كتاب الأم - الامام الشافعي ج 1
كتاب الأم الامام الشافعي ج 1(1/)
الام(1/1)
الام تأليف الامام ابي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي 150 - 204 مع مختصر المزني الجزء الاول دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(1/3)
الطبعة الاولى 1400 ه 1980 م الطبعة الثانية: 1403 ه 1983 م بيروت - حارة حريك - شارع عبد النور هاتف 273650 - 273487 - ص ب 7061 برقيا: فكسي - تلكس: 41392 LE فكر(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله رب العالمين.
وصلوات الله وسلامه على سيد الخلق وإمام الحق، قائد الغر المحجلين، وشفيع المذنبين بإذن من الله يوم يقوم الناس لرب العالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته البررة
الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وبذلوا النفس والنفيس في سبيل نصرة هذا الدين المبين.
أما بعد فلا يخفى على ذوي العقول والبصائر النيرة مكانة الفقه بالنسبة لسائر العلوم فهو الذي أشاد الله بشرفه في كتابه حيث قال.
" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " لذلك دأب العلماء وتسابقوا في القيام بالرحلات العلمية ليفوزوا بالخير الذي سمعوا البشارة به من النبي صلى الله عليه وسلم حين تحدث عن مكانة الفقه وقيمته بقوله " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " فاكثروا التنقل في البلاد للقاء العلماء والاخذ عنهم، ومن أبرز الائمة الذين أكثروا من التطواف والرحلات في مختلف الاقطار الامام الشافعي رضى الله عنه.
فقام برحلته العلمية بادئ بدء إلى الامام مالك في المدينة فلما أترع عقله ولبه من علومه رحل إلى العراق فطوف هناك في المدن ولقى الامام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وأبا يوسف القاضي وغيرهما ثم رحل إلى البلاد الفارسية فالتقى بعلمائها ثم طاف شمال العراق فاخترق ساحل الفرات وبعض المدن سورية حتى ألقى عصا التسيار بمدينة " الرملة " كل هذا ولم يجاوز العشرين سنة من عمره فما فتئ بعد مدة وجيزة من إقامته في الرملة أن اعتزم الرحلة ثانيا إلى الامام مالك وبقي معه في المدينة إلى أن مات ثم توجه إلى اليمن فاكتسب هناك علم الفراسة وازداد تفقها ثم اعتقل بتهمة التشيع للعلويين ضد العباسيين فكانت نتيجة التحقيق أن ظهرت براءته فأطلقه الخليفة هارون الرشيد وعرف له فضله ونبوغه في شتى العلوم لا سيما فقه الكتاب والسنة ونفوذ النظر فيهما مع دقة الاستنباط وقوة العارضة ونور البصيرة والابداع في إقامة الحجة، فلم يقو أحد على مناظرته، والذي أوصل الشافعي إلى هذه الدرجة تلك الخطوات المحكمة التي انتهجها في حياته العلمية، ذلك انه تأدب بأدب البادية ووقف على علوم اللغة العربية فصيحها وغريبها وحفظ أشعار الغرب وأيامهم فأصبح حجة في اللغة وخصوصا أشعار الهذليين.
ثم إنه تلقى علوم أهل الحضر واجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث فتصرف في ذلك حتى أصل الاصول وقعد القواعد، فعلا ذكره واشتهر أمره، حتى صار اعجوبة الدنيا في عصره، وأخذ بعد ذلك يؤلف المؤلفات ويودع حصيلته العلمية في كتب خاصة:
ومن أجمع تلك المؤلفات التي وصلت إلينا كتاب " الام " الذي نقدم له هذه المقدمة المتواضعة، فسيرى القارئ فيه علما غزيرا، يتعلم منه كيف يكفر، وكيف يحتج وكيف يناظر، وكيف يتعلم حرية الرأي فرحم الله الشافعي حيث رسم للناس الطريق السوي للاجتهاد ونبذ التقليد، فملا طباق الارض علما.(1/5)
ترجمه نقلا عن تاريخ الشافعي بقلمه، رواية أبي بكر محمد بن المنذر، وعن مناقب الشافعي للرازي وعن شذرات الذهب لابن العماد، ووفيات الاعيان لابن خلكان، ورحلة الامام الشافعي، ك " منير أدهم ".
اسمه: محمد، ويكنى، أبو عبد الله.
نسبه من جهة أبيه: هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.
نسبه من جهة أمه: القول المشهور أن أم الشافعي كانت امرأة من الازد، وروى أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الازد أزد الله " وهذا يدل على مزيد الشرف بسبب هذه الاضافة الدالة على الاختصاص كقولنا " بيت الله " و " ناقة الله ".
زواجه ومتى كان: تزوج الشافعي بالسيدة حميدة بنت نافع حفيدة عثمان بن عفان بعد وفاة الامام مالك سنة 197 ه وكان عمره إذ ذاك ما يقرب من ثلاثين سنة كما أنه كانت له سرية من الاماء.
أولاده: رزق من امرأته العثمانية أبو عثمان محمد، وابنتان، فاطمة وزينب وقد ارتقى أبو عثمان محمد في المناصب حتى كان قاضيا لمدينة حلب.
ورزق من سريته ابن آخر يقال له: الحسن بن محمد بن إدريس، مات وهو طفل.
صفاته وحليته: كان رجلا طويلا حسن الخلق محببا إلى الناس نظيف الثياب فصيح اللسان
شديد المهابة كثير الاحسان إلى الخلق وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملا بالسنة وكان جميل الصوت في القراءة حتى ان علماء مكة كانوا وهو في الثالثة عشرة من العمر إذا أرادوا البكاء من خشية الله اجتمعوا وقالوا: هيا بنا إلى ذلك الصبي المطلبي ليسمعنا القرآة فيبكينا، فإذا جاؤا وسمعوه تساقطوا بين يديه من كثرة البكاء، وكان إذا رأى منهم ذلك أمسك عن القراءة شفقة عليهم متى وأين ولد: في شهر رجب من سنة 150 ه 767 من ولدت السيدة فاطمة أم حبيبة الازدية غلاما سمعته محمدا (وهو الامام الشافعي).
أما والده المدكور فكان رجلا حجازيا فقيرا، خرج مهاجرا من مكة إلى الشام وأقام ب " غزة " و " عسقلان " ببلاد فلسطين ثم مات بعد ولادة الشافعي بقليل فكفلته أمه.
كبر الغلام وبلغ من العمر سنتين وأصبح قرة عين والدته، فرأت أمه أن تحمله إلى مكة المكرمة صونا لنسبه من الضياع إذا بقي في " غزة " ونزلت بجوار الحرم بحي يقال له " شعب الخيف ".(1/6)
بدء تعلمه: ولما ترعرع أرسلته أمه إلى الكتاب ولما لم يكن في طاقة أهله القيام بنفقات تعليمه أهمله المعلم وانصرف عنه إن المعلم والطبيب كلاهما * لا ينصحان إذا هما لم يكرما إلا أن هذا التقصير من المعلم كان سببا في نبوغ الصبي لانه اجتهد أن يكون دائما وقت الدرس قريبا من المعلم وكان يستوعب بحافظته النادرة جميع ما يحفظه المعلم للصبيان حتى إذا ذهب المعلم لقضاء حاجة أخذ الشافعي يحفظ التلاميذ ما حفظه من المعلم، وبهذه الوسيلة قويت حافظة الامام الشافعي تدريجيا، فأحبه التلاميذ والتفوا حوله ورفعوا مكانته وصاروا طوع أمره.
ولما رأى المعلم من الشافعي هذه الحال وانه يجنى من ورائه أضعاف ما كان يطمع فيه من الاجر، صرف عنه المطالبة بالمصروفات واعتبره في كتابه مجانا.
ولما بلغ الشافعي من العمر سبع أو تسع سنوات كان قد أتم القرآن الكريم كله.
فرأى انه لا فائدة من بقائه في الكتاب فتركه ودخل المسجد الحرام وأقبل على علوم اللغة ودراستها أياما فبرع فيها كلها.
وبرع في لهجات العرب بسبب تلقيه اللغة عن شتى قبائل البادية فلما حصل له من ذلك الحظ الاوفر قيل له: لو ضممت إلى ذلك، الفقه وعلوم القرآن والحديث؟! فانصرب إليها.
شيوخه بمكة: دخل المسجد الحرام وصار يجالس العلماء ويحفظ الحديث وعلوم القرآن، فقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين وقرأ الحديث على سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد الزنجي، وسعيد بن سالم القداح، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.
شيوخه بالمدينة: وتلقى العلم بالسنة في المدينة على الامام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الانصاري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى الاسامي، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ.
شيوخ باليمن: وسمع الحديث والفقه في اليمن، من مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي " صنعاء " وعمرو بن أبي سلمة صاحب الاوزاعي، ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سد شيوخه بالعراق: وسمع الحديث والفقه وعلو القرآن في العراق من وكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان.
فيكون عدد شيوخه على هذا تسعة عشرة، خمسة من مكة، وستة من المدينة وأربعة من اليمن، وأربعة من العراق.
هذا ما أفاده الرازي في مناقب الامام الشافعي.
تلاميذه: نبغ على الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن ابن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل ابن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبى، وأبو يوسف يونس بن عبد الاعلى، ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي.
رحلاته العلمية: كانت الرحلة على ما فيها من المشاق في سبيل تلقي العلم ديدن العلماء، حيث يكون التلاقي بين رواد العلم والعلماء ويحصل التبحر في العلم.
فلذا نرى الامام الشافعي(1/7)
ينهج هذا السبيل وأول رحلاته كانت إلى المدينة لما سمع بالامام مالك، فسمع الموطأ وحفظه ولقي من الامام مالك إكراما وإجلالا حتى إنه أجلسه في مجلسه وكلفه أن يقرأ الموطأ على الناس ويمليه عليهم، فأقام هكذا ضيفا عند الامام مالك ثمانية أشهر.
رحلته الاولى إلى بغداد: كان من عادة المصريين ان يتوجهوا إلى المدينة بعد أداء فريضة الحج للصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولسماع الموطأ على الامام مالك.
قال الشافعي: فأحليت الموطأ عليهم حفظا، منهم عبد الله بن عبد الحكم وأشهب بن القاسم (قال الربيع: وأحسب أنه ذكر الليث بن سعد) ثم قدم بعد ذلك أهل العراق المسجد للصلاة فيه وزائرين نبيهم.
قال الشافعي: فرأيت بين القبر والمنبر فتى جميل الوجه، نظيف الثياب، حسن الصلاة، فتوسمت فيه خيرا، فسألته عن اسمه، فأخبرني، وسألته عن بلده فقال لي: العراق.
قال الشافعي: فقلت، أي العراق؟ فقال: في الكوفة.
فقلت: من العالم بها والمتكلم في نص كتاب الله عزوجل والمفتي بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لي: محمد بن الحسن، وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة.
قال الشافعي: فقلت: ومتى عزمتم تظعنون؟ فقال لي: غداة غد عند انفجار الفجر.
فعدت إلى مالك فقلت له: قد خرجت من مكة في طلب العلم بغير استئذان العجوز، فأعود إليها أو أرحل في طلب العلم.
؟ فقال لي: العلم فائدة يرجع منها إلى عائدة، ألم تعلم بأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب؟ قال الشافعي: فلما أزمعت على السفر زودني مالك بصاع من أقط وصاع من شعير وصاع من تمر وسقاء ماء.
فلما كان السحر وانفجر الفجر حمل بعض الاداوة وسار معي مشيعا إلى البقيع فصاح بعلو صوته: من معه كرى راحلة إلى الكوفة؟ فأقبلت عليه فقلت له: لم تكتري ولا شئ معك ولا شئ معي؟ فقال لي: لما انصرفت البارحة عنك بعد صلاة العشاء الآخرة إذ قرع علي قارع الباب فخرجت إليه فأصبت عبد الرحمن بن القاسم المصري، فسألني قبول هديته فقبلتها.
فدفع إلي صرة فيها مائة مثقال، وقد أتيتك بنصفها وجعلت النصف لعيالي.
وبعد أربعة وعشرين يوما وصل ركب الحاج العراقي إلى الكوفة، وهناك اجتمع بالامامين، أبي يوسف، ومحمد، وحصل بين الشافعي وبينهما محادثات ومناظرات علمية، لا يتسع المقام لذكر تفاصيلها.
وقد أكرم الامام محمد مثوى الشافعي، وعرف قدره، وأكرم ضيافته.
أقام الشافعي مدة في الكوفة ضيفا على محمد بن الحسن نسخ في خلالها كثيرا من الكتب، وتلقى العلم عليه وكتب عنه حمل بعير من الكتب.
ثم بدا للشافعي أن يطوف في بلاد فارس وما حولها من بلاد الاعاجم وأن يطوف البلاد العراقية فدخل بغداد وغيرها، ثم سافر إلى ديار ربيعة ومضر ومنها رحل إلى شمال العراق حتى وصل إلى جنوب بلاد الروم (الاناضول) وعرج على " حران " وأقام بها زمنا، ثم سافر إلى فلسطين وأقام ب (الرملة) واستغرقت هذه الرحلة سنتين بدأها سنة 172 ه وانتهت سنة 174 ه ازداد فيها علما ووقف على أمور(1/8)
العباد وعرف طبائع سكان تلك البلاد التي زارها وأخلاقهم وعاداتهم، ولغاتهم كما تعرف على كثير ممن أملى عليهم الموطأ وهو في المدينة فكانوا خير معين له في هذه السياحة.
رحلته الثانية إلى المدينة: وبينما هو في " الرملة " ذات يوم إذ أقبل ركب المدينة من الحجاز فسألهم الشافعي عن مالك فقالوا: إنه بخير وقد اتسعت أرزاقه فاشتاق الشافعي لرؤية الامام مالك في حال غناه كما رآه في حال فقره من المال، فركب راحلته ووصل المدينة بعد سبعة وعشرين يوما.
فوافق دخوله ساعة العصر 174 ه وقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى العصر فرأى كرسيا من الحديد عليه مخدة وحول الكرسي نحو اربعمائة دفتر، وينما هو كذلك إذ رأى مالكا داخلا وقد فاح عطره في المسجد وحوله جماعة يحملون ذيله حتى جلس على الكرسي، ثم طرح مسألة إثر مسألة في جراح العمد على الموجودين فلم يجب أحد.
فضاق صدر الشافعي ونظر إلى رجل كان بجانبه وهمس إليه في أذنه بالجواب، فقال الرجل: الجواب كذا وكذا كما سمعه من الشافعي، ولما تكررت إجابة هذا الرجل بالصواب في كل مسألة قال له مالك: من أين لك هذا العلم؟ فقال الرجل: إن بجانبى شابا
يقول لي: الجواب كذا وكذا، فاستدعى الامام مالك الشاب فإذا هو الشافعي، فضمنه مالك إلى صدره ونزل عن كرسيه وقال له: أتمم أنت هذا الباب.
وبعد أن أتم الشافعي الدرس أخذه الامام مالك إلى بيته، ولم يمض على عودة الشافعي إلى المدينة زمن طويل حتى جاءت الاخبار من مصر بوفاة الامام الليث بن سعد في نصف شعبان سنة 175 ه فحزن لوفاته مالك والشافعي.
أقام الشافعي بعد ذلك في المدينة المنورة أربع سنوات وأشهرا ملحوظا بعين الامام مالك إلى أن توفي الامام مالك في شهر ربيع الاول سنة 197 ه ودفن بالبقيع وبقي الشافعي في المدينة ولا معين له إلا الله تعالى، وكان عمره عامئذ 29 سنة تقريبا.
رحلته إلى اليمن: وصادف بعد وفاة الامام مالك أن جاء والي اليمن إلى المدينة فكلمه جماعة من قريش، فأخذه إلى صنعاء اليمن وقلده عملا مستقلا أحسن الشافعي إدارته ونال ثناء الناس عليه وأحبه الوالي وتعلم علم الفراسة من أهل اليمن الذين كانوا يجيدون فقهها حتى تفوق فيه.
محنته وأسبابها: وهي الرحلة الثانية إلى العراق لما لمع نجمه في اليمن نظرا لعلو كعبه في مختلف العلوم وما أحرزه من المكانة العالية عند الوالي حسده الحاسدون وحقد عليه الحاقدون، فوشوا به عند الخليفة هارون الرشيد في بغداد واتهموه بأنه رئيس حزب العلويين وأنه يدعو إلى عبد الله بن المحض الحسن المثنى بن الحسين السبط.
فأرسل هارون الرشيد أحد قواده إلى اليمن، فبعث له ذلك القائد بكتاب يخوفه ما العلويين ويذكر له فيه الشافعي ويقول عنه: إنه يعمل بلسانه ما لا يقدر المقاتل عليه بحسامه وسناه، وإن أردت يا أمير المؤمنين ان تبقى الحجاز عليك فاحملهم إليك.
فبعث الرشيد إلى والي اليمن يأمره بأن يحمل العلويين إلى بغداد ومعهم الشافعي مكبلا بالحديد.
فاعتقلهم الوالي ومعهم الشافعي، ووضع في رجليه الحديد تنفيذا لامر الخليفة، وأرسلهم إلى بغداد، فدخلوها في غسق الليل وأحضروهم بين يدى هارون الرشيد وكان جالسا وراء ستارة وكانوا(1/9)
يقدمون إليه واحدا واحدا، وكل من تقدم منهم قطع رأسه.
كل ذلك والشافعي يدع ربه بدعائه المشهور عنه " اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير " يكرره مرارا.
ولما جاء دوره حملوه إلى الخليفة وهو مثقل بالحديد، فرمى من بحضرة الخليفة بأبصارهم إليه.
فقال الشافعي: السلام عليك يا أمير المؤمنين وبركاته ولم يقل " رحمة الله ".
فقال الرشيد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بدأت بسنة لم تؤمر بإقامتها، ورددنا عليك فريضة قامت بذاتها، ومن العجب أن تتكلم في مجلسي بغير أمرى.
فقال الشافعي: إن الله تعالى قال في كتابه العزيز (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وهو الذي إذا وعد وفى، فقد مكنك في أرضه وأمنني بعد خوفي حيت رددت على السلاة بقولك " وعليك رحمة الله " فقد شملتني رحمة الله بفضلك يا أمير المؤمنين.
فقال الرشيد: وما عذرك من بعد ما ظهر أن صاحبك (يريد عبد الله بن الحسن) طغى علينا وبغى واتبه الارذلون وكنت أنت الرئيس عليهم.
فقال الشافعي: أما وقد استنطقتني يا أمير المؤمنين فسأتكلم بالعدل والانصاف، لكن الكلام مع ثقل الحديد صعب، فإن جدت علي بفكه عن قدمي جثيت على ركبتي كسيرة آبائي عند آبائك وأفصحت عن نفسي، وإن كانت الاخرى فيدك العليا ويدي السفلى والله غني حميد فالتفت الرشيد إلى غلامه " سراج " وقال له: حل عنه فأخذ سراج ما في قدميه من الحديد فجثى الشافعي على ركبتيه وقال (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) حاشا لله أن أكون ذلك الرجل، لقد أفك المبلغ فيما بلغك به، إن لي حرمة الاسلام وذمة النسب، وكفى بهما وسيلة، وأنت أحق من أخذ بأدب كتاب الله، أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذاب عن دينه، المحامي عن ملته.
فتهلل وجه الرشيد ثم قال: ليفرج روعك فإنا نراعى حق قرابتك وعلمك ثم أمره بالقعود فقعد.
وقال الرشيد: كيف علمك؟ يا شافعي بكتاب الله عزوجل؟ فإنه أولى الاشياء أن يبتدأ به.
فقال الشافعي: عن أي كتاب من كتب الله تعالى تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإن الله قد أنزل كتبا كثيرة.
قال الرشيد: أحسنت.
لكن إنما سألت عن كتاب الله تعالى المنزل على ابن عمي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة، فهل تسألني عن محكمه أو متشابهه أو عن تقدميه أو تأخيره أو عن ناسخه أو منسوخه، وصار يعرض عليه علوم القرآن ما أعجب به هارون الرشيد والحاضرون وأدهشهم.
فغير الرشيد سؤاله إلى العلوم المتنوعة من فلك وطب وفراسة وما إليها، فكان الشافعي يجيب على كل سؤال ما يسر الخليفة.
ثم قال الرشيد: عظني يا شافعي، فأخذ الشافعي يعظ الرشيد وعظا تصعدت له القلوب حتى اشتد بكاء الرشيد، فهاج الحاضرون فنظر إليهم الشافعي غضبا واستمر في وعظه.
وقد حصلت(1/10)
للشافعي في هذه المحنة محاورات ومناظرات علمية مع صاحبي أبى حنيفة، وهما أبو يوسف ومحمد بن الحسن أعرضنا عن ذكر تفصيلها لان المقام لا يتسع لها وقد تكفلت بها الكتب المؤلفة في مناقب الشافعي.
عودته إلى مكة: بعد أن نجا الشافعي من تلك المحنة التي سبق ذكرها ونال إعجاب الخليفة والتقدير العظيم والاجلال البالغ رأى ان يعود إلى مكة فسافر ووصل إليها سنة 180 ه وضرب خباءه خارج مكة في ظاهرها فاستقبله أهل مكة استقبالا عظيما، فقسم بينهم ما جاء به من العراق من ذهب وفضة، عملا بوصية أمه له كلما جاء مكة فما دخل مكة إلا وقد وزع المال، فدخلها فارغا كما خرج منها فارغا.
وأقام في مكة سبع عشرة سنة يعلم الناس وينشر مذهبه بين الحجاج، وهم بدورهم ينقلونه إلى بلادهم رحلته الثالثة إلى العراق: وفي خلال هذه السنوات مات الامام أبو يوسف في سنة 182 ه ومات بعده الامام محمد بن الحسن سنة 188 ه ومات هارون الرشيد سنة 193 ه وبويع المأمون بالخلافة واشتهر حبه للعلويين وعطفه عليهم
فرأى الشافعي أن يعود إلى بغداد وأقام فيها شهرا واحدا وكان يلقي دروسه في جامعها الغربي الذي كان حافلا بالحلقات العلمية التي تربو على عشرين حلقة، فأصبحت ثلاثة فقط وانضم الباقون إلى حلقة الامام الشافعي.
وصادف أن ولى المأمون على مصرد، العباس بن موسى (أحد رجال بني العباس) فرأى الشافعي أن يرافقه في السفر من بغداد إلى مصر فخرج أهل بغداد لوداعه وفي مقدمتهم الامام أحمد بن حنبل فأمسك الشافعي بيد ابن حنبل وقال: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر * ومن دونها أرض المهامه والقفر ووالله لا أدري أللعز والغنى * أساق إليها أم أساق إلى القبر؟ وكأن الشافعي أحسن بأنه سيموت ويقبر في مصر فبكى وبكى لفراقه أحمد بن حنبل والمودعون.
وعاد ابن حنبل وهو يقول لاهل العراق: لقد كان الفقه قفلا ففتحه الله بالشافعي، ورافق الشافعي في رحلته هذه إلى مصر كثير من تلامذته العلماء وفى مقدمتهم، الربيع بن سليمان المرادي، وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهما.
وفي 28 شوال سنة 198 دخل الشافعي مصر مع العباس بن موسى عامل مصر وواليها من قبل المأمون، فأراد العباس بن موسى أن ينزله في داره ضيفا فاعتذر الشافعي ونزل عند أخواله من الازد اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة المنورة حيث نزل عند أخواله من بني النجار وفي الصباح تواكبت العلماء وتوافدت على الشافعي وفي مقدمتهم عبد الله بن الحكم، وكان من كبار علماء مصر وأعيانها وممن أملى عليهم الشافعي الموطأ في المدينة، فرآه خاضبا لحيته بالحناء عملا بالسنة طويل القامة، جهوري الصوت، كلامه حجة في اللغة، عليه دلائل الشجاعة والفراسة، فوضع بين يديه أربعة آلاف دينار.(1/11)
ابتدأ الشافعي حياته العلمية في مصر وصار يلقي دروسه بجامع عمرو بن العاص، فكان يشتغل بالتدريس من الفجر إلى عليه صلاة الظهر وكانت دروسه متنوعة فكان بعد صلاة صبح مباشرة يجئ أهل القرآن فيقرءون ويسمعون منه، وإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فإذا كان
الضحوة الصغرى قاموا وحضر قوم للمناظرة ثم يجئ أهل العربية والعروض والشعر والنحو ولا يزالون كذلك إلى قرب انتصاف النهار، وبعد ذلك ينصرف الشافعي إلى داره ومعه بعض تلاميذه كالمزني، والربيع الجيزى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ويقول: الدنيا سفر ولا بد للسفر من العصا، وهو أول من سن سنة العمل في مصر إلى الظهر، وكان يشتغل في التدريس من الفجر إلى الظهر.
وكان العلماء يتلقون عنه العلم في الجامع وعلى باب داره إلا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فإنه كان يصعد إلى أعلى الدار ويتغدى عند الشافعي، وإذا نزل أركبه دابته وأتبعه بصره حتى يغيب، فإذا غاب كان يقول: وددت لو أن لي ولدا مثله وعلي ألف دينار لا أجد لها وفاء.
فتلقى عن الشافعي العلم علماء كثيرون، منهم الربيع الجيزي (وقد سميت الجيزة باسمه) والبويطى، وإسماعيل المزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وحرملة التجيبي وغيرهم، وكلهم صاروا أئمة في الدين والادب.
ونبغ على الشافعي أيضا نساء كثيرات كالسيدة أخت المزني التي أخذ عنها العلماء وأدرج اسمها في جدول كبار فقهاء الشافعية.
وكان الربيع الجيزي أكثر الناس ملازمة للامام الشافعي.
وكان الشافعي مغرما بقصب السكر، حتى كان يمازح جالسيه ويقول لهم: ما أقمت في مصر إلا حبا بالقصب.
مكانته العلمية: كان الشافعي رضي الله عنه حائزا القدح المعلى في كل فن، كان في العربية مرموق المكانة ويكفي أن الراوية لاشعار العرب " الاصمعي " كان يفتخر حيث تلقى على الشافعي أشعار الهذليين.
ولما قال الشافعي ذاكرا أقسام المياه الماء المالح، انتقده البعض حيث لم يقل " الملح " جريا مع القرآن (وهذا ملح أجاج) انبرى الزمخشري رادا على هؤلاء المنتقدين، وبين أن الشافعي حجة في اللغة وأورد قول الشاعر العربي.
فلو تفلت في البحر والبحر مالح * لاصبح ماء البحر من ريقها عذبا ثم تمثل الزمخشري وقال:
وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم.
كما أن الشافعي على قدم راسخة في علم الفلك، والطب، والانواء، والنجوم المتنقلة في سيرها وغير المتنقلة، يعرف هذا كل من قرأ سيرته في المؤلفات الخاصة في مناقبه.
حدة ذكائه وفراسته: أما الكلام على ذكائه وحدة فراسته فمتسع الجوانب نذكر منها مسألة واحدة وهي: بينما الشافعي في مجلسه إذا أتاه آت وقال له: سل العالم المكي هل في تزاور * وضم لمشتاق الفؤاد جناح؟(1/12)
فأجابه الشافعي قائلا: أقول معاذ الله أن يذهب التقى * تلاصق أكباد بهن جراح فلم يفهم الحاضرون المراد من هذه المحاورة، فأبان لهم الشافعي أنه يسأل عن حكم تقبيل الرجل زوجته في نهار رمضان، فأحبوا ان يستيقنوا جلية المسألة فاتبع السائل أحدهم وسأله عما أراد من كلامه مع الامام فكان الجواب من السائل كما قال الشافعي.
ثناء الائمة عليه: يروى الخطيب في " تاريخ بغداد " عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك أنه قال: ما أتاني قرشي أفهم من الشافعي، وكان سفيان الثوري إذا سئل عن شئ من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا، وأما شيخه مسلم بن خالد الزنجي فإنه قال للشافعي وهو ابن خمس عشرة سنة: قد والله آن لك أن تفتى، وأما يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل فكل واحد منهما كان يقول: إني لادعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة وأستغفر له.
وكان أحمد بن حنبل يقول لابنه: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن فانظر، هل لهذين من خلف؟ وأثنى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أيضا على الشافعي وقال: مثلك يصلح للتصنيف.
وما ذكرناه من ثناء الائمة على الشافعي قل من كثر، وغيض من فيض، وقطرة من بحر، فمن أراد المزيد فعليه بالمؤلفات الخاصة في مناقب الشافعي وكتب التراجم المطولة.
وليس الشافعي ممن يترجم له في أوراق أو كراريس وقد أفرد فريق من أجلة العلماء مؤلفات خاصة في سيرته ومناقبه ولكن أحببنا أن نوضح الخطوط العريضة في حياة هذا الامام الفذ رضي الله عنه.
مؤلفاته: لما دخل الشافعي المسجد في بغداد لصلاة المغرب رأى غلاما حسن القراءة يصلي بالناس فصلى الشافعي خلفه فسها الغلام في الصلاة ولم يعرف كيف يفعل، فقال له الشافعي، أفسدت صلاتنا يا غلام، ثم بدأ من حينه في وضع كتاب في السهو في الصلاة.
وقد فتح الله عليه فجاء كتابا كبيرا سماه " الزعفران " نسبة إلى اسم ذلك الغلام الذي سها في الصلاة.
وقد روى هذا الكتاب الحسن بن محمد الزعفراني وأحمد بن حنبل وعرف هذا كتاب ب " الحجة " وهو أحد الكتب القديمة التي وضعها الشافعي بالعراق، وألف أيضا في مصر " الرسالة " وهي أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة الناسخ من المنسوخ بل هو أول كتاب في أصول الحديث وألف كتابا اسمه " جماع العلم " دافع فيه عن السنة دفاعا مجيدا وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة وكتاب " الام " و " الاملاء الصغير " و " الامالي الكبرى " و " مختصر المزني " و " مختصر البويطى " وغيرها.
وكتاب " الرسالة " وكتاب " جماع العلم " حققهما ونشرهما فقيد علم الحديث الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.
أصول مذهبه: بنى الامام الشافعي مذهبه على الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس، ولم يجنح إلى الاستحسان الذي ذهب إليه الامام أبو حنيفة.
وتحرير القول في الخلاف بين الحنفية والشافعية في اتخاذ الاستحسان أصلا في الشريعة محله كتب الاصول.
اعتزازه بنسبه: كان الشافعي يفخر بنسبه على سبيل التشرف لا على سبيل الاستعلاء على الناس.(1/13)
لذلك نجده شديد الحب لآل بيت رسول الله الذي هو منهم أيضا.
فلذلك لما رماه الحاسدون بالرفض أنشد وقال: إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أنى رافض وهذا التعلق بأهل البيه لم يجره إلى النيل من الشيخين أبي بكر وعمر والطعن في خلافتهما، بل
كان يرى لهما ولغيرهما من الصحابة فضلا في نشر الاسلام وإعلاء كلمة الله.
معنى الحرية في نظر الشافعي: كان الشافعي يرى الحرية في القناعة، والذل كل الذل في الطلب والسؤال فيقول.
العبد حر إن قنع * والحر عبد إن قنع فاقنع ولا تقنع فلا * شئ يشين سوى الطمع فلذلك نحد القناعة والاعتزاز بالرضا بما قسم الله ماثلا في قوله: أمطري لؤلؤ جبال سرنديب * وفيضي آبار تكرور تبرا أنا إن عشت لست أعدم قوتا * وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي * نفس حرة ترى المذلة كفرا دخل على الشافعي طالب بعد انتهاء الدرس وقال له: أوصني فقال الشافعي: يا بني خلقك الله حرا فكن كما خلقك وفاته: أقام الشافعي في مصر خمس سنين وتسعة أشهر من 28 شوال سنة 198 ه إلى 29 رجب سنة 204 ه يعلم الناس ويؤلف ثم أصابه نزف شديد بسبب البواسير فاشتد به الضعف فلم يستطع الخروج لمزاولة التدريس فزاره تلميذه " المزني " فسأله عن حاله فقال: أصبحت والله لا أدري، أروحى تساق إلى الجنة فأهنئها، ام إلى النار فأعزيها؟ ثم رفع بصره إلى السماء وقال أبياتا، منها: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلا قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما وبعد ذلك نظر إلى من حوله من أهله وقال لهم: إذا أنا مت فاذهبوا إلى الوالي واطلبوا منهه أن يغسلني.
وفي ليلة الجمعة الاخيرة من شهر رجب سنة 204 ه بعد العشاء الاخيرة فاضت روحه الطاهرة إلى باريها بين يدي تلميذه " الريبع الجيزي " وانتشر خبر وفاته في مصر فعم أهلها الحزن فخرجوا يريدون حمله على أعناقم وهو في اضطراب من شدة الزحام.
وأصبح يوم الجمعة وذهب أهله إلى الوالي وطلبوا منه الحضور لغسل الامام كما أوصى، فقال لهم
الوالي: هل ترك الامام دينا؟ قالوا: نعم، فأمر الوالي بقضاء ذلك الدين، ثم نظر إليهم وقال لهم: هذا معنى غسلي له وبعد صلاة العصر خرجت الجنازة فما وصلت شارع السيدة نفيسة الآن خرجت السيدة نفيسة وأمرتهم بإدخال النعش إلى بيتها فصلت عليه وترحمت، ثم سير بالجنازة إلى القرافة الصغرى المعروفة وقتئذ بتربة أولاد عبد الحكم وفيها الشافعي وعرفت بعد دفنه بتربة الشافعي إلى وقتنا هذا:(1/14)
ورثى الشافعي خالق كثير بعد وفاته نذكر بيتين لابن درين الازدي صاحب المقصورة من قصيدته العصماء قال: تسربل بالتقولى وليدا وناشئا * وخص بلب الكهل مذهو يافع فأثاره فينا بدور زواهر * وأحكامه فينا نجوم طوالع رحمه الله الشافعي ورضى عنه وأمطر على جدثه الطاهر شآبيب الرحمة والرضوان.(1/15)
بسم الله الرحمن الرحيم الطهارة أخبرنا الربيع بن سليمان قال " أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى " قال قال الله عزوجل " إذا قمتم إلى الصلاه فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا بروءسكم وأرجلكم " الآية (قال الشافعي) فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء ثم أبان في هذه الآية أن الغسل بالماء وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين وذكر الماء عاما فكان ماء السماء وماء الانهار والآبار والقلات (1) والبحار العذب من جميعه والاجاج سواء في أنه يطهر من توضأ واغتسل منه وظاهر القرآن يدل على أن كل ماء طاهر ماء بحر وغيره وقد روى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة رجل من آل ابن الازرق أن المغيرة بن أبي برده وهو من بني
الدار خبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عمر عن سعيد بن ثوبان عن أبي هند الفراسي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يطهره البحر فلا طهره الله " (قال الشافعي) فكل الماء طهور ما لم تخالطه نجاسة ولا طهور إلا فيه أو في الصعيد وسواء كل ماء من برد أو ثلج أذيب وماء مسخن وغير مسخن لان الماء له طهارة النار والنار لا تنجس الماء (قال الشافعي) رحمة الله أخبرنا إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسخن له الماء فيغتسل به ويتوضأ به (قال الشافعي) ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صدقة ابن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال: إنه يورث البرص (قال الشافعي) الماء على الطهارة ولا ينجس إلا بنجس خالطه والشمس والنار ليسا بنجس إنما النجس المحرم فأما ما اعتصره
__________
اتفقت جميع النسخ التي بيدنا على البداءة بهذه الجملة ولعل راوي الام عن الربيع هو راوي الرسالة عنه وهو أبو الحسن على بن حبيب بن عبد الملك ويمكن أن يكون غيره فإن الرواة عن الربيع كثيرون ذكرهم الحافظ ابن حجر وغيره اه.
(1) قوله والقلات: هي جمع قلت كسهم وسهام، وهو النقرة في الجبل تمسك الماء كتبه مصححه(1/16)
الآدميون من ماء شجر ورد أو غيره فلا يكون طهورا وكذلك ماء أجساد ذوات الارواح لا يكون طهورا لانه لا يقع على واحد من هذا اسم ماء إنما يقال له: ماء بمعنى ماء ورد وماء شجر كذا وماء مفصل كذا وجسد كذا وكذلك لو نحر جزورا واخذ كرشها فاعتصر منه ماء لم يكن طهورا لان هذا لا يقع عليه اسم الماء إلا بالاضافة إلى شئ غيره يقال ماء كرش وماء مفصل كما يقال ماء ورد وماء شجر كذا وكذا فلا يجزي أن يتوضأ بشي ئ من هذا
الماء الذي ينجس والذي لا ينجس (قال الشافعي) رحمه الله؟ الماء ما آن ماء جار وماء راكد فأما الماء الجاري فإذا وقع فيه محرم من ميتة أو دم أو غير ذلك فإن كان فيه ناحية يقف فيها الماء فتلك الناحية منه خاصة ماء راكد ينجس إن كان موضعه الذي فيه الميتة منه أقل من خمسة قرب نجس وأن كان أكثر من خمس قرب لم ينجس إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فإن كان جاريا لا يقف منه شئ فإذا مرت الجيفة أو ما خالطه في الجاري توضأ بما يتبع موضع الجيفة من الماء لان ما يتبع موضعها من الماء غير موضعها منه لانه لم يخالطه نجاسة وإن كان الماء الجاري قليلا فيه جيفة فتوضأ رجل مما حول الجيفة لم يجزه إذا ما كان حولها أقل من خمس قرب كالماء الراكد ويتوضأ بما بعده لان معقولا في الماء الجاري أن كل ما مضى منه غير ما حدث وأنه ليس واحدا يختلط بعضه ببعض فإذا كان المحرم في موضع منه يحتمل النجاسة نجس ولولا ما وصفت وكان الماء الجاري قليلا فخالطت النجاسة منه موضعا فجرى نجس الباقي منه إذا كانا إذا اجتمعا معا يحملان النجاسة ولكنه كما وصفت كل شئ جاء منه غير ما مضى وغير مختلط بما مضى والماء الراكد في هذا مخالف له لانه مختلط كله فيقف فيصير ما حدث فيه مختلطا بما كان قبله لا ينفصل فيجري بعضه قبل بعض كما ينفصل الجاري (قال الشافعي) وإذا كان الماء الجاري قليلا أو كثيرا فخالطته نجاسة فغيرت ريحه أو طعمه أو لونه كان نجسا وإن مرت جريته بشئ متغير بحرام خالطه فتغيرت ثم مرت به جرية أخرى غير متغيرة فالجرية التي غير متغيرة طاهرة والمتغيرة نجسة (قال) وإذا كان في الماء الجاري موضع منخفض فركد فيه الماء وكان زائلا عن سنن جريته بالماء يستنقع فيه فكان يحمل النجاسة فخالطه حرام نجس لانه راكد وكذلك إن كان الجاري يدخله إذا كان يدخله منه ما لا يكثره حتى يصير كله خمس قرب ولا يجري به وإن كان في سنن الماء الجاري موضع منخفض فوقع فيه محرم وكان الماء يجري به فهو جار كله لا ينجس إلا بما ينجس به الجاري وإذا صار الماء الجاري إلى موضع يركد فيه الماء فهو ماء راكد ينجسه ما ينجس الماء الراكد.
الماء الراكد (قال الشافعي) والماء الراكد ما آن ماء لا ينجس بشئ خالطه من المحرم إلا أن يكون لونه فيه أو
ريحه أو طعمه قائما وإذا كان شئ من المحرم فيه موجودا بأحد ما وصفنا تنجس كله قل أو كثر (قال) وسواء إذا وجد المحرم في الماء جاريا كان أو راكدا (قال) وماء ينجس بكل شئ خالطه من المحرم وإن(1/17)
لم يكن موجودا فيه فإن قال قائل ما الحجة فيه فرق بين ما ينجس وما لا ينجس ولم يتغير واحد منهما قيل: السنة أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير عن محمد ابن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا أو خبثا " أخبرنا مسلم عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا " وقال في الحديث: بقلال هجر، قال ابن جريج: ورأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا (قال الشافعي) رحمه الله: كان مسلم يذهب إلى أن ذلك أقل من نصف القربة أو نصف القربة فيقول خمس قرب هو أكثر ما يسع قلتين وقد تكون القلتان أقل من خمس قرب، وفي قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا " دلالة على أن ما دون القلتين من الماء يحمل النجس (قال الشافعي) فالاحتياط أن تكون القلة قربتين ونصفا فإذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجسا في جريان أو غيره، وقرب الحجاز كبار فلا يكون الماء الذي لا يحمل النجاسة إلا بقرب كبار وإذا كان الماء أقل من خمس قرب فخالطته ميتة نجس ونجس كل وعاء كان فيه فأهريق ولم يطهر الوعاء إلا بأن يغسل وإذا كان الماء أقل من خمس قرب فخالطته نجاسة ليست بقائمة فيه نجسته فإن صب عليه ماء حتى يصير هو بالذى صب عليه خمس قرب فأكثر طهر وكذلك لو صب هو على الماء أقل وأكثر منه حتى يصير الماء آن معا أكثر من خمس قرب لم ينجس واحد منهما صاحبه وإذا صارا خمس قرب فطهرا ثم فرقا لم ينجسا بعدما طهرا إلا بنجاسة تحدث فيهما وإذا وقعت الميتة في بئر أو غيرها فأخرجت في دلو أو غيره طرحت وأريق الماء الذي معه لانه أقل من خمس قرب منفردا من ماء غيره وأحب إلى لو غسل الدلو فإن لم يغسل ورد في الماء الكثير طهره الماء الكثير ولم ينجس هو الماء الكثير (قال) والمحرم كله سواء إذا وقع في أقل من خمس قرب نجسه ولو وقع حوت ميت في ماء قليل أو جرادة ميتة لم ينجس
لانهما حلال ميتتين وكذلك كل ما كان من ذوات الارواح مما يعيش في الماء ومما لا يعيش في الماء من ذوات الارواح إذا وقع في الماء الذي ينجس ميتا نجسه إذا كان مما له نفس سائلة فأما ما كان مما لا نفس له سائلة مثل الذباب والخنافس وما أشبههما ففيه قولان أحدهما أن ما مات من هذا في ماء قليل أو كثير لم ينجسه ومن قال هذا قال فإن قال قائل هذه ميتة فكيف زعمت أنها لا تنجس؟ قيل لا تغير الماء بحال ولا نفس لها فإن قال فهل من دلالة على ما وصفت قيل: نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالذباب يقع في الماء أن يغمس فيه وكذلك أمر به في الطعام وقد يموت بالغمس وهو لا يأمر بغمسه في الماء والطعام وهو ينجسه لو مات فيه لان ذلك عمد إفسادهما والقول الثاني أنه إذا مات فيما ينجس نجس لانه محرم وقد يأمر بغمسه للداء الذي فيه والاغلب أنه لا يموت واحب إلى أن كل ما كان حراما أن يؤكل فوقع في ماء فلم يمت حتى أخرج منه لم ينجسه وإن مات فيه نجسه وذلك مثل الخنفساء والجعل والذباب والبرغوث والقملة وما كان في هذا المعنى (قال) وذرق الطير كله ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه إذا خالط الماء نجسه لانه يرطب برطوبة الماء (قال الربيع) وعرق النصرانية والجنب والحائض طاهر وكذلك المجوسي وعرق كل دابة طاهر وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا الكلب والخنزير (قال الربيع) وهو قول الشافعي وإذا وضع المرء ماء فاستن بسواك وغمس السواك في الماء ثم أخرجه توضأ بذلك الماء لان أكثر ما في السواك ريقه وهو لو بصق أو تنخم أو امتخط في ماء لم ينجسه والدابة نفسها تشرب في الماء وقد يختلط به لعابها فلا ينسجه إلا أن يكون كلبا أو خنزيرا (قال)(1/18)
وكذلك لو عرق فقطر عرقه في الماء لم ينجس لان عرق الانسان والدابة ليس بنجس وسواء من أي موضع كان العرق من تحت منكبه أو غيره وإذا كان الحرام موجودا في الماء وإن كثر الماء لم يطهر أبدا بشئ ينزح منه وإن كثر حتى يصير الحرام منه عدما لا يوجد منه فيه شئ قائم فإذا صار الحرام فيه عدما طهر الماء وذلك أن يصب عليه ماء غيره أو يكون معينا فتنبع العين فيه فيكثر ولا يوجد المحرم فيه فإذا كان هكذا طهر وإن لم ينزح منه شئ (قال) وإذا نجس الاناء فيه الماء القليل أو الارض أو البئر ذات البناء فيها الماء الكثير بحرام يخالطه فكان موجودا فيه ثم صب عليه ماء غيره حتى يصير الحرام غير
موجود فيه وكان الماء قليلا فنجس فصب عليه ماء غيره حتى صار ماء لا ينجس مثله ولم يكن فيه حرام فالماء طاهر والاناء والارض التي الماء فيهما طاهران لانهما إنما نجسا بنجاسة الماء فإذا صار حكم الماء إلى أن يكون طاهرا كان كذلك حكم ما مسه الماء ولم يجز أن يحول حكم الماء ولا يحول حكمه وإنما هو تبع للماء يطهر بطهارته وينجس بنجاسته.
وإذا كان الماء قليلا في إناء فخالطته نجاسة أريق وغسل الاناء وأحب إلي لو غسل ثلاثا فإن غسل واحدة تأتي عليه طهر وهذا من كل شئ خالطه إلا أن يشرب فيه كلب أو خنزير فلا يطهر إلا بأن يغسل سبع مرات وإذا غسلهن سبعا جعل أولاهن أو أخراهن تراب لا يطهر إلا بذلك فإن كان في بحر لا يجد فيه ترابا فغسله بما يقوم مقام تراب في التنظيف من أشنان أو نخالة أو ما أشبهه ففيه قولان أحدهما لا يطهر إلا بأن يماسه التراب والآخر يطهر بما يكون خلفا من التراب وأنظف منه مما وصفت كما تقول في الاستنجاء وإذا نجس الكلب أو الخنزير بشربهما نجسا ما ماسا به الماء من أبدانهما وإن لم يكن عليهما نجاسة وكل ما لم ينجس بشربه فإذا أدخل في الماء يدا أو رجلا أو شيئا من بدنه لم ينجسه إلا بأن، يكون عليه قذر فينجس القذر الماء لا جسده فإن قال قائل: فكيف جعلت الكلب والخنزير إذا شربا في إناء لم يطهره إلا سبع مرات وجعلت الميتة إذا وقعت فيه أو الدم طهرته مرة إذا لم يكن لواحد من هؤلاء أثر في الاناء؟ قيل له اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن أبى تميمة عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم " فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بتراب " (قال الشافعي) فقلنا في الكلب بما أمر به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان الخنزير إن لم يكن في شر من حاله لم يكن في خير منا فقلنا به قياسا عليه وقلنا في النجاسة سواهما بما أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة أنه سمع امرأته فاطمة بنت المنذر تقول سمعت جدتي أسماء بنت أبي بكر تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض
يصيب الثوب فقال: " حتيه ثم اقرصيه ثم رشيه وصلى فيه " أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت سألت أمرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصل فيه (قال الشافعي) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيضة ولم يوقت فيه شيئا وكان اسم الغسل يقع على غسله مرة وأكثر كما قال الله تبارك وتعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " فأجزأت مرة لان كل هذا يقع(1/19)
عليه اسم الغسل (قال) فكانت الانجاس كلها قياسا على دم الحيضة لموافقته معاني الغسل والوضوء في الكتاب والمعقول ولم نقسه على الكلب لانه تعبد ألا ترى أن اسم الغسل يقع على واحدة وأكثر من سبع وأن الاناء ينقي بواحدة وبما دون السبع ويكون بعد السبع في مماسة الماء مثل قبل السبع (قال) ولا نجاسة في شئ من الاحياء ماست ماء قليلا بأن شربت منه أو أدخلت فيه شيئا من أعضائها إلا الكلب والخنزير وإنما النجاسة في الموتى ألا ترى أن الرجل يركب الحمار ويعرق الحمار وهو عليه ويحل مسه؟ فإن قال قائل: ما الدليل على ذلك؟ قيل أخبرنا إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيتوضأ بما أفضلت الحمر؟ فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها (قال الشافعي) أخبرنا سعيد ابن سالم عن أبي حبيبة أو أبي حبيبة " شك الربيع " عن داود بن الحصين عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه قالت: فرأني انظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس أنها من الطوافين عليكم أو الطوافات.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) فقسنا على ما عقلنا مما وصفنا وكان الفرق بين الكلب والخنزير وبين ما سواهما مما لا يؤكل لحمه أنه ليس منها شئ حرم أن يتخذ إلا لمعنى والكلب حرم أن يتخذ لا لمعنى وجعل ينقص من عمل من اتخذه من غير معنى كل يوم
قيراط أو قيراطان مع ما يتفرق به من أن الملائكة لا تدخل بيتا هو فيه وغير ذلك ففضل كل شئ من الدواب يؤكل لحمه أو لا يؤكل حلال إلا الكلب والخنزير (قال الشافعي) فإذا تغير الماء القليل أو الكثير فأنتن أو تغير لونه بلا حرام خالطه فهو على الطهارة وكذلك لو بال فيه إنسان فلم يدر أخالطه نجاسة أم لا وهو متغير الريح أو اللون أو الطعم فهو على الطهارة حتى تعلم نجاسته لانه يترك لا يستقى منه فيتغير ويخالطه الشجر والطحلب فيغيره (قال) وإذا وقع في الماء شئ حلال فغير له ريحا أو طعما ولم يكن الماء مستهلكا فيه فلا بأس أن يتوضأ به وذلك أن يقع فيه البان أو القطران فيظهر ريحه أو ما أشبهه وإن أخذ ماء فشيب به لبن أو سويق أو عسل فصار الماء مستهلكا فيه لم يتوضأ به لان الماء مستهلك فيه إنما يقال لهذا ماء سويق ولبن وعسل مشوب وإن طرح منه فيه شئ قليل يكون ما طرح فيه من سويق ولبن وعسل مستهلكا فيه ويكون لون الماء الظاهر ولا طعم لشئ من هذا فيه توضأ به وهذا ماء بحاله وهكذا كل ما خالط الماء من طعام وشراب وغيره إلا ما كان الماء قارا فيه فإذا كان الماء قارا في الارض فأنتن أو تغير توضأ به لانه لا اسم له دون الماء وليس هذا كما خلط به مما لم يكن فيه ولو صب على الماء ماء ورد فظهر ريح ماء الورد عليه لم يتوضأ به لان الماء مستهلك فيه والماء الظاهر لا ماء الورد (قال) وكذلك لو صب عليه قطران فظهر ريح القطران في الماء لم يتوضأ به وإن لم يظهر توضأ به لان القطران وماء الورد يختلطان بالماء فلا يتميزان منه ولو صب فيه دهن طيب أو ألقى فيه عنبر أو عود أو شئ ذو ريح لا يختلط بالماء فظهر ريحه في الماء توضأ به لانه ليس في الماء شئ منه يسمى الماء مخوضا به (1) ولو
__________
(1) قوله " مخوضا به " كذا في النسخ التي بأيدينا وفي اللسان: وخاض الشراب في المجدح وخوضه خلطه وحركه كتبه مصححه:(1/20)
كان صب فيه مسك أو ذريرة أو شئ ينماع في الماء حتى يصير الماء غير متميز منه فظهر فيه ريح لم يتوضأ به لانه حينئذ ماء مخوض به وإنما يقال له ماء مسك مخوض وذريرة مخوضة وهكذا كل ما ألقى فيه من المأكول من سويق أو دقيق ومرق وغيره إذا ظهر فيه الطعم والريح مما يختلط فيه لم يتوضأ به لان الماء حينئذ منسوب إلى ما خالطه منه (1).
فضل الجنب وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من القدح وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر إنه كان يقول إن الرجال والنساء كانوا يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء عن ابن عباس عن ميمونة أنها كانت تغتسل هي والنبى صلى الله عليه وسلم من إناء واحد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم عن معاذة العدوية عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فربما قلت له أبق لى أبق لى (قال الشافعي) روى عن سالم أبى النضر عن القاسم عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فلا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض لان رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وعائشة من إناء واحد من الجنابة فكل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه وليست الحيضة في اليد وليس ينجس المؤمن إنما هو تعبد بأن يماس الماء في بعض حالته دون بعض.
ماء النصراني والوضوء منه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب توضأ من ماء نصرانية في جرة نصرانية (قال الشافعي) ولا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم يعلم فيه نجاسة لان للماء طهارة عند من كان وحيث كان حتى تعلم نجاسة خالطته.
(1) في بعض النسخ هنا زيادة نحو أربع ورقات نصها: ما ينجس الماء مما خالطه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب ".
(قال الشافعي) وآنيتهم إنما كانت الصحاف أو الشئ اليسير الذي لا يسع القربة =(1/21)
[ باب الآنية التي يتوضأ فيها ولا يتوضأ (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد كان اعطاها مولاة لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال فهلا انتفعتم بجلدها قالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخبرنا ابن عيينة عن زيد بن أسلم سمع ابن وعلة سمع ابن عباس سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أيما إهاب دبغ فقد طهر أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دبغ الاهاب فقد طهر أخبرنا مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت (قال الشافعي) فيتوضأ في جلود الميتة كلها إذا دبغت وجلود ما لا يؤكل لحمه من السباع قياسا عليها إلا جلد الكلب والخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ لان النجاسة فيهما وهما حيان قائمة وإنما يطهر بالدباغ ما لم يكن نجسا حيا.
والدباغ بكل ما دبغت به العرب من قرظ وشب وما عمل عمله مما يمكث فيه الاهاب حتى ينشف فضوله ويطيبه ويمنعه الفساد ] = أو قريبا منها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تنجس (قال) وليس في حى من بنى آدم ولا البهائم نجاسة إلا في أن يماس نجاسة وكل ما أدخل فيه آدمى مسلم أو كافر يده أو شربت منه دابة ما كانت فليس ينجسه إلا دابتان الكلب والخنزير فإن قال قائل: إذ زعمت أن الكلب والخنزير ينجسان فكيف زعمت أن غيرهما مما لا يؤكل لحمه أو من البهائم التي يؤكل لحمها التي لا تعقل النظافة لا تنجس؟ قيل زعمته خبرا وقياسا على الخبر الذي ينبغي أن يقاس عليه فإن قال وما الخبر الذي أسقط نجاستها قيل أخبرنا ابن أبى يحيى عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر قال قيل يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن حميدة ابنة عبيد ابن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة أن أبا قتادة دخلت فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فأصغى لها الاناء حتى شربت قالت فرأني أنظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من
الطوافين عليكم أو الطوافات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل الحمر الاهلية وقد أمرنا بالوضوء من فضلها فإن قال كيف قست على هذا دون الكلب قيل هذا أكثر من الكلب والخنزير وهذا المعقول أن الحى لا يكون نجسا وإن لم يؤكل لحمه إنما تكون نجاسته بالموت ألا ترى أنه لا يحرم أن يركب الحمار مفضيا إليه بالثوب ثم لا ينجسه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على حمار متطوعا في السفر وأن الناس تبايعوها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان المعقول أولى أن يقاس عليه مما حرم تعبدا لا لمعنى يعرف فإن قال فهل في الكلب شئ يفرق بينه وبين ما سواه قيل نعم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمنه وعن اقتنائه إلا لمنفعة أو ضرورة وقال من اقتنى كلبا إلا كلب حرث أو ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان وقال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب " وأمر بقتل الكلاب ولم يحرم ثمن سبع ولا حمار ولم ينه عن اقتنائه بحال ولم يحرم ثمنه (1) =
__________
(1) قوله ولم يحرم ثمنه الخ كذا في النسخة التي ثبتت فيها هذه الزيادة وانظره مع ما قبله ولعلهما نسختان جمع بينهما الناسخ، وحرر، كتبه مصححه.(1/22)
[ إذا أصابه الماء ولا يطهر إهاب الميتة من الدباغ إلا بما وصفت وإن تمعط شعره فإن شعره نجس فإذا دبغ وترك عليه شعره فماس الماء شعره نجس الماء وإن كان الماء في باطنه وكان شعره ظاهرا لم ينجس الماء إذا لم يماس شعره فأما جلد كل ذكى يؤكل لحمه فلا بأس أن يشرب ويتوضأ فيه إن لم يدبغ لان طهارة الذكاة وقعت عليه فإذا طهر الاهاب صلى فيه وصلى عليه وجلود ذوات الارواح السباع وغيرها مما لا يؤكل لحمه سواء ذكيه وميته لان، الذكاة لا تحلها فإذا دبغت كلها طهرت لانها في معاني جلود الميتة إلا جلد الكلب والخنزير فإنهما لا يطهران بحال أبدا (قال) ولا يتوضأ ولا يشرب في عظم ميتة ولا عظم ذكى لا يؤكل لحمه مثل عظم الفيل والاسد وما أشبهه لان الدباغ والغسل لا يطهران العظم روى عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يكره أن يدهن في مدهن من عظام الفيل لانه ميتة (قال الشافعي) فمن توضأ في شئ منه أعاد الوضوء وغسل ما مسه من الماء الذي كان فيه.
الآنية غير الجلود
(قال الشافعي) ولا أكره إناء توضئ فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شئ غير ذوات الارواح إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيهما (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (قال الشافعي) فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء ولم أزعم ان الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الفعل من الشرب فيها معصية فإن قيل فكيف ينهى عنها ولا يحرم الماء فيها قيل له إن شاء الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الفعل فيها لا عن تبرها وقد فرضت فيها الزكاة وتمولها المسلمون ولو كانت نجسا لم يتمولها أحد ولم يحل بيعها ولا شراؤها ].
= ولم يؤثر أحدا باقتنائه ولم يقتله (وفي اختلاف الحديث) باب في الطهارة بالماء أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقال في الطهارة " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " فدل على أن الطهارة بالماء كله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب عن الثقة عبدة عمن حدثه أو عن عبد الله بن عبد الرحمن العدوى عن أبى سعيد الخدري أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بئر بضاعة تطرح فيها الكلاب والحيض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء لا ينجسه شئ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة من أصحابنا عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن موسى بن أبى عثمان عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أن مالكا جعل مكان ولغ شرب أخبرنا الربيع قال =(1/23)
باب الماء يشك فيه [ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان الرجل مسافرا وكان معه ماء فظن أن النجاسة خالطته فتنجس ولم يستيقن فالماء على الطهارة وله أن يتوضأ به ويشربه حتى يستقين مخالطة النجاسة بة وإن استيقن النجاسة وكان يريد أن يهريقه ويبدلة بغيره فشك أفعل أم لا فهو على النجاسة حتى يستيقن أنه أهراقه وأبدل غيره وإذا قلت في الماء فهو على النجاسة فليس له أن يتوضأ به وعليه أن يتيمم إن لم يجد غيره وله أن اضطر إليه أن يشربه لان في الشرب ضرورة خوف الموت وليس ذلك في الوضوء فقد جعل الله تبارك وتعالى التراب طهورا لمن لم يجد الماء وهذا غير واجد ماء يكون طهورا وإذا كان الرجل في السفر ومعه ماء ان استيقن أن أحدهما نجس والآخر لم ينجس فأهراق النجس منهما على الاغلب عنده أنه نجس توضأ بالآخر وإن خاف العطش حبس الذي الاغلب عنده أنه نجس وتوضأ بالطاهر عنده فإن قال قائل قد استيقن النجاسة في شئ فكيف يتوضأ بغير يقين الطهارة قيل له إنه استيقن النجاسة في شئ واستيقن الطهارة في غيره فلا نفسد عليه الطهارة إلا بيقين أنها نجسة والذي تآخى فكان الاغلب عليه عنده أنه غير نجس على أصل الطهارة لان الطهارة تمكن فيه ولم يستيقن النجاسة فإن قال فقد نجست عليه الآخر بغير يقين نجاسة قيل لا إنما نجسته عليه بيقين أن أحدهما نجس وأن الاغلب عنده أنه نجس فلم اقل في تنجيسه إلا بيقين رب الماء في نجاسة أحدهما والاغلب عنده أن هذا النجس منهما ] = أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخرهن بالتراب (قال الشافعي) فبهذه الاحاديث كلها تأخذ وليس منها واحد مخالف عندنا واحدا وأما حديث بئر بضاعة فإن بئر بضاعة كثيرة الماء واسعة كان يطرح فيها من الانجاس ما لا يغيرها لونا ولا طعما ولا يظهر له فيها ريح فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم نتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يطرح فيها كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم مجيبا الماء لا ينجسه شئ وكان جوابه محتملا كل ماء وإن قل وبينا أنه في الماء مثلها إذا كان مجيبا عليها فلما روى أبو هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا دل على أن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر بضاعة عليها وكان العلم أنه على مثلها وأكثر منها ولا يدل حديث بئر بضاعة وحده على أن أما دونها من الماء لا ينجس وكانت آنية الناس صغارا إنما هي الصحون والصحاف ومخاضب الحجارة وما أشبه ذلك مما يحلب فيه ويشرب ويتوضأ وكثير آنيتهم ما يحلب ويشرب فيه فكان في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات دليل على ان قدر ماء الاناء ينجس بمخالطة النجاسة وإن لم تغير له طعما ولا ريحا ولا لونا ولم يكن فيه بيان أن ما يجاوره وإن لم يبلغ قدر ماء بئر بضاعة لا ينجس فكان البيان الذي قامت به الحجة على من علمه في الفرق بين ما ينجس وبين ما لا ينجس من الماء الذي لم يتغير عن حاله وانقطع به الشك في حديث الوليد بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني =(1/24)
[ فإن استيقن بعد أن الذي توضأ به النجس والذي ترك الطاهر غسل كل ما أصاب ذلك الماء النجس من ثوب وبدن وأعاد الطهارة والصلاة وكان له أن يتوضأ بهذا الذي كان الاغلب عنده أنه نجس حتى استيقن طهارته ولو اشتبه الماآن عليه فلم يدر أيهما النجس ولم يكن عنده فيهما أغلب قيل له إن لم تجد ماء غيرهما فعليك أن تتطهر بالاغلب وليس لك أن تتيمم ولو كان الذي أشكل عليه الماآن أعمى لا يعرف ما يدله على الاغلب وكان معه بصير يصدقه وسعه أن يستعمل الاغلب عند البصير فإن لم يكن معه أحد يصدقه أو كان معه بصير لا يدري أي الاناءين نجس واختلط عليه أيهما نجس تآخى الاغلب وإن لم يكن له دلالة على الاغلب من أيهما نجس ولم يكن معه أحد يصدقه تأخى على أكثر ما يقدر عليه فيتوضأ ولا يتيمم ومعه ما أن أحدهما طاهر ولا يتيمم مع الوضوء لان التيمم لا يطهر نجاسة إن ماسته من الماء ولا يجب التيمم مع الماء الطاهر ولو توضأ بماء ثم ظن أنه نجس لم يكن عليه أن يعيد وضوءا حتى يستيقن أنه نجس والاختيار له أن يفعل فإن استيقن بعد الوضوء أنه نجس غسل كل ما أصاب الماء منه واستأنف وضوءا وأعاد كل صلاة صلاها بعد مماسته الماء النجس وكذلك لو كان على
وضوء فماس ماء نجسا أو ماس رطبا من الانجاس ثم صلى غسل ما ماس من النجس وأعاد كل صلاة صلاها بعد مماسته النجس وإن ماس النجس وهو مسافر ولم يجد ماءا تيمم وصلى وأعاد كل صلاة صلاها بعد مماسته النجس لان التيمم لا يطهر النجاسة المماسة للابدان (قال) فإذا وجد الرجل الماء القليل على الارض أو في بئر أو في وقر حجر أو غيره فوجده شديد التغير لا يدرى أخالطته نجاسة من بول دواب أو غيره توضأ به لان الماء قد يتغير بلا حرام خالطه فإذا أمكن هذا فيه فهو على الطهارة حتى يستيقن بنجاسة خالطته (قال) ولو رأى ماء أكثر من خمس قرب فاستيقن أن ظبيا بال فيه فوجد طعمه أو لونه متغيرا أو ريحه متغيرا كان نجسا وإن ظن أن تغيره من غير البول لانه قد استيقن بنجاسة خالطته ووجد التغير قائما فيه، والتغير بالبول وغيره يختلف ].
= ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا وفي الحديث بقلال هجر قال ابن جريج وقد رأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيأ (قال الشافعي) وقرب الحجاز قديما وحديثا كبار لعز الماء بها فإذا كان الماء خمس قرب كبار لم يحمل نجسا وذلك قلتان بقلال هجر وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا دلالتان إحداهما أن ما بلغ قلتين فأكثر لم يحمل نجسا لان القلتين إذ لم تنجسا لم ينجس أكثر منهما وهذا يوافق حمله حديث بئر بضاعة والدلالة الثانية أنه إذا كان أقل من قلتين حمل النجاسة لان قوله إذا كان الماء كذا لم يحمل النجاسة دليل على أنه إذا لم يكن كذا حمل النجاسة وما دون القلتين يوافق حمله حديث أبى هريرة أن، يغسل الاناء من شرب الكلب فيه وآنية القوم أو أكثر آنية الناس اليوم صغار لا تسع بعض قربة فأما حديث موسى بن أبي عثمان لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه فلا دلالة فيه على شئ يخالف حديث بئر بضاعة ولا إذا كان الماء قلتين لم نحمل نجسا ولا إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات لانه إن كان يعنى به الدائم الذي يحمل النجاسة فهو مثل حديث الوليد بن كثير وأبى هريرة وإن كان يعنى به كل ماء دائم دلت السنة في حديث الوليد بن كثير وحديث بئر بضاعة على أنه إنما نهى عن البول في كل ماء دائم يشبه أن يكون على الاختيار لا على أن البول ينجسه كما ينهى الرجل أن يتغوط على ظهر الطريق والظل والمواضع التي يأوى إليها الناس لما يتأذى به الناس من ذلك لا أن =(1/25)
[ ما يوجد الوضوء وما لا يوجبه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى: " إذ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم " الآية (قال الشافعي) فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت في خاص فسمعت من أرضى علمه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم (قال) وأحسب ما قال كما قال لان في السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإنه لا يدرى أين باتت يده أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فمن نام مضطجعا وجب عليه الوضوء لانه قائم من مضطجع (قال) والنوم غلبة على العقل فمن غلب على عقله بجنون أو مرض مضطجعا كان أو غير مضطجع وجب عليه الوضوء لانه في أكثر من حال النائم والنائم يتحرك الشئ فينتبه وينتبه من غير تحرك الشئ والمغلوب على عقله بجنون أو غيره يحرك فلا يتحرك (قال) وإذا نام الرجل قاعدا فأحب إلي له أن يتوضأ (قال) ولا يبين لي أن أوجب عليه الوضوء أخبرنا الثقة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون ] = الارض ممنوعة ولا أن التغوط محرم ولكن من رأى رجلا يبول في ماء ناقع قذر الشرب منه والوضوء به فإن قال قائل فإن جعلت حديث موسى بن أبي عثمان أيضا يضاد حديث بئر بضاعة وحديث الوليد بن كثير وجعلته على أن البول ينجس كل ماء دائم قيل فعليك حجة أخرى مع الحجة بما وصفت فإن قال وما هي قيل أرأيت رجلا بال في البحر أينجس بوله ماء البحر فإن قال لا قيل فالبحر ماء دائم وقيل له أتنجس المصانع الكبار فإن قال لا قيل فهي ماء دائم وإن قال نعم دخل عليه ماء البحر فإن قال وماء
البحر ينجس فقد خالف قول العامة مع خلافه السنة وإن قال لا هذا كثير قيل له فقل إذا بلغ الماء ما شئت لم ينجس فإن حددته بأقل ما يخرج من النجاسة قيل لك فإن كان أقل منه بقدح ماء فإن قلت ينجس (1) قيل فيعقل أبدا إذا كان ما آن تخالطهما نجاسة واحدة لا تغير منهما شيئا ينجس أحدهما ولا ينجس الآخر إلا بخبر لازم تعبد العباد باتباعه وذلك لا يكون إلا بخبر لازم عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بما وصفت من أن ينجس ما دون خمس قرب ولا ينجس خمس قرب فما فوقها فأما شئ سوى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقبل فيه أن ينجس ماء ولا ينجس آخر وهما لم يتغيرا إلا أن يجمع الناس فلا يختلفون فنتبع إجماعهم وإذا تغير طعم الماء أو لونه أو ريحه بمحرم يخالطه لم يطهر الماء أبدا حتى ينزح أو يصب عليه ماء كثير حتى يذهب منه طعم المحرم ولونه وريحه فإذا ذهب فعاد بحالة التي جعله الله بها طهورا أذهبت نجاسته وما قلت من أنه إذا تغير طعم =
__________
(1) قوله (قيل فيعقل) كذا في الاصل، ولعل المعنى على الاستفهام اه.(1/26)
[ احسبه قال قعودا حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام قاعدا ثم يصلي ولا يتوضأ (قال الشافعي) وإن نام قاعدا مستويا لم يجب عليه عندي الوضوء لما ذكرت من الآثار وإن معلوما أن كانت الآية نزلت في النائمين أن النائم مضطجع وأن معلوما أن من قيل له فلان نائم فلا يتوهم إلا مضطجعا ولا يقع عليه اسم النوم مطلقا إلا أن يكون مضجعا ونائم قاعدا بمعنى أن يوصل فيقال نام قاعدا كما يقال نام عن الشئ كان ينبغى أن ينتبه له من الرأى لا نوم الرقاد وإن النائم مضطجعا في غير حال النائم قاعدا لانه يستثقل فيغلب على عقله أكثر من الغلبة على عقل النائم جالسا وأن سبيل الحديث منه في سهولة ما يخرج منه وخفائه عليه غير سبيله من النائم قاعدا (قال) وإن زال عن حد الاستواء في القعود نائما وجب عليه الوضوء لان النائم جالسا يكل نفسه إلى الارض ولا يكاد يخرج منه شئ الا ينتبه وإذا زال كان في حد المضطجع بالموضع الذي يكون منه الحدث (قال) وإذا نام راكعا أو ساجدا أوجب عليه الوضوء لانة أحرى أن يخرج منه الحدث فلا يعلم به من المضطجع (قال) ومن نام قائما وجب عليه الوضوء لانه لا يكل نفسه إلى الارض وأن
يقاس على المضطجع بأن كلا مغلوب على عقله بالنوم أولى به من أن يقاس على القاعد الذي إنما سلم فيه للاثار وكانت فيه العلة التي وصفت من أنه لا يكل نفسه إلى الارض (قال) والنوم الذي يوجب الوضوء على من وجب عليه الوضوء بالنوم الغلبة على العقل كائنا ذلك ما كان قليلا أو كثيرا فأما من لم ] = الماء أو ريحه أو لونه كان نجسا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت مثله أهل الحديث فهو قول العامة لا أعلم بينهم فيه اختلافا ومعقول أن الحرام إذا كان جزءا في الماء لا يتميز منه كان الماء نجسا وذلك أن الحرام إذا ماس الجسد فعليه غسله فإذا كان يجب عليه غسله لوجوده في الجسد لم يجز أن يكون موجودا في الماء فيكون الماء طهورا والحرام قائم موجود فيه وكل ما وصفت في الماء الدائم وهو الراكد فأما الجاري فإذا خالطته النجاسة فجرى فالآتي بعد ما لم تخالطه النجاسة فهو لا ينجس وإذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه أو جميع ذلك بلا نجاسة خالطته لم ينجس إنما ينجس بالمحرم فأما غير المحرم فلا ينجس به وما وصفت من هذا في كل ما لم يصب على النجاسة يريد إزالتها فإذا صب على نجاسة يريد إزالتها فحكمه غير ما وصفت استدلالا بالسنة وما لم أعلم فيه مخالفا وإذا أصابت الثوب أو البدن النجاسة فصب عليها الماء ثلاثا ودلكت بالماء طهر وإن كان ما صب عليها من الماء قليلا فلا ينجس الماء بمماسة النجاسة إذا أريد به إزالتها عن الثوب لانه لو نجس بمماستها بهذه الحال لم يطهر وكان أذا غسل الغسلة الاولى نجس الماء ثم كان الماء الثاني يماس ماء نجسا فينجس والماء الثالث يماس ما نجسا فينجس ولكنها تطهر بما وصفت ولا يجوز في الماء غير ما قلت لان الماء يزيل الانجاس حتى يطهر منها ما ماسه ولا نجده ينجس إلا في الحال التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء ينجس فيها والدلالة عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف حكم الماء المغسول به النجاسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وهو يغسل سبعا بأقل من قدح ماء وفي غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدم الحيضة تقرص بالماء ثم تغسل وهي تقرص بماء قليل وتنضح فقال بعض من قال قد سمعت قولك في الماء فلو قلت لا ينجس الماء بحال للقياس على ما وصفت أن الماء يزيل الانجاس كان قولا لا يستطيع أحد رده ولكن زعمت أن الماء الذي يطهر به ينجس بعضه فقلت له إنى زعمته بالعرض من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ليس لاحد فيه الاطاعة الله بالتسليم =(1/27)
[ يغلب على عقله من مضطجع (1) وغير ما طرق بنعاس أو حديث نفس فلا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن أنه أحدث (قال) وسواء الراكب السفينة والبعير والدابة والمستوى بالارض متى زال عن حد الاستواء قاعدا أو نام قائما أو راكعا أو ساجدا أو مضطجعا وجب عليه الوضوء وإذا شك الرجل في نوم وخطر بباله شئ لم يدر أرؤيا أم حديث نفس فهو غير نائم حتى يستيقن النوم فإن استيقن الرؤيا ولم يستيقن النوم فهو نائم وعليه الوضوء والاحتياط في المسألة الاولى كلها أن يتوضأ وعليه في الرؤيا ويقين النوم وإن قل الوضوء (2) ].
= له فأدخل حديث موسى بن أبي عثمان لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه فأدخلت عليه ما وصفت من إجماع الناس فيما علمته على خلاف ما ذهب إليه منه ومن ماء المصانع الكبار والبحر فلم يكن عنده فيه حجة حدثنا الربيع قال قال (قال الشافعي) وقلت له ما علمتكم أتبعتم في الماء سنة ولا إجماعا ولا قياسا ولقد قلتم فيه أقاويل لعله لو قيل لعاقل تخاطى فقال ما قلتم لكان قد أحسن التخاطى ثم ذكرت فيه الحجج بما ذكرت من السنة (فقلت) له أفي أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة فقال لا وقلت أليست تثبت الاحاديث التي وصفت فقال أما حديث الوليد بن كثير وحديث ولوغ الكلب في الماء وحديث موسى بن أبى عثمان فتثبت بإسنادها وحديث بئر بضاعة فيثبت بشهرته وأنه معروف (فقلت) له لقد خالفتها كلها وقلت قولا اخترعته مخالفا للاخبار خارجا من القياس فقال وما هو (فقلت) أذكر القدر الذي إذا بلغه الماء الراكد لم ينجس فإذا نقص منه الماء الراكد نجس قال الذي إذا حرك أدناه لم يضطرب أقصاه (فقلت) له أقلت هذا خبرا؟ قال: لا قلت فقياسا؟ قال: لا، ولكن معقول أنه يختلط بتحريك الآدميين ولا يختلط (قلت) أرأيت إن حركته الريح فاختلط قال إن قلت إنه ينجس إذا اختلط ما تقول (قلت) فأقول أرأيت رجلا من البحر تضطرب أمواجها فتأتى من أقصاها إلى أن تفيض على الساحل إذا هاجمت الريح أتختلط؟ قال: نعم، قلت: أفتنجس تلك الرجل من البحر قال لا ولو قلت تنجس تفاحش على قلت فمن كلفك قولا يخالف السنة والقياس =
__________
(1) قوله وغير ما طرق الخ هكذا في جميع النسخ وانظر اه.
(2) وفي اختلاف مالك والشافعي رضى الله عنهما باب في النوم وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام وهو قاعد ثم يصلى ولا يتوضأ وهكذا يقول وإن طال ذلك فلا فرق بين طويله وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الارض ويقول إذا كان مضطجعا أعاد الوضوء (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه فقلت فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضؤه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) ولا يجوز في النوم قاعدا إلا أن يكون حكمه حكم المضطجع فقليله وكثيره سواء أو خارج من ذلك الحكم فلا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره فقلت للشافعي وإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضؤوه وإن تطاول ذلك توضأ فقال الشافعي فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره وخروج من أقاويل الناس قول ابن عمر كما حكى مالك وهو لا يرى في النوم قاعدا وضوءا وقال الحسن من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس فعليه الوضوء وقولكم خارج منهما جميعا اه.(1/28)
[ الوضوء من الملامسة والغائط (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " الآية (قال الشافعي) فذكر الله عزوجل الوضوء على من قام إلى الصلاة وأشبه أن يكون من قام من مضجع النوم وذكر طهارة الجنب ثم قال بعد ذكر طهارة الجنب " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا " فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبلة غير الجنابة أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء (قال الشافعي) وبلغنا عن ابن مسعود قريب من معنى قول ابن عمر وإذا أفضى الرجل بيده إلى امرأته أو ببعض ] = ويتفاحش عليك فلا تقوم منه على شئ أبدا (قال) فإن قلت ذلك قلت فيقال لك أيجوز في القياس
أن يكون ما آن خالطتهما نجاسة لم تغير شيئا لا ينجس أحدهما وينجس الآخران كان أقل منه بقدح قال لا (قلت) ولا يجوز إلا أن لا ينجس شئ من الماء إلا أن يتغير بحرام خالطه لانه يزيل الانجاس أو ينجس بكل ما خالطه قال ما يستقيم في القياس إلا هذا ولكن لا قياس مع خلاف خبر لازم (قلت) فقد خالفت الخبر اللازم ولم تقل معقولا ولم تقس وزعمت أن فأرة لو وقعت في بئر فماتت نزح منها عشرون أو ثلاثون دلوا ثم طهرت البئر فإن طرحت تلك العشرون أو الثلاثون دلوا في بئر أخرى لم ينزح منها إلا عشرون أو ثلاثون دلوا وإن كانت ميتة أكبر من ذلك نزح منها أربعون أو ستون دلوا فمن وقت لك هذا في الماء الذي لم يتغير بطعم حرام ولا لونه ولا ريحه أن ينجس بعض الماء دون بعض أينجس بعضه أم ينجس كله قال بل ينجس كله (قلت) فرأيت شيئا سقط ثم تنجس كله فيخرج بعضه فتذهب النجاسة من الباقي منه أتقول هذا في سمن ذائب أو غيره؟ قال أليس هذا بقياس ولكنا اتبعنا فيه الاثر عن على وابن عباس رضى الله عنهم (قلت) أفتخالف كا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قول غيره قال لا (قلت) فقد فعلت وخالفت مع ذلك عليا وابن عباس زعمت ان عليا قال إذا وقعت الفأرة في بئر نزح منها سبعة أو خمسة دلاء وزعمت أنها لا تطهر إلا بعشرين أو ثلاثين وزعمت أن ابن عباس نزح زمزم من زنجى وقع فيها وأنت تقول يكفى من ذلك أربعون أو ستون دلوا قال فلعل البئر تغيرت بدم قلت فنحن نقول إذا تغيرت بدم لم تطهر أبدا حتى لا يوجد فيها طعم دم ولا لونه ولا ريحه وهذا لا يكون في زمزم ولا فيما هو أكثر ماء منها وأوسع حتى ينزح فليس لك في هذا شئ وهذا عن على وابن عباس غير ثابت وقد خالفتهما لو كان ثابتا وزعمت لو أن رجلا كان جنبا فدخل في بئر ينوي الغسل من الجنابة نجس البئر ولم يطهر ثم هكذا إن دخل ثانية ثم يطهر الثالثة فإذا كان ينجس أولا ثم ينجس ثانية وكان نجسا قبل دخوله أولا ولم يطهر بها ولا ثانية أليس قد ازداد في قولك نجاسة فانه كان نجسا بالجنابة ثم زاده نجاسة بمماسته الماء النجس فكيف يطهر بالثالثة ولم يطهر بالثانية قبلها ولا بالاولى قبل للثانية قال إن من أصحابنا من قال لا يطهر أبدا قلت وذلك يلزمك، قال يتفاحش ويتفاحش ويخرج من أقاويل الناس (قلت) فمن كلفك خلاف السنة وما يخرج من أقاويل الناس وقلت له وزعمت أنك إن أدخلت يدك في بئر تنوي بها أن توضئها نجست البئر كلها لانه ماء توضئ به =(1/29)
[ جسده إلى بعض جسدها لا حائل بينه وبينها بشهوة أو بغير شهوة وجب عليه الوضوء ووجب عليها وكذلك إن لمسته هي وجب عليه وعليها الوضوء وسواء في ذلك كله أي بدنيهما أفضى إلى الآخر إذا أفضى إلى بشرتها أو أفضت إلى بشرته بشئ من بشرتها فإن أفضى بيده إلى شعرها ولم يماس لها بشرا فلا وضوء عليه كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة كما يشتهيها ولا يمسها فلا يجب عليه وضوء ولا معنى للشهوة لانها في القلب إنما المعنى في الفعل والشعر مخالف للبشرة (قال) ولو احتاط فتوضأ إذا لمس شعرها كان أحب إلى ولو مس بيده ما شاء فوق بدنها من ثوب رقيق خام أو بت أو غيره أو صفيق متلذذا أو غير متلذذ وفعلت هي ذلك لم يجب على واحد منهما وضوء لان (1) كلاهما لم يلمس صاحبه إنما لمس ثوب صاحبه قال الربيع سمعت الشافعي يقول اللمس بالكف ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة قال الشاعر: وألمست كفى كفه أطلب الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدى فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى * أفدت وأعداني فبذرت ما عندي (2) ] = ولا تطهر حتى تنزح كلها وإذا سقطت فيها ميتة طهرت بعشرين دلوا أو ثلاثين دلوا فزعمت أن البئر بدخول اليد التى لا نجاسة فيها تنجس كلها فلا تطهر أبدا وأنها تطهر من الميتة بعشرين دلوا أو ثلاثين هل رأيت أحدا قط زعم ان يد مسلم تنجس أكثر مما تنجسه الميتة وزعمت أنه إن أدخل يده ولا ينوي وضوءا طهرت يده للوضوء ولم تنجس البئر أو رأيت أن لو ألقى فيها جيفة لا ينوي تنجيسها أو ينويه أو لا ينوى شيئا أذلك سواء قال نعم النجاسة كلها سواء ونيته لا تصنع في الماء شيئا (قلت) وما خالطه إما طاهر وإما نجس قال نعم (قلت) فلم زعمت أن نيته في الوضوء تنجس الماء إني لاحسبكم لو قال هذا غيركم لبلغتم به إلى أن تقولوا القلم عنه مرفوع فقال لقد سمعت أبا يوسف يقول قول الحجازيين في الماء أحسن من قولنا وقولنا فيه خطأ (قلت) وأقام عليه وهو يقول هذا فيه قال قد رجع أبو يوسف فيه إلى قولكم نحوا من شهرين ثم رجع عن قولكم (قلت) ما زاد رجوعه إلى قولنا قوة ولا وهنه رجوعه عنه وما فيه معنى إلا أنك تروى عنه ما تقوم عليه به الحجة من أن يقيم على قوله وهو يراه خطأ (قلت) له
زعمت أن رجلا إن وضأ وجهه ويديه لصلاة ولا نجاسة على وجهه ولا يديه في طست نظيف فإن أصاب الماء الذي في ذلك الطست ثوبه لم ينجسه وإن صب على الارض لم ينجسها ويصلى عليها رطبة كما هي ثم إن صب في بئر نجس البئر كلها ولم تطهر أبدا إلا بأن ينزح ماؤها كلها ولو أن قدر الماء الذي وضأ به وجهه ويديه كان في إناء فوقعت فيه ميتة نجسته وإن مس ثوبا نجسه ووجب غسله وإن صب على الارض لم يصل عليها رطبة وإن صب في بئر طهرت البئر بأن ينزح منها عشرون أو ثلاثون دلوا أزعمت أن الماء الطاهر أكثر نجاسة من الماء النجس (قال) فقال ما أحسن قولكم في الماء (قلت) =
__________
(1) (قوله كلاهما) كذا في جميع النسخ وهو على لغة القصر اه.
(2) وفي اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما عمرو بن القاسم عن الاعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبد الله قال القبلة من اللمس وفيها الوضوء عن شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله مثله وهم يخالفون هذا فيقولون: لا وضوء من القبلة.
ونحن نأخذ بأن في القبلة الوضوء، وقال ذلك ابن عمر وغيره.(1/30)
[ الوضوء من الغائط والبول والريح (قال الشافعي) ومعقول إذ ذكر الله تبارك وتعالى الغائط في آية الوضوء أن الغائط الخلاء فمن تخلى وجب عليه الوضوء أخبرنا سفيان قال حدثنا الزهري قال أخبرني عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد قال شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه الشئ في الصلاة فقال لا ينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (قال الشافعي) فلما دلت السنة على أن الرجل ينصرف من الصلاة بالريح كانت الريح من سبيل الغاءط وكان الغائط أكثر منها أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الاعرج عن ابن الصمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال فتيمم، أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الاسود أن عليا ابن أبى طالب رضي الله تعالى عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله يخرج منه المذى ماذا عليه قال على فإن عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا استحيى أن أسأله قال المقداد فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه بماء وليتوضأ وضوءه للصلاة فدلت السنة على الوضوء من المذى والبول مع دلالتهما على الوضوء من خروج الريح فلم يجز إلا أن يكون جميع ما خرج من ذكر أو دبر من رجل أو امرأة أو قبل المراة الذي هو سبيل الحدث يوجب الوضوء وسواء ما دخل ذلك (1) من سبار أو حقنة ذكر أو دبر فخرج على وجهه أو يخلطه شئ غيره ففيه كله الوضوء لانه خارج من سبيل الحدث قال وكذلك الدود يخرج منه والحصاة وكل ما خرج من واحد ] = أفترجع إلى الحسن فما علمته رجع إليه ولا غيره ممن ترأس منه بلى (2) علمت ان من ازداد من قولنا في الماء بعد فقال إذا وقعت فأرة في بئر لم تطهر أبدا بأن يحفر تحتها بئر فيفرغ ماؤها فيها وينقل طينها وينزع بناؤها وتغسل مرات وهكذا ينبغي لمن قال قولهم هذا وفي هذا من خلاف السنة وقول أهل العلم ما لا يجهله عالم وقد خالفنا بعض أهل ناحيتنا فذهب إلى بعض قولهم في الماء والحجة عليه الحجة عليهم وخالفنا بعض الناس فقال لا يغسل الاناء من الكلب سبعا ويكفي فيه دون سبع فالحجة عليه في ثبوت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووافقنا بعض أهل ناحيتنا في غسل الاناء إذا ولغ الكلب فيه وأن يهراق الماء ثم عاد فقال إن ولغ الكلب بالبادية في اللبن شرب اللبن وأكل وغسل الاناء لان الكلاب لم تزل بالبادية فشغلنا العجب من هذا القول عما وصفنا من قول غيره أرأيت إذ زعم أن الكلب يلغ في اللبن فينجس الاناء بمماسة اللبن الذي ماسه لسان الكلب حتى يغسل فكيف لا ينجس اللبن وإذا نجس اللبن فكيف يؤكل أو يشرب فإن قال لا ينجس اللبن فكيف ينجس الاناء بمماسة اللبن واللبن غير نجس أو رأيت قولك ما زالت الكلاب بالبادية فمن أخبره أنها إذا كانت بالبادية لا تنجس وإذا كانت بالقرية نجست أترى أن البادية تطهرها أرأيت إذا كان الفأر والوزغان بالقرية أكثر من الكلاب بالبادية وأقدم منها أو في مثل قدمها أو أحرى أن لا تمتنع منها أفرأيت إذا وقعت فأرة أو وزغ أو بعض دواب البيوت في سمن أو لبن أو ماء قليل أينجسه قال فإن قال لا ينجسه في القرية لانه لا يمتنع =
__________
(1) قوله من سبار الخ في القاموس السيار ككتاب والمسبار ما يسبر به الجرح اه كتبه مصححه (2) قوله علمت أن من الخ كذا في الاصل بزيادة " أن " وانظره: " كتبه مصححه.(1/31)
[ من الفروج ففيه الوضوء وكذلك الريح تخرج من ذكر الرجل أو قبل المرأة فيها الوضوء كما يكون الوضوء في الماء وغيره يخرج من الدبر قال ولما كان ما خرج من الفروج حدثا ريحا أو غير ريح في حكم الحدث ولم يختلف الناس في البصاق يخرج من الفم والمخاط والنفس يأتي من الانف والجشاء المتغير وغير المتغير يأتي من الفم لا يوجب الوضوء دل ذلك على أن لا وضوء في قئ ولا رعاف ولا حجامة ولا الشئ خرج من الجسد ولا أخرج منه غير الفروج الثلاثة القبل والدبر والذكر لان، الوضوء ليس على النجاسة ما يخرج ألا ترى أن الريح تخرج من الدبر ولا تنجس شيئا فيجب بها الوضوء كما يجب بالغائط ان المنى غير نجس والغسل يجب به وإنما الوضوء والغسل تعبد قال وإذا قاء الرجل غسل فاه وما صاب القئ منه لا يجزيه غير ذلك وكذلك إذا رعف غسل ما ماس الدم من أنفه وغيره ولا يجزيه غير ذلك ولم يكن عليه وضوء وهكذا إذا خرج من جسده دم أو قيح أو غير ذلك من النجس ولا ينجس عرق جنب ولا حائض من تحت منكب ولا مأبض ولا موضع متغير من الجسد ولا غير متغير فإن قال ] = أن يموت في بعض آنيتهم وينجسه في البادية فقد سوى بين قوليه وزاد في الخطأ وإن قال ينجسه قيل فكيف لم تقل هذا في الكلب في البادية وأهل البادية يضبطون أوعيتهم من الكلاب ضبطا لا يقدر عليه أهل القرية من الفأر وغيره لانهم يوكئون على ألبانهم القرب ويقل حبسه عندهم لانه لا يبقى لهم ولا يبقونه لانه مما لا يدخر ويكفئون عليه الآنية ويزجرون الكلاب عن مواضعه ويضربونها فتنزجر ولا يستطاع شئ من هذا في الفأر ولا دواب البيوت بحال وأهل البيوت يدخرون أدامهم وأطعمتهم للسنة وأكثر فكيف قال هذا في أهل البادية دون أهل القرية وكيف جاز لمن قال ما أحكى أن يعيب أحدا بخلاف الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عيبا يجاوز فيه القدر والذي عابه لم يعد أن رد الاخبار ولم يدع من قبولها (1) ما يكترث به على قائله أو أسهر احد من رد الاخبار ووجهها وجوها تحتملها أو لسبه بها فعبنا مذهبه وعابه ثم شركهم في بعض أمورهم فرد هذا من الاخبار بلا وجه تحتمله وزاد ان ادعى الاخبار وهو يخالفها وفي رد من ترك أسوأ السر والعلانية ما لا يشكل على من سمعه.
وفي اختلاف على وابن مسعود رضى الله عنهما خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء بن السائب عن أبى البختري عن على رضى الله عنه في الفأرة تقع في البئر فتموت قال تنزح حتى تغلبهم (قال) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما
نحن فنقول بما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا وأما هم فيقولون ينزح منها عشرون أو ثلاثون دلوا.
وفي أواخر الام في اختلاف مالك والشافعي رضى الله عنهما.
باب الكلب يلغ في الاناء قال الربيع سألت الشافعي رضي الله عنه عن الكلب يلغ في الاناء لا يكون فيه قلتان أو في اللبن أو المرق فقال يهراق الماء واللبن والمرق ولا ينتفعون به ويغسل الاناء سبع مرات وما مس ذلك الماء واللبن من ثوب وجب غسله لانه نجس فقلت وما الحجة في ذلك فقال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن =
__________
(1) قوله ما يكترث الخ هكذا في الاصل الذى بيدنا ولا تخلو العبارة من تحريف فحررها أصل صحيح كتبه مصححه.(1/32)
[ قائل وكيف لا ينجس عرق الجنب والحائض؟ قيل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض بغسل دم الحيض من ثوبها ولم يأمرها بغسل الثوب كله والثوب الذي فيه دم الحيض الازار ولا شك في كثرة العرق فيه وقد روى عن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يعرقان في الثياب وهما جنبان ثم يصليان فيها ولا يغسلانها وكذلك روى عن غيرهما أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة ابنة المنذر قالت سمعت جدتي أسماء بنت أبى بكر تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: حتيه ثم أقرصيه بالماء ثم رشيه ثم صلى فيه اخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبى بكر أنها قالت سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعرق في الثوب وهو جنب ثم يصلى فيه (قال) ومن توضأ وقد قاء فلم يتمضمض أو رعف فلم يغسل ما ماس الدم منه أعاد بعد ما يمضمض ويغسل ما ماس الدم منه لانه صلى وعليه نجاسة لا لان وضوءه انتقض.
(باب الوضوء من مس الذكر (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع ] = الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات (قال الشافعي) رضى الله عنه فكان بينا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان
الكلب يشرب الماء في الاناء فينجس الاناء حتى يجب غسله سبعا إنه انما نجس بمماسة الماء إناءه فكان الماء أولى بالنجاسة من الاناء الذي إنما نجس بمماسته وكان الماء الذي هو طهور إذا نجس فاللبن والمرق الذي ليس بطهور أولى أن ينجس بما ينجس الماء فقلت للشافعي فإنا نزعم أن الكلب إذا شرب في الاناء فيه اللبن بالبادية شرب اللبن وغسل الاناء سبعا لان الكلاب لم تزل بالبادية فقال الشافعي هذا الكلام المحال أبعد والكلب أن يكون ينجس ما شرب منه ولا يحل شرب النجس ولا أكله أو لا ينجسه ولا يغسل الاناء منه ولا يكون بالبادية فرض من النجاسة إلا وبالقرية مثله وهذا خلاف السنة والقياس والمعقول والعلة الضعيفة وكذا قولكم لم تزل الكلاب بالبادية حجة عليكم فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسل الاناء من شرب الكلب سبعا والكلاب بالبادية في زمانه وقبله إلى اليوم فهل زعمتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك على أهل القرية دون أهل البادية أو أهل البادية دون أهل القرية أو زعم لكل ذلك أحد من أئمة المسلمين أو فرق الله عزوجل بين ما ينجس بالبادية والقرية أو رأيت أهل البادية هل زعموا لكم أنهم يلقون إلبانهم للكلاب ما تكون الكلاب مع أهل البادية إلا ليلا لانها تسرح مع مواشيهم ولهم أشح على ألبانهم وأشد لها إبقاء من أن يخلوا بين الكلاب وبينها وهل قال لكم أحد من أهل البادية ليس يتنجس بالكلب وهم أشد تحفظا من غيرهم أو مثلهم أو لو قاله لكم منهم قائل أيؤخذ الفقه من أهل البادية وإن اعتللتم بأن الكلاب مع أهل البادية أفرأيتم إن اعتل عليكم مثلكم من أهل الغباوة بأن يقول الفأرة والوزغان (1) والحلكى والدواب لاهل القرية أكرم =(1/33)
[ عروة ابن الزبير يقول دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان ومن مس الذكر الوضوء فقال عروة ما علمت ذلك فقال مروان أخبرتني بسرة ابنة صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " أخبرنا سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي عن سعيد ابن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شئ فليتوضأ " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع وابن أبى فديك عن ابن أبي ذئب عن عقبة ابن عبد الرحمن عن محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ وزاد ابن نافع فقال عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعت غير واحد من الحفاظ يرويه ولا يذكر فيه جابرا (قال) وإذا أفضى الرجل ببطن كفه إلى ذكره ليس بينها وبينه ستر وجب عليه الوضوء قال وسواء كان عامدا أو غير عامد لان كل ما أوجب الوضوء بالعمد أوجبه بغير العمد قال وسواء قليل ما ماس ذكره وكثيره وكذلك لو مس دبره أو مس قبل امرأته أو دبرها أو مس ذلك من صبى أوجب عليه الوضوء فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء وسواء مس ذلك من حى أو ميت وإن مس شيئا من هذا من بهيمة لم يجب عليه وضوء من قبل أن الآدميين لهم حرمة وعليهم تعبد وليس للبهائم ولا فيها مثلها وما ماس من محرم من رطب دم أو قيح أو غيره غسل ما ماس منه ولم يجب عليه وضوء وإن مس ذكره بظهر كفه أو ذراعه أو شئ غير بطن كفه لم يجب عليه الوضوء فإن قال قائل: فما فرق بين ما وصفت؟ قيل الافضاء باليد إنما هو ببطنها كما تقول أفضي بيده مبايعا وأفضى بيده إلى الارض ساجدا أو إلى ركبتيه راكعا فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالوضوء منه إذا أفضى به إلى ذكره فمعلوم أن ذكره يماس فخذيه وما قارب من ذلك من جسده فلا يوجب ذلك عليه أبولاله السنة وضوءا فكل ما جاوز بطن الكف كما ماس ذكره مما وصفت وإذا كان مماستان توجب بأحدهما ولا توجب بالاخرى وضوءا كان القياس على أن لا يجب وضوء مما لم يمسا لان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن ما ماس ما هو أنجس من الذكر لا يتوضأ أخبرنا سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب قال: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلى فيه (قال الشافعي) وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدم الحيض أن يغسل باليد ولم يأمر بالوضوء منه فالدم أنجس من الذكر (قال) وكل ما ماس من نجس قياسا عليه بأن لا يكون منه وضوء وإذا كان هذا في النجس فما ليس بنجس أولى أن لا يوجب وضوءا إلا ما جاء فيه الخبر بعينه (قال) وإذا ماس نجسا رطبا أو نجسا يابسا ] = من الكلاب لاهل البادية وأهل القرية أقل امتناعا من الفأر ودواب البيوت من أهل البادية من الكلاب وإذا ماتت فأرة أو دابة في ماء رجل قليل أو زيته أو لبنه أو مرقه لم تنجسه هل الحجة عليه إلا
أن يقال الذى ينجس في الحال التي ينجس فيها ينجس ما وقع فيه كان كثيرا بقرية أو بادية أو قليلا فكذلك الكلاب بالبادية والفأر والدواب بالقرية أولى أن لا تنجس إن كان فيما ذكرتم حجة وما علمت احدا روى عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين انه قال فيه إلا أن من أهل زماننا من قال يغسل الاناء من الكلب مرة واحدة فكلهم قال ينجس جميع ما شرب منه الكلب من ماء ولبن ومرق وغيره (قال الشافعي) إن ممكن تكلم في العلم من يختال فيه فيشبه والذي =(1/34)
[ وهو رطب وجب عليه أن يغسل ما ماسه منه وما ماسه من نجس ليس برطب وليس ما ماس منه رطبا لم يجب عليه غسله ويطرحه عنه أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال إن الريح لتسفى علينا الروث والخرء اليابس فيصيب وجوهنا وثيابنا فننفضه أو قال فنمسحه ثم لا نتوضأ ولا نغسله (قال الشافعي) وكل ما قلت يوجب الوضوء على الرجل في ذكره أوجب على المرأة إذا مست فرجها أو مست ذلك من زوجها كالرجل لا يختلفان أخبرنا القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر " قال الربيع أظنه عن عبيد الله ابن عمر " عن القاسم عن عائشة قالت إذا مست المرأة فرجها توضأت (قال) وإذا مس الرجل ذكره بينه وبينه شئ ما كان إلا أنه غير مفض إليه لم يكن عليه وضوء فيه رق ما بينه وبينه أو صفق.
باب لا وضوء مما يطعم أحد (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن رجلين أحدهما جعفر بن عمرو بن أمية الضمرى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ (قال الشافعي) فبهذا نأخذ فمن أكل شيئا مسته نار أو لم تمسه لم يكن عليه وضوء وكذلك لو اضطر إلى ميتة فأكل منها لم يجب عليه وضوء منه أكلها نيئة أو نضيجة وكان عليه أن يغسل يده وفاه وما مست الميتة منه لا يجزيه غير ذلك فإن لم يفعل غسله وأعاد كل صلاة صلاها بعد أكلها وقبل غسله ما ماست الميتة منه وكذلك كل محرم أكله لم تجز له الصلاة حتى يغسل ما ماس منه من يديه وفيه وشئ أصابه غيرهما وكل حلال أكله أو شربه فلا وضوء منه كان ذا ريح أو غير ذي ريح شرب ابن عباس لبنا ولم يتمضمض قال: ما
باليته بالة.
باب الكلام والاخذ من الشارب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا وضوء من كلام وإن عظم ولا ضحك في صلاة ولا غيرها (قال) وروى ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف باللات فليقل لا إله إلا الله قال ابن شهاب ولم يبلغني أنه ذكر في ذلك وضوءا (قال الشافعي) ولا وضوء في ذلك ولا في أذى أحد ولا قذف ولا غيره لانه ليس من سبيل الاحداث ] = رأيتكم تختالونه لا شبهة فيه ولا مؤنة على من سمعه في أنه خطأ إنما يكفى سامع قولكم أن يسمعه فيعلم أنه خطأ لا ينكشف بتكلف ولا بقياس يأتي به فإن ذهبتم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذا ماتت الفأرة في السمن الجامد أن تطرح وما حولها فدل ذلك على نجاستها فقد أخبر أن النجاسة تكون في الفأرة وهي في البيوت وإنما قال في الفأرة قولا عاما وفي الكلب قولا عاما فإن ذهبتم إلى أن الفأرة تنجس على أهل القرية ولا تنجس على أهل البادية فقد سويتم بين قوليكم وزدتم في الخطأ وإن قلتم أن ما لم يسم من الدواب غير الفأرة والكلب لا ينجس فاجعل الوزغ لا ينجس لانه لم يذكر فأما ان تقولوا الوزغ ينجس فلا خير فيه قياسا وتزعمون أن الكلب ينجس مرة ولا ينجس أخرى فلا يجوز هذا القول.(1/35)
[ (قال الشافعي) وروى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أعفوا اللحى وخذوا من الشوارب وغيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود " (قال الشافعي) فمن توضأ ثم أخذ من أظفاره ورأسه ولحيته وشاربه لم يكن عليه إعادة وضوء وهذا زيادة نظافة وطهارة وكذلك إن استحد ولو أمر الماء عليه لم يكن بذلك بأس ولم يكن فيه شئ وكذلك كل حلال أكله له ريح أو لا ريح له وشربه لبن أو غيره وكذلك لو ماس ذلك الحلال جسده وثوبه لم يكن عليه غسله قد شرب ابن عباس لبنا وصلى ولم يمس ماء (1).
باب في الاستنجاء (قال الشافعي) رحمة الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (قال الشافعي) فذكر الله تعالى الوضوء وكان مذهبنا أن ذلك إذا قام النائم من نومه (قال) وكان النائم يقوم من نومه لا محدثا خلاء ولا بولا فكان الوضوء الذي ذكر الله تعالى بدلالة السنة على من لم يحدث غائطا ولا بولا دون من أحدث غائطا أو بولا لانهما نجسان يماسان بعض البدن (قال) ولا استنجاء على أحد وجب عليه وضوء إلا بأن يأتي منه غائط أو بول فيستنجى بالحجارة أو الماء أخبرنا سفيان ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبى صالح عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وليستنج بثلاثة أحجار " ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجى الرجل بيمينه (قال الشافعي) الرمة العظم البالي قال الشاعر: أما عظامها فرم * وأما لحمها فصليب أخبرنا سفيان قال أخبرنا هشام بن عروة قال أخبرني أبو وجزة عن عمارة بن خزيمة عن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الاستنجاء بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجى الرجل بيمينه والثلاثة الاحجار ليس فيهن رجيع (قال الشافعي) فمن تخلى أو بال لم يجزه إلا أن يتمسح بثلاثة أحجار ثلاث مرات أو آجرات أو مقابس أو ما كان طاهرا نظيفا مما أنقى نقاء الحجارة إذا كان مثل التراب والحشيش والخزف وغيرها (قال) وإن وجد حجرا أو آجرة أو صوانة لها بثلاث وجوه
__________
(1) وترجم في اختلاف مالك والشافعي (الوضوء من الرعاف) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم يتكلم ومالك روى عن ابن عباس وابن المسيب مثله (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه كان يقول من أصابه رعاف أو من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور ابن مخرمة يستأنف ثم زعمتم أنه يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروى عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك لما رويتم عن ابن عمر وابن عباس وابن المسيب وفي رواية غيركم انه يبنى في المذى وزعمتم انه لا يبنى في المذى
وهذا له تعلق في البناء في الصلاة وسيأتى في موضعه إن شاء الله تعالى.(1/36)
[ فامتسح بكل واحد منها امتساحة كانت كثلاثة أحجار امتسح بها فإن امتسح بثلاثة أحجار فعلم أنه أبقى أثرا لم يجزه إلا أن يأتي من الامتساح على ما يرى أنه لم يبق أثرا قائما فأما أثر لا صق لا يخرجه إلا الماء فليس عليه إنقاؤه لانه لو جهد لم ينقه بغير ماء (قال) ولا يمتسح بحجر علم أنه امتسح به مرة إلا أن يعلم أن قد أصابه ماء طهره فإن لم يعلم طهره بماء لم يجزه الامتساح به وإن لم يكن فيه أثر وكذلك لو غسل بماء الشجر حتى يذهب ما فيه لم يجزه الامتساح به ولا يطهره إلا الماء الذي يطهر الانجاس (قال) ولا يستنجى بروثة للخبر فيه فإنها من الانجاس لانها رجيع وكذلك كل رجيع نجس ولا بعظم للخبر فيه فإنه وإن كان غير نجس فليس بنظيف وإنما الطهارة بنظيف طاهر ولا اعلم شيئا في معنى العظم إلا جلد ذكي غير مدبوغ فإنه ليس بنظيف وإن كان طاهرا فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا بأس أن يستنجى به (قال) ويستنجى الرقيق البطن والغليظ بالحجارة وما قام مقامها ما لم يعد الخلاء ما حوله مخرجه مما أقبل عليه من باطن الاليتين فإن خرج عن ذلك أجزأه فيما بين الاليتين أن يستنجى بالحجارة ولم يجزه فيما انتشر فخرج عنهما إلا الماء ولم يزل في الناس أهل رقة بطون وغلظها وأحسب رقة البطن كانت في المهاجرين أكثر لاكلهم التمر وكانوا يقتاتونه وهم الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستنجاء (قال) والاستنجاء من البول مثله من الخلاء لا يختلف وإذا انتشر البول على ما أقبل على الثقب أجزأه الاستنجاء وإذا انتشر حتى تجاوز ذلك لم يجزه فيما جاوز ذلك إلا الماء.
ويستبرئ البائل من البول لئلا يقطر عليه وأحب إلي أن يستبرئ من البول ويقيم ساعة قبل الوضوء ثم ينثر ذكره قبل الاستنجاء ثم يتوضأ (قال) وإذا استنجى رجل بشئ غير الماء لم يجزه أقل من ثلاثة أحجار وإن أنقى والاستنجاء كاف ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى ويقال إن قوما من الانصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) وإذا اقتصر المستنجي على الماء دون الحجارة أجزأه لانه أنقى من الحجارة وإذا استنجى بالماء فلا عدد في الاستنجاء إلا أن يبلغ من ذلك ما يرى أنه قد أنقى كل ما هنالك ولا أحسب ذلك يكون إلا في أكثر من ثلاث مرات
وثلاث فأكثر (قال) وإن كانت برجل بواسير وقروح قرب المقعدة أو في جوفها فسالت دما أو قيحا أو صديدا لم يجزه فيه إلا الاستنجاء بالماء ولا يجزيه الحجارة والماء طهارة الانجاس كلها والرخصة في الاستنجاء بالحجارة في موضعها لا يعدى بها موضعها وكذلك الخلاء والبول إذا عدوا موضعهما (1) فأصابوا غيره من الجسد لم يطهرهما إلا الماء ويستنجي بالحجارة في الوضوء من يجد الماء ومن لا يجده وإذا تخلى رجل ولم يجد الماء وهو ممن له التيمم لم يجزه إلا الاستنجاء ثم التيمم وإن تيمم ثم استنجى لم يجزه ذلك حتى يكون التيمم بعد الاستنجاء " قال الربيع وفيه قول ثان للشافعي يجزئه التيمم قبل الاستنجاء " وإذا كان قد استنجى بعده لم يمس ذكره ولا دبره بيده (قال الشافعي) وإذا وجب على الرجل الغسل لم يجزه في موضع الاستنجاء إلا الغسل (2).
__________
(1) قوله فأصابوا كذا في جميع النسخ بالواو ولعله من تحريف الناسخ والوجه التثنية كتبه مصححه.
(2) وترجم في اختلاف الحديث (استقبال القبلة للبول والغائط) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثى عن أبى أيوب الانصاري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا قال فقدمنا =(1/37)
[ باب السواك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشق على أمتى لامرتهم بالسواك عند كل وضوء ]
__________
= الشأم فوجدنا مراحيض قد بنيت من قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان يقول: إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس.
قال عبد الله بن عمر لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته (قال الشافعي) وليس يعد هذا اختلافا ولكنه من الجمل التي تدل على معنى المعد
(قال الشافعي) كان القوم عربا إنما عامة مذاهبهم في الصحارى وكثير من مذاهبهم لاحش فيها يسترهم فكان الذاهب لحاجته إذا استقبل القبلة أو استدبرها استقبل المصلى بفرجه أو استدبره لم يكن عليهم ضرورة في أن يشرقوا أو يغربوا أمروا بذلك وكانت البيوت مخالفة الصحراء فإذا كان بين أظهرها كان فيه مستترا لا يراه إلا من دخل أو أشرف عليه وكانت المذاهب بين المنازل متضايقة لا يمكن من التحرف فيها ما يمكن في الصحراء فلما ذكر ابن عمر ما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم من استقبال بيت المقدس وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل على أنه إنما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون المنازل (قال الشافعي) وسمع أبو أيوب من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلم ما علم ابن عمر من استقباله بيت المقدس لحاجته فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاض مستقبل الكعبة وتحرف لئلا يستقبل القبلة وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره ورأى ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في منزله مستقبلا بيت المقدس لحاجته فأنكر على من نهى عن استقبال القبلة لحاجته وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره أو لم يرو له عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ولعله سمعه منهم فرآه رأيا لهم لانهم لم يعزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن علم الامرين معا رآهما محتملين أن يستعملا استعملهما معا وفرق بينهما لان، الحال يتفرق فيهما بما قلنا وهذا يدل على أن خاص العلم لا يوجد إلا عند القليل وقلما يعم علم الخاص وهذا مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة جالسا والقوم خلفه قيام وجلوس فإن قيل فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها لغائط أو بول قيل له هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه ولو ثبت كان كحديث أبى أيوب وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسند حسن الاسناد أولى أن يثبت فيه لو خالفه فإن كان قول طاوس حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها فإنما سمع والله أعلم حديث أبى أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل ذلك على إكرام القبلة وهي أهل أن يكرم والحال في الصحراء كما حدث أبو أيوب وفي البيوت كما حدث ابن عمر لا أنهما يختلفان (قال الشافعي) وقد قيل إن الناس كانوا يبنون مساجد بحط حجارة في الطريق فنهى أن يستقبل للغائط والبول فيكون متغوطا في الساجد أو مستدبرا فيكون الغائط والبول بعين المصلى إليها ويتأذى بريحه وهذا في الصحارى منهى عنه بهذا الحديث وبغيره بأن يقال اتقوا
الملاعن وذلك أن يتغوط في ممر الناس في طريق من ظلال المسجد أو البيوت والشجر والحجارة وعلى ظهر الطريق ومواضع حاجة الناس في الممر والمنزل.(1/38)
[ وبتأخير العشاء " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي عتيق عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (قال الشافعي) في هذا دليل على أن السواك ليس بواجب وأنه اختيار لانه لو كان واجبا لامرهم به شق عليهم أو لم يشق (قال الشافعي) واستحب السواك عند كل حال يتغير فيه الفم وعند الاستيقاظ من النوم والازم وأكل كل ما يغير الفم وشربه وعند الصلوات كلها ومن تركه وصلى فلا يعيد صلاته ولا يجب عليه وضوء.
باب غسل اليدين قبل الوضوء (قال الشافعي) ذكر الله عزوجل الوضوء فبدأ فيه بغسل الوجه فدل على أن الوضوء على من قام من النوم كما ذكر الله عز وعلا دون البائل والمتغوط لان النائم لم يحدث خلاء ولا بولا وأحب غسل اليدين قبل إدخالهما الاناء للوضوء للسنة لا للفرض (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل إدخالهما في الوضوء فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده " أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وإذا أدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها وهو لا يستيقن أن شيئا من النجاسة ماسها لم يفسد وضوؤه وكذلك إن شك ان يكون ماسها فإن كان اليد قد ماسته نجاسة فأدخلها في وضوئه فإن كان الماء الذي توضأ به أقل من قلتين فسد الماء فأهراقه وغسل منه الاناء وتوضأ بماء غيره لا يجزئه غير ذلك وإن كان الماء قلتين أو أكثر لم يفسد الماء وتوضأ وطهرت يده بدخولها الماء إن كانت نجاسة لا أثر لها ولو كانت نجاسة لها أثر أخرجها وغسلها حتى يذهب الاثر ثم يتوضأ باب المضمضة والاستنشاق
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تبارك وتعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق الآية (قال الشافعي) فلم أعلم مخالفا في ان الوجه المفروض غسله في الوضوء ما ظهر دون ما بطن وأن ليس على الرجل أن يغسل عينية ولا أن ينضح فيهما فكانت المضمضة والاستنشاق أقرب إلى الظهور من العينين ولم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضئ فرضا ولم أعلم اختلافا في ان المتوضئ لو تركهما عامدا أو ناسيا وصلى لم يعد واحب إلي ان يبدأ المتوضئ بعد غسل يديه ان يتمضمض ويستنشق ثلاثا يأخذ بكفه غرفة لفيه وأنفه ويدخل الماء أنفه ويستبلغ بقدر ما يرى أنه يأخذ بخياشيمه ولا يزيد على ذلك ولا يجعله كالسعوط وإن كان صائما ورفق بالاستنشاق لئلا يدخل رأسه وإنما أكدت المضمضة والاستنشاق دون غسل العينين للسنة وأن الفم يتغير وكذلك الانف وأن الماء يقطع من تغيرهما وليست كذلك العينان وإن ترك متوضئ أو جنب المضمضة والاستنشاق وصلى لم تكن عليه اعادة لما وصفت وأحب الي أن لا يدعهما وإن تركهما أن يتمضمض ويستنشق ].(1/39)
[ باب غسل الوجه (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فاغسلوا وجوهكم " فكان معقولا أن الوجه ما دون منابت شعر لرأس إلى الاذنين واللحيين والذقن وليس ما جاوز منابت شعر الرأس الاغم من النزعتين من الرأس وكذلك أصلع مقدم الرأس ليست صلعته من الوجه وأحب إلي لو غسل النزعتين مع الوجه وإن ترك ذلك لم يكن عليه في تركه شئ فإذا خرجت لحية الرجل فلم تكثر حتى توارى من وجهه شيئا فعليه غسل الوجه كما كان قبل أن تنبت فإذا كثرت حتى تستر موضعها من الوجه فالاحتياط غسلها كلها ولا أعلمه يجب غسلها كلها وإنما قلت لا أعلم يجب غسلها كلها بقول الاكثر والاعم ممن لقيت وحكى لى عنه من أهل العلم وبأن الوجه نفسه ما لا شعر عليه إلا شعر الحاجب وأشفار العينين والشارب والعنفقة ألا ترى انه وجه دون ما أقبل من الرأس وما أقبل من الرأس وجه في المعنى لانه مواجه وإنما كان ما وصفت من حاجب وشارب وعنفقة وعليه شعر وجها من أن كله محدود من أعلاه وأسفله بشئ من الوجه مكشوف ولا يجوز أن يكون شئ من الوجه مكشوفا لا يغسل ولا أن يكون الوجه فهو واحد منقطعا أسفله وأعلاه وجنباه وجه وما بين هذا ليس بوجه واللحية فهي شيئان فعذار اللحية المتصل
بالصدغين الذي من ورائه شئ من الوجه والواصل به القليل الشعر في حكم الحاجبين لا يجزي فيه إلا الغسل له لانه محدود بالوجه كما وصفت وأن شعره لا يكثر عن أن يناله الماء كما ينال الحاجبين والشاربين والعنفقة وهي على الذقن وما والى الذقن من اللحيين فهذا مجتمع اللحية بمنقطع اللحية فيجزي في هذا أن يغسل ظاهر شعره مع غسل شعر الوجه ولا يجزى تركه من الماء ولا ارى ما تحت منابت مجتمع اللحية واجب الغسل وإذا لم يجب غسله لم يجب تخليله ويمر الماء على ظهر شعر اللحية كما يمره على وجهه وما مسح من مظاهر شعر الرأس لا يجزيه غير ذلك (1) وإن كان إبطا أو كان ما بين منابت لحيته منقطعا باديا من الوجه لم يجزه الا غسله وكذلك لو كان بعض شعر اللحية قليلا كشعر العنفقة والشارب وعذار اللحية لم يجزه إلا غسله وكذلك لو كانت اللحية كلها قليلا لا صقة كهي حين تنبت وجب عليه غسلها إنما لا يجب عليه غسلها إذا كثرت فكانت إذا أسبغ الماء على اللحية حال الشعر لكثرته دون البشرة فإذا كانت هكذا لم يجب غسل ما كان هكذا من مجتمع اللحية ووجب عليه إمرار الماء عليها بالغا منها حيث بلغ كما يصنع في الوجه وأحب أن يمر الماء على جميع ما سقط من اللحية عن الوجه وإن لم يفعل فأمره على ما على الوجه ففيها قولان أحدهما لا يجزيه لان اللحية تنزل وجها والآخر يجزيه إذا أمره على ما على الوجه منه.
باب غسل اليدين (قال الشافعي) قال الله عزوجل " وايديكم إلى المرافق) فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل كأنهم ذهبوا إلى ان معناها فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى ان تغسل المرافق ولا يجزي في غسل اليدين ]
__________
(1) قوله وإن كان إبطا كذا في جميع النسخ ولعل وجهه وإن كان ثطا، والثط هو القليل شعر اللحية والحاجبين كما في القاموس كتبه مصححه.(1/40)
[ ابدا إلا أن يؤتى على ما بين اطراف الاصابع إلى ان تغسل المرافق ولا يجزي إلا أن يؤتى بالغسل على ظاهر اليدين وباطنهما وحروفهما حتى ينقضى غسلهما وإن ترك من هذا شئ وإن قل.
لم يجز ويبدأ باليمنى من يديه قبل اليسرى فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى كرهت ذلك ولا أرى عليه إعادة وإذا كان المتوضئ
أقطع غسل ما بقي حتى يغسل المرفقين فإن كان أقطعهما من فوق المرفقين غسل ما بقي من المرفقين وإن كان أقطعهما من المرفقين ولم يبق من المرفقين شئ فقد ارتفع عنه فرض غسل اليدين وأحب إلي لو أمس أطراف ما بقي من يديه أو منكبيه غسلا وإن لم يفعل لم يضره ذلك.
باب مسح الرأس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى " وامسحوا برؤسكم " وكان معقولا في الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ولم تحتمل الآية إلا هذا وهو اظهر معانيها أو مسح الرأس كله ودلت السنة على ان ليس على المرء مسح الرأس كله وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه (قال الشافعي) إذا مسح الرجل بأى رأسه شاء إن كان لا شعر عليه وبأى شعر رأسه شاء باصبع واحدة أو بعض أصبع أو بطن كفه أو أمر من يمسح به أجزأه ذلك فكذلك إن مسح نزعتيه أو إحداهما أو بعضهما أجزأه لانه من رأسه (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد وابن علية عن ايوب عن محمد بن سيرين عن عمرو ابن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه.
(قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه إو قال ناصيته بالماء (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن على بن يحيى عن ابن سيرين عن المغيرة ابن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته أو قال مقدم رأسه بالماء (قال الشافعي) وإذا أذن الله تعالى بمسح الرأس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتما فحسر العمامة فقد دل على أن المسح على الرأس دونها وأحب لو مسح على العمامة مع الرأس وإن ترك ذلك لم يضره وإن مسح على العمامة دون الرأس لم يجزئه ذلك وكذلك لو مسح على برقع أو قفازين دون الوجه والذراعين لم يجزئه ذلك ولو كان ذا جمة فمسح من شعر الجمة ما سقط عن أصول منابت شعر الرأس ولم يجزئه ولا يجزئه إلا أن يمسح على الرأس نفسه أو على الشعر الذي على نفس الرأس لا الساقط عن الراس ولو جمع شعره فعقده في وسط رأسه فمسح ذلك الموضع وكان الذي يمسح به الشعر الساقط عن منابت شعر الرأس لم يجزه وإن كان مسح بشئ من الشعر على منابت الرأس بعدما أزيل عن منبته لم يجزه لانه
حينئذ شعر على غير منبته فهو كالعمامة ولا يجزى المسح على الشعر حتى يمسح على الشعر في موضع منابته فتقع الطهارة عليه كما تقع على الرأس نفسه والاختيار له أن يأخذ الماء بيديه فيمسح بهما رأسه معا يقبل بهما ويدبر يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما حتى يرجع إلى المكان الذي بدأ منه وهكذا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه أنه قال قلت لعبد الله بن زيد الانصاري هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فقال عبد الله بن زيد نعم ودعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه(1/41)
[ بيديه وأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذى بدأ منه ثم غسل رجليه (قال الشافعي) وأحب لو مسح رأسه ثلاثا وواحدة تجزئة وأحب أن يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما بماء غير ماء الرأس ويأخذ بأصبعيه الماء لاذنيه فيدخلهما فيما ظهر من الفرجة التي تفضي إلى الصماخ ولو ترك مسح الاذنين لم يعد لانهما لو كانتا من الوجه غسلتا معه أو من الرأس مسحتا معه أو وحدهما أجزأتا منه فإذا لم يكونا هكذا فلم يذكرا في الفرض ولو كانتا من الرأس كفى ماسحهما أن يمسح بالرأس كما يكفي مما يبقى من الرأس.
باب غسل الرجلين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " وأرجلكم إلى الكعبين " (قال الشافعي) ونحن نقرؤها وأرجلكم على معنى اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم (قال الشافعي) ولم أسمع مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكر الله عزوجل في الوضوء الكعبان الناتئان وهما مجمع مفصل الساق والقدم وأن عليهما الغسل كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين ولا يجزئ المرء إلا غسل ظاهر قدميه وباطنهما وعرقوبيهما وكعبيهما (1) حتى يستوظف كل ما أشرف من الكعبين عن أصل الساق فيبدأ فينصب قدميه ثم يصب عليهما الماء بيمينه أو يصب عليه غيره ويخلل أصابهما حتى يأتي الماء على ما بين أصابعهما ولا يجزئه ترك تخليل الاصابع إلا أن يعلم أن الماء قد اتى على جميع
ما بين الاصابع (قال الشافعي) أخبرنا يحى بن سليم قال حدثني أبو هاشم إسمعيل ابن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فلم نصادفه وصادفنا عائشة رضي الله عنها فأتتنا بقناع فيه تمر والقناع الطبق فأكلنا وأمرت لنا بحريرة فصنعت فأكلنا فلم نلبث أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل أكلتم شيئا هل أمر لكم بشئ؟ فقلنا نعم فلم نلبث أن دفع الراعي غنمه فإذا سخلة تيعر قال هيه يا فلان ما ولدت قال بهمة قال فاذبح لنا مكانها شاة ثم انحرف إلى وقال لي لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد فإذا ولد الراعى بهمة ذبحنا مكانها شاة قلت يا رسول الله أن لي امرأة في لسانها شئ يعني البذاء قال طلقها إذا قلت إن لي منها ولدا وإن لها صحبة قال فمرها يقول عظها فإن يك فيها خير فستعقل ولا تضربن ظعينتك كضربك أمتك قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (قال الشافعي) فإن كان في أصابعه شئ خلق ملتصقا غلغل الماء على عضويه حتى يصل الماء إلى ما ظهر من جلده لا يجزيه غير ذلك وليس عليه أن يفتق ما خلق مرتتقا منهما (2).
(1) قوله حتى يستوظف أي يستوعب، ففي القاموس استوظفه استوعبه.
كتبه مصححه.
(2) وفي اختلاف الحديث (المختلفات التي يوجد على ما يوجد منها دليل على غسل القدمين ومسحهما) (قال الشافعي) نحن نقرأ آية الوضوء " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " وننصب وأرجلكم على معنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وأمسحوا برءوسكم وعلى ذلك عندنا دلالة السنة والله اعلم (قال الشافعي) والكعبان اللذان أمر بغسلهما =(1/42)
[ باب مقام الموضئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قام رجل يوضئ رجلا قام عن يسار المتوضئ لانه أمكن له من الماء وأحسن في الادب وإن قام عن يمينه أو حيث قام إذا صب عليه الماء فتوضأ أجزأه لان الفرض إنما هو في الوضوء لا في مقام الموضئ.
باب قدر الماء الذي يتوضأ به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن اسحق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس بن ] = ما أشرف من مجمع مفصل الساق والقدم والعرب تسمى كل ما أشرف واجتمع كعبا حتى تقول كعب سمن (قال الشافعي) فذهب عوام أهل العلم أن قول الله عزوجل " وأرجلكم إلى الكعبين " كقوله تعالى " وأيديكم إلى المرافق) وأن المرافق والكعبين مما يغسل أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عمر أن بن بشير بن محرز عن سالم سبلان مولى النضريين قال خرجنا مع عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فكانت تخرج بأبي حتى يصلى بها قال فأتى عبد الرحمن بن أبي بكر بوضوء فقالت عائشة أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للاعقاب من النار يوم القيامة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد ابن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت لعبد الرحمن أسبغ الوضوء يا عبد الرحمن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للاعقاب من النار (قال الشافعي) ولا يجزئ متوضئا إلا أن يغسل ظهور قدميه وبطونهما وأعقابهما وكعبيه معا (قال الشافعي) وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظهور قدميه (قال الشافعي) وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رش ظهورهما واحد الحديثين من وجه صالح الاسناد فإن قال قائل فلم لا يجزئ مسح ظهور القدمين أو رشهما ولا يكون مضادا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم غسل قدميه كما أجزأ المسح على الخفين ولم يكن مضادا لغسل القدمين قيل له الخفان حائلان دون القدمين فلا يجوز أن يقال المسح عليهما يضاد غسل القدمين وهو غيرهما والذي قال مسح ورش ظهور القدمين فقد زعم أن ليس واجبا على المتوضئ غسل بطن القدمين ولا تخليل بين أصابعهما ولا غسل أصابعهما ولا غسل عقبيه ولا كعبيه (قال) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للاعقاب من النار وقال ويل للعراقيب من النار ولا يقال ويل لهما من النار إلا وغسلهما واجب لان العذاب إنما يكون على ترك الواجب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعمى يتوضأ بطن القدم بطن القدم فجعل الاعمى يغسل بطن القدم (1) ولا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم فسمى البصير (قال الشافعي) فإن قال قائل فاجعل هذه الاحاديث
أولى من حديث مسح ظهور القدمين ورشهما قيل أما أحد الحديثين فليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد وأما الحديث الآخر فحسن الاسناد لو كان منفردا ثبت والذي خالفه أكثر وأثبت منه وإذا كان هكذا كان أولى ومع الذي خالفه ظاهر القرآن كما وصفت وهو قول الاكثر من العامة.
__________
(1) قوله ولا يسمع النبي الخ كذا في الاصل وانظر، كتبه مصححه.(1/43)
[ مالك قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده في ذلك الاناء وأمر الناس أن يتوضئوا منه قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم (قال الشافعي) في مثل هذا المعنى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وبعض نسائه من إناء واحد فإذا توضأ الناس معا ففي هذا دليل على أنه لا وقت فيما يطهر من المتوضئ من الماء إلا الاتيان على ما أمر الله به من غسل ومسح وكذلك إذا اغتسل الاثنان معا فإذا أتى المرء على ما أمر الله تعالى به من غسل ومسح فقد أدى ما عليه قل الماء أو كثر وقد يرفق بالماء القليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفى وأقل ما يكفي فيما أمر بغسله أن يأخذ له الماء ثم يجريه على الوجه واليدين والرجلين فإن جرى الماء بنفسه حتى أتى على جميع ذلك أجزأه وان أمر به على يده وكان ذلك بتحريك له باليدين كان أنقى وكان أحب إلي وإن كان على شئ من أعضائه مشق (1) أو غيره مما يصبغ الجسد فأمر الماء عليه فلم يذهب لم يكن عليه إعاده غسل العضو إذا أجرى الماء عليه فقد جاء بأقل ما يلزمه وأحب إلي لو غسله حتى يذهب كله وإن كان عليه علك أو شئ ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يجزه وضوء ذلك العضو حتى يزيل عنه ذلك أو يزيل منه ما يعلم أن الماء قد ماس معه الجلد كله لا حائل دونه فأما الرأس فيأخذ من الماء بما شاء من يده ثم يمسح برأسه إذا وصل إليه أو شعره الذي عليه فإن كان أيضا دون ما يمسح من شعره حائل لم يجزه وكذلك إن كان دون الرأس حائل ولا شعر عليه لم يجزه حتى يزيل الحائل فيباشر بالمسح رأسه أو شعره وإن انغمس في ماء جار أو ناقع لا ينجس انغماسة تأتى على جميع أعضاء الوضوء ينوى الطهارة بها أجزأه وكذلك إن جلس تحت مصب ماء أو سرب للمطر أو مطر ينوي به الطهارة فيأتي الماء على جميع أعضاء الوضوء
حتى لا يبقى منها شئ أجزأه.
ولا يجزئ الوضوء الا بنية ويكفيه من النية فيه أن يتوضأ ينوي طهارة من حدث أو طهارة لصلاة فريضة أو نافلة أو لقراءة مصحف أو صلاة على جنازة أو مما أشبه هذا مما لا يفعله إلا طاهر (قال) ولو وضأ بعض أعضائه بلا نية ثم نوى في الباقي لم يجزه إلا أن يعود للذي وضأ بلا نية فيحدث له نية يجزئه بها الوضوء (2) " قال ابو محمد ويغسل ما بعده وهو قول الشافعي في غير هذا الموضع ويغسل ما بعده " (قال الشافعي) وإذا قدم النية مع أخذه في الوضوء أجزأه الوضوء فإن قدمها قبل ثم عزبت عنه لم يجزه وإذا توضأ وهو ينوي الطهارة ثم عزبت عنه النية أجزأته نية واحدة فيستبيح بها الوضوء ما لم يحدث نية أن يتبرد بالماء أو يتنظف بالماء لا يتطهر به وإذا وضأ وجهه ينوي الطهارة ثم نوى بغسل يديه وما بقى من جسده التنظيف أو التبريد لا الطهارة لم يجزه الوضوء حتى يعود لغسل اعضائه التي أحدث فيها غير نية الطهارة فإذا وضأ نفسه أو وضأ غيره فسوا.
ويأخذ لكل عضو منه ماء غير الماء الذي أخذ للآخر ولو مسح رأسه بفضل بلل وضوء يديه أو مسح رأسه ببلل لحيته لم يجزه ولا يجزئه إلا ماء جديد (قال الربيع) ولو غسل وجهه بلا نية طهارة للصلاة ثم غسل يديه بعد ومسح رأسه وغسل رجليه ينوى الطهارة كان عليه أن يعيد غسل الوجه ينوى به الطهارة وغسل ما بعد ذلك مما غسل لا ينوي به الطهارة ]
__________
(1) قوله وإن امر به على يده، كذا في جميع النسخ بالهمز والباء، وقوله بعده مشق أو غيره، في القاموس: المشق بالكسر والفتح، المغرة اه.
(2) قوله أبو محمد هي كنية الربيع بن سلميان المرادى كما في تاريخ ابن خلكان اه.(1/44)
[ حتى يأتي الوضوء على ما ذكر الله عزوجل من شئ قبل شئ وان كان غسل وجهه ينوي الطهارة ويديه ومسح برأسه ثم غسل رجليه لا ينوى الطهارة كان عليه أن يغسل الرجلين فقط (1) الذي لم ينو بهما طهارة ولو توضأ بماء غمس فيه ثوبا ليست فيه نجاسة والماء بحاله لم يخلطه شئ يصير إليه مستهلكا فيه أجزأه الوضوء به.
ولو توضأ بفضل غيره أجزأه ولو توضأ بماء توضأ به رجل لا نجاسة على أعضائه لم يجزه لانه ماء قد
توضئ به وكذلك لو توضأ بماء قد اغتسل فيه رجل والماء أقل من قلتين لم يجزه وإن كان الماء خمس قرب أو أكثر فانغمس فيه رجل لا نجاسة عليه فتوضأ به أجزأه لان هذا لا يفسده وإنما قلت لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره لان الله عزوجل يقول " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم " فكان معقولا أن الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له ماء فيغسل به ثم عليه في اليدين عندي مثل ما عليه في الوجه من ان يبتدئ له ماء فيغسله به ولو أعاد عليه الماء الذي غسل به الوجه كان لم يسو بين يديه ووجهه ولا يكون مسويا بينهما حتى يبتدئ لهما الماء كما ابتدأ لوجهه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لكل عضو منه ماء جديدا ولو أصاب هذا الماء الذي توضأ به من غير نجاسة على البدن ثوب الذي توضأ به أو غيره أو صب على الارض لم يغسل منه الثوب وصلى على الارض لانه ليس بنجس فإن قال قائل فمن أين لم يكن نجسا؟ قيل من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ولا شك أن من الوضوء ما يصيب ثيابه ولم نعلمه غسل ثيابه منه ولا أبدلها ولا علمت فعل ذلك أحد من المسلمين فكان معقولا إذا لم يماس الماء نجاسة لا ينجس فإن قيل فلم لا يتوضأ به إذا لم يكن نجسا قيل لما وصفنا وإن على الناس تعبدا في أنفسهم بالطهارة من غير نجاسة تماس أبدانهم وليس على ثوب ولا على أرض تعبد ولا أن يماسه ماء من غير نجاسة.
باب تقديم الوضوء ومتابعته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (قال) وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمره الله عز وجل وبدأ بما بدأ الله تعالى به قال فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان أن يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله عليه الصلاة والسلام به منه ويأتي على إكمال ما أمر به فمن بدأ بيده قبل وجهه أو رأسه قبل يديه أو رجليه قبل رأسه كان عليه عندي أن يعيد حتى يغسل كلا في موضعه بعد الذى قبله وقبل الذي بعده لا يجزيه عندي غير ذلك وإن صلى أعاد الصلاة بعد أن يعيد الوضوء ومسح الرأس وغيره في هذا سواء فإذا نسي مسح رأسه حتى غسل رجليه عاد فمسح رأسه ثم غسل رجليه بعده وإنما قلت يعيد كما قلت وقال غيري في قول الله عزوجل " إن الصفا والمروة من شعائر الله " فبدأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالصفا وقال نبدأ بما بدأ الله به ولم أعلم خلافا أنه لو بدأ بالمروة ألغى طوافا حتى يكون بدؤه بالصفا وكما قلنا في الجمار إن بدأ بالآخرة قبل الاولى أعاد حتى تكون بعدها وإن بدأ ]
__________
(1) قوله: الذي لم ينو بهما، كذا في جميع النسخ ولعله من تحريف النساخ، والوجه اللتين الخ اه كتبه مصححه.(1/45)
[ بالطواف بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أعاد فكان الوضوء في هذا المعنى أوكد من بعضه عندي والله أعلم (قال) وذكر الله عزوجل اليدين والرجلين معا فاحب أن يبدأ باليمنيى قبل اليسرى وإن بدا باليسرى قبل اليمنى فقد أساء ولا إعادة عليه وأحب ان يتبع الوضوء ولا يفرقه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء به متتابعا ولان المسلمين جاؤوا بالطواف ورمى الجمار وما اشههما من الاعمال متتابعة ولا حد للتتابع إلا ما يعلمه الناس من أن يأخذ الرجل فيه ثم لا يكون قاطعا له حتى يكمله إلا من عذر والعذر أن يفزع في موضعه الذي توضأ فيه من سيل أو هدم أو حريق أو غيره فيتحول إلى غيره فيمضى فيه على وضوئه أو يقل به الماء فيأخذ الماء ثم يمضي على وضوئه في الوجهين جميعا وإن جف وضوؤه كما يعرض له في الصلاة الرعاف وغيره فيخرج ثم يبني وكما يقطع به الطواف لصلاة أو رعاف أو انتقاض وضوء فينصرف ثم يبني (قال الربيع) ثم رجع الشافعي عن هذا بعد وقال عليه أن يبتدئ الصلاة إذا خرج من رعاف و (قال الشافعي) إنه إذا انصرف من رعاف أو غيره قبل أن يتم صلاته أنه يبتدئ الصلاة (1) (قال الربيع) رجع الشافعي عن هذه المسألة وقال إذا حول وجهه عن تمام الصلاة عامدا أعاد الصلاة إذا خرج من رعاف وغيره (قال الشافعي) وإن تحول من موضع قد وضأ بعض أعضائه فيه إلى موضع غيره لنظافته أو لسعته أو ما أشبه ذلك مضى على وضوء ما بقي منه وكذلك لو تحول لاختياره لا لضرورة كانت به في موضعه الذي كان فيه وإن قطع الوضوء فيه فذهب لحاجة أو أخذ في غير عمل الوضوء حتى تطاول ذلك به جف الوضوء أو لم يجف فاحب ألي لو استأنف وضوءا ولا يبين لي أن يكون عليه استئناف وضوء وإن طال تركه له ما لم يحدث بين ظهرانى وضوئه فينتفض ما مضى من وضوئه ولانى لا أجد في متابعته الوضوء ما أجد في تقديم بعضه على بعض وأصل مذهبنا أنه يأتي
بالغسل كيف شاء ولو قطعه لان، الله عزوجل قال " حتى تغتسلوا " فهذا مغتسل وإن قطع الغسل ولا أحسبه يجوز أذا قطع الوضوء إلا مثل هذا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها فمسح على خفيه ثم صلى عليها (قال) وهذا غير متابعة للوضوء ولعله قد جف وضؤوه وقد يجف فيما أقل مما بين السوق والمسجد وأجده حين ترك موضع وضوئه وصار إلى المسجد آخذا في عمل غير الوضوء وقاطعا له (قال) وفي مذهب كثير من اهل العلم أن الرجل إذا رمى الجمرة الاولى ثم الآخرة ثم الوسطى اعاد الوسطى والآخرة حتى يكونا في موضعهما ولم يعد الاولى وهو دليل في قولهم على ان تقطيع الوضوء لا يمنعه أن يجزى عنه كما قطع الذي رمى الجمرة الاولى رميها إلى الآخرة فلم يمنعه أن تجزى عنه الوسطى (2) ].
__________
(1) قوله قال الربيع رجع الشافعي الخ كذا في جميع النسخ وهو عين ما قبله ولعلهما عبارتان للربيع جمع بينهما الناسخ، فتأمل.
كتبه مصححه.
(2) وفي اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى في آخر باب الصلاة (قال) وإذا توضأ الرجل بعض وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل فإن أبا حنيفة كان يقول يتم ما قد بقي ولا يعيد على ما مضى وبه نأخذ يعني أبا يوسف وكان ابن أبي ليلى يقول إن كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم ما بقى وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك أعاد على ما جف (قال الشافعي) ورأيت المسلمين جاؤوا بالوضوء متتابعا نسقا على سبيل ما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فمن جاء به كذلك ولم يقطعه لعذر عذر من انقطاع للماء وطلبه بنى على وضوئه وإن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفا إنه قد أخذ في =(1/46)
[ باب التسمية على الوضوء (قال الشافعي) وأحب للرجل أن يسمى الله عزوجل في ابتداء وضوئه فإن سها سمى متى ذكر وإن كان قبل أن يكمل الوضوء وإن ترك التسمية ناسيا أو عامدا لم يفسد وضوؤه إن شاء الله تعالى.
باب عدد الوضوء والحد فيه (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس
قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخدل يده في الاناء فاستنشق وتمضمض مرة واحدة ثم أدخل يده فصب على وجهه مرة وصب على يديه مرة ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن ابيه عن حمران مولى عثمان بن عفان عن عثمان بن عفان أنه توضأ بالمقاعد ثلاثا ثلاثا ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ وضوئي هذا خرجت خطاياه من وجهه ويديه ورجليه (قال الشافعي) وليس هذا اختلافا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ ثلاثا وتوضأ مرة فالكمال والاختيار ثلاث وواحده تجزئ فأحب للمرء ان يوضئ وجهه ويديه ورجليه ثلاثا ثلاثا ويمسح برأسه ثلاثا ويعم بالمسح رأسه فإن اقتصر في غسل الوجه واليدين والرجلين على واحدة تأتي على جميع ذلك أجزأه وإن اقتصر في الرأس على مسحة واحدة بما شاء من يديه أجزأه ذلك وذلك اقل ما يلزمه وإن وضأ بعض أعضائه مرة وبعضها اثنين وبعضها ثلاثا أجزأه لان واحدة إذا أجزأت في الكل أجزأت في البعض منه (قال الشافعي) أاخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين مرتين ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه (قال) ولا أحب للمتوضئ أن يزيد على ثلاث وان زاد لم أكرهه إن شاء الله تعالى وإذا وضأ الرجل وجهه ويديه ثم أحدث استأنف الوضوء.
باب جماع المسح على الخفين (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم
__________
= عمل غيره فأحب إلى أن يستأنف فإن أتم ما بقي أجزأه.
وفي اختلاف مالك والشافعي (المسح على الخفين) وفيه أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر انه بال في السوق فتوضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعى لجنازة فمسح على خفيه ثم صلى فقلت للشافعي فإنا نقول لا يجوز وهذا إنما نمسح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف (قال الشافعي) إني لارى خلاف ابن عمر عليكم حقيقا لآراء أنفسكم لانا لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا يخالف قول ابن عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر عندكم فإنما زعمتم أن الحجة في قول أنفسكم ولم تكلفتم الرواية عن
غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم وتردون ما شئتم بلا حجة.(1/47)
وأرجلكم إلى الكعبين " (قال الشافعي) فاحتمل أمر الله عزوجل بغسل القدمين أن يكون على كل متوضئ واحتمل أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض فدل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين أنهما على من لا خفين عليه إذا هو لبسهما على كمال الطهارة كما دل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتين بوضوء واحد وصلوات بوضوء واحد على أن فرض الوضوء على من قام إلى الصلاة على بعض القائمين دون بعض لا أن المسح خلاف لكتاب الله عزوجل ولا الوضوء على القدمين وكذلك ليست سنة من سننه صلى الله عليه وسلم بخلاف لكتاب الله عزوجل (قال الشافعي) أخبرنا عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال فذهب لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ثم خرجا قال أسامة فسألت بلالا ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بلال ذهب لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على الخفين (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عباد ابن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك قال المغيره فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط فحملت معه أداوة قبل الفجر فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت أهريق على يديه من الاداوة وهو يغسل يديه ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثم ذهب يحسر جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته عن ذراعيه فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ ومسح على خفيه ثم أقبل قال المغيرة فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلى لهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين معه وصلى مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم صلاته وأفزع ذلك المسلمين وأكثروا التسبيح فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال أحسنتم أو قال أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال ابن شهاب وحدثني إسماعيل بن محمد بن أبى وقاص عن حمزة بن المغيرة بن شعبة بنحو من حديث عباد قال
المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال لى النبي صلى الله عليه وسلم دعه (قال الشافعي) وفي حديث بلال دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين في الحضر لان بئر جمل في الحضر قال فيمسح المسافر والمقيم معا.
باب من له المسح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن حسين وزكريا ويونس عن الشعبي عن عورة ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال قلت يا رسول الله أتمسح على الخفين؟ قال نعم إنى أدخلتهما وهما طاهرتان (قال الشافعي) فمن لم يدخل واحدة من رجليه في الخفين إلا والصلاة تحل له فإنه كامل الطهارة وكان له أن يمسح على الخفين وذلك أن يتوضأ رجل فيكمل الوضوء ثم يبتدئ بعد إكماله إدخال كل واحدة من الخفين رجله فإن أحدث بعد ذلك كان له أن يمسح على الخفين وإن أدخل رجليه أو واحدة منهما الخفين قبل أن تحل له الصلاة لم يكن له إن أحدث أن يمسح على الخفين وذلك أن يوضئ وجهه ويديه ويمسح برأسه ويغسل إحدى رجليه ثم يدخلها الخف ثم يغسل الاخرى فيدخلها الخف فلا يكون له إذا أحدث أن يمسح على الخفين لانه أدخل إحدى رجليه الخف وهو غير كامل(1/48)
الطهارة وتحل له الصلاة وكذلك لو غسل رجليه ثم توضأ بعد لم يكن له أن يصلى حتى ينزع الخفين ويتوضأ فيكمل الوضوء ثم يدخلهما الخفين وكذلك لو توضأ فأكمل الوضوء ثم خفف إحدى رجليه ثم أدخل رجله الاخرى في ساق الخف فلم تقر في موضع القدم حتى أحدث لم يكن له أن يمسح لان هذا لا يكون متخففا حتى يقر قدمه في قدم الخف وعليه أن ينزع ويستأنف الوضوء وإذا وارى الخف من جميع جوانبه موضع الوضوء وهو أن يوارى الكعبين فلا يريان منه كان لمن له المسح على الخفين أن يمسح هذين لانهما خفان وإن كان الكعبان أو ما يحاذيهما من مقدم الساق أو مؤخرها يرى من الخف لقصره أو لشق فيه أو يرى منه شئ ما كان لم يكن لمن لبسه أن يمسح عليه وهكذا إن كان في الخفين خرق يرى منه شئ من مواضع الوضوء في بطن القدم أو ظهرها أو حروفها أو ما ارتفع من القدم إلى الكعبين فليس لاحد عليه هذان الخفان ان يمسح عليهما لان المسح رخصة لمن تغطت رجلاه بالخفين
فإذا كانت إحداهما بارزة بادية فليستا بمتغطيتين ولا يجوز أن يكون شئ عليه الفرض من الرجلين بارزا ولا يغسل وإذا وجب الغسل على شئ من القدم وجب عليها كلها وإن كان في الخف خرق وجورب يواري القدم فلا نرى له المسح عليه لان، الخف ليس بجورب ولانه لو ترك أن يلبس دون الخف جوربا رئ بعض رجليه (قال) وإن أنفتقت ظهارة الخف وبطانته صحيحة لا يرى منها قدم كان له المسح لان هذا كله خف والجورب ليس بخف وكذلك كل شئ ألصق بالخف فهو منه ولو تخفف خفا فيه خرق ثم لبس فوقه آخر صحيحا كان له أن يمسح وإذا كان الخف الذي على قدمه صحيحا مسح عليه دون الذي فوقه (قال الشافعي) (1) وإذا كان في الخف فتق كالخرق الذي من قبل الخرز كان أو غيره والخف الذي يمسح عليه الخف والمعلوم ساذجا كان أو منعلا (قال الشافعي) فإن تخفف واحدا غيره فكان في معناه مسح عليه وذلك ان (2) يكون كله من جلود بقر أو إبل أو خشب فهذا أكثر من أن يكون من جلود الغنم (قال الشافعي) فإذا كان الخفان من لبود أو ثياب (3) أو طفى فلا يكونان في معنى الخف حتى ينعلا جلدا أو خشبا أو ما يبقى إذا توبع المشى عليه ويكون كل ما على مواضع الوضوء منها صفيقا لا يشف فإذا كان هكذا مسح عليه وإذا لم يكن هكذا لم يمسح عليه وذلك أن يكون صفيقا لا يشف وغير منعل فهذا جورب أو يكون منعلا ويكون يشف فلا يكون هذا خفا إنما الخف ما لم يشف (قال الشافعي) وإن كان منعلا وما على مواضع الوضوء صفيقا لا يشف وما فوق مواضع الوضوء يشف لم يضره لانه لو لم يكن في ذلك شئ لم يضره وإن كان في شئ مما على مواضع الوضوء شئ يشف لم يكن له أن يمسح عليه فإذا كان عليه جوربان يقومان مقام الخفين يمسح عليهما ثم لبس فوقهما خفين أو كان عليه خفان فلبسهما أو لبس عليهما جرموقين آخرين أجزأه المسح على الخفين اللذين يليان قدميه ولم يعد على الخفين فوقهما ولا على الجرموقين مسحا ولو توضأ فأكمل الطهارة ثم لبس الخفين أو ما يقوم مقام الخفين ثم لبس فوقهما جرموقين ثم أحدث فأراد أن يمسح على الجرموقين لم يكن ذلك له وكان عليه ان يطرح الجرموقين ثم يمسح على الخفين اللذين يليان قدميه ثم يعيد الجرموقين إن شاء وإن مسح على الجرموقين ودونهما خفان لم يجزه المسح ولا الصلاة (قال الشافعي) ولو كان لبس
__________
(1) قوله: وإذا كان في الخف فتق، إلى قوله أو منعلا، كذا في جميع النسخ وانظره اه.
(2) قوله: أن يكون كله، كذا في النسخ ولعله محرف عن نعله فتأمل.
كتبه ومصححه.
(3) قوله: أو طفى، الطفى بالضم خوص المقل، ذكره في الصحاح.
كتبه مصححه.(1/49)
جوربين لا يقومان مقام خفين ثم لبس فوقهما خفين مسح على الخفين لانه ليس دون القدمين شئ يقوم مقام الخفين وكذلك لو جعل خرقا ولفائف متظاهرة على القدمين ثم لبس فوقهما خفين مسح على الخفين وقلما يلبس الخفان إلا ودونهما وقاية من جورب أو شئ يقوم مقامه يقي القدمين من خرز الخف وحروفه (قال الشافعي) وإن كان الخفان أو شئ منهما نجسا لم تحل الصلاة فيهما وإن كانا من جلد ميتة غير كلب أو خنزير وإن كانا من جلد سبع فدبغا حلت الصلاة فيهما إذا لم يبق فيهما شعر فإن بقي فيهما شعر فلا يطهر الشعر الدباغ ولا يصلي فيهما وإن كانا من جلد ميتة أو سبع لم يدبغا لم تحل الصلاة فيهما وإن كانا من جلد ما يؤكل لحمه ذكى حلت الصلاة فيهما وإن لم يدبغا (قال الشافعي) ويجزي المسح من طهارة الوضوء فإذا وجب الغسل وجب نزع الخفين وغسل جميع البدن وكذلك يجزي الاستنجاء بالحجارة من الخلاء والبول في الوضوء وإذا وجب الغسل وجب غسل ما هنالك لانه مما يظهر من البدن (قال الشافعي) وإن دميت القدمان في الخفين أو وصلت اليهما نجاسة وجب خلع الخفين وغسل القدمين لان المسح طهارة تعبد وضوء لا طهارة إزالة نجس.
باب وقت المسح على الخفين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال أخبرنا المهاجر أبو مخلد عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن ابيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة (قال الشافعي) إذا تطهر فلبس خفيه فله أن يمسح عليهما (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن بهدلة عن زربن حبيش قال أتيت صفوان بن عسال فقال لي ما جاء بك؟ فقلت ابتغاء العلم فقال إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب قلت حاك في نفسي المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرءا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتك أسألك هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا فقال نعم كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من بول وغائط ونوم (قال الشافعي) وإذا لبس الرجل خفيه وهو طاهر للصلاة صلى فيهما فإذا أحدث عرف الوقت الذي أحدث فيه وإن لم يمسح إلا بعده فإن كان مقيما مسح على خفيه إلى الوقت الذي أحدث فيه من غده وذلك يوم وليلة لا يزيد عليه وإن كان مسافرا مسح ثلاثة أيام ولياليهن إلى أن يقطع المسح في الوقت الذي ابتدأ المسح فيه في اليوم الثالث لا يزيد على ذلك (قال الشافعي) وإذا توضأ ولبس خفيه ثم أحدث قبل زوال الشمس فمسح لصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح صلى بالمسح الاول ما لم ينتقض وضوؤه فإن انتقض فله أن يمسح أيضا حتى الساعة التي أحدث فيها من غده وذلك يوم وليلة فإذا جاء الوقت الذي مسح فيه فقد انتقض المسح وإن لم يحدث وكان عليه أن ينزع خفيه فإذا فعل وتوضأ كان على وضوئه ومتى لبس خفيه فأحدث مسح إلى مثل الساعة التي أحدث فيها ثم ينتقض مسحه في الساعة التي أحدث فيها وإن لم يحدث (قال الشافعي) وإن أحدث بعد زوال الشمس فمسح صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح والظهر إن قدمها حتى يصليها قبل الوقت الذي أحدث فيه ويخرج منها فإن أخرها حتى يكون الوقت الذي أحدث فيه لم يكن له أن يصليها بمسح وإن قدمها فلم يسلم حتى يدخل الوقت الذى مسح فيه انتقضت صلاته(1/50)
بانتقاض مسحه وكان عليه أن ينزع خفيه ثم يتوضأ ويصلى بطهارة الوضوء ثم كلما لبس خفيه على طهارة ثم أحدث كان هكذا أبدا (قال الشافعي) ويصنع هكذا في السفر في ثلاثة أيام ولياليهن يمسح في اليوم الثالث إلى مثل الساعة التي أحدث فيها فيصلي في الحضر خمس صلوات مرة وستا مرة أخرى بمسح وفي السفر خمس عشرة صلاة مرة وستة عشر أخرى على مثل ما حكيت إذا صلاهن على الانفراد وكذلك إذا جمع في السفر لانه إذا أحدث عند العصر صلى خمس عشرة وجمع العصر إلى الظهر في وقت الظهر فإذا دخل الوقت الذي مسح فيه انتقض المسح (قال الشافعي) فإن مسح في الحضر عند الزوال فصلى الظهر ثم خرج مسافرا صلى بالمسح حتى يستكمل يوما وليلة لا يزيد على ذلك لان أصل طهارة مسحه كانت وليس له أن يصلى بها إلا يوما وليلة وكذلك لو مسح في الحضر فلم يصل صلاة حتى
يخرج إلى السفر لم يكن له أن يصلي بالمسح الذي كان في الحضر إلا يوما وليلة كما كان يصلي به في الحضر (قال الشافعي) ولو أحدث في الحضر فلم يمسح حتى خرج إلى السفر صلى بمسحه في السفر ثلاثة ايام ولياليهن (قال الشافعي) ولو كان مسح في الحضر ثم سافر ولم يحدث فتوضأ ومسح في السفر لم يصل بذلك المسح إلا يوما وليلة لانه لم يكن لمسحه معنى إذا مسح وهو طاهر لمسحه في الحضر فكان مسحه ذلك كما لم يكن إذا لم يكن يطهره غير التطهير الاول (قال الشافعي) ولو مسح وهو مسافر فصلى صلاة أو أكثر ثم قدم بلدا يقيم به أربعا ونوى المقام بموضعه الذي مسح فيه أربعا لم يصل بمسح السفر بعد مقامه إلا لاتمام يوم وليلة ولا يزيد عليه لانه إنما كان له أن يصلي بالمسح مسافرا ثلاثا فلما انتقض سفره كان حكم مسحه إذ صار مقيما كابتداء مسح المقيم (قال الشافعي) ولو كان استكمل في سفره بأن صلى بمسح السفر يوما وليلة أو أكثر ثم بدا له المقام أو قدم بلدا نزع خفيه واستأنف الوضوء لا يجزئه غير ذلك ولو كان استكمل يوما وليلة بمسح السفر ثم دخل في صلاة بعد يوم وليلة فنوى المقام قبل تكميل الصلاة فسدت عليه صلاته وكان عليه أن يستقبل وضوءا ثم يصلي تلك الصلاة ولو سافر فلم يدر امسح مقيما أو مسافرا لم يصل من حين استيقن بالمسح أنه كان وشك أكان وهو مقيم أو مسافرا، إلا يوما وليلة ولو صلى به يوما وليلة ثم علم أنه مسح مسافرا صلى به تمام ثلاثة أيام ولياليهن (قال الشافعي) ولو شك أمسح مقيما أو مسافرا فصلى وهو مسافر أكثر من يوم وليلة ثم استيقن أنه مسح مسافرا أعاد كل صلاة زادت على يوم وليلة لانه صلاها وهو لا يراه طاهرا ولم يكن عليه أن يعود بوضوء إذا علم أنه على طهارة المسح حتى يستكمل المسح ثلاثة أيام ولياليهن (قال الشافعي) وإذا شك في اول ما مسح وهو مقيم فلم يدر أمسح يوما وليلة أم لا نزع خفيه واستأنف الوضوء ولو استيقن أنه مسح فصلى ثلاث صلوات وشك أصلى الرابعة أم لا؟ لم يكن له إلا أن يجعل نفسه صلى بالمسح الرابعة حتى لا يصلى بمسح وهو يشك أنه مسح أم لا ولا يكون له ترك الصلاة الرابعة حتى يستيقن أنه صلاها.
باب ما ينقض مسح الخفين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وللرجل أن يمسح على الخفين في وقته ما كانا على قدميه فإذا أخرج إحدى قدميه من الخف أو هما بعدما مسح فقد انتفض المسح وعليه أن يتوضأ ثم إن تخفف ثم
أحدث وعليه الخفان مسح (قال الشافعي) وكذلك إذا زالت إحدى قدميه أو بعضها من موضعها من الخف فخرجا حتى يظهر بعض ما عليه الوضوء منها انتقض المسح وإذا أزالها من موضع قدم الخف ولم(1/51)
يبرز من الكعبين ولا من شئ عليه الوضوء من القدمين شيئا أحببت ان يبتدئ الوضوء ولا يتبين أن ذلك عليه (قال) وكذلك لو انفتق الخف حتى يرى بعض ما عليه الوضوء من القدمين انتقض المسح (قال الشافعي) وكذلك إن انفتق الخف وعليه جورب يوارى القدم حتى بدا من الجورب ما لو كانت القدم بلا جورب رؤيت فهو مثل رؤية القدم ينتقض به المسح (قال الشافعي) وإذا كان الخف بشرج فإن كان الشرج فوق موضع الوضوء فلا يضره لانه لو لم يكن ثم خف أجزأ المسح عليه.
(قال الشافعي) وان كان الشرج فوق شئ من موضع الوضوء من القدم فكان فيه خلل يرى منه شئ من القدم لم يمسح على الخف وإن لم يكن في الشرج خلل يرى منه شئ من القدم مسح عليه وإن كان شرجه يفتح.
(قال الشافعي) وإن فتح شرجه فقد انتقض المسح لانه إن لم ير في ذلك الوقت فمشى فيه أو تحرك انفرج حتى يرى (قال الشافعي) (1) ولو كان الشرج فوق شئ من موضع الوضوء من القدم فكان فيه خلل فلا يضره لانه لو لم يكن ثم خف أجزأه.
باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (قال الشافعي) فأوجب الله عزوجل الغسل من الجنابة فكان معروفا في لسان العرب أن الجنابة الجماع وإن لم يكن معه الجماع ماء دافق وكذلك ذلك في حد الزنا وإيجاب المهر وغيره وكل من خوطب بأن، فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا (قال الربيع) يريد أنه لم ينزل ودلت السنة على أن الجنابة أن يفضى الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها إلى أن يوارى حشفته أو أن يرمي الماء الدافق وإن لم يكن جماعا (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الاشعري سأل عائشة عن انتقاء الختانين فقالت عائشة رضى الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان أو
مس الختان الختان فقد وجب الغسل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم إذا هي رأت الماء.
