وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِيهِمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَجَوَابُ الشَّرْطِ وَرِثَتْهَا الْأُخْرَى
وَإِنْ اشْتَرَتَا أَبَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا الْأَبَ أَبَا الْأَبِ وَعَتَقَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِجَدِّهِمَا أبي الْأَبِ السُّدُسُ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِعُصُوبَةِ النَّسَبِ فَإِنْ مَاتَ الْجَدُّ بَعْدَهُ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْبُنُوَّةِ وَالْبَاقِي نِصْفُهُ لِمُعْتِقَتِهِ مع الْأَبِ لِإِعْتَاقِهَا نِصْفَهُ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا لِإِعْتَاقِهِمَا مُعْتَقَ نِصْفِهِ وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدُ وَخَلَفَتْ الْأُخْرَى فَعَلَى ما مَرَّ صَرَّحَ بِهِ في الْأَصْلِ
وَإِنْ اشْتَرَتَا أُمَّهُمَا ثُمَّ اشْتَرَتْ الْأُمُّ أَبَاهُمَا وَأَعْتَقَتْهُ فَلَهُمَا الْوَلَاءُ عَلَيْهِمَا مُبَاشَرَةً كما لها الْوَلَاءُ عَلَيْهِمَا سِرَايَةً لِأَنَّهَا مُعْتَقَةُ أَبِيهِمَا فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ وَرِثَاهُمَا الثُّلُثَيْنِ بِالْبُنُوَّةِ والباقي بِجِهَةِ الْوَلَاءِ ثُمَّ إذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بَعْدَهُ فَلِلْأُخْرَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَالِهَا النِّصْفُ بِالْأُخُوَّةِ وَنِصْفُ الْبَاقِي بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ مُعْتِقِ أَبِيهَا وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ اشْتَرَتَا أَبَاهُمَا فَاشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا وَالْأَبُ وهو مُعْسِرٌ أَخَاهَا وفي نُسْخَةٍ أَخَاهَا عَتَقَ عليه نِصْفُهُ فَقَطْ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَأَعْتَقَتْ الْمُشْتَرِيَةُ بَاقِيَهُ فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْأُخُوَّةِ وَالْبَاقِي نِصْفُهُ لِلْمُشْتَرِيَةِ لِإِعْتَاقِهَا نِصْفَهُ وَبَاقِيهِ بين الْبِنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُعْتَقَتَا الْأَبِ الذي أَعْتَقَ نِصْفَ الْأَخِ فَهِيَ أَيْ الْقِسْمَةُ من اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَدَدٍ له نِصْفُ نِصْفِ ثُلُثٍ لِمُشْتَرِيَةِ الْأَخِ منها سَبْعَةٌ وَلِلْأُخْرَى خَمْسَةٌ وَلَوْ مَاتَتْ التي لم تَشْتَرِ الْأَخَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ فَمَالُ الْمَيِّتَةِ أَوَّلًا لِأَبِيهَا وَمَالُ الْأَبِ لِابْنِهِ وَبِنْتِهِ أَثْلَاثًا وَمَالُ الْأَخِ نِصْفُهُ لِلْأُخْتِ الْبَاقِيَةِ بِالنَّسَبِ وَنِصْفُ بَاقِيهِ لها بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَهُ وَالْبَاقِي وهو الرُّبُعُ لِلْأَبِ لو كان حَيًّا فَيَكُونُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ أَيْ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُعْتَقَتَاهُ فَلِهَذَا الْأَوْلَى قَوْلُهُ أَصْلُهُ فَلِهَذِهِ نِصْفُهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَيِّتَةِ فَيَكُونُ لِمَوَالِيهَا وَهُمْ هذه الْأُخْتُ وَمَوَالِي الْأُمِّ إنْ كانت مُعْتَقَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْأُمِّ مَوْلًى فَبَيْتُ الْمَالِ بَدَلُهُ
فَرْعٌ أُخْتَانِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِمَا اشْتَرَتَا أُمَّهُمَا فَاشْتَرَتْ الْأُمُّ وَأَجْنَبِيٌّ أَبَاهُمَا وَأَعْتَقَاهُ فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَمَالُهَا لِلْبِنْتَيْنِ ثُلُثَاهُ بِالنَّسَبِ وباقيه لِجِهَةِ الْوَلَاءِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَهَا فَلَهُمَا ثُلُثَاهُ بِالنَّسَبِ وَنِصْفُ الْبَاقِي لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَهُ وَالْبَاقِي لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَتَا مُعْتِقَةِ نِصْفِهِ وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبَوَيْنِ فَنِصْفُ مَالِهَا لِلْأُخْرَى بِالنَّسَبِ وَنِصْفُ الْبَاقِي وهو الرُّبُعُ لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَ أَبِيهَا والربع الْبَاقِي كان لِلْأُمِّ لو كانت حَيَّةً لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ النِّصْفِ الْآخَرِ وَهِيَ الْآنَ مَيِّتَةٌ فَيَصِيرُ الْبَاقِي لِلْأُخْتَيْنِ بِالْوَلَاءِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مُعْتَقَتَاهَا لِلْبَاقِيَةِ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وهو الثُّمُنُ وَلِلْأُخْتِ الْمَيِّتَةِ الْبَاقِي وهو الثُّمُنُ يَرْجِعُ إلَى من له وَلَاؤُهَا وهو الْأَجْنَبِيُّ وَالْأُمُّ وَنَصِيبُ الْأُمِّ يَرْجِعُ إلَى الْحَيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ وَحِصَّةُ الْمَيِّتَةِ تَرْجِعُ إلَى الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ وَهَكَذَا يَدُورُ أَبَدًا وَلِذَلِكَ سُمِّيَ سَهْمَ الدَّوْرِ فَيُجْعَلُ في بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ بِنَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ
وَهَذَا ما قَالَهُ ابن الْحَدَّادِ وَنَقَلَهُ أبو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ عن أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُقْطَعُ السَّهْمُ الدَّائِرُ وهو الثُّمُنُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لم يَكُنْ وَيُقْسَمُ الْمَالُ على بَاقِي السِّهَامِ وهو سَبْعَةٌ من ثَمَانِيَةٍ مَخْرَجُ الثُّمُنِ الدَّائِرِ خَمْسَةٌ لِلْأُخْتِ الْبَاقِيَةِ وَسَهْمَانِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَزَيَّفَ الْإِمَامُ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ وَنِسْبَةَ الدَّوْرِ مَعْلُومَةٌ فَيَجِبُ تَنْزِيلُ السَّهْمِ الدَّائِرِ وَقِسْمَتُهُ على تِلْكَ النِّسْبَةِ وَالثَّانِيَ بِأَنَّ ضَمَّ ما لِلْأُخْتِ بِالنَّسَبِ إلَى حِسَابِ الْوَلَاءِ لَا مَعْنَى له ثُمَّ قال وَالْوَجْهُ إنْ انْفَرَدَ النِّصْفُ وَلَا نُدْخِلُهُ في حِسَابِ الْوَلَاءِ وَيُنْظَرُ في النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْوَلَاءِ فَنَجِدُ نِصْفَهُ لِلْأُمِّ وَنِصْفَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وما لِلْأُمِّ يَصِيرُ لِلْأُخْتَيْنِ ثُمَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا نِصْفُهُ لِلْأُمِّ وَنِصْفُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَنَصِيبُ الْأُمِّ لِلْأُخْتَيْنِ فَبَانَ أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ من النِّصْفِ ضِعْفَ ما لِلْأُخْتِ لِأَنَّهُ مِثْلُ ما لِلْأُمِّ وما لِلْأُمِّ يَتَنَصَّفُ بين الْأُخْتَيْنِ فَالْمَالُ بين الْأَجْنَبِيِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا فَيَحْتَاجُ في التَّأْصِيلِ إلَى عَدَدٍ له نِصْفٌ وَلِنِصْفِهِ ثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ لِلْأُخْتِ نِصْفُهَا بِالنَّسَبِ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ لها منها سَهْمٌ وَلِلْأَجْنَبِيِّ سَهْمَانِ فَالْحَاصِلُ لها الثُّلُثَانِ من سِتَّةٍ وَلِلْأَجْنَبِيِّ الثُّلُثُ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَهَذَا ما عليه الْمُحَقِّقُونَ وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قبل أَيْ قبل مَوْتِ أَبَوَيْهَا فما لها لِأَبَوَيْهَا لِلْأُمِّ منه الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ ثُمَّ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَلِلْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ النِّصْفُ بِالنَّسَبِ وَلَهَا نِصْفُ الْبَاقِي لِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ الْأُمِّ ونصفه الْبَاقِي لِلْأَبِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ مُعْتَقُهُ النِّصْفُ من النَّسَبِ وَلَا دَوْرَ وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالْأُمُّ بَاقِيَةٌ فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَالِهَا
____________________
(4/462)
وَلِلْأُخْتِ نِصْفُهُ وَالْبَاقِي بين الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُمَا مُعْتَقَتَا أَبِيهَا
فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهَا بَعْدَهَا فَنِصْفُ مَالِهَا لِلْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ بِالْبُنُوَّةِ وَلَهَا من النِّصْفِ الْبَاقِي نِصْفُهُ لِأَنَّهَا أَعْتَقَتْ نِصْفَهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ حِصَّةُ الْبِنْتِ الْمَيِّتَةِ لو كانت حَيَّةً هِيَ الْآنَ مَيِّتَةً فَيَكُونُ لِمَوَالِيهَا وَهُمَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْأُمُّ لَكِنَّ الْأُمَّ مَيِّتَةٌ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُهُ وهو الثُّمُنُ يَبْقَى من يَرْجِعُ إلَى الْأُخْتَيْنِ لِإِعْتَاقِهِمَا الْأُمَّ وهو سَهْمُ دَوْرٍ يَرْجِعُ لِبَيْتِ الْمَالِ على ما مَرَّ وَعَلَى ما عليه الْمُحَقِّقُونَ لِلْأَجْنَبِيِّ سُدُسُ الْمَالِ وَلِلْأُخْتِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ إذْ لها مع النِّصْفِ بِالْبُنُوَّةِ نِصْفُ الْبَاقِي بِالْوَلَاءِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا إذْ له منه ضِعْفُ مَالَهَا منه فَيَحْتَاجُ إلَى عَدَدٍ له نِصْفٌ وَلِنِصْفِهِ نِصْفُ ثُلُثٍ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَةَ لِلْأُخْتِ منها عَشَرَةٌ وَلِلْأَجْنَبِيِّ اثْنَانِ وَيَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سِتَّةٍ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضِيِّينَ قالوا إنَّمَا يَحْصُلُ الدَّوْرُ في الْوَلَاءِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ تَعَدُّدُ الْمُعْتَقِ وَتَعَدُّدُ من مَاتَ في الْمَسْأَلَةِ وَأَنْ لَا يَحُوزَ الْبَاقِي منهم إرْثَ الْمَيِّتِ قَبْلَهُ وَأَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا أُخَرَ نَاشِئَةً من مَوْتِ الْأَبَوَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ بِتَرَتُّبٍ أو مَعِيَّةٍ أو اخْتِلَافٍ مِنْهُمَا وَعَلَى التَّقَادِيرِ إمَّا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ بَاقِيَةً أو لَا فَعَلَيْك بِتَفْصِيلِ ذلك
فَصْلٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ لو أَعْتَقَ عَتِيقٌ أَبَا مُعْتِقِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ على الْآخَرِ
وَإِنْ أَعْتَقَ أَجْنَبِيٌّ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ فَاشْتَرَتَا أَبَاهُمَا فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الْأُخْرَى لِأَنَّ عَلَيْهِمَا أَيْ على كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَاءَ مُبَاشَرَةٍ فإذا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَلِلْأُخْرَى نِصْفُ ما لها بِالْأُخُوَّةِ وَالْبَاقِي لِمُعْتَقِهَا بِالْوَلَاءِ
وَلَوْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ بَعْضَ أبيه ثُمَّ عَتَقَ بِعِتْقِهِ لم يَسْرِ الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ لِأَنَّهُ عَتَقَ لَا بِاخْتِيَارِهِ بَلْ ضِمْنًا كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا وفي الْكِتَابَةِ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ ثُمَّ السِّرَايَةُ وَجَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ
وَلَوْ قال لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَ وهو مُسْتَأْجِرٌ أو مَغْصُوبٌ أو غَائِبٌ عَلِمَهُ حَيًّا نَفَذَ الْعِتْقُ وَالْأُولَيَانِ تَقَدَّمَتَا في الْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ قَطْعًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلِمَهُ حَيًّا
وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ على وَجْهِ السُّخْرِيَةِ قُمْ يا حُرُّ حُكِمَ عليه بِعِتْقِهِ لِخَبَرِ ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَمِنْهَا الْعَتَاقُ
وَإِعْتَاقُ مُضْغَةٍ لَغْوٌ إذَا لم يُنْفَخْ فيها الرُّوحُ وفي نُسْخَةٍ إعْتَاقُ مُضْغَةٍ لم يُنْفَخْ فيها الرُّوحُ لَغْوٌ فَإِنْ قال مُضْغَةُ أَمَتِي حُرٌّ فَهُوَ إقْرَارٌ بِانْعِقَادِهِ أَيْ الْوَلَدِ حُرًّا فَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا صَارَتْ له أُمَّ وَلَدٍ وَإِلَّا فَلَا تَصِيرُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حُرٌّ من وَطْءِ أَجْنَبِيٍّ بِشُبْهَةٍ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ وَصَوَابُهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّ هذه الْمُضْغَةَ منه قال وَقَوْلُهُ مُضْغَةُ أَمَتِي حُرٌّ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِقْرَارِ فَقَدْ يَكُونُ لِلْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْت مُضْغَتَهَا أَيْ فَيَلْغُو لِمَا مَرَّ وَظَاهِرٌ أَنَّ ما صَوَّبَهُ غَيْرُ كَافٍ أَيْضًا حتى يَقُولَ عَلِقْت بها في مِلْكِي أو نَحْوِهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ في الْإِقْرَارِ
وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ قُلْ عِنْدَ الناس أنا حُرٌّ لم يَعْتِقْ بَلْ هو أَمْرٌ بِكَذِبٍ أو قال له اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ أو قال له أَعْتَقَك اللَّهُ فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ له بِالْإِعْتَاقِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ فِيهِمَا وَقِيلَ يَعْتِقُ فِيهِمَا وَتَرْجِيحُ التَّفْصِيلِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في الْبَابِ الثَّانِي من الطَّلَاقِ من أَنَّ قَوْلَهُ لِأَمَتِهِ أَعْتَقَك اللَّهُ صَرِيحٌ في الْعِتْقِ أَنَّهُ يَعْتِقُ في الثَّانِيَةِ أَيْضًا وهو الْأَوْجَهُ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاعَك اللَّهُ وَأَقَالَك
وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ من عَبِيدِهِ بِبِشَارَةٍ فَأَرْسَلَ عَبْدٌ من عَبِيدِهِ عَبْدًا آخَرَ منهم لِسَيِّدِهِ لِيُبَشِّرَهُ فقال له عَبْدُك فُلَانٌ يُبَشِّرُك بِكَذَا وَأَرْسَلَنِي لِأُخْبِرَك عَتَقَ الْمُرْسِلُ لِأَنَّهُ الْمُبَشِّرُ لَا الرَّسُولُ
وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً بِأَنْ قال إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَيْنِ في صَفْقَةٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُهُمَا فَاشْتَرَى ثَلَاثَةً صَفْقَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِإِعْتَاقِ اثْنَيْنِ منهم لِوُجُودِ الصِّفَةِ هذا إنْ قَصَدَ الشُّكْرَ على حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ من تَمَلُّكِهِمَا فَهَذَا نَذْرٌ لُجَاجٌ كما عُلِمَ من بَابِ النَّذْرِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
وَلَا يَعْتِقُ على رَجُلٍ وَلَدُ زِنَاهُ بِمِلْكِهِ له لِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ
وَإِنْ قال لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ مِثْلُ هذا وَأَشَارَ إلَى عَبْدِهِ الْآخَرِ عَتَقَا كَذَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ عِتْقَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ لَفْظَتَيْ حُرٌّ وَمِثْلُ خَبَرَانِ عن أنت مُسْتَقِلَّانِ لَا ارْتِبَاطَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ لِأَنَّ الْمِثْلَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ما يَثْبُتُ لِلْآخَرِ وَيَسْتَحِيلُ عليه ما يَسْتَحِيلُ على الْآخَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَعِتْقُ الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْمُؤَاخَذَةِ حتى لو كان كَاذِبًا لم يَعْتِقْ بَاطِنًا
فَإِنْ قال له أَنْت حُرٌّ مِثْلُ هذا الْعَبْدِ عَتَقَ الْمُخَاطَبُ فَقَطْ
____________________
(4/463)
لِأَنَّ وَصْفَ الثَّانِي بِالْعَبْدِيَّةِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قال لِرَجُلٍ أَنْت تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ وَتَقَدَّمَ في الْبَابِ الثَّانِي من أَبْوَابِ الطَّلَاقِ أَوَاخِرَ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ منه ما يُشْبِهُ ذلك مع الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَا إنْ قال له أَنْت تَظُنُّ أو تَرَى أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ فَلَا يَعْتِقُ وَيُفَارِقُ الْأُولَى بِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ حُرًّا فيها لم يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ وقد اعْتَرَفَ بِعِلْمِهِ وَالظَّنُّ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ في صُورَتَيْ تَظُنُّ وَتَرَى وَيَعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ
