهم، مما كانوا يأكلون، وداخل في معنى الخبائث التى حرموا على أنفسهم.
فأثبت عليهم تحريمها (قال الشافعي) ولست أحفظ عن أحد سألته من أهل العلم عمن ذهب المكيين خلافا.
وجملة هذا لان التحريم قد يكون مما حرمت العرب على أنفسها مما ليس داخلا في معنى الطيبات، وإن كنت لا أحفظ هذا التفسير، ولكن هذه الجملة.
وفى تتابع من حفظت عنه من أهل العلم حجة، ولولا الاختصار لاوضحته بأكثر من هذا وسيمر في تفاريق الابواب إيضاح له إن شاء الله تعالى.
__________
(1) قوله: وطعامه ما لحه، كذا في نسخة، وفى أخرى " وطعامه يأكله " وانظر، وحرر.
كتبه مصححه.(2/271)
(تحريم أكل كل ذى ناب من السباع) قال الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري، ومالك عن ابن شهاب عن أبى إدريس عن أبى ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع.
أخبرنا مالك عن إسماعيل بن ابى حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أكل كل ذى ناب من السباع حرام " (قال الشافعي) وبهذا نقول (قال الربيع) قال الشافعي رحمه الله: إنما يحرم كل ذى ناب يعدو بنابه.
(الخلاف والموافقة في أكل كل ذى ناب من السباع وتفسيره) (قال الشافعي) رحمه الله قال لى بعض من يوافقنا في تحريم كل ذى ناب من السباع ما لكل ذى ناب من السباع لا تحرمه دون ما خرج من هذه الصفة؟ قلت له العلم يحيط إن شاء الله تعالى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد قصد ان يحرم من السباع موصوفا.
فإنما قصد قصد تحريم بعض السباع دون بعض السباع، كما لو قلت قد أوصيت لكل شاب بمكة أو لكل شيخ بمكة.
أو لكل حسن الوجه بمكة، كنت قد قصدت بالوصية قصد صفة دون صفة.
وأخرجت من الوصية من لم تصف أن له وصيتك.
قال: أجل.
ولولا أنه خص تحريم السباع.
لكان أجمع وأقرب.
ولكنه خص بعضا دون بعض بالتحريم (قال الشافعي) فقلت له: هذه المنزلة الاولى من علم تحريم كل ذى ناب.
فسل عن الثانية.
قال: هل منها شئ مخلوق له ناب وشئ مخلوق لا ناب له؟ قلت: ما علمته، قال: فإن لم تكن تختلف.
فتكون الانياب لبعضها دون بعض.
فكيف القول فيها؟ قلت: لا معنى في خلق الانياب في تحليل ولا تحريم.
لانى لا أجد إذا كانت في خلق الانياب سواء شيئا أنفيه خارجا من التحريم.
ولا بد من إخراج بعضها من التحريم إذا كان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراجه.
قال: أجل.
هذا كما وصفت.
ولكن ما أردت بهذا؟ قلت: أردت أن يذهب غلطك إلى
أن التحريم والتحليل في خلق الانياب.
قال: ففيم؟ قلت: في معناه دون خلقه.
فسل عن الناب الذى هو غاية علم كل ذي ناب.
قال: فاذكره أنت، قلت: كل ما كان يعدو منها على الناس بقوة ومكابرة في نفسه بنابه.
دون ما لا يعدو.
قال: ومنها ما لا يعدو على الناس بمكابرة دون غيره منها؟ قلت: نعم.
قال: فاذكر ما يعدو.
قلت: يعدو الاسد والنمر والذئب.
قال: فاذكر ما لا يعدو مكابرة على الناس.
قلت الضبع والثعلب وما أشبهه.
قال: فلا معنى له غير ما وصفت؟ قلت: وهذا المعنى الثاني.
وإن كانت كلها مخلوق له ناب (قال الشافعي) وقلت له: سأزيدك في تبيينه.
قال: ما أحتاج بعدما وصفت إلى زيادة.
ولقلما يمكن إيضاح شئ إمكان هذا قلت: أوضحه لك ولغيرك ممن لم يفهم منه ما فهمت أو أفهمه فذهب إلى غيره.
قال: فاذكره (1).
__________
(1) قوله: قال فاذكره، كذا في جميع النسخ التي بيدنا، لم يذكر بعد ذلك شئ مما طلب منه.
ذكره، ولعله مذكور في غير الام من كتب الامام رحمه الله.(2/272)
(أكل الضبع) (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان ومسلم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير (1) (قال الشافعي) ولحوم الضباع تباع عندنا بمكة بين الصفا والمروة، لا أحفظ عن أحد من أصحابنا خلافا في إحلالها وفى مسألة ابن أبى عمار جابرا، أصيد هي؟ قال: نعم وسألته أتؤكل؟ قال: نعم، وسألته: أسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
فهذا دليل على أن الصيد الذى نهى الله تعالى المحرم عن قتله، ما كان يحل أكله من الصيد، وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه، لا عبثا بقتله، ومثل ذلك الدليل في حديث على رضى الله عنه، ولذلك أشباه في القرآن، منها قول الله عزوجل " فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين " أنه إنما يعنى مما أحل الله أكله، لانه لو ذبح ما حرم الله عليه وذكر اسم الله عليه، لم يحل الذبيحة ذكر اسم الله عليه.
وفى حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع دليل على ما قلنا، من أن كل ذى ناب من السباع.
ما عدا على الناس مكابرة.
وإذا حل أكل الضبع، وهى سبع، لكنها لا تعدو مكابرة على الناس، وهى
أضر على مواشيهم من جميع السباع، فأحلت أنها لا تعدو على الناس خاصة مكابرة.
وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم ينص فيه خبر وتحريم ما كانت مما يعدو، من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع، ولم تزل تدع أكل الاسد والنمر والذئب تحريما بالتقذر، فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب، ما وصفت، والله أعلم وفيه دلالة على أن المحرم إنما يجزى ما أحل أكله من الصيد دون ما لم يحل أكله.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلب العقور في الاحرام، وهو ما عدا على الناس، وهو لا يأمر بقتل ما لا يحل قتله، ويضمن صاحبه بقتله شيئا فدل ذلك على أن الصيد الذى حرم الله قتله في الاحرام، ما يؤكل لحمه، ودل على ذلك حديث جابر بن عبد الله، وعلى ما وصفت.
ولا بأس بأكل كل سبع لا يعدو على الناس من دواب الارض، مثل الثعلب وغيره قياسا على الضبع.
وما سوى السبع من دواب الارض كلها تؤكل من معنيين، ما كان سبعا لا يعدو، فحلال أن يؤكل.
وما كان غير سبع، فما كانت العرب تأكله لغير ضرورة فلا بأس بأكله، لانه داخل في معنى الآية، خارج من الخبائث عند العرب.
وما كانت تدعه على معنى تحريمه، فإنه خبيث اللحم، فلا يؤكل بحال.
وكل ما أمر بأكله فداه المحرم إذا قتله.
ومثل الضبع ما خلا كل ذى ناب من السباع من دواب الارض وغيرها، فلا بأس أن يؤكل منه ما كانت العرب تأكله، وقد فسرته قبل هذا.
(ما يحل من الطائر ويحرم) (قال الشافعي) رحمه الله: والاصل فيما يحل ويحرم من الطائر وجهان، أحدهما: أن ما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم بقتله، منه ما لا يؤكل، لانه خارج من معنى الصيد الذي يحرم على
__________
(1) كذا في النسخ، لم يذكر متن الحديث، وكثيرا ما يقع في الام مثل هذا.
كتبه مصححه.(2/273)
المحرم قتله ليأكله.
والعلم يكاد يحيط أنه إنما حرم على المحرم الصيد الذى كان حلالا له قبل الاحرام، فإذا أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بعض الصيد، دل على أنه محرم أن يأكله، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل قتل ما أحل الله عزوجل " فالحدأة والغراب مما أحل رسول الله صلى
الله عليه وسلم قتله للمحرم.
فما كان في مثل معناهما من الطائر، فهو داخل في أن لا يجوز أكل لحمه، كما لا يجوز أكل لحمهما، لانه في معناهما، ولانهما أيضا مما لم تكن تأكل العرب، وذلك مثل ما ضر من ذوات الارواح من سبع وطائر، وذلك مثل العقاب والنسر والبازى والصقر والشاهين والبواشق، وما أشبهها، دما يأخذ حمام الناس وغيره من طائرهم، فكل ما كان في هذا المعنى من الطائر فلا يجوز أكله للوجهين اللذين وصفت من أنه في معنى الحدأة والغراب، وداخل في معنى ما لا تأكل العرب.
وكل ما كان لا يبلغ أن يتناول للناس شيئا من أموالهم من الطائر، فلم تكن العرب تحرمه إقذارا له، فكله مباح أن يؤكل، فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه.
فإن قال قائل: نراك فرقت بين ما خرج من أن يكون ذا ناب من السبع، مثل الضبع والثعلب، فأحللت أكلها، وهى تضر بأموال الناس أكثر من ضرر ما حرمت من الطائر.
قلت إنى وإن حرمته فليس للضرر فقط حرمته، ولا لخروج الثعلب والضبع من الضرر أبحتها، إنما أبحتها بالسنة، وهى أن النبي صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن كل ذى ناب من السباع، ففيه دلالة على أنه أباح ما كان غير ذى ناب من السباع، وأنه أحل الضبع نصا، وأن العرب لم تزل تأكلها، والثعلب.
وتترك الذئب والنمر والاسد فلا تأكله وأن العرب لم تزل تترك أكل النسر والبازى والصقر والشاهين والغراب والحدأة وهى ضرار، وتترك ما لا يضر من الطائر فلم أجز أكله، وذلك مثل الرخمة والنعامة، وهما لا يضران، وأكلهما لا يجوز، لانهما من الخبائث وخارجان من الطيبات.
وقد قلت مثل هذا في الدود، فلم أجز أكل اللحكاء ولا العظاء ولا الخنافس، وليست بضارة ولكن العرب كانت تدع أكلها، فكان خارجا من معنى الطيبات، داخلا في معنى الخبائث عندها.
(أكل الضب) (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بأكل الضب، صغيرا أو كبيرا، فإن قال قائل: قد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضب فقال " لست آكله ولا محرمه " قيل له إن شاء الله فهو لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضب شيئا غير هذا، وتحليله أكله بين يديه ثابت.
فإن قال قائل: فأين ذلك؟ قيل: لما قال: " لست آكله ولا محرمه " دل على أن تركه أكله لا من جهة
تحريمه، وإذا لم يكن من جهة تحريمه، فإنما ترك مباحا عافه ولم يشتهه.
ولو عاف خبزا أو لحما أو تمرا أو غير ذلك كان ذلك شيئا من الطباع، لا محرما لما عاف فقال لى بعض الناس: أرأيت إن قال هذا القول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أيحتمل معنى غير المعنى الذى زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله؟ فزعمت أنه بين لا يحتمل معنى غيره؟ قلت: نعم.
قال: وإذا قلت من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معصوما، قلت له: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجه من التحليل فلا يجوز أن يسأل عن تحليل ولا تحريم فيجيب فيه إلا أحله أو حرمه.
وليس هكذا أحد بعده ممن يعلم ويجهل، ويقف ويجيب، ثم لا يقوم جوابه مقام جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فما(2/274)
المعنى الذى قلت قد بين هذا الحديث من غيره؟ قلت: قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضب فامتنع من أكلها، فقال خالد بن الوليد أحرام هي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا، ولكن أعافها لم تكن ببلد قومي " فاجترها خالد بن الوليد فأكلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليست حراما فهى حلال، وإذا أقر خالدا بأكلها، فلا يدعه يأكل حراما، وقد بين أن تركه إياها أنه عافها، لا حرمها.
(أكل لحوم الخيل) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال: أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه، أخبرنا سفيان عن عبد الكريم بن أبى أمية قال: أكلت فرسا على عهد ابن الزبير فوجته حلوا (قال الشافعي) كل ما لزمه اسم الخيل من العراب والمقاريف والبراذين، فأكلها حلال.
(أكل لحوم الحمر الاهلية) أخبرنا مالك عن شهاب عن عبد الله والحسن، ابني محمد بن على، عن أبيهما عن على بن أبى طالب رضى الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عام خيبر عن نكاح المتعة، وعن لحوم
الحمر الاهلية (قال الشافعي) سمعت سفيان يحدث عن الزهري أخبرنا عبد الله والحسن ابنا محمد بن على، وكان الحسن أرضاهما، عن على رضى الله عنه (قال الشافعي) في هذا الحديث دلالتان.
احداهما تحريم أكل لحوم الحمر الاهلية والاخرى، إباحة لحوم حمر الوحش، لانه لا صنف من الحمر إلا الاهلى والوحشي، فإذا قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحريم قصد الاهلى، ثم وصفه، دل على أنه أخرج الوحشى من التحريم وهذا مثل نهيه عن كل ذى ناب من السباع.
فقصد بالنهي.
قصد عين دون عين.
فحرم ما نهى عنه.
وحل ما خرج من تلك الصفة سواه.
مع انه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة أكل حمر الوحش.
أمر أبا بكر رضى الله عنه أن يقسم حمارا وحشيا قتله أبو قتادة بين الرفقة.
وحديث طلحة أنهم أكلوا معه لحم حمار وحشى (قال الشافعي) وخلق الحمر الاهلية يباين خلق الحمر الوحشية مباينة يعرفها أهل الخبرة بها.
فلو توحش أهلى لم يحل أكله.
وكان على الاصل في التحريم.
ولو استأهل وحشى لم يحرم أكله وكان على الاصل في التحليل.
ولا يذبحه المحرم وإن استأهل.
ولو نزا حمار أهلى على فرس أو فرس على أتان أهلية، لم يحل أكل ما نتج بينهما.
لست أنظر في ذلك إلى أيهما النازى.
لان الولد منهما فلا يحل حتى يكون لحمهما معا حلالا.
وكل ما عرف فيه حمار أهلى من قبل أب أو أم.
لم يحل أكله بحال أبدا.
ولا أكل نسله.
ولو نزا حمار وحشى على فرس.
أو فرس على أتان وحشى حل أكل ما ولد بينهما لانهما مباحان معا.
وهكذا لو أن غرابا أو ذكر حدأ أو بغاثا تجثم حيارى.
أو ذكر حبارى أو طائر يحل لحمه.
تجثم غرابا أو حدأ أو(2/275)
صقرا أو ثيران (1) فباضت وأفرخت.
لم يحل أكل فراخها من ذلك التجثم.
لا ختلاط المحرم والحلال فيه.
الا ترى أن خمرا لو اختلطت بلبن.
أو ودك خنزير بسمن.
أو محرما بحلال فصارا لا يزيل أحدهما من الآخر حرم أن يكون مأكولا.
ولو أن صيدا أصيب أو بيض صيد.
فأشكلت خلقته.
فلم يدر لعل أحد أبويه مما لا يحل أكله والآخر يحل أكله، كان الا حتياط.
الكف عن أكله.
والقياس أن ينظر إلى خلقته فأيهما كان أولى بخلقته جعل حكمه حكمه.
إن كان الذى يحل أكله أولى بخلقته أكله.
وإن كان الذى يحرم أكله أولى بخلقته لم يأكله.
وذلك مثل أن ينزو حمار انسى أتانا وحشية (2) أو أتانا أنسية.
ولو
نزا حمار وحشى فرسا أو فرس أتانا وحشيا لم يكن بأكله بأس.
لان كليهما مما يحل أكله.
وإذا توحش واصطيد، أكل بما يؤكل به الصيد.
وهكذا القول في صغار أولاده وفراخه وبيضه، لا يختلف.
وما قتل المحرم من صيد يؤكل لحمه، فداه وكذلك يفدى ما أصاب من بيضه.
وما قتل من صيد لا يؤكل لحمه.
أو أصاب من بيضه لم يفده.
ولو أن ذئبا نزا على ضبع فجاءت بولد فإنها تأتى بولد لا يشبهها محضا ولا الذئب محضا يقال له السبع، لا يحل أكله لما وصفت من اختلاط المحرم والحلال، وأنهما لا يتميزان فيه.
(ما يحل بالضرورة) (قال الشافعي) قال الله عزوجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " وقال " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " إلى قوله " غفور رحيم " وقال في ذكر ما حرم " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم " (قال الشافعي) فيحل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر.
والمضطر، الرجل يكون بالموضع.
لا طعام فيه معه ولا شئ يسد فورة جوعه، من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد، أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين، فأى هذا ناله فله أن يأكل من المحرم.
وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه.
وأحب إلى أن يكون اكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى، وإن أجزأه دونه، لان التحريم قد زال عنه بالضرورة.
وإذا بلغ الشبع والرى فليس له مجاوزته، لان مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع.
ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة وكذلك الرى.
ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه، فإذا وجد الغنى عنه طرحه.
ولو تزود معه ميتة فلقى مضطرا أراد شراءها منه، لم يحل له ثمنها، إنما حل له منها منع الضرر البين على بدنه لا ثمنها، ولو اضطر، ووجد طعاما، لم يؤذن له به، لم يكن له أكل الطعام، وكان له أكل
__________
(1) قوله: أو ثيران، هكذا في النسخ، بغير نقط.
وحرره.
كتبه مصححه.
(2) قوله: أو أتانا أنسية كذا في النسخ، ولعل في الكلام سقطا من الناسخ والاصل " أو حمار وحشي أتانا انسية " كتبه مصححه.(2/276)
الميتة، ولو اضطر، ومعه ما يشترى به ما يحل، فإن باعه بثمنه في موضعه أو بثمن ما يتغابن الناس بمثله، لم يكن له أكل الميتة وإن لم يبعه إلا بما لا يتغابن الناس بمثله، كان له أكل الميتة، والاختيار أن يغالى به ويدع أكل الميتة.
وليس له، بحال، أن يكابر رجلا على طعامه وشرابه وهو يجد ما يغنيه عنه من شراب فيه ميتة أو ميتة، وإن اضطر فلم يجد ميتة ولا شرابا فيه ميتة، ومع رجل شئ، كان له أن يكابره، وعلى الرجل أن يعطيه.
وإذا كابره، أعطاه ثمنه وافيا، فإن كان إذا أخذ شيئا خاف مالك المال على نفسه، لم يكن له مكابرته.
وإن اضطر وهو محرم إلى صيد أو ميتة، أكل الميتة وترك الصيد، فإن أكل الصيد فداه، إن كان هو الذى قتله.
وإن اضطر فوجد من يطعمه أو يسقيه، فليس له أن يمتنع من أن يأكل أو يشرب.
وإذا وجد فقد ذهبت عنه الضرورة إلا في حال واحدة، أن يخاف إن أطعمه أو سقاه، أن يسمه فيه فيقتله، فله ترك طعامه وشرابه بهذه الحال.
وإن كان مريضا فوجد مع رجل طعاما أو شرابا، يعلمه يضره ويزيد في مرضه، كان له تركه، وأكل الميتة وشرب الماء الذى فيه الميتة، وقد قيل: إن الضرورة وجها ثانيا، أن يمرض الرجل المرض يقول له أهل العلم به، أو يكون هو من أهل العلم به: قلما يبرأ من كان به مثل هذا إلا أن يأكل كذا، أو يشرب كذا، أو يقال له: إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شرب كذا، فيكون له أكل ذلك وشربه، ما لم يكن خمرا إذا بلغ ذلك منها أسكرته، أو شيئا يذهب العقل من المحرمات أو غيرها فإن إذهاب العقل محرم.
ومن قال هذا، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الاعراب أن يشربوا ألبان الابل وأبوالها وقد يذهب الوباء بغير ألبانها وأبوالها، إلا أنه أقرب ما هنالك أن يذهبه عن الاعراب لاصلاحه لابدانهم، والابوال كلها محرمة، لانها نجسة، وليس له أن يشرب خمرا، لانها تعطش وتجيع.
ولا لدواء لانها تذهب بالعقل.
وذهاب العقل منع الفرائض، وتؤدى إلى إتيان المحارم.
وكذلك ما أذهب
العقل غيرها.
ومن خرج مسافرا فأصابته ضرورة بجوع أو عطش، ولم يكن سفره في معصية الله عز وجل، حل له ما حرم عليه مما نصف إن شاء الله تعالى.
ومن خرج عاصيا لم يحل له شئ مما حرم الله عزوجل عليه بحال، لان الله تبارك وتعالى إنما أحل ما حرم بالضرورة، على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لاثم.
ولو خرج عاصيا ثم تاب فأصابته الضرورة بعد التوبة رجوت أن يسعه أكل المحرم وشربه.
ولو خرج غير عاص، ثم نوى المعصية، ثم أصابته الضرورة ونيته المعصية، خشيت أن لا يسعه المحرم، لانى أنظر إلى نيته في حال الضرورة، لا في حال تقدمتها ولا تأخرت عنها (1).
(1) في نسخة البلقينى هنا ما نصه وترجم في اختلاف الحديث (أكل الضب) وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال: " لست بآكله ولا محرمه " (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس (قال الشافعي) أشك، قال مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد، أو ابن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة اللاتى في بيت ميمونة " أخبرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل " فقالت: " هو ضب يا رسول الله " فرفع =(2/277)
(كتاب النذور (1)) (باب النذور التي كفارتها كفارة ايمان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قال " على نذر " ولم يسم شيئا فلا نذر ولا كفارة، لان النذر معناه معنى على أن أبر وليس معناه معنى أنى أثمت ولا حلفت، فلم أفعل وإذا نوى بالنذر شيئا من طاعة الله، فهو ما نوى (قال الشافعي) فإنا نقول فيمن قال " على نذر، إن كلمت فلانا، أو على نذر أن أكلم فلانا، يريد هجرته، أن عليه كفارة يمين.
وأنه إن قال: " على نذره أن أهجره، يريد
بذلك نذر هجرته نفسها، لا يعنى قوله إن أهجره أو لم أهجره.
فإنه لا كفارة عليه، وليكلمه، لانه نذر في معصية (قال الشافعي) ومن حلف أن لا يكلم فلانا أو لا يصل فلانا، فهذا الذى يقال له الحنث في اليمين خير لك من البر فكفر واحنث، لانك تعصى الله عزوجل في هجرته، وتترك الفضل في موضع صلته.
وهذا في معنى الذى قال النبي صلى الله عليه وسلم " فلبأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه " وهكذا كل معصية حلف عليها أمرناه أن يترك المعصية ويحنث ويأتى الطاعة.
وإذا حلف على بر، أمرناه أن يأتي البر ولا يحنث، مثل قوله " والله لاصومن اليوم، والله لاصلين كذا وكذا ركعة نافلة " فنقول له: بر يمينك وأطع ربك، فإن لم يفعل، حنث وكفر.
وأصل ما نذهب إليه، أن النذر ليس بيمين، وأن من نذر أن يطيع الله عزوجل أطاعه، ومن نذر أن يعصي الله لم يعصه، ولم يكفر.
(من جعل شيئا من ماله صدقة أو في سبيل الله) (قال الشافعي) رحمه الله وإذا حلف الرجل في كل شئ سوى العتق والطلاق من قوله: مالى هذا في سبيل الله أو دارى هذه في سبيل الله أو غير ذلك مما يملك صدقة أو في سبيل الله إذا كان على = رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت: أحرام هو؟ قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر (قال الشافعي) وحديث ابن عباس يوافق حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من أكل الضب لانه عافه لا لانه حرمه وقد امتنع من أكل البقول ذوات الريح لان جبريل يكلمه ولعله عافها لا تحريما لها (قال الشافعي) وقول ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لست بآكله " يعنى نفسه وقد بين ابن عباس أنه لانه عافه.
وقال ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا محرمه " (قال) فجاء بمعنى ابن عباس بينا وإن كان معنى ابن عباس ابين منه (قال) لست أحرمه وليس حراما ولست آكله نفسي (قال الشافعي) وأكل الضب حلال وإذا أصابه المحرم فداه لانه صيد يؤكل.
(1) هذا الكتاب وما بعده من التراجم المتعلقة بالنذر مقدمة هنا في نسخة البلقينى وموضعها في نسخة الربيع مع الايمان بعد أبواب النكاح والعتق في آخر الكتاب وقد جرينا على ترتيب نسخة البلقينى في الاجزاء التى تيسرت لنا منها فإذا نفدت لم نجر على ترتيب، لان نسخة الربيع غير مرتبة
التراجم، كتبه مصححه.(2/278)
معاني الايمان فالذي يذهب إليه عطاء أنه يجزيه من ذلك كفارة يمين ومن قال هذا القول قاله في كل ما حنث فيه سوى عتق أو طلاق وهو مذهب عائشة رضى الله عنها، والقياس ومذهب عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم، وقال غيره: يتصدق بجميع ما يملك إلا أنه قال: ويحبس قدر ما يقوته، فإذا أيسر تصدق بالذي حبس.
وذهب غيره إلى أنه يتصدق بثلث ماله وذهب غيره إلى أنه يتصدق بزكاة ماله، وسواء قال صدقة أو قال في سبيل الله إذا كانت على معاني الايمان (قال الشافعي) ومن حلف بصدقة ماله فحنث فإن كان أراد يمينا فكفارة يمين، وإن أراد بذلك تبررا، مثل أن يقول: لله على أن أتصدق بمالى كله، تصدق به كله.
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله عزوجل فليطعه ".
(باب نذر التبرر وليس في التراجم وفيها من نذر أن يمشى إلى بيت الله عزوجل) (قال الشافعي) رحمه الله: ومن نذر تبررا أن يمشى إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشى إن قدر على المشى وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لانه لم يأت بما نذر كما نذر والقياس أن لا يكون عليه دم من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كما لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلى قاعدا ولا يطيق القعود فيصلى مضطجعا.
وإنما فرقنا بين الحج والعمرة والصلاة أن الناس أصلحوا أمر الحج بالصيام والصدقة ونسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة (قال الشافعي) ولا يمشى أحد إلى بيت الله إلا حاجا أو معتمرا إلا بذلة منه (قال الربيع) وللشافعي قول اخر أنه إذا حلف أن يمشى إلى بيت الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزئه من ذلك إن أراد بذلك اليمين (قال الربيع) وسمعت الشافعي أفتى بذلك رجلا فقال: هذا قولك أبا عبد الله؟ فقال هذا قول من هو خير منى قال: من هو؟ قال: عطاء بن أبى رباح (قال الشافعي) ومن حلف بالمشى إلى بيت الله ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء أن كل من حلف بشئ من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فروض الله عز
وجل عليه أو تبررا يريد الله به فأما ما علا علو الايمان فلا يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير العلو وقد قال غير عطاء: عليه المشى كما يكون عليه إذا نذره متبررا (قال الشافعي) والتبرر أن يقول: لله علي إن شفى الله فلانا أو قدم فلان من سفره أو قضى عنى دينا أو كان كذا ان أحج له نذرا، فهو التبرر.
فأما إذا قال: إن لم أقضك حقك فعلى المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الايمان لا معاني النذور وأصل معقول قول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاؤه ولا كفارة فهذا يوافق السنة وذلك أن يقول: لله على إن شفاني أو شفى فلانا أن أنحر ابني أو أن أفعل كذا من الامر الذى لا يحل له أن يفعله فمن قال هذا فلا شئ عليه فيه وفى السائبة، وإنما أبطل الله عز وجل النذر في البحيرة والسائبة لانها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وكان فيه دلالة على ان من نذر معصية الله عزوجل أن لا يفى ولا كفارة عليه وبذلك جاءت السنة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الايلى عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصيه " (أخبرنا) سفيان عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال كانت بنو عقيل(2/279)
حلفاء لثقيف في الجاهلية وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين ثم إن المسلمين أسروا رجلا من بنى عقيل ومعه ناقة له وكانت ناقته قد سبقت الحاج في الجاهلية كذا وكذا مرة، وكانت الناقة إذا سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلا ترتع فيه ولم تمنع من حوض تشرع منه (قال الشافعي) فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد فيم اخذتني وأخذت سابقة الحاج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بجريرة حلفائك ثقيف " (قال الشافعي) وحبس حيث يمر به النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقال له يا محمد إنى مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو قتلتها وأنت تملك أمرك كنت قد أفلحت كل الفلاح " قال ثم مر به النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال: يا محمد إنى جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تلك حاجتك " ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بدا له ففادي به الرجلين اللذين أسرت ثقيف وأمسك الناقة ثم إنه
أغار على المدينة عدو فأخذوا سرح النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوا الناقة فيها قال وقد كانت عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة إلى النعم فجعلت لا تجئ إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت المدينة قال الناس العضباء العضباء فقالت المرأة: إنى نذرت إن الله أنجانى عليها أن أنجرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بئسما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين (قال الشافعي) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها أو تنحرها ولا تكفر (قال) وكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لانه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك ما سواه أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عم عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وكان في حديث عبد الوهاب الثقفى بهذا الاسناد أن امرأة من الانصار نذرت وهربت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نجاها الله لتنحرنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول وأخذ ناقته ولم يأمرها بأن تنحر مثلها ولا تكفر فكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك والنذر ساقط عنه وكذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لانه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه (قال الشافعي) وإذا نذر الرجل أن يحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء ثم يركب بعد، وذلك كمال حج هذا، وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر وذلك كمال عمرة هذا (قال الشافعي) وإذا نذر أن يحج ماشيا فمشى فقاته الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ماشيا حل وعليه حج قابل ماشيا كما يكون عليه حج قابل إذا فاته هذا الحج ألا ترى أن حكمه لو كان متطوعا بالحج أو ناذرا له أو كان عليه حجة الاسلام وعمرته ألا يجزى هذا الحج من حج ولا عمرة؟ فإذا كان حكمه أن يسقط ولا يجزى من حج ولا عمرة فكيف لا يسقط المشى الذى إنما هو هيئة في الحج والعمرة؟ (قال الشافعي) وإذا نذر الرجل أن يحج أو نذر أن يعتمر ولم يحج ولم يعتمر فإن كان نذر
ذلك ماشيا فلا يمشى لانهما جميعا حجة الاسلام وعمرته فإن مشى فإنما مشى حجة الاسلام وعمرته وعليه أن يحج ويعتمر ماشيا من قبل أن أول ما يعمل الرجل من حج وعمرة إذا لم يعتمر ويحج فإنما هو حجة الاسلام وإن لم ينو حجة الاسلام ونوى به نذرا أو حجا عن غيره أو تطوعا فهو كله حجة الاسلام(2/280)
وعمرته وعليه أن يعود لنذره فيوفيه كما نذر ماشيا أو غير ماش (قال الربيع) هذا إذا كان المشى لا يضر بمن يمشى فإذا كان مضرا به فيركب ولا شئ عليه على مثل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يتم صومه ويتنحى عن الشمس فأمره بالذى فيه البر ولا يضر به ونهاه عن تعذيب نفسه لانه لا حاجة لله في تعذيبه وكذلك الذى يمشى إذا كان المشى تعذيبا له يضر به تركه ولا شئ عليه (قال الشافعي) ولو أن رجلا قال: إن شفى الله فلانا فلله على أن أمشى لم يكن عليه مشى حتى يكون نوى شيئا يكون مثله برا، فإن لم ينو شيئا فلا شئ عليه لانه ليس في المشى إلى غير مواضع البربر (قال الشافعي) ولو نذر فقال على المشى إلى افريقية أو العراق أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شئ لانه ليس لله طاعه في المشى إلى شئ من البلدان وإنما يكون المشى إلى المواضع التى يرتجى فيها البر وذلك المسجد الحرام وأحب إلي لو نذر أن يمشى إلى مسجد المدينة أن يمشى وإلى مسجد بيت المقدس أن يمشى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس " ولا يبين لى أن أوجب المشى إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس كما يبين لى أن أوجب المشى إلى بيت الله الحرام.
وذلك أن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نافلتين وإذا نذر أن يمشى إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشى إلى بيت الله الحرام ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه لان المساجد بيوت الله وهو إذا نذر أن يمشى إلى مسجد مصر لم يكن عليه أن يمشى إليه ولو نذر برا أمرناه بالوفاء به ولم يجبر عليه.
وليس هذا كما يؤخذ للآدميين من الآدميين هذا عمل فيما بينه وبين الله عزوجل لا يلزمه إلا بإيجابه على نفسه بعينه وإذا نذر الرجل أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة وذلك ان النحر بمكة بر.
وإن نذر أن ينحر بغيرها ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر أن يتصدق.
وإنما أوجبته وليس في النحر في غيرها بر لانه نذر
أن يتصدق على مساكين ذلك البلد، فإذا نذر أن يتصدق على مساكين بلد، فعليه أن يتصدق عليهم.
(وفى ترجمة الهدى المذكورة في تراجم مختصر الحج المتوسط نصوص تتعلق بالهدى المنذور (1)) فمنها قول الشافعي رحمه الله: الهدى من الابل والبقر والغنم.
وسواء البخت والعراب من الابل والبقر والجواميس والضأن والمعز، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشئ الذى سمى، صغيرا كان أو كبيرا، ومن لم يسم شيئا لزمه هدى ليس بجزاء من صيد، فيكون عدله.
فلا يجزيه من الابل ولا البقر والا المعز، إلا ثنى فصاعدا ويجزيه الذكر والانثى.
ويجزى من الضأن وحده الجذع: والموضع الذى يجب عليه فيه الحرم، لا محل للهدى دونه، إلا أن يسمى الرجل موضعا من الارض، فينحر فيه هديا، أو يحصر رجل بعدو، فينحر حيث أحصر، ولا هدى إلا في الحرم لا في غير ذلك.
وذكر هنا التقليد والاشعار، وقد سبق في باب الهدى آخر الحج، وهو يتعلق بالمنذور والتطوع (قال) وإذا ساق
__________
(1) كذا وقعت الترجمة في ترتيب نسخة البلقينى.(2/281)
الهدى، فليس له أن يركبه إلا من ضرورة.
وإذا اضطر إليه، ركبه ركوبا غير فادح له، وله أن يحمل الرجل المعيى والمضطر على هديه.
وإذا كان الهدى أنثى فنتجت، فإن تبعا فصيلها ساقه وإن لم يتبعه حمله عليها، وليس له أن يشرب من لبنها إلا بعد رى فصيلها، وكذلك ليس له أن يسقى أحدا.
وله أن يحمل فصيلها.
وإن حمل عليها من غير ضرورة فأعجفها، غرم قيمة ما نقصها.
وكذلك إن شرب من لبنها ما ينهك فصيلها، غرم قيمة اللبن الذى شرب.
وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت، أو وجهها بكلام فقيل " هذه هديى " فليس له أن يرجع فيها، ولا يبدلها بخير ولا بشر منها، كانت زاكية أو غير زاكية، وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها.
وأنما أنظر في الهدى إلى يوم يوجب، فإن كان وافيا، ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج، أو ما لا يكون به وافيا على الابتداء، لم يضره إذا بلغ المنسك.
وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل ينحر لم يجز عنه.
ولم يكن
له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره، أو يكون أصله واجبا، فلا يجزى عنه فيه إلا واف (قال) والهدى هديان، هدى أصله تطوع، فذكر في عطبه وإطعامه ما سبق في باب الهدى (قال) وهدى واجب فذلك إذا عطب دون الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بدله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على مساكين، كان عليه بدله لانه قد خرج من أن يكون هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله.
وذكر هنا دم التمتع والقران وغير ذلك مما ذكرناه في باب الهدى (قال) ولو أن رجلين كان عليهما هديان واجبان، فأخطأ كل واحد منهما بهدى صاحبه فذبحه ثم أدركه قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما هدى نفسه، ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى فات بصدقة ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة الهدى حيا، وكان على كل واحد منهما البدل ولا أحب أن يبدل واحد منهما إلا بجميع ثمن هديه، وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا، ولو أن رجلا نحر هديا فمنع المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان عليه أن يبدله.
والنحر يوم النحر وأيام " منى " كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت الشمس فلا يجوز الا أن من كان عليه هدى واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء.
ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون.
فأما إذا أصاب الذبح فوجد مساكين حاضرين فسواء وفى أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه وإن كان ذبحه إياه في غير موضع ناس.
وينحر الابل قياما غير معقولة وإن أحب عقل إحدى قوائمها.
وإن نحرها باركة أو مطلقة أجزأت عنه، وينحر الابل ويذبح البقر والغنم، وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الابل كرهت له ذلك وأجزأت عنه.
ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ أن يذبح النسيكة وهكذا من حلت ذكاته إلا أنى أكره أن يذبح النسيكة يهودى أو نصراني، فإن فعل فلا إعادة على صاحبه، وأحب إلى ان يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة (قال الشافعي) وإذا سمى الله عزوجل على النسيكة أجزأ عنه وإن قال: " اللهم تقبل عنى أو تقبل عن فلان " الذى أمره بذبحه فلا بأس ثم ذكر الاكل من هدى
التطوع، وقد ذكرناه في باب الهدى (قال) والهدى هديان واجب وتطوع.
فكل ما كان أصله واجبا على الانسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل هدى الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور والمتعة فان أكل من الهدى الواجب تصدق بقيمة ما أكل منه، ثم ذكر ما يتعلق بالتطوع وقد تقدم(2/282)
(قال) وإن لم يقلد هديه ولم يشعره، قارنا كان أو غيره، أجزأه أن يشترى هديا من " منى " أو من " مكة " ثم يذبحه مكانه لانه ليس على الهدى عمل إنما العمل على الآدميين والنسك لهم، وإنما هذا من أموالهم يتقربون به إلى الله عزوجل (قال الشافعي) وإذا قال الرجل: غلامي حر إلا أن يبدو لى في ساعتي هذه أو في يومى هذا أو شاء أو يشاء فلان أن لا يكون حرا أو امرأته طالق إلا أن أشاء أن لا تكون طالقا في يومى هذا، أو يشاء فلان فشاء أو شاء الذى استثنى مشيئته، لم يكن العبد حرا ولا المرأة طالقا (قال) وإذا قال الرجل: أنا اهدى هذه الشاة نذرا أو أمشى نذرا فعليه أن يهديها، وعليه أن يمشى إلا أن يكون أراد: إنى سأحدث نذرا أو إنى سأهديها، فلا يلزمه ذلك وهو كما قاله لغير إيجاب.
فإذا نذر الرجل أن يأتي موضعا من الحرم ماشيا أو راكبا، فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا.
ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو موضعا قريبا من الحرم ليس بحرم، لم يكن عليه شئ لان هذا نذر في غير طاعة، وإذا نذر الرجل حجا ولم يسم وقتا فعليه حج، يحرم به في أشهر الحج متى شاء.
وإذا قال: على نذر حج إن شاء فلان، فليس عليه شئ ولو شاء فلان.
إنما النذر ما أريد الله عز وجل به، ليس على معاني العلو ولا مشيئة غير الناذر.
وإذا نذر الرجل أن يهدى شيئا من النعم، لم يجزه إلا أن يهديه.
وإذا نذر أن يهدى متاعا لم يجزه، إلا أن يهديه أو يتصدق به على مساكين الحرم، فإن كانت نيته في هذه أن يعقله على البيت أو يجعل في طيب للبيت، جعله حيث نوى، ولو نذر أن يهدى ما لا يحمل، مثل الارضين والدور، باع ذلك فأهدى ثمنه.
ويلى الذى نذر الصدقة بذلك وتعليقه على البيت وتطييبه به، أو يوكل به ثقة يلى ذلك به.
وإذا نذر أن يهدى بدنة، لم يجزه منها إلا ثنى من الابل، أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والانثى والخصى، وأكثرها ثمنا أحبها إلى، وإذا لم يجد بدنة أهدى بقرة ثنية فصاعدا.
وإذا لم يجد بقرة، أهدى سبعا من الغنم ثنيا فصاعدا، إن كن
معزى، أو جذعا فصاعدا، إن كن ضانا.
وإن كانت نيته على بدنة من الابل دون البقر، فلا يجزيه أن يهدى مكانها إلا بقيمتها.
وإذا نذر الرجل هديا لم يسم الهدى ولم ينو شيئا، فأحب إلى أن يهدى شاة وما أهدى من مد حنطة أو ما قوته أجزأه، لان كل هذا هدى، ولو أهدى (1) انما كان أحب إلى، لان كل هذا هدى.
ألا ترى إلى قول الله عزوجل " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا " فقد يقتل الصيد وهو صغير أعرج وأعمى وإنما يجزيه بمثله.
أو لا ترى أنه يقتل الجرادة والعصفور، وهما من الصيد فيجزى الجرادة بتمرة والعصفور بقيمته؟ ولعله قبضة، وقد سمى الله عزوجل هذا كله هديا.
وإذا قال الرجل: شاتى هذه هدى إلى الحرم، أو بقعة من الحرم، أهدى.
وإذا نذر الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة، فإن سمى موضعا من الارض ينحرها فيه أجزأته، وإذا نذر الرجل عدد صوم صامه إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا (قال) وإذا نذر صيام أشهر، فما صام منها بالاهلة صامه، عددا ما بين الهلاين، إن كان تسعة وعشرين وثلاثين.
فإن صامه بالعدد، صام عن كل شهر ثلاثين يوما.
وإذا نذر صيام سنة بعينها، صامها كلها إلا رمضان، فإنه يصوم لرمضان ويوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ولا قضاء عليه.
كما لو قصد بنذر أن يصوم هذه الايام، لم يكن عليه نذر ولا قضاء، فإن نذر سنة بغير عينها، قضى هذه الايام كلها حتى يوفى صوم سنة كاملة، وإن حال بينه وبينه مرض أو خطأ عدد أو نسيان أو توان، قضاه إذا زعمت
__________
(1) قوله: بانما كذا في الاصل، بدون نقط، وحرر هذا اللفظ.
كتبه مصححه.(2/283)
أنه يهل بالحج فيحصر بعدو فلا يكون عليه قضاء، كان من نذر حجا بعينه مثله، وما زعمت أنه إذا أحصر فإن عليه القضاء أمرته أن يقضيه إن نذره فأحصر.
وهكذا إن نذر أن يصوم سنة بعينها فمرض، قضاها إلا الايام التي ليس له أن يصومها.
فإن قال قائل فلم تأمر المحصر إذا أحصر بالهدى ولا تأمر به هذا؟ قلت: آمره به للخروج من الاحرام، وهذا لم يحرم فأمره بالهدى (قال) وإذا أكل الصائم أو شرب في رمضان أو نذر أو صوم كفارة أو واجب بوجه من الوجوه أو تطوع ناسيا، فصومه تام ولا قضاء عليه.
وإذا تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم، أو أفطر قبل الليل وهو لا يعلم، فليس بصائم في
ذلك اليوم، وعليه بدله.
فإن كان صومه متتابعا فعليه أن يستأنفه.
وإذا قال: لله على أن أصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان، فقدم ليلا فليس عليه صوم صبيحة ذلك اليوم لانه قدم في الليل ولم يقدم في النهار، وأحب إلى لو صامه.
ولو قدم الرجل نهارا، وقد أفطر الذى نذر الصوم، فعليه أن يقضيه لانه نذر، والنذر لا يجزيه إلا أن ينوى صيامه قبل الفجر، وهذا احتياط وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره.
وإنما قلنا بالاحتياط أن جائزا أن يصوم، وليس هو كيوم الفطر، وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا: عليه قضاؤه، وهذا أصح في القياس من الاول.
ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أو قضاء رمضان أحببت أن يعود لصوم نذره وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان.
ولو أن فلانا قدم يوم الفطر أو يوم النحر أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه، لانه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة فلا يقضى ما لا طاعة فيه.
ولو قال: لله على أن أصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان أبدا، فقدم فلان يوم الاثنين فإن عليه قضاء اليوم الذى قدم فيه وصوم الاثنين كلما استقبله.
فإن تركه فيما يستقبل قضاه، إلا أن يكون يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فلا يصوم ولا يقضيه.
وكذلك إن كان في رمضان لم يقضه وصامه في رمضان.
كما لو أن رجلا نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه بالنذر ولم يقضه.
وكذلك لو نذر أن يصوم يوم الفطر أو الاضحى أو أيام التشريق.
ولو كانت المسألة بحالها وقدم فلان يوم الاثنين وقد وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما، وقضى كل اثنين منهما ولا يشبه هذا شهر رمضان لان هذا شئ أدخله على نفسه بعدما أوجب عليه صوم يوم الاثنين، وصوم رمضان شئ أوجبه الله لا شئ أدخله على نفسه، ولو كانت المسألة بحالها وكان الناذر امرأة فكالرجل وتقضى كل ما مر عليها من حيضها.
وإذا قالت المرأة: لله على أن أصوم كلما حضت أو أيام حيضى، فليس عليها صوم ولا قضاء، لانها لا تكون صائمة وهى حائض.
وإذا نذر الرجل صلاة أو صوما ولم ينو عددا، فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان، ومن الصوم يوم لان هذا أقل ما يكون من الصلاة والصوم لا الوتر (قال الربيع) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة وذلك أنه مروى عن عمر: أنه تنفل بركعة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة بعد عشر ركعات، وأن عثمان أوتر بركعة (قال
عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره.
وإنما قلنا بالاحتياط أن جائزا أن يصوم، وليس هو كيوم الفطر، وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا: عليه قضاؤه، وهذا أصح في القياس من الاول.
ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أو قضاء رمضان أحببت أن يعود لصوم نذره وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان.
ولو أن فلانا قدم يوم الفطر أو يوم النحر أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه، لانه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة فلا يقضى ما لا طاعة فيه.
ولو قال: لله على أن أصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان أبدا، فقدم فلان يوم الاثنين فإن عليه قضاء اليوم الذى قدم فيه وصوم الاثنين كلما استقبله.
فإن تركه فيما يستقبل قضاه، إلا أن يكون يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فلا يصوم ولا يقضيه.
وكذلك إن كان في رمضان لم يقضه وصامه في رمضان.
كما لو أن رجلا نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه بالنذر ولم يقضه.
وكذلك لو نذر أن يصوم يوم الفطر أو الاضحى أو أيام التشريق.
ولو كانت المسألة بحالها وقدم فلان يوم الاثنين وقد وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما، وقضى كل اثنين منهما ولا يشبه هذا شهر رمضان لان هذا شئ أدخله على نفسه بعدما أوجب عليه صوم يوم الاثنين، وصوم رمضان شئ أوجبه الله لا شئ أدخله على نفسه، ولو كانت المسألة بحالها وكان الناذر امرأة فكالرجل وتقضى كل ما مر عليها من حيضها.
وإذا قالت المرأة: لله على أن أصوم كلما حضت أو أيام حيضى، فليس عليها صوم ولا قضاء، لانها لا تكون صائمة وهى حائض.
وإذا نذر الرجل صلاة أو صوما ولم ينو عددا، فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان، ومن الصوم يوم لان هذا أقل ما يكون من الصلاة والصوم لا الوتر (قال الربيع) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة وذلك أنه مروى عن عمر: أنه تنفل بركعة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة بعد عشر ركعات، وأن عثمان أوتر بركعة (قال الربيع) فلما كانت ركعة صلاة ونذر أن يصلى صلاة ولم ينو عددا فصلى ركعة، كانت ركعة صلاة بما ذكرنا (قال الشافعي) وإذا قال الله على عتق رقبة فأى رقبة أعتق أجزأ.
* * * تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث وأوله: " كتاب البيوع ")(2/284)
كتاب الأم - الامام الشافعي ج 3
كتاب الأم الامام الشافعي ج 3(3/)
الام تأليف الامام ابي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي (204 150).
مع مختصر المزني الجزء الثالث دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(3/1)
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الاولى 1400 ه 1980 م الطبعة الثانية: 1403 ه 1983 م(3/2)
[ * (كتاب البيوع) * أخبرنا الربيع.
قال أخبرنا الشافعي رحمه الله: قال: قال الله تبارك وتعالى " لا تأكلوا أموالكم؟ ينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال الله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا " (قال الشافعي) وذكر الله البيع في غير موضع من كتابه بما يدل على إباحته فاحتمل إحلال الله عزوجل البيع معنيين أحدهما أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزى الامر فيما تبايعاه عن تراض منهما وهذا أظهر معانيه (قال) والثاني أن يكون الله عزوجل أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عزوجل معنى ما أراد فيكون هذا من الجمل التي أحكم الله فرضها بكتابه
وبين كيف هي على لسان نبيه، أو من العام الذي أراد به الخاص فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أريد بإحلاله منه وما حرم، أو يكون داخلا فيهما، أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم منه وما في معناه كما كان الوضوء فرضا على كل متوضئ لا خفى عليه لبسهما على كمال الطهارة، وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله تعالى خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عزوجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسان (قال الشافعي) فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزى الامر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهى عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى (قال الشافعي) وجماع ما يجوز من كل بيع آجل وعاجل وما لزمه اسم بيع بوجه أنه لا يلزم البائع والمشترى حتى يجمعا أن يتبايعاه برضا منهما بالتبايع به ولا يعقداه بأمر منهى عنه ولا على أمر منهى عنه وأن يتفرقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع.
فإذا اجتمع هذا لزم كل واحد منهما البيع ولم يكن له رده إلا بخيار أو عيب يجده أو شرط يشرطه أو خيار رؤية وقال لا يجوز خيار الرؤية (قال الشافعي) أصل البيع بيعان لا ثالث لهما بيع صفة مضمونة على بائعها، فإذا جاء بها خيار للمشترى فيما إذا كانت على صفته، وبيع عين مضمونة على بائعها بعينها يسلمها البائع للمشترى فإذا تلفت لم يضمن سوى العين التي باع ولا يجوز بيع غير هذين الوجهين، وهذا مفترقان في كتاب البيوع.
](3/3)
[ باب بيع الخيار (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " أخبرنا أبن جريج قال أملى على نافع مولى ابن عمر أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" إذا تبايع المتبايعان البيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار " قال نافع وكان عبد الله إذا ابتاع البيع فأراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله ابن الحرث عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا وجبت البركة في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما " أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن جميل بن مرة (1) عن أبى الوضئ قال كنا في غزاة فباع صاحب لنا فرسا من رجل فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبى برزة فقال له أبوبرزة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " (قال الشافعي) وفي الحديث ما يبين هذا أيضا لم يحضر الذى حدثني حفظه وقد سمعته من غيره أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه فقال لا أراكما تفرقتما وجعل له الخيار إذا باتا مكانا واحدا بعد البيع (قال) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا وجب البيع خيره بعد وجوبه قال يقول " اختر إن شئت فخذ وإن شئت فدع " قال فقلت له فخيره بعد وجوب البيع فأخذ ثم ندم قبل أن يتفرقا من مجلسهما ذلك أتقيله منه لا بد؟ قال لا أحسبه إذا خيره بعد وجوب البيع أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى عن أيوب بن أبى تميمة عن محمد بن سيرين عن شريح أنه قال شاهدان ذوا عدل أنكما افترقتما بعد رضا ببيع أو خير أحدكما صاحبه بعد البيع (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهو قول الاكثر من أهل الحجاز والاكثر من أهل الآثار بالبلدان (قال) وكل متبايعين في سلف إلى أجل أو دين أو عين أو صرف أو غيره تبايعا وتراضيا ولم يتفرقا عن مقامهما أو مجلسهما الذي تبايعا فيه فلكل واحد منهما فسخ البيع وإنما يجب على كل واحد منهما البيع حتى لا يكون له رده إلا بخيار أو شرط خيار أو ما وصفت إذا تبايعا فيه وتراضيا وتفرقا بعد البيع عن مقامهما الذي تبايعا فيه أو كان بيعهما عن خيار فإن البيع يجب بالتفرق والخيار (قال) واحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا بيع الخيار " معنيين أظهرهما عند أهل العلم باللسان وأولاهما بمعنى السنة والاستدلال بها والقياس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل الخيار للمتبايعين فالمتبايعان اللذان عقدا البيع حتى يتفرقا إلا بيع الخيار فإن الخيار إذا كان لا ينقطع بعد عقد البيع في السنة حتى يتفرقا وتفرقهما هو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه كان بالتفرق أو بالتخيير وكان موجودا
في اللسان والقياس إذا كان البيع يجب بشئ بعد البيع وهو الفراق أن يجب بالثاني بعد البيع فيكون إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع كان الخيار تجديد شئ يوجبه كما كان التفرق تجديد شئ يوجبه ولو لم يكن فيه سنة بينة بمثل ما ذهب إليه كان ما وصفنا أولى المعنيين أن يؤخذ به لما وصفت من القياس مع ]
__________
(1) عن أبى الوضئ: هو بالمعجمة امسه: عباد بن نسيب مصغرا كما في الخلاصة.
كتبه مصححه.(3/4)
[ أن سفيان ابن عيينة أخبرنا عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال خير رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بعد البيع فقال الرجل: عمرك الله ممن أنت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امرؤ من قريش " قال وكان أبى يحلف ما الخيار إلا بعد البيع (قال) وبهذا نقول وقد قال بعض أصحابنا يجب البيع بالتفرق بعد الصفة ويجب بأن يعقد الصفقة على خيار وذلك أن يقول الرجل لك بسلعتك كذا بيعا خيارا فقول قد اخترت البيع (قال الشافعي) وليس نأخذ بهذا وقولنا الاول: لا يجب البيع إلا بتفرقهما أو تخيير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختاره (قال) وإذا تبايع المتبايعان السلعة وتقابضا أو لم يتقابضا فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه بعد البيع، فإذا خيره وجب البيع بما يجب به إذا تفرقا وإن تقابضا وهلكت السلعة في يد المشترى قبل التفرق أو الخيار فهو ضامن لقيمتها بالغا ما بلغ كان أقل أو أكثر من ثمنها لان البيع لم يتم فيها (قال الشافعي) وإن هلكت في يد البائع قبل قبض المشترى لها وقبل التفرق أو بعده انفسخ البيع بينهما ولا تكون من ضمان المشترى حتى يقبضها، فإن قبضها ثم ردها على البائع ودبعة فهو كغيره ممن أودعه إياها، وإن تفرقا فماتت فهى من ضمان المشترى وعليه ثمنها وإن كان المتشرى أمة فأعتقها المشترى قبل التفرق أو الخيار فاختار البائع نقض البيع كان له ذلك وكان عتق المشترى باطلا لانه أعتق ما لم يتم له ملكه وإذا أعتقها البائع كان عتقه جائزا لانها لم تملك عليه ملكا يقطع الملك الاول عنها إلا بتفرق بعد البيع أو خيار وأن كل ما لم يتم فيه ملك المشترى فالبائع أحق به إذا شاء لان أصل الملك كان له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك لو عجل المشترى فوطئها قبل التفرق في غفلة من البائع عنه فاختار البائع فسخ البيع كان له فسخه وكان على المشترى مهر مثلها للبائع وإن أحبلها فاختار البائع رد البيع كان له رده وكانت الامة له وله مهر مثلها
فأعتقنا ولدها بالشبهة وجعلنا على المشترى قيمة ولده يوم ولد وإن وطئها البائع فهي أمته والوطئ كالاختيار منه لفسخ البيع (قال الشافعي) وإن مات أحد المتبايعين قبل أن يتفرقا قام ورثته مقامه وكان لهم الخيار في البيع ما كان له وإن خرس قبل أن يتفرقا أو غلب على عقله أقام الحاكم مقامه من ينظر له وجعل له الخيار في رد البيع أو أخذه.
فأيهما فعل ثم أفاق الآخر فأراد نقض ما فعله ما لم يكن له أن يمضى الحكم عليه به (قال الشافعي) وإن كان المشترى أمة فولدت أو بهيمة فنتجت قبل التفرق فهما على الخيار فإن اختارا إنفاذ البيع أو تفرقا فولد للمشترى لان عقد البيع وقع وهو حمل.
وكذلك كل خيار بشرط جائز في أصل العقد (1).
]
__________
(1) (وفى باب دعوى الولد قبل ترجمة اليمين مع الشاهد) (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل من الرجل بيعا ما كان، على أن له الخيار للبائع أو لهما معا أو شرط المبتاع أو البائع خيارا لغيره وقبض المبتاع السلعة فهلكت في يديه قبل رضا الذى له الخيار فهو ضامن لقيمتها ما بلغت قلت أو كثرت من قبل أن البيع لم يتم فيها وأنه كان عليه إذا لم يتم البيع ردها وكل من كان عليه رد شئ مضمونا عليه فتلف ضمن قيمته فالقيمة تقوم في الفائت مقام البدل وهذا قول الاكثر ممن لقيت من أهل العلم والقياس والاثر، وقد قال قائل من ابتاع بيعا وقبضه على أنه بالخيار فتلف في يديه فهو أمين كأنه ذهب إلى أن البائع سلطه على قبضه وإلى أن الثمن لا يجب عليه إلا بكمال البيع فجعله في موضع الامانة، وأخرجه من موضع الضمان، وقد روى عنه في الرجل يبتاع الفاسد ويقبضه ثم يتلف في يديه أنه يضمن القيمة وقد سلط البائع المشترى على القبض بأمر لا يوجب له الثمن، ومن حكمه، وحكم المسلمين أن هذا غير ثمن أبدا فإذا زعم أن ما لا يكون ثمنا أبدا يتحول فيصير قيمة إذا فات ما فيه العقد الفاسد، فالمبيع يشتريه الرجل شراء حلالا ويشرط خيار يوم أو ساعة فيتلف أولى أن يكون مضمونا لان هذا لو مرت عليه ساعة أو اختار المشترى إنفاذه(3/5)
[ باب الخلاف فيما يجب به البيع (قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس فيما يجب به البيع فقال إذا عقد البيع وجب ولا أبالى أن لا يخير أحدهما صاحبه قبل بيع ولا بعده ولا يتفرقان بعده (قال الشافعي) فقيل لبعض من قال هذا القول إلى أي شئ ذهبت في هذا القول؟ قال أحل الله البيع وهذا بيع وإنما أحل الله عز
وجل منه للمشترى ما لم يكن يملك ولا أعرف البيع إلا بالكلام لا بتفرق الابدان فقلت له أرأيت لو عارضك معارض جاهل بمثل حجتك فقال مثل ما قلت أحل الله البيع ولا أعرف بيعا حلالا وآخر حراما وكل واحد منهما يلزمه اسم البيع ما الحجة عليه؟ قال إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع فرسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عزوجل معنى ما أراد (قال الشافعي) قلت له ولك بهذا حجة في النهى فما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن سنة في البيوع أثبت من قوله " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " فإن ابن عمر وأبا برزة وحكيم بن حزام وعبد الله بن عمرو بن العاص يروونه ولم يعارضهم أحد بحرف يخالفه عن رسول الله صلى الله وسلم وقد نهى عن الدينار بالدينارين، فعارض ذلك أسامة بن زيد بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، فنهينا نحن وأنت عن الدينار بالدينارين وقلنا هذا أقوى في الحديث ومع من خالفنا مثل ما احتججت به أن الله تعالى أحل البيع وحرم الربا وأن نهيه عن الربا خلاف ما رويته ورووه أيضا عن سعد بن أبى وقاص وابن عباس وعروة وعامة فقهاء المكيين فإذا كنا نميز بين الاحاديث فنذهب إلى الاكثر والارجح وإن اختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنرى لنا حجة على من خالفنا أفما نرى أن ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يخالفه أحد برواية عنه أولى أن يثبت؟ قال بلى إن كان كما تقول قلت فهو كما أقول فهل تعلم معارضا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه؟ قال لا ولكني أقول إنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت وبه أقول ولكن معناه على غير ما قلت قلت فاذكر لى المعنى الذى ذهبت إليه فيه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام قال فقلت له الذى ذهبت إليه محال لا يجوز في اللسان قال وما إحالته؟ وكيف لا يحتمله اللسان؟ قلت إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين ثم يكونان ] = نفذ لان أصله حلال، والبيع الفاسد لو مرت عليه الآباد واختار المشترى والبائع إنفاذه لم يجز، فإن قال إن البائع بيعا فاسدا لم يرض أن يسلم سلعته إلى المشترى وديعة فيكون أمانة، وإنما رضى بأن يسلم له الثمن، فكذلك البائع على الخيار، ما رضى أن يكون أمانة، وما رضى إلا بأن يسلم له الثمن فكيف كان في البيع الحرام عنده ضامنا للقيمة إذا لم يرض البائع أن يكون عنده أمانة ولا يكون ضامنا في البيع الحلال، ولم يرض أن يكون أمانة، وقد روى المدنيون عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سام بفرس وأخذها بأمر صاحبها، فسار له لينظر
إلى مشيها فكسرت فحاكم فيها عمر صاحبها إلى رجل، فحكم عليه أنها (1) ضامنة عليه حتى يردها كما أخذها سالمة فأعجب ذلك عمر منه وأنفذ قضاءه ووافقه عليه واستقضاه، فإذا كان هذا على مساومة ولا تسمية ثمن إلا أنه من أسباب البيع فرأى عمر والقاضى عليه أنه ضامن له فما سمى له ثمن وجعل فيه الخيار أولى أن يكون مضمونا من هذا (2) وإن أصاب هذا المضمون المشترى شراء فاسدا عند المشترى رده وما نقص.
(1) ضامنه: أي مضمونة، فهى فاعلة مفعولة.
كما في كتب اللغة اه.
(2) قوله: وإن أصاب الخ كذا في النسخ، وانظر أين الفاعل؟ ولعله سقط من الناسخ لفظ " عيب " أو نحوه.
كتبه مصححه.(3/6)
[ متساومين قبل التبايع ثم يكونان بعد التساوم متبايعين ولا يقع عليهما اسم متبايعين حتى يتبايعا ويفترقا في الكلام على التبايع (قال) فقال فادللني على ما وصفت بشئ أعرفه غير ما قلت الآن (قال الشافعي) فقلت له أرأيت لو تساومت أنا وأنت بسلعة رجل امرأته طالق إن كنتما تبايعتما فيها؟ قال فلا تطلق من قبل أنكما غير متبايعين إلا بعقد البيع، قلت وعقد البيع التفرق عندك في الكلام عن البيع؟ قال نعم، قلت أرأيت لو تقاضيتك حقا عليك، فقلت والله لا أفارقك حتى تعطيني حقى متى أحنث، قال إن فارقته بيدنك قبل أن يعطيك حقك، قلت فلو لم تعرف من لسان العرب شيئا إلا هذا أما دلك على أن قولك محال وإن اللسان لا يحتمله بهذا المعنى ولا غيره؟ قال فاذكر غيره، فقلت له، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفا بمائة دينار، قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف منى وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي خازني أو حتى تأتى خازنتى من الغابة (قال الشافعي) أن شككت وعمر يسمع قال عمر والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء، قلت له أفبهذا نقول نحن وأنت إذا تفرق المصطرفان عن مقامهما الذى تصارفا فيه انتقض الصرف وما لم يتفرقا لم ينتقض؟ فقال: نعم قلت له فما بان لك وعرفت من هذا الحديث أن التفرق هو تفرق الابدان بعد التبايع لا التفرق عن البيع لانك لو قلت تفرق المتصارفان عن البيع قبل التقابض لبعض الصرف
دخل عليك أن تقول لا يحل الصرف حتى يتراضيا ويتوازنا ويعرف كل واحد منهما ما يأخذ ويعطى ثم يوجبا البيع في الصرف بعد التقابض أو معه، قال لا أقول هذا، قلت ولا أرى قولك التفرق تفرق الكلام إلا جهالة أو تجاهلا باللسان (قال الشافعي) قلت له أرأيت رجلا قال لك أقلدك فأسمعك تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا والتفرق عندك التفرق بالكلام وأنت تقول إذا تفرق المتصارفان قبل التقابض كان الصرف ربا وهما في معنى المتبايعين غيرهما لان المتصارفين متبايعان وإذا تفرقا عن الكلام قبل التقابض فسد الصرف قال ليس هذا له، قلت فيقول لك كيف صرت إلى نقض قولك؟ قال إن عمر سمع طلحة ومالكا قد تصارفا فلم ينقض الصرف ورأى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " هاء وهاء " إنما هو لا يتفرقا حتى تقاضا قلت تفرقا عن الكلام، قال نعم: قلت فقال لك أفرأيت لو احتمل اللسان ما قلت وما قال من خالفك أما يكون من قال بقول الرجل الذى سمع الحديث أولى أن يصار إلى قوله لانه الذى سمع الحديث فله فضل السماع والعلم بما سمع وباللسان؟ قال بلى قلت فلم لم تعط هذا ابن عمر وهو سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فكان إذا اشترى شيئا يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع ولم لم تعط هذا أبا برزة وهو سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار وقضى به وقد تصادقا بأنهما تبايعا ثم كان معا لم لم يتفرقا في ليلتهما ثم غدوا إليه فقضى أن لكل واحد منهما الخيار في رد بيعه؟ (قال الشافعي) فإن قال قائل تقول إن قولى محال؟ قلت نعم قال فما أحسبنى إلا قد اكتفيت بأقل مما ذكرت وأسألك قال فسل قلت أفرأيت إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " أليس قد جعل إليهما الخيار إلى وقتين ينقطع الخيار إلى أيهما كان؟ قال لى قلت فما الوقتان؟ قال أن يتفرقا بالكلام، قلت فما الوجه الثاني؟ قال لا أعرف له وجها فدعه، قلت أفرأيت ان بعتك بيعا ودفعته إليك، فقلت أنت فيه بالخيار إلى الليل من يومك هذا وأن تختار إجازة البيع قبل الليل أجائز هذا البيع؟ قال نعم، قلت فمتى ينقطع خيارك ويلزمك البيع فلا يكون لك رده؟ قال إن انقضى اليوم ولم اختر رد البيع انقطع ](3/7)
[ الخيار في البيع، أو اخترت قبل الليل إجازة البيع انقطع الخيار في الرد، قلت فكيف لا تعرف أن
هذا قطع الخيار في المتبايعين أن يتفرقا بعد البيع أو يخير أحدهما صاحبه؟ (قال الشافعي) فقال، دعه، قلت نعم بعد العلم منى بأنك إنما عمدت ترك الحديث وأنه لا يخفى عليك أن قطع الخيار البيع التفرق أو التخيير كما عرفته في جوابك قبله، فقلت له أرأيت إن زعمت أن الخيار إلى مدة، وزعمت أنها أن يتفرقا في الكلام، أيقال للمتساومين أنتما بالخيار؟ قال نعم، السائم في أن يرد أو يدع، والبائع في أن يوجب، أو يدع، قلت ألم يكونا قبل التساوم هكذا؟ قال بلى، قلت: فهل أحدث لهما التساوم حكما غير حكمهما قبله أو يخفى على أحد أنه مالك لماله إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه؟ قال لا، قلت: فيقال لانسان أنت بالخيار في مالك الذى لم توجب فيه شيئا لغيرك فالسائم عندك لم يوجب في ماله شيئا لغيره إنك لتحيل فيما تجيب فيه من الكلام، قال فلم لا أقول لك أنت بالخيار في مالك؟ قلت لما وصفت لك، وإن قلت ذلك إلى مدة تركت قولك، قال وأين؟ قلت وأنت تزعم أن من كان له الخيار إلى مدة فإذا اختار انقطع خياره كما قلت إذا جعلته بالخيار يوما، فمضى اليوم انقطع الخيار، قال أجل وكذلك إذا أوجب البيع فهو إلى مدة، قلت لم ألزمه قبل إيجاب البيع شيئا فيكون فيه يختار ولو جاز أن يقال أنت بالخيار في مالك ما جاز أن يقال أنت بالخيار إلى مدة، إنما يقال، أنت بالخيار أبدا، قال فإن قلت المدة أن يخرجه من ملكه؟ قلت وإذا أخرجه من ملكه، فهو لغيره، أفيقال، لاحد أنت بالخيار في مال غيرك؟ (قال الشافعي) فقلت أرأيت لو أن رجلا جاهلا عارضك بمثل حجتك، فقال قد قلت المتساومان يقع عليهما اسم متبايعين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما بالخيار ما لم يتفرقا والتفرق عندك يحتمل تفرق الابدان والتفرق بالكلام، فإن تفرقا بأبدانهما، فلا خيار لهما، وعلى صاحب المال أن يعطى بيعه ما بذل له منه، وعلى صاحب السلعة أن يسلم سلعته له بما استام عليه ولا يكون له الرجوع عما بذلها به إذا تفرقا، قال ليس ذلك له، قلت ولا لك (قال الشافعي) قال أفليس يقبح أن أملك سلعتك وتملك مالى ثم يكون لكل واحد منا الرد بغير عيب أو ليس يقبح أن أبتاع منك عبدا، ثم أعتقه، قبل أن نتفرق، ولا يجوز عتقي وأنا مالك؟ (قال الشافعي) قلت ليس يقبح في هذا شئ، إلا دخل عليك أعظم منه، قال، وما ذلك؟ قلت أرأيت إن بعتك عبدا بألف درهم وتقابضنا وتشارطنا أنا جميعا، أو أحدنا بالخيار إلى ثلاثين سنة؟
قال، فجائز، قلت ومتى شاء واحد منا نقض البيع نقضه، وربما مرض العبد ولم ينتفع به سيده، وانتفع البائع بالمال، وربما المبتاع بالعبد حتى يستغل منه أكثر من ثمنه ثم يرده وإن أخذه بدين ولم ينتفع البائع بشئ من مال المبتاع وقد عظمت منفعة المبتاع بمال البائع؟ قال نعم هو رضى بهذا، قلت، وإن أعتقه المشترى في الثلاثين سنة لم يجز وإن أعتقه البائع جاز، قال نعم قلت فإنما جعلت له الخيار بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا، ولعل ذلك يكون في طرفة عين، أو لا يبلغ يوما كاملا لحاجة الناس إلى الوضوء أو تفرقهم للصلاة وغير ذلك فقبحته، وجعلت له الخيار ثلاثين سنة برأى نفسك فلم تقبحه؟ قال: ذلك بشرطهما، قلت فمن شرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يثبت له شرطه ممن شرط له بائع ومشتر، وقلت له: أرأيت لو اشتريت منك كيلا من طعام موصوف بمائة درهم؟ قال فجائز، قلت وليس لى ولا لك نقض البيع قبل تفرق؟ قال لا، قلت وإن تفرقنا قبل التقابض انتقض البيع؟ قال نعم قلت أفليس قد وجب لى عليك شئ لم يكن لى ولا لك نقضه ثم انتقض بغير رضا واحد منا بنقضه؟ قال نعم إنما نقضناه استدلالا بالسنة أن النبي صلى الله ](3/8)
[ عليه وسلم نهى عن الدين بالدين، قلت فإن قال لك قائل، أهل الحديث يوهنون هذا الحديث ولو كان ثابتا لم يكن هذا دينا لانى متى شئت أخذت منك دراهمي التى بعتك بها إذا لم أسم لك أجلا والطعام إلى مدته، قال: لا يجوز ذلك، قلت ولم وعليك فيه لمن طالبك أمران، أحدهما أنك تجيز تبايع المتبايعين العرض بالنقد ولا يسميان أجلا ويفترقان قبل التقابض ولا ترى بأسا ولا ترى هذا دينا بدين فإذا كان هذا هكذا عندك احتمل اللفظ أن يسلف في كيل معلوم بشرط سلعة وإن لم يدفعها فيكون حالا غير دين بدين، ولكنه عين بدين قال: بل هو دين بدين قلت فإن قال لك قائل فلو كان كما وصفت أنهما إذا تبايعا في السلف فتفرقا قبل التقابض انتقض البيع بالتفرق، ولزمك أنك قد فسخت العقدة المتقدمة الصحيحة بتفرقهما بأبدانهما والتفرق عندك في البيوع ليس له معنى إنما المعنى في الكلام، أو لزمك أن تقول في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا إن لتفرقهما بأبدانهما معنى يوجبه كما كان لتفرق هذين بأبدانهما، معنى ينقضه ولا تقول هذا (قال الشافعي) فقال، فإنا روينا عن عمر أنه
قال، البيع عن صفقة أو خيار، قلت أرأيت إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفت لو كان قال رجل من أصحابه قولا يخالفه ألا يكون الذى تذهب إليه فيه أنه لو سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يخالفه إن شاء الله تعالى، وتقول قد يعزب عن بعضهم بعض السنن؟ قال: بلى قلت أفترى في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة؟ فقال عامة من حضره: لا قلت: ولو أجزت هذا خرجت من عامة سنن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليك ما لا تعذر منه، قال فدعه، قلت فليس بثابت عن عمر، وقد رويتم عن عمر مثل قولنا، زعم أبو يوسف عن مطرف، عن الشعبى أن عمر قال البيع عن صفقة أو خيار (قال الشافعي) وهذا مثل ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فهذا منقطع قلت وحديثك الذى رويت عن عمر غلط، ومجهول، أو منقطع، فهو جامع لجميع ما ترد به الاحاديث، قال لئن أنصفناك ما يثبت مثله، فقلت احتجاجك به مع معرفتك بمن حدثه وعمن حدثه ترك النصفة (قال الشافعي) وقلت له: لو كان كما رويت، كان بمعنى قولنا أشبه وكان خلاف قولك كله، قال ومن أين؟ قلت أرأيت إذ زعمت أن عمر قال البيع عن صفقة أو خيار أليس تزعم أن البيع يجب بأحد أمرين، إما بصفقة، وإما بخيار؟ قال: بلى قلت أفيجب البيع بالخيار والبيع بغير خيار؟ قال نعم: قلت ويجب بالخيار، قال تريد ماذا؟ قلت ما يلزمك قال وما يلزمنى؟ قلت تزعم أنه يجب الخيار بلا صفقة لانه إذا زعم أنه يجب بأحد أمرين علمنا أنهما مختلفان كما تقول في المولى يفئ أو يطلق وفى العبد يجنى يسلم أو يفدى وكل واحد منهما غير الآخر قال: ما يصنع الخيار شيئا إلا بصفقة تقدمه أو تكون معه والصفقة مستغنية عن الخيار (1) فهى إن وقعت معها خيار أو بعدها أو ليس معها ولا بعدها وجبت قال نعم قلت وقد زعمت أن قوله أو خيار لا معنى له قال فدع هذا قلت نعم بعد العلم بعلمك إن شاء الله تعالى بأنك زعمت أن ما ذهبت إليه محال قال: فما معناه عندك (2)؟ قلت لو كان قوله هذا موافقا لما روى أبو ]
__________
(1) قوله: فهى إن وقعت، كذا في النسخ التى بيدنا، ولعله سقط قبل " فهى " لفظ " قلت " فإن هذه العبارة من كلام الشافعي رحمه الله كما هو واضح، وحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: قلت لو كان قوله هذا موافقا إلى قوله " أو خيار " كذا بالاصول التى بأيدينا وانظر، وحرر.