(قال الشافعي) فمن رأى الماء الدافق متلذذا أو غير متلذذ فعليه الغسل وكذلك لو جامع فخرج منه ماء دافق فاغتسل ثم خرج منه ماء دافق بعد الغسل أعاد الغسل وسواء كان ذلك قبل البول أو بعدما بال إذا جعلت الماء الدافق علما لايجاب الغسل وهو قبل البول وبعده سواء (قال الشافعي) والماء الدافق الثخين الذي يكون منه الولد والرائحه التي تشبه رائحة الطلع (قال الشافعي) وإن كان الماء الدافق من رجل وتغير لعلة به أو خلقة في مائه بشئ خرج منه الماء الدافق الذي نعرفه أوجبت عليه الغسل (قال الشافعي) وإذا غيب الرجل ذكره في فرج امرأة متلذذا أو غير متلذذ ومتحركا بها أو مستكرها لذكره أو أدخلت هي فرجه في فرجها وهو يعلم أو هو نائم لا يعلم
__________
(1) قوله: ولو كان الشرج فوق شئ الخ كذا في جميع النسخ، وهو مع كونه مكررا مع ما سبق مخالف في الحكم للمنصوص، فلعل هنا سقطا، وحرر.
كتبه مصححه.(1/52)
أوجب عليه وعليها الغسل وكذلك كل فرج (1) أو دبر أو غيره من امرأة أو بهيمة وجب عليه الغسل إذا غيب الحشفة فيه مع معصية الله تعالى في إتيان ذلك من غير امرأته وهو محرم عليه إتيان امرأته في دبرها عندنا وكذلك لو غيبه في امرأته وهي ميتة وإن غيبه في دم أو خمر أو غير ذات روح من محرم أو غيره لم يجب عليه غسل حتى يأتي منه الماء الدافق (قال الشافعي) وهكذا إن استمنى فلم ينزل لم يجب عليه غسل لان الكف ليس بفرج وإذا ماس به شيئا من الانجاس غسله ولم يتوضا وإذا ماس ذكره توضأ للمسه إياه إذا أفضى إليه فإن غسله وبينه وبين يديه ثوب أو رقعة طهر ولم يكن عليه وضوء (قال الشافعي) ولو نال من أمرأته ما دون أن يغيبه في فرجها ولم ينزل لم يوجب ذلك غسلا ولا نوجب الغسل إلا أن يغيبه في الفرج نفسه أو الدبر فأما الفم أو غير ذلك من جسدها فلا يوجب غسلا إذا لم ينزل ويتوضأ من إفضائه ببعضه إليها ولو أنزلت هي في هذه الحال اغتسلت وكذلك في كل حال أنزل
فيها فأيهما أنزل بحال اغتسل (قال الشافعي) ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل لم يجب عليه الغسل حتى يستيقن بالانزال والاحتياط أن يغتسل (قال الشافعي) ولو وجد في ثوبه ماءا دافقا ولا يذكر أنه جاء منه ماء دافق باحتلام ولا بغيره أحببت أن يغتسل ويعيد الصلاة ويتأخى فيعيد بقدر ما يرى أن ذلك الاحتلام كان أو ما كان من الصلوات بعد نوم رأى فيه شيئا يشبه أن يكون احتلم فيه (قال الشافعي) ولا يبين لي أن يجب هذا عليه وإن كان رأى في المنام شيئا ولم يعلم أنه أنزل إلا أن يكون لا يلبس ثوبه غيره فيعلم أن الاحتلام كان منه فإذا كان هكذا وجب عليه الغسل في الوقت الذي لا يشك أن الاحتلام كان قبله وكذلك إن أحدث نومه نامها، فإن كان صلى بعده صلاة أعادها ولن كان لم يصل بعده صلاة اغتسل لما يستقبل (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن انس عن هشام بن عروة عن أبيه عن زبيد (2) بن الصلت انه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال: والله ما اراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذن وأقام الصلاة ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر بن الخطاب وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب ثم ذكر نحو هذا الحديث (قال الشافعي) ولا أعلمه يجب الغسل من غير الجنابة وجوبا ولا تجزئ الصلاة إلا به.
وأولى الغسل عندي أن يجب بعد غسل الجنابة من غسل الميت ولا أحب تركه بحال ولا ترك الوضوء من مسه مفضيا إليه ثم الغسل للجمعة ولا يبين أن لو تركهما تارك ثم صلى اغتسل وأعاد، إنما منعني من إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلا لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلى يومى هذا على ما يقنعني فإن وجدت من يقنعني من معرفة ثبت حديثه أوجبت الوضوء من مس الميت مفضيا إليه فإنهما في حديث واحد (قال الشافعي) فأما غسل الجمعة فإن الدلالة عندنا أنه إنما أمر به على الاختيار (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد يوم الجمعة وعمر يخطب فقال عمر أية ساعة هذه؟
__________
(1) قوله: أو دبر أو غيره الخ كذا في جميع النسخ، وانظره اه.
(2) قوله: عن زبيد بن الصلت، وقع في أكثر النسخ زبيد بالباء الموحدة وفي بعضها بمثناتين، وكتب بهامشها زبيد بالزاي وبياءين منقوطتين من تحت، فحرر.
كتبه مصححه.(1/53)
فقال: يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على ان توضأت فقال عمر: والوضوء أيضا وقد علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل؟ (قال الشافعي) أخبرنا الثقة قال أخبرنا معمر عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب بمثله وسمى الداخل أنه عثمان بن عفان (قال الشافعي) وإذا أسلم المشرك أحببت له أن يغتسل ويحلق شعره فإن لم يفعل ولم يكن جنبا أجزأة أن يتوضأ ويصلي (قال الشافعي) وقد قيل قلما جن إنسان إلا أنزل فإن كان هذا هكذا اغتسل المجنون للانزال وإن شك فيه أحببت له الاغتسال احتياطا ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الانزال (1).
باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الماء من الماء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني غير واحد من ثقات أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الانصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنهما قال قلت يا رسول الله إذا جامع أحدنا فأكسل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل ما مس المرأة منه ويتوضأ ثم يصلي (قال الشافعي) وهذا من أثبت إسناد الماء من الماء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن أبا موسى الاشعري رضى الله عنه أتى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال لقد شق علي اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أمر إني لاعظم أن أستقبلك به، فقالت ما هو ما كنت سائلا عنه أمك فسلني عنه فقال لها: الرجل يصيب أهله ثم يكسل فلا ينزل فقالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فقال أبو موسى لا أسأل عن هذا أحدا بعدك أبدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد عن أبيه عن أبى ابن كعب أنه يقول ليس على من لم ينزل غسل ثم نزع عن ذلك، أي قبل أن يموت (قال الشافعي) وانما بدأت بحديث أبي وقوله الماء من الماء ونزوعه أن فيه دلالة على أنه سمع الماء من
الماء من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع خلافه فقال به ثم لا أحسبه تركه إلا لانه ثبت له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعده ما نسخه، أخبرنا الربيع قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن يونس بن زيد عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي قال بعضهم عن أبي بن كعب ووقفه بعضهم على سهل بن سعد قال كان " الماء من الماء " شيئا في أول الاسلام ثم ترك ذلك بعد وأمروا بالغسل إذا مس الختان الختان، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الاشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين فقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا اسماعيل بن ابراهيم قال حدثنا علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد بين الشعب الاربع ثم ألزق الختان بالختان =
__________
(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله أنه قال الماء من الماء (قال الشافعي) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهذا القول كان من أول الاسلام ثم نسخ.
وفي اختلاف الحديث.(1/54)
باب من خرج منه المذي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دنا الرجل من امرأته فخرج منه المذي وجب عليه الوضوء لانه حدث خرج من ذكره ولو أفضى إلى جسدها بيده وجب عليه الوضوء من الوجهين وكفاه منه وضوء واحد وكذلك من وجب عليه وضوء لجميع ما يوجب الوضوء ثم توضأ بعد ذلك كله وضوءا واحدا أجزأه ولا يجب عليه بالمذى الغسل.
= فقد وجب الغسل أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الاوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أو عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة قالت إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل قالت عائشة فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا (قال الشافعي) وحديث الماء من الماء ثابت الاسناد وهو عندنا منسوخ بما حكيت فيجب الغسل من الماء ويجب إذا غيب الرجل ذكره
في فرج المرأة حتى يوارى حشفته.
الخلاف في أن الغسل لا يجب إلا بخروج الماء أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فخالفنا بعض أصحاب الحديث من أهل ناحيتنا وغيرهم فقالوا لا يجب على الرجل إذا بلغ من امرأته ما شاء الغسل حتى يأتي منه الماء الدافق واحتج فيه بحديث أبي بن كعب وغيره مما يوافقه وقال أما قول عائشة فعلته أنا والنبي صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا فقد يكون تطوعا منهما بالغسل ولم تقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الغسل (قال الشافعي) قلت له الاغلب أن عائشة لا تقول إذا مس الختان الختان أو جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل وتقول فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا إلا خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب الغسل منه (قال) فيحتمل أن تكون لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل اغتسلت ورأته واجبا ولم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إيجابه فقلت نعم قال فليس هذا بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت الاغلب أنه خبر عنه (قال) وأما حديث علي بن زيد فليس مما يثبت أهل الحديث وهو لا يقوم به الحجة (قال الشافعي) فقلت له إن أبي ابن كعب قد رجع عن قوله الماء من الماء بعد قوله به عمرا من عمره وهو يشبه أن لا يكون رجع إلا بخبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذا لاقوى فيه ومن غيره وما هو بالبين (قال) وقلت له ما أعلم من جهة الحديث شيئا أكبر من هذا (قال) فمن جهة غير الحديث قلت نعم قال الله تعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " فكان الذي يعرفه من خوطب بالجنابة من العرب أنها الجماع دون الانزال ولم تختلف العامة أن الزنا الذي يجب به الحد الجماع دون الانزال وأن من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد وكان الذي يشبه أن الحد لا يجب إلا على من أجنب من حرام (قال محمد) وقلت له قل يحتمل أن يقال حديث أبي إذا جامع أحدنا فاكسل أن يقول إذا صار إلى الجماع ولم يغيب حشفته فأكسل فلا يكون حديث الغسل إذا التقى الختانان مخالفا له (قال) أفتقول بهذا؟ قلت الاغلب أنه إذا بلغ ان يلتقي الختانان ولم ينزل وهكذا والله أعلم الاغلب من قول عائشة فعلته أنا =(1/55)
[ باب كيف الغسل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (قال الشافعي) فكان فرض الله الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شئ فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه والله أعلم كيفما جاء به وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه (قال الشافعي) كذلك دلت السنة، فإن قال قائل فأين دلالة السنة قيل لما حكت عائشة أنها كانت تغتسل والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف لو كان فيه وقت غير ما وصفت ما أشبه أن يغتسل اثنا يفرغان من إناء واحد عليهما وأكثر ما حكت عائشة غسله وغسلها فرق (قال) والفرق ثلاثة آصع (قال الشافعي) وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي ذر فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك ولم يحك أنه وصف له قدرا من الماء إلا إمساس الجلد والاختيار في الغسل من الجنابة ما حكت عائشة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله (قال الشافعي) فإذا كانت المراة ذات شعر تشد ضفرها فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان (1) يكفيها في كل ما يكفيها في كل (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أيوب ابن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال لا إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين أو قال فإذا أنت قد طهرت (2) وإن حست رأسها فكذلك (قال الشافعي) وكذلك الرجل يشد ضفر رأسه أو يعقصه فلا يحله ويشرب الماء أصول شعره (قال الشافعي) فإن لبد رأسه بشئ يحول بين الماء وبين أن يصل إلى شعره وأصوله كان عليه غسله حتى يصل إلى بشرته وشعره وإن لبده بشئ لا يحول دون ذلك فهو كالعقص والضفر الذي لا يمنع الماء الوصول إليه وليس عليه حله ويكفيه أن يصل الماء إلى الشعر ] = ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا على إيجاب الغسل لانها توجب الغسل إذا التقى الختانان
(قال) فإذا التقى الختانان قلت إذا صار الختان حذو الختان وان لم يتماسا (قال) فيقال لهذا التقاء قلت نعم أرأيت إذا قيل التقى الفارسان أليس إنما يعنى إذا توافقا فصار أحدهما وجاه الآخر أو اختلفت ذواتهما فصار أحد الرجلين وجاه صاحبه ويقال إذا جاوز بدن أحدهما بدن صاحبه قد خلف الفارس الفارس قال بلى (قلت) ويقال إذا تماسا التقيا لانه أقرب اللقاء وبعض اللقاء أقرب من بعض (قال) إن الناس ليقولونه (قلت) فهذا كله صحيح جائز في لسان العرب وإنما يراد بهذا ان تغيب الحشفة في الفرج حتى يصير الختان الذي خلف الحشفة حذو ختان المرأة وإنما يجهل هذا من جهل لسان العرب.
(1) قوله يكفيها في كل الخ كذا في جميع النسخ بتكرار لفظ كل وانظر اه.
(2) قوله وإن حست رأسها كذا في بعض النسخ بالسين المهملة وفي بعضها بالمعجمة وفي بعضها بالثاء المثلثة وكل ذلك لعله تحريف من النساخ ووجه الكلام " وإن عقصت " والله اعلم.
كتبه مصححه.(1/56)
[ والبشرة.
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يده قبل أن يدخلها في الاناء ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرب شعره الماء ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يغرف على رأسه من الجنابة ثلاثا.
(قال الشافعي) ولا أحب لاحد أن يحفن على رأسه في الجنابة أقل من ثلاث وأحب له أن يغلغل الماء في أصول شعره حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى أصوله وبشرته قال وان صب على رأسه صبا واحدا يعلم أنه قد تغلغل الماء في أصوله وأتى على شعره وبشرته أجزأه وذلك أكثر من ثلاث غرفات يقطع بين كل غرفة منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن كان شعره ملبدا كثيرا فغرف عليه ثلاث غرفات وكان يعلم أن الماء لم يتغلغل في جميع أصول الشعر ويأت على جميع شعره كله فعليه أن يغرف على رأسه ويغلغل الماء حتى يعلم علما مثله أن قد وصل الماء إلى الشعر والبشرة (قال الشافعي) وإن كان محلوقا أو أصلع أو أقرع يعلم أن الماء يأتي على باقى شعره وبشرته
في غرفة عامة أجزأته وأحب له أن يكون ثلاثا وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة بثلاث للضفر وأنا أرى أنه أقل ما يصير الماء إلى بشرتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم ذا لمة يغرف عليها الماء ثلاثا وكذلك كان وضؤوه في عامة عمره ثلاثا للاختيار صلى الله عليه وسلم وواحدة سابغة كافيه في الغسل والوضوء لانه يقع بها اسم غسل ووضوء إذا علم أنها قد جاءت على الشعر والبشر (1).
باب من نسي المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أحب لاحد ان يدع المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وإن تركه أحببت له أن يتمضمض فإن لم يفعل لم يكن عليه أن يعود لصلاة إن صلاها (قال الشافعي) وليس عليه أن ينضح في عينيه الماء ولا يغسلهما لانهما ليستا ظاهرتين من بدنه لان دونهما جفونا (قال الشافعي) وعليه أن يغسل ظاهر أذنيه وباطنهما لانهما ظاهتران ويدخل الماء فيما ظهر الصماخ وليس عليه أن يدخل الماء فيما بطن منه (قال الشافعي) وأحب له أن يدلك ما يقدر عليه من جسده فإن لم يفعل وأتى الماء على جسده أجزأه (قال الشافعي) وكذلك إن انغمس في نهر أو بئر فأتى الماء على شعره ]
__________
(1) وفي اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبي إسحق عن الحرث ابن الازمع قال سمعت ابن مسعود يقول إذا غسل الجنب رأسه بالخطمى فلا يعيد له غسلا وليسوا يقولون بهذا يقولون ليس الخطمى بطهور وإن خالطه الماء إنما الطهور الماء محضا فأما غسل رأسه بالماء بعد الخطمى أو قبله فأما الخطمي فلا يطهر وحده.
وفي اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله تعالى في ترجمة غسل الجنابة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه الماء قال مالك ليس عليه العمل قال لي الشافعي وهذا مما تركتم على ابن عمر لم ترووا عن أحد خلافه فإذا وسعكم القول على ابن عمر بغير قول مثله لم يجز لكم أن تجعلوا قوله حجة على مثله وأنتم تدعون عليه لانفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز لكم خلافه لانفسكم.(1/57)
[ وبشره أجزأه إذا غسل شيئا إن كان أصابه وكذلك إن ثبت تحت ميزاب حتى يأتي الماء على شعره
وبشره (قال) وكذلك إن ثبت تحت مطر حتى يأتي الماء على شعره وبشره (قال الشافعي) ولا يطهر بالغسل في شئ مما وصف إلا ان ينوي بالغسل الطهارة وكذلك الوضوء لا يجزئه إلا أن ينوي به الطهارة وإن نوى بالغسل الطهارة من الجنابة والوضوء الطهارة مما أوجب الوضوء ونوى به أن يصلي مكتوبة أو نافله على جنازة أو يقرأ مصفحا فكله يجزئة لانه قد نوى بكله الطهارة (قال) ولو كان من وجب عليه الغسل ذا شعر طويل فغسل ما على رأسه منه وجميع بدنه وترك ما استرخى منه فلم يغسله لم يجزه لان عليه طهارة شعره وبشره ولو ترك لمعة من جسده تقل أو تكثر إذا احتاط أنه قد ترك من جسده شيئا فصلى أعاد غسل ما ترك من جسده ثم أعاد الصلاة بعد غسله ولو توضأ ثم اغتسل فلم يكمل غسله حتى أحدث مضى على الغسل كما هو وتوضأ بعد الصلاة (قال) ولو بدأ فاغتسل ولم يتوضا فأكمل الغسل أجزأه من وضوء الساعة للصلاة والطهارة بالغسل أكثر منها بالوضوء أو مثلها ولو بدأ برجليه في الغسل قبل رأسه أو فرق غسله فغسل منه الساعة شيئا بعد الساعة غيره أجزأه وليس هذا كالوضوء الذي ذكره الله عزوجل فبدأ ببعضه قبل بعض ويخلل المغتسل والمتوضئ أصابع أرجلهما حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى ما بين الاصابع ولا يجزئه إلا أن يعلم أن الماء قد وصل إلى ما بينهما ويجزئه ذلك وإن لم يخللهما (قال) وإن كان بينهما شئ ملتصق ذا غضون أدخل الماء الغضون ولم يكن عليه أن يدخله حيث لا يدخل من الملتصق وكذلك إن كان ذا غضون في جسده أو رأسه فعليه أن يغلغل الماء في غضونه حتى يدخله (1).
باب علة من يجب عليه الغسل والوضوء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " وان كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر " الاية (قال الشافعي) فلم يرخص الله في التيمم إلا في الحالين السفر والاعواز من الماء أو المرض فإن كان الرجل مريضا بعض المرض تيمم حاضرا أو مسافرا أو واجدا للماء أو غير واجد له (قال) والمرض اسم جامع لمعان لامراض مختلفة فالذي سمعت أن المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه الجراح (قال) والقرح دون الغور كله مثل الجراح لانه يخاف في كله إذا ماسه الماء أن ينطف فيكون من النطف التلف والمرض المخوف وأقله ما يخاف هذا فيه فإن كان جائفا خيف في وصول الماء إلى الجوف ]
__________
(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضى الله عنهما أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال سأل رجل عليا رضي الله عنه عن الغسل فقال اغتسل كل يوم إن شئت فقال لا الغسل الذي هو الغسل قال يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر وهم لا يرون شيئا من هذا واجبا عمرو بن الهيثم عن شعبة بن أبي إسحق عن ناجية بن كعب عن علي رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله بأبي أنت وامي ان أبي قد مات قال اذهب فواره قلت إنه قد مات مشركا قال اذهب فواره فواريته ثم أتيته فقال اذهب فاغتسل وهم لا يقولون بهذا يزعمون أنه ليس على من مس مشركا غسل ولا وضوء.
وفي أبواب الصلاة من اختلاف علي وابن مسعود وكيع عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن زاذان أن عليا كان يغتسل من الحجامة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا.(1/58)
[ معاجلة التلف جاز له أن يتيمم وإن كان القرح الخفيف غير ذي الغور الذي لا يخاف منه إذا غسل بالماء التلف ولا النظف لم يجز فيه إلا غسله لان، العلة التي رخص الله فيها بالتيمم زائلة عنه ولا يجزى التيمم مريضا أي مرض كان إذا لم يكن قريحا في شتاء ولا غيره وإن فعل أعاد كل صلاة صلاها بالتيمم وكذلك لا يجزي رجلا في برد شديد فإذا كان الرجل قريحا في رأسه وجميع بدنه غسل ما أصابه من النجاسة لا يجزئه غيره ويتيمم للجنابة وكذلك كل نجاسة أصابته فلا يجزئه فيها إلا غسلها وإن كانت على رجل قروح فإن كان القرح جائفا يخاف التلف إن غسلها فلم يغسلها أعاد كل صلوة صلاها وقد أصابته النجاسة فلم يغسلها وإن كان القروح في كفيه دون جسده لم يجزه إلا غسل جميع جسده ما خلا كفيه ثم لم يطهر إلا بأن يتيمم لانه لم يأت بالغسل كما فرض الله عزوجل عليه ولا بالتيمم (قال) وإن تيمم وهو يقدر على غسل شئ من جسده بلا ضرر عليه لم يجزه وعليه أن يغسل جميع ما قدر عليه من جسده ويتيمم لا يجزئه أحدهما دون الآخر وإن كان القرح في مقدم رأسه دون مؤخره لم يجزه إلا غسل مؤخره وكذلك إن كان في بعض مقدم رأسه دون بعض غسل ما لم يكن فيه وترك ما كان فيه فإن كان القرح في وجهه ورأسه سالم وإن غسله فاض الماء على وجهه لم يكن له تركه وكان عليه أن
يستلقي (1) ويقنع رأسه ويصب الماء عليه حتى ينصب الماء على غير وجهه وهكذا حيث كان القرح من بدنه فخاف إذا صب الماء على موضع صحيح منه أن يفيض على القرح أمس الماء الصحيح إمساسا لا يفيض وأجزأه ذلك إذا بل الشعر والبشر وإن كان يقدر على أن يفيض الماء ويحتال حتى لا يفيض على القروح أفاضه (قال) وإن كان القرح في ظهره فلم يضبط هذا منه ومعه من يضبطه منه برؤيته فعليه أن يأمره بذلك وكذلك إن كان أعمى وكان لا يضبط هذا في شئ من بدنه إلا هكذا وإن كان في سفر فلم يقدر على أحد يفعل هذا به غسل ما قدر عليه وتيمم وصلى وعليه إعادة كل صلاة صلاها لانه قد ترك ما يقدر على غسله بحال وكذلك إن كان أقطع اليدين لم يجزه إلا أن يأمر من يصب عليه الماء لانه يقدر عليه ومتى لم يقدر وصلى أمرته أن يأمر من يغسله إذا قدر وقضى ما صلى بلا غسل وإن كان القرح في موضع من الجسد فغسل ما بقي منه فإنما عليه أن ييمم وجهه ويديه فقط وليس عليه أن ييمم موضع القرح لان، التيمم لا يكون طهارة إلا على الوجه واليدين فكل ما عداهما فالتراب لا يطهره وإن كان القرح في الوجه واليدين يمم الوجه واليدين إلى المرفقين وغسل ما يقدر عليه بعد من بدنه وإن كان القرح الذي في موضع التيمم من الوجه والذراعين قرحا ليس بكبيرا أو كبيرا لم يجزه إلا أن يمر التراب عليه كله لان التراب لا يضره وكذلك إن كانت له أفواه مفتحة أمر التراب على ما انفتح منه لان ذلك ظاهر وأفواهه وما حول أفواهه وكل ما يظهر له لا يجزئه غيره لان التراب لا يضره.
وإذا أراد أن يلصق على شئ منه لصوقا يمنع التراب لم يكن له إلا أن ينزع اللصوق عند التيمم لانه لا ضرر في ذلك عليه ولو رأى أن أعجل لبرئه أن يدعه وكذلك لا يلطخه بشئ له ثخانة تمنع مماسة التراب البشرة إلا أن يكون ذلك في البشرة الذي يواريه شعر اللحية فإنه ليس عليه أن يماس بالتراب بشعر اللحية للحائل دونها من الشعر ويمر على ما ظهر من اللحية التراب لا يجزئه غيره وإذا كان هكذا لم يكن له أن يربط الشعر من اللحية حتى يمنعها أن يصل إليها التراب وكذلك إن كانت به قرحة في شئ من جسده فألصق عليها خرقة تلف موضع القرحة لم يجزه إلا إزالة الخرقة حتى يماس الماء كل ما عدا القرحة فإن ]
__________
(1) قوله ويقنع رأسه أي ينصبه، من أقنع يقنع إقناعا.
كتبه مصححه.(1/59)
[ كان القرح الذي به كسرا لا يرجع إلا بجبائر فوضع الجبائر على ما سامته ووضع على موضع الجبائر غيرها إن شاء إذا ألقيت الجبائر وما معها ماس الماء والتراب أعضاء الوضوء وضعه وكان عليه إذا أحدث طرحه وإمساسه الماء والتراب إن ضره الماء يجزيه غير ذلك بحال وإن كان ذلك أبعد من برئه وأقبح في جبره لا يكون له أن يدع ذلك إلا بأن يكون فيه خوف تلف ولا أحسب جبرا يكون فيه تلف إذا نحيت الجبائر عنه ووضئ أو يمم ولكنه لعله أبطأ للبرء وأشفق على الكسر وإن كان يخاف عليه إذا ألقيت الجبائر وما معها ففيها قولان أحدهما أن يمسح بالماء على الجبائر ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها إذا قدر على الوضوء والآخر لا يعيد ومن قال يمسح على الجبائر قال لا يضعها إلا على وضوء فإن لم يضعها على وضوء لم يمسح عليها كما يقول في الخفين (قال الشافعي) لا يعدو بالجبائر أبدا موضع الكسر إذا كان لا يزيلها (قال الشافعي) وقد روى حديث عن علي رضي الله عنه أنه انكسر إحدى زندي يديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يمسح بالماء على الجبائر ولو عرفت إسناده بالصحة قلت به (قال الربيع) أحب إلى الشافعي أن يعيد متى قدر على الوضوء أو التيمم لانه لم يصل وبضوء بالماء ولا يتيمم وإنما جعل الله تعالى التيمم بدلا من الماء فلما لم يصل إلى العضو الذي عليه الماء والصعيد كان عليه إذا قدر أن يعيده وهذا مما استخير الله فيه (قال الشافعي) والقول في الوضوء إذا كان القرح والكسر القول في الغسل من الجنابة لا يختلفان إذا كان ذلك في مواضع الوضوء فأما إذا لم يكن في مواضع الوضوء فذلك ليس عليه غسله (قال الشافعي) والحائض تطهر مثل الجنب في جميع ما وصفت (1) وهكذا لو وجب على رجل غسل بوجهه غسل أو امرأة كان هكذا (قال الشافعي) وإذا كان على الحائض أثر الدم وعلى الجنب النجاسة فإن قدرا على ماء اغتسلا وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره (قال الشافعي) ولا يجزئ مريضا غير القريح ولا أحدا في برد شديد يخاف التلف إن اغتسل أو ذا مرض شديد يخاف من الماء إن اغتسل ولا ذا قروح أصابته نجاسة إلا غسل النجاسة والغسل إلا أن يكون الاغلب عنده أنه يتلف إن فعل ويتيمم في ذلك الوقت ويصلي ويغتسل ويغسل النجاسة إذا ذهب ذلك عنه ويعيد كل صلاة صلاها في الوقت الذي قلت لا يجزيه فيه إلا الماء وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره (قال الشافعي) وكذلك كل نجاسة اصابتهما
مغتسلين أو متوضئين فلا يطهر النجاسة إلا الماء فإذا لم يجد من أصابته نجاسة من حائض وجنب ومتوضئ ماء تيمم وصلى وإذا وجد الماء غسل ما أصاب النجاسة منه واغتسل إن كان عليه غسل وتوضأ إن كان عليه وضوء وأعاد كل صلاة صلاها والنجاسة عليه لانه لا يطهر النجاسة إلا الماء (قال الشافعي) وإن وجد ما ينقي النجاسة عنه من الماء وهو مسافر فلم يجد ما يطهره لغسل إن كان عليه أو وضوء غسل أثر النجاسة عنه وتيمم وصلى ولا إعادة عليه لانه صلى طاهرا من النجاسة وطاهرا بالتيمم (2) من بعد الغسل والوضوء الواجب عليه (قال) وإذا وجد الجنب ماء يغسله وهو يخاف العطش فهو كمن لم يجد ماء وله أن يغسل النجاسة إن أصابته عنه ويتيمم ولا يجزيه في النجاسة إلا ما وصفت من غسلها فإن خاف إذا غسل النجاسة العطش قبل الوصول إلى الماء مسح النجاسة وتيمم ]
__________
(1) قوله: وهكذا لو وجب على رجل الخ كذا في النسخ، ولينظر اه.
(2) قوله: بعد الغسل والوضوء الخ كذا في جميع النسخ، ولعله لفظة " بعد " من زيادة الناسخ أو محرفة عن فعل.
كتبه مصححه.(1/60)
[ وصلى ثم أعاد الصلاة إذا طهر النجاسة بالماء، لا يجزيه غير ذلك (قال الشافعي) فإن كان لا يخاف العطش وكان معه ماء لا يغسله إن غسل النجاسة ولا النجاسة إن أفاضه عليه غسل النجاسة ثم غسل بما بقى من الماء معه ما شاء من جسده لانه تعبد بغسل جسده لا بعضه فالغسل على كله فأيها شاء غسل أعضاء الوضوء أو غيرها وليست اعضاء الوضوء بأوجب في الجنابة من غيرها ثم يتيمم ويصلي وليس عليه إعادة إذا وجد الماء لانه صلى طاهرا (قال الشافعي) فإن قال قائل لم لم يجزه في النجاسة تصيبه إلا غسلها بالماء وأجزأ في الجنابة والوضوء أن يتيمم؟ قيل له أصل الطهارة الماء إلا حيث جعل الله التراب طهارة وذلك في السفر والاعواز من الماء أو الحضر أو السفر والمرض فلا يطهر بشر ولا عيره ماسته نجاسة إلا بالماء إلا حيث جعل الله الطهارة بالتراب وانما جعلها حيث تعبده بوضوء أو غسل والتعبد بالوضوء والغسل فرض تعبد ليس بإزالة نجاسة قائمة والنجاسة إذا كانت على شئ من البدن أو الثوب فهو متعبد بإزالتها بالماء حتى لا تكون موجودة في بدنه ولا في ثوبه إذا كان إلى اخراجها سبيل وهذا تعبد
لمعنى معلوم (قال الشافعي) ولم يجعل التراب بدلا من نجاسة تصيبه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيض من الثوب وهو نجاسة فكانت النجاسة عندنا على أصلها لا يطهرها إلا الماء والتيمم يطهر حيث جعل ولا يتعدى به حيث رخص الله تعالى فيه وما خرج من ذلك فهو على أصل حكم الله في الطهارة بالماء (قال الشافعي) إذا أصابت المراة جنابة ثم حاضت قبل أن تغتسل من الجنابة لم يكن عليها غسل الجنابة وهي حائض لانها إنما تغتسل فتطهر بالغسل وهي لا تطهر بالغسل من الجنابة وهي حائض فإذا ذهب الحيض عنها أجزأها غسل واحد وكذلك لو احتلمت وهي حائض أجزأها غسل واحد لذلك كله ولم يكن عليها غسل وان كثر احتلامها حتى تطهر من الحيض فتغتسل غسلا واحدا (قال الشافعي) والحائض في الغسل كالجنب لا يختلفان إلا أنى أحب للحائض إذا اغتسلت من الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتتبع به آثار الدم فإن لم يكن مسك فطيب ما كان اتباعا للسنة والتماسا للطيب فإن لم تفعل فالماء كاف مما سواه (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن منصور الحجي عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال خذى فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها قال تطهري بها قالت كيف أتطهر بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله واستتر ثوبه تطهري بها فاجتذبتها وعرفت الذي أراد وقلت لها تتبعي بها أثر الدم يعني الفرج (قال الشافعي) والرجل المسافر لا ماء معه والمعزب في الابل له أن يجامع أهله ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره وغسلت المرأة ما أصاب فرجها أبدا حتى يجدا الماء فإذا وجدا الماء فعليها أن يغتسلا (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عباد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا كان جنبا أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل وأخبرنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لابي ذر ان وجدت الماء فامسسه جلدك (1).
]
__________
(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما (قال الشافعي) رضي الله عنه أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن شقيق عن عبد الله قال الجنب لا يتيمم وليسوا يقولون بهذا ويقولون لا نعلم أحدا يقول به ونحن نروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الجنب أن يتيمم ورواه ابن علية عن عون الاعرابي
عن أبى رجاء عن عمران ابن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر رجلا أصابته جنابة أن يتيمم ويصلي.(1/61)
[ جماع التيمم للمقيم والمسافر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا قمتم إلى الصلاة) الآية وقال في سياقها " وان كنتم مرضى أو على سفر " إلى " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " (قال الشافعي) فدل حكم الله عز وجل على أنه أباح التيمم في حالين أحدهما السفر والاعواز من الماء والآخر للمريض في حضر كان أو في سفر ودل ذلك على أن للمسافر طلب الماء لقوله: فلم تجدوا ماء فتيمموا (قال الشافعي) وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره يقع عليه اسم السفر قصر السفر أم طال ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض وكان ظاهر القرآن أن كل مسافر سفرا بعيدا أو قريبا يتيمم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة (قال الشافعي) والجرف قريب من المدينة.
باب متى يتيمم للصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى جعل الله تعالى المواقيت للصلاة فلم يكن لاحد أن يصليها قبلها وإنما أمرنا بالقيام إليها إذا دخل وقتها وكذلك أمره بالتيمم عند القيام إليها والاعواز من الماء فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها وطلب الماء لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم وإنما له أن يصليها إذا دخل وقتها الذي إذا صلاها فيه أجزأت عنه وطلب الماء فأعوزه (قال الشافعي) فإذا دخل وقت الصلاة فله أن يتيمم ولا ينتظر آخر الوقت لان كتاب الله تعالى يدل على أن يتيمم إذا قام إلى الصلاة فأعوزه الماء وهو إذا صلى حينئذ أجزأ عنه (قال الشافعي) ولو تلوم إلى آخر الوقت كان ذلك له ولست أستحبه كاستحبابي في كل حال تعجيل الصلاة إلا أن يكون على ثقة من وجود الماء وأحب أن يؤخر التيمم إلى أن يؤيس منه أو يخاف خروج الوقت فيتيمم (قال الشافعي) ولو تيمم وليس معه ماء قبل طلب الماء
أعاد التيمم بعد أن يطلبه حتى يكون تيمم بعد أن يطلبه ولا يجده وطلب الماء أن يطلبه وإن كان على غير علم من أنه ليس معه شئ فإذا علم أنه ليس معه طلبه مع غيره وإن بذله غيره بلا ثمن أو بثمن مثله وهو واجد لثمن مثله في موضعه ذلك غير خائف إن اشتراه الجوع في سفر لم يكن له أن يتيمم وهو يجده بهذه الحال وإن امتنع عليه من ان يعطاه متطوعا له بإعطائه أو باعه إلا بأكثر من ثمنه لم يكن عليه أن يشتريه ولو كان موسرا وكانت الزيادة على ثمنه قليلا (قال الشافعي) وإن كان واجدا بئرا ولا حبل معه فان كان لا يقدر على أن يصل إليها (1) حلا أو حبلا أو ثيابا فلا حل حتى يصل أن يأخذ منها بإناء أو رام شنا (2) أو دلوا فإن لم يقدر دلى طرف الثوب ثم اعتصره حتى يخرج منه ماء ثم أعاده فيفعل ذلك حتى يصير له في الماء ما يتوضأ به لم يكن له أن يتيمم وهو يقدر على هذا أن يفعله بنفسه أو بمن يفعله له (قال الشافعي) وإن كان لا يقدر على هذا وكان يقدر على نزولها بأمر ليس عليه فيه خوف نزلها فإن لم ]
__________
(1) قوله: حلا أو حبلا الخ كذا في النسخ وانظره اه.
(2) قوله: شنا.
كذا في الاصل: ولعله: رشا.
أي حبلا.(1/62)
[ يقدر على ذلك إلا بخوف لم يكن عليه إن ينزلها (قال الشافعي) وإن دل على ماء قريب من حيث تحضره الصلاة فإن كان لا يقطع به صحبة أصحابه ولا يخاف على رحله إذا وجه إليه ولا في طريقه إليه ولا يخرج من الوقت حتى يأتيه فعليه أن يأتيه وإن كان يخاف ضياع رحله وكان أصحابه لا ينتظرونه أو خاف طريقه أو فوت وقت إن طلبه فليس عليه طلبه وله أن يتيمم (قال الشافعي) فإن تيمم وصلى ثم علم أنه كان في رحله ماء أعاد الصلاة وإن علم أن بئرا كانت منه قريبا يقدر على مائها لو علمها لم يكن عليه إعادة ولو أعاد كان احتياطا (قال الشافعي) والفرق بين ما في رحله والبئر لا يعلم واحدا منهما (1) أن ما في رحله شئ كعلمه أمر نفسه وهو مكلف في نفسه الاحاطة وما ليس في ملكه فهو شئ في غير ملكه وهو مكلف في غيره الظاهر لا الاحاطة (قال الشافعي) فإن كان في رحله ماء فحال العدو بينه وبين رحله أو حال بينه وبينه سبع أو حريق حتى لا يصل إليه تيمم وصلى وهذا غير واجد للماء إذا كان لا يصل إليه وإن كان في رحله ماء فأخطأ رحله وحضرت الصلاة طلب ماء فلم يجده تيمم وصلى ولو ركب البحر فلم يكن معه ماء في مركبه فلم يقدر على الاستقاء من البحر للشدة بحال ولا على شئ
يدليه يأخذ به من البحر بحال تيمم وصلى ولا يعيد وهذا غير قادر على الماء (2).
باب النية في التيمم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجزي التيمم إلا بعد أن يطلب الماء فلم يجده فيحدث نية التيمم (قال الشافعي) ولا يجزي التيمم إلا بعد الطلب وإن تيمم قبل أن يطلب الماء لم يجزه التيمم ]
__________
(1) قوله: أن ما في رحله شئ كعلمه كذا في الاصل ولعل فيه سقطا من الناسخ والاصل " أن ما في رحله شئ في ملكه فهو يعلمه كعلمه " الخ كتبه مصححه.
(2) وفي اختلاف مالك والشافعي.
التيمم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانا بالمربد نزل فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمريد النعم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة قلت للشافعي فإنا نقول إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت فإن تيمم قبل آخر الوقت وصلي ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد (قال الشافعي) وهذا خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وتيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شئ صالح فلم يعد الصلاة فكيف خالفتموه في الامرين معا ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه غيركم كنتم شبيها أن تقولوا بقول يخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم يخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن يصلي ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه.(1/63)
[ وكان عليه أن يعود للتيمم بعد طلبه الماء وإعوازه (قال الشافعي) وإذا نوى التيمم ليتطهر لصلاة مكتوبة صلى بعدها النوافل وقرأ في المصحف وصلى على الجنائز وسجد سجود القرآن وسجود الشكر فإذا حضرت مكتوبة غيرها ولم يحدث لم يكن له أن يصليها إلا بأن، يطلب لها الماء بعد الوقت فإذا لم يجد استأنف نية يجوز له بها التيمم لها (قال الشافعي) فان أراد الجمع بين الصلاتين فصلى الاولى منهما
وطلب الماء فلم يجده أحدث نية يجوز له بها التيمم ثم تيمم ثم صلى المكتوبة التي تليها وإن كان قد فاتته صلوات استأنف التيمم لكل صلاة منها كما وصفت لا يجزيه غير ذلك فإن صلى صلاتين بتيمم واحد أعاد الآخرة منهما لان التيمم يجزيه للاولى ولا يجزيه للآخرة (قال الشافعي) وإن تيمم ينوي نافلة أو جنازة أو قراءة مصحف أو سجود قرآن أو سجود شكر لم يكن له أن يصلي به مكتوبة حتى ينوي بالتيمم المكتوبة (قال) وكذلك أن تيمم فجمع بين صلوات فائتات أجزأه التيمم للاولى منهن ولم يجزه لغيرها وأعاد كل صلاة صلاها بتيمم لصلاة غيرها ويتيمم لكل واحدة منهن (قال الشافعي) وإن تيمم ينوي بالتيمم المكتوبة فلا بأس أن يصلي قبلها نافلة وعلى جنازة وقراءة مصحف ويسجد سجود الشكر والقرآن فإن قال قائل لم لا يصلي بالتيمم فريضتين ويصلي به النوافل قبل الفريضة وبعدها قيل له إن شاء الله تعالى إن الله عزوجل لما أمر القائم إلى الصلاة إذا لم يجد الماء أن يتيمم دل على أنه لا يقال له لم يجد الماء إلا وقد تقدم قبل طلبه الماء والاعواز منه نية في طلبه وإن الله إنما عنى فرض الطلب لمكتوبة فلم يجز والله تعالى أعلم أن تكون نيته في التيمم لغير مكتوبة ثم يصلي به مكتوبة وكان عليه في كل مكتوبة ما عليه في الاخرى فدل على أن التيمم لا يكون له طهارة إلا بان يطلب الماء فيعوزه فقلنا لا يصلى مكتوبتين بتيمم واحد لان عليه في كل واحدة منهما ما عليه في الاخرى وكانت النوافل أتباعا للفرائض لا لها حكم سوى حكم الفرائض (قال الشافعي) ولم يكن التيمم إلا على شرط ألا ترى أنه إذا تيمم فوجد الماء فعليه أن يتوضأ وهكذا المستحاضة ومن به عرق سائل وهو واجد للماء لا يختلف هو والمتيمم في أن على كل واحد منهم أن يتوضأ لكل صلاة مكتوبة لانها طهارة ضرورة لا طهارة على كمال فإن قال قائل فإن كان بموضع لا يطمع فيه بماء قيل ليس ينقضى الطمع به قد يطلع عليه الراكب معه الماء والسيل ويجد الحفيرة والماء الظاهر والاختباء حيث لا يمكنه (قال الشافعي) وإذا كان للرجل أن يتيمم فتيمم فلم يدخل في الصلاة حتى وجد الماء قبل أن يكبر للمكتوبة لم يكن له أن يصلي حتى يتوضأ فإن كان طلع عليه راكب بماء فامتنع عليه أن يعطيه منه أو وجد ماء فحيل بينه وبينه أو لم يقدر عليه بوجه لم يجزه التيمم الاول وأحدث بعد اعوازه من الماء الذي رآه نية في التيمم للمكتوبة يجوز له بها الصلاة بعد تيممه (قال الشافعي) إن تيمم فدخل في نافلة أو في صلاة على جنازة ثم رأى الماء
مضى في صلاته التي دخل فيها ثم إذا انصرف توضأ إن قدر للمكتوبة فإن لم يقدر أحدث نية للمكتوبة فتيمم لها (قال الشافعي) وهكذا لو ابتدأ نافلة فكبر ثم رأى الماء مضى فصلى ركعتين لم يكن له أن يزيد عليهما وسلم ثم طلب الماء (قال) وإذا تيمم فدخل في المكتوبة ثم رأى الماء لم يكن عليه أن يقطع الصلاة وكان له أن يتمها فإذا أتمها توضأ لصلاة غيرها ولم يكن له أن يتنقل بتيممه للمكتوبة إذا كان واجدا للماء بعد خروجه منها ولو تيمم فدخل في مكتوبة ثم رعف فانصرف ليغسل الدم عنه فوجد الماء لم يكن له أن يبني على المكتوبة حتى يحدث وضوءا وذلك أنه قد صار في حال ليس له فيها أن يصلي وهو واجد للماء (قال الشافعي) ولو كان إذا رعف طلب الماء فلم يجد منه ما يوضئه ووجد ما يغسل الدم عنه غسله واستأنف تيمما لانه قد كان صار إلى حال لا يجوز له أن يصلي ما كانت قائمة فكانت رؤيته(1/64)
الماء في ذلك الحال توجب عليه طلبه فإذا طلبه فإعوزه منه كان عليه استئناف نية تجيز له التيمم فإن قال قائل ما الفرق بين أن يرى الماء قبل أن يدخل في الصلاة ولا يكون له الدخول فيها حتى يطلبه فإن لم يجده استأنف نية وتيمما وبين دخوله في الصلاة فيرى الماء جاريا إلى جنبه وأنت تقول إذا اعتقت الامة وقد صلت ركعة تقنعت فيما بقي من صلاتها لا يجزيها غير ذلك قيل له إن شاء الله تعالى إني آمر الامة بالقناع فيما بقي من صلاتها والمريض بالقيام إذا أطاقه فيما بقي من صلاته لانهما في صلاتهما بعد وحكمهما في حالهما فيما بقي من صلاتهما أن تقنع هذه حرة ويقوم هذا مطيقا ولا أنقض عليهما فيما مضى من صلاتهما شيئا لان حالهما الاولى غير حالهما الاخرى والوضوء والتيمم عملان غير الصلاة فإذا كانا مضيا وهما يجزيان حل للداخل الصلاة وكانا منقضين مفروغا منهما وكان الداخل مطيعا بدخوله في الصلاة وكان ما صلى منها مكتوبا له فلم يجز أن يحبط عمله عنه ما كان مكتوبا له فيستأنف وضوء وإنما أحبط الله الاعمال بالشرك به فلم يجز أن يقال له توضأ وابن على صلاتك فإن حدثت حالة لا يجوز له فيها ابتداء التيمم وقد تيمم فانقضى تيممه وصار إلى صلاة والصلاة غير التيمم فانفصل لصلاة بعمل غيرها وقد انقضى وهو يجزي أن يدخل به في الصلاة لم يكن للمتيمم حكم إلا أن يدخل في الصلاة فلما دخل فيها به كان حكمه منقضيا والذي يحل له أول الصلاة يحل له آخرها.
باب كيف التيمم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " (قال الشافعي) أخبرنا ابراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن الاعرج عن ابن الصمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه (قال الشافعي) ومعقول: إذا كان التيمم بدلا من الوضوء على الوجهين واليدين أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه فيهما وان الله عزوجل إذا ذكرهما فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل (قال الشافعي) ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلا أن ييمم وجهه وذراعيه إلى المرفقين ويكون المرفقان فيما ييمم فإن ترك شيئا من هذا لم يمر عليه التراب قل أو كثر كان عليه أن ييممه وإن صلى قبل أن ييممه أعاد الصلاة وسواء كان ذلك مثل الدرهم أو أقل منه أو أكثر كل ما أدركه الطرف منه أو استيقن أنه تركه وإن لم يدركه طرفه واستيقن أنه ترك شيئا فعليه اعادته وأعادة كل صلاة صلاها قبل أن يعيده (قال) وإذا رأى أن قد أمس يديه التراب على وجهه وذراعيه ومرفقيه ولم يبق شيئا أجزأه (قال الشافعي) ولا يجزئه إلا أن يضرب ضربة لوجهه وأحب إلى أن يضربها بيديه معا فإن اقتصر على ضربها باحدى يديه وأمرها على جميع وجهه أجزأه وكذلك أن ضربها ببعض يديه أنما أنظر من هذا إلى أن يمرها على وجهه وكذلك إن ضرب التراب بشئ فأخذ الغبار من أداته غير يديه ثم أمره على وجهه وكذلك إن يممه غيره بأمره وان سفت عليه الريح ترابا عمه فامر ما على وجهه منه على وجهه لم يجزه لانه لم يأخذه لوجهه ولو أخذ ما على رأسه لوجهه فأمره عليه أجزأه وكذلك لو أخذ ما على بعض بدنه غير وجهه وكفيه (قال الشافعي) ويضرب بيديه معا لذراعيه لا يجزيه غير ذلك إذا يمم نفسه لانه لا يستطيع أن يمسح يدا إلا باليد التي تخالفها فيمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى (قال الشافعي) ويخلل أصابعه بالتراب ويتتبع مواضع الوضوء بالتراب كما يتتبعها بالماء (قال) وكيفما جاء بالغبار على ذراعيه أجزأه أو أتى به(1/65)
غيره بأمره كما قلت في الوجه (قال الشافعي) ووجه التيمم ما وصفت من ضربه بيديه معا لوجهه ثم يمرهما معا عليه وعلى ظاهر لحيته ولا يجزيه غيره ولا يدع إمراره على لحيته ويضرب بيديه معا لذراعيه ثم
يضع ذراعه اليمنى في بطن كفه اليسرى ثم يمر بطن راحته على ظهر ذراعه ويمر أصابعه على حرف ذراعه وأصبعه الابهام على بطن ذراعه ليعلم أنه قد استوظف وإن استوظف في الاولى كفاه من أن يقلب يده فإذا فرغ من يمنى يديه يمم يسرى ذراعيه بكفه اليمنى (قال) وإن بدأ بيديه قبل وجهه أعاد فيمم وجهه ثم يمم ذراعيه وإن بدأ بيسرى ذراعيه قبل يمناها لم يكن عليه إعادة وكرهت ذلك له كما قلت في الوضوء وإن كان اقطع اليد أو اليدين يمم ما بقي من القطع وإن كان أقطعهما من المرفقين يمم ما بقي من المرفقين وإن كان اقطعهما من المنكبين فأحب إلي أن يمر التراب على المنكبين وإن لم يفعل فلا شئ عليه لانه لا يدين له عليهما فرض وضوء ولا تيمم وفرض التيمم من اليدين على ما عليه فرض الوضوء ولو كان أقطعهما من المرفقين فأمر التراب على العضدين كان أحب إلى احتياطا وإنما قلت بهذا لانه اسم اليد وليس بلازم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمم ذراعيه فدل على أن فرض الله عزوجل في التيمم على اليدين كفرضه (1) على الوضوء (قال الشافعي) فإذا كان أقطع فلم يجد من ييممه فإن قدر على أن يلوث يديه بالتراب حتى يأتي به عليهما أو يحتال له بوجه إما برجله أو غيرها أجزأه وإن لم يقدر على ذلك لاث بوجهه لوثا رفيقا حتى يأتي بالغبار عليه وفعل ذلك بيديه وصلى وأجزأته صلاته فإن لم يقدر على لوثهما معا لاث إحداهما وصلى وأعاد الصلاة إذا قدر على من ييممه أو يوضئه (قال الشافعي) وإذا وجد الرجل المسافر ماء لا يطهر أعضاءه كلها لم يكن عليه أن يغسل منها شيئا (قال الربيع) وله قول آخر أنه يغسل بما معه من الماء بعض أعضاء الوضوء ويتيمم بعد ذلك (قال الربيع) لان الطهارة لم تتم فيه كما لو كان بعض أعضاء الوضوء جريحا غسل ما صح منه وتيمم لان الطهارة لم تكمل فيه أخبرنا مالك عن نافع (2) عن ابن عمر أنه تيمم (قال الشافعي) لا يجزيه في التيمم إلا أن يأتي بالغبار على ما يأتي عليه بالوضوء من وجهه ويديه إلى المرفقين (3).
باب التراب الذي يتيمم به ولا يتيمم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " فتيمموا صعيدا طيبا " (قال الشافعي) وكل ما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة فهو صعيد طيب يتيمم به وكل ما حال عن اسم صعيد لم يتيمم به ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار (قال الشافعي) فأما البطحاء الغليظة والرقيقة ]
__________
(1) قوله على الوضوء كذا في جميع النسخ ولعله من تحريف النساخ والوجه " في الوضوء " كتبه مصححه.
(2) قوله عن ابن عمر أنه تيمم كذا في النسخ ولعله سقط تمام الحديث فإنه ليس مرتبطا بما قبله اه.
(3) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن خالد عن أبي إسحق أن عليا رضي الله عنه قال في التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين وليس هكذا يقولون يقولون ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.(1/66)
[ والكثب الغليط فلا يقع عليه اسم صعيد وإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو الصعيد وإذا ضرب المتيمم عليه بيديه فعلقهما غبار أجزأة التيمم به وإذا ضرب بيديه عليه أو على غيره فلم يعلقه غبار ثم مسح به لم يجزه وهكذا كل أرض سبخها ومدرها وبطحاؤها وغيره فما علق منه إذا ضرب باليد غبار فتيمم به أجزأه وما لم يعلق به غبار فتيمم به لم يجزه وهكذا ان نفض المتيمم ثوبه أو بعض أداته فخرج عليه غبار تراب فتيمم به أجزأه إذا كان التراب دقعاء فضرب فيه المتيمم بيديه فعلقهما منه شئ كثير فلا بأس أن ينفض شيئا إذا بقي في يديه غبار يماس الوجه كله وأحب إلي لو بدأ فوضع يديه على التراب وضعا رفيقا ثم يتيمم به وإن علق بيديه تراب كثير فأمره على وجهه لم يضره وإن علقه شئ كثير فمسح به وجهه لم يجزه أن يأخذ من الذي على وجهه فيمسح به ذراعيه ولا يجزيه إلا أن يأخذ ترابا غيره لذراعيه فإن أمره على ذراعيه عاد فأخذ ترابا آخر ثم أمره على ذراعيه فإن ضرب على موضع من الارض فيمم به وجهه ثم ضرب عليه اخرى فيمم به ذراعيه فجائز وكذلك إن تيمم من موضعه ذلك جاز لان ما اخذ منه في كل ضربة غير ما يبقى بعدها (قال) وإذا حت التراب من الجدار فتيمم به أجزأه وان وضع يديه على الجدار وعلق بهما غبار تراب فتيمم به أجزأه فان لم يعلق لم يجزه وإن كان التراب مختلطا بنورة أو تبن رقيق أو دقيق حنطة أو غيره لم يجز التيمم به حتى يكون ترابا محضا (قال الشافعي) وإذا حال التراب بصنعة عن أن يقع عليه اسم تراب أو صعيد فتيمم به لم يجز
وذلك مثل أن يطبخ قصبة أو يجعل آجرا ثم يدق وما أشبه هذا (قال) ولا يتيمم بنورة ولا كحل ولا زرنيخ وكل هذا حجارة وكذلك إن دقت الحجارة حتى تكون كالتراب أو الفخار أو خرط المرمر حتى يكون غبارا لم يجز التيمم به وكذلك القوارير تسحق واللؤلؤ وغيره والمسك والكافور والاطياب كلها وما يسحق حتى يكون غبارا مما ليس بصعيد فأما الطين الارمني والطين الطيب الذى يؤكل فإن دق فتيمم به أجزأه وإن دق الكذان فتيمم به لم يجزه لان الكذان حجر خوار ولا يتيمم بشب ولا ذريرة ولا لبان شجره ولا سحالة فضة ولا ذهب ولا شئ غير ما وصفت من الصعيد ولا يتيمم بشئ من الصعيد علم المتيمم أنه أصابته نجاسة بحال حتى يعلم أن قد طهر بالماء كما وصفنا من التراب (1) المختلط بالتراب الذي لا جسد له قائم مثل البول وما أشبهه أن يصب عليه الماء حتى يغمره ومن الجسد القائم بأن يزال ثم يصب عليه الماء على موضعه أو يحفر موضعه حتى يعلم أنه لم يبق منه شئ ولا يتيمم بتراب المقابر لاختلاطها بصديد الموتى ولحومهم وعظامهم ولو أصابها المطر لم يجز التيمم بها لان الميت قائم فيها لا يذهبه الماء إلا كما يذهب التراب وهكذا كل ما اختلط بالتراب من الانجاس مما يعود فيه كالتراب وإذا كان التراب مبلولا لم يتيمم به لانه حينئذ طين ويتيمم بغبار من أين كان فإن كانت ثيابه ورجله مبلولة استجف من الطين شيئا على بعض أداته أو جسده فإذا جف حته ثم يتيمم به لا يجزيه غير ذلك وأن لطخ وجهه بطين لم يجزه من التيمم لانه لا يقع عليه اسم صعيد وهكذا إن كان التراب في سبخه ندية لم ]
__________
(1) قوله المختلط بالتراب كذا في النسخ ولعله من تحريف النساخ ووجهه من التراب المختلط بالشئ الذي لا جسد له قائم الخ وحاصل المقام ان المخالط للتراب إما أن يكون له جسد قائم أو لا فإن لم يكن له جسد قائم فطهارته أن يغمر بالماء وإن كان له جسده قائم فطهارته أن يزال ذلك الجسد ثم يصب الماء على موضعه الخ وسيأتي ذلك في باب جماع ما يصلي عليه من الارض وما لا يصلى.
كتبه مصححه.(1/67)
[ يتيمم بها لانها كالطين لا غبار لها وإن كان في الطين ولم يجف له منه شئ حتى خاف ذهاب الوقت صلى ثم إذا جف الطين تيمم وأعاد الصلاة ولم يعتد بصلاة صلاها لا بوضوء ولا تيمم وإذا كان الرجل
محبوسا في المصرفي الحش أو في موضع نجس التراب ولا يجد ماء أو يجده ولا يجد موضعا طاهرا يصلى عليه ولا شيئا طاهرا يفرشه يصلي عليه صلى يومئ إيماء وأمرته أن يصلي ولا يعيد صلاته ههنا وانما أمرته بذلك لانه يقدر على الصلاة بحال فلم أره يجوز عندي أن يمر به وقت صلاة لا يصلى فيها كما أمكنه وأمرته أن يعيد لانه لم يصلي كما يجزيه وهكذا الاسير يمنع والمستكره ومن حيل بينه وبين تأدية الصلاة صلى كما قدر جالسا أو موميا وعاد فصلى مكملا للصلاة إذا قدر ولو كان هذا المحبوس يقدر على الماء لم يكن له إلا أن يتوضأ وإن كان لا تجزيه به صلاته وكذلك لو قدر على شئ يبسطه ليس بنجس لم يكن له إلا أن يبسطه وإن لم يقدر على ما قال فاتى بأى شئ قدر على أن يأتي به جاء به مما عليه وإن كان عليه البدل وهكذا إن حبس مربوطا على خشبية وهكذا إن حبس مربوطا لا يقدر على الصلاة أومأ إيماء ويقضى في كل هذا إذا قدر وإن مات قبل أن يقدر على القضاء رجوت له أن لا يكون عليه مأثم لانه حيل بينه وبين تأدية الصلاة وقد علم الله تعالى نيته في تأديتها باب ذكر الله عزوجل على غير وضوء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه الرجل فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاوزه ناداه النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول إني سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم علي فإنك إن تفعل لا أرد عليك " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الاعرج عن ابن الصمة قال مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم مسح يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد، علي أخبرنا إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بئر جمل لحاجته ثم أقبل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى تمسح بجدار ثم رد عليه السلام (قال الشافعي) والحديثان الاولان ثابتان وبهما نأخذ وفيهما وفى الحديث بعدهما دلائل منه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى فإذا رده رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل التيمم وبعد التيمم في الحضر والتيمم لا يجزى المرء وهو صحيح
في لاوقت الذي لا يكون التيمم فيه طهارة للصلاة دل ذلك على أن ذكر الله عزوجل يجوز والمرء غير طاهر للصلاة (قال) ويشبه والله تعالى أعلم أن تكون القراءة غير طاهر كذلك لانها من ذكر الله تعالى (قال) ودليل على أنه ينبغى لمن مر على من يبول أو يتغوط أن يكف عن السلام عليه في حالته تلك ودليل على أن رد السلام في تلك الحال مباح لان النبي صلى الله عليه وسلم رد في حالته تلك وعلى أن ترك الرد حتى يفارق تلك الحال ويتيمم مباح ثم يرد وليس ترك الرد معطلا لوجوبه ولكن تأخيره إلى التيمم (قال) وترك رد السلام إلى التيمم يدل على أن الذكر بعد التيمم اختيارا على الذكر قبله وإن كانا مباحين لرد النبي صلى الله عليه وسلم قبل التيمم وبعده (قال) فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول لما تيمم(1/68)
النبي صلى الله عليه وسلم رد السلام لانه قد جاز له قلنا بالتيمم للجنازة والعيدين إذا أراد الرجل ذلك وخاف فوتهما قلنا والجنازة والعيد صلاة والتيمم لا يجوز في المصر لصلاة فإن زعمت أنها ذكر جاز العيد بغير تيمم كما جاز في السلام بغير تيمم باب ما يطهر الارض وما لا يطهرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال دخل أعرابي المسجد فقال اللهم ارحمنى ومحمد ولا ترحم معنا أحدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا قال فما لبث أن بال في ناحية المسجد فكأنهم عجلوا عليه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بذنوب من ماء أو سجل من ماء فأهريق عليه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم علموا ويسروا ولا تعسروا (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنس بن مالك يقول بال أعرابي في المسجد فعجل الناس عليه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقال صبوا عليه دلوا من ماء (قال الشافعي) فإذا بيل على الارض وكان البول رطبا مكانه أو نشفته الارض وكان موضعه يابسا فصب عليه من الماء ما يغمره حتى يصير البول مستهلكا في التراب والماء جاريا على مواضعه كلها مزيلا لريحه فلا يكون له جسد قائم ولا شئ في معنى جسد من ريح ولا لون فقد طهر وأقل قدر ذلك ما يحيط العلم انه كالدلو الكبير على بول الرجل وإن كثر وذلك
أكثر منه اضعافا لا أشك في أن ذلك سبع مرات أو أكثر لا يطهره شئ غيره (قال) فإن بال على بول الواحد آخر لم يطهره إلا دلوان، وان بال اثنان معه لم يطهره إلا ثلاثة وإن كثروا لم يطهر الموضع حتى يفرغ عليه من الماء ما يعلم أن قد صب مكان بول كل رجل دلوا عظيم أو كبير (قال الشافعي) وإذا كان مكان البول خمر صب عليه كما يصب على البول لا يختلفان في قدر ما يصب عليه من الماء فإذا ذهب لونه وريحه من التراب فقد طهر التراب الذي خالطه (قال) وإذا ذهب لونه ولم يذهب ريحه ففيها قولان أحدهما لا تطهر الارض حتى يذهب ريحه وذلك أن الخمر لما كانت الرائحة قائمة فيه فهى كاللون والجسد فلا تطهر الارض حتى يصب عليها من الماء قدر ما يذهبه فإن ذهبت بغير صب ماء لم تطهر حتى يصب عليها من الماء قدر ما يطهر به البول والقول الثاني أنه إذا صب على ذلك من الماء قدر ما يطهرها وذهب اللون والريح ليس بجسد ولا لون فقد طهرت الارض وإذا كثر ما يصب من الخمر على الارض فهو ككثرة البول يزاد عليه من الماء كما وصفته يزاد على البول إذا كثر وكل ما كان غير جسد في هذا المعنى لا يخالفه فإن كانت جيفة على وجه الارض فسال منها ما يسيل من الجيف فأزيل جسدها صب على ما خرج منها من الماء كما وصفته يصب على البول والخمر فإذا صب الماء فلم يوجد له عين ولا لون ولا ريح فهكذا (قال) وهكذا إذا كانت عليها عذرة أو دم أو جسد نجس فأزيل (قال) وإذا صب على الارض شيئا من الذائب كالبول والخمر والصديد وما أشبهه ثم ذهب أثره ولونه وريحه فكان في شمس أو غير شمس فسواء ولا يطهره إلا أن يصب عليه الماء وإن أتى على الارض مطر يحيط العلم أنه يصيب موضع البول منه أكثر من الماء الذي وصفت أنه يطهره كان لها طهورا وكذلك إن أتى عليها سيل يدوم عليها قليلا حتى تأخذ الارض منه مثل ما كانت آخذة مما صب عليها ولا أحسب سيلا يمر عليها إلا أخذت منه مثل أو أكثر مما كان يطهرها من ماء يصب عليها فإن كان العلم يحيط بأن سيلا(1/69)
لو مسحها مسحة لم تأخذ منه قدر ما كان يطهرها لم تطهر حتى يصب عليها ما يطهرها وإن صب على الارض نجسا كالبول فبودر مكانه فحفر حتى لا يبقى في الارض منه شئ رطب ذهبت النجاسة كلها وطهرت بلا ماء وإن يبس وبقى له أثر فحفرت حتى لا يبقى يرى له أثر لم تطهر لان الاثر لا يكون منه
إلا الماء طهر حيث تردد إلا أن يحيط العلم أن قد أتى بالحفر على ما يبلغه البول فيطهره فأما كل جسد ومستجسد قائم من الانجاس مثل الجيفة والعذرة والدم وما أشبهها فلا تطهر الارض منه إلا بان يزول عنها ثم يصب على رطب إن كان منه فيها ما يصب على البول والخمر فإن ذهبت الاجساد في التراب حتى يختلط بها فلا يتميز منها كانت كالمقابر لا يصلى فيها ولا تطهر لان التراب غير متميز من المحرم المختلط وهكذا كل ما اختلط بما في الكراييس (1) وما أشبهه وإذا ذهبت جيفة في الارض فكان عليها من التراب ما يواريها ولا يرطب برطوبة إن كانت منها كرهت الصلاة على مدفنها وإن صلى عليها مصل لم آمره بإعادة الصلاة وهكذا ما دفن من الانجاس مما لم يختلط بالتراب وإذا ضرب اللبن مما فيه بول لم يصل عليه حتى يصب عليه الماء كما يصب على ما بيل عليه من الارض وأكره أن يفرش به مسجد أو يبنى به فإن بنى به مسجد أو كان منه جدرانه كرهته وإن صلى إليها مصل لم أكرهه ولم يكن عليه إعادة وكذلك إن صلى في مقبرة أو قبر أو جيفة أمامه وذلك أنه إنما كلف ما يماسه من الارض وسواء إن كان اللبن الذي ضرب بالبول مطبوخا أو نيئا لا يطهر اللبن بالنار ولا تطهر شيئا ويصب عليه الماء كله كما وصفت لك وإن ضرب اللبن بعظام ميتة أو لحمها أو بدم أو بنجس مستجسد من المحرم لم يصل عليه ابدا طبخ أو لم يطبخ غسل أو لم يغسل لان الميت جزء قائم فيه ألا ترى أن الميت لو غسل بماء الدنيا لم يطهر ولم يصل عليه إذا كان جسدا قائما ولا تتم صلاة أحد على الارض ولا شئ يقوم عليه دونها حتى يكون جميع ما يماس جسده منها طاهرا كله فإن كان منها شئ غير طاهر فكان لا يماسه وما ماسه منها طاهر فصلاته تامة وأكره له أن يصلي إلا على موضع طاهر كله وسواء ماس من يديه أو رجليه أو ركبتيه أو جبهته أو أنفه أو أي شئ ماس منه وكذلك سواء ما سقطت عليه ثيابه منه إذا ماس من ذلك شيئا نجسا لم تتم صلاته وكانت عليه الاعادة والبساط وما صلى عليه مثل الارض إذا قام منه على موضع طاهر وإن كان الباقي منه نجسا أجزأته صلاته وليس هكذا الثوب لو لبس بعض ثوب طاهر وكان بعضه ساقطا عنه والساقط عنه منه غير طاهر لم تجزه صلاته لانه يقال له لابس لثوب ويزول فيزول بالثوب معه إذا كان قائما على الارض فحظه منها ما يماسه وإذا زال لم يزل بها وكذلك ما قام عليه سواها وإذا استيقن الرجل بان قد ماس بعد الارض نجاسة أحببت أن يتنحى عنه حتى يأتي موضعا لا يشك أنه لم
تصبه نجاسة وإن لم يفعل أجزأ عنه حيث صلى إذا لم يستيقن فيه النجاسة وكذلك إن صلى في موضع فشك أصابته نجاسة أم لا أجزأته صلاته والارض على الطهارة حتى يستيقن فيها النجاسة.
باب ممر الجنب والمشرك على الارض ومشيهما عليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ]
__________
(1) قوله بما في الكراييس جميع كرياس بمثناة تحتية فعيال وهو الكنيف في اعلى السطح بقناة من الارض اه.
كتبه مصححه.(1/70)
[ ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا " (قال الشافعي) فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عزوجل " ولا جنبا إلا عابري سبيل " قال لا تقربوا مواضع الصلاة وما أشبه ما قال بما قال لانه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد فلا بأس أن يمر الجنب في المسجد مارا ولا يقيم فيه لقول الله عزوجل " ولا جنبا إلا عابرى سبيل " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عثمان بن أبي سليمان أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد.
منهم جبير بن مطعم، قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام فإن الله عزوجل يقول " إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " فلا ينبغى لمشرك أن يدخل الحرم بحال (قال) وإذا بات المشرك في المساجد غير المسجد الحرام فكذلك المسلم فإن ابن عمر يروى أنه كان يبيت في المسجد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعزب ومساكين الصفة (قال) ولا تنجس الارض بممر حائض ولا جنب ولا مشرك ولا ميتته لانه ليس في الاحياء من الآدميين نجاسة وأكره للحائض تمر في المسجد وإن مرت به لم تنجسه.
باب ما يوصل بالرجل والمرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كسر للمرأة عظم فطار فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا وكذلك إن سقطت سنه صارت ميتة فلا يجوز له أن يعيدها بعد ما بانت فلا يعيد سن شئ
غير سن ذكى يؤكل لحمه وإن رقع عظمه بعظم ميتة أو ذكي لا يؤكل لحمه أو عظم إنسان فهو كالميتة فعليه قلعه وإعادة كل صلاة صلاها وهو عليه فإن لم يقلعه جبره السلطان على قلعه فإن لم يقلع حتى مات لم يقلع بعد موته لانه صار ميتا كله والله حسيبه وكذلك سنه إذا ندرت فإن اعتلت سنه فربطها قبل أن تندر فلا بأس لانها لا تصير ميته حتى تسقط (قال) ولا بأس أن يربطها بالذهب لانه ليس لبس ذهب وإنه موضع ضرورة وهو يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب ما هو أكثر من هذا يروى أن أنف رجل قطع بالكلاب فاتخذ أنفا من فضة فشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم نتنه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب (قال) وإن أدخل دما تحت جلده فنبت عليه فعليه أن يخرج ذلك الدم ويعيد كل صلاة صلاها بعد إدخاله الدم تحت جلده (قال) ولا يصلى الرجل والمرأة واصلين شعر إنسان بشعورهما ولا شعره بشعر شئ لا يؤكل لحمه ولا شعر شئ يؤكل لحمه إلا أن يؤخذ منه شعره وهو حى فيكون في معنى الذكى كما يكون اللبن في معنى الذكى أو يؤخذ بعد ما يذكى ما يؤكل لحمه فتقع الذكاة على كل حى منه وميت فإن سقط من شعرهما شئ فوصلاه بشعر إنسان أو شعورهما لم يصليا فيه فإن فعلا فقد قيل يعيدان وشعور الآدميين لا يجوز أن يستمتع من الآدميين كما يستمتع به من البهائم بحال لانها مخالفة لشعور ما يكون لحمه ذكيا أو حيا (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمه بنت المنذر عن أسماء بنت أبى بكر قالت أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن بنتا لى أصابتها الحصبة فتمزق شعرها أفأصل فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنت الواصلة والموصولة (قال الشافعي) فإذا ذكى الثعلب والضبع صلى في جلودهما وعلى جلودهما شعورهما لان لحومهما تؤكل وكذلك إذا أخذ من شعورهما وهما حيان صلى فيهما(1/71)
وكذلك جميع ما أكل لحمه يصلى في جلده إذا ذكى وفى شعره وريشه إذا أخذ منه وهو حى فأما مالا يؤكل لحمه فما أخذ من شعره حيا أو مذبوحا فصلى فيه أعيدت الصلاة من قبل أنه غير ذكى في الحياة وأن الذكاة لا تقع على الشعر لان ذكاته وغير ذكاته سواء وكذلك إن دبغ لم يصل له في شعر ذى شعر منه ولا ريش ذى ريش لان الدباغ لا يطهر شعرا ولا ريشا ويطهر الاهاب لان الاهاب غير الشعر
والريش وكذلك عظم ما لا يؤكل لحمه لا يطهره دباغ ولا غسل ذكيا كان أو غير ذكى.
باب طهارة الثياب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " وثيابك فطهر " فقيل يصلى في ثياب طاهرة وقيل غير ذلك والاول أشبه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب فكل ثوب جهل من ينسجه أنسجه مسلم أو مشرك أو وثنى أو مجوسي أو كتابي أو لبسه واحد من هؤلاء أو صبى فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة وكذلك ثياب الصبيان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبى العاص وهى صبية عليها ثوب صبى والاختيار أن لا يصلى في ثوب مشرك ولا سراويل ولا إزار ولا رداء حتى يغسل من غير أن يكون واجبا وإذا صلى رجل في ثوب مشرك أو مسلم ثم علم أنه كان نجسا أعاد ما صلى فيه وكل ما أصاب الثوب من غائط رطب أو بول أو دم أو خمر أو محرم ما كان فاستيقنه صاحبه وأدركه طرفه أو لم يدركه فعليه غسله وإن أشكل عليه موضعه لم يجزه إلا غسل الثوب كله ما خلا الدم والقيح والصديد وماء القرح فإذا كان الدم لمعة مجتمعة وإن كانت أقل من موضع دينار أو فلس وجب عليه غسله لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل دم الحيض وأقل ما يكون دم الحيض في المعقول لمعة وإذا كان يسيرا كدم البراغيث وما أشبهه لم يغسل لان العامة أجازت هذا (قال الشافعي) والصديد والقيح وماء القرح أخف منه ولا يغسل من شئ منه إلا ما كان لمعة وقد قيل إذا لزم القرح صاحبه لم يغسله إلا مرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب المنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بدأ الله عزوجل خلق آدم من ماء وطين وجعلهما معا طهارة وبدأ خلق ولده من ماء دافق فكان في ابتدائه خلق آدم من الطهارتين اللتين هما الطهارة دلالة أن لا يبدأ خلق غيره إلا من طاهر لا من نجس ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك (قال الشافعي) أخبرنا عمرو ابن أبى سلمة عن الاوزاعي عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) والمنى ليس بنجس فإن قيل فلم يفرك أو يمسح؟ قيل كما يفرك المخاط أو البصاق أو الطين والشئ من الطعام يلصق بالثوب
تنظيفا لا تنجيسا فإن صلى فيه قيل أن يفرك أو يمسح فلا بأس ولا ينجس شئ منه من ماء ولا غيره أخبرنا الربيع بن سلمان قال (قال الشافعي) إملاء كل ما خرج من ذكر من رطوبة بول أو مذى أو ودى أو ما لا يعرف أو يعرف فهو نجس كله ما خلا المنى والمنى الثحين الذي يكون منه الولد الذي يكون له رائحة كرائحة الطلع ليس لشئ يخرج من ذكر رائحة طيبة غيره وكل ما مس ما سوى المنى مما خرج(1/72)
من ذكر من ثوب أو جسد أو غيره فهو ينجسه وقليله وكثيره سواء فإن استيقن أنه أصابه غسله ولا يجزئه غير ذلك فإن لم يعرف موضعه غسل الثوب كله وان عرف الموضع ولم يعرف قدر ذلك غسل الموضع وأكثر منه إن صلى في الثوب قبل أن يغسله عالما أو جاهلا فسواء إلا في المأثم فإنه يأثم بالعلم ولا يأثم في الجهل وعليه أن يعيد صلاته ومتى قلت يعيد فهو يعيد الدهر كله لانه لا يعدو إذا صلى أن تكون صلاته مجزئة عنه فلا إعادة عليه فيما أجزأ عنه في وقت ولا غيره أو لا تكون مجزئة عنه بأن تكون فاسدة وحكم من صلى صلاة فاسدة حكم من لم يصل فيعيد في الدهر كله وأنما قلت في المنى إنه لا يكون نجسا خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعقولا فإن قال قائل: ما الخبر؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحرث عن عائشة قالت كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد ابن سلمة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم عن علقمة أو الاسود " شك الربيع " عن عائشة قالت: كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه (قال الربيع) وحدثنا يحيى بن حسان (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما يخبر عن عطاء عن ابن عباس أنه قال في المنى يصيب الثوب أمطه عنك قال أحدهما بعود أو إذخرة وإنما هو بمنزلة البصاق أو المخاط (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال أخبرني مصعب بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه أنه كان إذا أصاب ثوبه المنى إن كان رطبا مسحه وإن كان يابسا حته ثم صلى فيه (قال الشافعي) فإن قال قائل فما المعقول في أنه ليس بنجس فإن الله عزوجل بدأ خلق آدم من ماء وطين وجعلهما جميعا طهارة الماء والطين في حال الاعواز من الماء طهارة وهذا أكثر ما يكون في خلق أن يكون
طاهرا وغير نجس وقد خلق الله تبارك وتعالى بنى آدم من الماء الدافق فكان جل ثناؤه أعز وأجل من أن يبتدئ خلقا من نجس مع ما وصف مما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخبر عن عائشة وابن عباس وسعد بن أبى وقاص مع ما وصفت مما يدركه العقل من أن ريحه وخلقه مباين خلق ما يخرج من ذكر وريحه فإن قال قائل فإن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر فكلنا نغسله بغير أن نراه نجسا ونغسل الوسخ والعرق وما لا نراه نجسا ولو قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إنه نجس لم يكن في قول أحد حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ما وصفنا مما سوى ما وصفنا من المعقول وقول من سمينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قال قائل فقد يؤمر بالغسل منه قلنا: الغسل ليس من نجاسة ما يخرج إنما الغسل شئ تعبد الله به الخلق عزوجل فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل أرأيت الرجل إذا غيب ذكره في الفرج الحلال ولم يأت منه ماء فأوجبت عليه الغسل، وليست في الفرج نجاسة وإن غيب ذكره في دم خنزير أو خمر أو عذرة وذلك كله نجس أيجب عليه الغسل؟ فإن قال: لا قيل فالغسل إن كان إنما يجب من نجاسة كان هذا أولى أن يجب عليه الغسل مرات ومرات من الذى غيبه في حلال نظيف ولو كان يكون لقذر ما يخرج منه كان الخلاء والبول أقذر منه ثم ليس يجب عليه غسل موضعهما الذي خرجا منه ويكفيه من ذلك المسح بالحجارة ولا يجزئه في وجهه ويديه ورجليه ورأسه إلا الماء ولا يكون عليه غسل فخذيه ولا أليتيه سوى ما سميت ولو كان كثرة الماء إنما تجب لقذر ما يخرج كان هذان أقذر وأولى أن يكون على صاحبهما الغسل مرات وكان مخرجهما أولى بالغسل من الوجه الذي لم يخرجا منه ولكن إنما أمرنا بالوضوء لمعنى تعبد ابتلى الله به طاعة العباد لينظر من يطيعه منهم ومن يعصيه لا على(1/73)
قذر ولا نظافة ما يخرج فإن قال قائل فإن عمرو بن ميمون روى عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها كانت تغسل المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: هذا إن جعلناه ثابتا فليس بخلاف لقولها كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه كما لا يكون غسله قدميه عمره خلافا لمسحه على خفيه يوما من أيامه وذلك أنه إذا مسح علمنا أنه تجزئ الصلاة بالمسح وتجزئ
الصلاة بالغسل وكذلك تجزئ الصلاة بحته وتجزئ الصلاة بغسله لا أن واحدا منهما خلاف الآخر مع أن هذا ليس بثابت عن عائشة هم يخافون فيه غلط عمرو بن ميمون إنما هو رأى سليمان بن يسار كذا حفظه عنه الحفاظ أنه قال غسله أحب إلى وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول ولم يسمع سليمان علمناه من عائشة حرفا قط ولو رواه عنها كان مرسلا (قال الشافعي) رضى الله عنه وإذا استيقن الرجل أن قد أصابت النجاسة ثوبا له فصلى فيه ولا يدرى متى أصابته النجاسة فإن الواجب عليه إن كان يستيقن شيئا أن يصلى ما استيقن وإن كان لا يستيقن تأخى حتى يصلى ما يرى أنه قد صلى كل صلاة صلاها وفي ثوبه النجس أو أكثر منها ولا يلزمه إعادة شئ إلا ما استيقن والفتيا والاختيار له كما وصفت والثوب والجسد سواء ينجسهما ما أصابهما والخف والنعل ثوبان فإذا صلى فيهما وقد أصابتهما نجاسة رطبة ولم يغسلها أعاد فإذا أصابتهما نجاسة يابسة لا رطوبة فيها فحكهما حتى نظفا وزالت النجاسة عنهما صلى فيهما فإن كان الرجل في سفر لا يجد الماء إلا قليلا فأصاب ثوبه نجس غسل النجس وتيمم إن لم يجد ما يغسل النجاسة تيمم وصلى وأعاد إذا لم يغسل النجاسة من قبل أن الانجاس لا يزيلها إلا الماء فإن قال قائل فلم طهره التراب من الجنابة ومن الحدث ولم يطهر قليل النجاسة التي ماست عضوا من أعضاء الوضوء أو غير اعضائه قلنا: إن الغسل والوضوء من الحدث والجنابة ليس لان المسلم نجس ولكن المسلم متعبد بهما وجعل التراب بدلا للطهارة التى هي تعبد ولم يجعل بدلا في النجاسة التي غسلها لمعنى لا تعبدا إنما معناها أن تزال بالماء ليس أنها تعبد بلا معنى ولو أصابت ثوبه نجاسة ولم يجد ماء لغسله صلى عريانا ولا يعيد ولم يكن له أن يصلى في ثوب نجس بحال وله أن يصلى في الاعواز من الثوب الطاهر عريانا (قال) وإذا كان مع الرجل الماء وأصابته نجاسة لم يتوضأ به وذلك أن الوضوء به إنما يزيده نجاسة وإذا كان مع الرجل ماءان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يخلص النجس من الطاهر تأخى وتوضأ بأحدهما وكف عن الوضوء من الآخر وشربه إلا أن يضطر إلى شربه فإن اضطر إلى شربه شربه وإن اضطر إلى الوضوء به لم يتوضأ به لانه ليس عليه في الوضوء وزر ويتيمم وعليه في خوف الموت ضرورة فيشربه إذا لم يجد غيره ولو كان في سفر أو حضر فتوضأ من ماء نجس أو كان على وضوء فمس ماء نجسا لم يكن له أن يصلى وإن صلى كان عليه أن يعيد بعد أن يغسل ما ماس ذلك الماء من جسده وثيابه (1) ]
(1) زيادة في مسألة المنى زادها الربيع بن سليمان يرد فيها على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (قال الشافعي) رضى الله عنه والمنى طاهر فقلت حديث عائشة أنها كانت تفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه (قال) قد جاء عن عائشة أنها فركت وغسلت فقلت زعم الشافعي ان الحفاظ يقولون: إن حديث الغسل لا يثبت ولو ثبت حديث الغسل لم يرتد الفرك كما لم يكن غسل الرجلين يبطل المسح على الخفين والصلاة تجوز بغسل الرجلين وتجوز بالمسح على الخفين وكذلك تجوز بفرك المنى وتجوز بغسله وليس واحد منهما دافعا لصاحبه فلما جاء الحديث أن عائشة فركت المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه وابن عباس وسعد ابن أبى وقاص يقولان في المنى إذا =(1/74)
[ كتاب الحيض اعتزال الرجل امرأته حائضا واتيان المستحاضة أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " الآية (قال الشافعي) وأبان عزوجل أنها حائض غير طاهر وأمر أن ] = أصاب الثوب إن كان رطبا مسحه وإن كان يابسا حته وأحدهما قال: أمطه عنك فإنما هو كالبصاق والمخاط قلنا ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه أن المنى طاهر ولا يجوز لاحد إذا جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول برأى نفسه وعليه أن يسلم له ومما استدللنا على طهارة المنى أن الله عزوجل ابتدأ خلق آدم من طهارتين الماء والطين ولم يكن الله عزوجل يخلق أنبياءه من النجاسة فإن قلت إن المنى يكون في الرحم علقة والعلقة الدم والدم نجس وإنما خلقوا من ذلك الدم قيل لك: إن كنت إنما صيرت المنى حين صيره الله عزوجل علقة نجسا وصيره مضغة وجعل المضغة عظاما فقد آل إلى أن صار حلا وطاهرا كعصير العنب حين يعصر حلالا فلما صار خمرا صار حراما فلما آل إلى أن صار خلا صار حلالا كله فذلك مثله مع أن النطفة لم تصر نجسا قط حين صارت علقة من قبل أن انقلاب الشئ خلقا بعد خلق مغيب في الانسان لا يكون نجسا ولو جاز أن يكون نجسا لكان المرء قائما الساعة برمته نجسا من قبل أن الدم فيه وغير ذلك من الانجاس فلما كان هذا
هكذا لم يكن فيه إلا التسليم لا يقال فيه لم ولا كيف مع الاحاديث المذكورة فيه وبالله التوفيق فإن قلت لو كان المنى طاهرا في نفسه لكان في مجراه للخروج ما ينجسه لان مخرجه من مخرج البول وأنت تقول إن البيضة إذا بيضت لا يجوز لى أن أصلى وأنا حاملها حتى أغسلها فلست أغسلها إلا أن يكون فيها دم فأما إذا خرجت لا دم فيها ولا غيره من الانجاس فهى طاهرة والمخرج الذي خرجت منه إذا كان مغيبا طاهر ويقال له وبالله التوفيق أصل قولنا في المنى الاثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عائشة فركته من ثوبه فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أنه يخرج من الذكر الذى يخرج منه البول وعائشة وابن عباس وسعد بن أبى وقاص كلهم يعرفون ذلك وفي قدرة الله تبارك وتعالى ما يخرج من الموضع النجس طاهرا لقوله عزوجل " نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " فأخبر تعالى ذكره بقدرته على أن أخرج من بين النجاستين طاهرا مأكولا فإن قلت قد يمكن أن يخرج من بينهما وبينهما حاجز لا يمس اللبن من الفرث والدم شيئا فقد أبطلت معنى ما أخبر الله تبارك وتعالى من قدرته أنه أخرج من نجاستين طاهرا ولو كان كما قلت لم يكن ههنا عجب والله على كل شئ قدير (قال أبو محمد الربيع بن سليمان) ويقال له أنت تزعم أن الرجل إذا رعف ثم غسل أنفه وانقطع الدم عنه أنه يجوز له أن يصلى وإن لم يكن غسل داخل أنفه والرأس جوف وكلهم يزعم أن المخاط طاهر ليس بنجس وإن خرج من الموضع الذي خرج منه الدم فكذلك المنى يخرج من موضع البول ولا يكون نجسا كما لا يكون المخاط نجسا وإن خرج من موضع الدم وكذلك لوقاء إنسان كان القئ نجسا ولو تمضمض ثم تنخم من بعد أو بصق كان بصاقه طاهرا وإن كان قد خرج من موضع نجسه القئ =(1/75)
[ لا تقرب حائض حتى تطهر ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء وتكون ممن تحل لها الصلاة ولا يحل لامرئ كانت امرأته حائضا أن يجامعها حتى تطهر فإن الله تعالى جعل التيمم طهارة إذا لم يوجد الماء أو كان المتيمم مريضا ويحل لها الصلاة بغسل إن وجدت ماء أو تيمم إن لم تجده (قال الشافعي) فلما أمر الله تعالى باعتزال الحيض وأباحهن بعد الطهر والتطهير ودلت السنة على إن المستحاضة تصلى دل ذلك على أن لزوج المستحاضة إصابتها إن شاء الله تعالى لان الله أمر باعتزالهن وهن غير طواهر وأباح أن
يؤتين طواهر.
باب ما يحرم أن يؤتى من الحائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عزوجل " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " أن تعتزلوهن يعنى من مواضع المحيض (قال الشافعي) وكانت الآية محتملة لما قال ومحتملة أن اعتزالهن اعتزال جميع أبدانهن (قال الشافعي) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على اعتزال ما تحت الازار منها وإباحة ما سوى ذلك منها.
باب ترك الحائض الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " الآية (قال الشافعي) فكان بينا في قول الله عزوجل حتى يطهرن بأنهن حيض في غير حال الطهارة وقضى الله على الجنب أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل وكان بينا أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل وأن لا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ثم الاغتسال لقول الله عزوجل " حتى يطهرن " وذلك بانقضاء الحيض فإذا تطهرن يعنى بالغسل فإن السنة تدل على أن طهارة الحائض بالغسل ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيان ما دل عليه كتاب الله تعالى من أن لا تصلى الحائض أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن ] = لانه وإن تمضمض فإنه لا يبلغ بالماء إلى حلقه الذي خرج منه القئ فكذلك المنى يخرج من موضع البول فيكون طاهرا لانه لا يقدر على غسل قصبة البول إذا كان ما فيها مغيبا وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بصق في ثوبه ولو كان نجسا لم يبصق في ثوبه ويزعمون أن البصاق من رأس المعدة ويقال له كل ما كان في البطن مغيبا فحكمه حكم الطهارة كما يكون الدم وغيره في الجسد حكمه حكم الطهارة فإذا زايل البدن كان حكمه حكم النجاسة ولا يقاس ما كان باطنا على ما ظهر وما كان مغيبا في مخلوق فحكمه حكم الطهارة وكذلك حكم مخرج البول إذا كان مغيبا فحكمه حكم الطهارة إذا كان لا يقدر على غسل قصبة البول فكذلك كل ما كان مغيبا يجزئه إذا صلى فهذا يدلك على أن كل ما كان مغيبا مما لا يقدر على غسله فحكمه حكم الطهارة وكذلك أنفه وحلقه إذا رعف وإذا قاء حكم أنفه
إذا رعف وحكم حلقه إذا قاء إذا كان لا يقدر على غسلهما حتى ينتهى إلى أقصى مخرجهما والمنى طاهر والمخرج الذي يخرج منه طاهر إذا كان مغيبا لا يقدر على غسله وبالله التوفيق (قال الربيع) المنى الطاهر عند الشافعي.(1/76)
[ القاسم عن أبيه عن عائشة قالت قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفعلى كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجه لا نراه إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكى فقال ما بالك أنفست؟ قلت نعم قال إن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فاقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (قال الشافعي) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ان لا تطوف بالبيت حتى تطهر، فدل على أن لا تصلى حائضا لانها غير طاهر ما كان الحيض قائما وكذلك قال الله عزوجل حتى يطهرن.
باب أن لا تقضى الصلاة حائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) (قال الشافعي) فلما لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تؤخر الصلاة في الخوف وأرخص أن يصليها المصلى كما أمكنه راجلا أو راكبا وقال " إن الصلاه كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " (قال الشافعي) وكان من عقل الصلاة من البالغين عاصيا بتركها إذا جاء وقتها وذكرها وكان غير ناس لها وكانت الحائض بالغة عاقلة ذاكرة للصلاة مطيقة لها فكان حكم الله عزوجل لا يقربها زوجها حائضا ودل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض حرم عليها أن تصلى كان في هذا دلائل على أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها وهى ذاكره عاقلة مطيقة لم يكن عليها قضاء الصلاة وكيف تقضى ما ليس بفرض عليها بزوال فرضه عنها (قال) وهذا مما لا أعلم فيه مخالفا (قال الشافعي) والمعتوه والمجنون لا يفيق والمغمى عليه في أكثر من
حال الحائض من أنهم لا يعقلون وفي أن الفرائض عنهم زائلة ما كانوا بهذه الحال كما الفرض عنها زائل ما كانت حائضا ولا يكون على واحد من هؤلاء قضاء الصلاة ومتى أفاق واحد من هؤلاء أو طهرت حائض في وقت الصلاة فعليهما أن يصليا لانهما ممن عليه فرض الصلاة.
باب المستحاضة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قالت فاطمة بنت أبى حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنى لا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلى.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن امه حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه فوجدته في بيت أختى زينب فقلت يا رسول الله إن لى إليك حاجة وأنه لحديث ما منه بد وإنى لاستحيى منه قال فما هو يا هنتاه قالت إنى امرأة استحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها فقد منعتني(1/77)
الصلاة والصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإنى أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت هو أكثر من ذلك قال: فتلجمي.
قالت هو أكثر من ذلك قال فاتخذى ثوبا قالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا قال النبي صلى الله عليه وسلم سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأك عن الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم قال لها أنما هي ركضة من ركضات الشيطان فتحيضى ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى ثم اغتسلي حتى إذا رأيت إنك قد طهرت واستنقيت فصلى أربعا وعشرين ليلة وأيامها أو ثلاثا وعشرين وأيامها وصومي فإنه يجزئك وهكذا افعلى في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " ومن غير هذا الكتاب " وإن قويت على أن تؤخرى الظهر وتعجلى العصر وتغتسلي حتى تطهري ثم تصلى الظهر والعصر ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الفجر " (قال الشافعي) هذا يدل على أنها تعرف أيام حيضها ستا أو سبعا فلذلك قال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قويت على أن تؤخرى الظهر وتعجلى العصر فتغتسلي حتى تطهري ثم تصلى الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرى المغرب وتعجلى العشاء ثم تغتسلي وتجمعي بين المغرب والعشاء فافعلي وتغتسلين عند الفجر ثم تصلين الصبح وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك وقال هذا أحب الامرين إلي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنظر عدد الليالى والايام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا فعلت ذلك فلتغتسل ولتستثفر ثم تصلى (قال الشافعي) فبهذه الاحاديث الثلاثة نأخذ وهى عندنا متفقة فيما اجتمعت فيه وفي بعضها زيادة على بعض ومعنى غير معنى صاحبه وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن فاطمة بنت أبى حبيش كان دم استحاضتها منفصلا من دم حيضها لجواب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك انه قال: فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلى (قال الشافعي) فنقول إذا كان الدم ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا ثخينا محتدما وأياما رقيقا إلى الصفرة أو رقيقا إلى القلة فأيام الدم الاحمر القانئ المحتدم الثخين أيام الحيض وأيام الدم الرقيق أيام الاستحاضة (قال الشافعي) ولم يذكر في حديث عائشة الغسل عند تولى الحيضة وذكر غسل الدم فأخذنا بإثبات الغسل من قول الله عزوجل " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى " الآية (قال الشافعي) فقيل والله تعالى أعلم يطهرن من الحيض فإذا تطهرن بالماء ثم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطهارة بالماء الغسل وفي حديث حمنة بنت جحش فأمرها في الحيض أن تغتسل إذا رأت أنها طهرت ثم أمرها في حديث حمنة بالصلاة فدل ذلك على أن لزوجها أن يصيبها لان الله تبارك وتعالى أمر باعتزالها حائضا وأذن في إتيانها طاهرا فلما حكم النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة حكم الطهارة في أن تغتسل وتصلى دل ذلك على أن لزوجها أن يأتيها (قال) وليس عليها إلا الغسل الذي حكمه الطهر من الحيض بالسنة وعليها الوضوء لكل صلاة قياسا على السنة في الوضوء بما خرج من دبر أو فرج مما له أثر أو لا أثر له (قال الشافعي)
وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لام سلمة في المستحاضة يدل على أن المرأة التي سألت لها أم سلمة كانت لا ينفصل دمها فأمرها أن تترك الصلاة عدد الليالى والايام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها (قال الشافعي) وفى هذا دليل على أن لا وقت للحيضة إذا كانت المرأة(1/78)
ترى حيضا مستقيما وطهرا مستقيما وإن كانت المرأة حائضا يوما أو أكثر فهو حيض وكذلك إن جاوزت عشرة فهو حيض لان النبي صلى الله عليه وسلم امرها أن تترك الصلاة عدد الليالى والايام التي كانت تحيضهن ولم يقل إلا أن يكون كذا وكذا أي تجاوز كذا (قال الشافعي) وإذا ابتدأت المرأة ولم تحض حتى حاضت فطبق الدم عليها فإن كان دمها ينفصل فأيام حيضها أيام الدم الثخين الاحمر القانئ المحتدم وأيام استحاضتها أيام الدم الرقيق فإن كان لا ينفصل ففيها قولان أحدهما أن تدع الصلاة ستا أو سبعا ثم تغتسل وتصلى كما يكون الاغلب من حيض النساء (قال) ومن ذهب إلى جملة حديث حمنة بنت جحش وقال لم يذكر في الحديث عدد حيضها فأمرت أن يكون حيضها ستا أو سبعا والقول الثاني ان تدع الصلاة أقل ما علم من حيضهن وذلك يوم وليلة ثم تغتسل وتصلى ولزوجها أن يأتيها ولو احتاط فتركها وسطا من حيض النساء أو أكثر كان أحب إلى ومن قال بهذا قال إن حمنة وإن لم يكن في حديثها ما نص أن حيضها كان ستا أو سبعا فقد يحتمل حديثها ما احتمل حديث ام سلمة من أن يكون فيه دلالة أن حيضها كان ستا أو سبعا لان فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتحيضى ستا أو سبعا ثم اغتسلي فإذا رأيت انك قد طهرت فصلي فيحتمل إذا رأت أنها قد طهرت بالماء واستنقت من الدم الاحمر القانئ (قال) وإن كان يحتمل طهرت واستنقت بالماء (قال) فقد علمنا أن حمنة كانت عند طلحة وولدت له وأنها حكت حين استنقت ذكرت أنها تثج الدم ثجا وكان العلم يحيط أن طلحة لا يقربها في هذه الحال ولا تطيب هي نفسها بالدنو منه وكان مسألتها بعد ما كانت زينب عنده دليلا محتملا على أنه أول ما ابتليت بالاستحاضة وذلك بعد بلوغها بزمان فدل على أن حيضها كان يكون ستا أو سبعا فسألت النبي صلى الله عليه وسلم وشكت أنه كان ستا أو سبعا فأمرها إن كان ستا أن تتركه ستا وإن كان سبعا أن تتركه سبعا وذكرت الحديث فشكت وسألته عن ست فقال لها ست أو عن سبع فقال
لها سبع وقال كما تحيض النساء إن النساء يحضن كما تحيضين (قال الشافعي) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تحيضي ستا أو سبعا في علم الله يحتمل أن علم الله ست أو سبع تحيضين (قال) وهذا أشبه معانيه والله تعالى أعلم (قال) وفى حديث حمنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إن قويت فاجمعي بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء بغسل وصلي الصبح بغسل واعلمها أنه أحب الامرين إليه لها وأنه يجزيها الامر الاول من أن تغتسل عند الطهر من المحيض ثم لم يأمرها بغسل بعده فإن قال قائل فهل روى هذا أحد أنه أمر المستحاضة بالغسل سوى الغسل الذي تخرج به من حكم الحيض فحديث حمنة يبين أنه اختيار وأن غيره يجزى منه (قال الشافعي) وإن روى في المستحاضة حديث مستغلق ففى إيضاح هذه الاحاديث دليل على معناه والله تعالى أعلم فإن قال قائل فهل يروى في المستحاضة شئ غير ما ذكرت قيل له نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عمره عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفتته فيه قالت عائشة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست تلك الحيضة وإنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي قالت عائشة فكانت تجلس في مركن فيعلو الماء حمرة الدم ثم تخرج فتصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرني الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت فكانت لا تصلى سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو عرق وليست بالحيضة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلى فكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في المركن فيعلوه الدم فإن قال فهذا حديث ثابت فهل يخالف الاحاديث(1/79)
التي ذهبت إليها قلت لا إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلى وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة فإن قال ذهبنا إلى أنها لا تغتسل لكل صلاة إلا وقد أمرها بذلك ولا تفعل إلا ما أمرها قيل له أفترى أمرها أن تستنقع في مركن حتى يعلو الماء حمرة الدم ثم تخرج منه فتصلى أو تراها تطهر بهذا الغسل قال ما تطهر بهذا الغسل الذي يغشى جسدها فيه حمرة الدم ولا تطهر حتى تغسله ولكن لعلها تغسله قلت أفأبين لك أن استنقاعها غير ما أمرت به قال نعم قلت فلا تنكر أن يكون غسلها
ولا أشك إن شاء الله تعالى أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها ألا ترى أنه يسعها أن تغتسل ولو لم تؤمر بالغسل قال بلى (قال الشافعي) وقد روي غير الزهري هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم امرها أن تغتسل لكل صلاة ولكن رواه عن عمرة بهذا الاسناد والسياق والزهرى أحفظ منه وقد روى فيه شيئا يدل على أن الحديث غلط قال تترك الصلاة قدر أقرائها وعائشة تقول الاقراء الاطهار قال أفرأيت لو كانت تثبت الروايتان فإلى أيهما تذهب قلت إلى حديث حمنة بنت جحش وغيره مما أمرن فيه بالغسل عند انقطاع الدم ولو لم يؤمرن به عند كل صلاة (قال الشافعي) فإن قال فهل من دليل غير الخبر قيل نعم قال الله عزوجل (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى إلى قوله فإذا تطهرن) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطهر هو الغسل وان الحائض لا تصلي والطاهر تصلى وجعلت السمتحاضة في معنى الطاهر في الصلاة فلم يجز أن تكون في معنى طاهر وعليها غسل بلا حادث حيضة ولا جناية (قال) أما إنا فقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة قلت نعم قد رويتم ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان محفوظا عندنا كان أحب إلينا من القياس (1).
باب الخلاف في المستحاضة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لى قائل تصلى المستحاضة ولا يأتيها زوجها وزعم لي بعض من يذهب مذهبه أن حجته فيه أن الله تبارك وتعالى قال (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى) الآية وأنه قال في الاذى أنه أمر باجتنابها فيه فأثم فيها فلا يحل له إصابتها (قال الشافعي) فقيل له حكم الله عزوجل في أذى المحيض أن تعتزل المرأة ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن حكم الله عز وجل أن الحائض لا تصلى فدل حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أن الوقت الذي أمر الزوج باجتناب المرأة فيه للمحيض الوقت الذي أمرت المرأة فيه إذا انقضى المحيض بالصلاة قال نعم فقيل له فالحائض لا تطهر وإن اغتسلت ولا يحل لها أن تصلى ولا تمس مصحفا قال نعم فقيل له فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن حكم أيام الاستحاضة حكم الطهر وقد أباح الله للزوج الاصابة إذا تطهرت الحائض ولا أعلمك إلا خالفت كتاب الله في أن حرمت ما أحل الله من المرأة إذا تطهرت
وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حكم بأن غسلها من أيام المحيض تحل به الصلاة في ]
__________
(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضى الله عنهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير عن على رضى الله عنه المستحاضة تغتسل لكل صلاة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا ولا أحد علمته.(1/80)
[ أيام الاستحاضة وفرق بين الدمين بحكمه وقوله في الاستحاضة إنما ذلك عرق وليس بالحيضة قال هو أذى قلت فبين إذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين حكمه فجعلها حائظا في أحد الاذيين يحرم عليها الصلاة وطاهرا في احد الاذيين يحرم عليها ترك الصلاة وكيف جمعت ما فرق بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وقيل له أتحرم لو كانت خلقتها أن هنالك رطوبة وتغير ريح مؤذية غير دم قال لا وليس هذا أذى المحيض قلت ولا أذى الاستحاضة أذى المحيض (1) ].
(1) وفي اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله (باب المستحاضة) وفيه سألت الشافعي عن المستحاضة يطبق عليها الدم دهرها فقال إن الاستحاضة وجهان أحدهما أن تستحاض المرأة فيكون دمها مشتبها لا ينفصل إما ثخين كله وإما رقيق كله فإذا كان هكذا نظرت عدد الليالى والايام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى اصابها فتركت الصلاة فيهن إن كانت تحيض خمسا من أول الشهر تركت الصلاة خمسا من أوله ثم اغتسلت عند مضى أيام حيضها كما تغتسل الحائض عند طهرها ثم توضأ لكل صلاة وتصلى وليس عليها أن تعيد الغسل مرة أخرى ولو اغتسلت من ظهر إلى ظهر كان أحب إلي وليس ذلك عندي بواجب عليها والمستحاضة الثانية المرأة التى لا ترى الطهر ويكون لها أيام من الشهر ودمها أحمر إلى السواد محتدم ثم يصير بعد تلك الايام رقيقا إلى الصفرة غير محتدم وأيام حيض هذه احتدام دمها وسواده وكثرته فإذا مضت اغتسلت كغسلها لو طهرت من الحيضة وتوضأت لكل صلاة وصلت فقلت للشافعي فما الحجة فيما ذكرت من هذا قال أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت قالت فاطمة بنت أبى حبيش يا رسول الله إنى لا أطهر أفأدع الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي
الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلى.
أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لتنظر عدد الايام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب وتصلى (قال الشافعي) فدل جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت من افتراق حال المستحاضتين وفي قوله دليل على أنه ليس للحائض أن تستظهر بطرفة عين وذلك انه أمر إحداهما إذا ذهبت مدة الحيض أن تغسل عنها الدم وتصلى وأمر الاخرى أن تربص عدد الليالى والايام التي كانت تحيضهن ثم تغتسل وتصلى والحديثان جميعا ينفيان الاستظهار قال فقلت للشافعي فإنا نقول تستظهر الحائض بثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلى وتقول تتوضأ لكل صلاة (قال الشافعي) فحديثاكم اللذان تعتمدون عليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفان الاستظهار والاستظهار خارج من السنة والآثار والمعقول في القياس وأقاويل أكثر أهل العلم فقلت ومن أين؟ فقال الشافعي أرأيتم أيام استظهارها أهى من أيام حيضها أم من أيام طهرها فقلت هي من أيام حيضها (قال الشافعي) فأسمعكم عمدتم إلى امرأة كانت أيام حيضها خمسا يطبق عليها الدم فقلتم نجعلها ثمانيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إذا مضت أيام حيضها قبل الاستحاضة أن تغتسل وتصلى وجعلتم لها وقتا غير وقتها الذي كانت تعرف فأمرتموها أن تدع الصلاة في الايام التى أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصلى فيها أفرأيتم إن قال لكم قائل لا يعرف السنة تستظهر بساعة أو يوم =(1/81)
[ الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وخالفنا بعض الناس في شئ من المحيض والمستحاضة وقال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام فإن امرأة رأت الدم يوما أو يومين أو بعض يوم ثالث ولم تستكمله فليس هذا بحيض وهى طاهر تقضى الصلاة فيه ولا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام فما جاوز العشرة بيوم أو أقل أو أكثر فهو استحاضة ولا يكون بين حيضتين أقل من خمسة عشر (قال الشافعي) فقيل لبعض من
يقول هذا القول أرأيت إذا قلت لا يكون شئ وقد أحاط العلم أنه يكون أتجد قولك لا يكون إلا خطأ عمدته فيجب أن تأثم به أو تكون غباوتك شديدة ولا يكون لك أن تقول في العلم (قال) لا يجوز إلا ما قلت إن لم تكن فيه حجة أو تكون (قلت) قد رأيت امرأة أثبت لى عنها أنها لم تزل تحيض يوما ولا تزيد عليه وأثبت لى عن نساء أنهن ولم يزلن يحضن أقل من ثلاث وعن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر يوما وعن امرأة أو أكثر أنها لم تزل تحيض ثلاث عشرة فكيف زعمت انه لا يكون ما قد علمنا أنه يكون (قال الشافعي) فقال إنما قلت لشئ قد رويته عن أنس بن مالك فقلت له أليس حديث الجلد ابن أيوب فقال بلى فقلت فقد أخبرني ابن علية عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك ] = أو يومين أو تستظهر بعشرة أيام أو ستا أو سبعا بأي شئ أنت أولى بالصواب من أحد إن قال ببعض هذا القول هل يصلح أن يوقف العدد إلا لخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من المسلمين ولقد رويتموه بخلاف ما رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكثر أقاويل المسلمين ثم قلتم فيه قولا متناقضا فزعمتم أن أيام حيضها إن كانت ثلاثا استظهرت بمثل أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كانت أيام حيضها خمسة عشر يوما لم تستظهر بشئ فإن كانت أربعة عشر استظهرت بيوم وإن كانت ثلاثة عشر استظهرت بيومين فجعلتم الاستظهار مرة ثلاثا ومرة يومين ومرة يوما ومرة لا شئ فقال فقلت للشافعي فهل رويتم في المستحاضة عن صاحبنا شيئا غير هذا فقال نعم شيئا عن سعيد بن المسيب وشيئا عن عروة بن الزبير أخبرنا مالك عن سمى مولى أبى بكر أن القعقاع بن سليم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة فإن غلبها الدم استثفرت أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلا واحدا ثم توضأ بعد ذلك لكل صلاة قال مالك الامر عندنا على حديث هشام بن عروة قال فقلت للشافعي فإنا نقول بقول عروة وندع قول ابن المسيب فقال الشافعي أما قول ابن المسيب فتركتموه كله ثم أدعيتم قول عروة وأنتم تخالفونه في بعضه فقلت وأين قال قال عروة تغتسل غسلا واحدا يعنى كما تغتسل المستظهرة وتوضأ لكل صلاة يعنى توضأ من الدم للصلاة لا تغتسل من الدم إنما ألغى عنها الغسل بعد الغسل الاول والغسل إنما يكون من الدم وجعل عليها الوضوء ثم زعمتم أنه لا وضوء
عليها فخالفتم الاحاديث التي رواها صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وغيره وإنكم تدعون أنكم تتبعون أهل المدينة وقد خالفتم ما روى صاحبنا عنهم كله أنه ليبين في قولكم أنه ليس أحدهما أنزل على أهل المدينة لجميع أقاويلهم منكم مع ما يبين في غيره ثم ما أعلمكم ذهبتم إلى قول أهل بلد غيرهم فإذا انسلختم من قولهم وقول اهل البلدان ومما رويتم وروى غيركم والقياس والمعقول فأى موضع تكونون به علماء وأنتم تخطئون مثل هذا وتخالفون فيه أكثر الناس.(1/82)
[ أنه قال قرء المرأة أو قرء حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى انتهى إلى عشر فقال لى ابن علية الجلد بن أيوب أعرابي لا يعرف الحديث وقال لى قد استحيضت امرأة من آل أنس فسئل ابن عباس عنها فأفتى فيها وأنس حى فكيف يكون عند أنس ما قلت من علم الحيض ويحتاجون إلى مسألة غيره فيما عنده فيه علم ونحن وأنت لا نثبت حديثا عن الجلد ويستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا وأنت تترك الرواية الثابتة عن أنس فإنه قال إذا تزوج الرجل المرأة وعنده نساء فللبكر المتزوجة سبع وللثيب ثلاث وهو يوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم فتدع السنة وقول أنس وتزعم أنك قبلت قول ابن عباس على ما يعرف خلافه قال أفيثبت عندك عن أنس قلت لا ولا عند أحد من أهل العلم بالحديث ولكني أحببت أن تعلم أنى أعلم أنك إنما تتستر بالشئ ليست لك فيه حجة قال فلو كان ثابتا عن أنس بن مالك (قلت) ليس بثابت فتسأل عنه قال فأجب على أنه ثابت (1) وليس فيه لو كان ثابتا حرف مما قلت قال وكيف قلت لو كان إنما أخبر أنه قد رأى من تحيض ثلاثا وما بين ثلاث وعشر كان انما أراد أن شاء الله تعالى أن حيض المرأة كما تحيض لا تنتقل التي تحيض ثلاثا إلى عشر ولا تنتقل التي تحيض عشرا إلى ثلاث وأن الحيض كلما رأت الدم ولم يقل لا يكون الحيض أقل من ثلاث ولا أكثر من عشر وهو إن شاء الله كان أعلم ممن يقول لا يكون خلق من خلق الله لا يدرى لعله كان أو يكون (قال الشافعي) ثم زاد الذي يقول هذا القول الذي لا أصل له وهو يزعم أنه لا يجوز أن يقول قائل في حلال أو حرام إلا من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا فقال أحدهم ولو كان حيض امرأة عشرة معروفة لها ذلك فانتقل حيضها فرأت الدم يوما ثم ارتفع عنها اياما ثم رأته اليوم العاشر من مبتدأ حيضها كانت
حائضا في اليوم الاول والثمان التي رأت فيها الطهر واليوم العاشر الذي رأت فيه الدم (قال الشافعي) ثم زاد فقال لو كانت المسألة بحالها إلا أنها رأت الحيض بعد اليوم العاشر خمسا أو عشرا كانت في اليوم الاول والثمانية بعده حائضا ولا أدرى أقال اليوم العاشر وفيما بعده مستحاضة طاهر أو قال فيما بعد العاشر مستحاضة طاهر فعاب صاحبه قوله عليه فسمعته يقول سبحان الله ما يحل لاحد أخطأ بمثل هذا أن يفتى أبدا فجعلها في أيام ترى الدم طاهرا وأيام ترى الطهر حائضا وخالفه في المسألتين فزعم في الاولى أنها طاهر في اليوم الاول والثمانية واليوم العاشر وزعم في الثانية أنها طاهر في اليوم الاول والثمانية بعده حائض في اليوم العاشر وما بعده إلى أن تكمل عشرة أيام.
ثم زعم أنها لو حاضت ثلاثا أولا ورأت الطهر أربعا أو خمسا ثم حاضت ثلاثا أو يومين كانت حائضا أيام رأت الدم وأيام رأت الطهر وقال إنما يكون الطهر الذى بين الحيضتين حيضا إذا كانت الحيضتان أكثر منه أو مثله فإذا كان الطهر أكثر منهما فليس بحيض (قال الشافعي) فقلت له لقد عبت معيبا وما أراك إلا قد دخلت في قريب مما عبت ولا يجوز أن تعيب شيئا ثم تقول به (قال) إنما قلت إذا كان الدمان اللذان بينهما الطهر أكثر أو مثل الطهر.
(قال الشافعي) فقلت له فمن قال لك هذا (قال) فبقول ماذا قلت لا يكون الطهر حيضا فإن قلته أنت قلت فمحال لا يشكل أفقلته بخبر قال لا قلت أفبقياس قال لا قلت فمعقول قال نعم إن المرأة لا تكون ترى الدم أبدا ولكنها تراه مرة وينقطع عنها أخرى (قلت) فهي في الحال التى تصفه منقطعا استدخلت (قلت) إذا استثفرت شيئا فوجدت دما وإن لم يكن يثج وأقل ذلك ان يكون حمرة أو كدرة فإذا رأت ] (1) قوله وليس فيه لو كان الخ، هذا من كلام الامام فلعله سقط قبله لفظ " قلت " فتأمل كتبه مصححه.(1/83)
[ الطهر لم تجد من ذلك شيئا لم يخرج مما استدخلت من ذلك إلا البياض (قال) فلو رأت ما تقول من القصة البيضاء يوما أو يومين ثم عاودها الدم في أيام حيضها (قلت) إذا تكون طاهرا حين رأت القصة البيضاء إلى أن ترى الدم ولو ساعة قال فمن قال هذا قلت ابن عباس قال إنه ليروى عن ابن عباس قلت نعم ثابتا عنه وهو معنى القرآن والمعقول قال وأين.
قلت أرأيت إذا أمر الله عزوجل باعتزال النساء
في المحيض وأذن بإتيانهن إذا تطهرن عرفت أو نحن المحيض إلا بالدم والطهر إلا بارتفاعه ورؤية القصة البيضاء قال لا قلت أرأيت امرأة كان حيضها عشرة كل شهر ثم انتقل فصار كل شهرين أو كل سنة أو بعد عشر سنين أو صار بعد عشر سنين حيضها ثلاثة أيام فقالت أدع الصلاة في وقت حيضى وذلك عشر في كل شهر قال ليس ذلك لها قلت والقرآن يدل على أنها حائض إذا رأت الدم وغير حائض إذا لم تره قال نعم قلت وكذلك المعقول قال نعم قلت فلم لا تقول بقولنا تكون قد وافقت القرآن والمعقول فقال بعض من حضره بقيت خصلة هي التى تدخل عليكم قلت وما هي قال أرأيت إذا حاضت يوما وطهرت يوما عشرة أيام أتجعل هذا حيضا واحدا أو حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قلت بل حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قال وإن كانت مطلقة فقد انقضت عدتها في ستة أيام (قال الشافعي) فقلت لقائل هذا القول ما أدرى أنت في قولك الاول أضعف حجة أم في هذا القول قال وما في هذا القول من الضعف قلت احتجاجك بأن جعلتها مصلية يوما وتاركة للصلاة يوما بالعدة وبين هذا فرق قال فما تقول قلت لا ولا للصلاة من العدة سبيل قال فكيف ذلك قلت أرأيت المؤيسة من الحيض التى لم تحض والحامل أليس يعتددن ولا يدعن الصلاة حتى تنقضي عدتهن أم لا تخلو عددهن حتى يدعن الصلاة في بعضها أياما كما تدعها الحائض قال بل يعتددن ولا يدعن الصلاة قلت فالمرأة تطلق فيغمى عليها أو تجن أو يذهب عقلها أليس تنقضي عدتها ولم تصل صلاة واحدة قال بلى قلت فكيف زعمت أن عدتها تنقضي ولم تصل أياما وتدع الصلاة أياما قال من ذهاب عقلها وأن العدة ليست من الصلاة قلت أفرأيت المرأة التي تحيض حيض النساء وتطهر طهرهن إن اعتدت ثلاث حيض ثم ارتابت في نفسها قال فلا تنكح حتى تستبرئ قلت فتكون معتدة لا بحيض ولا بشهور ولكن باستبراء قال نعم إذا آنست شيئا تخاف أن يكون حملا قلت وكذلك التى تعتد بالشهور وإن ارتابت كفت عن النكاح قال نعم قلت لان البريئة إذا كنت مخالفة غير البريئة قال نعم والمرأة تحيض يوما وتطهر يوما أولى أن تكون مرتابة وغير برية من الحمل ممن سميت وقد عقلنا عن الله عزوجل أن في العدة معنيين براءة وزيادة تعبد بأنه جعل عدة الطلاق ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء وجعل عدة الحامل وضع الحمل وذلك غاية البراءة وفى ثلاثة قروء براءة وتعبد لان حيضتهن مستقيمة تبرئ فعقلنا أن لا عدة إلا
وفيها براءة أو براءة وزيادة لان عدة لم تكن أقل من ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء أو أربعة أشهر وعشرا أو وضع حمل والحائض يوما وطاهر يوما ليست في معنى براءة وقد لزمك بأن أبطلت عدة الحيض والشهور وباينت بها إلى البراءة إذا أرتابت كما زعمت أنه يلزمنا في التى تحيض يوما وتدع يوما.
باب دم الحيض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت(1/84)
سمعت أسماء تقول سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه ثم أقرصيه بالماء وانضحيه وصلى فيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء مثل معناه إلا أنه قال تقرصه ولم يقل تقرصه بالماء (قال الشافعي) وبحديث سفيان عن هشام بن عروة نأخذ وهو يحفظ فيه الماء (1) ولم يحفظ ذلك وكذلك روى غيره عن هشام (قال الشافعي) وفي هذا دليل على أن دم الحيض نجس وكذا كل دم غيره (قال الشافعي) وقرصه فركه وقوله بالماء غسل بالماء وأمره بالنضح لما حوله (قال الشافعي) فأما النجاسة فلا يطهرها الا الغسل والنضح والله تعالى أعلم اختيار أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن عجلان عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثوب يصيبه دم الحيض قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تصلى فيه (قال الشافعي) وهذا مثل حديث أسماء بنت أبي بكر وبه نأخذ وفيه دلالة على ما قلنا من أن النضح اختيار لانه لم يأمر بالنضح في حديث أم سلمة وقد أمر بالماء في حديثها وحديث أسماء (قال الربيع) قال الشافعي وهو الذي نقول به قال الربيع وهو آخر قوليه يعنى الشافعي إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر وأقل الطهر خمسة عشر فلو أن امرأة اول ما حاضت طبق الدم عليها أمرناها أن تدع الصلاة إلى خمسة عشر فإن انقطع الدم في خمسة عشرة كان ذلك كله حيضا وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة وأمرناها ان تدع الصلاة أول يوم وليلة وتعيد أربع عشرة لانه يحتمل أن يكون حيضها يوما وليلة ويحتمل أكثر فلما احتمل ذلك وكانت
الصلاة عليها فرضا لم نأمرها بأن تدع الصلاة إلا بحيض يقين ولم تحسب طاهرة الاربعة عشر يوما في صيامها لو صامت لان فرض الصيام عليها بيقين أنها طاهرة فلما أشكل عليها أن تكون قد قضت فرض الصوم وهي طاهرة أو لم تقضه لم أحسب لها الصوم إلا بيقين أنها طاهرة وكذلك طوافها بالبيت لست أحسبه لها إلا بأن يمضى لها خمسة عشر يوما لانه أكثر من حاضت له أمرأة قط علمناه ثم تطوف بعد ذلك لان العلم يحيط أنها من بعد خمسة عشر يوما طاهرة وإن كانت تحيض يوما وتطهر يوما أمرناها أن تصلى في يوم الطهر بعد الغسل لانه يحتمل أن يكون طهرا فلا تدع الصلاة فإن جاءها الدم في اليوم الثالث علمنا أن اليوم الذي قبله الذي رأت فيه الطهر كان حيضا لانه يستحيل أن يكون الطهر يوما لان أقل الطهر خمسة عشر وكلما رأت الطهر أمرناها ان تغتسل وتصلى لانه يمكن أن يكون طهرا صحيحا وإذا جاءها الدم بعده من الغد علمنا أنه غير طهر حتى يبلغ خمس عشرة فان انقطع بخمس عشرة فهو حيض كله وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فقلنا لها أعيدي كل يوم تركت فيه الصلاة إلا أول يوم وليلة لانه يحتمل أن لا يكون حيضها إلا يوما وليلة فلا تدع الصلاة إلا بيقين الحيض وهذا للتى لا يعرف لها أيام وكانت أول ما يبتدئ بها الحيض مستحاضة فأما التي تعرف أيامها ثم طبق عليها الدم فتنظر عدد الليالي والايام التي كانت تحيضهن من الشهر فتدع الصلاة فيهن فإذا ذهب وقتهن اغتسلت وصلت وتوضأت لكل صلاة فيما تستقبل بقية شهرها فإذا جاءها ذلك الوقت من حيضها من الشهر الثاني تركت أيضا الصلاة أيام حيضها ثم اغتسلت بعد وتوضأت لكل صلاة فهذا حكمها ما دامت مستحاضة وان كانت لها أيام تعرفها فنسيت فلم تدر في أول الشهر أو بعده بيومين أو ]
__________
(1) قوله ولم يحفظ ذلك كذا في النسخ ولعله سقط من قلم الناسخ لفظ مالك وأصل الكلام ولم يحفظ مالك ذلك وتأمل كتبه مصححه.(1/85)
[ أقل أو أكثر اغتسلت عند كل صلاة وصلت ولا يجزيها أن تصلى صلاة بغير غسل لانه يحتمل أن تكون في حين ما قامت تصلى الصبح أن يكون هذا وقت طهرها فعليها أن تغتسل فإذا جاءت الظهر احتمل هذا أيضا أن يكون حين طهرها فعليها أن تغتسل وهكذا في كل وقت تريد أن تصلى فيه فريضة يحتمل
أن يكون هو وقت طهرها فلا يجزيها إلا الغسل ولما كانت الصلاة فرضا عليها احتمل إذا قامت لها أن يكون يجزيها فيه الوضوء.
ويحتمل أن لا يجزيها فيه إلا الغسل فلما لم يكن لها أن تصلى إلا بطهارة بيقين لم يجزئها إلا الغسل لانه اليقين والشك في الوضوء ولا يجزيها أن تصلى بالشك ولا يجزئها إلا اليقين وهو الغسل فتغتسل لكل صلاة.
باب أصل فرض الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " وقال " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " الآية مع عدد آى فيه ذكر فرض الصلاة (قال) وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسلام فقال " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال السائل: هل على غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع.
أول ما فرضت الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى سمعت من أثق بخبره وعلمه يذكر أن الله أنزل فرضا في الصلاة ثم نسخه بفرض غيره ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس (قال) كأنه يعنى قول الله عزوجل " يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا " الآية ثم نسخها في السورة معه بقول الله جل ثناؤه " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه " إلى قوله " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل أو أكثر بما تيسر وما أشبه ما قال بما قال وإن كنت أحب أن لا يدع أحد أن يقرأ ما تيسر عليه من ليلته ويقال نسخت ما وصفت من المزمل بقول الله عزوجل " أقم الصلاة لدلوك الشمس " ودلوكها زوالها " إلى غسق الليل " العتمة " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " الصبح " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة وأن الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار ويقال في قول الله عزوجل " فسبحان الله حين تمسون " المغرب والعشاء " وحين يصبحون " الصبح " وله الحمد في السموات والارض وعشيا " العصر " وحين تظهرون " الظهر وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل والله تعالى أعلم (قال) وبيان ما وصفت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن عمه أبى سهيل بن مالك عن أبيه انه سمع طلحة ابن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع (قال الشافعي) ففرائض الصلوات خمس وما سواها تطوع فأوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم على البعير ولم يصل مكتوبة علمناه على بعير وللتطوع وجهان صلاة جماعة وصلاة منفردة وصلاة الجماعة مؤكدة ولا أجيز تركها لمن قدر عليها بحال وهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر والاستسقاء، فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه وأوكد صلاة(1/86)
المنفرد وبعضه أوكد من بعض الوتر وهو يشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر ولا أرخص لمسلم في ترك واحد منهما وإن لم أوجبهما عليه ومن ترك صلاة واحدة منهما كان أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل في الليل والنهار.
عدد الصلوات الخمس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحكم الله تعالى فرض الصلاة في كتابه فبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عددها وما على المرء أن يأتي به ويكف عنه فيها وكان نقل عدد كل واحدة منها مما نقله العامة عن العامة ولم يحتج فيه إلى خبر الخاصة وإن كانت الخاصة قد نقلتها لا تختلف هي من وجوه هي مبينة في أبوابها فنقلوا الظهر أربعا لا يجهر فيها بشئ من القراءة والعصر أربعا لا يجهر فيها بشئ من القراءة والمغرب ثلاثا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في الثالثة والعشاء أربعا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في اثنتين والصبح ركعتين يجهر فيهما معا بالقراءة (قال) ونقل الخاصة ما ذكرت من عدد الصلوات وغيره مفرقا في مواضعه.
فيمن تجب عليه الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ذكر الله تبارك وتعالى الاستئذان فقال في سياق الآية " وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا " وقال عزوجل " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " ولم يذكر الرشد الذي يستوجبون به أن تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ النكاح وفرض الله عزوجل الجهاد فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم به على من استكمل خمسة
عشرة سنة بان أجاز ابن عمر عام الخندق ابن خمس عشرة سنة ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة فإذا بلغ الغلام الحلم والجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما اوجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة (1) وجبت عليهما الصلاة وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ وأؤدبهما على تركها أدبا خفيفا ومن غلب على عقله بعارض مرض أي مرض كان ارتفع عنه الفرض في قول الله عزوجل " واتقون يا أولي الالباب " وقوله " إنما يتذكر أولو الالباب " وإن كان معقولا لا يخاطب بالامر والنهي إلا من عقلهما.
صلاة السكران والمغلوب على عقله قال الله تعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يقال نزلت قبل تحريم الخمر وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر أو بعده فمن صلى سكران لم تجز صلاته لنهى الله عزوجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول وإن معقولا أن الصلاة قول وعمل ] (1) قوله وجبت عليهما الصلاة الخ كذا في النسخ وانظره.
كتبه مصححه.(1/87)
[ وإمساك في مواضع مختلفة ولا يؤدى هذا إلا من أمر به ممن عقله وعليه إذا صلى سكران أن يعيد إذا صحا ولو صلى شارب محرم غير سكران كان عاصيا في شربه المحرم ولم يكن عليه إعادة صلاة لانه ممن يعقل ما يقول والسكران الذي لا يعقل ما يقول وأحب إلى لو أعاد وأقل السكر أن يكون يغلب على عقله في بعض ما لم يكن يغلب عليه قبل الشرب ومن غلب على عقله بوسن ثقبل فصلى وهو لا يعقل أعاد الصلاة إذا عقل وذهب عنه الوسن ومن شرب شيئا ليذهب عقله كان عاصيا بالشرب ولم تجز عنه صلاته وعليه وعلى السكران إذا أفاقا قضاء كل صلاة صلياها وعقولهما ذاهبة وسواء شربا نبيذا لا يريانه يسكر أو نبيذا يريانه يسكر فيما وصفت من الصلاة وإن افتتحا الصلاة يعقلان فلم يسلما من الصلاة حتى يغلبا على عقولهما أعادا الصلاة لان ما أفسد أولها أفسد آخرها وكذلك إن كبرا ذاهبى العقل ثم أفاقا قبل أن يفترقا فصليا جميع الصلاة إلا التكبير مفيقين كانت عليهما الاعادة لانهما دخلا الصلاة وهما لا يعقلان وأقل ذهاب العقل الذي يوجب إعادة الصلاة أن يكون مختلطا يعزب عقله في شئ وإن قل
ويثوب.
الغلبة على العقل في غير المعصية أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا غلب الرجل على عقله بعارض جن أوعته أو مرض ما كان المرض ارتفع عنه فرض الصلاة ما كان المرض بذهاب العقل عليه قائما لانه منهى عن الصلاة حتى يعقل ما يقول وهو ممن لا يعقل ومغلوب بأمر لا ذنب له فيه بل يؤجر عليه ويكفر عنه به إن شاء الله تعالى إلا أن يفيق في وقت فيصلى صلاة الوقت وهكذا إن شرب دواء فيه بعض السموم وإلا غلب منه أن السلامة تكون منه لم يكن عاصيا بشربه لانه لم يشربه على ضر نفسه ولا إذهاب عقله وإن ذهب ولو احتاط فصلى كان أحب إلى لانه قد شرب شيئا فيه سم ولو كان مباحا ولو أكل أو شرب حلالا فخبل عقله أو وثب وثبة فانقلب دماغه أو تدلى على شئ فانقلب دماغه فخبل عقله إذا لم يرد بشئ مما صنع ذهاب عقله لم يكن عليه إعادة صلاة صلاها لا يعقل أو تركها بذهاب العقل فإن وثب في غير منفعة أو تنكس ليذهب عقله فذهب كان عاصيا وكان عليه إذا ثاب عقله إعادة كل ما صلى ذاهب العقل أو ترك من الصلاة وإذا جعلته عاصيا بما عمد من إذهاب عقله أو إتلاف نفسه جعلت عليه إعادة ما صلى ذاهب العقل أو ترك من الصلوات وإذا لم أجعله عاصيا بما صنع لم تكن عليه إعادة إلا أن يفيق في وقت بحال وإذا أفاق المغمى عليه وقد بقى عليه من النهار قدر ما يكبر فيه تكبيرة واحدة أعاد الظهر والعصر ولم يعد ما قبلهما لا صبحا ولا مغربا ولا عشاء وإذا أفاق وقد بقي عليه من الليل قبل أن يطلع الفجر قدر تكبيرة واحدة قضى المغرب والعشاء وإذا أفاق الرجل قبل أن تطلع الشمس بقدر تكبيرة قضى الصبح وإذا طلعت الشمس لم يقضها وإنما قلت هذا لان هذا وقت في حال عذر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر في السفر في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء فلما جعل الاولى منهما وقتا للآخرة في حال والآخرة وقتا للاولى في حال كان وقت إحداهما وقتا للاخرى في حال وكان ذهاب العقل عذرا وبالافاقة عليه أن يصلى العصر وأمرته أن يقضي لانه قد أفاق في وقت بحال وكذلك آمر الحائض والرجل يسلم كما آمر المغمى عليه من أمرته(1/88)
بالقضاء فلا يجزيه إلا أن يقضى أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل في المسير جمع بين المغرب والعشاء.
صلاة المرتد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا ارتد الرجل عن الاسلام ثم أسلم كان عليه قضاء كل صلاة تركها في ردته وكل زكاة وجبت عليه فيها فإن غلب على عقله في ردته لمرض أو غيره قضى الصلاة في أيام غلبته على عقله كما يقضيها في أيام عقله فإن قيل فلم لم تجعله قياسا على المشرك يسلم فلا تأمره بإعادة الصلاة قيل فرق الله عزوجل بينهما فقال " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " وأسلم رجال فلم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين وحرم الله دماء أهل الكتاب ومنع أموالهم بإعطاء الجزية ولم يكن المرتد في هذه المعاني بل أحبط الله تعالى عمله بالردة وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليه القتل إن لم يتب بما تقدم له من حكم الايمان وكان مال الكافر غير المعاهد مغنوما بحال ومال المرتد موقوفا ليغنم إن مات على الردة أو يكون على ملكه إن تاب ومال المعاهد له عاش أو مات فلم يجز إلا أن يقضى الصلاة والصوم والزكاة وكل ما كان يلزم مسلما لانه كان عليه أن يفعل فلم تكن معصيته بالردة تخفف عنه فرضا كان عليه فإن قيل فكيف يقضى وهو لو صلى في تلك الحال لم يقبل عمله قيل لانه لو صلى في تلك الحال صلى على فير ما أمر به فكانت عليه الاعادة إذا أسلم ألا ترى أنه لو صلى قبل الوقت وهو مسلم أعاد والمرتد صلى قبل الوقت الذى تكون الصلاة مكتوبة له فيه لان الله عزوجل قد أحبط عمله بالردة وإن قيل ما أحبط من عمله قيل أجر عمله لا أن عليه أن يعيد فرضا أداه من صلاة ولا صوم ولا غيره قبل أن يرتد لانه أداه مسلما فإن قيل وما يشبه هذا قيل ألا ترى انه لو أدى زكاة كانت عليه أو نذر نذرا لم يكن عليه إذا أحبط أجره فيها أن يبطل فيكون كما لم يكن أو لا ترى أنه لو أخذ منه حدا أو قصاصا ثم ارتد ثم أسلم لم يعد عليه وكان هذا فرضا عليه ولو حبط بهذا المعنى فرض منه حبط كله.
جماع مواقيت الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحكم الله عزوجل كتابه أن فرض الصلاة موقوت والموقوت والله
أعلم الوقت الذي يصلى فيه وعددها فقال عزوجل " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " وقد ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها ونحن ذاكرون الوقت.
أخبرنا سفيان عن الزهري قال أخر عمر بن عبد العزيز الصلاة فقال له عروة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل جبريل فأمنى فصليت معه ثم نزل فأمنى فصليت معه ثم نزل فأمنى فصليت معه حتى عد الصلوات الخمس فقال عمر بن عبد العزيز اتق الله يا عروة وانظر ما تقول فقال عروة أخبرنيه بشير بن أبى مسعود عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عمرو بن أبى سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمنى عن جبريل عند باب الكعبة مرتين فصلى الظهر حين كان الفئ مثل الشراك ثم(1/89)
صلى العصر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثم صلى المرة الآخرة الظهر حين كان كل شئ قدر ظله قدر العصر بالامس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه ثم صلى المغرب القدر الاول لم يؤخرها ثم صلى العشاء الاخرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفر ثم التفت فقال يا محمد هذا وقت الانبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين (قال الشافعي) وبهذا نأخذه وهذه المواقيت في الحضر فاحتمل ما وصفته من المواقيت أن يكون للحاضر والمسافر في العذر وغيره واحتمل أن يكون لمن كان في المعنى الذى صلى فيه جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحضر وفي غير عذر فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة غير خائف فذهبنا إلى أن ذلك في مطر وجمع مسافرا فدل ذلك على أن تفريق الصلوات كل صلاة في وقتها إنما هو على الحاضر في غير مطر فلا يجزئ حاضرا في غير مطر أن يصلى صلاة إلا في وقتها ولا يضم إليها غيرها إلا أن ينسى فيذكر في وقت إحداهما أو ينام فيصليها حينئذ قضاء ولا يخرج أحد كان له الجمع بين الصلاتين من آخر وقت الآخرة منهما ولا يقدم وقت الاولى منهما والوقت حد لا يجاوز ولا يقدم ولا تؤخر صلاة العشاء عن الثلث الاول في مصر ولا غيره، حضر ولا سفر.
وقت الظهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأول وقت الظهر إذا استيقن الرجل بزوال الشمس عن وسط الفلك وظل الشمس في الصيف يتقلص حتى لا يكون لشئ قائم معتدل نصف النهار ظل بحال وإذا كان ذلك فسقط للقائم ظل ما كان الظل فقد زالت الشمس وآخر وقتها في هذا الحين إذا صار ظل كل شئ مثله فإذا جاوز ظل كل شئ مثله بشئ ما كان فقد خرج وقتها ودخل وقت العصر لا فصل بينهما إلا ما وصفت والظل في الشتاء والربيع والخريف مخالف له فيما وصفت من الصيف وإنما يعلم الزوال في هذه الاوقات بأن ينظر إلى الظل ويتفقد نقصانه فإنه إذا تناهى نقصانه زاد فإذا زاد بعد تناهى نقصانه فذلك الزوال وهو أول وقت الظهر ثم آخر وقتها إذا علم أن قد بلغ الظل مع خلافه ظل الصيف قدر ما يكون ظل كل شئ مثله في الصيف وذلك أن تعلم ما بين زوال الشمس وأول وقت الظهر أقل مما بين أول وقت العصر والليل فإن برز له منها ما يدله وإلا توخى حتى يرى أنه صلاها بعد الوقت واحتاط (قال الشافعي) فإن كان الغيم مطبقا راعى الشمس واحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف دخول وقت العصر فإذا توخى فصلى على الاغلب عنده فصلاته مجزئة عنه وذلك أن مدة وقتها متطاول حتى يكاد يحيط إذا احتاط بأن قد زالت وليست كالقبلة التي لا مدة لها إنما عليها دليل لا مدة وعلى هذا الوقت دليل من مدة وموضع وظل فإذا كان هكذا فلا إعادة عليه حتى يعلم أن قد صلى قبل الزوال فإذا علم ذلك أعاد وهكذا إن توخى بلا غيم (قال) وعلمه بنفسه وأخبار غيره ممن يصدقه أنه صلى قبل الزوال إذا لم ير هو أو هم يلزمه أن يعيد الصلاة فإن كذب من أعلمه أنه صلى قبل الزوال لم يكن عليه إعادة والاحتياط له أن يعيد وإذا كان أعمى وسعه خبر من يصدق خبره في الوقت والاقتداء بالمؤذنين فيه وإن كان محبوسا في موضع مظلم أو كان أعمى ليس قربه أحد توخى وأجزأت صلاته حتى يستيقن أنه صلى قبل الوقت والوقت يخالف القبلة لان في الوقت مدة فجعل مرورها كالدليل وليس(1/90)
ذلك في القبلة فإن علم أنه صلى بعد الوقت أجزأه وكان أقل أمره أن يكون قضاء (قال الشافعي) وإذا كان كما وصفت محبوسا في ظلمة أو أعمى ليس قربه أحد لم يسعه أن يصليها بلا تأخ على الاغلب عنده
من مرور الوقت من نهار وليل وإن وجد غيره تأخى به وإن صلى على غير تأخ أعاد كل صلاة صلاها على غير تأخ ولا يفوت الظهر حتى يجاوز ظل كل شئ مثله فإذا جاوزه فهو فائت وذلك أن من أخرها إلى هذا الوقت جمع أمرين، تأخيرها عن الوقت المقصود، وحلول وقت غيرها.
تعجيل الظهر وتأخيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتعجيل الحاضر الظهر إماما ومنفردا في كل وقت إلا في شدة الحر فإذا اشتد الحر أخر إمام الجماعة الذي ينتاب من البعد الظهر حتى يبرد بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم.
وقد اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضى بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر من حرها وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها " أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة ابن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم (قال الشافعي) ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها فيصليهما جميعا معا ولكن الابراد ما يعلم أنه يصليها متمهلا وينصرف منها قبل آخر وقتها ليكون بين انصرافه منها وبين آخر وقتها فصل فأما من صلاها في بيته أو في جماعة بفناء بيته لا يضحرها إلا من بحضرته فليصلها في أول وقتها لانه لا أذى عليهم في حرها (قال الشافعي) ولا تؤخر في الشتاء بحال وكلما قدمت كان ألين على من صلاها في الشتاء ولا يؤخرها إمام جماعة ينتاب إلا ببلاد لها حر مؤذ كالحجاز، فإذا كانت بلاد لا أذى لحرها لم يؤخرها لانه لا شدة لحرها يرفق على أحد بتنحية الاذى عنه في شهودها.
وقت العصر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ووقت العصر في الصيف إذا جاوز ظل كل شئ مثله بشئ ما كان وذلك حين ينفصل من آخر وقت الظهر وبلغني عن بعض أصحاب ابن عباس أنه قال معنى ما
وصفت وأحسبه ذكره عن ابن عباس وأن ابن عباس أراد به صلاة العصر في آخر وقت الظهر على هذا المعنى أنه صلاها حين كان ظل كل شئ مثله يعني حين تم ظل كل شئ مثله ثم جاوز ذلك بأقل ما يجاوزه وحديث ابن عباس محتمل له وهو قول عامة من حفظت عنه وإذا كان الزمان الذي لا يكون الظل فيه هكذا قدر الظل ما كان ينقص فإذا زاد بعد نقصانه بذلك زواله ثم قدر ما لو كان الصيف بلغ الظل أن يكون مثل القائم فإذا جاوز ذلك قليلا فقد دخل أول وقت العصر ويصلى العصر في كل بلد وكل زمان وإمام جماعة ينتاب من بعد وغير بعد ومنفرد في أول وقتها لا أحب أن يؤخرها عنه وإذا كان الغيم مطلقا أو كان محبوسا في(1/91)
ظلمة أو أعمى ببلد لا أحد معه فيها صنع ما وصفت يصنعه في الظهر لا يختلف في شئ ومن أخر العصر حتى تجاوز ظل كل شئ مثليه في الصيف وقدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز عليه أن يقال قد فاته وقت العصر مطلقا كما جاز على الذى أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شئ مثله مطلقا لما وصفت من أنه تحل له صلاة العصر في ذلك الوقت وهذا لا يحل له صلاة الظهر في هذا الوقت وإنما قلت لا يتبين عليه ما وصفت من أن مالكا أخبرنا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بشر بن سعيد وعن الاعرج يحدثونه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (قال الشافعي) فمن لم يدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد فاتته العصر والركعة ركعة بسجدتين وإنما أحببت تقديم العصر لان محمد بن إسمعيل أخبرنا عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس صاحية ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة أخبرنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن نوفل بن معاوية الديلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فاته العصر فكأنما وتر أهله وماله.
وقت المغرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا وقت للمغرب إلا واحد ذلك حين تجب الشمس وذلك بين في حديث إمامة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى نعيم عن جابر قال: كنا نصلى المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نخرج نتناضل حتى نبلغ بيوت بني سلمة ننظر إلى مواقع النبل من الارسفار أخبرنا محمد بن اسمعيل عن ابن أبى ذئب عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن القعقاع ابن حكيم قال دخلنا على جابر بن عبد الله فقال جابر كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ننصرف فتأتى بنى سلمة فنبصر مواقع النبل أخبرنا محمد بن إسمعيل عن ابن أبى ذئب عن صالح مولى التوأمة عن زيد بن خالد الجهنى قال: كنا نصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم ننصرف فنأتي السوق ولو رمى بنبل لرؤى مواقعها (قال الشافعي) وقد لا قيل تفوت حتى يدخل أول وقت صلاه العشاء قبل يصلى منها ركعة كما قيل في العصر ولكن لا يجوز لان الصبح تفوت بأن تطلع الشمس قبل يصلى منها ركعة فإن قيل فتقيسها على الصبح قيل لا أقيس شيئا من المواقيت على غيره وهى على الاصل والاصل حديث إمامة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دلالة أو قاله عامة العلماء لم يختلفوا فيه (قال الشافعي) ولو قيل تفوت المغرب إذا لم تصل في وقتها كان والله أعلم أشبه بما قال ويتأخاها المصلى في الغيم والمحبوس في الظلمة والاعمى كما وصفت في الظهر ويؤخرها حتى يرى أن قد دخل وقتها وقت العشاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن ابن أبى لبيد عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن(1/92)
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم هي العشاء إلا أنهم يعتمون بالابل (قال الشافعي) فأحب أن لا تسمى إلا العشاء كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول وقتها حين يغيب الشفق والشفق الحمرة التى في المغرب فإذا ذهبت الحمرة فلم ير منها شئ حل وقتها ومن افتتحها وقد بقى عليه من الحمرة شئ أعادها وإنما قلت الوقت في الدخول في الصلاة فلا يكون لاحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد دخول وقتها وإن لم يعمل فيها شئ إلا بعد الوقت ولا
التكبير لان التكبير هو مدخله فيها فإذا أدخله التكبير فيها قبل الوقت أعادها وأخر وقتها إلى أن يمضى ثلث الليل فإذا مضى ثلث الليل الاول فلا أراها إلا فائتة لانه آخر وقتها ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شئ يدل على أنها لا تفوت إلا بعد ذلك الوقت (قال) المواقيت كلها كما وصفت لا تقاس ويصنع المتأخى لها في الغيم وفي الحبس المظلم والاعمى ليس معه أحد كما وصفته يصنعه في الظهر والتأخي في الليل أخف من التأخى لصلاة النهار لطول المدة وشدة الظلمة وبيان الليل.
وقت الفجر قال الله تبارك وتعالى " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " وقال صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح والصبح الفجر فلها اسمان الصبح والفجر لا احب أن تسمى إلا بأحدهما وإذا بان الفجر الاخير معترضا حلت صلاة الصبح ومن صلاها قبل تبين الفجر الاخير معترضا أعاد ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضا حتى يخرج منها مغلسا (قال الشافعي) وأخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس ولا تفوت حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة والركعة ركعة بسجودها فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع الشمس فقد فاتته الصبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " (1).
] (1) وفي اختلاف علي وابن مسعود في أبواب الصلاة (قال الشافعي) رضي الله عنه أخبرنا هشيم عن حصين قال حدثنا ابن ظبيان قال كان علي رضي الله عنه يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح فيقول الصلاة الصلاة فإذا قام الناس قال نعم ساعة الوتر هذه فإذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن حبان بن الحرث قال أتيت عليا رضي الله عنه وهو يعسكر بربذ أبي موسى فوجدته يطعم فقال: ادن فكل، قلت إنى أريد الصوم قال وأنا أريده فدنوت فأكلت فلما فرغ قال يا ابن التياح أقم الصلاة وهذان خبران عن علي رضى الله عنه كلاهما يثبت أنه كان يغلس أقصى غاية التغليس وهم يخالفونه فيقولون يسفر بالفجر أشد الاسفار
ونحن نقول بالتغليس به وهو يوافق ما روينا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في التغليس.
وفي اختلاف الحديث (الاسفار والتغليس بالفجر) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد ابن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسفروا بالصبح فإن ذلك أعظم لاجوركم أو قال للاجر أخبرنا الربيع قال =(1/93)
[ اختلاف الوقت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فلما ام جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر لا في مطر وقال ما بين هذين وقت لم يكن لاحد أن يعمد أن يصلى الصلاة في حضر ولا في مطر إلا في هذا ] = أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كن نساء من المؤمنات يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم وهن متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى أهلهن ما يعرفهن أحد من الغلس (قال الشافعي) وروى زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا وروى مثله أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فقلنا إذا انقطع الشك في الفجر الآخر وبان معترضا فالتغليس بالصبح أحب إلينا (قال الشافعي) وقد قال بعض الناس الاسفار بالفجر أحب إلينا (قال) وروى حديثان مختلفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا بأحدهما وذكر حديث رافع بن خديج وقال أخذنا به لانه كان أرفق بالناس (قال) وقال لي إرأيت إن كانا مختلفين فلم صرت إلى التغليس (قلت) لان التغليس أولاهما معنى لكتاب الله وأثبتهما عند أهل الحديث وأشبههما بجمل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهما عند أهل العلم (قال) فاذكر ذلك (قلت) قال الله تعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فذهبنا أنها الصبح وكان أقل ما في الصبح إن لم تكن هي ان تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه فلما دلت السنة ولم يختلف أحد أن الفجر إذا بان معترضا فقد جاز أن يصلى الصبح علمنا أن مؤدى الصلاة في أول وقتها أولى بالمحافظة عليها من مؤخرها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل فقال الصلاة في أول وقتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤثر على رضوان الله ولا على افضل
الاعمال شيئا (قال الشافعي) ولم يختلف أهل العلم في امرئ أراد التقرب إلى الله تعالى بشئ يتعجله مبادرة ما لا يخلو فيه الآدميون من النسيان والشغل ومقدم الصلاة أشد فيها تمكنا من مؤخرها وكانت الصلاة المقدمة من اعلى اعمال بني آدم وأمرنا بالتغليس بها لما وصفنا (قال) فأبن أن حديثك الذي ذهبت إليه أثبتهما (قلت) حديث عائشة وزيد بن ثابت وثالث معهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليس أثبت من حديث رافع بن خديج وحده في أمره بالاسفار وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بأن تصلى صلاة في وقت ويصليها في غيره (قال الشافعي) وأثبت الحجج وأولادها ما ذكرنا من امر الله عزوجل لمحافظة على الصلوات ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله، وقوله إذ سئل: أي الاعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها.
(قال الشافعي) فقال أيخالف حديث رافع حديثكم في التغليس (قلت) إن خالفه فالحجة في أخذنا بحديثنا ما وصفت وقد يحتمل أن لا يخالفه بأن يكون الله عزوجل أمر بالمحافظة على الصلوات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذلك أفضل الاعمال وإنه رضوان الله فلعل من الناس من سمعه فقدم الصلاة قبل أن يتبين الفجر فأمرهم أن يسفروا حين يتبين الفجر الآخر ولا يكون معنى حديث رافع ما أردت من الاسفار ولا يكون حديثه مخالفا حديثنا (قال) فما ظاهر حديث رافع (قلت) الامر بالاسفار لا التغليس وإذا احتمل أن يكون موافقا للاحاديث كان أولى بنا ألا ننسبه إلى الاختلاف فإن كان مخالفا فالحجة في تركناه بحديثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما وصفت من الدلائل معه.(1/94)
[ الوقت ولا صلاة إلا منفردة كما صلى جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد مقيما في عمره ولما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة آمنا مقيما لم يحتمل إلا أن يكون مخالفا لهذا الحديث أو يكون الحال التي جمع فيها حالا غير الحال التي فرق فيها فلم يجز أن يقال جمعه في الحضر مخالف لافراده في الحضر من وجهين أنه يوجد لكل واحد منهما وجه وأن الذي رواه منهما معا واحد وهو ابن عباس فعلمنا أن الجمعة في الحضر علة فرقت بينه وبين إفراده فلم يكن إلا المطر والله تعالى أعلم إذا لم يكن خوف ووجدنا في المطر علة المشقة كما كان في الجمع في السفر علة المشقة العامة فقلنا إذا
كانت العلة من مطر في حضر جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (قال) ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذى تجمع فيه فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الاخرى إليها وإذا صلى إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الاخرى والسماء تمطر ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الاخرى إليها وإذا صلى إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الاخرى والسماء تمطر ثم انقطع المطر مضى على صلاته لانه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامها (قال) ويجمع من قليل المطر وكثيره ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى مسجد يجمع فيه قرب المسجد أو كثر أهله أو قلوا أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد وإن صلى رجل الظهر في غير مطر ثم مطر الناس لم يكن له أن يصلى العصر لانه صلى الظهر وليس له جمع العصر إليها وكذلك لو افتتح الظهر ولم يمطر ثم مطر بعد ذلك لم يكن له جمع العصر إليها ولا يكون له الجمع إلا بان يدخل في الاولى ينوى الجمع وهو له فإذا دخل فيها وهو يمطر ودخل في الآخرة وهو يمطر فإن سكنت السماء فيما بين ذلك كان له الجمع لان الوقت في كل واحدة منهما الدخول فيها والمغرب والعشاء في هذا وقت كالظهر والعصر لا يختلفان وسواء كل بلد في هذا لان بل المطر في كل موضع أذى وإذا جمع بين صلاتين في مطر جمعهما في وقت الاولى منهما لا يؤخر ذلك ولا يجمع في حضر في غير المطر من قبل أن الاصل أن يصلى الصلوات منفردات والجمع في المطر رخصة لعذر وإن كان عذر غيره لم يجمع فيه لان العذر في غيره خاص وذلك المرض والخوف وما أشبهه وقد كانت أمراض وخوف فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع والعذر بالمطر عام ويجمع في السفر بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدلالة على المواقيت عامة لا رخصة في ترك شئ منها ولا الجمع إلا حيث رخص النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ولا رأينا من جمعه الذي رأيناه في المطر والله تعالى أعلم.
وقت الصلاة في السفر أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يذكر حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1) فراح النبي صلى الله عليه وسلم من منزله وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا أخبرنا مالك عن أبى الزبير ]
__________
(1) قوله فراح النبي صلى الله عليه وسلم من منزله تمام الحديث كما في مسند الشافعي فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الاولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الاذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام بلال فصلى العصر اه كتبه مصححه.(1/95)
[ عن أبى الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ ابن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء قال فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا (قال الشافعي) وهذا وهو نازل غير سائر لان قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلا وسائرا أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسمعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب الاسدي قال خرجنا مع ابن عمر إلى الحمى فغربت الشمس فهبنا أن نقول له انزل فصل فلما ذهب بياض الافق وفحمة العشاء نزل فصلى ثلاثا ثم سلم ثم صلى ركعتين ثم سلم ثم التفت إلينا فقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما إن شاء في وقت الاولى منهما وإن شاء في وقت الآخرة لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر وجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء فلما حكى ابن عباس ومعاذ الجمع بينهما جدبه السير أو لم يجد سائرا ونازلا لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بعرفة غير سائر إلا إلى الموقف إلى جنب المسجد وبالمزدلفة نازلا ثانيا وحكى عنه معاذ أنه جمع ورأيت حكايته على أن جمعه وهو نازل في سفر غير سائر فيه فمن كان له أن يقصر فله أن يجمع لما وصفت من دلالة السنة وليس له أن يجمع الصبح إلى صلاة ولا يجمع إليها صلاة لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمعها ولم يجمع إليها غيرها وليس للمسافر أن يجمع بين صلاتين قبل وقت الاولى منهما فان فعل أعاد كما يعيد المقيم إذا صلى قبل الوقت وله أن يجمعهما بعد الوقت لانه حينئذ يقضي ولو افتتح المسافر الصلاة قبل الزوال ثم لم يقرأ حتى تزول الشمس ثم مضى في صلاته
فصلى الظهر والعصر معا كانت عليه إعادتهما معا أما الظهر فيعيدها لان الوقت لم يدخل حين الدخول في الصلاة فدخل فيها قبل وقتها وأما العصر فإنما كان له أن يصليها قبل وقتها إذا أجمع بينها وبين الظهر وهى مجزئة عنه ولو افتتح الظهر وهو يرى أن الشمس لم تزل ثم استيقن أن دخوله فيها كان بعد الزوال صلاها والعصر أعاد.
لانه حين افتتحها افتتحها ولم تحل عنده فليست مجزئة عنه وكان في معنى من صلاها لا ينويها وفى أكثر من حاله، ولو أراد الجمع فبدأ بالعصر ثم الظهر أجزأت عنه الظهر ولا تجزئ عنه العصر لا تجزئ عنه مقدمة عن وقتها حتى تجزئ عنه الظهر التى قبلها ولو افتتح الظهر على غير وضوء، ثم توضأ للعصر فصلاها أعاد الظهر والعصر لا تجزئ عنه العصر مقدمة عن وقتها حتى تجزئ عنه الظهر قبلها وهكذا لو أفسد الظهر بأى فساد ما كان لم تجزئ عنه العصر مقدمة عن وقتها ولو كان هذا كله في وقت العصر حتى لا يكون العصر إلا بعد وقتها أجزأت عنه العصر وكانت عليه إعادة الظهر ولو افتتح الظهر وهو يشك في وقتها فاستيقن أنه لم يدخل فيها إلا بعد دخول وقتها لم تجزئ عنه صلاته وكذلك لو ظن أن صلاته فاتته استفتح صلاة على أنها إن كانت فائتة فهى التى افتتح ثم علم أن عليه صلاة فائتة لم تجزه ولا يجزئ شئ من هذا حتى يدخل فيه على نية الصلاة وعلى نية أن الوقت دخل فإنا إذا دخل على الشك فليست النية بتامة ولو كان مسافرا فأراد الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر فسها أو عمد فبدا بالعصر لم يجزه ولا يجزه العصر قبل وقتها إلا أن يصلي الظهر قبلها فتجزئ عنه وكذلك لو صلى الظهر في وقتها فأفسدها فسها عن إفساده إياها ثم صلى العصر بعدها في وقت الظهر أعاد الظهر ثم العصر.(1/96)
الرجل يصلى وقد فاتته قبلها صلاة أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي من فاتته الصلاة فذكرها وقد دخل في صلاة غيرها مضى على صلاته التى هو فيها ولم تفسد عليه إماما كان أو ماموما فإذا فرغ من صلاته صلى الصلاة الفائتة وكذلك لو ذكرها ولم يدخل في صلاة فدخل فيها وهو ذاكر للفائتة أجزأته الصلاة التي دخل فيها وصلى الصلاة المكتوبة الفائتة له وكان الاختيار له إن شاء أتى بالصلاة الفائتة له قبل الصلاة التى
ذكرها قبل الدخول فيها إلا أن يخاف فوت التى هو في وقتها فيصليها ثم يصلى التى فاتته أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزرى (1) (قال الشافعي) وسواء كانت الصلوات الفائتات صلاة يوم أو صلاة سنة وقد أثبت هذا في غير هذا الموضع وإنما قلته إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عن الصبح فارتحل عن موضعه فأخر الصلاة الفائتة وصلاتها ممكنة له فلم يجز أن يكون قوله من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها على معنى أن وقت ذكره إياها وقتها لا وقت لها غيره لانه صلى الله عليه وسلم لا يؤخر الصلاة عن وقتها فلما لم يكن هذا معنى قوله لم يكن له معنى إلا أن يصليها إذا ذكرها فإنها غير موضوعة الفرض عنه بالنسيان إذا كان الذكر الذي هو خلاف النسيان وأن يصليها أي ساعة كانت منهيا عن الصلاة فيها أو غير منهى (قال الربيع) قال الشافعي قول النبي صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها يحتمل أن يكون وقتها حين يذكرها ويحتمل أن يكون يصليها إذا ذكرها لا أن ذهاب وقتها يذهب بفرضها قلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الوادي صلاة الصبح فلم يصلها حتى قطع الوادي علمنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها أي وإن ذهب وقتها ولم يذهب فرضها فإن قيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج من الوادي فإنه واد فيه شيطان فقيل لو كانت الصلاة لا تصلح في واد فيه شيطان فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخنق الشيطان فخنقه أكثر من صلاة في واد فيه شيطان (قال الشافعي) فلو أن مسافرا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر فبدأ بالظهر فافسدها ثم صلى العصر أجزأه العصر وإنما أجزأته لانها صليت في وقتها على الانفراد الذى لو صليت فيه وحدها أجزأت ثم يصلى الظهر بعدها (قال الشافعي) ولو بدأ فصلى العصر ثم صلى الظهر أجزأت عنه العصر لانه صلاها في وقتها على الانفراد وكان عليه أن يصلى الظهر وأكره هذا له وإن كان مجزئا عنه (قال الشافعي) وإذا كان الغيم مطبقا في السفر فهو كإطباقه في الحضر يتأخى فإن فعل فجمع بين الظهر والعصر ثم تكشف الغيم فعلم أنه قد كان افتتح الظهر قبل الزوال أعاد الظهر والعصر معا لانه صلى كل واحدة منهما غير مجزئة الظهر قبل وقتها والعصر في الوقت الذى لا نجزئ عنه فيه إلا أن تكون الظهر قبلها مجزئة (قال الشافعي) ولو كان تأخى فصلاهما فكشف الغيم فعلم أنه صلاها في وقت العصر أجزأتا عنه لانه كان له أن يصليهما عامدا
في ذلك الوقت (قال الشافعي) ولو تكشف الغيم فعلم أنه صلاهما بعد مغيب الشمس أجزأتا عنه لان أقل أمرهما أن يكونا قضاء مما عليه (قال الشافعي) ولو كان تأخى فعلم أنه صلى إحداهما قبل مغيب الشمس والاخرى بعد مغيبها أجزأتا عنه وكانت إحداهما مصلاة في وقتها وأقل أمر الاخرى أن تكون ]
__________
(1) كذا هو في الاصل وبيض له في بعض النسخ ولم نعثر على هذا الاسناد في مسند الامام ولا غيره من كتب الحديث التي بيدنا، فانظره.