وَإِنْ وَلَدَتْ عَتِيقَةٌ تَحْتَ رَقِيقٍ وَلَدًا فَمَاتَ فَثُلُثُ مِيرَاثِهِ لِأُمِّهِ وَالْبَاقِي لِمَوَالِيهَا لِوَلَائِهِمْ عليه فَإِنْ وُلِدَ له أَيْ لِلرَّقِيقِ من حُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَدٌ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ مَوْتِهِ اسْتَرَدَّهُ أَيْ الْبَاقِيَ من الْمَوَالِي لِتَقَدُّمِ عَصَبَةِ النَّسَبِ على عَصَبَةِ الْوَلَاءِ أو وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدُ قال الرَّافِعِيُّ وَلِيَجِيءَ فيه التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بين افْتِرَاشِ الزَّوْجِ وَعَدَمِهِ
وَإِنْ قال السَّيِّدُ لِضَارِبِ عَبْدِهِ مُعَاتِبًا له على الضَّرْبِ عبد غَيْرِك حُرٌّ مِثْلَك لم يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ لم يُعَيِّنْهُ وَقَوْلُهُ إنْ وَلَدَتْ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ
وَلَوْ وَكَّلَهُ في عِتْقِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ عَتَقَ ولم يَسْرِ إلَى بَاقِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ كان الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ شَيْءٌ لَكِنْ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ أَوْجَبَ تَنْفِيذَ ما أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ ولم تَتَرَتَّبْ السِّرَايَةُ على ما يَثْبُتُ عِتْقُهُ على خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِأَنَّ عِتْقَ السِّرَايَةِ قد لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَفُوتُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ قد يُوَكِّلُهُ في عِتْقِهِ عن الْكَفَّارَةِ فَلَوْ نَفَّذْنَا عِتْقَ بَعْضِهِ بِالسِّرَايَةِ لَمَا أَجْزَأَ عن الْكَفَّارَةِ وَلَاحْتَاجَ الْمَالِكُ إلَى نِصْفِ رَقَبَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ما إذَا قُلْنَا بِعِتْقِ النِّصْفِ فَقَطْ فإن النِّصْفَ الْآخَرَ يُمْكِنُ عِتْقُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ عن الْكَفَّارَةِ
وَلَوْ قال رَجُلٌ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ في عَبْدٍ أو الشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ فيه أَعْتِقْ نَصِيبَك عَنِّي بِكَذَا فَفَعَلَ فَوَلَاؤُهُ لِلْآمِرِ بِهِ وَقُوِّمَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ على الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِغَرَضِهِ وهو الْعِوَضُ الذي يَحْصُلُ له وقال النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عليه لِأَنَّهُ لم يَعْتِقْ عنه
كِتَابُ التَّدْبِيرِ هو لُغَةً النَّظَرُ في الْعَوَاقِبِ وَشَرْعًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الذي هو دُبُرُ الْحَيَاةِ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَسُمِّيَ تَدْبِيرًا من الدُّبُرِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ دُنْيَاهُ بِاسْتِخْدَامِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا مَرْدُودٌ إلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ في الْأَمْرِ مَأْخُوذٌ من لَفْظِ الدُّبُرِ أَيْضًا وكان مَعْرُوفًا في الْجَاهِلِيَّةِ في مَعْنَاهُ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ على ما كان وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا ليس له مَالٌ غَيْرُهُ فَبَاعَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَقْرِيرُهُ له وَعَدَمُ إنْكَارِهِ يَدُلُّ على جَوَازِهِ وَاسْمُ الْغُلَامِ يَعْقُوبُ وَمُدَبِّرُهُ أبو مَذْكُورٍ
وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ وَالْأَهْلُ فَالْمَحَلُّ الرَّقِيقُ وَلَوْ مُكَاتَبًا لَا مُسْتَوْلَدَةً فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ بِجِهَةٍ أَقْوَى من التَّدْبِيرِ وَالصِّيغَةُ صَرِيحُهَا ما لَا يَحْتَمِلُ غير التَّدْبِيرِ كَأَنْتَ حُرٌّ أو أَعْتَقْتُك أو حَرَّرْتُك بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا دَبَّرْتُك أو أنت مُدَبَّرٌ أو إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أو عَتِيقٌ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَالْكِنَايَةُ ما يَحْتَمِلُ التَّدْبِيرَ وَغَيْرَهُ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك
____________________
(4/464)
أو حَبَسْتُك بَعْدَ مَوْتِي مع نِيَّةِ الْعِتْقِ وقوله دَبَّرْت نِصْفَك مَثَلًا صَحِيحٌ فإذا مَاتَ عَتَقَ ذلك الْجُزْءُ وَلَا يَسْرِي إلَى بَاقِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَسْرِي على الْمَيِّتِ لِإِعْسَارِهِ كما مَرَّ وقوله دَبَّرْت يَدَك مَثَلًا هل هو لَغْوٌ يَعْنِي ليس بِصَرِيحٍ أَمْ تَدْبِيرٌ صَحِيحٌ في جَمِيعِهِ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ في الْقَذْفِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وهو الظَّاهِرُ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُهُ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أو لَسْت بِحُرٍّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لم يَجْزِمْ بِهِ كَمِثْلِهِ في الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ في قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أو لَسْت بِطَالِقٍ وَقَوْلِهِ أنت حُرٌّ أو لَسْت بِحُرٍّ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ تَقَدَّمَ في الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا على سَبِيلِ الْإِقْرَارِ لم تَطْلُقْ أو في مَعْرِضِ الْإِنْشَاءِ طَلُقَتْ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاجَعَ السَّيِّدُ هُنَا بِإِرَادَتِهِ وَيُحْمَلُ ما ذُكِرَ على ما إذَا أَطْلَقَ أو جُهِلَتْ إرَادَتُهُ انْتَهَى
فَرْعٌ يَصِحُّ التَّدْبِيرُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ في الْمَوْتِ كما يَصِحُّ مُطْلَقًا كَإِنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا أو في سَفَرِي هذا أو في هذا الْبَلَدِ أو حَتْفَ أَنْفِي فَأَنْتَ حُرٌّ وَيُقَيِّدُ بِهِ عَمَلًا بِتَقْيِيدِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ الْخَالِي عَمَّا قَيَّدَ بِهِ وَمَحَلُّ صِحَّتِهِ مُقَيَّدًا أَنْ يُمْكِنَ وُجُودُ ما قَيَّدَ بِهِ فَلَوْ قال إنْ مِتُّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ بِتَدْبِيرٍ على الصَّحِيحِ في الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ
وقوله أَنْت حُرٌّ بَعْدَ أو قبل مَوْتِي بِيَوْمٍ أو شَهْرٍ أو إذَا مِتُّ وَمَضَى يَوْمٌ أو شَهْرٌ فَأَنْت حُرٌّ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ لَا تَدْبِيرٌ كَسَائِرِ التَّعَالِيقِ فَلَا يَرْجِعُ فيه بِالْقَوْلِ قَطْعًا بَلْ ما ذُكِرَ من أَنَّ الْمُقَيَّدَ بِقَيْدٍ في الْمَوْتِ تَدْبِيرٌ وَإِنْ جَرَى عليه الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ ليس تَدْبِيرًا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عن ابْنِ كَجٍّ عن النَّصِّ ثُمَّ قال وَكَأَنَّهُ مَصِيرٌ إلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ إلَى مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَعِبَارَةُ الْبُوَيْطِيِّ وَإِنْ قال أَنْت حُرٌّ إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا أو في سَفَرِي أو في عَامِي هذا فَهَذَا وَصِيَّةٌ وَلَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَحَكَاهُ مع نَصِّ الْأُمِّ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قال ولم أَجِدْ لِلشَّافِعِيِّ نَصًّا يُخَالِفُهُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَإِنْ لم نَرَ أَحَدًا من الْأَصْحَابِ قَالَهُ انْتَهَى لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ نَصَّ الْبُوَيْطِيِّ لَكِنَّ سِيَاقَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ من كَلَامِهِ لَا من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ قال وَرَأَيْت الْأَصْحَابَ يَنْسُبُونَ إلَى النَّصِّ أَشْيَاءَ من كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ وَيَكُونُ من كَلَامِهِ لَا من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَظُنُّ بَعْضُهُمْ أنها من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَيُصَرِّحُ بِنَقْلِهَا عنه وَسَبَبُ ذلك عَدَمُ التَّأَمُّلِ
وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ التَّدْبِيرِ كَالْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ كَإِنْ أو إذَا أو مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أو فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فإذا دخل وَلَوْ على التَّرَاخِي قبل مَوْتِ السَّيِّدِ صَارَ مُدَبَّرًا فَيَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَاعْتُبِرَ وُجُودُ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بها في حَيَاةِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ بها وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَدْخُلْ قبل مَوْتِهِ لَغَا التَّعْلِيقُ نعم إنْ قال إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي أو إذَا مِتُّ ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ تَعْلِيقٌ لَا تَدْبِيرٌ هذا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَيَمْتَنِعُ الْأَوْلَى وَيَمْتَنِعُ على الْوَارِثِ بَيْعُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ إذْ ليس له إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كان له أَنْ يُبْطِلَهُ كما لو أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ وَمَاتَ ليس لِوَارِثِهِ بَيْعُهُ وَإِنْ كان له بَيْعُهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عليه إزَالَةُ مِلْكِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَعَتَقَ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّرْتِيبِ في ذلك سَوَاءٌ بَادَرَ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَمْ لَا وَمُقْتَضَاهُ تَرْكُ الْعَبْدِ على اخْتِيَارِهِ حتى يَدْخُلَ وَفِيهِ ضَرَرٌ على الْوَارِثِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَحَلَّهُ قبل عَرْضِ الدُّخُولِ عليه فَأَمَّا لو عَرَضَ عليه فَأَبَى فَلِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَنَظِيرِهِ فِيمَا يَأْتِي في آخِرِ الْفَرْعِ الْآتِي وَكَذَا لو وفي نُسْخَةٍ إنْ قال إنْ مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ اشْتَرَطَ الدُّخُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الدُّخُولَ قَبْلَهُ فَيَتْبَعُ كَذَا نَقَلَ الْأَصْلُ هذا الِاشْتِرَاطَ عن الْبَغَوِيّ
____________________
(4/465)
قال الْإِسْنَوِيُّ وَنُقِلَ عنه أَيْضًا قُبَيْلَ الْخُلْعِ ما يُوَافِقُهُ وَخَالَفَ في الطَّلَاقِ فَجَزَمَ فِيمَا لو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرِهِ ثُمَّ قال وَأَشَارَ في التَّتِمَّةِ إلَى وَجْهٍ في اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ بِنَاءً على أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وقال الزَّرْكَشِيُّ الصَّوَابُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ هُنَا كما هُنَاكَ وَإِلَّا فما الْفَرْقُ
وَلَوْ قال الشَّرِيكَانِ لِعَبْدَيْهِمَا مَعًا أو مُرَتَّبًا إذَا مُتْنَا فَأَنْت حُرٌّ لم يَعْتِقْ حتى يَمُوتَا مَعًا أو مُرَتَّبًا فَإِنْ مَاتَا مَعًا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لَا تَدْبِيرٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لم يُعَلِّقْهُ بِمَوْتِهِ بَلْ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ وَإِنْ تَرَتَّبَا مَوْتًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ نَصِيبُ الثَّانِي مُدَبَّرَ التَّعْلِيقِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ وَكَأَنَّهُ قال إذَا مَاتَ شَرِيكِي فَنَصِيبِي مِنْك مُدَبَّرٌ وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَلِوَارِثِهِ بين الْمَوْتَيْنِ التَّصَرُّفُ فيه أَيْ في نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ بِمَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَاسْتِخْدَامٍ وَإِجَارَةٍ لِبَقَائِهِ على مِلْكِهِ فَلَيْسَ له التَّصَرُّفُ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ وَلِأَنَّهُ ليس له إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمَيِّتِ كما لَا يَبِيعُونَ أَيْ الْوَرَثَةُ ما أَوْصَى مُوَرِّثُهُمْ بِهِ وَإِنْ كان له بَيْعُهُ وَلَا يَرْجِعُونَ في دَارٍ أَوْصَى مُوَرِّثُهُمْ بِعَارِيَّتِهَا شَهْرًا وَإِنْ كان له الرُّجُوعُ فيها
وَإِنْ قَالَا أَيْ الشَّرِيكَانِ لِعَبْدَيْهِمَا أَنْت حَبِيسٌ على آخِرِنَا مَوْتًا فإذا مَاتَ عَتَقْت فَكَمَا لو قَالَا إنْ مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ إلَّا أَنَّ الْكَسْبَ بين الْمَوْتَيْنِ هُنَا لِلْآخَرِ وَهُنَاكَ كَسْبُ نَصِيبِ الْأَوَّلِ لِوَرَثَتِهِ وكان الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَوْتًا أَوْصَى بِهِ لِآخِرِهِمَا مَوْتًا فَكَانَ كَسْبُهُ لِآخِرِهِمَا وَإِنْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَعَتَقَ بِالْمَوْتِ لم يَسْرِ إلَى بَاقِيهِ لِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لَا سِرَايَةَ على الْمَيِّتِ
فَرْعٌ لو قال لِعَبْدِهِ أَنْت مُدَبَّرٌ أو دَبَّرْتُك إنْ شِئْت أو إنْ شِئْت فَأَنْت مُدَبَّرٌ أو فَأَنْت حُرٌّ إذَا مِتُّ اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ فَوْرًا في صِحَّةِ التَّدْبِيرِ كما لو عَلَّقَ الطَّلَاقَ أو الْعِتْقَ بها خِطَابًا وإذا كان بِخِلَافِ ما لو ذَكَرَ بَدَلَهَا مَتَى أو مَتَى ما وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ كَمَهْمَا وَأَيَّ حِينٍ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمَشِيئَةُ فَوْرًا وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَتَى وَمَهْمَا وَيُشْتَرَطُ في الْحَالَيْنِ الْمَشِيئَةُ في حَيَاةِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ بها وَلِأَنَّهَا مَشِيئَةٌ في عَقْدِ التَّدْبِيرِ وهو لَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمَشِيئَةِ أَيْ بِوُقُوعِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أو نَوَاهَا فَإِنَّهَا تُشْتَرَطُ بَعْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ الْمَوْتِ الْفَوْرُ لها وَإِنْ لم يَقُلْ مَتَى وَنَحْوَهُ قال الْمُنَاسِبَ لِكَلَامِ أَصْلِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا تَأَخَّرَتْ عن الْخِطَابِ وَاعْتُبِرَ وُقُوعُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لم يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ اتِّصَالِهَا بِالْمَوْتِ مَعْنًى وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ في قَبُولِ الْوَصِيَّةِ
فإذا قال إذَا مِتُّ فَشِئْت فَأَنْت حُرٌّ اشْتَرَطَ الْفَوْرَ لِلْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَكَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ على الْفَاءِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ اشْتَرَطَ في مَدْخُولِهَا الْفَوْرَ لِذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ في الْمِثَالِ اتِّصَالُ الْكَلَامِ بِالدُّخُولِ وَقَوْلُهُ إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت أو إذَا شِئْت أو أنت حُرٌّ إذَا مِتّ إنْ شِئْت أو إذَا شِئْت يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَشِيئَةَ في الْحَيَاةِ والمشيئة
____________________
(4/466)
بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا حُمِلَ على الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهَا عن ذِكْرِهِ وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ منه تَأْخِيرُهَا عنه وَكَأَنَّهُمْ لَحَظُوا في هذا التَّمْلِيكِ فَاعْتَبَرُوا فيه تَأْخِيرَ الْمَشِيئَةِ لِتَقَعَ الْحُرِّيَّةُ عَقِبَ الْقَبُولِ وَإِلَّا فَيُشْكِلُ على ما مَرَّ في الطَّلَاقِ من أَنَّهُ إذَا تَوَالَى الشَّرْطَانِ يُعْتَبَرُ تَقْدِيمُ الثَّانِي على الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ يُسْتَثْنَى منه التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ الزَّوْجَةِ مع أَنَّ ذلك يُشْكِلُ أَيْضًا على ما لو قال إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ فإنه يُعْتَبَرُ فيه الْمَشِيئَةُ في الْحَيَاةِ كما مَرَّ وَإِنْ كان الْجَزَاءُ فيه مُتَوَسِّطًا بِخِلَافِهِ هُنَا وقد يُجَابُ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ من كُلٍّ مِنْهُمَا ما ذُكِرَ فيه لِتَقَدُّمِ الْمَشِيئَةِ ثَمَّ وَتَأَخُّرِهَا هُنَا وَكَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ التي تَوَسَّطَ فيها الْجَزَاءُ بين الشَّرْطَيْنِ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ أو إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فإنه يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا حُمِلَ على تَأْخِيرِ الشَّرْطِ الثَّانِي عن الْأَوَّلِ وَتُشْتَرَطُ هُنَا الْمَشِيئَةُ فَوْرًا بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْأَكْثَرِينَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ منهم الْعِرَاقِيُّونَ وهو مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيُّ آنِفًا لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِهِ الْقَبْلِيَّةَ على الْبَعْدِيَّةِ لَا يُقَاوِمُ التَّصْرِيحَ بها أو بِنِيَّتِهَا الْمُبْطِلَ لِلْفَوْرِيَّةِ
وَلَوْ قال وَلَا نِيَّةَ له إنْ رَأَيْت عَيْنًا فَأَنْت حُرٌّ وَالْعَيْنُ مُشْتَرَكَةٌ بين الْعَيْنِ النَّاظِرَةِ وفي نُسْخَةٍ الْبَاصِرَةِ وَعَيْنِ الْمَاءِ وعين الدِّينَارِ فَيَعْتِقُ بِرُؤْيَةِ أَحَدِهَا وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا الْمَشِيئَةَ على الْفَوْرِ فَأَخَّرَهَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ وَإِنْ لم يَعْتَبِرْ كما في قَوْلِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى شِئْت وَأَخَّرَهَا عَرَضَ عليه الْوَرَثَةُ الْمَشِيئَةَ أو الدُّخُولَ أو نَحْوَهُ إنْ عَلَّقَ بِهِ كما يُقَالُ لِلْمُوصَى له اقْبَلْ أو رُدَّ فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَهُمْ بَيْعُهُ وَلَا يُبَاعُ قبل الْعَرْضِ لِذَلِكَ عليه فُرُوعٌ لو قال إذَا شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَشَاءَ جميعا صَارَ مُدَبَّرًا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ لم يَكُنْ مُدَبَّرًا حتى يَشَاءَ جميعا لِإِيهَامِ الْفَاءِ التَّعْقِيبَ وَيَلْغُو قَوْلُهُ إذَا مِتّ فَشِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَا يَلْغُو قَوْلُهُ إذَا مِتُّ فَدَبِّرُوا عَبْدِي وَلَوْ قال إذَا مِتُّ فَعَبْدٌ من عَبِيدِي حُرٌّ فَمَاتَ ولم يُبَيِّنْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ
وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قال لِعَبْدِهِ إنْ قَرَأْت الْقُرْآنَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْت حُرٌّ لم يَعْتِقْ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ له إذَا قَرَأْت قُرْآنًا بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ فإنه يَعْتِقُ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْأَهْلُ فَلَا يَصِحُّ التَّدْبِيرُ إلَّا من مُكَلَّفٍ وَلَوْ سَفِيهًا لِزَحْمَتِنَا فَلَا يَصِحُّ من غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعُقُودِ وكان حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا أَدْفَاءٌ لَكِنَّهُ جَرَى على طَرِيقَتِهِ من أَنَّهُ مُكَلَّفٌ وقد عَرَفْت ما فيه وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ الذي صَدَرَ منه تَدْبِيرٌ الرُّجُوعُ فيه بِالْبَيْعِ لِلْمَصْلَحَةِ التي رَآهَا فيه وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَإِيلَادُهُ وَتَعْلِيقُهُ الْمُعْتَقُ بِصِفَةٍ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الْمِلْكِ وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ كَمِلْكِهِ إنْ أَسْلَمَ بَانَ صِحَّتُهُ وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ فَسَادُهُ
وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ أو السَّيِّدُ أو اسْتَوْلَى على الْمُدَبَّرِ أَهْلُ الْحَرْبِ لم يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ وَيَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ عن الضَّيَاعِ وَكَمَا لَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ الْبَيْعُ وَالْإِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ وَغَيْرُهَا
وإذا لَحِقَ الْمُدَبَّرُ الْمُسْلِمُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لم يُسْتَرَقَّ وَإِنْ سُبِيَ لِأَنَّ سَيِّدَهُ إنْ كان حَيًّا فَهُوَ له وَإِلَّا فَوَلَاؤُهُ له وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ وَلِكَافِرٍ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ الْكَافِرَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ أَجْرَى التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ
____________________
(4/467)
ثُمَّ دخل دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ لَا حَمْلُ مُكَاتَبِهِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ قَهْرًا لِظُهُورِ اسْتِقْلَالِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ لم يُبَعْ بَلْ يَبْقَى التَّدْبِيرُ لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ وَالْوَلَاءِ وَلَكِنْ يُخْرَجُ من يَدِهِ وَيُجْعَلُ بِيَدِ عَدْلٍ دَفْعًا لِلذُّلِّ عنه وَيَسْتَكْسِبُ له كما لو أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلِدَتُهُ فَإِنْ لَحِقَ سَيِّدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنْفَقَ عليه من كَسْبِهِ وبعث بِفَاضِلِ كَسْبِهِ له فإذا مَاتَ عَتَقَ من الثُّلُثِ فَإِنْ بَقِيَ منه شَيْءٌ لِلْوَرَثَةِ بِيعَ عليهم فَإِنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ أَنْفَقَ عليه سَيِّدُهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عليه
وَإِنْ أَسْلَمَ مُكَاتَبٌ لِكَافِرٍ لم يُبَعْ بَلْ يَبْقَى مُكَاتَبًا لِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ السَّيِّدِ عنه وَاسْتِقْلَالِهِ بِالْكِتَابَةِ فَإِنْ عَجَزَ عن النُّجُومِ وَعَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بِيعَ عليه وَلَا يَسْرِي التَّدْبِيرُ من أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِنَصِيبِهِ من الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَا يَقْتَضِي السِّرَايَةَ كما لو عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ إمَّا وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ أو تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ على ما يَأْتِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَعِيدٌ عن السِّرَايَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِيلَادِ حَيْثُ يَسْرِي لِأَنَّهُ كَالْإِتْلَافِ لِمَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ بِهِ أَيْ بِالتَّدْبِيرِ لِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ إذَا وُجِدَتْ وهو مُوسِرٌ عَتَقَ وسرى الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ
وَيَرْتَفِعُ التَّدْبِيرُ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عن الْمُدَبَّرِ كَبَيْعٍ بَتٍّ أو بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهِبَةٍ بِقَبْضٍ وَوَصِيَّةٍ سَوَاءٌ كان التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أَمْ مُقَيَّدًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَرَوَى الْحَاكِمُ خَبَرًا أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لها سَجَرَتْهَا ولم يُنْكِرْ ذلك أَحَدٌ من الصَّحَابَةِ وَاسْتَشْكَلَ الْبُلْقِينِيُّ جَعْلَ الْوَصِيَّةِ مُزِيلَةً لِلْمِلْكِ بِمَا مَرَّ في بَابِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّا بِالْقَبُولِ لها تَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَصِيَّ له مِلْكٌ بِالْمَوْتِ وَهَذَا أَقْوَى من تَرَتُّبِ الْمُعْتَقِ بِالتَّدْبِيرِ على الْمَوْتِ كما لَا يَخْفَى على الْمُتَأَمِّلِ لَا اسْتِخْدَامٍ وَتَزْوِيجٍ وَوَطْءٍ وَإِنْ لم يُعْزَلْ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بَلْ تُؤَكِّدُ فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى منه بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ منه الدَّيْنُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَيَرْفَعُهُ الْأَقْوَى كما يَرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ النِّكَاحَ وَلَا يَرْفَعُ التَّدْبِيرُ الْإِيلَادَ بَلْ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُسْتَوْلَدَةِ كما مَرَّ فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ أَيْ الْمُدَبَّرُ لم يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ في الْبَاقِي منه وَذِكْرُ الْبَيْعِ وَالنِّصْفِ مِثَالٌ وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ بِالْعِتْقِ كما لو عَلَّقَ بِمَوْتِ الْغَيْرِ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إحْدَاثِ تَصَرُّفٍ أو قَبُولٍ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُبْطِلُهُ فَسْخٌ له وَلَا رُجُوعٌ عنه بِلَفْظٍ كَرَجَعْتُ عنه أو أَبْطَلْته أو فَسَخْته أو رَفَعْته كما في سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالْفَسْخُ دَاخِلٌ في الرُّجُوعِ كما صَنَعَ الْأَصْلُ
وَلَا يَعُودُ التَّدْبِيرُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ بَعْدَ زَوَالِهِ بِنَاءً على عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ في الْيَمِينِ
وَقَوْلُهُ أَعْتِقُوا عَبْدِي عَنِّي إذَا مِتُّ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فيها بِالْقَوْلِ لَا إنْ ضَمَّ إلَى الْمَوْتِ الْمُعَلَّقِ بِهِ الْعِتْقَ صِفَةً أُخْرَى كَأَنْ قال إذَا مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ أو لَبِسْت الثَّوْبَ فَأَنْت حُرٌّ فَلَا يَرْجِعُ فيه بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلَا يُبْطِلُهُ أَيْ التَّدْبِيرَ هِبَةٌ بِلَا قَبْضٍ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَلَا يُبْطِلُهُ رَهْنٌ وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ على وَجْهٍ لِذَلِكَ
وَيَصِحُّ كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ كَعَكْسِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا وَيَجْتَمِعَانِ أَيْ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ فيه فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا كما في تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ فإنه يَصِحُّ وَيَجْتَمِعُ فيه التَّعْلِيقُ بها وَالتَّدْبِيرُ كَعَكْسِهِ وفي نُسْخَةٍ وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ من الْمَوْتِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ أو وُجُودِ الصِّفَةِ فَإِنْ أَدَّى النُّجُومَ أو وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ أو بِوُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قبل الْأَدَاءِ أو وُجُودِ الصِّفَةِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ أو التَّعْلِيقُ بِالصِّفَةِ وَقَوْلُهُ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من كَلَامِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ في الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا من مُقَابِلِهِ فيها الذي جَرَى هو عليه أنها لَا تَبْطُلُ فَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا لَاحِقَةٌ وَفِيمَا يَأْتِي سَابِقَةٌ فَإِنْ عَجَزَ في صُورَةِ
____________________
(4/468)
الْكِتَابَةِ عنه أَيْ عن عِتْقِهِ الثُّلُثَ عَتَقَ قَدْرُهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي مُكَاتَبًا فإذا أَدَّى قِسْطَهُ عَتَقَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ إذَا دَبَّرَ عَبْدًا وَبَاقِي مَالِهِ غَائِبٌ لَا يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْمَالِ وَلَا يَعْتِقُ ثُلُثُهُ أَيْضًا على الْأَصَحِّ لِأَنَّ في تَنْجِيزِ الْعِتْقِ تَنْفِيذًا لِلتَّبَرُّعِ قبل تَسَلُّطِ الْوَرَثَةِ على الثُّلُثَيْنِ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُنَجِّزْ الْعِتْقَ في شَيْءٍ من الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لم يَصِلْ إلَيْهِمْ مِثْلَاهُ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ على التَّصَرُّفِ في الْبَاقِي وَالنُّجُومُ قد تَكُونُ مُؤَجَّلَةً إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَالْمَذْكُورُ إنَّمَا يَجِيءُ على الْوَجْهِ الضَّعِيفِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ من بَابِ الْمُعَارَضَاتِ وَامْتِنَاعُ الْوَرَثَةِ من التَّصَرُّفِ مع وُجُودِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ في حَوْزَتِهِمْ لَا يَمْنَعُ عِتْقَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ في الْمُكَاتَبِ بِتَعْجِيزِهِ وَعِنْدَ عَجْزِهِ وَبِمُطَالَبَتِهِ بِالنُّجُومِ عِنْدَ حُلُولِهَا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فيه بِوَجْهٍ
وَإِنْ مَاتَ وقد دَبَّرَ مُكَاتَبًا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وقال ابن الصَّبَّاغِ عِنْدِي لَا تَبْطُلُ وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا له قبل الْأَدَاءِ فَكَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَكَذَا بِالتَّدْبِيرِ قال أَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ بِالْبُطْلَانِ زَوَالَ الْعَقْدِ دُونَ سُقُوطِ أَحْكَامِهِ ولم يُصَحِّحْ الْأَصْلُ من الْمَقَالَتَيْنِ شيئا وقال الْإِسْنَوِيُّ الصَّحِيحُ ما قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَوَّلَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ وَذَكَرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ آخِرَ الْحُكْمِ الرَّابِعِ من أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ فإنه صَحَّحَ فِيمَنْ أَحْبَلَ مُكَاتَبَةً ثُمَّ مَاتَ قبل أَدَائِهَا أنها تَعْتِقُ عن الْكِتَابَةِ لَا عن الْإِيلَادِ حتى يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا وَكَسْبُهَا ثُمَّ قال وَأَجْرَى هذا الْخِلَافَ في تَعْلِيقِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ وقد عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ في التَّدْبِيرِ أَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ على أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ يُؤْخَذُ من مَسْأَلَةِ الْإِحْبَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى حَيْثُ لم تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِالْإِيلَادِ مع كَوْنِهِ أَقْوَى من التَّدْبِيرِ فَإِنْ عَجَزَ عنه أَيْ عن عِتْقِهِ الثُّلُثَ عَتَقَ قَدْرُهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي مُكَاتَبًا كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَدَّى النُّجُومَ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ وَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ أو عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَبَقِيَ التَّدْبِيرُ
وَبَيْعُ من خَرِسَ مُدَبَّرُهُ بِإِشَارَةٍ أو كِتَابَةٍ رُجُوعٌ عن تَدْبِيرِهِ إنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ أو كان له كِتَابَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى من الْعَبْدِ بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ لِعِتْقِهِ بِصِفَةٍ على السَّيِّدِ في حَيَاتِهِ وَالْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ نَاجِزَانِ وَيَحْلِفُونَ أَيْ الْوَرَثَةُ يَمِينَ نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ على الْبَتِّ على الْقَاعِدَةِ في ذلك وَمِنْهُ يُؤْخَذُ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّ إنْكَارَ السَّيِّدِ التَّدْبِيرَ ليس بِرُجُوعٍ وَإِلَّا لَا غَنَاءَ عن الْحَلِفِ وَلَكَانَ رُجُوعًا بِاللَّفْظِ وهو لَا يَصِحُّ وَيُقْبَلُ على الرُّجُوعِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ أو وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه الْمَالُ لَا على التَّدْبِيرِ بَلْ لَا بُدَّ فيه من رَجُلَيْنِ لِأَنَّهُ ليس بِمَالٍ وهو مِمَّا يَطَّلِعُ عليه الرِّجَالُ غَالِبًا