كتبه
مصححه.(3/9)
[ يوسف عن مطرف عن الشعبى عنه وكان مثل معنى قوله فكان مثل البيع في معنى قوله فكان البيع عن صفقة بعدها تفرق أو خيار قال بعض من حضر ماله معنى يصح غيرها قال أما إنه لا يصح حديثه قلت أجل فلم استعنت به؟ قال: فعارضنا غير هذا بأن قال فأقول إن ابن مسعود روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار (قال الشافعي) وهذا الحديث منقطع عن ابن مسعود والاحاديث التى ذكرناها ثابتة متصلة فلو كان هذا يخالفها لم يجز للعالم بالحديث أن يحتج به على واحد منها لانه لا يثبت هو بنفسه فكيف يزال به ما يثبت بنفسه ويشده أحاديث معه كلها ثابتة؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو كان هذا الحديث ثابتا لم يكن يخالف منها شيئا من قبل أن هذين متبايعان إن تصادقا على التبايع واختلفا في الثمن فكل واحد منهما يختار أن ينفذ البيع إلا أن تكون دعواهما مما يعقد به البيع مختلفة تنقض أصله ولم يجعل الخيار إلا للمبتاع في أن يأخذ أو يدع وحديث البيع بالخيار جعل الخيار لهما معا من غير اختلاف في ثمن ولا ادعاء من واحد منهما بشئ يفسد أصل البيع ولا ينقضه إنما أراد تحديد نقض البيع بشئ جعل لهما معا وإليهما إن شاءا فعلاه وإن شاءا تركاه (قال الشافعي) ولو غلط رجل إلى أن الحديث على المتبايعين اللذين لم يتفرقا من مقامهما لم يجز له الخيار لهما بعد تفرقهما من مقامهما فإن قال فما يغنى في البيع اللازم بالصفقة أو التفرق بعد الصفقة؟ قيل لو وجب بالصفقة استغنى عن التفرق ولكنه لا يلزم إلا هما ومعنى خياره بعد الصفقة كمعنى الصفقة والتفرق وبعد التفرق فيختلفان في الثمن فيكون للمشترى الخيار كما يكون له الخيار بعد القبض وقبل التفرق وبعد زمان إذا ظهر على عيب ولو جاز أن نقول إنما يكون له الخيار إذا اختلفا في الثمن لم يجز أن يكون له الخيار إذا ظهر على عيب وجاز أن يطرح كل حديث أشبه حديثا في حرف واحد لحروف أخر مثله وإن وجد لهما محمل يخرجان فيه فجاز عليه لبعض المشرقيين ما هو أولى أن يجوز من هذا فإنهم قالوا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وعن المزابنة وهى الجزاف بالكيل من جنسها وعن الرطب بالتمر فحرمنا العرايا بخرصها من التمر لانها داخلة في هذا
المعنى وزعمنا نحن ومن قال هذا القول من أصحابنا أن العرايا حلال بإحلال النبي صلى الله عليه وسلم ووجدنا للحديثين معنى يخرجان عليه ولجاز هذا علينا في أكثر ما يقدر عليه من الاحاديث (قال الشافعي) وخالفنا بعض من وافقنا في الاصل أن البيع يجب بالتفرق والخيار فقال الخيار إذا وقع مع البيع جاز فليس عليه أن يخير بعد البيع والحجة عليه ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بعد البيع ومن القياس إذا كانت بيعا فلا يتم البيع إلا بتفرق المتبايعين وتفرقهما شئ غير عقد البيع يشبه والله أعلم أن لا يكون يجب بالخيار إلا بعد البيع كما كان التفرق بعد البيع وكذلك الخيار بعده (قال الشافعي) وحديث مالك بن أوس بن الحدثان (1) النصرى عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن التفرق بين المتبايعين تفرق الابدان ويدل على غيره وهو موضوع في موضعه قال وحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يبع أحدكم على بيع أخيه " يدل على أنه في معنى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتبايعان بالخيار " لانى لو كنت إذا بعت رجلا سلعة تسوى مائة ألف لزم المشترى البيع حتى لا يستطيع أن ينقضة ما ضرنى أن يبيعه رجل سلعة خيرا منها بعشرة ولكن في نهيه أن يبيع الرجل على بيع ]
__________
(1) النصرى: بنون فمهملة كما في الخلاصة.
كتبه مصححه.(3/10)
[ أخيه دلالة على أن يبيع على بيع أخيه قبل أن يتفرقا لانهما لا يكونان متبايعين إلا بعد البيع ولا يضر بيع الرجل على بيع أخيه إلا قبل التفرق حتى يكون للمشترى الخيار في رد البيع وأخذه فيها لئلا يفسد على البائع ولعله يفسد على البائع ثم يختار أن يفسخ البيع عليهما معا ولو لم يكن هذا لم يكن للحديث معنى أبدا لان البيع إذا وجب على المشترى قبل التفرق أو بعده فلا يضر البائع من باع على بيعه، ولو جاز أن يجعل هذا الحديث على غير هذا جاز أن لا يصير الناس إلى حديث إلا أحالهم غيرهم إلى حديث غيره (1).
باب بيع الكلاب وغيرها من الحيوان غير المأكول أخبرنا الربيع قال (الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن ابن الحرث بن هشام عن أبى مسعود الانصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب
ومهر البغى وحلوان الكاهن (قال) قال مالك فلذلك أكره بيع الكلاب الضوارى وغير الضوارى.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبى زهير وهو رجل من شنوءة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراطا " قالوا أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إى ورب هذا المسجد.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب (قال الشافعي) وبهذا نقول لا يحل للكلب ثمن بحال وإذا لم يحل ثمنه لم يحل أن يتخذه إلا صاحب صيد أو حرث أو ماشية وإلا لم يحل له أن يتخذه ولم يكن له إن قتله أخذ ثمن إنما يكون الثمن فيما قتل مما يملك إذا كان يحل أن يكون له في الحياة ثمن يشترى به ويباع (قال) ولا يحل اقتناؤه إلا لصاحب صيد أو زرع أو ]
__________
(1) وترجم في اختلاف مالك والشافعي (باب متى يجب البيع) سألت الشافعي رحمه الله تعالى متى يجب البيع حتى لا يكون للبائع نقضه ولا للمشترى نقضه إلا من عيب؟ فقال إذا تفرق المتبايعان بعد عقدة البيع من المقام الذى تبايعا فيه، فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " فقلت له فإنا نقول ليس لذلك عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه، فقال الشافعي الحديث بين لا يحتاج إلى تأويل ولكني أحسبكم التمستم العذر من الخروج منه بتجاهل كيف وجه الحديث وأى شئ فيه يخفى عليه فقد زعمتم أن عمر قال لمالك بن أوس حين اصطرف من طلحة بن عبيد الله بمائة دينار، فقال طلحة أنظرني حتى تأتى خازنتى أو خازني من الغابة فقال لا والله لا تفارقه حتى تقبض منه فزعمتم أن الفراق فراق الابدان فكيف لم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " أن الفراق فراق الابدان؟ فإن قلتم ليس هذا أردنا، أردنا أن يكون عمل به بعده، فابن عمر الذى سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ابتاع الشئ يعجبه أن يجب له فارق فمشى قليلا ثم رجع (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر وقد خالفتم النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر جميعا.(3/11)
[ ماشية أو ما كان في معناه لما جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب يدل على أنها لو صلحت أن يكون لها أثمان بحال لما جاز قتلها ولكان لمالكها بيعها فيأخذ أثمانها لتصير إلى من يحل له قنيتها (قال) ولا يحل السلم فيها لانه بيع وما أخذ في شئ يملك فيه بحال معجلا أو مؤخرا أو بقيمته في حياة أو موت فهو ثمن من الاثمان ولا يحل للكلب ثمن لما وصفنا من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمنه ولو حل ثمنه حل حلوان الكاهن ومهر البغى (قال) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص كل يوم من عمله قيراطان " وقال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " (قال) وقد نصب الله عزوجل الخنزير فسماه رجسا وحرمه فلا يحل أن يخرج له ثمن معجل ولا مؤخر ولا قيمة بحال ولو قتله إنسان لم يكن فيه قيمة وما لا يحل ثمنه مما يملك لا تحل قيمته لان القيمة ثمن من الاثمان (قال) وما كان فيه منفعة في حياته بيع من الناس غير الكلب والخنزير وإن لم يحل أكله فلا بأس بابتياعه وما كان لا بأس بابتياعه لم يكن بالسلف فيه بأس إذا كان لا ينقطع من أيدى الناس ومن ملكه فقتله غيره فعليه قيمته في الوقت الذى قتله فيه، وما كان منه معلما فقتله معلما فقيمته معلما كما تكون قيمة العبد معلما وذلك مثل الفهد يعلم الصيد والبازى والشاهين والصقر وغيرها من الجوارح المعلمة ومثل الهر والحمار الانسى والبغل وغيرها مما فيه منفعة حيا وإن لم يؤكل لحمه (قال) فأما الضبع والثعلب فيؤكلان ويباعان وهما مخالفان لما وصفت يجوز فيهما السلف إن كان انقطاعهما في الحين الذى يسلف فيهما مأمونا الامان الظاهر عند الناس ومن قتلهما وهما لاحد غرم ثمنهما كما يغرم ثمن الظبى وغيره من الوحش المملوك غيرهما (قال الشافعي) وكل ما لا منفعة فيه من وحش مثل الحدأة والرخمة والبغاثة وما لا يصيد من الطير الذى لا يؤكل لحمه ومثل اللحكاء والقطا والخنافس وما أشبه هذا فأرى والله تعالى أعلم أن لا يجوز شراؤه ولا بيعه بدين ولا غيره ولا يكون على أحد لو حبسه رجل عنده فقتله رجل له قيمة وكذلك الفأر والجرذان والوزغان لانه لا معنى للمنفعة فيه حيا ولا مذبوحا ولا ميتا فإذا اشترى هذا أشبه أن يكون أكل المال بالباطل وقد نهى الله عزوجل عن أكل المال بالباطل لانه إنما أجيز للمسلمين بيع ما انتفعوا به مأكولا
أو مستمتعا به في حياته لمنفعة تقع موقعا ولا منفعة في هذا تقع موقعا وإذا نهى عن بيع ضراب الفحل وهو منفعة إذا تم لانها ليست بعين تملك لمنفعة، كان مالا منفعة فيه بحال أولى أن ينهى عن ثمنه عندي والله تعالى أعلم.
باب الخلاف في ثمن الكلب (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس فأجاز ثمن الكلب وشراءه وجعل على من قتله ثمنه قلت له أفيجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم ثمن الكلب وتجعل له ثمنا حيا أو ميتا؟ أو يجوز أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ولها أثمان يغرمها قاتلها أيأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ما يغرمه قاتله وكل ما غرمه قاتله أثم من قتله لانه استهلاك ما يكون ما لا لمسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بمأثم (وقال قائل) فإنا إنما أخذنا أن الكلب يجوز ثمنه خبرا وقياسا قلت له فاذكر الخبر قال أخبرني بعض أصحابنا عن محمد بن إسحق عن عمران بن أبى أنس أن عثمان أغرم رجلا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا، قال وإذا جعل فيه مقتولا قيمة، كان حياله ثمن لا يختلف ذلك (قال) فقلت له أرأيت لو ثبت هذا عن عثمان كنت لم تصنع شيئا في احتجاجك على شئ ثبت عن ](3/12)
[ رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت عن عثمان خلافه قال فاذكره قلت أخبرنا الثقة عن يونس عن الحسن قال سمعت عثمان بن عفان يخطب وهو يأمر بقتل الكلاب (قال الشافعي) فكيف يأمر بقتل ما يغرم من قتله قيمته؟ قال فأخذناه قياسا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه صاحب الزرع ولا الماشية عن اتخاذه وذكر له صيد الكلاب فقال فيه ولم ينه عنه فلما رخص في أن يكون الكلب مملوكا كالحمار حل ثمنه ولما حل ثمنه كانت قيمته على من قتله (قال) فقلت له فإذا أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذه لصاحب الزرع والماشية ولم ينه عنه صاحب الصيد وحرم ثمنه فأيهما أولى بنا وبك وبكل مسلم أن يتبعه في القولين فتحرم ما حرم ثمنه وتقتل الكلاب على من لم يبح له اتخاذها كما أمر بقتلها وتبيح اتخاذها لمن أباحه له ولم ينهه عنه أو تزعم أن الاحاديث فيها تضاد؟ قال فما تقول أنت؟ قلت أقول الحق إن شاء الله تعالى إثبات الاحاديث على ما جاءت كما جاءت إذا احتملت أن تثبت
كلها ولو جاز ما قلت من طرح بعضها لبعض جاز عليك ما أجزت لنفسك قال فيقول قائل لا نعرف الاحاديث قلت إذا كان يأثم بها من اتخذها لا أحل لاحد اتخاذها وأقتلها حيث وجدتها ثم لا يكون أولى بالصواب منه قال أفيجوز عندك أن يتخذها متخذ ولا ثمن لها؟ قلت بل لا يجوز فيها غيره لو كان أصل اتخاذها حلالا حلت لكل أحد كما يحل لك أحد اتخاذ الحمر والبغال ولكن أصل اتخاذها محرم إلا بموضع كالضرورة لاصلاح المعاش لانى لم أجد الحلال يحظر على أحد وأجد من المحرم ما بياح لبعض دون بعض (قال) ومثل ماذا؟ قلت الميتة والدم مباحان لذى الضرورة فإذا فارق الضرورة عاد أن يكونا محرمين عليه بأصل تحريمهما والطهارة بالتراب مباحة في السفر لمن لم يجد ماء فإذا وجده حرم عليه الطهارة بالتراب لان أصل الطهارة إنما هي بالماء ومحرمة بما خالفه إلا في الضرورة بالاعواز والسفر أو المرض ولذلك إذا فارق رجل اقتناء الكلب للصيد أو الزرع أو الماشية حرم عليه اتخاذها قال فلم لا يحل ثمنها في الحين الذى يحل اتخاذها؟ قلت لما وصفت لك من أنها مرجوعة على الاصل فلا ثمن لمحرم في الاصل وإن تنقلب حالاته بضرورة أو منفعة فإن إحلاله خاص لمن أبيح له قال فأوجدني مثل ما وصفت قلت أرأيت دابة الرجل ماتت فاضطر إليها بشر أيحل لهم أكلها؟ قال نعم قلت أفيحل له بيعها منهم أو لبعضهم إن سبق بعضهم إليها؟ قال إن قلت ليس ذلك له قلت فقد حرمت على مالك الدابة بيعها وإن قلت نعم قلت فقد أحللت بيع المحرم قلت نعم قال فأقول لا يحل بيعها قلت ولو أحرقها رجل في الحين الذى أبيح لهؤلاء أكلها فيه (1) لم يغرم ثمنها قال لا، قلت فلو لم يدلك على النهى عن ثمن الكلب إلا ما وصفت لك انبغى أن يدلك قال أفتوجدني غير هذا أقوله؟ قلت نعم زعمت انه لو كان لك خمر حرم عليك اتخاذها وحل لك أن تفسدها بملح وماء وغير ذلك مما يصيرها خلا وزعمت أن رجلا لو أهراقها وقد أفسدها قبل أن تصير خلا لم يكن عليه في ثمنها شئ لانها لم تحل بعد عن المحرم فتصير عينا غيره وزعمت أن ماشيتك لو موتت حل لك سلخها وحبس جلدها وإذا دبغتها حل ثمنها ولو حرقها رجل قبل أن تدبغها لم يكن عليه فيها قيمة؟ قال إنى لا أقول هذا ولكني أقول إذا صارت خلا وصارت مدبوغة كان لها ثمن وعلى من حرقها قيمته قلت لانها تصير عندك عينا حلالا لكل أحد؟ قال نعم قلت أفتصير الكلاب حلالا لكل أحد؟ قال لا، إلا بالضرورة أو طلب المنفعة والكلاب بالميتة
اشبه لنا فيها ألزم قلت وهذا يلزمك في الحين الذى يحل لك فيه حبس الخمر والجلود، فأنت لا تجعل ]
__________
(1) قوله: لم يغرم ثمنها كذا في النسخ ولعله تحريف من النساخ والوجه " أيعزم " بالاستفهام وانظر.
كتبه مصححه.(3/13)
[ في ذلك الحين لها ثمنا قال أجل (قال الشافعي) ثم حكى أن قائلا قال لا ثمن لكلب الصيد ولا الزرع لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب جملة ثم قال وإن قتل إنسان لآخر كلبا غرم ثمنه لانه أفسد عليه ماله (قال الشافعي) وما لم يكن له ثمن حيا بان أصل ثمنه محرم كان ثمنه إذا قتل أولى أن يبطل أو مثل ثمنه حيا وكل ما وصفت حجة على من حكيت قوله وحجة على من قال هذا القول وعليه زيادة حجة من قوله من أنه إذا لم يحل ثمنها في الحال التى أباح النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذها كان إذا قتلت أحرى أن لا يكون بها حلالا قال فقال قائل: فإذا أخصى رجل كلب رجل أو جدعه؟ قلت إذا لم يكن له ثمن ولم يكن على من قتله قيمة كان فيما أصيب مما دون القتل أولى ولم يكن عليه فيه غرم وينهى عنه ويؤدب إذا عاد (1).
باب الربا - باب الطعام بالطعام (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصرى أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف منى وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال حتى تأتى خازنتى أو خازني (قال الشافعي) أنا شككت بعدما قرأته عليه وعمر بن الخطاب رضى الله عنه يسمع فقال عمر لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا ]
__________
(1) وفى اختلاف مالك والشافعي.
باب ثمن الكلب سألت الشافعي رحمه الله عن الرجل يقتل الكلب للرجل؟ فقال ليس عليه غرم، فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبى مسعود الانصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن.
قال مالك: وإنما يكره بيع الكلاب الضوارى بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب.
(2) ترجم هنا بلفظ " باب الربا " السراج البلقينى في نسخته وأتى عقبه بباب الطعام بالطعام والتراجم بعده المتعلقة بالربويات وهى في سائر النسخ مؤخرة عن هذا الموضع وعلى ترتيب نسخته جرينا في هذا المطبوع، فليعلم، كتبه مصححه.(3/14)
[ الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم " قال ونقص أحدهما التمر أو الملح (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا نأخذ وهو موافق للاحاديث في الصرف وبهذا تركنا قول من روى أن لا ربا إلا في نسيئة وقلنا الربا من وجهين في النسيئة والنقد وذلك أن الربا منه يكون في النقد بالزيادة في الكيل والوزن ويكون في الدين بزيادة الاجل، وقد يكون مع الاجل زيادة في النقد (قال) وبهذا نأخذ والذى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل في بعضه على بعض يدا بيد، الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح (قال) والذهب والورق مباينان لكل شئ لانهما أثمان كل شئ ولا يقاس عليهما شئ من الطعام ولا من غيره (قال الشافعي) رحمه الله فالتحريم معهما من الطعام من مكيل كله مأكول (قال) فوجدنا المأكول إذا كان مكيلا فالمأكول إذا كان موزونا في معناه لانهما مأكولان معا وكذلك إذا كان مشروبا مكيلا أو موزونا لان الوزن أن يباع معلوما عند البائع والمشترى كما كان الكيل معلوما عندهما بل الوزن أقرب من الاحاطة لبعد تفاوته من الكيل فلما اجتمعا في أن يكونا مأكولين ومشروبين وبيعا معلوما بمكيال أو
ميزان كان معناهما معنى واحدا فحكمنا لهما حكما واحدا، وذلك مثل حكم الذهب والفضة لان مخرج التحريم والتحليل في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والنوى فيه لانه لاصلاح له إلا به والملح واحد لا يختلف.
ولا نخالف في شئ من أحكام ما نصت السنة من المأكول غيره وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها وحكمه حكمها لم نخالف بين أحكامها وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها حكمنا ] = (قال الشافعي) فنحن نجيز للرجال أن يتخذ الكلاب الضوارى ولا نجيز له أن يبيعها لنهى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا حرمنا ثمنها في الحال حتى جعل اتخاذها فيه اتباعا لامر النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل أن يكون لها ثمن بحال، فقلت للشافعي فإنا نقول لو قتل رجل لرجل كلبا غرم له ثمنه، فقال الشافعي هذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس عليه وخلاف أصل قولهم وكيف يجوز أن يغرموه ثمنه في الحال التى سول (1) فيها نفسه وأنتم لا تجعلون له ثمنا في الحال التى يحل أن ينتفع به فيها فإن قال قائل فإن من المفتين من زعم أنه إذا قتل، ففيه ثمنه ويروى فيه أثرا فأولئك يجيزون بيعه حيا ويردون الحديث الذى في النهى عن ثمنه ويزعمون أن الكلب سلعة من السلع يحل ثمنه كما يحل ثمن الحمار والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما ويقولون لو زعمنا أن ثمنه لا يحل، زعمنا أنه لا شئ على من قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدفعها فإذا دبغت حل بيعها ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لانه لا يحل ثمنها حتى تدبغ ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل ثمنها ولو استهلكها مستهلك وهى خمر أو بعد ما أفسدت وقبل ما تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك الحال لانها أصلها محرم ولم تصر خلا لانهم يعقلون ما يقولبون وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث الذى بيناه نحن وأنتم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم محجوجون بأنكم لن تتبعوه فتثبتونه فلا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا، أو رأيتم لو قال لكم قائل لا أجعل له ثمنا إذا قتل لانه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ هل الحجة عليه إلا أن يقال ما كان له ملك وكان له في حياته كان فيه ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الاخرى
__________
(1) قوله: سول كذا رسم بالاصل بدون نقط ولعله محرف عن " يفوت " أو نحوه، وحرر.
كتبه مصححه(3/15)
[ له حكمها من المأكول والمشروب والمكيل والموزون وكذلك في معناها عندنا والله أعلم كل مكيل ومشروب، بيع عددا، لانا وجدنا كثيرا منها يوزن ببلدة ولا يوزن بأخرى ووجدنا عامة الرطب بمكة إنما يباع في سلال جزافا، ووجدنا عامة اللحم إنما يباع جزافا ووجدنا أهل البدو إذا تبايعوا لحما أو لبنا لم يتبايعوه إلا جزافا.
وكذلك يتبايعون السمن والعسل والزبد وغيره، وقد يوزن عند غيرهم ولا يمتنع من الوزن والكيل في بيع من باعه جزافا وما بيع جزافا أو عددا فهو في معنى الكيل والوزن من المأكول والمشروب عندنا والله أعلم وكل ما يبقى منه ويدخر وما لا يبقى ولا يدخر سواء لا يختلف، فلو نظرنا في الذى يبقى منه ويدخر ففرقنا بينه وبين مالا يبقى ولا يدخر وجدنا التمر كله يابسا يبقى غاية ووجدنا الطعام كله لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللحم لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللبن لا يبقى ولا يدخر فإن قال قد يوقط قيل وكذلك عامة الفاكهة الموزونة قد تيبس وقشر الاترج بما لصق فيه ييبس وليس فيما يبقى ولا يبقى معنى يفرق بينه إذا كان مأكولا ومشروبا فكله صنف واحد والله أعلم وما كان غير مأكول ولا مشروب لتفكه ولا تلذذ مثل الاسبيوش (1) والثفاء والبزور كلها، فهى وإن أكلت غير ] باب بيع الفضولي وليس في التراجم، وفيه نصوص منها في الغصب (قال الشافعي) رحمه الله وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من رجل والمشترى يعلم أنها مغصوبة ثم جاء المغصوب فأراد إجازة البيع لم يكن البيع جائزا من قبل أن أصل البيع كان محرما فلا يكون لاحد إجازة المحرم ويكون له تجديد بيع حلال هو غير حرام، فإن قال قائل أرأيت لو أن امرءا باع جارية له وشرط لنفسه فيها الخيار أما كان يجوز البيع ويكون له أن يختار إمضاءه فيلزم المشترى (2) بأن الخيار له دون البائع؟ قيل بلى فإن قال فما الفرق بينهما؟ قيل هذه باعها مالكها بيعا حلالا وكان له الخيار على شرطه وكان المشترى غير عاص لله ولا البائع، والغاصب والمشترى وهو يعلم أنها مغصوبة عاصيان لله، هذا بائع ما ليس له وهذا مشتر ما لا يحل له فلا يقاس الحرام على الحلال لانه ضده، ألا ترى أن الرجل المشترى من الجارية جاريته لو شرط المشترى الخيار لنفسه كان له الخيار كما يكون للبائع إذا شرطه أفيكون للمشترى الجارية المغصوبة الخيار في أخذها أو ردها؟ فإن قال لا قيل ولو شرط على الغاصب الخيار لنفسه؟ فإن قال لا من قبل أن الذى قد شرط له الخيار لا يملك الجارية، قيل ولكن الذى يملكها لو شرط له الخيار جاز، فإن قال نعم قيل له أفلا ترى أنهما مختلفان في كل شئ فكيف يقاس
أحد المختلفين في كل شئ على الآخر؟ (ومنها مسألة) البضاعة آخر القراض التى يعقبها اختلاف العراقيين، أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال وإذا ابتضع الرجل مع الرجل ببضاعة وتعدى فاشترى بها شيئا فإن هلكت فهو ضامن وإن وضع فيها فهو ضامن وإن ربح فالربح لصاحب المال كله إلا أن يشاء تركه، فإن وجد في يده السلعة التى اشتراها بماله فهو بالخيار في أن يأخذ رأس ماله أو السلعة التي ملكت بماله، فإن هلكت تلك السلعة قبل أن يختار أخذها لم يضمن له إلا رأس المال من قبل أنه لم يختر أن يملكها فهو لا يملكها لاختياره أن لا يملكها والقول الثاني وهو أحد قوليه أنه إذا تعدى فاشترى شيئا بالمال بعينه فربح فيه فالشراء باطل والبيع مردود =
__________
(1) الآسبيوش هو البزرقطونا والثفاء بوزن هو الخردل أو الحرف كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(2) قوله: بأن الخيار له دون البائع كذا بالاصل هنا، وفى باب الغصب.
ولعله تحريف من النساخ والوجه " بأن الخيار دون المشترى " كما هو واضح اه مصححه.(3/16)
[ معنى القوت فقد تعد مأكولة ومشروبة وقياسها على المأكول القوت أولى من قياسها على ما فارقه مما يستمتع به لغير الاكل ثم الادوية كلها أهليلجها وايليلجها وسقمونيها وغاريقونها يدخل في هذا المعنى والله أعلم (قال) ووجدنا كل ما يستمتع به ليكون مأكولا أو مشروبا يجمعه أن المتاع به ليؤكل أو يشرب ووجدنا يجمعه أن الاكل والشرب للمنفعة ووجدنا الادوية تؤكل وتشرب للمنفعة بل منافعها كثيرة أكثر من منافع الطعام فكانت أن تقاس بالمأكول والمشروب أولى من أن يقاس بها المتاع لغير الاكل من الحيوان والنبات والخشب وغير ذلك فجعلنا للاشياء أصلين أصل مأكول فيه الربا وأصل متاع لغير المأكول لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض فالاصل في المأكول والمشروب إذا كان بعضه ببعض كالاصل في الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم وإذا كان منه صنف بصنف غيره فهو كالدنانير بالدراهم والدراهم بالدنانير لا يختلف إلا بعلة وتلك العلة لا تكون في الدنانير والدراهم بحال وذلك أن يكون الشئ منه رطب بيابس منه وهذا لا يدخل الذهب ولا الورق أبدا (قال) فإن قال قائل كيف فرقتم بين الذهب والورق وبين المأكول في هذه الحال؟ قلت الحجة فيه ما لا حجة معه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز أن تقيس شيئا بشئ مخالف له فإذا كانت الرطوبة موجودة
في غير الذهب والفضة فلا يجوز أن يقاس شئ بشئ في الموضع الذى يخالفه فإن قال قائل فأوجدنا ] = وان اشترى بمال لا بعينه ثم نقد المال فهو متعد بالنقد والربح له والنقصان عليه، وعليه مثل المال الذى تعدى فيه فنقده، ولصاحب المال إن وجده في يد البائع أن يأخذه فإن تلف المال فصاحب المال مخير إن أحب أخذه من الدافع وهو المقارض وإن أحب أخذه من الذى تلف في يده وهو البائع (ومنها في الاجارات) (قال الشافعي) ومن أعطى رجلا مالا قراضا ونهاه عن سلعة يشتريها بعينها فاشتراها فصاحب المال بالخيار إن أحب أن تكون السلعة قراضا على شرطها وإن شاء ضمن المقارض رأس ماله (قال الربيع) وله قول آخر أنه إذا أمره أن يشترى سلعة بعينها فتعدى فاشترى غيرها، فإن كان عقد الشراء بالعين بعينها فالشراء باطل، وإن كان عقد الشراء بغير العين فالشراء قد تم ولزم المشترى الثمن والربح والنقصان عليه وهو ضامن للمال لانه لما اشترى بغير عين المال صار المال في ذمة المشترى وصار له الربح والخسارة عليه وهو ضامن المال لصاحب المال (قال الشافعي) وإن أعطى رجل رجلا شيئا يشترى له شيئا بعينه فاشترى له ذلك الشئ وغيره بما أعطاه، أو أمره أن يشترى له شاة فاشترى شاتين أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان، أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره أو أخذ ما أمره به بحصته من الثمن والرجوع على المشترى بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التى اشترى للمشترى وكذلك إن اشترى بذلك الشئ وباع فالخيار في ذلك إلى رب المال لانه بماله ملك ذلك كله وبماله باع وفى ماله كان الفضل والقول الآخر أنه قد رضى أن يشترى له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء أمسكه وإن شاء وهبه لان من رضى شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره لانه قد جاءه بالذى رضى وزيادة شئ لا مؤنة عليه في ماله وهو معنى قول الشافعي، وقال قائل للشافعي فما الاحاديث التى عليها اعتمدتم؟ قلنا لهم أما حديثكم فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن سبيب بن غرقدة أنه سمع الحى يحدثون عن عروة بن أبى الجعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاة أو أضحية فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا ربح فيه (قال الشافعي) فمن قال له جميع ما اشترى له فإنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له، قال إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظره وازدياده واختار أن لا يضمنه وأن يملك ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأى عروة بذلك محسنا غير عاص ولو كان معصية نهاه عنها ولم يقبلها ولم يملكها في الوجهين معا =(3/17)
[ السنة فيه قيل إن شاء الله (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبى وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيتهما أفضل؟ فقال البيضاء فنهى عن ذلك وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا نعم فنهى عن ذلك (قال) ففى هذا الحديث رأى سعد نفسه أنه كره البيضاء بالسلت فإن كان كرهها بسنة فذلك موافق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله كرهها لذلك فإن كان كرهها متفاضلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا وليس في قول أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا (قال) وهكذا كل ما أختلفت أسماؤه وأصنافه من الطعام فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة كالدنانير بالدراهم لا يختلف هو وهى وكذلك زبيب بتمر وحنطة بشعير وشعير بسلت وذرة بأرز وما اختلف أصنافه من المأكول أو المشروب، هكذا.
كله وفى حديثه عن رسول الله صلى الله عليه ] = (قال الشافعي) ومن رضى بأن يملك شاة بدينار فملك بالدينار شاتين كان به أرضى، وإنما معنى ما يضمنه إن أراد مالك المال بأنه إنما أراد ملك واحدة وملكه المشترى الثانية بلا أمره ولكنه إن شاء ملكها على المشترى ولم يضمنه ومن قال هما له جميعا بلا خيار قال إذا جاز عليه أن يشترى شاة بدينار فأخذ شاتين فقد أخذ واحدة تجوز بجميع الدينار فأوفاه وازداد له بديناره شاة لا مؤنة عليه في ماله في ملكها، وهذا أشبه القولين بظاهر الحديث والله أعلم (قال الشافعي) والذى يخالفنا يقول في مثل هذه المسألة هو مالك لشاة بنصف دينار والشاة الاخرى (2) وثمن إن كان لها للمشترى لا يكون للامر أن يملكها أبدا بالملك الاول والمشترى ضامن لنصف دينار.
باب اعتبار القدرة على التسليم حسا وشرعا في صحة البيع وليس في التراجم وفيه نصوص منها في باب وقت بيع الفاكهة (قال الشافعي) رحمه الله: وإن حل بيع ثمرة من هذا الثمر نخل أو عنب أو قثاء أو خربز أو غيره لم يحل أن تباع ثمرتها التى تأتى بعدها بحال، فأن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ قيل لما نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين ونهى عن بيع الغرر، ونهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، كان بيع ثمره لم تخلق بعد أولى في جميع هذا.
أخبرنا الربيع، قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان، عن عمرو عن جابر قال نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة (قال الشافعي) فإذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل والثمر بلحا شديدا لم ير فيه صفرة لان العاهة قد تأتى عليه كان بيع ما لم ير منه شئ قط من قثاء أو خربز، أدخل في معنى الغرر، وأولى أن لا يباع مما قد رؤى، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه وكيف يحرم أن يباع قثاء أو خربز حين بدا قبل يطيب منه شئ وقد رئى، وحل أن يبتاع ولم يخلق قط، وكيف أشكل على أحد أنه لا يكون بيع أبدا أولى بالغرر من هذا البيع، الطائر في السماء، والعبد الآبق، والجمل الشارد أقرب من أن يكون الغرر فيه أضعف من هذا، ولان ذلك شئ قد خلق، وقد يوجد، وهذا لم يخلق بعد، وقد يخلق فيكون غاية في الكثرة، وغاية في القلة، وفيما بين الغايتين منازل، أو رأيت إن أصابته الجائحة بأى شئ يقاس؟
__________
(1) قوله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي، كذا في النسخ، ولعل هذه العبارة من زيادة النساخ إذ لا محل لها هنا كما لا يخفى.
(2) قوله: وثمن إن كان لها، كذا في جميع النسخ، ولعل وجه الكلام " وإن كان لها ثمن " فحرر.
كتبه مصححه.(3/18)
[ وسلم دلائل منها أنه سأل أهل العلم بالرطب عن نقصانه فينبغي للامام إذا حضره أهل العلم بما يرد عليه أن يسألهم عنه وبهذا صرنا إلى قيم الاموال بقول أهل العلم والقبول من أهلها ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نظر في معتقب الرطب فلما كان ينقص لم يجز بيعه بالتمر لان التمر من الرطب إذا كان نقصانه غير محدود وقد حرم أن يكون التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وكانت فيها زيادة بيان النظر في المعتقب من الرطب فدلت على أنه لا يجوز رطب بيابس من جنسه لاختلاف الكيلين وكذلك دلت على أنه لا يجوز رطب برطب لانه نظر في البيوع في المعتقب خوفا من أن يزيد بعضها على بعض فهما رطبان معناهما معنى واحد فإذا نظر في المعتقب فلم يجز رطب برطب لان الصفقة وقعت ولا يعرف كيف يكونان في المعتقب وكان بيعا مجهولا الكيل بالكيل ولا يجوز الكيل ولا الوزن بالكيل والوزن من جنسه إلا مثلا بمثل.
] = أبأول حمله؟ فقد يكون ثانيه أكثر، وثالثه، فقد يختلف ويتباين، فهذا عندنا محرم بمعنى السنة، والاثر والقياس
عليهما والمعقول، والذى يمكن من عيوبه أكثر مما حكينا، وفيما حكينا كفاية إن شاء الله.
ومنها في إبطال بيع المكاتب كتابه صحيحة بغير رضاه قبل فسخ الكتابة وفيه نصوص في الكتابة وغيرها منها في ترجمة هبة المكاتب وبيعه (قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز لرجل أن يبيع مكاتبه ولا يهبه حتى يعجز، فإن باعه أو وهبه قبل يعجز المكاتب أو يختار العجز، فالبيع باطل، ولو أعتقه الذى اشتراه كان العتق باطلا لانه أعتق ما لا يملك، وكذلك لو باعه قبل يعجز أو يرضى بالعجز، ثم رضى بعد البيع بالعجز كان البيع مفسوخا حتى يحدث له بيعا بعد رضاه بالعجز.
ومنها في الوصية للمكاتب، ولو قال إن شاء مكاتبي فبيعوه فشاء مكاتبه قبل يؤدى الكتابة بيع وإن لم يشأ لم يبع، وقال بعد ذلك، وإذا قال في وصيته إن شاء مكاتبي فبيعوه فلم يعجز حتى قال، قد شئت أن تبيعوني قيل لا تباع إلا برضاك بالعجز، فإن قال: قد رضيت به، بيع، وإن لم يرض به، فالوصية باطلة لانه لا يجوز بيعه ما كان على الكتابة.
وفى اختلاف الحديث في ترجمة بيع المكاتب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها، قالت جاءتني بريرة فقالت إنى كاتبت أهلى على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم (1) عددتها ويكون ولاؤك لى فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت، إنى عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق، وشرطه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق " (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة (قال الشافعي) وحديث يحيى عن عمرة عن عائشة أثبت من حديث هشام وأحسبه غلط في قوله " واشترطي لهم الولاء " وأحسب حديث عمرة أن عائشة كانت اشترطت لهم بغير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى ترى أن ذلك يجوز فأعلمها رسول الله صلى الله =
__________
(1) قوله: عددتها ويكون الخ، كذا في النسخ ولفظ أبى داود " إن أحب أهلك أن أعدها عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لى فعلت " اه كتبه مصححه.(3/19)
[ باب جماع تفريع الكيل والوزن بعضه ببعض (قال الشافعي) معرفة الاعيان أن ينظر إلى الاسم الاعم الجامع الذي ينفرد به من جملة ما مخرجه مخرجها فذلك جنس فأصل كل ما أنبتت الارض أنه نبات ثم يفرق به أسماء فيقال هذا حب ثم يفرق بالحب أسماء والاسماء التى تفرق بالحب من جماع التمييز فيقال تمر وزبيب ويقال حنطة وذرة وشعير وسلت فهذا الجماع الذي هو جماع التمييز وهو من الجنس الذي تحرم الزيادة في بعضه على بعض إذا كان من صنف واحد وهو في الذهب والورق هكذا وهما مخلوقان من الارض أو فيهما ثم هما تبر ثم يفرق ] = عليه وسلم أنها إن أعتقها فالولاء لها، وقال لا يمنعك عنها ما تقدم فيها من شرطك، ولا أرى أمرها أن تشترط لهم ما لا يجوز (قال الشافعي) وبهذا نأخذ، وقد ذهبت فيه قوم مذاهب سأذكر ما حضرني حفظه منها إن شاء الله (قال الشافعي) وقال بعض أهل العلم بالحديث والرأى يجوز بيع المكاتب؟ قلت نعم في حالين قال وما هما؟ قلت أن يحل نجم من نجوم المكاتب فيعجز عن أدائه لانه إنما عقدت له الكتابة على الاداء قال فإذا لم يؤد ففى نفس الكتابة أن للمولى بيعه لانه إذا عقدها على شئ فلم يأت به كان العبد بحاله قبل يكاتب إن شاء سيده قال قد علمت هذا فما الحال الثانية؟ قلت أن يرضى المكاتب بالبيع والعجز من نفسه وإن لم يحل له نجم قال فأين هذه! قلت أو ليس في المكاتب شرطان إلى السيد بيعه في أحدهما وهو إذا لم يوفه؟ قال بلى قلت والشرط الثاني للعبد ما أدى لانه لم يخرج بالكتابة من ملك سيده؟ قال أما الخروج من ملك سيده فلم يكن بالكتابة (قال الشافعي) فقلت له فإذا لم يخرج من ملك السيد بالكتابة هلى الكتابة إلا شرط للعبد على نفسه وللسيد على عبده؟ قال بلى قلت أرأيت من كان له شرط فتركه أليس ينفسخ له شرطه؟ قال أما من الاحرار فبلى قلت فلم لا يكون هذا في العبد؟ قال العبد لو كان له مال وعفاه لم يجز له قلت فإن عفاه بإذن السيد؟ قال يجوز قلت أفليس قد اجتمع العبد وسيده على الرضا بترك شرطه في الكتابة؟ قال بلى قلت ولو اجتمعا على أن يعتق المكاتب عبده أو يهب ماله جاز؟ قال بلى قلت فلم لا يجوز إذا اجتمعا على إبطال الكتابة أن يبطلها؟ (قال الشافعي) وقلت له ذهاب بريرة إلى أهلها مساومة بنفسها لعائشة
ورجوعها لعائشة بجواب أهلها بأن اشترطوا ولاءها ورجوعها بقبول عائشة ذلك يدل على رضاها بأن تباع ورضا الذى كاتبها بذلك لانها لا تشترى إلا ممن كاتبها قال أجل قد كان في هذا ما يكفيك مما سألت عنه قال فإن قلت فلعلها عجزت، قلت أفترى من استعان بكتابة معجزا؟ قال: لا، قلت: فحديثها يدل على أنها لم تعجز، وإن كانت عجزت فلم يعجزها سيدها (قال الشافعي) فقال فلعل لاهلها بيعها قلت بغير رضاها؟ قال لعل ذلك قلت أفتراها راضية إذا كانت مساومة بنفسها ورسولا لاهلا وإليهم؟ قال نعم قلت فينبغي أن يذهب توهمك أنهم باعوها بغير رضاها وتعلم أن من لقينا من الفتن (1) إذا لم يختلفوا في أن لا يباع المكاتب قبل أن يعجز أو يرضى بالبيع لا يجهلون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان محتملا معنيين كان أولاهما ما ذهب إليه عوام الفقهاء مع أنه بين في الحديث كما وصفت أن لم تبع إلا برضاها قال أجل.
باب اعتبار رؤية المبيع لصحة البيع وليس في التراجم وقد سبق في أول البيع ذكر الخلاف في خيار الرؤية عند قول الشافعي أنه لا يرد البيع إلا بخيار أو عيب يجده أو شرط يشترطه أو خيار الرؤية إن جاز خيار الرؤية (قال الربيع) قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية وقال لا يجوز خيار الرؤية.
__________
(1) قوله: من الفتن، كذا بالاصل بدون نقط ولعله محرف عن " المفتين " أو " المدنيين " وحرر اه كتبه مصححه.(3/20)
[ بهما أسماء ذهب وورق والتبر وسواهما من النحاس والحديد وغيرهما (قال الشافعي) رحمه الله والحكم فيما كان يابسا من صنف واحد من أصناف الطعام حكم واحد لا اختلاف فيه كحكم الذهب بالذهب والورق بالورق لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح ذكرا واحدا وحكم فيها حكما واحدا فلا يجوز أن يفرق بين أحكامها بحال وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب تفريع الصنف من المأكول والمشروب بمثله قال الربيع (قال الشافعي) الحنطة جنس وإن تفاضلت وتباينت في الاسماء كما يتباين الذهب ويتفاضل في الاسماء فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد قال وأصل الحنطة الكيل
وكل ما كان أصله كيلا لم يجز أن يباع بمثله وزنا بوزن ولا وزنا بكيل قال ولا بأس بالحنطة مثلا بمثل ويدا بيدا ولا يفترقان حتى يتقابضا وإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما كما يكون ذلك في الذهب بالذهب لا يختلف قال ولا بأس بحنطة جيدة يسوى مدها دينارا بحنطة رديئة لا يسوى مدها سدس دينار ولا حنطة حديثة بحنطة قديمة ولا حنطة بيضاء صافية بحنطة سوداء قبيحة مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا إذا كانت حنطة أحدهما صنفا واحدا وحنطة بائعه صنفا واحدا وكل ما لم يجز إلا مثلا بمثل يدا بيد فلا خير في أن يباع منه شئ ومعه شئ غيره بشئ آخر لا خير في مد تمر عجوة ودرهم بمدى تمر عجوة ولا مد حنطة سوداء ودرهم بمدى حنطة محمولة حتى يكون الطعام بالطعام لا شئ مع واحد منهما غيرهما أو يشترى شيئا من غير صنفه ليس معه من صنفه شئ.
باب في التمر بالتمر (قال الشافعي) والتمر صنف ولا بأس أن يبتاع صاع تمر بصاع تمر يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا ] وترجم في اختلاف مالك والشافعي: باب البيع على البرنامج سألت الشافعي رحمه الله عن بيع الساج المدرج والقبطية وبيع الاعدال على البرنامج على أنه واجب بصفة أو غير صفة قال لا يجوز من هذا شئ قلت وما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان وعن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة قلت للشافعي رحمه الله فإنا نقول في الساج المدرج والقبطي المدرج لا يجوز بيعهما لانهما في معنى الملامسة ونزعم أن بيع الاعدال على البرنامج يجوز (قال الشافعي) رحمه الله فالاعدال التى لا ترى أدخل في معنى الغزر المحرم من القبطية والساج يرى بعضه دون بعض ولانه لا يرى من الاعدال شئ وأن الصفقة تقع منهما على هيئات مختلفة قلت للشافعي إنما نفرق بين ذلك لان الناس أجازوه (قال الشافعي) رحمه الله ما علمت أحدا يقتدى به في العلم أجازه فإن قلتم إنما أجزناه على الصفة فبيوع الصفات لا تجوز إلا مضمونة على صاحبها بصفة يكون عليه أن يأتي بها بكل حال وليس هكذا بيع البرنامج أرأيت لو هلك المبيع أيكون على بائعه أن يأتي بصفة مثله؟ فإن قلتم: لا، فهذا لا بيع عين ولا بيع صفة(3/21)
[ ولا بأس إذا كان صاع أحدهما صنفا واحدا وصاع الآخر صنفا واحدا أن يأخذه وإن كان بردى وعجوة بعجوة أو بردى وصيحانى بصيحانى ولا خير في أن يكون صاع أحدهما من تمرين مختلفين وصاع الآخر من تمر واحد ولا خير في أن يتبايعا التمر بالتمر موزونا في جلال كان أو قرب أو غير ذلك ولو طرحت عنه الجلال والقرب لم يجز أن يباع وزنا وذلك أن وزن التمر يتباين فيكون صاع وزنه أرطال وصاع آخر وزنه أكثر منها فلو كيلا كان صاع بأكثر من صاع كيلا وهكذا كل كيل لا يجوز أن يباع بمثله وزنا وكل وزن فلا يجوز أن يباع بمثله كيلا، وإذا اختلف الصنفان فلا بأس أن يبتاع كيلا وإن كان أصله الوزن وجزافا، لانا إنما نأمر بيعه على الاصل كراهية التفاضل فإذا كان ما يجوز فيه التفاضل فلا نبالي كيف تبايعاه إن تقابضاه قبل أن يتفرقا.
باب ما في معنى التمر (قال الشافعي) وهكذا كل صنف يابس من المأكول والمشروب فالقول فيه كما وصفت في الحنطة والتمر لا يختلف في حرف منه وذلك (1) يخالف الشعير بالشعير والذرة بالذرة والسلت بالسلت والدخن بالدخن والارز بالارز وكل ما أكل الناس مما ينبتون أو لم ينبتوا مثل الفث (2) وغيره من حب الحنظل وسكر العشر (3) وغيره مما أكل الناس ولم ينبتوا وهكذا كل مأكول يبس من أسبيوش باسبيوش وثفاء بثفاء وصعتر بصعتر فما بيع منه وزنا بشئ من صنفه لم يصرف إلى كيل وما بيع منه كيلا لم يصرف إلى وزن لما وصفت من اختلافه في يبسه وخفته وجفائه قال وهكذا وكل مأكول ومشروب أخرجه الله من شجر أو أرض فكان بحاله التى أخرجه الله تعالى بها إلى غيرها فأما ما لو تركوه لم يزل رطبا بحاله أبدا ففى هذا الصنف منه علة سأذكرها إن شاء الله تعالى فأما ما أحدث فيه الآدميون تجفيفا من الثمر فهو شئ استعجلوا به صلاحه وإن لم ينقلوه وتركوه جف وما أشبه هذا.
باب ما يجامع التمر وما يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله والزيتون مخلوق ثمرة لو تركها الآدميون صحيحة لم يخرج منها زيت ولما عصروها خرجت زيتا فإنما اشتق لها اسم الزيت بأن شجرتها زيتون فاسم ثمرة شجرتها التى منها الزيت زيتون فكل ما خرج من زيت الزيتون فهو صنف واحد يجوز فيه ما يجوز في الحنطة بالحنطة والتمر بالتمر
ويرد منه ما يرد من الحنطة والتمر لا يختلف وقد يعصر من الفجل دهن يسمى زيت الفجل قال وليس مما يكون ببلادنا فيعرف له اسم بأمه ولست أعرفه يسمى زيتا إلا على معنى أنه دهن لا اسم له مستعمل في بعض ما يستعمل فيه الزيت وهو مباين للزيت في طعمه وريحه وشجرته وهو زرع والزيتون أصل قال ويحتمل معنيين فالذي هو أليق به عندي والله تعالى أعلم أن لا يحكم بأن يكون زيتا ]
__________
(1) قوله: وذلك يخالف الخ كذا بالاصول التى بأيدينا، وانظره اه مصححه.
(2) قوله: مثل الفث، هو نبت يختبز حبه في وقت الجدب اه مصححه.
(3) قوله: العشر كصرد شجر له صمغ حلو وله سكر يخرج من شعبه وموضع زهره.
وانظر اللسان اه مصححه(3/22)
[ ولكن يحكم بأن يكون دهنا من الادهان فيجوز أن يباع الواحد منه بالاثنين من زيت الزيتون وذلك أنه إذا قال رجل أكلت زيتا أو اشتريت زيتا عرف أنه يراد به زيت الزيتون، لان الاسم له دون زيت الفجل وقد يحتمل أن يقال هو صنف من الزيت فلا يباع بالزيت إلا مثلا بمثل والسليط دهن الجلجلان (1) وهو صنف غير زيت الفجل وغير زيت الزيتون فلا بأس بالواحد منه بالاثنين من كل واحد منهما وكذلك دهن البزر والحبوب كلها، كل دهن منه مخالف دهن غيره دهن الصنوبر ودهن الحب الاخضر ودهن الخردل ودهن السمسم ودهن نوى المشمش ودهن اللوز ودهن الجوز فكل دهن من هذه الادهان خرج من حبة أو ثمرة فاختلف ما يخرج من تلك الثمرة أو تلك الحبة أو تلك العجمة فهو صنف واحد فلا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد وكل صنف منه خرج من حبة أو ثمرة أو عجمة فلا بأس به في غير صنفه الواحد منه بالاثنين ما لم يكن نسيئة لا بأس بدهن خردل بدهن فجل ودهن خردل بدهن لوز ودهن لوز بدهن جوز، اردد أصوله كله إلى ما خرج منه فإذا كان ما خرج منه واحدا فهو صنف كالحنطة صنف وإذا خرج من أصلين مفترقين فهما صنفان مفترقان كالحنطة والتمر فعلى هذا جميع الادهان المأكولة والمشروبة للغذاء والتلذذ لا يختلف الحكم فيها كهو في التمر والحنطة سواء فإن كان من هذه الادهان شئ لا يؤكل ولا يشرب بحال أبدا لدواء ولا لغيره فهو خارج من الربا فلا بأس أن يباع واحد منه بعشرة منه يدا بيد ونسيئة وواحد منه بواحد من غيره وباثنين يدا بيد ونسيئة إنما
الربا فيما أكل أو شرب بحال وفى الذهب والورق فإن قال قائل قد يجمعها اسم الدهن قيل وكذلك يجمع الحنطة والذرة والارز اسم الحب فلما تباين حل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وليس للادهان أصل اسم موضوع عند العرب إنما سميت بمعاني أنها تنسب إلى ما تكون منه فأما أصولها من السمسم والحب الاخضر وغيره فموضوع له أسماء كأسماء الحنطة لا بمعان فإن قيل فالحب الاخضر بمعنى فاسمه عند من يعرفه البطم والعسل الذى لا يعرف بالاسم الموضوع والذى إذا لقيت رجلا فقلت له عسل علم أنه عسل النحل صنف وقد سميت أشياء من الحلاوة تسمى بها عسلا وقالت العرب للحديث الحلو حديث معسول وقالت للمرأة الحلوة الوجه معسولة الوجه وقالت فيما التذت هذا عسل وهذا معسول وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لك حتى تذوقي عسيلته " يعنى يجامعها لان الجماع هو المستحلى من المرأة فقالوا لكل ما استحلوه عسل ومعسول على معنى أنه يستحلى استحلاء العسل قال فعسل النحل المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو فإنما سميت على ما وصفت من الشبه والعسل فطرة الخالق لا صنعة للادميين فيه وما سواه من الحلو فإنما يستخرج من قصب أو ثمرة أو حبة كما تستخرج الادهان فلا بأس بالعسل بعصير قصب السكر لانه لا يسمى عسلا إلا على ما وصفت فإنما يقال عصير قصب ولا بأس العسل بعصير العنب ولا برب العنب ولا بأس بعصير العنب بعصير قصب السكر لانهما محدثان ومن شجرتين مختلفتين وكذلك رب التمر برب العنب متفاضلا وهكذا كل ما استخرج من شئ فكان حلوا فأصله على ما وصفت عليه أصول الادهان مثل عصير الرمان بعصير السفرجل وعصير التفاح بعصير اللوز وما أشبه هذا، فعلى هذا الباب كله وقياسه ولا يجوز منه صنف بمثله إلا يدا بيد وزنا بوزن إن كان يوزن وكيلا إن كان أصله الكيل بكيل ولا يجوز منه مطبوخ بنئ بحال لانه إذا كان إنما يدخر مطبوخا فأعطيت منه نيئا بمطبوخ فالنئ إذا طبخ ينقص فيدخل فيه النقصان في النئ فلا يحل ]
__________
(1) الجلجلان: بضم الجيمين، السمسم.
وقيل حب الكزبرة.
كما في اللسان اه مصححه(3/23)
[ إلا مثل بمثل ولا يباع منه واحد بآخر مطبوخين معا، لان النار تبلغ من بعضه أكثر مما تبلغ من بعض وليس للمطبوخ غاية ينتهى إليها يكون للتمر في اليبس غاية ينتهى إليها وقد يطبخ فيذهب منه جزء
من مائة جزء ويطبخ فيذهب منه عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا فلا يجوز أن يباع منه مطبوخ بمطبوخ لما وصفت ولا مطبوخ بنئ ولا يجوز إلا نئ بنئ فإن كان منه شئ لا يعصر إلا مشوبا بغيره لم يجز أن يباع بصنفه مثلا بمثل، لانه لا يدرى ما حصة المشوب من حصة الشئ المبيع بعينه الذى لا يحل الفضل في بعضه على بعض.
باب المأكول من صنفين شيب أحدهما بالآخر (أخبرنا الربيع) قال: قال الشافعي وفى السنة خبر نصا ودلالة بالقياس عليها أنه إذا اختلف الصنفان فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وذلك في حديث عبادة بن الصامت بين، وما سواه قياس عليه في مثل معناه ولا بأس بمد حنطة بمد شعير ومد حنطة بمدى أرز ومد حنطة بمدى ذرة ومد حنطة بمدى تمر ومد تمر بمدى زبيب ومد زبيب بمدى ملح ومد ملح بمدى حنطة والملح كله صنف ملح جبل وبحر وما وقع عليه اسم ملح وهكذا القول فيما اختلفت أجناسه فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نيسئة مثل الذهب بالفضة سواء لا يختلفان فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وكل ما سكت عنه مما يؤكل أو يشرب بحال أبدا يباع بعضه ببعض صنف منه بصنف فهو كالذهب بالذهب أو صنف بصنف يخالفه فهو كالذهب بالورق لا يختلفان في حرف ولا يكون الرجل لازما للحديث حتى يقول هذا لان مخرج الكلام فيما حل بيعه وحرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد وإذا تفرق المتبايعان الطعام بالطعام قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما قال والعسل كله صنف واحد فلا بأس بواحد منه بواحد يدا بيد ولا خير فيه متفاضلا يدا بيد ولا مستويا ولا متفاضلا نسيئة ولا يباع عسل بعسل إلا مصفيين من الشمع وذلك أن الشمع غير العسل فلو بيعا وزنا وفى أحدهما الشمع كان العسل بأقل منه وكذلك لو باعه وزنا وفى كل واحد منهما شمع لم يخرجا من أن يكون ما فيهما من العسل من وزن الشمع مجهولا فلا يجوز مجهول بمجهول وقد يدخلهما أنهما عسل بعسل متفاضلا وكذلك لو بيعا كيلا بكيل ولا خير في مد حنطة فيها قصل أو فيها حجارة أو فيها زوان (1) بمد حنطة لا شئ فيها من ذلك أو فيها تبن لانها الحنطة بالحنطة متفاضلة ومجهولة كما وصفت في العسل بالعسل وهكذا كل صنف من هذه خلطه غيره مما يقدر على تمييزه منه لم يجز بعضه ببعض إلا
خالصا مما يخلطه إلا أن يكون ما يخلط المكيل لا يزيد في كيله مثل قليل التراب وما دق من تبنه فكان مثل التراب فذلك لا يزيد في كيله فأما الوزن فلا خير في شئ من هذا فيه لان كل هذا يزيد في الوزن وهكذا كل ما شابه غيره فبيع واحد منه بواحد من جنسه وزنا بوزن فلا خير فيه وإن بيع كيلا بكيل فكان ما شابه ينقص من كيل الجنس فلا خير فيه مثل ما وصفت من الحنطة معها شئ بحنطة ]
__________
(1) قوله: زوان كغراب بالهمز وتركه وبكسر الزاى مع الواو، الواحدة زوانة، وهو حب يخالط البر فيكسبه رداءة وأهل الشأم يسمونه الشيلم كزينب، كما في المصباح اه مصححه.(3/24)
[ وهى مثل لبن خلطه ماء بلبن خلطه ماء أو لم يخطله، وذلك أنه لا يعرف قدر ما دخله أو دخلها ما معا من الماء فيكون اللبن باللبن متفاضلا.
باب الرطب بالتمر (قال الشافعي) الرطب يعود تمرا ولا أصل للتمر إلا الرطب فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر وكان في الخبر عنه أن نهيه عنه أنه نظر في المعتقب وكان موجودا في سنته تحريم التمر بالتمر وغيره من المأكول إلا مثلا بمثل قلنا به على ما قاله وفسر لنا معناه فقلنا لا يجوز رطب برطب لانه إذا نظر فيه في المعتقب فلا يخرج من الرطب بالرطب أبدا من أن يباع مجهول الكيل إذا عاد تمرا ولا خير في تمر بتمر مجهولي الكيل معا ولا أحدهما مجهول لان نقصانهما أبدا يختلف فيكون أحد التمرين بالآخر وأحدهما أكثر كيلا من الآخر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا (قال) فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يباع رطب منه كيلا برطب لما وصفت قياسا على الرطب بالتمر والتمر بالتمر واللحم كله صنف واحد وحشيه وطائره وأنسيه لا يحل الفضل في بعضه على بعض ولا يحل حتى يكون مثلا بمثل وزنا بوزن ويكون يابسا ويختلف فيكون لحم الوحش بلحم الطير واحد باثنين وأكثر ولا خير في تمر نخلة برطب نخلة بخرص ولا بتحر ولا غيره فالقسم والمبادلة وكل ما أخذ له عوض مثل البيع فلا يجوز أن يقاسم رجل رجلا رطبا في نخله ولا في الارض ولا يبادله به لان كلاهما في معنى البيع ههنا إلا العرايا المخصوصة وهكذا كل صنف من الطعام الذى يكون رطبا ثم ييبس فلا يجوز فيه إلا ما جاز في
الرطب بالتمر والرطب نفسه ببعض لا يختلف ذلك وهكذا ما كان رطبا فرسك (1) وتفاح وتين وعنب وإجاص وكمثري وفاكهة لا يباع شئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف منها بمكيل ولا يقسم رطب منها على الارض بكيل ولا وزن ولا في شجرها لان حكمها كما وصفت في الرطب بالتمر والرطب بالرطب وهكذا كل مأكول لو ترك رطبا ييبس فينقص وهكذا كل رطب لا يعود تمرا بحال وكل رطب من المأكول لا ينفع يابسا بحال مثل الخربز والقثاء والخيار والفقوس والجزر والاترج لا يباع منه شئ بشئ من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل لمعنى ما في الرطوبة من تغيره اختلف الصنفان منه فلا بأس ببطيخ بقثاء متفاضلا جزافا ووزنا وكيفما شاء إذا أجزت التفاضل في الوزن أجزت أن يباع جزافا لانه لا معنى في الجزاف يحرمه إلا التفاضل والتفاضل فيهما مباح وهكذا جزر بأترج ورطب بعنب في شجره وموضوعا جزافا ومكيلا كما قلنا فيما اختلف أصنافه من الحنطة والذرة والزبيب والتمر سواء في ذلك المعنى لا يخالفه وفى كل ما خرج من الارض من مأكول ومن مشروب والرطب من المأكول والمشروب وجهان أحدهما يكون رطبا ثم يترك بلا عمل من عمل الآدميين يغيره عن بنية خلقته مثل ما يطبخ فتنقصه النار ويحمل عليه غيره فيذهب رطوبته ويغيره مثل الرطب يعود تمرا واللحم يقدد بلا طبخ يغيره ولا عمل شئ حمل عليه غيره فكل ما كان من الرطب في هذا المعنى لم يجز أن يباع منه رطب بيابس من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل ولا رطب برطب وزنا بوزن ولا كيلا بكيل كما وصفت في الرطب بالتمر ومثله كل فاكهة يأكلها الآدميون فلا يجوز رطب بيابس من صنفها ولا رطب برطب من صنفها لما وصفته من الاستدلال بالسنة.
]
__________
(1) الفرسك: كزبرج، الخوخ، أو ضرب منه.
كما في القاموس اه مصححه.(3/25)
[ باب ما جاء في بيع اللحم (قال الشافعي) رحمه الله وهكذا اللحم لا يجوز منه بيع لحم ضائن بلحم ضائن رطلا برطل أحدهما يابس والآخر رطب ولا كلاهما رطب لانه لا يكون اللحم ينقص نقصانا واحدا لاختلاف خلقته ومراعيه التى يغتذى منها لحمه فيكون منها الرخص الذى ينقص إذا يبس نقصانا كثيرا والغليظ
الذى يقل نقصه ثم يختلف غلظهما باختلاف خلقته ورخصهما باختلاف خلقته فلا يجوز لحم أبدا إلا يابسا قد بلغ إناه بيبسه وزنا بوزن من صنف واحد كالتمر كيلا بكيل من صنف واحد ويدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا فإن قال قائل فهل يختلف الوزن والكيل فيما بيع يابسا؟ قيل يجتمعان ويختلفان فإن قيل قد عرفنا حيث يجتمعان فأين يختلفان؟ قيل التمر إذا وقع عليه اسم اليبس ولم يبلغ إناه بيبسه فبيع كيلا بكيل لم ينقص في الكيل شيئا وإذا ترك زمانا نقص في الوزن لان الجفوف كلما زاد فيه كان أنقص لوزنه حتى يتناهى قال وما بيع وزنا فإنما قلت في اللحم لا يباع حتى يتناهى جفوفه لانه قد يدخله اللحم باللحم متفاضل الوزن أو مجهولا وإن كان ببلاد ندية فكان إذا يبس ثم أصابه الندى رطب حتى يثقل لم يبع وزنا بوزن رطبا من ندى حتى يعود إلى الجفوف وحاله إذا حدث الندى فزاد في وزنه كحالة الاولى ولا يجوز أن يباع حتى يتناهى جفوفه كما لم يجز في الابتداء والقول في اللحمان المختلفة واحد من قولين أحدهما أن لحم الغنم صنف ولحم الابل صنف ولحم البقر صنف ولحم الظباء صنف ولحم كل ما تفرقت به أسماء دون الاسماء الجامعة صنف فيقال كله حيوان وكله دواب وكله من بهيمة الانعام فهذا جماع أسمائه كله ثم تفرق أسماؤه فيقال لحم غنم ولحم إبل ولحم بقر ويقال لحم ظباء ولحم أرانب ولحم يرابيع ولحم ضباع ولحم ثعالب ثم يقال في الطير هكذا لحم كراكى ولحم حباريات ولحم حجل ولحم يعاقيب وكما يقال طعام ثم يقال حنطة وذرة وشعير وأرز وهذا قول يصح وينقاس فمن قال هذا قال الغنم صنف ضأنها ومعزاها وصغار ذلك وكباره وإناثه وفحوله وحكمها أنها تكون مثل البر المتفاضل صنفا والتمر المتباين المتفاضل صنفا فلا يباع منه يابس منتهى اليبس بيابس مثله إلا وزنا بوزن يدا بيد وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وزنا بوزن لم يكن للوزن معنى إلا أن يعرف المتبايعان ما اشتريا وباعا ولا بأس به جزافا وكيف شاء ما لم يدخله نسيئة كما قلنا في التمر بالزبيب والحنطة بالذرة ولا يختلف ذلك ثم هكذا القول في لحم الانيس والوحش كله فلا خير في لحم طير بلحم طير إلا أن ييبس منتهى اليبس وزنا بوزن يدا بيد كما قلنا في لحم الغنم ولا بأس بلحم ظبى بلحم أرنب رطبا برطب ويابسا بيابس مثلا بمثل وبأكثر وزنا بجزاف وجزافا بجزاف لاختلاف الصنفين وهكذا الحيتان كله لا يجوز فيه أن أقول هو صنف لانه ساكن الماء ولو زعمته زعمت أن ساكن الارض كله
صنف وحشيه وأنسيه أو كان أقل ما يلزمنى أن أقول ذلك في وحشية لانه يلزمه اسم الصيد فإذا اختلف الحيوان فكل ما تملكه ويصير لك فلا بأس برطل من أحدهما بأرطال من الآخر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بأس فيه يدا بيد وجزافا بجزاف وجزافا بوزن ولا خير في رطل لحم حوت تملكه رطب برطل لحم تملكه رطب ولا أحدهما رطب والآخر يابس ولا خير فيه حتى يملح ويجفف وينتهى نقصانه وجفوف ما كثر لحمه منه أن يملح ويسيل ماؤه فذلك انتهاء جفوفه فإذا انتهى بيع رطلا برطل وزنا بوزن يدا بيد من صنف فإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد، ولا خير فيه نسيئة ](3/26)
[ وما رق لحمه من الحيتان إذا وضع جف جفوفا شديدا فلا خير في ذلك حتى يبلغ إبانه من الجفوف وبياع الصنف منه بمثله وزنا بوزن يدا بيد وإذا اختلف فالقول فيه كما وصفت قبله يباع رطبا جزافا برطب جزاف ويابس جزاف ومتفاضل في الوزن فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا يختلف والقول الثاني في هذا الوجه أن يقال اللحم كله صنف كما أن التمر كله صنف ومن قال هذا لزمه عندي أن يقول في الحيتان لان اسم اللحم جامع لهذا القول ومن ذهب هذا المذهب لزمه إذا أخذه بجماع اللحم أن يقول هذا كجماع الثمر يجعل الزبيب والتمر وغيره من الثمار صنفا وهذا مما لا يجوز لاحد أن يقوله عندي والله تعالى أعلم فإن ذهب إلى أن حالفا لو حلف أن لا يأكل لحما حنث بلحم الابل حنثه بلحم الغنم فكذلك لو حلف أن لا يأكل ثمرا حنث بالزبيب حنثه بالتمر وحنثه بالفرسك وليس الايمان من هذا بسبيل الايمان على الاسماء والبيوع على الاصناف والاسماء الخاصة دون الاسماء الجامعة والله تعالى أعلم.
باب ما يكون رطبا أبدا (قال الشافعي) رحمه الله الصنف من المأكول والمشروب الذى يكون رطبا أبدا إذا ترك لم ييبس مثل الزيت والسمن والشيرق والادهان واللبن والخل وغيره مما لا ينتهى بيبس في مدة جاءت عليه أبدا إلا أن يبرد فيجمد بعضه ثم يعود ذائبا كما كان أو بأن ينقلب بأن يعقد على نار أو يحمل عليه يابس فيصير هذا يابسا بغيره وعقد نار فهذا لصنف خارج من معنى ما يكون رطبا بمعنيين أحدهما أن رطوبة
ما يبس من التمر رطوبة في شئ خلق مستجسدا إنما هو رطوبة طراءة كطراءة اغتذائه في شجره وأرضه فإذا زايل موضع الاغتذاء من منبته عاد إلى اليبس وما وصفت رطوبة مخرجة من إناث الحيوان أو ثمر شجر أو زرع قد زايل الشجر والزرع الذى هو لا ينقص بمزايلة الاصل الذى هو فيه نفسه ولا يجف به بل يكون ما هو فيه رطبا من طباع رطوبته والثانى أنه لا يعود يابسا كما يعود غيره إذا ترك مدة إلا بما وصفت من أن يصرف بإدخال غيره عليه بخلطه وإدخال عقد النار على ما يعقد منه فلما خالفه بأن لم تكن فيه الرطوبة التى رطوبته تفضى إلى جفوفه إذا ترك بلا عمل الآدميين لم يجز أن نقيسه عليه وجعلنا حكم رطوبته حكم جفوفه لانا كذلك نجده في كل أحواله لا منتقلا إلا بنقل غيره فقلنا لا بأس بلبن حليب بلبن حامض وكيفما كان بلبن كان حليبا أو رائبا أو حامضا ولا حامض بحليب ولا حليب برائب ما لم يخلط ماء فإذا خلطه ماء فلا خير فيه إذا خلط الماء أحد اللبنين أو كلاهما لان الماء غش لا يتميز فلو أجزناه أجزنا الغرر ولو تراضيا به لم يجز من قبل أنه ماء ولبن مختلطان لا تعرف حصة الماء من اللبن فنكون أجزنا اللبن باللبن مجهولا أو متفاضلا أو جامعا لهما وما كان يحرم الفضل في بعضه على بعض لم يجز أن يبتاع إلا معلوما كله كيلا بكيل أو وزنا بوزن فجماع علم بيع اللبن باللبن أنه يجوز كيفما كان اللبن باللبن لم يخلط واحدا منهما ماء ويردان خلطهما ماء أو واحد منهما ولا يجوز إذا كان اللبن صنفا واحدا إلا يدا بيد مثلا بمثل كيلا بكيل والصنف الواحد لبن الغنم ما عزه وضائنه والصنف الذى يخالفه البقر دربانيه وعربيه وجواميسه والصنف الواحد الذى يخالفهما معا لبن الابل أواركها وغواديها ومهريها وبختها وعرابها وأراه والله تعالى أعلم جائز أن يباع لبن الغنم بلبن البقر ولبن البقر بلبن الابل لانها مختلفة متفاضلا ومستويا وجزافا وكيف ما شاء المتبايعان يدا بيد لا خير في واحد منهما بالآخر نسيئة ولا خير في لبن مغلى ](3/27)
[ بلبن على وجهه لان الاغلاء ينقص اللبن ولا خير في لبن غنم بأقط غنم من قبل أن الاقط لبن معقود فإذا بعت اللبن بالاقط أجزت اللبن باللبن مجهولا ومتفاضلا أو جمعتهما معا فإذا اختلف اللبن والاقط فلا بأس بلبن إبل بأقط غنم ولبن بقر بأقط غنم لما وصفت من اختلاف اللبنين يدا بيد ولا خير فيه نسيئة قال ولا أحب أن يشترى زبدا من غنم بلبن غنم لان الزبد شئ من اللبن وهما مأكولان في حالهما التى
يتبايعان فيها ولا خير في سمن بغنم بزبد غنم بحال لان السمن من الزبد بيع متفاضلا أو مجهولا وهما مكيلان أو موزونان في الحال التى يتبايعان ومن صنف واحد وإذا اختلف الزبد والسمن فكان زبد غنم بزبد بقر أو سمن غنم بزبد بقر فلا بأس لاختلافهما بأن يباعا كيف شاء المتبايعان إذا تقابضا قبل ان يتفرقا قال ولا بأس بلبن بشاة يدا بيد ونسيئة إذا كان أحدهما نقدا والدين منهما موصوفا قال وإن كانت الشاة لبونا وكان اللبن لبن غنم وفى الشاة حين تبايعا لبن ظاهر يقدر على حلبه في ساعته تلك فلا خير في الشراء من قبل أن في الشاة لبنا لا أدرى كم حصته من اللبن الذى اشتريت به نقدا وإن كان اللبن نسيئة فهو أفسد للبيع فإن قال قائل وكيف جعلت للبن هو مغيب حصة من الثمن؟ قيل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل اللبن المصراة حصة من الثمن وإنما اللبن في الضروع كاللوز والجوز الرائع في قشره فيستخرجه صاحبه إذا شاء وليس كمولود لا يقدر آدمى على إخراجه ولا ثمرة لا يقدر آدمى على إخراجها فإن قال قائل كيف أجزت لبن الشاة بالشاة وقد يكون منها اللبن؟ قال فيقال إن الشاة نفسها لا ربا فيها لانها من الحيوان وليس بمأكول في حاله التي بياع فيها إنما تؤكل بعد الذبح والسلخ والطبخ والتجفيف فلا تنسب الغنم إلى أن تكون مأكولة إنما تنسب إلى أنها حيوان، قال والآدام كلها سواء السمن واللبن والشيرق والزيت وغيره لا يحل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد إذا كان من صنف واحد فزيت الزيتون وزيت الفجل صنف غيره ودهن كل شجرة تؤكل أو تشرب بعد الذى وصفت واحد لا يحل في شئ منه الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وإذا اختلف الصنفان منه حل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولم يجز نسيئة ولا بأس بدهن الحب الاخضر بدهن الشيرق متفاضلا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة قال والادهان التى تشرب للدواء عندي في هذه الصفة دهن الخروع ودهن اللوز المر وغيره من الادهان وما كان من الادهان لا يؤكل ولا يشرب بحال فهو خارج من حد الربا وهو في معنى المأكول والمشروب لا ربا في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة ويحل أن يباع إذا كانت فيه منفعة ولم يكن محرما فأما ما فيه سم أو غيره فلا خير في شرائه ولا بيعه إلا أن يكون يوضع من ظاهر فيبرأ فلا يخاف منه التلف فيشترى للمنفعة فيه قال وكل ما لم يجز أن يبتاع إلا مثلا بمثل وكيلا بكيل يدا بيد وزنا بوزن فالقسم فيه كالبيع لا يجوز أن يقسم ثمر نخل في شجره رطبا ولا يابسا ولا
عنب كرم ولا حب حنطة في سنبله ولا غيره مما الفضل في بعضه على بعض الربا وكذلك لا يشترى بعضه ببعض ولا يبادل بعضه ببعض لان هذا كله في معنى الشراء قال وكذلك لا يقتسمان طعاما موضوعا بالارض بالحزر حتى يقتسماه بالكيل والوزن لا يجوز فيه غير ذلك بحال ولست أنظر في ذلك إلى حاجة رجل إلى ثمر رطب لانى لو أجزته رطبا للحاجة أجزته يابسا للحاجة وبالارض للحاجة ومن احتاج إلى قسم شئ لم يحلل له بالحاجة ما لا يحل له في أصله وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات من خوف تلف النفس فأما غير ذلك فلا أعلمه يحل لحاجة والحاجة فيه وغير الحاجة سواء فإن قال قائل فكيف أجزت الخرص في العنب والنخل ثم تؤخذ صدقته كيلا ولا تجيز أن يقسم بالخرص؟ قيل له إن شاء الله تعالى لافتراق ما تؤخذ به الصدقات والبيوع والقسم فإن قال فافرق بين ](3/28)
[ الصدقات وغيرها قلت أرأيت رجلين بينهما ثمر حائط لاحدهما عشرة والآخر تسعة أعشاره فأراد صاحب العشر أن يأخذ عشره من وسط الطعام أو أعلاه أو أردئه أيكون له ذلك؟ فإن قال لا ولكنه شريك في كل شئ منه ردئ أو جيد بالقسم قلنا فالجعرور ومصران الفأرة؟ فإن قال نعم قيل فالمصدق لا يأخذ الجعرور ولا مصران الفأرة ويكون له أن يأخذ وسط التمر ولا يكون له أن يأخذ الصدقة خرصا إنما يأخذها كيلا والمقتسمان يأخذان كل واحد منهما خرصا فيأخذ أحدهما أكثر مما يأخذ الآخر ويأخذ كل واحد منهما مجهول الكيل أو رأيت لو كان بين رجلين غنم لاحدهما ربع عشرها وكانت منها تسع وثلاثون لبونا وشاة ثنية أكان على صاحب ربع العشر إن أراد القسم أن يأخذ شاة ثنية قيمتها أقل من قيمة نصف شاة من اللبن؟ فإن قال لا قيل فهذا على المصدق أو رأيت لو كانت المسألة بحالها والغنم كلها أو أكثرها دون الثنية وفيها شاة ثنية أيأخذها؟ فإن قال لا يأخذ إلا شاه بقيمة ويكون شريكا في منخفض الغنم ومرتفعه قيل فالمصدق يأخذها ولا يقاس بالصدقة شئ من البيوع ولا القسم المقاسم شريك في كل شئ مما يقاسم أبدا إلا أن يكون مما يكال من صنف واحد أو بقيمته إذا اختلف الاصناف مما لا يكال ولا يوزن ويكون شريكا فيما يكال أو يوزن بقدر حقه مما قل منه أو كثر، ولا يقسم الرجلان الثمرة بلحا ولا طلعا ولا بسرا ورطبا.