كتبه مصححه.(1/97)
[ قضاء (قال الشافعي) وهكذا القول في المغرب والعشاء يجمع بينهما (قال الشافعي) ولو كان مسافرا فلم يكن له في يوم سفره نية في أن يجمع بين الظهر والعصر وأخر الظهر ذاكرا لا يريد بها الجمع حتى يدخل وقت العصر كان عاصيا بتأخيرها لا يريد الجمع بها لان تأخيرها إنما كان له على ارادة الجمع فيكون ذلك وقتا لها فإذا لم يرد به الجمع كان تأخيرها وصلاتها تمكنه معصية وصلاتها قضاء والعصر في وقتها واجزأتا عنه وأخاف المأثم عليه في تأخير الظهر (قال الشافعي) ولو صلى الظهر ولا ينوى أن يجمع بينها وبين العصر فلما أكمل الظهر أو كان وقتها كانت له نية في أن يجمع بينهما كان ذلك له لانه إذا كان له أن ينوى ذلك على الابتداء كان له أن يحدث فيه نية في الوقت الذي يجوز له فيه الجمع ولو انصرف من الظهر وانصرافه أن يسلم ولم ينو قبلها ولا مع انصرافه الجمع ثم أراد الجمع لم يكن له لانه لا يقال له إذا انصرف جامع وإنما يقال هو مصلى صلاة انفراد فلا يكون له أن يصلي صلاة قبل وقتها إلا صلاة جمع لا صلاة انفراد (قال الشافعي) ولو كان آخر الظهر بلا نية جمع وانصرف منها في وقت العصر كان له أن يصلى العصر لانها وإن صليت صلاة انفراد فإنما صليت في وقتها لا في وقت غيرها وكذلك لو أخر الظهر عامدا لا يريد بها الجمع إلى وقت العصر فهو آثم في تأخيرها عامدا ولا يريد بها الجمع (قال الشافعي) (1) وإذا صليت الظهر والعصر في وقت الظهر ووالى بينهما قبل ان يفارق مقامه الذي صلى فيه وقبل أن يقطع بينهما بصلاة فإن فارق مقامه الذي صلى فيه أو قطع بينهما بصلاة لم يكن له الجمع بينهما لانه لا يقال أبدا جامع إلا أن يكونا متواليين لا عمل بينهما ولو كان الامام والمأموم تكلما كلاما كثيرا كان له أن يجمع وإن طال ذلك به لم يكن له الجمع وإذا جمع بينهما في وقت الآخرة كان له (2) أن يصلى
في وقت الاولى وينصرف ويصنع ما بدا له لانه حينئذ يصلى الآخرة في وقتها وقد روى في بعض الحديث أن بعض من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بجمع صلى معه المغرب ثم اناخ بعضهم أباعرهم في منازلهم ثم صلوا العشاء فيما يرى حيث صلوا وإنما صلوا العشاء في وقتها (قال الشافعي) فالقول في الجمع بين المغرب والعشاء كالقول في الجمع بين الظهر والعصر لا يختلفان في شئ (قال الشافعي) ولو نوى أن يجمع بين الظهر والعصر فصلى الظهر ثم أغمى عليه ثم أفاق قبل خروج وقت الظهر لم يكن له أن يصلى العصر حتى يدخل وقتها لانه حينئذ غير جامع بينهما وكذلك لو نام أوسها أو شغل أو قطع ذلك بامر يتطاول (قال الشافعي) وجماع هذا أن ينظر إلى الحال التي لو سها فيها في الصلاة فانصرف قبل إكمالها هل يبني لتقارب انصرافه فله إذا صنع مثل ذلك إن يجمع وإذا سها فانصرف فتطاول ذلك لم يكن له أن يبنى وكان عليه أن يستأنف فكذلك ليس له أن يجمع في وقت ذلك إن كان في مسجد أن لا يخرج منه يطيل المقام قبل توجهه إلى الصلاة وإن كان في موضع مصلاه لا يزايله ولا يطيل قبل ان يعود إلى الصلاة.
]
__________
(1) قوله وإذا صليت الظهر الخ كذا في النسخ وانظر جواب الشرط ولعله سقط من الناسخ أو حذف للعلم به من المفهوم بعده فتأمل، كتبه مصححه.
(2) قوله أن يصلى في وقت الاولى كذا في النسخ بزيادة لفظ " قي وقت " ولعلها من زيادة الناسخ والاصل " كان له أن يصلى الاولى " الخ.
فتأمل اه.(1/98)
[ باب صلاة العذر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يكون لاحد أن يجمع بين صلاتين في وقت الاولى منهما إلا في مطر ولا يقصر صلاة بحال خوف ولا عذر غيره إلا أن يكون مسافرا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالخندق محاربا فلم يبلغنا أنه قصر (قال الشافعي) وكذلك لا يكون له أن يصلى قاعدا إلا من مرض لا يقدر معه على القيام (1) وهو يقدر على القيام إلا في حال الخوف التي ذكرت ولا يكون له بعذر غيره أن يصلي قاعدا إلا من مرض لا يقدر على القيام (قال الشافعي) وذلك ان الفرض في
المكتوبة استقبال القبلة والصلاة قائما فلا يجوز غير هذا إلا في المواضع التي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ولا يكون شئ قياسا عليه وتكون الاشياء كلها مردودة إلى أصلولها والرخص لا يتعدى بها مواضعها.
باب صلاة المريض (2) قال الله عزوجل " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " فقيل والله سبحانه وتعالى أعلم قانتين مطيعين وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة قائما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا خوطب بالفرائض من أطاقها فإذا كان المرء مطيقا للقيام في الصلاة لم يجزه إلا هو إلا عندما ذكرت من الخوف (قال الشافعي) وإذا لم يطق القيام صلى قاعدا وركع وسجد إذا أطاق الركوع والسجود (3) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة فجاء فقعد إلى جنب أبى بكر فأم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهو قاعد وأم أبا بكر الناس وهو قائم أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال سمعت يحيى بن سعيد يقول حدثني ابن أبى مليكة أن عبيد بن عمير الليثى حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلى بالناس الصبح وأن أبا بكر كبر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الخفة فقام يفرج الصفوف قال ]
__________
(1) قوله: وهو يقدر على القيام.
أي لا يصلى قاعدا وهو يقدر الخ.
(2) وفي الترجمة عتق الامة في أثناء الصلاة وهي غير مستترة بستر الحرة والصبى يبلغ.
انتهى.
كتبه مصححه.
(3) كتب في نسخة البلقيني في هذا الموضع ما نصه ولم يبين الشافعي هنا كيفية القعود وقال في اختلاف علي وابن مسعود قبيل ترجمة القيام هشيم عن حصين قال أخبرني القاسم سمع ابن مسعود يقول لان اجلس على الرضف أحب إلى من أن أتربع في الصلاة وهم يقولون قيام صلاة الجالس التربع ونحن نكره ما يكره ابن مسعود من تربع الرجل في الصلاة وهم يخالفون ابن مسعود ويستحبون التربع في الصلاة هذا ما في الام في الموضعين وفي مختصر البويطي صلى جالسا متربعا في موضع القيام ذكره في
ترجمة الامام يحدث وفيه حديث من طريق عائشة رواه البيهقي وغيره والمعتمد في الفتوى والعمل ما نص عليه في اختلاف العراقيين من أنه لا يتربع ولكنه يفترش والاكثر يحكوم القولين بلا ترجيح.(1/99)
[ وكان أبو بكر لا يلتفت إذا صلى فلما سمع أبو بكر الحس من ورائه عرف أنه لا يتقدم ذلك المقام المقدم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنس وراءه إلى الصف فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وأبو بكر قائم حتى إذا رفع أبو بكر قال أي رسول الله أراك اصبحت صالحا وهذا يوم بنت خارجة فرجع أبو بكر إلى أهله فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه وجلس إلى جنب الحجر يحذر الناس الفتن وقال إنى والله لا يمسك الناس علي شيئا إنى والله لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله وصفية عمة رسول الله اعملا لما عند الله فإني لا أغنى عنكما من الله شيئا (قال الشافعي) ويصلى الامام قاعدا ومن خلفه قياما إذا أطاقوا القيام ولا يجزى من أطاق القيام أن يصلى إلا قائما وكذلك إذا أطاق الامام القيام صلى قائما ومن لم يطق القيام ممن خلفه صلى قاعدا (قال الشافعي) وهكذا كل حال قدر المصلى فيها على تأدية فرض الصلاة كما فرض الله تعالى عليه صلاها وصلى ما لا يقدر عليه كما يطيق فإن لم يطق المصلى القعود وأطاق أن يصلى مضطجعا صلى مضطجعا وإن لم يطق الركوع والسجود صلى مومئا وجعل السجود أخفض من إيماء الركوع (قال الشافعي) فإذا كان بظهره مرض لا يمنعه القيام ويمنعه الركوع لم يجزه إلا أن يقوم وأجزأه أن ينحنى كما يقدر في الركوع فإن لم يقدر على ذلك بظهره حتى رقبته فإن لم يقدر على ذلك إلا بأن يعتمد على شئ اعتمد عليه مستويا أو في شق ثم ركع ثم رفع ثم سجد وإن لم يقدر على السجود جلس أومأ إيماء، وإن قدر على السجود على صدغه ولم يقدر عليه على جبهته طأطأ رأسه ولو في شق ثم سجد على صدغه وكان أقرب ما يقدر عليه من السجود مستويا أو على أي شقيه كان لا يجزيه أن يطيق أن يقارب السجود بحال إلا قاربه (قال الشافعي) ولا يرفع إلى جبهته شيئا ليسجد عليه لانه لا يقال له ساجد حتى يسجد بما يلصق بالارض فإن وضع وسادة على الارض فسجد عليها أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن يونس عن
الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسجد على وسادة من أدم من رمد بها (قال الشافعي) ولو سجد الصحيح على وسادة من أدم لا صقة بالارض كرهته له ولم أر عليه أن يعيد كما لو سجد على ربوة من الارض أرفع من الموضع الذي يقوم عليه لم يعد (قال الشافعي) وإن قدر المصلي على الركوع ولم يقدر على القيام كان في قيامه راكعا وإذا ركع خفض عن قدر قيامه ثم يسجد وإن لم يقدر على إن يصلى إلا مستلقيا صلى مستلقيا يومئ إيماء (قال الشافعي) وكل حال أمرته فيها أن يصلى كما يطيق فإذا أصابها ببعض المشقة المحتملة لم يكن له أن يصلى إلا كما فرض الله عليه إذا أطاق القيام ببعض المشقة قام فأتى ببعض ما عليه في القيام من قراءة أم القرآن وأحب أن يزيد معها شيئا وإنما آمره بالقعود إذا كانت المشقة عليه غير محتملة أو كان لا يقدر على القيام بحال وهكذا هذا في الركوع والسجود لا يختلف ولو أطاق أن يأتي بأم القرآن وقل هو الله أحد وأم القرآن في الركعة الاخرى وإنا أعطيناك الكوثر منفردا قائما ولم يقدر على صلاة الامام لا يقرأ بأطول مما وصفت إلا جالسا، امرته أن يصلى منفردا وكان له عذر بالمرض في ترك الصلاة مع الامام ولو صلى مع الامام فقدر على القيام في بعض ولم يقدر عليه في بعض صلى قائما ما قدر وقاعدا ما لم يقدر وليست عليه اعادة ولو افتتح الصلاة قائما ثم عرض له عذر جلس فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم فإن كان قرأ بما يجزيه جالسا لم يكن عليه إذا قام أن يعيد قراءة وإن بقى عليه من قراءته شئ قرأ بما بقي منها قائما، كأن قرأ بعض أم القرآن جالسا ثم برئ فلا يجزيه أن يقرأ جالسا وعليه أن يقرأ ما بقى قائما ولو قرأه ناهضا في القيام لم(1/100)
يجزه ولا يجزيه حتى يقرأه قائما معتدلا إذا قدر على القيام وإذا قرا ما بقي قائما ثم حدث له عذر فجلس قرأ ما بقي جالسا فإن حدثت له إفاقة قام وقرأ ما بقي قائما ولو قرأ قاعدا أم القرآن وشيئا معها ثم أفاق فقام لم يكن له أن يركع حتى يعتدل قائما فإن قرأ قائما كان أحب إلي وإن لم يقرأ فركع بعد اعتداله قائما أجزأته ركعته وإذا ركع قبل أن يعتدل قائما وهو يطيق ذلك وسجد ألغى هذه الركعة والسجدة وكان عليه أن يقوم فيعتدل قائما ثم يركع ويسجد وليس عليه اعادة قراءة فإن لم يفعل حتى يقوم فيقرأ ثم يركع ثم يسجد لم يعتد بالركعة التي قرأ فيها وسجد فكان السجود للركعة التي قبلها وكانت سجدة وسقطت
عنه إحدى الركعتين، ولو فرغ من صلاته واعتد بالركعة التى لم يعتدل فيها قائما، فإن ذكر وهو في الوقت الذي له أن يبني لو سها فانصرف قبل ان يكمل صلاته كبر وركع وسجد وسجد للسهو وأجزأته صلاته، وإن لم يذكر ذلك حتى يخرج من المسجد أو يطول ذلك استأنف الصلاة وهكذا هذا في كل ركعة وسجدة وشئ من صلب الصلاة أطاقه (1) فإن لم يأت به كما أطاقه ولو أطاق سجدة فلم يسجدها وأومأ ايماء سجدها ما لم يركع الركعة التي بعدها وإن لم يسجدها وأومأ بها وهو يطيق سجودها ثم قرأ بعدما ركع لم يعتد بتلك الركعة وسجدها ثم أعاد القراءة والركوع بعدها لا يجزيه غير ذلك وإن ركع وسجد سجدته فتلك السجدة مكان التي أطاقها وأومأ بها فقام فقرأ وركع ولم يعتد بتلك الركعة وكذلك لو سجد سجدتين كانت إحداهما مكانها ولم يعتد بالثانية لانها سجدة قبل ركوع وإنما تجزي عنه سجدة مكان سجدة قبلها تركها أو فعل فيها ما لا يجزيه إذا سجد السجدة التي بعدها على أنها من صلب الصلاة فأما لو ترك سجدة من صلب الصلاة وأومأ بها وهو يقدر عليها ثم سجد بعدها سجدة من سجود القرآن أو سجدة سهو، لا يريد بها صلب الصلاة لم تجز عنه من السجدة التى ترك أو أومأ بها (قال الشافعي) وهكذا أم الولد والمكاتبة والمدبرة والامة يصلين معا بغير قناع ثم يعتقن قبل أن يكملن الصلاة عليهن أن يتقنعن ويتممن الصلاة فإن تركن القناع بعدما يمكنهن أعدن تلك الصلاة ولو صلين بغير قناع وقد عتقن لا يعلمن بالعتق أعدن كل صلاة صلينها بلا قناع من يوم عتقن لانهن يرجعن إلى أن يحطن بالعتق فيرجعن إلى اليقين (قال الشافعي) ولو كانت منهن مكاتبة عندها ما تؤدى وقد حلت نجومها فصلت بلا قناع كرهت ذلك لها وأجزأتها صلاتها لانها لا تعتق إلا بالاداء وليس بمحرم عليها أن تبقى رقيقا وإنما أرى أن محرما عليها المطل وهي تجد الاداء وكذلك إن قال لامة له أنت حرة إن دخلت في يومك هذه الدار فتركت دخولها وهى تقدر على الدخول حتى صلت بلا قناع ثم دخلت أو لم تدخل لم تعد صلاتها لانها صلتها قبل أن تعتق وكذلك لو قال لها أنت حرة إن شئت فصلت وتركت المشيئة ثم أعتقها بعد لم تعد تلك الصلاة وإن أبطأ عن الغلام الحلم فدخل في صلاة فلم يكملها حتى استكمل خمس عشرة سنة من مولده فأتمها احببن له أن يستأنفها من قبل أنه صار ممن يلزمه جميع الفرائض في وقت صلاة فلم يصلها بكمالها بالغا ولو قطعها واستأنفها أجزأت عنه ولو أهل بالحج في هذه الحالة فاستكمل خمس عشرة سنة بعد فوت عرفة أو احتلم مضى في حجه وكان عليه ان يستأنف حجا لانه لم
يكن ممن أدرك الحج يعمل عمله وهو من أهل الفرائض كلها ولو صام يوما من شهر رمضان فلم يكمله حتى احتلم أو استكمل خمس عشرة أحببت أن يتم ذلك اليوم ثم يعيده لما وصفت ولا يعود لصوم قبله ]
__________
(1) قوله فإن لم يأت به كما أطاقه كذا في جميع النسخ بزيادة الفاء ولا جواب للشرط بعدها فلعل الفاء زائدة من الناسخ ويكون الشرط تقييدا لما قبله وتأمل.
كتبه مصححه.(1/101)
[ لانه لم يبلغ حتى مضى ذلك اليوم وكذلك لا يعود لصلاة صلاها قبل بلوغه لانها قد مضت قبل بلوغه وكل صلاة غير التي تليها وكذلك كل صوم يوم غير الذي يليه ولا يبين أن هذا عليه في الصلاة ولا في الصوم فأما في الحج فبين.
باب جماع الاذان قال الله تبارك وتعالى " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " وقال " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " فذكر الله عزوجل الاذان للصلاة وذكر يوم الجمعة فكان بينا والله تعالى أعلم أنه أراد المكتوبة بالآيتين معا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان للمكتوبات ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالآذان لغير صلاة مكتوبة بل حفظ الزهري عنه أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول الصلاة جامعة ولا أذان إلا لمكتوبة وكذلك لا إقامة فأما الاعياد والخسوف وقيام شهر رضمان فأحب إلي أن يقال فيه " الصلاة جامعة " وإن لم يقل ذلك فلا شئ على من تركه إلا ترك الافضل والصلاة على الجنائز وكل نافلة غير الاعياد والخسوف بلا أذان فيها ولا قول الصلاة جامعة.
باب وقت الآذان للصبح أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن ام مكتوم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت (قال الشافعي) فالسنة أن يؤذن
للصبح بليل ليدلج المدلج ويتنبه النائم فيتأهب لحضور الصلاة وأحب إلي لو أذن مؤذن بعد الفجر ولو لم يفعل لم أر بأسا أن يترك ذلك لان وقت أذانها كان قبل الفجر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤذن لصلاة غير الصبح إلا بعد وقتها لانى لم أعلم أحدا حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذن له لصلاة قبل وقتها غير الفجر ولم يزل المؤذنون عندنا يؤذنون لكل صلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر ولا أحب أن يترك الاذان لصلاة مكتوبة انفرد صاحبها أو جمع ولا الاقامة في مسجد جماعة كبر ولا صغر ولا يدع ذلك الرجل في بيته ولا سفره وأنا عليه في مساجد الجماعة العظام (1) أحظ وإذا أراد الرجل أن يكمل الاذان لكل صلاة غير الصبح بعد دخول وقتها فإن أذن لها قبل دخول وقتها أعاد إذا دخل الوقت وإن افتتح الاذان قبل الوقت ثم دخل الوقت عاد فاستأنف الاذان من أوله وإن أتم ما بقى من الاذان ثم عاد إلى ما مضى منه قبل الوقت لم يجزئه ولا يكمل الاذان حتى يأتي به على الولاء وبعد وقت الصلاة إلا في الصبح ولو ترك من الاذان شيئا عاد إلى ما ترك ثم بنى من حيث ترك لا يجزيه غيره ]
__________
(1) قوله أحظ كذا في النسخ بالظاء المشالة ولعله بالضاد المعجمة وقوله إذا أراد الرجل أن يكمل الاذان الخ كذا في النسخ وانظر اين جواب الشرط اه.(1/102)
[ وكذلك كل ما قدم منه أو أخر فعليه أن يأتي به في موضعه فلو قال في أول الاذان الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم أكمل الاذان أعاد فقال الله أكبر أكبر التي ترك ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حتى يكم الاذان (1) ثم يجهر بشئ من الاذان ويخافت بشئ منه لم تكن عليه إعادة ما وصفت به لانه قد جاء بلفظ الاذان كاملا فلا إعادة عليه كما لا يكون عليه إعادة ما خافت من القرآن فيما يجهر بالقرآن فيه (قال الشافعي) ولو كبر ثم قال حى على الصلاة عاد فتشهد ثم أعاد حى على الصلاة حتى يأتي على الاذان كله فيضع كل شئ منه موضعه وما وضعه في غير موضعه أعاده في موضعه.
باب عدد المؤذنين وأرزاقهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحب أن يقتصر في المؤذنين على اثنين لانا، إنما حفظنا أنه أذن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم اثنان ولا يضيق أن يؤذن أكثر من اثنين فإن اقتصر في الاذان على واحد أجزأه ولا أحب للامام إذا أذن المؤذن الاول أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده ولكنه يخرج ويقطع من بعده الاذان بخروج الامام (قال الشافعي) وواجب على الامام أن يتفقد أحوال المؤذنين ليؤذنوا في أول الوقت ولا ينتظرهم بالاقامة وأن يأمرهم فيقيموا في الوقت وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا وإن كان مسجدا كبيرا له مؤذنون عدد فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد وأحب أن يكون المؤذنون متطوعين وليس للامام أن يرزقهم ولا واحدا منهم وهو يجد من يؤذن له متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله ولا أحسب أحدا ببلد كثير الاهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا لازما يؤذن متطوعا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز له أن يرزقه ممن غيره من الفئ لان لكله مالكا موصوفا (قال الشافعي) ولا يجوز له أن يرزقه من الصدقات شئ ويحل للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصف أن يرزق ولا يحل له أخذه من غيره بأنه رزق (قال الشافعي) ولا يؤذن إلا عدل ثقة للاشراف على غورات الناس وأماناتهم على المواقيت وإذا كان المقدم من المؤذنين بصيرا بالوقت لم أكره أن يكون معه أعمى وإن كان الاعمى مؤذنا منفردا ومعه من يعلمه الوقت لم أكره ذلك له فإن لم يكن معه أحد كرهته لانه لا يبصر ولا أحب أن يؤذن أحد إلا بعد البلوغ وإن أذن قبل البلوغ مؤذن أجزأ ومن أذن من عبد ومكاتب وحر، أجزأ.
وكذلك الخصي المجبوب والاعجمي إذا أفصح بالاذان وعلم الوقت وأحب إلي في هذا كله أن يكون المؤذنون خيار الناس ولا تؤذن امرأة ولو أذنت لرجال لم يجز عنهم أذانها وليس على النساء أذان وإن جمعن الصلاة وإن أذن فأقمن فلا بأس ولا تجهر المراة بصوتها تؤذن في نفسها وتسمع صواحباتها إذا أذنت وكذلك تقيم إذا أقامت وكذلك إن تركت الاقامة لم أكره لها من تركها ما أكره للرجال وإن كنت أحب أن تقيم وأذان الرجل في بيته وإقامته سواء كهوفي غير بيته في الحكاية وسواء أسمع المؤذنين حوله أو لم يسمعهم ولا أحب له ترك الاذان ولا الاقامة وإن دخل مسجدا أقيمت فيه الصلاة أحببت له أن يؤذن ويقيم في نفسه.
]
__________
(1) قوله ثم يجهر بشئ الخ كذا في الاصل ولعل فيه سقطا وتحريفا من الناسخ ووجه الكلام: ولو
كان يجهر بشئ من الاذان ويخافت بشئ منه لم تكن عليه إعادة ما خافت به لانه، الخ.
فتأمل كتبه مصححه.(1/103)
[ باب حكاية الاذان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك ابن أبى محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيما في حجر أبى محذورة حين جهزه إلى الشام قال فقلت لابي محذوره أي عم إنى خارج إلى الشام وإنى أخشى أن اسأل عن تأذينك فأخبرني قال نعم قال خرجت في نفر فكنا في بعض طريق حنين فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن متكئون فصرخنا نحكيه ونستهزئ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع فأشار القوم كلهم إلى وصدقوا فأرسل كلهم وحبسني فقال قم فأذن بالصلاة فقمت ولا شئ أكره إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما أمرنى به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو نفسه فقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لى: ارجع وامدد من صوتك ثم قال أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الصلاة حى على الفلاح حى على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شئ من فضة ثم وضع يده على ناصية أبى محذورة ثم أمرها على وجهه ثم من بين يديه ثم على كبده ثم بلغت يده سرة أبى محذورة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله فيك وبارك عليك فقلت يا رسول الله مرنى بالتاذين بمكة فقال قد امرتك به فذهب كل شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهته وعاد ذلك كله محبة للنبى صلى الله عليه وسلم فقدمت على
عتاب ابن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت بالصلاة عن امر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج فأخبرني ذلك من أدركت من آل أبى محذورة على نحو مما أخبرني ابن محيريز وأدركت ابراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز (قال الشافعي) وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبى محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما حكى ابن جريج (قال الشافعي) وسمعته يقيم فيقول الله أكبر الله أكبر أشهد ان لا إله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحسبتني سمعته يحكى الاقامة خبرا كما يحكى الاذان (قال الشافعي) والاذان والاقامة كما حكيت عن آل أبى محذورة فمن نقص منها شيئا أو قدم مؤخرا أعاد حتى يأتي بما نقص وكل شئ منه في موضعه والمؤذن الاول والآخر سواء في الاذان ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها لان أبا محذورة لم يحك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امر بالتثويب فأكره الزيادة في الاذان (1) وأكره التثويب بعده ].
__________
(1) قوله وأكره التثويب بعده كذا في الام في مختصر المزني وقال في القديم يزيد في أذان الصبح التثويب وهو الصلاة خير من النوم مرتين ورواه عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن على اه قال السراج البلقينى وهذا الذي حكاه المزني عن القديم هو المعتمد في العمل والفتوى اه وقد ثبت التثويب في الاول من الصبح في رواية أبى محذورة فراجعه إن شئت اه.(1/104)
[ باب استقبال القبلة بالاذان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أحب أن يكون المؤذن في شئ من أذانه الا مستقبل القبلة لا تزول قدماه ولا وجهه عنها لانه إيذان بالصلاة وقد وجه الناس بالصلاة إلى القبلة فإن زال عن القبلة ببدنه كله أو صرف وجهه في الاذان كله أو بعضه كرهته له ولم ولا إعادة عليه وأحب أن يكون المؤذن على طهارة الصلاة فإن أذن جنبا أو على غير وضوء كرهته له ولم يعد وكذلك آمره في الاقامة باستقبال القبلة وأن يكون طاهرا فإن كان في الحالين كلاهما غير طاهر كرهته له وهو في الاقامة أشد لانة يقيم فيصلى الناس وينصرف عنهم فيكون أقل ما صنع أن عرض نفسه للتهمة بالاستخفاف وأكره أذانه جنبا
لانه يدخل المسجد ولم يؤذن له في دخوله إلا عابر سبيل والمؤذن غير عابر سبيل مجتاز ولو ابتدأ بالاذان طاهرا ثم انتفضت طهارته بنى على أذانه ولم يقطعه ثم تطهر إذا فرغ منه وسواء ما انتفضت به طهارته في أن يبنى جنابة أو غيرها فإن قطعه ثم رجع بنى على أذانه ولو استأنف كان أحب إلي.
باب الكلام في الاذان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب المؤذن أن لا يتكلم حتى يفرغ من أذانه فإن تكلم بين ظهرانى أذانه فلا يعيد ما أذن به قبل الكلام كان ذلك الكلام ما شاء (قال الشافعي) وما كرهت له من الكلام في الاذان كنت له في الاقامة أكره وإن تكلم في الاقامة لم يعد الاقامة ولو كان بين كلامه في كل واحدة منها سكات طويل أحببت له أن يستأنف وإن لم يفعل فليس ذلك عليه وكذلك لو سكت في كل واحدة منها سكاتا طويلا أحببت له استئنافه ولم أوجب عليه الاستئناف ولو أذن بعض الاذان ثم نام أو غلب على عقله ثم انتبه أو رجع إليه عقله أحببت أن يستأنف تطاول ذلك أو قصر وإن لم يفعل بنى على أذانه وكذلك لو أذن في بعض الاذان فذهب عقله ثم رجع أحببت أن يستأنف وإن بنى على أذانه كان له ذلك وإن كان الذى يؤذن غيره في شئ من هذه الحالات استأنف ولم يبن على أذانه قرب ذلك أو بعد فإن بنى على أذانه لم يجزه البناء عليه ولا يشبه هذه الصلاة يبنى الامام فيها على صلاة إمام قبله لانه يقوم في الصلاة فيتم ما عليه وهذا لا يعود فيتم الاذان بعد فراغه ولان ما ابتدأ من الصلاة كان أول صلاته ولا يكون بأول الاذان شئ غير التكبير ثم التشهد ولو أذن بعض الاذان أو كله ثم ارتد أحببت أن لا يترك يعود لاذان ولا يصلى بأذانه (1) ويؤم غيره فيه فيؤذن أذانا مستأنفا (2).
]
__________
(1) قوله ويؤم غيره كذا في النسخ ولعله محرف عن " يقوم غيره " الخ، فانظره.
كتبه مصححه.
(2) قال شيخ الاسلام السراج البلقينى رحمه الله تعالى واقتضت هذه النصوص التى رواها الربيع في الام هنا ان الموالاة بين كلمات الاذان لا تشترط وعليه جرى العراقيون وقضية قوله في باب وقت الاذان للصبح: ولا يكمل الاذان حتى يأتي به على الولاء، وبعد الوقت إلا في الصبح أن الولاء معتبر وهذا أحد القولين ورجح قوم أنه لا يصح مع الفصل الطويل، والاول هو المعتمد، وهو المذكور في هذه الترجمة التى فرعتها منها اه.(1/105)
[ باب الرجل يؤذن ويقيم غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الاقامة بشئ يروى فيه أن من أذن أقام وذلك والله تعالى أعلم أن المؤذن إذا عنى بالاذان دون غيره فهو أولى بالاقامة وإذا أقام غيره لم يكن يمتنع من كراهية ذلك وإن أقام غيره أجزأه إن شاء الله تعالى.
باب الاذان والاقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ابن عبد الله في حجة الاسلام قال فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الاولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الخطبة وبلال من الاذان ثم أقام بلال وصلى الظهر ثمن أقام وصلى العصر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسمعيل أو عبد الله ابن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني ابن أبى فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبرى عن عبد الرحمن بن أبى سعيد عن أبى سعيد الخدري قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوى من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عزوجل " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا (قال) وذلك قبل أن ينزل الله تعالى في صلاة الخوف " فرجالا أو ركبانا " (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ، وفيه دلالة على أن كل من جمع بين صلاتين في وقت الاولى منهما أقام لكل واحدة منهما وأذن للاولى وفي الآخرة يقيم بلا آذان، وكذلك كل صلوة صلاها في غير وقتها كما وصفت (1) (قال الشافعي) وفي أن المؤذن لم يؤذن له صلى الله عليه وسلم حين جمع بالمزدلفة والخندق دليل على أن لو لم يجزئ المصلي أن يصلي إلا بأذان لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر بالاذان وهو يمكنه (قال) وموجود في سنة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان هذا في الاذان وكان الاذان غير
الصلاة أن يكون هذا في الاقامة هكذا لانها غير الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ومن أدرك آخر الصلاة فقد فاته أن يحضر أذانا وإقامة ولم يؤذن لنفسه ولم يقم ولم أعلم مخالفا في أنه إذا جاء المسجد وقد خرج الامام من الصلاة كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة ]
__________
(1) قال شيخ الاسلام السراج البلقينى رحمه الله تعالى: هكذا في الام ومختصر المزني، وقال في القديم: وإن نسي قوم الصلوات فأحبوا أن يجمعوا أحببت أن يؤذنوا لاول صلاة ويقيموا لكل صلاة وقال في الاملاء وإذا جمع المسافر في منزل لا ينتظر أن يثوب الناس إليه أقام لهما جميعا ولم يؤذن لواحدة منهما وإن جمع في منزل ينتظر أن يثوب إليه الناس أذن للاولى من الصلاتين وأقام لها وللاخرى ولم يؤذن والمعتمد عليه في الفتوى هو أنه يؤذن للثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في جمع التأخير يؤذن للاولى وقد صح في جمع التأخير الاذان والاقامتان اه.(1/106)
[ فإن ترك رجل الاذان والاقامة منفردا أو في جماعة كرهت ذلك له وليست عليه اعادة ما صلى بلا أذان ولا إقامة وكذلك ما جمع بينه وفرق من الصلوات.
باب اجتزاء المرء بأذان غيره وإقامته وإن لم يقم له أخبرنا الربيع قال اخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبراهيم بن محمد قال حدثني عمارة بن غزية عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن عمر بن الخطاب قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يؤذن للمغرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال فانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل وقد قامت الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انزلوا فصلوا فصلى المغرب بإقامة ذلك العبد الاسود (قال الشافعي) فبهذا نأخذ ونقول يصلي الرجل بأذان الرجل لم يؤذن له وبإقامته وأذانه وإن كان اعرابيا أو أسود أو عبدا أو غير فقيه إذا أقام الاذان والاقامة وأحب أن يكون المؤذنون كلهم خيار الناس لاشرافهم على عوراتهم وأمانتهم على الوقت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد (1) عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم وذكر معها غيرها واستحب الاذان لما جاء فيه أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الائمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الائمة وغفر للمؤذنين.
باب رفع الصوت بالاذان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدرى قال له إنى أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك فأنه لا يسمع مدى صوتك جن ولا إنس إلا شهد لك يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فأحب رفع الصوت للمؤذن وأحب إذا اتخذ المؤذن أن يتخذ صيتا وأن يتحرى أن يكون حسن الصوت فإنه أحرى أن يسمع من لا يسمعه ضعيف الصوت وحسن الصوت أرق لسامعه والترغيب في رفع الصوت يدل على ترتيل الاذان لانه لا يقدر أحد على أن يبلغ غاية من صوته في كلام متتابع إلا مترسلا وذلك أنه إذا حذف ورفع انقطع فأحب ترتيل الاذان وتبينه بغير تمطيط ولا تغن في الكلام ولا عجلة وأحب في الاقامة أن تدرج إدراجا ويبينها مع الادراج (قال) وكيفما جاء بالاذان والاقامة أجزئا غير أن الاحتياط ما وصفت.
]
__________
(1) قوله عن الحسن، أي البصررى، فهو من مراسيله وقد سدد هذا المرسل بالمسند الذي رواه بعده اه من هامش.(1/107)
[ باب الكلام في الاذان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات ريح يقول ألا صلوا في الرحال (قال الشافعي) وأحب للامام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه وإن قاله في أذانه فلا بأس عليه وإذا تكلم بما يشبه هذا خلف الاذان من منافع الناس فلا باس ولا أحب الكلام في الاذان بما ليست فيه للناس منفعة وإن تكلم لم يعد أذانا وكذلك إذا تكلم في الاقامة كرهته ولم يكن عليه إعادة إقامة.
باب في القول مثل ما يقول المؤذن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مجمع بن يحيى قال أخبرني أبو أمامة عن ابن شهاب أنه سمع معاوية يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال أشهد أن محمدا رسول الله قال وأنا ثم سكت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمه عيسى ابن طلحة قال سمعت معاوية يحدث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن يحيى المازنى أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله ابن علقمة بن وقاص قال إني لعند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال مؤذنه حتى إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولما قال حى على الفلاح قال معاوية لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وبحديث معاوية نقول وهو يوافق حديث أبى سعيد الخدرى وفيه تفسير ليس في حديث إبى سعيد (قال الشافعي) فيحب لكل من كان خارجا من الصلاة من قارئ أو ذاكر أو صامت أو متحدث أن يقول كما يقول المؤذن وفى حى على الصلاة حى على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله ومن كان مصليا مكتوبة أو نافلة فاحب إلى أن يمضي فيها وأحب إذا فرغ أن يقول ما أمرت من كان خارجا من الصلاة أن يقوله وإن قاله مصل لم يكن مفسدا للصلاة إن شاء الله تعالى والاختيار أن لا يقوله.
باب جماع لبس المصلي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل خذوا زينتكم عند كل مسجد (قال الشافعي) فقيل والله سبحانه وتعالى أعلم أنه الثياب وهو يشبه ما قيل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ فدل على أن ليس لاحد أن يصلى إلا لابسا إذا قدر
على ما يلبس وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيض من الثوب، والطهارة إنما تكون في(1/108)
الصلاة فدل على أن على المرء لا يصلى إلا في ثوب طاهر وإذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطهير المسجد من نجس لانه يصلى فيه وعليه فما يصلى فيه أولى أن يطهر وقد تأول بعض أهل العلم قول الله عز وجل وثيابك فطهر قال طهر ثيابك للصلاة وتأولها غيرهم على غير هذا المعنى والله تعالى أعلم (قال) ولا يصلي الرجل والمرأة إلا متواري العورة (قال) وكذلك إن صليا في ثوب غير طاهر أعادا فإن صليا وهما يقدران على مواراة عورتهما غير متواريى العورة أعادا علما حين صليا أو لم يعلما في الوقت أو غير الوقت من أمرته بالاعادة أبدا أمرته بها بكل حال (قال الشافعي) وكل ما وارى العورة غير نجس أجزأت الصلاة فيه (قال الشافعي) وعورة الرجل ما دون سرته إلى ركبتيه ليس سرته ولا ركبتاه من عورته وعلى المراة ان تغطي في الصلاة كل بدتها ما عدا كفها ووجهها ومن صلى وعليه ثوب نجس أو يحمل شيئا نجسا اعاد الصلاة وإن صلى يحمل كلبا أو خنزيرا أو خمرا أو دما أو شيئا من ميتة أو جلد ميته لم يدبغ أعاد الصلاة وسواء قليل ذلك أو كثيرة وإن صلى هو يحمل حيا لا يؤكل لحمه غير كلب أو خنزير لم يعد حيه كان أو غير حيه وإن كان ميتة أعاد والثياب كلها على الطهارة حتى يعلم فيها نجاسة وإن كانت ثياب الصبيان الذين لا يتوقون النجاسة ولا يعرفونها أو ثياب المشركين كلها أو أزرهم وسراويلاتهم وقمصهم ليس منها شئ يعيد من صلى فيه الصلاة حتى يعلم أن فيه نجاسة وهكذا البسط والارض على الطهارة حتى تعلم نجاسة وأحب إلى لو توقى ثياب المشركين كلها ثم ما يلي سفلتهم منها مثل الازر والسراويلات فإن قال قائل ما دل على ما وصفت (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عامر ابن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقى عن أبى قتادة الانصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبى العاص (قال الشافعي) وثوب أمامة ثوب صبى.
باب كيف لبس الثياب في الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ (قال
الشافعي) فاحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " أن يكون اختيارا واحتمل أن يكون لا يجزيه غيره فلما حكى جابر ما وصفت وحكت ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى في ثوب واحد بعضه عليه وبعضه عليها دل ذلك على أنه صلى فيما صلى فيه من ثوبها مؤتزرا به لانه لا يستره أبدا إلا مؤتزرا به إذا كان بعضه على غيره (قال الشافعي) فعلمنا أن نهيه أن يصلى في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ اختيارا وأنه يجزي الرجل والمرأة كل واحد أن يصلى متوارى العورة وعورة الرجل ما وصفت وكل المرأة عورة إلا كفيها ووجهها وظهر قدميها عورة فإذا انكشف من الرجل في صلاته شئ مما بين سرته وركبته ومن المرأة في صلاتها شئ من شعرها قل أو كثر ومن جسدها سوى وجهها وكفيها وما يلى الكف من موضع مفصلها ولا يعدوه علما أم لم يعلما أعادا الصلاة معا إلا أن يكون تنكشف بريح أو سقطة ثم يعاد مكانه لا لبث في ذلك فإن لبث بعدها قدر ما يمكنه إذا عاجله مكانه إعادته أعاد وكذلك هي (قال) ويصلى الرجل في السراويل إذا وارى ما بين السرة والركبة والازار أستر وأحب منه (قال) وأحب إلى أن لا يصلي إلا(1/109)
وعلى عاتقه شئ عمامة أو غيرها ولو حبلا يضعه (1).
باب الصلاة في القميص الواحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا العطاف بن خالد المخزومي وعبد العزيز بن محمد الراوردى عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة عن سلمة بن الاكوع قال قلت يا رسول الله إنا نكون في الصيد أفيصلي أحدنا في القميص الواحد؟ قال: نعم وليزره ولو بشوكة ولو لم يجد إلا أن يخله بشوكة (قال الشافعي) وبهذا نقول وثياب القوم كانت صفاقا فإذا كان القميص صفيقا لا يشف عن لابسه صلى في القميص الواحد وزره أو خله بشئ أو ربطه لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب عورته أو يراها غيره فإن صلى في قميص أو ثوب معمول عمل القميص من جبة أو غيرها غير مزرور أعاد الصلاة (قال الشافعي) وهو يخالف الرجل يصلى متوشحا التوشح مانع للعورة أن ترى ويخالف المرأة تصلى في الدرع والخمار والمقنعة والخمار والمقنعة ساتران عورة الجيب فإن صلى الرجل في قميص غير
مزرور وفوقه عمامة أو رداء أو إزار يضم موضع الجيب حتى يمنعه من أن ينكشف أو ما دونه إلى العورة حتى لو انكشف لم تر عورته أجزأته صلاته وكذلك إن صلى حازما فوق عورته بحبل أو خيط لان ذلك ] (1) وترجم في اختلاف الحديث (الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ) وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ (قال الشافعي) رضي الله عنه وروى بعض أهل المدينة عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم امر الرجل يصلى في الثوب الواحد أن يشتمل بالثوب في الصلاة وإن ضاق اتزر به (قال الشافعي) وهذا إجازة أن يصلى وليس على عاتقه شئ وهو يقدر بالمدينة على ثوب امرأته وعلى العمامة والشئ يطرحه على عاتقه (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابى إسحق عن عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في مرط بعضه علي وبعضه عليه وأنا حائض (قال الشافعي) وليس واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ والله اعلم اختيارا لا فرضا بالدلالة عنه صلى الله عليه وسلم بحديث جابر وأنه صلى في مرط ميمونة بعضه عليه وبعضه على ميمونة لان بعض مرطها إذا كان عليها فأقل ما عليها منه ما يسترها مضطجعة ويصلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعضه قائما ويتعطل بعضها بينه وبينها أو يسترها قاعدة فيكون يحيط بها جالسة ويتعطل بعضه بينه وبينها فلا يمكن أن يستره أبدا إلا أن يأتزر به ائتزارا وليس على عاتق المؤتزرين في هذه الحال من الازار شئ ولا يمكن في ثوب في دهرنا أن يأتزر به ثم يرده على عاتقيه أو أحدهما ثم يسترها وقلما يمكن هذا في ثوب في الدنيا اليوم (قال الشافعي) وكذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليتوشح به فإن لم يكفه فليأتزر به (قال الشافعي) وإذا صلى فيما يوارى عورته أجزأته صلاته وعورته ما بين سرته وركبته وليست السرة ولا الركبة من العورة.(1/110)
[ يضم القميص حتى يمنع عورة الجيب وإن كان القميص مزرورا ودون الجيب أو حذاءه شق له عورة كعورة الجيب لم تجزه الصلاة فيه إلاكما تجزيه في الجيب وإن صلى في قميص فيه خرق على شئ من العورة وإن قل لم تجزه الصلاة وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة وإن صلى في قميص فيه خرق على غير العورة ليس بواسع ترى منه العورة أجزأته الصلاة وإن كانت العورة ترى منه لم تجزه الصلاة فيه وهكذا الخرق في الازار يصلي فيه وأحب أن لا يصلى في القميص إلا وتحته إزار أو سراويل أو فوقه سترة فان صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة والمرأة في ذلك أشد حالا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع وأحب إلى أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع باب ما يصلى عليه مما يلبس ويبسط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نمرة والنمرة صوف فلا بأس أن يصلى في الصوف والشعر والوبر ويصلى عليه (قال الشافعي) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما إهاب دبغ فقد طهر فلا بأس أن يصلى في جلود الميتة والسباع وكل ذي روح إذا دبغ إلا الكلب والخنزير ويصلى في جلد كل ذكى يؤكل لحمه وإن لم يكن مدبوغا فأما ما لا يؤكل لحمه فذكاته وغير ذكاته سواء لا يطهره إلا الدباغ وجلد الذكى يحل أكله وإن كان غير مدبوغ (قال) وما قطع من جلد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه فهو ميتة لا يطهره إلا الدباغ، وأنهى الرجال عن ثياب الحرير فمن صلى فيها منهم لم يعد لانها ليست بنجسة وإنما تعبدوا بترك لبسها لا أنها نجسة لان أثمانها حلال وإن النساء يلبسنها ويصلين فيها وكذلك أنهاهم عن لبس الذهب خواتيم وغير خواتيم ولو لبسوه فصلوا فيه كانوا مسيئين باللبس عاصين إن كانوا علموا بالنهي ولم يكن عليهم إعادة صلاة لانه ليس من الانجاس الا ترى أن الانجاس على الرجاال والنساء سواء والنساء يصلين في الذهب.
باب صلاة العراة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا غرق القوم فخرجوا عراة كلهم أو سلبوا في طريق ثيابهم أو احترقت فيه فلم يجد أحد منهم ثوبا وهم رجال ونساء، صلوا فرادى وجماعة رجالا وحدهم، قياما
يركعون ويسجدون ويقوم إمامهم وسطهم ويغض بعضهم عن بعض، وتنحى النساء فاستترن إن وجدن سترا عنهم فصلين جماعة أمتهن إحداهن وتقوم وسطهن ويغض بعضهم عن بعض، ويركعن ويسجدن، ويصلين قياما كما وصفت فإن كانوا في ضيق لاستر بينهم من الارض ولين وجوههن عن الرجال حتى إذا صلوا ولى الرجال وجوههم عنهن حتى يصلين كما وصفت وليس على واحد منهم إعادة إذا وجد ثوبا في وقت ولا غيره وإن كان مع أحدهم ثوب أمهم إن كان يحسن يقرأ فإن لم يكن يحسن يقرأ صلى وحده ثم أعار لمن بقى ثوبه وصلوا واحدا واحدا فإن امتنع من أن يعيرهم ثوبه فقد أساء وتجزيهم الصلاة وليس لهم مكابرته عليه وإن كان معه نساء فان يعيره للنساء أوجب عليه ويبدأ بهن فإذا فرغن أعار الرجال فإذا أعارهم إياه لم يسع واحدا منهم أن يصلى وانتظر صلاة غيره لا يصلى(1/111)
حتى يصلى لابسا فإن صلى وقد أعطاه إياه عريانا أعاد خاف ذهاب الوقت أو لم يخفه وإن كان معهم أو مع واحد منهم ثوب نجس لم يصل فيه وتجزيه الصلاة عريانا إذا كان ثوبه غير طاهر وإذا وجد ما يوارى به عورته من ورق وشجر يخصفه عليه أو جلد أو غيره مما ليس بنجس لم يكن له أن يصلى بحال الا متوارى العورة وكذلك إن لم يجد إلا ما يوارى ذكره ودبره لم يكن له أن يصلى حتى يواريهما معا وكذلك إن لم يجد إلا ما يوارى أحدهما لم يكن له أن يصلى حتى يوارى ما وجد إلى مواراته سبيلا وإذا كان ما يوارى أحد فرجيه دون الآخر يوارى الذكر دون الدبر لانه لا حائل دون الذكر يستره ودون الدبر حائل من إليتيه وكذلك المرأة في قبلها ودبرها وإذا كان هو وامرأته عريانين أحببت إن وجد ما يواريها به أن يواريها لان عورتها أعظم حرمة من عورته وإن استأثر بذلك دونها فقد أساء وتجزئها صلاتها وإن مس ذكره ليستره أو مست فرجا لتستره أعاد الوضوء معا ولكن ليباشرا من وراء شئ لا يفضيان إليه: باب جماع ما يصلى عليه ولا يصلى من الارض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الارض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (قال الشافعي) وجدت هذا الحديث في
كتابي في موضعين أحدهما منقطع والآخر عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وبهذا نقول ومعقول أنه كما جاء في الحديث ولو لم يبينه لانه ليس لاحد أن يصلى على أرض نجسة لان المقبرة مختلطه التراب بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم وذلك ميتة وإن الحمام ما كان مدخولا يجرى عليه البول والدم والانجاس (قال الشافعي) والمقبرة الموضع الذى يقبر فيها العامة وذلك كما وصفت مختلطة التراب بالموتى وأما صحراء لم يقبر فيها لم يقبر فيها قط قبر فيها قوم مات لهم ميت ثم لم يحرك القبر فلو صلى رجل إلى جنب ذلك القبر أو فوقه كرهته له ولم آمره يعيد لان العلم يحيط بأن التراب طاهر لم يختلط فيه شئ وكذلك لو قبر فيه ميتان أو موتى فإن غاب أمرها عن رجل لم يكن له أن يصلى فيها لانها على أنها مقبرة حتى يعلم أنها ليست بمقبرة وأن يكون يحيط العلم أنه لم يدفن فيها قط قبل من دفن فيها ولم ينبش أحد منهم لاحد والذى ينجس الارض شيئان شئ يختلط بالتراب لا يتميز منه شئ وشئ يتميز من التراب وما لا يختلط من التراب ولا يتميز منه متفرق فإذا كان جسدا يختلط بالتراب ويعقل انه جسد قائم فيه كلحوم الموتى وعظامهم وعصبهم وإن كان غير موجود لغلبة التراب عليه وكينونته كهو في الارض التي يختلط بها هذا لا يطهر وإن أتى عليه الماء وكذلك الدم والخلاء وما في معانيهما مما لو انفرد كان جسدا قائما ومما يزال إن كان مستجسدا فيزول وينحى فيخلو الموضع منه ما كان تحته من تراب أو غيره بحاله وشئ يكون كالماء إذا خالط التراب نشفه أو الارض تنشفه وذلك مثل البول والخمر وما في معناه (قال الشافعي) والارض تطهر من هذا بأن يصب عليه الماء حتى يصير لا يوجد ولا يعقل فيها منه جسد ولا لون.
باب الصلاة في أعطان الابل ومراح الغنم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبيد الله بن طلحة بن كريز عن(1/112)
الحسن عن عبد الله ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الابل فاخرجوا منها فصلوا فإنها جن من جن خلقت ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بآنافها وإذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ومعناه
عندنا والله أعلم على ما يعرف من مراح الغنم وأعطان الابل أن الناس يريحون الغنم في أنظف ما يجدون من الارض لانها تصلح على ذلك والابل تصلح على الدقع من الارض فمواضعها التى تختار من الارض أدقعها وأوسخها (قال الشافعي) والمراح والعطن اسمان يقعان على موضع من الارض وإن لم يعطن ولم يروح إلا اليسير منها فالمراح ما طابت تربته واستعملت أرضه واستذرى من مهب الشمال موضعه والعطن قرب البئر التى تسقى منها الابل تكون البئر في موضع والحوض قريبا منها فيصب فيه فيملا فتسقى الابل ثم تنحى عن البئر شيئا حتى تجد الواردة موضعا فذلك عطن ليس أن العطن مراح الابل التي تبيت فيه نفسه ولا المراح مراح الغنم التى تبيت فيه نفسه دون ما قاربه وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تصلوا في أعطان الابل فإنها جن من جن خلقت دليل على أنه إنما نهى عنها كما قال صلى الله عليه وسلم حين نام عن الصلاة: اخرجوا بنا من هذا الوادي فإنه واد به شيطان فكره أن يصلى في قرب الشيطان فكان يكره أن يصلى قرب الابل لانها خلقت من جن لا لنجاسة موضعها وقال في الغنم هي من دواب الجنة فأمر أن يصلى في مراحها يعنى - والله تعالى أعلم - في الموضع الذى يقع عليه اسم مراحها الذى لا بعر فيه ولا بول (قال) ولا يحتمل الحديث معنى غيرهما وهو مستغن بتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم والدلائل عنه عن بعض هذا الايضاح (قال) فمن صلى على موضع فيه بول أو بعر الابل أو غنم أو ثلط البقر أو روث الخيل أو الحمير فعليه الاعادة لان هذا كله نجس ومن صلى قربه فصلاته مجزئة عنه وأكره له الصلاة في أعطان الابل وإن لم يكن فيها قذر لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فإن صلى أجزأه لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى فمر به شيطان فخنقه حتى وجد برد لسانه على يده فلم يفسد ذلك صلاته وفى هذا دليل على أن نهيه أن يصلى في أعطان الابل لانها جن لقوله: اخرجوا بنا من هذا الوادي فإنه واد به شيطان اختيار وليس يمتنع من أن تكون الجن حيث شاء الله من المنازل ولا يعلم ذلك أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) مع أن الابل نفسها إنما تعمد في البروك إلى أدقع مكان تجده وإن عطنها وإن كان غير دقع فحصته بمباركها وتمرغها حتى تدقعه أو تقربه من الادقاع وليس ما كان هكذا من مواضع الاختيار من النظافة للمصليات فإن قال قائل فلعل أبوال الابل وما أكل لحمه وأبعاره لا تنجس فلذلك أمر بالصلاة في مراح الغنم قيل فيكون إذا
نهيه عن الصلاه في أعطان الابل لان أبوالها وأبعارها تنجس ولكنه ليس كما ذهبت إليه ولا يحتمله الحدث (قال الشافعي) فإن ذهب ذاهب إلى أن أبوال الغنم ليست بنجسة لان لحومها تؤكل قيل فلحوم الابل تؤكل وقد نهى عن الصلاة في أعطانها فلو كان معنى أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة في مراحها على أن أبوالها حلال لكانت أبوال الابل وأبعارها حراما ولكن معناه إن شاء الله عزوجل على ما وصفنا.
باب استقبال القبلة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عزوجل " وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها(1/113)
في ظلمات البر والبحر " وقال " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فنصب الله عزوجل لهم البيت والمسجد فكانوا إذا رأوه فعليهم إستقبال البيت لان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى مستقبله والناس معه حوله من كل جهة ودلهم بالعلامات التى خلق لهم والعقول التي ركب فيهم على قصد البيت الحرام وقصد المسجد الحرام وهو قصد البيت الحرام فالفرض على كل مصلى فريضة أو نافلة أو على جنازة أو ساجد لشكر أو سجود قرآن أن يتحرى استقبال البيت إلا في حالين أرخص الله تعالى فيهما سأذكرهما إن شاء الله تعالى.
كيف استقبال البيت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى واستقبال البيت وجهان فكل من كان يقدر على رؤية البيت ممن بمكة في مسجدها أو منزل منها أو سهل أو جبل فلا تجزيه صلاته حتى يصيب استقبال البيت لانه يدرك صواب استقباله بمعاينته وإن كان أعمى وسعه أن يستقبل به غيره البيت ولم يكن له أن يصلي وهو لا يرى البيت بغير أن يستقبله به غيره فإن كان في حال لا يجد احدا يستقبله به صلى وأعاد الصلاة لانه على غير علم من أنه أصاب استقبال القبلة إذا غاب عنه بالدلائل التي جعلها الله من النجوم والشمس والقمر والجبال والرياح وغيرها مما يستدل به أهل الخبرة على التوجه إلى البيت وإن كان بصيرا وصلى في
ظلمة واجتهد في استقبال القبلة فعلم أنه أخطأ استقبالها لم يجزه إلا أن يعيد الصلاة لانه يرجع من ظن إلى إحاطة وكذلك إن كان أعمى فاستقبل به رجل القبلة ثم علم بخبر من يثق به أنه أخطأ به استقبال القبلة أعاد الصلاة وإن صلى في ظلمة حائلة دون رؤية البيت فاستقبل القبلة في ظلمة أو استقبل به وهو أعمى ثم شكا أنهما قد أخطأ الكعبة لم يكن عليهما إعادة وهما على الصواب إذا حيل دون رؤية البيت حتى يعلما أن قد أخطأ فيعيدان معا (قال الشافعي) ومن كان في موضع من مكة لا يرى منه البيت أو خارجا عن مكة فلا يحل له أن يدع كلما أراد المكتوبة أن يجتهد في طلب صواب الكعبة بالدلائل من النجوم والشمس والقمر والجبال ومهب الريح وكل ما فيه عنده دلالة على القبلة وإذا كان رجال خارجون من مكة فاجتهدوا في طلب القبلة فاختلف اجتهادهم لم يسع احدا منهم أن يتبع اجتهاد صاحبه وإن رآه أعلم بالاجتهاد منه حتى يدله صاحبه على علامة يرى هو بها أنه قد أخطأ باجتهاده الاول يرجع إلى ما رآى هو لنفسه آخر إلى اتباع اجتهاد غيره ويصلى كل واحد منهم على جهته التي رأى أن القبلة فيها ولا يسع واحدا منهم أن يأتم بواحد إذا حالف اجتهاده اجتهاده (قال) فإذا كان فيهم أعمى لم يسعه أن يصلي إلى حيث رأى أن قد أصاب القبلة لانه لا يرى شيئا ووسعه ان يصلي حيث رأى له بعضهم فإن اختلفوا عليه تبع آمنهم عنده وأبصرهم وإن خالفه غيره (قال) وإن صلى الاعمى برأى نفسه (1) أو منفردا كان في السفر وحده أو هو وغيره كانت عليه إعادة كل ما صلى برأى نفسه لانه لا رأى له (قال الشافعي) وكل من دله على القبلة من رجل أو امرأة أو عبد من المسلمين
__________
(1) قوله أو منفردا كان في السفر الخ كذا في النسخ ولعل فيه سقطا أو زيادة من الناسخ فتأمله كتبه مصححه.(1/114)
وكان بصيرا وسعه أن يقبل قوله أذا كان يصدقه وتصديقه أن لا يرى أنه كذبه (قال) ولا يسعه أن يقبل دلالة مشرك وإن رأى أنه قد صدقه لانه ليس في موضع أمانة على القبلة (قال الشافعي) وإذا أطبق الغيم ليلا أو نهارا لم يسع رجلا الصلاة إلا مجتهدا في طلب القبلة إما بجبل وإما ببحر أو بموضع شمس إن كان يرى شعاعا أو قمر إن كان يرى له نورا أو موضع نجم أو مهب ريح أو ما أشبه هذا من الدلائل
وأى هذا كان إذا لم يجد غيره أجزأه فإن غمى عليه كل هذا فلم يكن له فيه دلالة صلى على الاغلب عنده وأعاد تلك الصلاة إذا وجد دلالة وقلما يخلو أحد من الدلالة وإذا خلا منها صلى على الاغلب عنده وأعاد الصلاة وهكذا إن كان أعمى منفردا أو محبوسا في ظلمة أو دخل في حال لا يرى فيها دلالة صلى على الاغلب عنده وكانت عليه الاعادة ولا تجزيه صلاة إلا بدلالة على وقت وقبلة من نفسه أو غيره إن كان لا يصل إلى رؤية الدلالة.
فيمن استبان الخطأ بعد الاجتهاد أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (قال الشافعي) وإذا غاب المرء عن البيت والمسجد الحرام الذي فيه البيت فاجتهد فرأى القبلة في موضع فلم يدخل في الصلاة حتى رآها في موضع آخر صلى حيث راى آخرا ولم يسعه أن يصلى حيث رأى أولا وعليه اجتهاده حتى يدخل في الصلاة (قال) ولو افتتح الصلاة على اجتهاده ثم رأى القبلة في غيره فهذان وجهان احدهما إن كانت قبلته مشرقا فغمت السماء سحابة أو أخطأ بدلالة ريح أو غيره ثم تجلت الشمس أو القمر أو النجوم فعلم أنه صلى مشرقا أو مغربا لم يعتد بما مضى من صلاته وسلم واستقبل القبلة على ما بان له لانه على يقين من الخطأ في الامر الاول فان الكعبة في خلاف الموضع الذى صلى إليه فهو إن لم يرجع إلى يقين صواب عين الكعبة فقد رجع إلى يقين صواب جهتها وتبين خطأ جهته التى صلى إليها فحكمه حكم من صلى حيث يرى البيت مجتهدا ثم علم أنه أخطأ (قال) وكذلك إذا ترك الشرق كله واستقبل ما بين المشرق والمغرب وعلى كل من أخطأ يقينا أن يرجع إليه ويقين الخطأ يوجد بالجهة وليس على من أخطأ غير يقين عين أن يرجع إليه ومن رأى أنه تحرف وهو مستيقن الجهة فالتحرف لا يكون يقين خطأ وذلك أن يرى أنه قد أخطأ قريبا مثل ان تكون قبلته شرقا فاستقبل الشرق ثم رأى قبلته منحرفة عن جهته التي استقبل يمينا أو يسارا وتلك جهة واحدة مشرقة لم يكن عليه إن صلى أن يعيد ولا إن كان في صلاة أن يلغي ما مضى منها وعليه أن ينحرف إلى اجتهاده الآخر فيكمل صلاته لانه لم يرجع من يقين خطأ إلى
يقين صواب جهة ولا عين وإنما رجع من اجتهاده بدلالة إلى اجتهاد بمثلها يمكن فيه أن يكون اجتهاده الاول أصوب من الآخر غير أنه إنما كلف أن يكون في كل صلاته حيث يدله اجتهاده على القبلة (قال) وهكذا إن رأى بعد الاجتهاد الثاني وهو في الصلاة أنه انحرف قليلا ينحرف إلى حيث يرى تكمل صلاته واعتد بما مضى فإن كان معه أعمى انحرف الاعمى بتحرفه ولا يسعه غير ذلك وكذلك في الموضع الذى تنتقض فيه صلاته بيقين خطأ القبلة تنتقض صلاة الاعمى معه إذا أعلمه فإن لم يعلمه ذلك في مقامه فأعلمه إياه بعد أعاد الاعمى وإن اجتهد بصير فتوجه ثم عمى بعد التوجه فله أن(1/115)
يمضى على جهته فإن استدار عنها بنفسه أو أداره غيره قبل أن تكمل صلاته فعليه أن يخرج من صلاته ويستقبل لها اجتهادا بغيره فإن لم يجد غيره صلاها وأعادها متى وجد مجتهدا بصيرا غيره وإن اجتهد مجتهد أو جماعة فرأوا القبلة في موضع فصلوا إليها جماعة وأبصر من خلف الامام أن قد أخطأ وأن القبلة منحرفة عن موضعه الذي توجه إليه انحرافا قريبا انحرف إليه فصلى لنفسه فإن كان يرى أن الرجل إذا كان خلف الامام ثم خرج من إمامة الامام قبل أن يكمل الامام صلاته وصار إماما لنفسه فصلاته مجزية عنه بنى على صلاته وإن كان يرى أنه مذ خرج إلى إمامة نفسه قبل فراغ الامام من الصلاة فسدت صلاته عليه استأنف والاحتياط أن يقطع الصلاة ويستقبل حيث رأى القبلة (قال) وهكذا كل من خلفه من أول صلاته وآخرها ما لم يخرجوا من الصلاة فإن كان الامام رأى القبلة منحرفة عن حيث توجه توجه إلى حيث رأى ولم يكن لاحد ممن وراءه أن يتوجه بتوجهه إلا أن يرى مثل رأيه فمن حدث له منهم مثل رأيه توجه بتوجهه ومن لم ير مثل رأيه خرج من إمامته وكان له أن يبنى على صلاته منفردا وإنما خالف بين هذا والمسألة الاولى أن الامام أخرج نفسه في هذه المسألة من إمامتهم فلا يفسد ذلك صلاتهم بحال ألا ترى أنه لو أفسد صلاة نفسه أو انصرف لرعاف أو غيره بنوا لانه مخرج نفسه من الامامة لا هم وفى المسألة الاولى مخرجون أنفسهم من إمامته لا هو قال والقياس أن لا يكون للاولين بكل حال أن يبنوا على صلاتهم معه لان عليهم أن يفعلوا ما فعلوا وعليه أن يفعل ما فعل فثبوته على ما فعل قد يكون إخراجا لنفسه من الامامة وبه أقول وإذا اجتهد الرجل في القبله فدخل في الصلاة ثم
شك ولم ير القبلة في غير اجتهاده الاول مضى على صلاته لانه على قبلة ما لم ير غيرها والامام والمأموم في هذا سواء وإذا اجتهد بالاعمى فوجهه للقبلة فرأى القبلة في غير الجهة التى وجه لها لم يكن له أن يستقبل حيث رأى لانه لا رأى له وإن قال له غيره قد أخطأ بك الذى اجتهد لك فصدقه انحرف إلى حيث يقول له غيره وما مضى من صلاته مجزئ عنه لانه اجتهد به من له قبول اجتهاده (قال) وإذ حبس الرجل في ظلمة وحيث لا دلالة بوجه من الوجوه ولا دليل يصدقه فهو كالاعمى يتأخى ويصلى على أكثر ما عنده ويعيد كل صلاة صلاها بلا دلالة وقد قيل يسع البصير إذا عميت عليه الدلالة اجتهاده غيره فإن أخطأ به المجتهد له القبلة فدله على جهة مشرقة والقبلة مغربة أعاد كل ما صلى وإن رأى أنة أخطأ به قريبا منحرفا أحببت أن يعيد وإن لم يفعل فليس عليه إعادة لان اجتهاده في حاله تلك له إذا صدقه كاجتهاده كان لنفسه إذا لم يكن له سبيل إلى دلالة (قال الشافعي) وهو يفارق الاعمى في هذا الموضع فلو أن بصيرا اجتهد لاعمى ثم قال له غيره قد اخطأ بك فشرق والقبلة مغربة فلم يدر لعله صدق لم يكن عليه إعادة لان خبر الاول كخبر الآخر إذا كانا عنده من أهل الصدق وأيهما كان عنده من أهل الكذب لم يقبل منه (قال) والبصير إنما يصلي بيقين أو اجتهاد نفسه ولو صلى رجل شاك لا يرى القبلة في موضع بعينه أعاد ولا تجزئه الصلاة حتى يصلى وهو يرى القبلة في موضع بعينه وكذلك لو اشتبه عليه موضعان فغلب عليه أن القبلة في أحدهما دون الآخر فصلى حيث يراها فإن صلى ولا يغلب عليه واحد منهما أعاد وكذلك لو افتتح على هذا الشك ثم رآها حيث افتتح فمضى على صلاته أعاد لا تجزئه حتى يفتتحها حيث يراها.
باب الحالين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة قال الله عزوجل(1/116)
" وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " إلى " فلتقم طائفة منهم معك " الآية قال فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التى وجههم لها من القبلة وقال الله عزوجل " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " إلى ركبانا فدل إرخاصه في
أن يصلوا رجالا وركبانا على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف غير الحال الاولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضا فعلمنا أن الخوفين مختلفان وأن الخوف الآخر الذى أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا لا يكون إلا أشد من الخوف الاول وذلك على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال وقعودا على الدواب وقياما على الاقدام ودلت على ذلك ألسنة أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الامام وطائفة ثم قص الحديث وقال ابن عمر في الحديث فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال مالك قال نافع ما أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا عن ابن أبى ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه (قال الشافعي) ولا يجوز في صلاة مكتوبة استقبال غير القبلة إلا عند إطلال العدو على المسلمين وذلك عند المسايفة وما أشبهها ودنو الزحف من الزحف فيجوز أن يصلوا الصلاة في ذلك الوقت رجالا وركبانا فإن قدروا على استقبال القبلة وإلا صلوا مستقبلي حيث يقدرون وإن لم يقدروا على ركوع ولا سجود أومؤوا إيماء وكذلك إن طلبهم العدو فأطلوا عليهم صلوا متوجهين على دوابهم يومئون إيماء ولا يجوز لهم في واحد من الحالين أن يصلوا على غير وضوء ولا تيمم ولا ينقصون من عدد الصلاة شيئا ويجوز لهم أن يصلوا بتيمم وإن كان الماء قريبا لانه محول بينهم وبين الماء وسواء أي عدو أطل عليهم أكفار أم لصوص أم أهل بغى أم سباع أم فحول إبل لان كل ذلك يخاف إتلافه وإن طلبهم العدو فنأوا عن العدو حتى يمكنهم أن ينزلوا بلا خوف أن يرهقوا لم يكن إلا النزول والصلاة بالارض إلى القبلة وإن خافوا الرهق صلوا ركبانا وإن صلوا ركبانا يومئون ببعض الصلاة ثم أمنوا العدو كان عليهم أن ينزلوا فيصلوا ما بقى من الصلاة مستقبلي القبلة وأحب إلي لو استأنفوا الصلاة بالارض وليس لهم أن يقصروا الصلالة في شئ من هذه الحالات إلا أن يكونوا في سفر يقصر في مثله الصلاة فإن كان المسلمون طالبي العدو فطلبوهم طلبا لم يأمنوا رجعة العدو عليهم فيه صلوا هكذا وإن كانوا إذا وقفوا عن الطلب أو رجعوا أمنوا رجعتهم لم يكن لهم إلا أن ينزلوا فيصلوا ويدعوا الطلب فلا يكون لهم أن يطلبوهم ويدعو الصلاة بالارض إذا أمكنهم لان الطلب نافلة فلا تترك لها الفريضة وإنما يكون ما وصفت من الرخصة في الصلاة في شدة الخوف
ركبانا وغير مستقبلي القبلة إذا كان الرجل يقاتل المشركين أو يدفع عن نفسه مظلوما ولا يكون هذا لفئة باغية ولا رجل قاتل عاصيا بحال وعلى من صلاها كذا وهو ظالم بالقتال إعادة كل صلاة صلاها بهذه الحال وكذلك إن خرج يقطع سبيل أو يفسد في الارض فخاف سبعا أو جملا صائلا صلى يومئ وأعاد إذا أمن ولا رخصة عندنا لعاص إذا وجد السبيل إلى أداء الفريضة بحال: الحال الثانيه التي يجوز فيها استقبال غير القبلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للمسافر إذا تطوع راكبا أن يصلى راكبا حيث توجه (قال) وإذا كان الرجل مسافرا متطوعا راكبا صلى النوافل حيث(1/117)
توجهت به راحلته وصلاها على أي دابة قدر على ركوبها حمارا أو بعيرا أو غيره وإذا أراد الركوع أو السجود أومأ إيماء وجعل السجود أخفض من الركوع وليس له أن يصلى إلى غير القبلة مسافرا ولا مقيما إذا كان غير خائف صلاة وجبت عليه بحال مكتوبة في وقتها أو فائتة أو صلاة نذر (1) أو صلاة طواف أو صلاة على جنازة (قال) وبهذا فرقنا بين الرجل يوجب على نفسه الصلاة قبل الدخول فيها فقلنا لا يجزيه فيها إلا ما يجزيه في المكتوبات من القبلة وغيرها وبين الرجل يدخل في الصلاة متطوعا ثم زعمنا أنه غلط من زعم أنه إذا دخل فيها بلا إيجاب لها فحكمها حكم الواجب وهو يزعم كما نزعم أنه لا يصلي واجبا لنفسه إلا واجبا أوجبه على نفسه مسافرا إلا إلى القبلة وأن المتطوع يصلى إلى غير القبلة.
أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته في السفر حيثما توجهت به أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى عن أبى الحباب سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على حمار وهو متوجه إلى خيبر (قال الشافعي) يعنى النوافل أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى وهو على راحلته النوافل في كل جهة أخبرنا محمد بن إسمعيل عن ابن أبى ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بنى أنمار كان يصلى على راحلته متوجها قبل المشرق وإذا كان المسافر ماشيا لم يجزه أن يصلى حتى يستقبل
القبلة فيكبر ثم ينحرف إلى جهته فيمشي فإذا حضر ركوعه لم يجزه في الركوع ولا في السجود إلا أن يركع ويسجد بالارض لانه لا مؤنة عليه في ذلك كهى على الراكب (قال) وسجود القرآن والشكر والوتر وركعتا الفجر نافلة فللراكب أن يومئ به إيماء وعلى الماشي أن يسجد به إذا أراد السجود ولا يكون للراكب في مصر أن يصلى نافلة إلا كما يصلى المكتوبة إلى قبلة وعلى الارض وما تجزيه الصلاة عليه في المكتوبة لان أصل فرض المصلين سواء إلا حيث دل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرخص لهم (قال) وسواء قصير السفر وطويله إذا خرج من المصر مسافرا يصلى حيث توجهت به راحلته متطوعا كما يكون له التيمم في قصير السفر وطويله لانه يقع على كل اسم سفر وكذلك لو ركب محملا أو حمارا أو غيره كانه له أن يصلى حيث توجهت به مركبه وإن افتتح الصلاة متطوعا راكبا مسافرا ثم دخل المصر لم يكن له أن يمضى على صلاته بعد أن يصير إلى مصره ولا موضع مقام له فكان عليه أن ينزل فيركع ويسجد بالارض وكذلك إذا نزل في قرية أو غيرها لم يكن له أن يمضى على صلاته وإن مر بقرية في سفره ليست مصره ولا يريد النزول بها فهى من سفره وله أن يمضى فيها مصليا على بعيره وإن نزل في سفره منزلا في صحراء أو قرية فسواء ولا يكون له أن يصلى إلا على الارض كما يصلي المكتوبة وإن افتتح الصلاة على الارض ثم أراد الركوب لم يكن له ذلك إلا ان يخرج من الصلاة التى افتتح بإكمالها بالسلام فإن ركب قبل أن يكملها فهو قاطع لها ولا يكون متطوعا على البعير حتى يفتتح على البعير صلاة بعد فراقه النزول وكذلك إذا خرج ماشيا وإن افتتح الصلاة على الارض مسافرا فأراد ركوب البعير لم يكن ذلك له حتى يركع ويسجد ويسلم فإن فعل قبل أن يصلى ويسلم قطع صلاته وكذلك لو فعل ثم ركب فقرأ ثم نزل فسجد بالارض كان قاطعا لصلاته لان ابتداء ]
__________
(1) قوله أو صلاة طواف، كذا هو في جميع النسخ، والمعروف في كتب المذهب أن ركعتي الطواف سنة لا واجب فانظر.
كتبه مصححه.(1/118)
[ الركوب عمل يطول ليس له أن يعمله في الصلاة ولو افتتح الصلاة راكبا فأراد النزول قبل أن يكمل الصلاة وأن يكون في صلاته كان ذلك له لان النزول أخف في العمل من الركوب وإذا نزل ركع على
الارض وسجد لا يجزيه غيره فإذا نزل ثم ركب قطع الصلاة بالركوب كما وصفت بأنه كان عليه إذا نزل ان يركع ويسجد على الارض وإذا افتتح الصلاة راكبا أو ماشيا فإن انحرفت به طريقه كان له أن ينحرف وهو في الصلاة وإن انحرفت عن جهته حتى يوليها قفاه كله بغير طريق يسلكها فقد أفسد صلاته إلا أن تكون القبلة في الطريق التى انحرف إليها ولو غبته دابته أو نعس فولى طريقه قفاه إلى غير قبلة فان رجع مكانه بنى على صلاته وإن تطاول ساهيا ثم ذكر مضى على صلاته وسجد للسهو وإن ثبت (1) وهو لا يمكنه أن ينحرف ذاكرا لانه في صلاة فلم ينحرف فسدت صلاته وإذا ركب فأراد افتتاح الصلاة حيث توجهت به راحتله لم يكن عليه تأخي القبلة لان له أن يتعمد أن يجعل قبلته حيث توجه مركبه فإن افتتاح الصلاة وبعيره واقف قبل القبلة منحرفا عن طريقه افتتحها على القبلة ومضى على بعيره وإن افتتحها وبعيره واقف على غير القبلة لم يكن له ذلك ولا يفتتحها إلا وبعيره متوجه إلى قبلة أو إلى طريقه حيث يفتتحها فأما وهو واقف على غير القبلة فلا يكون له أن يفتتح الصلاة وليس لراكب السفينة (2) ولا الرمث ولا شئ مما يركب في البحر أن يصلى نافلة حيث توجهت به السفينة ولكن عليه أن ينحرف إلى القبلة وإن غرق فتعلق بعود صلى على جهته يومئ ايماء ثم أعاد كل مكتوبة صلاها بتلك الحال إذا صلاها إلى غير قبلة ولم يعد؟ ما صلى إلى قبله بتلك الحال فإن قال قائل كيف يومى ولا يعيد للضرورة ويصلى منحرفا عن القبلة للضرورة فيعيد قيل لانه جعل للمريض ان يصلى كيف أمكنه ولم يجعل له أن يصلى إلى غير قبلة مكتوبة بحال.
باب الصلاة في الكعبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال وأسامة وعثمان بن طلحة قال ابن عمر فسألت بلالا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ثم صلى قال وكان البيت على ستة أعمدة يومئذ (قال الشافعي) فيصلى في الكعبة النافلة والفريضة وأى الكعبة استقبل الذى يصلى في جوفها فهو قبلة كما يكون المصلي خارجا منها إذا استقبل بعضها كان قبلته ولو استقبل بابها فلم يكن بين يديه شئ من بنيانها يستره لم يجزه وكذلك إن صلى وراء ظهرها فلم يكن
بين يديه من بنيانها شئ يستره لم يجزه حينئذ (3) لان بناء الكعبة ليس بين يديه شئ يستره وإن بنى فوقها ما يستر المصلى فصلى فوقها أجزأته صلاته وإذا جاز أن يصلى الرجل فيها نافلة جاز أن يصلى ]
__________
(1) قوله وهو لا يمكنه الخ كذا في النسخ ولعل " لا " زائدة من الناسخ فتأمل كتبه مصححه.
(2) قوله ولا الرمث، الرمث بالتحريك خشب يضم بعضه إلى بعض ويركب في البحر اه قاموس.
(3) قوله لان بناء الكعبة ليس بين يديه شئ يستره، كذا في النسخ ولعل الرابط سقط من قلم الناسخ والاصل ليس بين يديه شئ منه يستره.
فتأمل كتبه مصححه:(1/119)
[ فريضة ولا موضع أطهر منها ولا أولى بالفصل إلا أنا نحب أن يصلى في الجماعة والجماعة خارج منها فأما الصلاة الفائتة فالصلاة فيها أحب إلي من الصلاة خارجا منها وكل ما قرب منها كان أحب إلى مما بعد (1) باب النية في الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فرض الله عزوجل الصلوات وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كل واحدة منهن ووقتها وما يعمل فيهن وفى كل واحدة منهن وأبان الله عزوجل منهن نافلة وفرضها ] (1) وفي اختلاف مالك والشافعي.
باب الصلاة في الكعبة المكتوبة والنافلة قال الربيع سألت الشافعي رحمه الله تعالى عن الرجل يصلى في الكعبة المكتوبة فقال يصلى فيها المكتوبة والنافلة وإذا صلى الرجل وحده فلا موضع يصلى فيه أفضل من الكعبة فقلت أفيصلى فوق ظهرها فقال إن كان بقى من البناء فوق ظهرها شئ يكون سترة علا فوق ظهرها للمكتوبة والنافلة وإن لم يكن بقى عليه بناء يستر المصلى لم يصل إلى غير شئ من البيت فقلت للشافعي فما الحجة فيما ذكرت فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرنا قال نعم دخل أسامة وبلال وعثمان ابن طلحة قال أسامة نظر فإذا
هو إذا صلى في البيت في ناحية ترك شيئا من البيت بظهره وكره أن يدع شيئا من البيت بظهره فكبر في نواحى البيت ولم يصل وقال قوم لا تصلح الصلاة في الكعبة لهذا الحديث وهذه العلة فقلت للشافعي فما حجتك عليهم فقال قال بلال فكان من قال صلى شاهدا ومن قال لم يصل ليس بشاهد وأخذنا بقول بلال وكانت هذه الحجة الثابتة عندنا مهما عندنا مع ان المصلى خارجا من البيت إنما يستقبل به موضع متوجهه لاكل جدرانه وكذلك الذى في بطنه مستقبل موضع بوجهه لاكل جدرانه ومن كان البيت مشتملا عليه وكان يستقبل موضع متوجهه (2) كان يستقبل الخارج منه موضع متوجهه كان في هذا موضع أفضل من موضع الخارج منه أين كان الخارج فقلت للشافعي فإنا نقول يصلى فيه النافلة ولا يصلى فيه المكتوبة فقال الشافعي هذا القول غاية من الجهل إن كان كما قال من خالفنا لم يصل فيه نافلة ولا مكتوبة وإن كان كما رويتم فإن النافلة في الارض لا تصلح إلا حيث تصلح المكتوبة ولا المكتوبة إلا حيث تصلح النافلة أو رأيت المواضع التى صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم النوافل حول المدينة ومكة وبين المدينة ومكة وبالمحصب ولم يصل هنالك مكتوبة أيحرم أن يصلى هنالك مكتوبة إن صلاته النافلة في موضع من الارض فدل على أن صلاته المكتوبة تجوز فيه.
__________
(1) قوله كان يستقبل الخارج الخ.
كذا في النسخة، ولعله محرف، وأصله " كما يستقبل، أو كما كان يستقبل الخ ".
فتأمل كتبه مصححه.(1/120)
[ فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " ثم أبان ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان بينا والله تعالى أعلم إذا كان من الصلاة نافلة وفرض وكان الفرض منها مؤقتا أن لا تجزى عنه صلاة إلا بأن ينويها مصليا (قال الشافعي) وكان على المصلى في كل صلاة واجبة أن يصليها متطهرا وبعد الوقت ومستقبلا للقبلة وينويها بعينها ويكبر فان ترك واحدة من هذه الخصال لم تجزه صلاتة (قال الشافعي) والنية لا تقوم مقام التكبير ولا تجزيه النية إلا أن تكون مع التكبير لا تتقدم التكبير ولا تكون بعده فلو قام إلى الصلاة بنية ثم عزبت عليه النية بنسيان أو غيره ثم كبر وصلى لم تجزه هذه الصلاة وكذلك لو نوى صلاة بعينها ثم عزبت عنه نية الصلاة التى قال لها بعينها وثبتت نيته على أداء صلاة عليه
في ذلك الوقت إما صلاة في وقتها وإما صلاة فائتة لم تجزه هذه الصلاة لانه لم ينوها بعينها وهى لا تجزيه حتى ينويها بعينها لا يشك فيها ولا يخلط بالنية سواها وكذلك لو فاتته صلاة لم يدر أهى الظهر أو العصر فكبر ينوى الصلاة الفائتة لم تجز عنه لانه لم يقصد بالنية قصد صلاة بعينها (قال الشافعي) ولهذا قلنا إذا فاتت الرجل صلاة لم يدر أي صلاة هي بعينها صلى الصلوات الخمس ينوى بكل واحدة منهن الصلاة الفائتة له ولو فاتته صلاتان يعرفهما فدخل في إحداهما بنية ثم شك فلم يدر أيتها نوى وصلى لم تجزه هذه الصلاة عن واحدة منها ولا تجزه الصلاة حتى يكون على يقين من التى نوى (قال الشافعي) ولو دخل في الصلاة بعينها بنية ثم عزبت عنه النية فصلى الصلاة أجزأته لانه دخلها والنية مجزئة له وعزوب النية لا يفسدها إذا دخلها وهى مجزئة عنه إذا لم يصرف النية عنها ولو أن رجلا دخل في صلاة بنية ثم صرف النية إلى صلاة غيرها أو صرف النية إلى الخروج منها وإن لم يخرج منها ثم أعاد النية إليها فقد فسدت عليه وساعة يصرف النية عنها تفسد عليه ويكون عليه إعادتها وكذلك لو دخلها بنية ثم حدت نفسه أيعمل فيها أم يدع؟ فسدت عليه إذا أزال نيته عن المضى عليها بحال وليس كالذى نوى ثم عزبت نيته ولم يصرفها إلى غيره لانه ليس عليه ذكر النية في كل حين فيها إذا دخل بها ولو كان مستيقنا أنه دخلها بنية ثم شك هل دخلها بنية أم لاثم تذكر قبل أن يحدث فيها عملا أجزأته والعمل فيها قراءة أو ركوع أو سجود ولو كان شكه هذا وقد سجد فرفع رأسه فسجد فيها كان هذا عملا وإذا عمل شيئا من عملها وهو شاك في نيته أعاد الصلاة وإن ذكر قبل أن يعمل بعملها شيئا أجزأته الصلاة ولو دخل الصلاة بنية ثم صرف النية إلى صلاة غيرها نافلة أو فريضة فتمت نيته على الصلاة التى صرفها إليها لم تجز عنه الصلاة الاولى التى دخل فيها ينويها لانه صرف النية عنها إلى غيرها ولا تجزيه الصلاة التى صرف إليها النية لانه لم يبتدئها وإن نواها ولو كبر ولم ينو صلاة بعينها ثم نواها لم تجزه لانه قد دخل في صلاة لم يقصد قصدها بالنية ولو فاتته ظهر وعصر فدخل في الظهر ينوى بها الظهر والعصر لم تجزه صلاته عن واحدة منها لانه لم يحض النية للظهر ولا العصر ولو فاتته صلاة لا يدرى أي صلاة هي فكبر ينويها لم تجزه حتى ينويها بعينها.
باب ما يدخل به في الصلاة من التكبير
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد ابن سالم عن سفيان بن سعيد الثوري عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن الحنيفة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (قال الشافعي) فمن أحسن التكبير لم يكن داخلا(1/121)
في الصلاة إلا بالتكبير نفسه والتكبير الله أكبر ولا يكون داخلا بغير التكبير نفسه ولو قال الله الكبير الله العظيم أو الله الجليل أو الحمد لله أو سبحان الله أو ما ذكر الله به لم يكن داخلا في الصلاة إلا بالتكبير نفسه وهو الله أكبر ولو قال الله أكبر من كل شئ وأعظم والله أكبر كبيرا فقد كبر وزاد شيئا فهو داخل في الصلاة بالتكبير والزيادة نافلة وكذلك إن قال الله الاكبر وهكذا التكبير وزيادة الالف واللام لا تحيل معنى التكبير ومن لم يحسن التكبير بالعربية كبر بلسانه ما كان وأجزأه وعليه أن يتعلم التكبير والقرآن والتشهد بالعربية فإن علم لم تجزه صلاتة إلا بأن يأتي به بالعربية (قال الشافعي) ولو أن رجلا عرف العربية وألسنة سواها فأتى بالتكبير نفسه بغير العربية لم يكن داخلا في الصلاة إنما يجزيه التكبير بلسانه ما لم يحسنه بالعربية فإذا أحسنها لم يجزه التكبير إلا بالعربية (قال الشافعي) فمن قال كلمة مما وصفت أنه لا يكون داخلا بها في الصلاة أو اغفل التكبير فصلى فأتى على جميع عمل الصلاة منفردا أو إماما أو مأموما أعاد الصلاة وان ذكر بعدما يصلى ركعة أو ركعتين أنه لم يكبر أبتدأ التكبير مكانه ينوى به تكبيرة الافتتاح وألغى ما مضى من صلاته لانه لم يكن في صلاة وكان حين كبر داخلا في الصلاة ولا أبالى أن لا يسلم لانه لم يكن في صلاة وسواء كان يصلى وراء إمام أو منفردا فإن كان منفردا فهو الاستئناف ولا يزول من موضعه إن شاء وإن زال فلا شئ عليه وإن كان مأموما فكذلك يبتدئ التكبير ثم يكون داخلا في الصلاة من ساعته التى كبر فيها ولا يمضى في صلاة لم يدخل فيها إذا لم يكبر للدخول فيها (قال الشافعي) فإن كان مأموما فأدرك الامام قبل أن يركع أو راكعا فكبر تكبيرة واحدة فإن نوى بها تكبيرة الافتتاح أجزأته وكان داخلا في الصلاة وإن نوى بها تكبيرة الركوع لم يكن داخلا في الصلاة وإن كبر لا ينوى واحدة منها فليس بداخل في الصلاة (1) وإن كبر ينوى تكبيرة الافتتاح وجعل النية مشتركة بين التكبير الذى يدخل به في الصلاة وغيره فإذا ذكر فيما ذكرت أنه ليس بداخل به في
الصلاة فاستأنف فكبر تكبيرة ينوى بها الافتتاح كان حينئذ داخلا في الصلاة لانه لم يكن في صلاة وإن ذكر فيما قلت هو فيه داخلا في نافلة وكبر ينوى المكتوبة لم يكن له مكتوبة لانه في صلاة حتى يسلم منها ثم يدخل في المكتوبة بتكبير بعد الخروج من النافلة ولو كبر ونوى المكتوبة وليس في صلاة وهو راكع لم يجزه ولا يجزيه حتى يكبر قائما فإن كان مع الامام فأدركه قبل أن يرفع رأسه من ركوعه فقد أدرك الركعة وإن لم يدركه حتى يرفع رأسه من الركوع فقد فاتته تلك الركعة (قال) ويكون عليه أن يكبر قائما ينوى المكتوبة ولا يكون داخلا في الصلاة المكتوبة إلا بما وصفت وإن نقص من التكبير حرفا لم يكن داخلا في الصلاة إلا بإكماله التكبير قائما ولو أبقى من التكبير حرفا أتى به وهو راكع أو منحن للركوع أو غير قائم لم يكن داخلا في الصلاة المكتوبة وكان داخلا في نافلة حتى يقطع بسلام ثم يعود قائما فيكمل التكبير وذلك مثل أن يقول الله أكبر ولم ينطق بالراء من التكبير إلا راكعا أو يحذف الراء فلم ينطق بها لم يكن مكملا للتكبير (2) وإن قال الكبير الله لم أره داخلا في الصلاة بهذا وكذلك لو قرأ شيئا ]
__________
(1) قوله وإن كبر ينوى تكبيرة الافتتاح الخ كذا في النسخ ولم يذكر حكمه ولعله سقط من الناسخ وأصل الكلام ومثله إن كبر ينوى الخ فإنه لا يكون داخلا في الصلاة إلا إذا نوى الافتتاح فقط كما هو مصرح في كتب المذهب فتأمل.
كتبه مصححه.
(2) قوله وإن قال الكبير الله الخ كذا في النسخ ولعله تحريف من الناسخ والاصل " وإن قال أكبر الله) الخ كما يدل عليه تشبيه القراءة الواجبة به بعد، فتأمل.
كتبه مصححه.(1/122)
من القرآن لا تجزيه الصلاة إلا به قدم منه وأخر وأتى عليه رأيت أن يعيد حتى يأتي به متتابعا كما أنزل وإذا كان بالمصلى حبل لسان حركه بالتكبير ما قدر وبلغ منه أكثر ما يقدر عليه وأجزأه ذلك لانه قد فعل الذى قد أطاق منه وليس عليه أكثر منه وسواء في هذا الاخرس ومقطوع اللسان ومن بلسانه عارض ما كان وهكذا يصنع هؤلاء في القراءة والتشهد والذكر في الصلاة وأحب للامام ان يجهر بالتكبير ويبينه ولا يمططه ولا يحذفه وللمأموم ذلك كله إلا الجهر بالتكبير فإنه يسمعه نفسه ومن إلى جنبه إن شاء لا يجاوزه وإن لم يفعل ذلك الامام ولا المأموم وأسمعاه أنفسهما أجزأهما وإن لم يسمعاه أنفسهما لم
يجزهما ولا يكون تكبيرا مجزئا حتى يسمعاه أنفسهما وكل مصل من رجل أو امرأة في التكبير سواء إلا أن النساء لا يجاوزن في التكبير استماع أنفسهن وإن أمتهن إحداهن أحببت أن تسمعهن وتخفض صوتا عليهن فإذا كبرن خفضن أصواتهن في التكبير في الخفض والرفع (1).
باب من لا يحسن القراءة وأقل فرض الصلاة والتكبير في الخفض والرفع أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن على بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة ابن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما امره الله تعالى ثم ليكبر فإن كان معه شئ من القرآن قرأ به وإن لم يكن معه شئ من القرآن فليحمد الله وليكبر ثم ليركع حتى يطمئن راكعا ثم ليرفع فليقم حتى يطمئن قائما ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا ثم ليرفع رأسه فليجلس حتى يطمئن قلبه جالسا فمن نقص من هذا فإنما ينقص من صلاته أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني محمد بن عجلان عن على بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال جاء رجل يصلى في المسجد قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعد صلاتك فإنك لم تصل فعاد فصلى كنحو مما صلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم أحد صلاتك فإنك لم تصل فقال علمني يا رسول الله كيف أصلى قال إذا توجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن ركوعك وامدد ظهرك فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها فإذا سجدت فمكن سجودك فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى ثم أصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذه فأمر من لم يحسن يقرأ ان يذكر الله تعالى فيحمده ويكبره ولا يحزيه إذا لم يحسن يقرأ إلا ذكر الله عزوجل وفى هذا دليل على أنه إنما خوطب بالقراءة من يحسنها وكذلك خوطب بالفرائض من يطيقها ويعلقها وإذا لم يحسن أم القرآن وأحسن غيرها لم يجزه أن ]
__________
(1) وفي اختلاف على وابن مسعود في أول أبواب الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن الحنفية أن عليا رضى الله عنه أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمهما التكبير وتحليلهما التسليم وبهذا
نقول نحن لا تجزئ الصلاة إلا بالتكبير وقال صاحبهم يحرم بها التكبير بالتسبيح ورجع صاحباه إلى قولنا وقولنا لا تنقضي الصلاة إلا بالتسليم فمن عمل عملا بعد الصلاة فيما بين أن يكبر إلى أن يسلم فقد أفسدها وقالوا هم يفسدها فيما بين أن يكبر إلى أن يجلس قدر التشهد.(1/123)
[ يصلى بلا قراءة وأجزأه في غيرها بقدر أم القرآن لا يجزيه أقل من سبع آيات وأحب الي ان يزيد إن احسن وأقل ما أحب ان يزيد آية حتى تكون قدر أم القرآن وآية ولا يبين لي إن اقتصر على أم القرآن إن أحسنها أو غيرها وقدرها إن لم يحسنها أن عليه إعادة فإن لم يحسن سبع آيات وأحسن أقل منهن لم يجزه إلا أن يقرأ بما أحسن كله إذا كان سبع آيات أو أقل فإن قرأ بأقل منه أعاد الركعة التي لم يكمل فيها سبع آيات إذا أحسنهن وسواء كان الآى طوالا أو قصارا لا يجزيه إلا بعدد آى أم القرآن وسواء كن في سورة واحدة أو سور متفرقة لا يجزيه حتى يأتي بسبع آيات إذا أحسن سبعا أو ثمانيا وكان أقل ما عليه أن يأتي بسبع آيات وإن لم يحسن سبعا ذكر الله عزوجل مع ما أحسن ولا يجزيه إلا أن يذكر الله العظيم فإذا جاء بشئ من ذكر الله تعالى أجزأه مع ما يحسن وإنما قلت هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل عليه أن يذكر الله حين لا يحسن أم القرآن وإن لم يأمره بصلاة بلا ذكر عقلت أنه إذا أحسن أم القرآن الذي هو سنة الصلاة كان عليه أوجب من الذكر غيره وإن لم يحسن الرجل أم القرآن لم يجز ان يؤم من يحسن أم القرآن فإن أمه لم تجز للمأموم صلاته وأجزأت الامام فإذا أحسن أم القرآن ولم يحسن غيرها لم أحب أن يؤم من يحسنها وأكثر منها وإن فعل فلا يبين لى أن يعيد من صلى خلفه لانها إن انتهى إليها فلا يبين لي أن يعيد من لم يزد عليها ولا أحب إلا أن يزاد معها آية أو أكثر ويجوز أن يؤم من لا يحسن أم القرآن ولا شيئا من القرآن من لا يحسن ولا يجوز أن يؤم من لا يحسن أحدا يحسن شيئا من القرآن ومن أحسن شيئا من القرآن فهو أولى بان يؤم ممن لا يحسن ومن أحسن أقل من سبع آيات فأم أو صلى منفردا ردد بعض الآى حتى يقرأ به سبع آيات أو ثمان آيات وإن لم يفعل لم أر عليه إعادة ولا يجزيه في كل ركعة إلا قراءة ما أحسن مما بينه وبين أن يكمل سبع آيات أو ثمان آيات من أحسنهن (قال الشافعي) وفى حديث رفاعة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم علمه الفرض عليه في الصلاة دون الاختيار فعلمه الوضوء وتكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولم يذكر أنه علمه القول بعد تكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولا التكبير في الخفض والرفع وقول سمع الله لمن حمده ولا رفع اليدين في الصلاة ولا التسبيح في الركوع والسجود وقد علمه القراءة فإن لم يحسن فالذكر وعلمه الركوع والسجود والاعتدال من الركوع والسجود والجلوس في الصلاة (1) والقراءة فلهذا قلنا من ترك افتتاح الصلاة بعد تكبيرة الافتتاح والتكبير في الخفض والرفع ورفع اليدين في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويجلس جلسة لم يأمره بها في الصلاة فقد ترك الاختيار وليست عليه إعادة صلاته وعلم رجلا في حديث ابن عجلان قراءة أم القرآن وقال ما شاء الله فجعل ذلك إلى القارئ فاحتمل أن يكون قراءة أم القرآن في الصلاة فرضا مع ما جاء فيها غير هذا مما يشبه أن يكون يدل على أنها تجزى عن غيرها ولا يجزى غيرها عنها وإن تركها وهو يحسن لم تجزه الصلاة وإن ترك غيرها كرهته له ولا يبين لى أن عليه إعادة الصلاة وهو قد يحتمل أن يكون الفرض على من أحسن القراءة قراءة أم القرآن وآية أو أكثر لان أقل ما ينبغى أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية لقول النبي صلى الله عليه وسلم وما شاء الله معها فلا أحب لاحد أن يدع أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية وإن تركها كرهته له ولا يبين لى ان عليه إعادة لما وصفت وإن حديث عبادة وأبى هريرة يدلان على ]
__________
(1) قوله والقراءة، كذا في النسخ ولعله تكرر من الناسخ، بدليل أنه قدم تعليم القراءة، وبدليل أن الحديث لم يذكر فيه بعد الجلوس شئ فتأمل، وانظر.
كتبه مصححه.(1/124)
[ فرض أم القرآن ولا دلالة له فيها ولا في واحد منهما على فرض غيرها معها (قال الشافعي) والعمد في ترك أم القرآن والخطأ سواء في أن لا تجزئ ركعة إلا بها أو بشئ معها إلا ما يذكر من المأموم إن شاء الله تعالى ومن لا يحسن يقرؤها فلهذا قلنا إن من لم يحسن يقرأ اجزأته الصلاة بلا قراءة وبأن الفرض على من علمه ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس للتشهد إنما ذكر الجلوس من السجود فأوجبنا التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على من أحسنه بغير هذا الحديث، فأقل ما على المرء في صلاته ما وصفنا، وأكمله ما نحن فيه ذاكرون إن شاء الله تعالى.
باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى تحازى منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين (1) (قال الشافعي) وقد روى هذا سوى ] (1) وجدنا في بعض النسخ زيادة في هذا الموضع ونصها: أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب قال سمعت أبى يقول حدثنى وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة برفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وبعد ما يرفع رأسه قال وائل ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس (قال الشافعي) وبهذه الاحاديث تركنا ما خالفها من حديث (قال الشافعي) لانها أثبت إسنادا وأنها حديث عدد والعدد أولى بالحفظ (2) فإن قيل فإنا نراه أتى من قبل المصلي بينه فلعله أراد رفعهما فلو كان رفعهما أبدا احتمل مدا حتى المنكبين واحتمل ما يجاوزه ويجاوز الرأس ورفعهما ولما يجاوز المنكبين وهذا حذو حتى يحاذي منكبيه وحديثنا عن الزهري أثبت إسنادا رفعه عدد يوافقونه ويحددونه تحديدا لا يشبه الغلط فإن قيل لا يجوز أن يجاوز المنكبين قيل لا تنقص الصلاة سهوا والاختيار أن لا يجاوز المنكبين: من يخالف في رفع اليدين في الصلاة أخبرنا الربيع (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس فقال إذا افتتح الصلاة رفع حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود يرفعهما في شئ من الصلاة واحتج بحديث يزيد بن أبي زياد قال الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه قال سفيان ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد بها فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه ثم لم يعد وأراهم لقنوه (قال الشافعي) وذهب سفيان إلى تغليط يزيد؟ في هذا الحديث ويقول كأنه لقن هذا الحرف الآخر فلقنه ولم يكن سفيان يصف يزيد بالحفظ لذلك =
__________
(2) قوله فإن قيل فإنا نراه الخ وقوله بعد: ويليه غير حديثنا أولى الخ كذا في الاصل وانظره.
كتبه مصححه.(1/125)
[ ابن عمر اثنا عشر رجلا عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وبهذا نقول فنأمر كل مصل إماما أو مأموما أو منفردا رجلا أو امرأة ان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع ويكون رفعه في كل واحدة من هذه الثلاث حذو منكبيه ويثبت يديه مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير كله ويكون مع افتتاح التكبير ورد يديه عن الرفع مع انقضائه ولا نأمره أن يرفع يديه في شئ من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاث فإن كان بإحدى يدي المصلي ] = (قال الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول أحديث الزهري عن سالم عن أبيه أثبت عند أهل العلم بالحديث أم حديث يزيد؟ فقال بل حديث الزهري وحده فقلت مع الزهري أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابو حميد الساعدي وحديث وائل بن حجر كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم بما وصفت ويليه غير حديثنا أولى أن يثبت من حديث واحد ومن أصل قولنا وقولك أنه لو لم يكن معنا إلا حديث واحد ومعك حديث يكافئه في الصحة فكان في حديثك أن لا يعود لرفع اليدين: وفى حديثنا يعود لرفع اليدين لكان حديثنا أولى أن نزيد به لان فيه زياده حفظ ما لم يحفظ صاحب حديثك فكيف صرت إلى حديثك وتركت حديثنا والحجة ما فيه علمك بهذا وبأن، إسناد حديثك ليس كإسناد حديثنا وبأن، اهل الحفظ يروون أن يزيد أمرهم أن لا يعودوا (قال) فإن ابراهيم النخعي أنكر حديث وائل بن حجر وقال أروى وائل بن حجر أعلم من علي وعبد الله (قلت) وروى إبراهيم عن على وعبد الله أنهما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روى وائل بن حجر (قال) ولكن ذهب إلى أن ذلك لو كان روياه أو فعلاه (قلت) وروى إبراهيم هذا عن علي وعبد الله نصا؟ قال لا (قلت) يخفى عن إبراهيم رواة علي وعبد الله (قال) ما أشك في ذلك (قلت) فتدرى لعلهما قد فعلاه فخفي عنه أو روياه فلم يسمعه قال إن ذلك ليمكن (قلت) أفرأيت جميع ما رواه إبراهيم فأحدثه فأحل به وحرم أرواه عن على وعبد الله؟ قال لا (قلت) فلم احتججت بانه ذكر عليا وعبد الله وقد يأخذ هو وغيره عن غيرهما ما لم يأت عن واحد منهما ومن قولنا وقولك إن وائل بن حجر لو
كان معه أو روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ما روى كان الذى قال كان أولى أن يؤخذ بقوله من الذى قال لم يكن وأصل قولنا أن إبراهيم لو روى عن علي وعبد الله لم يقبل منه لانه لم يلق واحدا منهما تتركون ما روى مالك عن رسول الله ثم عن ابن عمر فكيف جاز لكم لو لم تعلموا علما إلا أن تكونوا رأيتم رفع اليدين في الصلاة مرتين أو ثلاثا وعن ابن عمر مرتين فاتبعتم النبي صلى الله عليه وسلم في أحدهما وتركتم في الآخر ولو جاز أن يتبع أحد أمريه دون الآخر جاز لرجل أن يتبع أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث تركتموه ويتركه حيث اتبعتموه ولكن لا يجوز لاحد علمه من المسلمين عندي أن يتركه إلا ناسيا أو ساهيا.
أخبرنا الربيع فقلت للشافعي فما معنى رفع اليدين عند الركوع قال مثل معنى رفعهما عند الافتتاح تعظيما لله تعالى وسنة متبعة وجاء فيهما ثواب الله تعالى ومثل رفع اليدين على الصفا والمروة وغيرهما (قال الشافعي) أرأيت إذا كنتم تروون عن ابن عمر شيئا فتحدثونه أفلابثون عليه لو وجدتم ابن عمر يفعل شيئا في الصلاة فتركتموه عليه وهو موافق لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أفيجوز لاحد أن يفعل ما وصفتم من اتخاذ قول ابن عمر =(1/126)
[ علة لا يقدر على رفعها معها حتى يبلغ حيث وصفت ويقدر على رفعها دون ذلك رفعها إلى حيث يقدر فإن كانت به علة لا يقدر على رفعها معها مجاوزا لمنكبيه ولا يقدر على الاقتصار برفعها على منكبيه ولا ما دونهما فلا يدع رفعهما وإن جاوز منكبيه (قال الشافعي) وإن كانت به علة يقدر معها على أخذ رفعين إما رفع دون منكبيه وإما رفع فوق منكبيه ولا يقدر على رفعهما حذو منكبيه رفعهما فوق منكبيه لانه قد جاء بالرفع كما أمر والزيادة شئ غلب عليه (قال الشافعي) وإن كانت إحداهما صحيحة والاخرى عليلة صنع بالعليلة ما وصفت واقتصر بالصحيحة على حذو منكبيه وإن غفل فصلى بلا رفع اليدين حيث أمرته به وحتى تنقضي التكبيرة التى أمرته بالرفع فيها لم يرفعهما بعد التكبيرة ولا بعد فراغه من قول سمع الله لمن حمده ولا في موضع غيره لانه هيئة في وقت فإذا مضى لم يوضع في غيره وإن أغفله عند ابتداء التكبير وذكره قبل أن يقضيه رفع وكل ما قلت يصنعه في التكبيرة الاولى والتكبيرة للركوع أمرته يصنعه في قوله " سمع الله لمن حمده " وفي قوله " ربنا ولك الحمد " وإن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير
مرفوعتين قليلا فلا يضره ولا آمره به ورفع اليدين في كل صلاة نافلة وفريضة سواء (قال الشافعي) ويرفع يديه في كل تكبيرة على جنازة خبرا وقياسا على أنه تكبير وهو قائم وفي كل تكبير العيدين والاستسقاء لان كل هذا تكبير وهو قائم وكذلك يرفع يديه في التكبير لسجود القرآن وسجود الشكر لانهما معا تكبير افتتاح وسواء في هذا كله صلى أو سجد وهو قائم أو قاعد أو مضطجع يومئ إيماء في أن يرفع يديه لانه في ذلك كله في موضع قيام وإن ترك رفع اليدين في جميع ما أمرته به أو رفعهما حيث لم آمره في فريضة أو نافلة أو سجود أو عيد أو جنازة كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة صلاة ولا سجود لسهو عمد ذلك أو نسيه أو جهله لانه هيئة في العمل وهكذا أقول في كل هيئة في عمل تركها.
] = مفردا حجة ثم تتركون معه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهم بسبب رواية من جهل هذا ينبغي أن لا يجوز له أن يتكلم فيما هو أدق منه من العلم فقلت للشافعي خالفك في هذا غيرها قال نعم بعض المشرقيين وخالفكم (1) فقالوا يرفع يديه حذو أذنيه في ابتداء الصلاة فقلت فهل روى فيه شيئا فقال نعم ما لا نثبت نحن ولا أنتم ولا أهل الحديث منهم وجل أهل المشرق يذهبون مذهبنا في رفع الايدي ثلاث مرات في الصلاة فخالفتم مع خلافكم السنة أمر العامة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع ولا يرفع بين السجدتين (قال شيخ الاسلام البلقيني) هذا الحديث من طريق سفيان ابن عيينة أخرجه مسلم في صحيحه ومن طريق الزهري من حديث يونس بن يزيد أخرجه البخاري عنه ومن حديث عقيل عن الزهري أخرجه مسلم وكذلك من حديث ابن جريج عن الزهري.
__________
(1) قوله: فقالوا يرفع: كذا في أصله ولعله فقالوا لا يرفع كما هو الظاهر، تأمل، كتبه مصححه.(1/127)
[ باب افتتاح الصلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد وغيرهما عن ابن جريج عن موسى ابن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن الاعرج عن عبيد الله بن أبى رافع عن علي بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم كان إذا ابتدأ الصلاة وقال غيره منهم كان إذا افتتح الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وقال أكثرهم وأنا أول المسلمين قال ابن أبى رافع وشككت أن يكون أحدهم قال وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبى فاغفر لى ذنوبي جميعها لا يغفرها إلا أنت واهدنى لاحسن الاخلاق لا يهدى لاحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيدك والشر ليس إليك والمهدى من هديت أنا بك وإليك لا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن محمد قال حدثنى صفوان ابن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ثم كبر قال وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين وآيتين بعدها إلى قوله وأنا أول المسلمين ثم يقول اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبى فاغفر لى ذنوبي جميعها لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدنى لاحسن الاخلاق ولا يهدى لاحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك والمهدى من هديت أنا بك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك (قال الشافعي) وبهذا كله أقول وآمر وأحب أن يأتي به كما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغادر منه شيئا ويجعل مكان وأنا أول المسلمين وأنا من المسلمين (قال) فإن زاد فيه شيئا أو نقصه كرهته ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه عمد ذلك أو نسيه أو جهله (قال الشافعي) وإن سها عنه حين يفتتح الصلاة ثم ذكر قبل أن يفتتح القراءة أحببت أن يقول وإن لم يذكره حتى يفتتح القراءة لم يقله ولا يقوله
إلا في أول ركعة ولا يقوله فيما بعدها بحال وإن ذكر قبل افتتاح القراءة وقيل التعوذ أحببت أن يقوله (قال الشافعي) وسواء في ذلك الامام والمأموم إذا لم يفت المأموم من الركعة ما لا يقدر عليه فإن فاته منها ما يقدر على بعض هذا القول ولا يقدر على بعضه أحببت أن يقوله وإن لم يقله لم يقضه في ركعة غيرها وإن كان خلف الامام فيما لا يجهر فيه ففاته من الركعة ما لو قاله لم يقرأ أم القرآن تركه وإن قال غيره من ذكر الله وتعظيمه لم يكن عليه فيه شئ إن شاء الله تعالى وكذلك إن قاله حيث لا آمره أن يقوله ولا يقطع ذكر الله الصلاة في أي حال ذكره (قال الشافعي) ويقول هذا في الفريضة والنافلة.
باب التعوذ بعد الافتتاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عزوجل " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد بن عثمان عن صالح بن(1/128)
أبى صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعا صوته ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم في المكتوبة وإذا فرغ من أم القرآن (قال الشافعي) وكان ابن عمر يتعوذ في نفسه (قال الشافعي) وأيهما فعل الرجل أجزأه إن جهر أو أخفى وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن وبذلك أقول وأحب أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (1) وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم واى كلام استعاذ به أجزأه ويقوله في أول ركعة وقد قيل إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن ولا آمر به في شئ من الصلاة أمرت به في أول ركعة وإن تركه ناسيا " أو جاهلا " أو عامدا " لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو وأكره له تركه عامدا " وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها وإنما منعنى ان آمره أن يعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال كبر ثم اقرأ (قال) ولم يرو عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة إن تركه.
باب القراءة بعد التعوذ أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القارئ
في الصلاة بأم القرآن ودل على أنها فرض على المصلى إذا كان يحسن يقرؤها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن ربيع عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج فهى خداج " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب بن أبى تميمة عن قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين (قال الشافعي) يعنى يبدءون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها والله تعالى أعلم لا يعنى أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم (قال الشافعي) فواجب على من صلى منفردا أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها وأحب أن يقرأ معها شيئا آية أو أكثر وسأذكر المأموم إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) وإن ترك من القرآن حرفا واحدا ناسيا أو ساهيا لم يعتد بتلك الركعة لان من ترك منها حرفا لا يقال له قرأ أم القرآن على الكمال (قال الشافعي) بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة فإن تركها أو بعضها لم تجزه الركعة التى تركها فيها (قال الشافعي) وبلغني أن ابن عباس رضى الله عنهما كان يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني أبى عن سعيد بن جبير " ولقد أتيناك سبعا من المثانى " قال هي أم القرآن قال أبى وقرأها على سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال سعيد فقرأها على ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال ابن عباس فدخرها لكم فما أخرجها لاحد قبلكم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى صالح ]
__________
(1) قوله وإذا استعاذ الخ كذا في النسخ ولعله من زيادة الناسخ فتأمل.
كتبه مصححه.(1/129)
[ مولى التوأمة أن أبا هريرة كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان ابن خثيم أن أبا بكر
بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك أخبره قال صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لام القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ولم يكبر حين يهوى حتى قضى تلك الصلاة فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التى بعد أم القرآن وكبر حين يهوى ساجدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسمعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع فناداه المهاجرون حين سلم والانصار أن يا معاوية سرقت صلاتك أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت فصلى بهم صلاة أخرى فقال ذلك فيها الذى عابوا عليه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن معاوية والمهاجرين والانصار مثله أو مثل معناه لا يخالفه وأحسب هذا الاسناد أخفض من الاسناد الاول (قال الشافعي) وفى الاولى أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولم يقرأها في السورة التى بعدها فذلك زيادة حفظها ابن جريج وقوله فصلى بهم صلاة أخرى يحتمل أن يكون أعاد ويحتمل أن تكون الصلاة التي تليها والله تعالى أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لام القرآن وللسورة التى بعدها (قال الشافعي) هذا أحب إلى لانه حينئذ مبتدئ قراءة القرآن (قال الشافعي) وإن أغفل أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وقرأ من الحمد لله رب العالمين حتى يختم السورة كان عليه أن يعود فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى يأتي على السورة (قال الشافعي) ولا يجزيه أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم بعد قراءة الحمد لله رب العالمين ولا بين ظهرانيها حتى يعود فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم يبتدئ أم القرآن فيكون قد وضع كل حرف منها في موضعه وكذلك لو أغفل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال مالك يوم الدين حتى يأتي على آخر السورة وعاد فقال الحمد لله رب العالمين حتى يأتي على آخر السورة وكذلك لو أغفل الحمد فقط فقال لله رب العالمين عاد فقرأ الحمد وما بعدها لا يجزيه غيره حتى يأتي
بها كما أنزلت ولو أجزت له أن يقدم منها شيئا عن موضعه أو يؤخره ناسيا أجزت له إذا نسى أن يقرأ آخر آية منها ثم التي تليها قبلها ثم التي تليها حتى يجعل بسم الله الرحمن الرحيم آخرها ولكن لا يجزى عنه حتى يأتي بها بكمالها كما أنزلت ولو وقف فيها أو تعايا أو غفل فأدخل فيها آية أو آيتين من غيرها رجع حتى يقرأ من حيث غفل أو يأتي بها متوالية فإن جاء بها متوالية لم يقدم منها مؤخرا وإنما أدخل بينها آية من غيرها أجزأت لانه قد جاء بها متوالية وإنما أدخل بينها ما له قراءته في الصلاة فلا يكون قاطعا لها به وإن وضعه غير موضعه ولو عمد أن يقرأ منها شيئا ثم يقرأ قبل يكملها من القرآن غيرها كان هذا عملا قاطعا لها وكان عليه أن يستأنفها لا يجزيه غيرها ولو غفل فقرأ ناسيا من غيرها لم يكن عليه إعادة ما مضى منها لانه معفو له عن النسيان في الصلاة إذا أتى على الكمال ولو نسي فقرأ ثم ذكر فتم على قراءة غيرها كان هذا قاطعا لها وكان عليه أن يستأنفها ولو قرأ منها شيئا ثم نوى أن يقطعها ثم عاد فقرأ ما بقى أجزأته ولا يشبه هذا نيته في قطع المكتوبة نفسها وصرفها إلى غيرها ولكنه لو نوى قطعها وسكت شيئا كان قاطعا(1/130)
لها وكان عليه أن يستأنفها (1) وعمد القطع لها حتى يأخذ في غيرها أو يصمت فأما ما يتابعه قطعها حديث نفس موضوع عنه (قال الشافعي) ولو بدأ فقرأ في الركعة غيرها ثم قرأها أجزأت عنه.
باب التأمين عند الفراغ من قراءة أم القرآن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة ابن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الامام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول آمين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال أخبرنا سمى مولى أبى بكر عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الاخرى غفر الله
له ما تقدم من ذنبه (قال الشافعي) فإذا فرغ الامام من قراءة أم القرآن قال آمين ورفع بها صوته ليقتدى به من كان خلفه فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم ولا أحب أن يجهروا بها فإن فعلوا فلا شئ عليهم وإن تركها الامام قالها من خلفه وأسمعه لعله يذكر فيقولها ولا يتركونها لتركه كما لو ترك التكبير والتسليم لم يكن لهم تركه فإن لم يقلها ولا من خلفه فلا إعادة عليهم ولا سجود للسهو وأحب قولها لكل من صلى رجل أو امرأة أو صبى في جماعة كان أو غير جماعة ولا يقال آمين إلا بعد أم القرآن فإن لم يقل لم يقضها في موضع غيره (قال الشافعي) وقول آمين يدل على أن لا بأس أن يسأل العبد ربه في الصلاة كلها في الدين والدنيا مع ما يدل من السنن على ذلك (قال الشافعي) ولو قال مع آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله كان حسنا لا يقطع الصلاة شئ من ذكر الله.
باب القراءة بعد أم القرآن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب أن يقرأ المصلي بعد أم القرآن سورة من القرآن فإن قرأ بعض سورة أجزأه فإن إقتصر على أم القرآن ولم يقرأ بعدها شيئا لم يبن لي أن يعيد الركعة ولا أحب ذلك له وأحب أن يكون أقل ما يقرأ مع أم القرآن في الركعتين الاوليين قدر أقصر سورة من القرآن مثل إنا أعطيناك الكوثر وما أشبهها وفى الاخريين أم القرآن وآية وما زاد كان أحب إلى ما لم يكن إماما فيثقل عليه (قال) وإذا أغفل من القرآن بعد أم القرآن شيئا أو قدمه أو قطعه لم يكن عليه إعادة وأحب أن يعود فيقرأه وذلك أنه لو ترك قراءة ما بعد أم القرآن أجزأته الصلاة وإذا قرأ بأم القرآن وآية معها أي آية كانت إن شاء الله تعالى.
]
__________
(1) قوله: وعمد القطع لها الخ كذا في الاصل ولعل فيه سقطا وتحريفا من الناسخ ووجه الكلام " ولا يضر عمد القطع لها حتى يأخذ في غيرها أو يصمت، فأما نية قطعها فحديث نفس الخ " وتأمل.
كتبه مصححه.(1/131)
[ باب كيف قراءة المصلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " ورتل القرآن
ترتيلا " (قال الشافعي) وأقل الترتيب ترك العجلة في القرآن عن الابانة وكلما زاد على أقل الابانة في القراءة كان أحب إلي ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطا.
وأحب ما وصفت لكل قارئ في صلاة وغيرها وأنا له في المصلي أشد استحبابا منه للقارئ في غير صلاة فإذا أيقن المصلي أن لم يبق من القراءة شئ إلا نطق به أجزأته قراءته ولا يجزئه أن يقرأ في صدر القرأن ولم ينطق به لسانه ولو كانت بالرجل تمتمة لا تبين معها القراءة أجزأته قراءته إذا بلغ منها ما لا يطيق أكثر منه وأكره أن يكون إماما وإن أم أجزأ إذا أيقن أنه قرأ ما تجزئه به صلاته وكذلك الفأفاء أكره أن يؤم فإن أم أجزأه وأحب أن لا يكون الامام أرت ولا ألثغ وإن صلى لنفسه أجزأه وأكره أن يكون الامام لحانا لان، اللحان قد يحيل معاني القرآن فإن لم يلحن لحنا يحيل معنى القرآن أجزأته صلاته وإن لحن في أم القرآن لحانا يحيل معنى شئ منها لم أر صلاته مجزئة عنه ولا عمن خلفه وإن لحن في غيرها كرهته ولم أر عليه إعادة لانه لو ترك قراءة غير أم القرآن وأتى بأم القرآن رجوت أن تجزئه صلاته وإذا أجزأته أجزأت من خلفه إن شاء الله تعالى.
وإن كان لحنه في أم القرآن وغيرها لا يحيل المعنى أجزأت صلاته وأكره أن يكون إماما بحال.
باب التكبير للركوع وغيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن على بن الحسين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر كلما خفض ورفع فما زالت تلك صلاته حتى لقى الله تعالى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى سلمة أن أبا هريرة كان يصلى لهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال والله إنى لاشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولا أحب لمصل منفردا ولا إماما ولا مأموما أن يدع التكبير للركوع والسجود والرفع والخفض وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد إذا رفع من الركوع ولو رفع رأسه من شئ مما وصفت أو وضعه بلا تكبير لم يكن عليه أن يكبر بعد رفع الرأس ووضعه وإذا ترك التكبير في موضعه لم يقضه في غيره " قال أبو محمد الربيع بن سليمان فاتني من هذا الموضع من الكتاب وسمعته من البويطى وأعرفه من كلام الشافعي " (قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أن يركع ابتدأ بالتكبير قائما فكان فيه وهو يهوى راكعا
وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع ابتدأ قوله سمع الله لمن حمده رافعا مع الرفع ثم قال إذا استوى قائما وفرغ من قوله سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قائما ثم هوى مع ابتدائه حتى ينتهى إلى السجود وقد فرغ من آخر التكبير ولو كبر وأتم بقية التكبير ساجدا لم يكن عليه شئ واحب إلى ان لا يسجد إلا وقد فرغ من التكبير فإذا رفع رأسه من السجود ابتدأ التكبير حتى يستوي جالسا وقد قضاه فإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قاعدا وأتمه وهو يهوى للسجود ثم هكذا في جميع صلاته ويصنع في التكبير ما وصفت من أن يبينه ولا يمططه ولا يحذفه فإذا جاء بالتكبير بينا أجزأه ولو ترك التكبير سوى تكبيرة الافتتاح وقوله سمع الله لمن حمده لم يعد صلاته وكذلك من ترك(1/132)
الذكر في الركوع والسجود وإنما قلت ما وصفت بدلالة الكتاب ثم السنة قال الله عزوجل " اركعوا واسجدوا " ولم يذكر في الركوع والسجود عملا غيرهما فكانا الفرض فمن جاء بما يقع عليه اسم ركوع أو سجود فقد جاء بالفرض عليه والذكر فيهما سنة اختيار وهكذا قلنا في المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه (قال الشافعي) ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى صلاة لم يحسنها فأمره بالاعادة ثم صلاها فأمره بالاعادة فقال له يا رسول الله علمني فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الركوع والسجود والرفع والتكبير للافتتاح وقال " فإذا جئت بهذا فقد تمت صلاتك " ولم يعلمه ذكرا في ركوع ولا سجود ولا تكبيرا سوى تكبيرة الافتتاح لا قول سمع الله لمن حمده فقال له " فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك وما نقصت منه فقد نقصت من صلاتك " فدل ذلك على أنه علمه مالا تجزئ الصلاة إلا به وما فيه ما يؤديها عنه وإن كان الاختيار غيره.
باب القول في الركوع أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال " اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وأنت ربى خشع لك سمعي وبصرى " وعظامي وشعري وبشرى وما استقلت به قدمى لله رب العالمين " أخبرنا الربيع قال اخبرنا البويطى قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد احسبه عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الاعرج عن عبيد الله بن أبى رافع عن على بن أبى طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت أنت ربى خشع لك سمعي وبصرى ومخي وعظمي وما استقلت به قدمى لله رب العالمين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطى قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة وإبراهيم بن محمد عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إنى نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه " قال أحدهما من الدعاء وقال الآخر فاجتهدوا فإنه فمن أن يستجاب (قال الشافعي) ولا أحب لاحد أن يقرأ راكعا ولا ساجدا لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما موضع ذكر غير القراءة وكذلك لا أحب لاحد ان يقرأ في موضع التشهد قياسا على هذا أخبرنا الربيع قال أخبرني البويطى قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن بن أبى ذئب عن إسحق بن يزيد الهذلى عن عون بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ركع أحدكم فقال سبحان ربى العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال سبحان ربي الاعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه (قال الشافعي) إن كان هذا ثابتا فإنما يعنى والله تعالى أعلم أدنى ما ينسب إلى كمال الفرض والاختيار معا لاكمال الفرض وحده وأحب أن يبدأ بالراكع في ركوعه ان يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا ويقول ما حكيت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله وكل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه إماما كان أو منفردا وهو تخفيف لا تثقيل " قال الربيع إلى ههنا انتهى سماعي من البويطي " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأقل كمال الركوع أن يضع كفيه على(1/133)
ركبتيه فإذا فعل فقد جاء بأقل ما عليه في الركوع حتى لا يكون عليه إعادة هذه الركعة وإن لم يذكر في الركوع لقول الله عزوجل " اركعوا واسجدوا " فإذا ركع وسجد فقد جاء بالفرض والذكر فيه سنة اختيار لا أحب تركها وما علم النبي صلى الله عليه وسلم الرجل من الركوع والسجود ولم يذكر الذكر فدل على
أن الذكر فيه سنة اختيار وإن كان أقطع أو أشل إحدى اليدين أخذ إحدى ركبتيه بالاخرى وإن كانتا معا عليلتين بلغ من الركوع ما لو كان مطلق اليدين فوضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه ولا يجزيه غير ذلك وإن كان صحيح اليدين فلم يضع يديه على ركبتيه فقد أساء ولا شئ عليه إذا بلغ من الركوع ما لو وضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه إذا ترك وضع يديه على ركبتيه وشك في أنه لم يبلغ من الركوع ما لو وضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه لم يعتد بهذه الركعة (قال الشافعي) وكمال الركوع أن يضع يديه على ركبتيه ويمد ظهره وعنقه ولا يخفض عنقه عن ظهره ولا يرفعه ولا يجافى ظهره ويجتهد أن يكون مستويا في ذلك كله فإن رفع رأسه عن ظهره أو ظهره عن رأسه أو جافى ظهره حتى يكون كالمحدودب كرهت ذلك له ولا إعادة عليه لانه قد جاء بالركوع والركوع في الظهر ولو بلغ أن يكون راكعا فرفع يديه فلم يضعهما على ركبتيه ولا غيرهما لم تكن عليه إعادة ولو أن رجلا أدرك الامام راكعا فركع قبل أن يرفع الامام ظهره من الركوع اعتد بتلك الركعة ولو لم يركع حتى يرفع الامام ظهره من الركوع لم يعتد بتلك الركعة ولا يعتد بها حتى يصير راكعا والامام راكع بحاله ولو ركع الامام فاطمأن راكعا ثم رفع رأسه من الركوع فاستوى قائما أو لم يستو إلا أنه قد زايل الركوع إلى حال لا يكون فيها تام الركوع ثم عاد فركع ليسبح فأدركه رجل في هذه الحال راكعا فركع معه لم يعتد بهذه الركعة لان الامام قد أكمل الركوع أولا وهذا ركوع لا يعتد به من الصلاة (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا ركع ولم يسبح ثم رفع رأسه ثم عاد فركع ليسبح فقد بطلت صلاته لان ركوعه الاول كان تماما وإن لم يسبح فلما عاد فركع ركعة أخرى ليسبح فيها كان قد زاد في الصلاة ركعة عامدا فبطلت صلاته بهذا المعنى (قال الشافعي) وإذا ركع الرجل مع الامام ثم رفع قبل الامام فأحب أن يعود حتى يرفع الامام رأسه ثم يرفع برفعه أو بعده (1) وإن لم يرفع وقد ركع مع الامام كرهته له ويعتد بتلك الركعة ولو ركع المصلى فاستوى راكعا وسقط إلى الارض كان عليه أن يقوم حتى يعتدل صلبه قائما ولم يكن عليه أن يعود لركوع لانه قد ركع ولو أدركه رجل بعد ما ركع وسقط راكعا باركا أو مضطجعا أو فيما بين ذلك لم يزل عن الركوع فركع معه لم يعتد بتلك الركعة لانه راكع في حين لا يجزي فيه الركوع ألا ترى أنه لو ابتدأ الركوع في تلك الحال لم يكن راكعا لان فرضه أن يركع قائما لا غير قائم ولو عاد فقام راكعا كما هو فأدركه رجل فركع
معه في تلك الحال لم تجزه تلك الركعة لانه قد خرج من الركوع الاول حين زايل القيام واستأنف ركوعا غير الاول قبل سجوده (2) وإذا كان الرجل إماما فسمع حس رجل خلفه لم يقم راكعا له ولا يحبسه ]
__________
(1) قوله: وإن لم يرفع كذا في النسخ بالفاء وهو تحريف من الناسخ ولعله " وإن لم يرجع " بالجيم، من الرجوع وهو العود تأمل اه.
(2) قوله: وإذا كان الرجل إماما فسمع حس رجل خلفه الخ هذا صريح في أنه لا ينتظر ونقل المزني عن بعضهم رواية عن الامام أنه لا بأس بالانتظار والمشهور في كتب المتأخرين أنه يسن انتظار الداخل لله تعالى في ركوع أو تشهد أخير ما لم يبالغ في الانتظار ولم يميز بين الداخلين وإلا كره كتبه مصححه.(1/134)
[ في الصلاة شئ انتظارا لغيره ولا تكون صلاته كلها إلا خالصا لله عزوجل لا يريد بالمقام فيها شيئا إلا هو عزوجل.
باب القول عند رفع الرأس من الركوع أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ويقول الامام والمأموم والمنفرد عند رفعهم رؤوسهم من الركوع سمع الله لمن حمده فإذا فرغ منها قائلها أتبعها فقال ربنا ولك الحمد وإن شاء قال اللهم ربنا لك الحمد ولو قال لك الحمد ربنا اكتفى والقول الاول اقتداء بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى ولو قال من حمد الله سمع له لم أر عليه إعادة وأن يقول سمع الله لمن حمده اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن أبى رواد ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الاعرج عن عبيد الله بن أبى رافع عن علي بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع في الصلاة المكتوبة قال: اللهم ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد وإن لم يزد على أن يركع ويرفع ولم يقل شيئا كرهت ذلك له ولا إعادة عليه
ولا سجود سهو.
باب كيفية القيام من الركوع أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عجلان عن على بن يحيى عن رفاعة ابن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن لركوعك فإذا رفعت فأقم صلبك وأرفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها (قال الشافعي) ولا يجزى مصليا قدر على أن يعتدل قائما إذا رفع رأسه من الركوع شئ دون أن يعتدل قائما إذا كان ممن يقدر على القيام وما كان من القيام دون الاعتدال ولم يجزئه (قال الشافعي) ولو رفع رأسه فشك أن يكون اعتدل ثم سجد أو طرحه شئ عاد فقام حتى يعتدل ولم يعتد بالسجود حتى يعتدل قائما قبله وان لم يفعل لم يعتد بتلك الركعة من صلاة ولو ذهب ليعتدل فعرضت له علة تمنعه الاعتدال فسجد أجزأت عنه تلك الركعة من صلاته لانه لم يكن ممن يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه قبل السجود فعليه أن يعود معتدلا لانه لم يدع القيام كله بدخوله في عمل السجود الذى يمنعه حتى صار يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع وإن فعل فعليه سجود السهو لانه زاد في صلاته ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له القول ثم يهوى ساجدا أو يأخذ في التكبير فيهوى وهو فيه (1) ] *
__________
(1) قوله وبعد أن يصل الخ كذا في النسخ ولعله محرف عن إلى أن يصل الخ وقوله لان القراءة من عمل الصلاة كذا فيها أيضا ولعله علة لشئ سقط من الناسخ والاصل بخلاف ما لو أطال القيام بالقراءة لان الخ تأمل.(1/135)
[ وبعد أن يصل إلى الارض ساجدا مع انقضاء التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك أو كبر معتدلا أو ترك التكبير كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عزوجل يدعو وساهيا وهو لا ينوى به القنوت كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو لان القراءة من عمل الصلاة في غير هذا الموضع وهذا الموضع موضع ذكر غير قراءة فإن زاد فيه فلا يوجب عليه سهوا
ولذلك لو أطال القيام ينوى به القنوت كان عليه سجود السهو لان القنوت عمل معدود من عمل الصلاة فإذا عمله في غير موضعه أوجب عليه السهو.
باب كيف السجود أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وأحب أن يبتدئ التكبير قائما وينحط مكانه ساجدا ثم يكون أول ما يضع على الارض منه ركبتيه ثم يديه ثم وجهه وإن وضع وجهه قبل يديه أو يديه قبل ركبتيه كرهت ذلك ولا إعادة ولا سجود سهو عليه ويسجد على سبع وجهه وكفيه وركبتيه وصدور قدميه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد منه على سبع يديه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه وجبهته ونهى أن يكفت الشعر والثياب قال سفيان وزادنا فيه ابن طاوس فوضع يديه على جبهته ثم أمرها على أنفه حتى بلغ طرف أنفه وكان أبى يعد هذا واحدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا عمرو بن دينار سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يسجد منه على سبع ونهى أن يكفت شعره أو ثيابه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن العباس ابن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه (قال الشافعي) وكمال فرض السجود وسنته أن يسجد على جبهته وأنفه وراحتيه وركبتيه وقدميه وإن سجد على جبهته دون أنفه كرهت ذلك له وأجزأه لان الجبهة موضع السجود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسحق بن عبد الله عن يحيى بن على ابن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة أو عن رفاعة بن رافع بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا سجد أن يمكن وجهه من الارض حتى تطمئن مفاصله ثم يكبر فيرفع رأسه ويكبر فيستوى قاعدا يثنى قدميه حتى يقيم صلبه ويخر ساجدا حتى يمكن وجهه بالارض وتطمئن مفاصله فإذا لم يصنع هذا أحدكم لم تتم صلاتة (قال الشافعي) ولو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة لانه ساجد على جبهته ولو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه لان الجبهة موضع
السجود وإنما سجد والله أعلم على الانف لاتصاله بها ومقاربته لمساويها ولو سجد على خده أو على صدغه لم يجزه السجود لان الجبهة موضع السجود ولو سجد على رأسه ولم يمس شيئا من جبهته الارض لم يجزه السجود وإن سجد على رأسه فماس شيئا من جبهته الارض أجزأه السجود إن شاء الله تعالى ولو سجد على جبهته ودونها ثوب أو غيره لم يجزه السجود إلا أن يكون جريحا فيكون ذلك عذرا ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرق فماس شيئا من جبهته على الارض أجزأه ذلك لانه ساجد وشئ من جبهته على الارض وأحب أن يباشر راحتيه الارض في البرد والحر فإن لم يفعل وسترها من حر أو برد وسجد(1/136)
عليها فلا إعادة عليه ولا سجود سهو (قال الشافعي) ولا أحب هذا كله في ركبتيه بل أحب أن تكون ركبتاه مستترتين بالثياب ولا أحب أن يخفف عن ركبتيه من الثياب شيئا لانى لا أعلم أحدا أمر بالافضاء بركبتيه إلى الارض وأحب إذا لم يكن الرجل متخففا أن يفضى بقدميه إلى الارض ولا يسجد منتعلا " فتحول النعلان بين قدميه والارض فإن أفضى بركبتيه إلى الارض أو ستر قدميه من الارض فلا شئ عليه لانه قد يسجد منتعلا متخففا ولا يفضى بقدميه إلى الارض (قال الشافعي) وفى هذا قولان أحدهما أن يكون عليه أن يسجد على جميع أعضائه التى أمرته بالسجود عليها وبكون حكمها غير حكم الوجه في أن له أن يسجد عليها كلها متغطية فتجزيه لان اسم السجود يقع عليها وإن كانت محمولا دونها بشئ (1) فمن قال هذا قال إن ترك جبهته فلم يوقعها الارض وهو يقدر على إيقاعه الارض فلم يسجد كما إذا ترك جبهته فلم يوقعها الارض وهو يقدر على ذلك فلم يسجد وإن سجد على ظهر كفيه لم يجزه لان السجود على بطونها وكذلك إن سجد على حروفها وإن ماس الارض ببعض يديه أصابعهما أو بعضهما أو راحتيه أو بعضهما أو سجد على ما عدا جبهته متغطيا أجزأه وهكذا هذا في القدمين والركبتين (قال الشافعي) وهذا مذهب يوافق الحديث والقول الثاني أنه إذا سجد على جبهته أو على شئ منها دون ما سواها أجزأه لانه إنما قصد بالسجود قصد الوجه تعبد الله تعالى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سجد وجهى للذى خلقه وشق سمعه وبصره وأنه أمر بكشف الوجه ولم يأمر بكشف ركبة ولا قدم ولو أن رجلا هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ثم انقلب على وجهه فماست
جبهته الارض لم يعتد بهذا السجود لانه لم يرده ولو انقلب يريده فماست جبهته الارض أجزأه السجود وهكذا لو هوى على وجهه لا يريد سجودا فوقع على جبهته لم يعتد بهذا له سجودا ولو هوى يريد السجود وكان على ارادته فلم يحدث ارادة غير إرادته السجود أجزأه السجود ولا يجزيه إذا سجد السجدة الاولى إلا أن يرفع رأسه ثم يستوى قاعدا حتى يعود كل عضو منه إلى مفصله ثم ينحط فيسجد الثانية فإن سجد الثانية قبل هذا لم يعدها سجدة لما وصفت من حديث رفاعة بن رافع وعليه في كل ركعة وسجدة من الصلاة ما وصفت وكذلك كل ركعة وقيام ذكرته في الصلاة فعليه فيه من الاعتدال والفعل ما وصفت.
باب التجافي في السجود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى روى عبد الله بن أبى بكر عن عباس بن سهل عن أبى حميد بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه وروى صالح مولى التوأمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يرى بياض إبطيه مما يجافى بدنه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن داود بن قيس الفراء عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعى عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاع من نمرة أو النمرة شك الربيع ساجدا فرأيت بياض إبطيه (قال الشافعي) وهكذا أحب للساجد أن يكون متخويا والتخوية أن يرفع صدره عن فخذيه وأن يجافى مرفقيه وذراعيه عن جنبيه حتى إذا لم يكن عليه ما يستر تحت منكبيه رأيت عفرة إبطيه ولا يلصق إحدى ركبتيه بالاخرى ويجافى رجليه ويرفع ظهره ولا يحدودب ولكنه ]
__________
(1) قوله فمن قال هذا قال الخ كذا في النسخ وليحرر.
كتبه مصححه.(1/137)
[ يرفعه كما وصفت غير أن يعمد رفع وسطه عن أسفله وأعلاه (قال الشافعي) وقد أدب الله تعالى النساء بالاستتار وأدبهن بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب للمرأة في السجود أن تضم بعضها إلى بعض وتلصق بطنها بفخذيها وتسجد كأستر ما يكون لها وهكذا أحب لها في الركوع والجلوس وجميع الصلاة أن تكون فيها كأستر ما يكون لها وأحب أن تكفت جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة عليها لئلا تصفها ثيابها
(قال الشافعي) فكل ما وصفت أختيار لهما كيفما جاءا معا بالسجود والركوع أجزأهما إذا لم يكشف شئ منهما.
باب الذكر في السجود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابراهيم بن محمد قال أخبرني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال " اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت أنت ربى سجد وجهي للذى خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن سعد عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا إنى نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب " لكم أخبرنا الربيع قال أخبرني الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال " أقرب ما يكون العبد من الله عزوجل إذا كان ساجدا ألم ترا إلى قوله عز ذكره واسجدوا قترب " يعنى افعل واقرب (قال الشافعي) ويشبه ما قال مجاهد والله تعالى أعلم ما قال واحب أن يبدأ الرجل في السجود بان يقول سبحان ربي الاعلى ثلاثا ثم يقول ما حكيت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوله في سجوده ويجتهد في الدعاء فيه رجاء الاجابة ما لم يكن إماما فيثقل على من خلفه أو مأموما فيخالف إمامه ويبلغ من هذا إماما ما لم يكن ثقلا ومأموما ما لم يخالف الامام (قال الشافعي) وإن ترك هذا تارك كرهته له ولا إعادة عليه ولا سجود سهو عليه والرجل والمرأة في الذكر والصلاة سواء ولكن آمرها بالاستتار دونه في الركوع والسجود بان تضم بعضها إلى بعض وإذا أخذ الرجل في رفع رأسه من السجود ووضعه أخذ في التكبير وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية أخذ في التكبير وانحط فيكون منحطا للسجود مكبرا حتى يكون انقضاء تكبيره مع سجوده ثم إذا أراد القيام من السجدة الثانية كبر مع رفع رأسه حتى يكون انقضاء تكبيره مع قيامه وإذا أراد الجلوس للتشهد قبل ذلك حذف التكبير حتى يكون انقضاؤه مع استوائه جالسا وإن ترك التكبير في الرفع والخفض والتسبيح والدعاء في السجود والقول الذى أمرته به عند رفع رأسه من السجود ترك فضلا ولا إعادة
عليه ولا سهو عليه لانه قد جاء بالركوع والسجود.
باب الجلوس إذا رفع من السجود بين السجدتين والجلوس من الآخرة للقيام والجلوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى محمد بن عمرو بن(1/138)
حلحلة أنه سمع عباس ابن سهل الساعدي يخبر عن أبى حميد الساعدي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في السجدتين ثنى رجله اليسرى فجلس عليها ونصب قدمه اليمنى وإذا جلس في الاربع أماط رجليه عن وركه وأفضى بمقعدته الارض ونصب وركه اليمنى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبى حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله (قال الشافعي) وبهذا كله نقول فنأمر كل مصل من الرجال والنساء ان يكون جلوسه في الصلوات ثلاث جلسات إذا رفع رأسه من السجود لم يرجع على عقبه وثنى رجله اليسرى وجلس عليها كما يجلس في التشهد الاول وإذا أراد القيام من السجود أو الجلوس اعتمد بيديه معا على الارض ونهض ولا أحب أن ينهض بغير اعتماد فإنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتمد على الارض إذا أراد القيام (قال الشافعي) وكذلك أحب إذا قام من التشهد ومن سجدة سجدها لسجود في القرآن وشكر وإذا أراد الجلوس في مثنى جلس على رجله اليسرى مثنية يماس ظهرها الارض ونصب رجله اليمنى ثانيا أطراف أصابعها وبسط يده اليسرى على فخذه اليسرى وقبض أصابع يده اليمنى على فخذه اليمنى إلا المسبحة والابهام وأشار بالمسبحة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن مسلم بن أبى مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوى قال رأني ابن عمر وأنا أعبث بالحصا فلما انصرف نهانى وقال اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقلت وكيف كان يصنع؟ قال كان إذا جلس في الصلاه وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التى تلى الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذي اليسرى وإذا جلس في الرابعة أخرج رجليه معا من تحته وأفضى بأليتيه إلى الارض وصنع بيديه كما صنع في الجلسة التي قبلها وإذا جلس في الصبح فلها جلسة واحدة
وهى آخره أولى فيجلسها الجلسة الاخيرة أولى وإن فاتته منها ركعة جلس مع الامام فيها جلستين فجلس الاولى جلوس الاولى والآخرة جلوس الآخرة وإذا فاته منه ركعة وأكثر وجلس مع الامام في الصلاة جلستين وأكثر جلس في كل واحدة منهن جلوس الاولى وجلس في الآخرة جلوس الآخرة وكيفما جلس عامدا عالما أو جاهلا أو ناسيا فلا إعادة عليه ولا سجود للسهو والاختيار له ما وصفت وإذا كانت به علة فاستطاع أن يقارب في الجلوس الاول والثاني ما وصفت أحببت له مقاربته.
باب القيام من الجلوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى عن أيوب عن أبى قلابة قال جاءنا مالك بن الحويرث فصلى في مسجدنا وقال والله إني لاصلي وما أريد الصلاة ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فذكر أنه يقوم من الركعة الاولى وإذا أراد أن ينهض قلت كيف قال مثل صلاتي هذه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبى قلابة مثله غير أنه قال وكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الاخرة في الركعة الاولى فاستوى قاعدا قام واعتمد على الارض (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فنأمر من قام من سجود أو جلوس في الصلاة أن يعتمد على الارض بيديه معا أتباعا للسنة فإن ذلك أشبه للتواضع وأعون للمصلي على الصلاة وأحرى أن لا ينقلب ولا يكاد ينقلب وأي قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا إعادة فيه عليه ولا سجود سهو لان هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر(1/139)
بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها وذلك مثل الجلوس والخشوع والاقبال على الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو.
باب التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبى الزبير المكي عن سعيد ابن جبير وطاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله (قال الربيع) وحدثناه يحيى بن حسان (قال الشافعي) وبهذا نقول وقد رويت في التشهد أحاديث مختلفة كلها فكان هذا أحبها إلي لانه أكملها أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) فرض الله عزوجل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (قال الشافعي) فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفت من أن الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فرض في الصلاة والله تعالى أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى صفوان بن سليم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة انه قال يا رسول الله كيف نصلى عليك يعنى في الصلاة قال قولوا " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون على " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (قال الشافعي) فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز والله تعالى أعلم أن نقول التشهد واجب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة والخبر فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم زيادة فرض القرآن (قال الشافعي) فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض أن يتعلم التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها وان تشهد ولم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتشهد فعليه الاعادة حتى يجمعهما جميعا وإن كان لا يحسنهما على وجههما أتى بما أحسن منهما ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أحسنهما فأغفلهما أو عمد تركهما فسدت وعليه الاعادة فيهما جميعا والتشهد والصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم (1) في التشهد الاول في كل صلاة غير الصبح تشهدان تشهد أول وتشهد آخر، إن ترك التشهد الاول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاول ساهيا لا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو ]
__________
(1) قوله في التشهد الاول كذا في النسخ، ولعله من زيادة الناسخ تأمل.(1/140)
[ لتركه ومن ترك التشهد الآخر ساهيا أو عامدا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون تركه إياه قريبا فيتشهد هذا كله واحد لا تجزى أحدا صلاة إلا به سها عنه أو عمده ويغنى التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة عن التشهد قبله ولا يكون على صاحبه إعادة ولا يغنى عنه ما كان قبله من التشهد ولو فاتته ركعة من المغرب وأدرك الامام يتشهد في ثانية فتشهد معه ثم تشهد معه في ثالثة ثم تشهد لنفسه في الثالثة فكان قد تشهد في المغرب ثلاث مرات (1) ثم ترك التشهدة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر صلاته لم يجزه ما مضى من التشهدين وإنما فرقت بين المتشهدين أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الثانية فلم يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذي يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد الاول في أن ليس لاحد قيام منه إلا الجلوس (قال الشافعي) ولو لم يزد رجل في التشهد على أن يقول التحيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وصلى على رسول الله كرهت له ذلك ولم أر عليه إعادة لانه قد جاء باسم تشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله والتشهد في الاولى والثانية لفظ واحد لا يختلف وكذلك من فاتته ركعة مع الامام تشهد مع الامام كما تشهد وإن كان موضع تركه من صلاته ولا يترك التشهد في حال وإذا أدرك الامام جالسا تشهد بما قدر عليه وقام حين يقوم الامام وإن سها عن التشهد مع الامام في جميع تشهد الامام وتشهد في آخر صلاته فلا إعادة عليه وكذلك لو ترك التشهد (2) مع الامام منفردا وتشهد في آخر صلاته أجزأته ومعنى قولى يجزئه التشهد بأن يجزئه التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزيه أحدهما دون الآخر وإن اقتصرت في بعض الحالات فذكرت التشهد منفردا ولو أدرك الصلاة مع الامام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الامام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم
مع الامام ساهيا وخرج (3) بعد مخرج أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر ثم جلس وتشهد وسجد للسهو وسلم (4).
]
__________
(1) قوله ثم ترك التشهد كذا في النسخ ولعل هنا سقطا والوجه والله اعلم تمت صلاته ولو ترك الخ وتأمل.
(2) قوله مع الامام منفردا كذا في النسخ ولعل لفظ مع الامام زيادة من الناسخ اه كتبه مصححه.
(3) قوله بعد مخرجه قال السراج البلقينى: كذا وقع في نسخة الام بعد بغير عطف واللائق وبعد مخرجه بدليل قوله بعد ذلك وإن قرب اه ومراده بيان أن بعد فعل ماض من البعد نقيض القرب ويحتاج إلى عطف اه كتبه مصححه.
(4) وفى اختلاف الحديث " باب في التشهد " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة وهو يحيى ابن حسان عن ليث بن سعد عن أبى الزبير عن طاوس وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله (قال الربيع) هذا حدثنا به يحيى بن حسان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد روى أيمن بن نابل بإسناد له عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم =(1/141)
[ باب القيام من اثنتين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن بن شهاب عن الاعرج عن عبد الله بن بحينة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن الاعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ]
= تشهدا يخالف هذا في بعض حروفه وروى البصريون عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا يخالفهما في بعض حروفهما وروى الكوفيون عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد حديثا يخالفها كلها في بعض حروفها وهى مشتبهة متقاربة واحتمل أن تكون كلها ثابتة وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الجماعة والمنفردين التشهد فيحفظه أحدهم على لفظه ويحفظه الآخر على لفظ يخالفه لا يختلفان في معنى انه أريد به تعظيم الله جل ثناؤه وذكره والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقر النبي صلى الله عليه وسلم كلا على ما حفظ وإن زاد بعضهم كلمة على بعض أو تلفظ بها بغير لفظة لانه ذكر (قال الشافعي) وقد اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض لفظ القرآن عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في معناه فأقرهم وقال هكذا أنزل إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه فما سوى القرآن من الذكر أولى أن يوسع هذا فيه إذا لم يختلف المعنى (قال الشافعي) وليس لاحد أن يعمد أن يكف عن قراءة حرف من القرآن إلا بنسيان وهذا في التشهد في جميع الذكر أخف (قال الشافعي) وإنما قلنا بالتشهد الذى روى عن ابن عباس لانه أتمها وإن فيه زيادة على بعضها بالمباركات وفى اختلاف مالك والشافعي ترجمة في التشهد وفيها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال اخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر التشهد (قال الشافعي) وخالفته إلى قول عمر فإذا كان التشهد وهو من الصلاة وعلم العامة مختلفا فيه بالمدينة يخالف فيه ابن عمر عمر وعمر تخالفه عائشة فأين الاجماع والعمل ما كان ينبغي لشئ أن يكون أولى مجتمعا عليه من التشهد وما روى فيه مالك صاحبك إلا ثلاثة أحاديث مختلفة كلها حديثان منها يخالفان فيها عمر وعمر يعلمهم التشهد على المنبر ثم يخالفه فيها ابنه وعائشة وكيف يجوز إن ادعى أن يكون الحاكم إذا حكم أو قال أو عمل أجمع عليه بالمدينة وما يجوز أدعاء الاجماع إلا بخبر ولو ذهب ذاهب يجيزه كانت هذه الاحاديث ردا لاجازته.
قال السراج البلقيني رحمه الله تعالى ذكر الامام الشافعي رضى الله عنه في هاتين الترجمتين أحاديث جمع من الصحابة ونحن نذكرها واحدا واحدا أما حديث ابن عباس فقد تقدم الكلام عليه وأما حديث جابر بن عبد الله الذى رواه أيمن بن نابل فرواه النسائي وابن ماجه بإسنادهما عن أيمن بن نابر عن أبى الزبير عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا
التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أسأل الله الجنة واعوذ به من النار.
ايمن بن نابل هذا أخرج له البخاري لكن قال يعقوب بن شبرمة إنه ضعيف وقال الدار قطني ليس بالقوى يخالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد وأما =(1/142)
[ ذلك (قال الشافعي) فبهذا قلنا إذا ترك المصلى التشهد الاول لم يكن عليه إعادة وإذا أراد الرجل القيام من اثنتين ثم ذكر جالسا ثم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو فإن قام من الجلوس الآخر عاد فجلس فتشهد وسجد سجدتين للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان سها عن شئ من الصلاة أتمه وسجد للسهو رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة ولو جلس مثنى ولم يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف فيبعد أعاد الصلاة لان الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر القراءة ولم يقرأ لم ] = حديث أبى موسى الاشعري فأخرجه مسلم في صحيحه ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم " التحيات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " وأما حديث ابن مسعود فأخرجه البخاري ومسلم بإسنادهما إلى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم فليقل " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأما ما أشار إليه الشافعي في اختلافه مع مالك من رواية ابن عمر في التشهد فقد رويناه في موطأ يحيى بن يحيى في ترجمة التشهد في الصلاة عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتشهد ويقول بسم الله التحيات لله الصلوات لله الزاكيات لله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين شهدت أن لا إله إلا الله وشهدت أن محمدا رسول الله يقول " هذا في الكعتين الاولتين ويدعو
إذا قضى تشهده بما بدا له فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضا إلا أنه يقوم التشهد ثم يدعو ما بدا له فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم قال السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم عن يمينه يرد على الامام فإن سلم عليه أحد عن يساره رد عليه وقول الشافعي رحمه الله تعالى: وخالفته يخاطب الربيع إلى قول عمر فقول عمر ما رويناه في موطأ يحيى بن يحيى في الترجمة المذكورة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارى أنه سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول قولوا " التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " وأما تشهد عائشة فرويناه في الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول إذا تشهدت " التحيات الطيبات والصلوات الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم " عقب يحيى بن يحيى هذا بما رويناه عنه عن مالك عن يحيى ابن سعيد عن القاسم بن محمد انه أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول إذا تشهدت " التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم " وما تقدم في تشهد عمر الذى قاله على المنبر ليس فيه وبركاته وهذا يدل على أنها لا تعتبر في الاجزاء كما تقدم أنه المعتمد.(1/143)
يجزه القيام ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم أو راكع أو متقاصر غير جالس لم يجزه كما لو قرأ وهو جالس لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا يجزئ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من التشهد حتى يأتي بهما جميعا.
باب قدر الجلوس في الركعتين الاوليين والاخريين والسلام في الصلاة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا إسمعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه وعن يساره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي عبسدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين كأنه على الرضف قلت حتى يقوم قال داك يريد (1) (قال الشافعي) ففى هذا والله تعالى أعلم دليل على أن لا يزيد في الجلوس الاول على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك آمره فإن كرهته ولا أعادة ولا سجود للسهو عليه (قال) وإذا وصف إخفافه في الركعتين الاوليين ففيه والله تعالى أعلم دليل على أنه كان يزيد في الركعتين الاخريين على قدر جلوسه في الاوليين فلذلك أحب لكل مصل أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله وتحميده ودعاءه في الركعتين الاخيرتين وأرى أن تكون زيادته ذلك إن كان إماما في الركعتين الآخرتين أقل من قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كرهت ذلك له ولا سجود للسهو ولا إعادة عليه (قال) وأرى في كل حال للامام أن يزيد التشهد والتسبيح والقراءة أو يزيد فيها شيئا بقدر ما يرى أن من وراءه ممن يثقل لسانه قد بلغ أن يؤدي ما عليه أو يزد وكذلك ]
__________
(1) قال السراج البلقيني: حديث ابن مسعود هذا منقطع أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه شيئا وأبو عبيدة يقال اسمه عامر ويقال اسمه كنيته والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
أبو داود عن حفص عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبى عبيدة عن ابن مسعود والترمذي عن محمود ابن غيلان عن أبى داود عن شعبة عن سعد بن إبراهيم وقال الترمذي حديث حسن والنسائي عن الهيثم بن أيوب الطالقاني عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبى عبيدة عن ابن مسعود، فإن قيل كيف احتج به الشافعي وهو منقطع وقد قال عمرو بن مرة: سألته هل يذكر من عبد الله شيئا؟ قال لا، فالجواب أنه إذا لم ينقل في ذلك خلاف كان ذلك عاضدا للخبر وقد قال الترمذي: إن العمل على هذا عند أهل العلم لكن سبق عن ابن عمر ما يخالف هذا من رواية مالك من تشهده على أن أبا داود روي انه مات عبد الله بن مسعود وأبو عبيدة ابن سبع سنين فسماعه ممكن وتحمل رواية عمرو
بن مرة على شئ خاص.(1/144)
[ أرى له في القراءة وفى الخفض والرفع أن يتمكن ليدركه الكبير والضعيف والثقيل وإن لم يفعل فجاء بما عليه بأخف الاشياء كرهت ذلك له ولا سجود للسهو ولا إعادة عليه.
باب السلام في الصلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه وعن يساره (1) اخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني غير واحد من أهل العلم عن إسماعيل بن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن اسحاق ابن عبد الله عن عبد الوهاب بن بخت عن واثلة بن الاسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (3) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا أبو علي أنه سمع عباس بن سهل يحدث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم إذا فرغ من صلاته عن يمينه وعن يساره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه ويساره (4) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن ابن حبان عن عمه واسع قال مرة عن عبد الله بن عمر ومرة عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره (5) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن ابن القبطية عن جابر بن سمرة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سلم قال أحدنا بيده عن يمينه وعن شماله السلام عليكم السلام عليكم واشار بيده عن يمينه وعن ]
__________
(1) قال السراج البلقينى هذا الحديث تقدم الكلام عليه في أول الترجمة التي قبل هذه الترجمة وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم كما تقدم وقوله في هذه الرواية إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى
وقاص وقد ذكر إسماعيل هذا الحديث عند الزهري فقال الزهري: هذا حديث لم أسمعه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إسماعيل: كل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت قال الزهري: لا، قال: فثلثيه؟ قال لا، قال: فنصفه؟ فوقف الزهري عند النصف أو عند الثلث فقال له إسماعيل اجعل هذا الحديث فيما لم تسمع.
(2) قال السراج البلقينى هكذا وقع في نسخة الام عن إسماعيل بن عامر وهو خطأ من الناسخ، إنما هو إسماعيل عن عامر وقد سبق في روايتين على الصواب وهو في المسند على الصواب.
(3) قال السراج البلقينى حديث واثلة هذا لم أقف عليه في غير كلام الشافعي رحمه الله تعالى وعبد الوهاب بن بخت الراوى عن واثلة ثقة وثقة بن معين وغيره وبخت والد عبد الوهاب هو بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وآخره تاء ثالث الحروف وإسحاق بن عبد الله الراوي عنه هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدنى وهو متروك، والحجة من الحديث الذي قبله كافية.
(4) قال السراج البلقينى: قلت أخرجه البيهقى بإسناده إلى ابن جريج.
(5) قال السراج البلقيني: أشار إليه البيهقى وحكم للذى قبله بالحجة.(1/145)
[ شماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما بالكم تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس أو لا يكفى أو إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله " (1) (قال الشافعي) وبهذه الاحاديث كلها نأخذ فنأمر كل مصل أن يسلم تسليمتين إماما كان أو مأموما أو منفردا ونأمر المصلى خلف الامام إذا لم يسلم الامام تسليمتين أن يسلم هو تسليمتين ويقول في كل واحدة منهما السلام عليكم ورحمة الله ونأمر الامام أن ينوى بذلك من عن يمينه في التسليمة الاولى وفى التسليمة الثانية من عن يساره ونأمر بذلك المأموم وينوى الامام في أي الناحيتين كان وإن كان بحذاء الامام نواه في الاولى التي عن يمينه وإن نواه في الآخرة لم يضره وإن عزبت عن الامام أو المأموم النية وسلما السلام عليكم على الحفظة والناس وسلما لقطع الصلاة فلا يعيد واحد منهما سلاما ولا صلاة ولا يوجب ذلك عليه سجود سهو وإن اقتصر رجل على تسليمة فلا إعادة
عليه وأقل ما يكفيه من تسليمه أن يقول السلام عليكم فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلم وإن لم يفعل حتى قام عاد فسجد للسهو ثم سلم وإن بدأ فقال: عليكم السلام، كرهت ذلك له، ولا إعادة في الصلاة عليه، لانه ذكر الله وإن ذكر الله عزوجل لا يقطع الصلاة (2).