فَرْعٌ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ مُعْتَبَرٌ من الثُّلُثِ بَعْدَ الدُّيُونِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَلْزَمُ بِالْمَوْتِ فَيَكُونُ من الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ في الْمَرَضِ أَقْوَى من التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ مُنَجَّزٌ وَلَازِمٌ لَا رُجُوعَ عنه مع أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ من الثُّلُثِ فَالتَّدْبِيرُ أَوْلَى أَنْ يُعْتَبَرَ منه فَلَوْ كان على الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِلتَّرِكَةِ لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ وَإِنْ لم يَكُنْ دَيْنٌ وَلَا مَالَ له سِوَاهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَإِنْ كان دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ نِصْفَهُ بِيعَ نِصْفُهُ في الدَّيْنِ وَيَعْتِقُ ثُلُثُ الْبَاقِي منه فَإِنْ قال هو حُرٌّ قبل مَرَضِ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَإِنْ مِتُّ فَجْأَةً فَقَبْلَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَمَاتَ بَعْدَ التَّعْلِيقَيْنِ بِأَكْثَرَ من يَوْمٍ عَتَقَ من رَأْسِ الْمَالِ وَلَا سَبِيلَ عليه لِأَحَدٍ
وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَمَالُهُ أَيْ بَاقِيهِ غَائِبٌ عن بَلَدِ الْوَرَثَةِ أو كان على مُعْسِرٍ أو جَاحِدٍ وَلَا بَيِّنَةَ أو مُمَاطِلٍ أو مُتَعَزِّزٍ لم يُحْكَمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ منه حتى يَقَعَ أَيْ يَصِلَ لِلْوَرَثَةِ من الْمَالِ الْغَائِبِ مِثْلَاهُ
____________________
(4/469)
لِئَلَّا يَنْفُذَ التَّبَرُّعُ قبل تَسَلُّطِهِمْ على الثُّلُثَيْنِ فَيَتَبَيَّنَ عِتْقُهُ من حِينِ الْمَوْتِ وَيُوقَفَ كَسْبُهُ قبل وُصُولِ ذلك فإذا وَصَلَ تَبَيَّنَ مع عِتْقِهِ أَنَّ الْكَسْبَ له وَأَوْلَى من تَعْبِيرِهِ بِذَلِكَ قَوْلُ أَصْلِهِ بَعْدَ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ فَعَلَى هذا تُوقَفُ الْأَكْسَابُ فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ بَانَ أَنَّهُ عَتَقَ وَأَنَّ الْأَكْسَابَ له فَلَوْ كانت قِيمَتُهُ مِائَةً وَالْغَائِبِ مِائَتَيْنِ فَحَضَرَ مِائَةٌ عَتَقَ نِصْفُهُ لِحُصُولِ مِثْلَيْهِ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ تَلِفَتْ الْأُخْرَى اسْتَقَرَّ عِتْقُ ثُلُثَيْهِ وَتَسَلَّطَتْ الْوَرَثَةُ على ثُلُثِهِ وَعَلَى الْمِائَةِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ دَيْنٌ وَثُلُثُهَا يَحْتَمِلُ الْمُدَبَّرَ فَأُبْرِئَ منه أَيْ من الدَّيْنِ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ من وَقْتِ الْإِبْرَاءِ لَا من وَقْتِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُقُوطِ الدَّيْنِ
وَلَا يَصِحُّ إبْرَاءُ دَائِنٍ مُعْسِرٍ مَدِينِهِ عن ثُلُثِ الدَّيْنِ الذي له عليه وَلَا مَالَ له غَيْرُهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ الْوَرَثَةُ الثُّلُثَيْنِ منه نَظِيرُ ما مَرَّ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَصْلُ ما لو مَاتَ عن ابْنَيْنِ ولم يَتْرُكْ إلَّا دَيْنًا على أَحَدِهِمَا فَلَا يَبْرَأُ الْمَدِينُ من نِصْفِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ منه وَإِلَّا لَاخْتَصَّ بِحَقِّهِ قبل أَنْ يَتَوَفَّرَ على الْآخَرِ حَقُّهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالصَّحِيحُ ما جَزَمَ بِهِ أَيْ الشَّيْخَانِ في بَابِ الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ يَبْرَأُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَحِقُّ على نَفْسِهِ شيئا
وَالْعِتْقُ إنْ عُلِّقَ في مَرَضِ الْمَوْتِ بِصِفَةٍ كَأَنْ قال فيه إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ وَوُجِدَتْ اُعْتُبِرَ عِتْقُهُ من الثُّلُثِ كما لو أَعْتَقَهُ حِينَئِذٍ وَكَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْمَوْتِ أو عُلِّقَ في الصِّحَّةِ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ في الْمَرَضِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَوُجُودِ الْمَطَرِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا من الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ حين عَلَّقَ لم يَكُنْ مُتَّهَمًا بِإِبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ أو وُجِدَتْ فيه بِاخْتِيَارٍ كَدُخُولِ الدَّارِ فَمِنْ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ اخْتَارَ حُصُولَ الْعِتْقِ في مَرَضِهِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا مَسْأَلَةً تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِهِ لها تَبَعًا له في الْوَصِيَّةِ
وَلَوْ عَلَّقَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ في حَالٍ حَجْرِ الْفَلَسِ عليه بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا نَظِيرُ ما مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ من زِيَادَتِهِ أو وُجِدَتْ وَبِهِ جُنُونٌ أو حَجْرُ سَفَهٍ عَتَقَ أَيْضًا
وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقًا بِجُنُونِهِ بِأَنْ قال لِعَبْدِهِ إنْ جُنِنْت فَأَنْت حُرٌّ فَجُنَّ فَفِي وُقُوعِهِ أَيْ الْعِتْقِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا كما لو أَعْتَقَ في حَالِ جُنُونِهِ وَثَانِيهِمَا وهو الْأَوْجَهُ نعم لِأَنَّ سَبَبَ الْإِيقَاعِ حَصَلَ في الصِّحَّةِ وهو شَبِيهٌ بِمَا لو عَلَّقَ على فِعْلِهِ نَاسِيًا
وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ فَمَرِضَهُ وَعَاشَ منه عَتَقَ من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ مَاتَ منه فَمِنْ الثُّلُثِ يَعْتِقُ
فَرْعٌ الْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ في الْجِنَايَةِ منه وَعَلَيْهِ فَيَبْقَى التَّدْبِيرُ بِحَالِهِ إنْ فَدَاهُ يَعْنِي الْعَبْدَ الْجَانِيَ سَيِّدُهُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ أو الْقِيمَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ قَتَلَ أَنْ يُدَبِّرَ بِقِيمَتِهِ عَبْدًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ بها عَبْدًا وَيُدَبِّرَهُ بِخِلَافِ ما لو أَتْلَفَ الْمَوْقُوفُ فإنه يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ مثله وَيُوقَفُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَقْفِ انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عليهم وَهُمْ بَاقُونَ وَمَقْصُودَ التَّدْبِيرِ انْتِفَاعُ الْعَبْدِ بِهِ ولم يَبْقَ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَازِمٌ فَيَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَإِنْ بِيعَ بَعْضُهُ في الْجِنَايَةِ بَقِيَ الْبَاقِي مُدَبَّرًا فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وقد جَنَى الْمُدَبَّرُ ولم يَبِعْهُ ولم يَخْتَارُ فِدَاءَهُ فَكَعِتْقٍ أَيْ فَمَوْتُهُ كَإِعْتَاقِ الْقِنِّ الْجَانِي فَإِنْ كان السَّيِّدُ مُوسِرًا عَتَقَ وَفَدَى من التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَيَفْدِيهِ بِالْأَقَلِّ من قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لِلْبَيْعِ وَإِنْ كان مُوسِرًا لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ إنْ اسْتَغْرَقَتْهُ الْجِنَايَةُ وَإِلَّا فَيَعْتِقُ منه ثُلُثُ الْبَاقِي قال الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الْمَيِّتُ مُعْسِرٌ على ما مَرَّ في سِرَايَةِ الْعِتْقِ قال الْإِسْنَوِيُّ قد اسْتَفَدْنَا من هذا تَرْجِيحَ عَدَمِ النُّفُوذِ هُنَا وَحَذَفَهُ من الرَّوْضَةِ فَأَوْهَمَ تَرْجِيحَ خِلَافِهِ اعْتِمَادًا على التَّرِكَةِ قُلْت وهو الْمُعْتَمَدُ وَيُفَارِقُ السِّرَايَةَ بِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فيه مُتَقَدِّمٌ على الْمَوْتِ وَسَبَبَ السِّرَايَةِ مُتَأَخِّرٌ عنه وَلَوْ ضَاقَ عنه أَيْ عن مَالِ الْجِنَايَةِ الثُّلُثُ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَفَدَاهُ الْوَارِثُ من مَالِهِ فَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَارِثِ إجَازَةٌ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ لِأَنَّهُ مُتَمِّمٌ بِهِ قَصْدَ الْوَارِثِ
فَصْلٌ يَجُوزُ وَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ لِكَمَالِ الْمِلْكِ وَنَفَاذِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا مع أَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ فيها آكَدُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا أَوْلَى وَيُفَارِقُ الثَّلَاثَ الْمُكَاتَبَةُ بِأَنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا بِدَلِيلِ أنها إذَا وُطِئَتْ يَكُونُ الْمَهْرُ لها وإذا جُنِيَ عليها يَكُونُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ لها بِخِلَافِ الثَّلَاثِ فإن مُهُورَهُنَّ وَأُرُوشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِنَّ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ أَوْلَدَهَا السَّيِّدُ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ كما مَرَّ أَوَّلَ هذا الْبَابِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لو قال كُلُّ مُدَبَّرَةٍ لي حُرَّةٌ فَلَا تَدْخُلُ هذه
وَلَوْ أَتَتْ الْمُدَبَّرَةُ بِوَلَدٍ من زَوْجٍ أو زِنًا
____________________
(4/470)
بِأَنْ عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَانْفَصَلَ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ لم يَسْرِ التَّدْبِيرُ إلَيْهِ كما في وَلَدِ الْمَرْهُونَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ وَالْمُوصَى بها أَيْ بِعِتْقِهَا لَا يَسْرِي إلَى وَلَدِهِمَا التَّعْلِيقُ وَالْإِيصَاءُ لِذَلِكَ وما قَرَّرْته في وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ يَأْتِي هُنَا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لَا فَرْقَ في وَلَدِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بين أَنْ تَعَلَّقَ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ مَمْنُوعٌ
وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ أَنْت حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا لم تَعْتِقْ إلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ من حِينِ الْمَوْتِ وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا في حُكْمِ الصِّفَةِ إلَّا أَنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَلَوْ قبل مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَتْبَعُهَا في ذلك فَيَعْتِقُ من رَأْسِ الْمَالِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا وَيُؤْخَذُ من الْقِيَاسِ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرِ فَلَا يَتْبَعُهُ وَإِنَّمَا يَتْبَعُ أُمَّهُ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو دَبَّرَ حَامِلًا أو حَائِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ وَمَاتَ قبل انْفِصَالِ الْحَمْلِ تَبِعَهَا فيه أَيْ في تَدْبِيرِهَا الْحَمْلُ وَإِنْ انْفَصَلَ قبل الْمَوْتِ كما في الْبَيْعِ وقال الْبُلْقِينِيُّ هذه طَرِيقَةٌ مَرْدُودَةٌ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على خِلَافِهَا وَكَذَا لو وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عليها الْعِتْقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَإِنْ كانت حَائِلًا حين التَّعْلِيقِ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ في الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ وَمَاتَتْ قبل وُجُودِهَا فَإِنْ كانت منها كَدُخُولِهَا الدَّارَ لم يَعْتِقْ لِفَوَاتِ الصِّفَةِ بِمَوْتِهَا أو من غَيْرِهَا كَدُخُولِ سَيِّدِهَا الدَّارَ وَعَتَقَ بِالصِّفَةِ كَوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَتَبَعِيَّتُهُ في الْحَامِلِ عِنْدَ التَّدْبِيرِ أو التَّعْلِيقِ لَيْسَتْ بِالسِّرَايَةِ بَلْ بِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ له ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا لم يَتَنَاوَلْهُ لَفْظُ الْأُمِّ في الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فيه الْيَقِينُ غَالِبًا وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ وَرُبَّمَا كانت الْأُمُّ لِلْمُقَرِّ له دُونَ الْحَمْلِ ثُمَّ ما نَقَلْته عن الْأَصْلِ قال الزَّرْكَشِيُّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لو اسْتَثْنَى الْوَلَدَ فقال أَنْتِ مُدَبَّرَةٌ دُونَ حَمْلِك صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَشَرَطَا أَنْ تَلِدَ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ بَطَلَ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَلِدُ إلَّا حُرًّا انْتَهَى
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ من عِتْقِ أُمِّهِ ظَاهِرٌ وَيُعْرَفُ وُجُودُهُ عِنْدَ التَّدْبِيرِ مَثَلًا بِوَضْعِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينِ التَّدْبِيرِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من حِينَئِذٍ لم يَتْبَعْهَا لِحُدُوثِهِ وَانْفِصَالِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أو وَضَعَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا فُرِّقَ بين من لها زَوْجٌ يَفْتَرِشُهَا فَلَا يَتْبَعُهَا وبين غَيْرِهَا فَيَتْبَعُهَا وَإِنْ انْفَصَلَ عنها قبل مَوْتِ سَيِّدِهَا كما سَبَقَ في نَظَائِرِهَا وَلَوْ كان لها زَوْجٌ قد فَارَقَهَا قبل التَّدْبِيرِ وَوَلَدَتْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ من حِينِ الْفِرَاقِ تَبِعَهَا
وَيَجُوزُ تَدْبِيرُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ أُمَّهُ كما لو أَعْتَقَهُ وَيَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ دُونَهَا لِذَلِكَ وَيَصِحُّ بَيْعُهَا حَامِلًا بِهِ وَيَبْطُلُ بِهِ تَدْبِيرُهُ لِدُخُولِهِ في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَقْصِدْ بِهِ الرُّجُوعَ
وَلَوْ قالت بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ دَبَّرَنِي حَامِلًا فَالْوَلَدُ حُرٌّ وقال لها الْوَارِثُ بَلْ دَبَّرَكِ حَائِلًا فَهُوَ قِنٌّ أو قالت فَوَلَدْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ فقال الْوَارِثُ بَلْ وَلَدْته قَبْلَهُ أو قبل التَّدْبِيرِ فَهُوَ قِنٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّدْبِيرِ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا الصُّورَةُ الْأُولَى وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ بَدَلُهَا لو قال السَّيِّدُ أو وَارِثُهُ وَلَدْته قبل التَّدْبِيرِ وَقَالَتْ بَعْدَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اخْتَلَفَا في وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ هل وَلَدَتْهُ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ أو بَعْدَهُ أو وَلَدَتْهُ قبل الِاسْتِيلَادِ أو بَعْدَهُ
وَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا التَّدْبِيرَ وَالْعِتْقَ لِوَلَدِهَا حِسْبَةً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِمَا حتى لو كانت قِنَّةً وَادَّعَتْ على السَّيِّدِ ذلك سُمِعَتْ دَعْوَاهَا
فَرْعٌ في يَدِ مُدَبَّرٍ مَالٌ ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّهُ كَسْبُهُ في حَيَاةِ السَّيِّدِ فَهُوَ تَرِكَةٌ وقال الْمُدَبَّرُ بَلْ كَسَبْته بَعْدَهُ فَهُوَ لي صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ له وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ كَسْبِهِ إلَّا في الْوَقْتِ الذي وُجِدَ فيه وقد وُجِدَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ دَعْوَاهَا الْوَلَدَ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ رَجَحَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ بَلْ لو أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَيْ الْمَالَ كان في يَدِهِ قبل عِتْقِهِ فقال الْمُدَبَّرُ كان في يَدَيْ وَدِيعَةٌ لِرَجُلٍ وَمَلَكْته بَعْدُ أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لم تَتَعَرَّضْ إلَّا لِلْيَدِ وَلِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِيَدٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَيَدُ الْمُدَبَّرِ ثَابِتَةٌ في الْحَالِ
فَصْلٌ لو دَبَّرَ عَبْدًا ثُمَّ مَلَّكَهُ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مَلَكَهُ السَّيِّدُ سَوَاءٌ أَقُلْنَا أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ أَمْ لَا وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ من الْعَبْدِ وَلَا حَدَّ عليه لِلشُّبْهَةِ
وَإِنْ دَبَّرَ رَجُلَانِ أَمَتَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وادعاه أَحَدُهُمَا لَحِقَهُ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وفي نُسْخَةٍ قِيمَتَهُمَا أَيْ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وضمن له
____________________
(4/471)