ولا تمرا بحال، فإن فعلا ففاتت طلعا أو بسرا أو
بلحا، فعلى كل واحد منهما قيمة ما استهلك، يرده ويقتسمانه قال: وهكذا كل قسم فاسد يرجع على من استهلكه بمثل ما كان له مثل وقيمة، ما لم يكن له مثل.
قال: ولو كانت بين رجلين نخل مثمرة فدعوا إلى اقتسامها قيل لهما إن شئتما قسمنا بينكما بالكيل.
قال: والبقل المأكول كله سواء، لا يجوز الفضل في بعضه على بعض، فلا يجوز أن يبيع رجل رجلا ركيب هندبا، بركيب هندبا، ولا بأكثر، ولا يصلح إلا مثلا بمثل، ولكن ركيب هندبا، بركيب جرجير، وركيب جرجير، بركيب سلق، وركيب سلق، بركيب كراث، وركيب كراث، بركيب جرجير، إذا اختلف الجنسان، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض، يدا بيد، ولا خير فيه نسئية، ولا يجوز أن يباع منه شئ إلا يجز مكانه، فأما أن يباع على أن يترك مدة يطول في مثلها، فلا خير فيه، من قبل أنه لا يتميز المبيع منه من الحادث الذى لم يبع ولا يباع إلا جزة جزة عند جزازها، كما قلنا في القصب.
باب الآجال في الصرف (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا حتى اصطرف منى، وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، أو حتى تأتى خازنتى من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر " لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه " ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " (قال الشافعي) قرأته على مالك صحيحا لا شك فيه ثم طال على الزمان ولم أحفظ حفظا، فشككت في خازنتي أو خازني، وغيري يقول عنه: خازني ](3/29)
[ (أخبرنا) ابن عيينة عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل معنى حديث مالك.
وقال: " حتى يأتي خازني من الغابة " فحفظته لا شك فيه (قال الشافعي): أخبرنا مالك عن نافع عن أبى سعيد الخدرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز " (قال الشافعي)
فحديث عمر ابن الخطاب وأبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدلان على معان، منها تحريم الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، يدا بيد، ولا يباع منها غائب بناجز وحديث عمر يزيد على حديث أبى سعيد الخدرى، أن الذى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمى من المأكول المكيل كالذي حرم في الذهب والورق، سواء لا يختلفان وقد ذكر عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناهما، وأكثر وأوضح (قال الشافعي): وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المأكول والمكيل، لانه في معنى ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وكذلك حرمنا المأكول والموزون، لان الكيل في معنى الوزن، لانه بيع معلوم عند البائع والمشترى، بمثل ما علم بالكيل أو أكثر، لان الوزن أقرب من الاحاطة من الكيل (1) فلا يوجد في الكيل والوزن معنى أقرب من الاحاطة منهما، فأجمتعا على أنه أريد بهما أن يكونا معلومين، وأنهما مأكولان، فكان الوزن قياسا على الكيل في معناه، وما أكل من الكيل ولم يسم، قياسا على معنى ما سمى من الطعام، في معناه (قال الشافعي): ولم يجز أن يقاس الوزن من المأكول على الوزن من الذهب لان الذهب غير مأكول، وكذلك الورق لو قسناه عليه وتركنا المكيل المأكول، قسنا على أبعد منه مما تركنا أن نقيسه عليه، ولا يجوز عند أهل العلم أن يقاس على الابعد ويترك الاقرب.
ولزمنا أن لا نسلم دينارا في موزون من طعام أبدا ولا غيره، كما لا يجوز أن نسلم دينارا في موزون من فضة، ولا أعلم المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدراهم يسلمان في كل شئ، إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر.
لا ذهب في ذهب، ولا ورق في ورق، إلا في الفلوس فإن منهم من كرهه (2).
] (1) قوله: فلا يوجد في الكيل والوزن الخ كذا بالاصول التى بأيدينا.
ولعل في الكلام استخداما، أراد بالكيل والوزن، المكيل، والموزون، وأعاد الضمير عليهما بالمعنى المصدرى.
وانظر اه مصححه.
(2) وترجم في سير الاوزاعي بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب (قال) أبو حنيفة: لو أن مسلما دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين، لم يكن بذلك بأس، لان أحكام المسلمين لا تجرى عليهم، فبأى وجه أخذ أموالهم برضا منهم، فهو جائز (وقال) الاوزاعي: الربا عليه حرام في دار الحرب وغيرها، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع ربا أهل الجاهلية ما أدركه الاسلام من ذلك، وكان أول ربا وضعه، ربا العباس بن عبد
المطلب، فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله عزوجل عليهم دمائهم وأموالهم، وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يستحل ذلك (قال) أبو يوسف: القول ما قال الاوزاعي، لا يحل هذا عندنا ولا يجوز، بلغتنا الآثار التى ذكر الاوزاعي في الربا، وإنما أحل أبو حنيفة هذا، لان بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا ربا بين أهل الحرب " وقال أبو يوسف: وأهل الاسلام في قولهم: إنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الاسلام أبطله، ولكنه كان يقول: إذا تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الاسلام، فهو مستقيم (قال) الشافعي رحمه الله: القول كما قال الاوزاعي وأبو يوسف، والحجة كما احتج الاوزاعي، وما احتج به أبو يوسف لابي حنيفة، ليس بثابت، فلا حجة فيه اه.(3/30)
[ باب ما جاء في الصرف (قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا شئ من المأكول والمشروب، بشئ من صنفه إلا سواء بسواء، يدا بيد.
إن كان مما يوزن، فوزن بوزن.
وإن كان مما يكال، فكيل بكيل، ولا يجوز أن يباع شئ وأصله الوزن.
بشئ من صنفه كيلا.
ولا شئ أصله الكيل بشئ من صنفه وزنا.
لا يباع الذهب بالذهب كيلا، لانهما قد يملآن مكيالا، ويختلفان في الوزن.
أو يجهل كم وزن هذا من وزن هذا؟ ولا التمر بالتمر وزنا، لانهما قد يختلفان، إذا كان وزنها واحدا في الكيل، ويكونان مجهولا من الكيل بمجهول.
ولا خير في أن يتفرق المتبايعان بشئ من هذه الاصناف من مقامهما الذى يتبايعان فيه حتى يتقابضا، ولا يبقى لواحد منهما قبل صاحبه من البيع شئ، فإن بقى منه شئ، فالبيع فاسد، وسواء كان المشترى مشتريا لنفسه، أو كان وكيلا لغيره.
وسواء تركه ناسيا أو عامدا في فساد البيع، فإذا اختلف الصنفان من هذا، وكان ذهبا بورق أو تمر بزبيب، أو حنطة بشعير، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض، يدا بيد لا يفترقان من مقامهما الذى تبايعا فيه حتى يتقابضا، فإن دخل في شئ من هذا تفرق قبل أن يتقابضا جميع المبيع، فسد البيع كله ولا بأس بطول مقامهما في مجلسهما، ولا بأس أن يصطحبا من مجلسهما إلى غيره ليوفيه.
لانهما
حينئذ لم يفترقا.
وحد الفرقة أن يتفرقا بأبدانهما.
وحد فساد البيع، أن يتفرقا قبل أن يتقابضا.
وكل مأكول ومشروب من هذا الصنف قياسا عليه.
وكلما اختلف الصنفان فلا بأس أن يباع أحدهما بالآخر جزافا، لان أصل البيع إذا كان حلالا بالجزاف، وكانت الزيادة إذا اختلف الصنفان حلال، فليس في الجزاف معنى أكثر من أن يكون أحدهما أكثر من الآخر.
ولا يدرى أيهما أكثر؟ فإذا عمدت أن لا أبالى أيهما كان أكثر، فلا بأس بالجزاف في أحدهما بالآخر (قال الشافعي): فلا يجوز أن يشترى ذهب فيه حشو، ولا معه شئ غيره بالذهب، كان الذى معه قليلا أو كثيرا لان أصل الذى نذهب إليه، أن الذهب بالذهب مجهول أو متفاضل، وهو حرام من كل واحد من الوجهين.
وهكذا الفضة بالفضة.
وإذا اختلف الصنفان، فلا بأس أن يشترى أحدهما بالآخر، ومع الآخر شئ.
ولا بأس أن يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز، لان أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب والورق، ولا بأس أن يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز، لان أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب والورق، ولا بأس بالتفاضل فيهما، وكل واحد من المبيعين بحصته من الثمن (قال الشافعي): وإذا صرف الرجل الدينار بعشرين درهما، فقبض تسعة عشر، ولم يجد درهما، فلا خير في أن يتفرقا قبل أن يقبض الدرهم، ولا بأس أن يأخذ التسعة عشر بحصتها من الدينار ويناقصه بحصة الدرهم من الدينار.
ثم إن شاء أن يشترى منه بفضل الدينار مما شاء ويتقابضا قبل أن يتفرقا، ولا بأس أن يترك فضل الدينار عنده، يأخذه متى شاء (قال الربيع): قال أبو يعقوب البويطى: ولا بأس أن يأخذ الدينار حاضرا (قال الشافعي): وإذا صرف الرجل من الرجل دينارا بعشرة دراهم، أو دنانير بدارهم، فوجد فيها درهما زائفا فإن كان زاف من قبل السكة أو قبح الفضه، فلا بأس على المشترى أن يقبله، وله رده.
فإن رده رد البيع كله، لانها بيعة واحدة.
وإن شرط عليه أن له رده، فالبيع جائز وذلك له، شرطه أو لم يشرطه.
وإن شرط أنه لا يرد الصرف فالبيع باطل، إذا عقد على هذا عقدة البيع (قال) وإن كان زاف من قبل أنه نحاس أو شئ غير فضة، فلا يكون للمشترى أن يقبله، ](3/31)
[ من قبل أنه غير ما اشترى، والبيع منتقض بينهما، ولا بأس أن يصرف الرجل من الصراف دراهم،
فإذا قبضها وتفرقا، أودعه إياها.
وإذا صرف الرجل شيئا لم يكن له أن يفارق من صرف منه حتى يقبض منه ولا يوكل به غيره إلا أن يفسخ البيع ثم يوكل هذا بأن يصارفه ولا بأس إذا صرف منه وتقابضا أن يذهبا فيزنا الدراهم وكذلك لا بأس أن يذهب هو على الانفراد فيزنها، وإذا رهن الرجل الدينار عند رجل بالدراهم ثم باعه الدينار بدراهم وقبضها منه فلا بأس أن يقبضه منها بعد أن يقبضها، وإذا كان للرجل عند الرجل دنانير وديعة فصارفه فيها ولم يقر الذى عنده الدنانير أنه استهلكها حتى يكون ضامنا ولا أنها في يده حين صارفه فيها فلا خير في الصرف لانه غير مضمون ولا حاضر وقد يمكن أن يكون هلك في ذلك الوقت فيبطل الصرف (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل عند الرجل رهنا فتراضيا أن يفسخ ذلك الرهن ويعطيه مكانه غيره فلا بأس إن كان الرهن دنانير فأعطاه مكانها دراهم أو عبدا فأعطاه مكانه عبدا آخر غيره وليس في شئ من هذا بيع فيكره فيه ما يكره في البيوع، ولا نحب مبايعة من أكثر ماله الربا أو ثمن المحرم ما كان أو اكتساب المال من الغصب والمحرم كله وإن بايع رجل رجلا من هؤلاء لم أفسخ البيع لان هؤلاء قد يملكون حلالا فلا يفسخ البيع ولا نحرم حراما بينا إلا أن يشترى الرجل حراما يعرفه، أو بثمن حرام يعرفه.
وسواء في هذا المسلم والذمى والحربي، الحرام كله حرام (وقال) لا يباع ذهب بذهب مع أحد الذهبين شئ غير الذهب ولا بأس أن يباع ذهب وثوب بدارهم (قال الشافعي) وإذا تواعد الرجلان الصرف فلا بأس أن يشترى الرجلان الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاءا (قال الشافعي) ولو اشترى أحدهما الفضة ثم أشرك فيها رجلا آخر وقبضها المشترك ثم أودعها إياه بعد القبض فلا بأس، وإن قال أشركك على أنها في يدى حتى نبيعها لم يجز (قال الشافعي) ومن باع رجلا ثوبا بنصف دينار ثم باعه ثوبا آخر بنصف دينار حالين أو إلى أجل واحد فله عليه دينار فإن شرط عليه عند البيعة الآخرة أن له عليه دينارا فالشرط جائز وإن قال دينارا لا يعطيه نصفين ولكن يعطيه واحدا جازت البيعة الاولى ولم تجز البيعة الثانية، وإن لم يشترط هذا الشرط ثم أعطاه دينارا وافيا فالبيع جائز (قال الشافعي) وإذا كان بين الرجلين ذهب مصنوع فتراضيا أن يشترى أحدهما نصيب الآخر بوزنه أو مثل وزنه ذهبا يتقابضانه قبل أن يتفرقا فلا بأس، ومن صرف من رجل فلا بأس أن يقبض منه بعضه ويدفع ما قبض منه إلى
غيره أو يأمر الصراف أن يدفع باقيه إلى غيره إذا لم يتفرقا من مقامهما حتى يقبضا جميع ما بينهما أرأيت لو صرف منه دينارا بعشرين وقبض منه عشرة، ثم قبض منه بعدها عشرة قبل أن يتفرقا، فلا بأس بهذا (قال الشافعي) ومن اشترى من رجل فضة بخسمة دنانير ونصف فدفع إليه ستة وقال خمسة ونصف بالذى عندي ونصف وديعه فلا بأس به (قال الشافعي) وإذا وكل الرجل الرجل بأن يصرف له شيئا أو يبيعه فباعه من نفسه بأكثر مما وجد أو مثله أو أقل منه فلا يجوز لان معقولا أن من وكل رجلا بأن يبيع له فلم يوكله بأن يبيع له من نفسه كما لو قال له بع هذا من فلان فباعه من غيره لم يجز البيع لانه وكله بفلان ولم يوكله بغيره (قال الشافعي) وإذا صرف الرجل من الرجل الدينار بعشرة فوزن له عشرة ونصفا فلا بأس أن يعطيه مكان النصف نصفه فضة إذا كان في بيعه غير الشرط الاول، وهكذا لو باعه ثوبا دينار فأعطاه دينار وأعطاه صاحب الثوب نصف دينار ذهبا لم يكن بذلك بأس لان هذا بيع حادث غير البيع الاول ولو كان عقد عقدة البيع على ثوب ونصف دينار بدينار كان فاسدا لان الدينار مقسوم على نصف الدينار والثوب (قال الشافعي) ومن صرف من رجل دراهم بدنانير فعجزت ](3/32)
[ الدراهم فتسلف منه دراهم فأتمه جميع صرفه فلا بأس (قال الشافعي) ولا بأس أن يباع الذهب بالورق جزافا مضروبا أو غير مضروب لان أكثر ما فيه أن يكون أحدهما أكثر من الآخر وهذا لا بأس به، ولا بأس أن تشترى الدراهم من الصراف بذهب وازنة ثم تبيع تلك الدراهم منه أو من غيره بذهب وازنة أو ناقصة لان كل واحدة من البيعتين غير الاخرى قال الربيع لا يفارق صاحبه في البيعة الاولى حتى يتم البيع بينهما (قال الشافعي) حرم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذهب بالذهب وما حرم معه إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد، والمكيل من صنف واحد مع الذهب كيلا بكيل فلا خير في أن يأخذ منه شيئا بأقل منه وزنا على وجه البيع معروفا كان أو غير معروف والمعروف ليس يحل بيعا ولا يحرمه، فإن كان وهب له دينارا وأثابه الآخر دينارا أوزن منه أن أنقص فلا بأس (قال الشافعي) فأما السلف فإن أسلفه شيئا ثم اقتضى منه أقل فلا بأس لانه متطوع له بهبة الفضل، وكذلك إن تطوع له القاضى بأكثر من وزن ذهبه فلا بأس لان هذا ليس من معاني البيوع، وكذلك لو كان عليه سلف
ذهبا فاشترى منه ورقا فتقابضاه قبل أن يتفرقا، وهذا كله إذا كان حالا، فأما إذا كان له عليه ذهب إلى أجل فجاءه بها وأكثر منها فلا بأس به، وكان ذلك عادة أو غير عادة، ومن كانت عليه دراهم لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت أو لم تحل فتطارحاها صرفا، فلا يجوز لان ذلك دين بدين، وقال مالك رحمه الله تعالى إذا حل فجائز، وإذا لم يحل فلا يجوز (قال الشافعي) ومن كان له على رجل ذهب حالا فأعطاه دراهم على غير بيع مسمى من الذهب فليس ببيع والذهب كما هو عليه وعلى هذا دراهم مثل الدراهم التى أخذ منه، وإن أعطاه دراهم بدينار منها أو دينارين فتقابضاه فلا بأس به، ومن أكرى من رجل منزلا إلى أجل فتطوع له المكترى بأن يعطيه بعض حقه مما أكراه به وذلك ذهب فلا بأس به، وإن تطوع له بأن يعطيه فضة من الذهب ولم يحل الذهب فلا خير فيه، ومن حل له على رجل دنانير فأخرها عليه إلى أجل أو آجال فلا بأس به، وله متى شاء أن يأخذها منه لان ذلك موعد وسواء كانت من ثمن بيع أو سلف، ومن سلف فلوسا أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي أسلف أو باع بها (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الفلوس إلى أجل لان ذلك ليس مما فيه الربا ومن أسلف رجلا دراهم على انها بدينار أو بنصف دينار فليس عليه إلا مثل دراهمه وليس له عليه دينار ولا نصف دينار وإن استسلفه نصف دينار فأعطاه دينارا فقال خذ لنفسك نصفه وبع لى بدارهم ففعل ذلك كان له عليه نصف دينار ذهب، ولو كان قال له بعه بدراهم ثم خذ لنفسك نصفه ورد على نصفه كانت له عليه دراهم لانه حينئذ إنما أسلفه دراهم لا نصف دينار (قال الشافعي) ومن باع رجلا ثوبا فقال أبيعكه بعشرين من صرف عشرين درهما بدينار فالبيع فاسد من قبل أن صرف عشرين ثمن غير معلوم بصفة ولا عين (قال الشافعي) ومن كانت عليه دنانير منجمة أو دراهم فأراد أن يقبضها جملة فذلك له، ومن كان له على رجل فأعطاه شيئا يبيعه له غير ذهب ويقبض منه مثل ذهبه فليس في هذا من المكروه شئ إلا أن يقول لا أقضيك إلا بأن تبيع لى وما أحب من الاحتياط للقاضى، ومن كان لرجل عليه دينار فكان يعطيه الدراهم تتهيأ عنده بغير مصارفة حتى إذا صار عنده قدر صرف دينار فأراد أن يصارفه فلا خير فيه لان هذا دين بدين وإن أحضره إياها فدفعها إليه ثم باعه اياها فلا بأس، ولا بأس بأن ينتفع بالدراهم إذا لم يكن أعطاه إياها على أنها بيع
من الدينار وانما هي حينئذ سلف له إن شاء أن يأخذ بها دراهم وإذا كانت الفضة مقرونة بغيرها خاتما فيه فص أو فضة أو حلية للسيف أو مصحف أو سكين فلا يشترى بشئ من الفضة قل أو كثر بحال لانها ](3/33)
[ حينئذ فضة بفضة مجهولة القيمة والوزن وهكذا الذهب ولكن إذا كانت الفضة مع سيف اشترى بذهب وإن كان فيه ذهب اشترى بفضة وإن كان فيه ذهب وفضة لم يشتر بذهب ولا فضة واشترى بالعرض (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لا يجوز أن يشترى شئ فيه فضة مثل مصحف أو سيف وما أشبهه بذهب ولا ورق لان في هذه البيعة صرفا وبيعا لا يدرى كم حصة البيع من حصة الصرف (قال الشافعي) ولا خير في شراء تراب المعادن بحال لان فيه فضة لا يدرى كم هي لا يعرفها البائع ولا المشترى وتراب المعدن والصاغة سواء ولا يجوز شراء ما خرج يوما ولا يومين ولا يجوز شراؤه بشئ ومن أسلف رجلا ألف درهم على أن يصرفها منه بمائة دينار ففعلا فالبيع فاسد حين أسلفه على أن يبيعه منه ويترادان والمائة الدينار عليه مضمونة لانها بسبب بيع وسلف (قال الشافعي) ومن أمر رجلا أن يقضى عنه دينارا أو نصف دينار فرضى الذى له الدينار بثوب مكان الدينار أو طعام أو دراهم فللقاضي على المقضى عنه الاقل من دينار أو قيمة ما قضى عنه ومن اشترى حليا من أهل الميراث على أن يقاصوه من دين كان له على الميت فلا خير في ذلك (قال أبو يعقوب) معناها عندي أن يبيعه أهل الميراث وأن لا يقاصوه عند الصفقة ثم يقاصوه بعد فلا يجوز لانه اشترى أولا حليا بذهب أو ورق إلى أجل وهو قول أبى محمد (قال الشافعي) ومن سأل رجلا أن يشترى فضة ليشركه فيه وينقد عنه فلا خير في ذلك كان ذلك منه على وجه المعروف أو غير ذلك (قال الشافعي) الشركة والتولية بيعان من البيوع يحلهما ما يحل البيوع ويحرمهما ما يحرم البيوع فإن ولى رجل رجلا حليا مصوغا أو أشركه فيه بعدما يقبضه المولى ويتوازناه ولم يتفرقا قبل أن يتقابضا جاز كما يجوز في البيوع وإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد وإذا كانت للرجل على الرجل الدنانير فأعطاه أكثر منها فالفضل للمعطى إلا أن يهبه للمعطى ولا بأس أن يدعه على المعطى مضمونا عليه حتى يأخذه منه متى شاء أو يأخذ به منه ما يجوز له أن يأخذه لو كان دينا عليه من غير ثمن بعينه ولا قضاء وإن أعطاه أقل مما له عليه فالباقي عليه دين ولا بأس أن يؤخره أو يعطيه به
شيئا مما شاء مما يجوز أن يعطيه بدينه عليه، وإن اشترى الرجل من الرجل السلعة من الطعام أو غيره بدينار فوجد ديناره ناقصا فليس على البائع أن يأخذه إلا وافيا وإن تناقضا البيع وباعه بعدما يعرف وزنه فلا بأس وإن أراد أن يلزمه البيع على أن ينقصه بقدره لم يكن ذلك على البائع ولا المشترى (قال الشافعي) والقضاء ليس ببيع فإذا كانت للرجل على رجل ذهب فأعطاه أو وزن منها متطوعا فلا بأس وكذلك إن تطوع الذى له الحق فقبل منه أنقص منها وهذا لا يحل في البيوع ومن اشترى من رجل ثوبا بنصف دينار فدفع إليه دينار فقال اقبض نصفا لك وأقر لى النصف الآخر فلا بأس به ومن كان له على رجل نصف دينار فأتاه بدينار فقضاه نصفا وجعل النصف الآخر في سلعة متأخرة موصوفة قبل أن يتفرقا فلا بأس (قال الشافعي) في الرجل يشترى الثوب بدينار إلى شهر على أنه إذا حل الدينار أخذ به دراهم مسماة إلى شهرين فلا خير فيه وهو حرام من ثلاثة وجوه من قبل بيعتين في بيعة وشرطين في شرط وذهب بدراهم إلى أجل ومن راطل رجلا ذهبا فزاد مثقالا فلا بأس أن يشترى ذلك المثقال منه بما شاء من العرض نقدا أو متأخرا بعد أن يكون يصفه ولا بأس بأن يبتاعه منه بدارهم نقدا إذا قبضها منه قبل أن يتفرقا وإن رجحت إحدى الذهبين فلا بأس أن يترك صاحب الفضل منهما فضله لصاحبه لان هذا غير الصفقة الاولى فإن نقص أحد الذهبين فترك صاحب الفضل فضله فلا بأس وإذا جمعت صفقة البيع شيئين مختلفى القيمة مثل تمر بردى وتمر عجوة بيعا معا بصاعي تمر وصاع من هذا بدرهمين وصاع من هذا بعشرة دراهم فقيمة البردى خمسة أسداس الاثنى عشر وقيمة العجوة سدس الاثنى ](3/34)
[ عشر وهكذا لو كان صاع البردى وصاع العجوة بصاعي لون كل واحد منهما بحصته من اللون فكان البردى بخمسة أسداس صاعين والعجوة بسدس صاعين فلا يحل من قبل أن البردى بأكثر من كيله والعجوة بأقل من كيلها وهكذا ذهب بذهب كان مائة دينار مروانية وعشرة (محدية) (1) بمائة دينار وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيم المروانية أكثر من قيم المحدية وهذا الذهب بالذهب متفاضلا لان المعنى الذى في هذا في الذهب بالذهب متفاضلا ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية التامة بالعتق الناقصة مثلا بمثل في الوزن وإن كان لهذه فضل وزنها وهذه فضل عيونها فلا بأس بذلك إذا
كان وزنا بوزن ومن كانت له على رجل ذهب بوزن فلا بأس أن يأخذ بوزنها أكثر عددا منها ولا يجوز الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ويدا بيد وأقصى حد يدا بيد قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد بيعهما إن كانا تبايعا مثلا بمثل والموازنة أن يضع هذا ذهبه في كفة وهذا ذهبه في كفة فإذا اعتدل الميزان أخذ وأعطى فإن وزن له بحديدة واتزن بها منه كان ذلك لا يختلف إلا كاختلاف ذهب في كفة وذهب في كفة فهو جائز ولا أحسبه يختلف وإن كان يختلف اختلافا بينا لم يجز فإن قيل لم أجزته؟ قيل كما أجيز مكيالا بمكيالا وإذا كيل له مكيال ثم أخذ منه آخر وإذا اشترى رجل من رجل ذهبا بذهب فلا بأس أن يشترى منه بما أخذ منه كله أو بعضه دراهم أو ما شاء وإذا باع الرجل الرجل بالسلعة بمائة دينار مثاقيل فله مائة دينار مثاقيل أفراد ليس له أكثر منها ولا أقل إلا أن يجتمعا على الرضا بذلك وإذا كانت لرجل على رجل مائة دينار عتق فقضاه شرا منها أكثر من عددها أو وزنها فلا بأس إذا كان هذا متطوعا له بفضل عيون ذهبه على ذهبه وهذا متطوع له بفضل وزن ذهبه على ذهبه وإن كان هذا عن شرط عند البيع أو عند القضاء فلا خير فيه لان هذا حينئذ ذهب بذهب أكثر منها ولا بأس أن يبيع الرجل الرجل الثوب بدينار إلا وزنا من الذهب معلوم ربع أو ثلث أو أقل أو أكثر لانه باعه حينئذ الثوب بثلاثة أرباع دينار أو ثلثى دينار ولا خير في أن يبيعه الثوب بدينار إلا درهم ولا دينار إلا مد حنطة لان الثمن حينئذ مجهول ولا بأس أن يبيعه ثوبا ودرهما يراه وثوبا ومد تمر يراه بدينار (قال الربيع) فيه قول آخر أنه إذا باعه ثوبا وذهبا يراه فلا يجوز من قبل أن فيه صرفا وبيعا لا يدرى حصة البيع من حصة الصرف فأما إذا باعه ثوبا ومد تمر بدينار يراه فجائز لان هذا بيع كله (قال الشافعي) ولا خير في أن يسلم إليه دينار إلا درهم ولكن يسلم دينارا ينقص كذا وكذا (قال الشافعي) من ابتاع بكسر درهم شيئا فأخذ بكسر درهمه مثل وزنه فضة أو سلعة من السلع فلا بأس بذلك وكذلك من ابتاع بنصف دينار متاعا فدفع دينارا وأخذ فضل ديناره مثل وزنه ذهبا أو سلعة من السلع فلا بأس بذلك وهذا في جميع البلدان سواء ولا يحل شئ من ذلك في بلد يحرم في بلد آخر وسواء الذى ابتاع به قليل من الدينار أو كثير ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ الفضة بالحلى الفضة المعمولة ويعطيه إجارته لان هذا الورق بالورق متفاضلا ولا خير في أن يأتي الرجل بالفص إلى الصائغ فيقول له اعمله لى خاتما
حتى أعطيك أجرتك وقاله مالك (قال الشافعي) ولا خير في أن يعطى الرجل الرجل مائة دينار بالمدينة على أن يعطية مثلها بمكة إلى أجل مسمى أو غير أجل لان هذا لا سلف ولا بيع السلف ما كان لك أخذه به وعليك قبوله وحيث أعطاكه والبيع في الذهب ما يتقاضاه مكانهما قبل أن يتفرقا فإذا أراد أن يصح هذا له فليسلفه ذهبا فإن كتب له بها إلى موضع فقبل فقبضها فلا بأس وأيهما أراد أن ]
__________
(1) قوله: (محدية) كذا بالاصول ولعله محرف عن " محمدية " بميمين، وحرر: كتبه مصححه.(3/35)
[ يأخذها من المدفوع إليه لم يكن للمدفوع إليه أن يمتنع وسواء في أيهما كان له فيه المرفق أو لم يكن ومن أسلف سلفا فقضى أفضل من ذلك في العدد والوزن معا فلا بأس بذلك إذا لم يكن ذلك شرطا بينهما في عقد السلف ومن ادعى على رجل مالا وأقام به شاهدا ولم يحلف والغريم يجحد ثم سأله الغريم أن يقر له بالمال إلى سنة فإن قال لا أقر لك به إلا على تأخير كرهت ذلك له إلا أن يعلم أن المال له عليه فلا أكره ذلك لصاحب المال وأكرهه للغريم.
باب في بيع العروض (قال الشافعي) رحمه الله قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أما الذى نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله وهذا كما قال ابن عباس والله تعالى أعلم لانه ليس في الطعام معنى ليس في غيره من البيوع ولا معنى يعرف إلا واحد وهو أنى إذا ابتعت من الرجل شيئا فإنما أبتاع منه عينا أو مضمونا، وإذا ابتعت منه مضمونا فليست بعين وقد يفلس فأكون قد بعت شيئا ضمانه على من اشتريته منه وإنما بعته قبل أن يصير في تصرفى وملكى تاما ولا يجوز أن أبيع ما لا أملك تاما وإن كان الذى اشتريته منه عينا فلو هلكت تلك العين انتقص البيع بينى وبينه فإذا بعتها ولم يتم ملكها إلى بأن يكون ضمانها منى بعته ما لم يتم لى ملكه ولا يجوز بيع ما لم يتم لى ملكه ومع هذا أنه مضمون على من اشتريته منه فإذا بعت بعت شيئا مضمونا على غيرى فإن زعمت أنى ضامن فعلى من الضمان ما على دون من اشتريت منه أرأيت إن هلك ذلك في يدى الذى اشتريته منه أيوخذ منى شئ؟ فإن قال لا، قيل فقد بعت ما لا تضمن ولا يجوز بيع ما
لا أضمن وإن قيل بل أنت ضامن فليس هكذا بيعه كيف أضمن شيئا قد ضمنته له على غيرى؟ ولو لم يكن في هذا شئ مما وصفت دلت عليه السنة وأنه في معنى الطعام (قال الشافعي) قال الله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا " وقال " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " فكل بيع كان عن تراض من المتبايعين جائز من الزيادة في جميع البيوع إلا بيعا حرمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الذهب والورق يدا بيد والمأكول والمشروب في معنى المأكول فكل ما أكل الآدميون وشربوا فلا يجوز أن يباع شئ منه بشئ من صنفه إلا مثلا بمثل إن كان وزنا فوزن وإن كان كيلا فكيل يدا بيد وسواء في ذلك الذهب والورق وجميع المأكول فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما وكذلك بيع العرايا لانها من المأكول فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما وإذا اختلف الصنفان مما ليس في بعضه ببعض الربا فلا بأس بواحد منه باثنين أو أكثر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض فلا بأس بجزاف من بجزاف وجزاف بمعلوم وكل ما أكله الآدميون دواء فهو في معنى المأكول مثل الاهليلج والثفاء وجميع الادوية (قال) وما عدا هذا مما أكلته البهائم ولم يأكله الآدميون مثل القرظ والقضب والنوى والحشيش ومثل العروض التى لا تؤكل مثل القراطيس والثياب وغيرها ومثل الحيوان فلا بأس بفضل بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة تباعدت أو تقاربت لانه داخل في معنى ما أحل الله من البيوع وخارج من معنى ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل في بعضه على بعض وداخل في نص إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه من بعده (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن الليث عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي ](3/36)
[ صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه باع بعيرا له بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن على أن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه باع بعيرا يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب
أنه سئل عن بعير ببعيرين إلى أجل فقال لا بأس به (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية إن شاء الله شك الربيع عن سلمة بن علقمة شككت عن محمد بن سيرين أنه سئل عن بيع الحديد بالحديد فقال الله أعلم أما هم فكانوا يتبايعون الدرع بالادراع (قال الشافعي) ولا بأس بالبعير مثله وأكثر يدا بيد ونسيئة فإذا تنحى عن أن يكون في معنى ما لا يجوز الفضل في بعضه على بعض فالنقد منه والدين سواء ولا بأس باستسلاف الحيوان كله إلا الولائد وإنما كرهت استسلاف الولائد لان من استسلف أمة كان له أن يردها بعينها فإذا كان له أن يردها بعينها وجعلته مالكا لها بالسلف جعلته يطؤها ويردها وقد حاط الله جل ثناؤه ثم رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم المسلمون الفروج فجعل المرأة لا تنكح والنكاح حلال إلا بولي وشهود ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخلو بها رجل في حضر أو سفر ولم يحرم ذلك في شئ مما خلق الله غيرها جعل الاموال مرهونة ومبيعة بغير بينة ولم يجعل المرأة هكذا حتى حاطها فيما أحل الله لها بالولي والشهود ففرقنا بين حكم الفروج وغيرها بما فرق الله ورسوله ثم المسلمون بينهما وإذا باع الرجل غنما بدنانير إلى أجل فحلت الدنانير فأعطاه بها غنما من صنف غنمه أو غير صنفها فهو سواء ولا يجوز إلا أن يكون حاضرا ولا تكون الدنانير والدراهم في معنى ما ابتيع به من العروض فلا يجوز بيعه حتى يقبض ولا بأس بالسلف في الحيوان كله بصفة وأجل معلوم والسلف فيها اشتراء لها وشراؤها غير استلافها فيجوز ذلك في الولائد ولا خير في السلف إلا أن يكون مضمونا على المسلف مأمونا في الظاهر أن يعود ولا خير في أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا نتاج ماشية بعينها لان هذا يكون ولا يكون، ومن سلف في عرض من العروض أو شئ من الحيوان فلما حل أجلة سأله بائعه أن يشتريه منه بمثل ثمنه أو أقل أو أكثر أو بعرض كان ذلك العرض مخالفا له أو مثله فلا خير في أن يبيعه بحال لانه بيع ما لم يقبض وإذا سلف الرجل في عرض من العروض إلى أجل فجعل له المسلف قبل محل الاجل فلا بأس ولا خير في أن يعجله له على أن يضع عنه ولا في أن يعجله على أن يزيده المسلف لان هذا بيع يحدثانه غير البيع الاولى ولا خير في أن يعطيه من غير الصنف الذى سلفه عليه لان هذا بيع يحدثه وإنما يجوز أن يعطيه من ذلك الصنف بعينه مثل شرطهما أو أكثر فيكون متطوعا وإن أعطاه من ذلك الصنف أقل من شرطه على غير شرط فلا بأس كما أنه لو فعل بعد محله جاز وإن أعطاه على شرط فلا خير فيه لانه ينقصه على أن يعجله وكذلك لا يأخذ بعض ما سلفه فيه وعرضا غيره لان ذلك بيع ما لم
يقبض بعضه ومن سلف في صنف فأتاه المسلف من ذلك الصنف بأرفع من شرطه فله قبضه منه وإن لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع إلا أن يتفاسخا البيع الاول ويشترى هذا شراء جديدا لانه إذا لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع عجوة جيدة فله أدنى الجيد فجاءه بالغاية من الجيد وقال زدنى شيئا فاشترى منه الزيادة غير معلومة لا هي كيل زاده فيزيده ولا هي منفصلة من البيع الاول فيكون إذا زاده اشترى ما لا يعلم واستوفى ما لا يعلم وقد قيل أنه لو أسفله في عجوة فأراد أن يعطيه صيحانيا مكان العجوة لم يجز لان هذا بيع العجوة بالصيحانى قبل أن تقبض وقد نهى ](3/37)
[ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبض، وهكذا كل صنف سلف فيه من طعام أو عرض أو غيره له أن يقبضه أدنى من شرطه وأعلى من شرطه إذا تراضيا لان ذلك جنس واحدة وليس له أن يقبض من غير جنس ما سلف فيه لانه حينئذ بيع ما اشترى قبل أن يستوفيه (قال) ولا يأخذ إذا سلف في جيد رديئا على أن يزداد شيئا والعلة فيه كالعلة في أن يزيده ويأخذ أجود وإذا أسلف رجل رجلا في عرض فدفع المسلف إلى المسلف ثمن ذلك العرض على أن يشتريه لنفسه ويقبضه كرهت ذلك فإذا اشتراه وقبضه برئ منه المسلف وسواء كان ذلك ببينة أو بغير بينة إذا تصادقا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا بأس بالسلف في كل ما أسلف فيه حالا أو إلى أجل إذا حل أن يشترى بصفة نقدا وقد قال هذا ابن جريج عن عطاء ثم رجع عنه وإذا سلف رجل في صوف لم يجز أن يسلف فيه إلا بوزن معلوم وصفة معلومة ولا يصلح أن يسلف فيه عددا لاختلافه ومن اشترى من رجل سلعة فسأله أن يقيله فيها بأن يعطيه البائع شيئا أو يعطيه المشترى نقدا أو إلى أجل فلا خير في الاقالة على ازدياد ولا نقص بحال لانها إنما هي فسخ بيع وهكذا لو باعه إياها فاستقاله على أن ينظره بالثمن لم يجز لان النظرة ازدياد ولا خير في الاقالة على زيادة ولا نقصان ولا تأخير في كراء ولا بيع ولا غيره وهكذا إن باعه سلعة إلى أجل فسأله أن يقيله فلم يقله إلا على أن يشركه البائع ولا خير فيه لان الشركة بيع وهذا بيع ما لم يقبض ولكنه إن شاء أن يقيله في النصف أقاله ولا يجوز أن يكون شريكا له والمتبايعان بالسلف وغيره بالخيار ما لم يتفرقا من مقامهما الذى تبايعا فيه، فإذا تفرقا أو خير
أحدهما الآخر بعد البيع فاختار البيع فقد انقطع الخيار ومن سلف في طعام أو غيره إلى أجل فلما حل الاجل أخذ بعض ما سلف فيه وأقال البائع من الباقي فلا بأس وكذلك لو باع حيوانا أو طعاما إلى أجل فأعطاه نصف رأس ماله وأقاله المشترى من النصف وقبضه بلا زيادة ازدادها ولا نقصان ينقصه فلا بأس (قال) ولا يجوز من البيوع إلا ثلاثة بيع عين بعينها حاضرة وبيع عين غائبة فإذا رآها المشترى فهو بالخيار فيها ولا يصلح أن تباع العين الغائبة بصفة ولا إلى أجل لانها قد تدرك قبل الاجل فيبتاع الرجل ما يمنع منه وهو يقدر على قبضه وأنها قد تتلف قبل أن تدرك فلا تكون قبل الاجل فيبتاع الرجل ما يمنع منه وهو يقدر على قبضه وأنها قد تتلف قبل أن تدرك فلا تكون مضمونة والبيع الثالث صفة مضمونة إذا جاء بها صاحبها على الصفة لزمت مشتريها ويكلف أن يأتي بها من حيث شاء (قال أبو يعقوب) الذى كان يأخذ به الشافعي ويعمل به أن البيع بيعان بيع عين حاضرة ترى أو بيع مضمون إلى أجل معلوم ولا ثالث لهما (قال الربيع) قد رجع الشافعي عن بيع خيار الرؤية (قال الشافعي) رحمه الله تعلى ومن باع سلعة من السلع إلى أجل من الآجال وقبضها المشترى فلا بأس أن يبيعها الذى اشتراها بأقل من الثمن وزعم أن القياس في ذلك جائز ولكنه زعم تبع الاثر ومحمود منه أن يتبع الاثر الصحيح فلما سئل عن الاثر إذا هو أبو إسحق عن امرأته عالية بنت أنفع (1) أنها دخلت مع امرأة أبى السفر على عائشة رضى الله عنها فذكرت لعائشة أن زيد بن أرقم باع شيئا إلى العطاء ثم اشتراه بأقل مما باعه به فقالت عائشة أخبرى زيد بن أرقم أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب (قال الشافعي) فقيل له ثبت هذا الحديث عن عائشة فقال أبو إسحق رواه عن امرأته فقيل فتعرف امرأته بشئ يثبت به حديثها فما علمته قال شيئا قلت ترد حديث بسرة بنت صفوان مهاجرة معروفة بالفضل ]
__________
(1) قوله: بنت أنفع كذا بالاصول التى بأيدينا.
ولم نظفر به بعد المراجعة.
كتبه مصححه.(3/38)
[ بأن تقول حديث امرأة وتحتج بحديث امرأة ليست عندك منها معرفة أكثر من أن زوجها روى عنها ولو كان هذا من حديث من يثبت حديثه هل كان أكثر ما في هذا إلا أن زيد بن أرقم وعائشة اختلفا لانك تعلم أن زيدا لا يبيع إلا ما يراه حلالا له ورأته عائشة حراما وزعمت أن القياس مع قول زيد
فكيف لم تذهب إلى قول زيد ومعه القياس وأنت تذهب إلى القياس في بعض الحالات فتترك به السنة الثابتة؟ قال أفليس قول عائشة مخالفا لقول زيد؟ قيل ما تدرى لعلها إنما خالفته في أنه باع إلى العطاء ونحن نخالفه في هذا الموضع لانه أجل غير معلوم فأما إن اشتراها بأقل مما باعه بها فلعلها لم تخالفه فيه قط لعلها رأت البيع إلى العطاء مفسوخا ورأت بيعه إلى العطاء لا يجوز فرأته لم يملك ما باع ولا بأس في أن يسلف الرجل فيما ليس عنده أصله وإذا أرى الرجل الرجل السعلة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذى قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه وهكذا إن قال اشتر لى متاعا ووصفه له أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الاول ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الاول ويكونان بالخيار في البيع الآخر فإن جدداه جاز وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الامر الاول فهو مفسوخ من قبل شيئين أحدهما أنه تبايعاه قبل يملكه البائع والثانى أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا وإن اشترى الرجل طعاما إلى أجل فقبضه فلا بأس أن يبيعه ممن اشتراه منه ومن غيره بنقد وإلى أجل وسواء في هذا المعينين وغير المعينين (1) وإذا باع الرجل السلعة بنقد أو إلى أجل فتسوم بها المبتاع فبارت عليه أو باعها بوضع أو هلكت من يده فسأل البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا أو يهبها كلها فذلك إلى البائع إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل من قبل أن الثمن له لازم فإن شاء ترك له من الثمن اللازم وإن شاء لم يترك وسواء كان هذا عن عادة اعتادها أو غير عادة وسواء أحدثا هذا في أول بيعة تبايعا به أو بعد بيعة ليس للعادة التى اعتادها معنى يحل شيئا ولا يحرمه وكذلك الموعد، إن كان قبل العقد أو بعده فإن عقد البيع على موعد أنه إن وضع في البيع وضع عنه فالبيع مفسوخ لان الثمن غير معلوم وليس تفسد البيوع أبدا ولا النكاح ولا شئ أبدا إلا بالعقد فإذا عقد عقدا صحيحا لم يفسده شئ تقدمه ولا تأخر عنه كما إذا عقدا فاسدا لم يصلحه شئ تقدمه ولا تأخر عنه إلا بتجديد عقد صحيح وإذا اشترى الرجل من الرجل طعاما بدينار على أن الدينار عليه إلى شهر إلا أن يبيع الطعام قبل ذلك فيعطيه ما باع من الطعام فلا خير فيه لانه إلى أجل غير معلوم ولو باعه إلى شهر ولم يشرط في العقد شيئا أكثر من ذلك ثم قال له
إن بعته أعطيتك قبل الشهر، كان جائزا وكان موعدا، إن شاء وفى له وإن شاء لم يف له لانه لا يفسد حتى يكون في العقد وإذا ابتاع رجل طعاما سمى الثمن إلى أجل والطعام نقد وقبض الطعام فلا بأس أن يبيع الطعام بحداثة القبض وبعد زمان إذا صار من ضمانه من الذى اشترى منه ومن غيره وبنقد وإلى أجل لان البيعة الآخرة غير البيعة الاولى وإذا سلف رجل في العروض والطعام الذى يتغير إلى أجل فليس عليه أن يقبضه حتى يحل أجله فإذا حل أجله جبر على قبضه وسواء عرضه عليه قبل أن يحل الاجل بساعة أو بسنة وإن اجتمعا على الرضا بقضبه فلا بأس وسواء كان ذلك قبل أن يحل الاجل بسنة أو بساعة وإذا ابتاع الرجل شيئا من الحيوان أو غيره غائبا عنه والمشترى يعرفه بعينه فالشراء جائز وهو ]
__________
(1) قوله: وسواء في هذا المعينين الخ بالاصل ولعله " المعين وغير المعين " وحرر.
كتبه مصححه.(3/39)
[ مضمون من مال البائع حتى يقبضه المشترى فإذا كان المشترى لم يره فهو بالخيار إذا رآه من عيب ومن غير عيب وسواء وصف له أو لم يوصف إذا اشتراه بعينه غير مضمون على صاحبه فهو سواء هو شراء عين ولو جاء به على الصفة إذا لم يكن رآه لم يلزمه أن يأخذ إلا أن يشاء وسواء أدركتها بالصفة حية أو ميتة ولو أنه اشتراه على صفة مضمونة إلى أجل معلوم فجاءه بالصفة لزمت المشترى أحب أو كره، وذلك أن شراءه ليس بعين ولو وجد تلك الصفة في يد البائع فأراد أن يأخذها كان للبائع أن يمنعه إياه إذا أعطاه صفة غيرها وهذا فرق بين شراء الاعيان والصفات الاعيان لا يجوز أن يحول الشراء منها في غيرها إلا أن يرضى المبتاع والصفات يجوز أن تحول صفة في غيرها إذا أوفى أدنى صفة ويجوز النقد في الشئ الغائب وفى الشئ الحاضر بالخيار وليس هذا من بيع وسلف بسبيل وإذا اشترى الرجل الشئ إلى أجل ثم تطوع بالنقد فلا بأس وإذا اشترى ولم يسم أجلا فهو بنقد ولا ألزمه أن يدفع الثمن حتى يدفع إليه ما اشترى وإذا اشترى الرجل الجارية أو العبد وقد رآه وهو غائب عنه وأبرأ البائع من عيب به ثم أتاه به فقال قد زاد العيب فالقول قول المشترى مع يمينه ولا تباع السلعة الغائبة على أنها إن تلفت فعلى صاحبها مثلها ولا بأس أن يشترى الشئ لغائب بدين إلى أجل معلوم والاجل من يوم تقع الصفقة فإن قال أشتريها منك إلى شهر من يوم أقبض السلعة فالشراء باطل لانه قد يقبضها في يومه
ويقبضها بعد شهر وأكثر.
باب في بيع الغائب إلى أجل (قال الشافعي) رحمه الله وإذا باع الرجل من الرجل عبدا له غائبا بذهب دينا له على آخر أو غائبة عنه ببلد فالبيع باطل (قال) وكذلك لو باعه عبدا ودفعه إليه إلا أن يدفعه إليه ويرضى الآخر بحوالة على رجل فإما أن يبيعه إياه ويقول خذ ذهبي الغائبة على أنه إن لم يجدها فالمشترى ضامن لها فالبيع باطل لان هذا أجل غير معلوم وبيع بغير مدة ومحولا في ذمة أخرى (قال الشافعي) ومن أتى حائكا فاشترى ثوبا على منسجه قد بقى منه بعضه فلا خير فيه، نقده أو لم ينقده، لانه لا يدرى كيف يخرج باقى الثوب وهذا لا بيع عين يراها ولا صفة مضمونة قال ولا بأس بشراء الدار حاضرة وغائبة ونقد ثمنها ومذارعة وغير مذارعة (قال) ولا بأس بالنقد في بيع الخيار (قال) وإذا اشترى الرجل بالخيار وقبض المشترى فالمشترى ضامن حتى يرد السلعة كما أخذها وسواء كان الخيار للبائع أو للمشترى أو لهما معا وإذا باع الرجل السلعة وهو بالخيار فليس للذى عليه الخيار أن يرد إنما يرد الذى له الخيار (قال) وبيع الخيار جائز من باع جارية فللمشترى قبضها وليس عليه وضعها للاستبراء ويستبرئها المشترى عنده وإذا قبضها المشترى فهى من ضمانه وفى ملكه وإذا حال البائع بينه وبينها وضعها على يدى عدل يستبرئها فهى من ضمان البائع حتى يقبضها المشترى ثم يكون هو الذى يضعها ويجوز بيع المشترى فيها ولا يجوز بيع البائع حتى يردها المشترى أو يتفاسخا البيع ومن اشترى جارية بالخيار فمات قبل أن يختار فورثته يقومون مقامه وإذا باع الرجل السلعة لرجل واستثنى رضا المبيع له ما بينه وبين ثلاث فإن رضى المبيع له فالبيع جائز وإن أراد الرد فله الرد وإن جعل الرد إلى غيره فليس ذلك له إلا أن يجعله وكيلا برد أو إجازة فتجوز الوكالة عن أمره (قال الشافعي) ومن باع سلعة على رضا غيره كان للذى شرط له الرضا الرد ولم يكن للبائع فإن قال على أن أستأمر فليس له أن يرد حتى يقول قد ](3/40)
[ استأمرت فأمرت بالرد (قال الشافعي) ولا خير في أن يشترى الرجل الدابة بعينها على أن يقبضها بعد سنة لانها قد تتغير إلى سنة وتتلف ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط ركوبها قل ذلك أو كثر
(قال) ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقاقها (1) ولو قال هي عقوق ولم يشرط ذلك لم يكن بذلك بأس وإذا باع الرجل ولد جاريته على أن عليه رضاعه ومؤنته سنة أو أقل فالبيع باطل لانه قد يموت قبل سنة فلو كان مضمونا للمشترى فضل الرضاع لم يجز لانه وقع لا يعرف حصته من حصة البيع ولو كان مضمونا من البائع كان عينا يقدر على قبضها ولا يقدر على قبضها إلا بعد سنة ويكون دونها وبيع وإجارة.
باب ثمر الحائط يباع أصله أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (قال الشافعي) وهذا الحديث ثابت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ وفيه دلالات إحداها لا يشكل في أن الحائط إذا بيع وقد أبر نخله فالثمرة لبائعه إلا أن يشترطها مبتاعة فيكون مما وقعت عليه صفقة البيع ويكون لها حصة من الثمن (قال) والثانية أن الحائط إذا بيع ولم يؤبر نخله فالثمرة للمشترى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حد فقال " إذا أبر فثمرته للبائع " فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبر غير حكمه إذا أبر ولا يكون ما فيه إلا للبائع أو للمشترى لا لغيرهما ولا موقوفا فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشترى بغير شرط استدلالا موجودا بالسنة (قال) ومن باع أصل فحل نخل أو فحول بعد أن تؤبر إناث النخل فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع فحلا قبل أن تؤبر إناث النخل فالثمرة للمشترى (قال) والحوائط تختلف بتهامة ونجد والسقف فيستأخر إبار كل بلد بقدر حرها وبردها وما قدر الله تعالى من إبانها فمن باع حائطا منها لم يؤبر فثمره للمبتاع وإن أبر غيره لان حكمه به لا لغيره وكذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وإن بدا صلاح غيره وسواء كان نخل الرجل قليلا أو كثيرا إذا كان في حظار واحد أو بقعة واحدة في غير حظار فبدا صلاح واحدة منه، حل بيعه ولو كان إلى جنبه حائط له آخر أو لغيره فبدا صلاح حائط غيره الذى هو إلى جنبه لم يحل بيع ثم حائطه بحلول بيع الذى إلى جنبه وأقل ذلك أن يرى في شئ منه الحمرة أو الصفرة وأقل
الابار أن يكون في شئ منه الابار فيقع عليه اسم أنه قد أبر كما أنه إذا بدا صلاح شئ منه وقع عليه اسم أنه قد بدا صلاحه واسم أنه قد أبر فيحل بيعه ولا ينتظر آخره بعد أن يرى ذلك في أوله (قال) والابار التلقيح وهو أن يأخذ شيئا من طلع الفحل فيدخله بين ظهرانى طلع الاناث من النخل فيكون له بإذن الله صلاحا (قال) والدلالة بالسنة في النخل قبل أن يؤبر وبعد الابار في أنه داخل في البيع مثل الدلالة بالاجماع في جنين الامة وذات الحمل من البهائم، فإن الناس لم يختلفوا في أن كل ذات ]
__________
(1) العقاق: كسحاب وكتاب: الحمل.
وفرس عقوق كصبور حامل أو حائل.
ضد، كما في القاموس.
كتبه مصححه.(3/41)
[ حمل من بنى آدم ومن البهائم بيعت فحملها تبع لها كعضو منها داخل في البيع بلا حصة من الثمن لانه لم يزايلها، ومن باعها وقد ولدت فالولد غيرها، وهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون قد وقعت عليه الصفقة، وكانت له حصة من الثمن ويخالف الثمر لم يؤبر الجنين في أن له حصة من الثمن لانه ظاهر وليست للجنين لانه غير ظاهر ولولا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لما كان الثمر قد طلع مثل الجنين في بطن أمه لانه قد يقدر على قطعه، والتفريق بينه وبين شجره ويكون ذلك مباحا منه والجنين لا يقدر على إخراجه حتى يقدر الله تعالى له ولا يباح لاحد إخراجه وإنما جمعنا بينهما حيث اجتمعا في بعض حكمهما بأن السنة جاءت في الثمر لم يؤبر كمعنى الجنين في الاجماع فجمعنا بينهما خبرا لا قياسا إذ وجدنا حكم السنة في الثمر لم يؤبر كحكم الاجماع في جنين الامة وإنما مثلنا فيه تمثيلا ليفقهه من سمعه من غير أن يكون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يقاس على شئ بل الاشياء تكون له تبعا (قال) ولو باع رجل أصل حائط، وقد تشقق طلع إناثه أو شئ منه فأخر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله كان حكمه حكم ما تأبر لانه قد جاء عليه وقت الابار وظهرت الثمرة وريئت بعد تغييبها في الجف (1) قال وإذا بدأ في إبار شئ منه كان جميع ثمر الحائط المبيع للبائع كما يكون إذا ريئت في شئ من الحائط الحمرة أو الصفرة حل بيع الثمرة وإن كان بعضه أو أكثره لم يحمر أو يصفر (قال) والكرسف إذا بيع أصله كالنخل إذا خرج من جوزه ولم ينشق فهو للمشترى،
وإذا انشق جوزه فهو للبائع كما يكون الطلع قبل الابار وبعده (قال) فإن قال قائل فإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الثمرة للبائع إذا أبر فكيف قلت يكون له إذا استأبر وإن لم يؤبر؟ قيل له إن شاء الله تعالى لا معنى للابار إلا وقته ولو كان الذى يوجب الثمرة للبائع أن يكون إنما يستحقها بأن يأبرها، فاختلف هو والمشترى انبغى أن يكون القول قول المشترى لان البائع يدعى شيئا قد خرج منه إلى المشترى وانبغى إن تصادقا أن يكون له ثمر كل نخلة أبرها ولا يكون له ثمر نخلة لم يأبرها (قال) وما قلت من هذا هو موجود في السنة في بيع الثمر إذا بدا صلاحه وذلك إذا احمر أو بعضه، وذلك وقت يأتي عليه، وهذا مذكور في بيع الثمار إذا بدا صلاحها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء أخبره أن رجلا باع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا مثمرا ولم يشترط المبتاع الثمر ولم يستثن البائع الثمر ولم يذكراه فلما ثبت البيع اختلفا في الثمر فاحتكما فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمر للذى لقح النخل للبائع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول في العبد له المال وفى النخل المثمر يباعان ولا يذكران ماله ولا ثمره هو للبائع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت لو أن إنسانا باع رقبة حائط مثمر لم يذكر الثمرة عند البيع لا البائع ولا المشترى أو عبدا له مال كذلك فلما ثبت البيع قال المبتاع إنى أردت الثمر قال لا يصدق والبيع جائز وعن ابن جريج أنه قال لعطاء أن رجلا أعتق عبدا له مال؟ قال نيته في ذلك إن كان نوى في نفسه أن ماله لا يعتق معه فماله كله لسيده وبهذا كله نأخذ في الثمرة والعبد (قال) وإذا بيعت رقبة الحائط وقد أبر شئ من نخله فثمرة ذلك النخل في عامه ذلك للبائع، ولو كان منه ما لم ]
__________
(1) الجف: بضم الجيم، وعاء الطلع، كما في القاموس اه مصححه.(3/42)
[ يؤبر ولم يطلع لان حكم ثمرة ذلك النخل في عامه ذلك حكم واحد كما يكون إذا بدا صلاحه ولم يؤبر (قال) ولو أصيبت الثمرة في يدى مشترى رقبة الحائط بجائحة نأتى أو على بعضه فلا يكون للمشترى أن يرجع بالثمرة المصابة ولا بشئ منها على البائع، فإن قال قائل ولم لا يرجع بها ولها من الثمن حصة؟ قيل
لانها إنما جازت تبعا في البيع ألا ترى أنها لو كانت تباع منفردة لم يحل بيعها حتى تحمر فلما كانت تبعا في بيع رقبة الحائط حل بيعها وكان حكمها حكم رقبة الحائط ونخله الذى يحل بيع صغيره وكبيره وكانت مقبوضة لقبض النخل وكانت المصيبة بها كالمصيبة بالنخل، والمشترى لو أصيب بالنخل بعد أن يقبضها كانت المصيبة منه، فإن ابتاع رجل حائطا فيه ثمر لم يؤبر كان له مع النخل أو شرطه بعدما أبر، فكان له بالشرط مع النخل فلم يقبضه حتى أصيب بعض الثمر ففيها قولان أحدهما أنه بالخيار في رد البيع لانه لم يسلم له كما اشترى، أو أخذه بحصته من الثمن بحسب ثمن الحائط أو الثمرة فينظركم حصة المصاب منها؟ فيطرح عن المشترى من أصل الثمن بقدره، فإن كان الثمن مائة والمصاب عشر العشر مما اشترى طرح عنه دينار من أصل الثمن لا من قيمة المصاب، لانه شئ خرج من عقدة البيع بالمصيبة وهكذا كل ما وقعت عليه صفقة البيع بعينه من نبات، أو نخل، أو غيره، فما أصيب منه شئ بعد الصفقة وقبل قبض المشترى، فالمشترى بالخيار في رد البيع لانه لم يسلم إليه كما اشترى بكماله أو أخذ ما بقى حصته من الثمن لانه قد ملكه ملكا صحيحا وكان في أصل الملك أن كل واحد منه بحصته من الثمن المسمى ولا يكون للمشترى في هذا الوجه خيار (قال) وهكذا الثمر يبتاع مع رقبة الحائط، ويقبض فتصيبه الجائحة في قول من وضع الجائحة وفى القول الآخر الذى حكيت فيه فولا يخالفه سواء لا يختلفان، والقول الثاني أن المشترى إن شاء رد البيع بالنقص الذى دخل عليه قبل القبض وإن شاء أخذه منه بجميع الثمن لا ينقص عنه منه شئ لانها صفقة واحدة (قال) فإن قال قائل فكيف أجزتم بيع الثمرة لم يبد صلاحها مع الحائط وجعلتم لها حصة من الثمن ولم تجيزوها على الانفراد؟ قيل بما وصفنا من السنة فإن قال فكيف أجزتم بيع الدار بطرقها ومسيل مائها وأفنيتها وذلك غير معلوم؟ قيل أجزناه لانه في معنى الثمرة التى لم يبد صلاحها تبع في البيع ولو بيع من هذا شئ على الانفراد لم يجز، فإن قال قائل فكيف يكون داخلا في جملة البيع وهو أن بعضا لم يجز بيعه على الانفراد؟ قيل بما وصفنا لك، فإن قال فهل يدخل في هذا العبد يباع؟ قلت نعم في معنى ويخالفه في آخر، فإن قال فما المعنى الذى يدخل به فيه؟ قيل إذا بعناك عبدا بعناكه بكمال جوارحه، وسمعه، وبصره، ولو بعناك جارحة من جوارحه تقطعها أو لا تقطعها لم يجز البيع، فهى إذا كانت فيه جازت، وإذا أفردت
منه لم يحل بيعها لان فيها عذابا عليه وليس فيها منفعة لمشتريه ولم لم تقطع وهذا الموضع الذى يخالف فيه العبد بما وصفنا من الطرق والثمر، وفى ذلك أنه يحل تفريق الثمر وقطع الطرق ولا يحل قطع الجارحة إلا بحكمها (قال) وجميع ثمار الشجر في معنى ثم النخل إذا رئ في أوله النضج حل بيع آخره، وهما يكونان بارزين معا ولا يحل بيع واحد منهما حتى يرى في أولهما النضج (قال) وتخالف الثمار من الاعناب وغيرها النخل فتكون كل ثمرة خرجت بارزة ترى في أول ما تخرج كما ترى في آخره لا مثل ثمر النخل في الطلعة يكون مغيبا وهو يرى يكون بارزا فهو في معنى ثمرة النخل بارزا فإذا باعه شجرا مثمرا فالثمر للبائع إلا أن يشترط المبتاع لان الثمر قد فارق أن يكون مستودعا في الشجر، كما يكون الحمل مستودعا في الامة ذات الحمل (قال) ومعقول في السنة إذا كانت الثمرة للبائع كان على المشترى تركها في شجرها إلى أن تبلغ الجذاذ والقطاف واللقاط من الشجر (قال) وإذا كان لا يصلحها إلا ](3/43)
[ السقى فعلى المشترى تخلية البائع وما يكفى الشجر من السقى إلى أن يجد ويلقط ويقطع فإن انقطع الماء فلا شئ على المشترى فيما أصيب به البائع في ثمره، وكذلك إن أصابته جائحة، وذلك أنه لم يبعه شيئا فسأله تسليم ما باعه (قال) وإن انقطع الماء فكان الثمر يصلح ترك، حتى يبلغ، وإن كان لا يصلح لم يمنعه صاحبه من قطعه ولا لو كان الماء كما هو، ولو قطعه، فإن أراد الماء لم يكن ذلك له إنما يكون له من الماء ما فيه صلاح ثمره فإذا ذهب ثمره فلا حق له في الماء (قال) وإن انقطع الماء فكان بقاء الثمرة في النخل وغيره من الشجر المسقوى يضر بالنخل ففيها قولان، أحدهما أن يسأل أهل ذلك الوادي الذى به ذلك الماء فإن قالوا ليس يصلح في مثل هذا من انقطاع الماء إلا قطع ثمره عنه وإلا أضر بقلوب النخل ضررا بينا فيها أخذ صاحبه بقطعه إلا أن يسقيه متطوعا وقيل قد أصبت وأصيب صاحب الاصل بأكثر من مصيبتك فإن قالوا هو لا يضر بها ضررا بينا، والثمر يصلح إن ترك فيها وإن كان قطعه خيرا لها ترك إذا لم يكن فيه ضرر بين، فإن قالوا لا يسلم الثمر إلا إن ترك أياما ترك اياما حتى إذا بلغ الوقت الذى يقولون فيه يهلك، فلو قيل اقطعه لانه خير لك ولصاحبك كان وجها، وله تركه إذا لم يضر بالنخل ضررا بينا، وإن قال صاحب عنب ليس له أصله أدع عنبى فيه ليكون أبقى له أو
سفرجل، أو تفاح، أو غيره، لم يكن له ذلك إذا كان القطاف، واللقاط والجذاذ أخذ بجذاذ ثمره وقطافه، ولقاطه، ولا يترك ثمره فيه بعد أن يصلح فيه القطاف، والجذاذ، واللقاط (قال) وإن اختلف رب الحائط والمشترى في السقى حملا في السقى على ما لا غنى بالثمر، ولا صلاح إلا به، وما يسقى عليه أهل الاموال أموالهم في الثمار عامة لا ما يضر بالثمر، ولا ما يزيد فيه مما لا يسقيه أهل الاموال إذا كانت لهم الثمار (قال) فإن كان المبيع تينا أو غيره من شجر تكون فيه الثمرة ظاهرة، ثم تخرج قبل أن تبلغ الخارجة ثمرة غيرها من ذلك الصنف، فإن كانت الخارجة المشتراة تميز من الثمرة التى تحدث لم يقع عليها البيع فالبيع جائز للمشترى الثمرة الخارجة التى اشترى يتركها حتى تبلغ وإن كانت لا تميز مما يخرج بعدها من ثمرة الشجرة، فالبيع مفسوخ لان ما يخرج بعد الصفقة من الثمرة التى لم تدخل في البيع غير متميز من الثمرة الداخلة في الصفقة والبيوع لا تكون إلا معلومة (قال الربيع) وللشافعي في مثل هذا قول آخر إن البيع مفسوخ إذا كان الخارج لا يتميز إلا أن يشاء رب الحائط أن يسلم ما زاد من الثمرة التى اختلطت بثمر المشترى يسلمه للمشترى فيكون قد صار إليه ثمره والزيادة إذا كانت الخارجة لا تميز التى تطوع بها (قال الشافعي) فإن باعه على أن يلقط الثمرة أو يقطعها حتى يتبين بها فالبيع جائز وما حدث في ملك البائع للبائع وإنما يفسد البيع إذا ترك ثمرته فكانت مختلطة بثمرة المشترى لا تتميز منها (قال) وإذا باع رجل رجلا أرضا فيها شجر ورمان، ولوز وجوز، ورانج، وغيره مما دونه قشر يواريه بكل حال فهو كما وصفت من الثمر البادى الذى لا قشر له يواريه إذا ظهرت ثمرته، فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، وذلك إن قشر هذا لا ينشق عما في أجوافه وصلاحه في بقائه إلا أن صنفا من الرمان ينشق منه الشئ فيكون أنقص على مالكه لان الاصلح له أن لا ينشق لانه أبقى له، والقول فيه كالقول في ثمر الشجر غير النخل من العنب والاترج وغيره لا يخالفه والقول في تركه إلى بلوغه كالقول فيها وفى ثمر النخل لا يعجل مالكه عن بلوغ صلاحه ولا يترك، وإن كان ذلك خيرا لمالكه إذا بلغ أن يقطف مثلها أو يلقط والقول في شئ إن كان يزيد فيها كالقول في التين لا يختلف وكذلك في ثمر كل شجر وهكذا القول في الباذنجان وغيره من الشجر الذى يثبت أصله وعلامة الاصل وذلك مثل القثاء والخربز والكرسف وغيره، وما كان إنماء ثمرته ](3/44)
[ مرة، فمثل الزرع (قال) ومن باع أرضا فيها زرع قد خرج من الارض، فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإذا حصد فلصاحبه أخذه فإن كان الزرع مما يبقى له أصول في الارض تفسدها فعلى صاحب الزرع نزعها عن رب الارض إن شاء رب الارض.