الكلام في الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبى النجود عن أبى وائل عن عبد الله قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة قبل أن نأتى أرض الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لاسلم عليه فوجدته يصلى فسلمت عليه فلم يرد على فأخذني ما قرب وما بعد فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله عزوجل أن لا تتكلموا في الصلاة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم في صحيحه، وابن القبطية هو عبيد الله.
(2) قال السراج البلقينى قال جمع كثير من الاصحاب إن ظاهر هذا النص أنه يجزئه في الاسلام هذا وقال آخرون بل ظاهر هذا النص أنه لا يجزئ هذا في الاسلام لانه قال لم تقطع صلاته فأخبر أنها لم تقطع ولم يقل خرج به من الصلاة وأيد الشيخ أبو حامد الاول بأنه لو لم يخرج به من الصلاة لوجب أن تبطل صلاته لانه قد اتى بالسلام في غير موضعه ويجاب عن الذى ذكره الشيخ أبو حامد بأن هذا أصدره في موضعه على أنه سلام بخلاف من أصدره في غير موضعه وقد ذكر الماوردى فيها قولين فذكر هذا ونسبه إلى القديم قال وقال في موضع آخر لا يجزئه فخرجه أصحابنا على قولين والموجود في غير كلام الماوردى إثبات ذلك وجهين أو طريقين بالنظر إلى ما نص عليه في التكبير أنه لا يجزئ إذا قدم فقال أكبر الله وما نص عليه هنا على مقتضى قولهم ففرق قوم بأن هذا يعد سلاما بخلاف التكبير ورجح هذا ومنهم من أثبت الخلاف وعلى الجملة فالمعنى محتملة وهو إلى الجواز أقرب وهو المعتمد عند جمع من أئمة المذهب ويكون قول الشافعي ولا إعادة عليه باعتبار أنه خاطب بقوله عليكم قبل السلام واعلم أنه يستثنى من خطاب البشر المبطل للصلاة قول المصلى عند السلام السلام عليكم فإنه عند
الخطاب مصل وكذلك إذا قدم عليكم(1/146)
[ أخبرنا مالك بن أنس عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أصدق ذو اليدين؟ " فقال الناس: نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين آخرتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد قال سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال " أصدق ذو اليدين؟ " وقالوا نعم فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقى من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم (2) اخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفى عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال سلم النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضبا يجر رداءه فسأل فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ فنقول إن حتما أن لا يعمد أحد للكلام في الصلاة وهو ذاكر لانه فيها فإن فعل انتقضت صلاته وكان عليه أن يستأنف صلاة غيرها لحديث ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من أهل العلم (قال الشافعي) ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها أو نسى أنه في صلاة فتكلم فيها بنى على صلاته وسجد للسهو (3) ولحديث ذى اليدين وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى أنه في غير صلاة والكلام في غير الصلاة مباح وليس يخالف حديث ابن مسعود حديث ذى اليدين، وحديث ابن مسعود في الكلام جملة ودل حديث ذى اليدين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين الكلام العامد والناسى لانه في صلاة، أو المتكلم وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة.
]
*
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث ذى اليدين أخرجه الصحيحان من حديث أبى هريرة، البخاري من حديث مالك عن أيوب من طريق الشعبى وعبد الله بن يوسف وإسمعيل بن أبى أويس وأخرجه مسلم من غير هذا الطريق وسيأتى.
(2) قال السراج البلقينى: هذا الحديث من هذا الطريق أخرجه مسلم في صحيحه من حديث قتيبة عن مالك كذلك وأبو سفيان قال الدارقطني اسمه وهب وقال غيره: اسمه قزمان وهو مولى عبد الله ابن أبى أحمد بن جحش وقضية الاخذ بهذا الحديث أن سجود السهو للزيادة يكون بعد السلام ولكن لا يثبت هذا القول بتنجزة ما ذكر هنا فإن الشافعي قد بين الاخذ ولم يذكر فيه هذا.
(3) قال السراج البلقينى: قوله ولحديث ذى اليدين معطوف على قوله لحديث ابن مسعود وأعاد العامل لطول الفصل وهذا الكلام مذكور في حديث ذى اليدين لا يضر اتفقت نصوصه على ذلك، وأما ما ذكر من أنه إذا كثر الكلام بطلت الصلاة على ما صححوه وأنه لا بد في الكثرة أن تكون زائدة على ما في حديث ذى اليدين ففى البويطى قبيل الرهن وقدر التطاول في هذه الاشياء وفيمن نسى ركعة قدر الوقت الذي كلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين ورد عليه، ومراد الشافعي، الزائد على ذلك.(1/147)
[ الخلاف في الكلام في الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في الكلام في الصلاة وجمع علينا فيها حججا ما جمعها علينا في شئ غيره إلا في اليمين مع الشاهد ومسألتين أخريين (قال الشافعي) فسمعته يقول حديث ذي اليدين حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ قط أشهر منه ومن حديث " العجماء جبار " وهو أثبت من حديث " العجماء جبار " ولكن حديث ذى اليدين منسوخ فقلت: ما نسخه؟ قال حديث ابن مسعود ثم ذكر الحديث الذى بدأت به الذي فيه إن الله عزوجل يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة (قال الشافعي) فقلت له والناسخ إذا اختلف الحديثان الآخر منهما قال نعم فقلت له: أو لست
تحفظ في حديث ابن مسعود هذا ان ابن مسعود مر على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال فوجدته يصلى في فناء الكعبة وأن ابن مسعود هاجر إلى أرض الحبشة ثم رجع إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا؟ قال بلى (قال الشافعي) فقلت له فإذا كان مقدم ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان عمران ابن حصين يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جذعا في مؤخر مسجده أليس تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده إلا بعد هجرته من مكة؟ قال بلى، قلت: فحديث عمران بن حصين يدلك على أن حديث ابن مسعود ليس بناسخ لحديث ذى اليدين وأبو هريرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلا أدرى ما صحبة أبى هريرة، قلت: له قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث عمران الذى لا يشكل عليك وأبو هريرة إنما صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقال أبو هريرة صحبت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثلاث سنين أو أربعا " قال الربيع أنا شككت " وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم ابن مسعود وقبل أن يصحبه أبو هريرة، أفيجوز أن يكون حديث ابن مسعود ناسخت لما بعده؟ قال: لا (قال الشافعي) وقلت له: ولو كان حديث ابن مسعود مخالفا حديث أبى هريرة وعمران بن الحصين كما قلت وكان عمد الكلام وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا تكلمت وأنت ترى أنك أكملت الصلاة أو نسيت الصلاة كان حديث ابن مسعود منسوخا وكان الكلام في الصلاة مباحا ولكنه ليس بناسخ ولا منسوخ ولكن وجهه ما ذكرت من أنه لا يجوز الكلام في الصلاة على الذكر أن المتكلم في الصلاة وإذا كان هكذا تفسد الصلاة وإذا كان النسيان والسهو وتكلم وهو يرى أن الكلام مباح بأن يرى أن قد قضى الصلاة أو نسى أنه فيها لم تفسد الصلاة (قال محمد بن إدريس) فقال وأنتم تروون أن ذا اليدين قتل ببدر (قلت) فاجعل هذا كيف شئت أليست صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حديث عمر أن بن الحصين والمدينة أنما كانت بعد حديث ابن مسعود بمكة قال بلى (قلت) وليس لك إذا كان كما أردت فيه حجة لما وصفت وقد كانت بدر بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بستة عشر شهرا (قال) أفذو اليدين الذي رويتم عنه المقتول ببدر (قلت) لا عمر ان يسميه الخرباق ويقول قصير اليدين أو مديد اليدين والمقتول ببدر
ذو الشمالين ولو كان كلاهما ذو اليدين كان اسما يشبه أن يكون وافق اسما كما تتفق الاسماء (قال الشافعي) فقال بعض من يذهب مذهبه فلنا حجة أخرى قلنا: وما هي؟ قال إن معاوية بن الحكم حكى أنه تكلم في الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام بني آدم(1/148)
(قال الشافعي) فقلت له فهذا عليك ولا لك إنما يروى مثل قول ابن مسعود سواء والوجه فيه ما ذكرت (قال) فإن قلت هو خلافه (قلت) فليس ذلك لك ونكلمك عليه فإن كان أمر معاوية قبل أمر ذي اليدين فهو منسوخ ويلزمك في قولك أن يصلح الكلام في الصلاة كما يصلح في غير غيرها وإن كان معه أو بعده فقد تكلم فما حكيت وهو جاهل بأن الكلام غير محرم في الصلاة ولم يحك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإعادة الصلاة فهو في مثل معنى حديث ذى اليدين أو أكثر لانه تكلم عامدا للكلام في حديثه إلا أنه حكى أنه تكلم وهو جاهل أن الكلام لا يكون محرما في الصلاة (قال) هذا في حديثه كما ذكرت (قلت) فهو عليك إن كان على ما ذكرته وليس لك إن كان كما قلنا (قال) فما تقول (قلت) أقول إنه مثل حديث ابن مسعود وغير مخالف حديث ذى اليدين (قال محمد بن إدريس) فقال فإنكم خالفتم حين فرغتم حديث ذى اليدين (قلت) فخالفنا في الاصل قال لا ولكن في الفرع (قلت) فأنت خالفته في نصه ومن خالف النص عندك أسوأ ممن ضعف نظره فأخطأ التفريع قال نعم وكل غير معذور (قال محمد) فقلت له فأنت خالفت أصله وفرعه ولم نخالف نحن من فرعه ولا من أصله حرفا واحدا فعليك ما عليك في خلافه وفيما قلت من أنا خالفنا منه لم نخالفه (قال) فأسألك حتى أعلم أخالفته أم لا (قلت) فسل (قال) ما تقول في إمام انصرف من إثنتين فقال له بعض من صلى معه قد انصرفت من اثنتين فسأل آخرين فقالوا صدق (قلت) أما أمأموم الذى أخبره والذين شهدوا أنه صدق وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته فصلاتهم فاسدة (قال) فأنت رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى وتقول قد قضى معه من حضر وإن لم تذكره في الحديث قلت أجل (قال) فقد خالفته (قلت) لا ولكن حال إمامنا مفارقة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) فأين افتراق حاليهما في الصلاة والامامة (قال محمد بن إدريس) فقلت له إن الله عزوجل كان ينزل فرائضه على
رسوله صلى الله عليه وسلم فرضا بعد فرض فيفرض عليه ما لم يكن فرضه عليه ويخفف بعض فرضه قال أجل (قلت) ولا نشك نحن ولا أنت ولا مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينصرف إلا وهو يرى أن قد أكمل الصلاة قال أجل (قلت) فلما فعل لم يدر ذو اليدين أقصرت الصلاة بحادث من الله عزوجل أم نسى النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بينا في مسألته إذ قال أقصرت الصلاة أم نسيت، قال أجل (قلت) ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم من ذى اليدين إذ سأل غيره قال أجل (قال) ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلامه فيكون مثله واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه فلما لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه كان في معنى ذى اليدين من أنه لم يستدل للنبى صلى الله عليه وسلم بقول ولم يدر أقصرت الصلاة أم نسى النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه ومعناه معنى من ذى اليدين من أن الفرض عليهم جوابه ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه فقبل قولهم ولم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم (قال الشافعي) ولما قبض الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائضه فلا بدل فيها ولا ينقص منها أبدا قال نعم (قال الشافعي) فقلت هذا فرق بيننا وبينه فقال من حضره هذا فرق بين لا يرده عالم لبيانه ووضوحه (قال الشافعي) فقال إن من أصحابكم من قال ما تكلم به الرجل في أمر الصلاة لم يفسد صلاته (قال الشافعي) فقلت له إنما الحجة علينا ما قلنا لا ما قال غيرنا (قال الشافعي) وقال قد كملت غير واحد من أصحابك فما احتج بهذا ولقد قال العمل على هذا (قال محمد بن أدريس) فقلت له قد أعلمتك أن العمل ليس له معنى ولا حجة لك علينا بقول غيرنا قال أجل فقلت فدع مالا حجة لك(1/149)
فيه (قال محمد بن إدريس) وقلت له لقد أخطأت في خلافك حديث ذى اليدين مع ثبوته وظلمت نفسك بأنك زعمت أنا ومن قال به نحل الكلام والجماع والغناء في الصلاة وما أحللنا ولا هم من هذا شيئا قط وقد زعمت أن المصلى إذا سلم قبل أن تكمل الصلاة وهو ذاكر لانه لم يكملها فسدت صلاتة لان السلام زعمت في غير موضعه كلام وإن سلم وهو يرى أنه قد أكمل بنى فلو لم يكن عليك حجة إلا هذا كفى بها عليك حجة ونحمد الله على عيبكم خلاف الحديث وكثرة خلافكم له.
باب كلام الامام وجلوسه بعد السلام أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال أخبرتني هند بنت الحرث ابن عبد الله بن أبى ربيعة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضى تسليمه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرا قال ابن شهاب فترى مكثه ذلك والله أعلم لكى ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى معبد عن عباس قال كنت: أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير قال عمرو بن دينار ثم ذكرته لابي معبد بعد فقال لم أحدثكه قال عمرو قد حدثتنيه قال وكان من أصدق موالى ابن عباس (قال الشافعي) كأنه نسيه بعدما حدثه إياه (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال حدثنى موسى بن عقبة عن أبى الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الاعلى " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (قال الشافعي) وهذا من المباح للامام وغير المأموم قال وأى إمام ذكر الله بما وصفت جهرا أو سرا أو بغيره فحسن واختيار للامام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يجب أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر فإن الله عزوجل يقول " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " يعنى والله تعالى أعلم الدعاء ولا تجهر ترفع ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه (قال الشافعي) وأحسبه إنما جهر قليلا ليتعلم الناس منه ذلك لان عامة الروايات التى كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث أم سلمة هذا أخرجه البخاري من حديث موسى بن إسماعيل وأبى الوليد ويحيى ابن قزعة ثلاثتهم عن إبراهيم لكن لم يرفع في نسب هند وإنما قال بنت الحرث والرافع لنسبها الشافعي عن إبراهيم ابن سعد عن الزهري.
(7) عن الزهري الفراسية وقيل القرشية.
(2) قال السراج البلقينى: حديث ابن عباس هذا أخرجه الصحيحان من حديث أبى معبد واسمه نافذ عن ابن عباس وهذا مما خرجه الصحيحان وفيه عنه، ان الاصل قال للفرع: لم أحدثك بهذا، وهذا خلاف جزم بعض الاصوليين بالمنع فسقط.
(7) بياض بالاصل.(1/150)
[ تهليل ولا تكبير وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر وذكرت أم سلمة مكثه ولم يذكر جهرا وأحسبه لم يكث إلا ليذكر ذكرا غير جهر فإن قال قائل ومثل ماذا؟ قلت مثل أنه صلى على المنبر يكون قيامه وركوعه عليه وتقهقر حتى يسجد على الارض وأكثر عمره لم يصل عليه ولكنه فيما أرى أحب أن يعلم من لم يكن يراه ممن بعد عنه كيف القيام والركوع والرفع يعلمهم أن في ذلك كله سعة واستحب أن يذكر الامام الله شيئا في مجلسه قدر ما يتقدم من انصرف من النساء قليلا كما قالت أم سلمة ثم يقوم وإن قام قبل ذلك أو جلس أطول من ذلك فلا شئ عليه وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الامام السلام قبل قيام الامام وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الامام أو معه أحب إلى له وأستحب للمصلى منفردا وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الاجابة بعد المكتوبة.
باب انصراف المصلى إماما أو غير إمام عن يمينه وشماله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن أبى الاوبر الحارثى قال سمعت أبا هريرة يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحرف من الصلاة عن يمينه وعن يساره (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن مهران عن عمارة عن الاسود عن عبد الله قال لا يجعلن أحدكم للشيطان من صلاته جزءا يرى أن حقا عليه أن لا ينفتل إلا عن يمينه فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره (2) (قال الشافعي) فإذا قام المصلي من صلاته إماما أو غير إمام فلينصرف حيث أراد إن كان حيث يريد يمينا أو يسارا أو مواجهة وجهه أو من ورائه انصرف كيف أراد لا اختيار في ذلك أعلمه لما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه وعن يساره وإن لم يكن له حاجة في ناحية وكان يتوجه ما شاء أحببت له أن يكون توجهه عن يمينه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن غير مضيق عليه في شئ من ذلك ولا أن ينصرف حيث ليست له حاجة أين كان انصرافه.
] *
__________
(1) قال السراج البلقينى: أبو الاوبر زياد الحارثى وهذا الحديث أخرجه البيهقى من حديث سعدان بن نصر عن سفيان بن عيينة بسنده ولفظه عن أبى هريرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلى حافيا وناعلا وقائما وقاعدا وينفتل عن يمينه وعن شماله.
(2) قال السراج البلقينى: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبى الوليد عن شعبة ومسلم عن أبى بكر ابن أبى شيبة عن وكيع وأبي معاوية وعن إسحق بن إبراهيم عن جرير وعيسى بن يونس وعن على بن خشرم عن عيسى بن يونس خمستهم عن الاعمش سليمان بن مهران وليس في الصحيحين ولا في السنن رواية سفيان ابن عيينة عن الاعمش وفى النسائي وابن ماجة زيادة يحيى بن سعيد فصارت الجملة لرواته عن الاعمش ستة ويضاف إليهم سفيان بن عيينة وزائدة بن قدامة وأبو الاشهب جعفر بن الحرث ورواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن رجل عن الاسود ورواه الحجاج بن أرطاة عن الاعمش عن عمارة عن المبرد العجلى عن عبد الله والحجاج المقال فيه معروف والاسناد على خلاف روايته وعمارة الراوى عن الاسود هو عمارة بن عمير التيمى الكوفى.(1/151)
[ باب سجود السهو وليس في التراجم وفيه نصوص (1) فمنها في باب القيام من الجلوس نص على أنه لا يسجد للسهو بترك الهيآت فقال لما ذكر أن السنة لمن قام من جلوسه أن يعتمد على الارض بيديه وأى قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا إعادة فيه عليه ولا سجود سهو لان هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها وذلك مثل الجلوس والخشوع والاقبال على الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو وكرر ذلك في أبواب الصلاة كثيرا مما سبق.
ومنها نصه في باب التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من ترك التشهد
الاول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاول ساهيا فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه (قال الشافعي) وإنما فرقت بين التشهدين أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الثانية فلم يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذى يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد الاول في أن ليس لاحد قيام منه إلا بالجلوس، ومنها نصه في آخر الترجمة المذكورة الدال على أن من ارتكب منهيا عنه يبطل عمدة الصلاة فانه يسجد إذا فعله سهوا ولم تبطل الصلاة بسهوه فقال ولو أدرك الصلاة مع الامام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الامام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم مع الامام ساهيا وخرج وبعد مخرجه أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر ثم جلس وتشهد وسجد للسهو وسلم، ومنها ما ذكره في القيام من اثنتين وهو مذكور قبل هذه الترجمة بأربع تراجم فنقلناه إلى هنا وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الاعرج عن عبد الله ابن بحينة أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك (2) (قال الشافعي) فبهذا قلنا إذا ترك المصلى التشهد الاول لم يكن عليه إعادة وكذا إذا
__________
(1) لم يعقد في الام بابا لسجود السهو على حدة وإنما جمعه السراج البلقينى من كلامها في ابواب مختلفة كما أشار إليه ولهذا لم يذكر هذا الباب في سوى نسخة البلقينى رحمه الله كتبه مصححه.
(2) قال السراج البلقينى: ابن بحينة هو عبد الله بن مالك وبحينة أمه وهى بضم الباء الموحدة وبعدها حاء مهملة وبعدها ياء آخر الحروف وبعدها نون وحديثه المذكور من الطريقين طريق الزهري عن الاعرج وطريق يحيى ابن سعيد عن الاعرج مخرج في الصحيحين الاول أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك وعن أبى اليمان عن شعيب عن قتيبة عن الليث قال وتابعه ابن جريج وعن آدم عن ابن أبى ذئب خمستهم عن الزهري وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك عن الزهري وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عن الزهري وأما الطريق الثاني الذى فيه يحيى بن سعيد وهو الانصاري فإنه شيخ مالك وأما يحيى بن سعيد القطان فإنه يروى عن مالك فأخرجه البخاري من حديث عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد وأخرج مسلم الطريق الاول من طريق يحيى بن يحيى عن مالك عن الزهري وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عن الزهري وأخرج مسلم
الطريق الثاني من طريق أبى الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد.
وأعلم أن ابن بحينة الصحابي هو عبد الله كما قدمنا ووقع في رواية في النسائي عن مالك بن بحينة قال النسائي: هذا خطأ وصوابه، عبد الله بن مالك ابن بحينة.(1/152)
[ أراد الرجل القيام من اثنتين ثم ذكر جالسا ثم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين ان يستتم قائما وعليه سجود السهو (1) فإن قام من الجلوس الآخر عاد فجلس للتشهد وسجد سجدتين للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان سها عن شئ من الصلاة أتمه وسجد رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة أو جلس فنسى ولم يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف ويبعد أعاد ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: هكذا نص هنا على أن من عاد قبل أن يستتم القيام يسجد للسهو وأطلق ذلك ولم يفصل بين أن يكون إلى القيام أقرب أو إلى القعود أقرب وكلامه في مختصر المزني على ذلك فإنه قال فإن نسي الجلوس من الركعة الثانية فذكر في ارتفاعه قبل انتصابه فإنه يرجع إلى الجلوس ثم يبنى على صلاته وإن ذكر بعد اعتداله فإنه يمضى وإن جلس في الاول فذكر قام وبنى عليه سجدتا السهو هذا نص المختصر ومراده وعليه سجدتا السهو في الصور الثلاث فإن الوسطى منها أن يتذكر بعد اعتداله وهذه يسجد فيها للسهو بلا خلاف وفى مختصر البويطى نحو ذلك فإنه قال في ترجمة تكبيرة الاحرام ومن قام من اثنتين ساهيا فإن ذكر في نهوضه للقيام قبل أن يعتدل قائما رجع فجلس وإن لم يذكر إلا بعد اعتداله قائما مضى في صلاته ولم يرجع للجلوس وسجد سجدتي السهو قبل السلام هذا نصه في البويطى وقوله وسجد سجدتي السهو قبل السلام يعنى في الصورتين وفي جمع الجوامع حكى النص كما في الام من غير ذكر خلاف فقال في باب قدر الجلوس في الركعتين الاوليين والاخريين والقيام من الثنتين وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو هذا نقله في جمع الجوامع عن النصوص وهذا عندنا هو المذهب المعتمد وهو القطع بأنه يسجد للسهو وليس في المسألة قولان خلافا لمن نقلهما فلم أقف على ما سدده وممن قطع بذلك عن الشافعي ابن المنذر في
الاشراق والشيخ أبو حامد في تعليقه في موضعين أحدهما في الكلام على التشهد الاول وحكى هذا النص عن الشافعي والثانى في سجود السهو ومن القاطعين بأنه يسجد، الدارمي في الاستذكار والماوردي في الحاوى والمحاملى في التجريد والاوسط والمقنع والمجموع في الكلام على التشهد الاول وممن أثبت القولين، القاضي ابو الطيب في تعليقه وصحح أنه يسجد وأثبتهما المحاملى في المجموع في سجود السهو في كفاية القولين والوجهين وصحح أنه لا يسجد وابن الصباغ في الشامل وحكاهما عن الشيخ أبى حامد ولم أقف عليهما في تعليق الشيخ أبى حامد بل هو جازم بأنه يسجد للسهو كما تقدم وممن نقل القولين سليم في المجرد وقال سواء كان إلى القيام أقرب ام إلى القعود ونقلهما الشيخ في المذهب وصحح أنه لا يسجد ونقلهما في التنبيه أيضا وممن نقلهما الرويانى في البحر في سجود السهو عن الشيخ أبى حامد وزاد عن أبى حامد أنه اختار أنه لا يسجد وهذا ليس في تعليق الشيخ أبى حامد بالكلية وبعض المراوزة ينقل القولين وطريقتهم الحمل على حالين إن كان إلى القيام أقرب سجد، وإلا فلا، وصححهما المتأخرون والمذهب المعتمد، القطع بأنه يسجد مطلقا ولا نص للشافعي يخالفه فإن قيل يخالفه قاعدة ما لا يبطل عمده الصلاة لا سجود لسهوه وإذا كان إلى القعود أقرب فهو عمل يسير لا يبطل عمده الصلاة فلا سجود لسهوه قلنا هذه القاعدة ليست مطردة فلا تصادم بها النصوص وحينئذ يكون هذا من المستثنى من القاعدة، وأما من صحح أنه لا يسجد مطلقا فهو خلاف المذهب المعتمد المعروف عن الشافعي عند المتقدمين.(1/153)
[ الصلاة لان الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر القراءة ولم يقرأ لم يجزه القيام (1) ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم أو راكع أو متقاصر غير جالس لم يجزه كما لو قرأ وهو جالس لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا يجزئ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من التشهد حتى يأتي بهما جميعا، ومن النصوص المتعلقة بسجود السهو ما سبق في باب كيف القيام من الركوع وهو قول الشافعي رحمه الله وإن ذهبت
العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع فإن فعل فعليه سجود السهو لانه زاد في الصلاة ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له القول ثم يهوى ساجدا أو يأخذ في التكبير فيهوى وهو فيه وبعد أن يصل الارض ساجدا مع انقضاء التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك أو كبر معتدلا أو ترك التكبير كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عزوجل يدعو أو ساهيا وهو لا ينوى به القنوت كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو لان القراءة من عمل الصلاة في غير هذا الموضع وهذا موضع ذكر غير قراءة فإن زاد فيه فلا توجب عليه سهوا وكذلك لو أطال القيام ينوى به القنوت كان عليه سجود السهو لان القنوت عمل معدود من عمل الصلاة فإذا عمله في غير موضعه أوجب عليه السهو (2) وفى مختصر المزني نصوص في سجود السهو لم نرها في الام قال المزني (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فعليه أن يبنى على ما استيقن وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من صلاته بعد التشهد سجد سجدتي للسهو قبل السلام واحتج في ذلك بحديث أبى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم وبحديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام (3) في جمع الجوامع (قال الشافعي) سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام وهو الناسخ والآخر من الامرين ولعل مالكا لم يعلم الناسخ والمنسوخ من هذا وقاله في القديم فمن سجد قبل السلام أجزأه التشهد الاول ولو سجد للسهو بعد السلام تشهد ثم سلم هذا نقل جمع الجوامع ثم ذكر رواية البويطى ونحن نذكرها مع غيرها في مختصر البويطى وكل سهو في الصلاة نقصا كان أو زيادة سهوا واحدا كان أم اثنين ام ثلاثة فسجدتا السهو تجزى من ذلك كله قبل السلام وفيهما تشهد وسلام وقد روى عن رسول ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: لم يذكر الشافعي هنا الفرق بين القريب والبعيد وذكر الفرق بينهما في ترجمة الرجل يصلى فائته وقد فاتته قبلها صلاة فقد ذكرنا الخلاف هناك والمعتمد فلينظر منه.
(2) قال السراج البلقينى: المراد بقول الشافعي أولا ولو أطال القيام يعنى القيام الذى بعد الركوع وهو الاعتدال وكذا نقله في عيون المسائل فقال الربيع عن الشافعي قال إذا رفع رأسه من الركوع وأطال القيام بذكر الله أو ساهيا لا ينوى به القنوت كرهته ولا سجود للسهو عليه ولو قرأ في ذلك أو قنت كان
عليه سجدتا السهو وإن قصر قيامه وقرأ فكذلك لو أطال القيام ينوى به القنوت المراد به القيام الذى قبل الركوع وفيه التصريح بأن نقل القنوت إلى غير موضع موضعه سهوا يقتضى سجود السهو.
(3) قال السراج البلقينى: حديث أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم في صحيحه وحديث أبى بحينة تقدم الكلام عليه وما ذكره المزني من أن سجود السهو قبل السلام هو في الزيادة والنقصان وقد تقدم في ترجمة الكلام في الصلاة من اختلاف الحديث ما يقتضى أن يسجد للسهو في الزيادة بعد السلام.(1/154)
[ الله صلى الله عليه وسلم أنه قام من اثنتين فسجد قبل السلام وهذا نقصان وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليبن على ما استيقن وليسجد سجدتين قبل السلام وهذا زيادة وقال في ترجمة بعد ذلك ومن لم يدركم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا فليبن على يقينه ثم يسجد سجدتين قبل السلام ولسجدتي السهو تشهد وسلام وما ذكره البويطى من التشهد لسجدتي السهو أنهما قبل السلام ظاهره أنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام ثم يتشهد ثم يسلم ولم أر أحدا من الاصحاب ذكر هذا إلا فيما إذا سجد بعد السلام في صوره المعروفة فإن حمل كلام البويطى على صوره بعد السلام كان ممكنا.
وفى آخر سجود السهو من مختصر المزني سمعت الشافعي يقول إذا كانت سجدتا السهو بعد السلام تشهد لهما وإذا كانتا قبل السلام أجزأه التشهد الاول وقد سبق عن القديم مثل هذا وحكى الشيخ أبو حامد ما ذكره المزني وأنه في القديم وقال أنه أجمع أصحاب الشافعي أنه إذا سجد بعد السلام للسهو تشهد ثم سلم وقال الماوردى إنه مذهب الشافعي وجماعة أصحابه الفقهاء (1) قال وقال بعض أصحابنا إن كان يرى سجود السهو بعد السلام تشهد وسلم بل يسجد سجدتين لا غير قال الماوردى وهذا غير صحيح لرواية عمران بن الحصين رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من ثلاث من العصر ناسيا حتى أخبره الخرباق فصلى ما بقى وسلم وسجد سجدتين وتشهد ثم سلم وما ذكره الماوردى من حديث عمران بن الحصين بهذه السياقة غريب وإنما جاءت عنه رواية تفرد بها أشعث بن عبد الملك الحمرائي عن محمد بن سيرين عن خالد لحذاء
عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد بعد ثم سلم روى ذلك أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب وما حسنه الترمذي يقتضى أنه لا فرق بين أن يكون سجود السهو قبل السلام أو بعده فيحتج به لما ذكره البويطى لما سبق وقلنا إنه غريب لم نر أحدا من الاصحاب قال به والذى صححه جمع من الاصحاب أن الذى يسجد بعد السلام لا يتشهد أيضا والمذهب المعتمد ما تقدم في نقل المزني والقديم وقطع به الشيخ ابو حامد وجرى عليه غيره وفى مختصر المزني في باب سجود السهو وإن ذكر أنه في الخامسة سجد أو لم يسجد قعد في الرابعة أو لم يقعد فإنه يجلس في الرابعة ويتشهد وبسجد للسهو وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من أولى بعد ما اعتدل قائما فإنه يسجد للاولى حتى تنم قبل الثانية وإن ذكر بعد أن يفرغ من الثانية أنه ناس لسجدة من الاولى كان عمله في الثانية كلا عمل فإذا سجد فيها كانت من حكم الاولى وتمت الاولى بهذه السجدة وسقطت الثانية فإن ذكر في الرابعة أنه نسى سجدة من كل ركعة فإن الاولى صحيحة إلا سجدة وعمله في الثانية كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الاولى وتمت الاولى وبطلت الثانية وكانت الثالثة ثانية فلما قام في ثالثة قبل أن يتم الثانية التي كانت عنده ثالثة كان عمله كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثانيه فتمت الثانية وبطلت الثالثة التى كانت رابعة عنده ثم يقوم فيبنى ركعتين ويسجد للسهو بعد التشهد وقبل التسليم وعلى هذا الباب كله وقياسه وإن شك هل سها أم لا فلا سهو عليه وإن استيقن السهو ثم شك هل سجد للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة أو سجدتين سجد أخرى وإن سها ]
__________
(1) قوله: قال وقال بعض أصحابنا الخ كذا في الاصل ولعل فيه تحريفا أو سقطا من الناسخ وليحرر كتبه مصححه.(1/155)
[ سهوين أو أكثر فليس عليه إلا سجدتا السهو وإذا ذكر سجدتي السهو بعد أن يسلم فإن كان قريبا أعادهما وسلم وإن تطاول لم يعد ومن سها خلف إمامه فلا سجود عليه وإن سها إمامه سجد معه فإن لم يسجد إمامه سجد من خلفه بأن كان قد سبقه إمامه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا لامامه
لا لما يبقى من صلاته (1) (قال الشافعي) السهو في الصلاة يكون من وجهين أحدهما أن يدع ما عليه من عمل الصلاة وذلك مثل أن يقوم في مثنى فلا يجلس أو مثل أن ينصرف قبل أن يكمل وما أشبهه والآخر أن يعمل في الصلاة ما ليس عليه وهو أن يركع ركعتين قبل أن يسجد أو يسجد أكثر من سجدتين ويجلس حيث له أن يقوم أو يسجد قبل أن يركع وإن ترك القنوت في الفجر سجد للسهو لانه من عمل الصلاة وقد تركه في وإن تركه الوتر لم يجب عليه إلا في النصف الآخر من شهر رمضان فإنه إن تركه سجد للسهو والسهو في الفريضة والنافلة سواء وعلى الرجل والمرأة والمصلى والجماعة (2) والمنفرد سواء.
وهذا الآخر هو مقتضى إطلاق نصوص الام وغيرها ولكن للتصريح به نظر (قال الشافعي) وأرى والله أعلم أن ما كان يعمله ساهيا وجبت عليه سجدتا السهو إذا كان مما لا ينقض الصلاة فإذا فعله عامدا سجد فيه وإن تطوع ركعتين ثم وصل الصلاة حتى تكون أربعا أو أكثر سجد للسهو وإن فعلها ولم يسجد حتى دخل في صلاة أخرى فلا يسجدهما قاله في القديم كذا في جمع الجوامع فإن كان المراد أنه سلم وتطاول الفصل فكذلك في الجديد أيضا ومن أدرك سجدتي السهو مع الامام سجدهما فإن كان مسافرا والامام مقيم صلى أربعا وإن أدرك أحدهما سجد ولم يقض الآخر وبنى على صلاة الامام وإن كان الامام مسافرا فسها سجدوا معه ثم قضوا ما بقى عليهم ومن سها عن سجدتي السهو حتى يقوم من مجلسه أو عمد تركها ففيه قولان أحدهما يسجد متى ذكرهما والآخر لا يعود لهما قاله في القديم قاله في جمع الجوامع وهذا الثاني إن كان مع طول الفصل أو كان قد سلم عامدا فإنه لا ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: القياس على أصله أنى إنما أسجد معه ما ليس من فرضى فيما أدركت معه اتباعا لفعله فإذا لم يفعل سقط عنى اتباعه وكل مصل عن نفسه هذا كلام المزني، ورد الجمهور عليه بأن سهو الامام أثر في حق المأموم فإذا لم يسجد الامام سجد المأموم جبرا لما حصل من الخلل الذى تأثرت به صلاة المأموم وفى مختصر البويطى: ومن سها عن السلام أو عن ركعة من صلاته أو ركعتين أو ثلاث رجع إن كان قريبا فكبر ثم جلس فتشهد ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم ولم يذكر البويطي هنا تشهدا قال فإن تطاول به أعاد الصلاة وقد قال في ترجمة قبل الرهن ومن سها عن سلام نافلة حتى دخل في فريضة فإن ذكر قريبا جلس وأتم النافلة إن شاء بالتشهد وسجد سجدتي السهو قبل
السلام ودخل في الفريضة بإحرام جديد وإن سها عن سلام مكتوبة حتى دخل في نافلة فإن كان قريبا رجع فتشهد وسجد سجدتي السهو وسلم وتمت له المكتوبة فإن شاء أعاد النافلة وإن شاء لم يعد والتطاول أن يصلى ركعة تامة من المكتوبة أو النافلة وهو ساه للسلام وإن لم يقرأ فيها إلا بأم القرآن وقل هو الله أحد أو بأم القرآن وحدها وطول القيام والقراءة بلا عقد ركعة يكون تطاولا وقدر التطاول في هذه الاشياء وفيمن نسى ركعة قدر الوقت الذى كلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين ورده عليه وقد تقدم هذا مع باقى الخلاف والمعتمد عليه في ذلك جمع الجوامع.
(2) قوله والمصلى والجماعة كذا في الاصل ولعله محرف واللائق: والمصلى في الجماعة الخ، وحرر.
كتبه مصححه.(1/156)
[ يعود إلى السجود في الصورتين على الجديد وفى رواية البويطى وإن تركوا سجود السهو عامدين أو جاهلين لم يبن أن يكون عليهم إعادة الصلاة وأحب أن كانوا قريبا عادوا لسجدتي السهو وإن تطاولت فليس عليهم وإعادة التطاول عنده ما لم يخرج من المسجد ويكون قدر كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومسألته وإن أحدث الامام بعد التسليم وقبل سجدتي السهو فكالصلاة إن تقارب رجوعه أشار إليهم أن أمكثوا ويتوضأ ويسجد للسهو وإن لم يتقارب أشار إليهم ليسجدوا قاله في القديم ومن شك في السهو فلا سجود عليه هذا كله نقل جمع الجوامع وفيه في باب الشك في الصلاة وما يلغى منها وما يجب عن الشافعي فإن نسى أربع سجدات لا يدرى من أيتهن هن نزلناها على الاشد فجعلناه ناسيا السجدة من الاولى وسجدتين من الثانية وتمت الثالثة ونسى من الرابعة سجدة فأضف إلى الاولى من الثالثة سجدة فتمت له ركعة وبطلت السجدة التى بقيت من الثالثة ونضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها فكأنه تم له ثانية ويأتى بركعتين بسجودهما وسجود السهو (1).
باب سجود التلاوة والشكر وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف على وابن مسعود رضى الله عنهما وفى اختلاف الحديث وفى اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله تعالى مرتين.
أما الاول ففيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي هشيم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي رضى الله عنه قال عزائم السجود ألم تنزيل والنجم واقرأ باسم ربك الذى خلق ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي هشيم عن أبى عبد الله ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: وعلى ذلك جرى الاصحاب ومرادهم حيث لم يكن المتروك إلا السجدات فإن كان التصوير مطلقا يكون الاشد غير هذا بأن يكون المتروك السجدة الاولى من الاولى الثانية من والثانية وثنتين من الرابعة فلم يحصل له من الثلاث الاول إلا ركعة فيأتى بسجدتين ثم ركعتين قال في جمع الجوامع وإن سها في المغرب فصلاها أربعا وسها بأربع سجدات مختلفات نزلناها فجعلناه من الاولى سجدة ومن الثانية سجدتين وتمت له الثالثة ومن الرابعة واحدة فيأخذ واحدة من الثالثة يضمها إلى الاولى فصارت ركعة ويضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها مكانه فيتم ثانية ويأتى بركعة وسجدتيها، واعلم أنه كرر في كلام الشافعي وجوب سجود السهو ووقع ذلك في عبارة جمع من أصحابه ولم يقل أحد منهم بمقتضى هذا الظاهر ولو قيل به لم يبعد ويكون له قولان على مقتضى هذا الطريق.
(2) قال السراج البلقينى: الشافعي لم يلق هشيما فإن هشيما توفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة والشافعي إنما دخل إلى بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فلكونه لم يسمع منه يقول بالتعليق هشيم يعنى قال هشيم وهو هشيم بن بشير بن القاسم بن بدر السلمى أبو معاوية الواسطي وقيل إنه بخارى الاصل سمع عمرو ابن دينار وغيره وهو من الاثبات لكنه يدلس فما قال فيه أخبرنا فهو حجة روى له البخاري ومسلم وغيرهما وعاصم شيخ شعبة في هذا السند هو عاصم بن بهدلة الراوى عن زر وزر بالزاى وبعده راء وما رواه هشيم عن شعبة خالفه فيه جماعة منهم عمرو بن مرزوق ومسلم بن إبراهيم وعمرو بن حكام فإن هؤلاء رووه عن شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله يعنى ابن مسعود أنه قال =(1/157)
[ الجعفي عن أبى عبد الرحمن السلمى عن على رضى الله عنه قال كان يسجد في الحج سجدتين وبهذا نقول وهذا قول العامة قبلنا ويروى عن عمر وابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم وهم ينكرون السجدة
الآخرة في الحج وهذا الحديث عن علي رضى الله عنه يخالفونه (3) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي ] = عزائم السجود أربع ألم تنزيل وحم السجدة واقرأ باسم ربك الذى خلق والنجم قال البيهقى هكذا رواه الجماعة عن شعبة ويذكر عن هشيم عن شعبة نحو رواية سفيان وكان قدر رواية سفيان عن عاصم عن زر عن علي رضى الله عنه ثم أخرج رواية هشيم من طريق سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن علي رضى الله عنه فذكره وقد أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه فقال حدثنا هشيم عن شعبة فذكره.
(3) قال السراج البلقينى: الاثر المذكور عن علي رضى الله عنه في سجدتي الحج في إسناده أبو عبد الله الجعفي وهو جابر بن يزيد الجعفي ويقال كنيته أبو يزيد ويقال أبو محمد وكان جمع من القدماء يعظمونه قال الربيع سمعت الشافعي يقول بلغ سفيان (يعنى الثوري) أن شعبة يتكلم في جابر فبعث إليه وقال والله لئن تكلمت فيه لاتكلمن فيك ورواه محمد بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال سفيان الثوري نشعبة لئن تكلمت في جابر لاتكلمن فيك وقال شعبة صدوق في الحديث وقال زهير بن معاوية إذا قال جابر سمعت أو سألت فهو أصدق الناس وكذا قال شعبة إذا قال حدثنا أو سمعت فهو من أوثق الناس وفرقة أخرى تركته قال البخاري تركه ابن مهدى وقال يحيى بن معين كان كذابا وقال النسائي متروك وقال غيره عامة ما قذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة لم يخرج له البخاري ولا مسلم ولا النسائي وهشيم كان يدلس علنا وإنما ذكر الشافعي هذا الاثر عن على رضى الله عنه ليبين مخالفة من خالفه وخالف غيره من الصحابة معه وأما ما أشار إليه الشافعي من رواية ذلك عن عمر فرواه الشافعي في اختلافه مع مالك من حديث عبد الله بن ثعلبة أنه صلى مع عمر بن الخطاب الصبح فسجد في الحج سجدتين وروى أيضا من طريق مالك وسيأتى وأخرجه البيهقى من حديث عبد الله عن نافع قال أخبرني رجل من أهل مصر أنه صلى مع عمر رضى الله عنه الفجر بالجابية فقرأ السورة التي يذكر فيها الحج فسجد فيها سجدتين قال نافع فلما انصرف قال إن هذه السورة فضلت بأن فيها سجدتين وكان ابن عمر يسجد فيها سجدتين قال البيهقى هذه الرواية عن عمر وإن كانت عن نافع في معنى المرسل فترك نافع تسمية المصرى الذى حدثه فالرواية الاولى عن عبد الله بن ثعلبة رواية صحيحة موصولة وكذلك
رواية نافع عن ابن عمر موصولة ولم يذكر البيهقى رواية مالك عن نافع وأما الرواية عن ابن عباس فأخرجها البيهقى من حديث عاصم الاحول عن أبى العاليه عن ابن عباس أنه قال في سورة الحج سجدتان وأخرج ذلك البيهقى عن أبى موسى وأبى الدرداء ولم يذكر الشافعي في ذلك خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفى سورة الحج سجدتان أخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود واخرجه الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث رواته مصريون وقد احتج الشيخان بأكثرهم وليس في عدد سجود القرآن أتم منه ولم يخرجاه وما ذكره الحاكم من احتجاج الشيخين بأكثرهم كلام غير وارد فإن الاقل الذى لم يحتجا به منعهما من إخراج الحديث رواه عبد الله بن منين بضم الميم وفتح النون وبعدها ياء آخر الحروف وآخره نون ولم يرو عنه إلا الحرث بن =(1/158)
[ قال أخبرنا ابن مهدى عن سفيان عن محمد بن قيس عن أبى موسى أن عليا رضى الله عنه لما رمى بالمجدح خر ساجدا ونحن نقول لا بأس بسجدة الشكر ونستحبها ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها وعن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وهم ينكرونها يكرهونها ونحن نقول لا بأس بالسجدة لله تعالى في الشكر (1).
] = سعيد العتقى ولم يشتهر حاله فلم يخرج الشيخان الحديث بهذا المعنى ولم يذكره الشافعي وحسن الحديث بعض المتأخرين وفيه نظر وفى المسألة حديث عن عقبة بن عامر وفي إسناده ابن لهيعة وفيها مرسل رواه أبو داود عن خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فضلت سورة الحج بسجدتين " قال أبو داود روى سند هذا ولا يصح.
(1) قال السراج البلقينى: هكذا وقع في نسخة الام أن الشافعي يقول أخبرنا ابن مهدى والشافعي لم يجتمع بابن مهدى وإن كان قد بعث إليه الرسالة مع الحرث النقالى بالنون والقاف فانه مع ذلك لم يلقه وما أشار إليه الشافعي رحمه الله تعالى بقوله ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها فهذا قد رواه البراء بن عازب رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما رواه أبو
إسحق عن البراء قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوه ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث على بن أبى طالب رضى الله عنه وأمره أن يقفل خالدا ومن كان معه إلا رجلا (7) فمن كان مع خالد فأحب أن يعقب مع علي رضي الله عنه فليعقب معه قال البراء فكنت فيمن عقب معه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا على رضى الله عنه وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا فكتب علي رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال السلام على همدان السلام على همدان قال البيهقى بعد إخراجه أخرج البخاري صدر هذا الحديث ولم يسقه بتمامه وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه وخرج الصحيحان في توبة كعب بن مالك حين سمع الصوت يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء الفرج وهذا إنما يفعله الصحابي عن امر عنده في ذلك ويبعد أن يخفى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو في قوة المرفوع وعن أبى بكر رضى الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو يسر به خر ساجدا رواه أبو داود والترمذي وقال إنه حديث حسن وقال غير الترمذي في إسناده ضعف وعن سعد بن ابى وقاص قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فلما كنا قريبا من عزورا نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا ثلاثا قال إنى سألت ربى وشفعت لامتي فأعطاني ثلث أمتى فخررت لربى ساجدا ثم رفعت رأسي فسألت ربى لامتي فأعطاني ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى تعالى ثم قمت فسألت ربى لامتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربى تعالى رواه أبو داود ولم يضعفه وفى حديث عبد الرحمن ابن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل نخلا فاستقبل القبلة فسجد فأطال السجود وأنا أراه حتى ظننت أن الله توفاه فأقبلت أمشى حتى جئته فطأطأت رأسي أنظر في وجهه فرفع رأسه فقال مالك يا عبد الرحمن =
__________
(7) كذا في الاصل، وانظر كتبه مصححه.(1/159)
[ وأما الثاني: وهو الذى في اختلاف الحديث ففيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
محمد بن إسماعيل عن ابن أبى ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين قال أراد الشهرة (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبى ذئب عن يزيد عن عبد الله ابن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجم فلم يسجد فيها (قال الشافعي) وفى هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم ولكنا نحب أن لا يترك لان النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وترك (قال الشافعي) وفى النجم سجدة ولا احب أن يدع شيئا من سجود القرآن وإن تركه كرهته له وليس عليه قضاؤه لانه ليس بفرض فإن قال قائل: ما دل على أنه ليس بفرض؟ قيل: السجود صلاة قال الله تعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فكان الموقوت يحتمل مؤقتا بالعدد ومؤقتا بالوقت فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عزوجل فرض خمس صلوات فقال رجل يا رسول الله هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع فلما كان سجود القرآن خارجا من الصلوات المكتوبات كانت سنة اختيار فأحب إلينا أن لا يدعه ومن تركه ترك فضلا لا فرضا وإنما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجم لان فيها سجودا في حديث أبى هريرة وفى سجود النبي صلى الله عليه وسلم في النجم دليل على ما وصفت لان الناس سجدوا معه إلا رجلين والرجلان لا يدعان الفرض إن شاء الله ولو تركاه أمرهما رسول الله ] = فقلت لما أطلت السجود يا رسول الله حسبت أن يكون الله قد توفى نفسك فجئت أنظر فقال إنى لما رأيتنى دخلت النخل لقيت جبريل عليه السلام فقال أبشرك أن الله تعالى يقول من سلم عليك سلمت عليه ومن صلى عليك صليت عليه فسجدت لله شكرا قال البيهقى بعد إخراج ذلك كله وفى الباب عن جابر بن عبد الله وجرير بن عبد الله وابن عمر وأنس وأبى جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيما ذكرناه كفاية عن رواية الضعفاء وأخرج من حديث محمد بن عبد الله عن عرفجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يزن مائة فسجد قال محمد بن عبد الله وإن أبا بكر رضى الله عنه أتاه فتح اليمامة فسجد وإن عمر أتاه فتح مصر وحلاله ومائة فسجد قال البيهقى هذا عرفجة السلمى ولا يعرف له صحبة فيكون مرسلا في هذا كما تقدم وعرفجة هذا إن كان هو عرفجة الاسلمي فهو عرفجة بن شريح
الاسلمي وقد أخرج الامام أحمد في مسنده عن عرفجة بن شريح الاسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا وهذا صحابي بلا توقف ولم يذكر أحمد في مسنده غير الحديث وذكر ابن عبد البر أن له حديثا واحدا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ستكون هناة ومناة " ثم ذكر ابن عبد البر بعد ذلك عن زياد بن علام عن قطبة بن مالك عن عرفجة الاشجعى حديثا في وزن أبى بكر وعمر وعثمان وقال لاأدرى أهو عرفجة بن شريح أو غيره هكذا قال والظاهر أنه هو، والظاهر أنه راوي حديث السجود عند رؤية الرمى فيكون له ثلاثة أحاديث.
(1) قال السراج البلقيني: حديث أبى هريرة هذا أخرجه البيهقى من غير رواية الشافعي ورواه من طريق خالد ابن الحرث عن ابن ذئب في باب ما جاء في السجدة في النجم فأخرج حديث ابن عباس في سجود النبي صلى الله عليه وسلم في النجم والمسلمين والمشركين والجن والانس ثم قال وفى الباب عن ابن مسعود وأبى هريرة.(1/160)
[ صلى الله عليه وسلم بإعادته (قال الشافعي) وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فهو والله أعلم أن زيدا لم يسجد وهو القارئ فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن عليه فرضا فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم به.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد.
فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت عندك السجدة فلم تسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كنت إماما فلو سجدت سجدت معك (1) (قال الشافعي) إنى لاحسبه زيد بن ثابت لانه يحكى أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد وإنما روى الحديثين معا عطاء بن يسار (قال الشافعي) فأحب أن يبدأ الذى يقرأ السجدة فيسجد وأن يسجد من سمعه فإن قال قائل فلعل احد هذين الحديثين نسخ الآخر قيل فلا يدعى أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز لاحد أن يدعى أن ترك السجود منسوخ والسجود ناسخ ثم يكون أولى لان السنة السجود لقول الله عز
وجل " فاسجدوا لله واعبدوا " ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من جهة المباح.
وأما الثالث: وهو الذى في اختلاف مالك والشافعي رضى الله عنهما ففيه سألت الشافعي عن السجود في " إذا السماء انشقت " قال فيها سجدة فقلت له وما الحجة إن فيها سجدة فقال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود ابن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضى الله عنه قرأ لهم " إذا السماء انشقت " فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الاعرج أن عمر بن الخطاب قرأ والنجم إذا هوى فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن مالك أن عمر ابن عبد العزيز أمر محمد بن مسلم أن يأمر القراء أن يسجدوا في إذا السماء انشقت (2) أخبرنا الربيع سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في سورة الحج سجدتين (3) أخبرنا مالك عن نافع عن رجل من أهل مصر أن عمر سجد في ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث عطاء مرسل وقد أخرجه البيهقى من حديث ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال بلغني فذكره قال البيهقى وقد رواه إسحق ابن عبد الله ابن أبى فروة عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة موصولا وإسحق ضعيف وروى عن الاوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة وهو أيضا ضعيف والمحفوظ حديث عطاء مرسل وحديثه عن زيد بن ثابت موصول مختصر.
(2) قال السراج البلقينى: ذكر البيهقى في كتابه بيان خطأ من أخطأ على الشافعي أنه هكذا وقع هذا الاثر في كتاب اختلاف مالك والشافعي وأظنه خطأ من الكاتب فإن الذى أمره عمر بن عبد العزيز محمد بن قيس القاضى ثم أخرج بسنده إلى يحيى بن بكير عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قال للقاضى: أخرج إلى الناس فمرهم أن يسجدوا في " إذا السماء انشقت ".
(3) قال السراج البلقينى: قد تقدم الكلام على هذا الاثر وفى الكتاب الذى للبيهقي وهو بيان خطأ من أخطأ على الشافعي ذكر هذا الاثر من رواية الربيع هكذا ثم قال خالفه الزعفراني فرواه في =(1/161)
[ الحج سجدتين ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين فقلت للشافعي فإنا نقول اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شئ فقال الشافعي: إنه يجب عليكم أن لا تقولوا اجتمع الناس إلا لما إذا لقى أهل العلم فقيل لهم اجتمع الناس على ما قلتم أنهم اجتمعوا عليه قالوا نعم وكان أقل أقوالهم لك أن يقولوا لا نعلم من أهل العلم له مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه وأما أن تقولوا اجتمع الناس واهل العلم معكم يقولون ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه فأمر إن أسأتم بهما النظر لانفسكم في التحفظ في الحديث وأن تجعلوا السبيل لمن سمع قولكم اجتمع الناس إلى رد قولكم ولا سيما إذا كنتم إنما أنتم مقصورون على علم مالك رحمنا الله وإياه وكنتم تروون عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر من يأمر القراء أن يسجدوا فيها وأنتم قد تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلا من أصول العلم فتقولون كان لا يحلف الرجل المدعى عليه إلا أن يكون بينهما مخالطة فتركتم بها قول النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه لقول عمر ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في " إذا السماء انشقت " ومعه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى أبى هريرة ولم تسموا أحدا خالف هذا وهذا عنكدم العمل (1) لان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه ثم أبو هريرة في الصحابة ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين والعمل يكون عندكم يقول عمر وحده وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في إذا السماء انشقت وأن عمر أمر بالسجود فيها وأن عمر بن الخطاب سجد في النجم ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل وهذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من علماء التابعين فقال قولكم اجتمع الناس لما حكوا فيه غير ما قلتم بين في قولكم أن ليس كما قلتم ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم ثم لا تروون عن غيره خلافه ثم رويتم عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في سورة الحج سجدتين وتقولون ليس فيها إلا واحدة وتزعمون أن الناس أجمعوا أن ليس فيها إلا واحدة ثم تقولون أجمع الناس وأنتم تروون خلاف ما تقولون وهذا لا يعذر أحد بان يجهله ولا يرضى أحد أن يكون مأخوذا عليه فيه لما فيه مما لا يخفى عن أحد يعقل إذا سمعه أرأيتم إذا قيل لكم أي الناس اجتمع على أن لا سجود في المفصل وأنتم تروون عن أئمة
الناس السجود فيه ولا تروون عن غيرهم مثلهم خلافهم أليس أن تقولوا أجمع الناس أن في المفصل سجودا أولى بكم من أن تقولوا اجتمع الناس على أن لا سجود في المفصل فإن قلتم لا يجوز إذا لم نعلمهم أجمعوا أن نقول اجتمعوا فقد قلتم اجتمعوا ولم ترووا عن أحد من الائمة قولكم ولا أدرى من الناس عندكم أخلقا كانوا فما اسم واحد منهم وما ذهبنا بالحجة عليكم إلا من قول أهل المدينة وما جعلنا الاجماع إلا إجماعهم فأحسنوا النظر لانفسكم واعلموا أنه لا يجوز ان تقولوا أجمع الناس بالمدينة حتى لا يكون بالمدينة مخالف من أهل العلم ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه أخبرنا كذا كذا ولا تدعوا الاجماع ] = كتاب القديم عن الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار قال فرأيت ابن عمر سجد في سوره الحج سجدتين ثم أخرج من طريق ابن بكير عن مالك عن عبد الله بن يسار قال وكذلك رواه القعنبى وغيره عن مالك وهذا الحديث عن نافع عن ابن عمر وهو من جهة مالك غريب وإنما قال البيهقى وهو من جهة مالك ليحترز به عن رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر فإنها ليست غريبة وقد تقدمت روايتنا عن يحيى بن يحيى فيها مالك عن عبد الله بن دينار.
(1) كذا في الاصل وانظر.
كتبه مصححه:(1/162)
[ فدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه فما أعلمه يؤخذ على أحد يتثبت على علم أقبح من هذا (قلت) للشافعي أفرأيت إن كان قولى اجتمع الناس عليه أعنى من رضيت من أهل المدينة وإن كانوا مختلفين؟ فقال الشافعي أرأيتم إن قال من يخالفكم ويذهب إلى قول من يخالفكم قول من أخذت بقوله اجتمع الناس أيكون صادقا؟ فإن كان صادقا وكان بالمدينة قول ثالث يخالفكما اجتمع الناس على قوله فإن كنتم صادقين معا بالتأويل فبالمدينة إجماع من ثلاثة وجوه مختلفة وإن قلتم الاجماع هو ضد الخلاف فلا يقال إجماع إلا لما لا خلاف فيه بالمدينة قلت هذا هو الصدق المحض فلا تفارقه ولا تدعوا الاجماع أبدا إلا فيما لا يوجد بالمدينة فيه اختلاف وهو لا يوجد بالمدينة إلا ويوجد بجميع البلدان عند أهل العلم مؤتفقين فيه لم يخالف أهل البلدان أهل المدينة إلا فيما اختلف فيه أهل المدينة بينهم (وقال لى الشافعي) واجعل ما وصفنا على هذا الباب كافيا لك لا على ما سواه إذا أردت أن تقول أجمع الناس فإن كانوا لم
يختلفوا فقله وإن كانوا اختلفوا فلا تقله فإن الصدق في غيره.
(وترجم مرة أخرى في سجود القرآن).
وفيها سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك فقال أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صفية ان عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية فقرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين (1) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في سورة الحج سجدتين فقلت للشافعي فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة فقال الشافعي فقد خالفتم ما رويتم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عامة فكيف تتخذون قول ابن عمر وحده حجة وقول عمر حجة وحده حتى تردوا بكل واحد منهما السنة وتبتنون عليها عددا من الفقه ثم تخرجون من قولهما لرأى أنفسكم هل تعلمونه مستدرك على أحد قول العورة فيه أبين منها فيما وصفنا من أقاويلكم (2).
]
__________
(1) قال السراج البلقينى: وقع في رواية الربيع هكذا وقد قال البيهقى في كتابه بيان خطأ من أخطأ على الشافعي هكذا وقع إسناد هذا الحديث في كتاب الربيع وخالفه الزعفراني فرواه في كتاب القديم عن الشافعي عن إبراهيم ابن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن ثعلبة ورواية الزعفراني أصح وقد رواه شعبة بن الحجاج أيضا عن سعد بن إبراهيم ثم أخرج بسنده إلى يزيد بن هرون وشعبة بن عامر قالا: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن ثعلبة أنه صلى مع عمر رضى الله عنه الصبح فسجد في الحج سجدتين.
(2) قال السراج البلقينى في مختصر المزني في سجود القرآن وسجود القرآن في أربع عشرة سوى سجدة ص وأنها سجدة شكر وفى جمع الجوامع وقد قيل في " ص " رواه البويطى، وفى مختصر البويطى في باب طهارة الارض ولا يسجد إلا بطهارة ومن قرأ السجدة بعد العصر أو بعد الصبح فليسجد ومن سمع رجلا يقرأ في غير الصلاة سجد فإن كان جلس إليه ليسمع قراءته فسجد فليسجد
معه وإن لم يسجد فأحب للمستمع أن يسجد وسجوده معه إذا سجد أوكد في أن لا يترك السجود ومن سمع رجلا يقرأ سجدة وهو مار به أو غير جالس إليه فليس عليه أن يسجد وإن سجد فسجوده حسن، =(1/163)
[ باب صلاة التطوع وليس في التراجم وفيه نصوص وكلام منثور فمن ذلك اختلاف علي وابن مسعود رضى الله عنهما ابن مهدى عن سفيان عن أبى إسحق عن عاصم عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى دبر كل صلاة ركعتين إلا العصر والصبح (1) (قال الشافعي) وهذا يخالف الحديث الاول يعنى الذى رواه قبل هذا عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة وسنذكر هذا بتمامه في باب الساعات التى تكره فيا الصلاة ومن ذلك في اختلاف على وابن مسعود أيضا في سنة الجمعة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال ابن مهدى عن سفيان عن أبى حصين عن أبى عبد الرحمن أن عليا رضى الله عنه قال من كان مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول يصلى أربعا (2) ومن ذلك في اختلاف مالك والشافعي رضى الله عنهما في باب القراءة في العيدين والجمعة ردا على من قال لا نبالي بأى سورة قرأ (قال الشافعي) أو رأيتم إذا استحببنا ركعتي الفجر والوتر وركعتين بعد المغرب لو قال قائل لا أبالى أن لا أفعل من هذا شيئا هل الحجة عليه إلا أن يقول قولكم لا أبالى جهالة وترك للسنة ينبغى أن تستحبوا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل حال.
ومن ذلك فيما يتعلق بالوتر وقدر ذكره في أبواب منها في اختلاف مالك والشافعي.
باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شئ فقال نعم ] = وفي جمع الجوامع ويسجد الراكب والماشي على الارض ويرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر وفى مختصر البويطى وليس في سجود القرآن ولا في سجود الشكر تشهد ولا سلام غير أنه إذا هوى للسجود بها هوى بتكبير، قال السراج البلقينى هذا المنصوص من أنه لا يتشهد ولا يسلم خالفه جمع من
الاصحاب وصححوا أنه يسلم ولا يتشهد وحكاه بعضهم قولا عن رواية المزني في المشهور والذين حكوه وجها أخذوه من التحرم فلا بد من تحلل وتأولوا فرض أنه لا يجمع بينهما قال الشيخ أبو حامد أو يكون ابن شريح وأبو إسحاق القائلان بهذا ما عرفا كلام الشافعي.
(1) قال السراج البلقينى: عبد الرحمن بن مهدى لم يسمع منه الشافعي والشافعي يقول ذلك عنه معلقا مع أن عبد الرحمن بن مهدى كتب إلى الشافعي وهو يسأل أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع فنون الاخبار فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة وسفيان المذكور هو سفيان الثوري وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي أبو داود من طريق شيخه محمد بن كثير عو العبدى عن سفيان هو الثوري عن أبى إسحاق هو السبيعى عمرو بن عبد الله عن عاصم بن ضمرة عن علي وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن عبد الرحمن عن سفيان وأخرجه بمعناه من رواية مطرف.
(2) قال السراج البلقينى أبو حصين هو بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة هو عثمان بن عاصم الاسدي وأبو عبد الرحمن هو السلمى هو عبد الله بن حبيب.(1/164)
[ والذى اختار أن صلى عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي فما الحجة في ان الوتر يجوز بواحدة؟ فقال الحجة فيه السنة والآثار أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أخشى أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى " أخبرنا مالك عن أبى شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبى وقاص كان يوتر بركعة (1) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته (2) (قال الشافعي) وكان عثمان يحيى الليل بركعة وهى وتره (3) وأوتر معاوية بواحدة فقال ابن عباس أصاب (4) فقلت للشافعي فإنا نقول لا نحب لاحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم من الركعتين والركعة من الوتر فقال الشافعي لست أعرف لما تقولون وجها والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم
تكرهون أن يصلى ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ثم سلم تأمرونه بإفراد الركعة لان من سلم من صلاة فقد فصلها عما بعدها ألا ترى ان الرجل يصلى النافلة بركعات يسلم في كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم بينهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التى قبلها وبعدها لخروجه من كل صلاة بالسلام وإن كان إنما أردتم (5) أنكم كرهتم أن يصلى واحدة لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى أكثر منها وإنما يستحب أن يصلى إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة وإن كان أراد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل مثنى مثنى فأقل مثنى مثنى أربع فصاعدا وواحدة غير مثنى وقد أوتر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن (6) فقلت للشافعي فما معنى هذا؟ فقال هذه نافلة تسع أن يوتر بواحدة وأكثر ونختار ما ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: هذا الموقوف على سعد بن أبى وقاص رويناه في الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن مالك كذلك وهو منقطع ابن شهاب لم يسمع من سعد بن ابى وقاص وقد أسنده البيهقى من طريق مصعب بن سعد ومن طريق محمد بن جبلة كلاهما عن سعد ومن طريق ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة رأيت سعدا وذكره البخاري فقال وقال الليث عن يونس وأخرجه من حديث شعيب عن الزهري.
(2) قال السراج البلقينى: هذا الموقوف هو في موطأ يحيى بن يحيى عن مالك كذلك وقد أخرجه البخاري من طريق عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع فذكره.
(3) قال السراج البلقينى: ما ذكره عن عثمان أخرجه البيهقى من حديث عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله القرشى ابن أخى طلحة بن عبيد الله.
(4) قال السراج البلقينى: وتصويب ابن عباس له أسنده الشافعي وسيأتى.
(5) قوله: وإن كان إنما أردتم الخ.
كذا في الاصل، وانظر أين جواب الشرط؟ ولعله سقط من الناسخ فحرر كتبه مصححه.
(6) قال السراج البلقينى: حديث عائشة هذا أوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس لا يجلس في شئ منها حتى يجلس في آخرهن فيسلم رواه =(1/165)
[ وصفت من غير أن نضيف غيره وقولكم والله يغفر لنا ولكم لا يوافق سنة ولا أثرا ولا قياسا ولا معقولا قولكم خارج من كل شئ من هذا وأقاويل الناس إما أن تقولوا لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض الشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن كيلا يكون الوتر واحدة وإما أن لا تكرهوا الوتر بواحدة وكيف تكرهون الوتر بواحدة وأنتم تأمرون بالسلام فيها وإذا أمرتم به فهى واحدة وإن قلتم كرهناه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوتر بواحدة ليس قبلها شئ فلم يوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليس فيهن شئ فقد استحسنتم أن توتروا بثلاث، ومنها في اختلاف مالك والشافعي.
باب في الوتر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع قال كنت مع ابن عمر ليلة والسماء متغيمة فخشى ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم تكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة (1) قال لى الشافعي وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضوعين فتقولون لا يوتر بواحدة ومن أوتر بواحدة لم يشفع وتره قال ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال لا يشفع وتره فقلت للشافعي فما تقول أنت في هذا فقال بقول ابن عمر أنه كان يوتر بركعة قال أفتقول يشفع بوتره فقلت لا فقال فما حجتك فيه فقلت روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال إذا أوترت من أول الليل فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر ومنها في اختلاف علي وابن مسعود رضى الله عنهما في باب الوتر والقنوت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عبد الرحيم عن زاذان أن عليا رضى الله عنه كان يوتر بثلاث يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل وهم يقولون نقرأ بسبح اسم ربك الاعلى.
والثانية قل أيها الكافرون والثالثة نقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وأما نحن فنقول يقرأ فيها بقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ويفصل بين الركعتين والركعة
بالتسليم (2) ومنها في اختلاف الحديث في باب الوتر (قال الشافعي) وقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر أول الليل وآخره في حديث يثبت مثله وحديث دونه وذلك فيما وصفت من المباح له أن يوتر في الليل كله ونحن نبيح له في المكتوبة أن يصلى في أول الوقت وآخره وهذا في الوتر أوسع منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو يعفور عن مسلم عن مسروق عن عائشة ] = جماعة عن هشام بن عروة فهم عروه وعبد الله بن نمير وفي روايتهما كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ منها إلا في آخرها.
أخرجه مسلم في صحيحه.
(1) قال السراج البلقينى: هذا الموقوف على ابن عمر رويناه في موطأ يحيى بن يحيى في ترجمة الامر بالوتر كما رواه الشافعي عن مالك وفيه: ثم صلى بعد ذلك ركعتين فلما خشى الصبح أوتر بواحدة.
(2) قال السراج البلقينى: كذا وقع هنا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وصوابه كما تقدم قال قال هشيم وعبد الرحيم المذكور في السند أظنه عبد الرحيم بن سليمان الكنانى وقد أخرج الاثر المذكور ابن أبى شيبة في مصنفه فقال: حدثنا هشيم قال: أخبرني عبد الملك بن أبى سليمان.(1/166)
[ قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر (1) وفى مختصر المزني في باب صلاة التطوع (قال الشافعي) التطوع وجهان أحدهما صلاة جماعة مؤكدة فلا أجيز تركها لمن قدر عليها وهى صلاة العيدين وخسوف الشمس والقمر والاستسقاء وصلاة منفرد وبعضها أوكد من بعض فأكد من ذلك الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر (2) قال ولا أرخص لمسلم في ترك واحدة منهما وإن لم أوجبهما ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين وأحب إلى عشرون لانه روى عن عمر وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث (3) (قال المزني) ولا أعلم الشافعي ذكر موضع ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: أبو يعفور هذا هو واقد ويقال وقدان هو أبو يعفور الكبير وأما أبو يعفور الصغير فهو عبد الرحمن بن عبيد بن قسطاس ومسلم المذكور في السند هو مسلم بن صبيح بضم الصاد
المهملة وهو أبو الضحى والحديث أخرجه البخاري ومسلم، البخاري في الوتر عن عمر بن حفص ابن غياث عن أبيه عن الاعمش عن مسلم أبى الضحى، وأخرجه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة وأبى كريب كلاهما عن أبى معاوية عن الاعمش وعن على ابن حجر عن حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق وعن يحيى بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن أبى يعفور كلاهما عن أبى الضحى عن مسروق عن عائشة.
(2) قال السراج البلقينى: والقول بركعتي الفجر كسنة الوتر المذكور في تصانيف الاصحاب هو القديم.
(3) قال السراج البلقينى: اختلفوا في فهم كلام المختصر في قوله فصلاة المنفرد أحب إلى منه فقالت طائفة أراد أن صلاة التراويح انفرادا أفضل من إقامتها جماعة قال الماوردى وبهذا قال أكثر أصحابنا ومنهم من قال: أراد أن الراتبة التى قال عنها في الوجه الثاني صلاة المنفرد وهى الوتر وركعتا الفجر أفضل من التراويح وإن شرعت للتراويح الجماعة وفى المجموع للمحاملى ان هذا قاله ابن سريج وعامة إصحابنا وكل من ذكر هذا التأويل من الشيخ أبى حامد والقاضى أبى الطيب وابن الصباغ وغيرهم يخصصه بركعتي الفجر والوتر ولم يقل أحد من الاصحاب المتقدمين بتفضيل الرواتب غير الوتر وركعتي الفجر من سنة الظهر وغيرها على التراويح تفريعا على استحباب الجماعة في التراويح إلا المتأخرون وصححوه واتبعوا فيه إطلاق إمام الحرمين ومن تبعه وهو مردود مخالف لنص الشافعي في البويطى الذى سنذكره ومخالف لما اتفق عليه الاصحاب القدماء فهو شئ لا يلتفت إليه ولا يعول عليه بل بالغ القاضى أبو الطيب فجعل صلاة التراويح مقدمة على صلاة الاستسقاء وعلى صلاة الجنازة وفى مختصر البويطى في ترجمة طهارة الارض والوتر سنة وركعتا الفجر سنة والعيدان سنة والكسوف والاستسقاء سنة مؤكدة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد الفجر قبل أن يصلى الصبح والكسوف والعيدان والاستسقاء أوكد وقيام رمضان في معناها في التوكيد هذا نص البويطى وقد صححوا أن الجماعة تستحب في صلاة التراويح فقضية ذلك تقديم صلاة التراويح على الرواتب مطلقا من الوتر والفجر
وغيرهما وهو القياس وإن كان في كلام البويطى أو لا يمكن إخراج الوتر وركعتي الفجر منه لكنه تغيير والاصح تقديم التراويح على الرواتب مطلقا تفريعا على استحباب الجماعة في التراويح وأما التفريع على =(1/167)
[ القنوت من الوتر ويشبه قوله بعد الركوع كما قال في قنوت الصبح ولما كان قول من رفع رأسه بعد الركوع سمع الله لمن حمده وهو دعاء كان هذا الموضع للقنوت الذى هو دعاء أشبه ولان من قال يقنت قبل الركوع يأمره يكبر قائما ثم يدعو وإنما حكم من يكبر بعد القيام إنما هو للركوع فهذه تكبيرة زائدة في الصلاة لم تثبت بأصل ولا قياس (1) وفى كتاب اختلاف علي وعبد الله بن مسعود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: قال هشيم عن عطاء بن السائب إن عليا كان يقنت في الوتر بعد الركوع وهم لا يأخذون بهذا يقولون يقنت قبل الركوع وإن لم يقنت قبل الركوع لم يقنت بعده وعليه سجدتا السهو (2) (قال الشافعي) وآخر الليل أحب إلى من أوله وأن جزء الليل أثلاثا فالاوسط أحب إلى أن يقومه فإن فاته الوتر حتى يصلى الصبح لم يقض قال ابن مسعود الوتر ما بين العشاء والفجر وإن فاتت ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض لان أبا هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (3) وفى اختلاف ] = أنه لا يستحب فيها الجماعة فقد قال جمع من الاصحاب لا خلاف يفضل الرواتب عليها وليس كذلك بل يخرج من وجه أبى إسحق المقدم صلاة الليل على سنة الفجر وغيرها من الرواتب أن التراويح أفضل لانها من قيام الليل وقد قواه بعضهم بما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصلاة أفضل بعد الفريضة فقال صلاة الليل وهذا القول هو ممن قال لا خلاف أن الرواتب أفضل من التراويح تفريعا على أن الجماعة لا تستحب فيها وليس الامر كما قال (7) وأما قول الشافعي رحمه الله تعالى وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر قبل الركعة قال عبد الرزاق ويكبر إذا رفع رأسه من الركعة ثم يكبر أيضا إذا خر وبه نأخذ وما ذكره عبد الرزاق من أنه يكبر إذا رفع رأسة من الركعة لا يعرف والمعروف إنما هو سمع الله لمن حمده والتحميد إلى آخر ما جاء فيه ولعله ويكبر ويكبر أيضا إذا ركع وهكذا بعد عن القنوت قبل الركوع وسيأتى.
(1) قال السراج البلقينى: ما ذكره المزني أنه لا يعلمه للشافعي قد علمه غيره فروى حرملة عن الشافعي أنه بعد الركوع وفى جمع الجوامع وقال الشافعي في رواية حرملة القنوت كله بعد الركوع.
(2) قال السراج البلقينى: ولم يتعرض الشافعي رحمه الله تعالى في اختلاف على وعبد الله للاخذ به ولكنه أومأ إليه والمعتمد في مذهبه ما نص عليه في رواية حرملة أنه بعد الركوع وقال ابن سريج قبل الركوع وفى وجه يتخير وإذا قلنا يقنت قبل الركوع فلا يكبر على الاصح وقيل يكبر وهو الذى نقله المازنى عن الذين يقولون القنوت قبل الركوع وقد تقدم ما في ذلك.
(3) قال السراج البلقينى: ما ذكره المزني عن الشافعي من أنه إذا فاته الوتر حتى يصلى الصبح لم يقض ظاهره أنه يوتر قبل صلاة الصبح إداء والمصير إلى أنه يقضيه بعد الفجر إلى صلاة الصبح خلاف الظاهر وقد ذكر البويطى في مختصره في طهارة الارض فقال ومن طلع الفجر عليه قبل أن يوتر فليوتر ما بينه وبين أن يصلى الصبح فإن صلى الصبح فلا إعادة عليه وهذا يقتضى أن وقت الوتر بعد فعل العشاء إلى أن يصلى الصبح وفى جمع الجوامع عن الشافعي رحمه الله وقت الوتر ما بين الصلاتين صلاة العشاء وصلاة الفجر فإن صلى الصبح قبل أن يصلى الوتر لم يقضه ولو صرنا إلى النظر لم يقض واحدة منهما (يعنى الوتر والفجر) ولكنا إنما اتبعنا فيه الاثر روينا عن ابن عمر أنه قضى ركعتي الفجر وأخبر أنه لا قضاء عليه في الوتر والكلام على قضاء ما ذكر سيأتي وقد نص في سنن حرملة على ما يقتضى أن الوتر =(1/168)
[ على وابن مسعود رضى الله عنهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أبى هرون الغنوى عن خطاب بن عبد الله قال قال على رضى الله عنه الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلى ركعتين ركعتين حتى يصبح وإن شاء أوتر آخر الليل وهم يكرهون ان ينقض الرجل وتره ويقولون إذا أوتر صلى مثنى مثنى (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال يزيد بن هرون عن حماد عن عاصم عن أبى عبد الرحمن أن عليا رضى الله عنه حين ثوب الؤذن فقال أين السائل عن الوتر نعم ساعة الوتر هذه ثم قرأ والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس وهم لا يأخذون بهذه ويقولون ليست هذه من ساعات الوتر (2) (قال الشافعي) هشيم عن حصين قال حدثنا
ابن ظبيان قال كان علي رضى الله عنه يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح فيقول الصلاة الصلاة فإذا قام الناس قال نعم ساعة الوتر هذه فإذا طلع الفجر صلى ركعتين فأقيمت الصلاة (3) وفى البويطى ] = يخرج وقته بطلوع الفجر وهو المعتمد عند الاصحاب قال البيهقى في المعرفة في ترجمة وقت الوتر قال الشافعي في سنن حرملة أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال حدثنى سليمان بن موسى قال حدثنى نافع أن ابن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخره وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب صلاة الليل والوتر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوتروا قبل الفجر والقائل فإذا كان الفجر إلى آخر الخبر هو ابن عمر وقد رواه البيهقى في السنن من غير طريق الشافعي فأخرجه من طريق أحمد بن الوليد الفحام حدثنا أحمد بن حجاج من طريق محمد بن الفرح الازرق قال حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى حدثنا نافع ان ابن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب صلاة الليل والوتر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوتروا قبل الفجر وما أشار إليه الشافعي من أثر ابن مسعود ذكره في القديم أيضا فقال ويصلى الوتر ما لم يصله الصبح وذكر عن ابن مسعود الوتر ما بين صلاتين صلاة العشاء الآخرة إلى صلاة الفجر والاثر أخرجه البيهقى في المعرفة والسنن من حديث الاسود عن ابن مسعود.
(1) قال السراج البلقينى سكت الشافعي هنا عن مذهبه في أنه لا ينقض الوتر وقد ذكرناه فيما سبق وهو أنه لا ينقضه ولمن ذكر من أصحابه وجها أنه ينقضه أن يتعلق بسكوت الشافعي هنا.
(2) قال السراج البلقينى: يزيد بن هرون لم يسمع منه الشافعي والحكاية معلقة وقد سكت الشافعي هنا عن مذهبه وقد سبق من رواية المزني والبويطى إن وقت الوتر إلى صلاة الصبح وقد سبق ما في رواية حرملة أنه إلى طلوع الفجر والمعتمد في ذلك.
(3) قال السراج البلقينى كذا وقع في نسخة الام ابن ظبيان وإنما هو أبو ظبيان بكسر الظاء المعجمة حصين بن جندب وهو الراوى عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه وهو بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وكذا الراوى عنه وهو حصين بن عبد الرحمن السلمى والمروى عن علي في هذه الرواية
يقتضى تقديم الوتر على طلوع الفجر فخلاف الروايات السابقة وروى البيهقى في السنن من حديث عاصم بن ضمرة أن قوما أتو عليا فسألوه عن الوتر فقال سألتم عنه أحدا فقالو سألنا أبا موسى فقال لا وتر بعد الآذان فقال لقد أغرق في النزع فأفرط في الفتوى كل شئ ما بينك وبين صلاة الغداة وتر متى أوترت فحسن ولم يذكر الشافعي في وقت الوتر من رواية المزني في مختصره والربيع في الام إلا =(1/169)
[ يقرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد أحب إلى وإن قرأ غير هذا مع أم القرآن ] = الآثار التي تقدمت ولكنه في رواية حرملة ذكر الخبر الذى رواه من طريق ابن عمر وقد تقدم في ذلك أخبار فمنها ما رواه أبو سعيد الخدرى أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال الوتر قبل الصبح أخرجه مسلم في صحيحه وفى رواية أوتروا قبل أن تصبحوا وفى صحيح مسلم من طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بادروا الصبح بالوتر " وفى الصحيحين عن ابن عمر من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره حتى انتهى وتره إلى السحر وفيهما عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى الصبح صلى واحدة وأما الحديث الذى رواه خارجة بن حذافة العذري أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الوتر الوتر " أخرجه البيهقى ثم قال البخاري لا يعرف لاسناده سماع بعضهم من بعض ويقابل هذه الاخبار أخبار تقتضي أنه يصلى الوتر بعد الصبح فمن ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر " ومنها حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح فيوتر وفى حديث أبى الدرداء ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح أخرجها كلها البيهقى وقال عن هذا تفرد به حاتم بن سالم وحديث ابن جريج أصح يعني الذى ذكر فيه أن أبا الدرداء خطب فقال من أدرك الصبح فلا وتر له وأن عائشة رضى الله عنها ردت عليه في ذلك بما روته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وروى البيهقى عن أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح فأوتر قال البيهقى هكذا وجدته في الفوائد الكبير ثم روى عن ابن عمر أنه
أصبح ولم يوتر أو كاد يصبح أو أصبح إن شاء الله أوتر قال وهذا أشبه وروى عن الاغر المزني أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله إنى أصبحت ولم أوتر قال إنما الوتر بالليل ثلاث مرات أو أربعا قم فأوتر وما ذكره المزني عن الشافعي من أنه لا يقضى الوتر إذا صلى الصبح وذلك ما قدمناه من رواية البويطى حكاه المزني عن الاصحاب عن الشافعي في باب " الساعات التى تكره فيها صلاة التطوع " وهو قبل باب صلاة التطوع فقال قال أصحابنا قال الشافعي التطوع وجهان فذكر ما سبق أول ما نقلنا عنه ثم قال وقالوا إن فاته الوتر حتى يصلى الصبح لم يقض وإن فاته ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض وقالوا فأما صلاة فريضة أو جنازة أو مأمور بها مؤكدة إن لم تكن فرضا أو كان يصليها فأغفلها فتصلى في الاوقات التى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها للدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبأنه رأى قيسا يصلى بعد الصبح فقال ما هاتان الركعتان؟ فقال ركعتا الفجر فلم ينكره وبأنه صلى ركعتين بعد العصر قال فسألته عنهما أم سلمة فقال هما ركعتان كنت أصليهما فشغلني عنهما الوفد وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أحب الاعمال إلى الله أدومها وإن قل فأحب فضل الدوام فقال لهم فإذا سويتم في القضاء بين التطوع الذى ليس بمؤكد وبين الفرض لدوام التطوع الذى ليس بأوكد فلم أبيتم قضاء الوتر الذى هو أوكد ثم ركعتي الفجر اللتين تليان في التأكيد اللتين هما أوكد وهذا من القول غير مشكل وبالله التوفيق ومن احتجاجكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء التطوع من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وخالفتم ما احتججتم في هذا المعنى فإن قالوا فنقول القضاء على القرب لا على البعد قيل لهم لو كان كذلك لكان =(1/170)
[ أجزأه وفيه في آخر ترجمة طهارة الارض ومن دخل مسجدا فليركع فيه قبل أن يجلس فإن رسول الله ] = ينبغي على معنى ما قلتم ان لا تقضى ركعتا الفجر نصف النهار لبعد قضائهما من طلوع الفجر وأنتم تقولون تقضى ما لم تصل الظهر وهذا تباعد وكان ينبغى أن تقولوا إن صلى الصبح عند الفجر إن له أن يقضى الوتر لان وقتها إلى الفجر أقرب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح فليوتر فهذا قريب من الوقت وأنتم لا تقولون به.
وفى ذلك أبطال ما أعتللتم به هذا
كلام المزني وكثير مما أشار إليه سيأتي في نقل الربيع عن الشافعي في باب " الساعات التى نهى عن الصلاة فيها " وقد أثبت الاصحاب قولا للشافعي بإثبات القضاء للمؤقتة التي لا تتعلق بسبب مطلقا وصححه جمع منهم وهو المعتمد في المذهب كما اختاره المزني وللشافعي كلام في قضاء العيد يأتي في موضعه وفى القديم إذا لم يصل ركعتي الفجر حتى تقام الصلاة لم أحب ان يصليهما وإذا فاتته أحببت له أن يقضيهما في يومه بعدما تطلع الشمس وكذلك حكاه البيهقى وخرج من ذلك كله في قضاء الرواتب المذكورة أقوال أصحها يقضى أبدا والثانى يقضى الوتر ما لم يصل الصبح ويقضى سنة الصبح ما لم يصل الظهر وعلى هذا المثال ونسب هذا بعض المصنفين إلى حكاية الخراسانيين وضعفه وهذا القول هو منصور المختصر في باب الساعات التى نهى عن الصلاة فيها حكاه عن حكاية الاصحاب عن الشافعي وهو أحد المحملين لما ذكره من النص في باب صلاة التطوع لكنه خصص في باب الساعات التى نهى عن الصلاه فيها بالوتر وركعتي الفجر خاصة دون ما عداهما ولم أر من حكى هذا القول المفصل للمزني وكأن من عداه إلى بقية الرواتب لم يقف على كلام المزني وعداه بالعلة فيخرج من مجموع ذلك ثلاثة أقوال والرابع أنه يقضي فائتة النهار ما لم تغرب شمسه وفائتة الليل ما لم يطلع فجره وفى القديم ما يدل على هذا ففى جمع الجوامع وإذا فاتته ركعتا الفجر أحببت له أن يقضيهما في يومه والقول الخامس ما استقل كالعيد والضحى يقضى وما لا يستقل فلا يقضى بعدما تطلع الشمس وعلى هذا ينبغى أن يقضى الوتر لانه مستقل والقول السادس أنه لا يقضى ركعتي الفجر إذا زالت الشمس ذكره البويطي ومنهم من يحتكه وجها وكل هذا يخرج مما سبق وما ذكره المزني من الاحتجاج أن من فاتته ركعتا الفجر يقضيهما إذا صلى الظهر بما ذكره من قول أبى هريرة رضى الله عنه لم يذكره بما ذكره الشافعي في القديم وإنما ذكر إذا لم يصلهما حتى صلى الصلاة يعنى الصبح فذكر هذا عن أبى هريرة وهذا موضعه فحوله المزني إلى صلاة الظهر وذكر هذا الاثر ولو كان معناه إذا أقيمت الصلاة ذهبت الصلاة التطوعات التى قبلها فلا تفعل بعد ذلك ولا صلاة إلا المكتوبة لكان قضية هذا أن لا يركع ركعتي الفجر بعد فعل الصبح وقد قال الشافعي في رواية البويطى فإن صلاهما بعد الصبح؟ فحس؟ وقد تقدم فيه حديث قيس فظهر أن المزني حصل له خلل في هذا الموضع وما ذكره عن أبى هريرة رواه
الشافعي في القديم موقوفا عليه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة قوله ورواه سعيد بن منصور في سننه موقوفا إلا أنه قال في آخره فقلت لسفيان مرفوع؟ قال نعم ثم ذكر البيهقى حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل وقال رواه مسلم في الصحيح قال وقد روينا حديث أم سلمة قضاء النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين اللتين شغله عنهما الوفد قال فقضاء النوافل به وبما ذكرناه ثابت وإن كان الاستحباب بقضائهما على القرب آكد وقد =(1/171)
[ صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال: " تحية المسجد ركعتان " (1).
باب الساعات التى تكره فيها الصلاة وهو مذكور في اختلاف الحديث أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى ابن حبان عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاه بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتحرى أحدكم فيصلى عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (3) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت إلى الغروب قارنا فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات (4) (قال ] = نص الشافعي على استحباب القضاء في العيد لما ذكر فيه وإن لم يكن راتبا ونحن نذكره في موضعه إن شاء الله وكان البيهقى قبل ذلك ذكر رواية بشير بن نهيك عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما وقال في السنن الكبير تفرد به عمرو بن عاصم وهو ثقة.
(1) قال السراج البلقينى: ما ذكره من الخبر رواه البخاري ومسلم من حديث أبى قتادة وقوله وقال
تحية المسجد ركعتان الظاهر أن هذا من قول الشافعي ويحتمل أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولم أقف على أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها تحية إلا في حديث واحد ذكره أبو نعيم في حلية الاولياء في ترجمة أبى ذر رضى الله عنه من حديث أبى إدريس الخولانى عن أبى ذر قال دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال " يا أبا ذر اين تحية المسجد وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما " فقمت فركعتهما ثم عدت فجلست إليه وروى الاشرم في سننه بإسناد جيد أنه صلى الله عليه وسلم قال " أعطوا المساجد حقها " قالوا: يا رسول الله، وما حقها قال أن تصلى ركعتين قبل أن تجلس.
(2) قال السراج البلقينى: حديث أبى هريرة هذا من طريق مالك أخرجه مسلم في صحيحه من طريق يحيى ابن يحيى وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن مالك وكذلك، وأخرج البخاري ومسلم حديث أبى هريرة من حديث حفص بن عاصم عن أبى هريرة.
(3) قال السراج البلقينى: حديث ابن عمر أخرجه الصحيحان البخاري من حديث عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم من حديث يحيى بن يحيى وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن مالك كذلك.
(4) قال السراج البلقينى: حديث الصنابحى هذا هو في الموطأ روايتنا من طريق يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي من حديث قتيبة عن مالك كذلك وأما ابن ماجه فأخرج الحديث من طريق شيخه إسحق بن منصور الكوسج عن عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى =(1/172)
الشافعي) وروى عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " نام عن الصبح فصلاها بعد أن طلعت الشمس ثم قال من نسى الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عزوجل يقول " أقم الصلاة لذكرى " (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار
عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فعرس فقال ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد عن الصلاة؟ فقال بلال أنا يا رسول الله قال فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر قال فلم يفزعوا إلا بحر الشمس في وجوههم فقال رسول ] = عبد الله الصنابحى كذا وقع في كتاب ابن ماجة عن أبى عبد الله واعلم ان جماعة من الاقدمين نسبوا الامام مالكا إلى انه وقع له خلل في هذا الحديث باعتبار اعتقادهم أن الصنابحى في هذا الحديث هو عبد الرحمن ابن عسيلة أبو عبد الله وإنما صحب أبا بكر الصديق رضى الله عنه وليس الامر كما زعموا بل هذا صحابي غير عبد الرحمن بن عسيلة وغير الصنابحى بن الاعسر الاحمسي وقد بينت ذلك بيانا شافيا في تصنيف لطيف سميته " الطريقة الواضحة في تبيين الصنابحة " فلينظر ما فيه فإنه نفيس.
(1) قال السراج البلقينى: هذا الحديث رواه الشافعي في غير هذا الموضع عن إبراهيم بن محمد عن إسحق ابن عبد الله عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة كما ذكر هنا وإنما أسقط هنا شيخه إبراهيم بن محمد وهذا الحديث ضعيف، في إسناده إسحق بن عبد الله بن أبى فروة وقد اتفقوا على ضعفه ولم يجعل الشافعي هذا الحديث عمدة في هذا الاستثناء وفى مختصر المزني ذكر عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا في يوم الجمعة وحديث أبى سعيد هذا قد اشار إليه البيهقى بعد روايته حديث أبى هريرة فقال وروى في ذلك عن أبى سعيد الخدرى وعمرو بن عنبسة مرفوعا وكان قد قدم حديث مجاهد عن أبى الخليل عن أبى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة وهذا الحديث أخرجه أبو داود وقال هو مرسل مجاهد أكبر من أبى الخليل وأبو الخليل لم يسمع من أبى قتادة وما ذكره أبو داود من أن أبا الخليل لم يسمع من أبى قتادة يقتضى انقطاعا في السند فسماه مرسلا ولا حجة مع الانقطاع قال البيهقى الاعتماد على أن النبي صلى الله عليه وسلم استحب التبكير إلى الجمعة ثم رغب في الصلاة إلى خروج الامام من غير تخصيص ولا استثناء وما ذكره البيهقى أشار الشافعي إلى ما هو أقوى منه وهو قوله في آخر الباب لان من شأن الناس التهجير للجمعة والصلاة إلى خروج الامام قال وهذا مثل الحديث في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام اليوم قبل شهر
رمضان إلا أن يوافق ذلك صوم رجل كان يصومه وأشار الشافعي بذلك إلى أن هذا عمل متفق عليه فستثنى؟ من أحاديث النهى ويقتضيه القياس على مسألة الصوم وأيضا فإن هذا الترغيب لم يطرقه تخصيص بخلاف أحاديث النهى فإنها مخصوصة بأمور كما سيأتي.
(2) قال السراج البيهقى: كذا رويناه في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى مرسلا وقد وصله يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة وقد أخرجه مسلم في صحيحه في القدر موصولا كما ذكر.(1/173)
[ الله صلى الله عليه وسلم يا بلال فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك قال فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى ركعتي الفجر ثم اقتادوا رواحلهم شيئا ثم صلى الفجر (قال الشافعي) وهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلا من حديث أنس وعمران ابن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسى الصلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ويزيد الآخر أي حين ما كانت (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بنى عبد مناف من ولى منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه وزاد عطاء: يا بنى عبد المطلب يا بنى هاشم أو يا بنى عبد مناف أخبرنا الربيع قال أخبرنا سفيان عن عبد الله ابن أبى لبيد قال سمعت أبا سلمة قال قدم معاوية المدينة قال فبينا هو على المنبر إذ قال يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر قال أبو سلمة فذهبت معه وبعث ابن عباس عبد الله بن الحرث بن نوفل معنا قال اذهب فاسمع ما تقول أم المؤمنين قال فجاءها فسألها فقالت له عائشة لا علم لى ولكن اذهب إلى أم سلمة فسلها قال فذهبنا معه إلى ام سلمة فقالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يا رسول
الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال إنى كنت أصلى ركعتين بعد الظهر وانه قدم على وفد بنى تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة عن قيس عن محمد بن ابراهيم التيمي عن جده قيس قال رانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلى ركعتين بعد الصبح فقال هاتان الركعتان يا قيس؟ فقلت لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وليس بعد هذا اختلافا في الحديث بل بعض هذه الاحاديث يدل على بعض فجماع نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد ما تبدو حتى تبرز عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد مغيب بعضها حتى يغيب كلها وعن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ليس على كل صلاة لزمت المصلى بوجه من الوجوه أو تكون الصلاة مؤكدة فأمر بها وإن لم تكن فرضا أو صلاة كان الرجل يصليها فأغفلها وإذا كانت واحدة من هذه الصلوات صليت في هذه الاوقات بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع الناس في الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر (قال الشافعي) فإن قال قائل فأين الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل في قوله " من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " فإن الله عزوجل يقول " أقم الصلاة لذكرى " وأمره أن لا يمنع أحد طاف بالبيت وصلى أي ساعة شاء وصلى المسلمون على جنائزهم بعد الصبح والعصر (قال الشافعي) ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث أنس أخرجه البخاري ومسلم وكذلك حديث عمران ولفظه " أي حين ما كانت " لم أقف عليها وأشار الشافعي بذلك إلى ان هذا عمل متفق عليه.
(2) قال السراج البلقينى: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الاربعة وقال الترمذي حديث حسن صحيح وباباه بباء موحدة مكررة ويقال بابيه أيضا وبابى:(1/174)
[ وفيما روت أم سلمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما بالوفد فصلاهما بعد العصر لانه كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما قال وروى قيس جد يحيى ابن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه يصلى ركعتين بعد الصبح فسأله فأخبره بأنهما ركعتا
الفجر فأقره لان ركعتي الفجر مؤكدتان مأمور بهما فلا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التى نهى عنها على ما وصفت من كل صلاة لا تلزم فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها أو شغل عنها وكل صلاة أكدت وإن لم تكن فرضا كركعتي الفجر والكسوف فيكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم فيما سوى هذا ثابتا (قال الشافعي) والنهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار مثله إذا غاب حاجب الشمس وبرز لا اختلاف فيه لانه نهى واحد وهذا مثل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة لان من شأن الناس التهجير للجمعة والصلاة إلى خروج الامام (قال) وهذا مثل الحديث في نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام اليوم قبل شهر رمضان إلا أن يوافق ذلك صوم رجل كان يصومه.
باب الخلاف في هذا الباب حدثنا الربيع قال الشافعي رحمه الله تعالى فخالفنا بعض أهل ناحيتنا وغيره فقال يصلى على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح ما لم تقارب الشمس أن تطلع وما لم تتغير الشمس واحتج في ذلك بشئ رواه عن ابن عمر يشبه بعض ما قال (قال الشافعي) وابن عمر إنما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهى أن يتحرى أحد فيصلى عند طلوع الشمس وعند غروبها ولم أعلمه روى عنه النهى عن الصلاة بعد العصر ولا بعد الصبح فذهب ابن عمر إلى ان النهى مطلق على كل شئ فنهى عن الصلاة على الجنائز لانها صلاة في هذين الوقتين وصلى عليها بعد الصبح وبعد العصر لانا لم نعلمه روى النهى عن الصلاة في هذه الساعات (قال الشافعي) فمن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح والعصر كما نهى عنها عند طلوع الشمس وعند غروبها لزمه أن يعلم ما قلنا من أنه إنما نهى عنها فيما لا يلزم ومن روى يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين كان يصليهما بعد الظهر شغل عنهما وأقر قيسا على ركعتين بعد الصبح لزمه أن يقول نهى عنها فيما لا يلزم ولم ينه الرجل عنه فيما اعتاد من صلاة النافلة وفيما تؤكد منها عليه ومن ذهب هذا عليه وعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فلا يجوز له أن يقول إلا بما قلنا به أو ينهى عن الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر بكل حال (قال الشافعي) وذهب أيضا إلى
أن لا يصلى أحد للطواف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس واحتج بأن عمر بن الخطاب طاف بعد الصبح ثم نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذى طوى فصلى (قال الشافعي) فإن كان عمر كره الصلاة في تلك الساعة فهو مثل مذهب ابن عمر وذلك أن يكون علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فرأى نهيه مطلقا فترك الصلاة في تلك الساعة حتى طلعت الشمس ويلزم من قال هذا أن يقول لا صلاة في جميع الساعات التى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها لطواف ولا على جنازة وكذلك يلزمه أن لا يصلى فيها صلاة فائتة وذلك من حين يصلى الصبح إلى ان تبرز الشمس وحين يصلى العصر إلى ان(1/175)
يتتام مغيبها ونصف النهار إلى ان تزول الشمس (قال الشافعي) وفى هذا المعنى أن أبا أيوب الانصاري سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أن تستقبل القبلة أو بيت المقدس لحاجة الانسان قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد صنعت فننحرف ونستغفر الله وعجب ابن عمر ممن يقول لا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس لحاجة الانسان وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته (قال الشافعي) علم أبو أيوب النهى فرآه مطلقا وعلم ابن عمر استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ولم يعلم النهى ومن علمهما معا قال النهى عن استقبال القبلة وبيت المقدس في الصحراء التى لا ضرورة على ذاهب فيها ولا ستر فيها لذاهب لان الصحراء ساحة يستقبله المصلى أو يستدبره فترى عورته إن كان مقبلا أو مدبرا وقال لا بأس بذلك في البيوت لضيقها وحاجة الانسان إلى المرفق فيها وسترها وإن أحدا لا يرى من كان فيها إلا أن يدخل أو يشرف عليه (قال الشافعي) وفى هذا المعنى أن أسيد بن حضير وجابر بن عبد الله صليا مريضين قاعدين بقوم أصحاء فأمراهم بالقعود معهما وذلك أنهما والله أعلم علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأمرهم بالجلوس فأخذا به وكان الحق عليهما ولا أشك أن قد عزب عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذى مات فيه جالسا وأبو بكر إلى جنبه قائما والناس من ورائه قياما فنسخ هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس وراءه إذا صلى شاكيا وجالسا وواجب على كل من علم الامرين معا ان يصير
إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآخر إذا كان ناسخا للاول أو إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم الدال بعضه على بعض (قال الشافعي) وفى مثل هذا المعنى أن على بن أبى طالب رضى الله عنه خطب الناس وعثمان بن عفان محصور فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وكان يقول به لانه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن واقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهما فلما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه عند الدافة ثم قال كلوا وتزودوا وادخروا وتصدقوا وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال كلوا وتزودوا وتصدقوا كان يجب على من علم الامرين معا ان يقول نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لمعنى وإذا كان مثله فهو منهي عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه أو يقول نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في وقت ثم أرخص فيه من بعد والآخر من أمره ناسخ للاول (قال الشافعي) وكل قال بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى أو نسخه فعلم الاول ولم يعلم غيره فلو علم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه صار إليه إن شاء الله (قال الشافعي) ولهذا أشباه غيره في الاحاديث وإنما وضعت هذه الجملة عليه لتدل على أمور غلط فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه إن من متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والامانة من يعزب عنه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ علمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أن علم خاص السنن إنما هو علم خاص لمن فتح الله عزوجل له علمه لا أنه عام مشهور شهرة الصلاة وجمل الفرائض التي كلفتها العامة ولو كان مشهورا شهرة جمل الفرائض ما كان الامر فيما وصفت من هذا وأشباهه كما وصفت ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك ثبوته وأن لا نعول على حديث ليثبت أن وافقه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرد لان عمل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عملا خالفه لان لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كلهم حاجة(1/176)
إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روى عنه ووافقه يزيد
قوله شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لان قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن قال قائل صح الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم عن بعض أصحابه لخلافه لان كلا روى خاصة ومعا وإن بينهما مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يصار إليه ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لاحد أن يقول إنما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجز أن نذكره عنه إلا رأيا له ما لم يقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هكذا لم يجز أن يعارض بقول أحد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو قال قائل لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أخذ من قوله وترك لقوله غيره من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز في قول النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد لقول أحد غيره فإن قال قائل فاذكر لى في هذا ما يدل على ما وصفت فيه قيل له ما وصفت في هذا الباب وغيره متفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والثقة والثبت والمبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه لان قوله حكم يلزم حتى كان يقضى بين المهاجرين والانصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره أو كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضى أن في الابهام خمس عشرة والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفى التى تلى الخنصر تسعا وفى الخنصر ستا حتى وجد كتابا عند آل عمرو بن حزم الذى كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم وفى كل أصبع مما هنالك عشر من الابل فترك الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ففعلوا في ترك أمر عمر لامر النبي صلى الله عليه وسلم فعل عمر في فعل نفسه في أنه ترك فعل نفسه لامر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك الذى أوجب الله عزوجل عليه وعليهم وعلى جميع خلقه (قال الشافعي) وفى هذا دلالة على أن حاكمهم كان يحكم برأيه فيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل على
أن علم خاص الاحكام خاص كما وصفت لا عام كعام جمل الفرائض (قال الشافعي) وقسم أبو بكر حتى لقى الله عزوجل فسوى بين الحر والعبد ولم يفضل بين أحد بسابقة ولا نسب ثم قسم عمر فألغى العبيد وفضل بالنسب والسابقة ثم قسم على فألغى العبيد وسوى بين الناس وهذا أعظم ما يلي الخلفاء وأعمه وأولاه ان لا يختلفوا فيه وانما جعل الله عزوجل في المال ثلاثة اقسام قسم الفئ وقسم الغنيمة وقسم الصدقة فاختلف الائمة فيها ولم يمتنع أحد من أخذ ما أعطاه أبو بكر ولا عمر ولا علي وفى هذا دلالة على أنهم يسلمون لحاكمهم وإن كان رأيهم خلاف رأيه وإن كان حاكمهم قد يحكم بخلاف آرائهم لا أن جميع أحكامهم من جهة الاجماع منهم وعلى أن من ادعى أن حكم حاكمهم إذا كان بين أظهرهم ولم يردوه عليه فلا يكون إلا وقد رأوا رأيه قيل إنهم لو رأوا رأيه فيه لم يخالفوه بعده فإن قال قائل قد رأوه في حياته ثم خلافه بعده: قيل له فيدخل عليك في هذا إن كان كما قلت إن إجماعهم لا يكون حجة عندهم إذا كان لهم أن يجمعوا على قسم أبى بكر ثم يجمعوا على قسم عمر ثم يجمعوا على قسم على وكل واحد منهم يخالف صاحبه فإجماعهم إذا ليس بحجة عندهم أولا ولا آخرا وكذلك لا يجوز إذا لم يكن عندهم(1/177)
حجة أن يكون على من بعدهم حجة فإن قال قائل فكيف تقول قلت لا يقال لشئ من هذا إجماع ولكن ينسب كل شئ منه إلى فاعله فينسب إلى أبى بكر فعله وإلى عمر فعله وإلى علي فعله ولا يقال لغيرهم ممن أخذ منهم موافقة لهم ولا مخالفة ولا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل إنما ينسب إلى كل قوله وعمله وفى هذا ما يدل على أن ادعاء الاجماع في كثير من خاص الاحكام ليس كما يقول من يدعيه فإن قال قائل أفتجد مثل هذا؟ قلنا: إنما بدأنا به لانه أشهر ما صنع الائمة وأولى أن لا يختلفوا فيه وأن لا يجهله العامة ونحن نجد كثيرا من ذلك أن ابا بكر جعل الجد أبا ثم طرح الاخوة معه ثم خالفه فيه عمر وعثمان وعلي.
ومن ذلك ان أبا بكر رأى على بعض أهل الردة فداء وسبيا وحبسهم لذلك فأطلقهم عمر وقال لا سبي ولا فداء مع غير هذا مما سكتنا عنه ونكتفى بهذا منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال توفى حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت
وصامت وهى أعجمية لم تفقه لم ترعه إلا بحملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فحدثه فقال له عمر لانت الرجل لا يأتي بخير فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر فقال أحبلت؟ فقالت: نعم من مر عرس بدرهمين وإذا هي تستهل بذلك ولا تكتمه قال وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال أشيروا على قال: وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال: علي وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد فقال أشر على يا عثمان فقال قد أشار عليك اخواك فقال أشر أنت على قال أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه فقال عمر صدقت صدقت والذى نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه فجلدها عمر مائة وغربها عاما (قال الشافعي) فخالف عليا وعبد الرحمن فلم يجدها حدها عندهما وهو الرجم قال وخالف عثمان أن لا يحدها بحال وجلدها مائة وغربها عاما فلم يرو عن أحد منهم من خلافه بعد حده إياها حرف ولم يعلم خلافهم له إلا بقولهم المتقدم قبل فعله (قال) وقال بعض من يقول ما لا ينبغى له إذ قبل حد عمر مولاة حاطب كذا لم يكن عمر ليحدها إلا بإجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جهالة بالعلم وجرأة على قول ما لا يعلم فمن اجترأ على أن يقول: إن قول رجل أو عمله في خاص الاحكام ما لم يحك عنه وعنهم قال عندنا ما لم يعلم (قال الشافعي) وقضى عمر بن الخطاب في أن لا تباع أمهات الاولاد وخالفه علي وقضى عمر في الضرس بجمل وخالفه غيره فجعل الضرس سنا فيها خمسة من الابل وقال عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسى الاشعري وغيرهم للرجل على امرأته الرجعة حتى تطهر من الحيضة الثالثة وخالفهم غيرهم فقال إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد انقطعت رجعته عنها مع أشياء كثيرة أكثر مما وصفت فدل ذلك على أن قائل السلف يقول برأيه ويخالفه غيره ويقول برأيه ولا يروى عن غيره فيما قال به شئ فلا ينسب الذى لم يرو عنه شئ إلى خلافه ولا موافقته لانه إذا لم يقل لم يعلم قوله ولو جاز أن ينسب إلى موافقته جاز أن ينسب إلى خلافه ولكن كلا كذب إذا لم يعرف قوله ولا الصدق فيه إلا أن يقال ما يعرف إذا لم يقل قولا وفى هذا دليل على أن بعضهم لا يرى قول بعض حجة تلزمه إذا رأى خلافها وأنهم لا يرون اللازم إلا الكتاب أو السنة وأنهم لم يذهبوا قط إن شاء الله إلى أن يكون خاص الاحكام كلها إجماعا كإجماعهم على الكتاب والسنة وجمل الفرائض وأنهم كانوا إذا وجدوا كتابا أو سنة اتبعوا كل واحد منهما وإذا تأولوا ما يحتمل
فقد يختلفون ولذلك إذا قالوا فيما لم يعلموا فيه سنة اختلفوا (قال الشافعي) وهى حجة على أن دعوى الاجتماع في كل الاحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه وجملته أنه(1/178)
لم يدع الاجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفتها العامة أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين ولا القرن الذين من بعدهم ولا القرن الذين يلونهم ولا عالم علمته على ظهر الارض ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حديثا من الزمان فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم عرفه وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله (قال الشافعي) ومتى كانت عامة من أهل العلم في دهر بالبلدان على شئ أو عامة قبلهم قيل يحفظ عن فلان وفلان كذا ولم نعلم لهم مخالفا ونأخذ به ولا نزعم أنه قول الناس كلهم لانا لا نعرف من قاله من الناس إلا من سمعناه منه أو عنه قال وما وصفت من هذا قول من حفظت عنه من أهل العلم نصا واستدلالا (قال الشافعي) والعلم من وجهين اتباع أو استنباط والاتباع اتباع كتاب فإن لم يكن فسنة فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفا فإن لم يكن فقياس على كتاب الله جل عزوجل لم يكن فقياس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فقياس على قوله عامة من سلف لا مخالف له ولا يجوز القول إلا بالقياس وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسع كلا ان يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما أدى إليه اجتهاده بخلافه والله أعلم.
صلاة الجماعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس المطلبى قال ذكر الله تبارك اسمه الاذان بالصلاة فقال عزوجل " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " وقال " إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " فأوجب الله والله أعلم إتيان الجمعة وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان للصلوات المكتوبات فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة كما أمر بإتيان الجمعة وترك البيع واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى لوقتها وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا ومقيما خائفا وغير خائف وقال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك " الآية والتى بعدها (قال الشافعي) وأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أتى الصلاة أن يأتيها وعليه السكينة ورخص في ترك إتيان الجماعة في العذر بما سأذكره إن شاء الله تعالى في موضعه وأشبه ما وصفت من الكتاب والسنة أن لا يحل ترك أن يصلى كل مكتوبة في جماعة حتى لا يخلوا جماعة مقيمون ولا مسافرون من أن يصلى فيهم صلاة جماعة أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذى نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال يتأخرون فأحرق عليهم بيوتهم فوالذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرما تين حسنتين لشهد العشاء أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونهما أو نحو هذا (1) (قال ]
__________
(1) قال السراج البلقيني: هكذا وقع هذا الحديث في نسخة الام عن عبد الرحمن حرملة أن =(1/179)
[ (الشافعي) فيشبه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من همه أن يحرق على قوم بيوتهم أن يكون قاله في قوم تخلفوا عن صلاة العشاء لنفاق والله تعالى أعلم فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد صلاها منفردا لم يكن عليه إعادتها صلاها قبل صلاة الامام أو بعدها إلا صلاة الجمعة فإن على من صلاها ظهرا قبل صلاة الامام إعادتها لان إتيانها فرض بين والله تعالى أعلم وكل جماعة صلى فيها رجل في بيته أو في مسجد صغير أو كبير قليل الجماعة أو كثيرها أجزأت عنه والمسجد الاعظم وحيث كثرت الجماعة أحب إلى وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلى وإن لم يأته وصلى في مسجد منفردا فحسن وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ولا احب أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنما كرهت ذلك لهم لانه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم (قال الشافعي) وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة وفيهما المكروه وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام
ومؤذن فأما مسجد بنى على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارة ويستظلون فلا أكره ذلك فيه لانه ليس فيه المعنى الذى وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم.
فضل الجماعة والصلاة معهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ] = رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معضل فإنه سقط منه التابعي وهو في موطأ يحيى بن يحيى روايتنا سعيد بن المسيب وهو في أول ترجمة ما جاء في العتمة والصبح وفيه يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الاسلمي عن سعيد بن المسيب فذكره بلفظه وسقط فيه الصحابي فظهر أنه معضل.
(1) قال السراج البلقينى: حديث ابن عمر هذا هو في الموطأ رواية يحيى بن يحيى روايتنا عن مالك كذلك ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك مثل ذلك وأخرجه مسلم من طريق يحيى بن يحيى ولفظه صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وأخرج البخاري من طريق شعيب عن نافع عن ابن عمر تفضلها بسبع وعشرين درجة وأخرج مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ولفظه صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين وفى رواية له عن عبيد الله بضعا وعشرين وفى رواية له عن الضحاك عن نافع بضعا وعشرين.(1/180)
[ صلاة الجماعة افضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا (1) (قال الشافعي) والثلاثة فصاعدا إذا أمهم أحدهم جماعة وأرجو أن يكون الاثنان يؤم أحدهما الآخر جماعة ولا أحب لاحد ترك الجماعة ولو صلاها بنسائه أو رقيقه أو أمه أو بعض ولده في بيته وإنما منعنى ان أقول صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحال تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد
ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته وإنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا مع الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم متفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين ولا بأس أن يخرجوا إلى موضع فيجمعوا فيه وإنما صلاة الجماعة بأن يأتم المصلون برجل فإذا ائتم واحد برجل فهى صلاة جماعة وكلما كثرة الجماعة مع الامام كان أحب ألى وأقرب إن شاء الله تعالى من الفضل.
العذر في ترك الجماعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أذن في ليلة ذات برد وريح فقال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات ريح ألا صلوا في رحالكم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة بن أبيه عن عبد الله بن الارقم أنه كان يؤم أصحابه يوما فذهب لحاجته ثم رجع فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الارقم أنه خرج إلى مكة فصحبه قوم فكان يؤمهم فأقام الصلاة وقدم رجلا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: نبه البيهقى في السنن والمعرفة على أن الربيع روى هذا الحديث عن مالك عن أبى الزناد عن الاعرج ورواه المزني وحرملة زاد في المعرفة والزعفراني في القديم عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة وهو المشهور عن مالك ثم أسنده البيهقى في السنن من حديث القعنبى عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب ثم أخرجه من حديث يحيى بن يحيى عن مالك كذلك وقال رواه مسلم في الصحيح عن يحيى ابن يحيى والذى رواه البيهقى عن يحيى بن يحيى هو في روايتنا في الموطأ كذلك قال البيهقى فمن الحفاظ من زعم أن الربيع واهم في روايته ومنهم
من زعم أن مالك بن أنس روى خارج الموطأ عدة أحاديث بغير تلك الاسانيد التى في الموطأ وأخرج من طريق روح بن عبادة عن مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده خمسة وعشرون جزءا وما ذكره البيهقى عن روح خالف فيه الحفاظ وممن رواه عن الزهري معمر أخرجه مسلم في صحيحه وذكره البيهقي وعن أبى هريرة في ذلك روايات معروفة.(1/181)
[ الصلاة ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط (قال الشافعي) وإذا حضر الرجل إماما كان أو غير إمام وضوء بدأ بالوضوء ولم أحب له أن يصلى وهو يجد من الوضوء لامر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالوضوء وما أمر به من الخشوع في الصلاة وإكمالها وإن من شغل بحاجته إلى وضوء أشبه أن لا يبلغ من الاكمال للصلاة والخشوع فيها ما يبلغ من لا شغل له وإذا حضر عشاء الصائم أو المفطر أو طعامه وبه إليه حاجة أرخصت له في ترك إتيان الجماعة وأن يبدأ بطعامه أذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه وإن لم تكن نفسه شديدة التوقان إليه ترك العشاء وإتيان الصلاة أحب إلى وأخرص له في ترك الجماعة بالمرض لان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض فترك أن يصلى بالناس أياما كثيرة وبالخوف وبالسفر وبمرض وبموت من يقوم بأمره وبإصلاح ما يخاف فوت إصلاحه من ماله ومن يقوم بأمره ولا أرخص له في ترك الجماعة إلا من عذر والعذر ما وصفت من هذا وما أشبه أو غلبة نوم أو حضور مال إن غاب عنه خاف ضيعته أو ذهاب في طلب ضالة يطمع في إدراكها ويخاف قوتها في غيبته.
الصلاة بغير أمر الوالى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال اتصلى بالناس فأقيم الصلاة قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبى قحافة أن يصلى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لى أراكم أكثرتم التصفيق من نابه شئ في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء (قال الشافعي) ويجزئ رجلا أن يقدم رجلا أو يتقدم فيصلى بقوم بغير أمر الوالى الذى يلي الصلاة أي صلاة حضرت من جمعة أو مكتوبة أو نافلة إن لم يكن في أهل البلد وال وكذلك إن كان للوالى شغل أو مرض أو نام أو أبطأ عن الصلاة فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بنى عمرو بن عوف فجاء المؤذن إلى أبى بكر فتقدم للصلاة وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لحاجته فتقدم عبد الرحمن ابن عوف فصلى بهم ركعة من الصبح وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدرك معه الركعة الثانية فصلاها خلف عبد الرحمن ابن عوف ثم قضى ما فاته ففزع الناس لذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحسنتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال يعنى أول وقتها (1) إلى هنا (قال الشافعي) وأحب في هذا ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: ما أشار إليه الشافعي رحمه الله تعالى من قصة عبد الرحمن بن عوف أخرجها مسلم في صحيحه من حديث عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة ابن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره فذكر القصة في آخر الحديث وأخرجه من حديث إسمعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن =(1/182)
[ كله إن كان الامام قريبا أن يستأمر وأحب للامام أن يوكل من يصلى بالناس إذا أبطأ هو عن الصلاة وسواء في هذا كله أن يكون الزمان زمان فتنة أو غير زمان فتنة إلا أنهم إذا خافوا في هذا شيئا من السلطان أحببت أن لا يعجلوا أمر السلطان حتى يخافوا ذهاب الوقت فإذا خافوا ذهابه لم يسعهم إلا الصلاة جماعة أو فرادى وسواء في هذا الجمعة والاعياد وغيرها قد صلى على بالناس العيد وعثمان محصور رحمه الله تعالى عليهما.
إذا اجتمع القوم وفيهم الوالى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا دخل الوالى البلد يليه فاجتمع وغيره في ولايته فالوالى أحق بالامامة ولا يتقدم أحد ذا سلطان في سلطانه في مكتوبة ولا نافلة ولا عيد ويروى أن ذا السلطان احق بالصلاة في سلطانه فإن قدم الوالى رجلا فلا بأس وإنما يؤم حينئذ بأمر الوالى (7) والوالى المطلق الولاية في كل من مر به وسلطان حيث مر وإن دخل الخليفة بلدا لا يليه وبالبلد وال غيره فالخليفة أولى بالصلاة لان واليه إنما ولى بسببه وكذلك إن دخل بلدا تغلب عليه رجل فالخليفة أولى فإن لم يكن خليفة فالوالى بالبلد أولى بالصلاة فيه فإن جاوز إلى بلد غيره لا ولاية له به فهو وغيره سواء.
إمامة القوم لا سلطان فيهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا معن ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود قال من ألسنة أن لا يؤمهم إلا صاحب البيت (1) (قال الشافعي) وروى أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في بيت رجل منهم فحضرت الصلاة فقدم صاحب البيت رجلا منهم فقال تقدم فأنت أحق بالامامة في منزلك فتقدم (2) (قال الشافعي) وأكره أن يؤم أحد غير ذى سلطان أحدا في منزله إلا أن يأذن له الرجل فإن أذن له فإنما أم بأمره فلا بأس إن شاء الله تعالى وإنما أكره أن يؤمه في منزله بغير أمره فأما بامره فذلك ] = المغيرة عن أبيه نحو حديث عباد وقد رواه الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثنى عباد عن عروة بن المغيرة وحمزة بن المغيرة.
(1) قال السراج البلقينى: في هذا الحديث معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود والقاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود فمعن والقاسم أخوان وهما ثقتان وقد أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق أبى زكريا وأبى سعيد وأبى بكر عن الاصم عن الربيع عن الشافعي فذكره.
(2) قال السراج البلقينى: ما أشار إليه الشافعي رواه أبو نضرة عن أبى سعيد مولى أبى أسيد قال زارني حذيفه وأبو ذر وابن مسعود فحضرت الصلاة فأراد أبو ذر أن يتقدم فقال حذيفة رب البيت أحق.
فقال له عبد الله: نعم يا أبا ذر.
__________
(7) قوله والوالى المطلق الولاية في كل من مر به الخ كذا في النسخ ولعل فيه تحريفا واللائق،
والوالى المطلق الولاية في كل ما مر به ذو سلطان الخ فتأمل.
كتبه مصححه.(1/183)
[ ترك منه لحقه في الامامة ولا يجوز لذى سلطان ولا صاحب منزل أن يؤم حتى يكون يحسن يقرأ ما تجزيه به الصلاة فإن لم يكن يقرأ ما تجزيه به الصلاة لم يكن له أن يؤم وإن أم فصلاته تامة وصلاة من خلفه ممن يحسن هذا فاسدة وهكذا إذا كان السلطان أو صاحب المنزل ممن ليس يحسن يقرأ لم تجزئ من أئتم به الصلاة وإذا تقدم أحد ذا سلطان وذا بيت في بتيه بغير إذن واحد منهما كرهته له ولم يكن عليه ولا على من صلى خلفه إعادة لان الفعل في التقدم إذا كان خطأ فالصلاة نفسها مؤداة كما تجزئ وسواء أمامة الرجل في بيته العبد والحر إلا أن يكون سيده حاضرا فالبيت بيت السيد ويكون أولى بالامامة وإذا كان السلطان في بيت رجل كان السلطان أولى بالامامة لان بيته من سلطانه وإذا كان مصر جامع له مسجد جامع لا سلطان به فأيهم أمهم من أهل الفقه والقرآن لم أكرهه أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع أن صاحب المقصورة جاء إلى ابن عمر (1).
اجتماع القوم في منزلهم سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبى قلابة قال حدثنا أبو اليمان مالك بن الحويرث قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (قال الشافعي) هؤلاء قوم قدموا معا فأشبهوا أن تكون قراءتهم وتفقههم سواء فأمروا أو يؤمهم أكبرهم وبذلك آمرهم وبهذا نأخذ فنأمر القوم إذا اجتمعوا في الموضع ليس فيهم وال وليسوا في منزل أحد أن يقدموا أقرأهم وأفقههم وأسنهم فإن لم يجتمعوا ذلك في واحد فإن قدموا أفقههم إذا يقرأ القرآن فقرأ منه ما يكتفى به في صلاته فحسن وإن قدموا أقرأهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن ويقدموا هذين معا على من هو أسن منهما وإنما قيل والله تعالى أعلم أن يؤمهم أقرؤهم أن من مضى من الائمة كانوا يسلمون كبارا فيتفقهون قبل أن يقرءوا القرآن ومن بعدهم كانوا يقرءون القرآن صغارا قبل أن يتفقهوا فأشبه أن يكون من كان فقيها إذا قرأ من القرآن شيئا أولى بالامامة لانه قد ينوبه في الصلاة ما يعقل كيف يفعل فيه بالفقه ولا يعلمه من لا فقه له
وإذا استووا في الفقه والقراءة أمهم أسنهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمهم أسنهم فيما أرى والله تعالى أعلم أنهم كانوا مشتبهى الحال في القراءة والعلم فأمر أن يؤمهم أكبرهم سنا ولو كان فيهم ذو نسب فقدموا غير ذى النسب أجرأهم وإن قدموا ذا النسب اشتبهت حالهم في القراءة والفقه كان حسنا لان الامامة منزلة فضل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا قريشا ولا تقدموها فأحب أن يقدم من حضر منهم اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فيه لذلك موضع (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن عطاء قال كان يقال يؤمهم أفقههم فإن كانوا في الفقه سواء ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: هكذا وقع هذا في نسخة الام وذكره البيهقى في المعرفة فقال قال الشافعي حدثنا مالك بن أنس فانقطع الحديث من الاصل وإنما أراد فساق إسناده إلى ابن بكير حدثنا مالك عن أبى جعفر القارى أنه رأى صاحب المقصورة في القصر حتى حضرت الصلاة يبتلى الناس يقول من يصلي حتى انتهى إلى عبد الله بن عمر فقال له عبد الله بن عمر إذا تقدم أنت فصل بين يدى الناس، هذا ما ذكره البيهقى.
ويمكن إلى آخر ذكره في الام من حديث نافع عن ابن عمر.(1/184)
فاقرؤهم فإن كانوا في الفقه والقراءة سواء فأسنهم ثم عاودته بعد ذلك في العبد يؤم فقلت يؤمهم العبد إذا كان أفقههم؟ قال نعم (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني نافع قال أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة من المدينة ولابن عمر قريبا من ذلك المسجد أرض يعلمها وإمام ذلك المسجد مولى له ومسكن ذلك المولى وأصحابه ثم فلما سمعهم عبد الله بن عمر جاء ليشهد معهم الصلاة فقال له المولى صاحب المسجد تقدم فصل فقال له عبد الله أنت أحق أن تصلى في مسجدك منى فصلى المولى صاحب المسجد (قال الشافعي) وصاحب المسجد كصاحب المنزل فأكره أن يتقدمه أحد إلا السلطان ومن أم من الرجال ممن كرهت إمامته فأقام الصلاة أجزأت إمامته والاختيار ما وصفت من تقديم أهل الفقه والقرآن والسن والنسب وإن أم أعرابي مهاجرا أو بدوى قرويا فلا بأس إن شاء الله تعالى إلا أنى أحب أن يتقدم أهل الفضل في كل حال في الامامة ومن صلى صلاة من بالغ مسلم يقيم الصلاة أجزأته ومن خلفه صلاتهم وإن كان غير محمود الحال في دينه أي غاية بلغ
يخالف الحمد في الدين وقد صلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلف من لا يحمدون فعاله من السلطان وغيره (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع أن عبد الله بن عمر اعتزل بمنى في قتال ابن الزبير والحجاج بمنى فصلى مع الحجاج أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين رضى الله تعالى عنهما كانا يصليان خلف مروان قال فقال: أما كان يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال: لا والله ما كانا يزيدان على صلاة الائمة.
صلاة الرجل بصلاة الرجل لم يؤمه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وإذا افتتح الرجل الصلاة لنفسه لا ينوى أن يؤم احدا فجاءت جماعة أو واحدا فصلوا بصلاته فصلاته مجزئة عنهم وهو لهم إمام ولا فرق بينه وبين الرجل ينوي أن يصلى لهم ولو لم يجز هذا لرجل لم يجز أن ينوي إمامة رجل أو نفر قليل بأعيانهم لا ينوى إمامة غيرهم ويأتى قوم كثيرون فيصلون معهم ولكن كل هذا جائز إن شاء الله تعالى وأسأل الله تعالى التوفيق.
كراهية الامامة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى روى صفوان بن سليم عن أبن المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يأتي قوم فيصلون لكم فإن أتموا كان لهم ولكم وإن نقصوا كان عليهم ولكم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الائمة واغفر للمؤذنين (قال الشافعي) فيشبه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم إن أتموا فصلوا في أول الوقت وجاءوا بكمال الصلاة في إطالة القراءة والخشوع والتسبيح في الركوع والسجود وإكمال التشهد والذكر فيها لان هذه غاية التمام وإن أجزأ أقل منه فلهم ولكم ولا فعليهم ترك الاختيار بعمد تركه ولكم ما نويتم منه فتركتموه لاتباعه بما أمرتم باتباعهم في الصلاة فيما يجزئكم وإن كان غيره أفضل منه فعليهم التقصير في تأخير الصلاة عن(1/185)
أول الوقت والاتيان بأقل ما يكفيهم من قراءة وركوع وسجود دون أكمل ما يكون منها وإنما عليكم إتباعهم فيما أجزأ عنكم وعليهم التقصير من غايه الاتمام والكمال ويحتمل ضمناء لما غابوا عليه من
المخافتة بالقراءة والذكر فأما أن يتركوا ظاهرا أكثر الصلاة حتى يذهب الوقت أو لم يأتوا في الصلاة بما تكون منه الصلاة مجزئة فلا يحل لاحد إتباعهم ولا ترك الصلاة حتى يمضى وقتها ولا صلاتها بما لا يجزئ فيها وعلى الناس أن يصلوا لانفسهم أو جماعة مع غير من يصنع هذا ممن يصلى لهم فإن قال قائل ما دليل ما وصفت قيل قال الله تبارك وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " ويقال نزلت في امراء السرايا وأمروا إذا تنازعوا في شئ وذلك اختلافهم فيه أن يردوه إلى حكم الله عزوجل ثم حكم الرسول فحكم الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يؤتى بالصلاة في الوقت وبما تجزئ به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمركم من الولاية بغير طاعة الله فلا تطيعوه فإذا أخروا الصلاة حتى يخرج وقتها أو لم يأتوا فيها بما تكون به مجزئة عن المصلى فهذا من عظيم معاصي الله الذى أمر الله عزوجل أن ترد إلى الله والرسول وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يطاع وال فيها وأحب الاذان لقول النبي صلى الله عليه وسلم اغفر للمؤذنين وأكره الامامة للضمان وما على الامام فيها وإذا أم رجل انبغى له أن يتقى الله عز ذكره ويؤدى ما عليه في الامامة فإذا فعل رجوت أن يكون خيرا حالا من غيره.
ما على الامام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وروى من وجه عن أبى امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصلى الامام بقوم فيخص نفسه بدعوة دونهم (1) ويروى عن عطاء بن أبى رباح مثله وكذلك أحب للامام فإن لم يفعل وأدى الصلاة في الوقت أجزأه وأجزأهم وعليه نقص في أن خص نفسه دونهم أو يدع المحافظة على الصلاة في أول الوقت بكمال الركوع والسجود من أم قوما وهم له كارهون (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يقال لا تقبل صلاة من أم قوما وهم له كارهون ولا صلاة امرأة وزوجها غائب عنها ولا عبد آبق حتى يرجع ولم أحفظ من وجه يثبت أهل العلم بالحديث مثله وإنما ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث أبى أمامة رواه عنه يزيد بن شريح الحضرمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أم الرجل القوم فلا يختص بدعاء فإن فعل فقد خانهم واختلف فيه على
يزيد بن شريح فهذه رواية أخرجها البيهقى وروى حبيب عن يزيد بن شريح عن ابن حى المؤذن عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يحل لاحد أن يفعلهن لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم ومن هذه الطريقة أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وروى ثور يزيد عن يزيد بن شريح عن ابن حى المؤذن وهو شداد بن حى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أخرجه أبو داود وقول الشافعي من وجه يشير إلى ما فيه من الوجوه.(1/186)
[ عنى به والله تعالى أعلم الرجل غير الوالى يؤم جماعة يكرهونه فأكره ذلك للامام ولا بأس به على المأموم يعنى في هذا الحال لان المأموم لم يحدث شيئا كره له وصلاة المأموم في هذه الحال مجزئة ولا أعلم على الامام إعادة لان إساءته في التقدم لا تمنعه من أداء الصلاة وإن خفت عليه في التقدم وكذلك المرأة يغيب عنها زوجها وكذلك العبد يأبق أخاف عليهم في افعالهم وليست على واحد منهم إعادة صلاة صلاها في تلك الحال وكذلك الرجل يخرج يقطع الطريق ويشرب الخمر ويخرج في المعصية أخاف عليه في عمله وإذا صلى صلاة ففعلها في وقتها لم أوجب عليه أن يعيدها ولو تطوع بإعادتها إذا ترك ما كان فيه ما كرهت ذلك له وأكره للرجل أن يتولى قوما وهم له كارهون وأن وليهم والاكثر منهم لا يكرهونه والاقل منهم يكرهونه لم أكره ذلك له إلا من وجه كراهية الولاية جملة وذلك انه لا يخلو أحد ولى قليلا أو كثرا أن يكون فيهم من يكرهه وإنما النظر في هذا إلى العام الاكثر لا إلى الخاص الاقل وجملة هذا أنى أكره الولاية بكل حال فإن ولى رجل قوما فليس له أن يقبل ولايتهم حتى يكون محتملا لنفسه للولاية بكل حال آمنا عنده على من وليه أن يحابيه وعدوه أن يحمل غير الحق عليه متيقظا لا يخدع عفيفا عما صار إليه من أموالهم واحكامهم مؤديا للحق عليه فإن نقص واحدة من هذا لم يحل له أن يلى ولا لاحد عرفه أن يوليه وأحب مع هذا أن يكون حليما على الناس وإن لم يكن فكان لا يبلغ به غيظة أن يجاوز حقا ولا يتناول باطلا لم يضره لان هذا طباع لا يملكه من نفسه ومتى ولى وهو كما أحب له فتغير وجب على الوالى عزله وعليه أن لا يلى له ولو تولى رجل أمر قوم أكثرهم له كارهون لم يكن عليه في ذلك مأثم إن شاء الله تعالى إلا أن يكون ترك الولاية خيرا له أحبوه أو كرهوه.
ما على الامام من التخفيف أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان أحدكم يصلى بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف فإذا كان يصلى لنفسه فليطل ما شاء (1) (قال الشافعي) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان " أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه " (قال الشافعي) روى شريك ابن عبد الله بن أبى نمر وعمرو بن أبى عمرو عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال ما صليت خلف أحد قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) (قال الشافعي) وأحب للامام أن ] *
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث مالك هذا أخرجه البخاري في صحيحه من رواية عبد الله بن يوسف ولفظه " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء " وهكذا رويناه من طريق يحيى بن يحيى عن مالك بزيادة الكبير وقوله فليطول وأخرج مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن الحماني عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء " ولابي هريرة في هذا روايات وفى رواية أبى سلمة عنه " فإن في الناس السقيم والضعيف وذا الحاجة ".
(2) قال السراج البلقينى: رواية شريك عن أنس أخرجها البخاري ومسلم ورواية العلاء بن عبد =(1/187)
[ يخفف الصلاة ويكملها كما وصف أنس ومن حدث معه وتخفيفها وإكمالها مكتوب في كتاب قراءة الامام في غير هذا الموضع وأن عجل الامام عما أحببت من تمام إلاكمال من التثقيل كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا على من خلفه إذا جاء بأقل ما عليه في الصلاة باب صفة الائمة وليس في التراجم وفيه ما يتعلق بتقديم قريش وفضل الانصار والاشارة إلى الامامة العظمى أخبرنا الربيع قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال حدثنى ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب
عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قدموا قريشا مولا تقدوها؟ وتعلموا منها ولا تعالموها أو تعلموها " الشك من ابن أبى فديك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن حكيم ابن أبى حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز وابن شهاب يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أهان قريشا أهانه الله " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لولا ان تبطر قريش لاخبرتها بالذى لها عند الله عزوجل " (1) (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن شريك بن عبد الله بن أبى تمر عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش " أنتم أولى الناس بهذا الامر ما كنتم مع الحق إلا أن تعدلوا فتلحون كما تلحى هذه الجريدة " يشير إلى جريدة في يده (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن سليم بن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة الانصاري عن أبيه عن جده رفاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى " أيها الناس إن قريشا أهل إمامة من بغاها العواثير أكبه الله لمنخريه " يقولها ثلاث مرات حدثنا الشافعي قال أخبرني عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن يزيد بن عبد الله ابن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمى أن قتادة بن النعمان وقع بقريش فكأنه نال منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مهلا يا قتادة لا تشتم قريشا فإنك لعلك ترى منها رجالا أو يأتي منها رجال تحتقر عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم وتغبطهم إذا رأيتهم لولا أن تطغى قريش لاخبرتها بالذى لها عند الله " (قال الشافعي) أخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبى ذئب بإسناد لا أحفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قريش شيئا من الخير لا أحفظه وقال " شرار قريش خيار شرار الناس " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه ] = الرحمن عن أنس رواها البيهقى في المعرفة من طريق إسمعيل بن جعفر عن العلاء ورواية عمرو بن أبى عمرو وهو مولى المطلب ابن عبد الله بن حنطب لم أقف عليها ورواه عن أنس أيضا قتادة، أخرجها مسلم والترمذي والنسائي.
(1) قال السرتج البلقينى: هذا مرسل وقد روى ابن أبى شيبة في مصنفه من حديث أبى جعفر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقدموا قريشا فتضلوا ولا تأخروا عنها فتضلوا خيار قريش خيار الناس والذى نفس محمد بيده لولا أن تبطر قريش لاخبرتها بما لخيارها عند الله أو مالها عند الله " وهذا مرسل.(1/188)
[ وسلم " تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا " (1) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة " قال أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق إفئدة الايمان يمان والحكمة يمانية " حدثنا الشافعي قال حدثنى عمى محمد بن العباس عن الحسن بن القاسم الازرقي قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنية تبوك فقال ما ههنا شام وأشار بيده إلى جهة الشام وما ههنا يمن وأشار بيده إلى جهة المدينة، حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال جاء الطفيل بن عمرو والدوسى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن دوسا قد عصت وابت فادع الله عليها فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه فقال الناس هلكت دوس فقال " اللهم اهد دوسا وأت بهم " حدثنا الشافعي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لولا الهجرة لكنت أمرءا من الانصار ولو أن الناس سلكوا واديا إو شعبا لسلكت وادى الانصاري أو شعبهم " حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني قال حدثنى ابن الغسيل عن رجل سماه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " إن الانصار قد قضوا الذى عليهم وبقى الذى عليكم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن " مسيئهم وقال غيره عن الحسن " ما لم يكن فيه حد " وقال الجرجاني في حديثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اللهم اغفر للانصار ولابناء الانصار ولابناء ابناء الانصار " وقال في حديثه إن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج بهش إليه النساء والصبيان من الانصار فرق لهم ثم خطب وقال هذه المقالة (قال الشافعي) وحدثني بعض أهل العلم أن أبا بكر قال: ما وجدت أنا لهذا الحى من الانصار مثلا إلا ما قال الطفيل الغنوى.
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا * تلاقى الذي يلقون ما لملت هم خلطونا بالنفوس وألجئوا * إلى حجرات أدفأت وأظلت جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت * بنا بعلنا في الواطئين وزلت قال الربيع: هذا البيت الاخير ليس في الحديث حدثنا الشافعي قال حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال ما من المهاجرين أحد إلا وللانصار عليه منة ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا في الثمار وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، أخبرنا الشافعي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينا أنا أنزع على بئر أستقى " (قال الشافعي) يعنى في النوم ورؤيا الانبياء وحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فجاء ابن أبى قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفيهما ضعف والله يغفر له ثم جاء عمر بن الخطاب فنزع حتى استحالت في يده غربا فضرب الناس بعطن فلم أر عبقريا يفرى فريه " ووزاد مسلم بن خالد " فأروى الظمأة وضرب الناس بعطن " (قال الشافعي) قوله وفى نزعه ضعف يعنى قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لاهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذى بلغه عمر في ]
__________
(1) قال السراج البلقيني: حديث ابى هريرة هذا أخرجه البخاري ومسلم لكن لا من هذا الطريق بل من طريق عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة أخرجه البخاري قبل مناقب قريش في الكلام على قوله تعالى " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وأخرجه مسلم في الفضائل.(1/189)
[ طول مدته وقوله في عمر " فاستحالت في يده غربا " والغرب الدول العظيم الذي إنما تنزعه الدابة أو الزرنوق ولا ينزعه الرجل بيده لطول مدته وتزيده في الاسلام لم يزل يعظم أمره ومناصحته للمسلمين كما يمتح الدلو العظيم، أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شئ فأمرها أن ترجع فقالت يا رسول الله إن رجعت لم أجدك كأنها تعنى الموت قال فأتى أبا بكر، أخبرنا الشافعي قال حدثنا يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب قال ولينا أبو بكر خير خليفة الله،
أرحمه وأحناه عليه.
صلاة المسافر يؤم المقيمين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب مثله (قال الشافعي) وهكذا أحب للامام أن يصلى مسافرا أو مقيما ولا يوكل غيره ويأمر من وراءه من المقيمين أن يتموا إلا أن يكونوا قد فقهوا فيكتفى بفقههم إن شاء الله تعالى وإذا اجتمع مسافرون ومقيمون فإن كان الوالى من أحد الفريقين صلى بهم مسافرا كان أو مقيما وإن كان مقيما فأقام غيره فصلى بهم فأحب ألي إلى أن يأمر مقيما ولا يولى الامامة إلا من ليس له أن يقصر فإن أمر مسافرا كرهت ذلك له إذا كان يصلى خلفه مقيم ويبنى المقيم على صلاة المسافر ولا إعادة عليه فإن لم يكن فيهم وال فأحب إلى أن يؤمهم المقيم لتكون صلاتهم كلها بإمام ويؤخر المسافرون عن الجماعة وإكمال عدد الصلاة فإن قدموا مسافرا فأمهم أجزأ عنهم وبنى المقيمون على صلاة المسافر إذا قصر وإن أتم أجزأتهم صلاتهم وإن أم المسافر المقيمين فأتم الصلاة أجزأته وأجزأت من خلفه من المقيمين والمسافرين صلاتهم.
صلاة الرجل بالقوم لا يعرفونه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن قوما في سفر أو حضر أو غيره أئتموا برجل لا يعرفونه فأقام الصلاة أجزأت عنهم صلاتهم ولو شكوا أمسلم هو أو غير مسلم؟ أجزأتهم صلاتهم وهو إذا أقام الصلاة إمام مسلم في الظاهر حتى يعلموا أنه ليس بمسلم ولو عرفوه بغير الاسلام وكانوا ممن يعرفونه المعرفة الذى الاغلب عليهم أن إسلامه لا يخفى عليهم ولو أسلم فصلى فصلوا وراءه في مسجد جماعة أو صحراء لم تجزئهم صلاتهم معه إلا أن يسألوه فيقول: أسلمت قبل الصلاة، أو يعلمهم من يصدقون أنه مسلم قبل الصلاة وإذا أعلمهم أنه أسلم قبل الصلاة فصلاتهم مجزئة عنهم، ولو صلوا معه على علمهم بشركه ولم يعلموا إسلامه قبل الصلاة ثم أعلمهم بعد الصلاة أنه أسلم قبلها لم تجزهم صلاتهم لانهم لم يكن لهم الائتمام به على معرفتهم بكفره وإن لم يعلموا إسلامه قبل ائتمامهم به وإذا صلوا مع رجل صلاة
كثيرة ثم أعلمهم أنه غير مسلم أو علموا من غيره أعادوا كل صلاة صلوها خلفه وكذلك لو أسلم ثم ارتد عن الاسلام وصلوا معه في ردته قبل أن يرجع إلى الاسلام أعادوا كل صلاة صلوها معه.(1/190)
إمامة المرأة للرجال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة لان الله عزوجل جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن عن أن يكن أولياء وغير ذلك ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبدا وهكذا لو كان ممن صلى مع المرأة خنثى مشكل لم تجزه صلاته معها ولو صلى معها خنثى مشكل ولم يقض صلاته حتى بان أنه امرأة أحببت له أن يعيد الصلاة وحسبت أنه لا تجزئه صلاته لانه لم يكن حين صلى معها ممن يجوز له أن يأتم بها.
إمامة المرأة وموقفها في الامامة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عمار الدهنى عن أمراة من قومه يقال لها حجيرة أن أم سلمة امتهن فقامت وسطا (قال الشافعي) روى الليث عن عطاء عن عائشة انها صلت بنسوة العصر فقامت في وسطهن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن صفوان قال إن من السنة أن تصلى المرأة بالنساء تقوم في وسطهن (قال الشافعي) وكان على ابن الحسين يأمر جارية له تقوم بأهله في شهر رمضان وكانت عمرة تأمر المراة أن تقوم للنساء في شهر رمضان (قال الشافعي) وتؤم المرأة النساء في المكتوبة وغيرها وآمرها أن تقوم في وسط الصف وإن كان معها نساء كثير أمرت أن يقوم الصف الثاني خلف صفها وكذلك الصفوف وتصفهن صفوف الرجال إذا كثرن لا يخالفن الرجال في شئ من صفوفهن إلا أن تقوم المرأة وسطا وتخفض صوتها بالتكبير والذكر الذى يجهر به في الصلاة من القرآن وغيره فإن قامت المرأة أمام النساء فصلاتها وصلاة من خلفها مجزئة عنهن وأحب إلى أن لا يؤم النساء منهن إلا حرة لانها تصلى متقنعة فإن أمت أمة متقنعة أو مكشوفة الرأس حرائر فصلاتها وصلاتهن مجزئة لان هذا فرضها وهذا فرضهن وإمامة القاعد والناس خلفه قيام أكثر من إمامة أمة مكشوفة الرأس
وحرائر مقنعات.
إمامة الاعمى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتى مكانا أتخذه مصلى قال فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أين تحب أن نصلسى؟ فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب عن ]
__________
(1) قال السراج البلقيني: حديث محمود بن الربيع أخرجه البخاري من طريق إسمعيل بن أبى أويس قال حدثنى مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع الانصاري أن عتبان بن مالك كان يؤم =(1/191)
[ محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى (قال الشافعي) وسمعت عددا من أهل العلم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى فيصلي بالناس في عدد غزوات له (قال الشافعي) وأحب أمامة الاعمى والاعمى إذا سدد إلى القبلة إلى كان أحرى أن لا يلهو بشئ تراه عيناه ومن أم صحيحا كان أو أعمى فأقام الصلوات أجزأت صلاته ولا أختار إمامة الاعمى على الصحيح لان أكثر من جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إماما بصيرا، ولا إمامة الصحيح على الاعمى، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجد عددا من الاصحاء يأمرهم بالامامة أكثر من عدد من أمر بها من العمى.
إمامة العبد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق قال وكان أمام بنى محمد بن أبي بكر وعروة (قال الشافعي) والاختيار أن يقدم أهل الفضل في الامامة على ما وصفت وأن يقدم
الاحرار على المماليك وليس بضيق أن يتقدم المملوك الاحرار إماما في مسجد جماعة ولا في طريق ولا في منزل ولا في جمعة ولا عيد ولا غيره من الصلوات، فإن قال قائل كيف يؤم في الجمعة وليست عليه؟ قيل ليست عليه على معنى ما ذهبت إليه إنما ليست عليه بضيق عليه أن يتخلف عنها كما ليس ] = قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أين تحب أن أصلى؟ " فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره البخاري في ترجمة الرخصة في المطر والعلة أن يصلى في رحله وهذه الروايات التى رواها مالك والشافعي عنه والبخاري عن إسمعيل عن مالك ظاهرها أنه كان يؤم قومه وهو أعمى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل القول الذى قاله للنبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده قوله " وأنا رجل ضرير البصر " ولكن صح في رواية ما يقتضى أنه لم يكن أعمى حينئذ، قال الزهري حدثنى محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنى قد أنكرت بصرى وأنا أصلى لقومي وإذا كانت الامطار سأل الوادي الذى بينى وبينهم ولم أستطع أن آتى مسجدهم فأصلى لهم، وساق الحديث.
قال محمود فحدثت بهذا الحديث نفرا فيهم أبو أيوب فقال ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت فحلفت إن رجعت إلى عتبان أن أسأله قال فرجعت إليه فوجدته شيخا كبيرا قد عمى ذهب بصره وهو إمام قومه فجلست إلى جنبه فسألته عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته أول مرة وهذه الرواية بهذه السياقة أخرجها مسلم في صحيحه وهى دالة على أن العمى إنما حدث له بعد هذه القصة المروية واعلم أنه وقع في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى التى رويناها لسند هذا الحديث من طريق مالك عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد وهو وهم عند الحفاظ، إنما هو محمود بن الربيع.(1/192)
[ بضيق على خائف ولا مسافر وأى هؤلاء صلى الجمعة أجزأت عنه وبين أن كل واحد من هؤلاء إذا كان إذا حضرت أجزأت عنه وهى ركعتا الظهر التى هي أربع فصلاها بأهلها أجزأت عنه وعنهم.
إمامة الاعجمي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء قال سمعت عبيد بن عمير يقول اجتمعت جماعة فيما حول مكة قال حسبت أنه قال في أعلى الوادي ههنا وفى الحج قال فحانت الصلاة فتقدم رجل من آل أبى السائب أعجمى اللسان قال فأخره المسور بن مخرمة وقدم غيره فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرفه بشئ حتى جاء المدينة فلما جاء المدينة عرفه بذلك فقال المسور أنظرني يا أمير المؤمنين أن الرجل كان أعجمى اللسان وكان في الحج فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته فقال هنالك ذهبت بها فقلت: نعم فقال: قد أصبت (قال الشافعي) وأحب ما صنع المسور وأقر له عمر من تأخير رجل أراد أن يؤم وليس بوال وتقديم غيره إذا كان الامام أعجميا وكذلك إذا كان غير رضى في دينه ولا عالم بموضع الصلاة وأحب أن لا يتقدم أحد حتى يكون حافظا لما يقرأ فصيحا به وأكره إمامة من يلحن لانه قد يحيل باللحن المعنى فإن أم أعجمى أو لحان فأفصح بأم القرآن أو لحن فيها لحنا لا يحيل معنى شئ منها أجزأته وأجزأتهم وإن لحن فيها لحنا يحيل معنى شئ منها لم تجز من خلفه صلاتهم وأجزأته إذا لم يحسن غيره كما يجزيه أن يصلى بلا قراءة إذا لم يحسن القراءة ومثل هذا إن لفظ منها بشئ بالاعجمية وهو لا يحسن غيره أجزأته صلاته ولم تجز من خلفه قروءا معه أو لم يقرءوا وإذا ائتموا به فإن أقاما معا أم القرآن أو لحنا أو نطق أحدهما بالاعجمية أو لسان أعجمى في شئ من القرآن غيرها أجزأته ومن خلفه صلاتهم إذا كان أراد القراءة لما نطق به من عجمة ولحن فإن أراد به كلاما غير القراءة فسدت صلاته فإن ئئتموا به فسدت صلاتهم وإن خرجوا من صلاته حين فسدت فقدموا غيره أو صلوا لانفسهم فرادى أجزأتهم صلاتهم.
إمامة ولد الزنا أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا كان يؤم ناسا بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز وإنما نهاه لانه كان لا يعرف أبوه (قال الشافعي) وأكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إماما لان الامام موضع فضل وتجزى من صلى خلفه صلاتهم وتجزيه أن فعل وكذلك أكره إمام الفاسق والمظهر البدع ومن صلى خلف واحد منهم أجزأته صلاته ولم تكن عليه إعادة إذا أقام الصلاة.
إمامة الصبى لم يبلغ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أم الغلام الذى لم يبلغ الذى يعقل الصلاة ويقرأ، الرجال البالغين فإذا أقام الصلاه أجزأتهم إمامته والاختيار أن لا يؤم إلا بالغ وأن يكون الامام البالغ عالما بما لعله يعرض له في الصلاة.(1/193)
إمامة من لا يحسن يقرأ ويزيد في القرآن (قال) وإذا أم الامي أو من لا يحسن أم القرآن وإن أحسن غيرها من القرآن ولم يحسن أم القرآن لم يجز الذى يحسن أم القرآن صلاته معه وإن أم من لا يحسن أن يقرا أجزأت من لا يحسن يقرأ صلاته معه وإن كان الامام لا يحسن أم القرآن ويحسن سبع آيات أو ثمان آيات ومن خلفه لا يحسن أم القرآن ويحسن من القرآن شيئا أكثر مما يحسن الامام أجزأتهم صلاتهم معه لان كلا لا يحسن أم القرآن والامام يحسن ما يجزيه في صلاته إذا لم يحسن أم القرآن وإن أم رجل قوما يقرءون فلا يدرون أيحسن يقرأ أم لا فإذا هو لا يحسن يقرا أم القرآن ويتكلم بسجاعة في القرآن لم تجزئهم صلاتهم وابتدءوا الصلاة وعليهم إذا سجع ما ليس من القرآن أن يخرجوا من الصلاة خلفه وإنما جعلت ذلك عليهم وإن يبتدئوا صلاتهم أنه ليس يحسن القرآن وإن شجاعته كالدليل الظاهر على أنه لا يحسن يقرأ فلم يكن لهم أن يكونوا في شئ من الصلاة معه ولو علموا أنه يحسن يقرأ فابتدءوا الصلاة معه ثم سجع أحببت لهم أن يخرجوا من إمامته ويبتدئوا الصلاة فإن لم يفعلوا أو خرجوا حين سجع من صلاته فصلوا لانفسهم أو قدموا غيره أجزأت عنهم كما تجزئ عنهم لو صلوا خلف من يحسن يقرأ فأفسد صلاته بكلام عمد أو عمل ولا تفسد صلاتهم بإفساد صلاته إذا كان لهم على الابتداء أن يصلوا معه وإذا صلى لهم من لا يدرون يحسن يقرأ أم لا صلاة لا يجهر فيها أحببت لهم أن يعيدوا الصلاة احتياطا ولا يجب ذلك عليهم عندي لان الظاهر أن أحدا من المسلمين لا يتقدم قوما في صلاة إلا محسنا لما تجزيه به الصلاة إن شاء الله تعالى وإذا أمهم في صلاة يجهر فيها فلم يقرأ أعادوا الصلاة بترك القراءة ولو قال قد قرأت في نفسي فإن كانوا لا يعلمونه يحسن القراءة أحببت لهم أن يعيدوا الصلاة لانهم لم يعلموا أنه يحسن يقرأ ولم يقرأ قراءة يسمعونها.
أمامة الجنب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن إسمعيل بن أبى حكيم عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار أن أمكثوا ثم رجع وعلى جلده أثر الماء أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه أخبرنا الثقة عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال " إنى كنت جنبا فنسيت " أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن الحسن عن أبى بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهذا يشبه أحكام الاسلام لان الناس إنما كلفوا في غيرهم الاغلب فيما يظهر لهم وأن مسلما لا يصلي إلا على طهارة فمن صلى خلف رجل ثم علم أن إمامه كان جنبا أو على غير وضوء وإن كانت امرأة أمت نساء ثم علمن أنها كانت حائضا أجزأت المأمومين من الرجال والنساء صلاتهم وأعاد الامام صلاته ولو علم المأمومون من قبل أن يدخلوا في صلاته أنه على غير وضوء ثم صلوا معه لم تجزهم صلاتهم لانهم صلوا بصلاة من لا تجوز له الصلاة عالمين ولو دخلوا معه في الصلاة غير عالمين أنه على غير طهارة وعلموا قبل أن يكملوا الصلاة أنه على غير طهارة كان عليهم أن يتموا لانفسهم وينوون(1/194)
الخروج من إمامته مع علمهم فتجوز صلاتهم فإن لم يفعلوا فأقاموا مؤتمين به بعد العلم أو غير ناوين الخروج من إمامته فسدت صلاتهم وكان عليهم استئنافها لانهم قد ائتموا بصلاة من لا تجوز لهم الصلاة خلفه عالمين وإذا اختلف علمهم فعلمت طائفة وطائفة لم تعلم فصلاة الذين لم يعلموا أنه على غير طهارة جائزة وصلاة الذين علموا أنه على غير طهارة فأقاموا مؤتمين به غير جائزة (1) ولو افتتح الامام طاهرا ثم انتقضت طهارته فمضى على صلاته عامدا أو ناسيا كان هكذا وعمد الامام ونسيانه سواء إلا أنه يأثم بالعمد ولا يأثم بالنسيان إن شاء الله تعالى.
إمامة الكافر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا كافرا أم قوما مسلمين ولم يعلموا كفره أو يعلموا لم
تجزهم صلاتهم ولم تكن صلاته إسلاما له إذا لم يكن تكلم بالاسلام قبل الصلاة ويعزر الكافر وقد أساء من صلى وراءه وهو يعلم أنه كافر ولو صلى رجل غريب بقوم ثم شكوا في صلاتهم فلم يدروا أكان كافرا أو مسلما لم تكن عليهم إعادة حتى يعلموا أنه كافر لان الظاهر أن صلاته صلاة المسلمين لا تكون إلا من مسلم وليس من أم فعلم كفره مثل مسلم لم يعلم أنه غير طاهر لان الكافر لا يكون إماما في حال والمؤمن يكون إماما في الاحوال كلها إلا أنه ليس له أن يصلى إلا طاهرا وهكذا لو كان رجل مسلم فارتد ثم أم وهو مرتد لم تجز من خلفه صلاته حتى يظهر التوبة بالكلام قبل إمامتهم فإذا أظهر التوبة بالكلام قبل إمامتهم أجزأتهم صلاتهم معه ولو كانت له حالان حال كان فيها مرتدا وحال كان فيها مسلما فأمهم فلم يدروا في أي الحالين أمهم أحببت أن يعيدوا ولا يحب ذلك عليهم حتى يعلموا أنه أمهم مرتدا ولو أن كافرا أسلم ثم أم قوما ثم جحد أن يكون أسلم فمن أئتم به بعد أسلامه وقبل جحده فصلاته جائزة ومن أئتم بعد جحده أن يكون أسلم لم تجزه صلاته حتى يجدد أسلامه ثم يؤمهم بعده.
إمامة من لا يعقل الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أم الرجل المسلم المجنون القوم فإن كان يجن ويفيق فأمهم في إفاقته فصلاته وصلاتهم مجزئة وإن أمهم وهو مغلوب على عقله لم يجزهم ولا إياه صلاتهم ولو أمهم وهو ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: هذا النص في أنه يقضى من صلى مقتديا به عالما يحدثه يقتضى أن من عرف حدث إمامه قبل الصلاة ثم نسى وصلى معه ناسيا لما علمه أنه لا قضاء عليه وهذا له وجه لكنه ليس مقطوعا به كما وقع في بعض كتب المتأخرين من القطع به ونفى الخلاف فيه بل الخلاف ثابت في إنظاره في شئ من الترتيب في الوضوء أو الفاتحة ناسيا أو الموالاة ناسيا أو علم النجاسة التى لا يعفى عنها في ثوبه أو بدنه ثم نسى وصلى بها ففيها خلاف مرتب على الجاهل وأولى بوجوب القضاء بل الارجح في صورة المأموم أنه لا قضاء عليه بخلاف تلك الصور فإن فيها ترك ركن أو شرط وهنا لم يترك شيئا ويكون مفهوم النص على إطلاقه ولذا جرى عليه الاصحاب وهو المعتمد وعلى تقدير التوقع على الاول فيحمل النص على الصورة المتفق عليها.(1/195)
[ يعقل وعرض له أمر أذهب عقله فخرجوا من إمامته مكانهم صلوا لانفسهم أجزأتهم صلاتهم وإن بنوا على الائتمام شيئا قل أو كثر معه بعد ما علموا أنه قد ذهب عقله لم تجزهم صلاتهم خلفه وإن أم سكر ان لا يعقل فمثل المجنون وإن أم شارب يعقل أجزأته الصلاة وأجزأت من صلى خلفه فإن أمهم وهو يعقل ثم غلب بسكر فمثل ما وصفت من المجنون لا يخالفه.