نِصْفَ مَهْرِهَا وَأَخْذُ الْقِيمَةِ أَيْ وَأَخْذُ شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا منه رُجُوعُ في التَّدْبِيرِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ رُجُوعٌ مَبْنِيٌّ على ضَعِيفٍ وهو أَنَّ السِّرَايَةَ تَتَوَقَّفُ على أَخْذِ الْقِيمَةِ وَكَذَا ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ من ضَمَانِ نِصْفِ الْوَلَدِ الْمُوَافِقِ له نُسْخَةُ قِيمَتِهِمَا
وَيَلْغُو رَدُّ الْمُدَبَّرِ التَّدْبِيرَ في حَيَاةِ السَّيِّدِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كما في الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ
كِتَابُ الْكِتَابَةِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَقِيلَ وَبِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ وَهِيَ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَسُمِّيَ كِتَابَةً لِمَا فيه من ضَمِّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُوثَقُ بها غَالِبًا وَهِيَ خَارِجَةٌ عن قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ لِدَوَرَانِهَا بين السَّيِّدِ وَرَقِيقِهِ وَلِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِهِ بِمَالِهِ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَخَبَرُ من أَعَانَ غَارِمًا أو غَازِيًا أو مُكَاتَبًا في فَكِّ رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ وَخَبَرُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا لِأَنَّ السَّيِّدَ قد لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَالْعَبْدُ لَا يَتَشَمَّرُ لِلْكَسْبِ تَشَمُّرَهُ إذَا عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالتَّحْصِيلِ وَالْأَدَاءِ فَاحْتَمَلَ فيه ما لم يَحْتَمِلْ في غَيْرِهِ كما اُحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ في رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجَعَالَةِ لِلْحَاجَةِ قال الرُّويَانِيُّ وَهِيَ إسْلَامِيَّةٌ لَا تُعْرَفُ في الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا على التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَلِئَلَّا يَبْطُلَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَتَحْتَكِمَ الْمَمَالِيكُ على الْمَالِكِينَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ إنْ طَلَبَهَا أَمِينٌ مُكْتَسِبٌ أَيْ قَادِرٌ على الْكَسْبِ وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الْخَبَرَ في الْآيَةِ وَاعْتُبِرَتْ الْأَمَانَةُ لِئَلَّا يَضِيعَ ما يُحَصِّلُهُ فَلَا يَعْتِقُ وَالْقُدْرَةُ على الْكَسْبِ لِيُوَثِّقَ بِتَحْصِيلِ النُّجُومِ
وَيُفَارِقُ الْإِيتَاءَ حَيْثُ أُجْرِيَ على ظَاهِرِ الْأَمْرِ من الْوُجُوبِ كما سَيَأْتِي لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَالزَّكَاةِ وَإِلَّا بِأَنْ فُقِدَ الشَّرْطَانِ أو أَحَدُهُمَا فَمُبَاحَةٌ إذْ لَا يَقْوَى رَجَاءُ الْعِتْقِ بها وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ لِأَنَّهَا عِنْدَ فَقْدِ الشَّرْطَيْنِ قد تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ نعم إنْ كان الرَّقِيقُ فَاسِقًا بِسَرِقَةٍ أو نَحْوِهَا وَعَلِمَ سَيِّدُهُ أَنَّهُ لو كَاتَبَهُ مع الْعَجْزِ عن الْكَسْبِ لَاكْتَسَبَ بِطَرِيقِ الْفِسْقِ قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يَبْعُدُ تَحْرِيمُهَا لِتَضَمُّنِهَا التَّمْكِينَ من الْفَسَادِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ منها وقد طَلَبَهَا السَّيِّدُ لم يُجْبَرْ عليها كَعَكْسِهِ
وَفِيهَا بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صِيغَةٌ وَعِوَضٌ وَسَيِّدٌ وَمُكَاتَبٌ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ كَكَاتَبْتُكَ على كَذَا وَيَذْكُرُ النُّجُومَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ مع ذلك فإذا أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَوْ قَالَهُ بِالنِّيَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ وَإِنْ كان فَقِيهًا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ حَيْثُ يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ دَبَّرْتُك أو أنت مُدَبَّرٌ كما مَرَّ لِأَنَّهُ كان مَعْلُومًا في الْجَاهِلِيَّةِ ولم يُغَيَّرْ كما مَرَّ
وَالْكِتَابَةُ تَقَعُ على الْعَقْدِ الْمَعْلُومِ وَعَلَى الْمُخَارَجَةِ وَهِيَ تَوْظِيفُ خَرَاجٍ على عَبْدِهِ الْكَسُوبِ فَلَا بُدَّ من التَّمْيِيزِ بِلَفْظٍ أو نِيَّةٍ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ مِثْلُهُ قَوْلُهُ فإذا بَرِئْت منه أو فَرَغَتْ ذِمَّتُك منه فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَا يَكْفِي على الصَّحِيحِ التَّمْيِيزُ بِغَيْرِ ذلك إذَا لم يَكُنْ معه لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ وَتُعَامِلُنِي أو أَضْمَنُ لَك أَرْشَ الْجِنَايَةِ أو تَسْتَحِقُّ مِنِّي الْإِيتَاءَ أو من الناس سَهْمَ الرِّقَابِ وَعُدُولُهُ إلَى كَكَاتَبْتُكَ عن قَوْلِ أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ كَاتَبْتُك إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي أنها تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْكِتَابَةِ كَعَاقَدْتُكَ بِكَذَا وهو ما بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ نعم تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إنْ نَوَاهَا بِهِ فَتَكُونُ كِنَايَةً وَيُشْتَرَطُ في صِحَّتِهَا الْقَبُولُ من الْعَبْدِ فَوْرًا فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَامَلَةِ
فَرْعٌ
____________________
(4/472)
لو قال لِرَقِيقِهِ أَنْت حُرٌّ على أَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ في الْحَالِ وَلَزِمَ الْأَلْفُ ذِمَّتَهُ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ على أَلْفٍ فَقَبِلَتْ أو قال إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لَغَا لِاشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ وَلَا مِلْكَ له فَلَا يُمْكِنُهُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا وَلَا يَعْتِقُ بِمَالِ الْغَيْرِ أَيْ بِإِعْطَائِهِ كما لو قال لِزَوْجَتِهِ إنْ أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَلْفًا مَغْصُوبًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وما ذَكَرَهُ من الْإِلْغَاءِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ أَيْضًا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا كما لو قال لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ثَمَّ
فَرْعٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَبِيعَهُ أَيْ رَقِيقَهُ نَفْسَهُ وَيَثْبُتُ الْمَالُ في ذِمَّتِهِ وَيَعْتِقُ في الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ الْوَلَاءُ عليه كما لو أَعْتَقَهُ على مَالٍ وَإِنْ قال له بِعْتُك نَفْسَك فَأَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لم يَشْتَرِ وَلَا شَيْءَ عليه وَعَتَقَ بِالْإِقْرَارِ أو قال بِعْتُك نَفْسَك بِهَذِهِ الْعَيْنِ أو بِخَمْرٍ أو نَحْوِهِ كَخِنْزِيرٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَثَبَتَ لِسَيِّدِهِ الْوَلَاءُ عليه وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِسَيِّدِهِ كما لو قال أَعْتَقْتُك على خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ وَلَوْ وَهَبَهُ نَفْسَهُ وَقَبِلَ فَوْرًا عَتَقَ أَوَأَوْصَى له بها فَقَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَتَقَ نعم إنْ نَوَى بِالْهِبَةِ الْعِتْقَ عَتَقَ بِلَا قَبُولٍ وَلَوْ حَذَفَ عِتْقَ الْأَوَّلِ أَغْنَى عنه الثَّانِي
وَعِتْقُ الْعَبْدِ أَيْ إعْتَاقُهُ بِعِوَضٍ وَشِرَاؤُهُ نَفْسَهُ مُوَافِقَانِ أَيْ يُشَارِكَانِ الْكِتَابَةَ في التَّعَاوُضِ أَيْ في أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ وَيُخَالِفَانِهَا في الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْعِوَضُ وهو مَالُ عَيْنٍ أو مَنْفَعَةٍ كَبِنَاءِ دَارٍ وَخِدْمَةِ شَهْرٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَالِ وَلَوْ عَرَضًا دَيْنًا مُؤَجَّلًا مُنَجَّمًا أَيْ مُؤَقَّتًا وَلَوْ كانت الْكِتَابَةُ لِمُبَعَّضٍ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا قُدْرَةَ له في الْحَالِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ مُنَجَّمًا يُغْنِي عنه ما يَأْتِي وَلَوْ أَسْلَمَ إلَى الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ الْعَقْدِ لِلْكِتَابَةِ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ قال الرَّافِعِيُّ وَوَجَّهْت الصِّحَّةَ بِقُدْرَتِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ قال وَالْخِلَافُ قَرِيبٌ من الْخِلَافِ في الْبَيْعِ من الْمُعْسِرِ وَالْبَيْعُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَحْتَمِلُ ما لَا يَحْتَمِلُهُ الْمُسْلَمُ فيه بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عنه وفي الِاعْتِيَاضِ عن الثَّمَنِ خِلَافٌ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمَحَلُّهُ في السَّلَمِ الْحَالِّ أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَيَصِحُّ فيه جَزْمًا كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وهو وَاضِحٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُنَجِّمَ الْمَالَ بِنَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَوْ كَفَى نَجْمٌ لَفَعَلُوهُ مُبَادَرَةً لِلْقُرُبَاتِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمِنْ تَتِمَّةِ الْإِرْفَاقِ التَّنْجِيمُ وَلِذَلِكَ ضُرِبَتْ الدِّيَةُ على الْعَاقِلَةِ مُنَجَّمَةً لِيَتَيَسَّرَ عليهم الْأَدَاءُ وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ في الذِّمَّةِ حَالَّةً لِقُدْرَتِهِ على الشُّرُوعِ فيها حَالًا بِخِلَافِ ما لو كانت على دِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ وَيَصِحُّ بِنَجْمَيْنِ قَصِيرَيْنِ وَلَوْ في مَالٍ كَثِيرٍ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عليه كَالسَّلَمِ إلَى مُعْسِرٍ في مَالٍ كَثِيرٍ إلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ على خِدْمَةِ شَهْرَيْنِ وَجَعَلَ كُلَّ شَهْرٍ نَجْمًا لم يَصِحَّ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي مُتَعَيَّنَةٌ وَالْمَنَافِعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ لَا تُؤَجَّلُ كما سَيَأْتِي أو كَاتَبَهُ على خِدْمَةِ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ لِانْقِطَاعِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ عن آخِرِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ في الصِّحَّةِ أَنْ يَصِلَ الْخِدْمَةَ وَالْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَعْيَانِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عنه كما أَنَّ عَيْنَ التَّبِيعِ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَلَوْ كَاتَبَهُ في رَمَضَانَ على خِدْمَةِ شَوَّالٍ لم يَصِحَّ
أو كَاتَبَهُ على خِدْمَةِ شَهْرٍ من الْآنِ وَعَلَى إلْزَامِ ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ بَعْدَهُ جَازَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُلْتَزَمَةَ في الذِّمَّةِ تَتَأَجَّلُ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ أَيْ الْآنَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ بِيَوْمٍ أو شَهْرٍ وَلَوْ كَاتَبَهُ على بِنَاءِ دَارَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا صَحَّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَصِحُّ على خِدْمَةِ شَهْرٍ مُتَّصِلٍ بِالْعَقْدِ وعلى دِينَارٍ وَلَوْ في أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ في الْحَالِ وَالْمُدَّةِ لِتَقْدِيرِهَا وَالتَّوْفِيَةُ فيها وَالدِّينَارُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ التي عَيَّنَهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ وإذا اخْتَلَفَ الِاسْتِحْقَاقُ حَصَلَ التَّنْجِيمُ لَا الْكِتَابَةُ على دِينَارٍ يُؤَدِّيهِ آخِرَ الشَّهْرِ وعلى خِدْمَةِ الشَّهْرِ الذي بَعْدَهُ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ وَيَكْفِي إطْلَاقُ الْخِدْمَةِ وَيَتْبَعُ فيها الْعُرْفَ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْإِجَازَةِ وَقِيلَ لَا يَكْفِي بَلْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْعَمَلِ فيها وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ
لَا إطْلَاقُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ قال كَاتَبْتُك على مَنْفَعَةِ شَهْرٍ فَلَا يَكْفِي لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ وَإِنْ كَاتَبَهُ على خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ فَمَرِضَ في الشَّهْرِ وَفَاتَتْ الْخِدْمَةُ انْفَسَخَتْ أَيْ الْكِتَابَةُ في قَدْرِ الْخِدْمَةِ وفي الْبَاقِي خِلَافٌ فَقِيلَ يَبْطُلُ فيه قَطْعًا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ في بَعْضِ الْعَبْدِ وَقِيلَ هو كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ
____________________
(4/473)
أَحَدُهُمَا قبل الْقَبْضِ فَفِي الْبَاقِي طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ وَالثَّانِي قَوْلَانِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ على ما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ في الرُّكْنِ الثَّالِثِ في نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ الصِّحَّةُ فقال لو كَاتَبَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ اُعْتُبِرَتْ كِتَابَتُهُ من الثُّلُثِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَالْبَاقِي قِنٌّ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ بِأَنَّ ذَاكَ ابْتِدَاءُ كِتَابَةٍ وَهُنَا وَرَدَتْ الْكِتَابَةُ على الْجَمِيعِ ثُمَّ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إبْطَالِهَا في الْبَعْضِ قال لَكِنْ نَصَّ في الْأُمِّ على ما يُوَافِقُ الْبُطْلَانَ فقال إذَا انْتَقَضَتْ الْكِتَابَةُ في الْبَعْضِ انْتَقَضَتْ في الْكُلِّ
فَرْعٌ لو قال أَعْتَقْتُك على أَنْ تَخْدُمَنِي وَأَطْلَقَ أو قال على أَنْ تَخْدُمَنِي أَبَدًا فَقَبِلَ عَتَقَ في الْحَالِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لم يُعْتِقْهُ مَجَّانًا أو قال على أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا من الْآنِ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِالْخِدْمَةِ لِتَعَيُّنِ زَمَنِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْخِدْمَةُ فيه بِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ رَجَعَ عليه السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ لَا بِأُجْرَةِ الْخِدْمَةِ كَالصَّدَاقِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ إذَا تَلِفَا قبل الْقَبْضِ
أو قال كَاتَبْتُك على أَنْ تَخْدُمَنِي أَبَدًا أو أَطْلَقَ لم يَعْتِقْ وَإِنْ قَبِلَ لِاسْتِغْرَاقِ الْخِدْمَةِ مُدَّةَ عُمُرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ عِتْقِهِ أو على أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا فَقَبِلَ وَخَدَمَهُ شَهْرًا عَتَقَ وَلَهُ على سَيِّدِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ فَإِنْ خَدَمَهُ أَقَلَّ من شَهْرٍ لم يَعْتِقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ
وَيُشْتَرَطُ في صِحَّتِهَا بَيَانُ قَدْرِ الْعِوَضِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِ الْآجَالِ وَقِسْطِ كل نَجْمٍ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالنَّجْمُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وهو الْمُرَادُ هُنَا وَيُطْلَقُ على الْمَالِ الْمُؤَدَّى فيه وَيُسَمَّى الْوَقْتُ نَجْمًا لِأَنَّ الْعَرَبَ كانت لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ بَلْ كانت تَبْنِي أُمُورَهَا على طُلُوعِ النَّجْمِ فيقول أَحَدُهُمْ إذَا طَلَعَ نَجْمُ الثُّرَيَّا أُؤَدِّي من حَقِّك كَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا أَقَّتَ بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا تَسَاوِيهِمَا فَيَجُوزُ تَفَاوُتُهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ابْتِدَاءِ النَّجْمِ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا من حِينِ الْعَقْدِ كما في الْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النَّقْدِ إنْ لم يَكُنْ ثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَةُ النُّقُودِ وَإِلَّا كَفَى الْإِطْلَاقُ ويشترط فِيمَا إذَا عَقَدَ بِعَرْضٍ وَصْفُ الْعَرْضِ بِصِفَةِ السَّلَمِ فَإِنْ كَاتَبَهُ على ثَوْبٍ مَثَلًا مَوْصُوفٍ على أَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَهُ مَثَلًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَيْ بَعْدَهَا وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِسَنَتَيْنِ أَيْ بَعْدَهُمَا لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ النِّصْفَ في الْمُدَّةِ الْأُولَى تَعَيَّنَ النِّصْفُ الثَّانِي لِلثَّانِيَةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ أو كَاتَبَهُ على مِائَةٍ تُؤَدَّى كَذَلِكَ أَيْ نِصْفُهَا مَثَلًا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ صَحَّ لِأَنَّ الْمِائَةَ مُتَفَاضِلَةٌ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنْ قال على أَنْ تُؤَدِّيَ بَعْضَهَا لِسَنَةٍ وَبَعْضَهَا لِسَنَتَيْنِ لم يَصِحَّ وَكَذَا لو قال على أَنْ تُؤَدِّيَهَا في عَشْرِ سِنِينَ لِلْجَهْلِ بِالتَّوْزِيعِ فِيهِمَا وَلِأَنَّهَا في الثَّانِيَةِ كِتَابَةٌ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قال على أَنْ تُؤَدِّيَهَا في شَهْرِ كَذَا أو في وَسَطِ الشَّهْرِ أو في يَوْمِ كَذَا فَهَلْ هو مَجْهُولٌ أو يُحْمَلُ في غَيْرِ الْوَسَطِ على أَوَّلِهِ وفي الْوَسَطِ على نِصْفِهِ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ الْحَقِيقِيُّ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ في السَّلَمِ كَذَا نَظَرَ بِهِ الْأَصْلُ في غَيْرِ الْوَسَطِ وَقَضِيَّتُهُ الْبُطْلَانُ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ في الْوَسَطِ وَغَيْرِهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ أو قال على أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَى عَشْرِ سِنِينَ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ أَجَلٌ وَاحِدٌ أو على أَنْ تُؤَدِّيَهَا في ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كُلُّ شَهْرٍ قِسْطُهُ أَيْ قِسْطُ كل شَهْرٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ فَلَا يَجُوزُ حتى يُبَيِّنَ حِصَّةَ كل شَهْرٍ
وَلَوْ كَاتَبَهُ بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا على أَنْ يَعْتِقَ بِالْأَوَّلِ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لو كَاتَبَهُ مُطْلَقًا وَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ فَأَعْتَقَهُ على أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَا لو شَرَطَهُ ابْتِدَاءً
فَرْعٌ هل يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ لِلنُّجُومِ أو لَا فيه الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ في السَّلَمِ قَضِيَّةُ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِتَسْلِيمِهَا أو يَصْلُحُ له وَلِحَمْلِهَا مُؤْنَةٌ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَإِنْ عَيَّنَ له مَكَانًا ثُمَّ خَرِبَ الْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ فَهَلْ يُؤَدِّي إلَيْهِ أَيْ فيه أو يُؤَدِّي إلَى أَيْ في أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ فيه وَجْهَانِ قِيَاسُ ما في السَّلَمِ تَرْجِيحُ الثَّانِي
وَتَفْسُدُ مُكَاتَبَتُهُ بِمَالِ الْغَيْرِ لَكِنْ يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ له بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَيَجِبُ الرَّدُّ له وَالرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِفَسَادِ الْكِتَابَةِ أَمَّا إذَا أَدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ ما لو قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فإنه إذَا أَدَّاهُ عَتَقَ وَإِنْ كان مُسْتَحَقًّا كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وفي
____________________
(4/474)
مَحْضِ التَّعْلِيقِ يَعْتِقُ بِالْمُسْتَحَقِّ كَإِنْ أَعْطَيْتنِي هذا فَأَعْطَاهُ فإنه يَعْتِقُ لِكَوْنِهِ مَحْضَ تَعْلِيقٍ وَتِلْكَ كِتَابَةٌ تُوجِبُ التَّمْلِيكَ فإذا لم يُوجَدْ إذْنٌ لم يُوجَدْ ما يَقْتَضِي الْمِلْكَ فلم يُوجَدْ عِتْقٌ وَيَرْجِعُ عليه بِالْقِيمَةِ وَيَرُدُّهُ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ حَيْثُ تَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّ في تَعْبِيرِهِ كَغَيْرِهِ بِمَحْضِ التَّعْلِيقِ تَسَمُّحًا بَلْ ذلك مُعَارَضَةٌ غَلَبَ فيها جَانِبُ التَّعْلِيقِ
فَرْعٌ لو كَاتَبَهُ على أَنْ يَشْتَرِيَ منه دَارِهِ مَثَلًا أو يَبِيعَهُ شيئا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَسَدَتْ أَيْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ في عَقْدٍ
وَإِنْ كَاتَبَ عَبِيدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا صَفْقَةً كَأَنْ قال كَاتَبْتُكُمْ بِأَلْفٍ إلَى وَقْتَيْ كَذَا وَكَذَا فإذا أَدَّيْتُمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ صَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ مَالِكَ الْعِوَضِ وَاحِدٌ فَأَشْبَهَ ما لو خَالَعَ نِسْوَةً وَوَزَّعَ الْمُسَمَّى على قَدْرِ الْقِيَمِ أَيْ قِيمَتِهِمْ لَا عَدَدِهِمْ وَقْتَ الْكِتَابَةِ فَمَنْ أَدَّى منهم حِصَّتَهُ عَتَقَ وَمَنْ عَجَزَ أو مَاتَ رُقَّ فَلَوْ كانت قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةً وَقِيمَةُ الثَّانِي مِائَتَيْنِ وَقِيمَةُ الثَّالِثِ ثَلَثَمِائَةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ الْمُسَمَّى وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثُهُ وَعَلَى الثَّالِثِ نِصْفُهُ فَإِنْ قُلْت لِمَ عَتَقَ الْمُؤَدِّي بِأَدَائِهِ وقد عَلَّقَ السَّيِّدُ بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ قُلْت لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ في الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ وَلِهَذَا إذَا أَبْرَأ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ عَتَقَ وإذا مَاتَ لم تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقَاتِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّيِّدُ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبَرُّعٌ إذْ الْمُكَاتَبُ وَكَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ فَمُقَابَلَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نُزُولٌ عن أَحَدِهِمَا بِلَا عِوَضٍ فَتَلْغُو الْكِتَابَةُ من صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ مَحْجُورٍ عليه وَأَوْلِيَائِهِمْ وَمُكْرَهٍ وَسَيَأْتِي
فَرْعٌ لو كَاتَبَ عَبْدَهُ في الْمَرَضِ حُسِبَ قِيمَتُهُ من الثُّلُثِ وَإِنْ كَاتَبَهُ على أَكْثَرَ منها فَإِنْ مَاتَ وَخَلَفَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ لِخُرُوجِهِ من الثُّلُثِ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَلَا مَالَ له سِوَاهُ على مِثْلَيْ قِيمَتِهِ فَأَدَّاهَا أَيْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ في حَيَاتِهِ أَيْ السَّيِّدِ عَتَقَ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ أو كَاتَبَهُ على مِثْلِ قِيمَتِهِ فَأَدَّاهَا أَيْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ فَثُلُثَاهُ يَعْتِقَانِ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ نَفَذَ التَّبَرُّعُ في ثُلُثِهِمَا وهو ثُلُثَا الْمِائَةِ وَيُخَالِفُ ما لو بَاعَ نَسِيئَةً في مَرَضِ مَوْتِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأَخَذَهُ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ لو لم يَبِعْ لم يَحْصُلْ له الثَّمَنُ وَهُنَا لو لم يُكَاتَبْ حَصَلَتْ له أَكْسَابُهُ أو أَدَّى النِّصْفَ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ في نِصْفِهِ وَإِنْ لم يُؤَدِّ شيئا حتى مَاتَ السَّيِّدُ ولم يُجِزْ الْوَرَثَةُ ما زَادَ على الثُّلُثِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ في ثُلُثِهِ فإذا أَدَّى حِصَّتَهُ من النُّجُومِ عَتَقَ وَلَا يَزِيدُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ أَيْ لَا يُزَادُ في الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ نِصْفِ ما أَدَّى وهو سُدُسٌ لِبُطْلَانِهَا في الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَعُودُ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وإذا أَجَازَ الْوَرَثَةُ في جَمِيعِهَا عَتَقَ كُلُّهُ أو في بَعْضِهَا عَتَقَ ما أَجَازُوا وفي نُسْخَةٍ أَجَازَ أَيْ الْوَارِثُ وَالْوَلَاءُ عليه فِيمَا أَجَازُوهُ لِلْمَيِّتِ لَا لهم بِنَاءً على أَنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ
وَلَوْ لم يَمْلِكْ إلَّا عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَكَاتَبَ في الْمَرَضِ أَحَدَهُمَا وَبَاعَ الْآخَرَ نَسِيئَةً وَمَاتَ ولم يَحْصُلْ بيده ثَمَنٌ وَلَا نُجُومٌ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ في ثُلُثِ هذا وَالْبَيْعُ في ثُلُثِ ذَاكَ إذَا لم يُجِزْ الْوَرَثَةُ ما زَادَ على الثُّلُثِ وَلَا يُزَادُ في الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَالنُّجُومِ لِبُطْلَانِهِمَا في الثُّلُثَيْنِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ
وَلَوْ كَاتَبَ في الصِّحَّةِ وَأَبْرَأَهُ عن النُّجُومِ أو أَعْتَقَهُ في الْمَرَضِ ولم يَمْلِكْ سِوَاهُ فِيهِمَا فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَرُقَّ ثُلُثَاهُ وَإِنْ اخْتَارَ
____________________
(4/475)
بَقَاءَ الْكِتَابَةِ وَالنُّجُومُ مِثْلُ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَتِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ في الثُّلُثَيْنِ أو وأحدهما أَقَلُّ من الْآخَرِ اُعْتُبِرَ الْأَقَلُّ أَيْ خُرُوجُهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ على الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وقد سَبَقَ بَيَانُهُ في الْوَصَايَا لم يَسْبِقْ إلَّا في أَصْلِهِ وَبَيَانُهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كانت النُّجُومُ أَقَلَّ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَقَطَ ثُلُثُهَا وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ النُّجُومُ إنْ أَدَّى وَإِلَّا فَثُلُثَا الرَّقَبَةِ وَإِنْ كانت الْقِيمَةُ أَقَلَّ كَأَنْ كانت مِائَةً وَالنُّجُومُ مِائَتَيْنِ حَصَلَ الدَّوْرُ لِأَنَّا نَحْتَاجُ أَنْ يُعْتِقَ شيئا منه مَحْسُوبًا من الثُّلُثِ وَسَقَطَ مِثْلُهُ من النُّجُومِ غير مَحْسُوبٍ منه فَيُقَالُ عَتَقَ منه شَيْءٌ وَسَقَطَ من النُّجُومِ شَيْئَانِ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ منها مِائَتَانِ إلَّا شَيْئَيْنِ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ضِعْفَ ما عَتَقَ فَبَعْدَ الْجَبْرِ مِائَتَانِ يَعْدِلَانِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ فَالشَّيْءُ خَمْسُونَ وهو نِصْفُ الْعَبْدِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الذي عَتَقَ نِصْفُ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ سَقَطَ نِصْفُ النُّجُومِ
قال الْأُسْتَاذُ فَإِنْ عَجَّلَ ما عليه من النُّجُومِ عَتَقَ نِصْفُهُ وَإِنْ لم يُؤَدِّ شيئا لم يُحْكَمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ أَيْ زَائِدٍ على الثُّلُثِ ثُمَّ كُلَّمَا أَدَّى شيئا حُكِمَ بِعِتْقِ نِصْفِ ما أَدَّى حتى يُؤَدِّيَ نِصْفَ الْكِتَابَةِ وَيَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ أَيْ وَهِيَ النِّصْفُ
وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ مُكَاتَبِهِ أو إبْرَائِهِ فَكَمَا سَبَقَ في التي قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إنْشَاءَ عِتْقٍ أو إبْرَاءٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ كَاتَبَ في الصِّحَّةِ وَقَبَضَ النُّجُومَ في الْمَرَضِ أو قَبَضَهَا وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أو أَقَرَّ هو في الْمَرَضِ بِالْقَبْضِ لها في الصِّحَّةِ أو الْمَرَضِ عَتَقَ من رَأْسِ الْمَالِ أَمَّا في الْأُولَيَيْنِ فَكَمَا لو بَاعَ بِمُحَابَاةٍ في الصِّحَّةِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ في الْمَرَضِ أو قَبَضَهُ وَارِثُهُ وَأَمَّا في الْأَخِيرَةِ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَقْدِرُ على إنْشَائِهِ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَسْتَوِي فيه الصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ
فَصْلٌ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ من كَافِرٍ كَإِعْتَاقِهِ وَلَا تَصِحُّ من مُرْتَدٍّ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْعُقُودُ لَا تُوقَفُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فإنه تَعْلِيقُ عِتْقٍ وَالتَّعْلِيقُ يَقْبَلُ الْوَقْفَ
وَلَا الْأَوْلَى فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِأَدَائِهِ النُّجُومَ في كِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ لِبُطْلَانِهَا وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ في بَابِ الرِّدَّةِ أَيْضًا وَلَا تُبْطِلُهَا رِدَّةُ السَّيِّدِ الطَّارِئَةُ بَعْدَهَا كما لَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ وَتَصِحُّ كِتَابَةُ عَبْدٍ مُرْتَدٍّ كما يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَإِعْتَاقُهُ وَيَعْتِقُ الْأَوْلَى فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَوْ في زَمَنِ رِدَّتِهِ وَإِنْ قَبِلَ قبل الْأَدَاءِ فما في يَدِهِ لِلسَّيِّدِ وَارْتَفَعَتْ الْكِتَابَةُ بِقَتْلِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ لم تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ فَإِنْ مَاتَ على الرِّدَّةِ كان ما بيده لِسَيِّدِهِ وَارْتَفَعَتْ الْكِتَابَةُ كما فُهِمَ من التي قَبْلَهَا وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ لَحِقَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَوَقَفَ مَالِهِ تَأَدَّى الْحَاكِمُ كِتَابَةَ مُكَاتَبِهِ أَيْ نُجُومَهَا وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَوَقَفَ له فَإِنْ عَجَزَ فَفَسَخَ الْكِتَابَةَ أو عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ رُقَّ فَإِنْ جاء السَّيِّدُ بَعْدَ ذلك وَلَوْ مُسْلِمًا بَقِيَ التَّعْجِيزُ بِحَالِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ وكان قد دَفَعَ إلَيْهِ النُّجُومَ أو بَعْضَهَا حَالَ رِدَّتِهِ اعْتَدَّ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كان مَمْنُوعًا من الدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ من الدَّفْعِ إلَيْهِ كان لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ فإذا أَسْلَمَ صَارَ الْحَقُّ له فَيَعْتَدُّ بِقَبْضِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ بَقَاءَ التَّعْجِيزِ
فَرْعٌ لو كَاتَبَ ذِمِّيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ ذِمِّيًّا أو مُسْتَأْمَنًا على خَمْرٍ أو نَحْوِهِ كَخِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ قَبْضِ الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ الْعِوَضِ عَتَقَ وَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ على الْعَبْدِ أو قَبْلَهُ أو بَعْدَ قَبْضِ الْبَعْضِ أَبْطَلْنَاهَا وَلَا أَثَرَ لِلْقَبْضِ بَعْدُ في الْعِتْقِ إذْ لَا أَثَرَ لِلْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ إبْطَالِهَا فَإِنْ قَبَضَ الْعِوَضَ أو الْبَاقِيَ منه بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ إبْطَالِهَا ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَجَعَ عليه السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ وَلَا تُوَزَّعُ الْقِيمَةُ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ على الْمَقْبُوضِ وَالْبَاقِي لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِالنَّجْمِ الْأَخِيرِ وقد وُجِدَ في الْإِسْلَامِ وَالنُّجُومُ لَا يَثْبُتُ لها حَقِيقَةُ الْعِوَضِيَّةِ إلَّا إذَا تَمَّتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فَرْضُ عَجْزٍ لم يَكُنْ الْمَقْبُوضُ من قَبْلُ عِوَضًا بَلْ كَسْبُ رَقِيقٍ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ على السَّيِّدِ بِقِيمَةِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَلَا بِمِثْلِهِمَا وَيَرْجِعُ بِمَا له قِيمَةٌ