قال وهكذا إذا باعه أرضا فيها زرع يحصد مرة واحدة (قال) فأما القصب فإذا باعه أرضا فيها قصب قد خرج من الارض فلمالكه من القصب جزة واحدة وليس له قلعه من أصله لانه أصل (قال) وكل ما يجز مرارا من الزرع فمثل القصب في الاصل والثمر ما خرج لا يخالفه (قال) وإذا باعه أرضا فيها موز قد خرج فله ما خرج من الموز قبل بيعه وليس له ما خرج مرة أخرى من الشجر الذى بجنب الموز وذلك أن شجرة الموز عندنا تحمل مرة وينبت إلى جنبها أربع فتقطع ويخرج في الذى حولها (قال) فإذا كان شجر الموز كثيرا وكان يخرج في الموز منه الشئ اليوم وفى الاخرى غدا وفى الاخرى بعده حتى لا يتميز ما كان منه خارجا عند عقدة البيع مما خرج بعده بساعة أو أيام متتابعة فالقول فيها كالقول في التين وما تتابع ثمرته في الاصل الواحد أنه لا يصلح بيعه أبدا وذلك أن الموزة الحولى يتفرق ويكون بينه اولاده بعضها اشف من بعض فيباع وفى الحولى مثله موز خارج فيترك ليبلغ ويخرج في كل يوم من أولاده بقدر إدراكه متتابعا، فلا يتفرق منه ما وقعت عليه عقدة البيع مما حدث بعدها ولم يدخل في عقدة البيع والبيع ما عرف المبيع منه من غير المبيع فيسلم إلى كل واحد من المتبايعين حقه (قال) ولا يصح بيعه بأن يقول له ثمرة مائة شجرة موز منه من قبل أن ثمارها تختلف ويخطئ ويصيب وكذلك كل ما كان في معناه من ذى ثمر وزرع (قال) وكل أرض بيعت بحدودها فلمشتريها جميع ما فيها من الاصل والاصل ما وصفت مما له ثمرة بعد ثمرة من كل شجر وزروع مثمرة وكل ما يثبت من الشجر والبنيان وما كان مما يخف من البنيان مثل البناء بالخشب فإنما هذا مميز كالنبات والجريد فهو لبائعه إلا أن يدخله المشترى في صفقة البيع فيكون له بالشراء (قال) وكل هذا إذا عرف المشترى والبائع ما في شجر الارض من الثمر وفى أديم الارض من الزرع (قال) فإن كانت الارض غائبة عند البيع عن البائع والمشترى أو عن المشترى دون البائع فوجد في شجرها ثمرا قد أبرأ وزرعا قد طلع فالمشترى بالخيار إذا علم هذا إن كان قد رأى الارض قبل الشراء
ورضيها لان هذا عليه نقصا بانقطاع الثمرة عنه عامه ذلك وحبس شجره بالثمرة وشغل أرضه بالزرع وبالداخل فيها عليه إذا كانت له ثمرتها لانه ليس له أن يمنعه الدخول عليه في أرضه لتعاهد ثمرته ولا يمنع من يصلح له أرضه من عمل له فإن أحب أجاز البيع وإن أحب رده (قال) وإذا اشترى وهو عالم بما خرج من ثمرها فلا خيار له وإذا باع الرجل الرجل أرضا فيها حب قد بذره ولم يعلم المشترى فالحب كالزرع قد خرج من الارض لا يملكه المشترى لانه تحت الارض وما لم يملكه المشترى بالصفقة فهو للبائع وهو ينمى نماء الزرع فيقال للمشترى لك الخيار فإن شئت فأخر البيع ودع الحب حتى يبلغ فيحصد كما تدع الزرع وإن شئت فانقض البيع إذا كان يشغل أرضك ويدخل عليك فيهابه من ليس عليك دخوله إلا أن يشاء البائع أن يسلم الزرع للمشترى أو يقلعه عنه ويكون قلعه غير مضر بالارض فإن شاء ذلك لم يكن للمشترى خيار لانه قد زيد خيرا لان قال قائل كيف لم تجعل هذا كما لم يخرج من ثمر الشجر وولاد الجارية؟ قيل له إن شاء الله تعالى، أما ثمر الشجر فأمر لا صنعة فيه للادميين هو شئ يخلقه الله عزوجل كيف شاء، لا شئ استودعه الآدميون الشجر لم يكن فيها فأدخلوه فيها وما خرج منه في عامه خرج في أعوام بعده مثله لان خلقة الشجر كذلك والبذر ينثر في الارض إنما هو شئ يستودعه الآدميون الارض ويحصد فلا يعود إلا أن يعاد فيها غيره ولما رأيت ما كان مدفونا في الارض من ](3/45)
[ مال وحجارة وخشب غير مبنية كان للبائع لانه شئ وضعه في الارض غير الارض لم يجز أن يكون البذر في أن البائع يملكه إلا مثله لانه شئ وضعه البائع غير الارض فإن قال قائل كيف لا يخرج زرعه كما يخرج ما دفن في الارض من مال وخشب؟ قيل دفن تلك فيها ليخرجها كما دفنها لا لتنمى بالدفن وإذا مر بالمدفون من الحب وقت فلو أخرجه لم ينفعه لقلب الارض له وتلك لا تقلبها فأما ولد الجارية فشئ لا حكم له إلا حكم أمه ألا ترى أنها تعتق ولا يقصد قصده بعتق فيعتق وتباع ولا يباع فيملكه المشترى وأن حكمه في العتق والبيع حكم عضو منها وإن لم يسمه كان للمشترى الخيار لاختلاف الزرع في مقامه في الارض وإفساده إياها (قال) وإن كان البائع قد أعلم المشترى أن له في الارض التى باعه بذرا سماه لا يدخل في بيعه فاشترى على ذلك فلا خيار للمشترى وعليه أن يدعه حتى يصرم فإن كان
مما يثبت من الزرع تركه حتى يصرمه ثم كان للمشترى أصله ولم يكن للبائع قلعه ولا قطعه (قال) وإن عجل البائع فقلعه قبل بلوغ مثله لم يكن له أن يدعه ليستخلفه وهو كمن جد ثمرة غضة فليس له أن ينتظر أخرى حتى تبلغ لانه وإن لم يكن له مما خرج منه إلا مرة فتعجلها فلا يتحول حقه في غيرها بحال والقول في الزرع من الحنطة وغيرها مما لا يصرم إلا مرة أشبه أن يكون قياسا على الثمرة مرة واحدة في السنة إلا أنه يخالف الاصل فيكون الاصل مملوكا بما تملك به الارض ولا يكون هذا مملوكا بما تملك به الارض لانه ليس بثابت فيها (قال) وما كان من الشجر يثمر مرارا فهو كالاصل الثابت يملك بما تملك به الارض وإن باعه وقد صلح وقد ظهر ثمره فيه فثمره للبائع إلا أن يشترطها المبتاع كما يكون النخل الملقح (قال) وذلك مثل الكرسف إذا باعه وقد تشقق جوز كرسفه عنه فالثمرة للبائع كما تشقق الطلعة فيكون للبائع ذلك حين يلقح فإن باعه قبل أن يتشقق من جوز كرسفه شئ فالثمرة للمشترى وما كان من الشجر هكذا يتشقق ثمره ليصلح مثل النخل وما كان يبقى بحاله فإذا خرجت الثمرة فخروجه كتشقق الطلع وجوز الكرسف فهو للبائع إلا أن يشترط المشترى (قال) وما أثمر منه في السنة مرارا فبيع وفيه ثمرة فهى للبائع وحدها فإذا انقضت فما خرج بعدها مما لم تقع عليه صفقة البيع فللمشترى الاصل مع الارض وصنف من الثمرة فكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حتى لا ينفصل ما وقعت عليه صفقة البيع وهو في شجره فكان للبائع ما لم يقع عليه صفقة البيع وكان للمشترى ما حدث فإن اختلط ما اشترى بما لم يشتر ولم يتميز ففيها قولان أحدهما لا يجوز البيع فيه إلا بأن يسلم البائع للمشترى الثمرة كلها فيكون قد أوفاه حقه وزيادة أو يترك المشترى له هذه الثمرة فيكون قد ترك له حقه (قال) ومن أجاز هذا قال هذا كمن اشترى طعاما جزافا فألقى البائع فيه طعاما غيره ثم سلم البائع للمشترى جميع ما اشترى منه وزاده وما ألقاه في طعامه فلم يظلمه ولم ينقصه شيئا مما باعه وزاده الذى خلط وإن لم يعرف المبيع منه من غير المبيع قال في الوجه الذى يترك فيه المبتاع حقه هذا كرجل ابتاع من رجل طعاما جزافا فألقى المشترى فيه طعاما ثم أخذ البائع منه شيئا فرضى المشترى أن يأخذ ما بقى من الطعام بجميع الثمن ويترك له حقه فيما أخذ منه فان الصفقة وقعت صحيحة إلا أن فيها خيارا للمشترى فأجيزها ويكون للمشترى ترك ردها بخياره والقول الثاني أنه يفسد البيع من قبل أنه وإن وقع صحيحا
قد اختلط حتى لا يتميز الصحيح منه الذى وقعت عليه صفقة البيع مما لم تقع عليه صفقة البيع (قال) والقصب والقثاء وكل ما كان يصرم مرة بعد الاخرى من الاصول فللمشترى ملكه كما يملك النخل إذا اشترى الاصل وما خرج فيه من ثمرة مرة فتلك الثمرة للبائع وما بعدها للمشترى، فأما القصب فللبائع أول صرمة منه وما بقى بعدها للمشترى فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه وهكذا البقول كلها إذا ](3/46)
[ كانت في الارض فللبائع منها أول جزة وما بقى للمشترى وليس للبائع أن يقلعها من أصولها وإن كانت تجز جزة واحده ثم تنبت بعدها جزات فحكمها حكم الاصول تملك بما تملك به الاصول، من شراء رقبة الارض (قال) وما كان من نبات فإنما يكون مرة واحدة فهو كالزرع يترك حتى يبلغ ثم لصاحبه من نبات الارض مما لم ينبته الناس وكان ينبت على الماء فلصاحبه فيه ماله في الزرع، والاصل يأخذ ثمرة أول جزة منه إن كانت تنبت بعدها ويقلعه من أصله إن كان لا ينفع بعد جزة واحدة لا يختلف ذلك (قال) ولو باع رجل رجلا أرضا أو دارا فكان له فيها خشب مدفون أو حجارة مدفونة ليست بمبنية إن ملك الموضوع كله للبائع لا يملك المشترى منه شيئا إنما يملك الارض بما خلق في الارض من ماء وطين وما كان فيها من أصل ثابت من غرس أو بناء وما كان غير ثابت أو مستودع فيها فهو لبائعه، وعلى بائعه أن ينقله عنه (قال) فإن نقله عنه كان عليه تسوية الارض حتى تعود مستوية لا يدعها حفرا (قال) وإن ترك قلعه منه ثم أراد قلعه من الارض من زرعه لم يكن ذلك له حتى يحصد الزرع ثم يقلعه إن شاء، وإن كان له في الارض خشب أو حجارة مدفونة ثم غرس الارض على ذلك ثم باعه الاصل ثم لم يعلم المشترى بالحجارة التى فيها نظر، فإن كانت الحجارة أو الخشب تضر بالغراس وتمنع عروقه كان المشترى بالخيار في الاخذ أو الرد لان هذا عيب ينقص غرسه وإن كان لا ينقص الغراس ولا يمنع عروقه وكان البائع إذا أراد إخراج ذلك من الارض قطع من عروق الشجر ما يضر به قيل لبائع الارض أنت بالخيار بين أن تدع هذا وبين رد البيع، فإن أحب تركه للمشترى تم البيع وإن امتنع من ذلك قيل للمشترى لك الخيار بين أن يقلعه من الارض وما أفسد عليك من الشجر، فعليه قيمته إن كانت له قيمة، أورد البيع.
باب الوقت الذى يحل فيه بيع الثمار (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشترى (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قيل يا رسول الله وما تزهى؟ قال حتى تحمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت " إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقفى عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهو قيل وما تزهو؟ قال حتى تحمر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الرجال عن عمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ](3/47)
[ بيع الثمار حتى تذهب العاهة، قال عثمان فقلت لعبد الله متى ذاك؟ قال طلوع الثريا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبى معبد قال الربيع أظنه عن ابن عباس أنه كان يبيع الثمر من غلامه قبل أن يطعم، وكان لا يرى بينه وبين غلامه ربا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن جابر إن شاء الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال ابن جريج فقلت أخص جابر النخل أو الثمر؟ قال بل النخل ولا نرى كل ثمرة إلا مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن طاوس أنه سمع ابن عمر يقول لا يبتاع الثمر حتى يبدو صلاحه وسمعنا ابن عباس يقول لا تباع الثمرة حتى تطعم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن حميد بن
قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن بيع السنين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله وبهذا كله نقول، وفى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل، منها أن بدو صلاح الثمر الذى أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه أن يحمر أو يصفر ودلالة إذ قال " إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " أنه إنما نهى عن بيع الثمرة التي تترك حتى تبلغ غاية إبانها إلا أنه نهى عما يقطع منها وذلك أن ما يقطع منها لا آفة تأتى عليه تمنعه إنما منع ما يترك مدة تكون فيها الآفة والبلح وكل ما دون البسبر يحل بيعه ليقطع مكانه لانه خارج عما نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من البيوع داخل فيما أحل الله من البيع (قال) ولا يحل بيعه قبل أن يبدو صلاحه ليترك حتى يبلغ إبانه لانه داخل في المعنى الذى أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يباع حتى يبلغه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لا يباع حتى يؤكل من الرطب قليل أو كثير قال ابن جريج فقلت له أرأيت إن كان مع الرطب بلح كثير؟ قال نعم سمعنا إذا أكل منه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الحائط تكون فيه النخلة فتزهى فيؤكل منها قبل الحائط والحائط بلح قال حسبه إذا أكل منه فليبع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء وكل ثمرة كذلك لا تباع حتى يؤكل منها؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت من عنب أو رمان أو فرسك؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت له أرأيت إذا كان شئ من ذلك يخلص ويتحول قبل أن يؤكل منه أيبتاع قبل أن يؤكل منه؟ قال لا ولا شئ حتى يؤكل منه.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال كل شئ تنبته الارض مما يؤكل من خربز أو قتاء أو بقل لا يباع حتى يؤكل منه كهيئة النخل قال سعيد إنما يباع البقل صرمة صرمة (قال الشافعي) والسنة يكتفى بها من كل ما ذكر معها غيرها فإذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر إلى أن يخرج من أن يكون غضا كله فأذن فيه إذا صار منه أحمر أو أصفر فقد أذن فيه إذا بدا فيه النضج واستطيع أكله خارجا من أن يكون كله بلحا وصار عامته منه وتلك الحال التى ان يشتد اشتدادا يمنع في الظاهر من العاهة لغلظ نواته في عامه وإن لم يبلغ
ذلك منه مبلغ الشدة وإن لم يبلغ هذا الحد فكل ثمرة من أصل فهى مثله لا تخالفه إذا خرجت ثمرة واحدة يرى معها كثمرة النخل يبلغ أولها أن يرى فيه أول النضج حل بيع تلك الثمرة كلها وسواء كل ثمرة من أصل يثبت أو لا يثبت لانها في معنى ثمر النخل إذا كانت كما وصفت تنبت فيراها المشترى ثم لا ينبت بعدها في ذلك الوقت شئ لم يكن ظهر وكانت ظاهرة لا كمام دونها تمنعها من أن ترى كثمرة ](3/48)
[ النخلة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء فما لا يؤكل منه الحناء والكرسف والقضب؟ قال نعم لا يباع حتى يبدو صلاحه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء القضب يباع منه؟ قال لا إلا كل صرمة عند صلاحها فإنه لا يدرى لعله تصيبه في الصرمة الاخرى عاهة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء فقال الكرسف يجنى في السنة مرتين؟ فقال لا إلا عند كل إجناءة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن زيادا أخبره عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول في الكرسف تبيعه فلقة واحدة قال يقول فلقة واحدة إجناءة واحدة إذا فتح قال ابن جريج وقال زياد والذى قلنا عليه إذا فتح الجوز بيع ولم يبع ما سواه قال تلك إجناءة واحدة إذا فتح (قال الشافعي) ما قال عطاء وطاوس من هذا كما قالا إن شاء الله تعالى وهو معنى السنة والله تعالى أعلم فكل ثمرة تباع من المأكول إذا أكل منها وكل ما لم يؤكل فإذا بلغ أن يصلح أن ينزع بيع، قال وكل ما قطع من أصله مثل القضب فهو كذلك لا يصلح أن يباع إلا جزة عند صرامة وكذلك كل ما يقطع من أصله لا يجوز أن يباع إلا عند قطعه لا يؤخره عن ذلك، وذلك مثل القضب والبقول والرياحين والقصل وما أشبهه، وتفتيح الكرسف أن تنشق عنه قشرته حتى يظهر الكرسف ولا يكون له كمام تستره وهو عندي يدل على معنى ترك تجويز ما كان له كمام تستره من الثمرة، فإن قيل كيف قلت لا يجوز أن يباع القضب إلا عند صرامه؟ فصرامه بدو صلاحه قال فإن قيل فقد يترك الثمر بعد أن يبدو صلاحه قيل الثمرة تخالفه في هذا الموضع فيكون الثمن إذا بدا صلاحه لا يخرج منه شئ من أصل شجرته لم يكن خرج إنما يتزايد في النضج والقضب إذا ترك خرج منه شئ يتميز من أصل شجرته لم
يقع عليه البيع ولم يكن ظاهرا يرى، وإذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها وهي ترى كان بيع ما لم ير ولم يبد صلاحه أحرم لانه يزيد عليها أن لا يرى وإن لم يبد صلاحه فيكون المشترى اشترى قضبا طوله ذراع أو أكثر فيدعه فيطول ذراعا مثله أو أكثر فيصير المشترى أخذ مثل ما اشترى مما لم يخرج من الارض بعد ومما إذا خرج لم تقع عليه صفقة البيع وإذا ترك كان للمشترى منه ما ينفعه وليس في الثمرة شئ إذا أخذت غضة (قال) وإذا أبطلنا البيع في القضب على ما وصفنا كان أن يباع القضب سنة أو أقل أو أكثر أو صرمتين أبطل لان ذلك بيع ما لم يخلق ومثل بيع جنين الامة وبيع النخل معاومة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعن أن يجوز منه من الثمرة ثمرة قد رؤيت إذا لم تصر إلى أن تنجو من العاهة (قال) فأما بيع الخربز إذا بدا صلاحه فللخربز نضج كنضج الرطب فإذا رؤى ذلك فيه جاز بيع خربزه في تلك الحال وأما القثاء فيؤكل صغارا طيبا فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ثم يترك حتى تتلاحق صغاره إن شاء مشتريه كما يترك الخربز حتى تنضج صغاره إن شاء مشتريه ويأخذه واحدا بعد واحد كما يأخذ الرطب ولا وجه لقول من قال لا يباع الخربز ولا القثاء حتى يبدو صلاحهما ويجوز إذا بدا صلاحهما أن يشتريهما فيكون لصاحبهما ما ينبت أصلهما يأخذ كل ما خرج منهما فإن دخلهما آفة بشئ يبلغ الثلث وضع عن المشترى (قال) وهذا عندي والله تعالى أعلم من الوجوه التى لم أكن أحسب أحدا يغلط إلى مثلها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها لئلا تصيبها العاهة فكيف لا ينهى عن بيع ما لم يخلق قط وما تأتى العاهة على شجره وعليه في أول خروجه وهذا محرم من مواضع من هذا ومن بيع السنين ومن بيع ما لم يملك وتضمين صاحبه وغير وجه فكيف لا يحل مبتدأ بيع القثاء والخربز حتى يبدو صلاحهما ](3/49)
[ كما لا يحل بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وقد ظهرا ورئيا ويحل بيع ما لم ير منهما قط ولا يدرى يكون أم لا يكون ولا إن كان كيف يكون ولا كم ينبت أيجوز أن يشترى ثمر النخل قد بدأ صلاحه ثلاث سنين فيكون له فإن كان لا يجوز إلا عند كل ثمرة وبعد أن يبدو وصلاحها لم يجز في القثاء والخربز إلا ذلك وليس حمل القثاء مرة يحل بيع حمله ثانية ولم يكن حمله بعد ولحمل النخل أولى أن لا يخلف في
المواضع التى لا تعطش وأقرب من حمل القثاء الذى إنما أصله بقلة يأكلها الدود ويفسدها السمسوم والبرد وتأكلها الماشية ويختلف حملها ولو جاز هذا جاز شراء أولاد الغنم وكل أنثى وكان إذا اشترى ولد شاة قد رآه جاز أن يشترى ولدها ثانية ولم يره وهذا لا يجوز أو رأيت إذا جنى القثاء أول مرة ألف قثاء وثانية خمسمائة وثالثة ألفا ثم انقطع أصله كيف تقدر الجائحة فيما لم يخلق بعد؟ أعلى ثلث اجتنائه مثل الاول أو أقل بكم؟ أو أكثر بكم؟ أو رأيت إذا اختلف نباته كان ينبت في بلد أكثر منه في بلد وفى بلد واحد مرة أكثر منه في بلد مرارا كيف تقدر الجائحة فيه؟ وكيف إن جعلنا لمن اشتراه كثير حمله مرة أيلزمه قليل حمله في أخرى إن كان حمله يختلف؟ وقد يدخله الماء فيبلغ حمله أضعاف ما كان قبله ويخطئه فيقل عما كان يعرف ويتباين في حمله تباينا بعيدا؟ قال في القياس ان يلزمه ما ظهر ولا يكون له أن يرجع بشئ قلت أفتقوله؟ قال: نعم أقوله قلت وكذلك تقول لو اشتريت صدفا فيه اللؤلؤ بدنانير فإن وجدت فيه لؤلؤة فهى لك وإن لم تجد فالبيع لازم؟ قال نعم هكذا أقول في كل مخلوق إذا اشتريت ظاهره على ما خلق فيه وإن لم يكن فيه فلا شئ لى قلت وهكذا إن باعه هذا السنبل في التبن حصيدا؟ قال نعم والسنبل حيث كان قلت وهكذا إذا اشترى منه بيضا ورائجا اشترى ذلك بما فيه فإن كان فاسدا أو جيدا فهو له؟ قال لا أقوله قلت إذا تترك أصل قولك قال فإن قلت اجعل له الخيار في السنبل من العيب؟ قال قلت والعيب يكون فيما وصفت قبله وفيه (قال) فإن قلت أجعل له الخيار قلت فإذا يكون لمن اشترى السنبل ابدا الخيار لانه لا يعرف فيه خفة الحمل من كثرته ولا يصل إلى ذلك إلا بمؤنة لها إجارة فإن كانت الاجارة على كانت على في بيع لم يوفنيه وإن كانت على صاحبي كانت عليه ولى الخيار إذا رأيت الخفة في أخذه وتركه لانى ابتعت ما لم أر ولا يجوز له أبدا بيعه في سنبله كما وصفت (قال) فقال بعض من حضره ممن وافقه قد غلطت في هذا وقولك في هذا خطأ قال ومن أين؟ قال أرأيت من اشترى السنبل بألف دينار أتراه أراد كمامه التى لا تسوى دينارا كلها؟ قال فنقول أراد ماذا؟ قال أقول أراد الحب قال فنقول لك أراد مغيبا؟ قال نعم قال فنقول لك أفله الخيار إذا رآه؟ قال نعم قال فنقول لك فعلى من حصاده ودراسه؟ قال على المشترى قال فنقول لك فإن اختار رده أيرجع بشئ من الحصاد والدراس؟ قال لا وله رده من عيب وغير عيب قال فنقول لك فإن
أصابته آفة تهلكه قبل يحصده؟ قال فيكون من المشترى لانه جزاف متى شاء أخذه كما يبتاع الطعام جزافا فإن خلاه وإياه فهلك كان منه (قال الشافعي) فقلت له أراك حكمت بأن لمبتاعه الخيار كما يكون له الخيار إذا ابتاع بزا في عدل لم يره وجارية في بيت لم يرها أرأيت لو احترق العدل أو ماتت الجارية وقد خلى بينه وبينها أيكون عليه الثمن أو القيمة؟ قال فلا أقوله وأرجع فازعم أنه من البائع حتى يراه المشترى ويرضاه قال فقلت له فعلى من مؤنته حتى يراه المشترى؟ قلت أرأيت إن اشترى مغيبا أليس عليه عندك أن يظهره؟ قال بلى قلت أفهذا عدل مغيب؟ قال فإن قلته؟ قلت أفتجعل ما لا مؤنة فيه من قمح في غرارة أو بزفى عدل وإحضار عبد غائب كمثل ما فيه مؤنة الحصاد والدراس؟ قال لعلى أقوله قلت فاجعله كهو قال غيره منهم ليس كهو وإنما أجزناه بالاثر قلت وما الاثر؟ قال يروى عن النبي ](3/50)
[ صلى الله عليه وسلم قلت أيثبت قال لا وليس فيما لم يثبت حجة قال ولكنا نثبته عن أنس بن مالك قلنا وهو عن أنس بن مالك ليس كما تريد ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون كبيع الاعيان المغيبة يكون له الخيار إذا رآها قال وكل ثمرة كانت ينبت؟ منها الشئ فلا يجنى حتى ينبت منها شئ آخر قبل أن يؤتى على الاول لم يجز بيعها أبدا إذا لم يتميز من النبات الاول الذي وقعت عليه صفقة البيع بأن يؤخذ قبل أن يختلط بغيره مما لم يقع عليه صفقة البيع وكل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو كمام، وكانت إذا صارت إلى مالكيها أخرجوها من قشرتها وكمامها بلا فساد عليها إذا أخرجوها فالذي اختار فيها أن لا يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعة للحائل دونها فإن قال قائل وما حجة من أبطل البيع فيه؟ قيل له إن شاء الله تعالى الحجة فيه أنى لا أعلم أحدا يجيز أن يشترى رجل لحم شاة وإن ذبحت إذا كان عليها جلدها من قبل ما تغيب منه وتغيب الكمام الحب المتفرق الذى بينه حائل من حب الحنطة والفول والدخن وكل ما كان في قرن منه حب وبينه شئ حائل من الحب أكثر من تغييب الجلد اللحم وذلك أن تغيب الجلد اللحم إنما يجئ عن بعض عجفه وقد يكون للشاة مجسة تدل على سمانتها وعجفها ولكنها مجسة لا عيان ولا مجسة للحب في أكمامه تدل على امتلائه وضمره وذلك فيه كالسمانة والعجف ولا على عينه بالسواد والصفرة في أكمامه وهذا قد يكون في الحب ولا يكون هذا في لحم الشاة لان
الحياة التي فيها حائلة دون تغير اللحم بما يحيله كما تحول الحبة عن البياض إلى السواد بآفة في كمامها، وقد يكون الكمام يحمل الكثير من الحب والقليل ويكون في البيت من بيوت القرن الحبة ولا حبة في الآخر الذى يليه وهما يريان لا يفرق بينهما ويختلف حبه بالضمرة والامتلاء والتغير فيكون كل واحد من المتبايعين قد تبايعا بما لا يعرفان (قال الشافعي) ولم أجد من أمر أهل العلم أن يأخذوا عشر الحنطة في أكمامها ولا عشر الحبوب ذوات الاكمام في أكمامها ولم أجدهم يجيزون أن يتبايعوا الحنطة بالحنطة في سنبلها كيلا ولا وزنا لاختلاف الاكمام والحب فيها فإذا امتنعوا من أخذ عشرها في أكمامها وإنما العشر مقاسمة عمن جعل له العشر وحق صاحب الزرع بهذا المعنى وامتنعوا من قسمتها بين أهلها في سنبلها أشبه أن يمتنعوا به في البيع ولم أجدهم يجيزون بيع المسك في أوعيته ولا بيع الحب في الجرب والغرائر ولا جعلوا لصاحبه خيار الرؤية ولم ير الحب ولو أجازوه جزافا فالغرائر لا تحول دونه كمثل ما يحول دونه أكمامه ويجعلون لمن اشتراه الخيار إذا رآه ومن أجاز بيع الحب في أكمامه لم يجعل له الخيار إلا من عيب ولم أرهم أجازوا بيع الحنطة في التبن محصودة ومن أجاز بيعها قائمة انبغى أن يجيز بيعها في التبن محصودة ومدروسة غير منقاة، وانبغى أن يجيز بيع حنطة وتبن في غرارة فإن قال لا تتميز الحنطة فتعرف من التبن فكذلك لا تتميز قائمة فتعرف في سنبلها فإن قال فأجيز بيع الحنطة في سنبلها وزرعها لانه يملك الحنطة وتبنها وسنبلها لزمه أن يجز بيع حنطة في تبنها وحنطة في تراب واشباه هذا (قال الشافعي) وجدت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة حمل النخل بخرص لظهوره ولا حائل دونه ولم أحفظ عنه ولا عن أحد من أهل العلم أن شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته بخرص ولو احتاج إليه أهله رطبا لانه لا يدرك علمه كما يدرك علم ثمرة النخل والعنب مع أشياء شبيهة بهذا (قال) وبيع التمر فيه النوى جائز من قبل أن المشترى المأكول من التمر ظاهر وأن النواة تنفع وليس من شأن أحد أن يخرج النوى من التمر وذلك أن التمرة إذا جنيت منزوعة النوى تغيرت بالسناخ والضمر ففتحت فتحا ينقص لونها وأسرع إليها الفساد ولا يشبه الجوز والرطب من الفاكهة الميبسة وذلك أنها إذا رفعت في قشورها ففيها رطوبتان رطوبة النبات التى تكون قبل البلوغ ورطوبة لا تزايلها من لين الطباع لا يمسك تلك ](3/51)
[ الرطوبة عليها إلا قشورها فإذا زايلتها قشورها دخلها أليبس والفساد بالطعم والريح وقلة البقاء وليس تطرح تلك القشور عنها إلا عند استعمالها بالاكل وإخراج الدهن وتعجيل المنافع ولم اجدها كالبيض الذى إن طرحت قشرته ذهب وفسد ولا إن طرحت وهى منضج لم تفسد والناس إنما يرفعون هذا لانفسهم في قشرة والتمر فيه نواه لانه لا صلاح له إلا به وكذلك يتبايعونه وليس يرفعون الحنطة والحبوب في أكمامها ولا كذلك يتبايعونه في أسواقهم ولا قراهم وليس بفساد على الحبوب طرح قشورها عنها كما يكون فسادا على التمر إخراج نواه والجوز واللوز والرانج وما أشبهه يسرع تغيره وفساده إذا ألقى ذلك عنه وادخر وعلى الجوز قشرتان قشرة فوق القشرة التى يرفعها الناس عليه، ولا يجوز بيعه وعليه القشرة العليا ويجوز وعليه القشرة التى إنما يرفع وهى عليه لانه يصلح بغير العليا ولا يصلح بدون السفلى، وكذلك الرانج وكل ما كانت عليه قشرتان، وقد قال غيرى يجوز بيع كل شئ من هذا إذا يبس في سنبله، ويروى فيه عن ابن سيرين أنه أجازه وروى فيه شيئا لا يثبت مثله عمن هو اعلى من ابن سيرين ولو ثبت اتبعناه ولكنا لم نعرفه ثبت والله تعالى أعلم ولم يجز في القياس إلا إبطاله كله والله تعالى أعلم قال ويجوز بيع الجوز واللوز والرانج وكل ذى قشرة يدخره الناس بقشرته مما إذا طرحت عنه القشرة ذهبت رطوبته وتغير طعمه ويسرع الفساد إليه مثل البيض والموز في قشوره فإن قال قائل ما فرق بين ما أجزت في قشوره وما لم تجز منه؟ قيل له إن شاء الله تعالى إن هذا لا صلاح له مدخورا إلا بقشرة ولو طرحت عنه قشرته لم يصلح أن يدخر وإنما يطرح الناس عنه قشرته عندما يريدون أكله أو عصر ما عصر منه وليست تجمع قشرته إلا واحدة منه أو توأما لواحد وأن ما على الحب من الاكمام يجمع الحب الكثير تكون الحبة والحبتان منها في كمام غير كمام صاحبتها فتكون الكمام منها ترى ولا حب فيها والاخرى ترى وفيها الحب ثم يكون مختلفا أو يدق عن أن يكون تضبط معرفته كما تضبط معرفة البيضة التي تكون مل ء قشرتها والجوزة التى تكون مل ء قشرتها واللوزة التى قلما تفصل من قشرتها لامتلائها وهذا إنما يكون فساده بتغير طعمه أو بأن يكون لا شئ فيه وإذا كان هكذا رد مشتريه بما كان فاسدا منه على بيعه وكان ما فسد منه يضبط والحنطة قد تفسد بما وصفت ويكون لها فساد بأن تكون مستحشفة ولو قلت أرده بهذا لم أضبطه ولم أخلص بعض الحنطة من بعض لانها إنما تكون مختلطة وليس من هذا
واحد يعرف فساده إلا وحده فيرد مكانه ولا يعرف فساد حب الحنطة إلا مختلفا وإذا اختلط خفى عليك كثير من الحب الفاسد فأجزت عليه بيع ما لم ير وما يدخله ما وصفت (1) ]
__________
(1) وفي اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله في أثناء باب البيع على البرنامج (أخبرنا الربيع) قال سألت الشافعي عن بيع الثمر حين يبدو صلاحه فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه نهى البائع والمشترى (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وفيه دلائل بينة منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال وصلاحه أن ترى فيه الحمرة أو الصفرة لان الآفة قد تأتى عليه أو على بعضه قبل بلوغه أو يجد بسرا وهو في الحال التى نهى عنها ظاهر يراه البائع والمشترى كما كانا يريانه إذا ريئت فيه الحمرة بما وصفنا من معنى أن الآفة ربما كانت فقطعته أو نقصته كانت كل ثمرة مثله لا يحل أن تباع أبدا حتى تزهى وينضج منها ذلك وإذا قلنا وقد قلتم بالجملة وقلنا لا يحل بيع القثاء ولا الخربز وإن ظهر وعظم حتى يرى فيه النضج (قال الشافعي) وقلنا فإذا لم يحل بيع القثاء والخربز حتى يرى فيه النضج كان بيع ما لم يخرج من القثاء والخربز أحرم لانه لم يبد صلاحه ولم يخلق ولا يدرى لعله لا يكون فقلت للشافعي رحمه الله فنحن نقول إذا طاب شئ من القثاء حل أن تباع ثمرته تلك وما خلق من القثاء ما نبت أصله =(3/52)
[ باب الخلاف في بيع الزرع قائما (قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا في بيع الحنطة في سنبلها وما كان في معناها بعض الناس جتمعوا على إجازتها وتفرقوا في الحبوب في بعض ما سألناهم عنه من العلة في إجازتها فقلت لبعضهم أتجيزها على ما أجزت عليه بيع الحنطة القائمة على الموضع الذى اشتريتها فيه أو حاضرة ذلك الموضع غائبة عن نظر المشترى بغرارة أو جراب أو وعاء ما كان أو طبق؟ قال لا وذلك أنى لو أجزتها لذلك المعنى جعلت له الخيار إذا رآها قلت فبأى معنى أجزتها؟ قال بأنه ملك السنبلة فله ما كان مخلوقا فيها إن كان فيها خلق ما كان الخلق وبأى حال معيبا وغير معيب كما يملك الجارية فيكون له ولدان كان فيها وكانت ذات ولد أو لم تكن أو كان ناقصا أو معيبا لم أرده بشئ ولم أجعل له خيارا، فقلت له أما ذوات الاولاد فمقصود بالبيع قصد أبدانهن يشترين للمنافع بهن وما وصفت في أولادهن كما وصفت وفى الشجر كما وصفت أفى السنبلة شئ يشترى غير المغيب فيكون المغيب لا حكم له كالولد وذات
الولد والثمرة في الشجرة أم لا؟ قال وما تعنى بهذا؟ قلت أرأيت إذا اشتريت ذات ولد أليس إنما تقع الصفقة عليها دون ولدها؟ فكذلك ذات حمل من الشجر فإن أثمرت أو ولدت الامة كان لك بأنه لا حكم له إلا حكم أمه، ولا للثمر إلا حكم شجرة ولا حصة لواحد منهما من الثمن وإن لم يكونا لم ينقص الثمن وإن كان مثمرا كثيرا وسالما أو لم يكن أو معيبا فللمشترى أفهكذا الحنطة عندك في أكمامها؟ قال فإن قلت نعم؟ قلت فما المبيع؟ قال فإن قلت ما ترى؟ قلت فإن لم أجد فيما أرى شيئا قال يلزمنى أن أقول يلزمه كالجارية إذا لم يكن في بطنها ولد وليس كهى لان المشترى الامة لا حملها والمشترى الحب لا كمامه فهما مختلفان هنا ومخالف للجوز وما أشبه لان ادخار الحب بعد خروجه من أكمامه وادخار اللوز وشبهه بقشره فهذا يدخله ما وصفت وليس يقاس بشئ من هذا ولكنا اتبعنا الاثر، قلت: لو صح لكنا أتبع له.
]
__________
= (قال الشافعي) رحمه الله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فلم أجزتم بيع شئ لم يخلق بعد ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين وبيع السنين وقع الثمن (1) أنه يجوز في النخل إذا طابت العام أن يباع ثمرته قابلا فقد خالفتم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الوجهين وإن زعمتم أن بيع الثمرة لم تأت لا يحل فكذلك كان ينبغى أن تقولوا في القثاء والخربز (سألت الشافعي رحمه الله) عن القثاء والخربز والفجل يشترى أيكون لمشتريه أن يبيعه قبل أن يقبضه؟ فقال لا، ولا يباع شئ منه بشئ منه متفاضلا يدا بيد قلت وما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر (2) فقلت للشافعي فإنا نقول كما قلت لا يباع حتى يقبض ولا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة (قال الشافعي) هذا خلاف السنة في بعض القول قلت ومن أين؟ قال زعمتم أنه لا يباع حتى يقبض وزعمتم أنه لا يباع بعضها ببعض نسيئة وهذا في حكم الطعام من التمر والحنطة ثم زعمتم أنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد وهذا خلاف حكم الطعام وهذا قول لا يقبل من أحد من الناس أما أن تكون خارجة من الطعام فلا بأس عندكم أن تباع قبل أن تقبض ويباع منها واحد بعشرة من صنفه نسيئة أو تكون طعاما فلا يجوز الفضل في الصنف منها على الآخر من صنفه يدا بيد.
(1) قوله: وقع الثمن أنه يجوز الخ كذا بالاصل، وحرره اه مصححه.
(2) لم يذكر متن الحديث في الاصل الذى بيدنا، فحرره اه مصححه.(3/53)
[ باب بيع العرايا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع التمر بالتمر قال عبد الله وحدثنا زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن إسمعيل الشيباني أو غيره قال بعت ما في رؤوس نخلى بمائة وسق إن زاد فلهم وإن نقص فعليهم فسألت ابن عمر فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا إلا أنه أرخص في بيع العرايا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله تعالى وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرسها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن دواد بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد بن أبى هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أو سق أو في خمسة أوسق، شك دواد قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق (قال الشافعي) وقيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه؟ قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الانصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذى في أيديهم يأكلونها رطبا (قال) وحديث سفيان يدل على مثل هذا الحديث (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال سمعت سهل بن أبى حثمة يقول نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه سلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا (قال الشافعي) والاحاديث قبله تدل عليه إذا كانت العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر وهو منهى عنه في المزابنة وخارجة من أن يباع مثلا بمثل بالكيل فكانت
داخلة في معان منهى عنها كلها خارجة منه منفردة بخلاف حكمه إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه والمعقول فيها أن يكون أذن لمن لا يحل له أن يبتاع بتمر من النخل ما يستجنيه رطبا كما يبتاعه بالدنانير والدراهم فيدخل في معنى الحلال أو يزايل معنى الحرام وقوله صلى الله عليه وسلم يأكلها أهلها رطبا خبر أن مبتاع العرية يبتاعها ليأكلها يدل على أنه لا رطب له في موضعها يأكله غيرها ولو كان صاحب الحائط هو المرخص له أن يبتاع العرية ليأكلها كان له حائطه معها أكثر من العرايا فأكل من حائطه ولم يكن عليه ضرر إلى أن يبتاع العرية التى هي داخلة في معنى ما وصفت من النهى (قال) ولا يبتاع الذى يشترى العرية بالتمر العرية إلا بأن تخرص العرية كما تخرص للعشر فيقال فيها الآن وهى رطب كذا وإذا تيبس كان كذا ويدفع من التمر مكيلة حرزها تمرا يؤدي ذلك إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل دفعه فسد البيع وذلك أنه يكون حينئذ تمر بتمر أحدهما غائب والآخر حاضر وهذا محرم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أكثر فقهاء المسلمين (قال) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تباع العرايا إلا في خمسة أوسق أو دونها دلالة على ما وصفت من أنه إنما رخص فيها لمن لا تحل له وذلك أنه لو كان كالبيوع غيره كان بيع خمسة ودونها ](3/54)
[ وأكثر منها سواء ولكنه أرخص له فيه بما يكون مأكولا على التوسع له ولعياله ومنع ما هو أكثر منه ولو كان صاحب الحائط المرخص له خاصة لاذى الداخل عليه الذى أعراه وكان إنما أرخص له لتنحية الاذى كان أذى الداخل عليه في أكثر من خمسة أوسق مثل أو أكثر من أذاه فيما دون خمسة أوسق فإذا حظر عليه أن يشترى إلا خمسة أوسق لزمه الاذى إذا كان قد أعرى أكثر من خمسة أوسق (قال) فمعنى السنة والذى أحفظ عن أكثر من لقيت ممن أجاز بيع العرايا أنها جائزة لمن ابتاعها ممن لا يحل له في موضعها مثلها يخرصها تمرا وأنه لا يجوز البيع فيها حتى يقبض النخلة بثمرها ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله (قال) ولا يصلح أن يبيعها بجزاف من التمر لانه جنس لا يجوز في بعضه ببعض الجزاف وإذا بيعت العرية بشئ من المأكول أو المشروب غير التمر فلا بأس أن يباع جزافا ولا يجوز بيعها حتى يتقابضا قبل أن يتفرقا وهو حينئذ مثل بيع التمر بالحنطة والحنطة بالذرة ولا يجوز أن يبيع صاحب العرية من
العرايا إلا خمسة أوسق أو دونها وأحب إلى أن يكون المبيع دونها لانه ليس في النفس منه شئ (قال) وإذا ابتاع خمسة أوسق لم أفسخ البيع ولم أقسط له وان ابتاع أكثر من خمسه أوسق فسخت العقدة كلها لانها وقعت على ما يجوز وما لا يجوز (قال) ولا بأس أن يبيع صاحب الحائط من غير واحد عرايا كلهم يبتاعون دون خمسة أوسق لان كل واحد منهم لم يحرم على الافتراق للترخيص له أن يبتاع هذه المكيلة وإذا حل ذلك لكل واحد منهم لم يحرم على رب الحائط أن يبيع ماله وكان حلالا لمن ابتاعه ولو أتى ذلك على جميع حائطه (قال) والعرايا من العنب كهى من التمر لا يختلفان لانهما يخرصان معا (قال) وكل ثمرة ظاهرة من أصل ثابت مثل الفرسك والمشمش والكمثرى والاجاص ونحو ذلك مخالفة للتمر والعنب لانها لا تخرص لتفرق ثمارها والحائل من الورق دونها وأحب إلى أن لا تجوز بما وصفت ولو قال رجل هي وإن لم تخرص فقد رخص منها فيما حرم من غيرها أن يباع بالتحرى فأجيزه كان مذهبا والله أعلم (قال) فإذا بيعت العرايا بمكيل أو موزون من المأكول أو المشروب لم يجز أن يتفرقا حتى يتقابضا والمعدود من المأكول والمشروب عندي بمنزلة المكيل والموزون لانه مأكول وموزون يحل وزنه أو كيله وموجود من يزنه ويكيله وإذا بيعت بعرض من العروض موصوف بمثل ثوب من جنس يذرع وخشبة من جنس يذرع وحديد موصوف يوزن وصفر وكل ما عدا المأكول والمشروب مما تقع عليه الصفقة من ذهب أو ورق أو حيوان وقبض المشترى العرية وسمى أجلا للثمن كان حلالا والبيع جائز فيها كهو في طعام موضوع ابتيع بعرض وقبض الطعام ولم يقبض العرض إما كان حالا فكان لصاحبه قبضه من بيعه متى شاء وإما كان إلى أجل فكان له قبضه منه عند انقضاء مدة الاجل (قال) ولا تباع العرايا بشئ من صنفه جزافا لاتباع عرية النخل بتمره جزافا ولا بتمر نخلة مثلها ولا أكثر لان هذا محرم إلا كيلا بكيل إلا العرايا خاصة لان الخرص فيها يقوم مقام الكيل بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويباع تمر نخلة جزافا بثمر عنبة وشجرة غيرها جزافا لانه لا بأس بالفضل في بعض هذا على بعض موضوعا بالارض والذى أذهب إليه أن لا بأس أن يبتاغ الرجل العرايا فيما دون خمسة أوسق وإن كان موسرا لان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أحلها فلم يتسثن فيها أنها تحل لاحد دون أحد وإن كان سببها بما وصفت فالخبر عنه صلى الله عليه وسلم جاء بإطلاق إحلالها ولم يحظره على أحد فنقول يحل
لك ولمن كان مثلك كما قال في الضحية بالجذعة تجزيك ولا تجزى غيرك وكما حرم الله عزوجل الميتة فلم يرخص فيها إلا للمضطر وهى بالمسح على الخفين أشبه إذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا فلم يحرم على مقيم أن يمسح، وكثير من الفرائض قد نزلت بأسباب قوم فكان لهم وللناس عامة إلا ما بين ](3/55)
[ الله عزوجل أنه أحل لمعنى ضرورة أو خاصة (قال) ولا بأس إذا اشترى رجل عرية أن يطعم منها ويبيع لانه قد ملك ثمرتها ولا بأس أن يشتريها في الموضع من له حائط بذلك الموضع لموافقة ثمرتها أو فضلها أو قربها لان الاحلال عام لا خاص إلا أن يخص بخبر لازم (قال) وإن حل لصاحب العرية شراؤها حل له هبتها وإطعامها وبيعها وادخارها وما يحل له من المال في ماله وذلك أنك إذا ملكت حلالا حل لك هذا كله فيه وأنت ملكت العرية حلالا (قال) والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذى وصفنا أحدها وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملته من واحد والصنف الثاني أن يخص رب الحائط القوم فيعطى الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر عرية يأكلها وهذه في معنى المنحة من الغنم يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين أو أكثر ليشرب لبنها وينتفع به وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله لانه قد ملكه (قال) والصنف الثالث من العرايا أن يعرى الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقى من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة (قال الشافعي) رحمه الله وقد روى أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لاهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ولا يخرصه ليأخذ زكاته، وقيل قياسا على ذلك أنه يدع ما أعرى للمساكين منها فلا يخرصه وهذا موضوع بتفسيره في كتاب الخرص.
باب العرية (قال الشافعي) رحمه الله والعرية التى رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعها أن قوما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ما يشترون به من ذهب ولا ورق وعندهم فضول تمر من قوت سنتهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العربة
بخرصها تمرا يأكلونها رطبا ولا تشترى بخرصها إلا كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرص رطبا فيقال مكيلته كذا وينقص كذا إذا صار تمرا فيشتريها المشترى لها بمثل كيل ذلك التمر ويدفعه إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فالبيع فاسد ولا يشترى من العرايا إلا أقل من خمسة أوسق بشئ ما كان فإذا كان أقل من خمسة أوسق جاز البيع وسواء الغنى والفقير في شراء العرايا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيع الرطب بالتمر والمزابنة والعرايا تدخل في جملة اللفظ لانها جزاف بكيل وتمر برطب استدللنا على أن العرايا ليست مما نهى عنه غنى ولا فقير ولكن كان كلامه فيها جملة عام المخرج يريد به الخاص وكما نهى عن صلاة بعد الصبح والعصر وكان عام المخرج ولما أذن في الصلاة للطواف في ساعات الليل والنهار وامر من نسى صلاة أن يصليها إذا ذكرها، فاستدللنا على أن نهيه ذلك العام إنما هو على الخاص، والخاص أن يكون نهى عن أن يتطوع الرجل فأما كل صلاة لزمته فلم ينه عنه وكما قال " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " وقضى بالقسامة وقضى باليمين مع الشاهد فاستدللنا على أنه إنما أراد بجملة المدعى والمدعى عليه خاصا وأن اليمين مع الشاهد والقسامة ](3/56)
[ استثناء مما أراد لان المدعى في القسامة يحلف بلا بينة والمدع مع الشاهد يحلف ويستوجبان حقوقهما والحاجة في العرية والبيع وغيرهما سواء (قال الشافعي) ولا تكون العرايا إلا في النخل والعنب لانه لا يضبط خرص شئ غيره ولا بأس أن يبيع ثمر حائطه كله عرايا إذا كان لا يبيع واحدا منهم إلا أقل من خمسة أوسق.
باب الجائحة في الثمرة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح (قال الشافعي) سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثير في طول مجالستي له لا أحصى مما سمعته يحدثه من كثرته لا يذكر فيه أمر بوضع الجوائح لا يزيد على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين ثم زاد بعد ذلك وأمر بوضع الحوائج (قال الشافعي) قال سفيان وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلاما
قبل وضع الحوائج لا أحفظه فكنت أكف عن ذكر وضع الجوائح لانى لا أدرى كيف كان الكلام وفى الحديث أمر بوضع الجوائح (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وأقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب المال، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: هو له (قال الشافعي) قال سفيان في حديثه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضع الجوائح ما حكيت فقد يجوز أن يكون الكلام الذى لم يحفظه سفيان من حديث محمد يدل على أن أمره بوضعها على مثل أمره بالصلح على النصف وعلى مثل أمره بالصدقة تطوعا حضا على الخير لا حتما وما أشبه ذلك ويجوز غيره فلما احتمل الحديث المعنيين معا ولم يكن فيه دلالة على أيهما أولى به لم يجز عندنا أن نحكم والله أعلم على الناس بوضع ما وجب لهم بلا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بوضعه (قال الشافعي): وحديث مالك عن عمرة مرسل وأهل الحديث، ونحن لا نثبت مرسلا (قال الشافعي) ولو ثبت حديث عمرة كانت فيه والله تعالى أعلم دلالة على أن لا توضع الجائحة لقولها قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا ولو كان الحكم عليه أن يضع الجائحة لكان أشبه أن يقول ذلك لازم له حلف أو لم يحلف وذلك أن كل من كان عليه حق قيل هذا يلزمك أن تؤديه إذا امتنعت من حق فأخذ منك بكل حال (قال) وإذا اشترى الرجل الثمرة فخلى بينه وبينها فأصابتها جائحة فلا نحكم له على البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا (قال) ولو لم يكن سفيان وهن حديثه بما وصفت وثبتت السنة بوضع الجائحة وضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير جناية أحد عليه فأما أن يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دون الثلث فهذا لا خبر ولا قياس ولا معقول (قال) ولو صرت إلى وضع الجائحة ما كانت الحجة فيها إلا اتباع الخبر لو ثبت ولا أقول قياسا على الدار إذا تكاراها سنة أو أقل فأقبضها على الكراء فتنهدم الدار ولم يمض من السنة إلا يوم أوقد ](3/57)
[ مضت إلا يوم، فلا يجب على إلا إجازة يوم أو يجب على إجارة سنة إلا يوم وذلك أن الذى يصل إلى منفعة الدار ما كانت الدار في يدى فإذا انقطعت منفعة الدار بانهدامها يجب على كراء ما لم أجد السبيل إلى أخذه فإن قال قائل فما منعك أن تجعل ثمرة النخل قياسا على ما وصفت من كراء الدار وأنت تجيز بيع ثمر النخل فيترك إلى غاية في نخله كما تجيز أن يقبض الدار ويسكنها إلى مدة؟ (قال الشافعي) فقيل له إن شاء الله تعالى الدار تكترى سنة ثم تنهدم من قبل تمام السنة مخالفة للثمرة تقبض من قبل أن سكناها ليس بعين ترى إنما هي بمدة تأتى فكل يوم منها يمضى بما فيه وهى بيد المكترى يلزمه الكراء فيه وإن لم يسكنها إذا خلى بينه وبينها والثمرة إذا ابتيعت وقبضت وكلها في يد المشترى يقدر على أن يأخذها كلها من ساعته ويكون ذلك له وإنما يرى تركه إياها اختيارا لتبلغ غاية يكون له فيها أخذه قبلها وقد يكون رطبا يمكنه أخذه وبيعه وتيبيسه فيتركه ليأخذه يوما بيوم ورطبا ليكون أكثر قيمة إذا فرقه في الايام وأدوم لاهله فلو زعمت أنى أضع الجائحة بعد أن يرطب الحائط كله أو أكثره ويمكن فيه أن يقطع كله فيباع رطبا وإن كان ذلك انقص لمالك الرطب أو ييبس تمرا وإن كان ذلك أنقص على مالكه زعمت أنى أضع عنه الجائحة وهو تمر وقد ترك قطعه وتمييزه في وقت يمكنه فيه إحرازه وخالفت بينه وبين الدار التى إذا ترك سكناها سنة لزمه كراؤها كما يلزمه لو سكنها لانه ترك ما كان قادرا عليه (قال) ولو جاز أن يقاس على الدار بما وصفت جاز ذلك ما لم يرطب لان ذلك ليس وقت منفعتها والحين الذى لا يصلح أن يتمر فيه وأما بعد ما يرطب فيختلفان (قال) وهذا مما أستخير الله فيه ولو صرت إلى القول به صرت إلى ما وصفت من وضع قبضة رطبا أو بسرا لو ذهبت منه كما أصير إلى وضع كراء يوم من الدار لو انهدمت قبله وكما أصير إلى وضع قبضة حنطة لو ابتاع رجل صاعا فاستوفاه إلا قبضة فاستهلكه لم يلزمه ثمن ما لم يصل إليه، ولا يجوز أن يوضع عنه الكثير بمعنى أنه لم يصل إليه ولا يوضع عنه القليل وهو في معناه ولو صرت إلى وضعها فاختلفا في الجائحة فقال البائع لم تصبك الجائحة أو قد أصابتك فأذهبت لك فرقا وقال المشترى بل أذهبت لى ألف فرق كان القول قول البائع مع يمينه لان الثمن لازم للمشترى ولا يصدق المشترى على البراءة منه بقوله وعلى المشترى البينة بما ذهب له (قال) وجماع الجوائح كل ما
أذهب الثمرة أو بعضها بغير جناية آدمى (قال) ويدخل على من وضع الجائحة من قبل أن المشترى لم يقبض الثمرة زعم وأن جناية الآدميين جائحة توضع لانى إذا وضعت الجائحة زعمت أن البائع لا يستحق الثمن إلا إذا قبضت كما لا يستحق الكراء إلا ما كانت السلامة موجودة في الدار وهى في يدى وكان البائع ابتاع مهلك الثمرة بقيمة ثمرته أو يكون لمشترى الثمرة الخيار بين أن يوضع عنه أو لا يوضع ويبيع مهلك ثمرته بما أهلك منها كما يكون له الخيار في عبد ابتاعه فجنى عليه قبل أن يقبضه وهذا قول فيه ما فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال فهل من حجة لمن ذهب إلى أن لا توضع الجائحة؟ قيل نعم فيما روى والله أعلم من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى ينجو من العاهة وبيدو صلاحه وما نهى عنه من قوله " أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه " ولو كان مالك الثمرة لا يملك ثمن ما اجتيح من ثمرته ما كان لمنعه أن يبعيها معنى إذا كان يحل بيعها طلعا وبلحا ويلقط ويقطع إلا أنه أمره ببيعها في الحين الذى الاغلب فيها أن تنجو من العاهة لئلا يدخل المشترى في بيع لم يغلب أن ينجو من العاهة ولم يلزمه ثمن ما أصابته الجائحة فجاز البيع على أنه يلزمه على السلامة ما ضر ذلك البائع والمشترى (قال) ولو ثبت الحديث في وضع الجائحة لم يكن في هذا حجة وأمضى الحديث على وجهه فإن قال قائل فهل روى في وضع الجائحة أو ترك وضعها شئ عن بعض ](3/58)
[ الفقهاء؟ قيل نعم لو لم يكن فيها إلا قول لم يلزم الناس فإن قيل فأبنه قيل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار فيمن باع ثمرا فأصابته جائحة قال ما أرى إلا أنه إن شاء لم يضع قال سعيد يعنى البائع (قال الشافعي) وروى عن سعد بن أبى وقاص أنه باع حائطا له فأصابت مشتريه جائحة فأخذ الثمن منه ولا أدرى أيثبت أم لا؟ قال ومن وضع الجائحة فلا يضعها إلا على معنى أن قبضها قبض إن كانت السلامة ولزمه إن أصاب ثمر النخل شئ يدخله عيب مثل عطش يضمره أو جمح يناله أو غير ذلك من العيوب أن يجعل للمشترى الخيار في أخذه معيبا أورده فإن كان أخذ منه شيأ فقدر عليه رده وإن فات لزمه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وقال يحسب عليه ما أخذ بحصته من الثمن ويرد ما بقى بما يلزمه من الثمن إلا أن يختار أن يأخذه معيبا فإن أصابته جائحة بعد
العيب رجع بحصته من الثمن لان الجائحة غير العيب (قال) ولعله يلزمه لو غصب ثمرته قبل أن يقطعها أو تعدى فيها عليه وال فأخذ أكثر من صدقته أن يرجع على البائع لانه لم يسلم له كما لو باعه عبدا لم يقبضه أو عبيدا قبض بعضهم ولم يقبض بعضا حتى عدا عاد على عبد فقتله أو غصبه أو مات موتا من السماء كان للمشترى فسخ البيع وللبائع اتباع الغاصب والجانى بجنايته وغصبه ومات العبد الميت من مال البائع وكان شبيها أن يكون جملة القول فيه أن يكون الثمر المبيع في شجره المدفوع إلى مبتاعه من ضمان البائع حتى يستوفى المشترى ما اشترى منه لا يبرأ البائع من شئ منه حتى يأخذه المشترى أو يؤخذ بأمره من شجره كما يكون من ابتاع طعاما في بيت أو سفينة كله على كيل معلوم فما استوفى المشترى برئ منه البائع وما لم يستوف حتى يسرق أو تصيبه آفة فهو من مال البائع وما أصابه من عيب فالمشترى بالخيار في أخذه أورده (قال) وينبغى لمن وضع الجائحة أن يضعها من كل قليل وكثير أتلفها ويخير المشترى إن تلف منها شئ أن يرد البيع أو يأخذ الباقي بحصته من الثمن ما لم يرطب النخل عامة فإذا أرطبه عامة حتى يمكنه جدادها لا يضع من الجائحة شيئا (قال) وكذلك كل ما أرطبت عليه فأصابتها جائحة انبغى أن لا يضعها عنه لانه قد خلى بينه وبين قبضها ووجد السبيل إلى القبض بالجداد فتركه إذا تركه بعد أن يمكنه أن يجده فيها حتى يكون أصل قوله فيها أن يزعم أن الثمرة مضمونة من البائع حتى يجتمع فيها خصلتان أن يسلمها إلى المشترى ويكون المشترى قادرا على قبضها بالغة صلاحها بأن ترطب فتجد، لا يستقيم فيه عندي قول غير هذا وما أصيب فيها بعد إرطابه من مال المشترى (قال) وهذا يدخله أنه المشترى قابض قادر على القطع وإن لم يرطب من قبل أنه لو قطعه قبل أن يرطب كان قطع ماله ولزمه جميع ثمنه.
باب في الجائحة (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل الثمر فقبضه فأصابته جائحة فسواء من قبل أن يجف أو بعد ما جف ما لم يجده وسواء كانت الجائحة ثمرة واحدة أو أتت على جميع المال لا يجوز فيها إلا واحد من قولين إما أن يكون لما قبضها وكان معلوما أن يتركها إلى الجداد كان في غير معنى من قبض فلا يضمن إلا ما قبض كما يشترى الرجل من الرجل الطعام كيلا فيقبض بعضه ويهلك بعضه قبل أن يقبضه فلا
يضمن ما هلك لانه لم يقبضه ويضمن ما قبض وإما أن يكون إذا قبض الثمرة كان مسلطا عليه إن شاء قطعها وإن شاء تركها فما هلك في يديه فإنما هلك من ماله لا من مال البائع فأما ما يخرج من هذا ](3/59)
[ المعنى فلا يجوز أن يقال يضمن البائع الثلث إن أصابته جائحة فأكثر ولا يضمن أقل من الثلث وإنما هو اشتراها بيعة واحدة وقبضها قبضا واحدا فكيف يضمن له بعض ما قبض ولا يضمن له بعضا؟ أرأيت لو قال رجل لا يضمن حتى يهلك المال كله لانه حينئذ الجائحة أو قال إذا هلك سهم من ألف سهم هل الحجة عليهما إلا ما وصفنا؟ (قال الشافعي) والجائحة من المصائب كلها كانت من السماء أو من الآدميين (قال الشافعي) الجائحة في كل ما اشترى من الثمار كان مما ييبس أو لا ييبس وكذلك هي في كل شئ اشترى فيترك حتى يبلغ أوانه فأصابته الجائحة دون أوانه فمن وضع الجائحة وضعه، لان كلا لم يقبض بكمال القبض وإذا باع الرجل الرجل ثمرة على أن يتركها إلى الجذاذ ثم انقطع الماء وكانت لا صلاح لها إلا به فالمشترى بالخيار بين أن يأخذ جميع الثمرة بجميع الثمن وبين أن يردها بالعيب الذى دخلها فإن ردها بالعيب الذى دخلها وقد أخذ منها شيئا كان ما أخذ منها بحصته من أصل الثمن وإن اختلفا فيه فالقول قول المشترى وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثمر حائط فالسقى على رب المال لانه لا صلاح للثمرة إلا به وليس على المشترى منه شئ فإن اختلفا في السقى فأراد المشترى منه أكثر مما يسقى البائع لم ينظر إلى قول واحد منهما ويسأل أهل العلم به فإن قالوا لا يصحله من السقى إلا كذا جبرت البائع عليه وإن قالوا في هذا صلاحه وإن زيد كان أزيد في صلاحه لم أجبر البائع على الزيادة على صلاحه وإذا اشترط البائع على المشترى أن عليه السقى فالبيع فاسد من قبل أن السقى مجهول ولو كان معلوما أبطلناه من قبل أنه بيع وإجارة.
باب الثنيا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر حائطه ويستثنى منه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن عمرو أن جده محمد بن عمرو باع حائطا له يقال له الافراق بأربعة آلاف واستثنى منه بثمانمائة درهم
ثمرا أو تمرا أنا أشك (قال الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الرجال عن أمه عمرة أنها كانت تبيع ثمارها وتستثنى منها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك حائطي إلا خمسين فرقا أو كيلا مسمى ما كان؟ قال لا: قال ابن جريج فإن قلت هي من السواد سواد الرطب قال لا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال، قلت لعطاء أبيعك نخلى إلا عشر نخلات أختارهن قال لا إلا أن تستثنى أيتهن هي قبل البيع تقول هذه وهذه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أيبيع الرجل نخيله أو عنبه أو بره أو عبده أو سلعته ما كانت على أنى شريكك بالربع وبما كان من ذلك؟ قال لا بأس بذلك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي بمائة دينار فضلا عن نفقة الرقيق؟ فقال لا من قبل أن نفقة الرقيق مجهولة ليس لها وقت فمن ثم فسد (قال الشافعي) ما قال عطاء من هذا كله كما قال إن شاء الله وهو في معنى السنة والاجماع والقياس عليهما أو على أحدهما وذلك أنه لا يجوز بيع بثمن مجهول وإن اشترى حائطا بمائة دينار ونفقة الرقيق فالثمن مسمى غير معلوم والبيع فاسد وإذا ](3/60)
[ باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة منه فليس ما باع منه بمعلوم وقد يكون يستثنى مدا ولا يدرى كم المد من الحائط أسهم من ألف سهم أم مائة سهم أم أقل أم أكثر فإذا استثنى منه كيلا لم يكن ما اشترى منه بجزاف معلوم ولا كيل مضمون ولا معلوم وقد تصيبه الآفة فيكون المد نصف ثمر الحائط وقد يكون سهما من ألف سهم منه حين باعه وهكذا إذا استثنى عليه نخلات يختارهن أو يتشررهن فقد يكون في الخيار والشرار النخل بعضه أكثر ثمنا من بعض وخيرا منه بكثرة الحمل وجودة الثمر فلا يجوز أن يستثنى من الحائط نخلا لا بعدد ولا كيل بحال ولا جزءا إلا جزءا معلوما ولا نحلا إلا نخلا معلوما (قال) وإن باعه الحائط إلا ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه أو الحائط إلا نخلات يشير إليهن فإنما وقعت الصفقة على ما لم يستثن فكان الحائط فيه مائة نخلة استثنى منهن عشر نخلات فإنما وقعت الصفقة على تسعين بأعيانهن وإذا استثنى ربع الحائط فإنما وقعت الصفقة على ثلاثة أرباع الحائط والبائع شريك بالربع كما يكون
رجال لو اشتروا حائطا مع شركاء فيما اشتروا من الحائط بقدر ما اشتروا منه (قال) ولو باع رجل ثمر حائطه بأربعة آلاف واستثنى منه بألف فإن كان عقد البيع على هذا فإنما باعه ثلاثة أرباع الحائط فإن قال: أستثنى ثمرا بالالف بسعر يومه لم يجز، لان البيع وقع غير معلوم للبائع ولا للمشترى ولا لواحد منهما (قال الشافعي) وهكذا من باع رجلا غنما قد حال عليها الحول أو بقرا أو إبلا فأخذت الصدقة منها فالمشترى بالخيار في رد البيع لانه لم يسلم له ما اشترى كاملا أو أخذ ما بقى بحصته من الثمن ولكن إن باعه إبلا دون خمسة وعشرين فالبيع جائز وعلى البائع صدقة الابل التى حال عليها الحول في يده ولا صدقة على المشترى فيها (قال) ومثل هذا الرجل يبيع الرجل العبد قد حل دمه عنده يردة أو قتل عمد أو حل قطع يده عنده في سرقة فيقتل فينفسخ البيع ويرجع بما أخذ منه أو يقطع فله الخيار في فسخ البيع أو إمساكه لان العيوب في الابدان مخالفة نقص العدد ولو كان المشترى كيلا معينا كان هكذا إذا كان ناقصا في الكيل أخذ بحصته من الثمن إن شاء صاحبه وإن شاء فسخ فيه البيع ولو قال أبيعك ثمر نخلات تختارهن لم يجز، لان البيع قد وقع على غير معلوم وليس يفسد إلا من هذا الوجه (1) فأما أن يكون بيع ثمر بأكثر منه، فهو لم يجب له شئ فكيف يبيع ما لم يجب له ولكنه لا يصلح إلا معلوما؟ باب صدقة الثمر (قال الشافعي) رحمه الله الثمر يباع ثمران ثمر فيه صدقة وثمر لا صدقة فيه فأما الثمر الذى لا صدقة فيه فبيعه جائز لا علة فيه لانه كله لمن اشتراه وأما ما بيع مما فيه صدقة منه فالبيع يصح بأن يقول أبيعك الفضل من ثمر حائطي هذا عن الصدقة وصدقته العشر أو نصف العشر إن كان يسقى بنضح فيكون كما وصفنا في الاستثناء كأنه باعه تسعة أعشار الحائط أو تسعة أعشار ثمره ونصف عشر ثمره (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي هذا بأربعمائة دينار فضلا عن الصدقة فقال نعم لان الصدقة ليست لك إنما هي للمساكين (قال الشافعي) ولو باعه ثمر حائطه وسكت عما وصفت من أجزاء الصدقة وكم قدرها كان فيه قولان أحدهما أن يكون المشترى بالخيار في أخذ ما جاوز الصدقة بحصته من ثمن الكل وذلك تسعة أعشار الكل أو ]
__________
(1) قوله: فأما أن يكون بيع ثمر بأكثر منه الخ بالاصول التي بأيدينا، وتأمله.
كتبه مصححه.(3/61)
[ تسعة أعشار ونصف عشر الكل أو يرد البيع لانه لم يسلم إليه كل ما اشترى والثانى إن شاء أخذ الفضل عن الصدقة بجميع الثمن وإن شاء ترك (قال الربيع) وللشافعي فيه قول ثالث إن الصفقة كلها باطلة من قبل أنه باعه ما ملك وما لم يملك فلما جمعت الصفقة حرام البيع وحلال البيع بطلت الصفقة كلها (قال الشافعي) ولو قال بائع الحائط الصدقة على، لم يلزم البيع المشترى إلا أن يشاء وذلك أن على السلطان أخذ الصدقة من الثمرة التى في يده وليس عليه أن يأخذ بمكيلتها ثمرا من غيرها قال وكذلك الرطب لا يكون تمرا لان السلطان أن يأخذ عشر الرطب فإن صار السلطان إلى أن يضمن عشر رطبه ثمرا مثل رطبه لو كان يكون تمرا أو اشترى المشترى بعدها رجوت أن يجوز الشراء فأما إن اشترى قبل هذا فهو كمن اشترى من ثمر حائط فيه العشر لما وصفت من أن يؤخذ عشره رطبا وإن من الناس من يقول يأخذ عشر ثمن الرطب لانه شريك له فيه فإذا كان هذا هكذا فالبيع وقع على الكل ولم يسلم له وله في أحد القولين الخيار بين أن يأخذ تسعة اعشاره بتسعة أعشار الثمن أورده كله (قال) ومن أصحابنا من أجاز البيع بينهما، إن كان قد عرف المتبايعان معا أن الصدقة في الثمرة فإنما اشترى هذا وباع هذا الفضل عن الصدقة والصدقة معروفة عندهما (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال إن بعت ثمرك ولم تذكر الصدقة أنت ولا بيعك فالصدقة على المبتاع قال إنما الصدقة على الحائط قال هي على المبتاع قال ابن جريج فقلت له: إن بعته قبل أو يخرص أو بعدما يخرص؟ قال نعم (أخرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة قال في مثل ذلك مثل قول عطاء إنما هي على المبتاع (قال الشافعي) وما قالا من هذا كما قالا إنما الصدقة في عين الشئ بعينه فحيثما تحول ففيه الصدقة ألا ترى أن رجلا لو ورث أخذت الصدقة من الحائط وكذلك لو وهب له ثمره أو تصدق به عليه أو ملكه بوجه من الوجوه (قال) وقد قيل في هذا شئ آخر: إن الثمرة إذا وجبت فيها الصدقة ثم باعها فالصدقة في الثمرة والمبتاع مخير لانه باعه ماله وما للمساكين في أخذ غير الصدقة بحصته من الثمن أورد البيع (قال) وأما إذا وهبها أو تصدق بها أو ورث الثمرة عن احد وقد أوجبت فيها الصدقة أو لم تجب فهذا كله مكتوب
في كتاب الصدقات بتفريعه (قال) وقد قال غير من وصفت قوله الصدقة على البائع والبيع جائز والثمرة كلها للمبتاع (قال) وإذا كان للوالى أن يأخذ الصدقة من الثمرة فلم تخلص الثمرة له كلها وإن قال يعطيه رب الحائط ثمرا مثلها فقد أحال الصدقة في غير العين التى وجبت فيه الصدقة والعين موجودة (قال) ومن قال هذا القول فإنما يقول هو لو وجب عليه في أربعين دينارا دينار كان له أن يعطى دينارا مثله من غيرها وكذلك قوله في الماشية وصنوف الصدقة (قال) قول الله عزوجل " خذ من أموالهم صدقة " يدل على أنه إذا كان في المال صدقة والشرط من الصدقة فإنما يؤخذ منه لا من غيره فبهذا أقول، وبهذا اخترت القول الاول من أن البيع لازم فيما لا صدقة فيه وغير لازم فيما فيه الصدقة إذا عرفت عرف البائع والمشترى ما يبيع هذا ويشترى هذا (قال) وإذا سمى البائع للمشترى الصدقة وعرفاها فتعدى عليه الوالى فأخذ أكثر من هذا فالوالى كالغاصب فيما جاوز الصدقة والقول فيها كالقول في الغاصب فمن لم يضع الجائحة قال هذا رجل ظلم ماله ولا ذنب على بائعه في ظلم غيره وقد قبض ما ابتاع من وضع الجائحة كان إنما يضعها بمعنى أنها غير تامة القبض يشبه أن يلزمه أن يضع عنه بقدر العدوان عليه ويخيره بعد العدوان في رد البيع أو أخذه بحصته من الثمن لانه لم يسلم إليه كما باعه (قال الشافعي) فإن قال قائل المظلمة ليست بجائحة قيل وما معنى الجائحة؟ أليس ما أتلف من مال الرجل فالمظلمة ](3/62)
[ إتلاف فإن قال قل ما أصاب من السماء قيل أفرأيت ما ابتعت فلم أقبضه فأصابه من السماء شئ يتلفه أليس ينفسخ البيع؟ فإن قال بلى قيل فإن أصابه من الآدميين فأنا بالخيار بين أن أفسخ البيع أو آخذه وأتبع الآدمى بقيمته فإن قال نعم قيل فقد جعلت ما أصاب من السماء في أكثر من معنى ما أصاب من الآدميين أو مثله لانك فسخت به البيع وإن قال إذا ملكته فهو منك وإن لم تقبضه فإذا هلك هلك منك بالثمرة قد ابتعتها وقبضتها فهى أولى أن لا توضع عنى بتلف أصابها.