موقف الامام أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس قال صليت أنا ويتيم لنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى حازم بن دينار قال سألوا سهل بن سعد من أي شئ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إما بقى من الناس أحد أعلم به منى من أثل الغابة عمله له فلان مولى فلانة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد عليه استقبل القبلة فكبر ثم ركع ثم نزل القهقرى فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقرى ثم سجد اخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس انه أخبره أنه بات عن ميمونة أم المؤمنين وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلى قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذنى اليمنى ففتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح (قال الشافعي) فما حكيت من هذه الاحاديث يدل على الامامة في النافلة ليلا ونهارا جائزة وأنها كالامامة في المكتوبة لا يختلفان ويدل على أن موقف الامام أمام المأمومين منفردا والمأمومان فأكثر خلفه وإذا أم رجل برجلين فقام منفردا أمامهما وقاما صفا خلفه وإن كان موضع المأمومين رجال ونساء وخناثى مشكلون
وقف الرجال يلون الامام والخناثى خلف الرجال والنساء خلف الخناثى وكذلك لو لم يكن معه إلا خنثى مشكل واحد وإذا أم رجل رجلا واحدا أقام الامام المأموم عن يمينه وإذا أم خنثى مشكلا أو امرأة قام كل واحد منهما خلفه لا بحذائه وإذا أم رجل رجلا فوقف المأموم عن يسار الامام أو خلفه كرهت ذلك لهما ولا إعادة على واحد منهما وأجزأت صلاته وكذلك أن أم اثنين فوقفا عن يمينه ويساره أو عن يساره معا أو عن يمينه أو وقف أحدهما عن جنبه والآخر خلفه أو وقفا معا خلفه منفردين كل واحد منهما خلف الآخر كرهت ذلك لهما ولا إعادة على واحد منهما ولا سجود للسهو وإنما أجزت هذا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس فوقف إلى جنبه فإذا جاز أن يكون المأموم الواحد إلى جنب الامام لم يفسد أن يكون إلى جنبه اثنان ولا جماعة ولا يفسد أن يكونوا عن يساره لان كل ذلك إلى جنبه وإنما أجزأت صلاة المنفرد وحده خلف الامام لان العجوز صلت منفردة خلف أنس وآخر معه وهما خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنبى صلى الله عليه وسلم أمامهما " قال أبو محمد رأيت النبي(1/196)
صلى الله عليه وسلم كأنه واقف على موضع مرتفع فوقفت خلفه وهو يصلى قائما فوقفت خلفه لاصلى معه فأخذني بيده فأوقفني عن يمينه فنظرت خلف ظهره الخاتم بين كتفيه يشبه الحاجب المقوس ونقط سواد في طرف الخاتم ونقط سواد في طرفه الآخر فقمت إليه فقبلت الخاتم " ولو وقف بعض المأمومين أمام الامام يأتم به أجزأت الامام ومن صلى إلى جنبه أو خلفه صلاتهم ولم يجز ذلك من وقف أمام الامام صلاته لان السنة أن يكون الامام أمام لمأموم أو حذاءه لا خلفه وسواء قرب ذلك أو بعد من الامام إذا كان المأموم أمام الامام وكذلك لو صلى خلف الامام صف في غير مكة فتعوج الصف حتى صار بعضهم أقرب إلى حد القبلة أو السترة ما كانت السترة من الامام لم تجز الذى هو أقرب إلى القبلة منه صلاته وإن كان يرى صلاة الامام ولو شك المأموم أهو أقرب إلى القبلة أو الامام أحببت له أن يعيد ولا يتبين لى أن يعيد حتى يستيقن أنه كان أقرب إلى القبلة من الامام (1) ولو أم إمام بمكة وهم يصلون بها صفوفا مستديرة يستقبل كلهم إلى الكعبة من جهته كان عليهم والله تعالى أعلم عندي أن يصنعوا كما يصنعون في الامام وأن يجتهدوا حتى يتأخروا من كل جهة عن البيت تأخرا يكون فيه الامام أقرب إلى
البيت منهم (2) وليس يبين لمن زال عن حد الامام وقربه من البيت عن الامام إذا لم تباين ذلك تباين الذين يصلون صفا واحدا مستقبلي جهة واحدة فيتحرون ذلك كما وصفت ولا يكون على واحد منهم إعادة صلاة حتى يعلم الذين يستقبلون وجه القبلة مع الامام أن قد تقدموا الامام وكانوا أقرب إلى البيت منه فإذا علموا أعادوا فأما الذين يستقبلون الكعبة كلها من غير جهتها فيجتهدون كما يصلون أن يكونوا أنأى عن البيت من الامام فإن لم يفعلوا وعلموا أو بعضهم أنه أقرب إلى البيت من الامام فلا اعادة عليه من قبل أنه والامام وان اجتمعا أن يكون واحد منهما يستقبل البيت بجهته وكل واحد منهما في غير جهة صاحبه فإذا عقل المأموم صلاة الامام أجزأته صلاته (قال) ولم يزل الناس يصلون مستديري الكعبة والامام في وجهها ولم أعلمهم يتحفظون ولا أمروا بالتحفظ من أن يكون كل واحد منهم جهته من الكعبة غير جهة الامام أو يكون أقرب إلى البيت منه وقلما يضبط هذا حول البيت إلا بالشئ المتباين جدا وهكذا لو صلى الامام بالناس فوقف في ظهر الكعبة أو أحد جهتها غير وجهها لم يجز للذين يصلون من جهته إلا أن يكونوا خلفه فإن لم يعلموا أعادوا وأجزأ من صلى من غير جهته وإن صلى وهو أقرب إلى الكعبة منه والاختيار لهم أن يتحروا أن يكونوا خلفه ولو أن رجلا أم رجالا ونساء فقام النساء خلف الامام والرجال خلفهن أو قام النساء حذاء الامام فائتممن به والرجال إلى جنبهن كرهت ذلك للنساء والرجال والامام ولم تفسد على واحد منهم صلاته وإنما قلت هذا لان ابن عيينة ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: هذا النصف في المثال غير مقيد وهو الذى اعتمده جمع من الاصحاب وجزم القاضى حسين بأن مجيئه إن كان من وراء الامام صحت صلاته وإن كان جاء من قدام الامام لم تصح صلاته فعد هذا التفصيل وجها مقابلا يقتضى إطلاق النص مع أنه يحتمل أن يكون قيدا والتحقيق في ذلك أنه إذا غلب على ظنه التأخر ثم بعد السلام شك لم يؤثر الشك الحادث بعد السلام واما إذا لم يغلب على ظنه في الابتداء التأخر فلا تنعقد صلاته حتى يظهر له القيام بالشرط بيقين أو غلبة ظن.
(2) قوله: وليس يبين الخ وقوله من قبل أنه والامام الخ كذا في النسخ وانظر التركيبين كتبه.
محصصه.(1/197)
[ أخبرنا عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة (1) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن مالك بن مغول عن عون بن جحيفة عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابطح وخرج بلال بالعنزة فركزها فصلى إليها والكلب والمرأة والحمار يمرون بين يديه (قال الشافعي) وإذا لم تفسد المرأة على الرجل المصلى أن تكون بين يديه فهى إذا كانت عن يمينه أو عن يساره أحرى أن لا تفسد عليه والخصى المجبوب أو غير المجبوب رجل يقف موقف الرجال في الصلاة ويؤم وتجوز شهادته ويرث ويورث ويثبت له سهم في القتال وعطاء في الفئ وإذا كان الخنثى مشكلا فصلى مع إمام وحده وقف خلفه وإن صلى مع جماعة وقف خلف صفوف الرجال وحده وأمام صفوف النساء.
صلاة الامام قاعدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الايمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد وصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال " إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين " (2) (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن محمد بن مطر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (قال الشافعي) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس ومن حدث معه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بهم جالسا ومن خلفه جلوسا منسوخ بحديث عائشة أن رسول ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: حديث عائشة هذا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم في صحيحه ولم يخرجه البخاري من هذا الطريق ولكن أخرج معناه بطريق أخرى فأخرج من طريق هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت أخرجه في ترجمة الصلاة خلف النائم وأخرج عقيبه في ترجمة التطوع خلف المرأة من حديث أبى سلمة عن عائشة أنها قالت كنت
أنام بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلى فإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح وأخرج من طريق الاسود ومسروق عن عائشة أنها قالت والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وأنا على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لى الحاجة فأكره أن أجلس فأوذى النبي صلى الله عليه وسلم فانسل من عند رجليه وأخرج البخاري من حديث ابن أخى الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة نحو حديث سفيان بن عيينة لكن ليس فيه " كاعتراض الجنازة ".
(2) قال السراج البلقينى: حديث أنس هذا من طريق مالك أخرجه البخاري ومسلم، أخرجه البخاري من طريق عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم من طريق محمد بن يحيى بن أبى عمر عن معن بن عيسى عن مالك وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى كذلك ورواية الاول هذا الحديث وصلينا وراءه قعودا يأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى.(1/198)
[ الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في مرضه الذى مات فيه جالسا وصلوا خلفه قياما فهذا مع أنه سنة ناسخة معقولا ألا ترى أن الامام إذا لم يطق القيام صلى جالسا وكان ذلك فرضه وصلاة المأمومين غيره قياما إذا أطاقوه وعلى كل واحد منهم فرضه فكان الامام يصلى فرضه قائما إذا أطاق وجالسا إذا لم يطق وكذلك يصلى مضطجعا وموميا إن لم يطق الركوع والسجود ويصلى المأمومون كما يطيقون فيصلى كل فرضه فتجزى كل صلاته ولو صلى إمام مكتوبة بقوم جالسا وهو يطيق القيام ومن خلفه قياما كان الامام مسيئا ولا تجزئه صلاته وأجزأت من خلفه لانهم لم يكلفوا أن يعلموا أنه يطيق القيام وكذلك لو كان يرى صحة بادية وجلدا ظاهرا لان الرجل قد يجد ما يخفى على الناس ولو علم بعضهم أنه يصلى جالسا من غير علة فصلى وراءه قائما أعاد لانه صلى خلف من يعلم أن صلاته لا تجزى عنه ولو صلى أحد يطيق القيام خلف إمام قاعد فقعد معه لم تجز صلاته وكانت عليه الاعادة ولو صلى الامام بعد الصلاة قاعدا ثم أطاق القيام كان عليه حين أطاق القيام أن يقوم في موضع القيام ولا يجزئه غير ذلك وإن لم يفعل فعليه أن يعيد تلك الصلاة وصلاة من خلفه تامة ولو افتتح الامام الصلاة قائما ثم مرض
حتى لا يطيق القيام كان له أن يجلس ليتم ما بقى من صلاته جالسا والمرأة تؤم النساء والرجل يؤم الرجال والنساء في هذا سواء.
وإن أمت أمة نساء فصلت مكشوفة الرأس أجزأتها وإياهن صلاتهن فإن عتقت فعليها أن تقنع فيما بقى من صلاتها ولو لم يفعل وهى عالمة أن قد عتقت وغير عالمة أعادت صلاتها تلك وكل صلاة صلتها مكشوفة الرأس.
مقام الامام ارتفعا والمأموم مرتفع ومقام الامام بينه وبين الناس مقصورة وغيرها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن إبى حازم قال سألوا سهل بن سعد عن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شئ هو وذكر الحديث أخبرنا ابن عيينة قال أخبرنا الاعمش عن إبراهيم عن همام قال: صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع فسجد عليه فجبذه أبو مسعود فتابعه حذيفة فلما قضى الصلاة قال أبو مسعود إليس قد نهى عن هذا؟ قال حذيفة ألم ترنى قد تابعتك؟ (قال الشافعي) واختار للامام الذي يعلم من خلفه أن يصلى على الشئ المرتفع ليراه من وراءه فيقتدون بركوعه وسجوده فإذا كان ما يصلي عليه منه متضايقا عنه إذا سجد أو متعاديا عليه كتضايق المنبر وتعاديه بارتفاع بعض درجه على بعض (1) أن يرجع القهقرى حتى يصير إلى الاستواء ثم يسجد ثم يعود إلى مقامه وإن كان متضايقا أو متعاديا أو كان يمكنه أن يرجع القهقرى أو يتقدم فليتقدم أحب إلى لان التقدم من شأن المصلين فإن استأخر فلا بأس وإن كان موضعه الذى يصلى عليه لا يتضايق إذا سجد ولا يتعادى سجد عليه ولا أحب أن يتقدم ولا يتأخر لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما رجع للسجود والله تعالى أعلم لتضايق المنبر وتعاديه وإن رجع القهقرى أو تقدم أو مشى مشيا غير منحرف إلى القبلة متباينا أو مشى يسيرا من غير حاجة إلى ذلك كرهته له ولا تفسد صلاته ولا توجب عليه سجود سهو إذا لم يكن ذلك كثيرا متباعدا فإن كان كثيرا متباعدا فسدت صلاته وإن كان الامام قد علم الناس مرة ]
__________
(1) قوله: أن يرجع الخ لعل " أن " زائدة من الناسخ أو يقدر العامل بنحو " أحب " أو " أختار " كتبه مصححه.(1/199)
[ أحببت أن يصلى مستويا مع المأمومين لانه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المنبر إلا مرة
واحدة وكان مقامه فيما سواها بالارض مع المأمومين فالاختيار أن يكون مساويا للناس ولو كان أرفع منهم أو أخفض لم تفسد صلاته ولا صلاتهم ولا بأس أن يصلى المأموم من فوق المسجد بصلاة الامام في المسجد إذا كان يسمع صوته أو يرى بعض من خلفه فقد رأيت بعض المؤذنين يصلى على ظهر المسجد الحرام بصلاة الامام فما علمت أن أحدا من أهل العلم عاب عليه ذلك وإن كنت قد علمت ان بعضهم أحب ذلك لهم لو أنهم هبطوا إلى المسجد (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا صالح مولى التوأمة أنه رأى أبا هريرة يصلى فوق ظهر المسجد الحرام بصلاة الامام في المسجد (قال الشافعي) وموقف المراة إذا أمت النساء تقوم وسطهن فإن قامت متقدمة النساء لم تفسد صلاتها ولا صلاتهن جميعا وهى فيما يفسد صلاتهن ولا يفسدها ويجوز لهن من المواقف ولا يجوز كالرجال لا يختلفن هن ولا هم.
اختلاف نية الامام والمأموم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول كان معاذ بن جبل يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء أو العتمة ثم يرجع فيصليها بقومه في بنى سلمة قال فأخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة قال فصلى معه معاذ قال فرجع فأم قومه فقرأ بسورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده فقالوا له أنافقت؟ قال: لا ولكني آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال يا رسول الله إنك أخرت العشاء وإن معاذا صلى معك ثم رجع فأمنا فافتتح بسورة البقرة فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال " أفتان أنت يا معاذ أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا أبو الزبير عن جابر مثله وزاد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اقرأ بسبح اسم ربك الاعلى والليل إذا يغشى والسماء والطارق ونحوها " قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير يقول قال له أقرأ بسبح اسم ربك الاعلى والليل إذا يغشى والسماء والطارق، فقال عمرو هو هذا أو نحوه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد قال أخبرني ابن جريج عن عمرو عن جابر قال كان معاذ يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم
ينطلق إلى قومه فيصليها لهم هي له تطوع وهى لهم مكتوبة أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلى لهم العشاء وهي له نافلة، أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاءت طائفة أخرى فصلى لهم ركعتين ثم سلم (قال الشافعي) والآخرة من هاتين للنبى صلى الله عليه وسلم نافلة وللآخرين فريضة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال وإن أدركت العصر بعد ذلك ولم تصل الظهر فاجعل التى أدركت مع الامام الظهر وصل العصر بعد ذلك قال ابن جريج قال عطاء بعد ذلك وهو يخبر ذلك وقد كان يقال ذلك إذا أدركت العصر ولم تصل الظهر فاجعل الذى أدركت مع الامام(1/200)
الظهر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أن عطاء كانت تفوته العتمة فيأتى والناس في القيام فيصلى معهم ركعتين ويبنى عليها ركعتين وأنه رآه يفعل ذلك ويعتد به من العتمة (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء من نسى العصر فذكر أنه لم يصلها وهو في المغرب فليجعلها العصر فإن ذكرها بعد أن صلى المغرب فليصل العصر (1) وروى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وعن رجل آخر من الانصار مثل هذا المعنى ويروى عن أبى الدرداء وابن عباس قريبا منه وكان وهب بن منبه والحسن وأبو رجاء العطاردي يقولون جاء قوم إلى أبى رجاء العطاردي يريدون أن يصلوا الظهر فوجدوه صلى فقالوا ما جئنا إلا لنصلي معك فقال لا أخيبكم ثم قام فصلى بهم ذكر ذلك أبو قطن عن أبى خلدة عن أبى رجاء العطاردي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال إنسان لطاوس وجدت الناس في القيام فجعلتها العشاء الآخرة قال أصبت (قال الشافعي) وكل هذا جائز بالسنة وما ذكرنا ثم القياس ونية كل مصل نية نفسه لا يفسدها عليه أن يخالفها نية غيره وإن أمه ألا ترى أن الامام يكون مسافرا ينوى ركعتين فيجوز أن يصلى وراءه مقيم بنيته وفرضه أربع أولا ترى أن الامام يسبق الرجل بثلاث ركعات ويكون في الآخرة
فيجزى الرجل أن يصليها معه وهي أول صلاته أو لا ترى أن الامام ينوى المكتوبة فإذا نوى من خلفه أن يصلى نافلة أو نذرا عليه ولم ينو المكتوبة يجزى عنه أولا ترى أن الرجل بفلاة يصلى فيصلى بصلاته فتجزئه صلاته ولا يدرى لعل المصلى صلى نافلة أو لا ترى أنا نفسد صلاة الامام ونتم صلاة من خلفه ونفسد صلاة من خلفه ونتم صلاته وإذا لم تفسد صلاة المأموم بفساد صلاة الامام كانت نية الامام إذا خالفت نيه المأموم أولى أن لا تفسد عليه وإن فيما وصفت من ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفاية من كل ما ذكرت وإذا صلى الامام نافلة فائتم به رجل في وقت يجوز له فيه أن يصلى على الانفراد فريضة ونوى الفريضة فهى له فريضة كما إذا صلى الامام فريضة ونوى المأموم نافلة كانت للمأموم نافلة لا يختلف ذلك وهكذا إن أدرك الامام في العصر وقد فاتته الظهر فنوى بصلاته الظهر كانت له ظهرا ويصلى بعدها العصر وأحب إلى من هذا كله أن لا يأتم رجل إلا في صلاة مفروضة يبتدئانها معا وتكون نيتهما في صلاة واحدة (2): ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: مراد عطاء بقوله وهو في المغرب يعنى في وقت المغرب قبل أن يصلى المغرب وحمله على ظاهره يقتضى أنه بعد الشروع في المغرب يقلبها إلى العصر وهذا لا يعرف عن عطاء ولا غيره.
(2) قال السراج البلقينى: وفى جمع الجوامع " ومن فاتته العشاء من شهر رمضان فدخل والناس في القنوت فليبدأ بالمكتوبة فإن أئتم بالامام في قنوت رمضان ما لم يسلم الامام جاز فإذا سلم الامام لم يأتم به وقام يقضى لنفسه وإن كان الناس قياما في قنوتهم " وما ذكره صاحب جمع الجوامع من هذا النص محمول على الاستحباب ولو اقتدى بالامام بعد ذلك كان فيه الاقتداء بعد الانفراد والارجح جوازه وفى جمع الجوامع في رواية حرملة " فلو صلى رجل لنفسه أو مع إمام صلاة ظهرا أو عشاء ثم صلاها بقوم أجزأت عنهم وكانت له نافلة وما صليت ".(1/201)
[ خروج الرجل من صلاة الامام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أئتم الرجل بإمام فصلى معه ركعة أو افتتح معه ولم يكمل
الامام الركعة أو صلى أكثر من ركعة فلم يكمل الامام صلاته حتى فسدت عليه استأنف صلاته (1) وإن كان مسافرا والامام مقيما فعليه أن يقضى صلاة مقيم لان عدد صلاة الامام لزمه وإن صلى به الامام شيئا من الصلاة ثم خرج المأموم من صلاة الامام بغير قطع من الامام للصلاة ولا عذر للمأموم كرهت ذلك له وأحببت أن يستأنف احتياطا فإن بنى على صلاة لنفسه منفردا لم يبن لى أن يعيد الصلاة من قبل أن الرجل خرج من صلاته مع معاذ بعدما افتتح الصلاة معه صلى لنفسه فلم نعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالاعادة.
الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال أتصلى للناس؟ فقال: نعم فصلى أبو بكر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر يده فحمد الله على ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأجر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما انصرف قال " يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك "؟ فقال أبو بكر ما كان لابن أبى قحافة أن يصلى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما لى رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شئ في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء " (2) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن إسمعيل بن أبى ] (7) قط هكذا ولا صليت خلف إمام قط بعد هذا وما أحب أن الله علم منى أنى تركته تحريما له وأن لى من الدنيا شيئا ولكن قد يترك المرء المباح فإذا تركت عن غير رغبة رجوت أن لا أكون اجترح بذلك مأتما كأنه يترك المسح على الخفين في بعض الحال من غير رغبة ولو تركه رجل رغبة خفت عليه البدعة واجتراح المأتم بها.
(1) قال السراج البلقينى: وقع في نسخة الام فلم يكمل الامام صلاته حتى فسدت عليه وفى
جمع الجوامع " فلم يكمل المأموم صلاته حتى فسدت عليه " وهذا هو المناسب لان الضمير في قوله عليه للمأموم بدليل قوله استأنف صلاته وإن كان مسافرا والامام مقيما فعليه (يعنى المأموم) أن يقضى صلاة مقيم وبقية الكلام يشهد لذلك.
(2) قال السراج البلقينى: حديث سهل هذا أخرجه البخاري ومسلم من حديث مالك، أخرجه =
__________
(7) بياض في الاصل.(1/202)
[ حكيم عن عطاء ابن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جلده أثر الماء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود ابن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه (قال الشافعي) والاختيار إذا أحدث الامام حدثا لا يجوز له معه الصلاة من رعاف أو انتفاض وضوء أو غيره فإن كان مضى من صلاة الامام شئ ركعة أو أكثر أن يصلى القوم فرادى لا يقدمون أحدا وإن قدموا أو قدم إمام رجلا فأتم لهم ما بقى من الصلاة أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو أحدث الامام الثاني والثالث والرابع وكذلك لو قدم الامام الثاني أو الثالث بعض من في الصلاة أو تقدم بنفسه ولم يقدمه الامام فسواء وتجزيهم صلاتهم في ذلك كله لان أبا بكر قد افتتح للناس الصلاة ثم استأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار أبو بكر مأموما بعد أن كان إماما وصار الناس يصلون مع أبى بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افتتحوا بصلاة أبى بكر وهكذا لو استأخر الامام من غير حدث وتقدم غيره أجزأت من خلفه صلاتهم وأختار أن لا يفعل هذا الامام وليس أحد في هذا كرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فعله وصلى من خلفه بصلاته فصلاتهم جائزة مجزية عنهم وأحب إذا جاء الامام وقد افتتح الصلاة غيره أن يصلى خلف المتقدم إن تقدم بأمره أو لم يتقدم قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف في سفره إلى تبوك فإن قيل فهل يخالف هذا استئخار أبى بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل هذا مباح وللامام أن يفعل أي شئ شاء والاختيار أن يأتم الامام بالذى يفتتح الصلاة
ولو أن إماما كبر وقرأ أو لم يقرأ إلا أنه لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة كان مخرجه أو وضوؤه أو غسله قريبا فلا بأس أن يقف الناس في صلاتهم حتى يتوضأ ويرجع ويستأنف ويتمون هم لانفسهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر أنه جنب فانتظره القوم فاستأنف لنفسه لانه لا يعتد بتكبيره وهو جنب ويتمون لانفسهم لانهم لو خرجوا من صلاته صلوا لانفسهم بذلك التكبير فإن كان خروجه متباعدا وطهارته تثقل صلوا لانفسهم بذلك التكبير لو أشار إليهم أن ينتظروه وكلمهم بذلك كلاما فخالفوه وصلوا لانفسهم أو قدموا غيره أجزأتهم صلاتهم والاختيار عندي والله تعالى أعلم للمأمومين إذا فسدت على الامام صلاته أن يتموا فرادى ولو أن إماما صلى ركعة ثم ذكر أنه جنب فخرج فاغتسل وانتظره القوم فرجع فبنى على الركعة فسدت عليهم صلاتهم لانهم يأتمون به وهم عالمون أن صلاته فاسدة لانه ليس له أن يبني على صلاة صلاها جنبا ولو علم ذلك بعضهم ولم يعلمه بعض فسدت صلاة من علم ولم تفسد صلاة من لم يعلم (قال الشافعي) وإذا أم الرجل القوم فذكر أنه على غير طهر أو انتقضت طهارته فانصرف فقدم آخر أو لم يقدمه فقدمه بعض المصلين خلفه أو تقدم هو متطوعا بنى على صلاة الامام وإن اختلف من خلف الامام فقدم بعضهم رجلا وقدم آخرون غيره فأيهما تقدم أجزأهم أن يصلوا خلفه وكذلك إن تقدم غيرهما ولو أن إماما صلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا قد فاتته تلك الركعة مع الامام أو أكثر فإن كان المتقدم كبر مع الامام قبل أن يحدث الامام مؤتما ] = البخاري عن عبد الله ابن يوسف عن مالك، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى كذلك وهو في الموطأ في ترجمة الالتفات والتصفيق في الصلاة عند الحاجة وقد تقدم الكلام عليه في باب الصلاة بغير أمر الوالى.(1/203)
[ بالامام فصلى الركعة التى بقيت على الامام وجلس في مثنى الامام ثم صلى الركعتين الباقيتين على الامام وتشهد فإذا أراد السلام قدم رجلا لم يفته شئ من صلاة الامام فسلم بهم وإن لم يفعل سلموا هم لانفسهم آخرا وقام هو فقضى الركعة التى بقيت عليه ولو سلم هو بهم ساهيا وسلموا لانفسهم أجزأتهم صلاتهم وبنى هو لنفسه وسجد للسهو وإن سلم عامدا ذاكرا لانه لم يكمل الصلاة فسدت
صلاته وقدموا هم رجلا فسلم بهم أو سلموا لانفسهم أي ذلك فعلوا أجزأتهم صلاتهم ولو قام بهم فقاموا وراءه ساهين ثم ذكروا قبل أن يركعوا كان عليهم أن يرجعوا فيتشهدوا ثم يسلموا لانفسهم أو يسلم بهم غيره ولو اتبعوه فذكروا رجعوا جلوسا ولم يسجدوا وكذلك لو سجدوا إحدى السجدتين ولم يسجدوا الاخرى أو ذكروا وهم سجود قطعوا السجود على أي حال ذكروا أنهم زائدون على الصلاة وهم فيها فارقوا تلك الحال إلى التشهد ثم سجدوا للسهو وسلموا ولو فعل هذا بعضهم وهو ذاكر لصلاته عالم بأنه لم يكمل عددها فسدت عليه صلاته لانه عمد الخروج من فريضة إلى صلاة نافلة قبل التسليم من الفريضة ولا خروج من صلاة إلا بسلام " قال أبو يعقوب البوطى " ومن أحرم جنبا بقوم ثم ذكر فخرج فتوضأ ورجع لم يجز له أن يؤمهم لان الامام حينئذ إنما يكبر للافتتاح وقد تقدم ذلك إحرام القوم وكل مأموم أحرم قبل إمامه فصلاته باطلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا كبر فكبروا " وليس كالمأموم يكبر خلف الامام في آخر صلاة الامام وقد كبر قوم خلف الامام في أول صلاة الامام فيحدث الامام فيقدم الذى أحرم معه في آخر صلاته وقد تقدم إحرامه إحرام من أدرك أول صلاة الامام من هذا بسبيل (قال الشافعي) من أحرم قبل الامام فصلاته باطلة.
الائتمام بإمامين معا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلين وقفا ليكون كل واحد منهما إماما لمن خلفه ولا يأتم واحد منهما بصاحبه كان أحدهما إمام الآخر أو بحذائه قريبا أو بعيدا منه فصلى خلفهما ناس يأتمون بهما معا لا بأحدهما دون الآخر كانت صلاة من صلى خلفهما معا فاسدة لانهم لم يفردوا النية في الائتمام بأحدهما دون الآخر ألا ترى أن أحدهما لو ركع قبل الآخر فركعوا بركوعه كانوا خارجين بالفعل دون النية من إمامة الآخر إلى غير صلاة أنفسهم ولا إمام أحدثوه لم يكن لهم إماما قبل إحداثهم ولو أن الذى أخر الركوع الاول قدم الركوع الثاني فائتموا به كانوا قد خرجوا بالفعل دون النية من إمامته أولا ومن إمامة الذى قدم الركوع الاول بعده ولو ائتموا بهما معا ثم لم ينووا الخروج من إمامتهما معا والصلاة لانفسهم لم تجزهم صلاتهم لانهم افتتحوا الصلاة بإمامين في وقت واحد وليس ذلك لهم فإن قيل فقد ائتم أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس بأبى بكر قيل الامام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر مأموم علم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا ضعيف الصوت وكان أبو بكر قائما يرى ويسمع ولو ائتم رجل برجل وائتم الناس بالمأموم لم تجزهم صلاتهم لانه لا يصلح أن يكون إماما مأموما إنما الامام الذى يركع ويسجد بركوع نفسه وسجوده لا بركوع غيره وسجوده ولو أن رجلا رأى رجلين معا واقفين معا فنوى أن يأتم بأحدهما لا بعينه فصليا صلاة واحدة لم تجزه صلاته لانه لم ينو ائتماما بأحدهما بعينه وكذلك لو صليا منفردين فائتم بأحدهما لم(1/204)
تجزه صلاته لانه لم ينو الائتمام بالذى صلى بصلاته بعينه ولم تجزئه صلاة خلف إمام حتى يفرد النية في إمام واحد فإذا أفردها في أمام واحد أجزأته وإن لم يعرفه بعينه ولم يره إذا لم تكن نيته مشتركة بين إمامين أو مشكوكا فيها في أحد الامامين.
ائتمام الرجلين أحدهما بالآخر وشكهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلين صليا معا فائتم أحدهما بالآخر كانت صلاتهما مجزئة، ولو صليا معا وعلما أن أحدهما ائتم بالآخر وشكا معا فلم يدريا أيهما كان إمام صاحبه كان عليهما معا أن يعيدا الصلاة على المأموم غير ما على الامام في الصلاة وكذلك على الامام غير ما على المأموم، ولو شك أحدهما ولم يشك الآخر أعاد الذى شك وأجزأ الذى لم يشك صلاته، ولو صدق الذى شك لم يشك كانت عليه الاعادة، وكل ما كلف عمله في نفسه من عدد الصلاة لم يجزه فيه إلا الذي شك لم يشك كانت عليه الاعادة، وكل ما كلف عمله في نفسه من عدد الصلاة لم يجزه فيه إلا علم نفسه لا علم غيره، ولو شك فذكره رجل فذكر ذلك على نفسه لم تكن إعادة لانه يدع الاعادة الآن بعلم نفسه لا بعلم غيره ولو كانوا ثلاثة أو أكثر فعلموا أن قد صلوا بصلاة أحدهم وشك كل واحد منهم، أكان الامام أو المأموم، أعادوا معا، ولو شك بعضهم ولم يشك بعضهم أعاد الذين شكوا ولم يعد الذين لم يشكوا وكانت كالمسألة قبلها، وكذلك لو كثر عددهم.
باب المسوق وليس في التراجم وفيه نصوص، فمنها في باب القول في الركوع الذى سبق في تراجم الصلاة وهو
قوله رضى الله عنه: ولو أن رجلا أدرك الامام راكعا فركع قبل أن يرفع الامام ظهره من الركوع اعتد بتلك الركعة، ولو لم يركع حتى رفع الامام ظهره من الركوع لم يعتد بتلك الركعة ولا يعتد بها حتى يصير راكعا والامام راكع بحالة، ولو ركع الامام فاطمأن راكعا ثم رفع رأسه من الركوع فاستوى قائما أو لم يستو إلا أنه قد زايل الركوع إلى حال لا يكون فيها تام الركوع ثم عاد فركع ليسبح فأدركه رجل في هذه الحال راكعا فركع معه لم يعتد بهذه الركعة لان الامام قد أكمل الركوع أولا وهذا ركوع لا يعتد به من الصلاة (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا ركع ولم يسبح ثم رفع رأسه ثم عاد فركع ليسبح فقد بطلت صلاته لان ركوعه الاول كان تاما وإن لم يسبح فلما عاد فركع ركعة أخرى ليسبح فيها كان قد زاد في الصلاة ركعة عامدا فبطلت صلاته بهذا المعنى (1).
ومن النصوص في المسبوق ما ذكره في باب الصلاة من اختلاف العراقيين وإذا أدرك الامام وهو راكع فكبر معه ثم لم يركع حتى رفع الامام رأسه من الركوع فإن أبا حنيفة كان يقول يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة أخبرنا ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: قد سبق التنبيه في باب القول في الركوع على أن كلام الربيع يوهم أن في المسألة قولين وليس كذلك بل إن كان عامدا بطلت صلاته قولا واحدا وإن كان ساهيا لم تبطل قولا واحدا.(1/205)
[ بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبى ليلى يقول يركع ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته (قال الشافعي) ومن أدرك الامام راكعا فكبر ولم يركع حتى رفع الامام رأسه سجد مع الامام ولم يعتد بذلك السجود لانه يدرك ركوعه ولو ركع بعد رفع الامام رأسه لم يعتد بتلك الركعة لانه لم يدركها مع الامام ولم ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه بقراءة ولا صلى مع الامام فيما أدرك مع الامام، ومنها في مختصر البويطى في باب الرجل يسبقه الامام ببعض الصلاة (قال الشافعي) ومن سبقه الامام بشئ من الصلاة لم يقم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الامام من التسليمتين هذا نصه في البويطى، وفى جمع الجوامع في باب من سبقه الامام بشئ حكى هذا الكلام أولا ولم ينسبه للبويطى ثم نقل عن الشافعي رضى الله عنه أنه قال وأحب لو مكث قليلا قدر ما يعلم أنه لو كان
عليه سهو سجد فسجد معه ومن دخل المسجد فوجد الامام جالسا في الركعة الآخرة فليحرم قائما وليجلس معه فإذا سلم قام بلا تكبير فقضى صلاته وإذا أدرك الامام في الركعة فليقم إذا فرغ الامام من صلاته بغير تكبير فإن أدركه في الثنتين فليجلس معه فإذا أراد ان يكون بعد فراغ الامام من الركعتين الآخرين لقضاء ما عليه فليقم بتكبير ومن كان خلف الامام قد سبقه بركعة فسمع نغمة فظن أن الامام قد سلم فقضى الركعة التى بقيت عليه وجلس فسمع سلام الامام فهذا سهو تحمله الامام عنه ولا يعتد بها ويقضى الركعة التى عليه ولا يشبه هذا الذى خرج من صلاة فعاد فقضى لنفسه فإن الامام وهو راكع أو ساجد ألغى جميع ما عمل قبل سلام الامام وابتدأ ركعة ثانية بقراءتها وركوعها وسجودها بعد سلام الامام قاله في رواية البويطى وابن أبى الجارود وأحب لمن خلف الامام أن لا يسبقه بركوع ولا سجود ولا عمل فإن كان فعل فركع الامام وهو راكع أو ساجد فذلك مجزئ عنه وإن سبقه فركع أو سجد ثم رفع قبله فقال بعض الناس يعود فيركع بعد ركوعه وسجوده حتى يكون إما راكعا وإما ساجدا معه وإما متبعا لا يجزئه إذا أئتم به في عمل الصلاة إلا ذلك وقال في كتاب " استقبال القبلة " وإن رفع رأسه قبل الامام فأحب إلى أن يعود فإن لم يفعل كرهته واعتد بتلك الركعة وقال في الاملاء (1) وإذا ترك أن يركع ويسجد مع الامام فإن كان وراءه يعتد بتلك الركعة إذا ائتم به وإن سبقه الامام بذلك فلا بأس أن يضع رأسه ساجدا ويقيم راكعا بعدما سبقه الامام إذا كان في واحدة منها مع الامام وإن قام قبلة عاد حتى يقعد بقدر ما سبقه الامام بالقيام فإن لم يفعل وقد جلس وكان في بعض السجود والركوع معه فهو كمن ركع وسجد ثم رفع قبله فذلك يجزئ عنه وقد أساء في ذلك كله وإذا دخل مع الامام وقد سبقه بركعة فصلى الامام خمسا ساهيا واتبعه هو ولا يدرى أنه سها أجزأت المأموم صلاته لانه قد صلى أربعا وإن سبقه وهو يعلم أنه قدسها بطلت صلاته وما أدرك مع الامام فهو أول صلاته لا يجوز لاحد أن يقول عندي خلاف ذلك وإن فاتته مع الامام ركعتان من الظهر وأدرك الركعتين الاخيرتين صلاهما مع الامام فقرأ بام القرآن وسورة إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكنه قرأ ما أمكنه، وإذا قام قضى ركعتين فقرأ في كل واحدة منها بأم القرآن وسورة وإن اقتصر على أم القرآن أجزأه وإن فاتته ركعة من المغرب وصلى ركعتين قضى ركعة بأم القرآن وسورة ولم يجهر وإن أدرك منها ركعة قام فجهر في
الثانية وهى الاولى من قضائه ولم يجهر في الثالثة وقرأ فيها بأم القرآن وسورة هذا آخر ما نقله في جمع الجوامع من النصوص وظاهر هذا النص أن من أدرك مع الامام ركعة من الجمعة أتى بالثانية بعد سلام ]
__________
(1) قوله: وإذا ترك أن يركع الخ كذا في الاصل وحرر العبارة.
كتبه مصححه.(1/206)
[ الامام جهرا كما في الصبح وهكذا في العيد والاستسقاء وخسوف القمر وإنما يتوقف في الجواب في الجمعة بذلك لانها لا تسوغ للمنفرد وهذا قد صار منفردا بخلاف الصبح نحوها ولم تشرع للمنفرد وهذا التوقف ليس بمعتبر من أن حكم الجمعة ثابت له وانفراده بهذه الحالة لا يصيرها ظهرا وقد نص في الام في صلاة الخوف في ترجمة تقدم الامام في صلاة الخوف على شئ يدل على أن المسبوق يجهر في الركعة الثانية فقال في أواخر الترجمة المذكورة وإن كان خوف يوم الجمعة وكان محروسا إذا خطب بطائفة وحضرت معه طائفة الخطبة ثم صلى بالطائفة التى حضرت الخطبة ركعة وثبت قائما فأتموا لانفسهم بقراءة يجهرون فيها ثم وقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التى لم تصل فصلت معه الركعة التى بقيت عليه من الجمعة وثبت جالسا فأتموا لانفسهم ثم سلم بهم فقد صرح الشافعي بأن الطائفة الاولى تتم لانفسها الركعة الباقية بقراءة يجهرون فيها وقد صرح بذلك القاضى أبو الطيب في تعليقه فقال يصلون لانفسهم ركعة يجهرون فيها بالقراءة لان حكم المنفرد في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة كحكم الامام في الركعة الثانية ولم يتعرض الشافعي لجهر الفرقة الثانية في الركعة الثانية لانها في حكم قدوة ومن كان مقتديا فإنه يسر وبذلك صرح القاضى أبو الطيب وغيره فإن قيل: إنما جهرت الفرقة الاولى من الركعة الثانية لبقاء حكم الجمعة بالنسبة إلى الامام بخلاف المسبوق قلنا هذا تخيل له وجه ولكن الارجح أنه لا فرق لانهم منفردون في هذه الحالة كالمسبوق وقد نقل هذا النص عن الام الشيخ أبو حامد وغيره ولم يتعرضوا للجهر الذى ذكرناه وتعرض له ابن الصباغ في الشامل بعد نقل النص المذكور * وفي اختلاف العراقيين في أول باب الصلاة وإذا أتى الرجل إلى الامام في أيام التشريق وقد سبقه بركعة فسلم الامام عند فراغه فإن أبا حنيفة كان يقول يقوم الرجل فيقضى ولا يكبر معه لان
التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ (يعنى أبا يوسف) وكان ابن أبى ليلى يقول يكبر ثم يقوم فيقضى (قال الشافعي) وإذا سبق الرجل بشئ من الصلاة في أيام التشريق فسلم الامام فكبر لم يكبر المسبوق بشئ من الصلاة وقضى الذى عليه فإذا سلم كبر وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما يتبع الامام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة.
باب صلاة المسافر (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " الآية، قال فكان بينا في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الارض والخوف تخفيف من الله عزوجل عن خلقه لا أن فرضا عليهم أن يقصروا كما كان قوله " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة " رخصة لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال وكما كان قوله " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " يريد والله تعالى أعلم أن تتجروا في الحج لا أن حتما عليهم أن يتجروا وكما كان قوله " فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن " وكما كان قوله " ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم " الآية لا إن ]
__________
(1) قال سراج الدين البلقينى: وليس في التراجم وذكر أوله في باب جماع فرض الصلاة وأعقبه بأربع تراجم تتعلق بما نحن فيه وسنذكرها اه.(1/207)
[ حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم (قال الشافعي) والقصر في الخوف والسفر بالكتاب ثم بالسنة والقصر في السفر بلا خوف سنة والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله عزوجل لا أن حتما عليهم أن يقصروا كما كان ذلك في الخوف والسفر أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إنما قال الله عزوجل " أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن طلحة ابن عمرو عن
عطاء عن عائشة قالت كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر وأتم أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا " أو قال: لم يصوموا (قال) فالاختيار والذى أفعل مسافرا وأحب أن يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر وفى السفر بلا خوف ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته جلس في مثنى قدر التشهد أو لم يجلس وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه وأكره ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة لم أكره له ذلك (قال) ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات الظهر والعصر والعشاء وذلك أنهن أربع فيصليهن ركعتين ولا قصر في المغرب ولا الصبح ومن سعة لسان العرب أن يكون أريد بالقصر بعض الصلاة دون بعض وإن كان مخرج الكلام فيها عاما فإن قال قائل: قد كره بعض الناس أن أتم بعض امرائهم بمنى قيل الكراهية وجهان فإن كانوا كرهوا ذلك اختيارا للقصر لانه السنة فكذلك نقول ونختار السنة في القصر وإن كرهوا ذلك أن قاصرا قصر لانه لا يرى القصر إلا في خوف وقد قصر النبي صلى الله عليه وسلم في غير خوف فهكذا قلنا نكره ترك شئ من السنن رغبة عنها ولا يجوز أن يكون أحد ممن مضى والله تعالى أعلم كره ذلك إلا أن يترك رغبة عنه فإن قيل فما دل على ذلك؟ قبل صلاتهم مع من أتم أربعا وإذا صلوا وحدانا صلوا ركعتين وان ابن مسعود ذكر إتمام الصلاة بمنى في منزله وعابه ثم قام فصلى أربعا فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر ولو كان فرض الصلاة في السفر ركعتين لم يتمها إن شاء الله تعالى منهم أحد ولم يتمها ابن مسعود في منزله ولكنه كما وصفت ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم فإن قال فقد قالت عائشة رضى الله عنها فرضت الصلاة ركعتين قيل له قد أتمت عائشة في السفر بعدما كانت تقصر فإن قال قائل فما وجه قولها؟ قيل له تقول فرضت لمن أراد من المسافرين وقد ذهب بعض أهل هذا الكلام إلى غير هذا المعنى فقال إذا فرضت ركعتين في السفر وأذن الله تعالى بالقصر في الخوف فصلاة الخوف ركعة فإن قال فما الحجة عليه وعلى أحد إن تأول قولها على غير ما قلت؟ قلنا ما لا حجة في شئ معه بما ذكرنا من الكتاب ثم السنة ثم إجماع العامة على أن صلاة المسافرين أربع مع الامام المقيم ولو كان فرض صلاتهم ركعتين ما جاز لهم أن يصلوها أربعا مع مقيم ولا غيره.
جماع تفريع صلاة المسافر أخبرنا الربيع قال قال الشافعي لا تختلف صلاة المكتوبة في الحضر والسفر إلا في الاذان والوقت(1/208)
والقصر فأما ما سوى ذلك فهما سواء (1) ما يجهر أو يخافت في السفر فيما يجهر فيه ويخافت في الحضر ويكمل في السفر كما يكمل في الحضر فأما التخفيف فإذا جاء بأقل ما عليه في السفر والحضر أجزأه لا أرى أن يخفف في السفر عن صلاة الحضر إلا من عذر ويأتى بما يجزيه والامامة في السفر والحضر سواء ولا أحب ترك الاذان في السفر وتركه فيه أخف من تركه في الحضر وأختار الاجتماع للصلاة في السفر وإن صلت كل رفقة على حدتها أجزأها ذلك إن شاء الله تعالى وإن اجتمع مسافرون ومقيمون فإمامة المقيمين أحب إلي ولا بأس أن يؤم المسافرون المقيمين.
ولا يقصر الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية التى سافر منها كلها فإذا دخل أدنى بيوت القرية التى يريد المقام بها أتم أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة إربعا وصليت معه العصر بذي الخليفة ركعتين أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه سمع أنس بن مالك يقول مثل ذلك إلا أنه قال بذى الحليفة أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبى قلابة عن أنس مثل ذلك (قال) وفى هذا دليل أن الرجل لا يقصر بنية السفر دون العمل في السفر فلو أن رجلا نوى أن يسافر فلم يثبت به سفره لم يكن له أن يقصر (قال) ولو أثبت به سفره ثم نوى أن يقيم أتم الصلاة ونية المقام مقام لانه مقيم وتجتمع فيه النية وأنه مقيم ولا تكون نية السفر سفرا لان النية تكون منفردة ولا سفر معها إذا كان مقيما والنية لا يكون لها حكم إلا بشئ معها فلو أن رجلا خرج مسافرا يقصر الصلاة افتتح الظهر ينوى أن يجمع بينها وبين العصر ثم نوى المقام في الظهر قبل أن ينصرف من ركعتين كان عليه أن يبنى حتى يتم أربعا ولم يكن عليه أن يستأنف لانه في فرض الظهر لا في غيرها لانه كان له أن يقصر إن شاء ولم يحدث نية في المقام وكذلك إذا فرغ من الركعتين ما لم يسلم فإذا سلم ثم نوى أن يقيم أتم فيما يستقبل ولم يكن عليه أن يعيد ما مضى ولو كان نوى في صلاة الظهر المقام ثم سلم من الركعتين أستأنف الظهر أربعا ولو لم ينو المقام فافتتح ينوى أن يقصر ثم بدا له أن يتم قبل أن يمضى من صلاته شئ أو بعد كان
ذلك له ولم تفسد عليه صلاته لانه لم يزد في صلاته شيئا ليس منها إنما ترك القصر الذي كان مباحا له وكان التمام غير محظور عليه ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ونوى أن يصلى ركعتين فلم يكمل الصلاة حتى نوى أن يتم الصلاة بغير مقام أو ترك الرخصة في القصر كان على المسافرين والمقيمين التمام ولم تفسد على واحد من الفريقين صلاته وكانوا كمن صلى خلف مقيم ولو فسدت على مسافر منهم صلاته وقد دخل معه كان عليه أن يصلى أربعا وكان كمسافر دخل في صلاة مقيم ففسدت عليه صلاته فعليه أن يصلى أربعا لانه وجب عليه عدد صلاة مقيم في الصلاة التى دخل معه فيها (قال) ولو صلى مسافر خلف مسافر ففسدت عليه صلاته فانصرف ليتوضا فعلم أن المسافر صلى ركعتين لم يكن عليه إلا ركعتان وإن علم أن المسافر صلى أربعا أو لم يعلم صلى أربعا أو اثنتين صلى أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو صلى مسافر خلف رجل لا يعلم مسافر هو أو مقيم ركعة ثم انصرف الامام من صلاته أو فسدت على المسافر صلاته أو انتقض وضؤوه كان عليه أن يصلى أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو أن مسافرا صلى بمسافرين ومقيمين فرعف فقدم مقيما كان على المسافرين والمقيمين والامام الراعف أن يصلوا أربعا لانه لم يكمل لواحد من القوم الصلاة حتى كان فيها في صلاة مقيم ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ركعتين أتم المقيمون وقصر المسافرون إن شاءوا فإن نووا أو واحد منهم أن يصلوا أربعا كانوا كالمقيمين يتمون بالنية ]
__________
(1) قوله: ما يجهر لعل " ما " مصدرية أو زائدة من الناسخ.
كتبه مصححه.(1/209)
[ وإنما يلزمهم التمام بالنيه إذا نووا مع الدخول في الصلاة أو بعده وقبل الخروج منها الاتمام فأما من قام من المسافرين إلى الصلاة ينوى أربعا فلم يكبر حتى نوى اثنتين أو نوى أربعا بعد تسليمه من اثنتين فليس عليه أن يصلى أربعا ولو أن مسافرا أم مسافرين ومقيمين فكانت نيته اثنتين فصلى أربعا ساهيا فعليه سجود السهو وإن كان معه مقيمون صلوا بصلاته وهم ينوون بها فريضتهم فهى عنهم مجزئة لانه قد كان له أن يتم وتكون صلاتهم خلفه تامة وإن كان من خلفه من المسافرين نووا إتمام الصلاة لانفسهم فصلاتهم تامة وإن كانوا لم ينوا إتمام الصلاة لانفسهم إلا بأنهم رأوا أنه أتم لنفسه لا سهوا فصلاتهم مجزئة لانه قد كان لزمهم أن يصلوا أربعا خلف من صلى أربعا وإن كانوا صلوا الركعتين معه على غير
شئ من هذه النية وعلى أنه عندهم ساه فاتبعوه ولم يريدوا الاتمام لانفسهم فعليهم إعادة الصلاة ولا أحسبهم يمكنهم أن يعلموا سهوه لان له أن يقصر ويتم فإذا أتم فعلى من خلفه اتباعه مسافرين كانوا أو مقيمين فأى مسافر صلى مع مسافر أو مقيم وهو لا يعرف أمسافر إمامه أم مقيم فعليه أن يصلى أربعا إلا أن يعلم أن المسافر لم يصل إلا ركعتين فيكون له أن يصلى ركعتين وإن خفى ذلك عليه كان عليه أن يصلى أربعا لا يجزيه غير ذلك لانه لا يدرى لعل المسافر كان ممن يتم صلاته تلك أولا وإذا افتتح المسافر الصلاة بنية القصر ثم ذهب عليه أنوى عند افتتاحها الاتمام أو القصر فعليه الاتمام فإذا ذكر أنه افتتحها ينوى القصر بعد نسيانه فعليه الاتمام لانه كان فيها في حال عليه أن يتم ولا يكون له أن يقصر عنها بحال ولو أفسدها صلاها تماما لا يجزيه غير ذلك ولو افتتح الظهر ينويها لا ينوى بها قصرا ولا إتماما كان عليه الاتمام ولا يكون له القصر.
إلا أن تكون نيته مع الدخول في الصلاة لا تقدم النية الدخول ولا الدخول نية القصر فإذا كان هذا فله أن يقصر وإذا لم يكن هكذا فعليه أن يتم ولو افتتحها ونيته القصر ثم نوى أن يتم أوشك في نيته في القصر أتم في كل حال ولو جهل أن يكون له القصر في السفر فأتم كانت صلاته تامة ولو جهل رجل يقصر وهو يرى أن ليس له أن يقصر أعاد كل صلاة قصرها ولم يعد شيئا مما لم يقصر من الصلاة ولو كان رجل في سفر تقصر فيه الصلاة فأتم بعض الصلوات وقصر بعضها كان ذلك له كما لو وجب عليه الوضوء فمسح على الخفين صلاة ونزع وتوضأ وغسل رجليه صلاة كان ذلك له وكما لو صام يوما من شهر رمضان مسافرا وأفطر آخر كان له ذلك وإذا رقد رجل عن صلاة في سفر أو نسيها فذكرها في الحضر صلاها صلاة حضر ولا تجزيه عندي إلا هي لانه إنما كان له القصر في حال فزالت تلك الحال فصار يبتدئ صلاتها في حال ليس له فيها القصر ولو نسى صلاة ظهر لا يدرى أصلاة حضر أو سفر؟ لزمه أن يصليها صلاة حضر إن صلاها مسافرا أو مقيما، ولو نسى ظهرا في حضر فذكرها بعد فوتها في السفر صلاها حضر لا يجزيه غير ذلك ولو ذكرها وقد بقى عليه من وقت الظهر شئ كان له أن يصليها صلاة سفر (1).
] (1) القصر والاتمام في السفر في الخوف وغير الخوف من كتاب اختلاف الحديث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عزوجل " وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " الآية (قال الشافعي) وكان بينا في كتاب الله تعالى أن القصر في السفر في الخوف =(1/210)
[ السفر الذى تقصر في مثله الصلاة بلا خوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره إلى مكة وهى تسع أو عشر فدل قصره صلى الله عليه وسلم على أن يقصر في مثل ما قصر فيه وأكثر منه ولم يجز القياس على قصره إلا بواحدة من اثنتين أن لا يقصر إلا في مثل ما قصر فيه وفوقه فلما لم أعلم مخالفا في أن يقصر في أقل من سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قصر فيه لم يجز ان نقيس على هذا الوجه كان الوجه الثاني أن يكون إذا قصر في سفر ولم يحفظ عنه أن لا يقصر فيما دونه أن يقصر فيما يقع عليه اسم سفر كما يتيمم ويصلى النافلة على الدابة حيث توجهت فيما وقع عليه اسم سفر ولم يبلغنا أن يقصر فيما دون يومين إلا أن عامة من حفظنا عنه لا يختلف في أن لا يقصر فيما دونهما فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ولا يقصر فيما دونها وأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاث احتياطا على نفسي وإن ترك القصر مباح لي فإن قال قائل فهل في أن يقصر في يومين حجة بخبر متقدم؟ قيل: نعم عن ابن عباس وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه سئل أنقصر إلى عرفة قال؟: لا ولكن إلى عسفان والى جدة وإلى ] = وغير الخوف معا رخصة من الله لا أن الله عزوجل فرض أن تقصرواء ما؟ كان بينا في كتاب الله عز وجل أن قوله " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن " رخصة لا أن حتما من الله عزوجل أن يطلقوهن من قبل أن يمسوهن وكما كان بينا في كتاب الله عز ذكره " ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم " إلى " جميعا أو اشتاتا " الآية رخصة من الله عزوجل لا أن الله حتم عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت آبائهم ولا جميعا، ولا أشتاتا (قال الشافعي) فإذا كان القصر في الخوف والسفر رخصة من الله عزوجل كان كذلك القصر في السفر بلا خوف فمن قصر في الخوف والسفر قصر بكتاب الله عزوجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قصر في سفر بلا خوف قصر بنص السنة
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله عزوجل تصدق بها على عباده فإن قال قائل: فأين الدلالة على ما وصفت؟ قيل له أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبى عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب: إنما قال الله تبارك وتعالى " أن تقصروا من الصلاة إن خفتم فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (قال الشافعي) فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن القصر في السفر بلا خوف صدقة من الله عزوجل والصدقة رخصة لا حتم من الله أن يقصروا ودلت على أن يقصروا في السفر بلا خوف إن شاء المسافر وأن عائشة قالت كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم في السفر وقصر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة آمنا لا يخاف إلا الله عزوجل فصلى ركعتين حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي أخبرنا إبراهيم عن أبى يحيى عن طلحة ابن عمرو عن عطاء عن عائشة قالت: كل ذلك قد فعل رسول الله، أتم في السفر وقصر.(1/211)
[ الطائف قال وأقرب هذا من مكة ستة وأربعون ميلا بالاميال الهاشمية وهي مسيرة ليلتين قاصدتين دبيب الاقدام وسير الثقل أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة أخبرنا مالك عن نافع عن سالم أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال مالك وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال مالك وذلك نحو من أربعة برد (قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أقل سفر تقصر فيه الصلاة لم يقصر حتى يخرج من منزله الذى يسافر منه وسواء كان المنزل قرية أو صحراء فإن كانت قرية لم يكن له أن يقصر حتى يجاوز بيوتها ولا يكون بين يديه منها بيت منفردا ولا متصلا وإن كان في صحراء لم يقصر حتى يجاوز البقعة التى فيها منزله فإن كان في عرض واد فحتى يقطع عرضه وإن كان في طول واد فحتى يبين عن موضع منزله وإن كان في حاضر مجتمع فحتى يجاوز
مطال الحاضر ولو كان في حاضر مفترق فحتى يجاوز ما قارب منزله من الحاضر وإن قصر فلم يجاوز ما وصفت أعاد الصلاة التى قصرها في موضعه ذلك فإن خرج فقصد سفرا تقصر فيه الصلاة ليقيم فيه أربعا ثم يسافر إلى غيره قصره الصلاة إلى أن يبلغ الموضع الذى نوى المقام فيه فإن بلغه وأحدث نية في أن يجعله موضع اجتياز لا مقام أتم فيه فإذا خرج منه مسافرا قصر ويتم بنية المقام لان المقام يكون بنية ولا يقصر بنية السفر حتى يثبت به السير ولو خرج يريد بلدا يقيم فيها أربعا ثم بلدا بعده فإن لم يكن البلد الذى نوى أن يأتيه أولا مما تقصر إليه الصلاة لم يقصرها إليه وإذا خرج منه فإن كان الذى يريد مما تقصر إليه الصلاة قصر من موضع مخرجه من البلد الذى نوى أن يقيم به أربعا (1) قصر وإلا لم يقصر فإن رجع من البلد الثاني يريد بلده قاصدا وهو مما تقصر إليه الصلاة قصر ولو كانت المسألة بحالها فكانت نيته أن يجعل طريقه على بلد لا يعرجه عن الطريق ولا يريد به مقاما كان له أن يقصر إذا كانت غاية سفره إلى بلد تقصر إليه الصلاة لانه لم ينو بالبلد دونه مقاما ولا حاجة وإنما هو طريق وإنما لا يقصر إذا قصد في حاجة فيه وهو مما لا تقصر إليه الصلاة وإذا أراد بلدا تقصر إليه الصلاة فأثبت به سفره ثم بدا له قبل أن يبلغ البلد أو موضعا تقصر إليه الصلاة الرجوع إلى بلده أتم وإذا أتم فإن بدا له أن يمضى بوجهه أتم بحاله إلا أن يكون الغاية من سفره مما تقصر إليه الصلاة من موضعه الذى أتم إليه وإذا أراد رجل بلدا له طريقان القاصد منهما إذا سلك لم يكن بينه وبينه ما تقصر إليه الصلاة والآخر إذا سلك كان بينه وبينه ما تقصر إليه الصلاة فأى الطريقين سلك فليس له عندي قصر الصلاة إنما يكون له قصر الصلاة إذا لم يكن إليها طريق إلا مسافة قدر ما تقصر إليها الصلاة إلا من عدو يتخوف في الطريق القاصد أو حزونة أو مرفق له في الطريق الابعد فإذا كان هكذا كان له أن يقصر إذا كانت مسافة طريقه ما يقصر إليه الصلاة (قال الشافعي) وسواء في القصر المريض والصحيح والعبد والحر والانثى والذكر إذا سافروا معا في غير معصية الله تعالى فأما من سافر باغيا على مسلم أو معاهد أو يقطع طريقا أو يفسد في الارض أو العبد يخرج آبقا من سيده أو الرجل هاربا ليمنع حقا لزمه أو ما في مثل هذا المعنى أو غيره من المعصية فليس له أن يقصر فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها لان القصر رخصة وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصيا ألا ترى إلى قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " وهكذا لا يمسح على الخفين
ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية وهكذا لا يصلى إلى غير القبلة نافلة ولا يخفف عمن كان سفره في ]
__________
(1) لعل لفظ " قصر " تكرر من الناسخ، تأمل.
كتبه مصححه.(1/212)
[ معصية الله تعالى ومن كان من أهل مكة فحج أتم الصلاة بمنى وعرفة وكذلك أهل عرفة ومنى ومن قارب مكة ممن لا يكون سفره إلى عرفة مما تقصر فيه الصلاة وسواء فيما تقصر فيه الصلاة السفر المتعب والمتراخي والخوف في السفر بطلب أو هرب والامن لان القصر إنما هو في غاية لا في تعب ولا في رفاهية ولو جاز أن يكون بالتعب لم يقصر في السفر البعيد في المحامل وقصد السير وقصر في السفر القاصد على القدمين والدابة في التعب والخوف فإذا حج القريب الذى بلده من مكة بحيث تقصر ] الخلاف في الاتمام (من اختلاف الحديث) أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال لى بعض الناس من أتم في السفر فسدت صلاته لان أصل فرض الصلاة في السفر ركعتان إلا أن يجلس قدر التشهد في مثنى فيكون ذلك كالقطع للصلاة أو يدرك مقيما يأتم به في صلاته قبل أن يسلم منها فيتم (قال الشافعي) يقال لهذا ما قلت للمسافر أن يتم ولا صححت قولك عليه أن يقصر قال فكيف (قلت) أرأيت لو كان المسافر إذا صلى أربعا كانت اثنتان منها نافلة أكان له أن يصلى خلف مقيم لقد كان يلزمك في قولك أن لا يصلى خلف مقيم أبدا إلا فسدت صلاته من وجهين أحدهما أنه خلط عندك نافلة بفريضة والآخر أنك تقول إذا اختلفت نية الامام والمأموم فسدت صلاة المأموم ونية الامام والمأموم مختلفة ههنا في أكثر الاشياء وذلك عدد الصلاة (قال) إنى أقول إذا دخل خلف المقيم حال فرضه (قلت) بأنه يصير مقيما أو هو مسافر؟ قال بل هو مسافر (قلت) فمن أين يحول فرضه؟ قال قلنا إنه إجماع من الناس أن المسافر إذا صلى خلف مقيم أتم (قلت) فكان ينبغى أن لو تعلم في أن للمسافر أن يتم إن شاء كتابا ولا سنة أن يدلك هذا على أن له أن يتم وقلت له قلت فيه قولا محالا قال وما هو؟ قلت أرأيت المصلى المقيم إذا جلس في مثنى من صلاته قدر التشهد أيقطع ذلك صلاته؟ قال لا ولا يقطعها إلا السلام أو الكلام أو العمل الذى يفسد الصلاة (قلت) فلم زعمت أن المسافر إذا جلست في مثنى
قدر التشهد وهو ينوى حين دخل في الصلاة في كل حال أن يصلى أربعا فصلى أربعا تمت صلاته إلا أن الاولتين الفرض والآخرتين نافلة وقد وصلهما قال كان له أن يسلم منهما قلت وقولك كان له يصيره في حكم من سلم منهما أو لا يكون في حكمه إلا بالسلام فما علمته زاد على أن قال فأنا أضيق عليه إن قلت تفسد قلت فقد ضيقت إن سها فلم يجلس في مثنى وصلى أربعا فزعمت أن صلاته تفسد لانه يخلط نافلة بفريضة فما علمتك وافقت قولا ماضيا ولا قياسا صحيحا ولا زدت على أن اخترت قولا أحدثته محالا قال فدع هذا ولكن لم لم تقل أنت إن فرضه ركعتان؟ قلت أقول له أن يصلى ركعتين بالرخصة لا أن حتما عليه أن يصلى ركعتين في السفر كما قلت في المسح على الخفين له أن يغسل رجليه وله أن يمسح على خفيه قال فكيف قالت عائشة؟ قلت أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر قال الزهري قلت لما شأن عائشة كانت تتم الصلاة قال أنها تأولت ما تأول عثمان (قال الشافعي) فقال فما تقول في قول عائشة قلت أقول إن معناه عندي على غير ما أردت بالدلالة عنها قال وما معناه قلت إن صلاة المسافر أقرت على ركعتين إن شاء قال وما دل على أن هذا معناه عندها قلت إنها أتمت في السفر قال فما قول عروة إنها تأولت ما تأول عثمان قلت لا أدرى أتأولت أن لها أن تتم وتقصر فاختارت الاتمام وكذلك روت عن =(1/213)
[ الصلاة فازمع بمكة مقام أربع أتم وإذا خرج إلى عرفة وهو يريد قضاء نسكه لا يريد مقام أربع إذا رجع إلى مكة قصر لانه يقصر مقامه بسفر (1) ويصلى بينه وبين بلده وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام أربع بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر وإذا ولى مسافر مكة بالحج قصر حتى ينتهى إلى مكة ثم أتم بها وبعرفة وبمنى لانه انتهى إلى البلد الذى بها مقامه ما لم يعزل وكذلك مكة وسواء في ذلك أمير الحاج والسوقة لا يختلفون وهكذا لو عزل أمير مكة فأراد السفر أتم حتى يخرج من مكة وكان كرجل أراد سفرا ولم يسافر.
تطوع المسافر (قال) وللمسافر أن يتطوع ليلا ونهارا قصر أو لم يقصر وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ]
= النبي صلى الله عليه وسلم وما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالت بمثله أولى بها من قول عروة أنها ذهبت إليه لو كان عروة ذهب إلى غير هذا وما أعرف ما ذهب إليه قال فلعله حكاه عنها فقلت فما علمته حكاه عنها وإن كان حكاه فقد يقال تأول عثمان أن لا يقصر إلا خائف وما نقف على ما تأول عثمان خبرا صحيحا قال فلعلها تأولت أنها أم المؤمنين قلت لم تزل للمؤمنين أما وهي تقصر ثم أتمت بعد وحالها في أنها أم المؤمنين قبل القصر وبعده سواء وقد قصرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتمت قال أما أن ليست لى عليك مسألة بأن أصل ما أذهب إليه وتذهب إليه أن ليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وإنك تذهب إلى ان فرض القرآن ان القصر رخصة لا حتم وكذلك روايتك في السنة قلت ما خفى على ذلك ولكني أحببت أن تكون على علم من أنى لم أرك سلكت طريقا في صلاة السفر إلا أخطأت في ذلك الطريق فتكون أوهن لجميع قولك قال فقد عاب ابن مسعود على عثمان إتمامه بمنى قلت وقام فصلى في منزله بأصحابه فأتم فقيل له عبت عثمان في الاتمام وأتممت فقال الخلاف شر قال نعم قلت وهذا مما وصفت من احتجاجك بما عليك قال وما في هذا مما على قلت أترى أن ابن مسعود كان يتم وهو يرى الاتمام ليس له قال ما يجوز أن يكون ابن مسعود أتم إلا وإلاتمام عنده له وإن اختار القصر ولكن ما معنى عيب ابن مسعود الاتمام قلت له من عاب الاتمام على أن المتم رغب عن الرخصة فهو موضع يجوز له به القول كما نقول فيمن ترك المسح رغبة عن الرخصة ولا نقول ذلك فيمن تركه غير رغبة عنها قال أما إنه قد بلغنا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عاب الاتمام وأتمها عثمان وصلى معه قلت فهذا مثل ما رويت عن ابن مسعود من أن صلاتهم لا تفسد أفتى أنهم في صلاتهم مع عثمان أنهم كانوا لا يجلسون في مثنى قال ما يجوز هذا عليهم قلت أفتفسد صلاته وصلاتهم بأنهم يعلمون أنه يصلى أربعا وإنما فرضه زعمت ركعتان أو تراهم إذا انتموا به في الاتمام أوسها فقام يخالفونه فيجلسون في مثنى ويسلمون قال ما يجوز لى أن أقول هذا قلت قد قلته أولا ثم علمت أنه يلزمك فيه هذا فأمسكت عنه وقد أجترأت على قوله أولا وهو خلاف الكتاب والسنة وخلافهما أضيق عليك من خلاف من امتنعت من أن يعطى خلافه قال فتقول ماذا قلت ما وصفت من أنهم مصيبون بالاتمام بأصل الفرض ومصيبون بالقصر بقبول الرخصة كما أقول في كل رخصة وأن لا
موضع لعيب الاتمام إلا أن يتم رجل يرغب عن قبول الرخصة.
(1) قوله: ويصلى بينه وبين بلده، كذا في الاصل، وانظره: وقوله: وكذلك مكة كذا في النسخ، ولعله وكذلك غير مكة فتأمل.
كتبه مصححه.(1/214)
[ كان يتنقل ليلا وهو يقصر وروى عنه أنه كان يصلي قبل الظهر مسافرا ركعتين وقبل العصر أربعا وثابت عنه أنه تنفل عام الفتح بثمان ركعات ضحى وقد قصر عام الفتح.
باب المقام الذي يتم بمثله الصلاة أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن حميد قال سأل عمر بن عبد العزيز جلساءه: ما سمعتم في مقام المهاجرين بمكة؟ قال السائب بن يزيد حدثنى العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا فبهذا قلنا إذا أزمع المسافر أن يقيم بموضع أربعة أيام ولياليهن ليس فيهن يوم كان فيه مسافرا فدخل في بعضه ولا يوم يخرج في بعضه أتم الصلاة واستدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا وإنما يقضى نسكه في اليوم الذى يدخل فيه والمسافر لا يكون دهره سائرا ولا يكون مقيما ولكنه يكون مقيما مقام سفر وسائرا (قال) فاشبه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقام المهاجر ثلاثا حد مقام السفر وما جاوزه كان مقام الاقامة وليس يحسب اليوم الذى كان فيه سائرا ثم قدم ولا اليوم الذى كان فيه مقيما ثم سار وأجلى عمر رضى الله تعالى عنه أهل الذمة من الحجاز وضرب لمن يقدم منهم تاجرا مقام ثلاث فأشبه ما وصفت من السنة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ثلاثا يقصر وقدم في حجته فأقام ثلاثا قبل مسيره إلى عرفة يقصر ولم يحسب اليوم الذى قدم فيه مكة لانه كان فيه سائرا ولا يوم التروية لانه خارج فيه فلما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مقيما في سفر قصر فيه الصلاة أكثر من ثلاث لم يجز أن يكون الرجل مقيما يقصر الصلاة إلا مقام مسافر لان المعقول أن المسافر الذى لا يقيم فكان غاية مقام المسافر ما وصفت استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقامه فإن قصر المجمع مقام أربع فعليه إعادة كل صلاة صلاها مقصورة وإذا قدم بلدا لا يجمع المقام به أربعا فأقام ببلد لحاجة أو علة من مرض وهو
عازم على الخروج إذا أفاق أو فرغ ولا غاية لفراغه يعرفها قد يرى فراغه في ساعة ولا يدرى لعله أن لا يكون أياما فكل ما كان في هذا غير مقام حرب ولا خوف حرب قصر فإذا جاوز مقام أربع أحببت أن يتم وإن لم يتم أعاد ما صلى بالقصر بعد أربع ولو قيل الحرب وغير الحرب في هذا سواء كان مذهبا ومن قصر كما يقصر في خوف الحرب لم يبن لى أن عليه الاعادة وإن اخترت ما وصفت وإن كان مقامه لحرب أو خوف حرب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام عام الفتح لحرب هوازن سبع عشرة أو ثمان عشرة يقصر ولم يجز في المقام للخوف إلا واحد من قولين إما أن يكون ما جاوز مقام النبي صلى الله عليه وسلم من هذا العدد أتم فيه المقيم الصلاة وإما أن يكون له القصر اما كانت هذه حاله أو يقضى الحرب فلم أعلم في مذاهب العامة المذهب الآخر وإذا لم يكن مذهبا المذهب الآخر فالاول أولى المذهبين وإذا أقام الرجل ببلد أثناءه ليس ببلد مقامه لحرب أو خوف أو تأهب لحرب قصر ما بيته وبين ثمان عشرة ليلة فإذا جاوزها أتم الصلاة حتى يفارق البلد تاركا للمقام به آخذا في سفره وهكذا إن كان محاربا أو خائفا مقيما في موضع سفر قصر ثمانى عشرة فإذا جاوزها أتم وإن كان غير خائف قصر أربعا فإذا جاوزها أتم فإذا أجمع في واحدة من الحالين مقام أربع أتم خائفا كان أو غير خائف ولو سافر رجل فمر ببلد في سفره فأقام به يوما وقال إن لقيت فلانا أقمت أربعا أو أكثر من أربع قصر حتى يلقى فلانا فإذا لقى فلانا أتم وإن لقى فلانا فبدا له أن لا يقيم أربعا أتم لانه قد نوى المقام بلقائه ولقيه والمقام(1/215)
يكون بالنية كع المقام لاجتماع النية والمقام ونية السفر لا يكون له بها القصر حتى يكون معها سفر فتجتمع النية والسفر ولو قدم البلد فقال إن قدم فلان أقمت فانتظره أربعا أتم بعدها في القول الذى اخترت وإن لم يقدم فلان فإذا خرج من منازل القرية قصر وإن سافر رجل من مكة إلى المدينة وله فيما بين مكة والمدينة مال أو أموال أو ماشية أو مواش فنزل بشئ من ماله كان له أن يقصر ما لم يجمع المقام في شئ منها أربعا وكذلك إن كان له بشئ منها ذو قرابة أو أصهار أو زوجة ولم ينو المقام في شئ من هذا أربعا قصر إن شاء قد قصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عام الفتح وفى حجته وفى حجة أبى بكر ولعدد منهم بمكة دار أو أكثر وقرابات منهم أبو بكر له بمكة دار وقرابة وعمر له بمكة دور
كثيرة وعثمان له بمكة دار وقرابة فلم أعلم منهم أحدا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتمام ولا أتم ولا أتموا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدومهم مكة بل حفظ عمن حفظ عنه منهم القصر بها ولو خرج رجل يريد لقاء رجل أو أخذ عبد له أو ضالة ببلد مسيره أقل ما تقصر إليه الصلاة أو أكثر فقال إن لقيت الحاجة دون البلد رجعت لم يكن له أن يقصر حتى تكون نيتة بلوغ البلد الذى تقصر إليه الصلاة لا نية له في الرجوع دونه بحال (قال الشافعي) ولو خرج يريد بلدا تقصر إليه الصلاة بلا نية أن يبلغه بكل حال وقال لعلى أبلغه أو أرجع عنه لم يقصر حتى ينوى بكل حالة بلوغه ولو خرج ينوى بلوغه لحاجة لا ينوى إن قضاها دونه الرجوع كان له القصر فمتى لقى الحاجة دونه أو بدا له أن يرجع بلا قضاء الحاجة وكان موضعه الذي بلغ مما لا تقصر إليه أتم في رجوعه وان كان موضعه الذي بلغ مما تقصر إليه الصلاة لو ابتدأ إليه السفر ثم بدا له الرجوع منه قصر الصلاة ولو بدا له المقام به أتم حتى يسافر منه ثم يقصر إذا سافر ولو خرج رجل يريد بلدا ثم بلدا بعده فإن كان البلد الادنى مما تقصر إليه الصلاة قصرها وإن كان مما لا تقصر إليه لم يقصرها فإذا خرج منها فإن كان بينه وبين البلد الذى يريده ما تقصر فيه الصلاة قصر وإن لم يكن لم يقصر لانى أجعله حينئذ مثل مبتدئ سفره كابتدائه من أهله وإذا رجع من البلد الاقصى فإن أراد بلده فإن كان بينهما ما يقصر فيه الصلاة قصر وإن لم يكن يقصر وإن أراد الرجوع إلى البلد الذى بينه وبين بلده ثم بلده لم يقصر إلا أن يكون اراد به إياها طريقا فيقصر وإذا خرج رجل من مكة يريد المدينة قصر فإن خاف في طريقه وهو بعسفان فأراد المقام به أو الخروج إلى بلد غير المدينة ليقيم أو يرتاد الخير به جعلته إذا ترك النية الاولى من سفره إلى المدينة مبتدئا السفر من عسفان فإن كان السفر الذى يريده من عسفان على ما لا تقصر إليه الصلاة لم يقصر وإن كان على ما تقصر إليه الصلاة قصر وكذلك إذا رجع منه يريد مكة أو بلد سواه جعلته مبتدئا سفرا منه فإن كانت حيث يريد ما تقصر إليه قصر وإن كان مما لا تقصر إليه الصلاة لم يقصر والمسافر في البر والبحر والنهر سواء وليس يعتبر بسير البحر والنهر كما لا يعتبر بسير البر ولا الخيل ولا نجب الركاب ولا زحف المقعد ولا دبيب الزمن ولا سير الاحمال الثقال ولكن إذا سافر في البحر والنهر مسيرة يحيط العلم أنها لو كانت في البر قصرت فيها الصلاة قصر وإن كان في شك من ذلك لم يقصر حتى يستيقن بأنها مسيرة ما تقصر
فيها الصلاة والمقام في المراسى والمواضع التي يقام فيها في الانهار كالمقام في البر لا يختلف فإذا أزمع مقام أربع في موضع أتم وإذا لم يزمع مقام أربع قصر وإذا حبسه الريح في البحر ولم يزمع مقاما إلا ليجد السبيل إلى الخروج بالريح قصر ما بينه وبين أربع فإذا مضت أربع أتم كما وصفت في الاختيار فإذا أثبت به مسيرة قصر فإن ردته الريح قصر حتى يجمع مقام أربع فيتم حين يجمع بالنية مقام أربع أو يقيم أربعا إن لم يزمع مقاما فيتم بمقام أربع في الاختيار وإذا كان الرجل مالكا للسفينة وكان فيها منزله(1/216)
وكان معه فيها أهله أو لا أهل له معه فيها فأحب إلى أن يتم وله أن يقصر إذا سافر وعليه حيث أراد مقاما غير مقام سفر أن يتم وهو فيها كالغريب يتكاراها لا يختلفان فيما له غير أنى أحب له أن يتم وهكذا أجراؤه وركبان مركبة وإذا كان الرجل من أهل البادية فداره حيث أراد المقام وإن كان ممن لا مال له ولا دار يصير إليها وكان سيارة يتبع أبدا مواقع القطر حل بموضع ثم شام برقا فانتجعه فإن استيقن أنه ببلد تقصر إليه الصلاة قصر وإن شك لم يقصر وإن استيقن أنه ببلد تقصر إليه الصلاة وكانت نيته إن مر بموضع مخصب أو موافق له في المنزل دونه أن ينزل لم يقصر أبدا ما كانت نيته أن ينزل حيث حمد من الارض ولا يجوز له أن يقصر أبدا حتى يكون على يقين من أنه يريد سفرا لا عرجة له عنه إلا عرجة المنزل ويبلغ ويكون السفر مما تقصر فيه الصلاة (قال الشافعي) ولو خرج قوم من بلد يريدون بلدا تقصر فيه الصلاة ونيتهم إذا مروا بموضع مخصب ان يرتعوا فيه ما احتملهم لم يكن لهم أن يقصروا فإن كانت نيتهم أن يرتعوا فيه اليوم واليومين لا يبلغوا أن ينووا فيه مقام أربع فلهم أن يقصروا وإذا مروا بموضع فأرادوا فيه مقام أربع اتموا فإن لم يريدوا مقام أربع وأقاموا أربعا أتموا بعد مقام الاربع في الاختيار.
إيجاب الجمعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن أدريس الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " الآية وقال الله عزوجل " وشاهد ومشهود " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى صفوان بن سليم عن نافع بن جبير وعطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم انه " قال شاهد يوم الجمعة ومشهود يوم عرفة " أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى شريك بن عبد الله بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال وحدثني عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله تبارك وتعالى (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون ونحن السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذى اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة مثله إلا أنه قال: بائد أنهم (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثنى محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم (يعنى الجمعة) فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع السبت والاحد) (قال الشافعي) والتنزيل ثم السنة يدلان على ايجاب الجمعة وعلم أن يوم الجمعة اليوم الذى بين الخميس والسبت من العلم الذى يعلمه الجماعة عن الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من بعده من المسلمين كما نقلوا الظهر أربعا والمغرب ثلاثا وكانت العرب تسميه قبل الاسلام " عروبة " قال الشاعر: نفسي الفداء لاقوام همو خلطوا * يوم العروبة ازوادا بأزواد (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى سلمة بن عبد الله الخطمى عن محمد بن كعب(1/217)
القرظى أنه سمع رجلا من بنى وائل يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا " (قال الشافعي) ومن كان مقيما ببلد تجب فيه الجمعة من بالغ حر لا عذر له وجبت عليه الجمعة (قال الشافعي) والعذر المرض الذى لا يقدر معه على شهود الجمعة إلا بأن يزيد في مرضه أو يبلغ به مشقة غير محتملة أو يحبسه السلطان أو من لا يقدر على الامتناع منه بالغلبة أو يموت بعض من يقوم بأمره من قرابة أو ذى آصره من صهر أو مودة أو من يحتسب في ولاية أمره الاجر
فإن كان هذا فله ترك الجمعة (قال الشافعي) وإن مرض له ولد أو والد فرآه منزولا به وخاف فوت نفسه فلا بأس عليه أن يدع له الجمعة وكذلك إن لم يكن ذلك به وكان ضائعا لا قيم له غيره أو له قيم غيره له شغل في وقت الجمعة عنه فلا بأس أن يدع له الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن إسمعيل بن عبد الرحمن عن ابن أبى ذئب أن ابن عمر دعى وهو يستحم للجمعة لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو يموت فأتاه وترك الجمعة (قال الشافعي) وإن أصابه غرق أو حرق أو سرق وكان يرجو في تخلفه عن الجمعة دفع ذلك أو تدارك شئ فلت منه فلا بأس أن يدع له الجمعة وكذلك إن ضل له ولد أو مال من رقيق أو حيوان أو غيره فرجا في تخلفه تداركه كان ذلك له (قال الشافعي) فإن كان خائفا إذا خرج إلى الجمعة أن يحبسه السلطان بغير حق كان له التخلف عن الجمعة فإن كان السلطان يحبسه بحق مسلم في دم أوحد لم يسعه التخلف عن الجمعة ولا الهرب في غير الجمعة من صاحبه إلا أن يكون يرجو أن يدفع الحد بعفو أو قصاص بصلح فأرجو أن يسعه ذلك (قال الشافعي) وإن كان تغيبه عن غريم لعسرة وسعه التخلف عن الجمعة وإن كان موسرا بقضاء دينه لم يسعه التخلف عن الجمعة خوف الحبس (قال الشافعي) وإن كان يريد سفرا لم أحب له في الاختيار أن يسافر يوم الجمعة بعد الفجر ويجوز له أن يسافر قبل الفجر (قال الشافعي) وإن كان مسافرا قد أجمع مقام أربع فمثل المقيم وإن لم يجمع مقام أربع فلا يحرج عندي بالتخلف عن الجمعة وله أن يسير ولا يحضر الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الاسود بن قيس عن أبيه أن عمر أبصر رجلا عليه هيئة السفر وهو يقول لو لا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت فقال له عمر: فاخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر (قال الشافعي) وليس على المسافر أن يمر ببلد جمعه إلا أن يجمع فيه مقام أربع فتلزمه الجمعة إن كانت في مقامه وإذا لزمته لم يكن له أن يسافر بعد الفجر يوم الجمعة حتى يجمع (قال الشافعي) وليس على غير البالغين ولا على النساء ولا على العبيد جمعة وأحب للعبيد إذا أذن لهم أن يجمعوا وللعجائز إذا أذن لهم وللغلمان ولا أعلم منهم أحدا يحرج بترك الجمعة بحال (قال الشافعي) والمكاتب والمدبر والمأذون له في التجارة وسائر العبيد في هذا سواء (قال الشافعي) وإذا اعتق بعض العبد فكانت الجمعة في يومه الذى يترك فيه لنفسه لم أرخص له في ترك الجمعة وإن تركها لم أقل له
أنه يحرج كما يحرج الحر لو تركها لانها لازمة للحر بكل حال إلا من عذر وهذا قد يأتي عليه أحوال لا تلزمه فيها للرق (قال الشافعي) ومن قلت لا جمعة عليه من الاحرار للعذر بالحبس أو غيره ومن النساء وغير البالغين والمماليك فإذا شهد الجمعة صلاها ركعتين وإذا أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى وأجزأته عن الجمعة (قال الشافعي) وإنما قيل لا جمعة عليهم والله تعالى أعلم لا يحرجون بتركها كما يكون المرء فقيرا لا يجد مركبا وزادا فيتكلف المشى والتوصل بالعمل في الطريق والمسألة فيحج فيجزى عنه أو يكون كبيرا لا يقدر على الركوب فيتحامل على أن يربط على دابة فيكون له حج ويكون الرجل مسافرا أو مريضا معذورا بترك الصوم فيصوم فيجزى عنه ليس أن واحدا من هؤلاء لا يكتب له أجر ما عمل من(1/218)
هذا فيكون من أهله وإن كان لا يحرج بتركه (قال الشافعي) ولا أحب لواحد ممن له ترك الجمعة من الاحرار للعذر ولا من النساء وغير البالغين والعبيد أن يصلى الظهر حتى ينصرف الامام أو يتأخى؟ انصرافه بأن يحتاط حتى يرى أنه قد انصرف لانه لعله يقدر على إتيان الجمعة فيكون إتيانها خيرا له ولا أكره إذا انصرف الامام أن يصلوا جماعة حيث كانوا إذا كان ذلك غير رغبة عن الصلاة مع الامام (قال الشافعي) وإن صلوا جماعة أو فرادى بعد الزوال وقبل انصراف الامام فلا إعادة عليهم لانهم معذورون بترك الجمعة (قال الشافعي) وإن صلوا جماعة أو فرادى فأدركوا الجمعة مع الامام صلوها وهى لهم نافلة (قال الشافعي) فأما من عليه الجمعة ممن لا عذر له في التخلف عنها فليس له أن يصلى الجمعة إلا مع الامام فإن صلاها بعد الزوال وقبل انصراف الامام لم تجز عنه وعليه أن يعيدها إذا انصرف الامام ظهرا أربعا من قبل أنه لم يكن أن يصليها وكان عليه إتيان الجمعة.
فلما فاتته صلاها قضاء وكان كمن ترك الصلاة حتى فاته وقتها ويصليها قضاء ويجمعها ولا أكره جمعها إلا أن يجمعها استخفافا بالجمعة أو رغبة عن الصلاة خلف الائمة (قال الشافعي) وآمر أهل السجن وأهل الصناعات عن العبيد بأن يجمعوا وإخفاؤهم الجمع أحب إلى من إعلانه خوفا أن يظن بهم أنهم جمعوا رغبة عن الصلاة مع الائمة.
العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما كانت الجمعة واجبة واحتملت أن تكون تجب على كل مصل
بلا وقت عدد مصلين وأين كان المصلى من منزل مقام وظعن فلم نعلم خلافا في أن لا جمعة عليه إلا في دار مقام ولم أحفظ أن الجمعة تجب على أقل من أربعين رجلا وقد قال غيرنا لا تجب إلا على أهل مصر جامع (قال الشافعي) وسمعت عددا من أصحابنا يقولون تجب الجمعة على أهل دار مقام إذا كانوا أربعين رجلا وكانوا أهل قرية فقلنا به وكان أقل ما علمناه قيل به ولم يجز عندي أن أدع القول به وليس خبر لازم يخالفه وقد يروى من حيث لا يثبت اهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع حين قدم المدينة بأربعين رجلا وروى أنه كتب إلى أهل قرى عرينة أن يصلوا الجمعة والعيدين.
وروى أنه أمر عمرو بن حزم أن يصلى العيدين بأهل نجران (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى اهل المياه فيما بين الشام إلى مكة جمعوا إذا بلغتم رجلا (قال الشافعي) فإذا كان من أهل القرية أربعون رجلا والقرية البناء والحجارة واللبن والسقف والجرائد والشجر لان هذا بناء كله وتكون بيوتها مجتمعة ويكون اهلها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا الا ظعن حاجة مثل ظعن أهل القرى وتكون بيوتها مجتمعة اجتماع بيوت القرى فإن لم تكن مجتمعة فليسوا أهل قرية ولا يجمعون ويتمون إذا كانوا أربعين رجلا حرا بالغا فإذا كانوا هكذا رأيت والله تعالى أعلم أن عليهم الجمعة فإذا صلوا الجمعة أجزأتهم (قال الشافعي) وإذا بلغوا هذا العدد ولم يحضروا الجمعة كلهم رأيت أن يصلوها ظهرا وإن كانوا هذا العدد أو أكثر منه في غير قرية كما وصفت لم يجمعوا وإن كانوا في مدينة عظيمة فيها مشركون من غير أهل الاسلام أو من عبيد أهل الاسلام ونسائهم ولم يبلغ الاحرار المسلمون البالغون فيها أربعين رجلا لم يكن عليهم أن يجمعوا ولو كثر المسلمون مارين بها وأهلها لا يبلغون أربعين رجلا لم يكن عليهم أن(1/219)
يجمعوا (قال الشافعي) ولو كانت قرية فيها هذا العدد أو أكثر منه ثم مات بعضهم أو غابوا أو انتقل منهم حتى لا يبقى فيها أربعون رجلا لم يكن لهم أن يجمعوا ولو كثر من يمر بها من المسلمين مسافرا أو تاجرا غير ساكن لم يجمع فيها إذا لم يكن أهلها اربعون (قال الشافعي) وإن كانت قرية كما وصفت
فتهدمت منازلها أو تهدم من منازلها وبقى في الباقي منها أربعون رجلا فإن كان أهلها لازمين لها ليصلحوها جمعوا كانوا في مظال أو غير مظال (قال الشافعي) وإذا كان أهلها أربعين أو أكثر فمرض عامتهم حتى لم يواف المسجد منهم يوم الجمعة أربعون رجلا حرا بالغا صلوا الظهر (قال الشافعي) ولو كثر أهل المسجد من قوم مارين أو تجار لا يسكنونها لم يكن لهم أن يجمعوا إذا لم يكن معهم من أهل البلد المقيمين به أربعون رجلا حرا بالغا (قال الشافعي) ولو كان أهلها أربعين رجلا حرا بالغا وأكثر ومنهم مغلوب على عقله وليس من بقى منهم أربعين رجلا صحيحا بالغا يشهدون الجمعة كلهم لم يجمعوا وإذا كان أهل القرية أربعين فصاعدا فخطبهم الامام يوم الجمعة فانفض عنه بعضهم قبل تكبيرة الصلاة حتى لا يبقى معه أربعون رجلا فإن ثابوا قبل أن يكبر حتى يكونوا أربعين رجلا صلى بهم الجمعة وإن لم يكونوا أربعين رجلا حتى يكبر لم يصل بهم الجمعة وصلوها ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولو انفضوا عنه فانتظرهم بعد الخطبة حتى يعودوا أحببت له أن يعيد خطبة أخرى إن كان في الوقت مهلة ثم يصليها جمعة فإن لم يفعل صلاها ظهرا أربعا ولا يجوز أن يكون بين الخطبة والصلاة فصل يتباعد (قال الشافعي) وإن خطب بهم وهم أقل من أربعين رجلا ثم ثاب الاربعون قبل أن يدخل في الصلاة صلاها ظهرا أربعا ولا أراها تجزئ عنه حتى يخطب بأربعين فيفتتح الصلاة بهم إذا كبر (قال الشافعي) ولا أحب في الاربعين إلا من وصفت عليه فرض الجمعة من رجل حر بالغ غير مغلوب على عقله مقيم لا مسافر (قال الشافعي) فإن خطب بأربعين ثم كبر بهم ثم انفضوا من حوله ففيها قولان أحدهما إن بقى معه اثنان حتى تكون صلاته صلاة جماعة تامة فصلى الجمعة أجزأته لانه دخل فيها وهى مجزئة عنهم ولو صلاها ظهرا أربعا أجزأته والقول الآخر أنها لا تجزئه بحال حتى يكون معه أربعون حين يدخل ويكمل الصلاة ولكن لو لم يبق منهم إلا عبدان أو عبد وحر أو مسافران أو مسافر ومقيم صلاها ظهرا (قال الشافعي) وإن بقى معه منهم بعد تكبيره اثنان أو أكثر فصلاها جمعة ثم بان له أن الاثنين أو أحدهما مسافر أو عبد، أو امرأة أعادها ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولم يجزئه جمعة في واحد من القولين حتى يكمل معه الصلاة اثنان ممن عليه جمعة فإن صلى وليس وراءه اثنان فصاعدا ممن عليه فرض الجمعة كانت عليهم ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولو أحدث الامام قبل أن يكبر فقدم رجلا
ممن حضر الخطبة وخلفه أقل من أربعين رجلا صلوها ظهرا أربعا لا يجزئهم ولا الامام المحدث إلا ذلك من قبل أن إمامته زالت وابتدلت بإمامة رجل لو كان الامام مبتدئا في حاله تلك لم يجزئه أن يصليها إلا ظهرا أربعا (قال الشافعي) وإذا افتتح الامام جمعة ثم أمرته أن يجعلها ظهرا أجزأه ما صلى منها وهو ينوى الجمعة لان الجمعة هي الظهر يوم الجمعة إلا أنه كان له قصرها فلما حدث حال ليس له فيها قصرها أتمها كما يبتدئ المسافر ركعتين ثم ينوى المقام قبل أن يكمل الركعتين فيتم الصلاة أربعا ولا يستأنفها.
من تجب عليه الجمعة بمسكنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا نودى للصلاة يوم الجمعة فاسعوا إلى(1/220)
ذكر الله " (قال الشافعي) وإذا كان قوم ببلد يجمع أهلها وجبت الجمعة على من يسمع النداء من ساكنى المصر أو قريبا منه بدلالة الآية (قال الشافعي) وتجب الجمعة عندنا على جميع أهل المصر وإن كثر أهلها حتى لا يسمع أكثرهم النداء لان الجمعة تجب بالمصر والعدد وليس أحد منهم اولى بأن تجب عليه الجمعة من غيره إلا من عذر (قال الشافعي) وقولى سمع النداء إذا كان المنادى صيتا وكان هو مستمعا والاصوات هادئة فأما إذا كان المنادى غير صيت والرجل غافل والاصوات ظاهرة فقل من يسمع النداء (قال الشافعي) ولست أعلم في هذا أقوى مما وصفت وقد كان سعيد بن زيد وأبو هريرة يكونان بالشجرة على أقل من ستة أميال فيشهدان الجمعة ويدعانها وقد كان يروى أن أحدهما كان يكون بالعقيق فيترك الجمعة ويشهدها ويروى ان عبد الله بن عمرو بن العاص كان على ميلين من الطائف فيشهد الجمعة ويدعها (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن زيد عن سعيد بن المسيب أنه قال تجب الجمعة على من يسمع النداء (قال الشافعي) وإذا كانت قرية جامعة وكان لها قرى حولها متصلة الاموال بها وكانت أكثر سوق تلك القرى في القرية الجامعة لم أرخص لاحد منهم في ترك الجمعة وكذلك لا أخرص لمن على الميل والميلين وما أشبه هذا ولا يتبين عندي أن يحرج بترك الجمعة إلا من سمع النداء ويشبه أن يحرج أهل المصر، وإن عظم بترك الجمعة.
من يصلى خلفه الجمعة والجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب على بلدة وغير أمير مجزئة كما تجزئ الصلاة خلف كل من سلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبى عبيد مولى ابن أزهر قال شهدنا العيد مع على رضى الله عنه وعثمان محصور (قال الشافعي) وتجزئ الجمعة خلف العبد والمسافر كما تجزئ الصلاة غيرها خلفهما فإن قيل ليس فرض الجمعة عليهما، قيل ليس يأثمان بتركها وهما يؤجران على أدائها وتجزئ عنهما كما تجزئ عن المقيم وكلاهما عليه فرض الصلاة بكمالها ولا أرى أن الجمعة تجزئ خلف غلام لم يحتلم والله تعالى أعلم، ولا تجمع امرأة بنساء لان الجمعة إمامة جماعة كاملة وليست المرأة ممن لها أن تكون إمام جماعة كاملة: الصلاة في مسجدين فأكثر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجمع في مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده إلا في موضع المسجد الاعظم وإن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا في واحد وأيها جمع فيه أولا بعد الزوال فهى الجمعة وإن جمع في آخر سواه يعده لم يعتد الذين جمعوا بعده بالجمعة وكان عليهم أن يعيدوا ظهرا أربعا (قال الشافعي) وسواء الذى جمع أولا الوالى أو مأمور أو رجل أو تطوع أو تغلب أو عزل فامتنع من العزل بمن جمع معه أجزأت عنه الجمعة ومن جمع مع الذى بعده لم تجزه الجمعة وإن كان واليا وكانت عليه إعادة الظهر (قال) وهكذا إن جمع من المصر في مواضع فالجمعة الاولى، وما سواها لا تجزئ إلا ظهرا (قال الشافعي) وإن أشكل على الذين جمعوا أيهم جمع أولا أعادوا كلهم ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولو أشكل ذلك عليهم فعادوا فجمعت منهم طائفة ثانية في وقت الجمعة(1/221)
أجزأهم ذلك لان جمعتهم الاولى لم تجز عنهم وهم أولا حين جمعوا أفسدوا ثم عادوا فجمعوا في وقت الجمعة (قال الربيع) وفيه قول آخر أن يصلوا ظهرا لان العلم يحيط أن إحدى الطائفتين قد صلت قبل الاخرى فكما جازت الصلاة للذين صلوا أولا وإن لم يعرفوها لم يجز لاحد أن يصلى الجمعة بعد تمام جمعة قد تمت
الارض تكون بها المساجد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا اتسعت البلد وكثرت عمارتها فبنيت فيها مساجد كثيرة عظام وصغار لم يجز عندي أن يصلى الجمعة فيها إلا في مسجد واحد وكذلك إذا اتصلت بالبلد الاعظم منها قريات صغار لم أحب أن يصلاى إلا في المسجد الاعظم وإن صلى في مسجد منها غيره صليت الظهر أربعا وإن صليت الجمعة أعاد من صلاها فيها (قال) وتصلى الجمعة في المسجد الاعظم فإن صلاها الامام في مسجد من مساجدها أصغر منه كرهت ذلك له وهى مجزئة عنه (قال) وإن صلى غير امام في مسجدها الاعظم والامام في مسجد أصغر فجمعه الامام ومن معه مجزئة ويعيد الآخرون الجمعة (1) (قال الشافعي) وإن وكل الامام من يصلى فصلى وكيل الامام في المسجد الاعظم أو الاصغر قبل الامام فصلى الامام في مسجد غيره فجمعة الذين صلوا في المسجد الاعظم أو الاصغر قبل الامام مجزئة ويعيد الآخرون ظهرا (قال الشافعي) وهكذا إذا وكل الامام رجلين يصلى أيهما أدرك فأيهما صلى الجمعة أولا أجزأه وإن صلى الآخر بعده فهى ظهر وإن كان وال يصلى في مسجد صغير وجاء وال غيره فصلى في مسجد عظيم فأيهما صلى أولا فهى الجمعة وإذا قلت أيهما صلى أولا فهى الجمعة فلم يدر أيهما صلى أولا فأعاد أحدهما الجمعة في الوقت أجزأت وإن ذهب الوقت أعادا معا فصليا معا أربعا أربعا (قال الربيع) يريد يعيد الظهر (قال الشافعي) والاعياد مخالفة الجمعة الرجل يصلى العيد منفردا ومسافرا وتصليه الجماعة لا يكون عليها جمعة لانها لا تحيل فرضا ولا أرى بأسا إذا خرج الامام إلى مصلاه في العيدين أو الاستسقاء أن يأمر من يصلى بضعفة الناس العيد في موضع من المصر أو مواضع (قال) وإذا كانت صلاة الرجل منفردا مجزئة فهى أقل من صلاة جماعة بأمر وال وان لم يأمر الوالى فقدموا واحدا أجزأ عنهم (قال الشافعي) وهكذا لو قدموا في صلاة الخسوف في مساجدهم لم أكره من هذا شيئا بل أحبه ولا أكرهه في حال إلا أن يكون من تخلف عن الجماعة العظمى أقوياء على حضورها فأكره ذلك لهم أشد الكراهية ولا إعادة عليهم فأما أهل العذر بالضعف فأحب لهم ذلك ]
__________
(1) قال السراج البلقينى: هذا النص هو الذى أخذ منه أن السلطان إذا كان مع طائفة أجزأتهم
الجمعة وإن كانت مسبوقة والمذهب المعتمد ما نص عليه في مواضع غير هذا من ان الجمعة السابقة هي الصحيحة ووقع في هذا النص ويعيد الآخرون الجمعة والمراد يعيدونها ظهرا ولعل هذا سبق قلم من الناسخ وما ذكره الشافعي بعد ذلك من قوله وإن وكل الامام إلى آخره يقيد محل القول المذكور بما إذا لم يكن مع السابقة وكيل الامام فإن كان معها فالجمعة السابقة هي المجزئة ولم أر من تعرض لهذا القيد.(1/222)
[ (قال الشافعي) والجمعة مخالفة لهذا كله (قال) وإذا صلوا جماعة أو منفردين صلوا كما يصلى الامام لا يخالفونه في وقت ولا صلاة ولا بأس أن يتكلم متكلمهم بخطبة إذا كان بأمر الوالى فإن لم يكن بأمر الوالى كرهت له ذلك كراهية الفرقة في الخطبة ولا أكره ذلك في الصلاة كما لا أكرهه في المكتوبات غير الجمعة.
وقت الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ووقت الجمعة ما بين أن تزول الشمس إلى أن يكون آخر وقت الظهر قبل أن يخرج الامام من صلاة الجمعة فمن صلاها بعد الزوال إلى أن يكون سلامه منها قبل آخر وقت الظهر فقد صلاها في وقتها وهى له جمعة إلا أن يكون في بلد قد جمع فيه قبله (قال الشافعي) ومن لم يسلم من الجمعة حتى يخرج آخر وقت الظهر لم تجزه الجمعة وهى له ظهر وعليه أن يصليها أربعا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال حدثنى خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة إذا فاء الفئ قدر ذراع أو نحوه، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يوسف بن ماهك قال قدم معاذ بن جبل على أهل مكة وهم يصلون الجمعة والفئ في الحجر فقال لا تصلوا حتى تفئ الكعبة من وجهها (قال الشافعي) ووجهها الباب (قال الشافعي) يعنى معاذ حتى تزول الشمس (قال الشافعي) ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس (قال الشافعي) فإن ابتدأ رجل خطبة الجمعة قبل ان يبتدئ خطبة الجمعة حتى يتبين زوال الشمس (قال الشافعي) فإن ابتدأ رجل خطبة الجمة قبل ان تزول الشمس ثم زالت الشمس فأعاد خطبته أجزأت عنه الجمعة وإن لم يعد خطبتين بعد الزوال لم تجز
الجمعة عنه وكان عليه أن يصليها ظهرا أربعا، وإن صلى الجمعة في حال لا تجزئ عنه فيه ثم أعاد الخطبة والصلاة في الوقت أجزأت عنه وإلا صلاها ظهرا والوقت الذى تجوز فيه الجمعة ما بين أن تزول الشمس إلى أن يدخل وقت العصر (قال الشافعي) ولا تجزئ جمعة حتى يخطب الامام خطبتين ويكمل السلام منها قبل دخول وقت العصر (قال الشافعي) فإن دخل أول وقت العصر قبل أن يسلم منها فعليه أن يتم الجمعة ظهرا أربعا فإن لم يفعل حتى خرج منها فعليه أن يستأنفها ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولو أغفل الجمعة (1) حتى يعلم أنه خطب أقل من خطبتين وصلى أخف من ركعتين لم يخرج من الصلاة حتى يدخل وقت العصر كان عليه أن يصلي ظهرا أربعا ولا يخطب (قال الشافعي) وإن رأى أنه يخطب أخف خطبتين ويصلى أخف ركعتين إذا كانتا مجزئتين عنه قبل دخول إول وقت العصر لم يجز له إلا أن يفعل فإن خرج من الصلاة قبل دخول العصر فهى مجزئة عنه وإن لم يخرج منها حتى يدخل أول وقت العصر أتمها ظهرا أربعا فإن لم يفعل وسلم استأنف ظهرا أربعا لا يجزيه غير ذلك فإن خرج من الصلاة وهو يشك ومن معه، أدخل وقت العصر ام لا؟ فصلاتهم وصلاته مجزئة عنهم لانهم على يقين من الدخول في الوقت وفى شك من أن الجمعة لا تجزئهم، فهم كمن استيقن بوضوء وشك ]
__________
(1) قوله: حتى يعلم أنه خطب الخ كذا في النسخ وللائق أنه إن خطب الخ تأمل.
كتبه مصححه.(1/223)
[ في انتفاضه (قال الشافعي) وسواء شكوا أكملوا الصلاة قبل دخول الوقت بظلمة أو ريح أو غيرهما (قال الشافعي) ولا يشبه الجمعة فيما وصفت الرجل يدرك ركعة قبل غروب الشمس كان عليه أن يصلى العصر بعد غروبها وليس للرجل أن يصلى الجمعة في غير وقتها لانه قصر في وقتها وليس له القصر إلا حيث جعل له.
وقت الاذان للجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يؤذن للجمعة حتى تزول الشمس (قال الشافعي) وإذا أذن لها قبل الزوال أعيد الاذان لها بعد الزوال فإن أذن لها مؤذن قبل الزوال وآخر بعد الزوال أجزأ الاذان الذى
بعد الزوال ولم يعد الاذان الذى قبل الزوال (قال الشافعي) وأحب أن يكون الاذان يوم الجمعة حين يدخل الامام المسجد ويجلس على موضعه الذى يخطب عليه خشب أو جريد أو منبر أو شئ مرفوع له أو الارض فإذا فعل أخذ المؤذن في الاذان فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه (قال الشافعي) وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن الاذان كان أوله للجمعة حين يجلس الامام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس امر عثمان بأذان ثان فأذن به فثبت الامر على ذلك (قال الشافعي) وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول أحدثه معاوية والله أعلم (قال الشافعي) وأيهما كان فالامر الذى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى (قال الشافعي) فإن أذن جماعة من المؤذنين والامام على المنبر وأذن كما يؤذن اليوم أذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الامام على المنبر كرهت ذلك له ولا يفسد شئ منه صلاته (قال الشافعي) وليس في الاذان شئ يفسد الصلاة لان الاذان ليس من الصلاة إنما هو دعاء إليها وكذلك لو صلى بغير أذان كرهت ذلك له ولا إعادة عليه.
متى يحرم البيع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا اإلى ذكر الله وذروا البيع " (قال الشافعي) والاذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن يذر عنده البيع الاذان الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك الاذان الذى بعد الزوال وجلوس الامام على المنبر فإن أذن مؤذن قبل جلوس الامام على المنبر وبعد الزوال لم يكن للبيع منهيا عنه كما ينهى عنه إذا كان الامام على المنبر وأكرهه لان ذلك الوقت الذى أحب للامام أن يجلس فيه على المنبر وكذلك إن أذن مؤذن قبل الزوال والامام على المنبر لم ينه عن البيع إنما ينهى عن البيع إذا اجتمع أن يؤذن بعد الزوال والامام على المنبر (قال الشافعي) وإذا تبايع من لا جمعة عليه في الوقت المنهى فيه عن البيع لم أكره البيع لانه لا جمعة عليهما وإنما المنهى عن البيع المأمور بإتيان الجمعة (قال الشافعي) وإن بايع من لا جمعة عليه من عليه جمعة كرهت ذلك لمن عليه الجمعة لما وصفت ولغيره أن يكون
معينا له على ما أكره له ولا أفسخ البيع بحال (قال الشافعي) ولا أكره البيع يوم الجمعة قبل الزوال ولا(1/224)
بعد الصلاة لاحد بحال وإذا تبايع المأموران بالجمعة في الوقت المنهى فيه عن البيع لم يبن لى أن أفسخ البيع بينهما لان معقولا أن النهى عن البيع في ذلك الوقت إنما هو لاتيان الصلاة لا أن البيع يحرم بنفسه وإنما يفسخ البيع المحرم لنفسه، ألا ترى لو أن رجلا ذكر صلاة ولم يبق عليه من وقتها إلا ما يأتي بأقل ما يجزئه منها فبايع فيه كان عاصيا بالتشاغل بالبيع عن الصلاة حتى يذهب وقتها ولم تكن معصية التشاغل عنها تفسد بيعه والله تعالى أعلم.
التبكير إلى الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الاول فالاول فإذا خرج الامام طويت الصحف واستمعوا الخطبة، والمهجر إلى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذى يليه كالمهدى بقرة، ثم الذى يليه كالمهدى كبشا، حتى ذكر الدجاحة والبيضة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سمى عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) (قال الشافعي) وأحب لكل من وجبت عليه الجمعة أن يبكر إلى الجمعة جهده فكلما قدم التبكير كان أفضل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان العلم يحيط أن من زاد في التقرب إلى الله تعالى كان أفضل (قال الشافعي) فإن قال قائل: إنهم مأمورون إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة بأن يسعوا إلى ذكر الله فإنما أمروا بالفرض عليهم وأمرهم بالفرض عليهم لا يمنع فضلا قدموه عن نافلة لهم.
المشى إلى الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال ما سمعت عمر قط يقرؤها إلا " فامضوا إلى ذكر الله " (قال الشافعي ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل قال الله عز وجل " إن سعيكم لشتى " وقال " وان ليس للانسان إلا ما سعى " وقال عز ذكره " وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها " (قال الشافعي) قال زهير: سعى بعهدهم قوم لكى يدركوهم فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا (وزادني بعض أصحابنا في هذا البيت): وما يك من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل وهل يحمل الخطى إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك(1/225)
عن جده جابر ابن عتيك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا خرجت إلى الجمعة فامش على هينتك (قال الشافعي) وفيما وصفنا من دلالة كتاب الله عزوجل أن السعي العمل وفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ما فاتكم فاقضوا " (قال الشافعي) والجمعة صلاة كاف من أن يروى في ترك العدو على القدمين إلى الجمعة عن أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ وما علمت أحدا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة أنه زاد فيها على مشيه إلى سائر الصلوات ولا عن أحد من أصحابه (قال الشافعي) ولا تؤتى الجمعة إلا ماشيا كما تؤتى سائر الصلوات وإن سعى إليها ساع أو إلى غيرها من الصلوات لم تفسد عليه صلاته ولم أحب ذلك له.
الهيئة للجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله ولو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة والوفد
إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما هذه من لا خلاق له في الآخرة " ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم أكسكها لتلبسها " فكساها عمر أخا له مشركا بمكة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع " يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ومن كان منكم عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك " (قال الشافعي) فنحب للرجل أن يتنظف يوم الجمعة بغسل وأخذ شعر وظفر وعلاج لما يقطع تغير الريح من جميع جسده وسواك وكل ما نظفه وطيبه وأن يمس طيبا مع هذا إن قدر عليه ويستحسن من ثيابه ما قدر عليه ويطيبها اتباعا للسنة ولا يؤذى أحدا قاربه بحال وكذلك أحب له في كل عيد وآمره به وأحبه في كل صلاة جماعة وآمره به وأحبه في كل أمر جامع للناس وإن كنت له في الاعياد من الجمع وغيرها أشد استحبابا للسنة وكثرة حاضرها (قال الشافعي) وأحب ما يلبس الي البياض فإن جاوزه بعصب اليمن والقطري وما أشبهه مما يصبغ غزله ولا يصبغ بعدما ينسخ فحسن وإذا صلاها طاهرا متوارى العورة أحزأه وإن استحببت له ما وصفت من نظافة وغيرها (قال الشافعي) وهكذا أحب لمن حضر الجمعة من عبد وصبى وغيره إلا النساء فإنى أحب لهن النظافة بما يقطع الريح المتغيرة وأكره لهن الطيب وما يشهون به من الثياب بياض أو غيره فإن تطيبن وفعلن ما كرهت لهن لم يكن عليهن إعادة صلاة وأحب للامام من حسن الهيئة ما أحب للناس وأكثر منه وأحب أن يعتم فإنه كان يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتم ولو ارتدى ببرد فإنه كان يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتدى ببرد، كان أحب إلى.
الصلاة نصف النهار يوم الجمعة أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني اسحق بن عبد الله عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة أن رسول(1/226)
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبى مالك أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذن جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا ولم يتكلم أحد (قال الشافعي) وحدثني ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب قال حدثنى ثعلبة بن أبى مالك أن قعود الامام يقطع السبحة وأن كلامه يقطع الكلام وأنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضى الخطبتين كلتيهما فإذا قامت الصلاة ونزول عمر تكلموا (قال الشافعي) فإذا راح الناس للجمعة صلوا حتى يصير الامام على المنبر فإذا صار على المنبر كف منهم من كان صلى ركعتين فأكثر تكلم حتى يأخذ في الخطبة فإذا اخذ فيها أنصت استدلا استدلالا بما حكيت ولا ينهى عن الصلاة نصف النهار من حضر يوم الجمعة.
من دخل المسجد يوم الجمعة والامام على المنبر ولم يركع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال دخل رجل يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له " أصليت؟ " قال لا قال " فصل ركعتين " (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد في حديث جابر وهو سليك الغطفانى (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله قال رأيت أبا سعيد الخدرى جاء ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين فجاء إليه الاحراس ليجلسوا فأبى أن يجلس حتى صلى الركعتين فلما اقضينا الصلاة أتيناه فقلنا يا أبا سعيد: كاد هؤلاء أن يفعلوا بك، فقال: ما كنت لادعها لشئ بعد شئ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئة بذة فقال " أصليت "؟ قال: لا، (فصل ركعتين) ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل منها ثوبين فلما كانت الجمعة الاخرى جاء الرجل والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أصليت "؟ قال لا قال " فصل ركعتين " ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " خذه " فأخذه
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى هذا جاء تلك الجمعة بهيئة بذة فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين فلما جاءت الجمعة وأمرت الناس بالصدقة فجاء فألقى أحد ثوبيه " (قال الشافعي) وبهذا نقول ونأمر من دخل المسجد والامام يخطب والمؤذن يؤذن ولم يصل ركعتين أن يصليهما ونأمره أن يخففهما فإنه روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتخفيفهما (قال الشافعي) وسواء كان في الخطبة الاولى أو في الآخرة فإذا دخل والامام في آخر الكلام ولا يمكنه أن يصلى ركعتين خفيفتين قبل دخول الامام في الصلاة فلا عليه أن لا يصليهما لانه أمر بصلاتهما حيث يمكنانه وحيث يمكنانه مخالف لحيث لا يمكنانه وأرى للامام أن يأمره بصلاتهما ويزيد في كلامه بقدر ما يكملهما فإن لم يفعل الامام كرهت ذلك له ولا شئ عليه وإن لم يصل الداخل في حال تمكنه(1/227)
فيه كرهت ذلك له ولا إعادة ولا قضاء عليه (قال الشافعي) وإن صلاهما وقد أقيمت الصلاة كرهت ذلك له وأن أدرك مع الامام ركعة فقد أدرك الجمعة.
تخطى رقاب الناس يوم الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأكره تخطى رقاب الناس يوم الجمعة قبل دخول الامام وبعده لما فيه من الاذى لهم وسوء الادب وبذلك أحب لشاهد الجمعة التبكير إليها مع الفضل في التبكير إليها وقد روى عن الحسن مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " آنيت وآذيت " وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة أنه قال " ما أحب أن أترك الجمعة ولى كذا وكذا ولان أصليها بظهر الحرة أحب إلى من أن أتخطى رقاب الناس " وإن كان دون مدخل رجل زحام وأمامه فرجة فكان تخطيه إلى الفرجة بواحد أو اثنين رجوت أن يسعه التخطي وإن كثر كرهته له ولم أحبه إلا أنه لا يجد السبيل إلى مصلى يصلى فيه الجمعة إلا بأن يتخطى فيسعه التخطي إن شاء الله تعالى وإن كان إذا وقف حتى تقام الصلاة تقدم من دونه حتى يصل إلى موضع تجوز فيه الصلاة كرهت له التخطي وإن فعل ما كرهت له من التخطي لم يكن عليه إعادة صلاة وإن كان الزحام دون الامام الذى يصلى الجمعة لم أكره له من التخطي ولا من أن يفرج له
الناس ما أكره للمأموم لانه مضطر إلى يمضى إلى الخطبة والصلاة لهم.
النعاس في المسجد يوم الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال كان ابن عمر يقول للرجل إذا نعس يوم الجمعة والامام يخطب أن يتحول منه (قال الشافعي) وأحب للرجل إذا نعس في المسجد يوم الجمعة ووجد مجلسا غيره ولا يتخطى فيه أحدا أن يتحول عنه ليحدث له القيام واعتساف المجلس ما يذعر عنه النوم وإن ثبت وتحفظ من النعاس بوجه يراه ينفى النعاس عنه فلا أكره ذلك له ولا أحب إن رأى أنه يمتنع من النعاس إذا تحفظ أن يتحول وأحسب من أمره بالتحول إنما أمره حين غلب عليه النعاس فظن أن لن يذهب عنه النوم إلا بإحداث تحول وإن ثبت في مجلسه ناعسا كرهت ذلك له ولا إعادة عليه إذا لم يرقد زائلا عن حد الاستواء.
مقام الامام في الخطبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سوارى المسجد فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبى بن كعب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/228)
يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك؟ قال نعم: فصنع له ثلاث درجات فهى للاتى أعلى المنبر فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذى وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا للنبى صلى الله عليه وسلم أن يقوم على المنبر فيخطب عليه فمر إليه، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى انصدع وانشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبى بن كعب فكان عنده في بيته حتى
بلى وأكلته الارضة وصار رفاتا (قال الشافعي) فبهذا قلنا لا بأس أن يخطب الامام على شئ مرتفع من الارض وغيرها ولا بأس أن ينزل عن المنبر للحاجة قبل أن يتكلم ثم يعود إلى المنبر وإن نزل على المنبر بعدما تكلم استأنف الخطبة لا يجزئه غير ذلك لان الخطبة لا تعد خطبة إذا فصل بينها بنزول يطول أو بشئ يكون قاطعا لها.
الخطبة قائما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما " الآية (قال الشافعي) فلم أعلم مخالفا أنها نزلت في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى جعفر بن محمد عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق يقال لها البطحاء كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والابل والغنم والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لهم لهو إذا تزوج أحد من الانصار ضربوا بالكبر فعيرهم الله بذلك فقال " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى صالح مولى التوأمة عن عبد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح مولى التوأمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر أنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين على المنبر قياما يفصلون بينهما بجلوس حتى جلس معاوية في الخطبة الاولى فخطب جالسا وخطب في الثانية قائما (قال الشافعي) فإذا خطب الامام خطبة واحدة وصلى الجمعة عاد فخطب خطبتين وصلى الجمعة فإن لم يفعل حتى ذهب الوقت صلاها ظهرا أربعا ولا يجزئه أقل من خطبتين يفصل بينهما بجلوس فإن فصل بينهما ولم يجلس لم يكن له أن يجمع ولا يجزيه أن يخطب جالسا فإن خطب جالسا من علة أجزأه ذلك واجزأه من خلفه وإن خطب جالسا وهم يرونه صحيحا فذكر علة فهو أمين على نفسه وكذلك هذا في الصلاة وإن خطب جالسا (1) وهم يعلمونه صحيحا للقيام لم تجزئه ولا
إياهم الجمعة وإن خطب جالسا ولا يدرون أصحيح هو أو مريض؟ فكان صحيحا أجزأتهم صلاتهم لان الظاهر عندهم أن لا يخطب جالسا إلا مريض وإنما عليهم الاعادة إذا خطب جالسا وهم يعلمونه ]
__________
(1) قوله: وهم يعلمونه صحيحا للقيام.
أي مطيقا القيام كما هو ظاهر.
كتبه مصححه.(1/229)
[ صحيحا، فإن علمته طائفة صحيحا وجهلت طائفة صحته أجزأت الطائفة التي لم تعلم صحته الصلاة ولم تجز الطائفة التي علمت صحته وهذا هكذا في الصلاة (قال الشافعي) وإنما قلنا هذا في الخطبة أنها ظهر إلا أن يفعل فيها فاعل على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطبتين يفصل بينهما بجلوس فيكون له أن يصليها ركعتين فإذا لم يفعل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى على أصل فرضها.
أدب الخطبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا عن سلمة بن الاكوع أنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتين وجلس جلستين وحكى الذى حدثنى قال: استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدرجة التى تلى المستراح قائما ثم سلم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الاذان ثم قام فخطب الخطبة الاولى ثم جلس ثم قام فخطب الخطبة الثانية وأتبع هذا الكلام الحديث فلا أدرى أحدثه عن سلمة أم شئ فسره هو في الحديث (قال الشافعي) وأحب أن يفعل الامام ما وصفت وإن أذن المؤذن قبل ظهور الامام على المنبر ثم ظهر الامام على المنبر فتكلم بالخطبة الاولى ثم جلس ثم قام فخطب أخرى أجزأه ذلك إن شاء الله لانه قد خطب خطبتين فصل بينهما بجلوس (قال) ويعتمد الذي يخطب على عصا أو قوس أو ما أشبههما لانه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على عصا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على عصا إذا خطب؟ قال: نعم كان يعتمد عليها اعتمادا (قال الشافعي) وإن لم يعتمد على عصا أحببت أن يسكن جسده ويديه إما بأن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن يقرهما في موضعهما ساكنتين ويقل التلفت ويقبل بوجهه قصد وجهه ولا أحب أن يلتفت يمينا ولا شمالا ليسمع الناس خطبته لانه إن كان لا يسمع أحد الشقين إذا قصد بوجهه تلقاءه فهو لا يلتفت ناحية يسمع أهلها إلا
خفى كلامه على الناحية التي تخالفها مع سوء الادب من التلفت (قال الشافعي) وأحب أن يرفع صوته حتى يسمع أقصى من حضره إن قدر على ذلك وأحب أن يكون كلامه كلاما مترسلا مبينا معربا بغير الاعراب الذى يشبه العى وغير التمطيط وتقطيع الكلام ومده وما يستنكر منه ولا العجلة فيه عن الافهام ولا ترك الافصاح بالقصد وأحب أن يكون كلامه قصدا بليغا جامعا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم ومالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر (قال الشافعي) وإذا فعل ما كرهت له من إطالة الخطبة أو سوء الادب فيها أو في نفسه فاتى بخطبتين يفصل بينهما بجلوس لم يكن عليه إعادة وأقل ما يقع عليها اسم خطبة من الخطبتين أن يحمد الله تعالى ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرا شيئا من القرآن في الاولى ويحمد الله عز ذكره ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصى بتقوى الله ويدعو في الآخرة لان معقولا أن الخطبة جمع بعض الكلام من وجوه إلى بعض، هذا أو جز ما يجمع من الكلام (قال الشافعي) وإنما أمرت بالقراءة في الخطبة أنه لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في الجمعة إلا قرأ فكان أقل ما يجوز يقال قرأ آية من القرآن وأن يقرأ أكثر منها أحب إلى وإن جعلها خطبة واحدة عاد فخطب خطبة ثانية مكانه، فإن لم يفعل ولم يخطب حتى يذهب الوقت أعاد الظهر أربعا، فان جعلها خطبتين لم يفصل بينهما بجلوس أعاد خطبته، فإن لم يفعل صلى الظهر أربعا وإن ترك الجلوس الاول حين يظهر على المنبر كرهته ولا إعادة عليه، لانه ليس من الخطبتين، ولا فصل بينهما وهو عمل قبلهما لا منهما.(1/230)
القراءة في الخطبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله ابن أبى بكر عن حبيب بن عبد الرحمن ابن إساف عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ب " ق " وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو على المنبر من كثرة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر (قال الشافي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى محمد بن أبى بكر بن حزم عن محمد بن عبد الرحمن بن
سعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان مثله، قال إبراهيم ولا أعلمني إلا سمعت أبا بكر بن حزم يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر قال إبراهيم وسمعت محمد بن أبى بكر يقرأ بها وهو يومئذ قاضى المدينة على المنبر (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى محمد بن عمرو بن جلجلة عن أبى نعيم وهب بن كيسان عن حسن بن محمد بن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أن عمر كان يقرأ في خطبته يوم الجمعة " إذا الشمس كورت " حتى يبلغ (علمت نفس ما أحضرت " ثم يقطع السورة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن هشام عن أبيه أن عمر ابن الخطاب قرأ بذلك على المنبر (قال الشافعي) وبلغنا أن عليا كرم الله وجهه كان يقرأ على المنبر " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " فلا تتم الخطبتان إلا بأن يقرأ في أحداهما آية فأكثر والذى أحب أن يقرأ ب " ق " في الخطبة الاولى كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصر عنها وما قرأ أجزأه إن شاء الله تعالى وإن قرأ على المنبر سجدة لم ينزل ولم يسجد فإن فعل رجوت أن لا يكون بذلك بأس لانه ليس يقطع الخطبة كما لا يكون قطعا للصلاة أن يسجد فيها سجود القرآن (قال الشافعي) وإذا سجد أخذ من حيث بلغ من الكلام وإن استأنف الكلام فحسن (قال الشافعي) وأحب أن يقدم الكلام ثم يقرأ الآية لانه بلغنا ذلك وإن قدم القراءة ثم تكلم فلا بأس وأحب أن تكون قراءته ما وصفت في الخطبة الاولى وأن يقرأ في الخطبة الثانية أية أو أكثر منها ثم يقول استغفر الله لي ولكم (قال الشافعي) بلغى أن عثمان بن عفان رضى الله عنه كان إذا كان في آخر خطبة قرأ آخر النساء " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " إلى آخر السورة وحيث قرأ من الخطبة الاولى والآخرة فبدأ بالقراءة أو بالخطبة أو جعل القراءة بين ظهرانى الخطبة أو بعد الفراغ منها إذا أتى بقراءة أجزأه إن شاء الله تعالى.
كلام الامام في الخطبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب (قال الشافعي) وحديث جابر وأبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل دخل المسجد وهو على المنبر فقال " أصليت "؟ فقال: لا فقال " فصل ركعتين " وفى حديث أبى سعيد فتصدق الرجل بأحد ثوبيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " انظروا (1) إلى هذا الذى (قال الشافعي) ولا بأس أن يتكلم الرجل في ]
__________
(1) قوله: إلى هذا الذى، الحديث تقدم مطولا فاقصر منه هنا على ما يدل على المقصود أمل.
كتبه مصححه.(1/231)
خطبة الجمعة وكل خطبة فيما يعنيه ويعنى غيره بكلام الناس ولا أحب أن يتكلم فيما لا يعنيه ولا يعنى الناس ولا بما يقبح من من الكلام وكل ما أجزت له أن يتكلم به أو كرهته فلا يفسد خطبته ولا صلاته.
كيف استحب أن تكون الخطبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد العزيز عن جعفر عن أبيه عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى إسحق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فقال " أن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفئ إلى أمر الله (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فقال في خطبته " ألا أن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضى فيها ملك قادر ألا وان الخير كله بحذافيره في الجنة ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".
ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم قال حدثنى عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدى ابن حاتم قال خطب رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسكت فبئس الخطيب أنت " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا تقل ومن يعصهما " (قال الشافعي) فبهذا نقول فيجوز أن تقول ومن يعص الله ورسوله فقد غوى لانك
أفردت معصية الله وقلت " ورسوله " استئناف كلام وقد قال الله تبارك وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم " وهذا وإن كان في سياق الكلام استئناف كلام (قال) ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله ومن عصى الله فقد عصى رسوله.
ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله ومن عصى رسوله فقد عصى الله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد من عباده قام في خلق الله بطاعة الله وفرض الله تبارك وتعالى على عباده طاعته لما وفقه الله تعالى من رشده ومن قال " ومن يعصهما " كرهت ذلك القول له حتى يفرد اسم الله عزوجل ثم يذكر بعده اسم رسوله صلى الله عليه وسلم لا يذكره إلا منفردا (قال الشافعي) وقال رجل يا رسول الله: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمثلان قل ما شاء الله ثم شئت " (قال الشافعي) وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية لان طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعصيته تبع لطاعة الله تبارك وتعالى ومعصيته لان الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله عزوجل فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز أن يقال فيه من يطع الله ورسوله ومن يعص الله ورسوله لما وصفت والمشيئة إرادة الله تعالى (قال الشافعي) قال الله عزوجل " وما(1/232)
تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين " فأعلم خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله عزوجل فيقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم شئت، ويقال من يطع الله ورسوله على ما وصفت من أن الله تبارك وتعالى تعبد الخلق بأن فرض طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أطيع الله بطاعة رسوله (قال الشافعي) وأحب أن يخلص الامام ابتداءا النقص الخطبة بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والعظة والقراءة ولا يزيد على ذلك (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء ما الذى أرى الناس يدعون به في الخطبة يومئذ أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمن بعد النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال لا إنما أحدث إنما كانت الخطبة تذكيرا (قال الشافعي) فإن دعا لاحد بعينه أو على أحد كرهته ولم تكن عليه إعادة الانصات للخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب فقد لغوت " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه إلا أنه قال لغيت قال ابن عيينة لغيت لغبة أبى هريرة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبى النضر مولى عمر بن عبد الله عن مالك بن أبى عامر أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته قلما يدع ذلك إذا خطب " إذا قام الامام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا له وأنصتوا فإن للمنصت الذى لا يسمع من الحظ مثل ما للسامع المنصت فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة " ثم لا يكبر عثمان حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبروه أن قد استوت فيكبر (قال الشافعي) وأحب لكل من حضر الخطبة أن يستمع لها وينصت ولا يتكلم من حين يتكلم الامام حتى يفرغ من الخطبتين معا (قال الشافعي) ولا بأس أن يتكلم والامام على المنبر والمؤذنون يؤذنون وبعد قطعهم قبل كلام الامام فإذا ابتدأ في الكلام لم أحب أن يتكلم حتى يقطع الامام الخطبة الآخرة فإن قطع الآخرة فلا بأس أن يتكلم حتى يكبر الامام وأحسن في الادب أن لا يتكلم من حين يبتدئ الامام الكلام حتى يفرغ من الصلاة وإن تكلم رجل والامام يخطب لم أحب ذلك له ولم يكن عليه إعادة الصلاة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم الذين قتلوا ابن أبى الحقيق على المنبر وكلموه وتداعوا قتله وأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم الذى لم يركع وكلمه وأن لو كانت الخطبة في حال الصلاة لم يتكلم من حين يخطب وكان الامام أولاهم بترك الكلام الذى إنما يترك الناس الكلام حتى يسمعوا كلامه (قال الشافعي) فإن قيل فما قول النبي صلى الله عليه وسلم قد لغوت؟ قيل والله أعلم (1) فأما ما يدل على ما وصفت من ]
__________
(1) قوله فأما ما يدل على ما وصفت الخ كذا في جميع النسخ والظاهر أن فيه سقطا من الناسخ فليحرر كتبه مصححه.(1/233)
[ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام من كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه فيدل على ما وصفت وإن الانصات للامام اختيار وإن قوله لغوت تكلم به في موضع الادب فيه أن لا يتكلم والادب في موضع الكلام أن لا يتكلم إلا بما يعنيه وتخطى رقاب الناس يوم الجمعة في معنى الكلام فيما لا يعنى الرجل (قال الشافعي) ولو سلم رجل على رجل يوم الجمعة كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه بعضهم لان رد السلام فرض (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن هشام بن حسان قال لا بأس أن يسلم ويرد عليه السلام والامام يخطب يوم الجمعة وكان ابن سيرين يرد إيماء ولا يتكلم (قال الشافعي) ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لان التشميت سنة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس الرجل والامام يخطب يوم الجمعة فشمته (قال الشافعي) وكذلك إذا أراد أن يأتيه رجل فأومأ إليه فلم يأته فلا بأس أن يتكلم وكذلك لو خاف على أحد أو جماعة لم أر بأسا إذا لم يفهم عنهم بالايماء أن يتكلم والامام يخطب (قال الشافعي) ولا بأس إن خاف شيئا أن يسأل عنه ويجيبه بعض من عرف إن سأل عنه وكل ما كان في هذا المعنى فلا بأس بذلك للامام وغيره ما كان مما لا يلزم المرء لاخيه ولا يعنيه في نفسه فلا أحب الكلام به وذلك أن يقول له أنصت أو يشكو إليه مصيبة نزلت أو يحدثه عن سرور حدث له أو غائب قدم أو ما أشبه هذا لانه لا فوت على واحد منهما في علم هذا ولا ضرر عليه في ترك إعلامه إياه (قال الشافعي) وإن عطش الرجل فلا بأس أن يشرب والامام على المنبر فإن لم يعطش فكان يتلذذ بالشراب كان أحب إلى أن يكف عنه.
من لم يسمع الخطبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن لم يسمع الخطبة أحببت له من الانصات ما أحببته للمستمع (قال الشافعي) وإذا كان لا يسمع من الخطبة شيئا فلا أكره أن يقرأ في نفسه ويذكر الله تبارك اسمه ولا يكلم الآدميين (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن هشام عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يذكر الله في نفسه بتكبير وتهليل وتسبيح (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم قال لا أعلمه إلا أن منصور بن المعتمر أخبرني أنه سأل إبراهيم أيقرأ والامام يخطب يوم الجمعة وهو لا يسمع الخطبة؟ فقال عسى أن لا
يضره (قال الشافعي) ولو فعل هذا من سمع خطبة الامام لم تكن عليه إعادة ولو أنصت للاستماع كان حسنا.
الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا " (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " (قال الشافعي) وأكره للرجل من كان أماما أو غير إمام أن يقيم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن نأمرهم أن يتفسحوا (قال الشافعي) ولا يجوز أن يقام الرجل إلا أن يجلس(1/234)
الرجل حيث يتيسر له إما في موضع مصلى الامام وإما في طريق عامة فأما أن يستقبل المصلين بوجهه في ضيق المسجد وكثرة من المصلين ولا يحول بوجهه عن استقبال المصلين فإن كان ذلك ولا ضيق على المصلين فيه فلا بأس أن يستقبلهم بوجهه ويتنحون عنه وأحسن في الادب أن لا يفعل ومن فعل من هذا ما كرهت له فلا إعادة عليه للصلاة (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فمن عرض له ما يخرجه ثم عاد إلى مجلسه أحببت لمن جلس فيه أن يتنحى عنه (قال الشافعي) وأكره للرجل أن يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة وغيره ويجلس فيه ولا أرى بأسا إن كان رجل إنما جلس لرجل ليأخذ له مجلسا أن يتنحى عنه لان ذلك تطوع من المجالس وكذلك إن جلس لنفسه ثم تنحى عنه بطيب من نفسه وأكره ذلك للجالس إلا أن يكون يتنحى إلى موضع شبيه به في أن يسمع الكلام ولا أكرهه للجالس الآخر لانه بطيب نفس الجالس الاول ومن فعل من هذا ما كرهت له فلا إعادة للجمعة عليه (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى سهيل عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم من مجلسه يوم الجمعة ثم رجع إليه فهو أحق به " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى أبى عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يعمد الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه، أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال سليمان ابن موسى
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيمن أحدكم اخاه يوم الجمعة ولكن ليقل أفسحوا ".
الاحتباء في المسجد يوم الجمعة والامام على المنبر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرني من لا أتهم عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتبى والامام يخطب يوم الجمعة (قال الشافعي) والجلوس والامام على المنبر يوم الجمعة كالجلوس في جميع الحالات إلا أن يضيق الرجل على من قاربه فأكره ذلك وذلك أن يتكئ فيأخذ أكثر مما يأخذ الجالس ويمد رجليه أو يلقى يديه خلفه فأكره هذا لانه يضيق إلا أن يكون برجله علة فلا أكره له من هذا شيئا وأحب له إذا كانت به علة أن يتنحى إلى موضع لا يزدحم الناس عليه فيفعل من هذا ما فيه الراحة لبدنه بلا ضيق على غيره.
القراءة في صلاة الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن أبى لبيد عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله ابن أبى رافع عن أبى هريرة أنه قرأ في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون فقال عبيد الله فقلت له قرأت بسورتين كان على رضى الله تعالى عنه يقرأ بهما في الجمعة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى مسعر ابن كدام عن معبد بن خالد عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الجمعة " سبح اسم ربك الاعلى " و " هل اتاك حديث الغاشية " (قال الشافعي " أحب أن يقرأ يوم الجمعة في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون.(1/235)
لثبوت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بهما وتواليهما في التأليف وإذا كان من يحضر الجمعة بفرض الجمعة وما نزل في المنافقين (قال الشافعي) وما قرأ به الامام يوم الجمعة وغيرها من أم القرآن وآية أجزأه وإن اقتصر على أم القرآن أجزأه ولم أحب ذلك له (قال الشافعي) وحكاية من حكى السورتين اللتين قرأ بهما النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة تدل على أنه جهر بالقراءة وأنه صلى الجمعة ركعتين وذلك ما لا
اختلاف فيه علمته فيجهر الامام بالقراءة في الجمعة ويصليها ركعتين إذا كانت جمعة فإن صلاها ظهرا خافت بالقراءة وصلى أربعا (قال الشافعي) وإن خافت بالقراءة في الجمعة أو غيرها مما يجهر فيه بالقراءة أو جهر بالقراءة فيما يخافت فيه بالقراءة من الصلاة كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه (قال الشافعي) وإن بدأ الامام يوم الجمعة فقرأ بسورة المنافقين في الركعة الاولى قبل ام القرآن عاد فقرأ أم القرآن قبل ان يركع أجزأه أن يركع بها ولا يعيد سورة المنافقين ولو قرأ معها بشئ من الجمعة كان أحب إلى ويقرأ في الركعة الثانية بسورة الجمعة.
القنوت في الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى حكى عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة فما علمت أحدا منهم حكى انه قنت فيها إلا أن تكون دخلت في جملة قنوته في الصلوات كلهن حين قنت على قتلة أهل بئر معونة ولا قنوت في شئ من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الامام.
من أدرك ركعة من الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " (قال الشافعي) فكان أقل ما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقد أدرك الصلاة " إن لم تفته الصلاة (قال الشافع ") ومن لم تفته الصلاة صلى ركعتين (قال الشافعي) ومن أدرك ركعة من الجمعة بنى عليها ركعة أخرى وأجزأته الجمعة وإدراك الركعة أن يدرك الرجل قبل رفع رأسه من الركعة فيركع معه ويسجد فإن أدركه وهو راكع فكبر ثم لم يركع معه حتى يرفع الامام رأسه من الركعة ويسجد معه لم يعتد بتلك الركعة وصلى الظهر أربعا (قال الشافعي) وإن ركع وشك في أن يكون تمكن راكعا قبل أن يرفع الامام رأسه لم يعتد بتلك الركعة وصلى الظهر أربعا إذا لم يدرك معه ركعة غيرها (قال الشافعي) وإن ركع مع الامام ركعة وسجد سجدتين ثم شك في أن يكون سجد سجدتين مع الامام أو سجدة سجد سجدة وصلى ثلاث ركعات حتى يكمل الظهر أربعا لانه لا يكون مدركا لركعة بكمالها إلا بأن يسجد سجدتين
وكذلك لو أدرك مع الامام ركعة ثم أضاف إليها أخرى ثم شك في سجدة لا يدرى أهى من الركعة التى كانت مع الامام أم الركعة التى صلى لنفسه كان مصليا ركعة وقاضيا ثلاثا ولا يكون له جمعة حتى يعلم أن قد صلى مع الامام ركعة بسجدتين.(1/236)
الرجل يركع مع الامام ولا يسجد معه يوم الجمعة وغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يركعوا إذا ركع الامام ويتبعوه في عمل الصلاة فلم يكن للمأموم أن يترك اتباع الامام في عمل الصلاة (قال الشافعي) وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بعسفان فركع وركعوا وسجد فسجدت طائفة وحرسته أخرى حتى قام من سجوده ثم تبعته بالسجود مكانها حين قام (قال الشافعي) فكان بينا والله تعالى أعلم في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على المأموم اتباع الامام ما لم يكن للمأموم عذر يمنعه اتباعه وأن له إذا كان له عذر أن يتبعه في وقت ذهاب العذر (قال الشافعي) فلو أن رجلا مأموما في الجمعة ركع مع الامام زحم فلم يقدر على السجود بحال حتى قضى الامام سجوده تبع الامام إذا قام الامام فأمكنه أن يسجد سجد وكان مدركا للجمعة إذا صلى الركعة التى بقيت عليه وهكذا لو حبسه حابس من مرض لم يقدر معه على السجود أو سهو أو نسيان أو عذر ما كان (قال الشافعي) وإن كان إدراكه الركعة الآخرة وسلم الامام قبل يمكنه السجود سجد وصلى الظهر أربعا لانه لم يدرك مع الامام ركعة بكمالها (قال الشافعي) وإن أدرك الاولى ولم يمكنه السجود حتى ركع الامام الركعة الثانية لم يكن له أن يسجد للركعة الاولى إلا أن يخرج من إمامة الامام فإن سجد خرج من إمامة الامام لان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجدوا للركعة التي وقفوا عن السجود لها بالعذر بالحراسة قبل الركعة الثانية (قال الشافعي) ويتبع الامام فيركع معه ويسجد ويكون مدركا معه الركعة ويسقط عنه واحدة ويضيف إليها أخرى ولو ركع معه ولم يسجد حتى سلم الامام سجد سجدتين وكان مصليا ركعة ويبنى عليها ثلاثا لانه لم يأت مع الامام بركعة بكمالها (قال الشافعي) فإن أمكنه أن يسجد على ظهر رجل فتركه بغير عذر خرج من صلاة الامام فإن صلى لنفسه أجزأته ظهرا وإن لم يفعل وصلى مع الامام
أعاد الظهر ولا يكون له أن يمكنه مع الامام ركوع ولا سجود فيدعه بغير عذر ولا سهو إلا خرج من صلاة الامام ولو جاز أن يكون رجل خلف الامام يمكنه الركوع والسجود ولا عذر له لم يكن به غير خارج من صلاة الامام جاز أن يدع ذلك ثلاث ركعات ويركع في الرابعة فيكون كمبتدئ الصلاة حين ركع وسجد معه ويدع ذلك أربع ركعات ثم يركع ويسجد فيتبع الامام في الركعة التي قبل سجوده (قال الشافعي) ولو سها عن ركعة اتبع الامام ما لم يخرج الامام من صلاته بالركوع والسجود أو يركع الامام ثانية فإذا ركع ثانية ركعها معه وقضى التي سها عنها ولو خرج الامام من صلاته وسها عن ثلاث ركعات وقد جهر الامام في ركعتين ركع وسجد بلا قراءة واجتزأ بقراءة الامام في ركعة في قول من قال لا يقرأ خلف الامام فيما يجهر فيه الامام ثم قرأ لنفسه فيما بقى ولم يجزه غير ذلك ولو كان فيما يخافت فيه الامام فإن كان قرأ اعتد بقراءته في ركعة وإن لم يكن قرأ لم يعتد بها ويقرأ فيما بقى بكل حال لا يجزئه غير ذلك: الرجل يرعف يوم الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل في صلاة الامام يوم الجمعة حضر الخطبة أو لم يحضرها فسواء فإن رعف الرجل الداخل في صلاة الامام بعدما يكبر مع الامام فخرج يسترعف(1/237)
فأحب الاقاويل إلى فيه أنه قاطع للصلاة ويسترعف ويتكلم فإن أدرك مع الامام ركعة أضاف إليها أخرى وإلا صلى الظهر أربعا وهذا قول المسور ابن مخرمة وهكذا إن كان بجسده أو ثوبه نجاسة فخرج فغسلها ولا يجوز ان يكون في حال لا تحل فيها الصلاة ما كان بها ثم يبنى على صلاته والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وإن رجع وبنى على صلاته رأيت أن يعيد وإن استأنف صلاته بتكبيرة افتتاح كان حينئذ داخلا في الصلاة.
رعاف الامام وحدثه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما نذهب إليه أن صلاة الامام إذا فسدت لم تفسد صلاة من خلفه فإذا كبر الامام يوم الجمعة ثم رعف أو احدث فقدم رجلا أو تقدم الرجل بغير امره بأمر
الناس أو غير أمرهم وقد كان المتقدم دخل في صلاة الامام المحدث قبل أن يحدث كان الامام المقدم الآخر يقوم مقام الامام الاول وكان له أن يصلى بهم ركعتين وتكون له ولهم الجمعة (قال الشافعي) ولو دخل المتقدم مع الامام في أول صلاته أو بعدما صلى ركعة فرعف الامام قبل الركوع أو بعده وقبل السجود فانصرف ولم يقدموا أحدا فصلوا وحدانا فمن أدرك منهم مع الامام ركعة بسجدتين أضاف إليها أخرى وكانت له جمعة ومن لم يدرك ركعة بسجدتين كاملتين صلى الظهر أربعا (قال الشافعي) ولو أن الامام يوم الجمعة رعف فخرج ولم يركع ركعة وقدم رجلا لم يدرك التكبيرة فصلى بهم ركعتين أعادوا الظهر أربعا لانه ممن لم يدخل معه في الصلاة حتى خرج الامام من الامامة وهذا مبتدئ ظهرا أربعا لا يجهز فيها بالقراءة ولو صلى الامام بهم جنبا أو على غير وضوء الجمعة أجزأتهم وكان عليه أن يعيد ظهرا أربعا لنفسه (قال الشافعي) ولو أعاد الخطبة ثم صلى بطائفة الجمعة لم يكن له ذلك وكان عليه أن يعود فيصلى ظهرا أربعا (قال الشافعي) فإن فعل فذكر وهو في الصلاة أن عليه الظهر فوصلها ظهرا فقد دخلها بغير نية صلاة أربع فأحب إلى ان يبتدئ الظهر أربعا وقد يخالف المسافر يفتتح ينوى القصر ثم يتم لانه كان للمسافر أن يقصر ويتم والمسافر نوى الظهر بعينها فهو داخل في نية فرض الصلاة والمصلى الجمعة لم ينو الظهر بحال إنما نوى الجمعة التى فرضها ركعتان إذا كانت جمعة والذى ليس له أن يصليها جمعة أربعا فإن أتمها ظهرا أربعا رجوت أن لا يضيق عليه إن شاء الله تعالى وما أحب أن يفعل ذلك بحال وإنما لم يتبين لى إيجاب الاعادة عليه لان الرجل قد يدخل مع الامام ينوى الجمعة ولا يكمل له ركعة فتجرى عليه أن يبنى على صلاته مع الامام ظهرا وإن كان هذا قد يخالفه في أنه مأموم تبع الامام لم يؤت من نفسه والاول إمام عمد فعل نفسه ولو أحدث الامام الذى خطب بعدما كبر فقدم رجلا كبر معه ولم يدرك الخطبة فصلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا أدرك معه الركعة صلى ركعة ثانية فكانت له ولمن أدرك معه الركعة الاخيرة جمعة وإن قدم رجلا لم يدرك معه الركعة الاولى وقد كبر معه صلى بهم ركعة ثم تشهد وقدم من أدرك أول الصلاة فسلم وقضى لنفسه ثلاثا لانه لم يدرك مع الامام ركعة حتى صار إمام نفسه وغيره (قال الشافعي) وإذا رعف الامام أو أحدث أو ذكر أنه جنب أو على غير وضوء فخرج يسترعف أو يتطهر ثم رجع أستأنف الصلاة وكان كألمأموم غيره فإن أدرك مع الامام
المقدم بعده ركعة أضاف إليها اخرى وكانت له جمعة وإن لم يدرك معه ركعة صلى الظهر أربعا.(1/238)
التشديد في ترك الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى صفوان بن سليم عن إبراهيم بن عبد الله ابن معبد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك الجمعة من غير ضرورة كتب منافقا في كتاب لا يمحى ولا يبدل أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبراهيم بن محمد قال حدثنى محمد بن عمرو عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبى الجعد الضمرى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يترك أحد الجمعة ثلاثا تهاونا بها إلا طبع الله على قلبه (قال الشافعي) في بعض الحديث ثلاثا ولاء (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى صالح بن كيسان عن عبيدة بن سفيان قال سمعت عمرو بن أمية الضمرى يقول لا يترك رجل مسلم الجمعة ثلاثا تهاونا بها لا يشهدها إلا كتب من الغافلين (قال الشافعي) حضور الجمعة فرض فمن ترك الفرض تهاونا كان قد تعرض شرا إلا أن يعفو الله كما لو أن رجلا ترك صلاة حتى يمضى وقتها كان قد تعرض شرا إلا أن يعفو الله.
ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا عن عبد الله بن أبى أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فانى أبلغ وأسمع قال ويضعف فيه الصدقة وليس مما خلق الله من شئ فيما بين السماء والارض يعنى غير ذى روح إلا وهو ساجد لله تعالى في عشية الخميس ليلة الجمعة فإذا أصبحوا فليس من ذى روح إلا روحه روح في حنجرته مخافة إلى أن تغرب الشمس فإذا غربت الشمس أمنت الدواب وكل شئ كان فزعا منها غير الثقلين (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أقربكم منى لو في الجنة أكثركم على صلاة فأكثروا الصلاة على في الليلة الغراء واليوم الازهر " (قال الشافعي) يعنى والله تعالى أعلم يوم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قالة حدثنى صفوان بن سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة
فأكثروا الصلاة على " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أكثروا الصلاة على يوم الجمعة " (قال الشافعي) وبلغنا أن من قرأ سورة الكهف وقى فتنة الدجال (قال الشافعي) وأحب كثره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال وأنا في يوم الجمعة وليلتها اشد استحبابا وأحب قراءة الكهف ليلة الجمعة ويومها لما جاء فيها.
ما جاء في فضل الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى موسى ابن عبيدة قال حدثنى أبو الأزهر معاوية ابن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه؟ فقال(1/239)
هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى، ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل وما يوم المزيد؟ فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين والصديقين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله عزوجل " أنا ربكم قد صدقتكم وعدى فسلوني أعطكم " فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول الله عزوجل " قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدى مزيد " فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذى استوى فيه ربك تبارك اسمه على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى أبوعمران إبراهيم ابن الجعد عن أنس بن مالك شبيها به وزاد عليه " ولكم فيه خير من دعا فيه بخير هو له قسم أعطيه فإن لم يكن له قسم ذخر له ما هو خير منه " وزاد أيضا فيه أشياء.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمرو بن
شرحبيل بن سعيد بن سعد عن أبيه عن جده أن رجلا من الانصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه خمس خلال فيه خلق آدم، وفيه أهبط الله عز وجل آدم عليه السلام إلى الارض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله تعالى إياه ما لم يسأل مأثما أو قطيعة رحم وفيه تقوم الساعة وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبل إلا وهو مشفق من يوم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها إنسان مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمى عن أبى سلمه ابن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهى مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والانس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله عزوجل شيئا إلا أعطاه إياه " قال أبو هريرة قال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة فقلت له: وكيف تكون آخر ساعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى " وتلك ساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلى؟ " قال فقلت بل قال فهو ذلك " قال الشافعي " اخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سيد الايام يوم الجمعة " قال الشافعي " أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبى أن ابن المسيب قال: أحب الايام إلى أن أموت فيه ضحى يوم الجمعة.
السهو في صلاة الجمعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والسهو في صلاة الجمعة كالسهو في غيرها، فإن سها الامام(1/240)
فقام في موضع الجلوس عاد فجلس وتشهد وسجد للسهو (1).
__________
(1) وفى اختلاف العراقيين في ترجمة الجمعة والعيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي بن مهدى عن سفيان عن أبى إسحق قال رأيت عليا رضى الله عنه يخطب نصف النهار يوم الجمعة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول لا يخطب إلا بعد زوال الشمس، وكذلك روينا عن عمر وعن غيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن أبى إسحق قال رأيت عليا رضى الله عنه يخطب يوم الجمعة ثم لم يجلس حتى فرغ ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول يجلس الامام بين الخطبتين ونقول نحن يجلس على المنبر قبل الخطبة وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والائمة بعده أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن الحرث بن ثور أن عليا رضى الله عنه صلى الجمعة ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال: أتموا، ولسنا ولا إياهم ولا أحد يقول بهذا ولست أعرف وجه هذا إلا أن يكون يرى أن الجمعة عليه هي ركعتان لانه يخطب وعليهم أربع لانهم لا يخطبون فإن كان هذا مذهبه فليس يقول بهذا أحد من الناس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي بن المهدى عن سفيان عن أبى حصين عن أبى عبد الرحمن أن عليا رضى الله عنه قال: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات " ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، أما نحن فنقول يصلى أربعا أخبرنا الربيع قال الشافعي أبو معاوية عن الاعمش عن منهال عن عباد بن عبد الله أن عليا رضى الله عنه كان يخطب على منبر فجاء الاشعث وقد امتلا المسجد وأخذوا مجالسهم فجعل يتخطى حتى دنا وقال غلبتنا عليك هذه الحمراء فقال على رضى الله عنه " ما بال هذه الضياطرة يتخلف أحدهم " ثم ذكر كلاما وهم يكرهون للامام أن يتكلم في خطبة ويكرهون أن يتكلم أحد والامام يخطب وقد تكلم الاشعث فلم ينهه على رضى الله عنه وتكلم على وأحسبهم يقولون يبتدئ الخطبة ولسنا نرى بأسا بالكلام بالخطبة تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان رضى الله عنهم.
ومن كتاب اختلاف الحديث (باب غسل الجمعة) حدثنا الربيع قال: قال الشافعي قال الله جل ثناؤه " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم " الآية قال فدلت السنة على أن الوضوء من الحدث وقال الله جل ثناؤه " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا " قال فكان الوضوء عاما في كتاب الله من الاحداث وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة دليلا والله أعلم أن لا يجب الغسل إلا من جنابة إلا ان تدل السنة على غسل واجب فتوجبه بالسنة بطاعة الله في الاخذ بها ودلت على وجوب الغسل من الجنابة ولم أعلم دليلا بيننا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذى لا يجزئ غيره (قال) وقد روى في غسل يوم الجمعة شئ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ولسان العرب واسع حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل " أخبرنا مالك وسفيان عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله =(1/241)
[ كتاب صلاة الخوف وهل يصليها المقيم؟ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى " وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح " الآية (قال الشافعي) فأذن الله عزوجل بالقصر في الخوف والسفر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فيهم يصلى لهم صلاة الخوف أن يصلى فريق منهم بعد فريق فكانت صلاة الخوف مباحة للمسافر والمقيم بدلالة كتاب الله عزوجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فللمسافر والمقيم إذاءان الخوف وليس للمقيم أن يصليها إلا بكمال عدد صلاة المقيم وللمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر وإن أتم فصلاته جائزة، وأختار له القصر.
] = عليه وسلم " قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " (قال الشافعي) فاحتمل واجب لا يجزئ غيره وواجب في الاخلاق وواجب في الاختيار والنظافة وهي تغير الريح عند اجتماع الناس كما يقول الرجل للرجل وجب حقك على إذ رأيتنى موضعا لحاجتك وما أشبه هذا فكان هذا أولى معنييه لموافقة ظاهر القرآن في عموم الوضوء من الاحداث وخصوص الغسل من الجنابة والدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة أيضا فإن قال قائل فاذكر الدلالة، قلت أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر: أية ساعة هذه؟ فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على ان توضأت، فقال عمر والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل (قال الشافعي) فلما علمنا أن عمر وعثمان علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل يوم الجمعة فذكر عمر علمه وعلم عثمان فذهب عنا أن نتوهم أن يكون نسيا علمهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة إذ ذكر عمر علمهما في المقام الذى توضأ فيه عثمان يوم الجمعة ولم يغتسل ولم يخرج عثمان فيغتسل ولم يأمره عمر بذلك ولا احد ممن حضرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن علم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل معهما أو بإخبار عمر عنه دل هذا على ان عمر وعثمان قد علما امر النبي بالغسل على الاحب لا على الايجاب للغسل الذى لا يجزئ غيره وكذلك والله أعلم دل على أن علم من سمع مخاطبتي عمر وعثمان في مثل علم عمر وعثمان إما أن يكون علموه علما وإما أن يكون علموه يخبر عمر كالدلالة عن عمر وعثمان وروت عائشة في الامر بالغسل يوم الجمعة أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان الناس عمال أنفسهم فكانوا يروحون بهناتهم فقيل لهم لو اغتسلتم قال وروى من حديث البصريين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل " قال وقول أكثر من لقيت من الفئتين اختيار الغسل يوم الجمعة وهم يرون ان الوضوء يجزئ عنه وفى حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ما يدل على أن غسل يوم الجمعة لا يجب الوجوب الذى لا يجزئ غيره لان الغسل إذا وجب الوجوب الذى لا يجزئ غيره وجب على كل مصل جاء الجمعة أو تخلف عنها لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " يدل على أن لا غسل على من لم يأت الجمعة.(1/242)
كيفية صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم
طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى " الآية، أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التى بقيت عليه ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم (قال الشافعي) وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يخبر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب الله عز أن يصلى الامام بطائفة فإذا سجد كانوا من ورائه وجاءت طائفة أخرى لم يصلوا فصلوا معه واحتمل قول الله عزوجل " فإذا سجدوا " إذا سجدوا ما عليهم من سجود الصلاة كله ودلت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دلالة كتاب الله عزوجل فإنه ذكر انصراف الطائفتين والامام من الصلاة ولم يذكر على واحد منهما قضاء (قال الشافعي) ورويت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف حديث صالح بن خوات أوفق ما يثبت منها لظاهر كتاب الله عزوجل فقلنا به (قال الشافعي) فإذا صلى الامام صلاة الخوف صلى كما بدلالة القرآن ثم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإذا صلى بهم صلاة الخوف مسافر فكل طائفة هكذا يصلى بالطائفة الاولى ركعة ثم يقوم فيقرأ فيطيل القراءة وتقرأ الطائفة الاولى لانفسها لا يجزيها غير ذلك لانها خارجة من إمامته بأم القرآن وسورة إلى القصر وتخفف ثم تركع وتسجد وتتشهد وتكمل حدودها كلها وتخفف ثم تسلم فتأتى الطائفة الثانية فيقرأ الامام بعد إتيانهم قدر أم القرآن وسورة قصيرة لا يضره أن لا يبتدئ ام القرآن إذا كان قد قرأ في الركعة التى أدركوها بعد أم القرآن ثم يركع ويركعون معه ويسجد فإذا انقضى السجود قاموا فقرءوا لانفسهم بأم القرآن وسورة قصيرة وخففوا ثم جلسوا معه وجلس قدر ما يعلمهم قد تشهدوا ويحتاط شيئا حتى يعلم أن أبطأهم تشهدا قد أكمل التشهد أو زاد ثم يسلم بهم ولو كان قرأ أم القرأن وسورة قبل أن يدخلوا معه ثم ركع بهم حين يدخلون معه قبل ان يقرأ أو يقرءوا شيئا أجزأه وأجزأهم ذلك وكانوا كقوم أدركوا ركعة مع الامام ولم يدركوا قراءته وأحب إلى أن يقرءوا بعد ما
يكبرون معه كما تقدم بأم القرآن وسورة خفيفة فإذا كانت الصلاة التى يصليها بهم الامام لا يجهر الامام فيها بالقراءة لم يجز الطائفة الاولى إلا أن تقرأ في الركعتين الاوليين بأم القرآن أو أم القرأن وزيادة معها إذا أمكنهم أن يقرءوا ولم يجز الطائفة الثانية إذا أدركت مع الامام ما يمكنها فيه قراءة أم القرآن إلا أن تقرأ بأم القرأن أو أم القرآن وشئ معها بكل حال (قال الشافعي) وإذا كانت صلاة الخوف في الحضر لا يجهر فيها لم يجز واحدة من الطائفتين ركعة لا يقرأ فيها بأم القرآن إلا من أدرك الامام في أول ركعة له في وقت لا يمكنه فيه أن يقرأ بأم القرآن (قال الشافعي) وإذا كانت صلاة خوف أو غير خوف يجهر فيها بأم القرآن فكل ركعة جهر فيها بأم القرآن ففيها قولان أحدهما لا يجزئ من صلى معه إذا أمكنه أن يقرأ إلا أن يقرأ بأم القرآن، والثانى يجزئه أن لا يقرأ ويكتفى بقراءة الامام وإذا كانت الصلاة أربعا أو ثلاثا لم يجزه في واحد من القولين في الركعتين الآخرتين أو الركعة الآخرة إلا أن يقرأ بأم(1/243)
القرآن أو يزيد ولا يكتفى بقراءة الامام (قال الشافعي) وإذا صلى الامام بالطائفة الاولى فقرأ السجدة فسجد وسجدوا معه ثم جاءت الطائفة الثانية لم يسجدوا تلك السجدة لانهم لم يكونوا في صلاة كما لو قرأ في الركعة الآخرة بسجدة فسجدت الطائفة الآخرة لم يكن على الاولى أن تسجد معهم لانهم ليسوا معه في صلاة.