وَلَوْ أَسْلَمَ عبد شَخْصٍ ذِمِّيٌّ فَكَاتَبَهُ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ لِخُرُوجِهِ بها عن تَصَرُّفِهِ وَاسْتِيلَائِهِ عليه وَلِأَنَّ فيها حَظًّا لِلْعَبْدِ بِتَوَقُّعِ عِتْقِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الذِّمِّيُّ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لم تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ وَلَوْ سَلَّمَ الْبَعْضَ من النُّجُومِ قبل إسْلَامِهِ هذه فُهِمَتْ بِالْأَوْلَى من التي قَبْلَهَا الْقُوَّةُ الدَّوَامُ على الِابْتِدَاءِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ الْبَعْضَ من زِيَادَتِهِ وَالْمُنَاسِبُ وَلَوْ لم يُسَلِّمْ الْبَعْضَ
فَرْعٌ تَصِحُّ كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ مَالِكٌ كَالذِّمِّيِّ فَإِنْ قَهَرَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُكَاتَبَهُ بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَصَارَ قِنًّا أو قَهَرَهُ الْمُكَاتَبُ هُنَاكَ صَارَ حُرًّا
____________________
(4/476)
وَمَلَكَ سَيِّدَهُ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ قَهْرٍ لَا إنْ كَانَا في دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَقَهَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيهِمَا فَلَا يَأْتِي فيه شَيْءٌ من ذلك لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حَقٍّ وَإِنْصَافٍ وَكَذَا لو قَهَرَ حُرٌّ حُرًّا بِدَارِ الْحَرْبِ أو بِدَارِنَا يَأْتِي فيه ما ذُكِرَ وَذِكْرُ حُكْمِ ذلك بِدَارِنَا من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ هَرَبَ إلَيْنَا الْمُكَاتَبُ من سَيِّدِهِ وَلَوْ غير مُسْلِمٍ بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَصَارَ حُرًّا لِأَنَّهُ قَهَرَهُ على نَفْسِهِ فَزَالَ مِلْكُهُ عنه فَإِنْ لم يَسْلَمْ طُولِبَ بِالْجِزْيَةِ أَيْ بِعَقْدِهَا إنْ رضي بها وكان من أَهْلِهَا فَإِنْ لم يَرْضَ بها أو لم يَكُنْ من أَهْلِهَا أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ وَإِنْ جَاءَنَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِإِمَامِنَا لِتِجَارَةٍ أو غَيْرِهَا اسْتَمَرَّتْ الْكِتَابَةُ كما لو جَاءَنَا السَّيِّدُ بِأَمَانٍ وَلَوْ جَاءَنَا السَّيِّدُ مُسْلِمًا لم يَتَعَرَّضْ لِمُكَاتَبِهِ هُنَاكَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
وَلَوْ دخل دَارَنَا حَرْبِيٌّ وَمُكَاتَبُهُ بِأَمَانٍ ولم يَقْهَرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِمُكَاتَبِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أو كَاتَبَهُ بَعْدَ ما دَخَلَا وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِهِ فَامْتَنَعَ من ذلك لم يُجْبَرْ عليه كما لَا يُسَافِرُ الْمُسْلِمُ بِمُكَاتَبِهِ بَلْ يُوَكِّلُ إنْ شَاءَ من يَقْبِضُ النُّجُومَ عنه وَلَا يَقِفُ أَيْ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يُقِيمَ بِدَارِنَا لها أَيْ لِلنُّجُومِ أَيْ لِيَقْبِضَهَا إلَّا إنْ كان مِمَّنْ يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ وَالْتَزَمَهَا أو أَمَّنَاهُ فَيَجُوزُ له أَنْ يَقِفَ لِذَلِكَ ثُمَّ إنْ عَجَزَ مُكَاتَبُهُ نَفْسُهُ فَفِي بَقَاءِ أَمَانِهِ بَعْدَ عَوْدِ السَّيِّدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ خِلَافٌ ذَكَرُوهُ في بَابِ الْأَمَانِ فِيمَنْ رَجَعَ وَخَلَفَ عِنْدَنَا مَالًا وَصَحَّحُوا بَقَاءَهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْفَرِدُ بِالْأَمَانِ وَلِهَذَا لو بَعَثَ حَرْبِيٌّ مَالَهُ إلَى دَارِنَا بِأَمَانٍ ثَبَتَ الْأَمَانُ لِمَا له دُونَهُ وَنَقَلَ الْأَصْلُ ذلك هُنَا عن ابْنِ الصَّبَّاغِ ثُمَّ قال وَيَجِيءُ فيه الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ ثَمَّ فَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْشِيَ على كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ
وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وقد بَطَلَ أَمَانُهُ وَلَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعَثَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ إلَى وَارِثِهِ لِبَقَاءِ الْأَمَانِ فيه وقد وَرِثَهُ وَارِثُهُ من مُوَرِّثِهِ وَمَنْ وَرِثَ مَالًا وَرِثَهُ بِحُقُوقِهِ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ أَمَّا إذَا لم يَبْطُلْ أَمَانُهُ فَوَارِثُهُ الذِّمِّيُّ وَنَحْوُهُ فَقَطْ كما عُلِمَ من بَابِ الْأَمَانِ
وَلَوْ رَجَعَ السَّيِّدُ دَارَهُمْ وَمَالُ الْكِتَابَةِ عِنْدَنَا ثُمَّ أَسَرْنَاهُ لم يَنْتَقِضْ الْأَمَانُ في مَالِهِ وَإِنْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ هو بِالرُّجُوعِ فَيَأْخُذُ النُّجُومَ إنْ مَنَنَّا عليه أو فَدَى نَفْسَهُ وهو بِذَلِكَ في أَمَانٍ ما دَامَ في دَارِنَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ اُسْتُرِقَّ السَّيِّدُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ زَالَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ الْأَرِقَّاءِ وَالْأَمَانُ بَاقٍ في مَالِ الْكِتَابَةِ فَيَنْتَظِرُ بِهِ عِتْقَ السَّيِّدِ وَمَصِيرَهُ مَالِكًا وَبِاسْتِرْقَاقِهِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ يَبْطُلُ الْوَلَاءُ له على مُكَاتَبِهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَلَا يَنْتَقِلُ من شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِهِ انْتِفَاءُ حُكْمِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوفٌ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ الْآتِي آخِرَ الْفَرْعِ
فَإِنْ اُسْتُرِقَّ السَّيِّدُ قبل عِتْقِ الْمُكَاتَبِ فَمَالُ الْكِتَابَةِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ وَصَارَ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ فَإِنْ قال لنا الْمُكَاتَبُ حَالَ التَّوَقُّفِ خُذُوا الْمَالَ عَنِّي وفي نُسْخَةٍ مِنِّي لَأَعْتَقَ أَجَابَهُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ فَإِنْ عَتَقَ السَّيِّدُ أَخَذَ منه مَالَهُ وَثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَمَالُهُ فَيْءٌ وَيَسْقُطُ وفي نُسْخَةٍ وَسَقَطَ الْوَلَاءُ
فَرْعٌ لو كَاتَبَ مُسْلِمٌ كَافِرًا بِدَارِنَا أو بِدَارُ الْحَرْبِ صَحَّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ عَتَقَ قَرَّرَ بِالْجِزْيَةِ لَا بِدُونِهَا وَإِنْ لَحِقَ الْكَافِرُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأُسِرَ لم تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ لِأَنَّهُ في أَمَانِ سَيِّدِهِ وَكَذَا لَا تَبْطُلُ كِتَابَتُهُ إذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عليه كَمُدَبَّرِهِ أَيْ الْمُسْلِمِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ أَيْ كما لَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ خَلَصَ الْمُكَاتَبُ من يَدِ الْكُفَّارِ حَسَبَ عليه مُدَّةَ الْأَسْرِ من الْأَجَلِ أَيْ أَجَلِ مَالِ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ ما لو حَبَسَهُ هو مُدَّةً وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ أَجَلِ كِتَابَتِهِ وهو في الْأَسْرِ فَسَخَهَا السَّيِّدُ إنْ شَاءَ بِنَاءً على أَنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ على الْمُكَاتَبِ فِيمَا ذَكَرَ وَيَفْسَخُهَا بِنَفْسِهِ كما لو حَضَرَ الْمُكَاتَبُ وَاحْتَرَزَ بهذا عن الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَبْحَثَ هل له مَالٌ يَفِي بِمَا عليه فَإِنْ أُطْلِقَ من يَدِ الْكُفَّارِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كان له مَالٌ يَفِي بِمَا عليه أَدَّاهُ وَعَتَقَ وَبَطَلَ الْفَسْخُ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَاتَبُ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا فَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ فَلَوْ كَاتَبَهُ أَيْ الْمُكَلَّفُ الْمُخْتَارُ لِنَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ أو الْمَجَانِينِ صَحَّتْ أَيْ الْكِتَابَةُ له دُونَهُمْ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدًا صَغِيرًا أو مَجْنُونًا وقال في كِتَابَتِهِ إذَا أَدَّيْت النُّجُومَ فَأَنْت حُرٌّ فَأَدَّى عَتَقَ وَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ فَعِتْقُهُ حَصَلَ
____________________
(4/477)
بِمُجَرَّدِ الصِّفَةِ وَقِيلَ إنَّمَا حَصَلَ بِحُكْمِ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِعِتْقِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عليه بِقِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ هو على السَّيِّدِ بِمَا دَفَعَ وَهَذَا ما احْتَرَزَ عنه بِقَوْلِهِ وَلَا تَرَاجُعَ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ قَبُولَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بَاطِلٌ فَالْعَقْدُ معه ليس بِعَقْدٍ وَلِهَذَا لو اشْتَرَى شيئا وَتَلِفَ عِنْدَهُ لم يَضْمَنْهُ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَاهُ الْمُكَلَّفُ شِرَاءً فَاسِدًا وَتَلِفَ عِنْدَهُ
وَتَصِحُّ كِتَابَةُ مُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ أَيْضًا فَيَعْتِقُ الثَّانِي بِوُجُودِ الصِّفَةِ إنْ وُجِدَتْ قبل أَدَاءِ النُّجُومِ وَإِلَّا فَبِأَدَائِهَا وَالْآخَرُ أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ إنْ مَاتَ قبل الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَبِالْأَدَاءِ لَا كِتَابَةُ مَرْهُونٍ لِأَنَّهُ مَرْصَدٌ لِلْبَيْعِ وَالْكِتَابَةُ تَمْنَعُ منه ولا كِتَابَةُ مُسْتَأْجَرٍ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَتَفَرَّعُ لِلِاكْتِسَابِ لِنَفْسِهِ وَلَا كِتَابَةُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ لم يَتَمَكَّنْ من التَّصَرُّفِ في يَدِ الْغَاصِبِ وَإِطْلَاقُ الْعِمْرَانِيِّ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ على ذلك
وَلَوْ قَبِلَ الْكِتَابَةَ من السَّيِّدِ أَجْنَبِيٌّ لِيُؤَدِّيَ عن الْعَبْدِ النُّجُومَ لم تَصِحَّ الْكِتَابَةُ لِمُخَالَفَتِهَا مَوْضُوعَ الْبَابِ فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ الْعَبْدُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ على الْأَجْنَبِيِّ بِالْقِيمَةِ وَرَدَّ له ما أَخَذَ منه
فَصْلٌ وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْمُبَعَّضِ إنْ اسْتَغْرَقَ عَقْدُهَا الْبَاقِيَ منه كما تَصِحُّ كِتَابَةُ جَمِيعِ الْعَبْدِ بِجَامِعِ إفَادَتِهَا كُلًّا مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَسْتَغْرِقْ الْبَاقِيَ منه فَإِنْ كَاتَبَ كُلَّهُ صَحَّتْ في الْقِنِّ منه بِقِسْطِهِ من النُّجُومِ وَبَطَلَتْ في الْبَاقِي عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَا لو ظَنَّهُ قِنًّا فَبَانَ مُبَعَّضًا صَحَّتْ بِقِسْطِهِ من ذلك لِمَا ذَكَرَ فَإِنْ كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَفَاسِدَةٌ كِتَابَتُهُ كما لَا يَتَبَعَّضُ عِتْقُ عَبْدِهِ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّرَدُّدِ لِاكْتِسَابِ النُّجُومِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَرْفُ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ إلَيْهِ فَإِنْ أَدَّى النُّجُومَ قبل فَسْخِ السَّيِّدِ كِتَابَتَهُ عَتَقَ وَسَرَى إلَى بَاقِيهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عليه بِمَا أَدَّى ويرجع السَّيِّدُ عليه بِقِيمَةِ الْقَدْرِ الْمُكَاتَبِ لَا بِقَدْرِ ما سَرَى الْعِتْقُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يَعْتِقْ بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ وَمَحَلُّ فَسَادِهَا فِيمَا ذُكِرَ إذَا كَاتَبَهُ في الصِّحَّةِ فَإِنْ كَاتَبَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّتْ بِقَدْرِ ما يَخْرُجُ من الثُّلُثِ وَلَوْ كان بَعْضُهُ مَوْقُوفًا على خِدْمَةِ مَسْجِدٍ أو نَحْوِهِ من الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَبَعْضُهُ رَقِيقًا وَكَاتَبَهُ مَالِكُهُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَصِحَّ بِنَاءً على قَوْلِنَا الْمِلْكُ في الْوَقْفِ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وهو الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ في الْجُمْلَةِ
كَذَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمُنَافَاتِهِ تَعْلِيلَيْهِمْ السَّابِقَيْنِ وَلَوْ سَلِمَ فَالْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ على الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ
وَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ في الْمُشْتَرَكِ لم تَصِحَّ كِتَابَتُهُ وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ لِأَنَّ لِلشَّرِيكِ مَنْعَهُ من التَّرَدُّدِ وَالسَّفَرِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْرِفَ إلَيْهِ سَهْمَ الْمُكَاتَبِينَ من الزَّكَاةِ فَإِنْ أَدَّى النُّجُومَ من حِصَّتِهِ من كَسْبِهِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من لم يُكَاتِبْهُ قبل فَسْخِ سَيِّدِهِ الْكِتَابَةَ عَتَقَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَقُوِّمَ عليه نَصِيبُ الشَّرِيكِ بِشَرْطِهِ وهو الْيَسَارُ وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ عليه بِمَا دَفَعَ له وَالسَّيِّدُ عليه بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ منه وَإِنْ أَدَّى الْعَبْدُ إلَى الذي كَاتَبَهُ جَمِيعَ الْكَسْبِ حتى تَمَّ قَدْرُ النُّجُومِ لم يَعْتِقْ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي إعْطَاءَ ما يَمْلِكُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ فَأَعْطَاهُ عَبْدًا مَغْصُوبًا فَلِلَّذِي لم يُكَاتِبْ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِمَّا أَخَذَهُ الذي كَاتَبَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنْ أَتَمَّ الْعَبْدُ النُّجُومَ من حِصَّتِهِ من كَسْبِهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا
فَرْعٌ لو كَاتَبَهُ الشَّرِيكَانِ مَعًا أو ما دُونَهُمَا أو كَاتَبَاهُ بِتَوْكِيلِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ صَحَّتْ كِتَابَتُهُمَا إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ جِنْسًا وَصِفَةً وَأَجَلًا وَعَدَدًا وَجَعَلَا الْمَالَ على نَسَبِهِ مِلْكَيْهِمَا أو أَطْلَقَا فَإِنَّهَا تُقْسَمُ كَذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى انْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ كما نَبَّهَ على ذلك بِقَوْلِهِ لَا إنْ شُرِطَ تَفَاضُلٌ في الْوَصْفِ أو في نِسْبَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ عَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ فيها وَإِنْظَارَهُ بَطَلَ عَقْدُهَا في الْجَمِيعِ
____________________
(4/478)
كَالْوَارِثَيْنِ لِمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ وَأَرَادَ الْآخَرُ إنْظَارَهُ فإنه يَبْطُلُ في الْجَمِيعِ أَيْضًا سَوَاءٌ فِيهِمَا أَذِنَ الشَّرِيكُ أَمْ لَا كَابْتِدَاءِ الْكِتَابَةِ
فَصْلٌ ما لَا يَصِحُّ منها أَيْ الْكِتَابَةِ قِسْمَانِ بَاطِلَةٌ وَفَاسِدَةٌ فَالْبَاطِلَةُ ما اخْتَلَّ رُكْنٌ من أَرْكَانِهَا كَالصَّبِيِّ يُكَاتِبُ أو يُكَاتِبُ له وَلِيُّهُ أو الْمُكْرَهِ عليها أو كَاتَبَ بِعِوَضٍ لَا يُقْصَدُ كَالدَّمِ وَالْحَشَرَاتِ أو لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ أو اخْتَلَّتْ الصِّيغَةُ بِأَنْ فُقِدَ الْإِيجَابُ أو الْقَبُولُ أو لم يُوَافِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَهَذَا مَعْطُوفٌ على الْأَمْثِلَةِ لَا على اخْتَلَّ رُكْنٌ لِاقْتِضَائِهِ حِينَئِذٍ أَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو لَا يُتَمَوَّلُ من زِيَادَتِهِ فَلَاغِيَةٌ أَيْ إذَا عَرَفَ ذلك فَالْكِتَابَةُ الْبَاطِلَةُ لَاغِيَةٌ لَا إنْ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ عليها كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي دَمًا أو مَيْتَةً فَأَنْتَ حُرٌّ وهو أَهْلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَأَعْطَاهُ دَمًا أو مَيْتَةً فَلَا تَلْغُو بَلْ يَثْبُتُ لها حُكْمُ التَّعْلِيقِ