باب في المزابنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن دواد بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى سعيد الخدرى أو أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراه التمر بالتمر في رءوس النخل والمحاقلة استكراء الارض بالحنطة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء التمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الارض بالحنطة قال ابن شهاب فسألت عن استكراء الارض بالذهب والفضة فقال لا بأس بذلك (قال الشافعي) والمحاقلة في الزرع كالمزابنة في التمر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما المحاقلة؟ قال المحاقلة في الحرث كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع وبالقمح قال ابن جريج فقلت لعطاء أفسر لكم جابر في المحاقلة كما أخبرتني؟ قال: نعم (قال الشافعي) وتفسير المحاقلة والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصا والله تعالى أعلم ويحتمل أن يكون على رواية من هو دونه والله تعالى أعلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة أن يبيع التمر في رءوس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الارض بالثلث والربع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبى الزبير أنه أخبره عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا تعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر (أخبرنا الربيع) قال أخبر الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء سمعت من جابر بن عبد الله خبرا أخبرنيه أبو الزبير عنه في الصبرة قال حسبت قال فكيف ترى أنت في ذلك؟ فنهى عنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أخبره عن أبيه أنه كان يكره أن تباع صبرة بصبرة من طعام لا تعلم مكيلهما أو تعلم مكيلة إحداهما ولا تعلم مكيلة الاخرى أو تعلم مكيلتهما جميعا هذه بهذه وهذه بهذه قال لا إلا كيلا بكيل يدا بيد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال اخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما المزابنة؟ قال التمر في النخل يباع بالتمر فقلت إن علمت مكيلة التمر أو لم تعلم؟
قال: نعم قال ابن جريج فقال إنسان لعطاء أفبالرطب، قال سواء التمر والرطب ذلك مزابنة (قال ](3/63)
[ الشافعي) وبهذا نقول إلا في العرايا التى ذكرناها قبل هذا قال وجماع المزابنة أن تنظر كل ما عقدت بيعه مما الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ربا فلا يجوز فيه شئ يعرف كيله بشئ منه جزافا، لا يعرف كيله ولا جزاف منه بجزاف وذلك لانه يحرم عليه أن يأخذه إلا كيلا بكيل وزنا بوزن يدا بيد فإذا كان جزافا بجزاف لم يستويا في الكيل وكذلك إذا كان جزافا بمكيل فلا بد أن يكون أحدهما أكثر وذلك محرم فيهما عندنا لا يجوز لان الاصل أن لا يكونا إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن فكل ما عقد على هذا مفسوخ (قال) ولو تبايعا جزافا بكيل أو جزافا بجزاف من جنسه ثم تكايلا فكانا سواء كان البيع مفسوخا لانه عقد غير معلوم أنه كيل بكيل (قال) ولو عقدا بيعهما على أن يتكايلا هذين الطعامين جميعا بأعيانهما مكيالا بمكيال فتكايلاه فكانا مستويين جاز وإن كانا متفاضلين ففيها قولان أحدهما أن للذى نقصت صبرته الخيار في رد البيع لانه بيع كيل شئ فلم يسلم له (1) لانه لا يحل له أخذه أورد البيع والقول الثاني ان البيع مفسوخ لانه وقع على شئ بعضه حرام وبعضه حلال فالبيع مفسوخ وبهذا أقول والقول الذى حكيت ضعيف ليس بقياس إنما يكون له الخيار فيما نقص مما لا ربا في زيادة بعضه على بعض فأما ما فيه الربا فقد انعقد البيع على الكل فوجد البعض محرما أن يملك بهذه العقدة فكيف يكون له الخيار في أن يأخذ بعض بيعة وفيها حرام؟ (قال) وما وصفت من المزابنة جامع لجميعها كاف من تفريعها، ومن تفريعها أن أبتاع منك مائة صاع تمر بتمر مائة نخلة لى أو أكثر أو أقل فهذا مفسوخ من وجهين أحدهما أنه رطب بتمر وجزاف بكيل من جنسه ومن ذلك أن آخذ منك تمرا لا أعرف كيله بصاع تمر أو بصبرة تمر لا أعرف كيلها لان الاصل أنه محرم الفضل في بعضه على بعض وأنه لم يبح إلا مثلا بمثل يدا بيد (قال) وهكذا هذا في الحنطة وكل ما في الفضل في بعضه على بعض الربا (قال) فأما ثمر نخل بحنطة مقبوضة كيلا، أو صبرة تمر بصبرة حنطة أو صنف بغير صنفه جزاف بكيل أو كيل بجزاف يدا بيد مما لا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد فلا بأس (قال) فأمل الرجل يقول للرجل وعنده صبرة تمر له أضمن لك هذه الصبرة بعشرين صاعا فإن زادت على عشرين
صاعا فلى فإن كانت عشرين فهى لك وإن نقصت من عشرين فعلى إتمام عشرين صاعا لك فهذا لا يحل من قبل أنه من أكل المال بالباطل الذى وصفت قبل هذا وهذا بالمخاطرة والقمار أشبه وليس من معنى المزابنة بسبيل ليس المزابنة إلا ما وصفت لا تجوازه (قال) وهذا جماعه، وهو كاف من تفريعه، ومن تفريعه ما وصفت فأما أن يقول الرجل للرجل عد قثاءك أو بطيخك هذا المجموع فما نقص من مائة فعلى تمام مائة مثله وما زاد فلى أو اقطع ثوبك هذا قلانس أو سراويلات على قدر كذا، فما نقص، من كذا وكذا قلنسوة أو سراويل فعلى وما زاد فلى أو اطحن حنطتك هذه فما زاد على مد دقيق فلى وما نقص فعلى فهذا كله مخالف للمزابنة ومحرم من أنه أكل المال بالباطل، لا هو تجارة عن تراض، ولا هو شئ اعطاه مالك المال المعطى وهو يعرفه فيؤجر فيه أو يحمد ولا هو شئ اعطاه إياه على منفعة فأخذها منه ولا على وجه خير من الوجه المأذون فيه دون غيره الذى هو من وجوه البر قال ولا بأس بثمر نخلة بثمر عنبة أو بثمر فرسكة كلاهما قد طابت كان ذلك موضوعا بالارض أو في شجرة أو بعضه موضوعا بالارض إذا خالفه وكان الفضل يحل في بعضه على بعض حالا وكان يدا بيد فإن ]
__________
(1) قوله: لانه لا يحل له أخذه أو رد البيع، كذا بالاصول، التى بأيدينا ولعل في العبارة سقطا من النساخ فحرره، اه مصححه.(3/64)
[ دخلت النسيئة فسد أو تفرقا بعد البيع قبل أن يتقابضا فسد البيع (قال) وكذلك لا بأس أن يبيع ثمر نخلة في رأسها بثمر شجرة فرسك في رأسها أو يبيع ثمر نخلة في رأسها بفرسك موضوع في الارض أو يبيع رطبا في الارض بفرسك موضوع في الارض جزافا (قال) وجماعة أن تبيع الشئ بغير صنفه يدا بيد كيف شئت (قال الشافعي) وما كان بصفة واحدة لم يحل إلا مثلا مثل كيلا بكيل وزنا بوزن يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا ولا يباع منه رطب بيابس ولا رطب يبس برطب إلا العرايا خاصة (قال الشافعي) وكذلك لا يجوز أن يدخل في صفقة شيئا من الذى فيه الربا في الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ومن ذلك أن يشترى صبرة تمر مكيلة أو جزافا بصبرة حنطة مكيلة أو جزافا ومع الحنطة من التمر قليل أو كثير وذلك أن الصفقة في الحنطة تقع على حنطة وتمر بتمر وحصة التمر غير معروفة من قبل أنها
إنما تكون بقيمتها والحنطة بقيمتها والتمر بالتمر لا يجوز إلا معلوما كيلا بكيل (1).
باب وقت بيع الفاكهة (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله وقت بيع جميع ما يؤكل من ثمر الشجر أن يؤكل من أوله الشئ ويكون آخره قد قارب أوله كمقاربة ثمر النخل بعضه لبعض فإذا كان هكذا حل بيع ثمرته الخارجة فيه مرة واحدة والشجر منه الثابت الاصل كالنخل لا يخالفه في شئ منه إلا في شئ سأذكره يباع إذا طاب أوله الكمثرى والسفرجل والاترج والموز وغيره إذا طاب منه الشئ الواحد فبلغ أن ينضج بيعت ثمرته تلك كلها قال وقد بلغني أن التين في بعض البلدان ينبت منه الشئ اليوم ثم يقيم الايام ثم ينبت منه الشئ بعد حتى يكون ذلك مرارا والقثاء والخربز حتى يبلغ بعضه وفى موضعه من شجر القثاء والخربز ما لم يخرج فيه شئ فكان الشجر يتفرق مع ما يخرج فيه ولم يبع ما لم يخرج فيه فإن كان لا يعرف لم يجز بيعه لاختلاط المبيع منه بغير المبيع فيصير المبيع غير معلوم فيأخذ مشتريه كله أو ما حمل مما لم يشتر فإن بيع وهو هكذا فالبيع مفسوخ (قال الشافعي) في موضع آخر إلا أن يشاء البائع أن يسلم ما زاد على ما باع فيكون قد أعطاه حقه وزاده قال فينظر من القثاء والخربز في مثل ما وصفت من التين فإن كان ببلد يخرج الشئ منه في جميع شجره فإذا ترك في شجره لتتلاحق صغاره خرج من شجره شئ منه كان كما وصفت في التين إن استطيع تمييزه جاز ما خرج أولا ولم يدخل ما خرج بعده في البيع وإن لم يستطع تمييزه لم يجز فيه البيع بما وصفت قال وإن حل بيع ثمرة من هذا الثمر نخل أو عنب أو قثاء أو خربز أو غيره لم يحل أن تباع ثمرتها التى تأتى بعدها بحال فإن قال قائل: ما الحجة في ذلك؟ قلنا لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين ونهى عن بيع الغرر ونهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه كان بيع ثمرة لم تخلق بعد أولى في جميع هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر قال نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة، قال فإذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل والتمر بلحا شديدا لم تر فيه صفرة لان العاهة قد تأتى ]
__________
(1) وترجم قبل الصلح باب المزابنة وفيه قال الشافعي والمزابنة جنس من الطعام عرف كيله اشترى بجنس مثله مجهول الكيل لان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذا إلا مثلا بمثل وإذا كان مجهولا فلا خير فيه وليس هو مثلا
بمثل ولا كيلا بكيل ولا وزنا بوزن.
ثم ذكر بعد ذلك مسائل تتعلق بالربا اه.(3/65)
[ عليه كان بيع ما لم ير منه شئ قط من قثاء أو خربز أدخل في معنى الغرر وأولى أن لا يباع مما قد رؤى فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه وكيف يحرم أن يباع قثاء أو خربز حين بدا قبل أن يطيب منه شئ وقد روى رجل أن يبتاع ولم يخلق قط؟ وكيف أشكل على أحد أنه لا يكون بيع أبدا أولى بالغرر من هذا البيع؟ الطائر في السماء، والعبد الآبق، والحمل الشارد، أقرب من أن يكون الغرر فيه أضعف من هذا، ولان ذلك شئ قد خلق وقد يوجد وهذا لم يخلق بعد.
وقد يخلق فيكون غاية في الكثرة، وغاية في القلة وفيما بين الغايتين منازل.
أو رأيت إن أصابته الجائحة بأى شئ يقاس؟ أبأول حمله فقد يكون ثانيه أكثر وثالثه فقد يختلف ويتباين فهذا عندنا محرم بمعنى السنة والاثر والقياس عليهما والمعقول، والذى يمكن من عيوبه أكثر مما حكينا وفيما حكينا كفاية إن شاء الله تعالى (قال) فكل ما كيل من هذا أو وزن أو بيع عددا كما وصفت في الرطب بالتمر لا يحل التمر منه برطب ولا جزاف منه بكيل ولا رطب برطب عندي بحال ولا يحل إلا يابسا بيابس، كيلا بكيل أو ما يوزن وزنا بوزن، ولا يجوز فيه عدد لعدد، ولا يجوز أصلا إذا كان شئ منه رطب يشترى بصنفه رطب فرسك بفرسك، وتبن بتبن، وصنف بصنفه، فإذا اختلف الصنفان فبعه كيف شئت يدا بيد، جزافا بكيل.
ورطبا بيابس، وقليله بكثيره، لا يختلف هو، وما وصفت من ثمر النخل والعنب في هذا المعنى، ويختلف هو وثمر النخل والعنب في العرايا، ولا يجوز في شئ سوى النخل، والعنب العرية بما يجوز فيه بيع العرايا من النخل والعنب، لا يجوز أن يشترى ثمر تينة في رأسها بمكيلة من التين موضوعا بالارض، ولا يجوز أن يشترى من غير تينة في رأسها بثمر منها يابس موضوع بالارض ولا في شجره أبدا جزافا ولا كيلا ولا بمعنى، فإن قال قائل فلم لم تجزه؟ قلت لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سن الخرص في التمر، والعنب وفيهما أنهما مجتمعا الثمر لا حائل دونه يمنع الاحاطة وكان يكون في المكيال مستجمعا كاستجماعه في نبته كان له معان لا يجمع أحد معانيه شئ سواه وغيره، وإن كان يجتمع في المكيال فمن فوق كثير منه حائل من الورق ولا يحيط البصر به، وكذلك الكمثرى وغيره، وأما
الاترج الذى هو أعظمه فلا يجتمع في مكيال وكذلك الخربز، والقثاء، وهو مختلف الخلق لا يشبههما وبذلك لم يجتمع في المكيال ولا يحيط به البصر إحاطته بالعنب، والتمر ولا يوجد منه شئ يكون مكيلا يخرص بما في رءوس شجره لغلظه وتجافى خلقته عن أن يكون مكيلا، فلذلك لم يصلح أن يباع جزافا بشئ منه كما يباع غيره من النخل، والعنب إذا خالفه، ومن أراد أن يبتاع منه شيئا فيستعريه ابتاعه بغير صنفه ثم استعراه كيف شاء.
باب ما ينبت من الزرع (قال الشافعي) رحمه الله كل ما كان من نبات الارض بعضه مغيب فيها وبعضه ظاهر فأراد صاحبه بيعه لم يجز بيع شئ منه إلا الظاهر منه يجز مكانه، فأما المغيب فلا يجوز بيعه، وذلك مثل الجزر، والفجل، والبصل، وما أشبهه فيجوز أن يباع ورقه الظاهر مقطعا مكانه، ولا يجوز أن يباع ما في داخله، فإن وقعت الصفقة عليه كله لم يجز البيع فيه إذا كان بيع نبات، وبيع النبات بيع الايجاب وذلك لو أجزت بيعه لم أجزه إلا على أحد معان إما على ما يجوز عليه بيع العين الغائبة فتلك إذا رآها المشترى فله الخيار في أخذها أو تركها، فلو أجزت البيع على هذا فقلع جزرة أو فجلة، أو بصلة، ](3/66)
[ فجعلت للمشترى الخيار كنت قد أدخلت على البائع ضررا في أن يقلع ما في ركبيه وأرضه التى اشترى ثم يكون له أن يرده من غير عيب فيبطل أكثره على البائع (قال) وهذا يخالف العبد يشترى غائبا والمتاع وذلك أنهما قد يريان فيصفهما للمشترى من يثق به فيشتريهما ثم يكون له خيار الرؤية فلا يكون على البائع ضرر في رؤية المشترى لهما كما يكون عليه ضرر فيما قلع من زرعه ولو أجزت بيعه على أن لم يكن فيه عيب لزم المشترى كان فيه الصغير والكبير والمختلف الخلقة فكان المشترى اشترى ما لم ير وألزمته ما لم يرض بشرائه قط، ولو أجزته على أن يبيعه إياه على صفة موزونا كنت أجزت بيع الصفات غير مضمونة وإنما تباع الصفة مضمونة (قال) ولو أسلم إليه في شئ منه موصوف موزون، فجاء به على الصفة جاز السلف، وذلك أنه مأخوذ به يأتي به حيث شاء لا من أرض قد يخطئ زرعها ويصيب فلا يجوز في شئ من هذا بيع إلا بصفة مضمون موزون أو حتى يقلع فيراه المشترى (قال)
ولا يشبه الجوز، والبيض وما أشبهه هذا لا صلاح له في الارض إلا بالبلوغ ثم يخرج فيبقى ما بقى منه ويباع ما لا يبقى مثل البقل، وذلك لا صلاح له، إلا ببقائه في قشره، وذلك إذا رئى قشره استدل على قدره في داخله وهذا لا دلالة على داخله وإن رئى خارجه قد يكون الورق كبيرا والرأس صغيرا وكبيرا.
باب ما اشترى مما يكون مأكوله داخله (قال الشافعي) من اشترى رانجا، أو جوزا، أو لوزا، أو فستقا أو بيضا فكسره فوجده فاسدا أو معيبا فأراد رده والرجوع بثمنه ففيها قولان: أحدهما أن له أن يرده والرجوع بثمنه من قبل أنه لا يصل إلى معرفة عيبه وفساده، وصلاحه إلا بكسره، وإذا كان المقصود قصده بالبيع داخله فبائعه سلطه عليه، وهذا قول (قال) ومن قال هذا القول انبغى أن يقول على المشترى الكاسر أن يرد القشر على البائع إن كانت له قيمة وإن قلت إن كان يستمتع به كما يستمتع بقشر الرانج ويستمع بما سواه أو يرد (1) فإن لم يفعل أقيم قشرها فكانت للقشر قيمة منه وداخله على أنه صحيح وطرح عنه حصة ما لم يرده من قشره من الثمن ويرجع بالباقي ولو كانت حصة القشر سهما من ألف سهم منه، والقول الثاني انه إذا كسره لم يكن له رده إلا أن يشاء البائع، ويرجع بما بين قيمته صحيحا وقيمته فاسدا، وبيض الدجاج كله لا قيمة له فاسدا لان قشرة ليس فيه منفعة فإذا كسره رجع بالثمن، وأما بيض النعام فلقشرته ثمن فيلزم المشترى بكل حال لان قشرتها ربما كانت أكثر ثمنا من داخلها، فإن لم يرد قشرتها صحيحة رجع عليه بما بين قيمتها غير فاسدة وقيمتها فاسدة، وفى القول الاول يردها ولا شئ عليه لانه سلطه على سرها إلا أن يكون أفسدها بالكسر، وقد كان يقدر على كسر لا يفسد، فيرجع بما بين القيمتين ولا يردها (قال الشافعي) فأما القثاء والخربز وما رطب فإنه يذوقه بشئ دقيق من حديد أو عود فيه فيعرف طعمه إن كان مرا أو كان الخربز حامضا فله رده، ولا شئ عليه في نقبه في القولين لانه سلطه على ذلك أو أكثر منه ولا فساد في النقب الصغير عليه.
وكان يلزم من قال لا يرده ]
__________
(1) " أو يرد " كذلك بالاصول، ولا يخفى استقامة الكلام بدونها، فلعلها من زيادة النساخ، وحرره اه.
مصححه.(3/67)
[ إلا كما أخذه بأن يقول يرجع بما بين قيمته سالما من الفساد وقيمته فاسدا (قال) ولو كسرها لم يكن له ردها ورجع عليه بنقصان ما بين قيمته صحيحا وفاسدا ما كان ذلك الفضل إلا أن يشاء البائع أن يأخذه مكسورا.
ويرد عليه الثمن لانه قد كان يقدر على أن يصير إليه طعمه من ثقبه صحيحا ليس كالجوز لا يصل إلى طعمه من نقبه وإنما يصل إليه ريحه لا طعمه صحيحا فأما الدود فلا يعرف بالمذاقة فإذا كسره ووجد الدود كان له في القول الاول رده، وفى القول الثاني الرجوع بفضل ما بين القيمتين.
ولو أشترى من هذا شيئا رطبا من القثاء والخربز فحبسه حتى ضمر وتغير وفسد عنده ثم وجده فاسدا بمرارة أو دود كان فيه فإن كان فساده من شئ يحدث مثله عند المشترى فالقول قول البائع في فساده مع يمينه وذلك مثل البيض يقيم عند الرجل زمانا ثم يجده فاسدا وفساد البيض يحدث.
والله تعالى أعلم.
مسألة بيع القمح في سنبله أخبرنا الربيع قال: قلت للشافعي إن على بن معبد روى لنا حديثا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز بيع القمح في سنبله إذا ابيض، فقال الشافعي: إن ثبت الحديث قلنا به فكان الخاص مستخرجا من العام، لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وبيع القمح في سنبله غرر لانه لا يرى، وكذلك بيع الدار والاسأس لا يرى، وكذلك بيع الصبرة بعضها فوق بعض أجزنا ذلك كما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا خاصا مستخرجا من عام وكذلك نجيز بيع القمح في سنبله إذا ابيض إن ثبت الحديث كما أجزنا بيع الدار والصبرة.
باب بيع القصب والقرط (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة (قال الشافعي) وبهذا نقول، لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه جزازه فيه من يومه (قال الشافعي) فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلظ أو غير ذلك فكان
يزيد في تلك الايأم فلا خير في الشراء، والشراء مفسوخ لان أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشترى.
فإن كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشترى منه شئ لم يقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت قد أعطيت المشترى ما لم يشتر وأخذت من البائع ما لم يبع ثم أعطيته منه شيئا مجهولا لا يرى بعين ولا يضبط بصفة ولا يتميز ما للبائع فيه مما للمشترى فيفسد من وجوه (قال) ولو اشتراه ليقطعه فتركه وقطعه له ممكن مدة يطول في مثلها كان البيع فيه مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع أن يدعه لما وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز، كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن انهال له عليها حنطة فهى داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبعها انفسخ البيع فيها لان ما اشترى لا يتميز ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطى ما اشترى ويمنع ما لم يشتر وهو في هذا كله بائع شئ قد كان ](3/68)
[ وشئ لم يكن غير مضمون على أنه إن كان دخل في البيع، وإن لم يكن لم يدخل فيه وهذا البيع مما لا يختلف المسلمون في فساده لان رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضى بكذا فإن لم ينبت أو نبت قليلا لزمك الثمن منك مفسوخا، وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتى بكذا وإن لم يأت لزمك الثمن (قال) ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في أقل منها كان المشترى منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذى له بلا ثمن أو ينقض البيع (قال) كما يكون إذا باعه حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له، فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو يرد البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع (قال) وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدي المشترى فعلى المشترى ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشترى ضمان ما نقصته والزرع لبائعه وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص في كل شئ (1).
] (1) باب المصراة والرد بالعيب وليس في التراجم، وفيه نصوص فمن ذلك في باب الاختلاف في العيب من كتاب اختلاف العراقيين لما حكى عن أبى حنيفة لا يكون الخيار فوق ثلاثة أيام، بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " من اشترى شاه محفلة فهو بخير النظرين ثلاثة
أيام إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر أو صاعا من شعير " (قال الشافعي) رحمه الله فلما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصراة خيار ثلاثة أيام بعد البيع وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه جعل لحيان بن سعد خيار ثلاث فما ابتاع انتهينا إلى ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيار ولم نجاوزه إذ لم يجاوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن امره به يشبه أن يكون كالحد لغايته من قبل أن المصراة قد تعرف تصريتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفى يومين حتى لا يشك فيها، فلو كان الخيار إنما كان هو ليعلم استبانة عيب التصرية أشبه أن يقال له الخيار حتى يعلم أنها مصراة طال ذلك أو قصر، كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت طال ذلك أو قصر.
ومن ذلك في باب العيب من اختلاف العراقيين (قال الشافعي) رحمه الله وإذا اشترى جارية ثيبا فأصابها ثم ظهر منها على عيب كان عند البائع كان له ردها لان الوطئ لا ينقصها شيئا، وإنما ردها بمثل الحال التي أخذها به وإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان ورأينا الخدمة كذلك كان الوطئ أقل ضررا عليه من خدمة أو خراج لو أردته بالضمان، وإن كانت بكرا فأصابها فيما دون الفرج ولم يفتضها فكذلك، فإن افتضها لم يكن له ردها من قبل أنه قد نقصها بذهاب العذرة فلا يجوز أن يردها ناقصة، كما لم يكن يجوز عليه أن يأخذها ناقصة، ويرجع بما نقصها العيب الذى دلس له من أصل الثمن الذى أعطى فيها، إلا إن يشاء المشترى أن يحبسها معيبة فلا يرجع بشئ من العيب، ولا نعلمه ثبت عن عمر، ولا عن على، ولا واحد منهما أنه قال خلاف هذا القول (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اشترى الرجل الجارية قد دلس له فيها بعيب علمه البائع أو لم يعلمه، فسواء في الحكم والبائع اثم في التدليس إن كان عالما، فإن حدث بها عند المشترى عيب ثم اطلع على العيب الذى دلس له لم يكن له ردها، وإن كان العيب الذى حدث بها عنده أقل عيوب الرقيق، وإذا كان مشتريا فكان له أن يرد بأقل العيوب لان البيع لا يلزمه في معيب إلا أن يشاء فكذلك عليه للبائع مثل ما كان على البائع، ولا يكون له أن يرد على البائع بعد العيب الذى حدث في ملكه كما لم يكن للبائع أن يلزمه البيع وفيه عيب كان في ملكه، وهذا معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه قضى أن يرد العبد بالعيب، وللمشترى إذا حدث العيب عنده أن يرجع بما نقصها العيب الذى دلس له البائع، ورجوعه به كما أصف لك أن تقوم الجارية سالمة من العيب فيقال قيمتها مائة ثم تقوم وبها العيب فيقال قيمتها تسعون وقيمتها يوم قبضها المشترى من البائع لانه يومئذ تم البيع، ثم يقال له ارجع بعشر ثمنها على البائع كائنا ما كان، قل أو كثر، فإن اشتراها بثمانين رجع بثمانية، وإن كان اشتراها بخمسين رجع بخمسة، إلا أن =(3/69)
[ باب حكم المبيع قبل القبض وبعده (1) (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضى الله عنهما قال " أما الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض، الطعام " قال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله (قال الشافعي) وبهذا نأخذ، فمن ابتاع شيئا كائنا ما كان فليس له أن يبيعه حتى يقبضه، وذلك أن من باع ما لم يقبض فقد دخل في المعنى الذى يروى بعض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعتاب بن أسيد حين وجهه إلى أهل مكة " انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا " (قال الشافعي) هذا بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن، وهذا القياس على حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يقبض، ومن ابتاع طعاما كيلا فقبضه أن يكتاله ومن ابتاعه جزافا فقبضه أن ينقله من موضعه إذا كان مثله ينقل، وقد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرهم بانتقاله من الموضع الذى ابتاعوه فيه إلى موضع غيره، وهذا لا يكون إلا لئلا يبيعوه قبل أن ينقل (قال الشافعي) ومن ملك طعاما بإجارة بيع من ] = يشاء البائع ان يأخذها معيبة بلا شئ يأخذه من المشترى فيقال للمشترى سلمها إن شئت، وإن شئت فأمسكها ولا ترجع بشئ، وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضى أحدهما بالعيب ولم يرض الآخر.
فإن أبا حنيفة كان يقول: ليس لواحد منهما أن يرد حتى يجتمعا على الرد جميعا، وكان ابن أبى ليلى يقول: لاحدهما أن يرد حصته وإن رضى الآخر بالعيب وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله وإذا اشترى الرجلان الجارية صفقة واحدة من رجل فوجدا بها عيبا فأراد أحدهما الرد، وأراد الآخر التمسك، فللذى أراد الرد بالرد، وللذى أراد التمسك، التمسك لان موجودا في بيع الاثنين أنه باع كل واحد منهما النصف فالنصف لكل واحد كالكل لو باعه، وكما لو باع لاحدهما نصفها وللآخر نصفها ثم وجدا بها عيبا كان لكل واحد منهما رد النصف والرجوع بالثمن الذى أخذ منه، وكان لكل واحد منهما أن يمسك وإن رد صاحبه.
ومن ذلك في باب الاختلاف في العيب من اختلاف العراقيين: وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية فباع
نصفا ولم يبع النصف الآخر ثم وجد بها عيبا قد كان البائع دلسه، فإن أبا حنيفة كان يقول: لا يستطيع أن يرد ما بقى منها ولا يرجع بما نقصها العيب، ويقول: رد الجارية كلها كما أخذتها وإلا فلا حق لك وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول، يرد ما في يده منها على البائع بقدر ثمنها، وكذلك قولهما في الثياب وفى كل بيع (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية إو الثوب أو السلعة فباع نصفها من رجل ثم ظهر منها على عيب دلسه له البائع لم يكن له أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع، ولا يرجع عليه بشئ من نقص العيب من أصل الثمن، فيقال له: ردها كما هي أو احبس، وإنما يكون له أن يرجع بنقص العيب إذا ماتت الجارية أو اعتقت وصارت لا ترد بحال أو حدث بها عنده عيب فصار ليس له أن يردها عليه بحال، فأما إذا باعها أو باع بعضها وقد يمكن أن يردها، وإذا أمكن أن يردها بحال فيلزم ذلك البائع، لم يكن له أن يردها ويرجع بنقص العيب، كما لا يكون له أن يمسكها بيده ويرجع بنقص العيب.
__________
(1) هذه الترجمة وضع السراج البلقينى، قال: وهو المترجم عليه بقية البيع، وترجم في هذه البقية تراجم تتعلق بما سبق، فسقناها كما ذكرها الربيع اه.(3/70)
[ البيوع فلا يبيعه حتى يقبضه، ومن ملكه بميراث كان له أن يبيعه، وذلك أنه غير مضمون على غيره بثمن، وكذلك ما ملكه من وجه غير وجه البيع كان له أن يبيعه قبل أن يقبضه إنما لا يكون له بيعه إذا كان مضمونا على غيره بعوض يأخذه منه إذا فات، والارزاق التي يخرجها السلطان للناس يبيعها قبل أن يقبضها ولا يبيعها الذى يشتريها قبل أن يقبضها لان مشتريها لم يقبض، وهى مضمونة له على بائعها بالثمن الذى ابتاعه إياها به حتى يقبضها أو يرد البائع إلى الثمن، ومن ابتاع من رجل طعاما فكتب إليه المشترى أن يقبضه له من نفسه فلا يكون الرجل قابضا له من نفسه وهو ضامن عليه حتى يقبضه المبتاع أو وكيل المبتاع غير البائع، وسواء أشهد على ذلك أو لم يشهد، وإذا وكل الرجل الرجل أن يبتاع له طعاما فابتاعه ثم وكله أن يبيعه له من غيره فهو بنقد لا بدين حتى يبيح له الدين فهو جائز كأنه هو ابتاعه وباعه، وإن وكله أن يبيعه من نفسه لم يجز البيع من نفسه، وإن قال قد بعته من غيرى فهلك الثمن أو هرب المشترى فصدقه البائع فهو كما قال، وإن كذبه فعليه البينة أنه قد باعه، ولا يكون ]
(ومن ذلك في الترجمة المذكورة) وإذا باع الرجل بيعا فبرئ من كل عيب، فإن أبا حنيفة كان يقول: البراءة من ذلك جائزة، ولا يستطيع المشترى أن يرده بعيب كائنا ما كان.
ألا ترى أنه لو أبرأه من الشجاج برئ من كل شجة.
ولو أبرأه من القروح برئ من كل قرحة، وبهذا يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول: لا يبرأ من ذلك حتى يسمى العيوب كلها بأسمائها ولم يذكر أن يضع يده عليها (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا باع الرجل العبد أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي نذهب إليه - والله أعلم - قضاء عثمان بن عفان أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ونقصه عليه، وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا وإن فيه معنى من المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه، وذلك أن ما لانت فيه الحياة فكان يعترى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر، فإذا خفى على البائع أتراه يبرئه منه؟ وإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر وتقع التسمية على ذلك فلا يبرئه منه إلا إذا نقصه عليه، وإن صح في القياس لولا التقليد وما وصقنا من مفارقة الحيوان غيره أن لا يبرئه من عيب كان به لم يره صاحبه، ولكن التقليد، وما وصفنا أولى بما وصفنا (وفى أول الترجمة المذكورة) وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو الدابة أو الثوب أو غير ذلك فوجد المشترى به عيبا وقال بعتني وهذا العيب به، وأنكر ذلك البائع فعلى المشترى البينة فإن لم يكن له بينة فعلى البائع اليمين بالله لقد باعه وما هذا العيب به، فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه فإن أبا حنيفة كان يقول لا أرد اليمين عليه ولا نحولها عن الموضع الذى وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول مثل قول أبى حنيفة، إلا أنه إذا اتهم المدعى رد اليمين عليه فقال احلف بالله وردها.
فإن أبى أن يحلف لم يقبل منه وقضى عليه (قال الشافعي) رحمه الله وإذا اشترى الرجل الدابة أو الثوب أو أي بيع ما كان فوجد المشترى به عيبا فاختلف المشترى والبائع فقال البائع: حدث عندك، وقال المشترى: بل عندك، فإن كان عيبا يحدث مثله بحال فالقول قول البائع مع يمينه على البت بالله لقد باعه وما هذا العيب به، إلا أن يأتي المشترى على دعواه ببينة فتكون البينة أولى من اليمين، وإن نكل البائع رددنا اليمين على المشترى اتهمناه أو لم نتهمه، فإن حلف رددنا عليه السلعة بالعيب، وإن نكل عن اليمين لم نردها عنه ولم نعطه بنكول صاحبه فقط إنما نعطيه بالنكول إذا كان مع النكول يمينه، فإن قال قائل ما دل على ما ذكرته؟ قيل قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للانصاريين بالايمان فيستحقون بها دم صاحبهم فنكلوا ورد الايمان على يهود يبرءون بها، ثم رأى عمر بن الخطاب الايمان على المدعى عليهم الدم يبرءون بها فنكلوا فردها على المدعين ولم يعطهم
بالنكول شيئا حتى رد الايمان، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، النص المفسرة، تدل على سنته المجملة، وكذلك قول عمر بن الخطاب وقول النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، ثم قول عمر ابن الخطاب ذلك جملة دل عليها نص حكم كل واحد منهما، والذى قال لا نعدو باليمين المدعى عليهم يخالف هذا، فيكبر الحديث ما ليس فيه وقد وضعنا هذا في كتاب الاقضية واليمين على المتبايعين على البت فيما تداعيا فيه.(3/71)
[ ضامنا لو هرب المشترى أو أفلس أو قبض الثمن منه فهلك لانه في هذه الحالة أمين (قال الشافعي) ومن باع طعاما من نصراني فباعه النصراني قبل أن يستوفيه فلا يكيله له البائع حتى يحضر النصراني أو وكيله فيكتاله لنفسه (قال) ومن سلف في طعام ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز، وإن باع طعاما بصفة ونوى أن يقضيه من ذلك الطعام فلا بأس لان له أن يقضيه من غيره لان ذلك الطعام لو كان على غير الصفة لم يكن له أن يعطيه منه، ولو قبضه وكان على الصفة كان له أن يحبسه ولا يعطيه إياه، ولو هلك كان عليه أن يعطيه مثل صفة طعامه الذى باعه (قال) ومن سلف في طعام أو باع طعاما فأحضر المشترى عند اكتياله من بائعه وقال أكتاله لك لم يجز لانه بيع طعام قبل أن يقبض، فإن قال، أكتاله لنفسي وخذه بالكيل الذى حضرت لم يجز لانه باع كيلا فلا يبرأ حتى يكتاله من يشتريه ويكون له زيادته وعليه نقصانه، وهكذا روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان (1) فيكون له زيادته وعليه نقصانه (قال الشافعي) ومن باع ] (ومن ذلك في ترجمة بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها من اختلاف العراقيين) وإذا باع الرجل جارية بجارية وقبض كل واحد منهما ثم وجد أحدهما بالجارية التي قبض عيبا فإن أبا حنيفة كان يقول يردها ويأخذ جاريته لان البيع قد انتقض وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول يردها ويأخذ قيمتها صحيحة، وكذلك قولهما في جميع الرقيق والحيوان والعروض (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا باع رجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد أحدهما بالجارية التى قبض عيبا ردها وأخذ الجارية التى باع بها وانتقض البيع بينهما وهكذا جميع الحيوان والعروض، وهكذا إن كانت مع إحداهما دراهم أو عرض من العروض، وإن ماتت الجارية في يدى أحد الرجلين فوجد الآخر عيبا بالجارية الحية ردها وأخذ قيمة الجارية الميتة لانها هي الثمن الذى دفع كما يردها ويأخذ الثمن الذى دفع، وإذا اشترى الرجل بيعا
لغيره بأمره فوجد به عيبا فإن أبا حنيفة كان يقول يخاصم المشترى ولا يبالى أحضر الآمر أم لا ولا يكلف المشترى أن يحضر الآمر ولا يرى على المشترى بأسا إن قال البائع الآمر قد رضى بالعيب وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول لا يستطيع المشترى أن يرد السلعة التى بها العيب حتى يحضر الآمر فيحلف ما رضى بالعيب ولو كان غائبا بغير ذلك البلد، وكذلك الرجل معه مال مضاربة أتى بلادا يتجر بها بذلك المال، فإن أبا حنيفة كان يقول: من اشترى من ذلك شيئا فوجد به عيبا فله أن يرده ولا يستحلف على رضا الآمر بالعيب، وكان ابن أبى ليلى يقول لا يستطيع المشترى المضارب أن يرد شيئا من ذلك حتى يحضر رب المال فيحلف بالله: ما رضى بالعيب وإن لم ير المتاع، وإن كان غائبا، أرأيت رجلا أمر رجلا فباع له متاعا أو سلعة فوجد به المشترى عيبا أيخاصم البائع في ذلك أو نكلفه أن يحضر الآمر رب المتاع؟ ألا ترى أن خصمه في هذا البائع ولا يكلف أن يحضر الآمر ولا خصومه بينه وبينه؟ وكذلك إذا أمره فاشترى له فهو مثل أمره بالبيع، أرأيت لو اشترى متاعا ولم يره أكان للمشترى الخيار إذا رآه لا يكون له خيار حتى يحضر الآمر؟ أرأيت لو اشترى عبدا فوجده أعمى قبل أن يقبضه فقال لا حاجة لى فيه، أما كان له أن يرده بهذا حتى يحضر الآمر؟ بل له أن يرده ولا يحضر الآمر (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا وكل الرجل الرجل أن يشترى له سلعة بعينها أو موصوفة أو دفع إليه مالا قراضا فاشترى به تجارة فوجد بها عيبا كان له أن يرد ذلك دون رب المال لانه المشترى وليس عليه أن يحلف بالله ما رضى رب المال وذلك أنه يقوم مقام المالك فيما اشترى رب المال، ألا ترى أن رب المال لو قال ما أرضى ما اشترى لم يكن له خيار فيما ابتاع ولزمه البيع؟ ولو اشترى شيئا فحابى فيه لم ينتقض البيع وكانت السلعة لرب المال على الوكيل لا على المشترى منه وكذلك تكون التباعة للمشترى على البائع دون رب المال، فإن ادعى البائع على المشترى رضا رب المال حلف على علمه لا على البيت.
__________
(1) أي صاع البائع وصاع المشترى، وأفاد أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه وعليه الشافعي، وقال أبو حنيفة إلا العقار، وخص مالك المنع بالطعام عملا بظاهر الخبر، كذا في المناوى وغيره.
كتبه مصححه.(3/72)
[ طعاما مضمونا عليه فحل عليه الطعام فجاء بصاحبه إلى طعام مجتمع فقال: أي طعام رضيت من هذا اشتريت لك فأوفيتك.
كرهت ذلك له، وإن رضى طعاما فاشتراه له فدفعه إليه بكيله لم يجز لانه ابتاعه فباعه قبل أن يقبضه، وإن قبضه لنفسه ثم كاله له بعد جاز، وللمشترى له بعد رضاه به أن يرده
عليه إن لم يكن من صفته وذلك أن الرضا إنما يلزمه بعض القبض (قال الشافعي) ومن حل عليه طعام فلا يعطى الذى له عليه الطعام ثمن طعام يشترى به لنفسه من قبل أنه لا يكون وكيلا لنفسه مستوفيا لها قابضا لها منها وليوكل غيره حتى يدفع إليه، ومن اشترى طعاما فخرج من يديه قبل أن يستوفيه بهبة أو صدقة أو قضاه رجلا من سلف أو أسلفه آخر قبل أن يستوفيه فلا يبيعه أحد ممن صار إليه على شئ من هذه الجهات حتى يستوفيه من قبل أنه صار إنما يقبض عن المشترى كقبض وكيله (قال الشافعي) ومن كان بيده ثمر فباعه واستثنى شيئا منه بعينه فالبيع واقع على المبيع لا على المشترى والمستثنى على مثل ما كان في ملكه لم يبع قط، فلا بأس أن يبيعه صاحبه لانه لم يشتره إنما يبيعه على الملك الاول (قال الشافعي) ولا يصلح السلف حتى يدفع المسلف إلى المسلف الثمن قبل أن يتفرقا من مقامهما الذى تبايعا فيه وحتى يكون السلف بكيل معلوم بمكيال عامة يدرك علمه ولا يكون بمكيال خاصة إن هلك لم يدرك علمه أو بوزن عامة كذلك وبصفة معلومة جيد نقى وإلى أجل معلوم إن كان إلى أجل ويستوفى في موضع معلوم ويكون من أرض لا يخطئ مثلها أرض عامة لا أرض خاصة ويكون جديدا طعام عام أو طعام عامين ولا يجوز أن يقول أجود ما يكون من الطعام لانه لا يوقف على حده ولا أردأ ما يكون لانه لا يوقف على حده فإن الردئ يكون بالغرق وبالسوس وبالقدم فلا يوقف على حده ولا بأس بالسلف في الطعام حالا وآجلا، إذا حل أن يباع الطعام بصفة إلى أجل كان حالا، أو إلى أن يحل (قال الشافعي) وإن سلف رجل دنانير على طعام إلى آجال معلومة بعضها قبل بعض لم يجز عندي حتى يكون الاجل واحدا وتكون الاثمان متفرقة من قبل أن الطعام الذى إلى الاجل القريب أكثر قيمة من الطعام الذى إلى الاجل البعيد، وقد أجازه غيرى على مثل ما أجاز عليه ابتياع العروض المتفرقة، وهذا مخالف للعروض المتفرقة لان العروض المتفرقة نقد وهذا إلى أجل، والعروض شئ متفرق وهذا من شئ واحد (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجلان طعاما مضمونا موصوفا حالا أو إلى أجل فتفرقا قبل أن يقبض الثمن فالبيع مفسوخ لان هذا دين بدين (قال الشافعي) وإن اشترى الرجل طعاما موصوفا مضمونا عند الحصاد وقبل الحصاد وبعده فلا بأس، وإذا اشترى منه من طعام أرض بعينها غير موصوف فلا خير فيه لانه قد يأتي جيدا أو رديئا (قال) وإن اشتراه منه من الاندر مضمونا عليه فلا خير
فيه، لانه قد يهلك قبل أن يذريه (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الطعام إلى سنة قبل أن يزرع إذا لم يكن في زرع بعينه (قال الشافعي) ولا خير في السلف في الفدادين القمح ولا في القرط لان ذلك يختلف (قال الشافعي) ومن سلف رجلا في طعام يحل فأراد الذى عليه الطعام أن يحيل صاحب الطعام على رجل له عليه طعام مثله من بيع ابتاعه منه فلا خير فيه، وهذا هو نفس بيع الطعام قبل أن يقبض، ولكنه إن أراد أن يجعله وكيلا يقبض له الطعام فإن هلك في يديه كان أمينا فيه وإن لم يهلك وأراد أن يجعله قضاء جاز (قال) وكذلك لو ابتاع منه طعاما فحل فأحاله على رجل له عليه طعام أسلفه إياه من قبل أن أصل ما كان له عليه بيع والاحالة بيع منه له بالطعام الذى عليه بطعام على غيره (قال الشافعي) ومن ابتاع طعاما بكيل فصدقه المشترى بكيله فلا يجوز إلى أجل، وإذا قبض الطعام فالقول في كيل الطعام قول القابض مع يمينه، وإن ذكر نقصانا كثيرا أو قليلا أو زيادة قليلة أو كثيرة، وسواء ](3/73)
[ اشتراه بالنقد كان أو إلى أجل، وإنما لم أجز هذا لما وصفت من حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنى ألزم من شرط لرجل شرطا من كيل أو صفة أن يوفيه شرطه بالكيل والصفة فلما شرط له الكيل لم يجز إلا أن يوفيه شرطه، فإن قال قائل فقد صدقة فلم لا يبرأ كما يبرأ من العيب؟ قيل لو كان تصديقه يقوم مقام الابراء من العيب فشرط له مائة فوجد فيه واحدا لم يكن له أن يرجع عليه بشئ كما يشترط له السلامه فيجد العيب فلا يرجع عليه به إذا أبرأه منه (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل الطعام كيلا لم يكن له أن يأخذه وزنا إلا أن ينقض البيع الاول ويستقبل بيعا بالوزن وكذلك لا يأخذه بمكيال إلا بالمكيال الذى ابتاعه به إلا أن يكون يكيله بمكيال معروف مثل المكيال الذى ابتاعه به فيكون حينئذ إنما أخذه بالمكيال الذى ابتاعه به، وسواء كان الطعام واحدا أو من طعامين مفترقين وهذا فاسد من وجهين، أحدهما أنه أخذه بغير شرطه، والآخر أنه أخذه بدلا قد يكون أقل أو أكثر من الذى له والبدل يقوم مقام البيع وأقل ما فيه أنه مجهول لا يدرى أهو مثل ما له أو أقل أو أكثر؟ (قال الشافعي) ومن سلف في حنطة موصوفة فحلت فأعطاه البائع حنطة خيرا منها بطيب نفسه أو أعطاه حنطة شرا منها فطابت نفس المشترى فلا بأس بذلك وكل واحد منهما متطوع بالفضل وليس
هذا بيع طعام بطعام، ولو كان أعطاه مكان الحنطة شعيرا أو سلتا أو صنفا غير الحنطة لم يجز، وكان هذا بيع طعام بغيره قبل أن يقبض، وهكذا التمر وكل صنف واحد من الطعام (قال الشافعي) ومن سلف في طعام إلى أجل فعجله قبل أن يحل الاجل طيبة به نفسه مثل طعامه أو شرا منه فلا بأس، ولست أجعل للتهمة أبدا موضعا في الحكم إنما أقضى على الظاهر (قال الشافعي) ومن سلف في قمح فحل الاجل فأراد أن يأخذ دقيقا أو سويقا فلا يجوز، وهذا فاسد من وجهين أحدهما أنى أخذ غير الذى أسلفت فيه وهو بيع الطعام قبل أن يقبض، وإن قيل هو صنف واحد فقد أخذت مجهولا من معلوم فبعت مد حنطة بمد دقيق ولعل الحنطة مد وثلث دقيق ويدخل السويق في مثل هذا، ومن سلف في طعام فحل فسأل الذى حل عليه الطعام الذى له الطعام أن يبيعه طعاما إلى أجل ليقبضه إياه فلا خير فيه إن عقدا عقد البيع على هذا من قبل أنا لا نجيز أن يعقد على رجل فيما يملك أن يمنع منه أن يصنع فيه ما يصنع في ماله لان البيع ليس بتام، ولو أنه باعه إياه بلا شرط بنقد أو إلى اجل فقضاه إياه فلا بأس، وهكذا لو باعه شيئا غير الطعام، ولو نويا جميعا أن يكون يقضيه ما يبتاع منه بنقد أو إلى أجل لم يكن بذلك بأس ما لم يقع عليه عقد البيع (قال الشافعي) وهكذا لو أسلفه في طعام إلى أجل فلما حل الاجل قال له بعنى طعاما بنقد أو إلى أجل حتى أقضيك فإن وقع العقد على ذلك لم يجز وإن باعه على غير شرط فلا بأس بذلك كان البيع نقدا أو إلى أجل (قال الشافعي) ومن سلف في طعام فقبضه ثم اشتراه منه الذى قضاه إياه بنقد أو نسيئة إذا كان ذلك بعد القبض فلا بأس، لانه قد صار من ضمان القابض وبرئ المقبوض منه، ولو حل طعامه عليه فقال له: اقضنى على أن أبيعك فقضاه مثل طعامه أو دونه لم يكن بذلك بأس وكان هذا موعدا وعده إياه إن شاء وفى له به وإن شاء لم يف، ولو أعطاه خيرا من طعامه على هذا الشرط لم يجز، لان هذا شرط غير لازم، وقد أخذ عليه فضلا لم يكن له والله أعلم.
](3/74)
[ باب النهى عن بيع الكراع والسلاح في الفتنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر لم أبطله
بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين وأجزته بصحة الظاهر وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع، وكما أكره للرجل أن يشترى السيف على أن يقتل به ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه أنه يقتل به ظلما لانه قد لا يقتل به ولا أفسد عليه هذا البيع، وكما أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يراه أنه يعصره خمرا ولا أفسد البيع إذا باعه إياه لانه باعه حلالا، وقد يمكن أن لا يجعله خمرا أبدا، وفى صاحب السيف أن لا يقتل به أحدا أبدا، وكما أفسد نكاح المتعة، ولو نكح رجل امرأة عقدا صحيحا وهو ينوى أن لا يمسكها إلا يوما أو أقل أو أكثر لم أفسد النكاح إنما أفسده أبدا بالعقد الفاسد.
باب السنة في الخيار (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس ببيع الطعام كله جزافا ما يكال منه وما يوزن وما يعد، كان في وعاء أو غير وعاء، إلا أنه إذا كان في وعاء فلم ير عينه فله الخيار إذا رآه (قال الربيع) رجع الشافعي فقال: ولا يجوز بيع خيار الرؤية ولا بيع الشئ الغائب بعينه لانه قد يتلف ولا يكون عليه أن يعطيه غيره، ولو باعه إياه جزافا على الارض، فلما انتقل وجده مصبوبا على دكان أو ربوة أو حجر كان هذا نقصا يكون للمشترى فيه الخيار إن شاء أخذه وإن شاء رده، ولا بأس بشراء نصف الثمار جزافا ويكون المشترى بنصفها شريكا للذى له النصف الآخر، ولا يجوز إذا أجزنا الجزاف في الطعام نسيئة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجوز الجزاف في كل شئ من رقيق وماشية وغير ذلك، إلا أن للمشترى الخيار في كل واحد منهم إذا رآه والرد بالعيب من قبل أن كل واحد منهم غير الآخر والمكيل والموزون من الطعام إذا كان من صنف واحد كاد أن يكون مشتبها (قال) ولا بأس أن يقول الرجل: أبتاع منك جميع هذه الصبرة كل إردب بدينار، وإن قال أبتاع منك هذه الصبرة كل إردب بدينار على أن تزيدني ثلاثة أرادب، أو على أن أنقصك منها إردبا فلا خير فيه من قبل أنى لا أدرى كم قدرها فأعرف الاردب الذى نقص كم هو منها، والارادب التى زيدت كم هي عليها (قال الشافعي) ولا خير في أن أبتاع منك جزافا ولا كيلا ولا عددا ولا بيعا كائنا ما كان على أن أشترى منك مدا بكذا، وعلى أن تبيعني كذا، بكذا حاضرا كان ذلك أو غائبا، مضمونا كان ذلك أو غير مضمون، وذلك من بيعتين في بيعة ومن أنى إذا اشتريت منك عبدا بمائة على أن أبيعك دارا بخمسين
فثمن العبد مائة وحصته من الخمسين من الدار مجهولة، وكذلك ثمن الدار خمسون وحصته من العبد مجهولة، ولا خير في الثمن إلا معلوما (قال الشافعي) وإن كان قد علم كيله ثم انتقص منه شئ قل أو كثر إلا أنه لا يعلم مكيلة ما انتقص فلا أكره له بيعه جزافا (قال الشافعي) ومن كان له على رجل طعام حالا من غير بيع فلا بأس أن يأخذ به شيئا من غير صنفه إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا من ذهب أو ورق أو غير صنفه، ولا أجيزه قبل حلول الاجل بشئ من الطعام خاصة فأما بغير الطعام فلا بأس به (قال الشافعي) ومن كان له على رجل طعام من قرض فلا بأس أن يأخذ بالطعام من صنفه أجود أو أردا أو مثله إذا طابا بذلك نفسا ولم يكن شرطا في أصل القرض، وكذلك لا بأس أن يأخذ بالطعام ](3/75)
[ غيره من غير صنفه اثنين بواحد أكثر إذا تقابضا قبل أن يتفرقا ولو كان هذا من بيع لم يجز له أن يأخذ به من غير صنفه لانه بيع الطعام قبل أن يقبض فلا بأس أن يأخذ به من صنفه أجود أو أردأ قبل محل الاجل أو بعده، إذا طاب بذلك نفسا (قال الشافعي) في الرجل يشترى من الرجل طعاما موصوقا فيحل فيسأله رجل أن يسلفه إياه فيأمره أن يتقاضى ذلك الطعام فإذا صار في يده أسلفه إياه أو باعه فلا بأس بهذا إذا كان إنما وكله بأن يقبضه لنفسه ثم أحدث بعد القبض السلف أو البيع وإنما كان أولا وكيلا له وله منعه السلف والبيع وقبض الطعام من يده ولو كان شرطه له أنه إذا تقاضاه أسلفه إياه أو باعه أياه لم يكن سلفا ولا بيعا وكان له أجر مثله في التقاضى (قال) ولو أن رجلا جاء إلى رجل له زرع قائم فقال: ولنى حصاده ودراسه ثم أكتاله فيكون على سلفا لم يكن في هذا خير وكان له أجر مثله في الحصاد والدراس إن حصده ودرسه ولصاحب الطعام أخذ الطعام من يديه، ولو كان تطوع له بالحصاد والدراس ثم أسلفه إياه لم يكن بذلك بأس، وسواء القليل في هذا والكثير في كل حلال وحرام (قال الشافعي) ومن أسلف رجلا طعاما فشرط عليه خيرا منه أو أزيد أو أنقص فلا خير فيه، وله مثل ما أسلفه إن استهلك الطعام، فإن أدرك الطعام بعينه أخذه، فإن لم يكن له مثل فله قيمته، وإن أسلفه إياه لا يذكر من هذا شيئا فأعطاه خيرا منه متطوعا أو أعطاه شرا منه فتطوع هذا بقبوله فلا بأس بذلك وإن لم يتطوع واحد منهما فله مثل سلفه (قال الشافعي) ولو أن رجلا أسلف رجلا طعاما
على أن يقبضه إياه ببلد آخر كان هذا فاسدا وعليه أن يقبضه إياه في البلد الذى أسلفه فيه (قال) ولو أسلفه إياه ببلد فلقيه ببلد آخر فتقاضاه الطعام أو كان استهلك له طعاما فسأل أن يعطيه ذلك الطعام في البلد الذى لقيه فيه فليس ذلك عليه، ويقال إن شئت فاقبض منه طعاما مثل طعامك بالبلد الذى استهلكه لك أو أسلفته إياه فيه، وإن شئت أخذناه لك الآن بقيمة ذلك الطعام في ذلك البلد (قال الشافعي) ولو أن الذى عليه الطعام دعا إلى أن يعطى طعاما بذلك البلد فامتنع الذى له الطعام لم يجبر الذى له الطعام على أن يدفع إليه طعاما مضمونا له ببلد غيره، وهكذا كل ما كان لحمله مؤنة (قال الشافعي) وإنما رأيت له القيمة في الطعام يغصبه ببلد فيلقى الغاصب ببلد غيره أنى أزعم أن كل ما استهلك لرجل فأدركه بعينه أو مثله أعطيته المثل أو العين، فإن لم يكن له مثل ولا عين أعطيته القيمة لانها تقوم مقام العين إذا كانت العين والمثل عدما فلما حكمت أنه إذا استهلك له طعاما بمصر فلقيه بمكة أو بمكة فلقيه بمصر لم أقض له بطعام مثله لان من أصل حقه أن يعطى مثله بالبلد الذى ضمن له بالاستهلاك لما في ذلك من النقص والزيادة على كل واحد منهما وما في الحمل على المستوى فكان الحكم هذا أنه لا عين ولا مثل له أقضى به وأجبره على أخذه فجعلته كما لا مثل له فأعطيته قيمته إذا كنت أبطل الحكم له بمثله وإن كان موجودا (قال الشافعي) ولو كان هذا من بيع كان الجواب في ذلك أن لا أجبر واحدا منهما على أخذه ولا دفعه ببلد غير البلد الذى ضمنه وضمن له فيه هذا، ولا أجعل له القيمة من قبل أن ذلك يدخله بيع الطعام قبل أن يقبض وأجبره على أن يمضى فيقبضه أو يوكل من يقبضه بذلك البلد وأؤجله فيه أجلا فإن دفعه إليه إلى ذلك الاجل وإلا حسبته حتى يدفعه إليه أو إلى وكيله (قال الشافعي) السلف كله حال سمى له المسلف أجلا أو لم يسمه، وإن سمى له أجلا ثم دفعه إليه المسلف قبل الاجل جبر على أخذه لانه لم يكن له إلى أجل قط إلا أن يشاء أن يبرئه منه، ولو كان من بيع لم يجبر على أخذه حتى يحل أجله، هذا في كل ما كان يتغير بالحبس في يدى صاحبه من قبل أنه يعطيه إياه بالصفة قبل يحل الاجل فيتغير عن الصفة عند محل الاجل فيصير بغير الصفة، ](3/76)
[ ولو تغير في يدى صاحبه جبرناه على أن يعطيه طعاما غيره، وقد يكون يتكلف مؤنة في خزنه ويكون
حضور حاجته إليه عند ذلك الاجل، فكل ما كان لخرنه مؤنة أو كان يتغير في يدي صاحبه لم يجبر على أخذه قبل حلول الاجل وكل ما كان لا يتغير ولا مؤنة في خزنه مثل الدراهم والدنانير وما أشبههما جبر على أخذه قبل محل الاجل (قال الشافعي) في الشركة والتولية بيع من البيوع يحل بما تحل به البيوع ويحرم بما تحرم به البيوع فحيث كان البيع حلالا فهو حلال وحيث كان البيع حراما فهو حرام، وإلاقالة فسخ البيع فلا بأس بها قبل القبض لانها إبطال عقدة البيع بينهما والرجوع إلى حالهما قبل أن يتبايعا (قال) ومن سلف رجلا مائة دينار في مائة إردب طعاما إلى أجل فحل الاجل فسأله الذى عليه الطعام أن يدفع إليه خمسين إردبا ويفسخ البيع في خمسين فلا بأس بذلك إذا كان له أن يفسخ البيع في المائة كانت الخمسون أولى أن تجوز، وإذا كان له أن يقبض المائة كانت الخمسون أولى أن يقبضها وهذا أبعد ما خلق الله من بيع وسلف، والبيع والسلف الذى نهى عنه أن تنعقد العقدة على بيع وسلف، وذلك أن أقول أبيعك هذا لكذا على أن تسلفني كذا، وحكم السلف أنه حال فيكون البيع وقع بثمن معلوم ومجهول والبيع لا يجوز إلا أن يكون بثمن معلوم وهذا المسلف لم يكن له قط إلا طعام ولم تنعقد العقدة قط إلا عليه، فلما كانت العقدة صحيحة، وكان حلالا له أن يقبض طعامه كله وأن يفسخ البيع بينه وبينه في كله كان له أن يقبض بعضه ويفسخ البيع بينه بينه في بعض، وهكذا قال ابن عباس، وسئل عنه فقال هذا المعروف الحسن الجميل (قال الشافعي) ومن سلف رجلا دابة أو عرضا في طعام إلى أجل فلما حل الاجل فسأله أن يقيله منه فلا بأس بذلك كانت الدابة قائمة بعينها أو فائتة لانه لو كانت الاقالة بيعا للطعام قبل أن يقبض لم يكن له إقالته فيبيعه طعاما له عليه بدابة للذى عليه الطعام ولكنه كان فسخ البيع وفسخ البيع إبطاله لم يكن بذلك بأس كانت الدابة قائمة أو مستهلكة فهى مضمونة وعليه قيمتها إذا كانت مستهلكة (قال الشافعي) ومن أقال رجلا في طعام وفسخ البيع وصارت له عليه دنانير مضمونة فليس له أن يجعلها سلفا في شئ قبل أن يقبضها، كما لو كانت له عليه دنانير سلف أو كانت له في يديه دنانير وديعة لم يكن له أن يجعلها سلفا في شئ قبل أن يقبضها، ومن سلف مائة في صنفين من التمر وسمى رأس مال كل واحد منهما فأراد أن يقيل في أحدهما دون الآخر فلا بأس لان هاتين بيعتان مفترقتان، وإن لم يسم رأس مال كل واحد منهما فهذا بيع أكرهه،
وقد أجازه غيرى، فمن أجازه لم يجعل له أن يقيل من البعض قبل أن يقبض من قبل أنهما جميعا صفقة لكل واحد منهما حصة من الثمن لا تعرف إلا بقيمة والقيمة مجهولة (قال الشافعي) ولا خير في أن أبيعك تمرا بعينه ولا موصوفا بكذا على أن تبتاع منى تمرا بكذا، وهذان بيعتان في بيعة لانى لم أملك هذا بثمن معلوم إلا وقد شرطت عليك في ثمنه ثمنا لغيره فوقعت الصفقة على ثمن معلوم وحصة في الشرط في هذا البيع مجهولة وكذلك وقعت في البيع الثاني، والبيوع لا تكون إلا بثمن معلوم (قال الشافعي) ومن سلف رجلا في مائة أردب فاقتضى منه عشرة أو أقل أو أكثر ثم سأله الذى عليه الطعام أن يرد عليه العشرة التى أخذ منه أو ما أخذ ويقيله، فإن كان متطوعا بالرد عليه تمت الاقالة فلا بأس، وإن كان ذلك على شرط أنى لا أرده عليك إلا أن تفسخ البيع بيننا فلا خير في، ومن كانت له على رجل دنانير فسلف الذى عليه الدنانير رجلا غيره دنانير في طعام فسأله الذى له عليه الدنانير أن يجعل له تلك الدنانير في سلفه أو يجعلها له تولية فلا خير في ذلك لان التولية بيع وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض ودين بدين وهو مكروه في الآجل والحال (قال الشافعي) ومن ابتاع من رجل ](3/77)
[ مائة أردب طعام فقبضها منه ثم سأله البائع الموفى أن يقيله منها كلها أو بعضها فلا بأس بذلك، وقال مالك لا بأس أن يقيله من الكل ولا يقيله من البعض (قال الشافعي) ولو أن نفرا اشتروا من رجل طعاما فأقاله بعضهم وأبى بعضهم فلا بأس بذلك، ومن ابتاع من رجل طعاما كيلا فلم يكله ورضى أمانة البائع في كيله ثم سأله البائع أو غيره أن يشركه فيه قبل كيله فلا خير في ذلك لانه لا يكون قابضا حتى يكتاله، وعلى البائع أن يوفيه الكيل، فإن هلك في يد المشترى قبل أن يوفيه الكل فهو مضمون على المشترى بكيله، والقول في الكيل قول المشترى مع يمينه، فإن قال المشترى لا أعرف الكيل فأحلف عليه، قيل للبائع إدع في الكيل ما شئت، فإذا ادعى قيل للمشترى إن صدقته فله في يديك هذا الكيل، وإن كذبته فإن حلفت على شئ تسميه فأنت أحق باليمين، وإن أبيت فأنت راد لليمين عليه حلف على ما ادعى وأخذه منك (قال الشافعي) الشركة والتولية بيع من البيوع يحل فيه ما يحل في البيوع ويحرم فيه ما يحرم في البيوع فمن ابتاع طعاما أو غيره فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا أو يوليه إياه
فالشركة باطلة والتولية، وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض، والاقالة فسخ للبيع (قال الشافعي) ومن ابتاع طعاما فاكتال بعضه ونقد ثمنه ثم سأله أن يقيله من بعضه فلا بأس بذلك (قال الشافعي) ومن سلف رجلا في طعام فاستغلاه فقال له البائع أنا شريكك فيه فليس بجائز (قال الشافعي) ومن باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل فقبضه المبتاع وغاب عليه ثم ندم البائع فاستقاله وزاده فلا خير فيه من قبل أن الاقالة ليست ببيع، فإن أحب أن يجدد فيه بيعا بذلك فجائز، وقال مالك لا بأس به وهو بيع محدث (قال الشافعي) ومن باع طعاما حاضرا بثمن إلى أجل فحل الاجل فلا بأس أن يأخذ في ذلك الثمن طعاما، ألا ترى أنه لو أخذ طعاما فاستحق رجع بالثمن لا بالطعام؟ وهكذا إن أحاله بالثمن على رجل قال مالك لا خير فيه كله (قال الشافعي) ومن ابتاع بنصف درهم طعاما على أن يعطيه بنصف درهم طعاما حالا أو إلى أجل أو يعطى بالنصف ثوبا أو درهما أو عرضا فالبيع حرام لا يجوز، وهذا من بيعتين في بيعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو باع طعاما بنصف درهم الدرهم (1) نقدا أو إلى أجل فلا بأس أن يعطيه درهما يكون نصفه له بالثمن ويبتاع منه بالنصف طعاما أو ما شاء إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا وسواء كان الطعام من الصنف الذى باع منه أو غيره، لان هذه بيعة جديدة ليست في العقدة الاولى (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل من الرجل طعاما بدينار حالا فقبض الطعام ولم يقبض البائع الدينار ثم اشترى البائع من المشترى طعاما بدينار فقبض الطعام ولم يقبض الدينار فلا بأس أن يجعل الدينار قصاصا من الدينار، وليس أن يبيع الدينار بالدينار فيكون دينا بدين ولكن يبرئ كل واحد منهما صاحبه من الدينار الذى عليه بلا شرط، فإن كان بشرط فلا خير فيه.
باب بيع الآجال (قال الشافعي) وأصل ما ذهب إليه من ذهب في بيوع الآجال أنهم رووا عن عالية بنت أنفع أنها ]
__________
(1) قوله بنصف درهم الدرهم، كذا بالاصول، وتأمله، ولعل لفظ " الدرهم " زائد من النساخ وحرره اه مصححه.(3/78)
[ سمعت عائشة أو سمعت امرأة أبى السفر تروى عن عائشة ان امرأة سألتها عن بيع باعته من زيد بن أرقم
بكذا وكذا إلى العطاء ثم اشترته منه بأقل من ذلك نقدا، فقالت عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما ابتعت، أخبرى زيد بن أرقم أن الله عزوجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب (قال الشافعي) قد تكون عائشة لو كان هذا ثابتا عنها عابت عليها بيعا إلى العطاء لانه أجل غير معلوم، وهذا مما لا تجيزه، لا أنها عابت عليها ما اشترت منه بنقد وقد باعته إلى أجل، ولو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شئ فقال بعضهم فيه شيئا وقال بعضهم بخلافه كان أصل ما نذهب إليه أنا نأخذ بقول الذى معه القياس، والذى معه القياس زيد بن أرقم، وجملة هذا أنا لا نثبت مثله على عائشة مع أن زيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالا، ولا يبتاع مثله، فلو أن رجلا باع شيئا أو ابتاعه نراه نحن محرما وهو يراه حلالا لم نزعم أن الله يحبط من عمله شيئا، فإن قال قائل فمن أين القياس مع قول زيد؟ قلت أرأيت البيعة الاولى أليس قد ثبت بها عليه الثمن تاما؟ فإن قال بلى، قيل: أفرأيت البيعة الثانية أهى الاولى؟ فإن قال: لا قيل: أفحرام عليه أن يبيع ماله بنقد وإن كان اشتراه إلى أجل؟ فإن قال: لا، إذا باعه من غيره، قيل، فمن حرمه منه؟ فإن قال: كأنها رجعت إليه السلعة أو اشترى شيئا دينا بأقل منه نقدا، قيل إذا قلت: كان لما ليس هو بكائن، لم ينبغ لاحد أن يقبله منك، أرأيت لو كانت المسألة بحالها فكان باعها بمائة دينار دينا واشتراها بمائة أو بمائتين نقدا؟ فإن قال: جائز، قيل: فلا بد أن تكون أخطأت كان ثم أو ههنا لانه لا يجوز له أن يشترى منه مائة دينار دينا بمائتي دينار نقدا، فإن قلت: إنما اشتريت منه السلعة، قيل فهكذا كان ينبغى أن تقول أولا ولا تقول كان لما ليس هو بكائن، أرأيت البيعة الآخرة بالنقد لو انتقضت أليس ترد السلعة ويكون الدين ثابتا كما هو فتعلم أن هذه بيعة غير تلك البيعة؟ فإن قلت، إنما اتهمته، قلنا هو أقل تهمة على ماله منك، فلا تركن عليه إن كان خطأ ثم تحرم عليه ما أحل الله له، لان الله عزوجل أحل البيع وحرم الربا وهذا بيع وليس بربا، وقد روى إجازة البيع إلى العطاء عن غير واحد، وروى عن غيرهم خلافه، وإنما اخترنا أن لا يباع إليه لان العطاء قد يتأخر ويتقدم، وإنما الآجال معلومة بأيام موقوتة أو اهله وأصلها في القرآن، قال الله عزوجل " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج "، وقال تعالى: " واذكروا الله في أيام معدودات " وقال عزوجل: " فعدة من أيام أخر "، فقد وقت
بالاهلة كما وقت بالعدة وليس العطاء من مواقيته تبارك وتعالى، وقد يتأخر الزمان ويتقدم وليس تستأخر الاهلة أبدا أكثر من يوم، فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذى اشتراها منه ومن غير بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوى، وليست البيعة الثانية من البيعة الاولى بسبيل، ألا ترى أنه كان للمشترى البيعة الاولى إن كانت أمة أن يصيبها أو يهبها أو يعتقها أو يبيعها ممن شاء غير بيعه بأقل أو أكثر مما اشتراها به نسيئة؟ فإذا كان هكذا فمن حرمها على الذى اشتراها؟ وكيف يتوهم أحد؟ وهذا إنما تملكها ملكا جديدا بثمن لها لا بالدنانير المتأخرة؟ أن هذا كان ثمنا للدنانير المتأخرة وكيف إن جاز هذا على الذى باعها لا يجوز على أحد لو اشتراها؟ (قال الشافعي) المأكول والمشروب كله مثل الدنانير والدراهم لا يختلفان في شئ وإذا بعت منه صنفا بصنفه، فلا يصلح الا مثلا بمثل يدا بيد، إن كان كيلا فكيل، وإن كان وزنا فوزن، كما لا تصلح الدنانير بالدنانير إلا يدا بيد وزنا بوزن، ولا تصلح كيلا بكيل وإذا اختلف الصنفان منه فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ](3/79)
[ كما يصلح الذهب بالورق متفاضلا ولا يجوز نسيئة، وإذا اختلف الصنفان فجاز الفضل في أحدهما على الآخر فلا بأس أن يشترى منه جزافا بجزاف لان أكثر ما في الجزاف أن يكون متفاضلا والتفاضل لا بأس به، وإذا كان شئ من الذهب أو الفضة أو المأكول أو المشروب فكان الآدميون فيه صنعة يستخرجون بها من الاصل شيئا يقع عليه اسم دون اسم فلا خير في ذلك الشئ بشئ من الاصل وإن كثرت الصنعة فيه، كما لو أن رجلا عمد إلى دنانير فجعلها طستا أو قبة أو حليا ما كان لم تجز بالدنانير أبدا إلا وزنا بوزن، وكما لو أن رجلا عمد إلى تمر فحشاه في شن أو جرة أو غيرها نزع نواه أو لم ينزعه لم يصلح أن يباع بالتمر وزنا بوزن لان أصلهما الكيل، والوزن بالوزن قد يختلف في أصل الكيل، فكذلك لا يجوز حنطة بدقيق لان الدقيق من الحنطة وقد يخرج من الحنطة من الدقيق ما هو أكثر من الدقيق الذي بيع بها وأقل ذلك أن يكون مجهولا بمعلوم من صنف فيه الربا، وكذلك حنطة بسويق وكذلك حنطة بخبز، وكذلك حنطة بفالوذج إن كان نشا سععه (1) من حنطة وكذلك دهن سمسم
بسمسم وزيت بزيتون لا يصلح هذا لما وصفت، وكذلك لا يصلح التمر المنثور بالتمر المكبوس لان أصل التمر الكيل (قال الشافعي) وإذا بعت شيئا من المأكول أو المشروب أو الذهب أو الورق بشئ من صنفه فلا يصلح إلا مثلا بمثل، وأن يكون ما بعت منه صنفا واحدا جيدا أو ردئيا، ويكون ما اشتريت منه صنفا واحدا، ولا يبالى أن يكون أجود أو أردأ مما اشتريته به، ولا خير في أن يأخذ خمسين دينارا مروانية وخمسين (2) حدنا بمائة هاشمية ولا بمائة غيرها، وكذلك لا خير في أن يأخذ صاع بردى وصاع لون بصاعي صيحانى، وإنما كرهت هذا من قبل أن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفين فكل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن، فيكون ثمن صاع البردى بثلاثة دنانير، وثمن صاع اللون دينارا، وثمن صاع الصيحاني يسوى دينارين، فيكون صاع البردى بثلاثة أرباع صاعي الصيحاني وذلك صاع ونصف وصاع اللون بربع صاعي الصيحانى وذلك نصف صاع صيحاني فيكون هذا التمر بالتمر متفاضلا، وهكذا هذا في الذهب والورق وكل ما كان فيه الربا في التفاضل في بعضه على بعض (قال الشافعي) وكل شئ من الطعام يكون رطبا ثم ييبس فلا يصلح منه رطب بيابس، لان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقال: نعم، فنهى عنه فنظر في المعتقب فكذلك ننظر في المعتقب فلا يجوز رطب برطب لانهما إذا تيبسا اختلف نقصهما فكانت فيهما الزيادة في المعتقب، وكذلك كل مأكول لا ييبس إذا كان مما ييبس فلا خير في رطب منه برطب كيلا بكيل ولا وزنا بوزن ولا عددا بعدد، ولا خير في أترجة بأترجة ولا بطيخة ببطيخة وزنا ولا كيلا ولا عددا، فإذا اختلف الصنفان فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض ولا خير فيه نسيئة، ولا بأس بأترجة ببطيخة وعشر بطيخات وكذلك ما سواهما، فإذا كان من الرطب شئ لا ييبس بنفسه أبدا مثل الزيت والسمن والعسل واللبن فلا بأس ببعضه على بعض، إن كان مما يوزن فوزنا وإن كان مما يكال فكيلا مثلا بمثل، ولا تفاضل فيه حتى يختلف الصنفان، ولا خير في التمر بالتمر حتى يكون ينتهى يبسه، وإن انتهى يبسه إلا أن بعضه أشد انتفاخا من بعض فلا يضره إذا انتهى يبسه كيلا بكيل (قال الشافعي) وإذا كان منه شئ مغيب مثل الجوز واللوز وما يكون مأكوله في ]
__________
(1) قوله " سععه " كذا بالاصل بدون نقط، وحرره.
كتبه مصححه.