انتظار الامام الطائفة الثانية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا صلى الامام مسافرا المغرب صلى بالطائفة الاولى ركعتين فإن قام وأتموا لانفسهم فحسن وإن ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم قام فصلى الركعة الباقية عليه بالذين خلفه الذين جاءوا بعد فجائز إن شاء الله تعالى وأحب الامرين إلى أن يثبت قائما لانه إنما حكى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت قائما وإنما اخترت أن يطيل في القراءة لتدرك الركعة معه الطائفة الثانية لانه إنما حكيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف ركعتين ولم تحك المغرب ولا صلاة خوف في حضر إلا بالخندق قبل أن تنزل صلاة الخوف فكان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه في موضع قيام حين قضى السجود ولم يكن له جلوس فيكون في موضع جلوس (قال الشافعي) (1) فإذا كان
يصلى بالطائفة المغرب ركعتين ثم تأتى الاخرى فيصلى بها ركعة وإنما قطعت الاولى إمامة الامام وصلاتهم لانفسهم في موضع جلوس الامام فيجوز أن يجلس كما جاز للامام وكان عليه أن يقوم إذا قطعوا إمامته في موضع قيام (قال الشافعي) وهكذا إذا صلى بهم صلاة الخوف في حضر أو سفر أربعا فله أن يجلس في مثنى حتى يقضى من خلفه صلاتهم ويكون في تشهد وذكر الله تعالى ثم يقوم فيتم بالطائفة الثانية (قال الشافعي) ولو صلى المغرب فصلى بالطائفة الاولى ركعة وثبت قائما فأتموا لانفسهم ثم صلى بالثانية ركعتين أجزأه إن شاء الله تعالى وأكره ذلك له لانه إذا كان معه في الصلاة فرقتان صلاة إحداهما أكثر من صلاة الاخرى فأولاهما أن يصلى الاكثر مع الامام الطائفة الاولى ولو ان الامام صلى صلاة عددها ركعتان في خوف فصلى بالاولى ركعة ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم قام بالطائفة التى خلفه ركعة فإن كان جلوسه لسهو فصلاته وصلاة من خلفه تامة ويسجد للسهو وإن كان جلوسه لعلة فصلاتهم جائزة ولا سجود للسهو عليه وإن كان لغير علة ولا سهو فجلس قليلا لم تفسد صلاته وإن جلس فأطال الجلوس فعليه عندي إعادة الصلاة فإن جاءت الطائفة الاخرى وهو جالس فقام (2) فأتم بهم وهو قائم فمن كان منهم عالما بإطالة الجلوس لغير علة ولا سهو ثم دخل معه فعليه عندي الاعادة لانه عالم بأنه دخل معه وهو عالم أن الامام قد خرج من الصلاة ولم يستأنف تكبير افتتاح يستأنف به الصلاة كما يكون على من علم أن رجلا افتتح الصلاة بلا تكبير أو صنع فيها شيئا يفسدها وصلى وراءه أن يقضى صلاته ومن لم يعلم ما صنع ممن صلى وراءه من الطائفة فصلاته تامة كما يكون من صلى خلف رجل على غير وضوء أو مفسد لصلاته بلا علم منه تام الصلاة " قال أبو محمد وفيها قول آخر إذا ]
__________
(1) قوله: فإذا كان يصلى الخ كذا في النسخ ولينظر؟ كتبه مصححه.
(2) قوله: فأتم بهم وهو قائم، كذا في النسخ، ولعله " فائتموا به وهو قائم " فليحرر.
كتبه مصححه.(1/244)
[ كان الامام قد أفسد الصلاة عامدا فصلاة من خلفه، علم بإفسادها أو لم يعلم، باطلة لانا إنما أجزنا صلاته خلف الامام لم يعمد فسادها لان عمر قضى ولم يقض الذين صلوا خلفه وعمر إنما قضى
ساهيا " (قال الشافعي) فإن قيل وقد لا يكون عالما بأن هذا يفسد صلاة الامام، قيل وكذلك لا يكون عالما بأن ترك الامام التكبير للافتتاح وكلامه يفسد صلاته ثم لا يكون معذورا بأن يصلى وراءه إذا فعل بعض هذا (قال الشافعي) ولا تفسد صلاة الطائفة الاولى لانهم خرجوا من صلاة الامام قبل يحدث ما يفسدها ولو كان كبر قائما تكبيرة ينوى بها الافتتاح بعد جلوسه تمت صلاة الطائفة الاولى لانهم خرجوا من صلاته قبل يفسدها، والطائفة الثانية لانهم لم يدخلوا في صلاته حتى افتتح صلاة مجزئة عنه وأجزأت عنه هذه الركعة وعمن خلفه (قال الشافعي) ولو صلى إمام صلاة الخوف في الحضر ففرق الناس أربع فرق فصلى بفرقة ركعة وثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم فرقة ركعة وثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم فرقة ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم فرقة ركعة وثبت جالسا وأتموا لانفهسم كان فيها قولان أحدهما أنه أساء ولا إعادة عليه ولا على من خلفه والثانى أن صلاة الامام تفسد وتتم صلاة الطائفة الاولى لانها خرجت من صلاته قبل تفسد صلاته وكذلك صلاة الطائفة الثانية لانها خرجت من قبل فساد صلاته لان له في الصلاة انتظارا واحدا بعده آخر وتفسد صلاة من علم من الطائفتين الاخريين ما صنع وأتم به بعد علمه ولا تفسد صلاة من لم يعلم ما صنع ولا يكون له أن ينتظر في الصلاة إلا انتظارين، الآخر منهما وهو جالس فيسلم منه (قال الشافعي) وإن صلى بطائفة ثلاث ركعات وطائفة ركعة كرهت ذلك له ولا تفسد صلاته ولا صلاتهم لانه إذا كان للطائفة الاولى أن تصلى معه ركعتين وتخرج من صلاته كانت إذا صلت ثلاثا وخرجت من صلاته قد خرجت بعدما زادت وإن ائتمت به في ركعة من فرض صلاتها لم تفسد صلاة الامام أنه انتظر انتظارا واحدا وتمت صلاة الطائفة الآخرة وعليه وعلى الطائفة الآخرة سجود السهو لانه وضع الانتظار في غير موضعه (قال الشافعي) فالامام يصلى بالطائفة الاولى في المغرب ركعة وبالثانية ركعتين قال لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالطائفة الاولى في السفر صلاة المغرب ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم صلى بالطائفة الثانية ركعة وتشهد فكان انتظاره الطائفة الثانية أكثر من انتظاره الطائفة الاولى.
تخفيف القراءة في صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويقرأ الامام في صلاة الخوف بأم القرآن وسورة قدر " سبح اسم
ربك الاعلى " وما أشبهها في الطول للتخفيف في الحرب وثقل السلاح ولو قرأ " قل هو الله أحد " في الركعة الاولى أو قدرها من القرآن لم أكره ذلك له وإذا قام في الركعة الثانية ومن خلفه يقضون قرأ بأم القرآن وسورة طويلة وأن أحب جمع سورا حتى يقضى من خلفه صلاتهم تفتتح الطائفة الاخرى خلفه ويقرأ بعد افتتاحهم أقل ذلك قدر أم القرآن ويحتاط إذا كان مما لا يجهر فيه ليقرءوا بأم القرآن ولو زاد في قراءته ليزيدوا على أم القرآن كان أحب إلى (قال الشافعي) فإن لم يفعل فافتتحوا معه وأدركوه راكعا كما أجزأه وأجزأتهم صلاتهم وكانوا كمن أدرك ركعة في أول صلاته مع الامام (قال الشافعي) ويقنت في صلاة الصبح في صلاة الخوف ولا يقنت في غيرها لانه لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الخوف قنوته في غيرها وإن فعل فجائز لان النبي صلى الله عليه وسلم قد قنت في(1/245)
الصلوات عند قتل أهل بئر معونة (قال الشافعي) فإن قال قائل كيف صارت الركعة الآخرة في صلاة الخوف أطول من الاولى وليست كذلك في غير صلاة الخوف؟ قيل بدلالة كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتفريق الله عزوجل بين صلاة الخوف وغيرها من الصلوات فليس للمسألة عن خلاف الركعة الآخرة من صلاة الخوف الركعة الآخرة من غيرها إلا جهل من سأل عنها أو تجاهله وخلاف جميع صلاة الخوف لسائر الصلوات أكثر من خلاف ركعة منها لركعة من سائر الصلوات.
السهو في صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى السهو في صلاة الخوف والشك كهو في غيرها من الصلوات فيصنع ما يصنع في غير صلاة الخوف فإذا سها الامام في الركعة الاولى انبغى أن يشير إلى من خلفه ما يفهمون به أنه سها فإذا قضوا الركعة التي بقيت عليهم وتشهدوا سجدوا لسهو الامام وسلموا وانصرفوا (قال الشافعي) وإن أغفل الاشارة إليهم وعلموا سهوه وسجدوا لسهوه وإن أغفلها ولم يعلموا فانصرفوا ثم علموا، فإن كان قريبا عادوا فسجدوا، وإن تباعد ذلك لم يعودوا للسجود (قال الشافعي) وإن لم يعلموا حتى صفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى ليصلوا فقد بعد ذلك وأحدثوا عملا بعد الصلاة بصفهم وصاروا حرسا لغيرهم فلا يجوز لهم أن يخلوا بغيرهم ومن قال: يعيد من ترك سجود
السهو، أمرهم بالاعادة ولا أرى بينا أن واجبا على احد ترك سجود السهو أن يعود للصلاة (قال الشافعي) ولو سها الامام سهوا ثم سها بعده مرة أو مرارا أجزأتهم سجدتان لذلك كله وإن تركوهما عامدين أو جاهلين لم يبن ان يكون عليهم ان يعيدوا الصلاة (قال الشافعي) وإن لم يسه الامام وسهوا هم بعد الامام سجدوا لسهوهم (قال الشافعي) وإذا سها الامام في الركعة الاولى ثم صلت الطائفة الآخرة سجدوا معه للسهو حين يسجد ثم قاموا فأتموا لانفسهم ثم عادوا وسجدوا عند فراغهم من الصلاة لان ذلك موضع لسجود السهو وإن لم يفعلوا كرهت ذلك لهم ولا يبين أن يكون على إمام ولا مأموم ولا على أحد صلى منفردا فترك سجود السهو ما كان السهو نقصا من الصلاة وزيادة فيها إعادة صلاة لانا قد عقلنا ان فرض عدد سجود الصلاة معلوم فيشبه أن يكون سجود السهو معه كالتسبيح في الركوع والسجود، والقول عند الافتتاح وسجود السهو كله سواء، يجب في بعضه ما يجب في كله.
باب ما ينوب الامام في صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأذن الله تبارك وتعالى في صلاة الخوف بوجهين أحدهما الخوف الادنى وهو قول الله عزوجل " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " الآية والثانى الخوف الذى أشد منه وهو قول الله تبارك وتعالى " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " فلما فرق الله بيتها ودلت السنة على افتراقهما لم يجز إلا التفريق بينهما والله تعالى أعلم لان الله عزوجل فرق بينهما لافتراق الحالين فيهما (قال الشافعي) وإذا صلى الامام في الخوف الاول صلاة الخوف فصلى بهم صلاة لا يجوز لهم أن يعملوا فيها شيئا غير الصلاة لا يعملونه في صلاة غير الخوف فإن عملوا غير الصلاة ما يفسد صلاة غير صلاة الخوف لو عملوه فسدت عليهم صلاتهم (قال الشافعي) فإن صلى الامام بطائفة ركعة وثبت قائما وقاموا يتمون(1/246)
لانفسهم فحمل عليهم عدو أو حدث لهم حرب فحملوا على العدو منحرفين عن القبلة بأبدانهم ثم أمنوا العدو بعد فقد قطعوا صلاتهم وعليهم استئنافها وكذلك لو فزعوا فانحرفوا عن القبلة لغير قتال ولا خروج من الصلاة وهم ذاكرون لانهم في صلاة حتى يستدبروا القبلة استأنفوا (قال الشافعي) ولو حملوا عليهم مواجهي القبلة قدر خطوة فأكثر كان قطعا للصلاة بنية القتال فيها وعمل الخطوة (قال الشافعي)
وكذلك لو حمل العدو عليهم فتهيؤوا بسلاح أو بترس أو ما أشبهه كان قطعا للصلاة بالنية مع العمل في دفع العدو ولو حمل عليهم فخافوا فنووا الثبوت في الصلاة وأن لا يقاتلوا حتى يكملوا أو يغشوا أو تهيؤوا بالشئ الخفيف لم يكن هذا قطعا للصلاة لانهم لم يحدثوا نية لقتال مع التهيؤ، والتهيؤ خفيف يجوز في الصلاة ولا يكون قطعا لها وإنما نووا إن كان قتال أن يحدثوا قتالا لا أن قتالا حضر ولا خافوه فنووه مكانهم وعملوا مع نيته شيئا (قال الشافعي) ولو أن عدوا حضر فتكلم احدهم بحضوره وهو ذاكر لانه في صلاة كان قاطعا لصلاته وإن كان ناسيا للصلاة فله أن يبنى ويسجد للسهو (قال الشافعي) وإذا أحدثوا عند حادث أو غيره نية قطع الصلاة أو نية القتال مكانهم كانوا قاطعين للصلاة فأما أن يكونوا على نية الصلاة ثم ينوون أن حدث إطلال عدو أن يقاتلوه فلا يحدث إطلاله فلا يكون هذا قطعا للصلاة (قال الشافعي) وأيهم أحدث شيئا مما وصفته يقطع الصلاة دون غيره كان قاطعا للصلاة دون من لم يحدثه فإن أحدث ذلك الامام فسدت عليه صلاته من ائتم به بعدما أحدث وهو عالم بما أحدث ولم تفسد صلاة من أئتم به وهو لا يعلم ما أحدث (قال الشافعي) ولو قدموا إماما غيره فصلى بهم أجزأهم إن شاء الله تعالى، وأن يصلوا فرادى أحب إلى، وكذلك هو أحب إلى في كل ما أحدثه الامام (قال الشافعي) وصلاة الخوف الذى هو أشد من هذا، رجالا وركبانا، موضوع في غير هذا الموضع مخالف لهذه الصلاة في بعض أمره.
إذا كان العدو وجاه القبلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن أبى عياش الزرقى قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بعسفان وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد وهم بينه وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه صفين ثم ركع فركعنا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذى يليه فلما رفعوا سجد الآخرون مكانهم ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن أبى الزبير عن جابر قال: صلاة الخوف نحو ما يصنع امراؤكم.
يعنى والله تعالى أعلم هكذا (قال الشافعي) الموضع الذى كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى هذه الصلاة والعدو صحراء ليس فيها شئ يوارى العدو عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان العدو مائتين على متون الخيل طليعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في إلف واربعمائة وكان لهم غير خائف لكثرة من معه وقلة العدو فكانوا لو حملوا أو تحرفوا للحمل لم يخف تحرفهم عليه وكانوا منه بعيدا لا يغيبون عن طرفه ولا سبيل لهم إليه يخفى عليهم فإذا كان هذا مجتمعا صلى الامام بالناس هكذا وهو أن يصف الامام والناس وراءه فيكبر ويكبرون معا ويركع ويركعون معا ثم يرفع فيرفعون معا ثم يسجد فيسجدون معا إلا صفا يليه أو بعض صف ينظرون العدو، لا يحمل أو ينحرف إلى طريق يغيب عنه وهو ساجد فإذا رفع الامام ومن سجد معه من سجودهم كله(1/247)
ونهضوا سجد الذين قاموا ينظرون الامام ثم قاموا معه ثم ركع وركعوا معا ورفع ورفوا معا وسجد وسجد معه الذين سجدوا معه اولا إلا صفا يحرسه منهم فإذا سجدوا سجدتين جلسوا للتشهد فسجد الذين حرسوا ثم تشهدوا وسلم الامام ومن خلفه معا (قال الشافعي) فإن خاف الذين يحرسون على الامام فتكلموا اعادوا الصلاة ولا بأس أن يقطع الامام وهم، إن خافوا معا (قال الشافعي) وإن صلى الامام هذه الصلاة فاستأجر الصف الذى حرسه إلى الصف الثاني وتقدم الصف الثاني فحرسه فلا بأس وإن لم يعفلوا فواسع ولو حرسه صف واحد في هذه الحال رجوت أن تجزئهم صلاتهم ولو أعادوا الركعة الثانية كان أحب إلى (قال الشافعي) وإذا كان ما وصفت مجتمعا من قلة العدو وكثرة المسلمين وما وصفت من البلاد، فصل الامام مثل صلاة الخوف يوم " ذات الرقاع " ومن معه كرهت ذلك له ولم يبن أن على أحد ممن خلفه إعادة ولا عليه (قال الشافعي) وإن صلى الامام صلاة الخوف فصلى بطائفة ركعة وانحرفت قبل أن تتم فقامت بإزاء العدو ثم صلت الاخرى ركعة ثم انحرفت فوقفت بإزاء العدو قبل أن تتم وهما ذاكرتان لانهما في صلاة كان فيها قولان، أحدهما أن يعيدا معا لانحرافهم عن القبلة قبل أن يكملا الصلاة (قال الشافعي) ولو ان الطائفة الاخرى صلت مع الامام ركعة (1) ثم أتمت صلاتها وفسدت صلاة الاولى التي انحرفت عن القبلة قبل أن تكمل الصلاة في هذا القول ومن قال هذا طرح الحديث الذى روى هذا فيه بحديث غيره (قال الشافعي) والقول الثاني أن هذا كله جائز وأنه من الاختلاف المباح فكيفما صلى الامام ومن معه على ما روى أجزأه وإن اختار بعضه على بعض (قال
الشافعي) وكذلك لو كانت الطائفة الاولى أكملت صلاتها قبل أن تنحرف ولم تكمل الثانية حتى انحرفت عن القبلة أجزأت الطائفة الاولى صلاتها ولم تجزئ الطائفة الثانية التي انحرفت قبل أن تكمل في القول الاول (قال الشافعي) ويجزئ الامام في كل ما وصفت صلاته لانه لم ينحرف عن القبلة حتى أكمل (قال الشافعي) ولو صلى الامام كصلاة الخوف " يرم ذات الرقاع " فانحرف الامام عن القبلة قبل أن يكمل الصلاة أو صلاها صلاة خوف أو غيره فانحرف عن القبلة وهو ذاكر لانه لم يكمل الصلاة استأنف الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر صلاة الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين وسلم ثم صلى بأخرى ركعتين ثم سلم (قال الشافعي) وإن صلى الامام صلاة الخوف هكذا، أجزأ عنه (قال الشافعي) وهذا في معنى صلاة معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم العتمة ثم صلاها بقومه (قال الشافعي) (2) ويدل على أن نية المأموم ان صلاته لا تفسد عليه بأن تخالف نيته نيه الامام فيها وإن صلى الامام صلاة الخوف بطائفة ركعة ثم سلموا ولم يسلم ثم صلى الركعة التى بقيت عليه بطائفة ركعة ثم سلم وسلموا فصلاة الامام تامة وعلى الطائفتين معا الاعادة إذا سلموا ذاكرين لانهم في صلاة " قال أبو يعقوب " وان رأوا أن قد أكملوا الصلاة بنى الآخرون وسجدوا للسهو وأعاد الاولون لانه قد تطاول خروجهم من الصلاة (قال الشافعي) وعلى المأموم من عدد الصلاة ما على الامام لا يختلفان فيما على ]
__________
(1) قوله: ثم أتمت صلاتها وفسدت صلاة الاولى، لعل فيه سقطا من الناسخ، والاصل " ثم أتمت صلاتها صحت صلاتها وفسدت تأمل الخ ".
(2) قوله: ويدل على أن نية المأموم أن صلاته الخ كذا في النسخ، واللائق " ويدل على أن صلاة المأموم لا تفسد الخ ".
تأمل.
كتبه مصححه.(1/248)
[ كل واحد منهما من عددها وليس يثبت حديث روى في صلاة الخوف بذى قرد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي في الاملاء قال ويصلى صلاة الخوف في الحضر أربعا وفى السفر ركعتين فإذا صلاها في السفر والعدو في غير جهة القبلة فرق الناس فرقتين فريقا بإزاء العدو في غير الصلاة وفريقا معه
فيصلى بالذين معه ركعة ثم يثبت قائما فيقرأ فيطيل القراءة ويقرأ الذين خلفه لانفسهم بأم القرآن وسورة ويركعون ويسجدون ويتشهدون ويسلمون معا ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ثم يأتي أولئك فيدخلون مع الامام ويكبرون مع الامام تكبيرة يدخلون بها معه في الصلاة ويقرأ الامام بعد دخولهم معه قدر أم القرآن وسورة من حيث انتهت قراءته لا يستأنف أم القرآن بهم ويسجد ويثبت جالسا يتشهد ويذكر الله ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ويقومون هم إذا رفع رأسه من السجود فيقرءون بأم القرآن وسورة ثم يركعون ويسجدون ويجلسون مع الامام ويزيد الامام في الذكر بقدر ما أن يقضوا تشهدهم ثم يسلم بهم وإن صلى بهم صلاة المغرب صلى بهم الركعة الاولى ثم يثبت قائما وأتموا لانفسهم وجاءت الطائفة الاخرى فيصلى بهم ركعتين وثبت جالسا وأتموا لانفسهم الركعة التي سبقوا بها ثم يسلم بهم وصلاة المغرب والصبح في الحضر والسفر سواء فإن صلى ظهرا أو عصرا أو عشاء صلاة خوف في حضر صنع هكذا إلا أنه يصلى بالطائفة الاولى ركعتين ويثبت جالسا حتى يقضوا الركعتين اللتين بقيتا عليهم وتأتى الطائفة الاخرى فإذا جاءت فكبرت نهض قائما فصلى بهم الركعتين الباقيتين عليه وجلس حتى يتموا ليسلم بهم (قال الشافعي) وإنما قلنا ثبت جالسا قياسا على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه لم يحك عنه في شئ من الحديث صلاة الخوف إلا في السفر فوجدت الحكاية كلها موتفقة على ان صلى بالطائفة الاولى ركعة وثبت قائما ووجدت الطائفة الاولى لم تأتم به خلفه إلا في ركعة لا جلوس فيها والطائفة الاخرى ائتمت به في ركعة معها جلوس فوجدت الطائفة الاخرى مثل الاولى في أنها ائتمت به معه في ركعة وزادت أنها كانت معه في بعض جلوسه فلم أجدها في حال إلا مثل الاولى وأكبر حالا منها فلو كنت قلت يتشهد بالاولى ويثبت قائما حتى تتم الاولى زعمت أن الاولى أدركت مع الامام مثل أو أكثر مما أدركت الاخرى (1) وأكثر فإنما ذهبت إلى أن يثبت قاعدا حتى تدركه الآخرة في قعوده ويكون لها القعود الآخر معه لتكون في أكثر من حال الاولى فتوافق القياس على ما روى عنه (قال الشافعي) فإن كان العدو بين الامام والقبلة صلى هكذا أجزأه إذا كان في حال خوف منه، فإن كان في حال أمان منه بقلة العدو وكثرة المسلمين وبأنهم في صحراء لا حائل دونها، وليسوا حيث ينالهم النبل ولا الحسام ولا يخفى عليهم
حركة العدو صفوا جميعا خلف الامام ودخلوا في صلاته وركعوا بركوعه ورفعوا برفعه وثبت الصف الذي يليه قائما ويسجد ويسجد من بقي فإذا قام من سجوده تبعه الذين خلفه بالسجود ثم قاموا معه وهكذا حكى ابو عياش الزرقى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم عسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة وهكذا أبو الزبير عن جابر أن صلاة الخوف ما يصنع امراؤكم هؤلاء (قال الشافعي) وهكذا يصنع الامراء إلا الذين يقفون فلا يسجدون بسجوده حتى يعتدل قائما من قرب منهم من الصف الاول دون من نأى عن يمينه وشماله (قال الشافعي) وأحب للطائفة الحارسة إن رأت من العدو حركة للقتال أن ترفع أصواتها ليسمع الامام وإن حوملت أن يحمل بعضها ويقف بعض يحرس الامام ]
__________
(1) قوله: وأكثر، كذا في النسخ، ولعله من زيادة الناسخ، تأمل.(1/249)
وإن رأت كمينا من غير جهتها أن ينحرف بعضها إليه وأحب للامام إذا سمع ذلك أن يقرأ بأم القرآن و " قل هو الله أحد " ويخفف الركوع والسجود والجلوس في تمام وإن حمل عليه أو رهق أن يصير إلى القتال وقطع الصلاة (1) هي يقضيها بعده والسهو في صلاة الخوف كهو في غير صلاة الخوف إلا في خصلة فإن الطائفة الاولى إذا استيقنت أن الامام سها في الركعة التى أمها فيها سجدت للسهو بعد التشهد وقبل سلامها وليس سبقهم إياه بسجود السهو بأكثر من سبقهم إياه بركعة من صلب الصلاة فإذا أراد الامام أن يسجد للسهو أخر سجوده حتى تأتى الطائفة الثانية معه بتشهدها ثم يسجد للسهو ويسجدون معه ثم يسلم ويسلمون معه ولو ذهب على الطائفة الاولى انه سها في الركعة الأولى أو خاف الامام ان يذهب ذلك عليهم أحببت له أن يشير إليهم ليسجدوا من غير ان يلتفت فإن لم يفعل وفعلوا فسجدوا حتى انصرفوا أو انصرف هو فلا إعادة ولا سجود عليهم لان سجود السهو ليس من صلب الصلاة وقد ذهب موضعه.
الحال التي يجوز للناس أن يصلوا فيها صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز لاحد أن يصلى صلاة الخوف إلا بأن يعاين عدوا قريبا غير مأمون أن يحمل عليه يتخوف حمله عليه من موضع أو يأتيه من يصدقه بمثل ذلك من قرب العدو
منه أو مسيرهم جادين إليه فيكونون هم مخوفين فإذا كان واحد من هذين المعنيين فله أن يصلى صلاة الخوف وإذا لم يكن واحد منهما لم يكن له ذلك (قال الشافعي) وإذا جاءه الخبر عن العدو فصلى صلاة الخوف ثم ذهب العدو لم يعد صلاة الخوف وهذا كله إذا كان بإزاء العدو فإن كان في حصن لا يوصل إليه إلا بتعب أو غلبة على باب أو كان في خندق عميق عريض لا يوصل إليه إلا بدفن يطول لم يصل صلاة الخوف وإن كان في قرية حصينة فكذلك وإن كان في قرية غير ممتنعة من الدخول أو خندق صغير غير ممتنع صلى صلاة الخوف (قال الشافعي) وإن رأوا سوادا مقبلا وهم ببلاد عدو أو بغير بلاد عدو فظنوه عدوا أحببت أن لا يصلوا صلاة الخوف وكل حال أحببت أن لا يصلوا فيه صلاة الخوف إذا كان الخوف يسرع إليهم أمرت الامام أن يصلى بطائفة فيكمل كما يصلى في غير خوف وتحرسه أخرى فإذا فرغ من صلاته حرس ومن معه الطائفة الاخرى وأمر بعضهم فأمهم (قال الشافعي) وهكذا آمر المسلحة في بلاد المسلمين تناظرا لمسلحة للمشركين أن تصنع إذا تراخى ما بين المسلحتين شيئا وكانت المسلحتان في غير حصن أو كان الاغلب أنهم إنما يتناظرون بناظر الربيئة لا يتحاملون (قال الشافعي) فإن صلوا صلاة الخوف كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع في حال كرهت لهم فيها صلاة الخوف أحببت للطائفة الاولى أن يعيدوا ولم أحب ذلك للامام ولا للطائفة الاخرى ولا يبين أن على الطائفة الاولى إعاة صلاة لانها قد صلت بسبب من خوف وإن لم يكن خوفا وإن الرجل قد يصلى في غير خوف بعض صلاته مع الامام وبعضها منفردا فلا يكون عليه اعادة (قال الشافعي) ومتى ما رأوا سوادا فظنوه عدوا ثم كان غير عدو وقد صلى كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم " ذات ]
__________
(1) قوله: هي يقضيها بعده، كذا في الاصل، ولعله حتى " يقضيها، أو ثم يقضيها " وحرر، كتبه مصححه.(1/250)
[ الرقاع " لم يعد الامام ولا واحدة من الطائفتين لان كل منهما لم ينحرف عن القبلة حتى أكملت الصلاة وقد صليت بسبب خوف وكذلك إن صلى كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل وإن صلى كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان أحببت للحارسة أن تعيد ولم أوجب ذلك عليها ولا يعيد
الامام ولا التى لم تحرس (قال الشافعي) وإنما تقل المسائل في هذا الباب علينا أنا لا نأمر بصلاة خوف بحال إلا في غاية من شدة الخوف إلا صلاة لو صليت في غير خوف لم يتبين أن على مصليها إعادة كم قدر من يصلى مع الامام صلاة الخوف؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت مع الامام في صلاة الخوف طائفة والطائفة ثلاثة فأكثر أو حرسته طائفة والطائفة ثلاثة فأكثر، لم أكره ذلك له غير أنى أحب أن يحرسه من يمنع مثله إن أريد (قال الشافعي) وسواء في هذا كثر من معه أو قل فتفرق الناس في صلاة الخوف حارسين ومصلين على قدر ما يرى الامام ممن تجزى حراسته ويستظهر شيئا من استظهاره وسواء قل من معه فيمن يصلي وكثر ممن يحرسه أو قل من يحرسه وكثر من يصلى معه في أن صلاتهم مجزئة إذا كان معه ثلاثة فأكثر حرسه ثلاثة فإن حرسه أقل من ثلاثة أو كان معه في الصلاة أقل من ثلاثة كرهت ذلك له لان أقل اسم الطائفة لا يقع عليهم فلا إعادة على أحد منهم بهذه الحال لان ذلك إذا أجزأ الطائفة اجزأ الواحد، إن شاء الله تعالى.
أخذ السلاح في صلاة الخوف؟ قال الله عزوجل " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم " الآية (قال الشافعي) وأحب للمصلى أن يأخذ سلاحه في الصلاة ما لم يكن في سلاحه نجاسة وإن كان فيه أو في شئ منه نجاسة وضعه فإن صلى فيه وفيه نجاسة لم تجز صلاته (قال الشافي) ويأخذ من سلاحه ما لا يمنعه الصلاة ولا يؤذي الصف أمامه وخلف ذلك السيف والقوس والجعبة والجفير والترس والمنطقة وما أشبه هذا (قال الشافعي) ولا يأخذ الرمح فانه يطول إلا أن يكون في حاشية ليس إلى جنبه أحد فيقدر على أن ينحيه حتى لا يؤدى به من أمامه ولا من خلفه (قال الشافعي) وكذلك لا يلبس من السلاح ما يمنعه التحرف في الركوع والسجود مثل (1) السنور وما أشبهه (قال الشافعي) ولا أجيز له وضع السلاح كله في صلاة الخوف إلا أن يكون مريضا يشق عليه حمل السلاح أو يكون به أذى من مطر فانهما الحالتان اللتان أذن الله فيهما بوضع السلاح وأمرهم أن يأخذوا حذرهم فيهما لقوله عز وعلا " ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم "
(قال الشافعي) وإن لم يكن به مرض ولا أذى من مطر أحببت أن لا يضع من السلاح إلا ما وصفت ]
__________
(1) السنور: بفتح المهملة والنون وشد الواو مفتوحة: لبوس من قد كالدرع.
كما في القاموس، كتبه مصححة.(1/251)
[ مما يمنعه من التحرف في الصلاة بنفسه أو ثقله فإن وضع بعضه وبقى بعض رجوت أن يكون جائزا له لانه أخذ بعض سلاحه ومن أخذ بعض سلاحه فهو متسلح (قال الشافعي) وإن وضع سلاحه كله من غير مرض ولا مطر أو أخذ من سلاحه ما يؤذى به من يقاربه كرهت ذلك له في كل واحد من الحالين ولم يفسد ذلك صلاته في واحدة من الحالين لان معصيته في ترك وأخذ السلاح ليس من الصلاة فيقال يفسد صلاته ولا يتمها أخذه.
ما لا يجوز للمصلى في الحرب أن يلبسه مما ماسته النجاسة وما يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أصاب السيف الدم فمسحه فذهب منه لم يتقلده في الصلاة وكذلك نصال النبل وزج الرمح والبيضة وجميع الحديد إذا أصابه الدم فإن صلى قبل أن يغسله بالماء أعاد الصلاة ولا يطهر الدم ولا شيئا من الانجاس إلا الماء على حديد كان أو غيره، ولو غسله بدهن لئلا يصدأ الحديد أو ماء غير الماء الذى هو الطهارة أو مسحه بتراب لم يطهر وكذلك ما سوى ذلك من أداته لا يطهرها ولا شيئا من الانجاس إلا الماء (قال الشافعي) ولو ضرب فأصاب سيفه فرث أو قيح أو غيره كان هكذا الآن هذا كله من الانجاس (قال الشافعي) فإن شك أصاب شيئا من أداته نجاسة أو لم تصبه أحببت أن يتوقى حمل ما شك فيه للصلاة فإن حمله في الصلاة فلا إعادة عليه حتى يعلم أنه قد أصابه نجاسة فإذا علم وقد صلى فيه أعاد (قال الشافعي) وكل ما حمله متقلده أو متنكبه أو طارحه على شئ من بدنه أو في كمه أو ممسكه بيده أو بغيرها فسواء كله هو كما كان لابسه لا يجزيه فيه إلا أن يكون لم تصبه نجاسة أو تكون أصابته فظهر بالماء (قال الشافعي) وإن كان معه نشاب أو نبل قد أمر عليها عرق دابة أي دابة كانت غير كلب أو خنزير من أي موضع كان أو لعابها أو أحميت فسقيت لبنا أو سمت بسم شجر فصلى فيها فلا بأس لانه ليس من هذا شئ من الانجاس (قال الشافعي) وإن كان من هذا
شئ سم بسم حية أو ودك دابة لا تؤكل أو بودك ميتة فصلى فيه أعاد الصلاة إلا أن يطهر بالماء وسواء أحمى السيف أو أي حديدة حميت في النار ثم سم أو سم بلا إحماء إذا خالطه النجس محمى أو غير محمى لم يطهره إلا الماء (قال الشافعي) وهكذا لو سمعت ولم تحم ثم أحميت بالنار فقيل قد ذاب كله بالنار أو أكلته النار وكان السم نجسا لم تطهره النار ولا يطهره شئ إلا الماء (قال الشافعي) ولو أحمى ثم صب عليه شئ نجس أو غمس فيه فقيل قد شربته الحديدة ثم غسلت بالماء طهرت لان الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الاجواف (قال الشافعي) ولا يزيد إحماء الحديدة في تطهيرها ولا تنجيسها لانه ليس في النار طهور إنما الطهور في الماء ولو كان بموضع لا يجد فيه ماء فمسحه بالتراب لم يطهره التراب لان التراب لا يطهر الانجاس.
ما يجوز للمحارب أن يلبس مما يحول بينه وبين الارض وما لا يجوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت البيضة ذات أنف أو سابغة على رأس الخائف كرهت له في الصلاة لبسها لئلا يحول موضع السبوغ أو الانف بينه وبين إكمال السجود ولا بأس أن يلبسها، فإذا سجد وضعها أو حرفها أو حسرها إذا ماست جبهته الارض متمكنا (قال الشافعي) وهكذا المغفر(1/252)
والعمامة وغيرهما مما يغطى موضع السجود (قال الشافعي) وإذا ماس شئ من مستوى جبهته الارض كان ذلك أقل ما يجزئ به السجود وإن كرهت له أن يدع أن يماس بجبهته كلها وأنفه الارض ساجدا (قال الشافعي) وأكره له أن يكون على كفيه من السلاح ما يمنعه أن تباشر كفاه الارض وأحب إن فعل أن يعيد الصلاة ولا يتبين ان عليه إعادة ولا أكره ذلك له في ركبتيه ولا أكره له منه في قدميه ما أكره له في كفيه (قال الشافعي) وإن صلى وفي ثيابه أو سلاحه شئ من الدم وهو لا يعلم ثم علم أعاد ومتى قلت أبدا يعيد أعاد بعد زمان وفى قرب الاعادة على كل حال وهكذا إن صلى بعض الصلاة ثم اتتضح عليه دم قبل أن يكملها فصلى من الصلاة شيئا إن كان في شئ من الصلاة قبل أن يكملها ولم يطرح ما مسه دم مكانه أعاد الصلاة وإن طرح الثوب عنه ساعة ماسه الدم ومضى في الصلاة أجزأه وإن تحرف فغسل الدم عنه كرهت ذلك له وأمرته بأن يعيد (قال الشافعي) وقد قيل يجزيه أن يغسل الدم ثم يبنى ولا آمره بهذا القول وآمره بالاعادة (قال الشافعي) فإن استيقن أن الدم أصاب بعض سلاحه أو ثيابه
ولا يعلم تأخى وترك الذى يرى ان الدم أصابه وصلى في غيره وأجزأه ذلك إن شاء الله تعالى فإن فعل فاستيقن أنه صلى في ثوب أو سلاح فيه نجاسة لم يطهرها قبل الصلاة أعاد كل ما صلاها فيه (قال الشافعي) وإن سلب مشركا سلاحا، أو اشترى منه وهو ممن يرى المشرك يمس سلاحه بنجس ما كان ولم يعلمه برؤية ولا خبر فله أن يصلى فيه ما لم يعلم أن في ذلك السلاح نجاسة ولو غسله قبل أن يصلى فيه أو توقى الصلاة فيه كان أحب إلى.
ما يلبس المحارب مما ليس فيه نجاسة وما لا يلبس والشهرة في الحرب أن يعلم نفسه بعلامة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو توقى المحارب أن يلبس ديباجا أو قزا ظاهرا كان أحب إلى وإن لبسه ليحصنه فلا بأس إن شاء الله تعالى لانه قد يرخص له في الحرب فيما يحظر عليه في غيره (قال الشافعي) والحرير والقز، ليس من الانجاس إنما كره تعبدا ولو صلى فيه رجل في غير حرب لم يعد (قال الشافعي) ولو كان في نسج الثوب الذى لا يحصن قز وقطن أو كتان فكان القطن الغالب لم أكره لمصل خائف ولا غيره لبسه فإن كان القز ظاهرا كرهت لكل مصل محارب وغيره لبسه وإنما كرهته للمحارب لانه لا يحصن إحصان ثياب القز (قال الشافعي) وإن لبس رجل قباء محشوا قزا، فلا بأس لان الحشو باطن وإنما أكره إظهار القز للرجال (قال الشافعي) فإن كانت درع حديد في شئ من نسجها ذهب أو كانت كلها ذهبا كرهت له لبسها إلا ان يضطر إليه فلا بأس أن يلبسها لضرورة وإنما أكره له أن يبقيها عنده لانه يجد بثمنها دروع حديد والحديد أحصن وليس في لبسه مكروه وإن فاجأته حرب وهى عنده فلا أكره له لبسها (قال الشافعي) وهكذا إن كانت في سيفه حلية ذهب كرهت له أن لا ينزعها فان فجأته حرب فلا بأس بأن يتقلده فإذا انقضت أحببت له نقضه وهكذا هذا في ترسه وجميع جنته حتى قبائه وإن كانت فيه أزرار ذهب أو زر ذهب كرهته له على هذا المعنى وكذلك منطقته وحمائل سيفه لان هذا كله جنة أو صلاح جنة (قال الشافعي) ولو كان خاتمة ذهبا لم أر له أن يلبسه في حرب ولا سلم بحال لان الذهب منهى عنه وليس في الخاتم جنة (قال الشافعي) وحيث كرهت له الذهب مصمتا في حرب وغيرها كرهت الذهب مموها به وكرهته مخوصا بغيره إذا كان يظهر للذهب لون وإن لم يظهر للذهب لون فهو مستهلك وأحب إلى أن لا يلبس ولا أرى حرجا في أن يلبسه(1/253)
كما قلت في حشو القز (قال الشافعي) ولا اكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للادب وأنه من زى النساء لا للتحريم ولا أكره لبس ياقوت ولا زبرجد إلا من جهة السرف أو الخيلاء (قال الشافعي) ولا أكره لمن يعلم من نفسه في الحرب بلاء أن يعلم ما شاء مما يجوز لبسه ولا أن يركب الابلق ولا الفرس ولا الدابة المشهورة قد أعلم حمزة يوم بدر، ولا أكره البراز قد بارز عبيدة وحمزة وعلى بأمر رسول الله صلى الله عيه وسلم (قال الشافعي) ويلبس في الحرب جلد الثعلب والضبع إذا كانا ذكيين وعليهما شعورهما فإن لم يكونا ذكيين ودبغا لبسهما إن سمطت شعورهما عنهما ويصلى فيهما وإن لم نسمط شعورهما لم يصل فيهما لان الدباغ لا يطهر الشعر (قال الشافعي) وهكذا يلبس جلد كل مذكى يؤكل لحمه ولا يلبس جلد ما يؤكل لحمه إذا لم يكن ذكيا إلا مدبوغا لا شعر عليه إلا أن يلبسه ولا يصلى فيه (قال الشافعي) وهكذا لا يصلى في جلد دابة لا يؤكل لحمها ذكية كانت أو غير ذكية إلا أن يدبغه ويمعط شعره فأما لو بقى من شعره شئ فلا يصلى فيه ولا يصلى في جلد خنزير ولا كلب بحال نزعت شعورهما ودبغا أو لم يدبغا (قال الشافعي) وكذلك لا يلبس الرجل فرسه شيئا من آلته جلد كلب أو خنزير بحال ولا يستمتع من واحد منهما بغير ما يستمتع به من الكلب في صيد أو ماشية أو زرع فأما ما سواهما فلا بأس أن يلبسه الرجل فرسه أو دابته ويستمتع به ولا يصلى فيه وذلك مثل جلد القرد والفيل والاسد والنمر والذئب والحية وما لا يؤكل لحمه لانه جنة للفرس ولا تعبد للفرس ولا نهى عن إهاب جنة في غير الكلب والخنزير (قال الشافعي) ولا بأس أن يصلى الرجل في الخوف ممسكا عنان دابته فإن نازعته فجذبها إليه جذبة أو جذبتين أو ثلاثا أو نحو ذلك وهو غير منحرف عن القبلة فلا بأس وإن كثرت مجاذبته إياها وهو غير منحرف عن القبلة فقد قطع صلاته وعليه استئنافها وإن جذبته فانصرف وجهه عن القبلة فأقبل مكانه على القبلة لم تقطع صلاته وإن طال انحرافه عن القبلة ولا يمكنه الرجوع إليها انتقضت صلاته لانه يقدر على أن يدعها إلى القبلة، وإن لم يطل وأمكنه أن ينحرف إلى القبلة فلم ينحرف إليها فعليه أن يستأنف صلاته (قال الشافعي) وإن ذهبت دابته فلا بأس أن يتبعها وإذا تبعها على القبلة شيئا يسرا لم تفسد صلاته وان تبعها كثيرا فسدت صلاته وإن تبعها منحرفا عن القبلة قليلا أو كثيرا،
فسدت صلاته.
الوجه الثاني من صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب الله عزوجل فإن خفتم فرجالا أو ركبانا أن الحال التى اذن لهم فيها أن يصلوا رجالا أو ركبانا غير الحال التى أمر فيها نبيه صلى الله عليه وسلم يصلى بطائفة ثم بطائفة فكان بينا لانه لا يؤذن لهم بأن يصلوا رجالا أو ركبانا إلا في خوف أشد من الخوف الذى أمرهم فيه بأن يصلى بطائفة ثم بطائفة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر صلاة الخوف فساقها ثم قال: فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، قال مالك: لا أراه يذكر ذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا محمد بن إسمعيل أو عبد الله بن نافع عن ابن أبى ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) والخوف الذى يجوز فيه أن يصلوا رجالا وركبانا والله(1/254)
تعالى أعلم إطلال العدو عليهم فيتراأون معا والمسلمون في غير حصن حتى ينالهم السلاح من الرمى أو أكثر من أن يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب فإن كان هذا هكذا والعدو من وجه واحد والمسلمون كثير يستقل بعضهم بقتال العدو حتى يكون بعض في شبيه بحال غير شدة الخوف منهم قاتلتهم طائفة وصلت أخرى صلاة غير شدة الخوف وكذلك لو كان العدو من وجهين أو ثلاثة أو محيطين بالمسلمين والعدو قليل والمسلمون كثير تستقل كل طائفة وليها العدو بالعدو حتى يكون من بين الطوائف التي يليها العدو في غير شدة الخوف منهم صلى هؤلاء الذين لا يلونهم صلاة غير شدة الخوف (قال الشافعي) فإن قدر هؤلاء الذين صلوا أن يدخلوا بين العدو وبين الطوائف التي كانت تلى قتال العدو حتى يصير الذين كانوا يلون قتالهم في مثل حال هؤلاء في غير شدة الخوف منهم فعلوا ولم يجز الذين يلون قتالهم إلا أن يصلوا صلاة غير شدة الخوف بالارض وإلى القبلة (قال الشافعي) وإذا تعذر هذا بالتحام الحرب أو خوف إن ولوا عنهم أن يركبوا أكتافهم ويروها هزيمة أو هيبة الطائفة التي صلت
بالدخول بينهم وبين العدو أو منع العدو ذلك لها أو تضايق مدخلهم حتى لا يصلوا إلى ان يكونوا حائلين بينهم وبين العدو كان للطائفة التى تليهم أن يصلوا كيفما أمكنهم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وقعودا على دوابهم ماكاتن دوابهم وعلى الارض قياما يومئون برؤوسهم إيماء (قال الشافعي) وإن كان العدو بينهم وبين القبلة فاستقبلوا القبلة ببعض صلاتهم ثم دار العدو عن القبلة داروا بوجوههم إليه ولم يقطع ذلك صلاتهم إذا جعلت صلاتهم كلها مجزئة عنهم إلى غير القبلة إذا لم يمكنهم غير ذلك جعلتها مجزئة إذا كان بعضها كذلك وبعضها أقل من كلها (قال الشافعي) وإنما تجزئهم صلاتهم هكذا إذا كانوا غير عاملين فيها ما يقطع الصلاة وذلك الاستدارة والتحرف والمشى القليل إلى العدو والمقام يقومونه فإذا فعلوا هذا أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو حمل العدو عليهم فترسوا عن أنفسهم أو دنا بعضهم منهم فضرب أحدهم الضربة بسلاحه أو طعن الطعنة أو دفع العدو بالشئ وكذلك لو أمكنته للعدو غرة ومنه فرصة فتناوله بضربة أو طعنة وهو في الصلاة أجزأته صلاته فأما إن تابع الضرب أو الطعن أو طعن طعنة فرددها في المطعون أو عمل ما يطول فلا يجزيه صلاته ويمضى فيها وإذا قدر على أن يصليها لا يعمل فيها ما يقطعها، أعادها ولا يجزيه غير ذلك (قال الشافعي) ولا يدعها في هذه الحال إذا خاف ذهاب وقتها ويصليها ثم يعيدها (قال الشافعي) وإذا عمد غى شئ من الصلاة كلمة يحذر بها مسلما أو يسترهب بها عدوا وهو ذاكر أنه في صلاته فقد انتقضت صلاته وعليه إعادتها متى أمكنه (قال الشافعي) وإن أمكنه صلاة شدة الخوف فصلاها ولم يعمل فيها ما يفسدها أجزأته وإن أمكنته صلاة غير شدة الخوف صلاها، وكذلك إن أمكنه غير صلاة الخوف صلاها.
إذا صلى بعض صلاته راكبا ثم نزل أو نازلا ثم ركب أو صرف عن القبلة وجهه أو تقدم من موضعه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن دخل في الصلاة في شدة الخوف راكبا ثم نزل فأحب إلى أن يعيد وإن لم ينقلب وجهه عن جهته لم يكن عليه إعادة لان النزول خفيف وإن انقلب وجهه عن جهته حتى تولى جهة قفاه أعاد لانه تارك قبلته (قال الشافعي) ولو طرحته دابة أو ريح في هذه الحال لم يعد إذا انحرف إلى القبلة مكانه حين أمكنه (قال الشافعي) وإن كان نازلا فركب فقد انتقضت صلاته لان(1/255)
الركوب عمل أكثر من النزول والنازل إلى الارض أولى بتمام الصلاة من الراكب (قال الشافعي) وإن لم يقدر على الصلاة إلا مقاتلا صلى وأعاد كل صلاة صلاها وهو مقاتل (قال الشافعي) وإن صلى صلاة شدة الخوف ثم أمكنه أن يصلى صلاة الخوف الاولى، بنى على صلاة شدة الخوف ولم يجزه إلا أن يصلى صلاة الخوف الاولى كما إذا صلى قاعدا ثم أمكنه القيام لم يجزه إلا القيام (قال الشافعي) وإذا صلوا رجالا وركبانا في شدة الخوف لم يتقدموا فإن احتاجوا إلى التقدم لخوف تقدموا ركبانا ومشاة وكانوا في صلاتهم بحالهم وإن تقدموا بلا حاجة ولا خوف فكان كتقدم المصلى إلى موضع قريب يصلى فيه فهم على صلاتهم وإن كان إلى موضع بعيد ابتدءوا الصلاة وكان هذا كالافساد للصلاة وهكذا إذا احتاجوا إلى ركوب ركبوا وهم في الصلاة فإن لم يحتاجوا إليه وركبوا ابتداءوا الصلاة ولو كانوا ركبانا فنزلوا من غير حاجة ليصلوا بالارض لم تفسد صلاتهم لان النزول عمل خفيف وصلاتهم بالارض أحب إلى من صلاتهم ركبانا (قال الشافعي) وإذا كانت الجماعة كامنة للعدو أو متوارية عنه بشئ ما، كان خندقا أو بناء أو سواد ليل فخافوا إن قاموا للصلاة رآهم العدو، فإن كانوا جماعة ممتنعين، لم يكن لهم أن يصلوا إلا قياما كيف أمكنتهم الصلاة فإن صلوا جلوسا فقد أساءوا وعليهم إعادة الصلاة وإن لم يكن بهم منعة وكانوا يخافون إن قاموا أن يروا (1) فيصطلحوا صلوا قعودا وكانت عليهم إعادة الصلاة والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وإن كان العدو يرونهم مطلين عليهم ودونهم خندق أو حصن أو قلعة أو جبل لا يناله العدو إلا بتكلف لا يغيب عن أبصار المسلمين أو أبصار الطائفة التى تحرسهم لم يجزهم أن يصلوا جلوسا ولا غير مستقبلي القبلة ولا يومئون ولا تجوز لهم الصلاة يومئون وجلوسا إلى غير القبلة إلا في حال مناظرة العدو ومساواته وإطلاله وقربه حتى ينالهم سلاحه إن أشرعها إليهم من الرمى والطعن والضرب ويكون حائل بينهم وبينه ولا تمنعهم طائفة حارسة لهم فإذا كان هكذا جاز لهم أن يصلوها رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وهذا من أكبر الخوف (قال الشافعي) وإن أسر رجل فمنع الصلاة فقدر على أن يصليها موميا صلاها ولم يدعها وكذلك إن لم يقدر على الوضوء وصلاها في الحضر صلاها متيمما وكذلك إن حبس تحت سقف لا يعتدل فيه قائما أو ربط فلم يقدر على ركوع ولا على سجود صلاها كيف قدر ولم يدعها وهى تمكنه بحال وعليه في كل حال من هذه الاحوال قضاء ما صلى
هكذا من المكتوبات وكذلك إن منع الصوم فعليه قضاؤه متى أمكنه (قال الشافعي) وإن حمل على شرب محرم أو أكل محرم يخاف إن لم يفعله ففعله، فعليه إن قدر على أن يتقايأ أن يتقايأ إذا صلى وهو ممسك عنان دابته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا بأس أن يصلى الرجل في الخوف ممسكا عنان دابته فإن نازعته فجبذها إليه جبذة أو اثنتين أو ثلاثا أو نحو ذلك وهو غير منحرف عن القبلة فلا بأس وإن كثرت مجابذته إياها وهو غير منحرف عن القبلة فقد قطع صلاته وعليه استئنافها، وإن جبذته فانصرف وجهه عن القبلة فأقبل مكانه على القبلة لم تقطع صلاته وإن طال انحرافه عن القبلة ولا يمكنه الرجوع إليها انتقضت صلاته لانه يقدر على أن يدعها وإن لم يطل وأمكنه ان ينحرف عن القبلة فلم ينحرف إليها ]
__________
(1) قوله: فيصطلموا الخ، اصطلم القوم: أبيدوا من أصلهم اه كتبه مصححه.(1/256)
[ فعليه ان يستأنف صلاته (قال الشافعي) فإن ذهبت دابته فلا بأس أن يتبعها فإذا تبعها على القبلة شيئا يسيرا لم تفسد صلاته فإن تبعها كثيرا فسدت صلاته.
إذا صلوا رجالا وركبانا هل يقاتلون وما الذى يجوز لهم من ذلك؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن لم يقدر على الصلاة إلا مقاتلا صلى وأعاد كل صلاته يصليها وهو مقاتل.
من له من الخائفين أن يصلى صلاة الخوف؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يصلى صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لان الله عزوجل أمر بها في قتال المشركين فقال في سياق الآية " ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم " الآية (قال الشافعي) وكل جهاد كان مباحا يخاف أهله كان لهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف لان المجاهدين عليه مأجورون أو غير مأزورين وذلك جهاد أهل البغى الذين أمر الله عزوجل بجهادهم وجهاد قطاع الطريق ومن أراد من مال رجل أو نفسه أو حريمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل دون ماله فهو شهيد " (قال الشافعي) فأما من قاتل وليس له القتال
فخاف فليس له أن يصلى صلاة الخوف من شدة الخوف يومئ إيماء وعليه إن فعل أن يعيدها ولا له أن يصلى صلاة الخوف في خوف دون غاية الخوف إلا أن يصليها صلاة لو صلاها غير خائف أجزأت عنه (قال الشافعي) وذلك من قاتل ظلما مثل أن يقطع الطريق أو يقاتل على عصبية أو يمنع من حق قبلة أو أي وجه من وجوه الظلم قاتل عليه.
في أي خوف تجوز فيه صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا خافت الجماعة القليلة السبع أو السباع فصلوا صلاة الخوف كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع أجزأهم ذلك إن شاء الله تعالى وأحب إلى أن تصلى منهم طائفة بإمام ثم أخرى بإمام آخر وإذا خافوا الحريق على متاعهم أو منازلهم فأحب إلى أن يصلوا جماعة ثم جماعة أو فرادى ويكون من لم معهم في صلاة في إطفاء النار (قال الشافعي) وإن كانوا سفرا فغشيهم حريق فتنحوا عن سنن الريح لم يكن لهم أن يصلوا إلا كما يصلون في كل يوم وكذلك إن كانوا حضورا فغشى الحريق لهم أهلا أو مالا أو متاعا (قال الشافعي) وإن غشيهم غرق تنحوا عن سننه وكذلك إن غشيهم هدم تنحوا عن مسقطه لم يكن لهم إلا ذلك (قال الشافعي) فإن صلوا في شئ من هذا صلاة خوف تجزئ عن خائف أجزأت الصلاة عنهم.
في طلب العدو (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا طلب العدو المسلمين وقد تحرفوا لقتال أو تحيزوا إلى فئة(1/257)
فقاربوهم، كان لهم أن يصلوا صلاة الخوف ركبانا ورجالا يومئون إيماء حيث توجهوا على قبلة كانوا أو على غير قبلة وكذلك لو كانوا على قبلة ثم رأوا طريقا خيرا لهم من جهة القبلة سلكوا عليها وإن انحرفوا عن القبلة (قال الشافعي) وإن رجع عنهم الطلب أو شغلوا أو أدركوا من يمتنعون به من الطلب وقد افتتحوا الصلاة ركبانا، لم يجزهم إلا أن ينزلوا على صلاتهم مستقبلي القبلة كما وصفت في صلاة الخوف التى ليس بشدة الخوف وإن كانوا يمتنعون ممن رأوا ولا يأمنون طلبا أن يمتنعوا منه، كان لهم أن يتموا على أن يصلوا ركبانا (قال الشافعي) وهكذا لو تفرقوا هم والعدو فابتدءوا الصلاة بالارض ثم
جاءهم طلب كان لهم أن يركبوا ويتموا الصلاة ركبانا يومئون إيماء وكذلك لهم إن قعدوا رجالة (قال الشافعي) وهكذا أي عدو طلبهم من أهل البغى وغيرهم إذ كانوا مظلومين (قال الشافعي) وهكذا إن طلبهم سبع أو سباع (قال الشافعي) وهكذا لو غشيهم سيل لا يجدون نجوة كان لهم أن يصلوا يومئون عدوا على أرجلهم وركابهم فإن أمكنتهم نجوة لهم ولركابهم ساروا إليها وبنوا على ما مضى من صلاتهم قبل تمكنهم وإن أمكنتهم نجوة لابدانهم ولا تمكنهم لركابهم كان لهم أن يمضوا ويصلوا صلاة الخوف على وجوههم (قال الشافعي) وإن أمكنهم نجوة يلتقى من ورائها واديان فيقطعان الطريق كانت هذه كلا نجوة وكان لهم أن يصلوا صلاة الخوف يومئون عدوا وإنما لا يكون ذلك لهم إذا كان لهم طريق يتنكب عن السيل (قال الشافعي) وإن غشيهم حريق كان هذا لهم ما لم يجدوا نجوة من جبل يلوذون به يأمنون به الحريق أو تحول ريح ترد الحريق أو يجدون ملاذا عن سنن الحريق فإذا وجدوا ذلك بنوا على صلاتهم مستقبلي القبلة بالارض لا يجزيهم غير ذلك، فإن لم يفعلوا أعادوا الصلاة (قال الشافعي) وإن طلبه رجل صائل فهو مثل العدو والسبع وكذلك الفيل، له أن يصلى في هذا كله يومئ إيماء حتى يأمنه (قال الشافعي) وكذلك إن طلبته حية أو عدو ما كان مما ينال منه قتلا أو عقرا، فله أن يصلى صلاة شدة الخوف يومئ أين توجه (قال الشافعي) فإذا تفرق العدو ورجع بعض المسلمين إلى موضع فرأوا سوادا من سحاب أو غيره إبل أو جماعة ناس ليس بعدو أو غبار وقرب منه حتى لو كان عدوا ناله سلاحه فظن أن كل ما رأى من هذا عدوا فصلى صلاة شدة الخوف يومئون إيماء ثم بان لهم أن لم يكن شئ منه عدوا، أعادوا تلك الصلاة (قال الشافعي) ولو صلى تلك الصلاة ثم لم يبن له شئ من عدو ولم يدر أعدو هو أم لا؟ أعاد تلك الصلاة إنما يكون له أن يصليها على رؤية يعلم بعد الصلاة وقبلها أنها حق أو خبر وإن لم تكن رؤية يعلم أنه حق لان الخبر عيان كعلمه أنه حق، فإما إذا شك فيعيد الصلاة لانه على غير يقين من أن صلاته تلك مجزئة عنه (قال الشافعي) ولو جاء خبر عن عدو فصلى تلك الصلاة ثم ثبت عنده أن العدو قد كان يطلبه ولم يقرب منه القرب الذى يخاف رهقه منه كان عليه أن يعيد وكذلك أن يطلبه وبينه وبين النجاة منه والمصير إلى جماعة يمتنع منه بها أو مدينة يمتنع فيها الشئ القريب الذي يحيط العلم أن العدو لا يناله على سرعة العدو وإبطاء المغلوب حتى يصير إلى
النجاة وموضع الامتناع أو يكون خرجت إليه جماعة تلقاه معينة له على عدوه فقرب ما بينه وبينها حتى يحيط العلم ان الطلب لا يدركه حتى يصير إلى تلك الجماعة الممتنعة أو تصير إليه فمن صلى في هذه الحال مومئا إعاده كله (قال الشافعي) وكذلك إن طلبه العدو وبينه وبين العدو اميال لم يكن له أن يصلى مومئا وكان عليه أن يصلى بالارض ثم يركب فينجو، وسواء كان العدو ينزل لصلاة أو لا ينزل لها (قال الشافعي) وإن كان المسلمون هم الطالبين لم يكن لهم أن يصلوا ركبانا ولا مشاة يومئون إيماء إلا في حال واحدة أن يقل الطالبون عن المطلوبين وينقطع الطالبون عن أصحابهم فيخافون عودة المطلوبين(1/258)
عليهم فإذا كان هذا هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء ولم يكن لهم الامعان في الطلب فكان عليهم العودة إلى أصحابهم وموضع منعتهم ولم يكن لهم أن ينتقلوا بالطلب حتى يضطروا إلى أن يصلوا المكتوبة إيماء (قال الشافعي) ومثله أن يكثروا ويمنعوا حتى يتوسطوا بلاد العدو فيقلوا في كثرة العدو فيكون عليهم أن يرجعوا ولهم أن يصلوا في هذه الحال مومئين إذا خافوا عودة العدو إن نزلوا ولا يكون لهم أن يمعنوا في بلاد العدو ولا طلبه إذا كانوا يضطرون إلى ان يومئوا إيماء ولهم ذلك ما كانوا عند أنفسهم لا يضطرون إليه (قال الشافعي) وإذا صلوا يومئون إيماء فعاد عليهم العدو من جهة، توجهوا إليهم وهم في صلاتهم ولا يقطعونها، وداروا معهم أين داروا (قال الشافعي) ولا يقطع صلاتهم توجههم إلى غير القبلة ولا أن يترس أحدهم عن نفسه أو يضرب الضربة الخفيفة أو رهقة عدو أو يتقدم التقدم الخفيف عليه برمح أو غيره فإن اعاد الضرب وأطال التقدم قطع صلاته وكان عليه إذا أمكنه أن يصلى غير مقاتل ومتى لم يمكنه ذلك صلى وهو يقاتل وأعاد الصلاة إذا أمكنه ذلك ولا يدع الصلاة في حال يمكنه أن يصلى فيها (قال الشافعي) وإن كان المسلمون مطلوبين متحيزين إلى فئة أو متحرفين لقتال صلوا يومئون ولم يعيدوا إذا قدروا على الصلاة بالارض وإن كانوا مولين المشركين أدبارهم غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة فصلوا يومئون أعادوا لانهم حينئذ عاصون والرخصة عندنا لا تكون إلا لمطيع فأما العاصي فلا.
قصر الصلاة في الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى والخوف في الحضر والسفر سواء فيما يجوز من الصلاة وفيه إلا أنه ليس للحاضر أن يقصر الصلاة وصلاة الخوف في السفر الذى لا تقصر فيه الصلاة كهو في الحضر ولا تقصر بالخوف الصلاة دون غاية تقصر إلى مثلها الصلاة في سفر ليس صاحبه بخائف (قال) وقد قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بذى قرد ولو ثبت هذا عندي لزعمت أن الرجل إذا جمع الخوف وضربا في الارض، قريبا أو بعيدا، قصر فإذا لم يثبت فلا يقصر الخائف إلا أن يسافر السفر الذى إن سافره غير خائف قصر الصلاة (قال الشافعي) وإذا أغار المسلمون في بلاد المشركين لم يقصروا إلا أن ينووا من موضعهم الذى أغاروا منه الاغارة على موضع تقصر إليه الصلاة، فإذا كانت نيته أن يغير إلى موضع تقصر فيه الصلاة فإذا وجد مغارا دونه أغار عليه ورجع لم يقصر حتى يفرد النية لسفر تقصر فيه الصلاة (قال الشافعي) وهكذا هو إذا غشينا (قال الشافعي) وإذا فعل ما وصفت فبلغ في مغاره ما تقصر فيه الصلاة كان له قصر الصلاة راجعا إن كانت نيته العودة إلى عسكره أو بلده وإن كان نيته مغارا حيث وجده فيما بينه وبين الموضع الذى يرجع إليه لم يقصر راجعا، وكان كهو بادئا لا يقصر لان نيته ليست قصد وجه واحد تقصر إليه الصلاة (قال الشافعي) ولو بلغ في مغاره موضعا تقصر فيه الصلاة من عسكره الذى يرجع إليه ثم عزم على الرجوع إلى عسكره كان له أن يقصر فإن سافر قليلا وقصر أو لم يقصر ثم حدثت له نية في ان يقصد قصد مغار حيث وجده كان عليه أن يتم، ولا يكون القصر أبدا إلا أن يثبت سفره ينوى بلدا تقصر إلى مثله الصلاة (قال الشافعي) وإذا غزا الامام العدو فكان سفره مما تقصر فيه الصلاة ثم أقام لقتال مدينة أو عسكر اورد السرايا أو لحاجة أو عرجة في صحراء أو إلى مدينة أو في مدينة من بلاد العدو أو بلاد الاسلام وكل ذلك سواء فإن أجمع(1/259)
مقام أربع أتم وأن لم يجمع مقام أربع لم يتم فإن ألجأت به حرب أو مقام لغير ذلك فاستيقن مقام أربع أتم وإن لم يستيقن قصر ما بينه وبين ثمانى عشرة ليلة فان جاوز ذلك أتم، فإذا شخص عن موضعه قصر، ثم هكذا كلما أقام وسافر لا يختلف (قال الشافعي) وإذا غزا أحد من موضع لا تقصر فيه الصلاة أتم الصلاة وإن كان الامام مقيما فصلى صلاة الخوف بمسافرين ومقيمين أتموا معا وكذلك يتم
من المسافرين من دخل معه قبل أن يسلم من الصلاة فإذا صلى صلاة خوف فصلى الركعة الاولى وهو مسافر بمسافرين ومقيمين ثبت قائما يقرأ حتى يقضى المسافرون ركعة والمقيمون ثلاثا ثم ينصرفون وتأتى الطائفة الاخرى ويصلى لهم الركعة التي بقيت ويثبت جالسا حتى يقضي المسافرون ركعة والمقيمون ثلاثا ولو سلم ولم ينتظر الآخرين أجزأته صلاته وأجزأتهم صلاتهم إذا قصر وأكره ذلك له، وصلاة الخوف في البر والبحر سواء، لا تختلف في شئ.
ما جاء في الجمعة والعيدين في الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يدع الامام الجمعة ولا العيد ولا صلاة الخسوف إذ أمكنه أن يصليها ويحرس فيها ويصليها كما يصلى المكتوبات في الخوف وإذا كان شدة الخوف صلاها كما يصلى المكتوبات في شدة الخوف يومئ إيماء ولا تكون الجمعة إلا بأن يخطب قبلها فإن لم يفعل صلاها ظهرا أربعا وإذا صلى العيدين أو الخسوف خطب بعدهما فإن أعجل فترك الخطبة لم تكن عليه إعادة وإن شغل بالحرب أحببت أن يوكل من يصلى، فإن لم يفعل حتى تزول الشمس في العيدين لم يقض وإن لم يفعل حتى تنجلي الشمس والقمر في الكسوف لم يقض وإن لم يفعل حتى يدخل وقت العصر في الجمعة لم يقض وصلى الظهر أربعا (قال الشافعي) وهذا إذا كان خائفا بمصر تجمع فيه الصلاة مقيما كان أو مسافرا، غير أنه إذا كان مسافرا فلم يصل الجمعة صلى الظهر ركعتين وأتم أهل المصر لانفسهم (قال الشافعي) وإذا أجدب وهو محارب فلا بأس ان يدع الاستسقاء وإن كان في عدد كثير ممتنع فلا بأس أن يستسقى ويصلى في الاستسقاء صلاة الخوف في المكتوبات، وإن كانت شدة الخوف لم يصل في الاستسقاء لانه يصلح له تأخيره ويصلي في العيدين والخسوف لانه لا يصلح له تأخيرهما وإذا كان الخوف خارجا من المصر في صحراء له تأخيره ويصلى في العيدين والخسوف لانه لا يصلح له تأخيرهما وإذا كان الخوف خارجا من المصر في صحراء تقصر فيها الصلاة أو لا تقصر فلا يصلون الجمعة ويصلونها ظهرا وكذلك لا أحضهم على صلاة العيدين وإن فعلوا لم أكرهه لهم، ولهم أن يستسقوا، ولا أرخص لهم في ترك صلاة الكسوف وإنما أمرتهم بصلاة الكسوف لانه يصليها السفر ولم أكره لهم صلاة العيدين لانه يجوز أن يصليها المنفرد وكذلك أيضا صلاة الاستسقاء فأما الجمعة فلا
تجوز لانها إحالة مكتوبة إلى مكتوبة إلا في مصر وجماعة.
تقديم الامام في صلاة الخوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أحدث الامام في صلاة الخوف فهو كحدثه في غير صلاة الخوف وأحب إلى أن لا يستخلف أحدا، فإن كان أحدث في الركعة الاولى أو بعدما صلاها وهو(1/260)
واقف في الآخر فقرأ ولم تدخل معه الطائفة الثانية، قضت الطائفة الاولى ما عليهم من الصلاة وأما الطائفة الاخرى إمام منهم أو صلوا فرادى، ولو قدم رجلا فصلى بهم أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) وإذا أحدث الامام وقد صلى ركعة وهو قائم يقرأ ينتظر فراغ التى خلفه وقف الذى قدم كما يقف الامام وقرأ في وقوفه، فإذا فرغت الطائفة التي خلفه ودخلت الطائفة التى وراءه قرأ بأم القرآن وقدر سورة ثم ركع بهم (1) وكان في صلاتهم لهم كالامام الاول لا يخالفه في شئ إذا أدرك الركعة الاولى مع الامام الاول وانتظرهم حتى يشهدوا ثم يسلم بهم (قال الشافعي) وإن كان الامام الذى قدمه المحدث مقيما والذى قدم آخرا مسافرا فسواء، وعليه صلاه مقيم إذا دخل مع الامام في الصلاة قبل أن يحدث وإن كان الامام الذى قدمه مسافرا والرجل الذى قدمه مقيما وقد صلى المحدث ركعة فعلى المقدم أن يتقدم فيصلى ركعة ثم يثبت جالسا ويصلى من خلفه من المسافرين والمقيمين ركعتين ركعتين يتشهدون ويسلمون لانهم قد صاروا إلى صلاة مقيم فعليهم التمام، ثم تأتى الطائفة الاخرى فيصلى بهم الركعتين اللتين بقيتا من صلاته ويقومون فيقضون لانفسهم ركعتين ثم يسلم بهم ولا يجزيهم غير ذلك لان كلا دخل مع إمام مقيم في صلاته (قال الشافعي) وإن كان الذى قدم الامام لن يدخل في صلاة الامام حتى أحدث الامام فقدمه الامام فإن كان الامام المحدث لم يركع من الصلاة ركعة وقد كبر المقدم معه قبل أن يحدث فله أن يتقدم وعليه إذا تقدم أن يقرأ بأم القرآن وأن يزيد معها شيئا أحب إلى ثم يصلى بالقوم فإن كان مقيما صلى أربعا وإن كان مسافرا صلى ركعتين لانه مبتدئ بالصلاة بهم (2) فسواء كان الامام الذى قدمه مقيما فعلى من أدرك معه الصلاه قبل أن يحدث من المسافرين أن يصلوا أربعا وليس ذلك على من لم يدرك معه الصلاة قبل أن يحدث من المسافرين فأما المقيمون فيصلون أربعا
بكل حال (قال الشافعي) وإن كان الامام المحدث صلى ركعة من صلاته ثم قدم رجلا لم يدرك معه من الصلاة شيئا فليس له أن يتقدم، فإن تقدم فعليه استئناف الصلاة وإن استأنفها فتبعه من خلف الامام ممن أدرك صلاة الامام قبل أن يخرج منها صلى معه الركعة أو لم يصلها (3) فعليهم معا الاعادة لان من أدرك معه الركعة يزيد في صلاته عامدين غير ساهين ولا ساه إمامه، ومن صلى معه ممن لم يدرك الصلاة مع الامام المحدث فصلاته عنه مجزئة (قال الشافعي) وإن بنى هو على صلاة الامام فصلاته فاسدة لانه لا داخل مع الامام في صلاته فيتبعها ولا مبتدئ لنفسه فيعمل عمل المبتدئ وكذلك صلاة من خلفه كلهم فاسدة لانه رجل عمد أن يقلب صلاته (قال الشافعي) وإن كان كبر مع الامام قبل أن يحدث الامام وقد صلى الامام ركعة بنى على صلاة الامام كأنه الامام لا يخالفه إلا فيما سأذكره إن شاء الله تعالى حتى يتشهد في آخر صلاة الامام وذلك أن يكون الامام أكمل ركعة وثبت قائما ثم قدمه فيثبت قائما حتى تقضى الطائفة الاولى وتسلم وتأتى الطائفة الاخرى فيصلى بهم الركعة التى ]
__________
(1) قوله: وكان في صلاتهم لهم، كذا في النسخ، ولعله تحريف من الناسخ والاليق " وكان في صلاته لهم " تأمل.
(2) قوله: فسواء كان الخ هذا تحريف من الناسخ ووجهه " فلو كان الامام " كما يدل عليه بقية الكلام، تأمل.
(3) قوله: فعليهم معا الاعادة لان من أدرك الخ يتأمل أيضا، فإن التعليل قاصر، ولعل في الكلام سقطا من الناسخ.
كتبه مصححه.(1/261)
[ بقيت على الامام ويجلس ويتشهد حتى تقضى الطائفة الاخرى فإذا قضوا التشهد قدم رجلا منهم فسلم بهم ثم قام هو وبنى لنفسه حتى تكمل صلاته (قال الشافعي) ولو لم يزد على أن يصلى ركعة ثم يجلس للتشهد فيسلم ولا ينتظر الطائفة حتى تقضي فيسلم بها كرهت ذلك له ولا تفسد صلاته ولا صلاتهم (قال الشافعي) ولو ان إماما ابتدأ صلاة الخوف ثم أحدث فقدم رجلا ممن خلفه فلم يقض من الصلاة شيئا حتى حدث لهم أمن، إما لجماعة كثرت وقل العدو، وإما بتلف العدو أو غير ذلك من وجوه
الامن، صلى الامام المقدم صلاة أمن بمن خلفه وجاءت الطائفة فصلت معهم لان الخوف قد ذهب فإن لم تفعل حتى صلى بها إمام غيره (1) أو صلت فرادى وكانوا كقوم لم يصلوا مع الجماعة الاولى لعذر (قال الشافعي) ولو كان خوف يوم الجمعة وكان محروسا إذا خطب بطائفة وحضرت معه طائفة الخطبة ثم صلى بالطائفة التى حضرت الخطبة ركعة وثبت قائما قائموا لانفسهم بقراءة يجهرون فيها ثم وقوفا بازاء العدو وجاءت الطائفة التي لم تصل فصلت معه الركعة التى بقيت عليه من الجمعة وثبت جالسا فأتموا لانفسهم ثم سلم بهم ولو انصرفت الطائفة التى حضرت الخطبة حين فرغ من خطبته فحرسوا الامام وجاءت الطائفة التى لم تحضر فصلى بهم لم يجزه أن يصليها بهم إلا ظهرا أربعا لانه قد ذهب عنه من حضر الخطبة فصار كإمام خطب وحده ثم جاءته جماعة قبل أن يصلى فصلى بهم (قال الشافعي) ولو كان بقى معه أربعون رجلا ممن حضر الخطبة فصلى بهم وبالطائفة التى تحرسه ركعة وثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم جاءت الطائفة التى كانت حاضرة خطبته ثم لم تدخل في صلاته حتى حرست العدو فصلى بهم ركعة أجزأتهم صلاته لانه قد صلى بأربعين رجلا حضروا الخطبة وزادت جماعة لم يحضروا الخطبة (قال الشافعي) ولو شغلوا بالعدو فلم يحضروا الخطبة ويدخل معه في الصلاة أربعون رجلا لم يكن له أن يصلى صلاة الجمعة وكان عليه أن يصلى ظهرا أربعا صلاة الخوف الاولى إن امكنه أو صلاته عند شدة الخوف أن لم يمكنه (قال الشافعي) ولو لم يمكنه صلاة الجمعة فصلى ظهرا أربعا ثم حدثت للعدو حال أمكنه فيها أن يصلى الجمعة لم يجب عليه ولا على من صلى خلفه إعادة الجمعة ووجب على من لم يصل معه إن كانوا أربعين أن يقدموا رجلا فيصلى بهم الجمعة فإن لم يفعلوا وصلوا ظهرا كرهت لهم ذلك وأجزأت عنهم (قال الشافعي) ولو أعاد هو ومن معه صلاة الجمعة مع إمام غيره لم أكره ذلك وإن اعادها هو إماما ومن معه مأمومين لم أكره ذلك للمأمومين وكرهته للامام ولا إعادة على من صلاها خلفه ممن صلاها أو لم يصلها إذا صلى في وقت الجمعة.
كتاب صلاة العيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى في سياق شهر رمضان " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى
تروه " يعنى الهلال فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (قال الشافعي) وإذا صام الناس شهر ]
__________
(1) وقوله: " أوصلت فرادى وكانوا كقوم " كذا في النسخ بدون ذكر للجواب ولعله سقط من الناسخ والاصل أجزأتهم صلاتهم وكانوا الخ وكذا سقط مثل هذا الجواب في الفرع بعده قبل قوله، ولو انصرفت الخ تأمل كتبه مصححه.(1/262)
[ رمضان برؤية أو شاهدين عدلين على رؤية ثم صاموا ثلاثين يوما ثم غم عليهم الهلال أفطروا ولم يريدوا شهودا (قال) وإن صاموا تسعا وعشرين يوما ثم غم عليهم لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين أو يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة ثلاثين (قال الشافعي) يقبل فيه شاهدان عدلان في جماعة الناس ومنفردين ولا يقبل على الفطر أقل من شاهدين عدلين ولا في مقطع حق لان الله تعالى أمر بشاهدين وشرط العدل في الشهود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي إبراهيم بن محمد عن إسحق بن عبد الله عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يجيز في الفطر إلا شاهدين (قال الشافعي) فإن شهد شاهدان في يوم ثلاثين أن الهلال كان بالامس، أفطر الناس أي ساعة عدل الشاهدان، فإن عدلا قبل الزوال صلى الامام بالناس صلاة العيدين وإن لم يعدلا حتى تزول الشمس لم يكن عليهم أن يصلوا يومهم بعد الزوال ولا الغد لانه عمل في وقت فإذا جاوز ذلك الوقت لم يعمل في غيره، فإن قال قائل: ولم لا يكون النهار وقتا له؟ قيل له: إن شاء الله تعالى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صلاة العيد بعد طلوع الشمس وسن مواقيت الصلاة وكان فيما سن دلالة على أنه إذا جاء وقت صلاة مضى وقت التى قبلها فلم يجز أن يكون آخر وقتها إلا إلى وقت الظهر لانها صلاة تجمع فيها ولو ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس من الغد إلى عيدهم قلنا به وقلنا أيضا فإن لم يخرج بهم من الغد خرج بهم من بعد الغد وقلنا يصلى في يومه بعد الزوال إذا جاز أن يزول فيه ثم يصلى جاز في هذه الاحوال كلها ولكنه لا يثبت عندنا والله تعالى أعلم، ولو شهد شاهدان أو أكثر فلم يعرفوا بعدل أو جرحوا فلهم أن يفطروا وأحب لهم أن يصلوا صلاة العيد لانفسهم جماعة وفرادى مستترين ونهيتهم أن يصلوها ظاهرين وإنما أمرتهم أن يصلوا مستترين ونهيتهم أن يصلوا ظاهرين لئلا ينكر عليهم ويطمع أهل الفرقة في فراق
عوام المسلمين (قال) وهكذا لو شهد واحد فلم يعدل لم يسعه إلا الفطر ويخفى فطره لئلا يسئ أحد الظن به ويصلى العيد لنفسه ثم يشهد بعد إن شاء العيد مع الجماعة فيكون نافلة خيرا له ولا يقبل فيه شهادة النساء العدول ولا شهادة أقل من شاهدين عدلين وسواء كانا قرويين أو بدويين (قال) وإن غم عليهم فجاءهم شاهدان بأن هلال شهر رمضان رئى عشية الجمعة نهارا بعد الزوال أو قبله فهو هلال ليلة السبت لان الهلال يرى نهارا وهو هلال الليلة المستقبلة لا الليلة الماضية ولا يقبل فيه إلا رؤيته ليلة كذا فأما رؤيته بنهار فلا يدل على أنه رئى بالامس وإن غم عليهم فأكملوا العدة ثلاثين ثم ثبت عندهم بعدما مضى النهار في أول الليل أو آخره أنهم صاموا يوم الفطر إما بأن يكون قد رأوا هلال شهر رمضان رئى قبل رؤيتهم وإما أن يكون قد رأوا هلال شوال ليلة ثلاثين أفطروا من يومهم وخرجوا للعيد من غدهم وهم مخالفون للذين علموا الفطر قبل أن يكملوا الصوم لان هؤلاء لم يعلموه إلا بعد إكمالهم الصوم فلم يكونوا مفطرين بشهادة أولئك علموه وهم في الصوم فأفطروا بشهادة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد المطلب عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الفطر يوم تفطرون والاضحى يوم تضحون " (قال الشافعي) فبهذا نأخذ وإنما كلف العباد الظاهر ولم يظهر على ما وصفت أن أفطر إلا يوم أفطرنا (قال) ولو كان الشهود شهدوا لنا على ما يدل أن الفطر يوم الخميس (1) فلم يعدلوا أكملنا ]
__________
(1) قوله: " فلم يعدلوا أكملنا " كذا في النسخ، ويظهر ان فيه سقطا من الناسخ ولعل الاصل " فلم يعدلوا وأكملنا " أو نحو ذلك، تأمل.
كتبه مصححه.(1/263)
[ صومه فعدلوا ليلة المجمعة أو يوم الجمعة، لم نخرج للعيد لانا قد علمنا أن الفطر كان يوم الخميس قبل يكمل صومه وإنما وقفناه على تعديل البينة فلما عدلت كان الفطر يوم الخميس بشهادتهم (قال) ولو لم يعدلوا حتى تحل صلاة العيد صليناها وإن عدلوا بعد ذلك لم يضرنا (قال) وإذا عدلوا فإن كنا نقصنا من صوم شهر رمضان يوم بأنه خفى علينا أو صمنا يوم الفطر قضينا يوما (قال الشافعي) والعيد يوم الفطر نفسه، والعيد الثاني يوم الاضحى نفسه وذلك يوم عاشر من ذى الحجة.
وهو اليوم الذى يلى
يوم عرفة (قال) والشهادة في هلال ذى الحجة ليستدل على يوم عرفة ويوم العيد وأيام منى كهى في الفطر لا تختلف في شئ يجوز فيها ما يجوز فيها ويرد فيها ما يرد فيها ويجوز الحج إذا وقف بعرفة على الرؤية وإن علموا بعد الوقوف بعرفة أن يوم عرفة يوم النحر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء رجل حج فأخطأ الناس يوم عرفة أيجزى عنه؟ قال: نعم إى لعمري إنها لتجزى عنه (قال الشافعي) وأحسبه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون " أراه قال: " وعرفة يوم تعرفون ".
العبادة ليلة العيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبى الدرداء قال: " من قام ليلة العيد محتسبا لم يمت قلبه حين تموت القلوب " (قال الشافعي) وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة وليلة الاضحى وليلة الفطر وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال رأيت مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العيد فيدعون ويذكرون الله حتى تمضى ساعة من الليل، وبلغنا أن عمر كان يحيى ليلة جمع وليلة جمع هي ليلة العيد لان صبيحتها النحر (قال الشافعي) وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالى من غير أن يكون فرضا.
التكبير ليلة الفطر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في شهر رمضان " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم " قال فسمعت من أرضي من أهل العلم بالقرآن أن يقول لتكملوا العدة عدة صوم شهر رمضان وتكبروا والله؟ عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر رمضان (قال الشافعي) وما أشبه ما قال بما قال والله تعالى أعلم (قال الشافعي) فإذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والاسواق والطرق والمنازل ومسافرين ومقيمين في كل حال وأين كانوا وأن يظهروا التكبير ولا يزالون يكبرون حتى يغدوا إلى المصلى وبعد الغدو حتى يخرج
الامام للصلاة ثم يدعوا التكبير وكذلك أحب في ليلة الاضحى لمن لم يحج فأما الحاج فذكره التلبية أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى صالح بن محمد ابن زائدة أنه سمع ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة وأبا بكر بن عبد الرحمن يكبرون ليلة الفطر في المسجد يجهرون(1/264)
بالتكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى صالح بن محمد بن زائدة عن عروة بن الزبير وأبى سلمة بن عبد الرحمن أنهما كانا يجهران بالتكبير حين يغدوان إلى المصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى يزيد بن الهاد أنه سمع نافع بن جبير يجهر بالتكبير حين يغدو إلى المصلى يوم العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال اخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى بن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا غدا إلى المصلى يوم العيد كبر فيرفع صوته بالتكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى يوم العيد ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الامام ترك التكبير.
الغسل للعيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضى الله عنه كان يغتسل يوم العيد ويوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد أن يحرم (قال الشافعي) وأستحب هذا كله وليس من هذا شئ أوكد من غسل الجمعة وإن توضأ رجوت أن يجزئه ذلك إن شاء الله تعالى إذا صلى على طهارة (قال) وليس لاحد أن يتيمم في المصر لعيد ولا جنازة وإن خاف فوتهما ولا له أن يكون فيهما إلا طاهرا كطهارته للصلاة المكتوبة لان كلا صلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني يزيد بن أبى عبيد مولى سلمة عن سلمة بن الاكوع أنه كان يغتسل يوم العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا صالح بن محمد بن زائدة عن عروة بن الزبير قال: السنة أن يغتسل يوم العيدين، أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال الغسل في العيدين سنة (قال الشافعي) كان مذهب سعيد وعروة في أن الغسل في العيدين سنة أنه أحسن وأعرف وأنظف وأن قد فعله قوم صالحون لا أنه حتم بأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني المطلب بن السائب عن ابن أبى وداعة عن سعيد ابن المسيب أنه كان يغتسل يوم العيدين إذا غدا إلى المصلى.
وقت الغد وإلى العيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى أبو الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران " أن عجل الغدو إلى الاضحى وأخر الفطر وذكر الناس " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة أن الحسن قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى العيدين الاضحى والفطر حين تطلع الشمس فيتتام طلوعها (قال الشافعي) يغدو إلى الاضحى قدر ما يوافي المصلى حين تبرز الشمس وهذا أعجل ما يقدر عليه ويؤخر الغدو إلى الفطر عن ذلك قليلا غير كثير (قال) والامام في ذلك في غير حال الناس أما الناس فأحب أن يتقدموا حين ينصرفون من(1/265)
الصبح لياخذوا مجالسهم ولينتظروا الصلاة فيكونوا في أجرها إن شاء الله تعالى ما داموا ينتظرونها وأما الامام فإنه إذا غدا لم يجعل وجهه إلا إلى المصلى فيصلى وقد غدا قوم حين صلوا الصبح وآخرون بعد ذلك وكل ذلك حسن (قال الشافعي) وإن غدا الامام حين يصلى الصبح وصلى بعد طلوع الشمس لم يعد ولو صلى قبل الشمس أعاد لانه صلى قبل وقت العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن أبى بكر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى ابنه وهو عامل على المدينة " إذا طلعت الشمس يوم العيد فاغد إلى المصلى " وكل هذا واسع أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال أخبرني ابن نسطاس أنه رأى ابن المسيب في يوم الاضحى وعليه برنس أرجوان وعمامة سوداء غاديا في المسجد إلى المصلى يوم
العيد حين صلى الصبح بعد ما طلعت الشمس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن حرملة أنه رأى سعيد بن المسيب يغدو إلى المصلى يوم العيد حين يصلى الصبح (قال الشافعي) وكل هذا واسع إذا وافى الصلاة وأحبه إلي أن يتمهل ليأخذ مجلسا.
الاكل قبل العيد في يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة ولا يفعلون ذلك يوم النحر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك ابن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل قبل الغدو في يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا مالك ابن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل قبل الغدو في يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال كان الناس يؤمرون بالاكل قبل الغدو يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأمر بالاكل قبل الخروج إلى المصلى يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطعم قبل أن يخرج إلى الجبان يوم الفطر ويأمر به (قال الشافعي) ونحن نأمر من أتى المصلى أن يطعم ويشرب قبل أن يغدو إلى المصلى وإن لم يفعل أمرناه بذلك في طريقه، أو المصلى إن أمكنه وإن لم يفعل ذلك فلا شئ عليه ويكره له أن لا يفعل، ولا نأمره بهذا يوم الاضحى، وإن طعم يوم الاضحى فلا بأس عليه.
الزينة للعيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم في كل عيد أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وأحب أن يلبس الرجل أحسن ما يجد في الاعياد الجمعة والعيدين ومحافل الناس ويتنظف ويتطيب إلا أنى أحب أن يكون في الاستسقاء خاصة نظيفا متبذلا وأحب العمامة في البرد والحر للامام وأحب للناس ما أحببت للامام من النظافة والتطيب ولبس أحسن ما يقدرون عليه إلا أن استحبابى للعمائم لهم ليس(1/266)
كاستحبابها للامام ومن شهد منهم هذه الصلوات طاهرا تجوز له الصلاة ولابسا مما يجوز به الصلاة من رجل وامرأة أجزأه (قال) وأحب إذا حضر النساء الاعياد والصلوات يحضرنها نظيفات بالماء غير متطيبات ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة وأن يلبسن ثيابا قصدة من البياض وغيره وأكره لهن الصبغ كلها فإنها تشبه الزينة والشهرة أو هما (قال الشافعي) ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكورا أو إناثا ويلبسون الحلى والصيغ وإن حضرتها امرأة حائض لم تصل ودعت ولم أكره لها ذلك وأكره لها أن تحضرها غير حائض إلا طاهرة للصلاة لانها لا تقدر على الطهارة وأكره حضورها إلا طاهرة إذا كان الماء يطهرها.
الركوب إلى العيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا أن الزهري قال ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد ولا جنازة قط (قال الشافعي) وأحب أن لا يركب في عيد ولا جنازة إلا أن يضعف من شهدها من رجل أو امرأة عن المشى فلا بأس أن يركب وإن ركب لغير علة فلا شئ عليه قال الربيع هذا عندنا على الذهاب إلى العيد والجنازة فأما الرجوع منهما فلا بأس.
الاتيان من طريق غير التي غدا منها أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغدو من طريق، ويرجع من أخرى فأحب ذلك للامام والعامة وإن غدوا ورجعوا من طريق واحدة فلا شئ عليهم إن شاء الله تعالى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الاعظم فإذا رجع رجع من الطريق الاخرى على دار عمار ابن ياسر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى معاذ بن عبد الرحمن التيمى عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجع من المصلى يوم عيد فسلك على التمارين من أسفل السوق حتى إذا كان عند مسجد الاعرج الذى هو عند موضع البركة التى بالسوق قام فاستقبل فج أسلم فدعا ثم انصرف (قال الشافعي)
فأحب أن يصنع الامام مثل هذا وأن يقف في موضع فيدعو الله عزوجل مستقبل القبلة، وإن لم يفعل فلا كفارة ولا إعادة عليه.
الخروج إلى الاعياد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة وكذلك من كان بعده وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة فإنه لم يبلغنا أن أحدا من السلف صلى بهم عيدا إلا في مسجدهم (قال الشافعي) وأحسب ذلك والله تعالى أعلم لان المسجد الحرام خير بقاع الدنيا فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة ألا فيه ما أمكنهم (قال) وإنما قلت هذا لانه قد(1/267)
كان وليست لهم هذه السعة في أطراف البيوت بمكة سعة كبيرة ولم أعلمهم صلوا عيدا قط ولا استسقاء إلا فيه (قال الشافعي) فإن عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الاعياد لم أر أنه يخرجون منه وإن خرجوا فلا بأس ولو أنه كان لا يسعهم فصلى بهم إمام فيه كرهت له ذلك ولا إعادة عليهم (قال) وإذا كان العذر من المطر أو غيره أمرته بأن يصلى في المساجد ولا يخرج إلى صحراء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى جعفر بن محمد عن رجل أن أبان بن عثمان صلى بالناس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر في يوم مطير ثم قال لعبد الله بن عامر حدثهم فأخذ يحكى عن عمر بن الخطاب فقال عبد الله صلى عمر بن الخطاب بالناس في المسجد في يوم مطير في يوم الفطر، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى صالح بن محمد بن زائدة أن عمر بن الخطاب صلى بالناس في يوم مطير في المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
الصلاة قبل العيد وبعده أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن عدى بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيدين بالمصلى ولم يصل قبلهما ولا بعدهما شيئا ثم انفتل إلى النساء فخطبهن قائما وأمر بالصدقة قال فجعل النساء يتصدق بالقرط وأشباهه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عمرو بن أبى عمرو
عن ابن عمر أنه غدا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد إلى المصلى ثم رجع إلى بيته لم يصل قبل العيد ولا بعده، أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وهكذا أحب للامام لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما أمرنا به أن يغدو من منزله قبل أن تحل صلاة النافلة ونأمره إذا جاء المصلى أن يبدأ بصلاة العيد ونأمره إذا خطب أن ينصرف (قال الشافعي) وأما المأموم فمخالف للامام لانا نأمر المأموم بالنافلة قبل الجمعة وبعدها ونأمر الامام أن يبدأ بالخطبة ثم بالجمعة لا يتنقل ونحب له أن ينصرف حتى تكون نافلته في بيته وأن المأموم خلاف الامام (قال) ولا أرى بأسا أن يتنفل المأموم قبل صلاة العيد وبعدها في بيته وفى المسجد وطريقه والمصلى وحيث أمكنه التنفل إذا حلت صلاة النافلة بأن تبرز الشمس وقد تنقل قوم قبل صلاة العيد وبعدها وآخرون قبلها ولم يتنفلوا بعدها وآخرون بعدها ولم يتنفلوا قبلها وآخرون تركوا التنفل قبلها وبعدها وهذا كما يكون في كل يوم يتنفلون ولا يتنفلون ويتنفلون فيقلون ويكثرون ويتنفلون قبل المكتوبات وبعدها وقبلها ولا يتنفلون بعدها ويدعون التنفل قبلها وبعدها لان كل هذا مباح وكثره الصلوات على كل حال أحب إلينا (قال) وجميع النوافل في البيت أحب إلى منها ظاهرا إلا في يوم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم قال أخبرني سعد ابن إسحق عن عبد الملك بن كعب أن كعب بن عجرة لم يكن يصلى قبل العيد ولا بعده (قال الشافعي) وروى هذا عن ابن مسعود أو أبى مسعود وحذيفة وجابر وابن أبى أوفى وشريح وابن معقل وروى بن سهل ابن سعد وعن رافع بن خديج أنهما كانا يصلين قبل العيد وبعده أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن على بن الحنفية عن أبيه قال كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر والاضحى لا نصلى في المسجد حتى نأتى المصلى فإذا رجعنا مررنا بالمسجد فصلينا فيه(1/268)
من قال لا آذان للعيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري أنه قال لم يؤذن للنبى صلى الله عليه وسلم ولا لابي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام، فأحدثه الحجاج
بالمدينة حين أمر عليها وقال الزهري وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في العيدين المؤذن ان يقول الصلاة جامعة (قال الشافعي) ولا أذان إلا للمكتوبة فإنا لم نعلمه أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا للمكتوبة وأحب أن يأمر الامام المؤذن ان يقول في الاعياد وما جمع الناس له من الصلاة " الصلاة جامعة " أو إن الصلاة، وإن قال هلم إلى الصلاة لم نكرهه وإن قال حى على الصلاه فلا بأس وإن كنت أحب أن يتوقى ذلك لانه من كلام الاذان وأحب أن يتوقى جميع كلام الاذان، ولو أذن أو قام للعيد كرهته له ولا إعادة عليه.
أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ايوب السختيانى قال سمعت عطاء بن أبى رباح يقول سمعت ابن عباس يقول أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل الخطبة يوم العيد ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة ومعه بلال قائل بثوبه هكذا فجعلت المرأة تلقى الخرص والشئ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى أبو بكر بن عمرو بن عبد العزيز عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان يصلون في العيدين قبل الخطبة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح أن أبا سعيد قال: أرسل إلى مروان والى رجل قد سماه فمشى بنا حتى أتى المصلى فذهب ليصعد فجبذته إلي فقال يا أبا سعيد ترك الذى تعلم، قال أبو سعيد فهتفت ثلاث مرات فقلت والله لا تأتون إلا شرا منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد الخطمى أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبتدئون بالصلاة قبل الخطبة حتى قدم معاوية فقدم الخطبة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد أن أبا سعيد الخدرى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى يوم الفطر والاضحى قبل الخطبة
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن وهب بن كيسان قال رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم قال: كل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غيرت حتى الصلاة (قال الشافعي) فبهذا نأخذ وفيه دلائل منها ان لا بأس أن يخطب الامام قائما على الارض وكذلك روى أبو الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى هشام حسن عن ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على راحلته بعدما ينصرف من الصلاة يوم الفطر والنحر (قال الشافعي) ولا بأس أن يخطب(1/269)
على منبر فمعلوم عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب على المنبر يوم الجمعة وقبل ذلك كان يخطب على رجليه قائما إلى جذع، ومنها ان لا بأس أن يخطب الرجل الرجال، وإن رأى أن النساء وجماعة من الرجال لم يسمعوا خطبته لم أر بأسا أن يأتيهم فيخطب خطبة خفيفة يسمعونها وليس بواجب عليه لانه لم يرو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة وقد خطب خطبا كثيرة وفى ذلك دلالة على أنه فعل وترك والترك أكثر (قال) ولا يخطب الامام في الاعياد إلا قائما لان خطب النبي صلى الله عليه وسلم كانت قائما إلا ان تكون علة فتجوز الخطبة جالسا كما تجوز الصلاة جالسا من علة (قال) ويبدأ في الاعياد بالصلاة قبل الخطبة وإن بدأ بالخطبة قبل الصلاة رأيت أن يعيد الخطبة بعد الصلاة وإن لم يفعل لم يكن عليه إعادة صلاة ولا كفارة، كما لو صلى ولم يخطب لم يكن عليه إعادة خطبة ولا صلاة، ويخطب خطبتين بينهما جلوس كما يصنع في الجمعة.
التكبير في صلاة العيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى جعفر بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كبروا في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا وصلوا قبل الخطبة وجهروا بالقراءة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن على رضى الله تعالى عنه أنه كبر في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا وجهر بالقراءة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثنى إسحق بن عبد الله عن عثمان بن عروة عن أبيه أن أبا أيوب وزيد بن ثابت أمرا مروان أن يكبر في صلاة العيد سبعا وخمسا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع
مولى ابن عمر قال شهدت الفطر والاضحى مع أبى هريرة فكبر في الركعة الاولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفى الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة (قال الشافعي) وإذا ابتدأ الامام صلاة العيدين كبر للدخول في الصلاة ثم افتتح كما يفتتح في المكتوبة فقال وجهت وجهى وما بعدها ثم كبر سبعا ليس فيها تكبيرة الافتتاح ثم قرأ وركع وسجد فإذا قام في الثانية قام بتكبيرة القيام ثم كبر خمسا سوى تكبيرة القيام ثم قرأ وركع وسجد كما وصفت روى عن ابن عباس (قال الشافعي) والاحاديث كلها تدل عليه لانهم يشبهون أن يكونوا إنما حكوا من تكبيره ما أدخل في صلاة العيدين من التكبير مما ليس في الصلاة غيره وكما لم يدخلوا التكبيرة التى قام بها في الركعة الثانية مع الخمس كذلك يشبه أن يكونوا لم يدخلوا تكبيرة الافتتاح في الاولى مع السبع بل هو أولى أن لا يدخل مع السبع لانه لم يدخل في الصلاة إلا بها ثم يقول وجهت وجهى ولو ترك التكبيرة التى يقوم بها لم تفسد صلاته (قال الشافعي) وإذا افتتح الصلاة (1) ثم بدأ بالتكبيرة الاولى من السبعة بعد افتتاح الصلاة فكبرها ثم وقف بين الاولى والثانية قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة فيهلل الله عزوجل ويكبره ويحمده ثم صنع هذا بين كل تكبيرتين من السبع والخمس ثم يقرأ بعد بأم القرآن وسورة وإن أتبع بعض التكبير بعضا ولم يفصل بينه بذكر كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا سجود للسهو عليه (قال) فإن نسى التكبير أو بعضه حتى يفتتح القراءة فقطع القراءة وكبر ثم عاد إلى القراءة لم تفسد صلاته ولا آمره إذا افتتح القراءة أن يقطعها ]
__________
(1) قوله: ثم بدأ، كذا في النسخ، ولعل " ثم " زائدة، فتأمل.
كتبه مصححه.(1/270)
[ ولا إذا فرغ منها أن يكبر وآمره أن يكبر في الثانية تكبيرها ولا يزيد عليه لانه ذكر في موضع إذا مضى الموضع لم يكن على تاركه قضاؤه في غيره كما لا آمره أن يسبح قائما إذا ترك التسبيح راكعا أو ساجدا (قال) ولو ترك التكبيرات السبع والخمس عامدا أو ناسيا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو عليه لانه ذكر لا يفسد تركه الصلاة وأنه ليس عملا يوجب سجود السهو (قال) وإن ترك التكبير ثم ذكره فكبر أحببت أن يعود لقراءة ثانية وإن لم يفعل لم يجب عليه أن يعود ولم تفسد صلاته (قال) فإن نفض مما أمرته به من التكبير شيئا كرهته له ولا إعادة ولا سجود سهو عليه إلا ان يذكر التكبير قبل ان يقرأ فيكبر
ما ترك منه (قال) وإن زاد على ما أمرته به من التكبير شيئا كرهته له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه لانه ذكر لا يفسد الصلاة وأن أحببت أن يضع كلا موضعه (قال الشافعي) وإن استيقن أنه كبر في الاولى سبعا أو أكثر أو أقل وشك هل نوى بواحدة منهن تكبيرة الافتتاح لم تجزه صلاته وكان عليه حين شك ان يبتدئ فينوي تكبيرة الافتتاح مكانه ثم يبتدئ الافتتاح والتكبير والقراءة ولا يجزئه حتى يكون في حاله تلك كمن ابتدأ الصلاة في تلك الحال (قال الشافعي) وإن استيقن أنه كبر سبعا أو أكثر أو أقل وأنه نوى بواحدة منهن تكبيرة الافتتاح لا يدرى أهى الاولى أو الثانية أو الآخرة من تكبيرة افتتح تلك الصلاة بقول: وجهت وجهى وما بعدها لانه مستيقن لانه قد كبر للافتتاح ثم ابتدأ تكبيره سبعا بعد الافتتاح ثم القراءة وإن استيقن أنه قد كبر للافتتاح بين ظهرانى تكبيره ثم كبر بعد الافتتاح لا يدرى أواحدة أو أكثر؟ بنى على ما استيقن ممن التكبير بعد الافتتاح حتى يكمل سبعا (قال) وإن كبر لافتتاح الصلاة ثم ترك الاستفتاح حتى كبر للعيد ثم ذكر الاستفتاح لم يكن عليه أن يستفتح فإن فعل أحببت أن يعيد تكبيره للعيد سبعا حتى تكون كل واحدة منهن بعد الاستفتاح، فإن لم يفعل فلا إعادة ولا سجود للسهو عليه.
رفع اليدين في تكبير العيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حين افتتح الصلاة وحين أراد أن يركع وحين رفع رأسه من الركوع ولم يرفع في السجود فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ذكر تكبيره وقول سمع الله لمن حمده وكان حين يذكر الله عزوجل رافعا يديه قائما أو رافعا إلى قيام من غير سجود فلم يجز إلا أن يقال يرفع المكبر في العيدين يديه عند كل تكبيرة كان قائما فيها تكبيرة الافتتاح والسبع بعدها والخمس في الثانية ويرفع يديه عند قوله " سمع الله لمن حمده " لانه الموضع الذى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه من الصلاة فإن ترك ذلك كله عامدا أو ساهيا أو بعضه كرهت ذلك له ولا إعادة للتكبير عليه ولا سجود للسهو (قال) وكذلك يرفع يديه إذا كبر على الجنازة عند كل تكبيرة وإذا كبر لسجدة سجدها شكرا أو سجدة لسجود القرآن كان قائما أو قاعدا لانه مبتدئ بتكبير فهو في موضع القيام وكذلك إن صلى قاعدا في شئ من هذه الصلوات يرفع يديه لانه
في موضع قيام وكذلك صلاة النافلة وكل صلاة صلاها قائما أو قاعدا لانه كل في موضع قيام.
القراءة في العيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ضمرة بن سعيد المازنى عن أبيه(1/271)
عن عبيد الله ابن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليئى: ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ب " ق والقرآن المجيد " و " اقتربت الساعة وانشق القمر " (قال الشافعي " فأحب أن يقرأ في العيدين في الركعة الاول ب " ق " وفى الركعة الثانية ب " قتربت الساعة " وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء " إنا أرسلنا نوحا " أحببت ذلك (قال) وإذا قرأ بأم القرآن في كل ركعة مما وصفت أجزأه ما قرأ به معها أو اقتصر عليها أجزأته إن شاء الله تعالى من غير ولا يجزيه غيرها منها (قال) ويجهر بالقراءة في صلاة العيدين والاستسقاء وإن خافت بها كرهت ذلك له ولا إعادة عليه وكذلك إذا جهر فيما يخافت فيه كرهت له ولا إعادة عليه.
العمل بعد القراءة في صلاة العيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى، والركوع والسجود والتشهد في صلاة العيدين كهو في سائر الصلوات لا يختلف ولا قنوت في صلاة العيدين ولا الاستسقاء، وإن قنت عند نازلة لم أكره.
وإن قنت عند غير نازلة كرهت له.
الخطبة على العصا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب اعتمد على عصا وقد قيل خطب معتمدا على عنزة وعلى قوس وكل ذلك اعتماد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن ليث عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يعتمد على عنزته اعتمادا (قال الشافعي) وأحب لكل من خطب أي خطبة كانت أن يعتمد على شئ وإن ترك الاعتماد أحببت له أن يسكن يديه وجميع بدنه ولا يعبث بيديه أما أن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن
يسكنهما وإن لم يضع إحداهما على الاخرى وترك ما أحببت له كله أو عبث بهما أو وضع اليسرى على اليمنى كرهته له ولا إعادة عليه.
الفصل بين الخطبتين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن ابراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة أن يخطب الامام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس (قال الشافعي) وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف وخطبة الحج وكل خطبة جماعة (قال) ويبدأ الامام في هذا كله إذا ظهر على المنبر فيسلم ويرد الناس عليه فإن هذا يروى عاليا ثم يجلس على المنبر حين يطلع عليه جلسة خفيفة كجلوس الامام يوم الجمعة للاذان ثم يقوم فيخطب ثم يجلس بعد الخطبة الاولى جلسة أخف من هذه أو مثلها ثم يقوم فيخطب ثم ينزل (قال) فالخطب كلها سواء فما وصفت وفى أن لا يدع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأبى وأمى(1/272)
هو " أول كلامه وآخره (قال) ويخطب الامام على منبر وعلى بناء وتراب مرتفع وعلى الارض وعلى راحلته كل ذلك واسع (قال الشافعي) وإن خطب في غير يوم الجمعة خطبة واحدة وترك الخطبة أو شيئا مما أمرته به فيها فلا إعادة عليه وقد أساء وخطبة الجمعة تخالف هذا فإن تركها صلى ظهرا أربعا لانها إنما جعلت جمعة بالخطبة ء فإذا لم تكن، صليت ظهرا، كل ما سوى الجمعة لا يحيل فرضا إلى غيره.
التكبير في الخطبة في العيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة في التكبير يوم الاضحى والفطر على المنبر قبل الخطبة أن يبتدئ الامام قبل أن يخطب وهو قائم على المنبر بتسع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام ثم يخطب ثم يجلس جلسة ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام ثم يخطب، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني
إسماعيل بن أمية أنه سمع ان التكبير في الاولى من الخطبتين تسع وفى الآخرة سبع (قال الشافعي) وبقول عبيد الله بن عبد الله نقول فنأمر الامام إذا قام يخطب الاولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا كلام بينهن فإذا قام ليخطب الخطبة الثانية اان يكبر سبع تكبيرات تترى لا يفصل بينهن بكلام يقول الله أكبر الله أكبر حتى يوفى سبعا فإن أدخل بين التكبيرتين الحمد والتهليل كان حسنا ولا ينقص من عدد التكبير شيئا ويفصل بين خطبتيه بتكبير (قال الشافعي) أخبرني الثقة من أهل المدينة أنه أثبت له كتاب عن أبى هريرة فيه تكبير الامام في الخطبة الاولى يوم الفطر ويوم الاضحى إحدى أو ثلاثا وخمسين تكبيرة في فصول الخطبة بين ظهرانى الكلام (قال الشافعي) أخبرني من أثق به من اهل العلم من أهل المدينة قال اخبرني من سمع عمر ابن عبد العزيز وهو خليفة يوم فطر فظهر على المنبر فسلم ثم جلس ثم قال " إن شعار هذا اليوم التكبير والتحميد " ثم كبر مرارا الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثم تشهد للخطبة ثم فصل بين التشهد بتكبيرة (قال الشافعي) وإن ترك التكبير أو التسليم على المنبر أو بعض ما أمرته به كرهته له ولا إعادة عليه في شئ من هذا إذا كان غير خطبة الجمعة.
استماع الخطبة في العيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب لمن حضر خطبة عيد أو استسقاء أو حج أو كسوف أن ينصت ويستمع وأحب أن لا ينصرف أحد حتى يستمع الخطبة فإن تكلم أو ترك الاستماع أو انصرف كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا كفارة وليس هذا كخطبة يوم الجمعة لان صلاة يوم الجمعة فرض (قال) وكذلك أحب للمساكين إن حضروا أن يستمعوا الخطبة ويكفوا عن المسألة حتى يفرغ الامام من الخطبة أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى يزيد بن عبد الله ابن الهاد ان عمر بن عبد العزيز كان يترك المساكين يطوفون يسألون الناس في المصلى في خطبته الاولى يوم الاضحى والفطر وإذا خطب خطبته الآخرة أمر بهم فأجلسوا (قال الشافعي) وسواء الاولى والآخرة أكره لهم المسألة فإن فعلوا فلا(1/273)
شئ عليهم فيها إلا ترك الفضل في الاستماع.
اجماع العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال اخبرنا إبراهيم بن عقبة عن عمر بن عبد العزيز قال اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب فقال " إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من اهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له " (قال الشافعي) وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الامام العيد حين تحل الصلاة ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاءوا إلى أهليهم ولا يعودون إلى الجمعة والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولا يجوز هذا لاحد من اهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد (قال الشافعي) وهكذا إن كان يوم الاضحى لا يختلف إذا كان ببلد يجمع فيه الجمعة ويصلى العيد ولا يصلى أهل منى صلاة الاضحى ولا الجمعة لانها ليست بمصر (قال الشافعي) وإن كسفت الشمس يوم جمعة ووافق ذلك يوم الفطر بدأ بصلاة العيد ثم صلى الكسوف إن لم تنجل الشمس قبل أن يدخل في الصلاة (قال) وإذا كسفت الشمس والامام في صلاة العيد أو بعده قبل أن يخطب صلى صلاة الكسوف ثم خطب للعيد والكسوف معا خطبتين يجمع الكلام للكسوف وللعيد فيهما وإن كان تكلم لصلاة العيد ثم كسفت الشمس خفف الخطبتين معا ونزل فصلى الكسوف ثم خطب للكسوف ثم أذن لمن أهله في غير المصر بالانصراف كما وصفت ولا يجوز هذا لاحد من اهل المصر قدر على شهود الجمعة فإن وافق هذا يوم فطر وجمعة وكسوف وجدب فأراد أن يستسقى آخر صلاة الاستسقاء إلى الغد أو بعده واستسقى في خطبته ثم خرج فصلى الاستسقاء ثم خطب " قال أبو يعقوب يبدأ بالكسوف ثم بالعيد ما لم تزل الشمس ثم بالجمعة إذا زالت الشمس لان لكل هذا وقتا وليس للاستسقاء وقت " (قال الشافعي) ولا أحب أن سيتسقى في يوم الجمعة إلا على المنبر لان الجمعة أوجب من الاستسقاء والاستسقاء يمنع من بعد منزله قليلا من الجمعة أو يشق عليه (قال) وإن اتفق العيد والكسوف في ساعة صلى الكسوف قبل
العيد لان وقت العيد إلى الزوال ووقت الكسوف ذهاب الكسوف فإن بدأ بالعيد ففرغ من الصلاة قبل أن تنجلي الشمس صلى الكسوف وخطب لهما معا وإن فرغ من الصلاة وقد تجلت الشمس خطب للعيد وإن شاء ذكر فيه الكسوف.
من يلزمه حضور العيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أرخص لاحد في ترك حضور العيدين ممن تلزمه الجمعة وأحب إلي أن يصلى العيدان والكسوف بالبادية التى لا جمعة فيها وتصليها المرأة في بيتها والعبد في(1/274)
مكانه لانه ليس بإحالة فرض ولا أحب لاحد تركها (قال) ومن صلاها صلاها كصلاة الامام بتكبيرة وعدده (قال الشافعي) وسواء في ذلك الرجال والنساء، ومن فاتته صلاة العيد مع الامام ووجد الامام يخطب جلس فإذا فرغ الامام صلى صلاة العيد في مكانه أو بيته أو طريقه كما يصليها الامام بكمال التكبير والقراءة وإن ترك صلاة العيدين من فاتته أو تركها من لا تجب عليه الجمعة كرهت ذلك له (قال) ولا قضا عليه وكذلك صلاة الكسوف (قال الشافعي) ولا بأس إن صلى قوم مسافرون صلاة عيد أو كسوف أن يخطبهم واحد منهم في السفر وفى القرية التى لا جمعة فيها وأن يصلوها في مساجد الجماعة في المصر ولا أحب أن يخطبهم أحد في المصر إذا كان فيه إمام خوف الفرقة (قال) وإذا شهد النساء الجمعة والعيدين وشهدها العبيد والمسافرون فهم كالاحرار المقيمين من الرجال ويجزئ كلا فيها ما يجزئ كلا (قال) وأحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة والاعياد وأنا لشهودهن الاعياد أشد استحبابا منى لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات (قال) وإذا أراد الرجل العيد فوافى المنصرفين فإن شاء مضى إلى مصلى الامام فصلى فيه وإن شاء رجع فصلى حيث شاء (1).
التكبير في العيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يكبر الناس في الفطر حين تغيب الشمس ليلة الفطر فرادى وجماعة في كل حال حتى يخرج الامام لصلاة العيد ثم يقطعون التكبير (قال) وأحب أن يكون الامام يكبر خلف صلاة المغرب والعشاء والصبح وبين ذلك وغاديا حتى ينتهى إلى المصلى ثم يقطع التكبير
وإنما أحببت ذلك للامام أنه كالناس فيما أحب لهم وإن تركه الامام كبر الناس (قال) ويكبر الحاج خلف صلاة الظهر من يوم النحر إلى أن يصلوا الصبح من آخر أيام التشريق ثم يقطعون التكبير إذا كبروا خلف صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ويكبر إمامهم خلف الصلوات فيكبرون معا ومتفرقين ليلا ونهارا وفى كل هذه الاحوال لان في الحج ذكرين يجهر بهما التلبية وهى لا تقطع إلا بعد الصبح من يوم النحر والصلاة مبتدأ التكبير ولا صلاة بعد رمى الجمرة يوم النحر قبل الظهر ثم لا صلاة: " منى " بعد الصبح من آخر أيام منى (قال) ويكبر الناس في الآفاق والحضر والسفر كذلك، ومن يحضر منهم الجماعة ولم يحضرها والحائض والجنب وغير المتوضئ في الساعات من الليل والنهار ويكبر الامام ومن ]
__________
(1) وجد في نسخة السراج البلقينى بعد هذا ما نصه: وقال في آخر الضحايا الثاني (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكل موضع وجبت فيه الجمعة صلى فيه العيدان وكل موضع لم تجب فيه الجمعة لم يصل فيه العيدان وإذا سقطت الجمعة التى هي فرض كان العيدان أولى أن يسقطا وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم " منى " ثم الائمة فما صلى واحد منهم علمته عيدا ولو كان العيدان إذا كانا نافلة يصليان في الموضع الذى لا يكون فيه جمعة كانت " منى " أولى المواضع به لكثرة الناس وحضور الائمة ولكن سنتهما ما وصفت فإن أراد رجل في يوم عيد إذا كان ليس بموضع يكون فيه الجمعة أن يتنفل بركعتين أو أكثر لم أر بذلك بأسا وليس هو من صلاة العيد بسبيل وإذا فعل ذلك لم يكبر تكبير العيد (قال الشافعي) وقد قيل يصلي صلاة العيدين على تكبير العيدين وإن لم يكن في موضع تجب فيه الجمعة لانها ليست بفرض.(1/275)
[ خلفه خلف الصلوات ثلاث تكبيرات وأكثر وإن ترك ذلك الامام كبر من خلفه، ويكبر أهل الآفاق كما يكبر أهل " منى " ولا يخالفونهم في ذلك إلا في أن يتقدموهم بالتكبير فلو ابتدءوا بالتكبير خلف صلاة المغرب من ليلة النحر قياسا على أمر الله في الفطر من شهر رمضان بالتكبير مع إكمال العدة وأنهم ليسوا محرمين يلبون فيكتفون بالتلبية من التكبير لم أكره ذلك وقد سمعت من يستجب هذا وإن لم يكبروا وأخروا ذلك حتى يكبروا بتكبير أهل " منى " فلا بأس إن شاء الله تعالى وقد روى عن بعض السلف أنه
كان يبتدئ التكبير خلف صلاة الصبح من يوم عرفة وأسأل الله تعالى التوفيق (قال الشافعي) ويكبر الامام خلف الصلوات ما لم يقم من مجلسه فإذا قام من مجلسه لم يكن عليه أن يعود إلى مجلسه فيكبر وأحب أن يكبر ماشيا كما هو أو في مجلس إن صار إلى غير مجلسه (قال) ولا يدع من خلفه التكبير بتبكيره ولا يدعونه إن ترك التكبير وإن قطع بحديث وكان في مجلسه فليس عليه أن يكبر من ساعته واستحب له ذلك فإذا سها لم يكبر حتى يسلم من سجدتي السهو (قال) وإذا فات رجلا معه شئ من الصلاة فكبر الامام قام الذى فاته بعض الصلاة يقضى ما عليه، فإن كان عليه سهو سجد له، فإذا سلم كبر ويكبر خلف النوافل وخلف الفرائض وعلى كل حال.
كيف التكبير؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والتكبير كما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة " الله أكبر " فيبدأ الامام فيقول: " الله أكبر الله أكبر الله أكبر " حتى يقولها ثلاثا وإن زاد تكبيرا فحسن وإن زاد فقال: " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا الله أكبر ولا نعبد إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر " فحسن وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببته، غير أنى أحب أن يبدأ بثلاث تكبيرات نسقا وإن اقتصر على واحدة أجزأته وإن بدأ بشئ من الذكر قبل التكبير أو لم يأت بالتكبير فلا كفارة عليه.
كتاب صلاة الكسوف اخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبودن * فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون " وقال الله تبارك وتعالى " إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس " إلى قوله " يعقلون " مع ما ذكر من الآيات في كتابه (قال الشافعي) فذكر الله عز وجل الآيات ولم يذكر معها سجودا إلا مع الشمس والقمر وأمر بأن لا يسجد لهما وأمر بأن يسجد له فاحتمل امره أن يسجد له عند
ذكر الشمس والقمر بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر واحتمل أن يكون إنما نهى عن السجود لهما كما نهى عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يصلى لله(1/276)
عند كسوف الشمس والقمر فأشبه ذلك معنيين أحدهما أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك وأن لا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة كما أمر بها عندهما لان الله تبارك وتعالى لم يذكر في شئ من الآيات صلاة والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى وغبطة لمن صلاها (قال الشافعي) فيصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة ولا يفعل ذلك في شئ من الآيات غيرهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال " كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا قال نحوا من قراءة سورة البقرة قال ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع رءوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله " قالوا يا رسول الله رأيناك قد تناولت في مقامك هذا شيئا ثم رأيناك كأنك تكعكعت فقال: " إنى رأيت أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لاكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت أو أريت النار فلم أر كاليوم منظرا ورأيت أكثر اهلها النساء " فقالوا: لم يا رسول الله؟ قال " بكفرهن " قيل: أيكفرن بالله؟ قال: " يكفرن العشيرة ويكفرن الاحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط " (قال الشافعي) فذكر ابن عباس ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة دليل على انه خطب بعدها وكان في ذلك دليل على أنه فرق بين الخطبة للسنة والخطبة للفرض فقدم خطبة الجمعة لانها مكتوبة قبل الصلاة وأخر خطبة الكسوف لانها ليست من الصلوات الخمس، وكذلك صنع في العيدين لانهما ليستا من الصلوات وهكذا ينبغى أن تكون في صلاة
الاستسقاء وذكر أنه أمر في كسوف الشمس والقمر بالفزع إلى ذكر الله وكان ذكر الله عزوجل الذى فزع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التذكير فوافق ذلك قول الله عزوجل " قد أفلح " من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " (قال الشافعي) فكان في قول ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاية من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر في خسوف القمر بما أمر به في كسوف الشمس والذى أمر به في كسوف الشمس فعله من الصلاة والذكر ثم ذكر سفيان ما يوافق هذا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن إسمعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن أبى مسعود الانصاري قال انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والى الصلاة (قال الشافعي) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أيضا فيهما معا بالصلاة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن عبد الله بن أبى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن الحسن عن ابن عباس " إن القمر انكسف وابن عباس بالبصرة فخرج ابن عباس فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتان ثم ركب فخطبنا فقال: إنما صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى قال وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت احد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئا منهما كاسفا فليكن فزعكم إلى الله " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الشمس كسفت فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصفت صلاته(1/277)
ركعتين في كل ركعة ركعتان " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى أبو سهيل نافع عن أبى قلابة عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وروى عن ابن عباس أنه قال: قمت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة كسوف الشمس فما سمعت منه حرفا " وفى قوله بقدر سورة البقرة دليل على أنه لم يسمع ما قرأ به لانه لو سمعه لم يقدر بغيره.
وقت كسوف الشمس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فمتى كسفت الشمس نصف النهار أو بعد العصر أو قبل ذلك صلى الامام بالناس صلاة الكسوف لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة لكسوف الشمس فلا وقت يحرم فيه صلاة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا يحرم في وقت الصلاة الفائتة ولا الصلاة على الجنازة ولا الصلاة للطواف ولا الصلاة يؤكدها المرء على نفسه بأن يلزمها فيشتغل عنها أو ينساها (قال) وإن كسفت الشمس في وقت صلاة بدأ بالصلاة لكسوف الشمس وقدر المصلى أن يخرج من صلاة كسوف الشمس ويصلى المكتوبة ثم يخطب لكسوف الشمس بعد المكتوبة (قال الشافعي) وإن كسفت الشمس في وقت الجمعة بدأ بصلاة كسوف الشمس وخفف فيها فقرأ في كل واحدة من الركعتين اللتين في الركعة بأم القرآن وسورة " قل هو الله أحد " وما أشبهها ثم خطب في الجمعة وذكر الكسوف في خطبة الجمعة وجمع فيها الكلام في الخطبة في الكسوف والجمعة ونوى بها الجمعة ثم صلى الجمعة (قال) وإن كان أخر الجمعة حتى يرى أنه صلى صلاة الكسوف كأخف ما تكون صلاته لم يدرك أن يخطب يجمع حتى يدخل وقت العصر بدأ بالجمعة فإن فرغ منها والشمس كاسفة صلى صلاة الكسوف وإن فرغ منها وقد تجلت الشمس فتتام تجليها حتى تعود كما كانت قبل الكسوف لم يصل الكسوف ولم يقض لانه عمل في وقت فإذا ذهب الوقت لم يعمل (قال) وهكذا يصنع في كل مكتوبة اجتمعت والكسوف فخيف فوتها يبدأ بالمكتوبة وإن لم يخف الفوت بدأ بصلات الكسوف ثم المكتوبة لانه لا وقت في الخطبة (قال) وإن اجتمع كسوف وعيد واستسقاء وجنازة بدأ بالصلاة على الجنازة (1) وإن لم يكن حضر الامام أمر من يقوم بأمرها وبدأ بالكسوف فإن فرغت الجنازة صلى عليها أو تركها ثم صلى العيد وأخر الاستسقاء إلى يوم غير اليوم الذي هو فيه (قال) وإن خاف فوت العيد صلى وخفف ثم خرج من صلاته إلى صلاة الكسوف ثم خطب للعيد والكسوف ولا يضره أن يخطب بعد الزوال لهما لانه ليس كخطبة الجمعة (قال) وإن كان الكسوف بمكة عند رواح الامام إلى الصلاة " منى " صلوا الكسوف وإن خاف ان تفوته صلاة الظهر: " منى " صلاها بمكة (قال) وإن كان الكسوف بعرفة عند الزوال قدم صلاة الكسوف ثم صلى الظهر والعصر فإن خاف فوتهما بدأ بهما ثم صلى الكسوف ولم يدعه للموقف وخفف صلاة الكسوف والخطبة (قال) وهكذا يصنع في خسوف
القمر (قال) وإن كسفت الشمس بعد العصر وهو بالموقف صلى الكسوف ثم خطب على بعيره ودعا وإن خسف القمر قبل الفجر بالمزدلفة أو بعده صلى الكسوف وخطب ولو حبسه ذلك إلى طلوع الشمس ]
__________
(1) قوله: وإن لم يكن حضر الامام الخ كذا في النسخ، وحرر.(1/278)
[ ويخفف لئلا يحبسه إلى طلوع الشمس إن قدر (قال الشافعي) إذا اجتمع أمران يخاف أبدا فوت أحدهما ولا يخاف فوت الآخر بدأ بالذى يخاف فوته ثم رجع إلى الذي لا يخاف فوته (قال) وإن خسف القمر وقت صلاة القيام بدأ بصلاة الخسوف وكذلك يبدأ به قبل الوتر وركعتي الفجر لانه صلاة جماعة والوتر وركعتا الفجر صلاة انفراد فيبدأ به قبلهما ولو فاتا (قال) وإذا كسفت الشمس ولم يصلوا حتى تغيب كاسفة أو متجلية لم يصلوا لكسوف الشمس وكذلك لو خسف القمر فلم يصلوا حتى تجلى أو تطلع الشمس لم يصلوا وإن صلوا الصبح وقد غاب القمر خاسفا صلوا الخسوف القمر بعد الصبح ما لم تطلع الشمس ويخففون الصلاة لخسوف القمر في هذه الحال حتى يخرجوا منها قبل طلوع الشمس فإن افتتحوا الصلاة بعد الصبح وقبل الشمس فلم يفرغوا منها حتى تطلع الشمس أتموها (قال الشافعي) ويخطب بعد تجلى الشمس لان الخطبة تكون بعد تجلى الشمس والقمر وإذا كسفت الشمس ثم حدث خوف صلى الامام صلاة الخسوف صلاة خوف كما يصلى المكتوبة صلاة خوف لا يختلف ذلك (1) وكذلك يصلي صلاة الخسوف وصلاة شدة الخوف إيماء حيث تجوجه راكبا وماشيا فإن أمكنه الخطبة والصلاة تكلم، وإن لم يمكنه فلا يضره (قال) وإن كسفت الشمس في حضر فغشى أهل البلد عدو مضوا إلى العدو، فإن أمكنهم في صلاة الكسوف ما يمكنهم في المكتوبة صلوها صلاة خوف، وإن لم يمكنهم ذلك صلوها صلاة شدة الخوف طالبين ومطلوبين ولا يختلف (قال الشافعي) ومتى غفل عن صلاة الكسوف حتى تجلى الشمس لم يكن عليهم صلاتها ولا قضاؤها (قال) فإن غفلوا عنها حتى تنكسف كلها ثم ينجلى بعضها صلوا صلاة كسوف متمكنين إذا لم يكونوا خائفين ولا متفاوتين وإن انجلت لم يخرجوا من الصلاة حتى يفرغوا منها وهي كاسفة حتى تعود بحالها قبل أن تكسف (قال) وإن انكسفت فجللها سحاب أو غبار أو حائل ما كان فظنوا أنها تجلت صلوا صلاة
الكسوف إذا علموا أنها قد كسفت فهى على الكسوف حتى يستيقنوا بتجليها ولو تجلى بعضها فرأوه صافيا لم يدعوا الصلاة لانهم مستيقنون بالكسوف ولا يدرون انجلى المغيب منها ام لم ينجل وقد يكون الكسوف في بعضها دون بعض وتنكسف كلها فيتجلى بعضها دون بعض حتى يتجلى الباقي بعده (قال الشافعي) ولو طلعت في طخاف أو غيانة أو غمامة فتوهموها كاسفة لم يصلوها حتى يستيقنوا كسوفها (قال) وإذا توجه الامام ليصلى صلاة الكسوف فلم يكبر حتى تنجلي الشمس لم يكن عليه أن يصلى الكسوف وإن كبر ثم تجلت الشمس أتم صلاة الكسوف بكمالها (قال) وإن صلى صلاة الكسوف فأكملها ثم انصرف والشمس كاسفة يزيد كسوفها أو لا يزيد لم يعد الصلاة وخطب الناس لانا لا نحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف إلا ركعتين وصلاة خسوف القمر كصلاة كسوف الشمس لا يختلفان في شئ إلا أن الامام لا يجهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر فيها كما يجهر في صلاة الاعياد وأنها من صلاة النهار ويجهر بالقراءة في صلاة الخسوف لانها من صلاة الليل وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم الجهر بالقراءة في صلاة الليل.
]
__________
(1) قوله: وكذلك يصلى صلاة الخسوف وصلاة شدة الخوف، كذا في النسخ بالواو، ولعلها من زيادة الناسخ.
تأمل.
كتبه مصححه.(1/279)
[ الخطبة في صلاة الكسوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويخطب الامام في صلاة الكسوف نهارا خطبتين يجلس في الاولى حين يصعد المنبر ثم يقوم فإذا فرغ من الخطبة الاولى جلس ثم يقوم فيخطب الثانية فإذا فرغ نزل (قال الشافعي) ويجعلها كالخطب يبدأ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وحض الناس على الخير وأمرهم بالتوبة والتقرب إلى الله عزوجل ويخطب في موضع مصلاه ويصلى في المسجد حيث يصلى الجمعة لا حيث يصلى الاعياد وإن ترك ذلك وصلى في غيره أجزأه إن شاء الله تعالى فإن كان بالموقف بعرفة خطب راكبا وفصل بين الخطبتين بسكتة كالسكتة إذا خطب على منبره وأحب إلى ان يسمع الامام في الخطبة في الكسوف والعيدين والاستسقاء وينصت لها وإن انصرف رجل قبل أن
يسمع لها أو تكلم كرهت ذلك له ولا إعادة عليه وإن ترك الامام الخطبة أو خطب على غير ما أمر به كرهت ذلك له ولا إعادة عليه (قال الشافعي) وأحب للقوم بالبادية والسفر وحيث لا يجمع فيه الصلاة أن يخطب بهم أحدهم ويذكرهم إذا صلوا الكسوف (قال) ولا أحب ذلك للنساء في البيوت لانه ليس من سنة النساء أن يخطبن إذا لم يكن مع رجال.
الاذان للكسوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أذان لكسوف ولا لعيد ولا لصلاة غير مكتوبة وإن أمر الامام من يصيح " الصلاة جامعة " أحببت ذلك له فإن الزهري يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في صلاة العيدين " الصلاة جامعة ".
قدر صلاة الكسوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب أن يقوم الامام في صلاة الكسوف فيكبر ثم يفتتح كما يفتتح المكتوبة ثم يقرأ في القيام الاول بعد الافتتاح بسورة البقرة إن كان يحفظها أو قدرها من القرآن إن كان لا يحفظها ثم يركع فيطيل ويجعل ركوعه قدر مائة آية من سورة البقرة ثم يرفع ويقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ بأم القرآن وقدر مائتي آية من البقرة ثم يركع بقدر ثلثى ركوعه الاول ثم يرفع ويسجد ثم يقوم في الركعة الثانية فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة وخمسين آية من البقرة ثم يركع بقدر سبعين آية من البقرة ثم يرفع فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة آية من البقرة ثم يركع بقدر قراءة خمسين آية من البقرة ثم يرفع ويسجد (قال الشافعي) وإن جاوز هذا في بعض وقصر عنه في بعض أو جاوزه في كل أو قصر عنه في كل إذا قرأ أم القرآن في مبتدأ الركعة وعند رفعه رأسه من الركعة قبل الركعة الثانية في كل ركعة أجزأه (قال الشافعي) وإن ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الاول أو القيام الثاني لم يعتد بتلك الركعة وصلى ركعة أخرى وسجد سجدتي السهو كما إذا ترك أم القرآن في ركعة واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتد بها كأنه قرأ بأم القرآن عند افتتاح الصلاة ثم ركع فرفع فلم يقرأ بأم(1/280)
القرآن حتى رفع ثم يعود لام القرآن فيقرؤها ثم يركع، وإن ترك أم القرآن حتى يسجد ألغى السجود
ووعاد إلى القيام حتى يركع بعد أم القرآن (قال) ولا يجزئ ان يؤم في صلاة الكسوف إلا من يجزئ أن يؤم في الصلاة المكتوبة فإن أم أمي قراء لم تجزئ صلاتهم عنهم وإن قرءوا معه إذا كانوا يأتمون به (قال) وإن أمهم قارئ أجزأت صلاته عنهم وإذا قلت لا تجزئ عنهم اعادوا بإمام ما كانت الشمس كاسفة وإن تجلت لم يعيدوا، وإن امتنعوا كلهم من الاعادة إلا واحدا أمرت الواحد أن يعيد، فإن كان معه غيره أمرتهما أن يجمعا.
صلاة المنفردين في صلاة الكسوف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى عبد الله بن أبى بكر عن عمرو أو صفوان ابن عبد الله بن صفوان قال رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم لكسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين (قال الشافعي) ولا أحسب ابن عباس صلى صلاة الكسوف إلا أن الوالى تركها لعل الشمس تكون كاسفة بعد العصر فلم يصل فصلى ابن عباس أو لعل الوالى كان غائبا أو امتنع من الصلاة (قال) فهكذا أحب لكل من كان حاضرا إماما أن يصلى إذا ترك الامام صلاة الكسوف أن يصلى علانية إن لم يخف وسرا إن خاف الوالى في أي ساعة كسفت الشمس وأحسب من روى عنه ان الشمس كسفت بعد العصر وهو بمكة تركها في زمان بنى أمية اتقاء لهم فأما أيوب بن موسى فيذهب إلى ان لا صلاة بعد العصر لطواف ولا غيره والسنة تدل على ما وصفت من أن يصلى بعد العصر لطواف والصلاة المؤكدة تنسى ويشتغل عنها ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا مقيم ولا لاحد جاز له أن يصلي بحال فيصليها كل من وصفت بإمام تقدمه ومنفردا إن لم يجد إماما ويصليها كما وصفت صلاة الامام ركعتين، في كل ركعة ركعتين وكذلك خسوف القمر (قال) وإن خطب الرجل الذى وصفت فذكرهم لم أكره (قال) وإن كسفت الشمس ورجل مع نساء فيهن ذوات محرم منه صلى بهن وإن لم يكن فيهن ذوات محرم منه كرهت ذلك له وإن صلى بهن فلا بأس إن شاء الله تعالى فإن كن اللاتى يصلين نساء فليس من شأن النساء الخطبة ولكن لو ذكرتهن إحداهن كان حسنا (قال) وإذا صلى الرجل وحده صلاة الكسوف ثم أدركها مع الامام صلاها كما يصنع في المكتوبة وكذلك المرأة فلا أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء ولا للعجوز ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الامام بل أحبها
لهن وأحب إلى لذوات الهيئة أن يصلينها في بيوتهن.
الصلاة في غير كسوف الشمس والقمر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة ولا ظلمة ولا لصواعق ولا ريح ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات.
كتاب الاستسقاء متى يستسقى الامام وهل يسأل الامام رفع المطر إذا خاف ضرره؟ أخبرنا الربيع قال اخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله(1/281)
عليه وسلم فقال: " يا رسول الله هلكت المواشى وتقطعت السبل فادع الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمطرنا من جمعة إلى جمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبيل وهلكت المواشى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم على رءوس الجبال والآكام وبطون الاودية ومنابت الشجر " فانجابت عن المدينة أنجياب الثوب) (قال الشافعي) فإذا كان جدب أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للامام ان يتخلف عن ان يعمل عمل الاستسقاء وإن تخلف عن ذلك لم تكن عليه كفارة ولا قضاء وقد أساء في تخلفه عنه وترك سنة فيه وإن لم تكن واجبة وموضع فضل، فإن قال قائل: فكيف لا يكون واجبا عليه أن يعمل عمل الاستسقاء من صلاة وخطبة؟ قيل لا فرض من الصلاة إلا خمس صلوات، وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن جدبا كان ولم يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في اوله عمل الاستسقاء وقد عمله بعد مدة منه فاستسقى وبذلك قلت لا يدع الامام الاستسقاء وإن لم يفعل الامام لم أر للناس ترك الاستسقاء لان المواشى لا تهلك إلا وقد تقدمها جدب دائم، وأما الدعاء بالاستسقاء فمما لا أحب تركه إذا كان الجدب، وإن لم يكن ثم صلاة ولا خطبة وإن استسقى فلم تمطر الناس أحببت ان يعود ثم يعود حتى يمطروا وليس استحبابي لعودته الثانية بعد الاولى ولا الثالثة بعد الثانية كاستحبابي للاولى وإنما أجزت له العود بعد الاولى أن الصلاة والجماعة في
الاولى فرض وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى سقى أولا فإذا سقوا أولا لم يعد الامام، أخبرنا الربيع قال اخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الاسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: أصاب الناس سنة شديدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بهم يهودي فقال: أما والله لو شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم ولكنه لا يحب ذلك فأخبر الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول اليهودي قال: " أو قد قال ذلك؟ " فقالوا نعم قال إنى لاستنصر بالسنة على اهل نجد وإنى لارى السحابة خارجة من العين فأكرهها موعدكم يوم كذا أستسقى لكم " فلما كان ذلك اليوم غدا الناس فما تفرق الناس حتى مطروا ما شاءوا فما أقلعت السماء جمعة وإذا خاف الناس غرقا من سيل أو نهر دعوا الله بكف الضرر عنهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بكف الضرر عن البيوت ان تهدمت وكذلك يدعو بكف الضرر من المطر عن المنازل وأن يجعل حيث ينفع ولا يضر البيوت من الشجر والجبال والصحارى إذا دعا بكف الضرر ولم آمر بصلاة جماعة وأمرت الامام والعامة يدعون في خطبة الجمعة وبعد الصلوات ويدعو في كل نازلة نزلت بأحد من المسلمين وإذا كانت ناحية مخصبة وأخرى مجدبة فحسن أن يستسقى إمام الناحية المخصبة لاهل الناحية المجدبة ولجماعة المسلمين ويسأل الله الزيادة لمن أخصب مع استسقائه لمن أجدب فإن ما عند الله واسع ولا أحضه على الاستسقاء لمن ليس بين ظهرانيه كما أحضه على الاستسقاء لمن هو بين ظهرانية ممن قاربه ويكتب إلى الذى يقوم بأمر المجدبين أن يستسقى لهم أو أقرب الائمة بهم، فإن لم يفعل أحببت أن يستسقى لهم رجل من بين ظهرانيهم.
من يستسقى بصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكل إمام صلى الجمعة وصلى العيدين استسقى وصلى الخسوف ولا(1/282)
يصلى الجمعة إلا حيث تجب لانها ظهر فإذا صليت جمعة قصرت منها ركعتان ويجوز أن يستسقى وأستحب أن يصلى العيدين والخسوف حيث لا يجمع من بادية وقرية صغيرة ويفعله مسافرون في البدو لانها ليست بإحالة شئ من فرض وهى سنة ونافلة خير ولا أحب تركه بحال وإن كان أمرى به
واستحبابيه حيث لا يجمع ليس هو كاستحبابيه حيث يجمع، وليس كامرئ به من يجمع من الائمة والناس وإنما أمرت به كما وصفت لانها سنة ولم ينه عنه أحد يلزم أمره وإذا استسقى الجماعة بالبادية فعلوا ما يفعلونه في الامصار من صلاة أو خطبة وإذا خلت الامصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة والعيدين والخسوف والاستسقاء كما قد قدم الناس ابا بكر وعبد الرحمن بن عوف للصلاة مكتوبة ورسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يصلح بين بنى عمر بن عوف وعبد الرحمن في غزوة تبوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذهب لحاجته ثم غبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بما صنعوا من تقدم عبد الرحمن بن عوف فإذا أجاز هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكتوبة غير الجمعة كانت الجمعة مكتوبة وكان هذا في غير المكتوبة مما ذكرت أجوز.
الاستسقاء بغير الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويستسقى الامام بغير صلاة مثل أن يستسقى بصلاة وبعد خطبته وصلاته وخلف صلاته وقد رأيت من يقيم مؤذنا فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أن يستسقى ويخص الناس على الدعاء فما كرهت من صنع ذلك.
الاذان لغير المكتوبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أذان ولا إقامة إلا للمكتوبة، فأما الخسوف والعيدان والاستسقاء وجميع صلاة النافلة فبغير اذان ولا إقامة.
كيف يبتدئ الاستسقاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبلغنا عن بعض الائمة أنه كان إذا أراد أن يستسقى أمر الناس فصاموا ثلاثة أيام متتابعة وتقربوا إلى الله عزوجل بما استطاعوا من خير ثم خرج في اليوم الرابع فاستسقى بهم وأنا أحب ذلك لهم وآمرهم أن يخرجوا في اليوم الرابع صياما من غير ان أوجب ذلك عليهم ولا على إمامهم ولا أرى بأسا أن يأمرهم بالخروج ويخرج قبل ان يتقدم إليهم في الصوم وأولى ما يتقربون إلى الله أداء ما يلزمهم من مظلمة في دم أو مال أو عوض ثم صلح المشاجر والمهاجر ثم يتطوعون بصدقة وصلاة وذكر وغيره من البر وأحب كلما أراد الامام العودة إلى الاستسقاء أن يأمر
أن يصوموا قبل عودته إليه ثلاثا.(1/283)
الهيئة للاستسقاء للعيدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة والعيدين بأحسن هيئة، وروى أنه خرج في الاستسقاء متواضعا وأحسب الذى رواه قال متبذلا فأحب في العيدين أن يخرج بأحسن ما يجد من الثياب وأطيب الطيب وبخرج في الاستسقاء متنظفا بالماء وما يقطع تغير الرائحة من سواك وغيره وفي ثياب تواضع ويكون مشيه وجلوسه وكلامه كلام تواضع واستكانة وما أحببت للامام في الحالات من هذا أحببته للناس كافة وما لبس الناس والامام مما يحل لهم الصلاة فيه أجزأه واياهم.
خروج النساء والصبيان في الاستسقاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب أن يخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء وكبار النساء ومن لا هيئة له منهن ولا أحب خروج ذوات الهيئة ولا آمر بإخراج البهائم وأكره إخراج من خالف الاسلام للاستسقاء مع المسلمين في موضع مستسقى المسلمين وغيره وآمر بمنعهم من ذلك فإن خرجوا متميزين على حدة لم نمنعهم ذلك ونساؤهم فيما أكره من هذا كرجالهم ولو تميز نساؤهم، لم أكره مخرجهم ما أكره من مخرج بالغيهم ولو ترك سادات العبيد المسلمين العبيد يخرجون كان أحب إلى وليس يلزمهم تركهم، والاماء مثل الحرائر، وأحب إلى لو ترك عجائزهن ومن لا هيئة له منهن يخرج، ولا أحب ذلك في ذوات الهيئة منهن، ولا يجب على ساداتهن تركهن يخرجن.
المطر قبل الاستسقاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تهيأ الامام للخروج فمطر الناس مطرا قليلا أو كثيرا، أحببت أن يمضى والناس على الخروج فيشكروا الله على سقياه ويسألوا الله زيادته وعموم خلقه بالغيث وأن لا يتخلفوا فإن فعلوا فلا كفارة ولا قضاء عليهم، فإن كانوا يمطرون في الوقت الذى يريد الخروج بهم فيه استسقى بهم في المسجد أو أخر ذلك إلى ان يقلع المطر ولو نذر الامام أن يستسقى ثم سقى
الناس وجب عليه أن يخرج فيوفي نذره، وإن لم يفعل فعليه قضاؤه وليس عليه أن يخرج بالناس لانه لا يملكهم ولا له أن يلزمهم أن يستسقوا في غير جدب وكذلك لو نذر رجل أن يخرج يستسقى كان عليه أن يخرج للنذر بنفسه فإن نذر أن يخرج بالناس كان عليه أن يخرج بنفسه وان لم يكن عليه أن يخرج بالناس لانه لا يملكهم ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم، وأحب أن يخرج بمن أطاعه منهم من ولده وغيرهم، فإن كان في نذره أن يخطب فيخطب ويذكر الله تعالى ويدعو جالسا إن شاء لانه ليس في قيامه إذا لم يكن واليا ولا معه جماعة بالذكر طاعة وإن نذر أن يخطب على منبر فليخطب جالسا وليس عليه أن يخطب على منبر لانه لا طاعة في ركوبه لمنبر ولا بعير ولا بناء، إنما أمر بهذا الامام ليسمع الناس فإن كان إماما ومعه ناس لم يف نذره إلا بالخطبة قائما لان الطاعة إذا كان معه ناس فيها أن يخطب قائما فإذا فعل هذا كله فوقف على منبر أو جدار أو قائما اجزأه من نذره ولو نذر أن يخرج(1/284)
فليستسقى أحببت له أن يستسقى في المسجد ويجزئه لو استسقى في بيته.
أين يصلى للاستسقاء؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويصلى الامام حيث يصلى العيد في أوسع ما يجد على الناس وحيث استسقى اجزأه إن شاء الله تعالى.
الوقت الذي يخرج فيه الامام للاستسقاء وما يخطب عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويخرج الامام للاستسقاء في الوقت الذى يصل فيه إلى موضع مصلاه وقد برزت الشمس فيبتدئ فيصلى فإذا فرغ خطب ويخطب على منبر يخرجه إن شاء، وإن شاء خطب راكبا أو على جدار أو شئ يرفع له أو على الارض، كل ذلك جائز له.
كيف صلاة الاستسقاء؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو أنه سمع عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم عن جعفر بن محمد أن
النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون بالقراءة في الاستسقاء ويصلون قبل الخطبة ويكبرون في الاستسقاء سبعا وخمسا، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال اخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن على رضى الله عنه (قال الشافعي) أخبرني سعد بن إسحق عن صالح عن ابن المسيب عن عثمان بن عفان أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا أخبرني إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبو الحويرث عن إسحق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه انه سأل ابن عباس عن التكبير في صلاة الاستسقاء فقال مثل التكبير في صلاة العيدين سبع وخمس، أخبرنا ابن عيينة قال اخبرني عبد الله بن أبى بكر قال سمعت عباد بن تميم يخبر عن عمه عبد الله بن زيد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة وحول رداءه وصلى ركعتين أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنى هشام بن إسحق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس مثله، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صالح بن محمد بن زائدة عن عمر بن عبد العزيز أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا وكبر في العيدين مثل ذلك أخبرنا إبراهيم قال حدثنى عمرو بن يحيى بن عمارة أن أبا بكر بن عمرو بن حزم أشار على محمد بن هشام أن يكبر في الاستسقاء سبعا وخمسا (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ فنأمر الامام يكبر في الاستسقاء سبعا وخمسا قبل القراءة ويرفع يديه عند كل تكبيرة من السبع والخمس ويجهر بالقراءة ويصلى ركعتين لا يخالف صلاة العيد بشئ ونأمره أن يقرأ فيها ما يقرا في صلاة العيدين فإذا خافت بالقراءة في صلاة الاستسقاء فلا إعادة عليه وإن ترك التكبير فكذلك ولا سجود للسهو عليه وإن ترك التكبير حتى يفتتح القراءة في ركعة لم يكبر بعد افتتاحه القراءة وكذلك إن كبر بعض التكبير ثم افتتح القراءة لم يقض(1/285)
التكبير في تلك الركعة وكبر في الاخرى تكبيرها ولم يقض ما ترك من تكبير الاولى فإن صنع في الاخرى كذلك صنع هكذا يكبر قبل أن يقرأ ولا يكبر بعدما يقرأ في الركعة التى افتتح فيها القراءة (قال الشافعي) وهكذا هذا في صلاة العيدين لا يختلف وما قرأ به مع أم القرآن في كل ركعة أجزأه وإن اقتصر على أم القرآن في كل ركعة أجزأته وإن صلى ركعتين قرأ في أحداهما بأم القرآن ولم يقرأ في الاخرى بأم القرآن فإنما صلى ركعة فيضيف إليها أخرى ويسجد للسهو ولا يعتد هو ولا من خلفه بركعة
لم يقرأ فيها وإن صلى ركعتين لم يقرأ في واحدة منهما بأم القرآن أعادهما خطب أم لم يخطب فإن لم يعدهما حتى ينصرف أحببت له إعادتهما من الغد أو يومه إن لم يكن الناس تفرقوا وإذا أعادهما أعاد الخطبة بعدهما وإن كان هذا في صلاة العيد أعادهما من يومه ما بينه وبين أن تزول الشمس فإذا زالت لم يعدهما لان صلاة العيد في وقت فإذا مضى لم تصل وكل وقت لصلاة الاستسقاء ولذلك يعيدهما في الاستسقاء بعد الظهر وقبل العصر.
الطهارة لصلاة الاستسقاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يصلى حاضر ولا مسافر صلاة الاستسقاء ولا عيد ولا جنازة ولا يسجد للشكر ولا سجود القرآن ولا يمس مصحفا إلا طاهرا الطهارة التى تجزيه للصلاة المكتوبة لان كلا صلاة، ولا يحل مس مصحف إلا بطهارة، وسواء خاف فوت شئ من هذه الصلوات أو لم يخفه يكون ذلك سواء في المكتوبات.
كيف الخطبة في الاستسقاء؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويخطب الامام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله فيهما ويحمده ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه ويقول كثيرا " استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ".
الدعاء في خطبة الاستسقاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويقول " اللهم انك امرتنا بدعائك ووعدتنا اجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم إن كنت أوجبت إجابتك لاهل طاعتك وكنا قد قارفنا ما خالفنا فيه الذين محضوا طاعتك فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتنا في سقيانا وسعة رزقنا " ويدعو بما شاء بعد للدنيا والآخرة ويكون أكثر دعائه الاستغفار يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه ويختم به ويكون أكثر كلامه حتى ينقطع الكلام ويحض الناس على التوبة والطاعة والتقرب إلى الله عزوجل (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه أخبرنا إبراهيم بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى
قال " اللهم أمطرنا " أخبرنا إبراهيم قال حدثنى خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله(1/286)
عليه وسلم كان يقول عند المطر " اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا " (قال) وروى سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال " اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللاواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا " (قال الشافعي) وأحب أن يدعو الامام بهذا ولا وقت في الدعاء ولا يجاوزه، أخبرنا إبراهيم عن المطلب بن السائب عن ابن المسيب قال استسقى عمر وكان أكثر دعائه الاستغفار (قال الشافعي) وإن خطب خطبة واحدة لم يجلس فيها ولم يكن عليه إعادة وأحب أن يجلس حين يرقى المنبر أو موضعه الذى يخطب فيه ثم يخطب ثم يجلس فيخطب.
تحويل الامام الرداء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويبدأ فيخطب الخطبة الاولى ثم يجلس ثم يقوم فيخطب بعض الخطبة الآخرة فيستقبل الناس في الخطبتين ثم يحول وجه إلى القبلة ويحول رداءه ويحول الناس أرديتهم معه فيدعو سرا في نفسه ويدعو الناس معه ثم يقبل على الناس بوجهه فيحضهم ويأمرهم بخير ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو أكثر من القرآن ويقول استغفر الله لى ولكم ثم ينزل وإن استقبل القبلة في الخطبة الاولى لم يكن عليه أن يعود لذلك في الخطبة الثانية، وأحب لمن حضر الاستسقاء استماع الخطبة والانصات، ولا يجب ذلك وجوبه في الجمعة.
كيف تحويل الامام رداءه في الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الدراوردى عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم قال استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه (قال الشافعي) وبهذا أقول فنأمر الامام أن ينكس رداءه فيجعل اعلاه أسفله ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقه الذى على منكبه الايمن على منكبه الايسر والذى على منكبه الايسر على منكبه الايمن فيكون قد جاء بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نكسه وبما فعل من تحويل الايمن على الايسر إذا خف له رداؤه فإن ثقل فعل ما فعل رسول الله صلى الله وسلم من تحويل ما على منكبه الايمن على منكبه الايسر وما على منكبه الايسر على منكبه الايمن ويصنع الناس في ذلك ما صنع الامام فإن تركه منهم تارك أو الامام أو كلهم كرهت تركه لمن تركه ولا كفارة ولا أعادة عليه ولا يحول رداءه إذا انصرف من مكانه الذى يخطب فيه وإذا حولوا أرديتهم أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها وإن اقتصر رجل على تحويل ردائه ولم ينكسه أجزأه إن شاء الله تعالى لسعة ذلك، وكذلك لو اقتصر على نكسه ولم يحوله إلا نكسا، رجوت أن يجزيه.(1/287)
كراهية الاستمطار بالانواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن زيد بن خالد الجهنى قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما أنصرف أقبل على الناس فقال " هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: " قال أصبح من عبادي مؤمن بى وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكواكب " (قال الشافعي) رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأبى هو وأمى " هو عربي واسع اللسان يحتمل قوله هذا معاني وإنما مطر بين ظهرانى قوم أكثرهم مشركون لان هذا في غزوة الحديبية وأرى معنى قوله والله أعلم أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله لانه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطى إلا الله عزوجل
وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ولا يمطر ولا يصنع شيئا فأما من قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا ولا يكون هذا كفرا وغيره من الكلام أحب إلى منه (قال الشافعي) أحب أن يقول مطرنا في وقت كذا وقد روى عن عمر أنه قال يوم الجمعة وهو على المنبر: كم بقى من نوء الثريا؟ فقام العباس فقال لم يبق منه شئ إلا العواء فدعا ودعا الناس حتى نزل عن المنبر فمطر مطرا حيى الناس منه وقول عمر هذا يبين ما وصفت لانه إنما أراد: كم بقى من وقت الثرياء؟ ليعرفهم بأن الله عزوجل قدر الامطار في أوقات فيما جربوا كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جربوا في أوقات وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وقد مطر الناس قال مطرنا بنوء الفتح ثم قرأ " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بنى تميم غدا متكئا على عكازه وقد مطر الناس فقال أجاد ما أقرى المجدح البارحة، فأنكر عمر قوله " أجاد ما أقرى المجدح " لاضافة المطر إلى المجدح.
البروز للمطر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمطر في أول مطرة حتى يصيب جسده وروى عن ابن عباس أن السماء أمطرت فقال لغلامه أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر فقال أبو الجوزاء لابن عباس: لم تفعل هذا يرحمك الله؟ فقال أما تقرأ كتاب الله " ونزلنا من السماء ماء مباركا " فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي، أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب أنه رآه في المسجد ومطرت السماء وهو في السقاية فخرج إلى رحبة المسجد ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه ثم رجع إلى مجلسه.(1/288)
السيل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى (1) أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن عبد الله بن الهاد أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا سال السيل يقول يقول " اخرجوا بنا إلى هذا الذى جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه " (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم عن إسحق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه وقال ما كان ليجئ من مجيئه أحد إلا تمسحنا به.
طلب الاجابة في الدعاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرني من لا أتهم قال حدثنى عبد العزيز بن عمر من مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث " (قال الشافعي) وقد حفظت عن غير واحد طلب الاجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة.
القول في الانصات عن رؤية السحاب والريح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرني من لا أتهم قال حدثنى خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا برقت السماء أو رعدت عرف ذلك في وجه فإذا أمطرت سرى عنه (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال قال المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصرنا شيئا في السماء يعنى السحاب ترك عمله واستقبل القبلة قال " اللهم انى أعوذ بك من شر ما فيه " فإن كشفه الله حمد الله تعالى وإن مطرت قال: " اللهم سقيا نافعا " (قال الشافعي) وأخبرني من لا أتهم قال حدثنى أبو حازم عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع حس الرعد عرف ذلك في وجهه فإذا أمطرت سرى عنه فسئل عن ذلك فقال " إنى لا أدرى بما أرسلت أبعذاب أم برحمة " (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال حدثنا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس قال ما هبت ريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال " اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " قال قال ابن عباس في كتاب الله عزوجل " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا * و " إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم " وقال " وأرسلنا الرياح لواقح * وأرسلنا الرياح مبشرات (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال أخبرنا صفوان بن سليم قال ]
__________
(1) وجدنا بهامش مسند الشافعي المطبوع ما نصه: قال الامام الحافظ ابو حاتم إذا قال الشافعي أخبرني الثقة عن ابن أبى ذئب فهو ابن أبى فديك وإذا قال الثقة، عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان وإذا قال
الثقة عن الوليد ابن كثير فهو عمر بن سلمة وإذا قال الثقة فهو مسلم بن خالد الزنجي وإذا قال الثقة عن صالح مولى فهو التوأمة فهو إبراهيم بن يحيى.
وفى الهامش أيضا قال الربيع إذ قال الشافعي أخبرني من لا اتهم، يريد إبراهيم بن يحيى، وإذا قال بعض أصحابنا، يريد أهل الحجاز، وفى رواية: يريد أصحاب مالك رحمه الله اه كتبه مصححه.(1/289)
[ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الريح وعوذوا بالله من شرها) (قال الشافعي) ولا ينبغى لاحد أن يسب الريح فإنها خلق الله عزوجل مطيع وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء (قال الشافعي) أخبرنا محمد بن عباس قال شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لعلك تسب الريح؟ " أخبرنا الثقة عن الزهري عن ثابت بن قيس عن أبى هريرة قال أخذت الناس ريح بطريق مكة وعمر حاج فاشتدت فقال عمر رضى الله عنه لمن حوله: " ما بلغكم في الريح؟ " فلم يرجعوا إليه شيئا فبلغني الذى سأل عنه عمر من أمر الريح فاستحثثت راحلتي حتى أدركت عمر وكنت في مؤخر الناس فقلت يا أمير المؤمنين: أخبرت أنك سألت عن الريح وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الريح من روح الله تأتى بالرحمة وتأتى بالعذاب فلا تسبوها واسألوا الله من خيرها وعوذوا بالله من شرها " أخبرنا سفيان بن عيينة قال قلت لابن طاوس: ما كان أبوك يقول إذا سمع الرعد؟ قال كان يقول: سبحان من سبحت له (قال الشافعي) كأنه يذهب إلى قول الله عزوجل " ويسبح الرعد بحمده ".