(2) " حدنا " كذا بالاصل بدون نقط، وحرره، كتبه مصححه.(3/80)
[ داخله فلا خير في بعضه ببعض عددا ولا كيلا ولا وزنا، فإذا اختلف فلا بأس به من قبل أن مأكوله مغيب وأن قشره يختلف في الثقل والخفة فلا يكون أبدا إلا مجهولا بمجهول، فإذا كسر فخرج مأكوله فلا بأس في بعضه ببعض يدا بيد مثلا بمثل، وإن كان كيلا فكيلا وإن كان وزنا فوزنا، ولا يجوز الخبز بعضه ببعض عددا ولا وزنا ولا كيلا من قبل أنه إذا كان رطبا فقد ييبس فينقص، وإذا انتهى يبسه فلا يستطاع أن يكتال وأصله الكيل فلا خير فيه وزنا لانا لا نحيل الوزن إلى الكيل (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وأصله الوزن والكيل بالحجاز، فكل ما وزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأصله الوزن وكل ما كيل فأصل بالكيل، وما أحدث الناس منه مما يخالف ذلك رد إلى الاصل (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل ثمر النخلة أو النخل بالحنطة فتقابضا فلا بأس بالبيع لانه لا أجل فيه، وإنى أعد القبض في رؤوس النخل قبضا كما أعد قبض الجزاف قبضا إذا خلى المشترى بينه وبينه لا حائل دونه فلا بأس فإن تركته أنا فالترك من قبلى ولو أصيب كان على لانى قابض له ولو أنى اشتريته على أن لا أقبضه إلى غد أو أكثر من ذلك فلا خير فيه لانى إنما اشتريت الطعام بالطعام إلى أجل، وهكذا اشتراؤه بالذهب والفضة لا يصلح أن أشتريه بهما على أن أقبضه في غد أو بعد غد لانه قد يأتي غد أو بعد غد فلا يوجد، ولا خير في اللبن الحليب باللبن المضروب لان في المضروب ماء فهو ماء ولبن، ولو لم يكن فيه ماء فأخرج زبده لم يجز بلبن لم يخرج زبده لانه قد أخرج منه شئ هو من نفس جسده ومنفعته، وكذلك لا خير في تمر قد عصر وأخرج صفوه بتمر لم يخرج صفوه كيلا بكيل من قبل أنه قد أخرج منه شئ من نفسه، وإذا لم يغير عن خلقته فلا بأس به (قال الشافعي) ولا يجوز اللبن باللبن إلا مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يجوز إذا خلط في شئ منه ماء بشئ قد خلط فيه ماء ولا بشئ لم يخلط فيه ماء لانه ماء ولبن بلبن مجهول، والالبان مختلفة، فيجوز لبن الغنم بلبن الغنم الضأن والمعز وليس لبن الظباء منه، ولبن البقر بلبن الجواميس والعراب وليس لبن البقر الوحش منه، ويجوز لبن الابل بلبن الابل العراب والبخت، وكل هذا صنف: الغنم صنف، والبقر صنف، والابل
صنف، وكل صنف غير صاحبه فيجوز بعضه ببعض متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة، ويجوز أنسيه بوحشيه متفاضلا وكذلك لحومه مختلفة يجوز الفضل في بعضها على بعض يدا بيد، ولا يجوز نسيئة، ويجوز رطب بيابس إذا اختلف، ورطب برطب، ويابس، بيابس، فإذا كان منها شئ من صنف واحد مثل لحم غنم بلحم غنم لم يجز رطب برطب ولا رطب بيابس، وجاز إذا يبس فانتهى يبسه بعضه ببعض وزنا، والسمن مثل اللبن (قال الشافعي) ولا خير في مد زبد ومد لبن بمدى زبد، ولا خير في جبن بلبن: لانه قد يكون من اللبن جبن، إلا أن يختلف اللبن والجبن فلا يكون به بأس (قال الشافعي) وإذا أخرج زبد اللبن فلا بأس بأن يباع بزبد وسمن لانه لا زبد في اللبن ولا سمن، وإذا لم يخرج زبده فلا خير فيه بسمن ولا زبد، ولا خير في الزيت إلا مثلا بمثل يدا بيد إذا كان من صنف واحد، فإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة، ولا بأس بزيت الزيتون بزيت الفجل، وزيت الفجل بالشيرق متفاضلا (قال الشافعي) ولا خير في خل العنب بخل العنب إلا سواء، ولا بأس بخل العنب بخل التمر، وخل القصب، لان أصوله مختلفة، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض.
وإذا كان خل لا يوصل إليه إلا بالماء مثل خل التمر وخل الزبيب فلا خير فيه بعضه ببعض من قبل أن الماء يكثر ويقل، ولا بأس به إذا اختلف، والنبيذ الذى لا يسكر مثل الخل (قال الشافعي) ولا بأس بالشاة الحية التي لا لبن فيها حين تباع باللبن يدا بيد ولا خير فيها إن ](3/81)
[ كان فيها لبن حين تباع باللبن لان للبن الذى فيه حصة من اللبن الموضوع لا تعرف وإن كانت مذبوحة لا لبن فيها فلا بأس بها بلبن ولا خير فيها مذبوحة بلبن إلى أجل ولا بأس بها قائمة لا لبن فيها بلبن إلى أجل لانه عرض بطعام ولان الحيوان غير الطعام فلا بأس بما سميت من أصناف الحيوان بأى طعام شئت إلى أجل لان الحيوان ليس من الطعام ولا مما فيه ربا ولا بأس بالشاة للذبح بالطعام إلى أجل (قال الشافعي) ولا بأس بالشاة باللبن إذا كانت الشاة لا لبن فيها، من قبل أنها حينئذ بمنزلة العرض بالطعام والمأكول كل ما أكله بنو آدم وتداووا به حتى الاهليلج والصبر فهو بمنزلة الذهب بالذهب والورق بالذهب وكل ما لم يأكله بنو آدم وأكلته البهائم فلا بأس ببعضه ببعض متفاضلا يدا بيد وإلى أجل
معلوم (قال الشافعي) والطعام بالطعام إذا اختلف بمنزلة الذهب بالورق سواء، يجوز فيه ما يجوز فيه، ويحرم فيه ما يحرم فيه (قال الشافعي) وإذا اختلف أجناس الحيتان فلا بأس ببعضها ببعض متفاضلا وكذلك لحم الطير إذا اختلف أجناسها ولا خير في اللحم الطرى بالمالح والمطبوخ ولا باليابس على كل حال ولا يجوز الطرى ولا اليابس بالطرى حتى يكونا يابسين أو حتى تختلف أجناسهما فيجوز على كل حال كيف كان (قال الربيع) ومن زعم أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الحمام متفاضلا ولا يجوز إلا يدا بيد مثلا بمثل، إذا انتهى يبسه، وإن كان من غير الحمام، فلا بأس به متفاضلا (قال الشافعي) ولا يباع اللحم بالحيوان على كل حال، كان من صنفه أو من غير صنفه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن القاسم بن أبى بزة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد جزرت فجزئت أجزاء كل جزء منها بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءا فقال لى رجل من أهل المدينة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع حى بميت فسألت عن ذلك الرجل فأخبرت عنه خيرا قال أخبرنا ابن أبى يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس عن أبى بكر الصديق أنه كره بيع الحيوان باللحم (قال الشافعي) سواء كان الحيوان يؤكل لحمه أو لا يؤكل (قال الشافعي) سواء اختلف اللحم والحيوان أو لم يختلف ولا بأس بالسلف في اللحم إذا دفعت ما سلفت فيه قبل أن تأخذ من اللحم شيئا وتسمى اللحم ما هو والسمانة والموضع والاجل فيه، فإن تركت من هذا شيئا لم يجز ولا خير في أن يكون الاجل فيه إلا واحدا فإذا كان الاجل فيه واحدا ثم شاء أن يأخذ منه شيئا في كل يوم أخذه وإن شاء أن يترك ترك (قال الشافعي) ولا خير في أن يأخذ مكان لحم ضأن قد حل لحم بقر، لان ذلك بيع الطعام، قبل أن يستوفى (قال الشافعي) ولا خير في السلف في الرؤوس ولا في الجلود من قبل أنه لا يوقف للجلود على ذرع وأن خلقتها تختلف فتتباين في الرقة والغلظ وأنها لا تستوى على كيل ولا وزن، ولا يجوز السلف في الرؤوس لانها لا تستوى على وزن ولا تضبط بصفة فتجوز كما تجوز الحيوانات المعروفة بالصفة، ولا يجوز أن تشترى إلا يدا بيد (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الطرى من الحيتان إن ضبط بوزن وصفة من صغر وكبر وجنس من الحيتان مسمى لا
يختلف في الحال التى يحل فيها فإن أخطأ من هذا شيئا لم يجز (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الحيوان كله في الرقيق والماشية والطير إذا كان تضبط صفته ولا يختلف في الحين الذى يحل فيه وسواء كان مما يستحيا أو مما لا يستحيا فإذا حل من هذا شئ وهو من أي شئ ابتيع لم يجز لصاحبه أن يبيعه قبل أن يقبضه ولا يصرفه إلى غيره ولكنه يجوز له أن يقيل من أصل البيع ويأخذ الثمن ولا يجوز أن يبيع الرجل الشاة ويستثنى شيئا منها جلدا ولا غيره في سفر ولا حضر ولو كان الحديث ثبت عن النبي صلى ](3/82)
[ الله عليه وسلم في السفر أجزناه في السفر والحضر (قال الشافعي) فإن تبايعا على هذا فالبيع باطل وإن أخذ ما استثنى من ذلك وفات رجع البائع على المشترى فأخذ منه قيمة اللحم يوم أخذه (قال الشافعي) ولا خير في أن يسلف رجل في لبن غنم بأعيانها، سمى الكيل أو لم يسمه كما لا يجوز أن يسلف في طعام أرض بعينها، فإن كان اللبن من غنم بغير أعيانها فلا بأس وكذلك إن كان الطعام من غير أرض بعينها فلا بأس (قال) ولا يجوز أن يسلف في لبن غنم بعينها الشهر ولا أقل من ذلك ولا أكثر بكيل معلوم كما لا يجوز أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا زرع بعينه، ولا يجوز السلف بالصفة إلا في الشئ المأمون أن ينقطع من أيدى الناس في الوقت الذى يحل فيه ولا يجوز أن يباع لبن غنم بأعيانها شهرا يكون للمشترى ولا أقل من شهر ولا أكثر من قبل أن الغنم يقل لبنها ويكثر وينفذ وتأتى عليه الآفة وهذا بيع ما لم يخلق قط وبيع ما إذا خلق كان غير موقوف على حده بكيل لانه يقل ويكثر وبغير صفة لانه يتغير فهو حرام من جميع جهاته وكذلك لا يحل بيع المقاثئ بطونا وإن طاب البطن الاول لان البطن الاول وإن رئ فحل بيعه على الانفراد فما بعده من البطون لم ير، وقد يكون قليلا فاسدا ولا يكون وكثيرا جيدا وقليلا معيبا وكثيرا بعضه أكثر من بعض فهو محرم في جميع جهاته ولا يحل البيع إلا على عين يراها صاحبها أو بيع مضمون على صاحبه بصفة يأتي بها على الصفة ولا يحل بيع ثالث (قال الشافعي) ولا خير في أن يكترى الرجل البقرة ويستثنى حلابها لان ههنا يبعا حراما وكراء (قال الشافعي) ولا خير في أن يشترى الرجل من الرجل الطعام الحاضر على أن يوفيه إياه بالبلد ويحمله إلى غيره لان هذا فاسد من وجوه، أما أحدها إذا استوفاه بالبلد خرج البائع من ضمانه وكان على
المشترى حمله فإن هلك قبل أن يأتي البلد الذى حمله إليه لم يدر، كم حصة البيع من حصة الكراء؟ فيكون الثمن مجهولا والبيع لا يحل بثمن مجهول فأما أن يقول هو من ضمان الحامل حتى يوفيه إياه بالبلد الذى شرط له أن يحمله إليه فقد زعم أنه إنما اشتراه على أن يوفيه ببلد فاستوفاه ولم يخرج البائع من ضمانه ولا أعلم بائعا يوفى رجلا بيعا إلا خرج من ضمانه ثم إن زعم أنه مضمون ثانية، فبأى شئ ضمن بسلف أو بيع أو غصب فهو ليس في شئ من هذه المعاني فإن زعم أنه ضمن بالبيع الاول فهذا شئ واحد بيع مرتين وأوفى مرتين والبيع في الشئ الواحد لا يكون مقبوضا مرتين (قال الشافعي) ولا خير في كل شئ كان فيه الربا في الفضل بعضه على بعض وإذا اشترى الرجل السمن أو الزيت وزنا بظروفه، فإن شرط الظرف في الوزن فلا خير فيه وإن اشتراها وزنا على أن يفرغها ثم يزن الظرف فلا بأس وسواء الحديد والفخار والزقاق (قال الشافعي) ومن اشترى طعاما يراه في بيت أو حفرة (1) أو هرى أو طاقة فهو سواء فإذا وجد أسفله متغيرا عما رأى أعلاه فله الخيار في أخذه أو تركه لان هذا عيب وليس يلزمه العيب إلا أن يشاء كثر ذلك أو قل (قال الشافعي) نهى رسول الله صلى الله لى عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فإذا كان الحائط للرجل وطلعت الثريا واشتدت النواة واحمر بعضه أو أصفر، حل بيعه على أن يترك إلى أن يجد وإذا لم يظهر ذلك في الحائط لم يحل بيعه وإن ظهر ذلك فيما حوله، لانه غير ما حوله وهذا إذا كان الحائط نخلا كله ولم يختلف النخل، فأما إذا كان نخلا وعنبا أو نخلا وغيره من الثمر فبدا صلاح صنف منه فلا يجوز أن يباع النصف الآخر الذى لم يبد ]
__________
(1) قوله: أو هرى - بضم الهاء وسكون الراء المهملة - بيت كبير ضخم يجمع فيه طعام السلطان.
كما في اللسان كتبه مصححه.(3/83)
[ صلاحه ولا يجوز شراء ما كان المشترى منه تحت الارض مثل الجزر والبصل والفجل وما أشبه ذلك ويجوز شراء ما ظهر من ورقه لان المغيب منه يقل ويكثر ويكون ولا يكون ويصغر ويكبر وليس بعين ترى فيجوز شراؤها ولا مضمون بصفة فيجوز شراؤه ولا عين غائبة فإذا ظهرت لصاحبها كان له الخيار ولا أعلم البيع يخرج من واحدة من هذه الثلاث (قال الشافعي) وإذا كان في بيع الزرع قائما خبر
يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجازه في حال دون حال فهو جائز في الحال التي أجازه فيها وغير جائز في الحال التي تخالفه، وإن لم يكن فيه خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز بيعه على حال لانه مغيب يقل ويكثر ويفسد ويصلح كما لا يجوز بيع حنطة في جراب ولا غرارة وهما كانا أولى أن يجوزا منه، ولا يجوز بيع القصيل إلا على أن يقطع مكانه إذا كان القصيل مما يستخلف، وإن تركه انتقض فيه البيع لانه يحدث منه ما ليس في البيع وإن كان القصيل مما يستخلف ولا يزيد لم يجز أيضا بيعه إلا على أن يقطعه مكانه فإن قطعه أو نتفه فذلك له وإن لم ينتفه فعليه قطعه إن شاء رب الارض والثمرة له لانه اشترى أصله ومتى ما شاء رب الارض أن يقلعه عنه قلعه وإن تركه رب الارض حتى تطيب الثمر فلا بأس وليس للبائع من الثمرة شئ (قال) وإذا ظهر القرط أو الحب فاشتراه على أن يقطعه مكانه فلا بأس وإذا اشترط أن يتركه فلا خير فيه، وإذا اشترى الرجل ثمرة لم يبد صلاحها على ان يقطعها فالبيع جائز وعليه أن يقطعها متى شاء رب النخل وإن تركه رب النخل متطوعا فلا بأس والثمرة للمشترى ومتى أخذه بقطعها قطعها فإن اشتراها على أن يتركه إلى أن يبلغ فلا خير في الشراء فإن قطع منها شيئا فكان له مثل رد مثله ولا أعلم له مثلا، وإذا لم يكن له مثل رد قيمته والبيع منتقض ولا خير في شراء التمر إلا بنقد أو إلى أجل معلوم والاجل المعلوم بوم بعينه من شهر بعينه أو هلال شهر بعينه فلا يجوز البيع إلى العطاء ولا إلى الحصاد ولا إلى الجداد لان ذلك يتقدم ويتأخر وإنما قال الله تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " وقال عز وجل " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج " فلا توقيت إلا بالاهلة أو سنى الاهلة (قال) ولا خير في بيع قصيل الزرع كان حبا أو قصيلا على أن يترك إلا أن يكون في ذلك خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فيه خبر فلا خير فيه (قال الشافعي) ومن اشترى نخلا فيها ثمر قد أبرت فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع، فإن اشترطها المبتاع فجائز، من قبل أنها في نخله وإن كانت لم تؤبر فهى للمبتاع وإن اشترطها البائع فذلك جائز لان صاحب النخل ترك له كينونة الثمرة في نخله حين باعه إياها إذا كان استثنى على أن يقطعها فإن استثنى على أن يقرها فلا خير في البيع لانه باعه ثمرة لم يبد صلاحها على أن تكون مقرة إلى وقت قد تأتى عليها الآفة قبله ولو استثنى بعضها لم يجز إلا أن يكون النصف معلوما فيستثنيه على أن يقطعه ثم إن
تركه بعد لم يحرم عليه والاستثناء مثل البيع يجوز فيه ما يجوز في البيع ويفسد فيه ما يفسد فيه (قال) وإذا أبر من النخل واحدة فثمرها للبائع وإن لم يؤبر منها شئ فثمرها للمبتاع كما إذا طاب من النخل واحدة يحل بيعه وإن لم يطب الباقي منه، فإن لم يطب منه شئ لم يحل بيعه ولا شئ مثل ثمر النخل أعرفه إلا الكرسف فإنه يخرج في أكمامه كما يخرج الطلع في أكمامه ثم ينشق فإذا انشق منه شئ فهو كالنخل يؤبر وإذا انشق النخل ولم يؤبر فهى كالابار لانهم يبادرون به إبارته إنما يؤبر ساعة ينشق وإلا فسد فإن كان من الثمر شئ يطلع في أكمامه ثم ينشق فيصير في انشقاقه فهو كالابار في النخل وما كان من الثمر يطلع كما هو لا كمام عليه أو يطلع عليه كمام ثم لا يسقط كمامه فطلوعه كإبار النخل لانه ظاهر فإذا باعه رجل وهو كذلك فالثمرة له إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع أرضا فيها زرع تحت الارض أو فوقها بلغ ](3/84)
[ أو لم يبلغ فالزرع للبائع والزرع غير الارض (قال الشافعي) ومن باع ثمر حائطه فاستثنى منه مكيلة، قلت أو كثرت، فالبيع فاسد لان المكيلة قد تكون نصفا أو ثلثا أو أقل أو أكثر فيكون المشترى لم يشتر شيئا يعرفه ولا البائع، ولا يجوز أن يستثنى من جزاف باعه شيئا إلا ما لا يدخله في البيع وذلك مثل نخلات يستثنين بأعيانهن فيكون باعه ما سواهن أو ثلث أو ربع أو سهم من أسهم جزاف فيكون ما لم يستثن داخلا في البيع وما استثنى خارجا منه فأما أن يبيعه جزافا لا يدرى كم هو ويستثنى منه كيلا معلوما فلا خير فيه لان البائع حينئذ لا يدرى ما باع والمشترى لا يدرى ما اشترى، ومن هذا أن يبيعه الحائط فيستثنى منه نخلة أو أكثر لا يسميها بعينها فيكون الخيار في استثنائها إليه فلا خير فيه لان لها حظا من الحائط لا يدرى كم هو، وهكذا الجزاف كله (قال الشافعي) ولا يجوز لرجل أن يبيع رجلا شيئا ثم يستثنى منه شيئا لنفسه ولا لغيره إلا أن يكون ما استثنى منه خارجا من البيع لم يقع عليه صفقة البيع كما وصفت وإن باعه ثمر حائط على أن له ما سقط من النخل فالبيع فاسد من قبل أن الذى يسقط منها قد يقل ويكثر أرأيت لو سقطت كلها أتكون له؟ فأى شئ باعه إن كانت له؟ أو رأيت لو سقط نصفها أيكون له النصف بجميع الثمن؟ فلا يجوز الاستثناء إلا كما وصفت (قال الشافعي) ومن باع ثمر حائط رجل وقبضه منه وتفرقا ثم أراد أن يشتريه كله أو بعضه فلا بأس به (قال الشافعي) وإذا اكترى
الرجل الدار وفيها نخل قد طاب ثمره على أن له الثمرة فلا يجوز من قبل أنه كراء وبيع وقد ينفسخ الكراء بانهدام الدار ويبقى ثمر الشجر الذى اشترى فيكون بغير حصة من الثمن معلوما (1) والبيوع لا تجوز إلا معلومة الاثمان فإن قال قد يشترى العبد والعبدين والدار والدارين صفقة واحدة؟ قيل نعم فإذا انتقض البيع في أحد الشيئين المشتريين انتقض في الكل وهو مملوك الرقاب كله والكراء ليس بمملوك الرقبة إنما هو مملوك المنفعة والمنفعة ليست بعين قائمة، فإذا أراد أن يشترى ثمرا ويكترى دارا تكارى الدار على حدة واشترى الثمرة على حدة ثم حل في شراء الثمرة ما يحل في شراء الثمرة بغير كراء ويحرم فيه ما يحرم فيه (قال الشافعي) ولا بأس ببيع؟؟؟ (2) أحدهما بصاحبه استويا أو اختلفا إذا لم يكن فيها ثمر فإن كان فيهما تمر فكان التمر مختلفا فلا بأس به إذا كان الثمر قد طاب أو لم يطب وإن كان ثمره واحدا فلا خير فيه (قال الربيع) إذا بعتك حائطا بحائط وفيهما جميعا ثمر فإن كان الثمران مختلفين مثل أن يكون كرم فيه عنب أو زبيب بحائط نخل فيه بسر أو رطب بعتك الحائط بالحائط على أن لكل واحد حائطا بما فيه فإن البيع جائز وإن كان الحائطان مستويى الثمر مثل النخل ونخل فيهما الثمر فلا يجوز من قبل أنى بعتك حائطا وثمرا بحائط وثمر والثمر بالثمر لا يجوز (قال الربيع) معنى القصيل عندي الذى ذكره الشافعي إذا كان قد سنبل فأما إذا لم يسنبل وكان بقلا فاشتراه على أن يقطعه فلا بأس (قال الشافعي) عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على الشطر وخرص بينهم وبينه ابن رواحة وخرص النبي صلى الله عليه وسلم تمر المدينة وأمر بخرص اعناب أهل الطائف فأخذ العشر منهم بالخرص والنصف من اهل خيبر بالخرص فلا بأس أن يقسم ثمر العنب والنخل بالخرص ولا خير في أن يقسم ثمر غيرهما بالخرص لانهما الموضعان اللذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص فيهما ولم نعلمه أمر بالخرص في غيرهما ]
__________
(1) قوله: معلوما، كذا بالاصول، ولعله حال من حصة بمعنى جزء من الثمن، وحرر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: الحانين، كذا بالاصول المعول عليها بأيدينا، بدون نقط.
ولعله محرف عن " الحائطين " بدليل كلام الربيع بعد.
اه مصححه.(3/85)
[ وأنهما مخالفان لما سواهما من الثمر باستجماعهما وأنه لا حائل دونهما من ورق ولا غيره وأن معرفة خرصهما
تكاد أن تكون بائنة ولا تخطئ ولا يقسم شجر غيرهما بخرص ولا ثمرة بعدما يزايل شجره بخرص (قال الشافعي) وإذا كان بين القوم الحائط، فيه الثمر لم يبد صلاحه فأرادوا اقتسامه فلا يجوز قسمه بالثمرة بحال وكذلك إذا بدا صلاحها لم يجز قسمه من قبل أن للنخل والارض حصة من الثمن وللثمرة حصة من الثمن فتقع الثمرة بالثمرة مجهولة لا بخرص ولا بيع ولا يجوز قسمه إلا أن يكونا يقتسمان الاصل وتكون الثمرة بينهما مشاعة إن كانت لم تبلغ أو كانت قد بلغت غير أنها إذا بلغت فلا بأس أن يقتسماها بالخرص قسما منفردا وإن أرادا أن يكونا يقتسمان الثمرة مع النخل اقتسماها ببيع من البيوع فقوما كل سهم بأرضه وشجره وثمره ثم أخذا بهذا البيع لا بقرعة (قال الشافعي) وإذا اختلف فكان نخلا وكرما فلا بأس أن يقسم أحدهما بالآخر وفيهما ثمرة لانه ليس في تفاضل الثمرة بالثمرة تخالفها ربا في يد بيد، وما جاز في القسم على الضرورة جاز في غيرها وما لم يجز في الضرورة لم يجز في غيرها (قال الشافعي) ولا يصلح السلم في ثمر حائط بعينه لانه قد ينفذ ويخطئ ولا يجوز السلم في الرطب من الثمر إلا بأن يكون محله في وقت تطيب الثمرة فإذا قبض بعضه ونفدت الثمرة الموصوفة قبل قبض الباقي منها كان للمشترى أن يأخذ رأس ماله كله ويرد عليه مثل قيمة ما أخذ منه، وقيل يحسب عليه ما أخذ بحصته من الثمن فكان كرجل اشترى مائة إردب فأخذ منها خمسين وهلكت خمسون فله أن يرد الخمسين وله الخيار في أن يأخذ الخمسين بحصته من الثمن ويرجع بما بقى من رأس ماله وله الخيار في أن يؤخره حتى يقبض منه رطبا في قابل بمثل صفة الرطب الذى بقى له ومكيلته كما يكون له الحق من الطعام في وقت لا يجده فيه فيأخذه بعده (قال الشافعي) ولا خير في الرجل يشترى من الرجل له الحائط النخلة أو النخلتين أو أكثر أو أقل على ان يستجنيها متى شاء على أن كل صاع بدينار لان هذا لا بيع جزاف فيكون من مشتريه إذا قبضه، ولا بيع كيل يقبضه صاحبه مكانه وقد يؤخره فيضمن إذا قرب أن يثمر وهو فاسد من جميع جهاته (قال الشافعي) ولا خير في أن يشترى شيئا يستجنيه بوجه من الوجوه إلا أن يشترى نخلة بعينها أو نخلات بأعيانهن ويقبضهن فيكون ضمانهن منه ويستجدهن كيف شاء ويقطع ثمارها متى شاء أو يشتريهن وتقطعن له مكانه فلا خير في شراء إلا شراء عين تقبض إذا اشتريت لا حائل دون قابضها أو صفة مضمونة على صاحبها وسواء في ذلك الاجل القريب والحال البعيد لا
اختلاف بين ذلك ولا خير في الشراء إلا بسعر معلوم ساعة يعقدان البيع وإذا أسلف الرجل الرجل في رطب أو تمر أو ما شاء فكله سواء، فإن شاء أن يأخذ نصف رأس ماله ونصف سلفه فلا بأس إذا كان له أن يقيله من السلف كله ويأخذ منه السلف كله فلم لا يكون له أن يأخذ النصف من سلفه والنصف من رأس ماله؟ فإن قالوا كره ذلك ابن عمر فقد اجازة ابن عباس وهو جائز في القياس ولا يكون له أن يأخذ نصف سلفه ويشترى منه بما بقى طعاما ولا غيره لانه له عليه طعاما وذلك بيع الطعام قبل أن يقبض ولكن يفاسخه البيع حتى يكون له عليه دنانير حالة وإذا سلف الرجل الرجل في رطب إلى أجل معلوم فنفد الرطب قبل أن يقبض هذا حقه بتوان أو ترك من المشترى أو البائع أو هرب من البائع فالمشترى بالخيار بين أن يأخذ رأس ماله لانه معوز بماله في كل حال لا يقدر عليه وبين أن يؤخره إلى أن يمكن الرطب بتلك الصفة فيأخذه به وجائز أن يسلف في ثمر رطب في غير أوانه إذا اشترط أن يقبضه في زمانه ولا خير أن يسلف في شئ إلا في شئ مأمون لا يعوز في الحال التى اشترط قبضه فيها فإن سلفه في شئ يكون في حال ولا يكون لم أجز فيه السلف وكان كمن سلف في حائط بعينه وأرض بعينها ](3/86)
[ فالسلف في ذلك مفسوخ وإن قبض سلفه رد عليه ما قبض منه وأخذ رأس ماله (1).
] (1) باب في أمور متفرقة في الابواب والكتب تتعلق بالبيع فمن ذلك في باب المزابنة (قال الشافعي) رحمه الله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كبيع الآبق والضال واستثنى ما في بطون الاناث من الغرر وقاله مالك (قال الشافعي) رحمه الله ومن باع رجلا سلعة على أن لا نقصان عليه فالبيع فاسد، فإن باع السلعة فالثمن للبائع وليس له أجرة المثل ولا شئ ووافقه مالك إلا أنه قال وله أجرة المثل (قال الشافعي) وإذا وجب البيع وتفرقا ثم شرط ذلك فإنما ذلك بوعد وعده إياه إن شاء وفى له، وإن شاء لم يف (قال الشافعي) ومن كانت بين يديه صبرة فقال له رجل كلها فما وجدت فيها فلك من صبرتي هذه مثله بدينار فلا خير فيه (قال الشافعي) ولا خير في أن يبيع الرجل الزرع على أن على البائع حصاده ودراسه وتذريته (وفى الاستبراء المذكور قبيل الطلاق) وللرجل إذا اشترى الجارية أي جارية ما كانت أن لا يدفع عنها وأن يقبضه إياها بائعها وليس لبائعها منعه إياها ليستبرئها عند نفسه ولا عند غيره ولا مواضعته إياها على يدى أحد ليستبرئها بحال
ولا للمشترى أن يحبس عنه ثمنها حتى يسبرئها هو ولا غيره ولا يضعها على يدي غيره فيستبرئها، وسواء كان البائع في ذلك غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو مليئا أو معدما أو صالحا أو رجل سوء وليس للمشترى أن يأخذه بحميل بعهدة ولا بوجه ولا ثمن وماله حيث وضعه وإنما التحفظ قبل الشراء.
فإذا جاز الشراء الزمناه ما ألزم نفسه من الحق ألا ترى أنه لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو آهل فقال أخاف أن يكون مسروقا أو أخاف أن يكون واحد من العبدين حرا كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه الثمن لانه ماله حيث وضعه، ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك من خوف أن يكون مسروقا أو معيبا عيبا خافيا من سرقة أو إباق ثم لم تجعل لهذا غاية أبدا لانه قد لا يعلم ذلك في القريب ويعلم في البعيد وبيوع المسلمين الجائزة بينهم وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلزم البائع والمشترى إذا سلم هذا سلعته أن يكون قابضا لثمنها وأن لا يكون الثمن الذى هو إلى غير أجل ولا السلعة محبوسين إذا سلم إلى المشترى ساعة من نهار ولا يكون المشترى من جارية ولا غيرها محبوسا عن مالكه ولو جاز إذا اشترى رجل جارية أن توضع على يدى من يستبرئها كان في هذا خلاف بيوع المسلمين والسنة، وظلم البائع والمشترى من قبل أنها لا تعدو أن تكون في ملك البائع بالملك الاول أو في ملك المشترى بالشراء الحادث ولا يحبر واحد منهما على إخراج ملكه إلى غيره ولو كان الثمن لا يجب على المشترى للبائع إلا بأن تحيض الجارية حيضة وتطهر منها كان هذا فاسدا من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمون بعده، نهوا أن تكون الاثمان المستأجرة إلا إلى أجل معلوم وهذا إلى أجل معلوم لان الحيضة قد تكون بعد صفقة البيع في خمس وفى شهر وأقل وأكثر فكان فاسدا مع فساده من الثمر ومن السلعة أيضا أن تكون السلعة لا مشتراة إلى أجل معلوم بصفة فتكون توجد في تلك المدة فيؤخذ بها بائعها ولا مشتراة بغير تسليط مشتريها على قبضها حتى بستبرئها وهذا لا بيع أجل بصفة ولا عين معينة تقبض وخارج من بيوع المسلمين، فلو أن رجلين تبايعا جارية وتشارطا في عقد البيع أن لا يقبضها المشترى حتى يستبرئها كان البيع فاسدا ولا يجوز بحال من قبل ما وصفت ولو اشتراها بغير شرط كان البيع جائزا وكان للمشترى قبضها واستبراؤها عند نفسه أو عند من يشاء وإذا قبضها فماتت قبل أن يستبرئها فإن ماتت عنده بعدما ظهر بها حمل وتصادقا على ذلك كانت من المشترى ويرجع المشترى على البائع من الثمن بقدر ما بين قيمتها حاملا وغير حامل، ولو اشتراها بغير شرط فتراضيا أن يواضعاها على يدى من يستبرئها فماتت أو عميت عند المشترى فإن كان المشترى قبضها ثم رضى بعد قبضها بمواضعتها فهى من ماله وإنما هي جارية قد قبضها ثم أودعها غيره فموتها في يدى
غيره إذا كان هو وضعها كموتها في يديه ولو كان اشتراها فلم يقبضها حتى تواضعاها برضا منهما على يدى من يستبرئها فماتت أو عميت ماتت من مال البائع لان كل من باع شيئا بعينه فهو مضمون عليه حتى يقبضه منه مشتريه وإذا عميت، قيل للمشترى أنت بالخيار إن شئت فخذها معيبة بجميع الثمن لا يوضع عنك للعيب شئ كما لو عميت في يدى البائع =(3/87)
[ باب الشهادة في البيوع قال الله تعالى: " وأشهدوا إذا تبايعتم " (قال الشافعي) رحمه الله فاحتمل أمر الله عزوجل بالاشهاد عند البيع أمرين أحدهما أن تكون الدلالة على ما فيه الحظ بالشهادة ومباح تركها لا حتما يكون من تركه عاصيا بتركه واحتمل أن يكون حتما منه يعصى من تركه بتركه والذى اختار أن لا يدع المتبايعان الاشهاد وذلك أنهما إذا أشهدا لم يبق في أنفسهما شئ لان ذلك إن كان حتما فقد أدياه وإن كان دلالة فقد أخذا بالحظ فيها وكل ما ندب الله تعالى إليه من فرض أو دلالة فهو بركة على من فعله ألا ترى أن الاشهاد في البيع إن كان فيه دلالة كان فيه أن المتبايعين أو أحدهما إن أراد ظلما قامت البينة عليه فيمنع من الظلم الذى يأثم به وإن كان تاركا لا يمنع منه ولو نسى أو وهم فجحد منع من المأثم على ذلك بالبينة وكذلك ورثتهما بعدهما، أو لا ترى أنهما أو أحدهما لو وكل وكيلا أن يبيع فباع هذا رجلا وباع وكيله آخر ولم يعرف أي البيعين أول؟ لم يعط الاول من المشتريين بقول البائع ولو كانت بينة فأثبتت أيهما أول أعطى الاول فالشهادة سبب قطع التظالم وتثبت الحقوق وكل أمر الله عزوجل ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير الذى لا يعتاض منه من تركه فإن قال قائل فأى المعنيين أولى بالآية الحتم بالشهادة أم الدلالة؟ فإن الذى يشبه والله أعلم وإياه أسأل التوفيق أن يكون دلالة لا حتما يحرج من ترك الاشهاد فإن قال ما دل على ما وصفت؟ قيل قال الله عزوجل " وأحل الله البيع وحرم الربا " فذكر أن البيع حلال ولم يذكر معه بينة وقال عزوجل في آية الدين " إذا تداينتم بدين " والدين تبايع وقد أمر فيه بالاشهاد فبين المعنى الذى أمر له به فدل ما بين الله عزوجل في الدين على أن الله عز وجل إنما أمر به على النظر والاحتياط لا على الحتم قلت قال الله تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل ] = بعد صفقة البيع وقبل قبضها كنت بالخيار في تركها أو اخذها وإن شئت فاتركها بالعيب وكل ما زعمنا أن البيع فيه
جائز فعلى المشترى متى طلب البائع منه الثمن وسلم إليه السلعة أن يأخذ منه إلا أن يكون الثمن إلى أجل معلوم فيكون إلى أجله وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو ما اشترى من السلع فلم يشترط المشترى الثمن إلى أجل وقال البائع لا أسلم إليك السلعة حتى تدفع إلى الثمن وقال المشترى لا أدفع إليك الثمن حتى تسلم إلى السلعة فإن بعض المشرقيين قال يجبر القاضى كل واحد منهما البائع على أن يحضر السلعة والمشترى على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة إلى المشترى والثمن إلى البائع لا يبالى بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا وقال غيره منهم لا أجبر واحدا منهما على إحضار شئ ولكن أقول أيكما شاء أن أقضى له بحقه على صاحبه فليدفع إليه ما عليه من قبل أنه لا يجب على واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله، وقال آخرون أنصب لهم عدلا فأجبر كال واحد منهما على الدفع إلى العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشترى (قال الشافعي) ولا يجوز فيها إلا القول الثاني وهو أنه لا يجبر واحد منهما وقول آخر وهو أن يجبر البائع على دفع السلعة إلى المشترى بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبره على دفعه من ساعته وإن غاب ماله وقف السلعة وأشهد على أنه وقفها للمشترى فإن وجد له مالا دفعه إلى البائع وأشهد على إطلاق الوقف عن الجارية ودفع المال إلى البائع وإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجده عند مفلس فهو أحق به إن شاء أخذه، وإنما أشهدنا على الوقف لانه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا لم يجز وإنما منعنا من القول الذى حكينا أنه لا يجوز عندنا غيره أو هذا القول وأخذنا بهذا القول دونه لانه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون رجل يقر بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع إلى مالك ثم يكون له حبسها، وكيف يجوز أن يكون له حبسها وقد أعلمنا أنه ملكها لغيرة؟ ولا يجوز أن يكون رجل قد أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر ولا نأخذه منه =(3/88)
[ مسمى فاكتبوه " ثم قال في سياق الآية " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى ائتمن أمانته " فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن ثم أباح ترك الرهن وقال " فإن أمن بعضكم بعضا " دل على أن الامر الاول دلالة على الحظ لا فرض منه يعصى من تركه والله أعلم، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بايع أعرابيا في فرس فجحد لاعرابي بأمر بعض المنافقين ولم يكن بينهما بينة فلو كان حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بينة وقد حفظت عن عدة لقيتهم مثل معنى قولى من أنه لا يعصى من ترك الاشهاد وأن البيع لازم، إذا تصادقا لا ينقضه أن لا
تكون بينة كما ينقض النكاح، لاختلاف حكمهما (1).
باب السلف والمراد به السلم (قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ] (1) وفى اختلاف العراقيين في باب الاختلاف في العيب (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اشترى الرجل عبدا واشترط فيه شرطا أن يبيعه من فلان أو يهبه لفلان أو على أن يعتقه فإن أبا حنيفة كان يقول البيع في هذا فاسد وبه يأخذ، وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه نحو من ذلك وكان ابن أبى ليلى يقول البيع جائز والشرط باطل (قال الشافعي) رحمه الله وإذا باع الرجل الرجل العبد على أن لا يبيعه أو على أن يبيعه من فلان أو على أن لا يستخدمه أو على أن ينفق عليه كذا أو على أن يخارجه فالبيع كله فيه فاسد لان هذا كله غير تمام ملك ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق لما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فاعتقه فالبيع جائز فإن قال رجل ما فرق بين العتق وغيره؟ قيل قد يكون لى نصف العبد فأهبه أو أبيعه وأصنع فيه ما شئت غير العتق ولا يلزمنى ضمان نصيب شريكي فيه ولا يخرج نصيب شريكي من يده لان كلا مالك لما ملك فإن اعتقه وأنا موسر عتق على نصف شريكي الذى لا أملك ولم أعتق وضمنت قيمته وخرج من يدى شريكي بغير أمره وأعتق الحمل فتلده لاقل من ستة أشهر فيقع عليه العتق ولو بعته لم يجز البيع مع خلافه لغيره في هذا وفى أم الولد والمكاتب وما سواه.
وذكر عقيب هذا الانظار في الثمن الذى حل أو الدين غير الثمن (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كان لرجل على رجل مال من بيع فحل فأخره عنه إلى أجل فإن أبا حنيفة كان يقول تأخيره جائز وهو إلى الاجل الآخر الذى أخره عنه وبه يأخذ، وكان ابن أبى ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح بينهما (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كان الرجل على الرجل مال حال من سلف أو من بيع أو أي وجه ما كان فأنظره صاحب المال بالمال في مدة من المدد كان له أن يرجع في النظرة متى شاء وذلك أنها ليست بإخراج شئ من ملكه إلى الذى عليه الدين، ولا شيئا أخذ منه به عوضا فيلزمه إياه للعوض الذى يأخذه منه أو يفسده ويرد العوض ولا فرق بين السلف وبين البيع إلا أن يتفاسخا في البيع والبيع قائم فيجعلانه بيعا غيره بنظرة أو يتداعيا به دعوى فيصيرانه بيعا مستأنفا إلى أجل فيلزمهما البيع الذى أحدثاه (قال شيخنا شيخ الاسلام أيده الله تعالى) قول الشافعي أو يتداعيا به إلى آخره، إن
كان مع التفاسخ في الييع فهى الصورة التى قبلها وإن لم يتفاسخا البيع فالبيع الثاني المستأنف إلى أجل باطل، سواء كان الصلح جرى بين المتداعيين أو بين أحدهما مع الأجنبي.
رجعنا إلى الام.
وفى الاختلاف في العيب من اختلاف العراقيين نص يتعلق بالبيع إلى أجل مجهول وضمان ما تلف في يد المشترى =(3/89)
[ فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل - إلى قوله - وليتق الله ربه " (قال الشافعي) فلما أمر الله عز وجل بالكتاب ثم رخص في الاشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا احتمل أن يكون فرضا وأن يكون دلالة فلما قال الله جل ثناوه " فرهان مقبوضة " والرهن غير الكتاب والشهادة ثم قال " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته وليتق الله ربه " دل كتاب الله عزوجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشادا لا فرضا عليهم لان قوله " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته " إباحة لان يأمن بعضهم بعضا فيدع الكتاب والشهود والرهن (قال) وأحب الكتاب والشهود لانه إرشاد من الله ونظر للبائع والمشترى وذلك أنهما إن كان أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا يعرف حق ] = من المبيع بيعا فاسدا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء فإن أبا حنيفة كان يقول البيع في ذلك فاسد، وكان ابن أبى ليلى يقول البيع جائز والمال حال وكذلك قولهما في كل بيع إلى أجل لا يعرف، فإن استهلكه المشترى فعليه القيمة في قول أبى حنيفة، وإن حدث به عيب رده ورد ما نقصه العيب، وإن كان قائما بعينه فقال المشترى لا أريد الاجل وأنا أنقد لك المال جاز ذلك له في هذا كله في قول أبى حنيفة وبه يأخذ، يعنى أبا يوسف (قال الشافعي) وإذا باع الرجل بيعا إلى العطاء فالبيع فاسد من قبل أن الله عز وجل أذن بالدين إلى أجل مسمى والمسمى الوقت بالاهلة التي سمى الله عزوجل فإنه يقول " يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج " والاهلة معروفة المواقيت وما كان في معناها من الايام المعلومات فإنه يقول " في أيام معلومات " والسنين فإنه يقول " حولين كاملين " وكل هذا الذى لا يتقدم ولا يتأخر والعطاء لم يكن قط فيما علمت ولا نرى أن يكون أبدا إلا يتقدم ويتأخر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي (رحمه الله) قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال لا تبايعوا إلى العطاء ولا إلى بذر ولا إلى العصير (قال الشافعي) وهذا كله كمال قال لان هذا يتقدم ويتأخر، وكل بيع إلى أجل غير معلوم فالبيع فيه فاسد (قال الشافعي) فإذا هلكت السلعة التى ابتيعت إلى أجل غير
معلوم في يدى المشترى رد القيمة وإن نقصت في يديه ردها وما نقصها العيب، فإن قال المشترى أنا أرضى بالسلعة بثمن حال وأبطل الشراء بالاجل لم يكن ذلك له إذا انعقد البيع فاسدا لم يكن لاحدهما أن يصلحه دون الآخر ويقال لمن قال قول أبى حنيفة أرأيت إذا زعمت أن البيع فاسد فمتى صلح؟ فإن قال صلح بإبطال هذا شرطه قيل له فهذا أن يكون بائعا مشتريا وإنما هذا مشتر ورب السلعة بائع، فإن قال رب السلعة بائع قيل له فهل أحدث رب السلعة بيعا غير البيع الاول؟ فإن قال: لا.
قيل فقولك متناقض تزعم أن بيعا فاسدا حكمه كما لم يصر فيه بيع يصير بيعا من غير أن يبيعه مالكه.
وفى بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها نصوص تتعلق بالعلم بالمبيع وعدم العلم به (قال الشافعي) رحمه الله وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من دار غير مقسومة أو عشرة أجربة من أرض غير مقسومة فإن أبا حنيفة كان يقول في ذلك كله البيع باطل ولا يجوز، لانه لا يعلم ما اشترى كم هو من الدار وكم هو من الارض وأين موضعه من الدار والارض؟ وكان ابن أبى ليلى يقول هو جائز في البيع وبه يأخذ يعنى أبا يوسف، وإن كانت الدار لا تكون مائة ذراع فالمشترى بالخيار إن شاء ردها وإن شاء رجع بما نقصت الدار على البائع في قول ابن أبى ليلى (قال الشافعي) رحمه الله وإذا اشترى الرجل من الدار ثلثا أو ربعا أو عشرة أسهم من مائة سهم من جميعها فالبيع جائز وهو شريك فيها بقدر ما اشترى (قال الشافعي) وهكذا لو اشترى نصف عبد أو نصف ثوب أو نصف خشبة ولو اشترى مائة ذراع من دار محدودة ولم يسم أذرع الدار فالبيع باطل من قبل أن المائة قد تكون نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل فيكون قد اشترى شيئا غير محدود ولا محسوب معروف كم قدره من الدار فنجيزه ولو سمى ذرع جميع الدار ثم اشترى منها مائة ذراع كان جائزا من قبل أن هذا منها سهم معلوم من جميعها وهذا مثل شرائه سهما من أسهم منها ولو قال اشترى منك مائة ذراع آخذها من أي الدار شئت كان البيع فاسدا.(3/90)
[ البائع على المشترى فيتلف على البائع أو ورثته حقه وتكون التباعة على المشترى في أمر لم يرده، وقد يتغير عقل المشترى فيكون هذا والبائع (1) وقد يغلط المشترى فلا يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدعى ما ليس له فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما ولم يكن يدخله ما وصفت انبغى لاهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه إرشاد ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم
أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده (قال الشافعي) قال الله عزوجل " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " يحتمل أن يكون حتما على من دعى للكتاب فإن تركه تارك كان عاصيا، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحدا أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم، ولو ترك كل من حضر من الكتاب خفت أن ] ومنها ما يتعلق باختلاف المتبايعين (قال الشافعي) رحمه الله وإذا اختلف المتبايعان فقال البائع بعتك وأنا بالخيار، وقال المشترى: بعتني ولم يكن لك خيار فإن أبا حنيفة كان يقول القول قول البائع بيمينه، وكان ابن أبى ليلى يقول القول قول المشترى وبه ياخذ يعنى أبا يوسف (قال الشافعي) رحمه الله وإذا تبايع الرجلان عبدا وتفرقا بعد البيع ثم اختلفا، فقال البائع بعتك على أنى بالخيار ثلاثا وقال المشترى بعتني ولم تشترط خيارا تحالفا وكان المشترى بالخيار في فسخ البيع أو يكون للبائع الخيار؟ وهذا - والله أعلم - كاختلافهما في الثمن نحن ننقض البيع باختلافهما بالثمن وننقضه بادعاء هذا أن يكون له الخيار وأنه لم يقر بالبيع إلا بخيار وكذلك لو ادعى المشترى الخيار كان القول فيه هكذا.
ومنها ما يتعلق بالمناهى كالنجش وبيع الرجل على بيع أخيه وبيع الحاضر للبادى وتلقى السلع.
وهى مترجم عليها في اختلاف الحديث فنذكرها بما فيها.
بيع النجش (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النجش (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تناجشوا " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة مثله (قال الشافعي) رحمه الله والنجش أن يحضر الرجل السلعة فيعطى بها الشئ وهو لا يريد الشراء ليقتدى به السوام فيعطون بها أكثر ما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ومن اشترى وقد نجش غيره بأمر صاحب السلعة أو غيره أمره لزمه الشراء كما يلزم من لا ينجش عليه لان البيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه لان عقده غير
النجش ولو كان بأمر صاحب السلعة، لان الناجش غير صاحب السلعة فلا يفسد البيع إن فعل الناجش ما نهى عنه وهو غير المتبايعين فلا يفسد على المتبايعين بفعل غيرهما وأمر صاحب السلعة بالنجش معصية منه ومن الناجش معصية وقد منع فيمن يريد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجاز البيع وقد يجوز أن يكون فيمن زاد لا يريد الشراء.
__________
(1) قوله: " والبايع " كذا بالاصل، ولعله مبتدأ والخبر محذوف، تقديره " والبايع كذلك " أي قد يموت أو يتغير عقله، فيكون هذا.
ويحتمل غير ذلك، فتأمل، اه مصححه.(3/91)
[ يأثموا بل كأنى لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم (قال الشافعي) وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وقول الله جل ذكره " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " يحتمل ما وصفت من أن يأبى كل شاهد ابتدئ فيدعى ليشهد ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم وإن ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم بل لا أشك فيه وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم، قال فأما من سبقت شهادته بأن أشهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق (قال الشافعي) والقول في كل دين سلف أو غيره كما وصفت، وأحب الشهادة في كل حق لزم من بيع وغيره نظرا في المتعقب لما وصفت وغيره من تغير العقول (قال الشافعي) في قول الله عزوجل " فليملل وليه بالعدل " دلالة على تثبيت الحجر وهو موضوع في كتاب الحجر (قال الشافعي) وقول الله ] بيع الرجل على بيع أخيه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبيع بعضكم على بيع بعض " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ولا يبيع الرجل على بيع أخيه " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبيع بعضكم على بيع بعض " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ولا يبيع الرجل على بيع أخيه " (قال الشافعي) فبهذا نأخذ فنهى الرجل إذا اشترى من رجل سلعة فلم يتفرقا عن مقامهما الذى تبايعا فيه أن يبيع المشترى سلعة تشبه السلعة التى اشترى أولا لانه لعله يرد السلعة التى اشترى أولا ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الاول بيعه، ثم لعل البائع الاخير يختار نقض البيع، فيفسد على البائع والمبتاع بيعه (قال الشافعي) ولا أنهى رجلين قبل يتبايعا ولا بعدما يتفرقان عن مقامهما الذي تبايعا فيه عن أن يبيع أي المتبايعين شاء لان ذلك ليس يبيع على بيع غيره فنهى عن وهذا يوافق حديث النبي صلى الله عليه وسلم " المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا " لما وصفت فإذا باع رجل رجلا على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى إذا كان عالما بالحديث فيه والبيع لازم لا يفسد فإن قال قائل: وكيف لا يفسد وقد نهى عنه؟ قيل بدلالة الحديث نفسه أرأيت لو كان البيع يفسد هل كان ذلك يفسد على البائع الاول شيئا إذا لم يكن للمشترى أن يأخذ البيع الآخر فيترك به الاول: بل كان ينفع الاول لانه لو كان يفسد على كل بيع باعه عليه كان أرغب للمشترى فيه أو رأيت إن كان البيع الاول؟ إذا لم يتفرق المتبايعان عن مقامها لازما بالكلام كلزومه لو تفرقا كان البيع الآخر يضر البيع الاول أرأيت لو تفرقا ثم باع رجل رجلا على ذلك البيع هل يضر الاول شيئا أو يحرم على البائع الآخر أن يبيعه رجل سلعة قد اشترى مثلها ولزمه؟ هذا لا يضره، وهذا يدل على أنه إنما ينهى عن البيع على بيع الرجل إذا تبايع الرجلان وقيل أن يتفرقا، فأما في غير ذلك الحال فلا.
بيع الحاضر للبادى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال لا يبيع حاضر لباد " (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " (قال =(3/92)
[ تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " يحتمل كل دين ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف (اأخبرنا) الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أبى حسان ] الشافعي) وليس في النهى عن بيع حاضر لباد بيان معنى والله أعلم لم نهى عنه إلا أن أهل البادية يقدمون جاهلين بالاسواق ولحاجة الناس إلى ما قدموا به ومستثقلي المقام فيكون أدنى من أن يرخص المشترون سلعهم فإذا تولى أهل
القرية لهم البيع ذهب هذا المعنى فلم يكن على أهل القرية في المقام شئ يثقل عليهم ثقله على أهل البادية فيرخصون لهم سلعهم ولم تكن فيهم الغرة لموضع حاجة الناس إلى ما يبيع الناس من سلعهم ولا بالاسواق فيرخصوها لهم فنهوا - والله أعلم - لئلا يكون سببا لقطع ما يرجى من رزق المشترى من أهل البادية لما وصفت من إرخاصه منهم فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه لان البيع لو كان يكون مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادى إلا الضرر على البادى من أن يحبس سلعته ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلى هو أو باد مثله بيعها فيكون كسدا لها وأحرى أن يرزق مشتريه منه بإرخاصه إياها بإكسادها بالامر الاول من رد البيع وغرة البادى الآخر فلم يكن ههنا معنى يمنع أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يحز فيه - والله أعلم - الا ما قلت من أن يبيع الحاضر للبادى جائز غير مردود والحاضر منهى عنه.
تلقى السلع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا السلع " (قال الشافعي) وقد سمعت في هذا الحديث فمن تلقى فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق وبهذا نأخذ إن كان ثابتا ففى هذا دليل على أن الرجل إذا تلقى السلعة فاشتراها فالبيع جائز غير أن لصاحب السلعة بعد أن يقدم السوق الخيار لان تلقيها حين يشترى من البدوى قبل أن يصير إلى موضع المساومين من الغرور لا يوجد النقص من الثمن فإذا قدم صاحب السلعة السوق فهو بالخيار بين إنفاذ البيع ورده ولا خيار للمتلقى لانه هو الغار لا المغرور.
باب المرابحة والتولية والاشراك وليس في التراجم ومنهم من ترجم هذا الباب بالالفاظ التى تطلق في البيع وفى ذلك نصوص: (فمنها) في باب الثمار قبل أن يبدو صلاحها من اختلاف العراقيين، وإذا باع الرجل ثوبا مرابحة على شئ مسمى فباع المشترى الثوب ثم وجد البائع قد خان عليه في المرابحة فإن أبا حنيفة كان يقول البيع جائز لانه قد باع الثوب ولو كان الثوب عنده كان له أن يرده ويأخذ ما نقد إن شاء ولا يحطه شيئا وكان ابن أبى ليلى يقول: يحط عنه تلك الخيانه وحصتها من الربح وبه يأخذ، يعنى أبا يوسف (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثوبا مرابحة وباعه ثم وجد البائع الاول الذى باعه مرابحة قد خانه في الثمن فقد قيل يحط عنه الخيانة بحصتها من الربح ويرجع عليه به
وإن كان الثوب قائما لم يكن له أن يرده وإنما منعنا من إفساد البيع وأن يرده إذا كان قائما ونجعله بالقيمة إذا كان فائتا أن البيع لم ينعقد على محرم عليهما معا وإنما انعقد على محرم على الخائن منهما فإن قال قائل ما يشبه هذا مما يجوز فيه البيع بحال والبائع فيه غار؟ قيل تدليس الرجل للرجل العيب فيكون التدليس محرما عليه كما كان ما أخذ من الخيانة محرما ولا يكون البيع فاسدا فيه ولا يكون للبائع الخيار فيه وقيل للمشترى الخيار في أخذه بالثمن الذى سمى له أو فسخ البيع لانه لم ينعقد إلا بثمن مسمى فإذا وجد غيره فلم يرض المشترى فسد البيع لانه يرد إلى ثمن مجهول عند المشترى لم يرض به البائع.
ومنها في باب السنة في الخيار (قال الشافعي) في الشركة والتولية بيع من البيوع يحل بما يحل به البيوع ويحرم بما يحرم به البيوع فحيث كان البيع حلالا فهو حلال وحيث كان البيع حراما فهو حرام (قال الشافعي) والاقالة فسخ بيع فلا بأس بها قبل القبض لانها إبطال عقدة البيع بينهما والرجوع إلى حالهما قبل أن يتبايعا.(3/93)
[ الاعرج عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه ثم قال " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " (قال الشافعي) وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياسا عليه لانه في معناه، والسلف جائز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث فقال " من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " (قال الشافعي) حفظته كما وصفت من سفيان مرارا (قال الشافعي) وأخبرني من أصدقة عن سفيان أنه قال كما قلت وقال في الاجل إلى أجل معلوم (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضى الله عنهما يقول لا نرى بالسلف بأسا الورق في الورق نقدا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو ابن دينار أن ابن عمر كان يجيزه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يقول لا بأس أن يسلف الرجل في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن أيوب عن
محمد بن سيرين أنه سئل عن الرهن في السلف فقال إذا كان البيع حلالا فإن الرهن مما أمر به (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا بالرهن والحميل في السلم وغيره (قال الشافعي) والسلم السلف وبذلك أقول لا بأس فيه بالرهن والجميل لانه بيع من البيوع وقد أمر الله جل ثناؤه بالرهن فأقل أمره تبارك وتعالى أن يكون إباحة له فالسلم بيع من البيوع (قال الشافعي) اخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا ان يسلف الرجل في شئ يأخذ فيه رهنا أو حميلا (قال الشافعي) ويجمع الرهن والحميل ويتوثق ما قدر عليه حقه (أخبرنا) سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبى الشحم اليهودي رجل من بنى ظفر (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل شيئا إلى أجل ليس عنده أصله (قال) أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر مثله (قال الشافعي) ففى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز أن يسلف إذا كان ما يسلف فيه كيلا معلوما ويحتمل معلوم الكيل ومعلوم الصفة، وقال ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم فدل ذلك على أن قوله ووزن معلوم إذا أسلف في كيل أن يسلف في كيل معلوم وإذا سمى أن يسمى أجلا معلوما، وإذا سلف في وزن أن يسلف في وزن معلوم، وإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف في التمر السنتين بكيل ووزن وأجل معلوم كله والتمر قد يكون رطبا، وقد أجاز أن يكون في الرطب سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه لانه إذا سلف سنتين كان بعضها في غير حينه (قال) والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيما عن بيع ما ليس عنده وأذن في السلف استدللنا على أنه لا ينهى عما أمر به، وعلمنا أنه إنما نهى حكيما عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا عليه، وذلك بيع الاعيان (قال) ويجتمع السلف وهو بيع الصفات وبيع الاعيان في أنه لا يحل فيهما بيع منهى عنه، ويفترقان في أن الجزاف يحل فيما رآه صاحبه ولا يحل في السلف إلا معلوم بكيل أو وزن أو صفة (قال الشافعي) والسلف بالصفة والاجل ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم حفظت عنه (قال الشافعي) وما كتبت من الآثار بعدما كتبت ](3/94)
[ من القرآن والسنة والاجماع ليس لان شيئا من هذا يزيد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة ولا لو خالفها ولم يحفظ معها يوههنا بل هي التى قطع الله بها العذر ولكنا رجونا الثواب في إرشاد من سمع ما كتبنا فإن فيما كتبنا بعض ما يشرح قلوبهم لقبوله ولو تنحت عنهم الغفلة لكانوا مثلنا في الاستغناء بكتاب الله عزوجل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما احتاجوا إذا أمر الله عزوجل بالرهن في الدين إلى أن يقول قائل هو جائز في السلف لان أكثر ما في السلف أن يكون دينا مضمونا (قال الشافعي) فإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل كان - والله تعالى أعلم - بيع الطعام بصفة حالا أجوز لانه ليس في البيع معنى إلا أن يكون بصفة مضمونا على صاحبه فإذا ضمن مؤخرا ضمن معجلا وكان معجلا أعجل منه مؤخرا، والاعجل أخرج من معنى الغرر وهو مجامع له في أنه مضمون له على بائعه بصفة.
باب ما يجوز من السلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يجوز جماع السلف حتى يجمع خصالا، أن يدفع المسلف ثمن ما سلف لان في قول النبي صلى الله عليه وسلم " من سلف فليسلف " إنما قال فليعط ولم يقل ليبايع ولا يعطى ولا يقع اسم التسليف فيه حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يفارق من سلفه وأن يشرط عليه أن يسلفه فيما يكال كيلا أو فيما يوزن وزنا وميكال وميزان معروف عند العامة، فأما ميزان يريه إياه أو مكيال يريه فيشترطان عليه فلا يجوز وذلك لانهما لو اختلفا فيه أو هلك لم يعلم ما قدره، ولا يبالى كان مكيالا قد أبطله السلطان أو لا إذا كان معروفا وإن كان تمرا قال تمر صيحانى أو بردى أو عجوة أو جنيب أو صنف من التمر معروف فإن كان حنطة قال شامية أو ميسانية أو مصرية أو موصلية أو صنفا من الحنطة موصوفا وإن كان ذرة قال حمراء أو نطيس أو هما أو صنف منهما معروف وإن كان شعيرا قال من شعير بلد كذا وإن كان يختلف سمى صفته وقال في كل واحد من هذا جيدا أو رديئا أو وسطا وسمى أجلا معلوما إن كان لما سلف أجل وإن لم يكن له أجل كان حالا (قال الشافعي) وأحب أن يشترط الموضع الذي يقبضه فيه (قال الشافعي) وإن كان ما سلف فيه رقيقا قال عبد نوبى خماسي أو سداسي أو محتلم أو
وصفة بشيته وأسود هو أو أصفر أو أسحم وقال نقى من العيوب وكذلك ما سواه من الرقيق بصفة وسن ولون وبراءة من العيوب إلا أن يشاء أن يقول إلا الكى والحمرة والشقرة وشدة السواد والحمش (1) وإن سلف في بعير قال بعير من نعم بنى فلان ثنى غير مودن نقى من العيوب سبط الخلق أحمر مجفر الجنبين رباعى أو بازل وهكذا الدواب يصفها بنتاجها وجنسها وألوانها وأسنانها وأنسابها وبراءتها من العيوب إلا أن يسمى عيبا يتبرأ البائع منه (قال) ويصف الثياب بالجنس من كتان أو قطن ونسج بلد وذرع من عرض وطول وصفاقة ودقة وجودة أو رادءة أو وسط وعتيق من الطعام كله أو جديد أو غير جديد ولا عتيق وأن يصف ذلك بحصاد عام مسمى أصح (قال) وهكذا النحاس يصفه أبيض أو شبها أو أحمر ]
__________
(1) قوله: والحمش بالشين المعجمة دقة الساقين والمودن: بضم الميم، وفتح الدال المهملة: القصير.
ومجفر الجنين: بضم الكيم وسكون الجيم وفتح الفاء: واسعهما، كما في القاموس.
كتبه مصححه.(3/95)
[ ويصف الحديد ذكرا أو أنيثا أو بجنس إن كان له والرصاص (قال) وأقل ما يجوز فيه السلف من هذا أن يوصف ما سلف فيه بصفة تكون معلومة عند أهل العلم أن اختلف المسلف والمسلف وإذا كانت مجهولة لا يقام على حدها أو إلى أجل غير معلوم أو ذرع غير معلوم أو لم يدفع المسلف الثمن عند التسليف وقبل التفرق من مقامهما فسد السلف وإذا فسد رد إلى المسلف رأس ماله (قال) فكل ما وقعت عليه صفة يعرفها أهل العلم بالسلعة التى سلف فيها جاز فيها السلف (قال) ولا بأس أن يسلف الرجل في الرطب قبل أن يطلع للنخل الثمر إذا اشترط أجلا في وقت يمكن فيه الرطب وكذلك الفواكه المكيلة الموصوفة وكذلك يسلف إلى سنة في طعام جديد إذا حل (1) حقه (قال الشافعي) والجدة في الطعام والثمر مما لا يستغنى عن شرطه لانه قد يكون جيدا عتيقا ناقصا بالقدم (قال الشافعي) ولو اشترط في شئ مما سلف أجود طعاما كذا أو أردأ طعام كذا أو اشترط ذلك في ثياب أو رقيق أو غير ذلك من السلع كان السلف فاسدا لانه لا يوقف على أجوده ولا أدناه أبدا ويوقف على جيد وردئ لانا نأخذه بأقل ما يقع عليه اسم الجودة والرداءة.
باب في الآجال في السلف والبيوع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سلف فليسلف في كيل معلوم وأجل معلوم " يدل على أن الآجال لا تحل إلا أن تكون معلومة وكذلك قال الله جل ثناؤه " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " (قال الشافعي) ولا يصلح بيع إلى العطاء ولا حصاد ولا جداد ولا عيد النصارى وهذا غير معلوم لان الله تعالى حتم أن تكون المواقيت بالاهلة فيما وقت لاهل الاسلام فقال تبارك وتعالى " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج " وقال جل ثناؤه " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " وقال عزوجل " الحج أشهر معلومات " وقال " يسألونك عن الشهر الحرام " وقال " واذكروا الله في أيام معدوادت " (قال الشافعي) فأعلم الله تعالى بالاهلة جمل المواقيت وبالاهلة مواقيت الايام من الاهلة ولم يجعل علما لاهل الاسلام إلا بها فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله أعلم (قال الشافعي) ولو لم يكن هكذا ما كان من الجائز أن تكون العلامة بالحصاد والجداد فخلافه وخلافه قول الله عزوجل أجل مسمى والاجل المسمى ما لا يختلف والعلم يحيط أن الحصاد والجداد يتأخر ويتقدمان بقدر عطش الارض وريها وبقدر برد الارض والسنة وحرها ولم يجعل الله فيما أستأخر أجلا إلا معلوما والعطاء إلى السلطان يتأخر ويتقدم وفصح النصارى عندي يخالف حساب الاسلام وما أعلم الله تعالى به فقد يكون عاما في شهر وعاما في غيره فلو أجزناه إليه أجزناه على امر مجهول فكره لانه مجهول وأنه خلاف ما أمر الله به ورسوله أن نتأجل فيه ولم يجز فيه إلا قول النصارى على حساب يقيسون فيه أياما فكنا إنما أعلمنا في ديننا بشهادة النصارى الذين لا تجيز شهادتهم على شئ وهذا عندنا غير حلال لاحد من المسلمين (قال الشافعي) فإن قال قائل فهل قال فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا ما نحتاج إلى شئ مع ما وصفت من دلائل الكتاب والسنة والقياس وقد روى فيه رجل لا يثبت حديثه كل الثبت شيئا (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزرى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال ]
__________
(1) قوله: - إذا حل حقه.
كذا ببعض الاصول، وفي بعضها، بدون نقط، وحرر، اه مصححه.(3/96)
[ لا تبيعوا إلى العطاء ولا إلى الاندر ولا إلى الدياس (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء سئل عن رجل باع طعاما فإن أجلت على الطعام فطعامك في قابل سلف قال لا إلا إلى أجل معلوم وهذان
أجلان لا يدرى إلى أيهما يوفيه طعامه (قال الشافعي) ولو باع رجل عبدا بمائة دينار إلى العطاء أو إلى الجداد أو إلى الحصاد كان فاسدا ولو أراد المشترى إبطال الشرط وتعجيل الثمن لم يكن ذلك له لان الصفقة انعقدت فاسدة فلا يكون له ولا لهما إصلاح جملة فاسدة إلا بتجديد بيع غيرها (قال الشافعي) فالسلف بيع مضمون بصفة فإن اختار أن يكون إلى أجل جاز وأن يكون حالا وكان الحال أولى أن يجوز لامرين أحدهما أنه مضمون بصفة كما كان الدين مضمونا بصفة والآخر أن ما أسرع المشترى في أخذه كان الخروج من الفساد بغرور وعارض أولى من المؤجل (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سأل عطاء فقال له رجل سلفته ذهبا في طعام يوفيه قبل الليل ودفعت إليه الذهب قبل الليل وليس الطعام عنده قال: لا من أجل الشف وقد علم كيف السوق وكم السعر قال ابن جريج فقلت له لا يصلح السلف إلا في الشئ المستأخر قال لا إلا في الشئ المستأخر الذى لا يعلم كيف يكون السوق إليه يربح أو لا يربح قال ابن جريج ثم رجع عن ذلك بعد (قال الشافعي) يعنى أجاز السلف حالا (قال الشافعي) وقوله الذى رجع إليه أحب إلى من قوله الذى قاله أولا وليس في علم واحد منهما كيف السوق شئ يفسد بيعا ولا في علم أحدهما دون الآخر أرأيت لو باع رجل رجلا ذهبا وهو يعرف سوقها أو سلعة ولا يعلمه المشترى أو يعلمه المشترى ولا يعلمه البائع أكان في شئ من هذا ما يفسد البيع؟ (قال الشافعي) ليس في شئ من هذا شئ يفسد بيعا معلوما نسيئة ولا حالا (قال الشافعي) فمن سلف إلى الجداد أو الحصاد فالبيع فاسد (قال الشافعي) وما أعلم إما إلا والجداد يستأخر فيه حتى لقد رأيته يجد في ذى القعدة ثم رأيته يجد في المحرم ومن غير علة بالنخل فأما إذا اعتلت النخل أو اختلفت بلدانها فهو يتقدم ويتأخر بأكثر من هذا (قال) والبيع إلى الصدر جائز والصدر يوم النفر من " منى " فإن قال وهو ببلد غير مكة إلى مخرج الحاج أو إلى أن يرجع الحاج فالبيع فاسد لان هذا غير معلوم فلا يجوز أن يكون الاجل إلى فعل يحدثه الآدميون لانهم قد يعجلون السير ويؤخرونه للعلة التي تحدث ولا إلى ثمرة شجرة وجدادها لانه يختلف في الشهور التى جعلها الله علما فقال " إن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهرا " فإنما يكون الجداد بعد الخريف وقد أدركت الخريف يقع مختلفا في شهورنا التى وقت الله لنا يقع في عام شهرا ثم يعود في شهر بعده فلا يكون الوقت فيما
يخالف شهورنا التى وقت لنا ربنا عزوجل ولا بما يحدثه الآدميون ولا يكون إلا إلى ما لا عمل للعباد في تقديمه ولا تأخيره مما جعله الله عزوجل وقتا (قال) ولو سلفه إلى شهر كذا فإن لم يتهيأ فإلى شهر كذا كان فاسدا حتى يكون الاجل واحدا معلوما (قال) ولا يجوز الاجل إلا مع عقد البيع وقبل تفرقهما عن موضعهما الذي تبايعا فيه فإن تبايعا وتفرقا عن غير أجل ثم القيا فجددا أجلا لم يجز إلا أن يجددا بيعا (قال) وكذلك لو أسلفه مائة درهم في كيل من طعام يوفيه إياه في شهر كذا فإن لم يتيسر كله ففى شهر كذا كان غير جائز لان هذين أجلان لا أجل واحد فإن قال أوفيكه فيما بين أن دفعته إلى إلى منتهى رأس الشهر كان هذا أجلا غير محدود حدا واحدا وكذلك لو قال أجلك فيه شهر كذا أوله وآخره ولا يسمى أجلا واحدا فلا يصلح حتى يكون أجلا واحدا (قال الشافعي) ولو سلفه إلى شهر كذا فإن حبسه فله كذا كان بيعا فاسدا وإذا سلف فقال إلى شهر رمضان من سنة كذا كان جائزا والاجل حين يرى هلال شهر رمضان أبدا حتى يقول إلى انسلاخ شهر رمضان أو مضيه أو كذا وكذا يوما يمضى منه ](3/97)
[ (قال الشافعي) ولو قال أبيعك إلى يوم كذا لم يحل حتى يطلع الفجر من ذلك اليوم وإن قال إلى الظهر فإذا دخل وقت الظهر في أدنى الاوقات ولو قال إلى عقب شهر كذا كان مجهولا فاسدا (قال الشافعي) ولو تبايعا عن غير أجل ثم لم يتفرقا عن مقامهما حتى جددا أجلا فالاجل لازم وإن تفرقا قبل الاجل عن مقامهما ثم جددا أجلا لم يجز إلا بتجديد بيع وإنما أجزته أولا لان البيع لم يكن تم فإذا تم بالتفرق لم يجز أن يجدداه إلا بتجديد بيع (قال) وكذلك لو تبايعا على أجل ثم نقضاه قبل التفرق كان الاجل الآخر وإن نقضا الاجل بعد التفرق بأجل غيره ولم ينقضا البيع فالبيع الاول لازم تام على الاجل الاول والآخر موعد، إن أحب المشترى وفى به وإن أحب لم يف به (قال الشافعي) ولا يجوز أن يسلفه مائة دينار في عشرة أكرار خمسة منها في وقت كذا وخمسة في وقت كذا لوقت بعده لم يجز السلف لان قيمة الخمسة الاكرار المؤخرة أقل من قيمة الاكرار المقدمة فتقع الصفقة لا يعرف كم حصة كل واحدة من الخمستين من الذهب فوقع به مجهولا وهو لا يجوز مجهولا والله تعالى أعلم (1).
(قال الشافعي) ولا يجوز أن يسلم ذهب في ذهب ولا فضة في فضة ولا ذهب في فضة ولا فضة
في ذهب ويجوز أن يسلم كل واحد منهما في كل شئ خلافهما من نحاس وفلوس وشبه ورصاص وحديد وموزون ومكيل مأكول أو مشروب وغير ذلك من جميع ما يجوز أن يشترى (قال الشافعي) وإنما أجزت أن يسلم في الفلوس بخلافه في الذهب والفضة بأنه لا زكاة فيه وأنه ليس بثمن للاشياء كما تكون الدراهم والدنانير أثمانا للاشياء المسلفة فإن في الدنانير والدراهم الزكاة وليس في الفلوس زكاة وإنما انظر في التبر إلى أصله وأصل النحاس مما لا ربا فيه فإن قال قائل فمن أجاز السلم في الفلوس؟ قلت غير واحد (قال الشافعي) أخبرنا القداح عن محمد بن أبان عن حماد بن إبراهيم أنه قال لا بأس بالسلم في الفلوس وقال سعيد القداح لا بأس بالسلم في الفلوس والذين أجازوا السلف في النحاس يلزمهم أن يجيزوه في الفلوس والله تعالى أعلم، فإن قال قائل فقد تجوز في البلدان جواز الدنانير والدراهم قيل: في بعضها دون بعض وبشرط وكذلك الحنطة تجوز بالحجاز التى بها سنت السنن جواز الدنانير والدراهم ولا تجوز بها الفلوس فإن قال الحنطة ليست بثمن لما استهلك قيل وكذلك الفلوس ولو استهلك رجل لرجل قيمة درهم أو أقل لم يحكم عليه به إلا من الذهب والفضة لا من الفلوس فلو كان من كرهها إنما كرهها لهذا انبغى له أن يكره السلم في الحنطة لانها ثمن بالحجاز وفى الذرة لانها ثمن باليمن فإن قال قائل إنما تكون ثمنا بشرط فكذلك الفلوس لا تكون ثمنا إلا بشرط ألا ترى أن رجلا لو كان له على رجل دانق لم يجبره على أن يأخذ منه فلوسا وإنما يجبره على أن يأخذ الفضة وقد بلغني أن اهل سويقة في بعض البلدان أجازوا بينهم خرفا مكان الفلوس والخزف فخار يجعل كالفلوس أفيجوز أن يقال يكره السلف في الخزف؟ (قال الشافعي) رحمه الله: أرأيت الذهب والفضة مضروبين دنانير أو دراهم أمثلهما غير دنانير أو دراهم لا يحل الفضل في واحد منهما على صاحبه لا ذهب بدنانير ولا فضة بدراهم إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وما ضرب منهما وما لم يضرب سواء لا يختلف وما كان ضرب منهما ولم يضرب منهما ثمن ولا غير ثمن سواء لا يختلف لان الاثمان دراهم ودنانير لا فضة ولا يحل الفضل في مضروبه على غير مضروبه الربا في مضروبه وغير مضروبه سواء فكيف يجوز أن يجعل مضروب الفلوس ]
__________
(1) من هنا إلى آخر الباب بقية باب الآجال في الصرف السابق قدم منه السراج البلقينى في نسخته ما يتعلق بالصرف وذكر الباقي هنا لتعلقه بالسلم، والباب برمته مذكور في هذا الموضع في جميع النسخ.
كتبه مصححه.(3/98)
[ مخالفا غير مضروبها؟ وهذا لا يكون في الذهب والفضة (قال الشافعي) وكل ما كان في الزيادة في بعضه على بعض الربا فلا يجوز أن يسلم شئ منه في شئ منه إلى أجل ولا شئ منه مع غيره في شئ منه وحده ولا مع غيره ولا يجوز أن يسلم شاة فيها لبن بلبن إلى أجل حتى يسلمها مستحلبا بلا لبن ولا سمن ولا زبد لان حصة اللبن الذى في الشاه بشئ من اللبن الذى إلى أجل لا يدرى كم هو لعله بأكثر أو أقل واللبن لا يجوز إلا مثلا بمثل ويدا بيد وهكذا هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) ولا يحل عندي استدلالا بما وصفت من السنة والقياس أن يسلف شئ يؤكل أو يشرب مما يكال فيما يوزن مما يؤكل أو يشرب ولا شئ يوزن فيما يكال لا يصلح أن يسلف مد حنطة في رطل عسل ولا رطل عسل في مد زبيب ولا شئ من هذا وهذا كله قياسا على الذهب الذى لا يصلح أن يسلم في الفضة والفضة التي لا يصلح أن تسلم في الذهب والقياس على الذهب والفضة أن لا يسلف مأكول موزون في مكيل مأكول ولا مكيل مأكول في موزون مأكول ولا غيره مما أكل أو شرب بحال وذلك مثل سلف الدنانير في الدراهم ولا يصلح شئ من الطعام بشئ من الطعام نسيئة (قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس أن يسلف العرض في العرض مثله إذا لم يكن مأكولا ولا مشروبا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا بأس أن يبيع السلعة بالسلعة إحداهما ناجزة والاخرى دين أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال له أبيع السلعه بالسلعة كلتاهما دين؟ فكرهه قال وبهذا نقول لا يصلح أن يبيع دينا بدين وهذا مروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه (قال الشافعي) وكل ما جاز بيع بعضه ببعض متفاضلا من الاشياء كلها جاز أن يسلف بعضه في بعض ما خلا الذهب في الفضة والفضة في الذهب والمأكول والمشروب كل واحد منهما في صاحبه فإنها خارجة من هذا المعنى ولا بأس أن يسلف مد حنطة في بعير وبعير في بعيرين وشاة في شاتين وسواء اشتريت الشاة والجدى بشاتين يراد بهما الذبح أو لا يراد لانهما يتبايعان حيوانا لا لحما بلحم ولا لحما بحيوان وما كان في هذا المعنى وحشية في وحشيتين موصوفتين ما خلا ما وصفت (قال الشافعي) وما أكل أو شرب مما لا يوزن ولا يكال قياسا عندي على ما يكال ويوزن مما يؤكل أو يشرب فإن قال قائل فكيف قست ما لا يكال ولا يوزن
من المأكول والمشروب على ما يكال ويوزن منها؟ قلت وجدت أصل البيوع شيئين، شيئا في الزيادة في بعضه على بعض الربا، وشيئا لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض، فكان الذى في الزيادة في بعضه على بعض، الربا، ذهب وفضة وهما (بائنان من كل شئ لا يقاس عليهما غيرهما لمباينتهما ما قيس عليهما بما وصفنا من أنهما ثمن لكل شئ وجائز أن يشترى بهما كل شئ عداهما يدا بيد ونسيئة وبحنطة وشعير وتمر وملح وكان مأكولا مكيلا موجودا في السنة تحريم الفضل في كل صنف منه على الشئ من صنفه فقسنا المكيل والموزون عليهما ووجدنا ما يباع غير مكيل ولا موزون فتجوز الزيادة في بعضه على بعض من الحيوان والثياب وما أشبه ذلك مما لا يوزن فلما كان المأكول غير المكيل عند العامة الموزون عندها مأكولا فجامع المأكول المكيل الموزون في هذا المعنى ووجدنا أهل البلدان يختلفون فمنهم من يزن وزنا ووجدنا كثيرا من أهل البلدان يزن اللحم وكثيرا لا يزنه ووجدنا كثيرا من أهل البلدان يبيعون الرطب جزافا فكانت أفعالهم فيه متباينة واحتمل كله الوزن والكيل ومنهم من يكيل منه الشئ لا يكيله غيره ووجدنا كله يحتمل الوزن ووجدنا كثيرا من أهل العلم يزن اللحم وكثيرا منهم لا يزنه ووجدنا كثيرا من أهل العلم يبيعون الرطب جزافا وكانت أفعالهم فيه متباينة واحتمل كلها الوزن أو الكيل أو كلاهما كان أن يقاس بالمأكول والمشروب المكيل والموزون) أولى بنا من أن يقاس على ما يباع عددا من ](3/99)
[ غير المأكول من الثياب وغيرها لانا وجدناها تفارقه فيما وصفت وفي أنها لا تجوز إلا بصفة وذرع وجنس وسن في الحيوان وصفة لا يوجد في المأكول مثلها (قال الشافعي) ولا يصلح على قياس قولنا هذا، رمانة برمانتين عددا لا وزنا ولا سفرجلة بسفرجلتين ولا بطيخة ببطيختين ولا يصلح أن يباع منه جنس بمثله إلا وزنا بوزن يدا بيد كما نقول في الحنطة والتمر وإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بأس برمانة بسفرجلتين وأكثر عددا ووزنا كما لا يكون بأس بمد حنطة بمد تمر وأكثر ولا مد حنطة بتمر جزافا أقل من الحنطة أو أكثر لانه إذا لم يكن في الزيادة فيه يدا بيدا الربا لم أبال أن لا يتكايلاه لانى إنما آمرهما يتكايلانه إذا كان لا يحل إلا مثلا بمثل فأما إذا جاز فيه التفاضل فإنما منع إلا بكيل كى لا يتفاضل فلا معنى فيه إن ترك الكيل يحرمه وإذا بيع منه جنس
بشئ من جنسه لم يصلح عددا ولم يصلح إلا وزنا بوزن وهذا مكتوب في غير هذا الموضع بعلله (قال) ولا يسلف مأكولا ولا مشروبا في مأكول ولا مشروب بحال كما لا يسلف الفضة في الذهب ولا يصلح أن يباع إلا يدا بيد كما يصلح الفضة بالفضة والذهب بالذهب (قال الشافعي) ولا يصلح في شئ من المأكول أن يسلم فيه عددا لانه لا صفة له كصفة الحيوان وذرع الثياب والخشب ولا يسلف إلا وزنا معلوما أو كيلا معلوما إن صلح أن يكال ولا يسلف في جوز ولا بيض ولا رانج ولا غيره عددا لاختلافه وأنه لا حد له يعرف كما يعرف غيره (قال) وأحب إلى أن لا يسلف جزاف من ذهب ولا فضة ولا طعام ولا ثياب ولا شئ ولا يسلف شئ حتى يكون موصوفا إن كان دينارا فسكته وجودته ووزنه وإن كان درهما فكذلك وبأنه وضح (1) أو أسود أو ما يعرف به فإن كان طعاما قلت تمر صيحانى جيد كيله كذا وكذلك إن كانت حنطة وإن كان ثوبا قلت مروى طوله كذا وعرضه كذا رقيق صفيق جيد وإن كان بعيرا قلت ثنيا مهريا أحمر سبط الخلق جسميا أو مربوعا تصف كل ما أسلفته كما تصف كل ما أسلفت فيه وبعت به عرضا دينا لا يجزئ في رأيى غيره فإن ترك منه شيئا أو ترك في السلف دينا خفت أن لا يجوز وحال ما أسلفته غير حال ما أسلفت فيه وهذا الموضع الذى يخالف فيه السلف بيع الاعيان ألا ترى أنه لا بأس أن يشترى الرجل إبلا قد رآها البائع والمشترى ولم يصفاها بثمر حائط قد بدا صلاحه ورأياها وأن الرؤية منهما في الجزاف وفيما لم يصفاه من الثمرة أو المبيع كالصفة فيما أسلف فيه وأن هذا لا يجوز في السلف أن أقول أسلفك في ثمر نخلة جيدة من خير النخل حملا أو أقله أو أوسطه من قبل أن حمل النخل يختلف من وجهين أحدهما من السنين فيكون في سنة أحمل منه في الاخرى من العطش ومن شئ لا يعلمه إلا الله عزوجل ويكون بعضها مخفا وبعضها موقرا فلما لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أنهم يجيزون في بيع الاعيان الجزاف والعين غير موصوفة لان الرؤية أكثر من الصفة ويردونه في السلف ففرقوا بين حكمهما وأجازوا في بيع العين أن يكون إلى غير أجل ولم يجيزوا في بيع السلف المؤجل أن يكون كان والله تعالى أعلم أن يقول كما لا يكون المبيع المؤجل إلا معلوما بما يعلم به مثله من صفة وكيل ووزن وغير ذلك فكذلك ينبغى أن يكون ما ابتيع به معروفا بصفة وكيل ووزن فيكون الثمن معروفا كما كان المبيع معروفا ولا يكون السلم مجهول الصفة والوزن في مغيب لم ير فيكون مجهولا بدين
(قال الشافعي) ومن ذهب هذا المذهب ذهب إلى أن السلف إن انتقض عرف المسلف رأس ماله ويكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة ولا يكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة عينا مجهولا ولا يكون معلوم ]
__________
(1) قوله، وبأنه وضح، الوضح - بفتحتين - الدرهم الصحيح، كما في القاموس.
كتبه مصححه.(3/100)
[ الصفة عينا (قال الشافعي) وقد نجد خلاف من قال هذا القول مذهبا محتملا وإن كنا قد اخترنا ما وصفنا وذلك أن يقول قائل إن بيع الجزاف إنما جاز إذا عاينه المجازف فكان عيان المجازف مثل الصفة فيما غاب أو أكثر، ألا ترى أنه لا يجوز أن يبتاع ثمر حائط جزافا بدين ولا يحل أن يكون الدين إلا موصوفا إذا كان غائبا فإن كان الثمر حاضرا جزافا كالموصوف غائبا؟ (قال الشافعي) ومن قال هذا القول الآخر انبغى أن يجيز السلف جزافا من الدنانير والدراهم وكل شئ ويقول إن انتقض السلف فالقول قول البائع لانه المأخوذ منه مع يمينه كما يشترى الدار بعينها بثمر حائط فينتقض البيع فيكون القول في الثمن قول البائع ومن قال القول الاول في أن لا يجوز في السلف إلا ما كان مقبوضا موصوفا كما يوصف ما سلف فيه غائبا قال ما وصفنا (قال) والقول الاول أحب القولين إلى والله أعلم وقياس هذا القول الذى اخترت أن لا يسلف مائة دينار في مائة صاع حنطة ومائة صاع تمر موصوفين إلا أن يسمى رأس مال كل واحد منهما لان الصفقة وقعت وليس ثمن كل واحد منهما معروفا (قال الشافعي) ولو سلف مائتي صاع حنطة مائة بينهما إلى شهر كذا ومائة إلى شهر مسمى بعده لم يجز في هذا القول من قبل أنه لم يسم لكل واحد منهما ثمنا على حدته وأنهما إذا أقيما كانت مائة صاع أقرب أجلا من مائة صاع أبعد أجلا منها أكثر في القيمة وانعقدت الصفقة على مائتي صاع ليست تعرف حصة كل واحد منهما من الثمن (قال الشافعي) وقد أجازه غيرنا وهو يدخل عليه ما وصفنا وأنه إن جعل كل واحد منهما بقيمة يوم يتبايعان قومه قبل أن يحب على بائعه دفعه وإنما يقوم ما وجب دفعه وهذا لم يجب دفعه فقد انعقدت الصفقه وهو غيره معلوم (قال) ولا يجوز في هذا القول أن تسلف أبدا في شيئين مختلفين ولا أكثر إذا سميت رأس مال كل واحد من ذلك الصنف وأجله حتى يكون صفقة جمعت بيوعا مختلفة (قال) فإن فعل فأسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينار إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل
في شهر كذا جاز لان هذه وإن كانت صفقة فإنها وقعت على بيعتين معلومتين بثمنين معلومين (قال الشافعي) وهذا مخالف لبيوع الاعيان في هذا الموضع ولو ابتاع رجل من رجل بمائة دينار صاع حنطة ومائة صاع تمرا ومائة صاع جلجلان ومائة صاع بلسن (1) جاز وإن لم يسم لكل صنف منه ثمنه وكان كل صنف منه بقيمته من المائه ولا يجوز أن يسلف في كيل فيأخذ بالكيل وزنا ولا في وزن فيأخذ بالوزن كيلا لانك تأخذ ما ليس بحقك إما أنقص منه وإما أزيد لاختلاف الكيل والوزن عندما يدخل في المكيال وثقله فمعنى الكيل مخالف في هذا المعنى الوزن (قال الشافعي) وهكذا إن أسلم إليه في ثوبين أحدها هروى والآخر مروى موصوفين لم يجز السلف في واحد منهما حتى يسمى رأس مال كل واحد منهما وكذلك ثوبين مرويين لانهما لا يستويان ليس هذا كالحنطة صنفا ولا كالتمر صنفا، لان هذا لا يتباين وأن بعضه مثل بعض ولكن لو أسلم في حنطتين سمراء ومحمولة مكيلتين لم يجز حتى يسمى رأس مال كل واحد منهما لانهما يتباينان.
باب جماع ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز والكيل (قال الشافعي) رحمه الله وأصل ما بنيت عليه في السلف وفرقت بينه داخل في نص السنة ]
__________
(1) قوله: بلسن بضم الموحدة وسكون اللام وضم السين المهملة: العدس، أو حب يشبهه.
كما في القاموس.(3/101)
[ ودلالتها والله أعلم لاأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر بالسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم فموجود في أمره صلى الله عليه وسلم أن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يكون علم البائع والمشترى في صفته سواء (قال) وإذا وقع السلف على هذا جاز وإذا اختلف علم البائع والمشترى فيه أو كان مما لا يحاط بصفته لم يجز لانه خارج من معنى ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تبايع الناس بالكيل والوزن على معنى ما وصفت بين أنه معلوم عندهم أن الميزان يؤدى ما ابتيع معلوما والمكيال معلوم وكذلك أو قريب منه وأن ما كيل ثم ملاء المكيال كله ولم يتجاف فيه شئ حتى يكون يملا المكيال ومن المكيال شئ فارغ جاز ولو جاز أن يكال ما يتجافى في المكيال حتى يكون المكيال يرى ممتلئا وبطنه غير ممتلئ لم يكن للمكيال معنى وهذا مجهول لان التجافي يختلف فيه يقل ويكثر فيكون
مجهولا عند البائع والمشترى والبيع في السنة والاجماع لا يجوز أن يكون مجهولا عند واحد منهما فإن لم يجز بأن يجهله أحد المتبايعين لم يجز بأن يجهلاه معا (قال) وموجود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهاهم عن السلف إلا بكيل ووزن وأجل معلوم كما وصفت قبل هذا وأنهم كانوا يسلفون في التمر السنة والسنتين والتمر يكون رطبا والرطب لا يكون في السنتين كلتيهما موجودا وإنما يوجد في حين من السنة دون حين وإنما أجزنا السلف في الرطب في غير حينه إذا تشارطا أخذه في حين يكون فيه موجودا لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز السلف في السنتين والثلاث موصوفا لانه لم ينه أن يكون إلا بكيل ووزن وأجل ولم ينه عنه في السنتين والثلاث ومعلوم أنه في السنة والسنتين غير موجود في أكثر مدتهما ولا يسلف في قبضة ولا مد من رطب من حائط بعينه إلى يوم واحد لانه قد تأتى عليه الآفة ولا يوجد في يوم وإذا لم يجز في أكثر من يوم وإنما السلف فيما كان مأمونا وسواء القليل والكثير ولو أجزت هذا في مد رطب بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حائط بعينه اجزته في ألف صاع إذا كان يحمل مثلها ولا فرق بين الكثير والقليل في هذا.
باب السلف في الكيل (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا دق ولا رذم (1) ولا زلزلة (قال الشافعي) من سلف في كيل فليس له أن يدق ما في المكيال ولا يزلزله ولا يكنف بيديه على رأسه فله ما أخذ المكيال وليس له أن يسلف في كيل شئ يختلف في المكيال مثل ما تختلف خلقته ويعظم ويصلب لانه قد يبقى فيما بين لك خواء لا شئ فيه فيكون كل واحد منهما لا ] يدرى كم أعطى وكم أخذ إنما المكيال ليملا وما كان هكذا لم يسلف فيه إلا وزنا ولا يباع أيضا إذا كان هكذا كيلا بحال لان هذا إذا بيع كيلا لم يستوف المكيال ولا بأس أن يسلف في كيل بمكيال قد عطل وترك إذا كان معرفته عامة عند أهل العدل من أهل العلم به، فإن كان لا يوجد عدلان يعرفانه أو أراه ميكالا فقال تكيل له به لم يجز السلف فيه وهكذا القول في الميزان لانه قد يهلك ولا يعرف قدره ويختلفان فيه فيفسد السلف فيه، ومن الناس من أفسد السلم في هذا وأجازه في أن يسلف الشئ جزافا ومعناهما واحد، لا خبر في السلف في مكيل إلا موصوفا كما وصفنا في صفات الكيل والوزن.
]
__________
(1) قوله: ولا رذم، هو أن يملا المكيال حتى يجاوز رأسه، كما في النهاية.
كتبه مصححه.(3/102)
[ باب السلف في الحنطة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والسلف في البلدان كلها سواء، قل طعام البلدان أو أكثر، فإذا كان الذى يسلف فيه في الوقت الذى يحل فيه لا يختلف ووصف الحنطة فقال محمولة أو مولدة أو بوزنجانية وجيدة أو ردية من صرام عامها أو من صرام عام أول ويسمى سنته وصفاته جاز السلف وإن ترك من هذا شيئا لم يجز من قبل اختلافها وقدمها وحداثتها وصفائها (قال الشافعي) ويصف الموضع الذى يقبضها فيه والاجل الذى يقبضها إليه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز (قال الشافعي) وقال غيرنا إن ترك صفة الموضع الذي يقبضها فيه فلا بأس ويقبضها حيث أسلفه (قال الشافعي) وقد يسلفه في سفر في بلدة ليست بدار واحد منهما ولا قربها طعام فلو يكلف الحمل إليها أضر به وبالذي سلفه ويسلفه في سفر في بحر (قال) وكل ما كان لحمله مؤنة من طعام وغيره لم يجز عندي أن يدع شرط الموضع الذى يوفيه إياه فيه كما قلت في الطعام وغيره لما وصفت وإذا سلف في حنطة بكيل فعليه أن يوفيه إياها نقية من التبن والقصل والمدر والحصى والزوان والشعير وما خالطها من غيرها لانا لو قضينا عليه أن يأخذها وفيها من هذا شئ كنا لم نوفه مكيله قسطه حين خلطها بشئ من هذا لان له موقعا من مكيال فكان لو أجبر على أخذ هذا أجبر على أخذ أقل من طعامه بأمر لا يعرفه ومكيلة لم يسلف فيها من هذا لا يعرفها (قال الشافعي) ولا يأخذ شيئا مما أسلف فيه متعيبا بوجه من الوجوه سوس ولا ما أصابه ولا غيره ولا مما إذا رآه أهل العلم به قالوا هذا عيب فيه.
باب السلف في الذرة (قال الشافعي) رحمه الله: والذرة كالحنطة توصف بجنسها ولونها وجودتها وردائتها وجدتها وعتقها وصرام عام كذا أو عام كذا ومكيلتها وأجلها فإن ترك من هذا شيئا لم يجز (قال الشافعي) وقد تدفن الذرة، وبعض الدفن عيب لهما فما كان منه لها عيبا لم يكن للبائع أن يدفعه إلى المبتاع وكذلك كل عيب لها وعليه أن يدفع إليه ذرة برية نقية من حشرها (1) إذا كان الحشر عليها كما كمام الحنطة عليها
(قال الشافعي) وما كان منها إلى الحمرة ما هو بالحمرة لون لاعلاه كلون أعلى التفاح والارز وليس بقشرة عليه تطرح عنه لا كما تطرح نخالة الحنطة بعد الطحن، فأما قبل الطحن والهرس فلا يقدر على طرحها، وإنما قلنا لا يجوز السلف في الحنطة في أكمامها وما كان من الذرة في حشرها لان الحشر والاكمام غلافان فوق القشرة التى هي من نفس الحبة التى هي إنما هي للحبة كما هي من خلقتها لا تتميز ما كانت الحبة قائمة إلا بطحن أو هرس فإذا طرحت بهرس لم يكن للحبة بقاء لانها كمال خلقتها كالجلد تكمل به الخلقة لا يتميز منها والاكمام والحشر يتميز، ويبقى الحب بحاله لا يضر به طرح ذلك عنه (قال) فإن شبه على أحد بأن يقول في الجوز واللوز يكون عليه القشر فالجوز واللوز مما له قشر لا صلاح له إذا رفع إلا بقشرة لانه إذا طرح عنه قشره ثم ترك عجل فساده والحب يطرح قشره الذى هو ]
__________
(1) قوله: من حشرها، جمع حشرة - بالحاء المهملة والتحريك - القشرة التى تلى الحبة، والتي فوق الحشرة يسمى القصرة محركة أيضا، كما في القاموس واللسان: - اه مصححه.(3/103)
[ غير خلقته فيبقى لا يفسد (قال الشافعي) والقول في الشعير كهو في الذرة تطرح عنه أكمامه وما بقى فهو كقشر حبة الحنطة المطروح عنها أكمامها فيجوز أن يدفع بقشره اللازم لخلقته كما يجوز في الحنطة (قال الشافعي) ويوصف الشعير كما توصف الذرة والحنطة إذا اختلف أجناسه ويوصف كل جنس من الحب ببلده فإن كان حبه مختلفا في جنس واحد وصف بالدقة والحدارة لاختلاف الدقة والحدارة حتى يكون صفة من صفاته إن تركت أفسدت السلف وذلك أن اسم الجودة يقع عليه وهو دقيق ويقع عليه وهو حادر ويختلف في حاليه فيكون الدقيق أقل ثمنا من الحادر.
باب العلس (قال الشافعي) رحمه الله العلس صنف من الحنطة يكون فيه حبتان في كمام فيترك كذلك لانه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل فيلقى في رحى خفيفة فيلقى عنه كمامه ويصير حبا صحيحا ثم يستعمل (قال الشافعي) والقول فيه كالقول في الحنطة في أكمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه كمامه بخصلتين اختلاف الكمام وتغيب الحب فلا يعرف بصفة والقول في صفاته وأجناسه إن كانت له
وحدارته ودقته كالقول في الحنطة والذرة والشعير يجوز فيه ما يجوز فيها ويرد منه ما يرد منها.
باب القطنية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا يجوز أن يسلف في شئ من القطنية كيل في أكمامه حتى تطرح عنه فيرى ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا وكل صنف منها على حدته وإن اختلف ذلك وصف كل صنف منه باسمه الذى يعرف به جنسه كما قلنا في الحنطة والشعير والذرة ويجوز فيه ما جاز فيها ويرد منه ما رد منها وهكذا كل صنف من الحبوب أرز أو دخن أو سلت أو غيره يوصف كما توصف الحنطة ويطرح عنه كمامه وما جاز في الحنطة والشعير جاز فيها وما انتقض فيها انتقض فيه (قال الشافعي) وكل الحبوب صنف بما يدخلها مما يفسدها أو يجبرها، وقشوره عليه كقشور الحنطة عليها يباع بها، لان القشور ليست بأكمام.
باب السلف في الرطب والتمر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والقول في التمر كالقول في الحبوب لا يجوز أن يسلف في تمر حتى يصفه برنيا أو عجوة أو صيحانيا أو برديا، فإذا اختلفت هذه الاجناس في البلدان فتباينت لم يجز أن يسلف فيها حتى يقول من بردى بلاد كذا أو من عجوة بلا كذا ولا يجوز أن يسمى بلدا إلى بلدا من الدنيا ضخما واسعا كثير النبات الذى يسلم فيه يؤمن بإذن الله تعالى أن تأتى الآفة عليه كله فتنقطع ثمرته في الجديد إن اشترط جديده أو رطبه إذا سلف في رطبه (قال) ويوصف فيه حادرا أو عبلا ودقيقا وجيدا ورديئا لانه قد يقع اسم الجودة على ما فيه الدقة وعلى ما هو أجود منه ويقع اسم الرداءة على الحادر فمعنى رداءته غير الدقة (قال الشافعي) وإذا سلف في تمر لم يكن عليه أن يأخذه إلا جافا لانه لا ](3/104)
[ يكون تمرا حتى يجف وليس له أن يأخذ تمرا معيبا وعلامة العيب أن يراه أهل البصر به فيقولون هذا عيب فيه ولا عليه أن يأخذ فيه حشفة واحدة لانها معيبة وهى نقص من ماله ولا غير ذلك من مستحشفه وما عطش وأضر به العطش منه لان هذا كله عيب فيه ولو سلف فيه رطبا لم يكن عليه أن يأخذ في الرطب بسرا ولا مذنبا (1) ولا يأخذ إلا ما أرطب كله ولا يأخذ مما أرطب كله مشدخا ولا
قديما قد قارب أن يثمر، أو يتغير لان هذا إما غير الرطب وإما عيب الرطب وهكذا أصناف الرطب والتمر كله وأصناف العنب وكل ما أسلم فيه رطبا أو يابسا من الفاكهة (قال الشافعي) ولا يصلح السلف في الطعام إلا في كيل أو وزن فأما في عدد فلا، ولا بأس أن يسلف في التين يابسا وفى الفرسك يابسا وفى جميع ما ييبس من الفاكهة يابسا بكيل كما يسلف في التمر ولا بأس أن يسلف فيما كيل منه رطبا كما يسلم في الرطب والقول في صفاته وتسميته وأجناسه كالقول في الرطب سواء لا يختلف فإن كان فيه شئ بعض لونه خير من بعض لم يجز حتى يوصف اللون كما لا يجوز في الرقيق إلا صفة الالوان (قال) وكل شئ اختلف فيه جنس من الاجناس المأكولة فتفاضل بالالوان أو بالعظم لم يجز فيه إلا أن يوصف بلونه وعظمه فإن ترك شئ من ذلك لم يجز وذلك ان اسم الجودة يقع على ما يدق ويعظم منه ويقع على أبيضه وأسوده وربما كان أسوده خيرا من أبيضه وأبيضه خير من أسوده وكل الكيل والوزن يجتمع في أكثر معانيه وقليل ما يباين به جملته إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولو أسلم رجل في جنس من التمر فأعطى أجود منه أو أردأ بطيب نفس من المتبايعين لا إبطال للشرط بينهما، لم يكن بذلك بأس وذلك ان هذا قضاء لا بيع ولكن لو أعطى مكان التمر حنطة أو غير التمر، لم يجز لانه اعطاه من غير الصنف الذى له فهذا بيع ما لم يقبض بيع التمر بالحنطة (قال الشافعي) ولا خير في السلف في شئ من المأكول عددا، لانه لا يحاط فيه بصفة كما يحاط في الحيوان بسن وصفة وكما يحاط في الثياب بذرع وصفة ولا بأس أن يسلم فيه كله بصفة ووزن فيكون الوزن فيه يأتي على ما يأتي عليه الذرع في الثوب ولا بأس أن يسلف في صنف من الخربز بعينه ويسمى منه عظاما أو صغارا أو خربز بلد وزن كذا وكذا، فما دخل الميزان فيه من عدد ذلك لم ينظر فيه إلى العدد إذا وقعت على ما يدخل الميزان أقل الصفة ونظر إلى الوزن كما لا ينظر في موزون من الذهب والفضة إلى عدد وإذا اختلفا في عظامه وصغاره فعليه أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم العظم وأقل ما يقع اسم صفته ثم يستوفيه منه موزونا وهكذا السفرجل والقثاء والفرسك وغيره مما يبيعه الناس عددا وجزافا في أوعيته لا يصلح السلف فيه إلا موزونا لانه يختلف في المكيال وما اختلف في المكيال حتى يبقى من المكيال شئ فارغ ليس فيه شئ لم يسلف فيه كيلا (قال) وإن اختلف فيه أصناف ما سلف من قثاء وخربز وغيره مما لا يكال سمى كل
صنف منها على حدته وبصفته لا يجزئة غير ذلك فإن ترك ذلك فالسلف فاسد والقول في إفساده وإجازته إذا اختلف أجناسه كالقول فيما وصفنا قبله من الحنطة والتمر وغيرهما.
باب جماع السلف في الوزن (قال الشافعي) رحمه الله والميزان مخالف للمكيال في بعض معانيه والميزان أقرب من الاحاطة ]
__________
(1) قوله: مذنبا، قال في القاموس: ذنبت البسرة تذنيبا وكتت من ذنبها اه، ووكتت: نكتت، أي بدا فيها الارطاب.
كتبه مصححه.(3/105)
[ وأبعد من أن يختلف فيه أهل العلم من المكيال لان ما يتجافى ولم يتجاف في الميزان سواء لانه إنما يصار فيه كله إلى أن يوجد بوزنه والمتجافي في المكيال يتباين تباينا فليس في شئ مما وزن اختلاف في الوزن يرد به السلف من قبل اختلافه في الوزن كما يكون فيما وصفنا من الكيل ولا يفسد شئ مما سلف فيه وزنا معلوما إلا من قبل غير الوزن ولا بأس أن يسلف في شئ وزنا وإن كان يباع كيلا ولا في شئ كيلا وإن كان يباع وزنا إذا كان مما لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الذى هو ذائب إن كان يباع بالمدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا فلا بأس أن يسلف فيه كيلا وإن كان يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ومثل السمن والعسل وما أشبهه من الادام فإن قال قائل كيف كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا الله أعلم أما الذى أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل منه فيباع كيلا والجملة الكثيرة تباع وزنا ودلالة الاخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه.
قال عمر رضى الله عنه: لا آكل سمنا ما دام السمن يباع بالاواقى وتشبه الاواقى أن تكون كيلا ولا يفسد السلف الصحيح العقد في الوزن إلا من قبل الصفة فإن كانت الصفة لا تقع عليه وكان إذا اختلف صفاته تباينت جودته واختلفت أثمانه لم يجز لانه مجهول عند اهل العلم به وما كان مجهولا عندهم لم يجز (قال الشافعي) وإن سلف في وزن ثم أراد إعطاءه كيلا لم يجز من قبل أن الشئ يكون خفيفا ويكون غيره من جنسه أثقل منه فإذا اعطاه إياه بالمكيال أقل أو أكثر مما سلفه فيه فكان أعطاه الطعام الواجب من الطعام الواجب متفاضلا أو مجهولا وإنما يجوز أن يعطيه معلوما فإن اعطاه حقه فذلك الذى لا يلزمه
غيره وإن اعطاه حقه وزاده تطوعا منه على غير شئ كان في العقد فهذا نائل من قبله فإن أعطاه أقل من حقه وأبرأه المشترى مما بقى عليه فهذا شئ تطوع به المشترى فلا بأس به، فأما أن لا يعمدا تفضلا ويتجازفا مكان الكيل يتجازفان وزنا، فإذا جاز هذا جاز ان يعطيه أيضا جزافا، وفاء من كيل لا عن طيب أنفس منهما عن فضل عرفه أحدهما قبل صاحبه.
تفريع الوزن من العسل (قال الشافعي) رحمه الله أقل ما يجوز به السلف في العسل أن يسلف المسلف في كيل أو وزن معلوم وأجل معلوم وصفة معلومة جديدا ويقول عسل وقت كذا، للوقت الذى يكون فيه فيكون يعرف يوم يقبضه جدته من قدمه وجنس كذا وكذا منه (قال) والصفة أن يقول عسل صاف أبيض من عسل بلد كذا أو رديئا (قال) ولو ترك قوله في العسل صافيا جاز عندي من قبل أنه إذا كان له عسل لم يكن عليه أن يأخذ شمعا في العسل وكان له أن يأخذ عسلا والعسل الصافى، والصافى وجهان صاف من الشمع وصاف في اللون (قال الشافعي) وإن سلف في عسل صاف فأتى بعسل قد صفى بالنار لم يلزمه لان النار تغير طعمه فينقص ثمنه ولكن يصفيه له بغير نار فإن جاءه بعسل غير صافى اللون فذلك عيب فيه فلا يلزمه أخذه إذا كان عيبا فيه (قال الشافعي) فإن سلف في عسل فجاءه بعسل رقيق أريه أهل العلم بالعسل فإن قالوا هذه الرقة في هذا الجنس من هذا العسل عيب ينقص ثمنه لم يكن عليه أن يأخذه، وإن قالوا هكذا يكون هذا العسل وقالوا رق لحر البلاد أو لعلة غير عيب في نفس العسل لزمه أخذه (قال) ولو قال عسل برأ وقال عسل صعتر أو عسل صرو أو عسل عشر ووصف لونه وبلده فأتاه باللون والبلد وبغير الصنف الذى شرط له أدنى أو أرفع لم يكن عليه أخذه إنما يرده بأحد أمرين أحدهما ](3/106)
[ نقصان عما سلف فيه والآخر أن كل جنس من هذه قد يصلح لما لا يصلح له غيره أو يجزئ فيما لا يجزى فيه غيره أو يجمعهما ولا يجوز أن يعطى غير ما شرط إذا اختلفت منافعهما (قال) وما وصفت من عسل بر وصعتر وغيره من كل جنس من العسل في العسل كالاجناس المختلفة في السمن لا تجزئ إلا صفته في السلف وإلا فسد السلف ألا ترى أنى لو أسلمت في سمن ووصفته ولم أصف جنسه فسد من
قبل أن سمن المعزى مخالف سمن الضأن وأن سمن الغنم كلها مخالف البقر والجواميس فإذا لم تقع الصفة على الجنس مما يختلف فسد السلف كما يفسد لو سلفته في حنطة ولم أسم جنسها فأقول مصرية أو يمانية أو شامية وهكذا لو ترك أن يصفه العسل بلونه فسد من قبل أن أثمانها تتفاضل على جودة الالوان وموقعها من الاعمال يتباين بها وهكذا لو ترك صفة بلده فسد لاختلاف أعمال البلدان كاختلاف طعام البلدان وكاختلاف ثياب البلدان من مروى وهروى ورازي وبغدادي وهكذا لو ترك أن يقول عسل حديث من عسل وقت كذا من قبل اختلاف ما قدم من العسل وحدث وإذا قال عسل وقت كذا فكان ذلك العسل يكون في رجب وسمى أجله رمضان فقد عرف كم مر عليه وهذا هكذا في كل ما يختلف فيه قديمه وجديده من سمن أو حنطة أو غيرهما (قال الشافعي) وكل ما كان عند أهل العلم به عيب في جنس ما سلف فيه لم يلزمه السلف وكذلك كل ما خالف الصفة المشروطة منه فلو شرط عسلا من عسل الصرو وعسل بلد كذا فأتى بالصفة في اللون وعسل البلد فقيل ليس هذا صروا خالصا وهذا صرو وغيره لم يلزمه كما يكون سمن بقر لو خلطه بسمن الغنم لم يلزم من سلف واحدا من السمنين ولو قال أسلمت إليك في كذا وكذا رطلا من عسل أو في مكيال عسل بشمعه كان فاسدا لكثرة الشمع وقلته وثقله وخفته وكذا لو قال أسلم إليك في شهد بوزن أو عدد، لانه لا يعرف ما فيه من العسل والشمع.
باب السلف في السمن (قال الشافعي) رحمه الله: والسمن كما وصفت من العسل وكل مأكول كان في معناه كما وصفت منه ويقول في السمن سمن: ماعز أو سمن ضأن أو سمن بقر.
وإن كان سمن الجواميس يخالفها قال: سمن جواميس لا يجزئ غير ذلك وإن كان ببلد يختلف سمن الجنس منه قال سمن غنم كذا وكذا كما يقال بمكة: سمن ضأن نجدية وسمن ضأن تهامية، وذلك أنهما يتباينان في اللون والصفة والطعم والثمن (قال) والقول فيه كالقول في العسل قبله، فما كان عيبا وخارجا من صفة السلف لم يلزم السلف، والقديم من السمن يتبين من القديم من العسل لانه اسرع تغير منه، والسمن منه ما يدخن ومنه ما لا يدخن، فلا يلزم المدخن لانه عيب فيه.
السلف في الزيت
(قال الشافعي) رحمه الله: والزيت إذا اختلف لم يجز فيه إلا أن يوصف بصفته وجنسه وإن كان قدمه يغيره وصفه بالجدة أو سمى عصير عام كذا حتى يكون قد أتى عليه ما يعرفه المشترى والبائع، والقول في عيوبه واختلافه كالقول في عيوب السمن والعسل (قال) والآدام كلها التى هي أو داك السليط وغيره إن اختلف، نسب كل واحد منها إلى جنسه وإن اختلف عتيقها وحديثها نسب إلى ](3/107)
[ الحداثة والعتق فإن باينت العسل والسمن في هذا فكانت لا يقلبها الزمان ولا تغير قلت عصير سنة كذا وكذا لا يجزئه غير ذلك والقول في عيوبها كالقول في عيوب ما قبلها كل ما نسبه أهل العلم إلى العيب في جنس منها لم يلزم مشتريه إلا أن يشاء هو متطوعا (قال) ولا خير في أن يقول في شئ من الاشياء أسلم إليك في أجود ما يكون منه لانه لا يوقف على حد أجود ما يكون منه أبدا فأما أردأ ما يكون منه فأكرهه ولا يفسد به البيع من قبل أنه إن أعطى خيرا من أردأ ما يكون منه كان متطوعا بالفضل وغير خارج من صفة الرداءة كله (قال) وما اشترى من الآدام كيلا اكتيل وما اشترى وزنا بظروفه لم يجز شراؤه بالوزن في الظروف لاختلاف الظروف وأنه لا يوقف على حد وزنها فلو اشترى جزافا وقد شرط وزنا فلم يأخذ ما عرف من الوزن المشترى إلا أن يتراضيا، البائع والمشترى، بعد وزن الزيت في الظروف بأن يدع ما يبقى له من الزيت وإن لم يتراضيا وأراد اللازم لهما وزنت الظروف قبل أن يصب فيها الادام ثم وزنت بما يصب فيها ثم يطرح وزن الظروف وإن كان فيها زيت وزن فرغت ثم وزنت الظروف ثم ألقى وزنها من الزيت وما أسلف فيه من الادام فهو له صاف من الرب والعكر وغيره مما خالف الصفاء.
السلف في الزبد (قال الشافعي) رحمه الله: السلف في الزبد كهو في السمن يسمى زبد ماعز أو زبد ضان أو زبد بقر ويقول نجدى أو تهامى لا يجزئ غيره ويشرطه مكيلا أو موزونا ويشرطه زبد يومه لانه يتغير في غده بتهامة حتى يحمض ويتغير في الحر ويتغير في البرد تغيرا دون ذلك وبنجد يؤكل غير أنه لا يكون زبد يومه كزبد غده، فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه وليس للمسلف أن يعطيه زبدا نجيخا وذلك
أنه حينئذ ليس بزبد يومه إنما هو زبد تغير فأعيد في سقاء فيه لبن مخض ليذهب تغيره فيكون عيبا في الزبد لانه جدده وهو غير جديد ومن أن الزبد يرق عن أصل خلقته ويتغير طعمه والقول فيما عرفه أهل العلم به عيبا أنه يرد به كاللقول فيما وصفنا قبله.
السلف في اللبن (قال الشافعي) رحمه الله: ويجوز السلف في اللبن كما يجوز في الزبد ويفسد كما يفسد في الزبد بترك أن يقول ماعز أو ضأن أو بقر وإن كان إبلا أن يقول لبن غواد أو أوراك أو خميصة ويقول في هذا كله لبن الراعية والمعلفة لاختلاف ألبان الرواعى والمعلفة وتفاضلها في الطعم والصحة والثمن فأى هذا سكت عنه لم يجز معه السلم ولم يجز إلا بأن يقول حليبا أو يقول لبن يومه لانه يتغير في غده (قال الشافعي) والحليب ما يحلب من ساعته وكان منتهى حد صفة الحليب أن تقل حلاوته فذلك حين ينتقل إلى أن يخرج من اسم الحليب (قال) وإذا أسلف فيه بكيل فليس له أن يكيله برغوته لانها تزيد في كيله وليست بلبن تبقى بقاء اللبن ولكن إذا سلف فيه وزنا فلا بأس عندي أن يزنه برغوته لانها لا تزيد في وزنه فإن زعم أهل العلم أنها تزيد في وزنه فلا يزنه حتى تسكن كما لا يكيله حتى تسكن ](3/108)
[ (قال) ولا خير في أن يسلف في لبن مخيض لانه لا يكون مخيضا إلا بإخراج زبده وزبده لا يخرج إلا بالماء ولا يعرف المشترى كم فيه من الماء لخفاء الماء في اللبن وقد يجهل ذلك البائع لانه يصب فيه بغير كيل ويزيده مرة بعد مرة والماء غير اللبن فلا يكون على أحد أن يسلف في مد لبن فيعطى تسعة أعشار المد لبنا وعشره ماء لانه لا يميز بين مائه حينئذ ولبنه، وإذا كان الماء مجهولا كان أفسد له لانه لا يدرى كم أعطى من لبن وماء (قال) ولا خير في أن يسلف في لبن ويقول حامض لانه قد يسمى حامضا بعد يوم ويومين وأيام وزيادة حموضته زيادة نقص فيه ليس كالحلو الذي يقال له حلو فيأخذ له أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة مع صفة غيرها وما زاد على أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة زيادة خير للمشترى وتطوع من البائع وزيادة حموضة اللبن كما وصفت نقص على المشترى، وإذا شرط لبن يوم أو لبن يومين فإنما يعنى ما حلب من يومه وما حلب من يومين فيشترط غير حامض وفى لبن الابل غير قارص فإن كان ببلد
لا يمكن فيه إلا أن يحمض في تلك المدة فلا خير في السلف فيه بهذه الصفة لما وصفت من أنه لا يوقف على حد الحموضة ولا حد قارص فيقال هذا أول وقت حمض فيه أو قرص فيلزمه إياه وزيادة الحموضة فيه نقص للمشترى كما وصفنا في المسألة قبله ولا خير في بيع اللبن في ضروع الغنم وإن اجتمع فيها حلبة واحدة لانه لا يدرى كم هو ولا كيف هو لا هو بيع عين ترى ولا شئ مضمون على صاحبه بصفة وكيل وهذا خارج مما يجوز في بيوع المسلمين (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أنه كان يكره بيع الصوف على ظهور الغنم واللبن في ضروع الغنم إلا بكيل.
السلف في الجبن رطبا ويابسا (قال الشافعي) رحمه الله والسلف في الجبن رطبا طريا كالسلف في اللبن لا يجوز إلا بأن يشرط صفة جبن يومه أو يقول جبنا رطبا طريا لان الطراء منه معروف والغاب منه مفارق للطرى فالطراء فيه صفة يحاط بها ولا خير في أن يقول غاب لانه إذا زايل الطراء كان غابا وإذا مرت له أيام كان غابا ومرور الايام نقص له كما كثرة الحموضة نقص في اللبن لا يجوز أن يقال غاب لانه لا ينفصل أول ما يدخل في الغبوب من المنزلة التي بعدها فيكون مضبوطا بصفة والجو؟ فيه كالجواب في حموضة اللبن ولا خير في السلف فيه إلا بوزن فأما بعدد فلا خير فيه لانه لا يختلف فلا يقف البائع ولا المشترى منه على حد معروف ويشترط فيه جبن ماعز أو جبن ضائن أو جبن بقر كما وصفنا في اللبن وهما سواء في هذا المعنى (قال) والجبن الرطب لبن يطرح فيه الانافح فيتميز ماؤه ويعزل خاثر لبنه فيعصر فإذا سلف فيه رطبا فلا أبالى، أسمى صغارا أم كبارا ويجوز إذا وقع عليه اسم الجبن (قال) ولا بأس بالسلف في الجبن اليابس وزنا على ما وصفت من جبن ضائن أو بقر فأما الابل فلا أحسبها يكون لها جبن ويسميه جبن بلد من البلدان لان جبن البلدان يختلف وهو أحب إلى لو قال ما جبن منذ شهر أو منذ كذا أو جبن عامه إذا كان هذا يعرف لانه قد يكون إذا دخل في حد اليبس أثقل منه إذا تطاول جفوفه (قال) ولو ترك هذا لم يفسده لانا نجيز مثل هذا في اللحم واللحم حين يسلخ أثقل منه بعد ساعة من جفوفه والثمر في أول ما ييبس يكاد يكون أقل نقصانا منه بعد شهر أو أكثر ولا يجوز إلا أن يقال جبن غير قديم فكل ما
أتاه به فقال أهل العلم به ليس يقع على هذا اسم قيم أخذه وإن كان بعضه أطرى من بعض لان ](3/109)
[ السلف أقل ما يقع عليه اسم الطراءة والمسلف متطوع بما هو أكثر منه ولا خير في أن يقول جبن عتيق ولا قديم لان أقل ما يقع عليه اسم العتيق والقديم غير محدود وكذلك آخره غير محدود وكل ما تقدم في اسم العتيق فازدادت الليالى مرورا عليه كان نقصا له كما وصفنا قبله في حموضة اللبن وكل ما كان عيبا في الجبن عند أهل العلم به من إفراط ملح أو حموضة طعم أو غيره، لم يلزم المشترى.
السلف في اللبأ (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بالسلف في اللبا بوزن معلوم ولا خبر فيه إلا موزونا ولا يجوز مكيلا من قبل تكبسه وتجافيه في المكيال والقول فيه كالقول في اللبن والجبن يصف ماعزا أو ضائنا أو بقرا أو طريا فيكون له أقل ما يقع عليه اسم الطراءة ويكون البائع متطوعا بما هو خير من ذلك ولا يصلح أن يقول غير الطرى لان ذلك كما وصفت غير محدود الاول والآخر والتزيد في البعد من الطراءة نقص على المشترى.
الصوف والشعر (1) (قال الشافعي) رحمه الله: ولا خير في أن يسلم في صوف غنم بأعيانها ولا شعرها إلا كان ذلك إلى يوم واحد فأكثر وذلك أنه قد تأتى الآفة عليه فتذهبه أو تنقصه قبل اليوم وقد يفسد من وجه غير هذا ولا خير في أن يسلم في ألبان غنم بأعيانها ولا زبدها ولا سمنها ولا لبئها ولا جبنها وإن كان ذلك بكيل معلوم ووزن معلوم من قبل أن الآفة تأتى عليها فتهلكها فينقطع ما أسلف فيه منها وتأتى عليها بغير هلاكها فتقطع ما يكون منه ما أسلم فيه منها أو تنقصه وكذلك لا خير فيه ولو حلبت لك حين تشتريها لان الآفة تأتى عليها قبل الاستيفاء (قال الشافعي) وذلك أنا لو أجزنا هذا فجاءت الآفة عليها بأمر يقطع ما أسلم فيه منها أو بعضه فرددناه على البائع بمثل الصفة التى أسلفه فيها كنا ظلمناه لانه بائع صفة من غنم بعينها فحولناها إلى غنم غيرها وهو لو باعه عينا فهلكت لم نحوله إلى غيرها ولم لم نحوله إلى غيرها كنا أجزنا أن يشترى غير عين بعينها وغير مضمون عليه بصفة يكلف الاتيان به متى حل عليه فأجزنا في
بيوع المسلمين ما ليس منها، إنما بيوع المسلمين بيع عين بعينها يملكها المشترى على البائع أو صفة بعينها يملكها المشترى على البائع ويضمنها حتى يؤديها إلى المشترى (قال) وإذا لم يجز أن يسلم الرجل إلى الرجل في ثمر حائط بعينه ولا في حنطة أرض بعينها لما وصفت من الآفات التى تقع في الثمرة والزرع كان لبن الماشية ونسلها كله في هذا المعنى تصيبها الآفات كما تصيب الزرع والثمر وكانت الآفات إليه في كثير من الحالات أسرع (قال) وهكذا كل ما كان من سلك في عين بعينها تقطع من أيدى الناس ولا خير في السلف حتى يكون في الوقت الذى يشترط فيه محله موجودا في البلد الذى يتشرط فيه لا يختلف فيه بحال فإن كان يختلف فلا خير فيه لانه حينئذ غير موصول إلى أدائه، فعلى هذا كل ما ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: المراد بالترجمة: أن يسلم في صوف غنم معينة أو شعرها، أو في غير معينة، غير الصوف والشعر اه.(3/110)
[ سلف وقياسه.
ولا بأس أن تسلف في شئ ليس في أيدي الناس حين تسلف فيه إذا شرطت محله في وقت يكون موجودا فيه بأيدي الناس.
السلف في اللحم (قال الشافعي) رحمه الله: كل لحم موجود ببلد من البلدان لا يختلف في الوقت الذى يحل فيه فالسلف فيه جائز وما كان في الوقت الذى يحل فيه يختلف فلا خير فيه وإن كان يكون لا يختلف في حينه الذى يحل فيه في بلد ويختلف في بلد آخر جاز السلف فيه في البلد الذى لا يختلف وفسد السلف في البلد الذى يختلف فيه إلا أن يكون مما لا يتغير في الحمل فيحمل من بلد إلى بلد مثل الثياب وما أشبهها، فأما ما كان رطبا من المأكول وكان إذا حمل من بلد إلى بلد تغير لم يجز فيه السلف في البلد الذى يختلف فيه، وهكذا كل سلعة من السلع إذا لم تختلف في وقتها في بلد جاز فيه السلف وإذا اختلفت ببلد لم يجز السلف فيه في الحين الذى تختلف فيه إذا كانت من الرطب المأكول.
صفة اللحم وما يجوز فيه وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله: من أسلف في لحم فلا يجوز فيه حتى يصفه يقول: لحم ماعز ذكر
خصى أو ذكر ثنى فصاعدا أو جدى رضيع أو فطيم وسمين أو منق ومن موضع كذا ويشترط الوزن أو يقول لحم ماعزة ثنية فصاعدا أو صغيرة يصف لحمها وموضعها ويقول لحم ضأئن ويصفه هكذا، ويقول في البعير خاصة بعير راع من قبل اختلاف الراعى والمعلوف وذلك أن لحمان ذكورها وإناثها وصغارها وكبارها وخصيانها وفحولها تختلف ومواضع لحمها تختلف ويختلف لحمها فإذا حد بسمانة كان للمشترى أدنى ما يقع عليه اسم السمانة، وكان البائع متطوعا بأعلى منه إن أعطاه إياه وإذا حده منقيا كان له أدنى ما يقع عليه اسم الانقاء والبائع متطوع بالذى هو أكثر منه، وأكره أن يشترطه أعجف بحال وذلك أن الاعجف يتباين والزيادة في العجف نقص على المشترى والعجف في اللحم كما وصفت من الحموضة في اللبن ليست بمحدودة الاعلى ولا الادنى وإذا زادت كان نقصا غير موقوف عليه الزيادة في السمانة شئ يتطوع به البائع على المشترى (قال) فإن شرط موضعا من اللحم وزن ذلك الموضع بما فيه من عظم لان العظم لا يتميز من اللحم كما يتميز التبن والمدر والحجارة من الحنطة، ولو ذهب بميزه أفسد اللحم على آخذه وبقى منه على العظام ما يكون فسادا واللحم أولى أن لا يميز وأن يجوز بيع عظامه معه لاختلاط اللحم بالعظم من النوى في التمر إذا اشترى وزنا لان النواة تميز من التمرة غير أن التمرة إذا أخرجت نواتها لم تبق بقاءها إذا كانت نواتها فيها (قال الشافعي) تبايع الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر كيلا وفيه نواه ولم نعلمهم تبايعوا اللحم قط إلا فيه عظامه، فدلت السنة إذا جاز بيع التمر بالنوى على أن بيع اللحم بالعظام في معناها أو أجوز فكانت قياسا وخبرا وأثرا لم أعلم الناس اختلفوا فيه (قال) وإذا أسلف في شحم البطن أو الكلى ووصفه وزنا فهو جائز وإن قال شحم لم يجز لاختلاف شحم البطن وغيره، وكذلك إن سلف في الاليات فتوزن، وإذا سلف في شحم سمى شحما، صغيرا أو كبيرا، وماعز أو ضائنا.
](3/111)
[ لحم الوحش (قال الشافعي) رحمه الله: ولحم الوحش كله كما وصفت من لحم الانيس، إذا كان ببلد يكون بها موجودا لا يختلف في الوقت الذى يحل فيه بحال جاز السلف فيه وإذا كان يختلف في حال ويوجد
في أخرى لم يجز السلف فيه إلا في الحال التى لا يختلف فيها قال ولا أحسبه يكون موجودا ببلد أبدا إلا هكذا وذلك أن من البلدان ما لا وحش فيه وإن كان به منها وحش فقد يخطئ صائده ويصيبه والبلدان وإن كان منها ما يخطئه لحم يجوز فيه في كل يوم أو بها بعض اللحم دون بعض فإن الغنم تكاد أن تكون موجودة والابل والبقر فيؤخذ المسلف البائع بأن يذبح فيوفى صاحبه حقه لان الذبح له ممكن بالشراء ولا يكون الصيد له ممكنا بالشراء والاخذ كما يمكنه الانيس فإن كان ببلد يتعذر به لحم الانيس أو شئ منه في الوقت الذي يسلف فيه لم يجز السلف فيه في الوقت الذى يتعذر فيه ولا يجوز السلف في لحم الوحش إذا كان موجودا ببلد إلا على ما وصفت من لحم الانيس أن يقول لحم ظبى أو أرنب أو تيتل أو بقر وحش أو حمر وحش أو صنف بعينه ويسميه صغيرا أو كبيرا ويوصف اللحم كما وصفت وسمينا أو منقيا كما وصفت في اللحم لا يخالفه في شئ إلا أن تدخله خصلة لا تدخل لحم الانيس إن كان منه شئ يصاد بشئ يكون لحمه معه طيبا وآخر يصاد بشئ يكون لحمه معه غير طيب شرط صيد كذا دون صيد كذا، فإن لم يشرط مثل أهل العلم به فإن كانوا يبينون في بعض اللحم الفساد فالفساد عيب ولا يلزم المشترى، فإن كانوا يقولون ليس بفساد ولكن صيد كذا أطيب فليس هذا بفساد ولا يرد على البائع ويلزم المشترى وهذا يدخل الغنم فيكون بعضها أطيب لحما من بعض ولا يرد من لحمه إلا من فساد (قال) ومتى أمكن السلف في الوحش فالقول فيه كالقول في الانيس فإنما يجوز بصفة وسن وجنس ويجوز السلف في لحم الطير كله بصفة وسمانة وإنقاء ووزن غير أنه لا سن له وإنما يباع بصفة مكان السن بكبير وصغير وما احتمل أن يباع مبعضا بصفة موصوفة وما لم يحتمل أن يبعض لصغره وصف طائره وسمانته وأسلم فيه بوزن لا يجوز أن يسلم فيه بعدد وهو لحم إنما يجوز العدد في الحى دون المذبوح والمذبوح طعام لا يجوز إلا موزونا، وإذا أسلم في لحم طير وزنا لم يكن عليه أن يأخذ في الوزن رأسه ولا رجليه من دون الفخذين لان رجليه لا لحم فيهما وأن رأسه إذا قصد اللحم كان معروفا أنه لا يقع عليه اسم اللحم المقصود قصده.
الحيتان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحيتان إذا كان السلف يحل فيها في وقت لا ينقطع ما أسلف
فيه من أيدى الناس بذلك البلد جاز السلف فيها وإذا كان الوقت الذى يحل فيه في بلد ينقطع ولا يوجد فيه فلا خير في السلف فيها كما قلنا في لحم الوحش والانيس (قال) وإذا أسلم فيها أسلم في مليح بوزن أو طرى بوزن معلوم ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى كل حوت منه بجنسه فإنه يختلف اختلاف اللحم وغيره ولا يجوز أن يسلف في شئ من الحيتان إلا بوزن فإن قال قائل فقد تجيز السلف في الحيوان عددا موصوفا فما فرق بينه وبين الحيتان؟ قيل الحيوان يشترى بمعنيين أحدهما المنفعة به في الحياة وهى المنفعة العظمى فيه الجامعة والثانية ليذبح فيوكل فأجزت شراءه حيا للمنفعة العظمى ولست أجيز ](3/112)
[ شراءه مذبوحا بعدد ألا ترى أنه إن قال أبيعك لحم شاة ثنية ما عزة ولم يشترط وزنا لم أجزه؟ لانه لا يعرف قدر اللحم بالصفة، وإنما يعرف قدره بالوزن ولان الناس إنما اشتروا من كل ما يؤكل ويشرب الجراف مما يعاينون فأما ما يضمن فليس يشترونه جزافا (قال) والقياس في السلف في لحم الحيتان يوزن لا يلزم.
المشترى ان يوزن عليه الذنب من حيث يكون لا لحم فيه ويلزمه ما يقع عليه اسم ذنب مما عليه لحم ولا يلزمه أن يوزن عليه فيه الرأس، ويلزمه ما بين ذلك إلا أن يكون من حوت كبير فيسمى وزنا من الحوت مما أسلف فيه موضعا منه لا يجوز أن يسلف فيه إلا في موضع إذا احتمل ما تحتمل الغنم من أن يكون يوجد في موضع منه ما سلف فيه ويصف لموضع الذى سلف فيه وإذا لم يحتمل كان كما وصفت في الطير.
الرؤوس والاكارع (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز عندي السلف في شئ من الرؤوس من صغارها ولا كبارها ولا الاكارع لانا لا نجيز السلف في شئ سوى الحيوان حتى نجده بذرع أو كيل أو وزن فأما عدد منفرد فلا وذلك أنه قد يكون يشتبه ما يقع عليه اسم الصغير وهو متباين وما يقع عليه اسم الكبير وهو متباين فإذا لم نجد فيه كما حددنا في مثله من الوزن والذرع والكيل أجزناه غير محدود وإنما نرى الناس تركوا وزن الرؤوس لما فيها من سقطها الذى يطرح ولا يؤكل مثل الصوف والشعر عليه ومثل أطراف مشافره ومناخره وجلود خديه وما أشبه ذلك مما لا يؤكل ولا يعرف قدره منه غير أنه فيه غير قليل فلو وزنوه
وزنوا معه غير ما يؤكل من صوف وشعر وغيره ولا يشبه النوى في التمر لانه قد ينتفع بالنوى ولا القشر في الجوز لانه قد ينتفع بقشر الجوز وهذا لا ينتفع به في شئ (قال) ولو تحامل رجل فأجازه لم يجز عندي أن يؤمر أحد بأن يجيزه إلا موزونا.
والله تعالى أعلم، ولاجازته وجه يحتمل بعض مذاهب أهل الفقه ما هو أبعد منه (قال الشافعي) وقد وصفت في غير هذا الموضع أن البيوع ضربان أحدهما بيع عين قائمة فلا بأس أن تباع بنقد ودين إذا قبضت العين أو بيع شئ موصوف مضمون على بائعه يأتي به لا بد عاجلا أو إلى أجل وهذا لا يجوز حتى يدفع المشترى ثمنه قبل أن يتفرق المتبايعان وهذان مستويان إذا شرط فيه أجل أو ضمان أو يكون أحد البيعين نقدا والاخر دينا أو مضمونا قال وذلك أنى إذا بعتك سلعة ودفعتها إليك وكان ثمنها إلى أجل فالسلعة نقد والثمن إلى أجل معروف وإذا دفعت إليه مائة دينار في طعام موصوف إلى أجل فالمائة نقد والسلعة مضمونة يأتي بها صاحبها لا بد، ولا خير في دين بدين ولو اشترى رجل ثلاثين رطلا لحما بدينار ودفعه يأخذ كل يوم رطلا فكان أول محلها حين دفع وآخره إلى شهر وكانت صفقة واحدة كانت فاسدة ورد مثل اللحم الذى أخذ أو قيمته إن لم يكن له مثل وذلك أن هذا دين بدين ولو اشترى رطلا منفردا وتسعة وعشرين بعده في صفقة غير صفقته كان الرطل جائزا والتسعة والعشرون منتقضة وليس أخذه أولها إذا لم يأخذها في مقام واحد بالذى يخرجه من أن يكون دينا، ألا ترى أنه ليس له أنه أن يأخذ رطلا بعد الاول إلا بمدة تأتى عليه؟ ولا يشبه هذا الرجل يشترى الطعام بدين ويأخذ في اكتياله لان محله واحد وله أخذه كله في مقامه إلا أنه لا يقدر على أخذه إلا هكذا لا أجل له، ولو جاز هذا، جاز أن يشترى بدينار ثلاثين صاعا حنطة يأخذ كل يوم صاعا (قال) وهذا هكذا في الرطب والفاكهة وغيرها كل شئ لم يكن له قبضه ساعة يتبايعانه معا ](3/113)
[ ولم يكن لبائعه دفعه عن شئ منه حين يشرع في قبضه كله لم يجز أن يكون دينا (قال) ولو جاز هذا في اللحم جاز في كل شئ من ثياب وطعام وغيره (قال الشافعي) ولو قال قائل هذا في اللحم جائز وقال هذا مثل الدار يتكاراها الرجل إلى أجل فيجب عليه من كرائها بقدر ما سكن (قال) وهذا في الدار وليس كما قال، ولو كان كما قال أن يقيس اللحم بالطعام أولى به من أن يقيسه بالسكن لبعد السكن
من الطعام في الاصل والفرع فإن قال: فما فرق بينهما في الفرع؟ قيل أرأيتك إذا أكريتك دارا شهرا ودفعتها إليك فلم تسكنها أيجب عليك الكراء؟ قال نعم قلت ودفعتها إليك طرفة عين إذا مرت المدة التى اكتريتها إليها أيجب عليك كراؤها؟ قال نعم قلت أفرأيت إذا بعتك ثلاثين رطلا لحما إلى أجل ودفعت إليك رطلا ثم مرت ثلاثون يوما ولم تقبض غير الرطل الاول أبرأ من ثلاثين رطلا كما برئت من سكن ثلاثين يوما؟ فإن قال لا قيل لانه يحتاج في كل يوم إلى أن يبرأ من رطل لحم يدفعه إليك لا يبرئه ما قبله ولا المدة منه إلا بدفعه قال نعم ويقال له: ليس هكذا الدار فإذا قال لا قيل أفما تراها مفترقين في الاصل والفرع والاسم؟ فكيف تركت أن تقيس اللحم بالمأكول الذى هو في مثل معناه من الربا والوزن والكيل وقسته بما لا يشبهه؟ أو رأيت إذا أكريتك تلك الدار بعينها فانهدمت أيلزمني أن أعطيك دارا بصفتها؟ فإن قال لا: قيل فإذا باعك لحما بصفة وله ماشية فماتت ماشيته أيلزمه أن يعطيك لحما بالصفة؟ فإذا قال نعم قيل افتراهما مفترقين في كل أمرهما؟ فكيف تقيس احدهما بالآخر؟ وإذا أسلف من موضع في اللحم الماعز بعينه بوزن أعطى من ذلك الموضع من شاة واحدة فإن عجز ذلك الموضع عن مبلغ ضفة السلم أعطاه من شاة غيرها مثل صفتها ولو أسلفه في طعام غيره فأعطاه بعض طعامه أجود من شرطه لم يكن عليه أن يعطيه ما بقى منه أجود من شرطه إذا أوفاه شرطه وليس عليه أكثر منه.
باب السلف في العطر وزنا (قال الشافعي) رحمه الله: وكل ما لا ينقطع من أيدى الناس من العطر وكانت له صفة يعرف بها ووزن جاز السلف فيه فإذا كان الاسم منه يجمع أشياء مختلفة الجودة لم يجز حتى يسمى ما أسلف فيه منها كما يجمع التمر اسم التمر ويفرق بها أسماء تتباين فلا يجوز السلف فيها إلا بأن يسمى الصنف الذى أسلم فيه ويسمى جيدا منه ورديئا فعلى هذا أصل السلف في العطر وقياسه فالعنبر منه الاشهب والاخضر والابيض وغيره ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى أشهب أو أخضر جيدا ورديئا وقطعا صحاحا وزن كذا وإن كنت تريده أبيض سميت أبيض وإن كنت تريده قطعة واحدة سميته قطعة واحدة وإن لم تسم هكذا أو سميت قطعا صحاحا لم يكن لك ذلك مفتتا وذلك أنه متباين في الثمن ويخرج من أن يكون
بالصفة التى سلف وإن سميت عنبرا ووصفت لونه وجودته كان لك عنبر في ذلك اللون والجودة صغارا أعطاه أو كبارا وإن كان في العنبر شئ مختلف بالبلدان ويعرف ببلدانه أنه لم يجز حتى يسمى عنبر بلد كذا كما لا يجوز في الثياب حتى يقول مرويا أو هرويا (قال) وقد زعم بعض أهل العلم بالمسك أنه سرة دابة كالظبي تلقيه في وقت من الاوقات وكأنه ذهب إلى أنه دم يجمع فكأنه يذهب إلى أن لا يحل التطيب به لما وصفت (قال) كيف جاز لك أن تجيز التطيب بشئ وقد أخبرك أهل العلم أنه ألقى من حى وما ألقى من حى كان عندك في معنى الميتة فلم تأكله؟ (قال) فقلت له قلت به خبرا واجماعا ](3/114)
[ وقياسا قال فاذكر فيه القياس قلت الخبر أولى بك قال سأسألك عنه فاذكر فيه القياس قلت قال الله تبارك وتعالى " وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " فأحل شيئا يخرج من حى إذا كان من حى يجمع معنيين الطيب، وأن ليس بعضو منه ينقصه خروجه منه حتى لا يعود مكانه مثله وحرم الدم من مذبوح وحى فلم يحل لاحد أن يأكل دما مسفوحا من ذبح أو غيره فلو كنا حرمنا الدم لانه يخرج من حى أحللناه من المذبوح ولكنا حرمناه لنجاسته ونص الكتاب به مثل البول والرجيع من قبل أنه ليس من الطيبات قياسا على ما وجب غسله مما يخرج من الحى من الدم وكان في البول والرجيع يدخل به طيبا ويخرج خبيثا ووجدت الولد يخرج من حى حلالا ووجدت البيضة تخرج من بائضتها حية فتكون حلالا بأن هذا من الطيبات، فكيف أنكرت في المسك الذى هو غاية من الطيبات، إذا خرج من حى أن يكون حلالا؟ وذهبت إلى أن تشبهه بعضو قطع من حى والعضو الذى قطع من حى لا يعود فيه أبدا ويبين فيه نقصا وهذا يعود زعمت بحاله قبل يسقط منه أفهو باللبن والبيضة والولد أشبه أم هو بالدم والبول والرجيع أشبه؟ فقال بل باللبن والبيضة والولد أشبه إذا كانت تعود (1) بحالها أشبه منه بالعضو يقطع منها وإن كان أطيب من اللبن والبيضة والولد يحل وما دونه في الطيب من اللبن والبيض يحل لانه طيب كان هو أحل لانه أعلى في الطيب ولا يشبه الرجيع الخبيث (قال) فما الخبر؟ قلت (أخبرنا) الزنجي عن موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي أواقى مسك فقال لام سلمة " إني قد أهديت للنجاشي
أواقى مسك ولا أراه إلا قد مات قبل أن يصل إليه فإن جاءتنا وهبت لك كذا فجاءته فوهب لها ولغيرها منه " (قال) وسئل ابن عمر عن السك أحنوط هو؟ فقال أو ليس من أطيب طيبكم؟ وتطيب سعد بالمسك والذريرة وفيه المسك وابن عباس بالغالية قبل يحرم وفيها المسك ولم أر الناس عندنا اختلفوا في إباحته (قال) فقال لى قائل خبرت أن العنبر شئ ينبذه حوت من جوفه فكيف أحللت ثمنه؟ قلت أخبرني عدد ممن أثق به أن العنبر نبات يخلقه الله تعالى في حشاف في البحر فقال لى منهم نفر حجبتنا الريح إلى جزيرة فأقمنا بها ونحن ننظر من فوقها إلى حشفة (2) خارجة من الماء منها عليها عنبرة أصلها مستطيل كعنق الشاة والعنبرة ممدودة في فرعها ثم كنا نتعاهدها فنراها تعظم فأخرنا أخذها رجاء ان تزيد عظما فهبت ريح فحركت البحر فقطعتها فخرجت مع الموج ولم يختلف على أهل العلم بأنه كما وصفوا وإنما غلط من قال: إنه يجده حوت أو طير فيأكله للينه وطيب ريحه وقد زعم بعض أهل العلم أنه لا تأكله دابة إلا قتلها فيموت الحوت الذى يأكله فينبذه البحر فيؤخذ فيشق بطنه فيستخرج منه قال فما تقول فيما استخرج من بطنه؟ قلت يغسل عنه شئ أصابه من أذاه ويكون حلالا أن يباع ويتطيب به من قبل أنه مستجسد غليظ غير منفر لا يخالطه شئ أصابه فيذهب فيه كله إنما يصيب ما ظهر منه كما يصيب ما ظهر من الجلد فيغسل فيطهر ويصيب الشئ من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد فيغسل فيطهر والاديم (قال) فهل في العنبر خبر؟ قلت لا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا بأس ببيع العنبر ولا أحد من أهل العلم بالعنبر قال في العنبر إلا ما قلت لك من أنه نبات والنبات لا يحرم منه شئ (قال) فهل فيه أثر؟ قلت نعم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ]
__________
(1) قوله: إذا كانت تعود بحالها الخ كذا بالاصول التى بأيدينا وتأمل اه مصححه.
(2) قوله: إلى حشفة بالتحريك أي صخرة نابتة في البحر.
كما في القاموس اه مصححه.(3/115)
[ عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس سئل عن العنبر فقال إن كان فيه شئ ففيه الخمس (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة (1) أن ابن عباس قال ليس في العنبر زكاة إنما هو شئ دسره البحر (قال الشافعي) ولا يجوز بيع السمك وزنا في فارة لان
المسك مغيب ولا يدرى كم وزنه من وزن جلوده والعود يتفاضل تفاضلا كثيرا فلا يجوز حتى يوصف كل صنف منه وبلده وسمته الذى يميزه به بينه وبين غيره كما لا يجوز في الثياب إلا ما وصفت من تسمية أجناسه وهو أشد تباينا من التمر وربما رأيت المنامنة بمائتي دينار والمنامن صنف غيره بخمسة دنانير وكلاهما ينسب إلى الجودة من صنفه وهكذا القول في كل متاع العطارين مما يتباين منه ببلد أو لون أو عظم لم يجز السلف فيه حتى يسمى ذلك وما لا يتباين بشئ من هذا وصف بالجودة والرداءة وجماع الاسم والوزن ولا يجوز السلف في شئ منه يخلطه عنبرا لا خليا من العنبر أو الغش الشك من الربيع فان شرط شيئا بترابه أو شيئا بقشوره وزنا إن كانت قشوره ليست مما تنفعه أو شيئا يختلط به غيره منه لا يعرف قدر هذا من قدر هذا لم يجز السلف فيه (قال) وفى الفأر إن كان من صيد البحر مما يعيش في البحر فلا بأس بها وإن كانت تعيش في البر وكانت فأرا لم يجز بيعها وشراؤها إذا لم تدبغ وإن دبغت فالدباغ لها طهور فلا بأس ببيعها وشرائها وقال في كل جلد على عطر وكل ما خفى عليه من عطر ودواء الصيادلة وغيره مثل هذا القول إلا أنه لا يحل بيع جلد من كلب ولا خنزير وإن دبغ ولا غير مدبوغ ولا شئ منهما ولا من واحد منهما.