الاشارة إلى المطر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا من لا أتهم قال حدثنا سليمان بن عبد الله عن عروة بن الزبير قال " إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشير إليه وليصف ولينعت " (قال الشافعي) ولم تزل العرب تكره الاشارة إليه في الرعد، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة أن مجاهدا كان يقول: الرعد ملك والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب (قال الشافعي) ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن! أخبرنا الثقة عن مجاهد أنه قال ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره كأنه ذهب إلى قول الله عز
وجل " يكاد البرق يخطف أبصارهم " (قال) وبلغني عن مجاهد أنه قال وقد سمعت من تصيبه الصواعق كأنه ذهب إلى قول الله عزوجل " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء " وسمعت من يقول: الصواعق ربما قتلت وأحرقت.
كثرة المطر وقلته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم عن عمرو بن أبى عمرو عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ساعه من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء " (قال الشافعي) أخبرنا من لا أتهم عن عبد الله بن أبى بكر عن أبيه أن الناس مطروا ذات ليلة فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم غدا عليهم فقال " ما على الارض بقعة إلا وقد مطرت هذه الليلة " (قال الشافعي) أخبرنا من لا أتهم عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا ثم تمطروا ولا تثبت الارض شيئا ".
أي الارض أمطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني إسحق بن عبد الله عن الاسود عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة بين عينى السماء عين بالشام وعين(1/290)
باليمن وهى أقل الارض مطرا " (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال أخبرني يزيد أو نوفل بن عبد الملك الهاشمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسكت أقل الارض مطرا وهى بين عينى السماء (يعنى المدينة) عين بالشام وعين باليمن " أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني من لا أتهم.
قال أخبرني سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال: يوشك أن تمطر المدينة مطرا لا يكن أهلها البيوت ولا يكنهم إلا مظال الشعر.
(قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم عن صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يصيب المدينة مطر لا يكن اهلها بيت من مدر " (قال الشافعي) أخبرنا من لا أتهم قال أخبرني محمد بن زيد بن مهاجر عن صالح بن عبد الله بن الزبير أن كعبا قال له وهو يعمل وتدا بمكة: اشدد وأوثق فإنا نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان، أخبرنا سفيان عن
عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: جاء مكة مرة سيل طبق ما بين الجبلين (قال الشافعي) وأخبرني من لا أتهم قال أخبرني موسى بن جبير عن أبى امامة بن سهل بن حنيف عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: يوشك المدينة أن يصيبها مطرا أربعين ليلة لا يكن أهلها بيت من مدر.
أي الريح يكون بها المطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني عبد الله بن عبيدة عن محمد بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نصرت بالصبا وكانت عذابا على من كان قبلى " (قال الشافعي) وبلغني أن قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما هبت جنوب قط إلا أسالت واديا " (قال الشافعي) يعنى أن الله خلقها تهب نشرا بين يدى رحمته من المطر، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا سليمان عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال: إن الله تبارك وتعالى يرسل الرياح فتحمل الماء من السماء ثم تمر في السحاب حتى تدركما تدر اللقحة ثم تمطر.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي.
قال أخبرنا من لا أتهم قال: حدثنى إسحق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنشئت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها.
الحكم في تارك الصلاة أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الاسلام قيل له لم لا تصلي؟ فإن ذكر نسينا قلنا فصل إذا ذكرت وإن ذكر مرضا قلنا فصل كيف أطقت قائما أو قاعدا أو مضطجعا أو موميا فإن قال أنا أطيق الصلاة وأحسنها ولكن لا أصلى وإن كانت على فرضا قيل له الصلاة عليك شئ لا يعمله عنك غيرك ولا تكون إلا بعملك فإن صليت وإلا استتبناك فإن تبت وإلا قتلناك فإن الصلاة أعظم من الزكاة والحجة فيها ما وصفت من أن أبا بكر رضى الله عنه قال " لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله " (قال الشافعي " يذهب فيما أرى والله تعالى أعلم إلى قول الله تبارك وتعالى: (اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وأخبر أبو بكر أنه إنما يقاتلهم على الصلاة والزكاة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا من(1/291)
منع الزكاة إذ كانت فريضة من فرائض الله جل ثناؤه ونصب دونها أهلها فلم يقدر على أخذها منهم طائعين ولم يكونوا مقهورين عليها فتؤخذ منهم كما تقام عليهم الحدود كارهين وتؤخذ أموالهم لمن وجبت له بزكاة أو دين كارهين أو غير كارهين فاستحلوا قتالهم والقتال سبب القتل فلما كانت الصلاة وإن كان تاركها في أيدينا غير ممتنع منا فإنا لا نقدر على أخذ الصلاة منه لانها ليست بشئ يؤخذ من يديه مثل اللقطة والخراج والمال قلنا أن صليت وإلا قتلناك كما يفكر فنقول إن قبلت الايمان وإلا قتلناك إذا كان الايمان لا يكون إلا بقولك وكانت الصلاة والايمان مخالفين معا ما في يديك وما نأخذ من مالك لانا نقدر على أخذ الحق منك في ذلك وإن كرهت فإن شهد عليه شهود إنه ترك الصلاة سئل عما قالوا فإن قال كذبوا وقد يمكنه أن يصلي حيث لا يعلمون صدق وإن قال نسيت صدق وكذلك لو شهدوا أنه صلى جالسا وهو صحيح فإن قال: أنا مريض أو تطوعت صدق (قال الشافعي) وقد قيل يستتاب تارك الصلاة ثلاثا.
وذلك إن شاء الله تعالى حسن فإن صلى في الثلاث وإلا قتل وقد خالفنا بعض الناس فيمن ترك الصلاة إذا أمر بها وقال لا أصليها فقال لا يقتل وقال بعضهم أضربه واحبسه وقال بعضهم أحبسه ولا أضربه وقال بعضهم لا أضربه ولا أحبسه وهو أمين على صلاته (قال الشافعي) فقلت لمن يقول لا أقتله: أرأيت الرجل تحكم عليه بحكم برأيك وهو من أهل الفقه فيقول قد أخطأت الحكم ووالله لا أسلم ما حكمت به لمن حكمت له قال فإن قدرت على أخذه منه أخذته منه ولم ألتفت إلى قوله وإن لم أقدر ونصب دونه قاتلته حتى آخذه أو أقتله فقلت له: وحجتك أن أبا بكر قاتل من منع الزكاة وقتل منهم! قال: نعم، قلت: فإن قال لك: الزكاة فرض من الله لا يسع جهله وحكمك رأى منك يجوز لغيرك عندك وعند غيرك أن يحكم بخلافه فكيف تقتلني على ما لست على ثقة من أنك أصبت فيه كما تقتل من منع فرض الله عزوجل في الزكاة الذى لا شك فيه؟ قال: لانه حق عندي وعلى جبرك عليه (قلت) قال لك ومن قال لك إن عليك جبري عليه؟ قال: إنما وضع الحكام ليجبروا على ما رأوا (قلت) فإن قال لك على ما حكموا به من حكم الله أو السنة أو ما لا اختلاف فيه؟ قال قد يحكمون بما فيه الاختلاف (قلت) فإن قال فهل سمعت بأحد منهم قاتل على رد رأيه فتقتدى به؟
فقال: وأنا لم أجد هذا فإنى إذا كان لى الحكم فامتنع منه قاتلته عليه (قلت) ومن قال لك هذا؟ (وقلت) أرأيت لو قال لك قائل: من ارتد عن الاسلام إذا عرضته عليه فقال قد عرفته ولا أقول به أحبسه وأضربه حتى يقول به قال ليس ذلك له لانه قد بدل دينه ولا يقبل منه إلا أن يقول به قلت: افتعدو الصلاة إذ كانت من دينه وكانت لا تكون إلا به كما لا يكون القول بالايمان إلا به أن يقتل على تركها أو يكون أمينا فيها كما قال بعض أصحابك فلا نحبسه ولا نضربه؟ قال لا يكون أمينا عليها إذا ظهر لى أنه لا يصليها وهى حق عليه قلت أفتقتله برأيك في الامتناع من حكمك برأيك وتدع قتله في الامتناع من الصلاة التى هي أبين ما افترض الله عزوجل عليه بعد توحيد الله وشهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم والايمان بما جاء به من الله تبارك وتعالى؟ (1) ]
__________
(1) وقع في بعض النسخ ذكر هذه التراجم إلى كتاب الجنائز ولم يذكر فيها شئ عن الجنائز والذى وقع في نسخة السراج البلقينى بعد ترجمة الحكم في تارك الصلاة ترجمة كتاب الجنائز ولم ينبه كعادته على ما حذفه من هنا اين وضعه.
كتبه مصححه.(1/292)
[ الحكم في الساحر والساحرة أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن أشتراه ماله في الآخرة من خلاق " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال يا عائشة أما علمت أن الله أفتانى في أمر استفتيته فيه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن أتانى رجلان فجلس أحدهما عند رجلى والآخر عند رأسي فقال الذى عند رجلى للذى عند رأسي: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال ومن طبه، قال: لبيد بن أعصم، قال: وفيم؟
قال: في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت رعونة أو رعوفة في بئر ذر وان قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه التى أريتها كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين وكأن ماءها نقاعة الحناء قال فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرج " قالت " عائشة فقلت يا رسول الله فهلا " قال سفيان تعنى تنشرت قالت فقال " أما الله عزوجل فقد شفاني وأكره أن أثير على الناس منه شرا " قال ولبيد بن أعصم من بنى زريق حليف اليهود (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول كتب عمر " أن اقتلوا كل ساحر وساحرة " فقتلنا ثلاث سواحر (قال الشافعي) وأخبرنا ان حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها (قال الشافعي) والسحر اسم جامع لمعان مختلفة فيقال للساحر صف السحر الذى تسحر به فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئا وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف ولم يضر به أحدا نهى عنه فإن عاد عزر وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في ماله وإن قال إنما أعمل بهذا لاقتل فيخطئ القتل ويصيب وقد مات مما عملت به ففيه الدية ولا قود وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل وكانت لهم الدية ولا قود لهم مال الساحر ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا وأمر عمر أن يقتل السحار عندنا والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا وكذلك أمر حفصة وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لان لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الامام ليقتلها إن شاء الله تعالى وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم على احد هذه المعاني عندنا والله تعالى أعلم (قال الشافعي) حقن الله الدماء ومنع الاموال إلا بحقها بالايمان بالله وبرسوله أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لاهل الكتاب وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع من الايمان إذا لم يكن لهم عهد قال الله تبارك وتعالى " فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " إلى " غفور رحيم) (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا(1/293)
منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (قال الشافعي) والذى أراد الله عزوجل أن يقتلوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، أهل الاوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم، فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟ قيل له قال الله عزوجل " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " (قال الشافعي) فمن لم يزل على الشرك مقيما لم يحول عنه إلى الاسلام فالقتل على الرجال دون النساء.
المرتد عن الاسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن انتقل عن الشرك إلى إيمان ثم انتقل عن الايمان إلى الشرك من بالغى الرجال والنساء استتيب فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل قال عزوجل " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " إلى " هم فيها خالدون) (قال الشافعي) أخبرنا الثقة من أصحابنا عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبى أمامة بن سهل حنيف عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبى تميمة عن عكرمة قال لما بلغ ابن عباس أن عليا رضى الله تعالى عنه حرق المرتدين أو الزنادقة قال: لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه " ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينبغى لاحد ان يعذب بعذاب الله " (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن زبد ابن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال " من غير دينه فاضربوا عنقه " (قال الشافعي) حديث يحيى بن سعيد ثابت ولم أهل الحديث يثبتون الحديثين بعد حديث زيد لانه منقطع ولا الحديث قبله (قال) ومعنى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم " كفر بعد إيمان " ومعنى، من بدل قتل معنى يدل على أن من بدل دينه دين الحق وهو الاسلام لا من بدل غير الاسلام وذلك
أن من خرج من غير دين الاسلام إلى غيره من الاديان فإنما خرج من باطل إلى باطل ولا يقتل على الخروج من الباطل إنما يقتل على الخروج من الحق لانه لم يكن على الدين الذى أوجب الله عزوجل عليه الجنة وعلى خلافة النار إنما كان على دين له النار إن أقام عليه قال الله جل ثناؤه " إن الدين عند الله الاسلام " وقال الله عزوجل " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " إلى قوله " من الخاسرين " وقال " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب " إلى قوله " مسلمون " (قال الشافعي) وإذا قتل المرتد أو المرتدة فأموالهما فئ لا يرثها مسلم ولا ذمى وسواء ما كسبا من أموالهما في الردة أو ملكا قبلها ولا يسبى للمرتدين ذرية امتنع المرتدون في دارهم أو لم يمتنعوا أو لحقوا في الردة بدار الحرب أو أقاموا بدار الاسلام لان حرمة الاسلام قد ثبتت للذرية بحكم الاسلام في الدين والحرية ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم ويوارثون ويصلى عليهم ومن بلغ منهم الحنث أمر بالاسلام فإن أسلم وإلا قتل ولو ارتد المعاهدون فامتنعوا أو هربوا إلى دار الكفار وعندنا ذرارى لهم ولدوا من اهل عهد لم نسبهم وقلنا لهم إذا بلغوا ذلك إن شئتم فلكم العهد وإلا نبذنا إليكم فأخرجوا من بلاد الاسلام فأنتم حرب ومن ولد من المرتدين من المسلمين والذميين في الردة لم يسب لان آباءهم لا يسبون ولا يؤخذ من ماله شئ ما كان حيا فإن مات على(1/294)
الردة أو قتل جعلنا ماله فيئا وإن رجع إلى الاسلام فماله له وإذا ارتد رجل عن الاسلام أو أمرأة استتيب أيهما ارتد فظاهر الخبر فيه أن يستتاب مكانه فإن تاب وإلا قتل وقد يحتمل الخبر أن يستتاب مدة من المدد، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارى عن أبيه أنه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبى موسى الاشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل كان فيكم من مغربة حبر؟ فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: " فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم إنى لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني " (قال الشافعي) وفى حبسه ثلاثا قولان أحدهما أن يقال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحل الدم بثلاث، كفر بعد إيمان وهذا قد كفر بعد إيمانه ويدل دينه دين الحق ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأناة مؤقتة تتبع فإن قال قائل إن الله جل ثناؤه أجل
بعض من قضى بعذابه أن يتمتع في داره ثلاثة أيام فإن نزول نقمة الله بمن عصاه مخالف لما يجب على الائمة أن يقوموا به من حق الله فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل دل عليه ما قضى الله تبارك وتعالى من إمهاله لمن كفر به وعصاه (1) وقيل أسلناه مددا طالت وقصرت ومن أخذه بعضهم بعذاب معجل وإمهاله بعضهم إلى عذاب الآخرة الذى هو أخزى فأمضى قضاءه على ما أراد لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ولم يجعل هذا لاحد من خلقه فيما وجب من حقوقه فالمتأنى به ثلاثا ليتوب بعد ثلاث كهيئة قبلها إما لا ينقطع منه الطمع ما عاش لانه يؤيس من توبته ثم يتوب وإما أن يكون إغرامه يقطع الطمع منه فذلك يكون في مجلس وهذا قول يصح والله تعالى أعلم ومن قال لا يتأنى به من زعم أن الحديث الذى روى عن عمر لو حبستموه ثلاثا ليس بثابت لانه لا يعلمه متصلا وإن كان ثابتا كأن لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئا والقول الثاني انه يحبس ثلاثا ومن قال به احتج بأن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمر به وأنه قد يجب الحد فيتأنى به الامام بعض الاناة فلا يعاب عليه قال الربيع قال الشافعي في موضع آخر لا يقتل حتى يجوز كل وقت صلاة فيقال له قم فصل فإن لم يصل قتل (قال الشافعي) اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين يظهره أولا يظهره لم يستتب وقتل وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهره استتيب فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل وإن كانت ردته إلى دين لا يظهره مثل الزندقة وما أشبهها قتل ولم ينظر إلى توبته وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة ومن لم يولد عليها إذا سلم فأيهما ارتد استتبب، فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل (قال الشافعي) وبهذا أقول فإن قال قائل لم اخترته؟ قيل له: لان الذى أبحث به دم المرتد ما أباح الله به دماء المشركين ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم " كفر بعد إيمان " فلا يعدو قوله أن يكون كلمة الكفر توجب دمه كما يوجبه الزنا بعد الاحصان فقتل بما أوجب دمه من كلمة الكفر إلى أي كفر رجع ومولودا على الفطرة كان أو غير مولود أو يكون إنما يوجب دمه كفر ثبت عنه إذا سئل النقلة عنه امتنع وهذا أولى المعنيين به عندنا لانه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل مرتدا رجع عن الاسلام وأبو بكر قتل المرتدين وعمر قتل طليحة وعيينة بن بدر وغيرهما (قال الشافعي) والقولان اللذان تركت ليسا ]
__________
(1) قوله: وقيل أسلناه، كذا هو في الاصل غير منقوط ولعله، أو أنيناه، وعلى كل فهى في غير موضعها وحرر.
كتبه مصححة.(1/295)
[ بواحد من هذين القولين اللذين لا وجه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرهما وإنما كلف العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه وقد قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " إذ جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله، والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله " إلى قوله " فطبع على قلوبهم " (قال) وقد قيل في قول الله عزوجل " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " ما هم بمخلصين وفى قول الله آمنوا ثم كفروا ثم أظهروا الرجوع عنه قال الله تبارك اسمه " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " فحقن بما إظهروا من الخلف ما قالوا كلمة الكفر دماءهم بما أظهروا (قال) وقول الله جل ثناؤه " اتخذوا إيمانهم جنة " يدل على أن إظهار الايمان جنة من القتل والله ولى السرائر (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثى عن عبيد الله بن عدى بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدى بسيف فقطعها ثم لاذ منى بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقلته " قلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدى ثم قال ذلك بعد أن قطعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال " قال الربيع معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء الله تعالى فإن قلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال " يعنى أنه بمنزلتك حرام الدم وأنت إن قتلته بمنزلته كنت مباح الدم قبل أن يقول الذى قال " (قال الشافعي) وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين دلالة على أمور منها، لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ولا دين يظهرونه إنما أظهروا الاسلام وأسروا الكفر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر على أحكام المسلمين
فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأسهم لمن شهد الحرب منهم وتركوا في مساجد المسلمين (قال الشافعي) ولا رجع عن الايمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عزوجل عن كفره بعد إيمانه فإن قال قائل أخبر الله عزوجل عن أسرارهم ولعله لم يعلمه الآدميون فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الايمان ومنهم من أقر بعد الشهادة ومنهم من أقر بغير شهادة ومنهم من أنكر بعد الشهادة واخبر الله عزوجل عنهم بقول ظاهر فقال عزوجل " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " فكلهم إذا قال ما قال وثبت على قوله أو جحد أو أقر وأظهر الاسلام (1) وترك بإظهار الاسلام فلم يقتل فإن قال قائل فإن الله عزوجل قال " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " إلى قوله " فاسقون " فإن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة صلاة المسلمين سواه لانا نرجوا أن لا يصلى على أحد إلا صلى الله عليه ورحمه وقد قضى الله " إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " وقال جل ثناؤه " استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عنهم وصلاة المسلمين غيره فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له ولم ينه الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها ولا عن مواريثهم فإن قال قائل فإن ترك قتلهم جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ]
__________
(1) قوله: وترك، لعل الواو زائدة من الناسخ في جواب الشرط، تأمل.
كتبه مصححه.(1/296)
[ فذلك يدخل عليه فيما سواه من الاحكام فيقال فيمن ترك عليه السلام قتله أو قتله جعل هذا له خاصة وليس هذا لاحد إلا بأن تأتى دلالة على أن أمرا جعل خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فما صنع عام على الناس الاقتداء به في مثله إلا ما بين هو أنه خاص أو كانت عليه دلالة بخبر (قال الشافعي) وقد عاشروا أبا بكر وعمر وعثمان أئمة الهدى وهم يعرفون بعضهم فلم يقتلوا منهم أحدا ولم يمنعوه حكم الاسلام في الظاهر إذ كانوا يظهرون الاسلام وكان عمر يمر بحذيفة بن اليمان إذا مات ميت فإن أشار عليه أن اجلس جلس واستدل على أنه منافق ولم يمنع من الصلاة عليه مسلما وإنما يجلس عمر عن الصلاة عليه أن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق إذا كان لهم من يصلى عليهم
سواه وقد يرتد الرجل إلى النصرانية ثم يظهر التوبة منها وقد يمكن فيه أن يكون مقيما عليه لانه قد يجوز له ذلك عنده بغير مجامعة النصارى ولا غشيان الكنائس فليس في ردته إلى دين لا يظهره إذا أظهر التوبة شئ يمكن بأن يقول قائل لا أجد دلالة على توبته بغير قوله إلا وهو يدخل في النصرانية وكل دين يظهره ويمكن فيه قبل أن يظهر ردته أن يكون مشتملا على الردة فإن قال قائل لم أكلف هذا إنما كلفت ما ظهر والله ولى ما غاب فأقبل القوم بالايمان إذا قاله ظاهرا وأنسبه إليه وأعمل به إذا عمل فهذا واحد في كل أحد سواء لا يختلف ولا يجوز أن يفرق بينه إلا بحجة إلا أن يفرق الله ورسوله بينه ولم نعلم لله حكما ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم يفرق بينه وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لاحد أن يحكم على أحد إلا بظاهر والظاهر ما أقر به أو ما قامت به بينة تثبت عليه فالحجة فيما وصفنا من المنافقين وفى الرجل الذى استفتى فيه المقداد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قطع يده على الشرك وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فهلا كشفت عن قلبه؟ " يعنى أنه لم يكن له إلا ظاهرة وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين " إن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به أديعج جعدا فلا أراه إلا قد صدق " فجاءت به على النعت المكروه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أمره لبين لولا ما حكم الله " وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض وأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا ياخذ به فإنى إنما أقطع له قطعة من النار " (قال الشافعي) ففى كل هذا دلالة بينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقض إلا بالظاهر فالحكام بعده أولى أن لا يقضوا إلا على الظاهر ولا يعلم السرائر إلا الله عزوجل والظنون محرم على الناس ومن حكم بالظن لم يكن ذلك له والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وإذا ارتد الرجل أو المرأة عن الاسلام فهرب ولحق بدار الحرب أو غيرها وله نساء وأمهات أولاد ومكاتبون ومدبرون ومماليك وأموال ماشية وأرضون وديون له عليه أمر القاضى نساءه أن يعتددن وانفق عليهن من ماله وإن جاء تائبا وهو في عدتهن فهو على النكاح وإن لم يأت تائبا حتى تمضى عدتهن فقد انفسخن منه وينكحن من شئن ووقف أمهات الاولاد فمتى جاء تائبا فهن في ملكه وينفق عليهن من ماله فإن مات أو قتل عتقن وكان مكاتبوه على كتابتهم وتؤخذ
نجومهم فإن عجزوا رجعوا رقيقا ونظر فيمن بقى من رقيقه فإن كان حبسهم أزيد في ماله حبسهم أو من كان منهم يزيد في ماله بخراج أو بصناعة أو كفاية لضيعة وإن كان حبسهم ينقص من ماله أو حبس بعضهم باع من كان حبسه منهم ناقصا لماله وهكذا يصنع في ماشيته وأرضه ودوره ورقيقه ويقتضى دينه ويقضى عنه ما حل من دين عليه فإن رجع تائبا سلم إليه ما وقف من ماله وإن مات أو قتل على ردته كان ما بقى من ماله فيئا (قال الشافعي) وإن جنى في ردته جناية لها أرش أخذ من ماله وإن جنى(1/297)
عليه فالجناية هدر لان دمه مباح فما دون دمه أولى أن يباح من دمه (قال) وإن أعتق في ردته أحدا من رقيقه فالعتق موقوف ويستغل العبد ويوقف عليه فإن مات فهو رقيق وغلته مع عنقه فئ وإن رجع تائبا فهو حر وله ما غل بعد العتق (قال) وإن أقر في ردته بشئ من ماله فهو كما وصفت في العتق وكذلك لو تصدق (قال) وإن وهب فلا تجوز الهبة لانها لا تجوز إلا مقبوضة (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله يعتق فيبطل عتقه ويتصدق فتبطل صدقته ولا يلزمه ذلك إذا خرج من الولاية؟ الفرق بينهما أن الله تبارك وتعالى ويقول " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فكان قضاء الله عزوجل أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا ويؤنس منهم رشد فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم وأنها محبوسه برحمة الله لصلاحهم في حياتهم ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم ولا يصلح معايشهم فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه لانه لا يلزمهم عتق ولا صدقة ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله ولا بأنه له وإن كان مشركا ولو كان يجوز أن يترك على شركه لجاز أمره في ماله، لانا لا نلى على المشركين أموالهم فأجزنا عليه ما صنع فيه إن رجع إلى الاسلام وإن لم يرجع حتى يموت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئا، فإن قيل أو ليس ماله على حاله؟ قيل: بل ماله على شرط.
الخلاف في المرتد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال بعض الناس إذا أرتدت المرأة عن الاسلام حبست ولم تقتل فقلت لمن يقول هذا القول: أخيرا قلته أم قياسا؟ قال بل خبرا عن ابن عباس وكان من أحسن أهل
العلم من أهل ناحيته قولا فيه قلت الذى قال هذا خطاء ومنهم من أبطله بأكثر (قال الشافعي) وقلت له قد حدث بعض محدثيكم عن أبى بكر الصديق أنه قتل نسوة ارتددن عن الاسلام فما كان لنا أن نحتج به إذا كان ضعيفا عند أهل العلم بالحديث (قال فإنى أقوله قياسا على السنة (قلت) فاذكره قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان من أهل دار الحرب فإذا كان النساء لا يقتلن في دار الحرب كان النساء اللاتى ثبت لهن حرمة الاسلام أولى أن لا يقتلن (قال الشافعي) فقلت له أو يشبه حكم دار الحرب الحكم في دار الاسلام (قال) وما الفرق بينه؟ قلت أنت تفرق بينه (قال) وأين؟ قلت: أرأيت الكبير الفاني والراهب الاجير أيقتل من هؤلاء أحد في دار الحرب؟ قال لا (قلت) فإن ارتد رجل فترهب أو ارتد أجيرا نقتله؟ قال: نعم (قلت) ولم؟ وهؤلاء قد ثبت لهم حرمة الاسلام وصاروا كفارا فلم لا تحقن دماءهم؟ (قال) لان قتل هؤلاء كالحد ليس لى تعطيله (قلت) أرأيت ما حكمت به حكم الحد أنسقطه عن المرأة؟ أرأيت القتل والقطع والرجم والجلد أتجد بين المرأة والرجل من المسلمين فيه فرقا؟ قال: لا (قلت) فكيف لم تقتلها بالحد في الردة (قال الشافعي) وقلت له أرأيت المرأة من دار الحرب أتغنم مالها وتسبيها وتسترقها قال نعم (قلت) فتصنع هذا بالمرتدة في دار الاسلام؟ قال: لا، قال فقلت له: فكيف جاز لك أن تقيس بالشئ ما لا يشبهه في الوجهين (قال الشافعي) وقال بعض الناس وإذا ارتد الرجل عن الاسلام فقتل أو مات على ردته أو لحق بدار الحرب قسمنا ميراثه بين ورثته من المسلمين وقضينا كل دين عليه إلى أجل واعتقنا أمهات أولاده ومدبريه فإن رجع إلى الاسلام لم نرد من الحكم شيئا إلا أن نجد من ماله شيئا في يدي أحد من(1/298)
ورثته فيردون عليه لانه ماله ومن أتلف من ورثته شيئا مما قضينا له به ميراثا لم يضمنه (قال الشافعي) فقلت لاعلى من قال هذا القول عندهم أصول العلم عندك أربعة أصول أوجبها وأولاها أن يؤخذ به فلا يترك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلا أعلمك إلا قد جردت خلافهما ثم القياس والمعقول عندك الذى يؤخذ به بعد هذين الاجماع فقد خالفت القياس والمعقول وقلت في هذا قولا متناقضا (قال) فأوحدنى ما وصفت قلت له قال الله تبارك وتعالى " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " مع ما ذكر من آي المواريث ألا ترى أن الله عزوجل إنما
ملك الاحياء بالمواريث ما كان الموتى يملكون إذا كانوا أحياء؟ قال: بلى (قلت) والاحياء خلاف الموتى؟ قال: نعم (قلت) أفرأيت المرتد ببعض ثغورنا يلحق بمسلحة لاهل الحرب يراها فيكون قائما بقتالنا أو مترهبا أو معتزلا لا تعرف حياته فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو حى؟ بخبر قلته أم قياسا (قال) ما قلته خبرا (قلت) وكيف عبت أن حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في أمرأة المفقود تربص أربع سنين ثم تعتد ولم يحكما في ما له فقلت سبحان الله يجوز ان يحكم عليه بشئ من حكم الموتى وإن كان الاغلب أنه ميت لانه قد يكون غير ميت ولا يحكم عليه إلا بيقين وحكمت أنت عليه في ساعة من نهار حكم الموتى في كل شئ برأيك ثم قلت فيه قولا متناقضا (قال) فقال إلا تراني لو أخذته فقتلته (قلت) وقد تأخذه فلا تقتله بأخذه مبرسما أو أخرس فلا تقتله حتى يفيق فنستتيبه قال نعم (قال) وقلت له أرأيت لو كنت إذا أخذته قتلته أكان ذلك يوجب عليه حكم الموتى وأنت لم تأخذه ولم تقتله وقد تأخذه ولا تقتله بأن يتوب بعدما تأخذه وقبل تغير حاله بالخرس؟ (قال) فإنى أقول إذا ارتد ولحق بدار الحرب فحكمه حكم ميت (قال) فقلت له أفيجوز أن يقال ميت يحيا بغير خبر؟ فإن جاز هذا لك جاز لغيرك مثله ثم كان لاهل الجهل أن يتكلموا في الحلال والحرام (قال) وما ذلك لهم (قلت) ولم؟ (قال) لان على أهل العلم أن يقولوا من كتاب أو سنة أو أمر مجمع عليه أو أثر أو قياس أو معقول ولا يقولون بما يعرف الناس غيره إلا أن يفرق بين ذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر ولا يجوز في القياس أن يخالف (قلت) هذا سنة؟ قال: نعم (قلت) فقد قلت بخلاف الكتاب والقياس والمعقول (قال) فأين خالفت القياس؟ (قلت) أرأيت حين زعمت أن عليك إذا ارتد ولحق بدار الحرب أن تحكم عليه حكم الموتى وأنك لا ترد الحكم إذا جاء لانك إذا حكمت به لزمك إن جاءت سنة فتركته لم تحكم عليه في ماله عشر سنين حتى جاء تائبا ثم طلب منك من كنت تحكم في ماله حكم الموتى أن تسلم ذلك إليه وقال قد لزمك أن تعطينا هذا بعد عشر سنين؟ قال: ولا أعطيهم ذلك وهو أحق بماله (قلت) له فإن قالوا إن كان هذا لزمك فلا يحل لك إلا أن تعطيناه وإن كان لم يلزمك إلا بموته فقد أعطيتناه في حال ولا يحل لك ولا لنا ما أعطيتنا منه (قال الشافعي) وقلت له أرأيت إذ زعمت أنك إذا حكمت عليه بحكم الموتى فهل يعدو الحكم فيه أن يكون نافذا لا يرد أو
نوقوفا عليه يردد إذا جاء (قال) ما أقول بهذا التحديد (قلت) أفتفرق بينه بخبر يلزمه فنتبعه؟ (قال) لا، فقلت إذا كان خلاف القياس والمعقول وتقول بغير خبر أيجوز؟ قال: إنما فرق أصحابكم بغير خبر (قلت) أفرأيت ذلك ممن فعله منهم صوابا؟ قال: لا (قلت) أو رأيت أيضا قولك إذا كان عليه دين إلى ثلاثين سنة فلحق بدار الحرب فقضيت صاحب الدين دينه وهو مائة ألف دينار وأعتقت أمهات إولاده ومدبريه وقسمت ميراثه بين أبنيه فأصاب كل واحد منهما ألف دينار فأتلف أحدهما نصيبه والآخر بعينه ثم جاء مسلما من يومه أو غده فقال: أردد على ما لى فهو هذا وهؤلاء أمهات أولادي، ومدبري(1/299)
بأعيانهم وهذا صاحب دينى يقول لك هذا ما له في يدى لم أغيره وهذان ابناى ما لى في يد أحدهما أو قد صادني الآخر فأتلف مالى (قال) أقول له: قد مضى الحكم ولا يرد غير أنى اعطيك المال الذى في يد ابنك الذى لم يتلفه فقلت له فقال لك ولم تعطينيه دون مالى (قال) لانه مالك بعينه فقلت له: فمدبروه وأمهات أولاده ودينه المؤجل ماله بعينه فأعطه إياه (قال) لا أعطيه إياه لان الحكم قد مضى به (قلت) ومضى ما أعطيت ابنه قال نعم (قلت) فحكمت حكما واحدا فإن كان الحق أمضاه فأمضه كله وإن كان الحق رده فرده كله (قال) أرد ما وجدته بعينه (قلت) له فاردد إليه دينه المؤجل بعينه ومدبريه وأمهات أولاده قال: أرد عين ما وجدت في يد وارثه (قلت) له أفترى هذا جوابا؟ فما زاد على أن قال فأين السنة؟ (قال الشافعي) فقلت له أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن على بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن الزهري عن على بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله (قلت) أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر وبذلك أقتله (قلت) أفما تبين لك السنة أن المسلم لا يرث الكافر قال فإنا قد روينا عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه ورث مرتدا قتله وورثته من المسلمين (قال) فقلت أن أسمعك وغيرك تزعمون أن ما روى عن على من توريثه المرتد خطأ وأن الحفاظ لا يروونه في الحديث (قال) فقد رواه ثقة وإنما قلنا خطأ بالاستدلال وذلك ظن (قال) فقلت له: روى الثقفى وهو ثقة عن جعفر بن محمد عن أبيه
رحمهما الله تعالى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد فقلت فلم يذكر جابرا الحفاظ فهذا يدل على أنه غلط أفرأيت لو احتججنا عليك بمثل ما حجتك فقلنا هذا ظن والثقفي ثقة (1) وان صنع غيره أوشك قال فإذا لا تنصف (قلت) وكذلك لم تنصف انت حين أخبرتني أن الحفاظ رووا هذا الحديث عن على رضى الله عنه ليس فيه توريث ما له وقلت: هذا غلط ثم احتججت به فقال لو كانت ثابتا قلت فأصل ما نذهب إليه نحن وأنت وأهل العلم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عن غيره خلافه ولو كثروا لم يكن فيه حجة؟ قال أجل ولكني أقول: قد يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " الذى لم يسلم قط (قال الشافعي) فقلت له أفتقول هذا بدلالة في الحديث؟ قال لا ولكن عليا رضى الله تعالى عنه أعلم به فقلت أيروى على عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فنقول لا يدع شيئا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عرف معناه فيوجه على ما قلت؟ (قال) ما علمته رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) أفيمكن فيه أن لا يكون سمعه؟ قال: نعم (قال الشافعي) فقلت له: أفترى لك في هذا حجة؟ قال: لا يشبه أن يكون يخفى مثل هذا عن على رضى الله تعالى عنه فقلت: وقد وجدتك تخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بروع بنت واشق بمثل صداق نسائها وكانت نكحت على غير صداق فقضى بخلافه وقد سمعته وقال مثل قول على ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس فقلت: لا حجة لاحد ولا في قوله مع النبي صلى الله عليه وسلم وقلت له: فإن قال لك قائل قد يمكن أن يكون إنما قال هذا زيدا وابن عمر وابن عباس لانهم علموا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ان زوج بروع فرض لها بعد عقدة النكاح فحفظ معقل أن عقدة النكاح بعد فريضة وعلم هؤلاء أن الفريضة قد كانت بعد الدخول.
]
__________
(1) قوله: وإن صنع غيره، كذا في الاصل، وتأمله.
كتبه مصححه.(1/300)
قال ليس في حديث معقل، وهؤلاء لم يرووه فيكونون قالوه برواية.
وإنما قالوا عندنا بالرأى حتى يدعوا فيه رواية (قال الشافعي) فقلت لم لا يكون ما رويت عن على في المرتد هكذا؟ (قال) وقلت له معاذ بن جبل يورث المسلم من الكافر ومعاوية وابن المسيب ومحمد بن على وغيرهم، ويقول بعضهم
نرثهم لا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال لك قائل: فمعاذ بن جبل من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يحتمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " من أهل الاوثان، لان أكثر حكمه كان عليهم وليس يحل نساؤهم ولكن المسلم يرث الكافر من اهل الكتاب كما يحل له نكاح المرأة منهم، قال: ليس ذلك له والحديث يحتمل كثيرا مما حمل وليس معاذ حجة وإن قال قولا واحتمله الحديث لانه لم يرو الحديث (قلت) فنقول لك ومعاذ يجهل هذا ويرويه أسامة بن زيد؟ قال: نعم.
قد يجهل السنة المتقدم الصحبة ويعرفها قليل الصحبة (قال الشافعي) فقلت له كيف لم تقل هذا في المرتد؟ (قال الشافعي) فقطع الكلام: وقال ولم قلت يكون مال المرتد فيئا؟ (قلت) بأن الله تبارك وتعالى حرم دم المؤمن وماله إلا بواحدة ألزمه إياها وأباح دم الكافر وماله إلا بأن يؤدى الجزية أو يستأمن إلى مدة فكان الذى يباح به دم البالغ من المشركين هو الذى يباح به ماله وكان المال تبعا للذى هو أعظم من المال فلما خرج المرتد من الاسلام صار في معنى من أبيح دمه بالكفر لا بغيره وكان ماله تبعا لدمه ويباح بالذى أبيح به من دمه ولا يكون أن تنحل عنه عقدة الاسلام فيباح دمه ويمنع ماله (قال الشافعي) فقال: فإن كنت شبهته بأهل دار الحرب فقد جمعت بينهم في شئ وفرقته في آخر (قلت) وما ذاك؟ قال: أنت لا تغنم ماله حتى يموت أو تقتله وقد يغنم مال الحربى قبل أن يموت وتقتله (قال الشافعي) فقلت له: الحكم في اهل دار الحرب حكمان: فأما من بلغته الدعوة فأغير عليه بغير دعوة آخذ ماله وإن لم أقتله.
وأما من لم تبلغه الدعوة فلا أغير عليه حتى أدعوه ولا أغنم من ماله شيئا حتى أدعوه يمتنع فيحل دمه وماله فلما كان القول في المرتد أن يدعى لم يغنم ماله حتى يدعى، فإذا امتنع قتل وغنم ماله.
كتاب الجنائز باب ما جاء في غسل الميت أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال مالك بن أنس: ليس لغسل الميت حد ينتهى لا يجزئ دونه ولا يجاوز ولكن يغسل فينقى وأخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل بنته " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو
أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور " (قال الشافعي) وعاب بعض الناس هذا القول على مالك وقال: سبحان الله كيف لم يعرف أهل المدينة غسل الميت والاحاديث فيه كثيرة؟ ثم ذكر أحاديث عن إبراهيم وابن سيرين فرأى مالك معانيها على إنقاء الميت لان روايتهم جاءت عن رجال غير واحد في عدد الغسل وما يغسل به، فقال غسل: فلان فلانا بكذا وكذا: وقال، غسل فلان بكذا وكذا ثم ورأينا والله أعلم ذلك على قدر ما يحضرهم مما يغسل به الميت(1/301)
وعلى قدر إنتقائه لا ختلاف الموتى في ذلك اختلاف الحالات وما يمكن الغاسلين ويتعذر عليهم فقال مالك قولا مجملا " يغسل فينقى) وكذلك روى الوضوء مرة واثنتين وثلاثا وروى الغسل مجملا وذلك كله يرجع إلى الانقاء، وإذا أنقى الميت بماء قراح أو ماء عد أجزأه ذلك من غسله كما ننزل ونقول معهم في الحى وقد روى فيه صفة غسله (قال الشافعي) ولكن أحب إلى أن يغسل ثلاثا بماء عدلا يقصر عن ثلاث لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلنها ثلاثا وإن لم ينقه ثلاثا أو خمسا؟ قلنا، يزيدون حتى ينقولها، وإن أنقوا في أقل من ثلاث أجزأه ولا نرى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو على معنى الانقاء إذ قال وترا ثلاثا أوخ مسل ولم يوقت أخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريج عن أبى جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل ثلاثا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عطاء قال: يجزئ في غسل الميت مرة فقال عمر بن عبد العزيز ليس فيه شئ مؤقت، وكذلك بلغنا عن ثعلبة بن أبى مالك (قال الشافعي) والذى أحب من غسل الميت أن يوضع على سرير الموتى ويغسل في قميص أخبرنا مالك عن جعفر ابن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص (قال) فإن لم يغسل في قميص ألقيت على عورته خرقة لطيفة تواريها ويستر بثوب ويدخل بيتا لا يراه إلا من يلى غسله ويعين عليه ثم يصب رجل الماء إذا وضع الذى يلى غسله على يده خرقة لطيفة فيشدها ثم يبتدئ بسلفته ينقيها كما يستنجى الحى ثم ينظف يده ثم يدخل التى يلى بها سلفه فإن كان يغسله واحد ابدل الخرقة التى يلى بها سفلته وأخذ خرقة أخرى نقية فشدها على يده ثم صب الماء عليه وعلى الميت ثم أدخلها في فيه بين شفتيه ولا يغفر فاه فيمرها على أسنانه بالماء ويدخل أطراف أصابعه في
منخريه بشئ من ماء فينقى شيئا إن كان هنالك ثم يوضئه وضوءه للصلاة ثم يغسل رأسه ولحيته بالسدر فإن كان ملبدا فلا بأس أن يسرح بأسنان مشط مفرجة ولا ينتف شعره ثم يغسل شقه الايمن ما دون رأسه إلى أن يغسل قدمه اليمنى ويحركه حتى يغسل ظهره كما يغسل بطنه ثم يتحول إلى شقه الايسر فيصنع به مثل ذلك ويقلبه على أحد شقيه إلى الآخر كل غسله حتى لا يبقى منه موضع إلا أتى عليه بالماء والسدر ثم يصنع به ذلك ثلاثا أو خمسا ثم يمر عليه الماء القراح قد ألقى فيه الكافور وكذلك في كل غسلة حتى ينقيه ويمسح بطنه فيا مسحا رقيقا والماء يصب عليه ليكون أخفى لشئ إن خرج منه (قال) وغسل المرأة شبيه بما وصفت من غسل الرجل (قال الشافعي) وقال بعض الناس يغسل الاول بماء قراح ولا يعرف زعم الكافور في الماء، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أيوب بن أبى تميمة عن محمد بن سيرين عن أم عطية الانصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور " (قال الشافعي) وإن كانت امرأة ضفروا شعر رأسها كله ناصيتها وقرنيها ثلاث قرون ثم ألقيت خلفها (قال الشافعي) وأنكر هذا علينا بعض الناس فقال يسدل شعرها من بين ثدييها وإنما نتبع في هذه الآثار ولو قال قائل تمشط برأيه ما كان إال كقول هذا المنكر علينا، أخبرنا الثقة من أصحابنا عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الانصارية رضى الله عنها قالت ضفرنا شعر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيتها وقرنيها ثلاث قرون فألقيناها خلفها (قال الشافعي) ونأمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن غسلت وكفنت ابنته وبحديثها يحتج الذى عاب على مالك قوله ليس في غسل الميت شئ يوقت ثم يخالفه في غير هذا الموضع (قال) وخالفنا في ذلك فقال لا يسرح رأس الميت ولا لحيته وإنما يكره من تسريحه أن ينتف شعره فأما التسريح(1/302)
الرفيق فهو أخف من الغسل بالسدر وهو تنظيف وتمشية له (قال) ويتبع ما بين أظفاره بعود لين يخلل ما تحت أظفار الميت من وسخ وفى ظاهر أذنيه وسماخه (قال) والمنهى يحلقون فإن كان بأحد منهم وسخ متلبد رأيت أن يغسل بالاشنان ويتابع دلكه لينقى الوسخ (قال الشافعي) ومن أصحابنا من قال لا
أرى أن يحلق بعد الموت شعر ولا يجز له ظفر ومنهم من لم ير بذلك بأسا وإذا حنط الميت وضع الكافور على مساجده والحنوط في رأسه ولحيته (قال) وإن وضع فيهما وفى سائر جسده كافور فلا بأس إن شاء الله (قال) ويوضع الحنوط والكافور على الكرسف ثم يوضع على منخريه وفيه وأذنيه ودبره وإن كان له جراح نافذة وضع عليها (قال) فإن كان يخاف من ميتته أو ميته أن يأتي عند التحريك إذا حملا شيئا لعله من العلل استحببت أن يشد على سفليهما معا بقدر ما يراه يمسك شيئا إن أتى من ثوب صفيق فإن خف فلبد صفيق (قال) ويجب أن يكون في البيت الذي فيه الميت تبخير لا ينقطع حتى يفرغ من غسله ليوارى ريحا إن كانت متغيرة ولا يتبع بنار إلى القبر (قال) وأحب إلى أن رأى من المسام شيئا ان لا حدث به فإن المسلم حقيق أن يستر ما يكره من المسلم وأحب إلى أن لا يغسل الميت إلا أمين على غسله (قال) وأولى الناس بغسله أولاهم بالصلاة عليه ولن ولى ذلك غيره فلا بأس وأحب أن يغض الذى يصب على الميت بصره عن الميت فإن عجز عن غسله واحد أعانه عليه غيره (قال) ثم إذا فرغ من غسل الميت جفف في ثوب حتى يذهب ما عليه من الرطوبة ثم أدرج في أكفانه (قال) وأحب لمن غسل الميت أن يغتسل وليس بالواجب عندي والله أعلم، وقد جاءت أحاديث في ترك الغسل منها " لا تنجسوا موتاكم " ولا بأس أن يغسل المسلم إذا قرابته من المشركين ويتبع جنائزه ويدفنه ولكن لا يصلى عليه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضى الله عنه بغسل أبا طالب ولا بأس أن يعزى المسلم إذا مات قال الربيع: إذا مات أبوه كافرا.
باب في كم يكفن الميت أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى ويكفن الميت في ثلاثة أثواب بيض وكذلك بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن ولا أحب أن يقمص ولا يعمم أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامه (قال الشافعي) وما كفن فيه الميت أجزأه إن شاء الله وإنما قلنا هذا لان النبي صلى الله عليه وسلم كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة واحدة فدل ذلك (1) على أن ليس فيه لا ينبغى أن نقصر عنه وعلى أنه يجزئ ما وارى العورة (قال) فإن قمص أو عمم فلا بأس إن شاء الله ولا أحب أن يجاوز بالميت خمسة
أثواب فيكون سرفا (قال) وإذا كفن ميت؟ في ثلاثة أثواب أجمرت بالعود حتى يعبق بها المجمر ثم يبسط أحسنها وأوسعها أولها ويدر عليه شئ من الحنوط ثم بسط عليه الذي يليه في السعة ثم ذر عليه من حنوط ثم بسط عليه الذى يليه ثم ذر عليه شئ من حنوط ثم وضع الميت عليه مستقليا وحنط كما وصفت لك ووضع عليه القطن كما وصفته لك ثم ثنى عليه صنفة الثوب الذي يليه على شقه الايمن ثم يثنى عليه صنفته الاخرى على شقه الايسر كما يشتمل الانسان بالساج (يعني الطيلسان) حتى توازيها ]
__________
(1) قوله: على أن ليس فيه لا ينبغى الخ كذا في الاصل ولعل فيه سقطا من الناسخ فليحرر.(1/303)
[ صنفة الثوب التي ثنيت أولا بقدر سعة الثوب ثم يصنع بالاثواب الثلاثه كذلك (قال) ويترك فضل من الثياب عند رأسه (1) أكثر من عند رجليه ما يغطيهما ثم يعطف فضل الثياب من عند الرأس والرجلين فإن خشى أن تنحل عقدة الثياب، فإذا وضع في اللحد حلت عقده كلها (قال) وإن كفن في قميص جعل القميص دون الثياب والثياب فوقه وإن عمم جعلت العمامة دون الثياب والثياب فوقها وليس في ذلك ضيق إن شاء الله تعالى (قال) وإن لم يكن إلا ثوب واحد أجزأ وإن ضاق وقصر غطى به الرأس والعورة ووضع على الرجلين شئ وكذلك فعل يوم أحد ببعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن ضاق عن الرأس والعورة غطيت به العورة (قال) وإن مات ميت في سفينة في البحر صنع به هكذا فإن قدروا على دفنه وإلا أحببت أن يجعلوه بين لوحين ويربطوهما بحبل ليحملاه إلى ان ينبذه البحر بالساحل فلعل المسلمين ان يجدوه فيواروه وهى أحب إلى من طرحه للحيتان يأكلوه فإن لك يفعلوا وألقوه في البحر رجوت أن يسعهم (قال) والمرأة يصنع بها في الغسل والحنوط ما وصفت وتخالف الرجل في الكفن إذا كان موجودا فتلبس الدرع وتؤزر وتعمم وتلف ويشد ثوب على صدرها بجميع ثيابها (قال) واحب إلى أن يجعل الازار دون الدرع لامر النبي صلى الله عليه وسلم في ابنته بذلك والسقط يغسل ويكفن ويصلى عليه إن استهل وإن لم يستهل غسل وكفن ودفن (قال) والخرقة التى توازى لفافة تكفيه (قال) والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام مثل الموتى في الكفن والغسل والصلاة والذين قتلوا في المعركة يكفنون بثيابهم التى قتلوا فيها إن شاء أولياؤهم والوالى
لهم وتنزع عنهم خفاف كانت وفراء وإن شاء نزع جميع ثيابهم وكفنهم في غيرها فإن قال قائل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " زملوهم بكلومهم ودمائهم " فالكلوم والدماء غير الثياب ولو كفن بعضهم في الثياب لم يكن هذا مضيفا وإن كفن بعض في غير الثياب التى قتل فيها وقد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض شهداء أحد بنمرة كان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه فجعل على رجليه شيئا من شجر وقد كان في الحرب لا يشك أن قد كانت عليه ثياب (قال الشافعي) وكفن الميت وحنوطه ومؤنته حتى يدفن من رأس ماله ليس لغرمائه ولا لوارثه منع ذلك فإن تشاحوا فيه فثلاثة أثواب إن كان وسطا لا موسرا ولا مقلا ومن الحنوط بالمعروف لا سرفا ولا تقصيرا ولو لم يكن حنوط ولا كافور في شئ من ذلك رجوت أن يجزئ.
باب ما يفعل بالشهيد وليس في التراجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قتل المشركون المسلمين في المعترك لم تغسل القتلى ولم يصل عليهم ودفنوا بكلومهم ودمائهم وكفنهم أهلوهم فيما شاءوا كما يكفن غيرهم إن شاءوا في ثيابهم التى تشبه الاكفان وتلك القمص والازر والاردية والعمائم لا غيرها وإن شاءوا سلبوها وكفنوهم في غيرها كما يصنع بالموتى من غيرهم وتنزع عنهم ثيابهم التي ماتوا فيها ألا ترى أن بعض شهداء أحد كفن في ]
__________
(1) قوله: اكثر من عند، كذا في الاصل ولعله محرف عن " وكذا من عند الخ " تأمل.
كتبه مصححه.(1/304)
[ نمرة وقد كان لا يشك إن شاء الله تعالى عليهم السلام والثياب وقال بعض الناس يكفنون في الثياب التي قتلوا فيها إلا فراء أو حشوا أو لبدا (قال) ولم يبلغنا أن أحدا كفن في جلد ولا فرو ولا حشوا وإن كان الحشو ثوبا كله فلو كفن به لم أر به بأسا لانه من لبوس عامة الناس فأما الجلد فليس يعلم من لباس الناس وقال بعض الناس يصلى عليهم ولا يغسلون واحتج بأن الشعبى روى أن حمزة صلى عليه سبعون صلاة وكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم ويصلى عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه ثم يؤتى بآخرين فيصلى عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعون صلاة (قال) وشهداء
أحد اثنان وسبعون شهيدا فإذا كان قد صلى عليهم عشرة عشرة في قول الشعبى فالصلاة لا تكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان فنجعله على أكثرها على أنه صلى على اثنين صلاة وعلى حمزة صلاة فهذه تسع صلوات فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ وإن كان عنى سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع فهى إذا كانت تسع صلوات ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع وثلاثون؟ فينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيى على نفسه وقد كان ينبغى له أن يعارض بهذه الاحاديث كلها عينان فقد جاءت من وجوه متواترة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم وقال زملوهم بكلومهم ولو قال قائل يغسلون ولا يصلى عليهم ما كانت الحجة عليه إلا أن يقال له تركت بعض الحديث وأخذت ببعض (قال) ولعل ترك الغسل والصلاة على من قتله جماعة المشركين إراده أن يلقوا الله عزوجل بكلومهم لما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ريح الكلم ريح المسك واللون لون الدم واستغنوا بكرامة الله عزوجل لهم عن الصلاة لهم مع التخفيف على من بقى من المسلمين لما يكون فيمن قاتل بالزحف من المشركين من الجراح وخوف عودة العدو ورجاء طلبهم وهمهم بأهليهم وهم أهلهم بهم (قال) وكان مما يدل على هذا أن رؤساء المسلمين غسلوا عمر وصلوا عليه وهو شهيد ولكنه إنما صار إلى الشهادة في غير حرب وغسلوا المبطون والحريق والغريق وصاحب الهدم وكلهم شهداء وذلك أنه ليس فيمن معهم من الاحياء معنى أهل الحرب (1) فأما من قتل في المعركة وكذلك عندي لو عاش مدة ينقطع فيها الحرب ويكون الامان وإن لم يطعم، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلى عليه (قال الشافعي) وإن قتل صغير في معركة أو امرأة صنع بهما ما يصنع بالشهداء ولم يغسلا ولم يصل عليهما ومن قتل في المعترك بسلاح أو غيره أو وطئ دابة أو غير ذلك مما يكون به الحتف فحاله حال من قتل بالسلاح وخالفنا في الصبى بعض الناس فقال ليس كالشهيد وقال قولنا بعض الصحابة وقال الصغير شهيد ولا ذنب له فهو أفضل من الكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم، أخبرنا بعض اصحابنا عن أسامة بن زيد عن الزهري عن
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم أخبرنا سفيان عن الزهري وثبته معمر عن ابن أبى الصغير أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على قتلى أحد فقال " شهدت على هؤلاء فزملوهم بدمائهم وكلومهم ".
]
__________
(1) قولة: فأم من قتل، كذا في الاصل.
ولعله محرف عن " فيمن قتل " كتبه مصححه.(1/305)
[ باب المقتول الذى يغسل ويصلى عليه ومن لم يوجد وليس في التراجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قتله مشرك منفردا، أو جماعة في حرب من أهل البغى أو غيرهم أو قتل بقصاص غسل إن قدر على ذلك وصلى عليه لان معناه غير معنى من قتله المشركون ومعنى من قتله مشرك منفردا ثم هرب، غير معنى من قتل في زحف المشركين لان المشركين لا يؤمن أن يعودوا ولعلهم أن يطلبوا واحدا منهم فيهرب وتؤمن عودته وأهل البغى منا ولا يشبهون المشركين ألا ترى أنه ليس لنا اتباعهم كما يكون لنا اتباع المشركين؟ وقال بعض الناس: من قتل مظلوما في غير المصر لغير سلاح فيغسل فقيل له إن كنت قلت هذا يأثر غقلناه، قال: ما فيه أثر، قلنا: فما العلة التي فرقت فيها بنى هؤلاء أردت اسم الشهادة فعمر شهيد قتل في المصر وغسل وصلى عليه وقد نجد اسم الشهادة يقع عندنا وعندك على القتل في المصر بغير سلاح والغريق والمبطون وصاحب الهدم في المصر وغيره ولا نفرق بين ذلك ونحن وأنت نصلي عليهم ونغسلهم، وإن كان الظلم به اعتللت فقد تركت من قتل في المصر مظلوما بغير سلاح من أن تصيره إلى حد الشهداء ولعله أن يكون اعظمهم أجرا لان القتل بغير سلاح أشد منه وإذا كان أشد منه كان أعظم أجرا وقال بعض الناس أيضا: إذا أغار أهل البغى فقتلوا فالرجال والنساء والولدان كالشهداء لا يغسلون، وخالفه بعض أصحابه فقال الولدان أطهر وأحق بالشهادة (قال الشافعي) وكل هؤلاء يغسل ويصلى عليه لان الغسل والصلاة سنة من بنى آدم لا يخرج منها إلا من تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين قتلهم المشركون الجماعة خاصة في المعركة (قال الشافعي) من أكله سبع أو قتله أهل البغى أو اللصوص أو
لم يعلم من قتله غسل وصلى عليه فإن لم يوجد إلا بعض جسده صلى على ما وجد منه وغسل ذلك العضو، وبلغنا عن أبى عبيدة أنه صلى على رءوس قال بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان: إن أبا عبيدة صلى على رءوس وبلغنا أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل فعرفوها بالخاتم فغسلوها وصلوا عليها، قال بعض الناس: يصلى على البدن الذى فيه القسامة ولا يصلى على رأس ولا يد (قال الشافعي) وإن كان لا قسامة فيه عنده ولم يوجد في أرض أحد فكيف نصلى عليه؟ وما للقسامة والصلاة والغسل؟ وإذا جاز أن يصلى على بعض جسده دون بعض فالقليل من يديه والكثير في ذلك لهم سواء، ولا يصلى على الرأس والرأس موضع السمع والبصر واللسان وقوام البدن، ويصلى على البدن بلا رأس.
الصلاة سنة المسلمين وحرمة قليل البدن لانه كان فيه الروح حرمة كثيرة في الصلاة.
باب اختلاط موتى المسلمين بموتى الكفار ليس في التراجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا غرق الرجال أو أصابهم هدم أو حريق وفيهم مشركون كانوا أكثر أو أقل من المسلمين صلى عليهم وينوى بالصلاة المسلمين دون المشركين، وقال بعض الناس: إذا كان المسلمون أكثر صلى عليهم ونوى بالصلاة المسلمين دون المشركين، وإن كان(1/306)
المشركون أكثر لم يصل على واحد منهم (قال الشافعي) لئن جازت الصلاة على مائه مسلم فيهم مشرك بالنية لتجوزن على مائة مشرك فيهم مسلم وما هو إلا أن يكونوا إذا خالطهم مشرك لا يعرف فقد حرمت الصلاة عليهم، وإن الصلاة تحرم على المشركين فلا يصلى عليهم أو تكون الصلاة واجبة على المسلمين وإن خالطهم مشرك نوى المسلم بالصلاة ووسع ذلك المصلى وإن لم يسع الصلاة في ذلك مكان المشركين كانوا أكثر أو أقل (قال الشافعي) وما نحتاج في هذا القول إلى أن نبين خطأه بغيره، فإن الخطأ فيه لبين، وما ينبغى أن يشكل على أحد له علم.
باب حمل الجنازة وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويستحب للذى يحمل الجنازة أن يضع السرير على كاهله بين العمودين المقدمين ويحمل بالجوانب الاربع وقال قائل: لا تحمل بين العمودين هذا عندنا مستنكر فلم يرض أن جهل ما كان ينبغى له أن يعلمه حتى عاب قول من قال بفعله هذا وقد روى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم فعلوا ذلك أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال رأيت سعد بن أبى وقاص في جنازة عبد الرحمن ابن عوف قائما بين العمودين المقدمين واضعا السرير على كاهله، وأخبرنا بعض اصحابنا عن ابن جريح عن يوسف ابن ماهك أنه رأى ابن عمر في جنازة رافع بن خديج قائما بين قائمتي السرير، أخبرنا الثقة عن إسحق بن يحيى ابن طلحة عن عمه عيسى بن طلحة قال رأيت عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير امه، فلم يفارقه حتى وضعه أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن ثابت عن أبيه قال: رأيت أبا هريرة يحمل بين عمودي سرير سعد بن أبى وقاص أخبرنا بعض أصحابنا عن شرحبيل بن أبى عون عن أبيه قال: رأيت ابن الزبير يحمل بين عمودي سرير السور ابن محزمة (قال الشافعي) فزعم الذى عاب هذا علينا أنه مستنكر لا نعلمه إلا قال برأيه وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سكتنا عنه من الاحاديث أكثر مما ذكرنا.
باب ما يفعل بالمحرم إذا مات وليس في التراجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا مات المحرم غسل بماء وسدر، وكفن في ثيابه التى أحرم فيها أو غيرها ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يعقد عليه ثوب كما لا يعقد الحى المحرم، ولا يمس بطيب، ويخمر وجهه ولا يخمر رأسه ويصلى عليه ويدفن، وقال بعض الناس: إذا مات كفن كما يكفن غير المحرم وليس ميت إحرام واحتج بقول عبد الله بن عمر ولعل عبد الله بن عمر لم يسمع الحديث بل لا أشك إن شاء الله، ولو سمعه ما خالفه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولنا كما قلنا وبلغنا عن عثمان بن عفان مثله وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لاحد خلافه إذا بلغه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال:(1/307)
سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عباس يقول كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل عن بعيره فوقص فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه " قال سفيان وازاد ابراهيم ابن أبى بحرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان صنع نحو ذلك.
باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها وما يفعل بعد كل تكبيرة وليس في التراجم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا صلى الرجل على الجنازة كبر أربعا وتلك السنة ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي اليوم الذى مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات.
أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمرضها قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المرضى ويسأل عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ماتت فآذنونى بها) فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذى كان من شأنها فقال " ألم آمركم أن تؤذنوني بها) فقالوا يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات (قال الشافعي) فلذلك نقول يكبر أربعا على الجنائز، يقرأ في الاولى بأم القرأن، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للميت.
وقال بعض الناس: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة (قال الشافعي) إنا صلينا على الجنازة وعلمنا كيف سنة الصلاة فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا وجدنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أتبعناها أرأيت لو قال قائل: أزيد في التكبير على ما قلتم لانها ليست بفرض أولا أكبر وأدعوا للميت هل كانت لنا عليه حجة إلا أن نقول قد خالفت السنة؟ وكذلك الحجة على من قال لا يقرأ إلا أن يكون رجل لم تبلغه السنة
فيها، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الميت أربعا وقرأ بام القرآن بعد التكبيرة الاولى أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلما سلم سألته عن ذلك فقال سنة وحق، أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة وقال: إنما فعلت لتعلموا أنها سنة، أخبرنا مطرف ابن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى سرا في نفسه ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سرا في نفسه، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر الزهري قال حدثنى محمد الفهرى عن الضحاك بن قيس انه قال(1/308)
مثل قول أبى أمامة (قال الشافعي) والناس يقتدون بإمامهم يصنعون ما يصنع (قال الشافعي) وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولان ألسنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله (قال الشافعي) أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن الزهري عن أبى أمامة قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب (قال الشافعي) وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحق بن عبد الله عن موسى بن وردان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الاولى على الجنازة وبلغنا ذلك عن أبى بكر الصديق وسهل بن حنيف وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولا بأس أن يصلى على الميت بالنية فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجاشى صلى عليه بالنية، وقال بعض الناس: لا يصلى عليه بالنية، وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لا يحل لاحد خلافها وما نعلمه روى في ذلك شيئا
إلا ما قال برأيه (قال) ولا بأس أن يصلى على القبر بعدما يدفن الميت بل نستحبه، وقال بعض الناس: لا يصلى على القبر، وهذا أيضا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لا يحل لاحد علمها خلافها قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر البراء بن معرور وعلى قبر غيره، أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن الزهري عن أبى أمامة بن سهل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة وكبر أربعا (قال الشافعي) وصلت عائشة على قبر أخيها وصلى ابن عمر على قبر أخيه عاصم بن عمر (قال الشافعي) ويرفع المصلى يديه كلما كبر على الجنازة في كل تكبيرة للاثر والقياس على السنة في الصلاة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة وهو قائم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة (قال الشافعي) وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا، وقال بعض الناس: لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الاولى، وقال: ويسلم تسليمة يسمع من يليه وإن شاء تسليمتين أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم في الصلاة على الجنازة (قال الشافعي) ويصلى على الجنازة قياما مستقبلي القبلة ولو صلوا جلوسا من غير عذر أو ركبانا أعادوا وإن صلوا بغير طهارة أعادوا وإن دفنوه بغير صلاة ولا غسل أو لغير القبلة فلا بأس عندي أن يماط عنه التراب ويحول فيوجه للقبلة وقيل يخرج ويغسل ويصلى عليه ما لم يتغير فإن دفن وقد غسل ولم يصل عليه لم أحب إخراجه وصلى عليه في القبر (قال الشافعي) وأحب إذا كبر على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الاولى ثم يكبر ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت وليس في الدعاء شئ مؤقت وأحب أن يقول " اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وارفع درجته وقه عذاب القبر وكل هول يوم القيامة وابعثه من الآمنين وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وبلغه بمغفرتك وطولك درجات المحسنين اللهم فارق من كان يحب من سعة النيا والاهل وغيرهم إلى ظلمة القبر وضيقه وانقطع عمله وقد جئناك شفعاء له ورجوها له
رحمتك وأنت أرأف به اللهم ارحمه بفضل رحمتك فإنه فقير إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه "(1/309)
(قال الشافعي) سمعنا من أصحابنا من يقول المشى أمام الجنازة أفضل من المشى خلفها ولم أسمع أحدا عندنا يخالف في ذلك وقال بعض الناس المشى خلفها أفضل واحتج بأن عمر إنما قدم الناس لتضايق الطريق حتى كأنا لم نحتج بغير ما روينا عن عمر في هذا الموضع، واحتج بأن عليا رضى الله عنه قال المشى خلفه أفضل، واحتج بأن الجنازة متبوعة وليست بتابعة وقال: التفكر في أمرها إذا كان خلفها أكثر (قال الشافعي) والقول في أن المشى أمام الجنازة أفضل (1) مشى النبي صلى الله عليه وسلم أمامها وقد علموا أن العامة تقتدي بهم وتفعل فعلهم ولم يكونوا مع تعليمه العامة نعلمهم يدعون موضع الفضل في اتباع الجنازة ولم نكن نحن نعرف موضع الفضل إلا بفعلهم فإذا فعلوا شيئا وتتابعوا عليه كان ذلك موضع الفضل فيه والحجة فيه من مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها وإن كان في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة ولم يمشوا في مشيهم لتضايق الطريق إنما كانت المدينة أو عامتها فضاء حتى عمرت بعد فأين تضايق الطريق فيها ولسنا نعرف عن على رضى الله عنه خلاف فعل أصحابه؟ وقال قائل هذه الجنازة متبوعة فلم نر من مشى أمامها إلا لاتباعها فإذا مشى لحاجته فليس بتابع للجنازة ولا يشك عند أحد أن من كان أمامها هو معها ولو قال قائل الجنازة متبوعة فرأى هذا كلاما ضعيفا لان الجنازة إنما هي تنقل لا تتبع أحدا وإنما يتبع بها وينقلها الرجال ولا تكون هي تابعة ولا زائلة إلا أن يزال بها ليس للجنازة عمل إنما العمل لمن تبعها ولمن معها ولو شاء محتج أن يقول: أفضل ما في الجنازة حملها والحامل إنما يكون أمامها ثم يحملها لكان مذهبا والفكر للمتقدم والمتخلف سواء (2) ولعمري لمن يمشى من أمامها الفكر فيها وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة ولا يؤمن عليه إذا كان هكذا أن يمشى وهو خلفها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال اخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا
يمشون أمام الجنازة أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة عن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام زينب بنت جحش أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد مولى السائب قال رأيت ابن عمر وعبيد بن عمير يمشيان أمام الجنازة فتقدما فجلسا يتحدثان فلما جازت بهما الجنازة قاما (قال الشافعي) وبحديث ابن عمر وغيره أخذنا في أنه لا بأس أن يتقدم فيجلس قبل أن لا يؤتى بالجنازة ولا ينتظر أن يأذن له أهلها في الجلوس وينصرف أيضا بلا إذن وأحب إلى لو استتم ذلك كله (قال الشافعي) أحب حمل الجنازة من أين حملها ووجه حملها أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقه الايمن ثم ياسرته المؤخرة ثم يامنة لسرير المقدمة على عاتقه الايسر ثم يامنته المؤخرة وإذا كان الناس مع الجنازة كثيرين ثم أتى على مياسره مرة أحببت له أن يكون أكثر حمله بين العمودين وكيفما يحمل فحسن وحمل الرجل والمرأة سواء ولا يحمل النساء الميت ولا الميتة وإن ثقلت الميتة فقد رأيت من يحمل عمدا حتى يكون من يحملها على ستة وثمانية ]
__________
(1) قوله: مشى النبي صلى الله عليه وسلم، أي وأصحابه، ليستقيم قوله: وقد علموا الخ تأمل (2) قوله: ولعمري لمن يمشى من أمامها الخ لعل أصل العبارة " ولعمري أن من يشمى أمامها مع عدم التفكر فيها وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة الخ " تأمل كتبه مصححه.(1/310)
[ على السرير وعلى اللوح إن لم يوجد السرير وعلى المحمل وما حمل عليه أجزأ وإن كان في موضع عجله أو بعض حاجة تتعذر فخيف عليه التغير قبل يهيأ له ما يحمل عليه حمل على الايدى والرقاب ومشى بالجنازة أسرع سجية مشى الناس لا الاسراع الذى يشق على ضعفة من يتبعها إلا أن يخاف تغيرها أو انبجاسها فيعجلونها ما قدروا ولا أحب لاحد من أهل الجنازة الابطاء في شئ من حالاتها من غسل أو وقوف عند القبر فان هذا مشقة على من يتبع الجنازة: باب الخلاف في إدخال الميت القبر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسل الميت سلا من قبل رأسه، وقال بعض الناس: يدخل معترضا من قبل القبلة وروى حماد عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة
معترضا أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم على يمين الداخل من البيت لا صق بالجدار والجدار الذى للحد لجنبه قبلة البيت وأن لحده تحت الجدار فكيف يدخل معترضا واللحد لا صق بالجدار لا يقف عليه شئ ولا يمكن إلا أن يسل سلا أو يدخل من خلاف القبلة؟ وأمور الموتى وإدخالهم من الامور المشهورة عندنا لكثرة الموت وحضور الائمة وأهل الثقة وهو من الامور العامة التى يستغنى فيها عن الحديث ويكون الحديث فيها كالتكليف بعموم معرفة الناس لها ورسول الله صلى الله عليه وسلم وللمهاجرون والانصار بين أظهرنا ينقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا، ثم جاءنا آت من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت ثم لم يعلم حتى روى عن حماد عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل معترضا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن عمران بن موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه والناس بعد ذلك، أخبرنا الثقة عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه، وأخبرنا عن أصحابنا عن أبى زناد وربيعة وابن الضر لا اختلاف بينهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه وأبو بكر وعمر (قال الشافعي) ويسطح القبر وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سطح قبر إبراهيم ابنه ووضع عليه حصى من حصى الروضة، وأخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر إبراهيم ابنه ووضع عليه حصباء، والحصباء لا تثبت إلا على قبر مسطح، وقال بعض الناس يستم القبر ومقبرة المهاجرين والانصار عندنا مسطح قبورها ويشخص من الارض نحو من شبر ويجعل عليها البطحاء مرة ومرة تطين ولا أحسب هذا من الامور التى ينبغى أن ينقل فيها أحد علينا، وقد بلغني عن القاسم ابن محمد قال رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر مسطحة (قال) ويغسل الرجل امرأته إذا ماتت والمرأة زوجها إذا مات، وقال بعض الناس: تغسل المرأة زوجها ولا يغسلها، فقيل له: لم فرقت بينها؟ قال: أوصى أبو بكر ان تغسله أسماء، فقلت: وأوصيت فاطمة أن يغسلها على رضى الله عنهما، قال: وإنما قلت أن تغسله هي لانها في عدة منه، قلنا: إن كانت الحجة
الاثر عن أبى بكر فلو لم يرو عن طلحة رضى الله عنه ولا ابن عباس ولا غيرهما في ذلك شئ كانت(1/311)
الحجة عليك بأن قد علمنا أنه لا يحل لها منه إلا ما حل له منها، قال: ألا ترى أن له أن ينكح إذا ماتت أربع نسوة سواها وينكح أختها؟ فقيل: له العدة والنكاح ليسا من الغسل في شئ، أرأيت قولك: ينكح أختها أو أربعا سواها أنها فارقت حكم الحياة وصارت كأنها ليست زوجة أو لم تكن زوجة قط قيل: نعم، قيل فهو إذا مات زوج أو كأنه لم يكن زوجا قال بل ليس بزوج قد انقطع حكم الحياة عنه كما انقطع عنها غير أن عليها منه عدة قلنا: العدة جعلت عليها بسبب ليس هذا، ألا ترى انها تعتد ولا يعتد وأنها تتوفى فينكح أربعا؟ ويتوفى فلا تنكح دخل بها أو لم يدخل بها حتى تعتد أربعة أشهر وعشرا شئ جعله الله تعالى عليها دونة وان كل واحد من الزوجين فيما يحل له ويحرم عليه من صاحبه سواء أرأيت لو طلقها ثلاثا أليست عليها منه عدة؟ قال: بلى (قلت) فكذلك لو بانت بإيلاء أو لعان؟ قال: بلى، قيل فإن بانت منه ثم مات وهى في عدة الطلاق أتغسله؟ قال: لا (قلت) ولم قد زعمت أن غسلها إياه دون غسله إياها إنما هو بالعدة وهذه تعتد؟ (قال) ليست له بامرأة (قلت) فما ينفعك حجتك بالعدة كالعبث كان ينبغى أن تقول: تغسله إذ زعمت أن العدة تحل لها منه ما يحرم عليها فلا يحرم عليها غسله قيل: أفيحل لها في العدة منه وهما حيان ان تنظر إلى فرجه وتمسكه كما كان يحل لها قبل الطلاق؟ قال: لا، قيل: وهي منه في عدة (قال) ولا تحل العدة ههنا شيئا ولا تحرمه إنما تحله عقدة النكاح فإذا زال بأن لا يكون له عليها فيه رجعة فهى منه فيما يحل له ويحرم كما تعد النساء قيل: وكذلك هو منها؟ قال: نعم، قيل فلو قال: هذا غيركم ضعفتموه، وهي لا تعدو وهو لا يعدو إذا ماتت أن يكون عقد النكاح زائلا بلا للطلاق فلا يحل له غسلها ولا لها غسله أو يكون ثابتا فيحل لكل واحد منهما من صاحبه ما يحل للآخر أو نكون مقلدين لسلفنا في هذا، فقد أمر أبو بكر وسط المهاجرين والانصار أن تغسله أسماء وهو فيما يحل له ويحرم عليه أعلم وأتقى لله وذلك دليل على أنه كان إذا رأى لها أن تغسله إذا مات كان له أن يغسلها إذا ماتت لان العقد الذى حلت له به هو العقد الذى به حل لها، ألا ترى أن الفرج كان حراما قبل العقد فلما انعقد حل حتى تنفسخ العقدة فلكل واحد
من الزوجين فيما يحل لكل واحد منهما من صاحبه ما للآخر لا يكون للواحد منها في العقد شئ ليس لصاحبه ولا إذا انفسخت لم يكن له عليها الرجعة شئ لا يحل لصاحبه ولا إذا مات شئ لا يحل لصاحبه فهما في هذه الحالات سواء، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن أبى بكر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: " لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمارة عن أم محمد بنت محمد بن جعفر بن أبى طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصتها أن تغسلها إذا كانت هي وعلى فغسلتها هي وعلي رضى الله عنهما.
باب العمل في الجنائز أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: حق على الناس غسل الميت والصلاة عليه ودفنه لا يسع عامتهم تركه وإذا قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ إن شاء الله تعالى، وهو كالجهاد عليهم حق أن لا يدعوه، وإذا ابتدر منهم من يكفى الناحية التي يكون بها الجهاد أجزأ عنهم،(1/312)
والفضل لاهل الولاية بذلك على أهل التخلف عنه (قال الشافعي) وإنما ترك عمر عندنا والله أعلم عقوبة من مر بالمرأة التي دفنها أظنه كليب، لان المار المنفرد قد كان يتكل على غيره ممن يقوم مقامه فيه، وأما أهل رفقة منفردين في طريق غير مأهولة لو تركوا ميتا منهم وهو عليهم أن يواروه فإنه ينبغى للامام أن يعاقبهم لا ستخفافهم بما يجب عليهم من حوائجهم في الاسلام، وكذلك كل ما وجب على الناس فضيعوه فعلى السلطان أخذه منهم وعقوبتهم فيه بما يرى غير متجاوز القصد في ذلك (قال) وأحب إذا مات الميت أن لا يعجل أهله غسله لانه قد يغشى عليه فيخيل إليهم أنه قد مات حتى يروا علامات الموت المعروفة فيه وهو أن تسترخى قدماه ولا تنتصبان وأن تنفرج زندا يديه والعلامات التي يعرفون بها الموت، فإذا رأوها عجلوا غسله ودفنه فإن تعجيله تأدية الحق إليه ولا ينتظر بدفن الميت غائب من كان الغائب وإذا مات الميت غمض، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن قبيصة بن ذؤيب كان يحدث أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة (قال الشافعي) ويطبق فوه وإن خيف استرخاء لحييه شد بعصابة (قال) ورأيت من يلين مفاصله ويبسطها لتلين ولا تحبسوا ورأيت الناس يضعون الحديدة، السيف أو غيره، على بطن الميت والشئ من الطين المبلول كأنهم يذودون أن تربو بطنه فما صنعوا من ذلك مما رجوا وعرفوا أن فيه دفع مكروه رجوت أن لا يكون به بأس ان شاء الله تعالى ولم أر من شأن الناس أن يضعوا الزواووق (يعنى الزئبق) في أذنه وأنفه ولا أن يضعوا المرتك (يعنى المرداسنج) على مفاصله وذلك شئ تفعله الاعاجم يريدون له البقاء للميت وقد يجعلونه في الصندوق ويفضون به إلى الكافور، ولست أحب هذا ولا شيئا منه ولكن يصنع به كما يصنع بأهل الاسلام ثم يغسل، والكفن والحنوط والدفن، فإنه صائر إلى الله عزوجل والكرامة له برحمة الله تعالى والعمل الصالح (قال) وبلغني أنه قيل لسعد بن أبى وقاص: نتخذ لك شيئا كأنه الصندوق من الخشب، فقالوا: إصنعوا بى ما صنعتم برسول الله صلى الله عليه وسلم انصبوا على اللبن وأهيلوا على التراب.
باب الصلاة على الميت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا حضر الولى الميت أحببت أن لا يصلى عليه إلا بأمر وليه لان هذا من الامور الخاصة التى أرى الولى أحق بها من الوالى والله تعالى أعلم، وقد قال بعض من له علم: الوالى أحق، وإذا حضر الصلاة عليه أهل القرابة فأحقهم به الاب والجد من قبل الاب ثم الولد وولد الولد ثم الاخ للاب والام ثم الاخ للاب ثم أقرب الناس من قبل الاب وليس من قبل الام لانه إنما الولاية للعصبة فإذا استوى الولاة في القرابة وتشاحوا وكل ذى حق فأحبهم إلى أسنهم، إلا أن تكون حاله ليست محمودة فكان أفضلهم وأفقههم أحب إلى، فإن تقاربوا فأسنهم فإن استووا وقلما يكون ذلك فلم يصطلحوا أقرع بينهم، فأيهم خرج سهمه ولى الصلاة عليه (قال) والحر من الولاة أحق بالصلاة عليه من المملوك ولا بأس بصلاة المملوك على الجنازة، وإذا حضر رجل ولى أو غير ولى مع نسوة (1) بعلا رجلا ميتا أو أمرأة فهو أحق بالصلاة عليها من النساء إذا ]
__________
(1) قوله: بعلا، كذا في النسخ، ولتحرر هذه اللفظة.
كتبه مصححه.(1/313)
[ عقل الصلاة وإن لم يبلغ مملوكا كان أو حرا فإن لم يكن يعقل الصلاة صلين على الميت صفا
منفردات، وإن أمتهن إحداهن وقامت وسطهن لم أر بذلك بأسا، فقد صلى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرادا لا يؤمهم أحد وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنافسهم في أن لا يتولى الامامة في الصلاة عليه واحد وصلوا عليه مرة بعد مرة، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموتى والامر المعمول به إلى اليوم أن يصلى عليهم بإمام ولو صلى عليهم أفرادا أجزأهم الصلاة عليهم إن شاء الله تعالى، وأحب أن تكون الصلاة على الميت صلاة واحدة هكذا رأيت صلاة الناس لا يجلس بعد الفراغ منها لصلاة من فاتته الصلاة عليه ولو جاء ولى له ولا يخاف على الميت التغير فصلى عليه رجوت أن لا يكون بذلك بأس إن شاء الله تعالى (قال) وإن أحدث الامام انصرف فتوضأ وكبر من خلفه ما بقى من التكبير فرادى لا يؤمهم أحد، ولو كان في موضع وضوئه قريبا فانتظروه فبنى على التكبير رجوت أن لا يكون بذلك بأس ولا يصلى على الجنازة في مصر إلا طاهرا (قال) ولو سبق رجل ببعض التكبير لم ينتظر بالميت حتى يقضى تكبيره ولا ينتظر المسبوق الامام أن يكبر ثانية ولكنه يفتتح لنفسه وقال بعض الناس: إذا خاف الرجل في المصرفوت الجنازة تيمم وصلى وهذا لا يجيز التيمم في المصر لصلاة نافلة ولا مكتوبة إلا لمريض زعم وهذا غير مريض ولا تعدو الصلاة على الجنازة أن تكون كالصلوات لا تصلى إلا بطهارة الوضوء وليس التيمم في المصر للصحيح المطيق بطهارة أو تكون كالذكر فيصلى عليها إن شاء غير طاهر، خاف الفوت أو لم يخف، كما يذكر غير طاهر.
باب أجتماع الجنائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لو اجتمعت جنائز رجال ونساء وصبيان وخناثى، جعل الرجال مما يلى الامام وقدم إلى الامام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم الخناثى يلونهم ثم النساء خلفهم مما يلى القبلة وإن تشاح ولاة الجنائز وكن مختلفات صلى ولى الجنازة التى سبقت ثم إن شاء ولى سواها من الجنائز استغنى بتلك الصلاة وإن شاء أعاد الصلاة على جنازته، وإن تشاحوا في موضع الجنائز فالسابق أحق إذا كانوا رجالا، فإن كن رجالا ونساء وضع الرجال مما يلى الامام والنساء مما يلى القبلة ولم ينظر في ذلك إلى السبق لان موضعهن هكذا وكذلك الخنثى ولكن إن سبق ولى الصبي لم
يكن عليه أن يزيل الصبى من موضعه ووضع ولى الرجل الرجل خلفه إن شاء أو يذهب به إلى موضع غيره، فإن افتتح المصلى على الجنازة الصلاة فكبر واحدة أو أثنتين ثم أتى بجنازة أخرى وضعت حتى يفرغ من الصلاة على الجنازة التى كانت قبلها لانه افتتح الصلاة ينوى بها غير هذه الجنازة المؤخرة (قال) ولو صلى الامام على الجنازة غير متوض ومن خلفه متوضئون أجزأت صلاتهم وإن كان كلهم غير متوضئين أعادوا، وإن كان فيهم ثلاثة فصاعدا متوضئون أجزأت، وإن سبق بعض الاولياء بالصلاة على الجنازة ثم جاء ولى غيره أحببت أن لا توضع للصلاة ثانية وإن فعل فلا بأس إن شاء الله تعالى (قال) ولو سقط لرجل شئ له قيمة في قبر فدفن، كان له أن يكشف عنه حتى يأخذ ما سقط.(1/314)
باب الدفن أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وإن مات ميت بمكة أو المدينة أحببت أن يدفن في مقابرهما وكذلك إن مات ببلد قد ذكر في مقبرته خبر أحببت أن يدفن في مقابرها فإن كانت ببلد لم يذكر ذلك فيها فأحب أن يدفن في المقابر لحرمة المقابر والدواعي لها وأنه مع الجماعة أشبه من أن لا يتغوط ولا يبال على قبره ولا ينبش وحيثما دفن الميت فحسن إن شاء الله تعالى، وأحب أن يعمق للميت قدر بسطة وما أعمق له ووورى أجزأ وإنما أحببت ذلك ان لا تناله السباع ولا يقرب على أحد إن أراد نبشه ولا يظهر له ريح ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر إذا كانوا ويكون الذى للقبلة منهم أفضلهم وأسنهم ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل امامها وهى خلفه ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب وأحب إحكام القبر ولا وقت فيمن يدخل القبر فإن كانوا وترا أحب إلى وإن كانوا ممن يضبطون الميت بلا مشقة أحب إلى، وسل الميت من قبل رأسه وذلك أن يوضع رأس سريره عند رجل القبر ثم يسل سلا ويستر القبر بثوب نظيف حتى يسوى الميت لحده وستر المرأة إذا دخلت قبرها أوكد من ستر الرجل وتسل المراة كما يسل الرجل وإن ولى إخراجها من نعشها وحل
عقد من الثياب إن كان عليها وتعاهدها النساء فحسن وإن وليها الرجل فلا بأس فإن كان فيهم ذو محرم كان أحب إلى وإن لم يكن فيهم ذو محرم فذو قرابة وولاء وإن لم يكن فالمسلمون ولاتها وهذا موضع ضرورة ودونها الثياب وقد صارت ميتة وانقطع عنها حكم الحياة (قال) وتوضع الموتى في قبورهم على جنوبهم اليمنى وترفع رؤوسهم بحجر أو لبنة ويسندون لئلا ينكبوا ولا يستلقوا، وإن كان بأرض شديدة لحد لهم، ثم نصب على لحودهم اللبن نصبا ثم يتبع فروج اللبن بكسار اللبن والطين حتى يحكم ثم أهيل التراب عليها وإن كانوا ببلد رقيقة شق لهم شق ثم بنيت لحودهم بحجارة أو لبن ثم سقفت لحودهم عليهم بالحجارة أو الخشب لان اللبن لا يضبطها فإن سقفت تتبعت فروجها حتى تنظم (قال) ورأيتهم عندنا يضعون على السقف الاذخر ثم يضعون عليه التراب مثريا ثم يهيلون التراب بعد ذلك إهالة (قال الشافعي) هذا الوجه الاثر الذى يجب أن يعمل به ولا يترك وكيفما وورى الميت أجزأ إن شاء الله تعالى ويحيى من على شفير القبر بيديه معا التإب ثلاث حثيات أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال اخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا (قال الشافعي) وأحب تعجيل دفن الميت إذا بان موته فإذا أشكل أحببت الاناة به حتى يتبين موته وإن كان الميت غريقا أحببت التأني به بقدر ما يولى من حفره وإن كان مصعوقا أحببت أن يستأنى به حتى يخاف تغيره وإن بلغ ذلك يومين أو ثلاثة لانه بلغني أن الرجل يصعق فيذهب عقله ثم يفيق بعد اليومين وما أشبه ذلك وكذلك لو كان فزعا من حرب أو سبع أو فزعا غير ذلك أو كان مترديا من جبل، وإذا مات الميت فلا تخفى علامات الموت به إن شاء الله تعالى فإن خفيت على البعض لم تخف على الكل وإذا كانت الطواعين أو موت الفجأة واستبان الموت فلم يضبطه أهل البيت إلا أن يقدموا بعض الموتى فقدموا الوالدين من الرجال والنساء ثم قدموا بعد من رأوا، فإن كان امرأتان لرجل أقرع بينهما أيتهما تقدم وإذا خيف التغيير على بعض الموتى قدم من كان يخاف عليه التغيير لا من لا يخاف التغيير(1/315)
عليه ويقدم الكبار على الصغار إذا لم يخف التغيير على من تخلف وإذا كان الضرورة دفن الاثنان
والثلاثة في قبر وقدم إلى القبلة أفضلهم وأقرؤهم ثم جعل بينه وبين الذى يليه حاجز من تراب فإن كانوا رجالا ونساء وصبيانا جعل الرجل الذى يلى القبلة ثم الصبى ثم المرأة وراءه وأحب إلى لو لم تدفن المرأو مع الرجال وإنما رخصت في أن يدفن الرجلان في قبر بالسنة، لم أسمع أحدا من أهل العلم إلا يتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد اثنان في قبر واحد وقد قيل ثلاثة.
باب ما يكون بعد الدفن أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وقد بلغني عن بعض من مضى أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا دفن بقدر ما تجزر جزور (قال) وهذا أحسن ولم أر الناس عندنا يصنعونه اخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع لان أدفن في غيره أحب إلى إنما هو واحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أكون في جواره.
وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه، أخبرنا مالك أنه بلغه عن عائشة أنها قالت " كسر عظم الميت ككسر عظم الحى " (قال الشافعي) تعنى في المأثم وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن وأحب ان لا يزاد في القبر تراب من غيره وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس إذا إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا وإنما أحب أن يشخص على جه الارض شبرا أو نحوه وأحب أن لا يبنى ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء وليس الموت موضع واحد منهما ولم أر قبور المهاجرين والانصار مجصصة (قال الراوى) عن طاوس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تبنى القبور أو تجصص (قال الشافعي) وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك فإن كانت القبور في الارض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شئ أن يبنى منها وإنما يهدم أن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس (قال الشافعي) وإن تشاح الناس ممن يحفر للموتى في موضع من المقبرة وهى غير ملك لاحد حفر الذى يسبق حيث شاء وإن جاءوا معا أقرع الوالى بينهم وإذا دفن الميت فليس لاحد حفر قبره حتى يأتي عليه مدة يعلم أهل ذلك البلد أن ذلك قد ذهب، وذلك يختلف بالبلدان فيكون في السنة وأكثر فإن عجل أحد بحفر قبره فوجده ميتا أو بعضه أعيد عليه التراب وإن خرج من عظامه شئ أعيد في القبر (قال) وإذا
كانت أرض الرجل فأذن بأن يقبر فيها ثم أراد أخذها فله أحد ما لم يقبر فيه وليس له أخذ ما قبر فيه منها وإن قبر قوم في أرض لرجل بلا إذنه فأراد تحويلهم عنها أو بناءها أو زرعها أو حفرها آبارا، كرهت ذلك له وإن شح فهو أحق بحقه وأحب لو ترك الموتى حتى يبلوا (قال) وأكره وطئ القبر والجلوس والاتكاء عليه إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى، وقال بعض أصحابنا لا بأس بالجلوس عليه وإنما نهى عن الجلوس عليه للتغوط (قال الشافعي) وليس هذا عندنا كما قال، وإن كان نهى عنه المذهب فقد نهى عنه، وقد نهى عنه مطلقا لغير المذهب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبيه عن جده قال تبعت جنازة مع أبى هريرة فلما كان دون القبور جلس ابو هريرة ثم قال " لان أجلس على حمزة فتحرق ردائي ثم قميصي ثم إزارى ثم تفضى إلى جلدى أحب إلى(1/316)
من أن أجلس على قبر أمرئ مسلم " (قال) وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى أو يصلى عليه وهو غير مسوى أو يصلى إليه (قال) وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب " (قال) وأكره هذا للسنة والآثار وأنه كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين يعنى يتخذ قبره مسجدا ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعد فكره والله أعلم لئلا يوطأ فكره والله أعلم لان مستودع الموتى من الارض ليس بأنظف الارض وغيره من الارض أنظف.
باب القول عند دفن الميت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا وضع الميت في قبر قال من يضعه " بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأحب أن " يقول " اللهم أسلمه إليك الاشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدار والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول به أن عاقبته عاقبته بذنبه وإن عفوت فأنت أهل العفو اللهم أنت غنى عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته وتجاوز عن سيئته وشفع جماعتنا فيه واغفر ذنبه
وافسح له في قبره وأعذه من عذاب القبر وأدخل عليه الامان والروح في قبره ".
ولا باس بزيارة القبور أخبرنا مالك عن ربيعة (يعنى ابن أبى عبد الرحمن) عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا " (قال الشافعي) ولكن لا يقال عندها هجر من القول وذلك مثل الدعاء بالويل والثبور والنياحة فأما إذا زرت تستغفر للميت ويرق قلبك وتذكر أمر الآخرة فهذا مما لا أكرهه ولا أحب المبيت في القبور للوحشة على البائت وقد رأيت الناس عندنا يقاربون من ذوى القرابات في الدفن وأنا أحب ذلك وأجعل الوالد أقرب إلى القبلة من الولد إذا أمكن ذلك وكيفما دفن أجزأ أن شاء الله وليس في التعزية شئ مؤقت يقال لا يعدى إلى غيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن جعفر أبن محمد عن أبيه عن جده قال لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول " إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فإن المصاب من حرم الثواب " (قال الشافعي) قد عزى قوم من الصالحين بتعزية مختلفة فأحب أن يقول قائل هذا القول ويترحم على الميت ويدعو لمن خلفه (قال) والتعزية من حين موت الميت ان المنزل والمسجد وطريق القبور وبعد الدفن ومتى عزى فحسن فإذا شهد الجنازة أحببت أن تؤخر التعزية إلى ان يدفن الميت إلا أن يرى جزعا من المصاب فيعزيه عند جزعه ويعزى الصغير والكبير والمرأة إلا أن تكون امرأة شابة ولا أحب مخاطبتها إلا لذي محرم وأحب لجيران الميت أو ذى قرابته أن يعملوا لاهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سنة وذكر كريم وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا لانه لما جاء نعى جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن جعفر عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال جاء نعى جعفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم أو ما يشغلهم " " شك سفيان " (قال(1/317)
الشافعي) وأحب لقيم أهل الميت عند المصيبة أن يتعاهد أضعفهم عن احتمالها بالتعزية بما يظن من
الكلام والفعل أنه يسليه ويكف من حزنه وأحب لولى الميت الابتداء بأولى من قضاء دينه فإن كان ذلك يستأخر سأل غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه وأرضاهم منه بأى وجه كان، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبى سلمة أظنه عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " (قال) وأحب إن أوصى بشئ أن يعجل الصدقة عنه ويجعل ذلك في أقاربه وجيرانه وسبيل الخير وأحب مسح رأس اليتمى ودهنه وإكرامه وأن لا ينهر ولا يقهر فإن الله عزوجل قد أوصى به.
باب القيام للجنازة أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ولا يقوم للجنازة من شهدها والقيام لها منسوخ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمر بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير عن مسعود ابن الحكم عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنائز ثم جلس بعد " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة بهذا الاسناد أو شبيها بهذا وقال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالقيام ثم جلس وأمر بالجلوس (قال الشافعي) ويصلى على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك يدفن في أي ساعة شاء من ليل أو نهار وقد دفنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسكينة ليلا فلم ينكر ودفن أبو بكر الصديق ليلا ودفن المسلمون بعد ليلا وقال بعض أصحابنا لا يصلى عليها مع اصفرار الشمس ولا مع طلوعها حتى تبرز واحتج في ذلك بأن ابن عمر قال لاهل جنازة وضعوها على باب المسجد بعد الصبح " إما أن تصلوا عليها الآن وإما أن تدعوها حتى ترتفع الشمس " (قال) وابن عمر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتحرى أحدكم بصلاته طلوع الشمس ولا غروبها " وقد يكون ابن عمر سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فرأى هذا حمله على كل صلاة ولم ير النهى إلا فيما سمع (قال) وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دل على أن نهيه عن الصلاة في هذه الساعات إنما يعنى به صلاة النافلة فأما كل صلاة كرهت
فلا، وأثبتنا ذلك في كتاب الصلاة ولو كان على كل صلاة وكانت الصلاة على الجنائز صلاة لا تحل إلا في وقت صلاة ما صلى على ميت العصر ولا الصبح وقد يجوز أن يكون ابن عمر أراد بذلك أن لا يجلس من تبع الجنازة ولا يتفرق من أهل المسجد حتى يكثر المصلى عليها فان أصحابنا يتحرون بالجنائز انصراف الناس من الصلاة لكثرة المصلين فيقول صلوا مع كثرة الناس أو أخروا إلى ان يأتي المصلون للضحى اخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة من أهل المدينة بإسناد لا أحفظه أنه صلى على عقيل ابن أبى طالب والشمس مصفرة قبل المغيب قليلا ولم ينتظر به مغيب الشمس (قال الشافعي) وأكره النياحة على الميت بعد موته وأن تندبه النائحة على الانفراد لكن يعزى بما أمر الله عزوجل من الصبر والاسترجاع وأكره المأتم وهى الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما ضى فيه من الاثر (قتل) وأرخص في البكاء بلا أن يتأثر ولا أن يعلن(1/318)
إلا خيرا ولا يدعون بحرب قبل الموت فإذا مات أمسكن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحرث بن عتيك أخبره عن عبد الله بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " غلبنا عليك يا أبا الربيع " فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية " قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال " إذا مات ".
غسل الميت أخبرنا الربيع بن سليمان قال: لم أسمع هذا الكتاب من الشافعي وإنما أقرؤه على المعرفة (قال الشافعي) أول ما يبدأ به من يحضر الميت من أوليائه أن يتولى أرفقهم به إغماض عينيه بأسهل ما يقدر عليه وأن يشد تحت لحييه عصابة عريضة وتربط من فوق رأسه كيلا يسترخى لحيه الاسفل فينفتح فوه ثم يجسو بعد الموت ولا ينطبق ويرد يديه حتى يلصقهما بعضديه ثم يبسطهما ثم يردهما ثم يبسطهما مرات ليبقى لينهما فلا يجسو، وهما إذا لينا عند خروج الروح تباقى لينهما إلى وقت دفنه ففكتا وهما
لينتان ويلين ذلك أصابعه ويرد رجليه من باطن حتى يلصقهما ببطون فخذيه كما وصفت فيما يصنع في يديه ويضع على بطنه شيئا من طين أو لبنة أو حديدة، سيف أو غيره، فإن بعض أهل التجربة يزعمون أن ذلك يمنع بطنه أن تربوا ويخرج من تحته الوطئ كله ويفضى به إلى لوح إن قدر عليه أو سرير ألواح مستو فإن بعض أهل التجربة يزعم أنه يسرع انتفاخه على الوطئ ويسلب ثيابا إن كانت عليه ويسجى ثوبا يغطى به جميع جسده ويجعل من تحت رجله ورأسه وجنبيه لئلا ينكشف فإذا احضروا له غسله وكفنه وفرغوا من جهازه فإن كان على يديه وفى عانته شعر فمن الناس من كره أخذه عنه ومنهم من أرخص فيه، فمن أرخص فيه لم ير بأسا أن يحلقه بالنورة أو يجزه بالجلم ويأخذ من شاربيه ويقلم من أظفاره ويصنع به بعد الموت ما كان فطرة في الحياة ولا يأخذ من شعر رأسه ولا لحيته شيئا لان ذلك إنما يؤخذ زينة أو نسكا وما وصفت مما يؤخذ فطرة فإن نوره أنقاه من نورة وإن لم ينوره اتخذ قبل ذلك عيدانا طوالا الاخله من شجر لين لا يجرح ثم استخرج جميع ما تحت أظفار يديه ورجليه من الوسخ ثم أفضى به إلى مغتسله مستورا وإن غسله في قميص فهو أحب إلى وأن يكون القميص سخيفا رقيقا احب إلى وإن ضاق ذلك عليه كان أقل ما يستره به ما يوارى ما بين سرته إلى ركبته لان هذا هو العورة من الرجل في الحياة ويستر البيت الذى يغسله فيه بسير ولا يشركه في النظر إلى الميت إلا من لا غنى له عنه ممن يمسكه أو يقلبه أو يصب عليه ويغضون كلهم وهو عنه الطرف وإلا فيما لا يجزيه فيه إلا النظر إليه ليعرف ما يغسل منه وما بلغ الغسل وما يحتاج إليه من الزيادة في الغسل ويجعل السرير الذى يغسله عليه كالمنحدر قليلا وينفذ موضع مائه الذى يغسله به من البيت فإنه أحرز له أن ينضح فيه شئ أنصب عليه ولو انتضح لم يضره إن شاء الله تعالى ولكن هذا أطيب للنفس ويتخذ إناءين إناء يغرف به من الماء المجموع لغسله وإناء يصب فيه ذلك الاناء ثم يصب الاناء الثاني عليه ليكون إناء الماء غير قريب من الصب على الميت ويغسله بالماء غير(1/319)
السخن لا يعجبنى أن يغسل بالماء المسخن ولو غسل به أجزأه إن شاء الله تعالى (1) فأن كان عليه وسخ وكان ببلد بارد أو كانت به علة لا يبلغ الماء غير المسخن أن ينقى جسده غاية الانقاء ولو لصق
بجسده ما لا يخرجه إلا الدهن دهن ثم غسل حتى يتنظف وكذلك إن طلى بنورة ولا يفضى غاسل الميت بيده إلى شئ من عورته ولو توقى سائر جسده كان أحب إلى ويعد خرقتين نظيفتين قبل غسله فيلف على يده إحداهما ثم يغسل بها أعلى جسده وأسفله فإذا أفضى إلى ما بين رجليه ومذاكيره فغسل ذلك ألقاها فغسلت ولف الاخرى وكلما عاد على المذاكير وما بين الاليتين ألقى الخرقة التى على يده وأخذ الاخرى المغسولة لئلا يعود بما مر على المذاكير وبما بين الالتين على سائر جسده إن شاء الله.
باب عدة غسل الميت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أقل ما يجزئ من غسل الميت الانقاء كما يكون أقل ما يجزئ في الجنابة وأقل ما أحب أن يغسل ثلاثا فإن لم يبلغ بإنقائه ما يريد الغاسل فخمس فإن لم يبلغ ما يحب فسبع ولا يغسله بشئ من الماء إلا ألقى فيه كافورا للسنة وإن لم يفعل كرهته ورجوت أن يجزئه ولست أعرف أن يلقى في الماء ورق سدر ولا طيب غير كافور ولا يغره ولكن يترك ماء على وجهه ويلقى فيه الكافور.
ما يبدأ به في غسل الميت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يلقى الميت على ظهره ثم يبدأ غاسله فيوضئه وضوء للصلاة ويجلسه إجلاسا رفيقا ويمر يده على بطنه إمرارا رفيقا بليغا ليخرج شيئا إن كان فيه ثم فإن خرج شئ ألقاه وألقى الخرقة عن يده ووضعأه ثم يغسل رأسه وليته بالسدر حتى ينقهما ويسرحهما تسريحا رفيقا ثم يغسله من صفحة عنقه اليمنى صبا إلى قدمه اليمنى وغسل في ذلك شق صدره وجنبه وفخذه وساقه الايمن كله يحركه له محرك ليتغلغل الماء ما بين فخذيه ويمر فيما بينهما وليأخذ الماء فيغسل يامنة ظهره ثم يعود على شقه الايسر فيصنع به ذلك ثم يحرف على جنبه الايسر فيغسل يامنة (2) ظهره وقفاه وفخذه وساقه إلى قدمه وهو يراه ممكنا ثم يحرف على جنبه الايمن حتى يصنع بياسرة قفاه وظهره وجميع بدنه وإليته وفخذيه وساقه وقدمه مثل ذلك وأى شق حرفه إليه لم يحرفه حتى يغسل ما تحته وما يليه ليحرفه على موضع نقى نظيف ويصنع هذا في كل غسلة حتى يأتي على
جميع غسله وإن كان على بدنه وسخ (3) يحنى إلى إمكان غسله بأشنان ثم ماء قراح وإن غسله ]
__________
(1) قوله: فإن كان عليه وسخ الخ، كذا في النسخة بدون ذكر الجواب، ولعله سقط من الناسخ والاصل " غسل بالمسخن " تأمل.
(2) كذا في الاصل بغير نقط ولعله نابية ظهره أو ناتئة ظهره تأمل.
(3) كذا في الاصل بدون نقاط لبعض الحروف ومع ذلك فالعبارة لا تخلو من التحريف أو السقط فحرر.(1/320)
[ بسدر أو إشنان أو غيره لم نحسب شيئا خالطه من هذا شئ يعلو فيه غسلا ولكن إذا صب عليه الماء حتى يذهب هذا أمر عليه بعده الماء القراح ء ما وصفت وكان غسله بالماء وكان هذا تنظيفا لا يعد غسل طهارة، والماء ليس فيه كافور كالماء فيه شئ من الكافور ولا يغير الماء عن سجية خلقته ولا يعلو فيه منه إلا ريح والماء بحالة فكثرة الكافور في الماء لا تضر ولا تمنعه أن يكون طهارة يتوضأ به الحى ولا يتوضأ الحى بسدر مضروب بماء لان السدر لا يطهر ويتعهد بمسح بطن الميت في كل غسلة ويقعد عند آخر كل غسلة فإذا فرغ من آخر غسلة غسلها تعهدت يداه ورجلاه وردتا لئلا تجسوا ثم مدتا فإلصقتا بجنبه وصف بين قدميه وألصق أحد كعبيه بالآخر وضم إحدى فخذيه إلى الاخرى فإن خرج من الميت بعد الفراغ من غسله شئ انقى واعتدت غسله واحدة ثم يستخف في ثوب فإذا جف صير في أكفانه.
عدد كفن الميت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحب عدد كفن الميت إلى ثلاثة أثواب بيض ريطات، ليس فيها قميص ولا عمامة فمن كفن فيها بدئ بالتى يريدون أن تكون أعلاها فبسطت أولا ثم بسطت الاخرى فوقها ثم الثالثة فوقها ثم حمل الميت فوضع فوق العليا ثم أخذ القطن منزوع الحب فجعل فيه الحنوط والكافور وألقى على الميت ما يستره ثم أدخل بين إلييه إدخالا بليغا وأكثر ليرد شيئا إن جاء منه عند تحريكه إذا حمل فإن خيف أن يأتي شئ لعله كانت به أو حدثت يرد بها أدخلوا بينه
وبين كفنه لبدا ثم شدوه عليه كما يشد التبان الواسع فيمنع شيئا إن جاء منه من أن يظهر أو ثوبا صفيقا أقرب الثياب شبها باللبد وأمنعها لما يأتي منه إن شاء الله تعالى وشدوه عليه خياطة وإن لم يخافوا ذلك فلفوا مكان ذلك ثوبا لا يضرهم وإن تركوه رجوت أن يجزئهم والاحتياط بعمله أحب إلى ثم يؤخذ الكرسف فيوضع عليه الكافور فيوضع على فيه ومنخريه وعينيه وموضع سجوده فإن كانت به جراح نافذ وضع عليها ويحنط رأسه ولحيته، ولو ذر الكافور على جميع جسده وثوبه الذى يدرج فيه أحببت ذلك ويوضع الميت من الكفن الموضع الذي يبقى من عند رجليه منه أقل ما بقى من عند رأسه ثم تؤخذ صنفة الثوب اليمنى فترد على شق الرجل الايسر ثم تؤخذ صنفته اليسرى فترد على شق الرجل الايمن حتى يغطى بها صنفته الاولى ثم يصنع بالثوب الذي يليه مثل ذلك ثم بالثوب الاعلى مثل ذلك وأحب أن يذر بين أضعافها حنوط والكافور ثم يجمع ما عند رأسه من الثياب جمع العمامة ثم يرد على وجهه حتى يؤتى به صدره وما عند رجليه كذلك حتى يؤتى به على ظهر رجليه إلى حيث بلغ، فإن خافوا انتشار الثياب من الطرفين عقدوها كيلا تنتشر فإن أدخلوه القبر لم يدعوا عليه عقدة إلا حلوها ولا خياطة إلا فتقوها وأضجعوه على جنبه الايمن ورفعوا رأسه بلبنة وأسندوه لئلا يستلقى على ظهره وأدنوه في اللحد من مقدمه كيلا ينقلب على وجهه فإن كان ببلد شديد التراب أحببت أن يلحد له وينصب اللبن على قبره ثم تسد فرج اللبن ثم يهال التراب عليه وإن كان ببلد رقيق ضرح له والضرح أن تشق الارض ثم تبنى ثم يوضع فيه الميت كما وصفت ثم سقف بألواح ثم سدت فرج الالواح ثم ألقى على الالواح والفرج إذخر وشجر ما كان، فيمسك التراب أن ينتخل على الميت فوضع مكتلا مكتلا لئلا يتزايل الشجر عن مواضعه ثم أهيل عليه(1/321)
التراب، والاهالة عليه أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعا عليه ويهال بالمساحى ولا نحب أن يزداد في القبر أكثر من ترابه ليس لانه يحرم ذلك ولكن لئلا يرتفع جدا ويشخص القبر عن وجه الارض نحو من شبر ويسطح ويوضع عليه حصباء وتسد أرجاؤه بلبن أو بناء ويرش على القبر ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت فإذا فرغ من القبر فذلك أكمل ما يكون من اتباع
الجنازة فلينصرف من شاء والمرأة في غسلها وتعاهد ما يخرج منها مثل الرجل وينبغى أن يتفقد منها أكثر ما يتفقد من الرجل وإن كان بها بطن أو كانت نفساء أو بها علة احتيط فخيط عليها لبد ليمنع ما يأتي منها إن جاء والمشى بالجنازة الاسراع وهو فوق سجية المشى فإن كانت بالميت علة يخاف لها أن تجئ منه شئ احببت أن يرفق بالمشى وأن يدارى لئلا يأتي منه أذى وإذا غسلت المرأة، ضفر شعرها ثلاثة قرون فألقين خلفها وأحب لو قرئ عند القبر ودعى للميت وليس في ذلك دعاء مؤقت وأحب تعزية أهل الميت وجاء الاثر في تعزيتهم وان يخص بالتعزية كبارهم وصغارهم العاجزون عن احتمال المصيبة وأن يجعل لهم أهل رحمهم وجيرانهم طعاما لشغلهم بمصيبتهم عن صنعة الطعام.
العلل في الميت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان الميت مصعوقا أو ميتا غما أو محمولا عليه عذاب أو حريقا أو غريقا أو به علة قد توارث بمثل الموت استؤنى بدفنه وتعوهد حتى يستيقن موته لا وقت غير ذلك ولو كان يوما أو يومين أو ثلاثة ما لم يبن به الموت أو يخاف أثره ثم غسل ودفن وإذا استيقن موته عجل غسله ودفنه وللموت علامات منها امتداد جلدة الولد مستقبلة " قال الربيع " يعنى خصاه فإنها تفاض عند الموت واقتراج زندي يديه واسترخاء القدمين حتى لا ينتصبان وميلان الانف وعلامات سوى هذه، فإذا رؤيت دلت على الموت.
من يدخل قبر الرجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يضر الرجل من دخل قبره من الرجال ولا يدخل النساء قبر رجل ولا امرأة إلا أن لا يوجد غيرهن وأحب أن يكونوا وترا في القبر ثلاثة أو خمسة أو سبعة ولا يضرهم أن يكونوا شفعا ويدخله من يطيقه وأحبهم أن يدخل قبره أفقههم ثم أقربهم به رحما ثم يدخل قبر المرأة من العدد مثل من يدخل قبر الرجل ولا تدخله امرأة إلا ان لا يوجد غيرها ولا بأس أن يليها النساء لتخليص شئ إن كن يلينه وحل عقد عنها وإن وليها الرجال في ذلك كله فلا بأس إن شاء الله تعالى ولا أحب أن يليها إلا زوج أو ذو محرم إلا أن يوجد وإن لم يوجدوا أحببت أن يليها رقيق إن كانوا لها فإن لم يكونوا فخصيان فإن لم يكن لها رفيق فذوا محرم أو ولاء فإن لم يكونوا
فمن وليها من المسلمين ولا بأس إن شاء الله تعالى وتغسل المرأة زوجها والرجل أمرأته إن شاء وتغسلها ذات محرم منها أحب إلى فإن لم تكن فامرأة من المسلمين ويدخل المرأة قبرها إذا لم يكن معها من قرابتها احد الصالحون الذين لو احتاجت إليهم في حياتها لجاز لهم أن ينظروا إليها ويشهدوا عليها.(1/322)
[ باب التكبير على الجنائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويكبر على الجنائز أربعا ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويسلم عن يمينه وشماله عند الفراغ ويقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لجملة المؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت ومما يستحب في الدعاء أن يقول " اللهم عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه أحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وانت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم فإن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وبلغه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الارض عن جنبيه ولقه برحمتك الامن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين " وإذا أدخل قبره أن يقال " اللهم أسلمه إليك الاهل والاخوان ورجع عنه كل من صحبه وصحبه عمله، اللهم فزد في حسنته وأشكره واحطط سيئته واغفر له واجمع له برحمتك الامن من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم واخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين " (1).
]
__________
(1) وفى أختلاف على وابن مسعود رضى الله عنهما (الجنائز) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبى عن عبد الله بن مغفل قال صلى على رضى الله عنه على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن ابن أبى زياد عن عبد الله بن مغفل أن عليا رضى الله عنه كبر على سهل بن حنيف خمسا ثم التفت
إلينا وقال: إنه يدرى، وهذا خلاف الحديث الاول ولسنا ولا إياهم نأخذ بهذا التكبير، التكبير عندنا وعندهم على الجنائز أربع وذلك الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش عن عمير بن سعيد أن عليا رضى الله عنه كبر على ابن المكنف أربعا وهذا خلاف الحديثين قبله.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا هشيم عن أشعث عن الشعبى عن قرظة أن عليا رضى الله عنه أمره أن يصلى على قبر سهل بن حنيف.
وهم لا يأخذون بهذا يقولون لا يصلى على القبر وأما نحن فنأخذ به لانه يوافق ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان عن الزهري عن أبى أمامة بن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد بن ثابت والشيبانى عن الشعبى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر، وترجم في اختلاف الحديث (الجنائز) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع " (قال الشافعي) وروى شيبة ما يوافقه وهذا لا يعدو أن يكون منسوخا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قام لها لعلة قد رواها بعض المحدثين من أن جنازة يهودى مر بها على النبي صلى الله عليه وسلم فقام لها كراهية أن تطوله وأيهما كان فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله فالحجة في الآخر من أمره إن =(1/323)
[ باب الحكم فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه؟ وليس في التراجم أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) من دخل في صوم واجب عليه من شهر رمضان أو قضاء أو صوم نذر أو كفارة من وجه من الوجوه أو صلى مكتوبة في وقتها أو قضاها أو صلاة نذرها أو صلاة طواف، لم يكن أن يخرج من صوم ولا صلاة ما كان مطيقا للصوم والصلاة على طهارة في
الصلاة وإن خرج من واحد منهما بلا عذر مما وصفت أو ما أشبهه عامدا، كان مفسدا آثما عندنا والله تعالى أعلم، وكان عليه إذا خرج منه الاعادة لما خرج منه بكماله فإن خرج منه بعذر من سهو أو انتقاض وضوء أو غير ذلك من العذر كان عليه ان يعود فيقضى ما ترك من الصوم والصلاة بكماله لا يحل له غيره طال تركه له أو قصر، وأصل هذا إذا لم يكن للمرء، ترك صلاة ولا صوم قبل أن يدخل فيه وكان عليه أن يعود فيقضى ما ترك بكماله فخرج منه قبل إكماله عاد ودخل فيه فأكمله لانه إذا لم يكمله بعد دخوله فيه فهو بحالة لانه قد وجب عليه فلم يأت به كما وجب عليه وإنما تكمل صلاة المصلى الصلاة الواجبة وصوم الصائم الواجب عليه إذا قدم فيه مع دخوله في الصلاة نية يدخل بها في الصلاة فلو كبر لا ينوى واجبا من الصلاة أو دخل في الصوم لا ينوى واجبا لم تجزه صلاته ولا صيامه من الواجب عليه منهما وما قلت في هذا داخل في دلالة سنة أو أثر لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه (قال الشافعي) ومن تطوع بصلاة أو طواف أو صيام أحببت له أن لا يخرج من شئ منه حتى يأتي به كاملا إلا من أمر يعذر به كما يعذر في خروجه من الواجب عليه بالسهو أو العجز عن طاقته أو انتقاض وضوء في الصلاة أو ما أشبهه، فإن خرج بعذر أو غير فلو عاد له فكمله كان أحب إلى وليس بواجب عندي أن يعود له والله تعالى اعلم فإن قال قائل: ولم لا يعود لما دخل فيه من التطوع من صوم وصلاة وطواف إذا خرج منه كما يعود لما وجب عليه؟ قيل له إن شاء الله تعالى لا ختلاف الواجب من ذلك والنافلة، فإن قال قائل: فأين الخلاف بينهما؟ قيل له إن شاء الله تعالى: لا اختلاف مختلفان قبل الدخول فيهما وبعده فإن قال قائل: ما وجد في اختلافهما؟ قيل له: أرأيت الواجب عليه أكان له تركه قبل أن يدخل فيه؟ فإن قال: لا.
قيل: أفرأيت النافلة، أكان له تركها قبل ان يدخل فيها؟ فإن قال: نعم، قيل: أفتراهما متباينتين قبل الدخول؟ فإن قال: نعم، قيل: أفرأيت الواجب عليه من صوم وصلاة لا يجزئه أن يدخل فيه لا ينوى الصلاة التي وجبت بعينها والصوم الذى وجب عليه بعينه؟ فإن قال: لا، ولو فعل لم يجزه من واحد منهما قيل له: أفيجوز له أن يدخل في صلاة نافلة وصوم لا ينوى نافلة بعينها ولا فرضا، ] = كان الاول واجبا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحا فلا
بأس بالقيام والقعود، والقعود أحب إلى لانه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد عن عمرو بن سعيد بن معاذ عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس.(1/324)
[ أفتكون نافلة؟ فإن قال: نعم قيل له: هل يجوز له وهو مطيق على القيام في الصلاة أن يصلى قاعدا أو مضطجعا وفى السفر راكبا أين توجهت به دابته يومئ إيماء؟ فإن قال: نعم قيل له: وهل يجوز له هذا في المكتوبة؟ فإن قال: لا، قيل: أفتراهما مفترقتين بين الافتراق قبل الدخول فيهما ومع الدخول وبعد الدخول عندنا وعندك استدلالا بالسنة وما لم أعلم من أهل العلم مخالفا فيه.
باب الخلاف فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس وآخر في هذا فكلمت بعض الناس وكلمني ببعض ما حكيت في صدر هذه المسألة وأتيت على معانيه وأجابني بجمل ما قلت غير أنى لا أدرى لعلى أوضحتها حين كتبتها بأكثر من اللفظ الذى كان منى حين كلمته فلم أحب أن أحكى إلا ما قلت على وجهه وإن كنت لم أحك إلا معنى ما قلت له بل تحريت أن يكون أقل ما قلت له وأن آتى على ما قال، ثم كلمني فيها هو وغيره ممن ينسب إلى العلم من أصحابه مما سأحكى إن شاء الله تعالى ما قالوا وقلت فقال لى قد علمت أن فقهاء المكيين وغيرهم واحدا من فقهاء المدنيين يقولون ما قلت لا يخالفونك فيه وقد وافقنا في قولنا بعض المدنيين فخالفك مرة وخالفنا في شئ منه فقلت: لا أعرفه بعينه فاذكر قولك والحجة فيه ذكر من لا يحتج إلا بما يرى مثله حجة ولا تذكر مما يوافق قولك قول من لا يرى قول حجة بحال: قال: أفعل، ثم قال: أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب أو أخبرنا ثقة عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما شئ فذكرتا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " صوما يوما مكانه " فقلت هل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير هذا؟ قال: ما يحضرني الآن شئ غيره، وهذا الذى كنا نبنى عليه من
الاخبار في هذا قال فقلت له: هل تقبل منى ان أحدثك مرسلا كثيرا عن ابن شهاب وابن المنكدر ونظرائهما ومن هو أسن منهما عمرو بن دينار وعطاء وابن المسيب وعروة؟ قال: لا.
قلت: فكيف قبلت عن ابن شهاب مرسلا في شئ ولا تقبله عنه ولا عن مثله ولا أكبر منه في شئ غيره؟ قال فقال: فلعله لم يحمله إلا عن ثقة.
قلت: وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا ومرسل من هو أكبر فيقول كلما غاب عنى مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة أو عن مجهول لم تقم على به حجة حتى أعرف من حمله عنه بالثقة فأقبله أو أجهله فلا أقبله، قلت: ولم؟ إلا أنك إنما أنزلته بمنزلة الشهادات ولا تأمن أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا ولم يسميا من شهدا على شهادته؟ قال: أجل وهكذا نقول في الحديث كله قال فقلت له: وقد كلمني في حديث ابن شهاب كلام من كأنه لم يعلم فيه ومن حديث ابن شهاب هذا عند ابن شهاب وفيه شئ يخالفه ولم نعرف ثقة ثبتا يخالفه وهو أولى أن تصير إليه منه في حديث ابن شهاب قال: فكان ذاهبا عند ابن شهاب؟ قلت: نعم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال: الحديث الذى رويت عن حفصة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج: فقلت أسمعته من عروة بن الزبير؟ قال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك ابن مروان (قال الشافعي) فقلت له: أفرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمت أن ابن شهاب قال في الحديث ما حكيت لك أتقبله؟ قال: لا هذا يوهنه بأن يخبر أنه قبله عن(1/325)
رجل لا يسميه ولو عرفه لسماء أو وثقة (قال الشافعي) فقال: أفليس يقبح أن يدخل رجل في صلاته ثم يخرج منها قبل أن يصلى ركعتين وفى صوم فيخرج منه قبل أن يتم صوم يوم أو في طواف فيخرج منه قبل أن يكمل سبعا؟ فقلت له: وقد صرت إذ لم تجد حجة فيما كنت تحتج به إلى ان تكلم كلام أهل ال: هالة قال الذى قلت: أحسن.
قلت: أتقول ان يكمل الرجل ما دخل فيه؟ قال: نعم.
قلت: وأحسن منه أن يزيد على أضعافه؟ قال: أجل قلت أفتوجبه عليه؟ قال: لا قلت له: أفرأيت رجلا قويا نشيطا فارغا لا يصوم يوما واحدا تطوعا أو لا يطوف سبعا
أولا يصلى ركعة هو أقبح فعلا أم من طاف فلم يكمل طوافا حتى قطعه من عذر فلم يبن أو صنع ذلك في صوم أو صلاة؟ قال الذى امتنع من أن يدخل من ذلك شئ، قلت: أفتأمره إذا كان فعله أقبح أن يصلى ويصوم ويطوف تطوعا أمرا توجبه عليه؟ قال: لا.
قلت: فليس قولك أحسن وأقبح من موضع الحجة بسبيل ههنا إنما هو موضع اختيار قال: نعم يدخل الاختيار في موضع الحجة وقد أجزنا له قبل أن نقول هذا ما اخترت له وأكثر فقلنا: ما نحب أن يطيق رجل صوما فيأتى عليه شهر لا يصوم بعضه ولا صلاة فيأتى عليه ليل ولا نهار إلا تطوع في كل واحد منها بعدد كثير من الصلاة وما يزيد في ذلك أحد شيئا إلا كان خيرا له ولا ينقص منه أحد إلا والحظ له في ترك النقص ولكن لا يجوز لعالم أن يقول لرجل: هذا معيب وهذا مستخف والاستخفاف والعيب بالنية والفعل وقد يكون الفعل والترك ممن لا يستخف، فقال فيما قلت من الرجل يخرج من التطوع في الصلاة أو الصوم أو الطواف فلا يجب عليه قضاؤه خبر يلزم أو قياس يعرف؟ قلت: نعم.
قال: فاذكر بعض ما يحضرك منها قلنا: أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا خبأنا لك.
حيسا: فقال " أما إنى كنت أريد الصوم ولكن قريبه " (قال الشافعي) فقال قد قيل إنه يصوم يوما مكانه (قال الشافعي) فقلت له: ليس فيما حفظت عن سفيان في الحديث وأنا أسألك.
قال.
فسل قلت ارأيت من دخل في صوم واجب عليه من كفارة أو غيرها له ان يفطر ويقضى يوما مكانه؟ قال: لا.
قلت: أفرأيت إن كان من دخل في التطوع عندك بالصوم كمن وجب عليه أيجوز أن تقول من غير ضرورة ثم يقضى؟ قال: لا قلت: ولو كان هذا في الحديث وكان على معنى ما ذهبت إليه كنت قد خالفته؟ قال: فلو كان في الحديث أيحتمل معنى غير أنه واجب عليه أن يقضيه؟ قلت: نعم يحتمل إن شاء تطوع يوما مكانه قال: وأياما، أفتجد في شئ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما وصفت؟ قلت: نعم أخبرنا سفيان عن أبن أبى لبيد قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبى سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
العصر، قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة وبعث ابن عباس عبد الله بن الحرث بن نوفل معنا فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له: أذهب فسل أم سلمة، فذهب معه إلى أم سلمة فسألها فقالت أم سلمة: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما " قالت أم سلمة " فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها " قال: " إنى كنت أصلى ركعتين قبل الظهر وأنه على وفد بنى تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان " (قال الشافعي) وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أحب(1/326)
الاعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل " وإنما أراد والله تعالى أعلم المداومة على عمل كان يعمله فلما شغل عنه عمله في أقرب الاوقات منه ليس أن ركعتين قبل العصر واجبتان ولا بعدهما وإنما هما نافلة وقال عمر بن الخطاب " من فاته شئ من صلاة الليل فليصله إذا زالت الشمس فإنه قيام الليل " ليس أنه يوجب قيام الليل ولا قضاءه ولكن يقول من أراد تحرى فصلى فليفعل، أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعتكف في الاسلام وهو على هذا المعنى والله تعالى أعلم أنه إنما أمره إن أراد أن يسبق باعتكاف اعتكف ولم يمنعه أنه نذره في الجاهلية أخبرنا الدراوردى وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه رضى الله تعالى عنهما عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في سفره إلى مكة عام الفتح في شهر رمضان وأمر الناس أن يفطروا فقيل له: إن الناس صاموا حين صمت فدعا بإناء فيه ماء فوضعه على يده وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا ولحقه من وراءه رفع الاناء إلى فيه فشرب، وفى حديثهما أو حديث أحدهما " وذلك بعد العصر " أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم وهو صائم ثم رفع إناء فيه ماء فوضعه على يده وهو على الرجل فحبس من بين يديه وأدركه من وراءه ثم شرب والناس ينظرون (قال الشافعي) فقال هذا في شهر رمضان قلت: فذلك أوكد للحجة عليك أنه إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا علة غيره برخصة
الله وكان له أن يصوم إن شاء فيجزى عنه (1) من أفطر قبل أن يستكمله دل هذا على معنى قولى من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذى له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه في غيره قال: فتقول بهذا؟ قلت: نعم.
أقوله اتباعا لامر النبي صلى الله عليه وسلم " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " قال لى: فقد ذكر لى أنك تحفظ في هذا أثرا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: الذى جئتك به أقطع للعذر وأولى أن تتبعه من الاثر قال فاذكر الاثر قلت: فإن ذكرته بما ثبت بمثله عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تأت بشئ يخالفه ثابت عن واحد منهم تعلم أن فيما قلنا الحجة وفى خلافه الخطأ؟ قال: فاذكره قلت: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الانسان في صيام التطوع ويضرب لذلك أمثالا، رجل قد طاف سبعا ولم يوفه فله ما احتسب أو صلى ركعة ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب، أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس لا يرى بالافطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن الزبير عن جابر أنه كان لا يرى بالافطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن أبى الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول: هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده ]
__________
(1) قوله: من أفطر قبل أن يكمله، كذا في النسخة ولعلها من زيادة الناسخ أو سقط قبلها ما ترتبط به وإلا فالكلام بدونها وجيه، وحرر.
كتبه مصححه.(1/327)
[ فيقول: لاصومن هذا اليوم فيصومه، وإن كان مفطرا، وبلغ ذلك الحين وهو مفطر.
قال ابن جريج: أخبرنا عطاء وبلغنا أنه كان يفعل ذلك حين يصبح مفطرا حتى الضحى أو بعده ولعله أن يكون وجد غداء أو لم يجده (قال الشافعي) في قوله يصبح مفطرا يعنى يصبح لم ينو صوما ولم يطعم
شيئا (قال الشافعي) وهذا لا يجزئ في صوم واجب حتى ينوى صومه قبل الفجر، أخبرنا الثقات من أصحابنا عن جرير بن عبد المجيد عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه قال: دخل عمر ابن الخطاب المسجد فصلى ركعة ثم خرج فسلم عن ذلك فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص أخبرنا غير واحد من أهل العلم بإسناد لا يحضرني ذكره فيما يثبت مثله عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه مثل معنى ما روى عن عمر لا يخالفه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن أبيه قال حدثنى من رأى أبا ذر يكثر الركوع والسجود فقيل له أيها الشيخ تدرى على شفع تنصرف أم على وتر؟ قال لكن الله يدرى أخبرنا عبد الوهاب الثقفى عن خالد الحذاء عن أبى تميم المنذرى عن مطرف قال أتيت بيت المقدس فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع والسجود فلما انصرف قلت: إنك شيخ وإنك لا تدرى على شفع انصرفت أم على وتر فقال إنك قد كفيت حفظه وإنى لارجو أنى لا أسجد سجدة إلا رفعني الله بها درجة أو كتب لى بها حسنة أو جمع لى كلتيهما، قال عبد الوهاب الشيخ الذى صلى وقال المقالة أبو ذر (قال الشافعي) قول أبى ذر " لكن الله يدرى " وقوله " قد كفيت حفظه " يعنى علم الله به ويتوسع وإن لم يعلم هو والله أعلم وهذا لا يتسع في الفرض إلا أن ينصرف على عدد لا يزيد فيه ولا ينقص منه شيئا وقد توسع أبو ذر فيه في التطوع (قال الشافعي) وقلت مذهبك فيما يظهر اتباع الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يخالفه غيره من روايتك ورواية أصحابك الثابتة عندهم ما وصف عن على وعمر وأبى ذر من الرواية التي لا يدفع عالم أنها غاية في الثبت روينا عن ابن عباس ونحن وأنت نثبت روايتنا عن جابر بن عبد الله ويروى عن أبى ذر عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما قلنا فلو لم يكن في هذا دلالة من سنة لم يكن فيه إلا الآثار وأيا كان لم يك على أصل مذهبك ان نقول قولنا فيه وأنت تروى عن عمر إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر وتقول ولو تصادقا أنه لم يمسها وجب المهر والعدة اتباعا لقول عمر فترد على من خالفه وقد خالفه ابن عباس وشريح وتأول حجة لقول الله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " ولقوله " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " قالوا إنما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق
بالمسيس فقلت: لا تنازغ عمر ولا تتأول معه بل تتبعه وتتبع ابن عباس في قوله: " من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " وفى قوله " ما الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام أن يباع حتى يقبض ثم يقول برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله فقلت: لا يجوز أن يباع شئ اشترى متى يقبض اتباعا لابن عباس وتروى ذلك حجة على من خالفك إذا كان معك قول ابن عباس وتروى عن على رضى الله عنه في امرأة المفقود خلاف عمر وتحتج به عليه وترى لك فيه حجة على من خالفك ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر وعددا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة أقاويلهم وأفعالهم وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس ثم تخطئ القياس أرأيت لا يمكن أحدا في قول واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا ومعهم دلائل السنة التي ليس لاحد خلافها؟ (قال) أفتكون صلاة ركعة واحدة؟ (قلت) مسألتك مع ما وصفت من الاخبار(1/328)
جهالة أو تجاهل فإن زعمت أن لنا ولك أن نكون متكلمين مع سنة أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد سألت في موضع مسألة وإن زعمت أن أقاويلهم غاية ينتهى إليها لا تجاوز وإن لم يكن معها سنة لم يكن لمسألتك موضع (قال) أفرأيت إن كنعت عن القول في الصيام والطواف وكلمتك في الصلاة وزعمت أنى لا أقيس شريعة بشريعة ولا يكون ذلك لك فلما لم أجد في الصوم حديثا يثبت يخالف مل ذهبت إليه ولا في الطواف وكنعت عن الكلام فيهما قلت ورجعت إلى اجازة أن يخرج من صوم التطوع والطواف؟ فقال بل أقف فيه قلت أفتقبل من غيرك الوقوف عند الحجة؟ قال: لعلى سأجد حجة فيما قلت: قلت: فإن قال لك غيرك فلعلي سأجد الحجة عليك فلا أقبل منك أيكون ذلك له (1) ويأيده وقوفك والخبر الذى يلزم مثله عندك ثابت بخلاف قولك فإن قال فإن قلت لك في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين " قلت: فأنت تخالف هذا فتقول: صلاة النهار أربع وصلاة الليل مثنى قال بحديث قلت فهو إذن يخالف هذا الحديث فأيهما الثابت قال فاقتصر على صلاة الليل وأنت تعرف الحديث فيها وتثبته؟ قلت نعم.
وليست لك حجة فيه إن لم تكن عليك قال
وكيف قلت: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاة الليل مثنى لمن أراد صلاة تجاوز مثنى فأمر بأن يسلم بين كل ركعتين لئلا تشتبه بصلاة الفريضة لا أنه حرام أن يصلى أقل من مثنى ولا أكثر قال وأين أجاز أن يصلى أقل من مثنى؟ قلت في قوله " فإذا خشى الصبح صلى واحدة يوتر بها ما قد صلى " فقد صلى ركعة واحدة منفردة وجعلها صلاة وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يسلم ولا يجلس إلا في أخراهن وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من الركعة والركعتين وأخبر أن وجه الصلاة في التطوع أن تكون مثنى ولم يحرم أن تجاوز مثنى ولا تقصر عنه قال فإن قلت بل حرم أن لا يصلى إلا مثنى، قلت فأنت إذن تخالف أن زعمت أن الوتر واحدة وإن زعمت أنه ثلاث لا يفصل بسلام بينهن أو أكثر فليس واحدة ولا ثلاث مثنى، قال: فقال بعض.
من حضره من أصحابه ليس الذى ذهب إليه من هذا بحجة عليك عنده فما زال الناس يأمرون بأن يصلوا مثنى ولا يحرمون دون مثنى فإذا جاز أن يصلى غير مثنى قلت: فلم أحتج به (قال الشافعي) قلت له: نحن وأنت مجمعون على إنما يجب للرجل إذا قرأ السجدة طاهرا أن يسجد وأنت توجبها عليه أفسجدة لا قراءة فيها أقل أم ركعة؟ قال: هذا سنة وأثر قلت له ولا يدخل على السنة ولا الاثر؟ قال: لا.
قلت: فلم أدخلته علينا في السنة والاثر؟ وإذا كانت سجدة تكون صلاة ولم تبطلها بقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل " مثنى لانه لم يبلغ بها أن يجاوز بها مثنى فيقصر بها على مثنى فكيف عبث أن نقول أقل من مثنى وأكثر من سجدة صلاة؟ قال: فإن قلت السجود واجب قلنا فذلك أوكد للحجة عليك أن يحب من الصلاة سجدة بلا قراءة ولا ركوع ثم تعيب أن يجوز أكثر منها قلت له سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدة شكر الله عزوجل (قال الشافعي) أخبرنا بذلك الدراوردى، وسجد أبو بكر شكر الله تبارك وتعالى حين جاءه قتل مسيلمة، وسجد عمر حين جاءه فتح مصر شكرا لله جل اسمه فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت أن يتطوع بأكثر منها؟ ]
__________
(1) كذا في الاصل بدون إعجام وحرر، كتبه، مصححه.(1/329)
[ وقلت له ولو أن رجلا ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خفف قيام الليل ونصفه قال " فاقرءوا ما تيسر منه " يعنى صلوا ما تيسر أن يكون جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت كان أقرب إلى ان يشبه أن يكون هذا له حجة والله تعالى أعلم منك وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما بركعة في الليل لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عتبة بن محمد بن الحرث أن كريبا مولى ابن عباس أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبر ابن عباس فقال: أصاب أي بنى ليس احد منا أعلم من معاوية هي واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء.
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن زيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن التيمى عن صلاة طلحة قال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال قلت لاغلبن الليلة على المقام فقمت فإذا برجل يزحمنى متقنعا فنظرت فإذا عثمان قال فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادى الفجر فأوتر بركعة لم يصل غيرها (قال الشافعي) فقال فما حجتك على صاحبك الذى خالف مذهبك؟ قلت له: حجتى عليك حجتى عليه ولو سكت عن جميع ما احتججت به عليك سكات من لم يعرفه كنت محجوجا على لسان نفسك قال: وأين؟ قلت: هل تعدو النافلة من الصلاة والطواف من الصيام كما قلت من أنها لما لم يجب على الرجل الدخول فيها فدخل فيها فقطعها أن لا يكون عليه بدلها إذا لم يكن أصلها مما يلزمه تأديته أو تكون غير واجبة عليه فإذا دخل فيها وجبت بدخوله فيها فلزمه تمامها؟ قال: ما تعدو واحدا من هذين، قلت: فقوله خارج من هذين؟ قال: وكيف؟ قلت: يزعم ان من قطع صلاة أو صياما أو طوافا من غير عذر يلزمه ان يقضيه كما يلزمه قضاء المفروض عليه من هذا كله، ومن قطع من عذر لم يلزمه أن يقضيه وهو يزعم في المفروض عليه أنه يلزمه إذا قطعه من علة أن يقضيه كما يلزمه إذا قطعه من غير عذر، قال: ليس لقائل هذا حجة يحتاج عالم معه إلى مناطراته وقد كنت أعلم أنه يوافقنا منه في شئ ويخالفنا في شئ لم أعرفه حتى ذكره قلت فهكذا قوله قال فلعل عنده فيه أثرا، قلنا: فيوهم أن عنده أثرا ولا يذكره وأنت تراه يذكر من الآثار ما لا يوافق قوله لا ترى أنت له فيه حجة ولا أثرا (قال
مذهبك؟ قلت له: حجتى عليك حجتى عليه ولو سكت عن جميع ما احتججت به عليك سكات من لم يعرفه كنت محجوجا على لسان نفسك قال: وأين؟ قلت: هل تعدو النافلة من الصلاة والطواف من الصيام كما قلت من أنها لما لم يجب على الرجل الدخول فيها فدخل فيها فقطعها أن لا يكون عليه بدلها إذا لم يكن أصلها مما يلزمه تأديته أو تكون غير واجبة عليه فإذا دخل فيها وجبت بدخوله فيها فلزمه تمامها؟ قال: ما تعدو واحدا من هذين، قلت: فقوله خارج من هذين؟ قال: وكيف؟ قلت: يزعم ان من قطع صلاة أو صياما أو طوافا من غير عذر يلزمه ان يقضيه كما يلزمه قضاء المفروض عليه من هذا كله، ومن قطع من عذر لم يلزمه أن يقضيه وهو يزعم في المفروض عليه أنه يلزمه إذا قطعه من علة أن يقضيه كما يلزمه إذا قطعه من غير عذر، قال: ليس لقائل هذا حجة يحتاج عالم معه إلى مناطراته وقد كنت أعلم أنه يوافقنا منه في شئ ويخالفنا في شئ لم أعرفه حتى ذكره قلت فهكذا قوله قال فلعل عنده فيه أثرا، قلنا: فيوهم أن عنده أثرا ولا يذكره وأنت تراه يذكر من الآثار ما لا يوافق قوله لا ترى أنت له فيه حجة ولا أثرا (قال الشافعي) فقال فبقيت لنا عليك حجة وهي أنك تركت فيهما بعض الاصل الذي ذهبت إليه (قال الشافعي) فقلت وما هي؟ قال: أنت تقول من تطوع بحج أو عمرة فدخل فيهما لم يكن له الخروج منهما وهما نافلة فما فرق بين الحج والعمرة وغيرهما من صلاة وطواف وصوم؟ قلت الفرق الذى لا أعلمك ولا احدا يخالف فيه قال فما هو؟ قلت أفرأيت من أفسد صلاته أو صومه أو طوافه أيمضى في واحد منها أو يستأنفها قال: بل يستأنفها قلت ولو مضى في صلاة فاسدة أو صوم أو طواف لم يجزه وكان عاصيا ولو فسدت طهارته ومضى مصليا أو طائفا لم يجز؟ قال: نعم.
قلت: يؤمر بالخروج منها؟ قال: نعم قلت: أفرأيت إذا فسد حجة وعمرته أيقال له أخرج منهما فإنه لا يجوز له أن يمضى في واحد منهما وهو فاسد؟ قال: لا قلت: ويقال له اعمل للحج والعمرة وقد فسدا كما تعمله صحيحا لا تدع من عمله شيئا للفساد واحجج قابلا واعتمر وافتد، قال: نعم، قلت: أفتراهما يشبهان شيئا مما وصفت؟ والله أعلم (تم الجزء الاول ويليه الجزء الثاني واوله كتاب الزكاة)(1/330)
كتاب الأم - الامام الشافعي ج 2
كتاب الأم الامام الشافعي ج 2(2/)
الام تأليف الامام أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي 150 - 204 مع مختصر المزني الجزء الثاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(2/1)
الطبعة الاولى 1400 ه 1980 م الطبعة الثانية: 1403 ه 1983 م(2/2)
بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الزكاة) أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحمه الله قال قال الله عز وجل " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين (القيمة) (قال الشافعي) فأبان الله عزوجل أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وقال الله عزوجل " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " وقال عز ذكره " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من
فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (قال الشافعي) فأبان الله عز وجل في هاتين الآيتين فرض الزكاة لانه إنما عاقب على منع ما أوجب وأبان أن في الذهب والفضة الزكاة (قال الشافعي) قول الله عزوجل " ولا ينفقونها في سبيل الله " يعني والله تعالى أعلم في سبيله الذي فرض من الزكاة وغيرها (قال الشافعي) وأما دفن المال فضرب من إحرازه وإذا حل إحرازه بشئ حل بالدفن وغيره وقد جاءت السنة بما يدل على ذلك ثم لا أعلم فيه مخالفا ثم الآثار.
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه " ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه كان يقول " من كان له مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول أنا كنزك " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: كل مال يؤدي زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا وكل مال لا يؤدي زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا وقال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " (قال الشافعي) وإنما أمره أن يأخذ منهم ما أوجب عليهم وذكر الله تبارك وتعالى الزكاة في غير موضع من كتابه سوى ما وصفت منها (قال) فأبان الله عزوجل فرض الزكاة في كتابه ثم أبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في أي المال الزكاة فأبان في المال الذي فيه الزكاة أن منه ما تسقط عنه الزكاة ومنه ما تثبت عليه وأن من الاموال ما لا زكاة فيه (قال) وكان فيما أبان من هذا مع غيره إبانة الموضع الذي وضع الله به رسوله الله صلى الله عليه وسلم من دينه وكتبه والدليل على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لله عزوجل فيه حكم(2/3)
والدليل على ما أراد الله تبارك وتعالى بحكمه أخاصا أراد أم عاما وكم قدر ما أراد منه وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع من كتاب الله عزوجل ودينه في موضع كان كذلك في كل موضع
وسنته لا تكون إلا بالابانة عن الله تبارك وتعالى واتباع أمره.
(باب العدد الذي إذا بلغته الابل كان فيها صدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابى صعصعة المازنى عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنا عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ولا أعلم فيه مخالفا لقيته ولا أعلم ثقة يرويه إلا عن أبى سعيد الخدرى فإذا أثبتوا حديثا واحدا مرة وجب عليهم أن يثبتوه أخرى (قال الشافعي) وبين في السنة أن ليس فيما دون خمس من الابل صدقة وأن في الخمس صدقة.
(باب كيف فرض الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن المثنى بن أنس أو ابن فلان ابن أنس " الشافعي يشك " عن أنس بن مالك قال هذه الصدقة ثم تركت الغنم وغيرها وكرهها الناس " بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التى أمر الله تعالى بها فمن سئلها على وجهها من المؤمنين فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه في أربع وعشرين من الابل فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين من الابل ففيها ابنة مخاض أنثى فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل فإن زادت على عشرين ومائة ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة وأن بين أسنان الابل في فريضة
الصدقة من بلغت عنده من الابل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسر عليه أو عشرين درهما فإذا بلغت عليه الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأخبرني عدد ثقات كلهم عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ابن مالك عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معنى هذا لا يخالفه إلا أني لا أحفظ فيه ألا يعطى شاتين أو عشرين درهما ولا أحفظ إن استيسر عليه (قال الشافعي) وأحسب في حديث حماد عن أنس أنه قال دفع إلى أبو بكر الصديق رضى الله عنه كتاب الصدقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر هذا المعنى كما وصفت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قال(2/4)
لى ابن طاوس " عند أبى كتاب من العقول نزل به الوحى وما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقول أو الصدقة فإنما نزل به الوحى " (قال الشافعي) وذلك إن شاء الله تعالى كما روى ابن طاوس وبين في قول أنس (قال) وحديث أنس حديث ثابت من جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أن هذا كتاب الصدقات فيه في كل أربع وعشرين من الابل فدونها من الغنم في كل خمس شاة وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الجمل وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الجمل فما زاد على ذلك ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة وفى سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى أن تبلغ عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان وفيما فوق ذلك إلى ثلثمائة ثلاث شياه فما زاد على ذلك ففى كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفى الرقة ربع العشر إذا بلغت رقة أحدهم
خمس أواقى " هذه نسخة كتاب عمر بن الخطاب التى كان يأخذ عليها (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة من أهل العلم عن سفيان ابن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا أدرى أدخل ابن عمر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عمر في حديث سفيان أم لا " في صدقة الابل مثل هذا المعنى لا يخالفه ولا أعلمه بل لا أشك إن شاء الله تعالى إلا أنه حدث بجميع الحديث في صدقة الغنم والخلطاء والرقة وهكذا إلا أنى لا أحفظ إلا الابل في حديثه (قال الشافعي) فإذا قيل في سائمة الغنم هكذا فيشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون في الغنم غير السائمة شئ لان كلما قيل في شئ بصفة والشئ يجمع صفتين يؤخذ من صفة كذا ففيه دليل على أن لا يؤخذ من غير تلك الصفة من صفتيه (قال الشافعي) بهذا قلنا لا يتبين أن يؤخذ من الغنم غير السائمة صدقة الغنم وإذا كان هذا هكذا في الابل والبقر لانها الماشية التى تجب فيها الصدقة دون ما سواها (قال الشافعي) وإذا كان للرجل أربعة من الابل فلا يكون فيها زكاة حتى تبلغ خمسا فإذا بلغت خمسا ففيها شاه ثم لا زكاة في الزيادة على خمس حتى تبلغ عشرا فإذا بلغت ففيها شاتان فإذا زادت على عشر فلا زكاة في الزيادة حتى تكمل خمس عشرة فإذا كملتها ففيها ثلاث شياه فإذا زادت فلا زكاة في الزيادة حتى تبلغ عشرين فإذا بلغتها ففيها أربع شياه فإذا زادت فلا زكاة في الزيادة حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين سقطت الغنم فلم يكن في الابل غنم بحال وكانت فيها بنت مخاض فإن لم يكن فيها بنت مخاض ففيها ابن لبون ذكر فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تكمل ستا وثلاثين فإذا اكملتها ففيها بنت لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تكمل ستا وأربعين فإذا كملتها ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تكمل إحدى وستين، فإذا كملتها ففيها جذعة فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت(2/5)
فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين فإذا بلغتها سقط الفرض الثاني واستقبل بها فرض ثالث فعدت كلها فكان في كل أربعين منها بنت لبون وفى كل خمسين حقة (قال الشافعي) وإبانة ذلك أن تكون الابل مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث بنات لبون فإذا زادت فليس في زيادتها شئ حتى تكمل مائة وثلاثين فإذا كملتها ففيها حقة وبنتا لبون فإذا زادت فليس في زيادتها شئ حتى تكمل مائة وأربعين فإذا كملها ففيها حقتان وبنت لبون فإذا زادت فليس في زيادتها شئ حتى تكمل مائة وخمسين فإذا كملتها ففيها ثلاث حقاق ثم ليس في زيادتها شئ حتى تكمل مائة وستين فإذا كملتها ففيها أربع بنات لبون فإذا زادت فليس في زيادتها شئ حتى تبلغ مائة وسبعين فإذا بلغتها ففيها حقة وثلاث بنات لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وثمانين فإذا بلغتها ففيها حقتان وابنتا لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وتسعين فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائتين فإذا بلغتها فعلى المصدق أن يسأل فإن كانت أربع حقاق منها خيرا من خمس بنات لبون أخذها وإن كانت خمس بنات لبون خيرا أخذها لا يحل له غير ذلك ولا أراه يحل لرب المال غيره فإن أخذ من رب المال الصنف الادنى كان حقا عليه أن يخرج فضل ما بين ما أخذ منه وترك له فيعطيه أهل السهمان (قال الشافعي) ثم هكذا كل ما اجتمع فيه الفرض في أربعمائة وغيرها أخذ المصدق الافضل لاهل السهمان وأعطى ذلك رب المال فإن ترك له أخرج رب المال فضله (قال الشافعي) وإن استوت قيم أربع حقاق وخمس بنات لبون كان للمصدق أن يأخذ من أي الصنفين شاء لانه ليس هنالك فضل يدعه لرب المال (قال الشافعي) وإن وجد المصدق أحد الصنفين ولم يجد الآخر أخذ الصنف الذي وجد ولم يأخذ الآخر كأن وجد أربع حقاق ولم يجد خمس بنات لبون فيأخذ الحقاق فإن وجد خمس بنات لبون ولم يجد الحقاق فيأخذ بنات اللبون لانه ليس هنالك فرض ولا فضل يدعه (قال الشافعي) وإذا كانت الابل مائتين فوجد أربع بنات لبون وأربع حقاق فرأى أربع بنات لبون يقاربن الحقاق ولم يشك في أن لو كانت معهن واحدة منهن في أنها أفضل من الحقاق لم يكن له أن يأخذ إلا الحقاق ولم يكن له أن يكلفه ما ليس في إبله وهو يجد فريضته في إبله (قال) ولو كانت بنات لبون كما وصفت وهنالك حق فأراد أخذها وحقا
أو أخذها وبنت مخاض لانها دون بنت لبون وكان مع بنات اللبون خيرا للمساكين لم يكن ذلك له لانه حينئذ يصير إلى فراق الفريضة (قال) ولو كانت الحقاق مراضا أو ذوات نقص أو عيب لم يكن له أن يأخذ إلا بنات لبون إذا كانت صحاحا (قال) ولو كان الصنفان اللذان هما الفرض معا ناقصين وسائر الابل صحاحا قيل له: إن أعطيت من أحد الصنفين صحاحا من حيث شئت قبلناه وإن لم تفعل أخذنا منك السن التى هي أعلى ورددنا عليك، أو السن التى هي أسفل وأخذنا منك (قال الشافعي) وإن كانت الابل معيبة كلها أو بعضها معيبة إلا الاقل من عدد الصدقة كأن الصدقة خمس أو أربع والصحيح ثلاث أو أثنتان قيل له نأخذ منك الصحيح الذى عندك وعليك ما يبقى من الصحيح صحيحا مثله فإن جئت به وإلا أخذنا منك الصحيح الاعلى ورددنا عليك، أو الصحيح الاسفل وأخذنا منك، ولا نأخذ منك، مريضا.
وفى الابل عدد صحيح (قال الشافعي) وإذا كانت الابل خمسا وعشرين فلم يكن فيها بنت مخاض أخذ منها ابن لبون ذكر فإن لم يكن فيها فالخيار لرب المال يأتي بأيهما شاء وأيهما جاء به فهو فريضة فإن جاء بهما معا لم يكن للمصدق أن يأخذ إلا ابنة مخاض لانها الفرض الاول الذى لا فرض غيره وهى موجودة.(2/6)
(باب عيب الابل ونقصها) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وإن كانت الابل معيبة كلها بجرب أو هيام أو مرض أو عوار أو عيب ما كان أخذ المصدق واحدة منها ولم يكلفه صحيحة من غيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وليس للمصدق إذا كانت الابل معيبة كلها أن ينخفض ولا يرتفع عن الفرض ويرد أو يأخذ نظرا للمساكين إنما يكون له الارتفاع أو الانخفاض إذا لم تكن السن موجودة أو كانت السن موجودة معيبة وفى المال سواها سالم من العيب (قال) وله أن يأخذ غير المعيب من السن التى وجبت له وليس لرب المال أن يبدله شرا منها (قال الشافعي) ولو كانت الابل معيبة كانت فريضتها الغنم فكانت الشاة التى تجب فيها أكثر ثمنا من بعير منها قيل له: إن أعطيتها قبلت وإن لم تعطها فلك الخيار في أن تعطى بعيرا متطوعا مكانها أو تعطيها فإن أبى الخيار جبر على أخذ الشاة ومتى جبر فلم يعط الشاة حتى يختار أن
يعطى البعير قبل منه (قال) وإذا كان بعض الابل مباينا لبعض فأعطى أنقصها أو أدناها أو أعلاها قبل منه وليس كالابل فريضتها منها فيها النقص (قال الشافعي) وسواء كان النقص قديما أو حدث بعدما عد الابل (1) وقبل ينقص منها أو من الغنم ثم نقص ما قبض أو هلك في يده أو نقصت إبل رب المال أو هلكت في يده لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ (قال الشافعي) وإن عد الساعي الابل فلم يقبض من ربها الزكاة حتى تلفت أو تلف بعضها ولم يفرط فإن كان في الباقي شئ أخذه وإلا فلا شئ له (قال الشافعي) وإن كانت لرجل إبل فعدها الساعي وقال رب المال: " لى إبل غائبة " فأخذ منه صدقة الغائبة والحاضرة ثم أخذ منه ساعى بلد إبله الغائبة صدقة فعلى المصدق الذى أخذ منه صدقة الغائبة أن يرد عليه قدر صدقة الغائبة من صدقة غيره مثل ما أخذ منه إذا كان قد قسم صدقته إلا أن يشاء رب الماشية أن يدع حقه.
(باب إذا لم توجد السن) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حفظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أسنان الابل التي فريضتها بنت لبون فصاعدا " إذا لم يجد المصدق السن التى وجبت له وأخذ السن التى دونها أخذ من رب المال شاتين أو عشرين درهما وإن أخذ السن التى فوقها رد على رب المال شاتين أو عشرين درهما " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وعلى المصدق إذا لم يجد السن التى وجبت له ووجد السن التى هي أعلى منها أو أسفل أن لا يأخذ لاهل السهمان إلا الخير لهم وكذلك على رب المال أن يعطيه الخير لهم فإن لم يقبل المصدق الخير لهم كان على رب المال أن يخرج فضل ما بين ما أخذ المصدق وبين الخير لهم ثم يعطيه أهل السهمان (قال الشافعي) وإذا وجد العليا ولم يجد السفلى أو السفلى ولم يجد العليا فلا خيار له ويأخذ من التى وجد وليس له غير ذلك (قال الشافعي) وإذا وجد أحد السنين ذات عوار أو هما معا ذاتي عوار وتحتهما أو فوقهما من الابل سالم من العوار ولم يجد السن العليا ولا السفلى فليس له
__________
(1) قوله: وقبل ينقص منها أو من الغنم ثم نقص الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا وسقطا.
فلتحرر كتبه مصححه.(2/7)
أن يأخذ ذلك من ذوات العوار وفى الابل صحيحة وله أن يأخذ على النظر للمساكين على ما وصفت فكلما ارتفع سنا أعطى رب المال شاتين أو عشرين درهما وإذا ارتفع إلى السن التى فوق السن التى تلى ما وجب له فقد ارتفع سنين أعطى رب المال أربع شياه أو أربعين درهما ثم إن ارتفع سنا ثالثا زاد شاتين فأعطاه ست شياه أو ستين درهما وهكذا إذا انخفض أخذ منه في سن ما انخفض إليها شاتين أو عشرين درهما لا يختلف ولا ينظر في ذلك إلى أن تكون قيمة ما بين السنين أكثر أو أقل مما جاءت به السنة أن يأخذه (قال الشافعي) ولا يحل للساعي أن يعطيه عشرين درهما والشاتان أقل نقدا على المساكين من العشرين الدراهم ولا الشاتين والعشرون الدراهم أقل نقدا على المساكين منهما (قال الشافعي) (2) وإذا كان المصدق يلى صدقة دراهم وإبل وغنم وهكذا وإن لم يكن يصدق إلا ماشية باع منها فيرد على المأخوذ منه عشرين درهما إذا كان ذلك النظر للمساكين (قال الشافعي) ويبيع على النظر للمساكين من أي أصناف الماشية أخذ (قال الشافعي) وإذا كان يصدق إبلا لا أثمان لها للونها أو عيب بها فلم يجد السن التي وجبت في المال ووجد السن التى أسفل منها فكان إذا أخذها وشاتين أو عشرين درهما كانت الشاتان أو العشرون درهما خيرا من بعير منها، خير رب المال بين أن يتطوع له بالسن التى هي اعلى مما وجبت عليه أو يعطيه المصدق الذى هو خير للمساكين (قال الشافعي) وإذا أخذ من رب المال الفضل بين السنين أعطى رب المال أيهما شاء إن شاء شاتين وإن شاء عشرين درهما وليس للوالى أن يمتنع لان في الحديث شاتين، إن تيسرتا أو عشرين درهما فإذا تيسرت الشاتان وفيهما وفاء أعطاهما إلا ان يشاء عشرين درهما (قال الشافعي) والاحتياط لرب المال أن يعطى الاكثر للمساكين من شاتين أو عشرين درهما (قال الشافعي) وإذا كانت إبل لرجل فيها صدقة منها فلم يكن فيها السن التى وجبت فيها فقال رب الابل آتى بها قبلت منه إذا جاء بها من أمثل إبله أو خيرا منها وإن جاء بها من إبل ألام منها لم يكن للمصدق أن يقبلها وكان له أن يرتفع في إبل ويرد عليه أو ينخفض ويأخذ منه (قال الشافعي) والابل في هذا مخالفة للبقر والغنم إذا لم يجد السن من البقر والغنم كلفها ربها إلا أن يتطوع له بأعلى منها وإذا وجد ذلك السن منها معيبة وفى ماشيته صحيح فليس له أن يرتفع ويرد، ولا ينخفض
ويأخذ من البقر ولا الغنم بحال.
(باب الشاة تؤخذ في الابل) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل إبل فريضتها الغنم وله غنم أخذ من غنمه مما يجوز أن يكون أضحية فإن كانت غنمه معزى فثنية وإن كانت ضأنا فجذعة ولا يؤخذ منه أعلى منها ولا دونها إلا أن يتطوع رب المال بأعلى فيقبل منه (قال الشافعي) وإن كانت غنمه ذوات عوار أو مراضا أو لا غنم له فالخيار فيها إليه يدفع إليه أي شاة أجزأت أضحية من ضأن أو معزى ولا أنظر إلى الاغلب بالبلد لانه إنما جاء أن عليه شاه فإذا أخذتها في السن الذى يجزئ في صدقة الغنم فليس لى
__________
(2) قوله: وإذا كان المصدق الخ كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط، ولعل قوله: بعد " وهكذا " محرف عن فهو هكذا أو نحوه، وحرر.