باب متاع الصيادلة (قال الشافعي) رحمه الله: ومتاع الصيادلة كله من الادوية كمتاع العطارين لا يختلف فما يتباين بجنس أو لون أو غير ذلك يسمى ذلك الجنس وما يتباين ويسمى وزنا وجديدا وعتيقا فإنه إذا تغير لم يعمل عمله جديدا وما اختلط منه بغيره لم يجز كما قلت في متاع العطارين ولا يجوز أن يسلف في شئ منه إلا وحده أو معه غيره كل واحد منهما معروف الوزن ويأخذهما متميزين فأما أن يسلف منه في صنفين مخلوطين أو أصناف مثل الادوية المحببة أو المجموعة بعضها إلى بعض بغير عجن ولا تحبيب فلا يجوز ذلك لانه لا يوقف على حده ولا يعرف وزن كل واحد منه ولا جودته ولا رداءته إذا اختلط (قال الشافعي) وما يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب إذا كان هكذا قياسا على ما وصفت لا يختلف وإذا اختلف سمى أجناسه وإذا اختلف في ألوانه سمى ألوانه وإذا تقارب سمى وزنه فعلى هذا، هذا الباب وقياسه (قال) وما خفيت معرفته من متاع الصيادلة وغيره مما لا يخلص من الجنس الذي يخالفه وما لم يكن
منها إذا رئ عمت معرفته عند أهل العلم العدول من المسلمين لم يجز السلف فيه ولو كانت معرفته عامة عند الاطباء غير المسلمين والصيادلة غير المسلمين أو عبيد المسلمين أو غير عدول لم أجز السلف فيه وإنما أجيزه فيما أجد معرفته عامة عند عدول من المسلمين من أهل العلم به وأقل ذلك أن أجد عليه عدلين يشهدان على تمييزه وما كان من متاع الصيادلة من شئ محرم لم يحل بيعه ولا شراؤه وما لم يحل شراؤه لم ]
__________
(1) قوله: عن أذينة كذا في نسختين وفى نسخة عن أبيه والذى في المسند عن ابن أذينة ولم نقف على ما يرجحه فيما رجعنا إليه من الخلاصة والقاموس فراجع كتبه مصححه.(3/116)
[ يجز السلف فيه لان السلف بيع من البيوع ولا يحل أكله ولا شربه وما كان منها مثل الشجر الذى ليس فيه تحريم إلا من جهة أن يكون مضرا فكان سما لم يحل شراء السم ليؤكل ولا يشرب فإن كان يعالج به من ظاهر شئ لا يصل إلى جوف ويكون إذا كان طاهرا مأمونا لا ضرر فيه على أحد موجود المنفعة في داء فلا بأس بشرائه ولا خير في شراء شئ يخالطه لحوم الحيات الترياق وغيره لان الحيات محرمات لانهن من غير الطيبات ولانه مخالطه ميتة ولا لبن ما لا يؤكل لحمه من غير الآدميين ولا بول ما لا يؤكل لحمه ولا غيره والابوال كلها نجسة لا تحل إلا في ضرورة فعلى ما وصفت هذا الباب كله وقياسه (قال) وجماع ما يحرم أكله في ذوات الارواح خاصة إلا ما حرم من المسكر ولا في شئ من الارض والنبات حرام إلا من جهة أن يضر كالسم وما أشبهه فما دخل في الدواء من ذوات الارواح فكان محرم المأكول فلا يحل وما لم يكن محرم المأكول فلا بأس.
باب السلف في اللؤلؤ وغيره من متاع أصحاب الجوهر (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز عندي السلف في اللؤلؤ ولا في الزبرجد ولا في الياقوت ولا في شئ من الحجارة التي تكون حليا من قبل أنى لو قلت سلفت في لؤلؤة مدحرجة صافية وزنها كذا وكذا وصفتها مستطيلة ووزنها كذا كان الوزن في اللؤلؤة مع هذه الصفة تستوى صفاته وتتباين لان منه ما يكون أثقل من غيره فيتفاضل بالثقل والجودة وكذلك الياقوت وغيره فإذا كان هكذا فيما يوزن كان أختلافه لو لم يوزن في اسم الصغير والكبير أشد اختلافا ولو لم أفسده من قبل للصفاء وإن تباين
وأعطيته أقل ما يقع عليه اسم الصفاء أفسد من حيث وصفت لان بعضه أثقل من بعض فتكون الثقيلة الوزن بينا وهى صغيرة وأخرى أخف منها وزنا بمثل وزنها وهى كبيرة فيتباينان في الثمن تباينا متفاوتا ولا أضبط أن اصفها بالعظم أبدا إذا لم توزن لان اسم العظم لا يضبط إذا لم يكن معه وزن فلما تباين اختلافهما بالوزن كان اختلافهما غير موزونين أشد تباينا.
والله تعالى أعلم.
باب السلف في التبر غير الذهب والفضة (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس أن يسلف ذهبا أو فضة أو عرضا من العروض ما كان في تبر نحاس أو حديد أو آنك بوزن معلوم وصفة معلومة والقول فيه كله كالقول فيما وصفت من الاسلاف فيه إن كان في الجنس منه شئ يتباين في ألوانه فيكون صنف أبيض وآخر احمر وصف اللون الذى سلف فيه وكذلك إن كان يتباين في اللون في أجناسه وكذلك إن كان يتباين في لينه وقسوته وكذلك إن كان يتباين في خلاصه وغير خلاصه لم يجز أن يترك من هذه الصفة شيئا إلا وصفه فإن ترك منه شيئا واحدا فسد السلف وكذلك إن ترك أن يقول جيدا أو رديئا فسد السلف وهكذا، هذا في الحديد والرصاص والآنك والزاووق فإن الزاووق يختلف مع هذا في رقته وثخاتنه يوصف ذلك وكل صنف منه اختلف في شئ في غيره وصف حيث يختلف كما قلنا في الامر الاول وهكذا هذا في الزرنيخ وغيره وجميع ما يوزن مما يقع عليه اسم الصنف من الشب والكبريت وحجارة الاكحال وغيرها القول فيها قول واحد كالقول في السلف فيما قبلها وبعدها.
](3/117)
[ باب السلف في صمغ الشجر (قال الشافعي) رحمه الله: وهكذا السلف في اللبان والمصطكى والغراء وصمغ الشجر كله ما كان منه من شجرة واحدة كاللبان وصف بالبياض وأنه غير ذكر فإن كان منه شئ يعرفه أهل العلم به يقولون له ذكر إذا مضغ فسد وما كان منه من شجر شتى مثل الغراء وصف شجره وما تباين منه وإن كان من شجرة واحدة وصف كما وصفت في اللبان وليس في صغير هذا وكبيره تباين يوصف بالوزن وليس على صاحبه أن يوزن له فيه قرفة أو في شجرة مقلوعة مع الصمغة لا توزن له الصمغة إلا محضة.
باب الطين الارمني وطين البحيرة والمختوم (قال الشافعي) رحمه الله: وقد رأيت طينا يزعم أهل العلم به أنه طين أرمنى ومن موضع منها معروف وطين يقال له طين البحيرة والمختوم ويدخلان معا في الادوية وسمعت من يدعى العلم بهما يزعم أنهما يغشان بطين غيرهما لا ينفع منفعتهما ولا يقع موقعهما ولا يسوى مائة رطل منه رطلا من واحد منهما طينا عندنا بالحجاز من طين الحجاز يشبه الطين الذى رأيتهم يقولون: إنه أرمنى (قال الشافعي) فإن كان مما رأيت ما يختلط على المخلص بينه وبين ما سمعت ممن يدعى من أهل العلم به فلا يخلص فلا يجوز السلف فيه بحال وإن كان يوجد عدلان من المسلمين يخلصان معرفته بشئ يبين لهما جاز السلف فيه وكان كما وصفنا مما يسلف فيه من الادوية والقول فيه كالقول في غيره إن تباين بلون أو جنس أو بلد لم يجز السلف فيه حتى يوصف لونه وجنسه ويوصف بوزن معلوم.
باب بيع الحيوان والسلف فيه (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فجاءته إبل من الصدقة فقال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضى الرجل بكره فقلت يا رسول الله إنى لم أجد في الابل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء " (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهل عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه (قال الشافعي) فهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه آخذ وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن بعيرا بصفة وفى هذا ما دل على أنه يجوز أن يضمن الحيوان كله بصفة في السلف وفى بيع بعضه ببعض وكل أمر لزم فيه الحيوان بصفة وجنس وسن فكالدنانير بصفة وضرب ووزن وكالطعام بصفة وكيل وفيه دليل على أنه لا بأس أن يقضى أفضل مما عليه متطوعا من غير شرط وفيه أحاديث سوى هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر قال جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يسمع أنه عبد فجاء سيده يريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بعه " فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم
يبايع أحدا بعده حتى يسأله: أعبد هو أم حر (قال) وبهذا نأخذ وهو إجازة عبد بعبدين وإجازة أن ](3/118)
[ يدفع ثمن شئ في يده فيكون كقبضه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عبد الكريم الجزرى أخبره أن زياد ابن أبى مريم مولى عثمان بن عفان أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدقا له فجاءه بطهر مسان فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال " هلكت وأهلكت " فقال يا رسول الله: إنى كنت أبيع البكرين والثلاثة بالبعير المسن يدا بيد وعلمت من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فذاك إذن " (قال الشافعي) وهذا منقطع لا يثبت مثله وإنما كتبناه أن الثقة أخبرنا عن عبد الله بن عمر بن حفص أو أخبرنيه عبد الله ابن عمر بن حفص (قال الشافعي) قول النبي صلى الله عليه وسلم إن كان قال هلكت وأهلكت أثمت وأهلكت أموال الناس يعنى أخذت منهم ما ليس عليهم (1) وقوله " عرفت حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر " يعنى ما يعطيه أهل الصدقة في سبيل الله ويعطى ابن السبيل منهم وغيرهم من أهل السهمان عند نزول الحاجة بهم إليها والله تعالى أعلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال قد يكون بعير خيرا من بعيرين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن على أن على بن أبى طالب باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل؟ فقال لا بأس به (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين ما في ظهور الجمال والملاقيح ما في بطون الاناث وحبل الحبلة بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج ما في بطنها (قال الشافعي) وما نهى عنه من هذا كما نهى عنه والله أعلم وهذا لا بيع عين
ولا صفة ومن بيوع الغرر ولا يحل وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة وهو موضوع في غير هذا الموضع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال وليبتع البعير بالبعيرين يدا بيد وعلى أحدهما زيادة ورق والورق نسيئة قال وبهذا كله أقول ولا بأس أن يسلف الرجل في الابل وجميع الحيوان بسن وصفة وأجل كما يسلف في الطعام ولا بأس أن يبيع الرجل البعير بالبعيرين مثله أو أكثر يدا بيد وإلى أجل وبعيرا ببعيرين وزيادة دراهم يدا بيد ونسيئة إذا كانت إحدى البيعتين كلها نقدا أو كلها نسيئة ولا يكون في الصفقة نقد ونسيئة لا أبالى أي ذلك كان نقدا ولا أنه كان نسيئة ولا يقارب البعير ولا يباعده لانه لا ربا في حيوان بحيوان استدلالا بأنه مما أبيح من البيوع ولم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خارج من معنى ما حرم مخصوص فيه بالتحليل ومن بعده ممن ذكرنا وسكتنا عن ذكره (قال) وإنما كرهت في التسليم أن تكون إحدى البيعتين مبعضة بعضها نقد وبعضها نسيئة لانى لو اسلفت بعيرين أحدا للذين أسلفت نقدا والآخر نسيئة في بعيرين نسيئة كان في البيعة دين بدين ولو أسلفت بعيرين نقدا في بعيرين نسيئة إلى أجلين ]
__________
(1) قوله: عرفت حاجة النبي.
كذا بالاصول ولعله يشير إلى رواية أو حكى المعنى.
وإلا فالذي صرح به قبل وعلمت من حاجة النبي الخ.
كتبه مصححه.(3/119)
[ مختلفين كانت قيمة البعيرين المختلفين إلى الاجل مجهولة من قيمة البعيرين النقد لانهما لو كانا على صفة واحدة كان المستأخر منهما أقل قيمة من المتقدم قبله فوقعت البيعة المؤخرة لا تعرف حصة ما لكل واحد من البعيرين منهما وهكذا لا يسلم دنانير في شئ إلى أجلين في صفقة واحدة وكذلك بعير بعشرين بعيرا يدا بيد ونسيئة لا ربا في الحيوان ولا بأس أن يصدق الحيوان ويصالح عليه ويكاتب عليه والحيوان بصفة وسن كالدنانير والدراهم والطعام لا يخالفه كل ما جاز ثمنا من هذا بصفة أو كيل أو وزن جاز الحيوان فيه بصفة وسن ويسلف الحيوان في الكيل والوزن والدنانير والدراهم والعروض كلها من الحيوان من صنفه وغير صنفه إلى أجل معلوم ويباع بها يدا بيد لا ربا فيها كلها ولا ينهى من بيعه عن شئ بعقد صحيح إلا بيع اللحم بالحيوان اتباعا دون ما سواه (قال) وكل ما لم يكن في التبايع به
ربا في زيادته في عاجل أو آجل فلا بأس أن يسلف بعضه في بعض من جنس وأجناس وفى غيره مما تحل فيه الزيادة.
والله أعلم.
باب صفات الحيوان إذا كانت دينا (قال الشافعي) رحمه الله: إذا سلف رجل في بعير لم يجز السلف فيه إلا بأن يقول: من نعم بنى فلان كما يقول ثوب مروى وتمر بردى وحنطة مصرية لاختلاف أجناس البلاد واختلاف الثياب والتمر والحنطة ويقول رباعى أو سداسي أو بازل أو أي سن أسلف فيها فيكون السن إذا كان من حيوان معروفا فيما يسمى من الحيوان كالذرع فيما يذرع من الثياب والكيل فيما يكال من الطعام لان هذا أقرب الاشياء من أن يحاط به فيه كما الكيل والذرع أقرب الاشياء في الطعام والثوب من أن يحاط به فيه ويقول لونه كذا لانها تتفاضل في الالوان وصفة الالوان في الحيوان كصفة وشى الثوب ولون الخز والقز والحرير وكل يوصف بما أمكن فيه من أقرب الاشياء بالاحاطة به فيه ويقول ذكر أو أنثى لاختلاف الذكر والانثى فإن ترك واحدا من هذا فسد السلف في الحيوان (قال) وأحب إلى أن يقول نقى من العيوب وإن لم يقله لم يكن له عيب وأن يقول جسيما فيكون له أقل ما يقع عليه اسم صفة الجسيم وإن لم يقله لم يكن له مودن لان الايدان عيب وليس له مرض ولا عيب وإن لم يشترطه (قال) وإن اختلف نعم بنى فلان كان له أقل ما يقع عليه صفة من أي نعمهم شاء فإن زادوه فهم متطوعون بالفضل وقد قيل إذا تباين نعمهم فسد السلف إلا بأن يوصف جنس من نعمهم (قال) والحيوان كله مثل الابل لا يجزئ في شئ منه إلا ما أجزأ في الابل (قال) وإن كان السلف في خيل أجزأ فيها ما أجزأ في الابل وأحب إن كان السلف في الفرس أن يصف شيته مع لونه فإن لم يفعل فله اللون بهيما وإن كان له شية فهو بالخيار في أخذها وتركها والبائع بالخيار في تبسليمها وإعطائه اللون بهيما (قال الشافعي) رحمه الله: وهكذا.
هذا في ألوان الغنم إن وصف لونها وصفتها غرا أو كدرا وبما يعرف به اللون الذى يريد من الغنم وإن تركه فله اللون الذى يصف جملته بهيما وهكذا جميع الماشية حمرها وبغالها وبراذينها وغيرها مما يباع فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وهكذا، هذا في العبيد والاماء يصف أسنانهن بالسنين وألوانهن وأجناسهن وتحليتهن بالجعودة والسبوطة (قال) وإن أتى على السن واللون والجنس أجزأه وإن
ترك واحدا من هذا فسد السلف والقول في هذا وفى الجوارى والعبيد كالقول فيما قبله والتحلية أحب إلى وإن لم يفعل فليس له عيب كما لا يكون له في البيع عيب إلا أنهما يختلفان في خصلة إن جعدت له ](3/120)
[ وقد اشتراها نقدا بغير صفة كان بالخيار في ردها إذا علم أنها سبطة لانه اشتراها على أنه يرى أنها جعدة والجعدة أكثر ثمنا من السبطة ولو اشتراها سبطة ثم جعدت ثم دفعت إلى المسلف لم يكن له ردها لانها تلزمه سبطة لان السبوطة ليست بعيب ترد منه إنما في تقصير عن حسن أقل من تقصيرها بخلاف الحسن عن الحسن والحلاوة عن الحلاوة (قال) ولا خير في أن يسلم في جارية بصفة على أن يوفاها وهى حبلى ولا في ذات رحم من الحيوان على ذلك من قبل أن الحمل ما لا يعلمه إلا الله وأنه شرط (1) فيها ليس فيها وهو شراء ما لا يعرف وشراؤه في بطن أمه لا يجوز لانه لا يعرف ولا يدرى أيكون أم لا ولا خير في أن يسلف في ناقة بصفة ومعها ولدها موصوفا ولا في وليدة ولا في ذات رحم من حيوان كذلك (قال) ولكن إن أسلف في وليدة أو ناقة أو ذات رحم من الحيوان بصفة ووصف بصفة ولم يقل ابنها أو ولد ناقة أو شاة ولم يقل ولد الشاة التي أعطاها جاز وسواء أسلفت في صغير أو كبير موصوفين بصفة وسن تجمعهما أو كبيرين كذلك (قال) وإنما أجزته في أمة ووصيف يصفه لما وصفت من أنه يسلم في اثنين وكرهت أن يقال ابنها وإن كان موصوفا لانها قد تلد ولا تلد وتأتى على تلك الصفة ولا تأتى وكرهته لو قال معها ابنها وإن لم يوصف لانه شراء عين بغير صفة وشئ غير مضمون على صاحبه ألا ترى أنى لا أجيز أن أسلف في اولادها سنة لانها قد تلد ولا تلد ويقل ولدها ويكثر والسلف في هذا الموضع يخالف بيع الايعان (قال) ولو سلف في ناقة موصوفة أو ماشية أو عبد موصوف على أنه خباز أو جارية موصوفة على أنها ماشطة كان السلف صحيحا وكان له أدنى ما يقع عليه اسم المشط وأدنى ما يقع عليه اسم الخبز إلا أن يكون ما وصفت غير موجود بالبلد الذى يسلف فيه بحال فلا يجوز (قال) ولو سلف في ذات در على أنها لبون كان فيها قولان أحدهما أنه جائز وإذا وقع عليها أنها لبون كانت له كما قلنا في المسائل قبلها وإن تفاضل اللبن كما يتفاضل المشى والعمل والثانى لا يجوز من قبل أنها شاة بلبن لان شرطه ابتياع له واللبن يتميز منها ولا يكون بتصرفها إنما هو شئ يخلقه الله عزوجل فيها كما
يحدث فيها البعر وغيره فإذا وقعت على هذا صفة المسلف كان فاسدا كما يفسد أن يقول أسلفك في ناقة يصفها ولبن معها غير مكيل ولا موصوف وكما لا يجوز أن أسلفك في وليدة حبلى وهذا أشبه القولين بالقياس والله أعلم (قال) والسلف في الحيوان كله وبيعه بغيره وبعضه ببعض هكذا لا يختلف مرتفعهم وغير مرتفعهم والابل والبقر والغنم والخيل والدواب كلها وما كان موجودا من الوحش منها في أيدى الناس مما يحل بيعه سواء كله ويسلف كله بصفة إلا الاناث من النساء فإنا نكره سلفهن دون ما سواهن من الحيوان ولا نكره أن يسلف فيهن إنما نكره أن يسلفن وإلا الكلب والخنزير فإنهما لا يباعان بدين ولا عين (قال) وما لم ينفع من السباع فهو مكتوب في غير هذا الموضع وكل ما لم يحل بيعه لا يحل السلف فيه والسلف بيع (قال) وكل ما أسلفت من حيوان وغيره وشرطت معه غيره فإن كان المشروط معه موصوفا يحل فيه السلف على الانفراد جاز فكنت إنما أسلفت فيه وفى الموصوف معه وإن لم يكن يجوز السلف فيه على الانفراد فسد السلف ولا يجوز أن يسلف في حيوان موصوف من حيوان رجل بعينه أو بلد بعينه ولانتاج ماشية رجل بعينه ولا يجوز أن يسلف فيه إلا فيما لا ينقطع من أيدى الناس كما قلنا في الطعام وغيره (قال الربيع) (قال الشافعي) ولا يجوز أن أقرضك جارية ويجوز أن أقرضك كل ]
__________
(1) قوله: وأنه شرط فيها ليس فيها.
كذا في نسخة وفى أخرى " وأنه شرطا فيها ليس مثلها " فحرر كتبه مصححه.(3/121)
[ شئ سواها من دراهم ودنانير لان الفروج تحاط بأكثر مما يحاط به غيرها فلما كنت إذا أسلفتك جارية كان لى نزعها منك لانى لم آخذ منك فيه عوضا لم يكن لك أن تطأ جارية لى نزعها منك.
والله أعلم.
باب الاختلاف في أن يكون الحيوان نسيئة أو يصلح منه اثنان بواحد (قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس في الحيوان فقال لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة أبدا قال وكيف أجزتم ان جعلتم الحيوان دينا وهو غير مكيل ولا موزون والصفة تقع على العبدين وبينهما دنانير وعلى البعيرين وبينهما تفاوت في الثمن؟ قال نقلناه قلنا بأولى الامور بنا أن نقول به بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في استسلافه بعيرا وقضائه إياه والقياس على ما سواها من سنته ولم يختلف أهل العلم فيه (قال) فاذكر ذلك قلت أما السنة النص، فإنه استسلف بعيرا وأما السنة التي استدللنا بها فإنه
قضى بالدية مائة من الابل ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة وفى مضى ثلاث سنين وأنه صلى الله عليه وسلم افتدى كل من لم يطب عنه نفسا من قسم له من سبى هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل (قال) أما هذا فلا أعرفه قلنا: فما أكثر ما لا تعرفه من العلم! قال أفثابت؟ قلت نعم ولم يحضرني إسناده قال ولم أعرف الدية من السنة قلت وتعرف مما لا تخالفنا فيه أن يكاتب الرجل على الوصفاء بصفة وأن يصدق الرجل المرأة العبيد والابل بصفة؟ قال نعم وقال: ولكن الدية تلزم بغير أعيانها قلت وكذلك الدية من الذهب تلزم بغير أعيانها ولكن نقد البلاد ووزن معلوم غير مردود فكذلك تلزم الابل إبل العاقلة وسن معلومة وغير معيبة ولو أراد أن ينقص من أسنانها سنا لم تجز فلا أراك إلا حكمت بها مؤقتة وأجزت فيها أن تكون دينا وكذلك أجزت في صداق النساء لوقت وصفة وفى الكتابة لوقت وصفة ولو لم يكن روينا فيه شيئا إلا ما جامعتنا عليه من أن الحيوان يكون دينا في هذه المواضع الثلاث أما كنت محجوجا بقولك لا يكون الحيوان دينا وكانت علتك فيه زائلة؟ (قال) وإن النكاح يكون بغير مهر؟ قلت له فلم تجعل فيه مهر مثل المرأة إذا أصيبت وتجعل الاصابة كالاستهلاك في السلعة في البيع الفاسد تجعل فيه قيمته؟ قال فإنما كرهنا السلم في الحيوان لان ابن مسعود كرهه قلنا فيخالف السلم سلفه أو البيع به أم هما شئ واحد؟ قال بل كل ذلك واحد إذا جاز أن يكون دينا في حال جاز أن يكون دينا في كل حال قلت قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا في السلف والدية ولم تخالفنا في أنه يكون في موضعين آخرين دينا في الصداق والكتابة فإن قلت ليس بين العبد وسيده ربا قلت أيجوز أن يكاتبه على حكم السيد وعلى أن يعطيه ثمرة لم يبد صلاحها وعلى أن يعطيه ابنه المولود معه في كتابته كما يجوز لو كان عبدا له ويكون للسيد يأخذ ماله؟ قال ما حكمه حكم العبيد قلنا فقلما نراك تحتج بشئ إلا تركته والله المستعان وما نراك أجزت في الكتابة إلا ما أجزت في البيوع فكيف أجزت في الكتابة أن يكون الحيوان نسيئة ولم تجزه في السلف فيه؟ أرأيت لو كان ثابتا عن ابن مسعود أنه كره السلم في الحيوان غير مختلف عنه فيه والسلم عندك إذا كان دينا كما وصفنا من إسلافه وغير ذلك أكان يكون في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الناس حجة؟ قال لا قلت فقد جعلته حجة على ذلك متظاهرا متأكدا في غير موضع وأنت تزعم في أصل قولك أنه ليس بثابت عنه قال
ومن أين؟ قلت وهو منقطع عنه ويزعم الشعبى الذى هو أكبر من الذى روى عنه كراهته أنه إنما أسلف ](3/122)
[ له في لقاح فحل إبل بعينه وهذا مكروه عندنا وعند كل أحد هذا بيع لملاقيح والمضامين أو هما وقلت لمحمد بن الحسن أنت أخبرتني عن أبى يوسف عن عطاء بن السائب عن أبى البحترى أن بنى عم لعثمان أتوا واديا فصنعوا شيئا في إبل رجل قطعوا به لبن إبله وقتلوا فصالها فأتى عثمان وعنده ابن مسعود فرضى بحكم ابن مسعود فحكم أن يعطى بواديه إبلا مثل إبله وفصالا مثل فصاله فأنفذ ذلك عثمان فيروى عن ابن مسعود أنه يقضى في حيوان بحيوان مثله دينا لانه إذا قضى به بالمدينة وأعطيه بواديه كان دينا ويزيد أن يروى عن عثمان أنه يقول بقوله وأنتم تروون عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء أحدهم أبو زائدة مولانا فلو اختلف قول ابن مسعود فيه عندك فأخذ رجل ببعضه دون بعض ألم يكن له؟ قال بلى قلت ولو لم يكن فيه غير اختلاف قول ابن مسعود؟ قال نعم قلت فلم خالفت ابن مسعود ومعه عثمان ومعنى السنة والاجماع؟ قال فقال منهم قائل فلو زعمت أنه لا يجوز السلم فيه ويجوز إسلامه وأن يكون دية وكتابة ومهرا وبعيرا ببعيرين نسيئة قلت فقله إن شئت قال فإن قلته؟ قلت يكون أصل قولك لا يكون الحيوان دينا خطأ بحاله قال فإن انتقلت عنه؟ قلت فأنتم تروون عن ابن عباس أنه أجاز السلم في الحيوان وعن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا لنرويه قلت فإن ذهب رجل إلى قولهما أو قول أحدهما دون قول ابن مسعود أيجوز له؟ قال نعم قلت فإن كان مع قولهما أو قول أحدهما القياس على السنة والاجماع؟ قال فذلك أولى أن يقال به قلت أفتجد مع من أجاز السلم في الحيوان القياس فيما وصفت؟ قال نعم وما رديت لاى معنى تركه أصحابنا قلت افترجع إلى إجازته؟ قال أقف فيه قلت فيعذر غيرك في الوقف عما بان له؟ (قال) ورجع بعضهم ممن كان يقول قولهم من أهل الآثار إلى إجازته وقد كان يبطله (قال الشافعي) قال محمد بن الحسن فإن صاحبنا قال إنه يدخل عليكم خصلة تتركون فيها أصل قولكم إنكم لم تجيزوا استسلاف الولائد خاصة وأجزتم بيعهن بدين والسلف فيهن قال قلت أرأيت لو تركنا قولنا في خصلة واحدة ولزمناه في كل شئ أكنا معذورين؟ قال لا قلت لان ذلك خطأ؟ قال نعم قلت فمن أخطأ قليلا أمثل حالا أم من أخطأ كثيرا؟
قال بل من أخطأ قليلا ولا عذر له قلت فأنت تقر بخطأ كثير وتأبى أن تنتقل عنه ونحن لم نخطئ أصل قولنا إنما فرقنا بينه بما تتفرق الاحكام عندنا وعندك بأقل منه قال فاذكره قلت أرأيت إذا اشتريت منك جارية موصوفة بدين أملكت عليك إلا الصفة؟ ولو كانت عندك مائة من تلك الصفة لم تكن في واحدة منهن بعينها وكان لك أن تعطى أيتهن شئت فإذا فعلت فقد ملكتها حينئذ؟ قال نعم قلت ولا يكون لك أخذها منى كما لا يكون لك أخذها لو بعتها مكانك وانتقدت ثمنها؟ قال نعم وكل بيع بيع بثمن ملك هكذا قال نعم قلت أفرأيت إذا أسلفتك جارية إلى أخذها منك بعدما قبضتها من ساعتي وفى كل ساعة؟ قال نعم قلت فلك أن تطأ جارية متى شئت أخذتها أو استبرأتها ووطئتها؟ قال فما فرق بينها وبين غيرها؟ قلت الوطئ قال فإن فيها لمعنى في الوطئ ما هو في رجل ولا في شئ من البهائم قلت فبذلك المعنى فرقت بينهما؟ قال فلم لم يجز له أن يسلفها فإن وطئها لم يردها ورد مثلها؟ قلت أيجوز أن أسلفك شيئا ثم يكون لك أن تمنعني منه ولم يفت قال لا قلت فكيف تجيز إن وطئها أن لا يكون لى عليها سبيل وهى غير فائتة، ولو جاز لم يصح فيه قول؟ قال وكيف إن أجزته لا يصحه فيه قول؟ قلت لانى إذا سلطته على إسلافها فقد أبحت فرجها للذى سلفها فإن لم يطأها حتى يأخذها السيد أبحته للسيد فكان الفرج حلالا لرجل ثم حرم عليه بلا إخراج له من ملكه ولا تمليكه رقبة الجارية غيره ولا طلاق (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وكل فرج حل فإنما يحرم بطلاق أو إخراج ما ملكه إلى ](3/123)
[ ملك غيره أو أمور ليس المستسلف في واحد منها قال افتوضحه بغير هذا مما نعرف؟ قلت نعم قياسا على أن السنة فرقت بينه قال فاذكره قلت أرأيت المرأة نهيت ان تسافر إلا مع ذى رحم محرم ونهيت أن يخلو بها رجل وليس معها ذو محرم ونهيت عن الحلال لها من الترويج إلا بولي؟ قال نعم قلت أفتعرف في هذا معنى نهيت له إلا ما خلق في الآدميين من الشهوة للنساء وفى الآدميات من الشهوة للرجال فحيط في ذلك لئلا ينسب إلى المحرم منه، ثم حيط في الحلال منه لئلا ينسب إلى ترك الحظ فيه أو الدلسة؟ قال ما فيه معنى إلا هذا أو في معناه قلت أفتجد إناث البهائم في شئ من هذه المعاني أو ذكور الرجال أو البهائم من الحيوان؟ قال لا قلت فبان لك فرق الكتاب والسنة بينهن وأنه إنما نهى عنه
للحياطة لما خلق فيهن من الشهوة لهن؟ قال نعم قلت فبهذا فرقنا وغيره مما في هذا كفاية منه إن شاء الله تعالى، قال أفتقول بالذريعة؟ قلت لا ولا معنى في الذريعة إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم أو القياس عليه أو المعقول.
باب السلف في الثياب (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سئل ابن شهاب عن ثوب بثوبين نسيئة فقال لا بأس به ولم أعلم أحدا يكرهه (قال الشافعي) وما حكيت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل على أهل نجران ثيابا معروفة عند أهل العلم بمكة ونجران ولا أعلم خلافا في أنه يحل أن يسلم في الثياب بصفة، قال والصفات في الثياب التى لا يستغنى عنها ولا يجوز السلف حتى تجمع أن يقول لك الرجل أسلم إليك في ثوب مروى أو هروى أو رازى أو بلخى أو بغدادي طوله كذا وعرضه كذا صفيقا دقيقا أو رقيقا فإذا جاء به على أدنى ما تلزمه هذه الصفة لزمه وهو متطوع بالفضل في الجودة إذا لزمتها الصفة وإنما قلت دقيقا لان أقل ما يقع عليه اسم الدقة غير متباين الخلاف في أدق منه وأدق منه زيادة في فضل الثوب ولم أقل صفيقا مرسلة لان اسم الصفاقة قد يقع على الثوب الدقيق والغليظ فيكون إن اعطاه غليظا أعطاه شرا من دقيق وإن أعطاه دقيقا أعطاه شرا من غليظ وكلاهما يلزمه اسم الصفاقة قال وهو كما وصفت في الابواب قبله إذا ألزم أدنى ما يقع عليه الاسم من الشرط شيئا وكان يقع الاسم على شئ مخالف له هو خير منه لزم المشترى لان الخير زيادة يتطوع بها البائع وإذا كان يقع على ما هو شر منه لم يلزمه لان الشر نقص لا يرضى به المشترى (قال) فإن شرطه صفيقا ثخينا لم يكن له أن يعطيه دقيقا وإن كان خيرا منه لان في الثياب علة أن الصفيق الثخين يكون أدفأ في البرد وأكن في الحر وربما كان أبقى فهذه علة تنقصه وإن كان ثمن الادق أكثر فهو غير الذى أسلف فيه وشرط لحاجته (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإن أسلم في ثياب بلد بها ثياب مختلفة الغزل والعمل يعرف كلها باسم سوى اسم صاحبه لم يجز السلف حتى يصف فيه ما وصفت قبل ويقول ثوب كذا وكذا من ثياب بلد كذا ومتى ترك من هذا شيئا لم يجز السلف لانه بيع مغيب غير موصوف كما لا يجوز في التمر حتى يسمى جنسه (قال) وكل ما أسلم فيه من أجناس
الثياب هكذا كله إن كان وشيا نسبه يوسفيا أو نجرانيا أو فارعا أو باسمه الذى يعرف به وإن كان غير وشى من العصب والحبرات وما أشبهه وصفه ثوب حبرة من عمل بلد كذا دقيق البيوت أو متركا مسلسلا أو صفته أو جنسه الذى هو جنسه وبلده فإن اختلف عمل ذلك البلد قال من عمل كذا للعمل الذى ](3/124)
[ يعرف به لا يجزئ في السلم دونه وكذلك في ثياب القطن كما وصفت في العصب قبلها وكذلك البياض والحرير والطيالسة والصوف كله والابرسيم وإذا عمل الثوب من قزأ ومن كتان أو من قطن وصفه وإن لم يصف غزله إذا عمل من غزول مختلفة أو من كرسف مروى أو من كرسف خشن لم يصح وإن كان إنما يعمل من صنف واحد ببلده الذى سلف فيه لم يضره أن لا يصف غزله إذا وصف الدقة والعمل والذرع وقال في كل ما يسلم فيه جيد أو ردئ ولزمه كل ما يقع عليه اسم الجودة أو الرداءة أو الصفة التى يشترط قال وإن سلف في وشى لم يجز حتى يكون للوشي صفة يعرفها أهل العدل من أهل العلم ولا خير في أن يريه خرقة ويتواضعانها على يد عدل يوفيه الوشى عليها إذا لم يكن الوشى معروفا كما وصفت لان الخرقة قد تهلك فلا يعرف الوشى.
باب السلف في الاهب والجلود (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز السلف في جلود الابل ولا البقر ولا أهب الغنم ولا جلد ولا إهاب من رق ولا غيره ولا يباع إلا منظورا إليه قال وذلك أنه لم يجز لنا أن نقيسه على الثياب لانا لو قسناه عليها لم يحل إلا مذروعا مع صفته وليس يمكن فيه الذرع لاختلاف خلقته عن أن يضبط بذرع بحال ولو ذهبنا نقيسه على ما أجزنا من الحيوان بصفة لم يصح لنا وذلك أنا إنما نجيز السلف في بعير من نعم بنى فلان ثنى أو جذع موصوف فيكون هذا فيه كالذرع في الثوب ويقول رباع وبازل وهو في كل سن من هذه الاسنان أعظم منه في السن قبله حتى يتناهى عظمه وذلك معروف مضبوط كما يضبط الذرع وهذا لا يمكن في الجلود لا يقدر على أن يقال جلد بقرة ثنية أو رباع ولا شاة كذلك ولا يتميز فيقال بقرة من نتاج بلد كذا لان النتاج يختلف في العظم فلما لم يكن الجلد يوقع على معرفته كما يوقع على معرفة ما كان قائما من الحيوان فيعرف بصفة نتاج بلده عظمه من صغره خالفت الجلود الحيوان في هذا
وفى أن من الحيوان ما يكون السن منه أصغر من السن مثله والاصغر خير عند التجار فيكون أمشى وأحمل ما كانت فيه الحياة فيشترى البعير بعشرين بعيرا أو أكثر كلها أعظم منه لفضل التجار للمشى ويدرك بذلك صفته وجنسه وليس هذا في الجلود هكذا الجلود لا حياة فيها وإنما تفاضلها في ثخانتها وسعتها وصلابتها ومواضع منها فلما لم نجد خبرا نتبعه ولا قياسا على شئ مما أجزنا السلف فيه لم يجز أن نجيز السلف فيه والله تعالى أعلم.
ورأيناه لما لم يوقف على حده فيها رددنا السلم فيه ولم نجزه نسيئة وذلك أن ما بيع نسيئة لم يجز إلا معلوما وهذا لا يكون معلوما بصفة بحال.
باب السلف في القراطيس (قال الشافعي) رحمه الله: إن كانت القراطيس تعرف بصفة كما تعرف الثياب بصفة وذرع وطول وعرض وجودة ورقة وغلظ واستواء صنعة أسلف فيها على هذه الصفة ولا يجوز حتى تستجمع هذه الصفات كلها وإن كانت تختلف في قرى أو رساتيق لم يجز حتى يقال صنعة قرية كذا أو كورة كذا أو رستاق كذا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والقول فيها كالقول فيما أجزنا فيه السلف غيرها وإن ](3/125)
[ كانت لا تضبط بهذا فلا خير في السلف فيها ولا أحسبها بهذا إلا مضبوطة أو ضبطها أصح من ضبط الثياب أو مثله.
باب السلف في الخشب ذرعا (قال الشافعي) رحمه الله: من سلف في خشب الساج فقال ساج سمح طول الخشبة منه كذا وغلظها كذا وكذا ولونها كذا فهذا جائز وإن ترك من هذا شيئا لم يجز وإنما أجزنا هذا لاستواء نبتته وأن طرفيه لا يقربان وسطه ولا جميع ما بين طرفيه من نبتته وإن اختلف طرفاه تقاربا وإذا شرط له غلظا فجاءه بأحد الطرفين على الغلط والآخر أكثر فهو متطوع بالفضل، ولزم المشترى أخذه، فإن جاء به ناقصا من طول، أو ناقص أحد الطرفين من غلظ لم يلزمه لان هذا نقص من حقه (قال) وكل ما استوت نبتته حتى يكون ما بين طرفيه منه ليس بأدق من طرفيه وأحدهما من السمح أو تربع رأسه فأمكن الذرع فيه أو تدور تدورا مستويا فأمكن الذرع فيه وشرط فيه ما وصفت في الساج جاز السلف
فيه وسمى جنسه فإن كان منه جنس يختلف فيكون بعضه خيرا من بعض مثل الدوم فإن الخشبة منه تكون خيرا من الخشب مثلها للحسن لم يستغن عن أن يسمى جنسه كما لا يستغنى أن يسمى جنس الثياب فإن ترك تسمية جنسه فسد السلف فيه وما لم يختلف أجزنا السلف فيه بالصفة والذرع على نحو ما وصفت قال وما كان منه طرفاه أو أحدهما أجل من الآخر ونقص ما بين طرفيه أو مما بينهما لم يجز السلف فيه لانه حينئذ غير موصوف العرض كما لا يجوز أن يسلف في ثوب موصوف الطول غير موصوف العرض قال فعلى هذا السلف في الخشب الذي يباع ذرعا كله وقياسه لا يجوز حتى تكون كل خشبة منه موصوفة محدودة كما وصفت وهكذا خشب الموائد يوصف طولها وعرضها وجنسها ولونها (قال) ولا بأس بإسلام الخشب في الخشب ولا ربا فيما عدا الكيل والوزن من المأكول والمشروب كله والذهب والورق وما عدا هذا فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة سلما وغير سلم كيف كان إذا كان معلوما.
باب السلم في الخشب وزنا (قال الربيع) (قال الشافعي) وما صغر من الخشب لم يجز السلف فيه عددا ولا حزما ولا يجوز حتى يسمى الجنس منه فيقول ساسما أسود أو آبنوس يصف لونه بنسبته إلى الغلظ من ذلك الصنف أو إلى أن يكون منه دقيقا أما إذا اشتريت جملة قلت دقاقا أو أوساطا أو غلاظا وزن كذا وكذا وأما إذا اشتريته مختلفا قلت كذا وكذا رطلا غليظا وكذا وكذا وسطا وكذا وكذا رقيقا لا يجوز فيه غير هذا فإن تركت من هذا شيئا فسد السلف وأحب لو قلت سمحا فإن لم تقله فليس لك فيه عقد لان العقد تمنعه السماح وهى عيب فيه تنقصه وكل ما كان فيه عيب ينقصه لما يراد له لم يلزم المشترى وهكذا كل ما اشترى للتجارة على ما وصفت لك لا يجوز إلا مذروعا معلوما أو موزونا معلوما بما وصفت (قال) وما اشترى منه حطبا يوقد به وصف حطب سمر أو سلم أو حمض أو أراك أو قرظ أو عرعر ووصف بالغلظ والوسط والدقة وموزونا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ولا يجوز أن يسلف عددا ولا حزما ولا غير موصوف ](3/126)
[ موزون بحال ولا موزون غير موصوف بغلظه ودقته وجنسه فإن ترك من هذا شيئا فسد السلف (قال)
فأما عيدان القسى فلا يجوز السلف فيها إلا بأمر قلما يكون فيها موجودا فإذا كان فيها موجودا جاز وذلك أن يقول عود شوحطة جذل من نبات أرض كذا السهل منها أو الجبل أو دقيق أو وسط طوله كذا وعرضه كذا وعرض رأسه كذا ويكون مستوى النبتة وما بين الطرفين من الغلظ فكل ما أمكنت فيه هذه الصفة منه جاز وما لم يكن لم يجز وذلك أن عيدان الارض تختلف فتباين والسهل والجبل منها يتباين والوسط والدقيق يتباين وكل ما فيه هذه الصفة من شريان أو نبع أو غيره من أصناف عيدان القسى جاز وقال فيه خوطا أو فلقة والفلقة أقدم نباتا من الخوط والخوط الشاب ولا خير في السلفة في قداح النبل شوحطا كانت أو قنا أو غير ذلك لان الصفة لا تقع عليها وإنما تفاضل في الثخانة وتباين فيها فلا يقدر على ذرع ثخانتها ولا يتقارب فنجيز أقل ما تقع عليه الثخانة كما نجيزه في الثياب.
باب السلف في الصوف (قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز السلف في الصوف حتى يسمى صوف ضأن بلد كذا لاختلاف أصواف الضأن بالبلدان ويسمى لون الصوف لاختلاف ألوان الاصواف ويسمى جيدا ونقيا ومغسولا لما يعلق به مما يثقل وزنه ويسمى طوالا أو قصارا من الصوف لاختلاف قصاره وطواله ويكون بوزن معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا فسد السلف فيه وإذا جاء بأقل مما يقع عليه اسم الطول من الصوف وأقل ما يقع عليه اسم الجودة وأقل ما يقع عليه اسم البياض وأقل ما يقع عليه اسم النقاء وجاء به من صوف ضأن البلد الذى سمى لزم المشترى قال ولو اختلف صوف الاناث والكباش ثم كان يعرف بعد الجزاز لم يجز حتى يسمى صوف فحول أو إناث وإن لم يتباين ولم يكن يتميز فيعرف بعد الجزاز فوصفه بالطول وما وصفت جاز السلف فيه ولا يجوز أن يسلف في صوف غنم رجل بعينها لانها قد تتلف وتأتى الآفة على صوفها ولا يسلف إلا في شئ موصوف مضمون موجود في وقته لا يخطئ ولا يجوز في صوف غنم رجل بعينها لانه يخطئ ويأتى على غير الصفة ولو كان الاجل فيها ساعة من النهار لان الآفة قد تأتى عليها أو على بعضها في تلك الساعة وكذلك كل سلف مضمون لا خير في أن يكون في شئ بعينه لانه يخطئ ولا خير في أن يسلفه في صوف بلا صفة ويريه صوفا فيقول استوفيه منك على بياض هذا ونقائه وطوله لان هذا قد يهلك فلا يدرى كيف صفته فيصير السلف في شئ
مجهول قال وإن أسلم في وبر الابل أو شعر المعزى لم يجز إلا كما وصفت في الصوف ويبطل منه ما يبطل منه في الصوف لا يختلف.
باب السلف في الكرسف (قال الشافعي) رحمه الله: لا خير في السلف في كرسف بجوزه لانه ليس مما صلاحه في أن يكون مع جوزه إنما جوزه قشرة تطرح عنه ساعة يصلح ولا خير فيه حتى يسمى كرسف بلد كذا وكذا ويسمى جيدا أو رديئا ويسمى أبيض نقيا أو أسمر وبوزن معلوم وأجل معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا لم يجز السلف فيه وذلك ان كرسف البلدان يختلف فيلين ويخشن ويطول شعره ويقصر ويسمى ألوانها ](3/127)
[ ولا خير في السلم في كرسف أرض رجل بعينها كما وصفنا قبله ولكن يسلم في صفة مأمونة في أيدى الناس وإن اختلف قديم الكرسف وجديده سماه قديما أو جديدا من كرسف سنة أو سنتين وإن كان يكون نديا سماه جافا لا يجزئ فيه غير ذلك ولو أسلم فيه منقى من حبه كان أحب إلى ولا أرى بأسا أن يسلم فيه بحبه وهو كالنوى في التمر.
باب السلف في القز والكتان (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ضبط القز بأن يقال قز بلد كذا ويوصف لونه وصفاؤه ونقاؤه وسلامته من العيب ووزنه فلا بأس بالسلف فيه ولا خير في أن يترك من هذا شيئا واحدا فإن لم يجز فيه السلف وإن كان لا يضبط هذا فيه لم يجز فيه السلف وهكذا الكتان ولا خير في أن يسلف منه في شئ على عين يأخذها عنده لان العين تهلك وتتغير ولا يجوز السلف في هذا وما كان في معناه إلا بصفة تضبط وإن اختلف طول القز والكتان فتباين طوله سمى طوله وإن لم يختلف جاء الوزن عليه وأجزأه إن شاء الله تعالى وما سلف فيه كيلا لم يستوف وزنا لاختلاف الوزن والكيل وكذلك ما سلف فيه وزنا لم يستوف كيلا.
باب السلف في الحجارة والارحية وغيرها من الحجارة (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بالسلف في حجارة البنيان والحجارة تفاضل بالالوان
والاجناس والعظم فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى منها أخضر أو أبيض أو زنبريا أو سبلانيا باسمه الذى يعرف به وينسبه إلى الصلابة وأن لا يكون فيه عرق ولا كلا (1) والكلا حجارة محلوقة مدورة صلاب لا تجيب الحديد إذا ضربت تكسرت من حيث لا يريد الضارب ولا تكون في البنيان إلا غشا (قال) ويصف كبرها بأن يقول ما يحمل البعير منها حجرين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة بوزن معلوم وذلك أن الاحمال تختلف وأن الحجرين يكونان على بعير فلا يعتدلان حتى يجعل مع أحدهما حجر صغير وكذلك ما هو أكثر من حجرين فلا يجوز السلف في هذا إلا بوزن أو أن يشترى وهو يرى فيكون من بيوع الجزاف التى ترى، قال وكذلك لا يجوز السلف في النقل والنقل حجارة صغار إلا بأن يصف صغارا من النقل أو حشوا أو دواخل فيعرف هذا عند أهل العلم به ولا يجوز إلا موزونا لانه لا يكال لتجافيه ولا تحيط به صفة كما تحيط بالثوب والحيوان وغيره مما يباع عددا ولا يجوز حتى يقال صلاب وإذا قال صلاب فليس له رخو ولا كذان ولا متفتت قال ولا بأس بشراء الرخام ويصف كل رخامة منه بطول وعرض وثخانة وصفاء وجودة وإن كانت تكون لها تساريع (2) مختلفة يتباين فضلها منها وصف تساريع وإن لم يكن اكتفى بما وصفت فإن جاءه بها فاختلف فيها أريها أهل البصر فإن قالوا يقع عليها اسم ]
__________
(1) قوله: والكلا حجارة الخ كذا بالاصول ولم نجده بهذا المعنى في كتب اللغة التى بأيدينا ولعله محرف عن " الكدى " جمع كدية بالدال المهملة وزان " غرفة " وحرره اه مصححه.
(2) قوله: تساريع الذى في كتب اللغة: - أساريع أي خطوط اه.(3/128)
[ الجودة والصفاء وكانت بالطول والعرض والثخانة التى شرط لزمته وإن نقص واحد من هذه لم تلزمه قال: ولا بأس بالسلف في الحجارة المرمر بعظم ووزن كما وصفت في الحجارة قبله وبصفاء فإن كانت له أجناس تختلف وألوان وصفه بأجناسه وألوانه، قال ولا بأس أن يشترى آنية من مرمر بصفة طول وعرض وعمق وثخانة وصنعة إن كانت تختلف فيه الصنعة وصف صنعتها ولو وزن مع هذا كان أحب إلى وإن ترك وزنه لم يفسده إن شاء الله تعالى وإن كان من الارحاء شئ يختلف بلده فتكون حجازة بلد خيرا من حجارة بلد لم يجز حتى يسمى حجارة بلد ويصفها وكذلك إن اختلفت حجارة بلد وصف
جنس الحجارة.
باب السلف في القصة والنورة (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بالسلف في القصة والنورة ومتاع البنيان فإن كانت تختلف اختلافا شديدا فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى نورة أرض كذا أو قصة أرض كذا ويشترط جودة أو رداءة أو يشترط بياضا أو سمرة أو أي لون كان إذا تفاضلت في ألوان ويشترطها بكيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم ولا خير في السلف فيها أحمالا ولا مكايل لانها تختلف (قال الشافعي) ولا بأس أن يشتريها احمالا ومكايل وجزافا في غير أحمال ولا مكايل إذا كان المبتاع حاضرا والمتبايعان حاضرين قال وهكذا المدر لا بأس بالسلف فيه كيلا معلوما ولا خير فيه أحمالا ولا مكايل ولا جزافا ولا يجوز إلا بكيل وصفة جيد أو ردئ ومدر موضع كذا فإن اختلف ألوان المدر في ذلك الموضع وكان لبعضها على بعض فضل وصف المدر أخضر أو أشهب أو أسود قال وإذا وصفه جيدا أتت الجودة على البراءة من كل ما خالفها فإن كان فيه سبخ أو كذان أو حجارة أو بطحاء لم يكن له لان هذا مخالف للجودة وكذلك إن كانت النورة أو القصة هي المسلف فيها لم يصلح إلا كما وصفت بصفة قال وإن كانت القصة والنورة مطيرتين لم يلزم المشترى لان المطير عيب فيهما وكذلك إن قدمتا قدما يضر بهما لم يلزم المشترى لان هذا عيب والمطر لا يكون فسادا للمدر إذا عاد جافا بحاله.
باب السلف في العدد (أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي رحمه الله: لا يجوز السلف في شئ عددا إلا ما وصفت من الحيوان الذي يضبط سنه وصفته وجنسه والثياب التى تضبط بجنسها وحليتها وذرعها والخشب الذي يضبط بجنسه وصفته وذرعه وما كان في معناه لا يجوز السلف في البطيخ ولا الثقاء ولا الخيار ولا الرمان ولا السفرجل ولا الفرسك ولا الموز ولا الجوز ولا البيض أي بيض كان دجاج أو حمام أو غيره وكذلك ما سواه مما يتبايعه الناس عددا غير ما استثنيت وما كان في معناه لاختلاف العدد ولا شئ يضبط من صفة أو بيع عدد فيكون مجهولا إلا أن يقدر على أن يكال أو يوزن فيضبط بالكيل والوزن.
](3/129)
[ باب السلم في المأكول كيلا أو وزنا (قال الشافعي) رحمه الله: أصل السلف فيما يتبايعه الناس أصلان فما كان منه يصغر وتستوي خلقته فيحتمله المكيال ولا يكون إذا كيل تجافى في المكيال فتكون الواحدة منه بائنة في المكيال عريضة الاسفل دقيقة الرأس أو عريضة الاسفل (1) والرأس دقيقة الوسط فإذا وقع شئ إلى جنبها منعه عرض أسفلها من أن يلصق بها ووقع في المكيال وما بينها وبينه متجاف ثم كانت الطبقة التى فوقه منعه هكذا لم يجز أن يكال واستدللنا على ان الناس إنما تركوا كيله لهذا المعنى ولا يجوز أن يسلف فيه كيلا وفى نسبته بهذا المعنى ما عظم واشتد فصار يقع في المكيال منه الشئ ثم يقع فوقه منه شئ معترضا وما بين القائم تحته متجاف فيسد المعترض الذي فوقه الفرجة التى تحته ويقع عليه فوقه غيره فيكون من المكيال شئ فارغ بين الفراغ وذلك مثل الرمان والسفرجل والخيار والباذنجان وما أشبهه مما كان في المعنى الذى وصفت ولا يجوز السلف في هذا كيلا ولو تراضى عليه المتبايعان سلفا وما صغر وكان يكون في المكيال فيمتلئ به المكيال ولا يتجافى التجافي البين مثل التمر وأصغر منه مما لا تختلف خلقته اختلافا متباينا مثل السمسم وما أشبهه أسلم فيه كيلا (قال) وكل ما وصفت لا يجوز السلم فيه كيلا فلا بأس بالسلم فيه وزنا وأن يسمى كل صنف منه اختلف باسمه الذى يعرف به وإن شرط فيه عظيما أو صغيرا فإذا أتى به أقل ما يقع عليه اسم العظم ووزنه جاز على المشترى فأما الصغير فأصغره يقع عليه اسم الصغر ولا أحتاج إلى المسألة عنه (قال) وذلك مثل أن يقول: أسلم إليك في خربز خراساني أو بطيخ شامى أو رمان أمليسى أو رمان حرانى ولا يستغنى في الرمان عن أن يصف طعمه حلوا أو مرا أو حامضا فأما البطيخ فليس في طعمه ألوان ويقول عظام أو صغار ويقول في القثاء هكذا فيقول قثاء طوال وقثاء مدحرج وخيار يصفه بالعظم والصغر والوزن ولا خير في أن يقول قثاء عظام أو صغار لانه لا يدرى كم العظام والصغار منه، إلا أن يقول كذا وكذا رطلا منه صغارا وكذا وكذا رطلا منه كبارا وهكذا الدباء وما أشبهه فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في البقول كلها إذا سمى كل جنس منها وقال هندبا أو جرجيرا أو كراثا أو خسا وأى صنف ما أسلف فيه منها وزنا معلوما لا يجوز إلا موزونا فإن ترك تسمية الصنف منه أو الوزن لم يجز السلف (قال الشافعي) وإن كان منه شئ
يختلف صغاره وكباره لم يجز إلا أن يسمى صغيرا أو كبيرا كالقنبيط تختلف صغاره وكباره وكالفجل وكالجزر وما اختلف صغاره وكباره في الطعم والثمن (قال) ويسلف في الجوز وزنا وإن كان لا يتجافى في المكيال كما وصفت أسلم فيه كيلا والوزن أحب إلى وأصح فيه قال وقصب السكر إذا شرط محله في وقت لا ينقطع من أيدى الناس في ذلك البلد فلا بأس بالسلف فيه وزنا ولا يجوز السلف فيه وزنا حتى يشترط صفة القصب إن كان يتباين وإن كان أعلاه مما لا حلاوة فيه ولا منفعة فلا يتبايع إلا أن يشترط أن يقطع أعلاه الذى هو بهذه المنزلة وإن كان يتبايع ويطرح ما عليه من القشر ويقطع مجامع عروقه من أسفله قال ولا يجوز أن يسلف فيه حزما ولا عددا لانه لا يوقف على حده بذلك وقد رآه ونظر إليه قال: ولا خير في أن يشترى قصبا ولا بقلا ولا غيره مما يشبهه بأن يقول: اشترى منك زرع كذاوكذا ]
__________
(1) قوله: أو عريضة الاسفل والرأس الخ كذا في نسختين وفى أخرى بدله " أو عريضة الرأس دقيقة الاسفل والوسط " اه كتبه مصححه.(3/130)
[ فدانا ولا كذا وكذا حزما من بقل إلى وقت كذا وكذا لان زرع ذلك يختلف فيقل ويكثر ويحسن ويقبح وأفسدناه لاختلافه في القلة والكثرة لما وصفت من أنه غير مكيل ولا موزون ولا معروف القلة والكثرة ولا يجوز أن يشترى هذا إلا منظورا إليه وكذلك القصب والقرط وكل ما أنبتت الارض لا يجوز السلف فيه إلا وزنا أو كيلا بصفة مضمونة لا من أرض بعينها فإن أسلف فيه من أرض بعينها فالسلف فيه منتقض (قال) وكذلك يجوز في قصب ولا قرط ولا قصيل ولا غيره بحزم ولا أحمال ولا يجوز فيه إلا موزونا موصوفا وكذلك التين وغيره لا يجوز إلا مكيلا أو موزونا ومن جنس معروف إذا اختلفت أجناسه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والله أعلم.
باب بيع القصب والقرط (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة (قال الشافعي) وبهذا نقول لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه
جزازه فيه من يومه (قال الشافعي) فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلظ أو غير ذلك فكان يزيد في تلك الايام فلا خير في الشراء والشراء مفسوخ لان أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشترى فإذا كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشترى منه شئ لم تقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت قد أعطيت المشترى ما لم يشتر وأخذت من البائع ما لم يبع ثم أعطيته منه شيئا مجهولا لا يرى بعين ولا يضبط بصفة ولا يتمير فيعرف ما للبائع فيه مما للمشترى فيفسد من وجوه (قال) ولو اشتراه ليقطعه فتركه وقطعه ممكن له مدة يطول في مثلها كان البيع فيه مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع أن يدعه لما وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن انهالت عليها حنطة له فهى داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبتعها انفسخ البيع فيها لان ما اشترى لا يتميز ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطى ما اشترى ويمنع ما لم يشتر، وهو في هذا كله بائع شئ قد كان وشئ لم يكن غير مضمون.
على أنه إن كان دخل في البيع وإن لم يكن لم يدخل معه وهذا البيع مما لا يختلف المسلمون في فساده لان رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضى بكذا فإن لم ينبت أو نبت قليلا لزمك الثمن كان مفسوخا وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتى بكذا وإن لم يأت لزمك الثمن قال ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في أقل منها كان المشترى منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذى له بلا ثمن أو ينقض البيع قال: كما يكون إذا باعه حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو يرد البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع قال وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدى المشترى فعلى المشترى ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشترى ضمان ما نقصه والزرع لبائعه ]
__________
(1) هذا الباب تقدم بحروفه بعد مسألة " بيع القمح في السنبلة " في نسخة السراج البلقيني وأعاده هنا تبعا لباقي النسخ فليعلم كتبه مصححه.(3/131)
[ وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص في كل شئ.
باب السلف في الشئ المصلح لغيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى كل صنف حل السلف فيه وحده فخلط منه شئ بشئ غير جنسه مما يبقى فيه فلا يزايله بحال سوى الماء وكان الذى يختلط به قائما فيه وكان مما يصلح فيه السلف وكانا مختلطين لا يتميزان فلا خير في السلف فيهما من قبل أنهما إذا اختلطا فلم يتميز أحدهما من الآخر لم أدر كم قبضت من هذا وهذا؟ فكنت قد أسلفت في شئ مجهول وذلك مثل أن أسلم في عشرة أرطال سويق لوز فليس يتميز السكر من دهن اللوز ولا اللوز إذا خلط به أحدهما فيعرف القابض المبتاع كم قبض من السكر ودهن اللوز واللوز فلما كان هكذا كان بيعا مجهولا وهكذا إن أسلم إليه في سويق ملتوت مكيل لانى لا أعرف قدر السويق من الزيت والسويق يزيد كيله باللتات ولو كان لا يزيد كان فاسدا من قبل أنى ابتعت سويقا زيتا والزيت مجهول وإن كان السويق معروفا (قال الشافعي) في أكثر من هذا المعنى الاولى أن لا يجوز إن أسلم إليك في فالوذج ولو قلت ظاهر الحلاوة أو ظاهر الدسم لم يجز لانى لا أعرف قدر النشاستق (1) من العسل والسكر والدهن الذى فيه سمن أو غيره ولا أعرف حلاوته أمن عسل نحل كان أو غيره ولا من أي عسل وكذلك دسمه فهو لو كان يعرف ويعرف السويق الكثير اللتات كان كما يخالط صاحبه فلا يتميز غير معروف وفى هذا المعنى لو أسلم إليه في أرطال حيس لانه لا يعرف قدر التمر من الاقط والسمن (قال) وفى مثل هذا المعنى اللحم المطبوخ بالابزار والملح والخل وفى مثله الدجاج المحشو بالدقيق والابزار أو الدقيق وحده أو غيره لان المشترى لا يعرف قدر ما يدخل من الابزار ولا الدجاج من الحشو لاختلاف أجوافها والحشو فيها ولو كان يضبط ذلك بوزن لم يجز لانه إن ضبط وزن الجملة لم يضبط وزن ما يدخله ولا وكيله (قال) وفيه معنى يفسده سوى هذا وذلك أنه إذا اشترط نشاستقا جيدا أو عسلا جيدا لم يعرف جودة النشاستق معمولا ولا العسل معمولا لقلب النار له واختلاط أحدهما بالآخر فلا يوقف على حده أنه من شرطه هو أم لا (قال) ولو سلف في لحم مشوى بوزن أو مطبوخ لم يجز لانه لا يجوز أن يسلف في اللحم إلا موصوفا بسمانة وقد تخفى مشويا إذا لم تكن سمانة فاخرة وقد يكون أعجف فلا يخلص أعجفه من سمينه ولا منقيه من سمينه إذا تقارب وإذا كان مطبوخا فهو أبعد أن يعرف أبدا سمينه لانه قد يطرح أعجفه مع سمينه ويكون مواضع من سمينه لا يكون
فيها شحم وإذا كان موضع مقطوع من اللحم كانت في بعضه دلالة على سمينه ومنقيه وأعجفه فكل ما اتصل به منه مثله (قال) ولا خير في أن يسلم في عين على أنها تدفع إليه مغيرة بحال لانه لا يستدل على أنها تلك العين اختلف كيلها أو لم يختلف وذلك مثل أن يسلفه في صاع حنطة على أن يوفيه إياها دقيقا اشترط كيل الدقيق أو لم يشترطه وذلك أنه إذا وصف جنسا من حنطة وجودة فصارت دقيقا أشكل الدقيق من معنيين أحدهما أن تكون الحنطة المشروطة مائية فتطحن حنطة تقاربها من حنطة الشام وهو ]
__________
(1) قوله: النشاستق ويقال فيه: النشاستة والنشاستج وهو " النشا " الذى هو لب الحنطة.
كما في القاموس وشرحه.
كتبه مصححه.(3/132)
[ غير المائى ولا يخلص هذا والآخر أنه لا يعرف مكيلة الدقيق لانه قد يكثر إذا طحن ويقل وأن المشترى لم يستوف كيل الحنطة وإنما يقبل فيه قول البائع (قال) وقد يفسده غيرنا من وجه آخر من أن يقول لطحنه إجارة لها قيمة لم تسم في أصل السلف فإذا كانت له إجارة فليس يعرف ثمن الحنطة من قيمة الاجارة فيكون سلفا مجهولا (قال الشافعي) وهذا وجه آخر يجده من أفسده فيه مذهبا والله تعالى أعلم (قال) وليس هذا كما يسلفه في دقيق موصوف لانه لا يضمن له حنطة موصوفة وشرط عليه فيها عملا بحال إنما ضمن له دقيقا موصوفا وكذلك لو أسلفه في ثوب موصوف بذرع يوصف به الثياب جاز وإن أسلفه في غزل موصوف على إن يعمله له ثوبا لم يجز من قبل أن صفة الغزل لا تعرف في الثوب ولا تعرف حصة الغزل من حصة العمل وإذا كان الثوب موصوفا عرفت صفته (قال) وكل ما أسلم فيه وكان يصلح بشئ منه لا بغيره فشرطه مصلحا فلا بأس به كما يسلم إليه في ثوب وشى أو مسير أو غيرهما من صبغ الغزل وذلك أن الصبغ فيه كأصل لون الثوب في السمرة والبياض وأن الصبغ لا يغير صفة الثوب في دقة ولا صفاقة ولا غيرهما كما يتغير السويق والدقيق باللتات ولا يعرف لونهما وقد يشتريان عليه ولا طعمهما وأكثر ما يشتريان عليه ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب موصوف على أن يصبغه مضرجا من قبل أنه لا يوقف على حد التضريج وأن من الثياب ما يأخذ من التضريج أكثر مما يأخذ مثله في الذرع وأن الصفقة وقعت على شيئين متفرقين أحدهما ثوب والآخر صبغ فكان الثوب وإن عرف مصبوغا
بجنسه قد عرفه فالصبغ غير معروف قدره وهو مشترى ولا خير في مشترى إلى أجل غير معروف وليس هذا كما يسلم في ثوب عصب لان الصبغ زينة له وأنه لم يشتر الثوب إلا وهذا الصبغ قائم فيه قيام العمل من النسج ولون الغزل فيه قائم لا يغيره عن صفته فإذا كان هكذا جاز وإذا كان الثوب مشترى بلا صبغ ثم أدخل الصبغ قبل أن يستوفى الثوب ويعرف الصبغ لم يجز لما وصفت من أنه لا يعرف غزل الثوب ولا قدر الصبغ (قال الشافعي) ولا بأس أن يسلفه في ثوب موصوف يوفيه إياه مقصورا قصارة معروفة أو مغسولا غسلا نقيا من دقيقه الذى ينسج به ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب قد لبس أو غسل غسلة من قبل أنه يغسله غسلة بعدما ينهكه وقبل فلا يوقف على حد هذا ولا خير في أن يسلم في حنطة مبلولة لان الابتلال لا يوقف على حد ما يريد في الحنطة وقد تغير الحنطة حتى لا يوقف على حد صفتها كما يوقف عليها يابسة ولا خير في السلف في مجمر مطرى ولو وصف وزن للتطرية لانه لا يقدر على أن يزن التطرية فيخلص وزنها من وزن العود ولا يضبط لانه قد يدخله الغير بما يمنع له الدلالة التطرية له على جودة العود وكذلك لا خير في السلف في الغالية ولا شئ من الادهان التى فيها الاثقال لانه لا يوقف على صفته ولا قدر ما يدخل فيه ولا يتميز ما يدخل فيه (قال) ولا بأس بالسلف في دهن حب البان قبل أن ينش بشئ وزنا وأكرهه منشوشا لانه لا يعرف قدر النش منه ولو وصفه بريح كرهته من قبل أنه لا يوقف على حد الريح قال وأكرهه في كل دهن طيب قبل أن يستوفى وكذلك لو سلفه في دهن مطيب أو ثوب مطيب لانه لا يوقف على حد الطيب كما لا يوقف على الالوان وغيرها مما ذكرت فيه أن أدهان البلدان تتفاضل في بقاء طيف الريح على الماء والعرق والقدم في الحنو وغيره ولو شرط دهن بلد كان قد نسبه فلا يخلص كما تخلص الثياب فتعرف ببلدانها المجسية واللون وغير ذلك قال: ولا بأس أن يسلفه في طست أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شبه أو رصاص أو حديد ويشترطه بسعة معروفة ومضروبا أو مفرغا وبصنعة معروفة ويصفه بالثخانة أو الرقة ويضرب له أجلا كهو في الثياب وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة والشرط لزمه ولم يكن له رده (قال) وكذلك كل ](3/133)
[ إناء من جنس واحد ضبطت صفته فهو كالطست والقمقم قال: ولو كان يضبط أن يكون مع شرط
السعة وزن كان أصح وإن لم يشترط وزنا صح إذا اشترط سعة كما يصح أن يبتاع ثوبا بصنعة وشئ وغيره بصفة وسعة ولا يجوز فيه إلا أن يدفع ثمنه وهذا شراء صفة مضمونة فلا يجوز فيها إلا أن يدفع ثمنها وتكون على ما وصفت (قال) ولو شرط أن يعمل له طستا من نحاس وحديد أو نحاس ورصاص لم يجز لانهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما وليس هذا كالصبغ في الثوب لان الصبغ في ثوبه زينة لا يغيره أن تضبط صفته وهذا زيادة في نفس الشئ المصنوع قال وهكذا كل ما استصنع ولا خير في أن يسلف في قلنسوة محشوة وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ولا صفته ولا يوقف على حد بطانتها ولا تشترى هذه إلا يدا بيد ولا خير في أن يسلفه في خفين ولا نعلين مخروزين وذلك أنهما لا يوصفان بطول ولا عرض ولا تضبط جلودهما ولا ما يدخل فيهما وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين ولا بأس أن يبتاع منه صحافا أو قداحا من نحو معروف وبصفة معروفة وقدر معروف من الكبر والصغر والعمق والضيق ويشترط أي عمل ولا بأس إن كانت من قوارير ويشترط جنس قواريرها ورقته وثخانته ولو كانت القوارير بوزن مع الصفة كان أحب إلى وأصح للسلف وكذلك كل ما عمل فلم يخلط بغيره والذى يخلط بغيره النبل فيها ريش ونصال وعقب ورومة والنصال لا يوقف على حده فأكره السلف فيه ولا أجيزه قال ولا بأس أن يبتاع آجرا بطول وعرض وثخانة ويشترط من طين معروف وثخانة معروفة ولو شروط موزونا كان أحب إلى وإن تركه فلا بأس إن شاء الله تعالى وذلك أنه إنما هو بيع صفة وليس يخلط بالطين غيره مما يكون الطين غير معروف القدر منه إنما هو يخلطه الماء والماء مستهلك فيه والنار شئ ليس منه ولا قائم فيه إنما لها فيه أثر صلاح وإنما باعه بصفة ولا خير في أن يبتاع منه لبنا على أن يطبخه فيوفيه إياه آجرا وذلك أنه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب وأنه قد يتلهوج ويفسد فإن أبطلناه على المشترى كنا، قد أبطلنا شيئا استوجبه وإن ألزمناه إياه الزمناه بغير ما شرط لنفسه.
باب السلف يحل فيأخذ المسلف بعض رأس ماله وبعض سلفه (قال الشافعي) رحمه الله: من سلف ذهبا في طعام موصوف فحل السلف قائما له طعام في ذمة بائعه فإن شاء أخذه به كله حتى يوفيه إياه وإن شاء تركه كما يترك سائر حقوقه إذا شاء وإن شاء أخذ
بعضه وأنظره ببعض وإن شاء أقاله منه كله وإذا كان له أن يقيله من كله إذا اجتمعا على الاقالة كان له إذا اجتمعا أن يقيله من بعضه فيكون ما أقاله منه كما لم يتبايعا فيه وما لم يقله منه كما كان لازما له بصفته فإن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا فرق بين السلف في هذا وبين طعام له عليه من وجه غير السلف وقال ولكن إن حل له طعام فقال أعطيك مكان مالك من الطعام على طعاما غيره أو عرضا من العروض لم يجز لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه " وإنما لهذا المسلف طعام فإذا أخذ غيره به فقد باعه قبل أن يستوفيه وإذا أقاله منه أو من بعضه فالاقاله ليست ببيع إنما هي نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الاولى التى وجبت لكل واحد منهما على صاحبه فإن قال قائل ما الحجة في هذا؟ فالقياس لمعقول مكتفى به فيه فإن قال فهل فيه أثر عن أحد من أصحاب رسول الله ](3/134)
[ صلى الله عليه وسلم؟ قيل روي عن ابن عباس وعن عطاء وعمرو بن دينار (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء كان لا يرى بأسا أن يقبل رأس ماله منه أو ينظره أو يأخذ بعض السلعة وينظره بما بقى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء أسلفت دينارا في عشرة أفراق فحلت أفأقبض منه إن شئت خمسة أفراق وأكتب نصف الدينار عليه دينا؟ فقال: نعم (قال الشافعي) لانه إذا أقاله منه فله عليه رأس مال ما أقاله منه وسواء انتقده أو تركه لانه لو كان عليه مال حال جاز ان يأخذه وأن ينظره به متى شاء (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ بعض رأس ماله وبعضا طعاما أو يأخذ بعضا طعاما ويكتب ما بقى من رأس المال (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سلمة بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ذلك المعروف أن يأخذ بعضه طعاما وبعضه دنانير (اخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء رجل أسلف بزا في طعام فدعا إلى ثمن البز يومئذ فقال لا إلا رأس ماله أو بزه (قال الشافعي) قول عطاء في البز أن لا يباع البز أيضا حتى يستوفى فكأنه يذهب مذهب الطعام (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه
قال لعطاء طعام أسلفت فيه فحل فدعاني إلى طعام غيره فرق بفرق ليس للذى يعطينى على الذى كان لى عليه فضل قال لا بأس بذلك ليس ذلك ببيع إنما ذلك قضاء (قال الشافعي) هذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وذلك أنه سلفه في صفة ليست بعين فإذا جاءه بصفته فإنما قضاه حقه قال سعيد بن سالم: ولو أسلفه في بر الشام فأخذ منه برا غيره فلا بأس به وهذا كتجاوزه في ذهبه (قال الشافعي) وهذا إن شاء الله كما قال سعيد قال ولكن لو حلت له مائة فرق اشتراها بمائة دينار فأعطاه بها ألف درهم لم يجز ولم يجز فيه إلا إقالته فإذا أقاله صار له عليه رأس ماله فإذا برئ من الطعام وصارت له عليه ذهب تبايعا بعد بالذهب ما شاءا وتقابضا قبل أن يتفرقا من عرض أو غيره.
باب صرف السلف إلى غيره (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال روى عن ابن عمر وأبى سعيد أنهما قالا من سلف في بيع فلا يصرفه إلى غيره ولا يبيعه حتى يقبضه قال وهذا كما روي عنهما إن شاء الله تعالى وفيه دلالة على أن لا يباع شئ ابتيع حتى يقبض وهو موافق قولنا في كل بيع أنه لا يباع حتى يستوفى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن رجل ابتاع سلعة غائبة ونقد ثمنها فلما رآها لم يرضها فأرادا أن يحولا بيعهما في سلعة غيرها قبل أن يقبض منه الثمن قال لا يصلح قال كأنه جاءه بها على غير الصفة وتحويلهما بيعهما في سلعة غيرها بيع للسلعة قبل أن تقبض قال ولو سلف رجل رجلا دراهم في مائة صاع حنطة وأسلفه صاحبه دراهم في مائة صاع حنطة وصفة الحنطتين واحدة ومحلهما واحد أو مختلف لم يكن بذلك بأس وكان لكل واحد منهما على صاحبه مائة صاع بتلك الصفة والى ذلك الاجل ولا يكون واحد منهما قصاصا من الآخر من قبل أنى لو جعلت الحنطة بالحنطة قصاصا كان بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع الدراهم بالدراهم لان دفعهما في يومين مختلفين نسيئة ومن أسلف في طعام بكيل أو وزن فحل السلف فقال الذى له السلف: كل طعامي ](3/135)