كتبه مصححه.(2/8)
أكثر منها (قال الشافعي) وهكذا إن كانت ضأنا أو معزى أو ضأنا فأراد أن يعطى عزة أو معزى فأراد أن يعطى ضائنة قبلتها منه لانه إنما سميت عليه شاة فإذا جاء بها قبلتها منه (قال الشافعي) ويأخذ إبله بالعدد ما كانت إبله لئاما أو كراما لا يختلف ذلك وأى شاة من شاء بلده تجزئ أضحية قبلت منه وإن جاء بها من غير شاء بلده ومثل شاء بلده أو خير قبلت وإن جاء بها دونها لم تقبل ولو كانت له إبل كرام وجبت فيها فريضة منها فأراد أن يعطينا من إبل له ولغيره تلك السن وهى أدنى من إبله لم يكن لنا أخذها منه ولم تجز عنه أن يعطينا إياها كما لو كانت له إبل لئام وله إبل كرام ببلد غير بلده أو ببلده إبل كرام لم نأخذ منه صدقة اللئام من إبل بلده ولا إبله التى ببلد غير بلده وأخذنا من كل واحدة منهما بقدر ما فيها (قال الشافعي) وإذا وجبت لنا عليه جذعة لم يكن للمصدق أن يأخذها منه ماخضا إلا ان يتطوع فإذا ضرب الفحل السن التى وجبت فلم يدر أحالت أو لقحت قيل له: لا نأخذها منك أو تأتى بغيرها من تلك السن إن شئت أو نأخذ السفلى وترد علينا أو العليا ونرد عليك.
(باب صدقة البقر) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس أن
معاذ بن جبل أتى بوقص البقر فقال لم يأمرنى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بشئ (قال الشافعي) والوقص ما لم يبلغ الفريضة (قال الشافعي) ويشبه أن يكون معاذ إنما أخذ الصدقة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى أنه أتى بما دون ثلاثين فقال لم أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيئا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد بن قيس عن طاوس اليماني أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ بن جبل (قال الشافعي) وطاوس عالم بأمر معاذ وإن كان لم يلقه على كثرة من لقى ممن أدرك معاذا من أهل اليمن فيما علمت وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من ثلاثين تبيعا ومن أربعين مسنة (قال الشافعي) وأخبرني غير واحد من أهل اليمن عن عدد مضوا منهم أن معاذا أخذ منهم صدقة البقر على ما روى طاوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أهل العلم والامانة عن يحي بن سعيد عن نعيم (1) بن سلامة أن عمر بن عبد العزيز دعا بصحيفة فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بها إلى معاذ بن جبل فإذا فيها " في كل ثلاثين تبيع وفى كل أربعين مسنة " (قال الشافعي) وهو ما لا أعلم فيه بين أحد لقيته من أهل العلم خلافا، وبه نأخذ.
(باب تفريع صدقة البقر) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ليس في البقر شئ حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة (قال الشافعي) ثم ليس في
__________
(1) قوله: ابن سلامة، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر، ابن سلام، من غيرهاء، ولم نعثر عليه في المسند ولا غيره من الكتب التى بيدنا اه.(2/9)
الزيادة شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها تبيعان ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ ثمانين فإذا بلغتها ففيها مسنتان ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ تسعين فإذا بلغتها ففيها ثلاثة أتبعة ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة فإذا
بلغتها ففيها مسنة وتبيعان ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وعشرة فإذا بلغتها ففيها مسنتان وتبيع ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها جعل للمصدق أن يأخذ الخير للمساكين أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات كما قلت في الابل وإذا وجد أحد السنين ولم يجد الآخر أخذ الصدقة من السن التي وجد كما قلت في الابل لا يختلف إذا اجتمعت له سنان فيهما فرض، ثم هكذا صدقة البقر حتى تتناهى إلى ما تناهت إليه (باب صدقة الغنم) (قال الشافعي) ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الغنم معنى ما أذكر إن شاء الله تعالى وهو أن ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين فإذا كانت أربعين ففيها شاة ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين فإذا بلغتها ففيها شاتان ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ مائتي شاة وشاة فإذا بلغتها ففيها ثلاث شياه ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ أربعمائة شاة فإذا كملتها ففيها أربع شياه ثم يسقط فرضها الاول فإذا بلغت هذا فتعد ففى كل مائة شاه ولا شئ في الزيادة حتى تكمل مائة أخرى ثم تكون فيها شاة وتعد الغنم ولا تفرق ولا يخير رب الماشية وللساعي أن يختار السن التى وجبت له من خير الغنم إذا كانت الغنم واحدة.
(باب السن التى تؤخذ في الغنم) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا بشر بن عاصم عن أبيه أن عمر استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف ومخاليفها فخرج (1) مصدقا فاعتد عليهم (2) بالغذى ولم يأخذه منهم فقالوا له: إن كنت معتدا علينا بالغذى فخذه منا فأمسك حتى لقى عمر فقال: " اعلم أنهم يزعمون أنا نظلمهم أنا نعتد عليهم بالغذى ولا نأخذه منهم " فقال له عمر: فاعتد عليهم بالغذى حتى بالسخلة يروح بها الراعى على يده وقل لهم: لا آخذ منكم (3) الربى ولا الماخض ولا ذات الدر ولا الشاة الاكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق والجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول أن تؤخذ الجذعة والثنية وهو في معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الصدقة من (4) الجعرور ولا معى الفأرة وإن كان معقولا أنه أخذ من وسط التمر فيقول
تؤخذ الصدقة من وسط الغنم فتجزى الشاة التى تجوز أضحية (قال الشافعي) وهو والله
__________
(1) قوله: مصدقا، كذا في بعض النسخ، وفى بعض " مصنفا " بالنون والفاء، وكلاهما له معنى صحيح، والمدار على صحة الرواية.
(2) الغذى، كغنى: السخلة.
وجمعه، غذاء.
(3) الربى: كحبلى، الشاة يتبعها ولدها.
والماخض: الحامل: والاكولة: السمينة تعد للذبح (4) الجعرور، بضم الجيم.
ومعي الفأرة، نوعان من ردئ التمر.
كتبه مصححه.(2/10)
أعلم معقول إذا قيل فيها شاة فما أجزأ أضحية أجزأ فيما أطلق اسم شاة.
(باب الغنم إذا اختلفت) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا اختلفت غنم الرجل وكانت فيها أجناس بعضها أرفع من بعض أخذ المصدق من وسط أجناسها لا من أعلاها ولا من أسفلها وإن كانت واحدة أخذ خير ما يجب له (قال الشافعي) وإن كان خير الغنم أكثرها أو وسطها أكثر فسواء والله أعلم يأخذ من الاوساط من الغنم فإن لم يجد في الاوساط السن التى وجبت له قال لرب الغنم: إن تطوعت بأعلى منها أخذتها وإن لم تتطوع كلفتك أن تأتى بمثل شاة وسط ولم آخذ من الادنى والوسط فيؤخذ مما وصفت من ثنية وجذعة وإنما منعنى أن آخذ أعلى منها إذا كانت الغنم كلها أعلى منها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه مصدقا " إياك وكرائم أموالهم " وكرائم الاموال فيما هو أعلى من كل ما يجوز أضحية (قال الشافعي) وإن كانت الغنم ضأنا ومعزى سواء فقد قيل يأخذ المصدق من أيهما شاء وإن كانت إحداهما أكثر أخذ من الاكثر (قال الشافعي) والقياس أن يأخذ من كل بقدر حصته ولا يشبه هذا التمر لان الضأن بين التمييز من المعزى وليس كذلك التمر (قال الشافعي) وهكذا البقر لا تخالف الغنم إذا كانت جواميس وعرابا (1) ودربانية (قال الشافعي) فإذا كانت الابل بختا وعرابا ومن أجناس مختلفة فكانت صدقتها الغنم فلا تختلف وإن كانت صدقتها منها فمن قال يأخذ بالاكثر من أصنافها أخذ من الاكثر فإن لم يجد في الاكثر السن التى تجب له كلفها رب الماشية ولم ينخفض ولم يرتفع ويرد إلا
أن ينخفض في الاكثر منها أو يرتفع فيرد، فأما في غير الصنف الذى هو أكثر فلا (قال الشافعي) ومن قال يأخذ في كل بقدره أخذها بقيم فكأنه كانت له ابنة مخاض والابل عشر مهرية تسوى مائة وعشر أرحبية تسوى خمسين وخمس نجدية تسوى خمسين فيأخذ بنت مخاض أو ابن لبون ذكرا بقيمة خمسى مهرية وخمسى أرحبية وخمس واحدة نجدية إلا أن تطيب نفس رب المال فيعطيه من الخير منها بلا قيمة (قال الشافعي) فإذا كان في بعض الابل أو البقر أو الغنم المختلفة عيب أخذ المصدق من الصنف الذى لا عيب فيه لانه ليس له عيب (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل غنم غائبة عن الساعي فزعم أنها دون الغنم التى تحصر به وسأل الساعي أن يأخذ من الاكثر أو من التى هي دون الاكثر أو من كل بقدره فعلى الساعي تصديقه إذا صدقه على عددها صدقه على انخفاضها وارتفاعها وهكذا إذا كانت البقر عرابا ودربانية وجواميس والغنم مختلفة هكذا أخذت صدقتها كما وصفت بقدرها وقيمة المأخوذ منها من قدر عدد كل صنف منها ويضم البخت إلى العراب والجواميس إلى البقر والضأن إلى المعز.
(باب الزيادة في الماشية) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل أربعون شاة كلها فوق الثنية جبر المصدق رب الماشية على أن يأتيه بثنية إن كانت معزى أو جذعة إن كانت ضأنا إلا أن يتطوع فيعطى شاة منها فيقبلها
__________
(1) الدربانية، بالفتح، ضرب من البقر، ترق أظلافها وجلودها ولها أسنمة كذا في القاموس.
كتبه مصححه.(2/11)
لانها أفضل لانه إذا كلف ما يجب عليه من غير غنمه فقد ترك فضلا في غنمه (قال الشافعي) وهكذا إن كانت الغنم التى وجبت فيها الزكاة مخاضا كلها (1) أو لبنا أو متابيع لان كل هذا ليس له لفضله على ما يجب له وكذلك إن كانت تيوسا لفضل التيوس (قال الشافعي) وكذلك إن كانت كل الغنم التي وجبت له فيها الزكاة أكولة كلف السن التى وجبت عليه إلا أن يتطوع فيعطى مما في يديه ومتى تطوع فأعطى مما في يديه فوق السن التى وجبت عليه غير ذات نقص قبلت منه فإن أعطاه منها ذات نقص
وفيها صحيح لم يقبل منه (قال الشافعي) فإن أعطى ذات نقص أكثر قيمة من سن وجبت عليه لم يقبل ذات نقص إذا لم تجز ضحية وقبلت إذا جاز ضحية إلا أن يكون تيسا فلا يقبل بحال لانه ليس في فرض الغنم ذكور (قال الشافعي) وهكذا هذا في البقر لا يختلف إلا في خصلة فإنه إذا وجب عليه مسنة والبقر ثيران فأعطى ثورا أجزأ عنه إذا كان خيرا من تبيع إذا كان مكان تبيع فإذا كان فرضها من الاناث فلا يقبل مكانها ذكرا، قال الربيع أظن مكان مسنة تبيع وهذا خطأ من الكاتب لان آخر الكلام يدل على أنه تبيع (قال الشافعي) فأما الابل فتخالف الغنم والبقر في هذا المعنى بأن المصدق يأخذ السن الاعلى ويرد أو السفلى ويأخذ ولا رد في غنم ولا بقر وإذا أعطى ذكرا بقيمه أنثى لم يؤخذ منه ويؤخذ منه أنثى إذا وجبت أنثى وذكر إذا وجب ذكر إذا كان ذلك في ماشيته التى هي أعلى مما يجوز في الصدقة ولا يؤخذ ذكر مكان أنثى إلا أن تكون ماشيته كلها ذكورا فيعطى منها ومتى تطوع فأعطى مما في يده فوق السن التى وجبت غير ذات نقص قبلت منه.
(النقص في الماشية) قال الشافعي أذا كانت أربعون شاة فحال عليها الحول فما نتجت بعد الحول لم يعد على ربه كان قبل أن يأتي المصدق أو بعده (قال) ويعد على رب المال ما نتجت قبل الحول ولو بطرفة عين عددته على رب الماشية (قال الشافعي) ولا يصدق الماشية حتى تكون في أول الحول وآخره أربعين شاة (قال الشافعي) ولا أنظر إلى قدوم المصدق وإنما أنظر إلى الحول من يوم يملك رب الماشية الماشية والقول قول رب الماشية فإذا خرج المصدق في المحرم وحول الماشية صفر أو ربيع الاول أو رجب أو قبله أو بعده لم يأخذ من رب الماشية شيئا حتى يكون حولها إلا أن يتطوع رب الماشية بالاداء عنها (قال الشافعي) وهذا بين أن المصدق ليس مما تجب به الصدقة بسبيل وأن الصدقة إنما تجب لحولها (قال الشافعي) ويوكل به المصدق من يقبض منه الصدقة في حولها فإن لم يفعل فعلى رب الماشية أن يؤدى صدقته لحولها (قال الشافعي) فإذا كان لرجل أربعون من الغنم فحال عليها حول فولدت بعد الحول ثم ماتت الامهات ولم يمكنه أن يؤدى صدقتها فلا صدقة عليه في أولادها وإن كثروا حتى يحول على أولادها الحول وأولادها كالفائدة فيها إذا حال عليها الحول قبل تلدها وإنما تعد عليه أولادها إذا كان الولاد قبل
الحول (قال الشافعي) وأذا كانت الولادة قبل الحول ثم موتت الامهات فإن كان الاولاد أربعين ففيها الصدقة وإن لم تكن أربعين فلا صدقة فيها لان الحول حال وهى مما لا تجب فيه الصدقة لو كانت الامهات أنفسها (قال الشافعي) ولو كانت لرجل غنم لا يجب في مثلها الصدقة فتناتجت قبل الحول
__________
(1) أو لبنا أو متابيع.
اللبن: بضم اللام وكسرها وسكون الباء، جمع (لبون) وهى ذات اللبن والمتابيع: جمع متبع للبقرة أو الشاة التى يتبعها ولدها.
كذا في كتب اللغة كتبه مصححه.(2/12)
فحال الحول وهى أربعون لم يكن فيها صدقة ولا صدقة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم تمت أربعين ويحول عليه الحول وهى أربعون أو أكثر (قال) وهكذا لو أفاد غنما فضمها إلى غنم لا تجب فيها الصدقة لم يجب عليه فيها الصدقة حتى يحول عليها الحول من يوم أفاد الاربعين (قال الشافعي) ولا يعد بالسخل على رب الماشية إلا بأن يكون السخل قبل الحول ويكون أصل الغنم أربعين فصاعدا فأما إذا كانت أقل من أربعين (1) ولم تكن الغنم مما فيه الصدقة ولا يعد بالسخل حتى يتم بالسخل أربعين ثم يستقبل بها حولا من يوم تمت أربعين (قال الشافعي) فإذا كانت لرجل أربعون شاة فحال عليها الحول فأمكنه أن يصدقها ولم يفعل حتى هلكت كلها أو بعضها فعليه شاة ولو لم يمكنه أن يصدقها حتى ماتت منها شاة فلا زكاة في الباقي لانه أقل من أربعين شاة فإذا كانت الغنم أربعين شاة فنتجت أربعين قبل الحول ثم ماتت أمهاتها وجاء المصدق وهى أربعون جديا أو بهمة وبين جدى وبهمة أو كان هذا في إبل هكذا فجاء المصدق وهى فصال أو في بقر فجاء المصدق وهى عجول أخذ من كل صنف من هذا واحدا منه، فإن كان في غذاء الغنم أناث وذكور أخذ أنثى وإن لم يكن إلا واحدة وإن كان في غذاء البقر ذكور وإناث أخذ ذكرا وإن لم يكن إلا واحدا إذا كانت ثلاثين وإن كانت أربعين أخذ أنثى وإن لم يكن إلا واحدة وإن كان في غذاء الابل إناث وذكور أخذ أنثى ولو لم يكن إلا واحدة فإن كانت كلها إناثا أخذ من الابل أنثى وقال لرب المال إن شئت فائت بذكر مثل أحدها وإن شئت أديت أنثى وأنت متطوع بالفضل إن كان فيها تبيع (قال) فإن قال قائل فكيف لم تبطل عنه الصدقة إذا لم تكن في
ماشيته السن التى وجبت فيها الصدقة أو كيف لم تكلفه السن التى تجب في الصدقة إذا عددت عليه بالصغار عدل بالكبار قيل له: إن شاء الله تعالى لا يجوز عندي واحد من القولين لا يجوز أن أبطل عنه الصدقة وحكم الصغار حكم الامهات في العدد إذا كن مع الامهات يجب فيهن الصدقة وأما أخذى منه سنا هي أكبر مما في غنمه فأبعد أن يجوز ولا يجوز عندي والله أعلم من قبل أنى إذا قيل لى: دع الربى والماخض وذات الدر وفحل الغنم واخفض عن هذا وخذ الجذعة والثنية فقد عقلنا أنه قيل لى: دع خيرا مما تأخذ منه إذا كان فيما عنده خير منه ودونه وخذ من ماشية أدنى مما تدع وخذ العدل بين الصغير والكبير وهو الجذعة والثنية فإذا كانت عنده أربعون بهمة تسوى عشرين درهما فكلفته شاة تسوى عشرين درهما فلم آخذ عدلا من ماله بل أخذت قيمة ماله كله وإنما قيل لى خذ ما يشبه أن يكون ربع عشر ماله إذا كان أربعين فإن قال فقد أمرت إذا كانت الثنية موجودة أن تأخذها ونهيت عما هو أصغر منها؟ قيل: نعم وأمرت أن لا آخذ الجعرور ولا مصران الفأرة فإذا كان تمر الرجل كله جعرورا ومصران فأرة، أخذت منها ولم أكلفه ما كنت آخذ منه ولو كان في تمره ما هو خير منه وإنما أخذت الثنية إذا وجدتها في البهم أن الصدقة قد وجبت فيها بالحول على أمهاتها غير أن أمهاتها يموتن فلا صدقة في ميت فهو يخالف ههنا الجعرور ولو كان لرجل جعرور ونخل (2) بردى أخذت الجعرور من الجعرور وعشر البردى من البردى (قال الشافعي) فإن قال قائل كيف تأخذ من خمس وعشرين من
__________
(1) ولم تكن الغنم الخ كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط ولعل الواو في قوله " ولم " مزيدة من النساخ كتبه مصححه.
(2) البردى: بضم فسكون، من جيد التمر، يشبه البرنى، أو ضرب من تمر الحجاز جيد معروف.
كذا في اللسان.
كتبه مصححه.(2/13)
الابل أحد سنين؟ قلت العدد فيما يؤخذ منهما واحد وإنما الفضل بين الاخذ منهما في سن أعلى من سن فإذا لم يوجد أحد السنين، ووجد السن الآخر آخذ من السن الذى وجد وهكذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر من هذا، ولا يؤخذ مالا يوجد في المال ولا فضل في المال عنه وإنما صدقته فيه
لا يكلف غيره إلا أن يكون في ماله فضل فيحبسه عن المصدق فيقال: ائت بالسن التى عليك إلا أن تعطى متطوعا مما في يدك كما قيل لنا: خذوا من أوسط التمر ولا تأخذوا جعرورا فإذا لم نجد إلا جعرورا أخذنا منه ولم ننقص من الكيل ولكنا نقصنا من جودة ما نأخذ إذا لم نجد الجيد فكذلك نقصنا من السن إذا لم نجدها ولم ننقص من العدد (باب الفضل في الماشية) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كان لرجل أربعون من الغنم كلها فوق السن التى تؤخذ أو مخاضها كلها أو متبعة أو كانت كلها أكولة أو تيوسا قيل لصاحبها عليك فيها ثنية أو جذعة فإن جئت بها قبلت منك وإن أعطيت منها واحدة قبل منك وأنت متطوع بالفضل فيها (1) وهكذا هذا في البقر، وإذا تركنا لك الفضل في مالك فلا بد أن تعطينا الذى عليك وهكذا هذا في البقر، فأما الابل فإذا أخذنا سنا أعلى رددنا عليك وإن أعطيتنا السن التى لنا لم نأخذ غيرها إن شاء الله تعالى، وإذا أعطيتنا تيسا من الغنم أو ذكرا من البقر في عدد فريضته أنثى وفيها أنثى لم نقبل لان الذكور غير الاناث.
(باب صدقة الخلطاء) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال جاء الحديث " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " (قال الشافعي) والذى لا أشك فيه أن الخليطين الشريكان لم يقسما الماشية وتراجعهما بالسوية أن يكونا خليطين في الابل فيها الغنم توجد الابل في يد أحدهما فتؤخذ في صدقتها فيرجع على شريكه بالسوية (قال الشافعي) وقد يكون الخليطان لرجلين يتخالطان بماشيتهما وإن عرف كل واحد منهما ماشيته ولا يكونان خليطين حتى يروحا ويسرحا ويسقيا معا وتكون فحولهما مختلطة فإذا كانا هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حال (قال الشافعي) وإن تفرقا في مراح أو سقى أو فحول فليسا خليطين ويصدقان صدقة الاثنين (قال الشافعي) ولا يكونان خليطين حتى يحول عليهما حول من يوم اختلطا فإذا حال عليهما حول من يوم اختلطا زكيا زكاة الواحد وإن لم يحل عليهما حول زكيا زكاة الاثنين وإن اختلطا (2) حولا ثم افترقا قبل أن يأتي المصدق والحول زكيا زكاة المفترقين (قال) وهكذا إذا كانا شريكين (قال الشافعي) ولا أعلم مخالفا في أن ثلاثة خلطاء
__________
(1) قوله: وهكذا هذا في البقر، كذا في النسخ، وهذه الجملة مكررة مع ما يأتي بعد، ولعلها
هنا مزيدة من الناسخ كتبه مصححه.
(2) قوله: حولا كذا في النسخ ولعلها مزيدة من الناسخ.
كتبه مصححه.(2/14)
لو كانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم شاة واحدة فصدقوا صدقة الواحد ولا ينظر إلى عددهم ولا حصة كل واحد منهم (قال الشافعي) وإذا قالوا هذا فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لو فرق مالهم كان فيه ثلاث شياه لم يجز إلا أن يقولوا لو كانت أربعون شاة بين ثلاثة وأكثر كان عليهم فيها صدقة لانهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد (قال الشافعي) وبهذا أقول فيصدق الخلطاء صدقة الواحد في الماشية كلها الابل والبقر والغنم وكذلك الخلطاء في الزرع والحائط أرأيت لو أن حائطا صدقته مجزئة على مائة إنسان ليس فيه إلا عشرة أوسق أما كانت فيها الصدقة؟ وإن كانت حصة كل واحد منهم من تمره لا تبلغ خمسة أوسق (قال الشافعي) في هذا صدقة وفى كل شرك صدقة إذا بلغت جملته خمسة أوسق بكل حال (قال الشافعي) وما قلت في الخلطاء معنى الحديث نفسه ثم قول عطاء بن أبى رباح وغيره من أهل العلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال سألت عطاء عن النفر يكون لهم أربعون شاة قال عليهم شاة (قال الشافعي) فإن قال قائل فقد قيل في الحديث " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة " قيل فهذا يدل على ما قلنا لا يفرق بين ثلاثة في عشرين ومائة خشية إذا جمع بينهم أن يكون فيها شاة لانها إذا فرقت ففيها ثلاث شياة ولا يجمع بين متفرق (1) ورجل له مائة شاة وآخر له مائة شاة وشاة فإذا تركا على افتراقهما كانت فيها شاتان وإذا اجتمعت كانت فيها ثلاث ورجلان لهما أربعون شاة وإذا افترقت فلا شئ فيها وإذا اجتمعت ففيها شاة فالخشية خشية الوالى أن تقل الصدقة وخشية أخرى وهى خشية رب المال أن تكثر الصدقة وليس واحد منهما أولى باسم الخشية من الآخر فأمر أن نقر كلا على حاله وإن كان مجتمعا صدق مجتمعا وإن كان متفرقا صدق متفرقا (قال الشافعي) وأما قوله وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية لجماعة أن يكون للرجلين مائة شاة وتكون غنم كل واحد منهما معروفة فتؤخذ الشاة من غنم أحدهما فيرجع المأخوذ منه الشاة على خليطه بنصف قيمة الشاة المأخوذة
عن غنمه وغنمه إذا كان عدد غنمهما واحد فإن كانت الشاة مأخوذة من غنم رجل له ثلث الغنم ولشريكه ثلثاها رجع المأخوذ منه الشاة على شريكه بثلثي قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه وغنم شريكه لان ثلثيها أخذ عن غنم شريكه فغرم حصة ما أخذ عن غنمه (قال الشافعي) ولو كانت في غنمهما معا ثلاث شياه فأخذت الثلاث من غنم واحد له ثلث الغنم رجع على خليطه بثلثي قيمة الثلاث الشياة المأخوذة عن غنمها ولا يرجع عليه بقيمة شاتين منها وذلك أن الشياه الثلاث أخذت معا فثلثاها عن خليطه وثلثها عنه مختلطة لا مقسومة (قال الشافعي) ولا يصدق صدق الخلطاء أحد إلا أن يكون الخليطان مسلمين معا فأما أن خالط نصراني مسلما صدق المسلم صدقة المنفرد لانه إنما يصدق الرجلان كما يصدق الواحد إذا كانا معا ممن عليه الصدقة فأما إذا كان أحدهما ممن لا صدقة عليه فلا (قال الشافعي) وهكذا إن خالط مكاتب حرا لانه لا صدقة في مال مكاتب (قال الشافعي) وإذا كانا خليطين عليهما صدقة فالقول فيهما كما وصفت (قال الشافعي) ولو كانت غنمهما سواء وكانت فيهما عليهما شاتان فأخذت من غنم كل واحد منهما شاة وكانت قيمة الشاتين المأخوذتين متقاربة لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ لانه لم يؤخذ منه الا ما عليه في غنمه لو كانت على الانفراد ولو كانت لاحدهما ثلث
__________
(1) قوله: ورجل كذا في الاصول التي بيدنا، ولعل الواو زائدة أو محرفة من النساخ، والوجه، في رجل الخ كتبه مصححه.(2/15)
الغنم والآخر ثلثاها فأخذت من غنم أحدهما شاة ومن غنم الآخر شاة رجع الذى له ثلث على شريكه بقيمة ثلاث الشاة التى أخذت من غنمه لان ثلثها مأخوذ عن غنم صاحبه وثلثها مأخوذ عن غنم نفسه (قال الشافعي) وإذا أخذت من غنم أحدهما شاة وغنمهما سواء في العدد فتداعيا في قيمة الشاة فالقول قول الذى يؤخذ منه نصف قيمة الشاة وعلى رب الشاة البينة فإن أقام رب الشاة البينة على أن قيمتها عشرة رجع بخمسة وإن لم يقم بينة فقال شريكه قيمتها خمسة حلف ورجع عليه بدرهمين ونصف (قال الشافعي) ولو ظلمهما الساعي فأخذ من غنم أحدهما عن غنمه وغنم الآخر شاة ربى أو ما خضا أو ذات در أو تيسا أو شاتين وإنما عليهما شاة فأراد المأخوذ منه الشاة الرجوع على خليطه بنصف قيمة ما
أخذ من غنمه عن غنمهما لم يكن له أن يرجع عليه إلا بقيمة نصف ما وجب عليهما إن كانت ثنية أو جذعة لا يزيد على ذلك وكذلك لو لم يكن عليهما شاة فأخذ من غنم أحدهما شاة لم يرجع على خليطه بشئ لانه أخذها بظلم إنما يرجع عليه بالحق الذى وجب عليه وكذلك لو وجبت عليهما شاة فأخذ بقيمتها دراهم أو دنانير لم يرجع عليه إلا بقيمة نصف الشاة التى وجبت عليهما (قال الشافعي) وكذلك لو وجبت عليهما شاة فتطوع فأعطاه اكبر من السن التى وجبت عليه لم يرجع إلا بنصف قيمة السن التى وجبت عليه وإذا تطوع بفضل أو ظلمه لم يرجع به (قال الشافعي) وهذه المسائل كلها إذا كانت غنم كل واحد منهما تعرف بعينها فأما إذا كانا شريكين في جميع الغنم سواء لا فرق بين غنمهما فأخذ منهما ظلم كثير أو قليل لا يتراجعان في شئ من الظلمة لان الظلمة دخلت عليهما معا (قال الشافعي) وإذا كان الرجلان خليطين فافترقا قبل الحول زكيا على الافتراق، فإن افترقا بعد الحول زكيا على الاجتماع وإذا وجدا متفرقين فالقول قولهما في الوقت الذى افترقا فيه (قال الشافعي) فإذا كانت لرجل غنم تجب الزكاة في مثلها فأقامت في يديه شهرا ثم باع نصفها مشاعا من رجل أو ملكه إياها ملكا يصح أي ملك كان ثم حال الحول على هذه الغنم أخذت الزكاة من نصيب المالك الاول بحوله ولم تؤخذ من نصيب المالك الثاني إلا بحوله وإنما يصدقان معا إذا كان حولهما معا وإذا كانت أربعين أخذت من نصيب الاول نصف شاة فإذا حال الحول الثاني أخذت منه نصف شاة وإن كانت في يد رجل غنم تجب فيها الزكاة فخالطه رجل بغنم تجب فيها الزكاة فكان ذلك بتبايع بينهما استقبل كل رجل منهما الحول بما ملك على صاحبه من يوم ملكه وزكي ما لم يخرج عن عن ملكه بحوله وإن لم يكونا تبايعا ولكنهما اختلطا زكيت ماشية كل واحد منهما على حولها ولم يزكيا زكاة الخليطين في العام الذى اختلطا فيه فإذا كان قابل وهما خليطان كما هما زكيا زكاة الخليطين لانهما قد حال عليهما الحول من يوم اختلطا وإن كانت ماشيتهما حول أحدهما في المحرم وحول الآخر في صفر أخذت منهما نصف شاة في المحرم.
ونصف شاة في صفر يكون المصدق شريكا بنصف شاة ويعطيها أهل السهمان ويكونان شركا فيهما.
(باب الرجل إذا مات وقد وجبت في ماله زكاة) (قال الشافعي) رحمة الله وإذا مات الرجل وقد وجبت في ماله زكاة وعليه دين وقد أوصى
بوصايا، أخذت الزكاة من ماله قبل الدين والميراث والوصايا وإن مات قبل أن تجب الزكاة فيها ثم حال حولها قبل أن تقسم أخذت منها الزكاة لانها لم تقسم ولو أوصى منها بغنم بعينها أخذ فيما بقى منها الصدقة(2/16)
ولم يؤخذ من الغنم التى أوصى بها بعينها (1) أخذت منها في قول من لا ياخذ الصدقة من الخليطين إذا عرفا غنمهما وأخذت في قول من يأخذ الصدقة منهما وإن عرفا أموالهما.
(باب ما يعد به على رب الماشية) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن أبيه أن عمر استعمل أبا سفيان ابن عبد الله على الطائف ومخاليفها فخرج مصدقا فاعتد عليهم بالغذاء ولم يأخذه منهم فقالوا له: إن كنت معتدا علينا بالغداء فخذه منا فأمسك حتى لقى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال إنهم يزعمون أنا نظلمهم نعتد عليهم بالغذاء ولا نأخذه منهم فقال له عمر اعتد عليهم بالغذاء حتى بالسخلة يروح بها الراعى على يده وقل لهم لا آخذ منكم الربى ولا الماخض ولا ذات الدر ولا الشاة الاكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق والجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره (قال الشافعي) جملة جماع ما أحفظ عن عدد لقيت وأقول به أن الرجل لا يكون عليه في ماشيته صدقة حتى يملك أربعين شاة في أول السنة وآخرها ويحول عليها حول في يده فإن كانت أقل من أربعين شاة في أول الحول ثم نتجت فصارت أربعين لم يجب عليه فيها صدقة حتى يحول عليه فيها حول من يوم صارت أربعين وكذلك لو كانت أقل من أربعين شاة ثم أفاد إليها تمام أربعين لم يكن فيها زكاة حتى يحول عليها حول من يوم تمت في ملكه أربعين وأن نتاجها إذا لم يجب فيها الصدقة كالفائدة فإذا حال عليها حول وهى مما تجب فيها الصدقة فنتاجها كأصل ما وجبت فيه الصدقة منها (قال الشافعي) وإذا حال عليها الحول وهى أربعون وأكثر فجاءها المصدق عدها عليه بنتاجها كله إذا كان نتاجها قبل الحول وأخذ السن التي تجب له من الغنم (قال الشافعي) وكلما أفاد الرجل من الماشية صدق الفائدة بحولها ولا يضمها إلى ماشية له وجبت فيها الزكاة فيزكيها بحول ماشيته ولكن يزكى كل واحدة منها بحولها وكذلك كل فائدة من ذهب وربح في ذهب أو ورق لا يضم منه شئ إلى غيره ولا يكون حول شئ منه إلا
حول نفسه وكذلك كل نتاج لماشية لا يجب في مثلها الصدقة فأما نتاج الماشية التي يجب في مثلها الصدقة فتصدق بحول أمهاتها إذا كان النتاج قبل الحول فإذا كان بعد الحول لم تعد لان الحول قد مضى ووجبت فيها الصدقة.
(باب السن التى تؤخذ من الغنم) (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسمعيل بن أمية عن عمرو بن أبى سفيان عن رجل سماه ابن مسعر إن شاء الله تعالى عن مسعر أخى بنى عدى قال جاءني رجلان فقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا نصدق أموال الناس فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت فرداها على وقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها (قال الشافعي) إذا وجد المصدق عند الرجل الغنم فعدها عليه فزعم أن بعضها وديعة
__________
(1) قوله: أخذت منها كذا في النسخ، ولعل هذه العبارة مزيدة من النساخ، فإن قوله " في قول من لا يأخذ " يظهر أنه متعلق بقوله: ولم يؤخذ، فتأمل، وحرر.
كتبه مصححه.(2/17)
عنده أو أنه استرعاها أو أنها ضوال أو أن بعضها فائدة لم يحل عليها الحول أو أن كلها فائدة لم يحل عليها حول الصدقة لم يأخذ منها شيئا فإن خاف كذبه أحلفه بالله عزوجل ثم قبل منه وإن شهد عليه شاهدان أن له مائة شاة من أول السنة وآخرها لم تقبل شهادة الشاهدين حتى يشهدا أنها هذه الغنم بأعيانها فإذا فعلا أخذ منه الصدقة وإن لم يثبتا على هذا أو قالا منها شئ نعرفه بعينه ومنها شئ لا نعرفه فإذا كان ما يعرفانه مما تجب فيه الصدقة أخذ منه الصدقة أخذ منه الصدقة وإن كان مما لا تجب فيه الصدقة لم يأخذ منه الصدقة لانه قد يكون له غنم بعينها ثم يفيد أخرى ولا يحول على التى أفاد الحول حتى يأتي المصدق ولا يجب عليه فيها الصدقة (قال) فإن قطعا الشهادة على مائة بعينها فقال: قد بعتها ثم اشتريتها صدق ولم تؤخذ صدقتها حتى يحول عليها حول من يوم اشتراها الشراء الآخر (قال الشافعي) وهكذا الابل والبقر (قال الشافعي) وإذا غل الرجل صدقته ثم ظهر عليه أخذت منه الصدقة ولم نزد على ذلك (قال الشافعي) ولا يثبت أهل العلم بالحديث أن تؤخذ الصدقة وشطرا بل الغال لصدقته ولو ثبت قلنا به وإن كان الوالى
عدلا يضع الصدقة مواضعها فله عقوبته إلا أن يدعى الجهالة فيكف عن عقوبته وإن كان لا يضعها مواضعها لم يكن له أن يعزره.
(باب الوقت الذى تجب فيه الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال أخذ الصدقة كل عام سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال محمد بن إدريس الشافعي) وهذا مما لا اختلاف فيه علمته في كل صدقة ماشية وغيرها ليست مما تخرج الارض أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول أخبرنا مالك عن ابن عقبة عن القاسم بن محمد قال لم يكن أبو بكر يأخذ في مال زكاة حتى يحول عليه الحول (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أقبض منه عطائي سألني: " هل عندك من مال وجبت فيه الزكاة؟ فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت: لا، دفع إلي عطائي " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال أول من أخذ من الاعطية زكاة معاوية (قال الشافعي) العطاء فائدة فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (قال) وإنما هو مال يؤخذ من الفئ من المشركين فيدفع إلى المسلمين فإنما يملكونه يوم يدفع إليهم (قال الشافعي) كل مال لرجل وجبت فيه الزكاة فإنما تجب فيه عليه بأن يحول عليه في يد مالكه حول إلا ما أنبتت الارض فإن الزكاة تجب فيه حين يخرج من الارض ويصلح وكذلك ما خرج من الارض من المعادن وما وجد في الارض من الركاز (قال) فيجب على الوالي أن يبعث المصدقين قبل الحول فيوافون أهل الصدقة مع حلول الحول فيأخذون منهم صدقاتهم (قال) وأحب أن يكون يأخذها في المحرم وكذلك رأيت السعاة يأخذونها عندما كان المحرم في صيف أو شتاء ولا يجوز إلا أن يكون لها شهر معلوم ولا نالوا (1) أدرنا بأشهرها مع الصيف جعلنا وقتها بغير الاهلة التى
__________
(1) أدرنا بأشهرها.
كذا في النسخ بالجمع بين همزة " أدرنا " والباء في قوله " بأشهرها " كتبه مصححه.(2/18)
جعلها الله تبارك وتعالى مواقيت (قال) ولا يجوز أن تكون الصدقة تجب إلا بالحول دون المصدق ويأخذها المصدق إذا حال عليها الحول (قال الشافعي) وإن كانت الماشية مما تجب فيه الصدقة فنتجت قبل الحول حسب نتاجها معها وكذلك إن نتجت قبل مضى الحول بطرفة حسب نتاجها معها وعد عليهم الساعي بالنتاج فإذا حال الحول ولم تنقص العدة قبض الصدقة (قال الشافعي) ولا يبين لى أن يجب عليهم أن يعد عليهم المصدق بما نتج بعد الحول وقبل قدومه أو معه إذا كان قدومه بعد الحول وإن تطوع بها رب المال بأن يعد عليه فهو أحب إلي له، ولا أرى أن يجبر على ذلك، وإن حال الحول على رب الماشية وماشيته مما تجب فيه الصدقة فتأخر عنه الساعي فلم يأخذها فعليه أن يخرج صدقتها فإن لم يفعل وهو ممكن له فهو ضامن لما فيها من الصدقة حتى يؤديه (قال الشافعي) وكذلك إن ذبح منها شيئا أو وهبه أو باعه فعليه أن يعد عليه به حتى تؤخذ منه الصدقة على عددها يوم يحول عليها حولها (قال الشافعي) وكذلك إن باعها بعدما يحول عليها الحول وقبل قدوم الساعي أو بعده وقبل أن يأخذها منه كانت عليه فيها الصدقة (قال) وهكذا لو عدها الساعي ثم موتت وقد أقامت بعد الحول ما يمكن الساعي أن يقبضها فيه فترك قبضه إياها وقد أمكن رب الماشية أن يضعها مواضعها فإذا اجتمع ما وصفت من الحول وأن يمكن الساعي قبضها مكانه ويمكن رب الماشية وضعها مكانها فلم يفعل ربها ولا الساعي فهلكت فهى من ضمان رب الماشية وعليه صدقتها كما يكون ذلك فيما حال عليه الحول من ناض ماله وأمكنه أن يضعه موضعه فلم يفعل حتى هلك منه فعليه فيه الزكاة (قال الشافعي) ولا يجوز عندي إلا هذا القول لان السنة أن الصدقة تجب بالحول وليس للمصدق معنى إلا أن يلى قبضها فينبغي ما وصفت من أن يحضرها حتى يقبضها مع رأس السنة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن أبا بكر وعمر لم يكونا يأخذان الصدقة مثناة ولكن يبعثان عليها في الجدب والخصب والسمن والعجف لان أخذها في كل عام من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة (قال الشافعي) ولا اختلاف بين أحد علمته في أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة تجب في الماشية وغيرها من المال إلا ما أخرجت الارض (1) من الحول ومن قال: تكون الصدقة بالمصدق
والحول، خالف السنة وجعل مع الحول غير الصدقة ولزمه إن أستأخر المصدق سنة أو سنتين أن لا تجب الصدقة على رب المال حتى يقدم فإذا قدم أخذها مرة واحدة لا مرارا (قال) وإذا كانت لرجل أربعون شاة فلم يصدقها حتى مر بها أعوام ولم تزد شيئا فعليه فيها شاة وإن زادت شاة فعليه فيها شاتان وإن زادت ثلاث شياه فعليه فيها أربع شياه إذا مرت بها أربع سنين لان كل شاة فضل عما تجب فيه الصدقة ثم تبقى أربعون ففيها شاة (قال الشافعي) وأحب إلى لو كانت أربعون لا تزيد أن يؤدى في كل سنة شاة لانه لم ينقص عن أربعين وقد حالت عليها أحوال هي في كلها أربعون (قال الشافعي) ولو كانت عنده أربعون شاة فحال عليها حول فلم يصدقها ثم حال عليها حول ثان وقد ولدت واحدا ثم مات الواحد وحال عليها حول ثالث وهى أربعون ففيها شاتان شاة في أنها أربعون وشاة لانها زادت على أربعين ثم ماتت الشاة الزائدة بعد ما وجبت فيها الصدقة للزيادة فضمها ولم يؤدها وقد أمكنه أداؤها (قال الشافعي) ولو كانت لرجل أربعون شاة فضلت في أول السنة ثم وجدها في آخرها قبل الحول أو بعده كانت عليه زكاتها وكذلك لو ضلت أحوالا وهى خمسون شاة أدى في كل عام منها شاة لانها
__________
(1) قوله: من الحول، أي متعلق بقوله " تجب " كما هو ظاهر.
كتبه مصححه.(2/19)
كانت في ملكه وكذلك لو غصبها ثم أخذها أدى في كل عام منها شاة (قال) وهذا هكذا في البقر والابل التى فريضتها منها وفى الابل التي فريضتها من الغنم قولان أحدهما أنها هكذا لان الشاة التى فيها في رقابها يباع منها بعير فيؤخذ منها إن لم يأت بها ربها وهذا أشبه القولين، والثاني أن في كل خمس من الابل حال عليها ثلاثة أحوال ثلاث شياه في كل حول شاة (قال) وإن كانت لرجل خمس وعشرون من الابل فحال عليها في يده ثلاثة أحوال أدى بنت مخاض للسنة الاولى ثم أربع شياه للسنة الثانية ثم أربع شياه للسنة الثالثة، ولو كانت إبله إحدى وتسعين مضى لها ثلاث سنين أدى للسنة الاولى حقتين وللسنة الثانية ابنتى لبون وللسنة الثالثة ابني لبون (قال) ولو كانت له مائتا شاة وشاة فحال عليها ثلاثة أحوال كانت فيها لاول سنة ثلاث شياه ولكل واحدة من السنتين الآخرتين شاتان (قال) ولو كان ترك الصدقة عاما ثم أفاد غنما وترك صدقتها وصدقة الاولى عاما آخر صدق الغنم الاولى لحولين والغنم الفائدة
لحول لانه إنما وجبت عليه صدقتها عاما واحدا.
(باب الغنم تختلط بغيرها) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: ولو كانت لرجل غنم فنزتها ظباء فولدت لم تعد الاولاد مع أمهاتها بحال ولو كثر أولادها حتى تكون مائة وأكثر لم يكن فيها زكاة لانه لا زكاة في الظباء وكذلك لو كانت له ظباء فنزتها تيوس فولدت لم يؤخذ منها صدقة وهذا خلط ظباء وغنم، فإن قيل فكيف أبطلت حق الغنم فيها؟ قيل إنما قيل في الغنم الزكاة ولا يقع على هذه اسم الغنم مطلقا، وكما أسهمت للفرس في القتال ولا أسهم للبغل كان أبوه فرسا أو أمه (قال) وهكذا إن نزا ثور وحشي بقرة أنسية أو ثور أنسى بقرة وحشية فلا يجوز شئ من هذا أضحية ولا يكون للمحرم أن يذبحه (قال الشافعي) ولو نزا كبش ما عزة أو تيس ضائنة فنتحت كان في نتاجها الصدقة لانها غنم كلها وهكذا لو نزا جاموس بقرة أو ثور جاموسة أو بختى عربية أو عربي بختية كانت الصدقات في نتاجها كلها لانها بقر كلها، ألا ترى أنا نصدق البخت مع العراب وأصناف الابل كلها وهى مختلفة الخلق ونصدق الجواميس مع البقر والدربانية مع العراب وأصناف البقر كلها وهى مختلفة (1) والضأن ينتج المعز وأصناف المعز والضأن كلها، لان كلها غنم وبقر وإبل (قال الشافعي) ولو كانت لرجل أربعون شاة فضلت منها شاة قبل الحول لم يأخذ المصدق منها شيئا فإذا وجدها فعليه أن يؤدى شاة يوم يجدها فإن وجدها بعد الحول بشهر أو أكثر وقد ماتت غنمه كلها أو بعضها أو باعها فعليه أن يؤدى الشاة التى وجد إلا أن يرغب فيها ويؤدى السن الذى وجب عليه فيجزئ عنه لانه قد أحاط حين وجدها أنه كانت عليه شاة.
(باب افتراق الماشية) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل ببلد أربعون شاة وببلد غيره أربعون شاة، أو ببلد عشرون شاة وببلد غيره عشرون شاة دفع إلى كل واحد من المصدقين قيمة ما يجب عليه من شاة يقسمها مع ما يقسم، ولا أحب أن يدفع في أحد البلدين شاة ويترك البلد الآخر لانى أحب أن تقسم صدقة المال حيث المال (قال)
__________
(1) قوله: والضأن ينتج المعز الخ كذا في النسخ، وانظر، كتبه مصححه.(2/20)
وإذا كانت له أربعون شاة ببلد فقال الساعي آخذ منها شاة فأعلمه أنه إنما عليه فيها نصف شاة فعلى الساعي أن يصدقه وإن اتهمه أحلفه وقبل قوله ولا يزيده على أن يحلفه بالله تعالى، ولو أدى شاة في أحد البلدين كرهت ذلك له ولم أر عليه في البلد الآخر إعادة نصف شاة وعلى صاحب البلد الآخر أن يصدقه بقوله ولا يأخذ منه وإن اتهمه أحلفه بالله تعالى (قال) ولو كانت له ببلد مائة شاة وشاة وببلد آخر مائة شاة كان عليه فيها ثلاث شياه في كل بلد شاة ونصف إلا زيادة فضل حسب الشاة على المائة كما وصفت في نصفى الشاتين بحساب (قال الشافعي) ولو دفع الثلاث الشياه إلى عامل أحد البلدين ثم أثبت عنده أن ماشيته الغائبة قد تلفت قبل الحول كان على الساعي أن يرد عليه شاتين لانه إنما وجبت عليه شاة (قال) وسواء كان إحدى غنمه بالمشرق والاخرى بالمغرب في طاعة خليفة واحد أو طاعة واليين متفرقين إنما تجب عليه الصدقة بنفسه في ملكه لا بواليه ولا بقرب البلد ولا بعده (قال) وهكذا الطعام وغيره إذا افترق (قال) ولو أن رجلا له ماشية فارتد عن الاسلام ولم يقتل ولم يتب حتى حال الحول على ماشيته وقفت ماشيته، فإن تاب أخذ صدقتها وإن مات أو قتل على الردة كانت فيئا تخمس فيكون خمسها لاهل الخمس وأربعة أخماسها لاهل الفئ (قال الشافعي) ولو كانت بين رجلين أربعون شاة، ولاحدهما في بلد آخر أربعون شاة أخذ المصدق من الشريكين شاة، ثلاثة أرباعها على صاحب الاربعين الغائبة وربعها على الذى له عشرون لا غنم له غيرها لانى أضم كل مال رجل إلى ماله حيث كان، ثم آخذه في صدقته (قال الشافعي) ولو كانت لرجل أربعون شاة في بلد وأربعون في بلد غيره فلما مضت له ستة أشهر باع نصف الاربعين مشاعا من رجل فلم يقاسمه حتى حال الحول على غنمه وذلك بمضي ستة أشهر من يوم باع غنمه أخذت منه شاة كلها عليه لان حوله قد حال، وعليه شاة تامة لو هلكت ماشية شريكة فإذا حال حول شريكه بمضي ستة أشهر أخرى آخذ من شريكه نصف شاة بخلطه ولا أرده على المأخوذ منه الشاة لا ختلاف حوليهما وإن ضممت ماشتيهما فيما اشتركا فيه (قال) ولو كان لرجل غنمان يجب عليه في كل واحدة منهما الزكاة وهما مختلفا الحولين ضممتهما معا وأخذت من كل واحدة منهما بقدر حولها بالغا ما بلغ.
(باب أين تؤخذ الماشية؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: على المصدق أن يأخذ الماشية على مياه أهل الماشية وليس عليه إذا كان لرجل ماء ان تخلية إلى أيهما شاء رب الماشية وعلى رب الماشية أن يوردها الماء لتؤخذ صدقتها عليه، وليس للمصدق أن يحبس الماشية على الماء على ماشية غيرها ليفتدى ربها من حبسه بزيادة (قال الشافعي) وإذا جازت الماشية على الماء فعلى المصدق أن يأخذها في بيوت أهلها وأفنيتهم وليس عليه أن يتبعها راعية (قال) ولو كلفهم المجامع التى يوردونها إذا كان الظمأ، ما كان ذلك ظلما والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وإذا (1) انتووا أخذ الصدقة منهم حيث انتووا على مياه مواضعهم التى انتووا إليها وحيث انتووا دارهم (قال الشافعي) وإذا عظمت المؤنة وقلت الصدقة كان للمصدق أن يبعث من تخف مؤنته إلى أهل الصدقة حيث كانوا فيأخذ صدقاتهم.
__________
(1) انتووا، يقال: انتوى القوم: أي انتقلوا من منزل، إلى منزل كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.(2/21)
(باب كيف تعد الماشية؟) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: تضطر الغنم إلى حظار إلى جدار أو جبل أو شئ قائم حتى يضيق طريقها ثم تزجر فتسرب والطريق لا تحتمل إلا شاة أو اثنتين ويعد العاد في يده شئ يشير به ثم يأخذ الصدقة على ذلك العدد فإنه ليس عدد أحصى وأوخى من هذا العدد، ولو ادعى رب الماشية أنه أخطأ عليه، أعيد له العدد، وكذلك إن ظن الساعي أن عاده أخطأ العدد.
(باب تعجيل الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضيه إياه (قال الشافعي) ويجوز للوالى إذا رأى الخلة في أهل الصدقة أن يستسلف لهم من صدقات أهل الاموال إذا طابوا بها نفسا ولا يجبر رب مال على أن يخرج صدقته قبل محلها إلا أن يتطوع (قال الشافعي) وإذا استسلف الوالى من رجل شيئا من الصدقة أو مال لرجل غير صدقة القوم الذين تقسم صدقاتهم على من استسلف فله أن يقضى من سهمان أهل الصدقات مثل ما أخذلهم (قال الشافعي) فإن استسلف لهم فهلك السلف منه قبل أن يدفعه إليهم وقد فرط أو لم يفرط فهو ضامن لهم في ماله وليس
كوالى اليتيم الذي يأخذ له فيما لا صلاح له إلا به لان أهل السهمان قد يكونون أهل رشد مثله وأرشد، ولا يكونون أهل رشد، ويكون لهم ولاة دونه (قال الشافعي) وإنما جاز أن يستسلف لهم لانه تعجيل حق لهم قبل وجوبه وتعجيل الحق زيادة لهم بكل حال (قال) ويجوز له أن يستسلف لبعضهم دون بعض ثم يقضيه من حق من استسلف له دون حق غيره (قال) فإن استسلف وال لرجل أو اثنين من أهل الصدقة بعيرا أو اثنين فدفع ذلك إليهما فأتلفاه وماتا قبل الحول فله أن يأخذ مثل ما استسلف لهما من أموالهما لاهل السهمان لانهما لما لم يبلغا الحول علمنا أنه لا حق لهما في صدقة حلت في حول لم يبلغاه، ولو ماتا بعد الحول وقبل أخذ الصدقة كانا قد استوجبا الصدقة بالحول وإن أبطئ بها عنهما (قال الشافعي) ولو ماتا معدمين ضمن الوالى ما استسلف لهما في ماله (قال) ولو لم يموتا ولكنهما أيسرا قبل الحول، فإن كان يسرهما بما دفع إليهما من الصدقة فإنما أخذا حقهما وبورك لهما فلا يؤخذ منهما شئ، وإن كان يسرهما من غير ما أخذا من الصدقة قبل الحول أخذ منهما ما أخذا من الصدقة لان العلم قد أحاط أن الحول لم يأت إلا وهما من غير أهل الصدقة، فعلمنا أنه أعطاهما ما ليس لهما ولم يؤخذ منهما نماؤه لانهما ملكاه فحدث النماء في ملكهما، وإن نقص ما أعطيا من الصدقة أخذه ربه ناقصا وأعطى أهل السهمان تاما، ولا ضمان على المعطى لانه أعطيه مملكا له (قال) ولو قال قائل: ليس لهم أخذه منه وعلى رب المال إن كان أعطاه غرمه، أو على المصدق إن كان أعطاه كان يجد مذهبا والقول الاول الاصح والله أعلم، لانه أعطيه مملكا له على معنى فلم يكن من أهله، وإن ماتا قبل الحول وقد أيسرا ضمن الوالى ما استسلف لهما (قال) وسواء في هذا كله أي أصناف الصدقة استسلف (قال) ولو لم يكن الوالى استسلف من الصدقة شيئا ولكن رب المال تطوع وله مائتا درهم، أو أربعون شاة قبل الحول فأدى زكاة ماله ثم هلك ماله قبل الحول ووجد عين ماله عند من أعطاهم إياها من أهل(2/22)
السهمان لم يكن له الرجوع على من أعطاه إياها، لانه أعطاه من ماله متطوعا بغير ثواب ومضى عطاؤه بالقبض (قال الشافعي) ولو أعطاها رجلا فلم يحل عليه الحول حتى مات المعطى وفى يدى رب المال مال فيه الزكاة أدى زكاة ماله ولم يرجع على مال الميت لتطوعه بإعطائه إياه، وإن حال الحول ولا شئ
في يده تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه، وما أعطى كما تصدق به أو انفقه (قال الشافعي) ولو لم يحل الحول حتى أيسر الذي أعطاه زكاة ماله من غير ماله، فإن كان في يده مال تجب فيه الزكاة أدى زكاته، لانا علمنا أنه أعطاه من لا يستوجبه يوم تحل الزكاة لان عليه يوم تحل أن يعطيها قوما بصفة، فإذا حال الحول والذى عجله إياها ممن لا يدخل في تلك الصفة لم تجزئ عنه من الزكاة وهذا يعطيها قوما بصفة، فإذا حال الحول والذى عجله إياها ممن لا يدخل في تلك الصفة لم تجزئ عنه من الزكاة وهذا مخالف للرجل يكون له الحق بعينه فيعجله إياه، وإذا حال الحول وهو موسر بما أعطاه لا بغيره أجزأ عنه من زكاته (قال) ولو مات الذى عجل زكاة ماله قام ورثته فيما عجل من زكاة ماله مقامه فأجزأ عما ورثوا من ماله من الزكاة ما أجزأ عنه ولم يجز عنهم ما لم يجز عنه (قال) ولو أن رجلا لم يكن له مال تجب فيه الزكاة فأخرج خمسة دراهم فقال: إن أفدت مائتي درهم فهذه زكاتها أو شاة فقال إن أفدت أربعين شاة فهذه صدقتها ودفعها إلى أهلها ثم أفاد مائتي درهم أو أربعين شاة وحال عليها الحول لم يجز عنه ما أخرج من الدراهم والغنم لانه دفعها بلا سبب مال تجب فيه الزكاة (1) فيكون قد عجل شيئا عليه إن حال عليه فيه حول فيجزى عنه ما أعطاه منه (قال الشافعي) وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال إن حنثت في يمين فهذه كفارتها فحنث لم تجز عنه من الكفارة لانه لم يكن حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة فإن قال قائل من أين قلت هذا؟ قلت قال الله عزوجل " فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " فبدأ بالمتاع قبل السراح وفى كتاب الكفارات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذى هو خير منه " (قال) وقد روى عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يحلفون فيكفرون قبل أن يحنثون (قال) وقد يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ندرى أيثبت أم لا؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحل، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذى تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.
(باب النية في إخراج الزكاة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لما كان في الصدقة فرض وتطوع لم يجز والله تعالى اعلم أن تجزى
__________
(1) قوله: فيكون قد عجل شيئا عليه الخ كذا في النسخ، وفى الكلام شئ سقط من النساخ يؤخذ من عبارة: المزني في المختصر ونصها " ولو كان له مال لا تجب في مثله الزكاة فأخرج خمسة دراهم فقال: إن أفدت مائتي درهم فهذه زكاتها لم يجز عنه لانه دفعها بلا سبب مال تجب في مثله الزكاة فيكون قد عجل شيئا ليس عليه إن حال عليه حول وإذا عجل شاتين من مائتي شاة فحال الحول وقد زادت شاة أخذ منها شاة ثالثة فيجزئ عنه ما اعطى منه " اه كتبه مصححه.(2/23)
عن رجل زكاة يتولى قسمها إلا بنية أنه فرض وإذا نوى به الفرض وكان لرجل أربعمائة درهم فأدى خمسة دراهم ينوى بها الزكاة عنها كلها أو بعضها أو ينوى بها مما وجب عليه فيها أجزأت عنه لانه قد نوى بها نية زكاة (قال الشافعي) ولو أدى خمسة دراهم لا يحضره فيها نية زكاة ثم نوى بعد أدائها أنها مما تجب عليه لم تجز عنه من شئ من الزكاة لانه أداها بلا نية فرض عليه (قال الشافعي) ولو كانت له أربعمائة درهم فأدى دينارا عن الاربعمائة درهم قيمته عشرة دراهم أو أكثر لم يجز عنه لانه غير ما وجب عليه وكذلك ما وجب عليه من صنف فأدى غيره بقيمته لم يجز عنه وكان الاول له تطوعا (قال الشافعي) ولو أخرج عشرة دراهم فقال: إن كان مالى الغائب سالما فهذه العشرة من زكاته أو نافلة وإن لم يكن سالما فهى نافلة فكان ماله الغائب سالما لم تجزئ عنه لانه لم يقصد بالنية فيها قصد فرض خالصا إنما جعلها مشتركة بين الفرض والنافلة (قال) وكذلك لو قال هذه العشرة دراهم عن مالى الغائب أو نافلة (قال الشافعي) ولو قال هذه العشرة الدراهم عن مالى الغائب أجزأت عنه إن كان ماله سالما وكانت له نافلة إن كان ماله عاطبا قبل أن تجب عليه فيه الزكاة (قال) ولو كان قال هذه العشرة عن مالى الغائب إن كان سالما وإن لم يكن سالما فهى نافلة أجزأت عنه وأعطاه إياها عن الغائب ينويه هكذا وإن لم يقله لانه إذا لم يكن عليه في ماله الغائب زكاة فما أخرج نافلة له (قال الشافعي) ولو أخرج رجل عن مائتي درهم غائبة عنده أو حاضرة عنده خمسة دراهم فهلكت الغائبة فإن كان عجل
الخمسة عن الحاضرة قبل حولها أو أخطأ حولها فرأى أنه قد تم فأخرجها عنها ثم علم أنه لم يتم حولها فهلكت الحاضرة أو الغائبة قبل أن تجب فيها الزكاة فأراد أن يجعل هذه الخمسة دراهم له عن مائتين له أخريين لم يكن له ذلك لانه قصد بالنية في أدائها قصد مال له بعينه فلا يكون له أن يصرف النية فيه بعد ان يدفع الدراهم إلى أهلها (قال الشافعي) ولو لم يكن دفع الدراهم إلى أهلها وأخرجها ليقسمها فهلك ماله كان له حبس الدراهم ويصرفها إلى أن يؤديها عن الدراهم غيرها فتجزى عنه لانها لم تقبض منه (قال الشافعي) ولو كان دفع هذه الدراهم إلى والى الصدقة متطوعا بدفعها فأنفذها والى الصدقة فهى تطوع عنه وليس له الرجوع بها على والى الصدقة إذا أنفذها ولا أن يجعلها بعد أن نفذت عن غيرها (قال الشافعي) ولو لم ينفذها حتى هلك ماله قبل أن تجب عليه فيه الزكاة كان على والى الصدقة ردها إليه وأجزأه هو أن يجعلها عن غيرها (قال الشافعي) وإذا أخرج رجل خمسة دراهم فقال هذه من زكاة مالى قبل محل الزكاة أو بعده فكان له مال تجب فيه الخمسة أجزأ عنه وإن لم يكن له مال تجب فيه الخمسة فهى نافلة ولو كان له ذهب فأدى ربع عشره ورقا أو ورق فأدى عنه ذهبا لم يجزه ولم يجزه أن يؤدى عنه إلا ما وجب عليه (قال) وإن كان له عشرون دينارا فأدى عنها نصف دينار دراهم بقيمته لا يجزى عنه أن يؤدى إلا ذهبا (قال الشافعي) وكذلك كل صنف فيه الصدقة بعينه لا يجزيه أن يؤدى عنه إلا ما وجب عليه بعينه لا البدل عنه إذا كان موجودا ما يؤدى عنه (قال الشافعي) وإنما قلت لا تجزى الزكاة إلا بنية لان له أن يعطى ماله فرضا ونافلة فلم يجز أن يكون ما أعطى فرضا إلا بنية، وسواء نوى في نفسه أو تكلم بأن ما أعطى فرض (قال الشافعي) وإنما منعنى أن أجعل النية في الزكاة كنية الصلاة لافتراق الزكاة والصلاة في بعض حالها ألا ترى أنه يجزى أنه يؤدى الزكاة قبل وقتها ويجزيه أن يأخذها الوالى منه بلا طيب نفسه فتجزى عنه وهذا لا يجزى في الصلاة (قال الشافعي) وإذا أخذ الوالى من رجل زكاة بلا نية من الرجل في دفعها إليه أو بنية طائعا كان الرجل أو كارها ولا نية للوالى الآخذ لها في أخذها من صاحب الزكاة أو له نية فهى تجزى عنه كما يجزى في القسم لها أن(2/24)
يقسمها عنه وليه أو السلطان ولا يقسمها بنفسه كما يؤدى العمل عن بدنه بنفسه (قال الشافعي) وأحب
إلى أن يتولى الرجل قسمتها عن نفسه فيكون على يقين من أدائها (قال الشافعي) وإذا أفاد الرجل ماشية فلم يحل عليها حول حتى جاءه الساعي فتطوع بأن يعطيه صدقتها كان للساعي قبولها منه وإذا قال خذها لتحبسها إذا حال الحول جاز ذلك له (قال الشافعي) فإن أخذ الساعي على أن يحبسها إذا وحال الحول فقسمها ثم موتت ماشيته قبل الحول فعليه رد ما أخذ منه فإن ولى غيره فعليه رد ما أخذ منه الساعي من سهمان أهل الصدقة التي قبضها الساعي منه (قال الشافعي) وإن دفعها رب المال إليه ولم يعلمه أن الحول لم يحل عليها فقسمها الساعي ثم موتت غنم الدافع لم يكن له أن يرجع على الساعي بشئ وكان متطوعا بما دفع (قال) وإذا تطوع الرجل قبل الحول بأن يؤدي صدقة ماشيته فأخذت وهى مائتان فيها شاتان فحال عليها الحول وقد زادت شاة أخذت منها شاة ثالثة ولا يسقط عنه تقديمه الشاتين الحق عليه في الشاة الثالثة لان الحق إنما يجب عليه بعد الحول كما لو أخذت منها شاتان فحال عليه الحول وليس فيها إلا شاة ردت عليها شاة.
(باب ما يسقط الصدقة عن الماشية) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في سائمة الغنم كذا، فإذا كان هذا يثبت فلا زكاة في غير السائمة من الماشية (قال الشافعي) ويروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ليس في الابل والبقر العوامل صدقة (قال الشافعي) ومثلها الغنم تعلف (قال الشافعي) ولا يبين لى أن في شئ من الماشية صدقة حتى تكون سائمة والسائمة الراعية (قال) وذلك أن يجمع فيها أمران أن يكون لها مؤنة العلف ويكون لها نماء الرعى فأما إن علفت فالعلف مؤنة تحيط بكل فضل لها أو تزيد أو تقارب (قال الشافعي) وقد كانت النواضح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفائه فلم أعلم أحدا يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منها صدقة ولا أحدا من خلفائه ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد كان يكون للرجل الخمس وأكثر وفى الحديث الذى ذكرت عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه في سائمة الغنم كذا، وهذا يشبه أن يكون يدل على أن الصدقة في السائمة دون غيرها من الغنم (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل نواضح أو بقر حرث أو إبل حمولة، فلا يتبين لى أن فيها الزكاة وإن بطلت كثيرا من السنة ورعت فيها لانها غير السائمة والسائمة
ما كان راعيا دهره (قال الشافعي) وإن كانت العوامل (1) ترعى مرة وتركب أخرى أو زمانا وتركب في غيره فلم ينضح عليها أو كانت غنما هكذا تعلف في حين وترعى في آخر فلا يبين لي أن يكون في شئ من هذه صدقة ولا آخذها من مالكها وإن كانت لى أديت عنها الصدقة إن شاء الله تعالى واخترت لمن هي له أن يفعل.
__________
(1) ترعى مرة وتركب الخ كذا في النسخ ولعل في الكلام تحريفا، وعبارة المزني في المختصر (قال الشافعي) وإن كانت العوامل ترعى مرة وتترك أخرى أو كانت غنما تعلف في حين وترعى في آخر فلا يبين لى الخ كتبه مصححه.(2/25)
(باب المبادلة بالماشية) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل ماشية من إبل فبادل بها إلى بقر أو إبل بصنف من هذا صنفا غيره أو بادل معزى ببقر أو إبلا ببقر أو باعها بمال عرض أو نقد فكل هذا سواء فإن كانت مبادلته بها قبل الحول فلا زكاة عليه في الاولى ولا الثانية حتى يحول على الثانية الحول من يوم ملكها وكذلك إن بادل بالتى ملك آخر قبل الحول إلى ماشية أخرى لم يكن عليه فيها زكاة، وأكره هذا له إن كان فرارا من الصدقة ولا يوجب الفرار الصدقة إنما يوجبها الحول والملك (قال الشافعي) وإن بادل بها بعد أن يحول عليها الحول أو باعها ففى التى حال عليها الحول الصدقة لانها مال قد حال عليها الحول وسواء كان ذلك قبل قدوم المصدق أو بعده (قال الشافعي) وإذا بادل بها أو باعها بعد الحول ففيها الصدقة وفى عقد بيعها قولان، أحدهما أن مبتاعها بالخبار بين أن يرد البيع لان ما أخذ منها من الصدقة نقص مما بيع أو يحيز البيع ومن قال بهذا القول قال، وإن أعطى رب المال البائع المصدق ما وجب فيها من ماشية غيرها فلا خيار للمبتاع ولا المبادل لانه لم ينقص من البيع شئ (قال) والقول الثاني أن البيع فاسد لانه باع ما يملك وما لا يملك، فلا نجيزه إلا أن يجددا فيها بيعا مستأنفا (قال الشافعي) ولو أن رجلا بادل بغنم له قبل أن يحول عليها الحول إلى غنم أو غيرها فحال حولها في يد المبادل الآخر بها ثم ظهر منها على عيب بعد الحول الاول الذى قبل المبادلة فكان رده إياها قبل الحول
أو بعده فسواء ولا زكاة فيها على مالكها الآخر بالبدل لانه لم يحل عليها حول من يوم ملكها ولا على المالك الاول لانه بادل بها قبل الحول فخرجت من ملكه ثم رجعت إليه بالعيب فيستأنف بها حولا من يوم ملكها بخيار المبادل بها الذى ردها بالعيب (قال الشافعي) ولو بادل بها قبل الحول وقبضها المشترى لها بالبدل أو النقد فأقامت في يده حولا أو لم يقبضها فأقامت في ملكه حولا ثم أراد ردها بالعيب لم يكن ذلك له لانها قد وجبت عليه فيها صدقة منها وهى في ملكه فلا يكون له أن يردها ناقصة عما أخذها عليه ويكون له أن يرجع بالعيب من أصل الثمن (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأقاله فيها ربها الاول وهو يعلم أن الزكاة وجبت فيها أخذت الزكاة من ربها الثاني الذى حال عليها في يده حول (قال الشافعي) ولو بادل رجل بأربعين شاة ولم يحل عليها حول في يده إلى أربعين شاة لم يحل عليها حول في يد صاحبه مبادلة صحيحة لم يكن على واحد منهما فيها صدقة حتى يحول على كل واحد منهما حول وهى في يده (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها وكانت المبادلة فاسدة كان كل واحد منهما مالكا غنمه التى بادل بها وعلى كل واحد منهما فيها الصدقة لانها لم تخرج من ملكه بالمبادلة الفاسدة ولا البيع الفاسد (قال الشافعي) ولو باع رجل ماشيته قبل الحول أو بادل بها على أن البائع بالخيار وقبضها المشترى فحال عليها حول البائع في يد المشترى أو لم يبعها حتى حال عليها حول في يده ثم اختار البائع رد البيع كانت عليه فيها صدقة لانها لم تخرج من ملكه قبل الحول ولو اختار إمضاء البيع بعد حولها وجبت أيضا عليه فيها صدقة لانها لم تخرج من ملكه إلا بعد الحول.
(باب الرجل يصدق امرأة) (قال الشافعي) ولو أصدق رجل امرأة أربعين شاة بغير أعيانها أو قال أربعين شاة في غنمي هذه ولم يشر إليها بأعيانها ولم يقبضها إياها فالصدقة عليه وليس لها من ماشيته في الوجهين أما الاولى فعليه(2/26)
أربعون شاة بصفة وأما الثانية فعليه مهر مثلها ولو أصدقها إياها بأعيانها فأقبضها إياها أو لم يقبضها إياها فأى ذلك كان فلا زكاة عليه فيها (قال) وإذا حال عليها حول وهى في ملكها قبضتها أو لم تقبضها فأدت زكاتها ثم طلقها رجع عليها بنصف الغنم ونصف قيمة الشاة التى أخذت منه وإن لم تؤدها وقد
حال عليها الحول في يدها أخذت منها الشاة التى وجبت فيها ورجع عليها بنصف الغنم ونصف قيمة الشاة التى أخرجت من زكاتها ولو أدت عنها شاة من غيرها رجع عليها بنصفها سواء لانه لم يؤخذ منها شئ في يدها إذا كانت الغنم بحالها يوم قبضتها منه أو أصدقها إياه لم تزد ولم تنقص (قال الشافعي) ولو وجبت عليها فيها شاة فلم تخرجها حتى أدت نصفها إليه حين طلقها أخرجت من النصف الذى في يدها شاة فإن كانت استهلكت ما في يدها منها أخذ من النصف الذى في يد زوجها ورجع عليها بقيمتها (قال الشافعي) وهكذا لو كانت امرأته التى نكح بهذه الغنم بأعيانها أمة أو مدبرة لان سيدها مالك ما ملكت ولو كانت مكاتبة أو ذمية لم يكن عليها فيها صدقة (قال) وهكذا هذا في البقر والابل التى فريضتها منها، فأما الابل التى فريضتها من الغنم فتخالفها فيما وصفت وفى أن يصدقها خمسا من الابل ولا يكون عندها شاة ولا ما تشترى شاة فيباع منها بعير فيؤخذ من ثمنه شاة ويرجع عليها ببعيرين ونصف إذا طلقها قبل الدخول (قال) وهكذا الدراهم يبيعها بدراهم أو دنانير، والدنانير يبيعها بدنانير أو دراهم لا يختلف، لا زكاة في البيعين فيهما حتى يحول عليه حول من يوم ملكه.
(باب رهن الماشية) (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل غنم فحال عليها حول فلم يخرج صدقتها حتى رهنها أخذت منها الصدقة وكان ما بقى بعد الصدقة رهنا، وكذلك الابل والغنم التى فريضتها منها وإن كان المرتهن باع الراهن على أن يرهنه هذه الماشية التى وجبت فيها الزكاة كان له فسخ البيع لانه رهنه شيئا قد وجب لغيره بعضه فكان كمن رهن شيئا له وشيئا ليس له وكذلك لو أخرج عنها الشاة من غيرها كان للبائع الخيار، وكان كمن باع شيئا له وشيئا ليس له ثم هلك الذي ليس له فللبائع الخيار بكل حال لان عقد الرهن كان رهنا لا يملك (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فرهنها بعد الحول ووجب عليه في إبل له أربع شياه أخذت من الغنم صدقة المغنم ولم يؤخذ منها صدقة الابل وبيع من الابل فاشترى منها صدقتها (قال الشافعي) ولو كان عليه في الغنم شئ من صدقتها عامين أو ثلاثة وهي فيها أخذت منها صدقة ما مضى وكان ما بقى رهنا (قال) ولو كانت له غنم غيرها وجبت فيها زكاة فلم يؤدها حتى استهلك الغنم لم يؤخذ من غنمه المرهونة زكاة الغنم غيرها وأخذ بأن يخرج زكاة الغنم غيرها
من ماله فإن لم يوجد له مال وفلس فيباع الغنم الرهن فإن كان منها فضل بعد حق المرتهن أخذت زكاة الغنم غيرها منه وإن لم يفضل منها فضل كان دينا عليه متى أيسر أداه وصاحب الرهن أحق برهنه (قال الشافعي) ولو كان الرهن فاسدا في جميع السائل كان كمال له لم يخرج من يده لا يخالفه في أن يؤخذ منه الصدقة التى فيه وفى غيره فيأخذ غرماؤه مع المرتهن (قال الشافعي) ولو رهن رجل إبلا فريضتها الغنم قد حلت فيها الزكاة ولم يؤدها فإن كان له مال أخذت منه زكاتها وإن لم يكن له مال غيرها فرهنها بعد ما حلت الصدقة فيها فلم يؤدها أخذت الصدقة منها وإن كان رهنها قبل أن تحل فيها الصدقة ثم حلت فيها الصدقة فلم يوجد له مال ففيها قولان، أحدهما أن يكون مفلسا وتباع الابل فيأخذ صاحب(2/27)
الرهن حقه فإن فضل منها فضل أخذت منه الصدقة وإلا كان دينا عليه متى أيسر أداه وغرماؤه يحاصون أهل الصدقة من بعد ما يقضى المرتهن رهنه، والثاني أن نفس الابل مرتهنة من الاصل بما فيها من الصدقة فمتى حلت فيها الصدقة بيعت فيها على مالكها ومرتهنها فكان لمرتهنها الفضل عن الصدقة فيها، وبهذا أقول (قال الشافعي) وإذا رهنت الماشية فنتجت فالنتاج خارج من الرهن ولا يباع ما خض منها حتى تضع إلا أن يشاء ربها الراهن، فإذا وضعت بيعت الام في الرهن دون الولد.
(باب الدين في الماشية) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل ماشية فاستأجر عليها أجيرا في مصلحتها بسن موصوفة أو ببعير منها لم يسمه فحال عليها حول ولم يدفع منها في إجارتها شئ ففيها الصدقة وكذلك إن كان عليه دين أخذت الصدقة وقضى دينه منها ومما بقى من ماله ولو استأجر رجل رجلا ببعير منها أو أبعرة منها بأعيانها فالابعرة للمستأجر فإن أخرجها منه فكانت فيها زكاة زكاها وإن لم يخرجها منه فهى إبله وهو خليط بها يصدق مع رب المال الذى فيها وفى الحرث والورق والذهب سواء وكذلك الصدقة فيها كلها سواء.
(باب أن لا زكاة في الخيل) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة كلاهما عن عبد الله بن دينار عن
سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة " (اخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن مكحول عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن عراك بن مالك عن أبى هريرة مثله موقوفا (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار قال سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال " وهل في الخيل صدقة؟ " (قال الشافعي) فلا زكاة في خيل بنفسها ولا في شئ في الماشية عدا الابل والبقر والغنم بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صدقة في الخيل فإنا لم نعلمه صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة في شئ من الماشية غير الابل والغنم (قال الشافعي) فإذا اشترى شيئا من هذه الماشية أو غيرها مما لا زكاة فيه للتجارة كانت فيه الزكاة بنية التجارة والشراء لها، لا بأنه نفسه مما تجب فيه الزكاة.
(باب من تجب عليه الصدقة) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجب الصدقة على كل مالك تام الملك من الاحرار وإن كان صبيا أو معتوها أو امرأة لا افتراق في ذلك بينهم كما يجب في مال كل واحد ما لزم ماله بوجه من(2/28)
الوجوه جناية أو ميراث منه أو نفقة على والديه أو ولد زمن محتاج وسواء كان في الماشية والزرع والناض والتجارة وزكاة الفطر لا يختلف (قال) وإذا كانت لعبد ماشية وجبت فيها الصدقة لانها ملك لمولاه وضمت إلى ملك مولاه حيث كان ملك مولاه وهكذا غنم المدبر وأم الولد لان مال كل واحد منهم ملك لمولاه وسواء كان العبد كافرا أو مسلما لانه مملوك للسيد (قال الشافعي) فأما مال المكاتب من ماشية وغيرها فيشبه أن يكون لا زكاة فيه لانه خارج من ملك مولاه ما كان مكاتبا (1) لما يملكه مولاه إلا أن يعجزه وإن ملك المكاتب غير تام عليه ألا ترى أنه غير جائز فيه هبته ولا أجبره على النفقة على من أجبر الحر على النفقة عليه من الولد والوالد وإذا عتق المكاتب فماله كمال استفاده من ساعته إذا حال عليه
الحول من يوم عتق صدقه، وكذلك إذا عجز فماله كمال استفادة سيده من متاعه إذا حال عليه حول صدقه، لانه حينئذ تم ملك كل واحد منهما عليه (2) (قال الشافعي) وإذا كان لرجل مال تجب فيه الزكاة فارتد عن الاسلام وهرب أو جن أو عته أو حبس ليستتاب أو يقتل فحال الحول على ماله من يوم ملكه ففيها قولان، أحدهما أن فيها الزكاة لان ماله لا يعدو أن يموت على ردته فيكون للمسلمين، وما كان لهم ففيه الزكاة، أو يرجع إلى الاسلام فيكون له فلا تسقط الردة عنه شيئا وجب عليه، والقول الثاني أن لا يؤخذ منها زكاة حتى ينظر فإن أسلم تملك ماله وأخذت زكاته، لانه لم يكن سقط عنه الفرض وإن لم يؤجر عليها وإن قتل على ردته لم يكن في المال زكاة لانه مال مشرك مغنوم، فإذا صار لانسان منه شئ فهو كالفائدة ويستقبل به حولا ثم يزكيه، ولو أقام في ردته زمانا كان كما وصفت، إن رجع إلى الاسلام أخذت منه صدقة ماله وليس كالذمي الممنوع المال بالحرية ولا المحارب ولا المشرك غير الذمي الذى لم تجب في ماله زكاة قط، ألا ترى أنا نأمره بالاسلام فإن امتنع قتلناه وأنا نحكم عليه في حقوق الناس بأن نلزمه (3) فإن قال: فهو لا يؤجر على الزكاة، قيل ولا يؤجر عليها ولا غيرها من حقوق الناس التى تلزمه ويحبط أجر عمله فيما أدى منها قبل أن يرتد وكذلك لا يؤجر على أن يؤخذ الدين منه فهو يؤخذ.
(باب الزكاة في أموال اليتامى) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: الناس عبيد الله عزوجل فملكهم ما شاء أن يملكهم وفرض عليهم فيما ملكهم ما شاء لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون، فكان فيما آتاهم أكثر مما جعل عليهم فيه،
__________
(1) قوله: لما يملكه، كذا في النسخ ولعل فيه تحريفا من النساخ، والوجه " لا يملكه كتبه مصححه ".
(2) كتب في هذا الموضع من نسخة السراج البلقينى ما نصه " اعلم أن الربيع ذكر الزكاة في مال المرتد في آخر باب ميراث القوم المال، فقد ذكرته هناك تبعا له، وهذا موضعه، قال الشافعي: " وإذا كان لرجل مال تجب فيه الزكاة فارتد عن الاسلام " الخ كتبه مصححه: (3) قوله: فإن قال.
كذا في النسخ، وانظر أين الفاعل، ولعله سقط من الناسخ، أو " قال "
محرف عن قيل كتبه مصححه.(2/29)
وكل أنعم فيه عليهم جل ثناؤه، فكان فيما فرض عليهم فيما ملكهم زكاة أبان أن في أموالهم حقا لغيرهم في وقت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فكان حلالا لهم ملك المال وحراما عليهم حبس الزكاة لانه ملكها غيرهم في وقت كما ملكهم أموالهم دون غيرهم فكان بينا فيما وصفت وفى قوله الله تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم " أن كل مالك تام الملك من حر، له مال فيه زكاة سواء في أن عليه فرض الزكاة بالغا كان أو صحيحا أو معتوها أو صبيا لان كلا مالك ما يملك صاحبه وكذلك يجب في ملكه ما يجب في ملك صاحبه وكان مستغنيا بما وصفت من أن على الصبى والمعتوه الزكاة عن الاحاديث كما يلزم الصبى والمعتوه نفقة من تلزم الصحيح البالغ نفقته ويكون في أموالهما جنايتهما على أموال الناس كما يكون في مال البالغ العاقل وكل هذا حق لغيرهم في أموالهم فكذلك الزكاة والله أعلم، وسواء كل مال اليتيم من ناض وماشية وزرع وغيره، فما وجب على الكبير البالغ فيه الزكاة وجب على الصغير فيه الزكاة والمعتوه وكل حر مسلم، وسواء في ذلك الذكر والانثى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى حتى لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر عن أيوب بن أبى تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب قال لرجل: إن عندنا مال يتيم قد أسرعت فيه الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال.
كانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تليني أنا وأخوين لى يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من اموالنا الزكاة.
(باب زكاة مال اليتيم الثاني) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) الزكاة في مال اليتيم كما في مال البالغ لان الله عزوجل يقول " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فلم يخص مالا دون مال وقال بعض الناس إذا كانت ليتيم ذهب أو ورق فلا زكاة فيها واحتج بأن الله يقول " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " وذهب إلى أن فرض
الزكاة إنما هو على من وجبت عليه الصلاة وقال: كيف يكون على يتيم صغير فرض الزكاة والصلاة عنه ساقطة وكذلك أكثر الفرائض؟ ألا ترى أنه يزنى ويشرب الخمر فلا يحد ويكفر فلا يقتل؟ واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة " ثم ذكر " والصبى حتى يبلغ " (قال الشافعي) رحمه الله لبعض من يقول هذا القول: إن كان ما احتججت على ما احتججت فأنت تارك مواضع الحجة، قال: وأين قلت زعمت أن الماشية والزرع إذا كانا ليتيم كانت فيهما الزكاة؟ فإن زعمت أن لا زكاة في ماله فقد أخذتها في بعض ماله ولعله الاكثر من ماله وظلمته فأخذت ما ليس عليه في ماله وإن كان داخلا في الارث لان في ماله الزكاة فقد تركت زكاة ذهبه وورقه أرأيت لو جاز لاحد أن يفرق بين هذا فقال: آخذ الزكاة من ذهبه وورقه ولا آخذها من ماشيته وزرعه، هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال لا يعدو أن يكون داخلا في معنى الآية لانه حر مسلم فتكون الزكاة في جميع ماله أو يكون خارجا منها بأنه غير بالغ فلا يكون في شئ من ماله الزكاة؟ أو رأيت إذ زعمت أن على وليه أن يخرج عنه زكاة الفطر فكيف أخرجته مرة من زكاة وأدخلته في أخرى؟ أو رأيت إذ زعمت أنه لا فرض للصلاة عليه فذهبت إلى أن الفرائض تثبت معا وتزول معا وأن المخاطبين بالفرائض هم(2/30)
البالغون وأن الفرائض كلها من وجه واحد يثبت بعضها بثبوت بعض ويزول بعضها بزوال بعض حتى فرض الله عز ذكره على المعتدة من الوفاة أربعة أشهر وعشرا ثم زعمت أن الصغيرة داخلة في معنى فرض العدة وهى رضيع غير مدخول بها، أو رأيت إذ فرض الله عزوجل على القاتل الدية فسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بجناية القاتل خطأ كيف زعمت أن الصبى إذا قتل إنسانا كانت فيه دية وكيف زعمت أن الصبى في كل ما جنى على عبد وحر من جناية لها أرش أو أفسد له من متاع أو استهلك له من مال فهو مضمون عليه في ماله كما يكون مضمونا على الكبير وجنايته على عاقلته، أليس قد زعمت أنه داخل في معنى فرائض خارج من فرائض غيرها؟ أو رأيت إذ زعمت أن الصلاة والزكاة إذا كانتا مفروضتين فإنما تثبت إحداهما بالاخرى أفرأيت إن كان لا مال له أليس بخارج من فرض الزكاة؟ فإذا خرج من فرض الزكاة أيكون خارجا من فرض الصلاة؟ أو رأيت إن كان ذا مال
فيسافر أفليس له أن ينقص من عدد الحضر؟ أفيكون له أن ينقص من عدد الزكاة بقدر ما نقص من الصلاة؟ أرأيت لو أغمى عليه سنة أليس تكون الصلاة عنه مرفوعة أفتكون الزكاة عنه مرفوعة من تلك السنة؟ أو رأيت لو كانت امرأة تحيض عشرا وتطهر خمسة عشر وتحيض عشرا أليس تكون الصلاة عنها مرفوعة في أيام حيضها؟ وأما الزكاة عليها في الحول أفيرفع عنها في الايام التى حاضتها أن تحسب عليها في عدد أيام السنة؟ فإن زعمت أن هذا ليس هكذا فقد زعمت أن الصلاة تثبت حيث تسقط الزكاة وأن يكون قياسا على غيره أو رأيت المكاتب أليس الصلاة عليه ثابتة والزكاة عليه عندك زائلة؟ فقد زعمت أن من البالغين الاحرار وغير الاحرار والصغار من يثبت عليه بعض الفرض دون بعض؟ قال: فإنا روينا عن النخعي وسعيد بن جبير وسمى نفرا من التابعين أنهم قالوا: ليس في مال اليتيم زكاة فقيل له: لو لم تكن لنا حجة بشئ مما ذكرنا ولا بغيره مما لعلنا سنذكره إلا ما رويت كنت محجوجا به قال وأين قلت زعمت أن التابعين لو قالوا كان لك خلافهم برأيك فكيف جعلتهم حجة لا تعدو أن يكون ما قلت من ذلك كما قلت فتخطئ باحتجاجك بمن لا حجة لك في قوله أو يكون في قولهم حجة فتخطئ بقولك لا حجة فيه وخلافهم إياك كثير في غير هذا الموضع فإذا قيل لك: لم خالفتهم؟ قلت إنما الحجة في كتاب أو سنة أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو قول عامة المسلمين لم يختلفوا فيه أو قياس داخل في معنى بعض هذا ثم أنت تخالف بعض ما رويت عن هؤلاء.
هؤلاء يقولون فيما رويت: ليس في مال اليتيم زكاة وأنت تجعل في الاكثر من مال اليتيم زكاة؟ قال فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال أخص مال اليتيم فإذا بلغ فأعلمه بما مر عليه من السنين قلنا: وهذه حجة عليك لو لم يكن لنا حجة غير هذا، هذا لو كان ثابتا عن ابن مسعود كان ابن مسعود أمر والى اليتيم أن لا يؤدى عنه زكاة حتى يكون هو ينوى أداءها عن نفسه لانه لا يأمر بإحصاء ما مر عليه من السنين وعدد ماله إلا ليؤدي عن نفسه ما وجب عليه من الزكاة مع أنك تزعم أن هذا ليس بثابت عن ابن مسعود من وجهين، أحدهما أنه منقطع وأن الذى رواه ليس بحافظ ولو لم يكن لنا حجة بما أوجدناك إلا أن أصل مذهبنا ومذهبك من أنا لا نخالف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يخالفه غيره
منهم كانت لنا بهذا حجة عليك، وأنتم تروون عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه ولى بنى أبى رافع أيتاما فكان يؤدى الزكاة عن أموالهم ونحن نرويه عنه وعن عمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم وغير هؤلاء مع أن أكثر الناس قبلنا يقولون به وقد رويناه عن رسول(2/31)
الله صلى الله عليه وسلم من وجه منقطع أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ابتغوا في مال اليتيم لا تستهلكه الصدقة أو لا تذهبه الصدقة " أو قال في أموال اليتامى لا تأكلها أو لا تذهبها الزكاة أو الصدقة " شك الشافعي رحمة الله عليه بها جميعا " أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كانت عائشة تليني وأخالي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال " ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة " أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزكى مال اليتيم أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وعبد الكريم بن أبى المخارق كلهم يخبر عن القاسم بن محمد قال كانت عائشة رضى الله عنها تزكي أموالنا وإنه ليتجر بها في البحرين أخبرنا سفيان عن ابن أبى ليلى عن الحكم بن عتيبة أن عليا رضى الله عنه كانت عنده أموال بنى أبى رافع فكان يزكيها كل عام (قال الشافعي) وبهذه الاحاديث نأخذ وبالاستدلال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة " فدل قوله صلى الله عليه وسلم على أن خمس ذود وخمس أواق وخمسة أوسق إذا كان واحد منها لحر مسلم ففيه الصدقة في المال نفسه، لا في المالك، لان المالك لو أعوز منها لم يكن عليه صدقة.
(باب العدد الذى إذا بلغه التمر وجبت فيه الصدقة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة المازنى عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى
المازنى عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدرى يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت عمرو بن يحيى المازنى يقول أخبرني أبى عن أبى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا نأخذ، وليس يروى من وجه يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن أبى سعيد الخدرى فإذا كان قول أكثر أهل العلم به وإنما هو خبر واحد فقد وجب عليهم قبول خبر واحد بمثله حيث كان (قال الشافعي) فليس في التمر زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة (قال الشافعي) والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم فذلك ثلثمائة صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى هو وأمى (قال الشافعي) والخليطان في النخل اللذان لم يقسما كالشريكين في الماشية يصدقان صدقة الواحد فما وجبت فيه على الواحد صدقة وجبت على الجماعة إذا كانوا شركاء في أصل النخل وكذلك إذا كانوا شركاء في أصل الزرع (قال الشافعي) وكذلك إذا كانت أرض صدقة موقوفة على جماعة فبلغت ثمرتها خمسة أوسق أخذت منها الصدقة وإذا ورث القوم النخل أو ملكوها أي ملك كان ولم يقتسموها حتى أثمرت فبلغت ثمرتها خمسة أوسق أخذت منها(2/32)
الصدقة، فإن اقتسموها بعدما حل بيع ثمرتها في وقت الخرص قسما صحيحا فلم يصر في نصيب واحد منهم خمسة أوسق وفى جماعتها خمسة أوسق فعليهم الصدقة لان أول وجوب الصدقة كان وهم شركاء فلا تسقط الصدقة بفرقها بعد أول وجوبها وإذا اقتسموها قبل أن يحل بيع الثمرة فلا زكاة على واحد منهم حتى تبلغ حصته خمسة أوسق (قال الشافعي) وإن تجاذبوها بغير قطع وبغير قسم لاصل النخل بتراض منهم معا، فهم شركاء بعد فيصدقون صدقة الواحد لان هذه قسمة لا تجوز (قال الشافعي) وإن كانت صدقة موقوفة فاقتسموها فالقسم فيها باطل لانهم لا يملكون رقبتها وتصدق الثمرة صدقة المالك الواحد فإذا بلغت خمسة أوسق وجبت فيها الصدقة وإذا كانت لرجل نخل بأرض وأخرى بغيرها بعدت أو قربت فأثمرتا في سنة واحدة ضمت إحدى الثمرتين إلى الاخرى فإذا بلغتا معا خمسة
أوسق أخذت منها الصدقة (قال الشافعي) ولو كانت بينه وبين رجل نخل فجاءت بأربعة أوسق وكانت له نخل أخرى جاءت بثلاثة أوسق أدى الصدقة عن نخليه معا لان له خمسة أوسق ولم يؤد شريكه الصدقة عن نخله لانه ليس له ولشريكه خمسة أوسق في شئ مما هما فيه شريكان وهكذا، هذا في الماشية والزرع (قال الشافعي) وثمرة السنة تختلف فتثمر النخل وتجد بتهامة وهى بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك إلى بعض لانه ثمرة واحدة فإذا أثمرت النخل في سنة ثم أثمرت في قابل لم يضم إحدى الثمرتين إلى الاخرى وهكذا القول في الزرع كله مستأخره ومتقدمه فإنه يتقدم ببلاد الحر ويستأخر ببلاد البرد وإذا كان لرجل زرع بالبلدين معا، ضم بعضه إلى بعض فإذا بلغ خمسة أوسق وجبت فيه الصدقة (قال الشافعي) وإذا زرع رجل في سنة زرعا فلم يخرج منه خمسة أوسق وله زرع آخر، وهما إذا ضما معا كانت فيهما خمسة أوسق فإن كان زرعهما وحصادهما معا في سنة واحدة فهما كالزرع الواحد والثمرة الواحدة وإن كان بذر أحدهما يتقدم عن السنة أو حصاد الآخر يستأخر عن السنة فهما زرعان مختلفان لا يضم واحد منهما إلى الآخر (قال الشافعي) وهكذا إذا كان لرجل (1) نخل مختلف أو واحد يحمل في وقت واحد حملين أو سنة حملين فهما مختلفان (قال الشافعي) وإذا كان النخل مختلف الثمرة، ضمن بعضه إلى بعض، سواء في ذلك دقله وبرديه والوسط منه وتؤخذ الصدقة من الوسط منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لا يخرج في الصدقة الجعرور ولا معى الفأرة ولا (2) عذق ابن حبيق، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زياد بن سعد عن الزهري (قال الشافعي) وهذا تمر ردئ جدا ويترك لصاحب الحائط جيد التمر من البردى الكبيس وغيره ويؤخذ من وسط التمر (قال الشافعي) وهذا مثل الغنم إذا اختلفت يترك منها ما فوق الثنية والجذعة لرب المال ويترك عليه ما دونها وتؤخذ الجذعة والثنية لانهما وسط وذلك أن الاغلب من الغنم أنها تكون اسنانا كما الاغلب من التمر أن يكون ألوانا فإن كان لرجل تمر واحد بردى كله أخذ من البردى وإن كان جعرورا كله أخذ من الجعرور، وكذلك إن كانت له غنم صغار كلها أخذها منها (قال الشافعي) وإن كان له نخل (3) بردى صنفين، صنف بردى، وصنف
__________
(1) قوله: نخل مختلف، كذا في بعض النسخ، وسقط هذا الفرع من نسخ أخرى، ولا يخلو
من تحريف، فليحرر كتبه مصححه.
(2) عذق ابن حبيق هو نوع من التمر ردئ " وحبيق " مصغر كما في اللسان، كتبه مصححه.
(3) قوله: بردى كذا في جميع النسخ، ولعل الكلمة مزيدة من الناسخ، كتبه مصححه.(2/33)
لون، أخذ من كل واحد من الصنفين بقدر ما فيه وإنما يؤخذ الوسط إذا اختلف التمر وكثر اختلافه وهو يخالف الماشية في هذا الموضع وكذلك إن كان أصنافا أحصى كل صنف منها حتى لا يشك فيه وعرض رب المال أن يعطى كل صنف ما يلزمه أخذ منه.
(باب كيف تؤخذ زكاة النخل والعنب) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع عن بن صالح التمار عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكرم " يخرص كما تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص كرومهم وثمارهم (قال الشافعي) رحمه الله: وبهذا نأخذ في كل ثمرة يكون لها زبيب، وثمار الحجاز فيما علمت كلها تكون تمرا أو زبيبا إلا أن يكون شيئا لا أعرفه (قال الشافعي) وأحسب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرص النخل والعنب لشيئين أحدهما أن ليس لاهله منع الصدقة منه وأنهم مالكون تسعة أعشاره وعشره لاهل السهمان (قال) وكثير من منفعة أهله به إنما يكون إذا كان رطبا وعنبا لانه أغلى ثمنا منه تمرا أو زبيبا ولو منعوه رطبا أو عنبا ليؤخذ عشره أضربهم، ولو ترك خرصه ضيع حق أهل السهمان منه فإنه يؤخذ ولا يحصى فخرص والله تعالى أعلم وخلى بينهم وبينه للرفق بهم والاحتياط لاهل السهمان (قال الشافعي) والخرص إذا حل البيع وذلك حين يرى في الحائط الحمرة والصفرة وكذلك حين يتموه العنب ويوجد فيه ما يؤكل منه ويأتى الخارص النخله فيطوف بها حتى يرى كل ما فيها ثم يقول خرصها رطبا كذا وينقص إذا صار تمرا كذا
يقيسها على كيلها تمرا ويصنع ذلك بجميع الحائط ثم يحمل مكيلته تمرا وهكذا يصنع بالعنب ثم يخلى بين أهله وبينه فإذا صار زبيبا وتمرا أخذ العشر على ما خرصه تمرا وزبيبا من التمر والزبيب (قال الشافعي) فإن ذكر أهله أنه أصابته جائحة أذهبت منه شيئا أو أذهبته كله صدقوا فيما ذكروا منه وإن اتهموا حلفوا وإن قالوا: قد أخذنا منه شيئا وذهب شئ لا يعرف قدره قيل ادعوا فيما ذهب ما شئتم واتقوا الله ولا تدعوا إلا ما أحطتم به علما واحلفوا ثم يأخذ العشر منهم مما بقى إن كان فيه عشر وإن لم يكن فيما بقى في أيديهم واستهلكوا عشره لم يؤخذ منهم منه شئ وإن قال هلك منه شئ لا أعرفه قيل له: إن ادعيت شيئا وحلفت عليه طرحنا عنك من عشره بقدره وإن لم تدع شيئا تعرفه أخذنا منك العشرة على ما خرصنا عليك (قال الشافعي) فإن قال قد أحصيت مكيلة ما أخذت فكانت ميكلة ما أخذت كذا وما بقى كذا وهذا خطأ في الخرص صدق على ما قال وأخذ منه لانها زكاة وهو فيها أمين (قال الشافعي) فإن قال قد سرق منى شئ لا أعرفه لم يضمن ما سرق وأخذت الصدقة منه مما أخذ وبقى إذا عرف ما أخذ وما بقى (قال الشافعي) وإن قال قد سرق بعد ما صيرته إلى الجرين فإن سرق بعدما يبس وأمكنه أن يؤدى إلى الوالى أو إلى أهل السهمان فقد فرط وهو له ضامن وإن سرق بعدما صار تمرا يابسا ولم يمكنه دفعه إلى الوالى (1) أو يقسمه وقد أمكنه دفعه إلى اهل
__________
(1) قوله: أو يقسمه، كذا في النسخ، وانظر كتبه مصححه.(2/34)
السهمان فهو له ضامن لانه مفرط فإن جف التمر ولم يمكنه دفعه إلى أهل السهمان ولا إلى الوالى لم يضمن منه شيئا وأخذت منه الصدقة مما استهلك هو وبقى في يده إن كانت فيه صدقة (قال الشافعي) وإذا وجد بعض أهل السهمان ولم يجد بعضا فلم يدفعه إليهم ولا إلى الوالى ضمن بقدر ما استحق من وجد من أهل السهمان منه ولم يضمن حق من لم يجد من أهل السهمان (قال الشافعي) وإن استهلكه كله رطبا أو بسرا بعد الخرص ضمن مكيلة خرصه تمرا مثل وسط تمره وإن اختلف هو والوالى فقال: وسط تمرى كذا، فإن جاء الوالى ببينة أخذ منه على ما شهدت به البينة وإن لم يكن عليه بينة أخذ منه على ما قال رب المال مع يمينه، وأقل ما يجوز عليه في
هذا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين (قال الشافعي) وليس للوالى أن يحلف مع شاهده ولا لاحد من أهل السهمان أن يحلف لانه ليس بمالك شيئا مما يحلف عنه دون غيره (قال الشافعي) وإن أصاب حائطه عطش فعلم أنه إن ترك الثمرة فيه أضرت بالنخل وإن قطعها بعدما يخرص بطل عليه كثير من ثمنها كان له قطعها ويؤخذ عشرها مقطوعة فيقسم على أهل السهمان فإن لم يدفع عشرها إلى الوالى ولا إلى السهمان ضمن قيمته مقطوعا إن لم يكن له مثل (قال الشافعي) وما قطع من ثمر نخله قبل أن يحل بيعه لم يكن عليه فيه عشر وأكره ذلك له إلا أن يكون قطع شيئا يأكله أو يطعمه فلا بأس وكذلك أكره له من قطع الطلع إلا ما أكل أو أطعم أو قطعه تخفيفا عن النخل ليحسن حملها فأما ما قطع من طلع الفحول التى لا تكون تمرا فلا أكرهه (قال الشافعي) وإن صير التمر في الجرين لمستحقه فرش عليه ماء أو أحدث فيه شيئا فتلف بذلك الشئ أو نقص فهو ضامن له لانه الجاني عليه، وإن لم يحدث منه إلا ما يعلم به صلاحه فهلك لم يضمنه (قال الشافعي) وإذا وضع التمر حيث كان يضعه في جرينه أو بيته أو داره فسرق قبل أن يجف لم يضمن وإن وضعه في طريق أو موضع ليس بحرز لمثله فهلك ضمن عشره (قال الشافعي) وما أكل من التمر بعد أن يصير في الجرين ضمن عشره وكذلك ما أطعم منه (قال الشافعي) وإذا كان النخل يكون تمرا فباعه مالكه رطبا كله أو أطعمه كله أو أكله كرهت ذلك له وضمن عشره تمرا مثل وسطه (قال الشافعي) وإذا كان لا يكون تمرا بحال أحببت أن يعلم ذلك الوالى وأن يأمر الوالى من يبيع معه عشره رطبا فإن لم يفعل خرصه عليه ثم صدق ربه بما بلغ رطبه وأخذ عشر رطب نخله ثمنا فإن أكله كله أو استهلكه كله أخذ منه قيمة عشر رطبه ذهبا أو ورقا (قال الشافعي) وإن استهلك من رطبه شيئا وبقى منه شئ فقال خذ العشر مما بقى فإن كان ثمن ما استهلك أكثر من ثمن ما بقى أخذ عشر ثمن ما استهلك وعشر ما بقى وكذلك لو كان أقل ثمنا أو مثله فلم يعطه رب المال إلا الثمن كان عليه أخذ ثمن العشر (قال الشافعي) وإن كان النظر للمساكين أخذ العشر مما بقى من الرطب وفعل ذلك رب المال، أخذه المصدق كما يأخذ لهم كل فضل تطوع به رب المال (قال الشافعي) وإن كان لرجل نخلان نخل يكون تمرا ونخل لا يكون تمرا أخذ صدقة الذى يكون تمرا تمرا، وصدقة الذى لا يكون تمرا كما وصفت (قال الشافعي) وإن عرض رب المال ثمن التمر على المصدق لم يكن له أن يأخذه
بحال كان نظرا لاهل السهمان أو غير نظر ولا يحل بيع الصدقة (قال الشافعي) فإن استهلكه وأعوزه أن يجد تمرا بحال جاز أن يأخذ قيمته منه لاهل السهمان وهذا كرجل كان في يده لرجل طعام فاستهلكه فعليه مثله فان لم يوجد فقيمته بالجناية بالاستهلاك، لان هذا ليس بيعا من البيوع لا يجوز حتى يقبض (قال الشافعي) وإن كان يخرج نخل رجل بلحا فقطعه قبل أن ترى فيه الحمرة أو قطعه طلعا خوف العطش كرهت ذلك له ولا عشر عليه فيه ولا يكون عليه العشر حتى يقطعه بعد ما يحل بيعه (قال)(2/35)
وكل ما قلت في النخل فكان في العنب، فهو مثل النخل لا يختلفان (قال الشافعي) وإن كانت لرجل نخل فيها خمسة أوسق وعنب ليس فيه خمسة أوسق أخذت الصدقة من النخل ولم تؤخذ من العنب ولا يضم صنف إلى غيره، والعنب غير النخل، والنخل كله واحد فيضم رديئه إلى جيده وكذلك العنب كله واحد يضم رديئه إلى جيده.
(باب صدقة الغراس) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر حين افتتح خيبر " أقركم على ما أقركم الله تعالى على أن التمر بيننا وبينكم " قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلى، فكانوا يأخذونه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبين يهود خيبر (قال الشافعي) وعبد الله بن رواحة كان يخرص نخلا ملكها للنبى صلى الله عليه وسلم وللناس ولا شك أن قد رضوا به إن شاء الله تعالى ثم يخيرهم بعدما يعلمهم الخرص بين أن يضمنوا له نصف ما خرص تمرا ويسلم لهم النخل بما فيه أو يضمن لهم مثل ذلك التمر ويسلموا له النخل بما فيه والعاملون يشتهون أن يكونوا ممن يجوز أمرهم على أنفسهم والمدعوون إلى هذا المالكون يجوز أمرهم على أنفسهم فإذا خرص الواحد على العامل وخير جاز له الخرص (قال) ومن تؤخذ منه صدقة النخل والعنب خلط، فمنهم البالغ الجائز الامر وغير الجائز الامر من الصبي والسفيه والمعتوه والغائب ومن يؤخذ له
الخرص من أهل السهمان (1) وأكثر من أهل الاموال فإن بعث عليهم خارص واحد فمن كان بالغا جائز الامر في ماله فخيره الخارص بعد الخرص فاختار ماله جاز عليه كما كان ابن رواحة يصنع وكذلك إن لم يخيرهم فرضوا، فأما الغائب لا وكيل له والسفيه فليس يخير ولا يرضى فأحب أن لا يبعث على العشر خارص واحد بحال ويبعث اثنان فيكونان كالمقومين في غير الخرص (قال الشافعي) وبعثة عبد الله بن رواحة وحده حديث منقطع وقد يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع عبد الله وغيره وقد يجوز أن يكون بعث مع عبد الله غيره وإن لم يذكر، وذكر عبد الله بن رواحة بأن يكون المقدم وفى كل أحب أن يكون خارصان أو أكثر في المعاملة والعشر وقد قيل يجوز خارص واحد كما يجوز حاكم واحد فإذا غاب عنا قدر ما بلغ التمر جاز أخذ العشر على الخرص وإنما يغيب ما أخذ منه بما يؤكل منه رطبا ويستهلك يابسا بغير إحصاء (قال الشافعي) وإذا ذكر أهله أنهم أحصوا جميع ما فيه وكان في الخرص عليهم أكثر قبل منهم مع إيمانهم فإن قالوا: كان في الخرص نقص عما عليهم أخذ منهم ما أقروا به من الزيادة في تمرهم وهو يخالف القيمة في هذا الموضع لانه لا سوق له يعرف بها يوم الخرص كما يكون للسلعة سوق يوم التقويم وقد يتلف فيبطل عنهم فيما تلف الصدقة إذا كان التلف بغير إتلافهم، ويتلف بالسرق من حيث لا يعلمون وضيعة النخل بالعطش وغيره (قال الشافعي) ولا يؤخذ من شئ من
__________
(1) قوله: وأكثر، كذا في النسخ، ولعل الواو مزيدة من النساخ وما بعدها خبر المبتدأ.
فانظر كتبه، مصححه.(2/36)
الشجر غير النخل والعنب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما فكانا قوتا، وكذلك لا يؤخذ من الكرسف ولا أعلمها تجب في الزيتون لانه أدم لا مأكول بنفسه وسواء الجوز فيها واللوز وغيره مما يكون أدما أو ييبس ويدخر لان كل هذا فاكهة لا أنه كان بالحجاز قوتا لاحد علمناه (قال الشافعي) ولا يخرص زرع لانه لا يبين للخارص وقته والحائل دونه وأنه لم يختبر فيه من الصواب ما اختبر في النخل والعنب وأن الخبر فيهما خاص وليس غيرهما في معناهما لما وصفت.
(باب صدقة الزرع)
(قال الشافعي) رحمه الله ما جمع أن يزرعه الآدميون وييبس ويدخر ويقتات مأكولا خبزا أو سويقا أو طبيخا ففيه الصدقة (قال الشافعي) ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والذرة (قال الشافعي) وهكذا كل ما وصفت يزرعه الآدميون ويقتاتونه فيؤخذ من العلس وهو حنطة والدخن والسلت والقطنية كلها حمصها وعدسها وفولها ودخنها لان كل هذا يؤكل خبزا وسويقا وطبيخا ويزرعه الآدميون ولا يتبين لى أن يؤخذ من (1) الفث وإن كان قوتا لانه ليس ما ينبت الآدميون ولا من حب الحنظل وإن اقتيت لانه في أبعد من هذا المعنى من الفث وكذلك لا يؤخذ من حب شجرة برية كما لا يؤخذ من بقر الوحش ولا من الظباء صدقة (قال الشافعي) ولا يؤخذ في شئ من الثفاء ولا الاسبيوش لان الاكثر من هذا أنه ينبت للدواء ولا مما في معناه من حبوب الادوية ولا من حبوب البقل لانها كالفاكهة وكذلك القثاء والبطيخ وحبه لا زكاة فيه لانه كالفاكهة ولا يؤخذ من حب العصفر ولا بزر الفجل ولا بزر بقل ولا سمسم.
(باب تفريع زكاة الحنطة) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا بلغ صنف من الحبوب التى فيها الصدقة خمسة أوسق ففيه الصدقة والقول في كل صنف منه جمع جيدا ورديئا أن يعد بالجيد مع الردئ كما يعد بذلك في التمر، غير أن اختلافه لا يشبه اختلاف التمر لانه إنما يكون صنفين أو ثلاثة فيؤخذ من كل صنف منه بقدره والتمر يكون خمسين جنسا أو نحوها أو أكثر والحنطة صنفان صنف حنطة تداس حتى يبقى حبها مكشوفا لا حائل دونه من كمام ولا قمع، فتلك إن بلغت خمسة أوسق ففيها الصدقة، وصنف علس إذا ديست بقيت حبتان في كمام واحد لا يطرح عنها الكمام إلا إذا أراد أهلها استعمالها ويذكر أهلها أن طرح الكمام عنها يضر بها فإنها لا تبقى بقاء الصنف الآخر من الحنطة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طرح عنها الكمام بهرس أو طرح في رحى خفيفة ظهرت فكانت حبا كالحنطة الاخرى ولا يظهرها الدراس كما يظهر الاخرى وذكر من جربها أنها إذا كان عليها الكمام الباقي بعد الدرس ثم ألقى ذلك الكمام عنها صارت على النصف مما كيلت أولا فيخير مالكها بين أن يلقى الكمام وتكال عليه فإذا بلغت
__________
(1) الفث: بالفتح نبت يختبز حبه ويؤكل في الجدب والاسبيوش هو البزر قطونا،
والثفاء بالضم وتشديد الفاء حب الخردل أو الحرف.
كذا في الكتب اللغة، كتبه مصححه.(2/37)
خمسة أوسق أخذت منها الصدقة وبين أن تكال بكمامها فإذا بلغت عشرة أوسق أخذت منها صدقتها لانها حينئذ خمسة، فأيهما اختار لم يحمل على غيره فيضر ذلك به (قال الشافعي) فإن سأل أن تؤخذ منه في سنبلها لم يكن له ذلك وإن سأل أهل الحنطة غير العلس أن يؤخذ منهم في سنبله لم يكن ذلك لهم كما نجيز بيع الجوز في قشره، والذى يبقى عليه حرز له، لانه لو نزع منه عجل فساده إذا ألقى عنه ولا نجيزه فوق القشر الاعلى الذى فوق القشر الذى دونه (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل حنطة غير علس وحنطة علس ضم إحداهما إلى الاخرى على ما وصفت الحنطة بكيلتها والعلس في أكمامها بنصف كيلة، فإن كانت الحنطة التي هي غير علس ثلاثة أوسق والعلس وسقان فلا صدقة فيها لانها حينئذ أربعة أوسق (1) ونصف، وإن كانت أربعة ففيها صدقة لانها حينئذ خمسة أوسق، الحنطة ثلاث والعلس الذى هو أربعة في أكمامه اثنان.
(باب صدقة الحبوب غير الحنطة) (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يؤخذ من زرع فيه زكاة غير العلس صدقة حتى يطرح عنه كمامه ويكال ثم تؤخذ منه الصدقة إذا بلغ خمسة أوسق فتؤخذ من الشعير ولا يضم شعير إلى حنطة ولا سلت إلى حنطة ولا شعير ولا أرز إلى دخن ولا ذرة (قال الشافعي) والذرة ذرتان ذرة (2) بطيس لاكمام عليه ولا قمع بيضاء وذرة عليها شئ أحمر كالحلقة أو الثفروق إلا أنه أرق وكقشرة الحنطة دقيق لا ينقص لها كيلا ولا يخرج إلا مطحونا وقلما يخرج بالهرس فكلاهما يكال ولا يطرح لكيله شئ كما يطرح لاطراف الشعير الحديدة ولا قمع التمرة وإن كان مباينا للتمرة، وهذا لا يباين الحبة لانه موتصل بنفس الخلقة وكمالا يطرح لنخالة الشعير ولا الحنطة شئ (قال الشافعي) ولا يضم الدخن إلى الجلبان ولا الحمص إلى العدس ولا الفول إلى غيره ولا حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبها وخلافها بائن في الخلقة والطعم والثمر إلى غيرها ويضم كل صنف من هذا أكبر إلى ما هو أصغر منه وكل صنف استطال إلى ما تدحرج منه (قال الشافعي) ولا أعلم في الترمس صدقة ولا أعلمه يؤكل إلا دواء أو تفكها لا قوتا،
ولا صدقة في بصل ولا ثوم لان هذا لا يؤكل إلا ابزارا أو أدما (قال الشافعي) فإن قيل فاسم القطنية يجمع الحمص والعدس، قيل: نعم، قد يفرق لها أسماء ينفرد كل واحد منها باسم دون صاحبه وقد يجمع اسم الحبوب معها الحنطة والذرة، فلا يضم بجماع اسم الحبوب ولا يجمع إليها، ويجتمع التمر والزبيب في الحلاوة وأن يخرصا ثم لا يضم أحدهما على الآخر فإن قيل: فقد أخذ عمر العشر من (3) النبط في القطنية، قيل: وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من التمر والزبيب وما أنبتت الارض مما فيه زكاة العشر وكان اجتماعه في أن فيه العشر غير دال على
__________
(1) قوله: ونصف، كذا في النسخ، ولعل الكلمة من زيادة النساخ، أو يكون قوله السابق " والعلس وسقان " محرفا والوجه " والعلس ثلاثة أوسق "، كما هو ظاهر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: بطيس، كذا في الاصل، وسيأتى بهذا اللفظ ولم نقف عليه في كتب اللغة، كتبه مصححه.
(3) النبط: بفتحتين، قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، كذا في الصحاح، كتبه مصححه.(2/38)
جمع بعضه إلى بعض وقد أخذ عمر من النبط من الزبيب والقطنية العشر (1) فيضم الزبيب إلى القطنية (قال الشافعي) ولا يؤخذ زكاة شئ مما أخرجت الارض مما ييبس حتى ييبس ويدرس كما وصفت وييبس تمره وزبيبة وينتهى يبسه فان أخذ الزكاة منه رطبا كرهته له وكان عليه رده أورد قيمته إن لم يوجد مثله وأخذه يابسا لا أجيز بيع بعضه ببعض رطبا لا ختلاف نقصانه وأنه حينئذ مجهول (قال الشافعي) والعشر مقاسمة كالبيع فإن أخذه رطبا فيبس في يده (2) كمال يبقى في يدى صاحبه، فإن كان استوفى فذلك له وإن كان ما في يده أزيد من العشر رد الزيادة وإن كان أنقص أخذ النقصان وإن جهل صاحبه ما في يده واستهلكه فالقول قول صاحبه ويرد هذا ما في يده إن كان رطبا حتى ييبس (قال) وهكذا إن أخذ الحنطة في أكمامها (قال الشافعي) وإن أخذه رطبا ففسد في يدى المصدق فالمصدق ضامن لمثله لصاحبه أو قيمته إن لم يوجد له مثل ويرجع عليه بأن يأخذ عشره منه يابسا (قال الشافعي) ولو أخذه رطبا من عنب لا يصير زبيبا أو رطبا لا يصير تمرا كرهته وأمرته برده لما وصفت من
أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا فإن استهلكه ضمن مثله أو قيمته وترادا الفضل منه وكان شريكا في العنب ببيعه ويعطى أهل السهمان ثمنه وإن كان لا يتزبب فلو قسمه عنبا موازنة وأخذ عشره وأعطى أهل السهمان، كرهته ولم يكن عليه غرم.
(باب الوقت الذى تؤخذ فيه الصدقة مما أخرجت الارض) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا بلغ ما أخرجت الارض ما يكون فيه الزكاة أخذت صدقته ولم ينتظر بها حول لقول الله عزوجل " وآتوا حقه يوم حصاده " ولم يجعل له وقتا إلا الحصاد واحتمل قول الله عزوجل " يوم حصاد " إذا صلح بعد الحصاد واحتمل يوم يحصد وإن لم يصلح، فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تؤخذ بعد ما يجف لا يوم يحصد النخل والعنب والاخذ منهما زبيبا وتمرا فكان كذلك كل ما يصلح بجفوف ودرس مما فيه الزكاة مما أخرجت الارض، وهكذا زكاة ما أخرج من الارض من معدن لا يؤخذ حتى يصلح فيصير ذهبا أو فضة ويؤخذ يوم يصلح (قال الشافعي) وزكاة الركاز يوم يؤخذ لانه صالح بحاله لا يحتاج إلى إصلاح وكله مما أخرجت الارض.
(باب الزرع في أوقات) الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم تستخلف في كثير من المواضع فتحصد أخرى فهذا كله كحصدة واحدة يضم بعضه إلى بعض لانه زرع واحد وإن استأخرت حصدته الآخرة (قال الشافعي) وهكذا إذا بذرت ووقت البذار بذر اليوم وبذر بعد شهر لان هذا كله وقت واحد للزرع وتلاحق الزرع فيه متقارب (قال) وإذا بذر ذرة بطيسا وحمراء ومجنونة (3) وهم في أوقات فأدرك بعضها قبل بعض
__________
(1) قوله: فيضم كذا في النسخ، ولعل المعنى على الاستفهام، أي أفيضم الخ كتبه مصححه، (2) قوله: كمال يبقى الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا، والوجه والله أعلم " كان كما يبقى الخ ".
وانظر، كتبه مصححه.
(3) قوله: وهم، كذا في النسخ، ولعلها من تحريف الناسخ، والوجه " وهى " كتبه مصححه.(2/39)
ضم الاول المدرك إلى الذى يليه والذى يليه إلى المبذور بعد هذه، فإذا بلغ كله خمسة أوسق وجبت فيه الصدقة (قال الشافعي) وإذا كان حائطا فيه عنب أو رطب فبلغ بعضه قبل بعض في عام واحد
وإن كان بين ما يجف ويقطف منه أولا وآخر الشهر وأكثر وأقل ضم بعضه إلى بعض وهذه ثمرة واحدة لان ما تخرج الارض كله يدرك هذا ويبذر هذا (قال) وإذا كانت لرجل نخلات يطلعن فيكون فيهن الرطب والبسر والبلح والطلع في وقت واحد فيجد الرطب ثم يدرك البسر، فيجد ثم يدرك البلح فيجد ثم يدرك الطلع فيجد.
ضم هذا كله وحسب على صاحبه كما يحسب إطلاعة واحدة في جدة واحدة لانه ثمر نخله في وقت واحد (قال الشافعي) وإذا كان لرجل حائط بنجد وآخر بالشعف وآخر بتهامة فجد التهامى ثم الشعفى ثم النجدي فهذه ثمرة عام واحد يضم بعضها إلى بعض وإن كان بينهما الشهر والشهران (قال الشافعي) وبعض أهل اليمن يزرعون في السنة مرتين في الخريف ووقت يقال له الشباط فإن كان قوم يزرعون هذا الزرع أو يزرعون في السنة ثلاث مرات في أوقات مختلفة من خريف وربيع وحميم أو صيف فزرعوا في هذا حنطة أو أرز أو حبا، فإن كان من صنف واحد ففيه أقاويل منها أن الزرع إذا كان في سنة واحدة فأدرك بعضه فيها وبعضه في غيرها ضم بعضه إلى بعض ومنها أنه يضم منه ما أدرك منه في سنة واحدة وما أدرك في السنة الثانية ضم إلى ما أدرك من سنته التى أدرك فيها، ومنها أنه إذا زرع في أزمان مختلفة كما وصفت لم يضم بعضه إلى بعض (قال الشافعي) وأما ما زرع في خريف أو بكر شئ منه وتأخر شئ منه فالخريف ثلاثة أشهر فيضم بعضه إلى بعض وكذلك ما زرع في الربيع في أول شهوره وآخرها وكذلك الصيف إن زرع فيه (قال) ولا يضم زرع سنة إلى زرع سنة غيرها ولا ثمرة سنة إلى ثمرة سنة غيرها وإن اختلف المصدق ورب الزرع وفى يده زرع فقال هذا زرع سنة واحدة وقال رب الزرع بل سنتين فالقول قول رب الزرع مع يمينه وإن اتهم، وعلى المصدق البينة، فإن أقام البينة ضم بعضه إلى بعض وهذا هكذا في كل ما فيه صدقة.
(باب قدر الصدقة فيما أخرجت الارض) (قال الشافعي) رحمه الله: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولا معناه " ما سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر وما سقى بغيره من عين أو سماء ففيه العشر " (قال الشافعي) وبلغني أن هذا الحديث يوصل من حديث ابن أبى ذباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم أعلم مخالفا.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر كان
يقول: صدقة الثمار والزروع ما كان نخلا أو كرما أو زرعا أو شعيرا أو سلتا، فما كان منه بعلا أو يسقى بنهر أو يسقى بالعين أو عثريا بالمطر، ففيه العشر، في كل عشرة واحد وما كان منه يسقى بالنضح ففيه نصف العشر في كل عشرين واحد (قال الشافعي) فبهذا نأخذ، فكل ما سقته الانهار أو السيول أو البحار أو السماء أو زرع عثريا مما فيه الصدقة ففيه العشر، وكل ما يزرع برشاء من تحت الارض المسقية يصب فوقها ففيه نصف العشر وذلك أن يسقى من بئر أو نهر (1) أو نجل بدلو ينزع أو بغرب ببعير أو بقرة
__________
(1) أو نجل: النجل بالفتح النز الذي يخرج من الارض والزر نوقان منارتان يبنيان على رأس البئر من جانبيها فتوضع عليهما النعامة، وهي خشبة تعرض عليهما ثم تعلق فيها البكرة فيستقى بها، والمحالة: منجنون يستقي عليها، كذا في كتب اللغة، كتبه مصححه.(2/40)
أو غيرها أو بزرنوق أو محالة أو دولاب (قال) فكل ما سقى هكذا ففيه نصف العشر (قال) فإن سقى شئ من هذا بنهر أو سيل أو ما يكون فيه العشر فلم يكتف حتى سقى بالغرب فالقياس فيه أن ننظر إلى ما عاش بالسقيتين فإن كان عاش بهما نصفين كان فيه ثلاثة أرباع العشر وإن كان عاش بالسيل اكثر، زيد فيه بقدر ذلك، وإن كان عاش بالغرب أكثر نقص بقدر ذلك (قال) وقد قيل ينظر أيهما عاش به أكثر فتكون صدقته به، فإن عاش بالسيل أكثر فتكون صدقته العشر أو عاش بالغرب أكثر فتكون صدقته نصف العشر (قال الشافعي) وإن كان فيه خبر فالخبر أولى به وإلا فالقياس ما وصفت، والقول قول رب الزرع مع يمينه، وعلى المصدق البينة إن خالف ربه (قال الشافعي) وأخذ العشر أن يكال لرب المال تسعة ويأخذ المصدق العاشر وهكذا أخذ نصف العشر يكال لرب المال تسعة عشر ويأخذ المصدق تمام العشرين (قال) فما زاد على عشرة مما لا يبلغها أخذ منه بحساب وسواء ما زاد مما قل أو كثر إذا وجبت فيه الصدقة ففى الزهادة على العشرة صدقتها (قال) ويكال لرب المال ووالى الصدقة كيلا واحدا لا يلتف منه شئ على المكيال ولا يدق ولا يزلزل المكيال ويوضع على المكيال فما أمسك رأسه أفرغ به وإن بلغ ما يؤخذ نصف عشره خمسة أوسق أخذت منه الصدقة كما تؤخذ الصدقة فيما يؤخذ عشره (قال) وإن حثى التمر في
قرب أو جلال أو جرار أو قوارير فدعا رب التمر والى الصدقة إلى أن يأخذ الصدقة منه عددا أو وزنا لم يكن ذلك له وكان عليه أن يأخذ مكيله على الخرص (قال) وكذلك لو أغفل الخرص فوجد في يديه تمرا أخذه كيلا وصدق رب المال على ما بلغ كيله وما مضى منه رطبا أخذه على التصديق له أو خرصه فأخذه على الخرص (قال الشافعي) وهكذا لو دعاه إلى أن يأخذ منه حنطة أو شيئا من الحبوب جزافا أو معادة في غرائر أو أوعيه أو وزنا لم يكن ذلك له وكان عليه أن يستوفى ذلك منه (قال الشافعي) وإذا أغفل الوالى الخرص، قبل قول صاحب التمر مع يمينه.
(باب الصدقة في الزعفران والورس) (قال الشافعي) ليس في الزعفران ولا الورس صدقة لان كثيرا من الاموال لا صدقة فيها، وإنما أخذنا الصدقة خبرا أو بما في معنى الخبر، والزعفران والورس طيب لا قوت، ولا زكاة في واحد منهما، والله تعالى أعلم كما لا يكون في عنبر ولا مسك ولا غيره من الطيب زكاة (قال) وكذلك لا خمس في لؤلؤة ولا زكاة في شئ يلقيه البحر من حليته، ولا يؤخذ من صيده.
(باب أن لا زكاة في العسل) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن الحرث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب عن أبيه عن سعد بن أبى ذباب قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم قلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم قال: ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر ثم عمر، قال: وكان سعد من أهل السراة، قال فكلمت قومي في العسل فقلت لهم: زكوه فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى فقالوا كم ترى؟ قال(2/41)
فقلت: العشر فأخذت منهم العشر فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته بما كان، قال: فقبضه عمر فباعه ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله ابن أبى بكر قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبى وهو ب " منى " أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسعد بن أبى ذباب يحكى ما يدل على أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل وأنه شئ رآه فتطوع له به أهله (قال الشافعي) لا صدقة في العسل ولا في الخيل، فإن تطوع أهلهما بشئ قبل منهم وجعل في صدقات المسلمين، وقد قبل عمر بن الخطاب من أهل الشام أن تطوعوا بالصدقة عن الخيل وكذلك الصدقة عن كل شئ تقبل ممن تطوع بها.
(باب صدقة الورق) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدرى يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن يحيى المازنى قال أخبرني أبى أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال اخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " (قال الشافعي) وبهذا نأخذ، فإذا بلغ الورق خمس أواقى وذلك مائتا درهم بدراهم الاسلام وكل عشرة دراهم من دراهم الاسلام وزن سبعة مثاقيل من ذهب بمثقال الاسلام ففى الورق الصدقة (قال الشافعي) وسواء كان الورق دراهم جيادا مصفاة غاية سعرها عشرة بدينار أو ورقا تبرا، ثمن عشرين دينار، ولا أنظر إلى قيمته من غيره لان الزكاة فيه نفسه كما لا أنظر إلى ذلك في الماشية ولا الزرع وأضم كل جيد من صنف إلى ردئ من صنفه (قال الشافعي) وإن كانت لرجل مائتا درهم تنقص حبة أو أقل وتجوز جواز الوازنة أولها فضل على الوازنة غيرها فلا زكاة فيها كما لو كانت له أربع من الابل تسوى ألف دينار لم يكن فيها شاة وفى خمس من الابل لا تسوى عشرة دنانير شاة وكما لو كانت له أربعة أوسق بردى خير قيمته من مائة وسق لون لم يكن فيها زكاة (قال) ومن قال بغير هذا فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجب الزكاة في أقل من خمس أواقى وقد طرحها النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من خمس أواقى (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل ورق رديئة وورق جيدة أخذ من كل واحد منهما بقدر الزكاة التى وجبت عليه من الجيد
بقدره ومن الردئ بقدره (قال) وإن كانت له ورق محمول عليها نحاس أو غش أمرت بتصفيتها وأخذت زكاتها إذا صفت إذا بلغت ما تجب فيه الزكاة وإذا تطوع فأدى عنها ورقا غير محمول عليه الغش دونها قبل منه وأكره له الورق المغشوش لئلا يغر به أحدا أو يموت فيغر به وارثه أحدا (قال
__________
(1) وليس، كذا في النسخ بالواو، ولعلها ثبتت لكون هذه الجملة بقية حديث كما لا يخفى.
كتبه مصححه.(2/42)
الشافعي) ويضم الورق التبر إلى الدراهم المضروبة (قال) وإذا كانت لرجل فضة قد خلطها بذهب كان عليه أن يدخلها النار حتى يميز بينهما فيخرج الصدقة من كل واحد منهما وإن أخرج الصدقة من كل واحد منهما على قدر ما أحاط به فلا بأس وكذلك إن لم يحط علمه فاحتاط حتى يستيقين أن قد أخرج من كل واحد منهما ما فيه أو أكثر فلا بأس (قال) وإن ولى أخذ ذلك منه الوالى لم يكن له قبول هذا منه إلا أن يحلف على شئ يحيط به فيقبله منه، فاما ما غاب علمه عنه فلا يقبل ذلك منه فيه حتى يقول له أهل العلم لا يكون فيه أكثر مما قال وإن لم يقولوا له لم يحلف على إحاطة أدائه عليه فأخذ من كل واحد منهما الصدقة بقدر ما فيه (قال الشافعي) وإن كانت له فضة ملطوخة على لجام أو مموه بها سقفه فكانت تميز فتكون شيئا إن جمعت بالنار فعليه إخراج الصدقة عنها وإن لم تكن تميز ولا تكون شيئا فهى مستهلكة فلا شئ عليه فيها (قال الشافعي) وإن كانت لرجل أقل من خمس أواقى فضة حاضرة وما يتم خمس أواقى فضة دينا أو غائبة في تجارة أحصى الحاضرة وانتظر الدين فإذا اقتضاه وقوم العرض الذى في تجارة فبلغ ذلك كله ما يؤدى فيه الزكاة أداها (قال الشافعي) وزكاة الورق والذهب ربع عشره لا يزاد عليه ولا ينقص منه (قال الشافعي) وإذا بلغ الورق والذهب ما تجب فيه الزكاة أخذ ربع عشره وما زاد على أقل ما تجب فيه الزكاة أخذ ربع عشره ولو كانت الزيادة قيراطا أخذ ربع عشره.
(باب زكاة الذهب) (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: ولا أعلم اختلافا في أن ليس في الذهب صدقة حتى
يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغت عشرين مثقالا ففيها الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله والقول في أنها إنما تؤخذ منها الزكاة بوزن كان الذهب جيدا أو رديئا أو دنانير أو إناء أو تبرا، كهو في الورق وأن الدنانير إذا نقصت عن عشرين مثقالا حبة أو أقل من حبة وإن كانت تجوز كما تجوز الوازنة أو كان لها فضل على الوازنة لم يؤخذ منها زكاة لان الزكاة بوزن وفيما خلط به الذهب وغاب منها وحضر كالقول في الورق لا يختلف في شئ منه (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل عشرون مثقالا من ذهب إلا قيراطا أو خمس أواقى فضة إلا قيراطا لم يكن في واحد منهما زكاة ولا يجمع الذهب إلى الورق ولا الورق إلى الذهب ولا صنف مما فيه الصدقة إلى صنف (قال) وإذا لم يجمع التمر إلى الزبيب وهما يخرصان ويعشران وهما حلوان معا وأشد تقاربا في الثمر والخلقة من الذهب إلى الورق فكيف يجوز لاحد أن يغلظ بأن يجمع الذهب إلى الفضة ولا يشتبهان في لون ولا ثمن ويحل الفضل في أحدهما على الآخر فكيف يجوز أن يجمعا؟ من جمع بينهما فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه قال " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " فأخذ هذا في أقل من خمس أواق فإن قال: قد ضممت إليها غيرها قيل: فضم إليها ثلاثين شاة أو أقل من ثلاثين بقرة فإن قال لا أضمها وإن كانت مما فيه الصدقة لانها ليست من جنسها فكذلك الذهب ليس من جنس الفضة ولا يكون على رجل زكاة في ذهب حتى يكون عشرين دينارا في أول الحول وآخره، فإن نقصت من عشرين قبل الحول بيوم ثم تمت عشرين لم يكن فيها زكاة حتى يستقبل بها حول من يوم تتم (قال) وإذا اتجر رجل في الذهب فأصاب ذهبا فضلا لم يضم الذهب الفضل إلى الذهب قبله والذهب قبله على حوله، ويستقبل بالفضل حولا من يوم أفاد كالفائدة غيره من غير ربح الذهب، وهكذا هذا في الورق لا يختلف.(2/43)
(باب زكاة الحلى) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تلى بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلى ولا تخرج منه الزكاة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبى مليكة أن عائشة رضى الله عنها كانت تحلى بنات أخيها بالذهب والفضة لا تخرج زكاته أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحلى بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج منه الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد الله عن الحلى: أفيه زكاة؟ فقال جابر: لا فقال وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير (قال الشافعي) ويروى عن ابن عباس وأنس بن مالك ولا أدرى أثبت عنهما معنى قول هؤلاء: ليس في الحلى زكاة؟ ويروى عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص أن في الحلى زكاة (قال الشافعي) المال الذى تجب فيه الصدقة بنفسه ثلاث عين، ذهب، وفضة وبعض نبات الارض، وما أصيب في أرض من معدن وركاز وماشية (قال) وإذا كان لرجل ذهب أو ورق، في مثلها زكاة، فالزكاة فيها عينا يوم يحول عليها الحول كإن كانت له مائتا درهم تسوى عشرة دنانير ثم غلت فصارت تسوى عشرين دينارا ورخصت فصارت تسوى دينارا فالزكاة فيها نفسها وذلك الذهب فإن اتجر في المائتي درهم فصارت ثلثمائة درهم قبل الحول ثم حال عليها الحول زكى المائتين لحولها والمائة التى زادتها لحولها ولا يضم ما ربح فيها إليها لانه شئ ليس منها (قال الشافعي) وهذا يخالف أن يملك مائتي درهم ستة أشهر ثم يشترى بها عرضا للتجارة فيحول الحول والعرض في يده فيقوم العرض بزيادته أو نقصه لان الزكاة حينئذ تحولت في العرض بنية التجارة وصار العرض كالدراهم يحسب عليه حول الدراهم فيه فإذا نض ثمن العرض بعد الحول أخذت الزكاة من ثمنه بالغا ما بلغ لان الحول قد حال عليه وعلى الاصل الذى كانت فيه الزكاة فاشترى به (قال الشافعي) ولكن لو نض ثمن العرض قبل الحول فصار دراهم لم يكن في زيادته زكاة حتى يحول عليه الحول وصار الحكم إلى الدراهم لانها كانت في أول سنة وآخرها دراهم وحالت عن العرض (قال الشافعي) وهذا يخالف نماء الماشية قبل الحول ويوافق نماءها بعد الحول وقد كتبت نماء الماشية في الماشية (قال الشافعي) والخلطاء في الذهب والفضة كالخلطاء في الماشية والحرث لا يختلفون (قال الشافعي) وقد قيل في الحلى صدقة وهذا ما أستخير الله عزوجل فيه (قال الربيع) قد استخار الله عز
وجل فيه أخبرنا الشافعي وليس في الحلى زكاة، ومن قال في الحلى صدقة قال هو وزن من فضة قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل وزنه صدقة ووزن من ذهب قد جعل المسلمون فيه صدقة (قال الشافعي) ومن قال فيه زكاة فكان منقطعا منظموما بغيره ميزه ووزنه وأخرج الزكاة منه بقدر وزنه أو احتاط فيه حتى يعلم أنه قد أدى جميع ما فيه أو أداه وزاد (1) وقال فيما وصفت فيما موه بالفضة وزكاة حلية السيف والمصحف والخاتم وكل ذهب وفضة كان يملكه بوجه من الوجوه (قال الشافعي) ومن قال لا زكاة في الحلى ينبغى أن يقول لا زكاة فيما جاز أن يكون حليا ولا زكاة في خاتم رجل من فضة ولا حلية سيفه ولا مصحفه ولا منطقته إذا كان من فضة فإن اتخذه من ذهب أو اتخذ لنفسه حلى
__________
(1) قوله: وقال فيما وصفت الخ كذا في النسخ وانظر، وحرر.
كتبه مصححه.(2/44)
المرأة أو قلادة أو دملجين أو غيره من حلى النساء ففيه الزكاة لانه ليس له أن يتختم ذهبا ولا يلبسه في منطقة ولا يتقلده في سيف ولا مصحف وكذلك لا يلبسه في درع ولاقباء ولا غيره بوجه، وكذلك ليس له أن يتحلى (1) مسكتين ولا خلخالين ولا قلادة من فضة ولا غيرها (قال الشافعي) وللمرأة أن تتحلى ذهبا وورقا ولا يجعل في حليها زكاة من لم ير في الحلى زكاة (قال الشافعي) وإذا اتخذ الرجل أو المرأة إناء من ذهب أو ورق زكياه في القولين معا، فإن كان إناء فيه ألف درهم قيمته مصوغا ألفان فإنما زكاته على وزنه لا على قيمته (قال) وإذا انكسر حليها فأرادت إخلافه أو لم ترده فلا زكاة فيه في قول من لم ير في الحلى زكاة إلا أن تريد إذا انكسر أن تجعله مالا تكتنزه فتزكيه (قال) وإذا اتخذ الرجل أو المرأة آنية ذهب أو فضة ففيها الزكاة في القولين معا ولا تسقط الزكاة في واحد من القولين إلا فيما كان حليا يلبس (قال الشافعي) وإن كان حليا يلبس أو يدخر أو يعار أو يكرى فلا زكاة فيه، وسواء في هذا كثر الحلى لامرأة أو ضوعف أو قل وسواء فيه الفتوخ والخواتم والتاج وحلى العرائس وغير هذا من الحلى (قال الشافعي) ولو ورث رجل حليا أو اشتراه فأعطاه امرأة من أهله أو خدمه هبة أو عارية أو أرصده لذلك لم يكن عليه زكاة في قول من قال لا زكاة في الحلى إذا أرصده لمن يصلح له، فإن لم يرد هذا أو أراده ليلبسه فعليه فيه الزكاة لانه ليس له لبسه وكذلك إن أراده ليكسره.
(باب مالا زكاة فيه من الحلى)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وما يحلى النساء به أو ادخرنه أو ادخره الرجال من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ومرجان وحلية بحر وغيره فلا زكاة فيه، ولا زكاة إلا في ذهب أو ورق، ولا زكاة في صفر ولا حديد ولا رصاص ولا حجارة ولا كبريت ولا مما أخرج من الارض، ولا زكاة في عنبر ولا لؤلؤ أخذ من البحر.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: ليس في العنبر زكاة إنما هو شئ (2) دسره البحر.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شئ ففيه الخمس (قال الشافعي) ولا شئ فيه ولا في مسك ولا غيره مما خالف الركاز والحرث والماشية والذهب والورق.
(باب زكاة المعادن) (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا عمل في المعادن فلا زكاة في شئ مما يخرج منها إلا ذهب أو ورق فأما الكحل والرصاص والنحاس والحديد والكبريت (3) والموميا وغيره فلا زكاة فيه (قال
__________
(1) مسكتين: تثنية مسكة بالتحريك وهى السوار من الذبل والقرون والعاج، والذبل، بالفتح، جلد السلحفاة يجعل منه الامشاط والمسك، كذا في الكتب اللغة، كتبه مصححه.
(2) دسره البحر: أي دفعه الموج وألقاه إلى الشط فلا زكاة فيه.
(3) الموميا: لفظ يونانى معناه حافظ الاجساد وهو ماء أسود كالقار يقطر من سقف غور من بلد بأعمال أصطخر بفارس فيجمد قطعا، ويوجد نوع منه بساحل البحر الغربي من أعمال قرطبة وبمواضع غير ذلك.
كذا في تذكرة داود.(2/45)
الشافعي) وإذا خرج منها ذهب أو ورق فكان غير متميز حتى يعالج بالنار أو الطحن أو التحصيل فلا زكاة فيه حتى يصير ذهبا أو ورقا ويميز ما اختلط به من غيره (قال الشافعي) فإن سأل رب المعدن المصدق أن يأخذ زكاته مكايلة أو موازنة أو مجازفة لم يكن له ذلك وإن فعل فذلك مردود وعلى صاحب المعدن إصلاحه حتى يصير ذهبا أو ورقا ثم تؤخذ منه الزكاة (قال) وما أخذ منه المصدق قبل أن
يحصل ذهبا أو ورقا فالمصدق ضامن له والقول فيما كان فيه من ذهب أو ورق قول المصدق مع يمينه إن استهلكه وإن كان في يده فقال: هذا الذى أخذت منك، فالقول قوله (قال الشافعي) ولا يجوز بيع تراب المعادن بحال لانه فضة أو ذهب مختلط بغيره غير متميز منه (قال الشافعي) وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن المعادن ليس بركاز وأن فيها الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث بن المزني معادن (1) القبلية وهى من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها الزكاة إلى اليوم (قال الشافعي) ليس هذا مما يثبته أهل الحديث رواية ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وقد ذهب بعض أهل ناحيتنا إلى أن في المعادن الزكاة (قال) وذهب غيرهم إلى أن المعادن ركاز فيها الخمس (قال) فمن قال في المعادن الزكاة، قال ذلك فيما خرج من المعادن فيما تكلفت فيه المؤنة فيما يحصل ويطحن ويدخل النار (قال) ولو قاله فيما يوجد ذهبا مجتمعا في المعادن وفى البطحاء في أثر السيل مما يخلق في الارض كان مذهبا ولو فرق بينه فقال كل هذا ركاز لان الرجل إذا أصاب البدرة المجتمعة في المعادن قيل قد أركز وقاله فيما يوجد في البطحاء في أثر المطر وجعله ركازا دون ما وصفت مما لا يوصل إليه إلا بتحصيل وطحن كان مذهبا (قال الشافعي) وما قيل منه فيه الزكاة فلا زكاة فيه حتى يبلغ الذهب منه عشرين مثقالا والورق منه خمس أواق (قال) ويحصى منه ما أصاب في اليوم والايام المتتابعة ويضم بعضه إلى بعض إذا كان عمله في المعدن متتابعا، وإذا بلغ ما تجب فيه الزكاة زكاه (قال الشافعي) وإذا كان المعدن غير (2) حاقد فقطع العامل العمل فيه ثم استأنفه لم يضم ما أصاب بالعمل الآخر إلى ما أصاب بالعمل الاول قل قطعه أو كثر والقطع ترك العمل بغير عذر أداة أو علة مرض، فإذا كان العذر أداة أو علة من مرض متى أمكنه عمل فيه فليس هذا قاطعا لان العمل كله يكون هكذا.
وهكذا لو تعذر عليه أجراؤه أو هرب عبيده فكان على العمل فيه كان هذا غير قطع ولا وقت فيه إلا ما وصفت، قل أو كثر (قال الشافعي) ولو تابع العمل في المعدن فحقد ولم يقطع العمل فيه ضم ما أصاب منه بالعمل الآخر إلى العمل الاول لانه عمل كله، وليس في كل يوم سبيل
للمعدن ولو قطع العمل ثم استأنفه لم يضم ما أصاب منه بالعمل الآخر إلى ما أصاب بالعمل الاول، ولا وقت في قليل قطعه ولا كثيره إلا ما وصفت مع القطع وغير القطع.
__________
(1) القبلية: بفتح القاف والباء نسبة إلى قبل من ناحية الفرع بضم الفاء وسكون الراء موضع بين نخلة والمدينة كذا في كتب اللغة.
(2) حاقد: قال ابن الاعرابي: حقد المعدن إذا لم يخرج منه شئ وذهبت منالته، ومعدن حاقد إذا لم ينل شيئا الجوهرى.
وأعتقد القوم إذا طلبوا من المعدن شيئا فلم يجدوا اه.
كذا في اللسان.
كتبه مصححه.(2/46)
(باب زكاة الركاز) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وفى الركاز الخمس " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الركاز الخمس " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب وأبى سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الركاز الخمس " أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن داود بن شابور ويعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل في خربة جاهلية " إن وجدته في قرية مسكونة أو سبيل (1) ميتاء فعرفه وإن وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذى لا أشك فيه أن الركاز دفن الجاهلية (قال الشافعي) والذى أنا واقف فيه الركاز في المعدن وفى التبر المخلوق في الارض (قال) والركاز الذى فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لاحد في الارض التى من أحياها كانت له من بلاد الاسلام ومن أرض الموات وكذلك هذا في الارض من بلاد الحرب ومن بلاد الصلح إلا أن يكونوا صالحوا على ملك مواتها، فمن وجد دفنا من دفن الجاهلية في موات، فأربعة
أخماسه له والخمس لاهل سهمان الصدقة (قال الشافعي) وإن وجد ركازا في أرض ميتة يوم وجده وقد كانت حية لقوم من أهل الاسلام أو العهد كان لاهل الارض، لانها كانت غير موات كما لو وجده في دار خربة لرجل كان للرجل (قال الشافعي) وإذا وجده في أرض الحرب في أرض عامرة لرجل أو خراب قد كانت عامرة لرجل فهو غنيمة، وليس بأحق به من الجيش وهو كما أخذ من منازلهم (قال الشافعي) وإذا أقطع الرجل قطيعة في بلاد الاسلام فوجد رجل فيها ركازا فهو لصاحب القطيعة وإن لم يعمرها لانها مملوكة له (قال الشافعي) وإذا وجد الرجل في أرض الرجل أو داره ركازا فادعى صاحب الدار أنه له فهو له بلا يمين عليه وإن قال صاحب الدار: ليس لى، وكان ورث الدار قيل إن ادعيته للذى ورثت الدار منه فهو بينك وبين ورثته وإن وقفت عن دعواك فيه أو قلت ليس لمن ورثت عنه الدار، كان لمن بقى من ورثة مالك الدار أن يدعوا ميراثهم ويأخذوا منه بقدر مواريثهم (قال الشافعي) وإن ادعى ورثة الرجل أن هذا الركاز لهم، كان القول قولهم (قال الشافعي) وإن أنكر الورثة أن يكون لابيهم كان للذى ملك الدار قبل أبيهم وورثته إن كان ميتا فإن أنكر إن كان حيا أو ورثته إن كان ميتا أن يكون له، كان للذى ملك الدار قبله أبدا هكذا، ولم يكن للذى وجده (قال الشافعي) وإن وجد الرجل الركاز في دار رجل وفيها ساكن غير ربها وادعى رب الدار الركاز له فالركاز للساكن كما يكون للساكن المتاع الذى في الدار (2) الذى ببناء ولا متصل ببناء (قال الشافعي) ودفن الجاهلية ما عرف أن أهل الجاهلية كانوا يتخذونه من ضرب الاعاجم وحليتهم وحلية غيرهم من أهل الشرك (قال الشافعي) وسواء ما وجد ذلك في قبر وغيره إذا كان في موضع لا يملكه أحد (قال الشافعي) فإن كان
__________
(1) ميتاء: بكسر الميم والياء بعدها، تهمز ولا تهمز، مفعال من " الاتيان " وهو الطريق العامر الذى يسلكه كل أحد.
كذا في اللسان.
كتبه مصححه.
(2) قوله: الذى ببناء، كذا في جميع النسخ، ولعل فيه سقطا من النساخ، والوجه " الذى ليس ببناء " كتبه مصححه.(2/47)
لاهل الجاهلية والشرك عمل أو ضرب قد عمله أهل الاسلام وضربوه أو وجد شئ من ضرب الاسلام
أو عملهم لم يضربه ولم يعمله أهل الجاهلية فهو لقطة وإن كان مدفونا أو وجد في غير ملك أحد عرف وصنع فيه ما يصنع في اللقطة (قال الشافعي) وإذا وجد في ملك رجل فهو له والاحتياط لمن وجد ما يعمل أهل الجاهلية والاسلام أن يعرفه فإن لم يفعل أن يخرج خمسه ولا أجبره على تعريفه فإن كان ركازا أدى ما عليه فيه وإن لم يكن ركازا فهو متطوع بإخراج الخمس وسواء ما وجد من الركاز في قبر أو دار أو خربة أو مدفونا أو في بنائها.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا إسمعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال جاء رجل إلى على رضى الله تعالى عنه فقال: إنى وجدت ألفا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد فقال على كرم الله وجهه: أما لاقضين فيها قضاء بينا، إن كنت وجدتها في خربة يؤدى خراجها قرية أخرى فهى لاهل تلك القرية وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدى خراجها قرية أخرى فلك أربعة أخماسه ولنا الخمس ثم الخمس لك (قال الشافعي) ولو وجد ركازا في أرض غير مملوكة فأخذ الوالى خمسه وسلم له أربعة أخماسه ثم أقام رجل بينة عليه أنه له، أخذ من الوالى وأخذ من واجد الركاز جميع ما أخذ (1) وإن استهلكها معا ضمن صاحب الاربعة الاخماس الاربعة الاخماس في ماله وإن كان الوالى دفعه إلى أهل السهمان أخذ من حق أهل السهمان فدفعه إلى الذى استحقه وذلك أن يأخذ ما يقسم على أهل البلد الذى يقسم فيهم خمس الركاز من ركاز غيره أو صدقات مسلم أي صدقة كانت فيؤديها إلى صاحب الركاز وإن استهلكه لنفسه ضمنه في ماله وكذلك إن أعطاه غير أهل السهمان ضمنه ورجع به على من أعطاه إياه إن شاء (قال الشافعي) وإن هلك الخمس في يده بلا جناية منه وإنما قبضه لاهل السهمان فيغرمه لصاحبه من حق أهل السهمان (قال) وإن عزل الذى قبضه كان على الذى ولى من بعده أن يدفعه إلى صاحبه من حق أهل السهمان (قال الشافعي) وما قلت هو ركاز فهو هكذا وما قلت هو لاهل الدار وهو لقطة فلا تخمس اللقطة وهى للذى وجدها، إذا لم يعترف، وكذلك إذا اعترف لم تخمس (قال الشافعي) وإذا وجد رجل ركازا في بلاد الحرب في أرض موات ليس بملك موات كموات أرض العرب فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس وإن وجده في أرض عامرة يملكها رجل من العدو فهو كالغنيمة وما أخذ من بيوتهم.
(باب ما وجد من الركاز)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا أشك إذا وجد الرجل ركاز ذهبا أو ورقا وبلغ ما يجد منه ما تجب فيه الزكاة أن زكاته الخمس (قال الشافعي) وإن كان ما وجد منه أقل مما تجب فيه الزكاة أو كان ما وجد منه من غير الذهب والورق فقد قيل فيه الخمس (2) ولو كان فيه فخرا أو قيمة درهم أو أقل منه ولا يتبين لى أن أوجبه على رجل ولا أجبره عليه ولو كنت الواجد له لخمسته من أي شئ كان وبالغا ثمنه ما بلغ (قال الشافعي) وإذا وجد الركاز فوجب فيه الخمس فإنما يجب حين يجده كما تجب زكاة المعادن حين يجدها لانها موجودة من الارض وهو مخالف لما استفيد من غير ما يوجد في الارض *
__________
(1) قوله: وإن استهلكها، كذا في النسخ، ولعل فيه تحريفا من النساخ، والوجه " استهلكاه " فانظر.
(2) قوله: ولو كان فيه فخار الخ كذا في النسخ، وانظر، وحرر.
كتبه مصححه.(2/48)
(قال الشافعي) ومن قال ليس في الركاز شئ حتى يكون ما تجب فيه الصدقة فكان حول زكاة ماله في المحرم فأخرج زكاة ماله ثم وجد الركاز في صفر وله مال تجب فيه الزكاة زكي الركاز بالخمس وإن كان الركاز دينارا لان هذا وقت زكاة الركاز وبيده مال تجب فيه الزكاة أو مال إذا ضم إليه الركاز وجبت فيه الزكاة وهذا هكذا إذا كان المال بيده وإن كان مالا دينا أو غائبا في تجارة عرف الوقت الذى أصاب فيه الركاز ثم سأل فإذا علم أن المال الغائب في تجارة كان في يد من وكله بالتجارة فيه فهو ككينونة المال في يده وأخرج زكاة الركاز حين يعلم ذلك ولو ذهب المال الذى كان غائبا عنه وهكذا إذا كان له وديعة في يد رجل أو مدفون في موضع فعلم أنه في الوقت الذى أصاب فيه الركاز في موضعه (قال الشافعي) وهكذا لو أفاد عشرة دنانير فكان حولها في صفر وحول زكاته في المحرم كان كما وصفت في الركاز (قال الشافعي) وإذا وجد الركاز في صفر وله دين على الناس تجب فيه إذا قبضه الزكاة بنفسه وإذا ضم إلى الركاز فليس عليه أن يزكيه حتى يقبضه وعليه طلبه إذا حل وإذا قبضه أو قبض منه ما يفى بالركاز ما تجب فيه الصدقة زكاه (قال الشافعي) من قال هذا القول قال لو أفاد اليوم ركازا لا تجب فيه زكاة وغدا مثله ولو جمعا معا وجبت فيهما الزكاة لم يكن في واحد منهما خمس ولم يجمعا وكانا كالمال يفيده في
وقت تمر عليه سنة ثم يفيد آخر في وقت فتمر عليه سنة ليس فيه الزكاة، فإذا أقام هذا من الركاز في يده هكذا وهو مما تجب فيه الزكاة فحال عليه حول وهو كذلك أخرج زكاته ربع العشر بالحول لا خمسا.
(باب زكاة التجارة) (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبى سلمة عن أبى عمرو بن حماس، أن أباه قال مررت بعمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى عنقي (1) آدمة أحملها فقال عمر " ألا تؤدى زكاتك يا حماس؟ " فقلت يا أمير المؤمنين ما لى غير هذه التى على ظهرى وآهبة في القرظ فقال: " ذاك مال فضع " قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن عجلان عن أبى الزناد عن أبى عمرو بن حماس عن أبيه مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه قال " ليس في العرض زكاة إلا أن يراد به التجارة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن رزيق بن حكيم أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: " أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى تبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا " (قال الشافعي) ويعد له حتى يحول عليه الحول فيأخذ ولا يأخذ منهم حتى يعلموا أن الحول قد حال على ما يأخذ منه (قال الشافعي) ونوافقه في قوله " فإن نقصت
__________
(1) قوله آدمة بوزن أفعلة، جمع أديم كرغيف وأرغفة، وآهبة كذلك جمع إهاب، كسوار وأسورة.
كتبه مصححه.(2/49)
ثلث دينار فدعها ونخالفه في أنها إذا نقصت عن عشرين دينارا أقل من حبة لم نأخذ منها شيئا لان الصدقة إذا كانت محدودة بأن لا يؤخذ إلا من عشرين دينارا، فالعلم يحيط أنها لا تؤخذ من أقل من عشرين دينارا بشئ ما كان الشئ " (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ وهو قول أكثر من حفظت عنه
وذكر لى عنه من أهل العلم بالبلدان (قال الشافعي) والعروض التى لم تشتر للتجارة من الاموال ليس فيها زكاة بأنفسها فمن كانت له دور أو حمامات لغلة أو غيرها أو ثياب كثرت أو قلت أو رقيق كثر أو قل فلا زكاة فيها وكذلك لا زكاة في غلاتها حتى يحول عليها الحول في يدى مالكها وكذلك كتابة المكاتب وغيره لا زكاة فيها إلا بالحول له وكذلك كل مال ماكان ليس بماشية ولا حرث ولا ذهب ولا فضة يحتاج إليه أو يستغنى عنه أو يستغل ماله غلة منه أو يدخره ولا يريد بشئ منه التجارة فلا زكاة عليه في شئ منه بقيمة ولا في غلته ولا في ثمنه لو باعه إلا أن يبيعه أو يستغله ذهبا أو ورقا فإذا حال على ما نض بيده من ثمنه حول زكاه وكذلك غلته إذا كانت مما يزكي من سائمة إبل أو بقر أو غنم أو ذهب أو فضة فأن اكرى شيئا منه بحنطة أو زرع مما فيه زكاة فلا زكاة عليه فيه حال عليه الحول أو لم يحل لانه لم يزرعه فتجب عليه فيه الزكاة وإنما أمر الله عزوجل أن يؤتى حقه يوم حصاده وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع (قال الربيع) قال أبو يعقوب وزكاة الزرع على بائعه لانه لا يجوز بيع الزرع في قول من يجيز بيع الزرع إلا بعد أن يبيض (قال أبو محمد الربيع) وجواب الشافعي فيه على قول من يجيز بيعه فأما هو فكان لا يرى بيعه في سنبله إلا أن يثبت فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتبع (قال الشافعي) ولا اختلاف بين أحد علمته أن من أدى عشر أرضه ثم حبس طعامها أحوالا لم يكن عليه فيه زكاة (قال الشافعي) ومن ملك شيئا من هذه العروض بميراث أو هبة أو وصية أو أي وجوه الملك ملكها به إلا الشراء أو كان متربصا يريد به البيع فحالت عليه أحوال فلا زكاة عليه فيه لانه ليس بمشترى للتجارة (قال الشافعي) ومن اشترى من العروض شيئا مما وصفت أو غيره مما لا تجب فيه الزكاة بعينه بذهب أو ورق أو عرض أو بأى وجوه الشراء الصحيح كان أحصى يوم ملكه ملكا صحيحا فإذا حال عليه الحول من يوم ملكه وهو عرض في يده للتجارة فعليه أن يقومه بالاغلب من نقد بلده دنانير كانت أو دراهم ثم يخرج زكاته من المال الذى قومه به (قال الشافعي) وهكذا إن باع عرضا منه بعرض اشتراه للتجارة قوم العرض الثاني بحوله يوم ملك العرض الاول للتجارة ثم أخرج الزكاة من قيمته وسواء غبن فيما اشتراه منه أو غبن عامة إلا أن يغبن بالمحاباة وجاهلا به لانه بعينه لا اختلاف فيما تجب عليه الزكاة منه (قال الشافعي) وإذا اشترى العرض بنقد تجب فيه الزكاة أو عرض تجب في قيمته
الزكاة حسب ما أقام المال في يده ويوم اشترى العرض كأن المال أو العرض الذى اشترى به العرض للتجارة أقام في يده ستة أشهر ثم اشترى به عرضا للتجارة فأقام في يده ستة أشهر فقد حال الحول على المالين معا، الذى كان أحدهما مقام الآخر وكانت الزكاة واجبة فيهما معا، فيقوم العرض الذى في يده فيخرج منه زكاته (قال الشافعي) فإن كان في يده عرض لم يشتره أو عرض اشتراه لغير تجارة ثم اشترى به عرضا للتجارة لم يحسب ما أقام العرض الذى اشترى به العرض الآخر وحسب من يوم اشترى العرض الآخر فإذا حال الحول من يوم اشتراه زكاه، لان العرض الاول ليس مما تجب فيه الزكاة بحال (قال الشافعي) ولو اشترى عرضا للتجارة بدنانير أو بدارهم أو شئ تجب فيه الصدقة من الماشية وكان أفاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول يوم أفاد ثمن العرض ثم يزكيه بعد الحول (قال الشافعي) ولو أقام هذا العرض في يده ستة أشهر ثم باعه بدراهم أو دنانير فأقامت في(2/50)