وَأَمَّا الْفَاسِدَةُ فَهِيَ التي لم يَخْتَلَّ رُكْنٌ من أَرْكَانِهَا لَكِنْ اخْتَلَّتْ صِحَّتُهَا لِشَرْطٍ فَاسِدٍ في الْعِوَضِ كَخَمْرٍ أو مَجْهُولٍ أو مَعْلُومٍ بِلَا تَنْجِيمٍ أو لِأَجْلِ كِتَابَةِ بَعْضٍ من عَبْدٍ وَسَائِرُ الْعُقُودِ أَيْ بَاقِيهَا لَا فَرْقَ بين بَاطِلِهَا وَفَاسِدِهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ وهو لَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ على فَاسِدٍ قال الرَّافِعِيُّ كَذَا وَجَّهَ الْإِمَامُ لَكِنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ الْبَاطِلَةُ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فيها كَالْفَاسِدَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وما ذُكِرَ من أَنَّهُ لَا فَرْقَ في سَائِرِ الْعُقُودِ بين بَاطِلِهَا وَفَاسِدِهَا مَمْنُوعٌ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا أَيْضًا في الْخُلْعِ وَالْعَارِيَّةِ ا ه وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مع زِيَادَةٍ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ فقال وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَاسِدَ وَالْبَاطِلَ من الْعُقُودِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ في الْحُكْمِ إلَّا في مَوَاضِعَ منها الْحَجُّ وَالْعَارِيَّةُ وَالْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَتَوَهَّمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ النَّوَوِيَّ حَصَرَ ذلك في الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فقال وَهَذَا حَصْرٌ غَيْرُ جَيِّدٍ بَلْ يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا في كل عَقْدٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّهُمَا لو صَدَرَا من سَفِيهٍ أو صَبِيٍّ وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ في يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أو الْمُتَّهَبِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَا فَاسِدَيْنِ لم يَجِبْ ضَمَانُهَا لِأَنَّ فَاسِدَ كل عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ
وَلِلتَّعْلِيقِ لِلْعِتْقِ بِالصِّفَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ خَالٍ من الْمُعَاوَضَةِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَكَذَا إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمَالَ هُنَا لم يُذْكَرْ لِلْمُعَاوَضَةِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَازِمٌ من الْجَانِبَيْنِ ليس لِلسَّيِّدِ وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا لَهُمَا إبْطَالُهُ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وإذا وُجِدَتْ الصِّفَةُ في حَيَاةِ سَيِّدِهِ عَتَقَ فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ له في حَيَاتِهِ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ الْمَاضِي أَيْ الْحَاصِلُ قبل وُجُودِ الصِّفَةِ لِلسَّيِّدِ
الْقِسْمُ الثَّانِي التَّعْلِيقُ في الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ
الثَّالِثُ التَّعْلِيقُ في الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَكِنَّ الْمُغَلَّبَ في الْأُولَى مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وفي الثَّانِيَةِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ في أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ لِلنُّجُومِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ لَكِنْ لَا يَعْتِقُ بِإِبْرَاءِ السَّيِّدِ له ولا أَدَاءِ الْغَيْرِ عنه وَلَا بِالِاعْتِيَاضِ عنه أَيْ الْعِوَضِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَحْصُلُ بها فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ النُّجُومِ لِلسَّيِّدِ في مَحَلِّهَا كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ بِنَاءً على صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عنها كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا وفي الشُّفْعَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَاَلَّذِي جَرَى عليه الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي عَدَمُ الصِّحَّةِ فَتَسْتَوِي الْفَاسِدَةُ وَالصَّحِيحَةُ في ذلك قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْفَرْقُ على الْأَوَّلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الصِّحَّةِ في الْمُسْلَمِ فيه أَنَّ الْمُسْلَمَ فيه مَبِيعٌ وَالنُّجُومَ ثَمَنٌ وَالِاعْتِيَاضَ عنه جَائِزٌ
الثَّانِي أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِاكْتِسَابِ فَيَتَرَدَّدَ وَيَتَصَرَّفَ لِيُؤَدِّيَ النُّجُومَ وَيَعْتِقَ
____________________
(4/479)
وما فَضَلَ من الْكَسْبِ عن النُّجُومِ فَهُوَ له لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ في حُصُولِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَكَذَا في الْكَسْبِ وَيَتْبَعُهُ في الْكِتَابَةِ وَلَدُ أَمَتِهِ منه وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ من جَارِيَتِهِ كَكَسْبِهِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ له بَيْعُهُ لِأَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عليه فإذا عَتَقَ تَبِعَهُ وَعَتَقَ عليه وَهَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَلَدُهَا طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ نعم كَالْكَسْبِ
ا ه
الثَّالِثُ سُقُوطُ نَفَقَتِهِ عن سَيِّدِهِ إذَا اسْتَقَلَّ بِالْكَسْبِ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ هذا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قال وَلَعَلَّهُ أَقْوَى وَنَقَلَ قَبْلَهُ عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّ له أَنْ يُعَامِلَهُ كَالْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً وقد رَاجَعْت كَلَامَ الْبَغَوِيّ فَرَأَيْته إنَّمَا ذَكَرَ ذلك تَفْرِيعًا على ضَعِيفٍ وهو أَنَّهُ لو أَعْطَى من سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ ولم يَعْلَمْ بِفَسَادِ كِتَابَتِهِ وَدَفَعَهُ إلَى سَيِّدِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ لم يَسْتَرِدَّ منه فَالْأَقْوَى قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ
فَرْعٌ تُفَارِقُ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ الصَّحِيحَةَ في أُمُورٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَيْ لِلْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً السَّفَرُ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ لِعَدَمِ لُزُومِهَا بِخِلَافِهِ في الصَّحِيحَةِ يَجُوزُ له ذلك ما لم تَحِلَّ النُّجُومُ وَأَنَّهُ إذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ إلَى سَيِّدِهِ تَرَاجَعَا أَيْ يَرْجِعُ على سَيِّدِهِ بِمَا أَدَّى إنْ بَقِيَ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْهُ سَيِّدُهُ وَيَرْجِعُ سَيِّدُهُ عليه بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ فيها مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وقد تَلِفَ الْمَعْقُودُ عليه بِالْعِتْقِ فَهُوَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ نعم ما أَخَذَهُ الْكَافِرُ من مُكَاتَبِهِ الْكَافِرِ حَالَ الْكُفْرِ يَمْلِكُهُ وَلَا تَرَاجُعَ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُقَوَّمُ يوم الْعِتْقِ لَا يوم الْعَقْدِ بِخِلَافِ ما إذَا وَزَّعَ الْمُسَمَّى على قِيمَةِ الْعَبِيدِ في الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ يوم الْعَقْدِ هو يَوْمُ الْحَيْلُولَةِ في الصَّحِيحَةِ وَهُنَا إنَّمَا تَحْصُلُ الْحَيْلُولَةُ بِالْعِتْقِ وقد يَقَعُ التَّقَاصُّ بين السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنْ فَضَلَ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ على سَيِّدِهِ بِنَحْوِ خَمْرٍ وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عليه بِقِيمَتِهِ
وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ كَالْبَيْعِ لِجَوَازِهَا من الْجَانِبَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُسَمَّى فيها لَا يَسْلَمُ لِلسَّيِّدِ كما مَرَّ فَكَانَ له فَسْخُهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْفَسْخَ بِالسَّيِّدِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ هو الذي فَارَقَتْ فيه الْفَاسِدَةُ الصَّحِيحَةَ بِخِلَافِهِ من الْعَبْدِ فإنه يَطَّرِدُ في الصَّحِيحَةِ أَيْضًا على اضْطِرَابٍ وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ ثُمَّ إذَا فَسَخَهَا فَسَخَهَا بِنَفْسِهِ أو الْحَاكِمُ بِإِذْنِهِ أَيْ طَلَبِهِ كما لو وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَعِيبًا له أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ أو بِالْحَاكِمِ فَإِنْ أَدَّى الْمُسَمَّى لم يَعْتِقْ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَلَبَ فيها مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَهُوَ في ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ فإذا ارْتَفَعَتْ ارْتَفَعَ ما تَضَمَّنَتْهُ من التَّعْلِيقِ قال في الْأَصْلِ وَلْيُشْهِدْ السَّيِّدُ على الْفَسْخِ أَيْ احْتِيَاطًا وَإِنْ ادَّعَى الْأَدَاءَ قبل الْفَسْخِ لِيُعْتِقَ وقال سَيِّدُهُ بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَسْخِ قبل الْأَدَاءِ وَعِتْقُ السَّيِّدِ له لَا عن الْكِتَابَةِ فَسْخٌ لها فَلَا يَسْتَتْبِعُ كَسْبًا ولا وَلَدًا بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فيها اسْتَحَقَّ على السَّيِّدِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ الْعِتْقَ وَاسْتِتْبَاعُ ما ذُكِرَ بِخِلَافِهِ في الْفَاسِدَةِ وَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ بِقَبْضٍ فَسْخٌ لِكِتَابَتِهِ وَيَصِحُّ عِتْقُهُ عن كَفَّارَتِهِ كما مَرَّ في بَابِهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ من الْجَانِبَيْنِ كما مَرَّ فَلَا يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى وَارِثِهِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ إلَّا إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ كما لو قال له إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْت حُرٌّ وَقَيَّدَ الْبُطْلَانَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ لِمَا مَرَّ في تَقْيِيدِ الْفَسْخِ بِهِ وَلَا يَجِبُ فيها الْإِيتَاءُ لِأَنَّ النُّجُومَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فيها بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ وَلَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا أَيْ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً فَاسِدَةً بِالْعَوْدِ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ وَلَوْ قبل عَجْزِهَا وَلَوْ عَجَّلَ النُّجُومَ لم يَعْتِقْ لِأَنَّ الصِّفَةَ لم تُوجَدْ على وَجْهِهَا بِخِلَافِهَا في الصَّحِيحَةِ وَيَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ وَإِنْ لم تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ وَلَا يُعْطِي من سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ كما مَرَّ في قِسْمِ الصَّدَقَاتِ
____________________
(4/480)
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ في ذلك كُلِّهِ كما تَقَرَّرَ وَلَيْسَتْ الصُّوَرُ مُنْحَصِرَةً فِيمَا ذُكِرَ فَمِنْهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ كَالْقِنِّ وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْأَرْشِ على سَيِّدِهِ إذَا جَنَى عليه وَمِنْهَا مَنْعُهُ من صَوْمِ الْكَفَّارَةِ إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ إذْنٍ وكان أَمَةً أو يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْعِتْقُ أَيْ وُقُوعُهُ وَيَقَعُ بِأَدَاءِ كل النُّجُومِ لَا بَعْضِهَا لِخَبَرِ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ وَالْإِبْرَاءِ عنها على قِيَاسِ الْإِبْرَاءِ عن الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْحَوَالَةِ بها لَا عليها بِنَاءً على صِحَّتِهَا في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كما مَرَّ في بَابِهَا وَلَا يَعْتِقُ بِالِاعْتِيَاضِ عنها لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَتَقَدَّمَ ما في هذا وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ منه وَعَلَيْهِ من النُّجُومِ دِرْهَمٌ أو أَقَلُّ لِمَا مَرَّ وَكَنَظِيرِهِ من الرَّهْنِ لَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ منه ما بَقِيَ ذلك
وَلَا يَنْفَسِخُ بِجُنُونِهِمَا وَلَا إغْمَائِهِمَا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِلُزُومِهَا من أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالرَّهْنِ وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ من الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ جُنَّ السَّيِّدُ أو حُجِرَ عليه لِسَفَهٍ فَسَلَّمَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ إلَى وَلِيِّهِ عَتَقَ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عنه شَرْعًا أو سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ قَبْضَهُ فَاسِدٌ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ منه لِأَنَّهُ على مَالِكِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ لو تَلِفَ بيده لِتَقْصِيرِ الْمُكَاتَبِ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَإِنْ عَجَّزَهُ الْوَلِيُّ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ أَيْ إلَى سَيِّدِهِ في حَالِ الْحَجْرِ عليه بِالْجُنُونِ أو السَّفَهِ ثُمَّ ارْتَفَعَ عنه الْحَجْرُ اسْتَمَرَّ الرِّقُّ وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْمَالَ في حَالِ جُنُونِهِ إلَى السَّيِّدِ أو أَخَذَ منه السَّيِّدُ بِلَا أَدَاءً منه إلَيْهِ عَتَقَ لِأَنَّ قَبْضَهُ مُسْتَحَقٌّ وَلَوْ أَخَذَهُ بِلَا إقْبَاضٍ من الْمُكَاتَبِ وَقَعَ مَوْقِعُهُ
وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ بِجُنُونِ السَّيِّدِ وَإِغْمَائِهِ وبالحجر عليه لِسَفَهٍ لَا بِجُنُونِ الْعَبْدِ وَإِغْمَائِهِ لِأَنَّ الْحَظَّ في الْكِتَابَةِ لِلْعَبْدِ لَا لِلسَّيِّدِ لِمَا مَرَّ أنها تَبَرُّعٌ فَيُؤَثِّرُ اخْتِلَالُ عَقْلِ السَّيِّدِ لَا عَقْلِ الْعَبْدِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ أَيْضًا جَائِزَةٌ في حَقِّ الْعَبْدِ وَجَوَازُهَا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا بِمَا ذُكِرَ
____________________
(4/481)
فَكَذَا في الْفَاسِدِ
قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلَيْسَ على أَصْلِنَا عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يَزُولُ بِالْجُنُونِ من جِهَةِ أَحَدِهِمَا وَيَزُولُ بِمَوْتِهِ إلَّا هذا فَلَوْ أَفَاقَ وَأَدَّى الْمَالَ عَتَقَ وَتَرَاجَعَا قال في الْأَصْلِ قالوا وَكَذَا لو أَخَذَهُ السَّيِّدُ في جُنُونِهِ وَقَالُوا يُنَصِّبُ الْحَاكِمُ من يَرْجِعُ له قال وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ بِأَخْذِ السَّيِّدِ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا يَعْتِقُ في الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ هُنَا التَّعْلِيقُ وَالصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عليها الْأَدَاءُ من الْعَبْدِ ولم تُوجَدْ انْتَهَى
وَإِنْ كَاتَبَهُ الشَّرِيكَانِ مَعًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وهو مُوسِرٌ أو أَبْرَأَهُ من نَصِيبِهِ من النُّجُومِ وهو مُعْسِرٌ عَتَقَ ولم يَسْرِ إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ في الْحَالِ لِأَنَّهُ قد انْعَقَدَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ لِلنَّصِيبِ الْآخَرِ وفي التَّعْجِيلِ ضَرَرٌ بِالسَّيِّدِ لِفَوَاتِ الْوَلَاءِ وَبِالْمُكَاتَبِ لِانْقِطَاعِ الْوَلَدِ وَالْكَسْبِ عنه فَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِهِ حتى يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ وَيَرِقَّ فَيَعْتِقَ حِينَئِذٍ بِالسِّرَايَةِ وَيُقَوَّمَ عليه وَيَكُونَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ فَإِنْ لم يَعْجِزْ ولم يَرِقَّ بَلْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ من النُّجُومِ عَتَقَ وكان الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ مَاتَ قبل التَّعْجِيزِ وَالْأَدَاءِ مَاتَ مُبَعَّضًا وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّاهُمَا النُّجُومَ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا عليه وَحَلَفَ الْآخَرُ على نَصِيبِهِ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُصَدِّقِ ولم يَسْرِ الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يقول عَتَقَ النَّصِيبَانِ مَعًا بِالْقَبْضِ فَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ السِّرَايَةَ وَلِلْمُكَذِّبِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ إمَّا بِكُلِّ نَصِيبِهِ أو بِالنِّصْفِ منه وَيَأْخُذُ نِصْفَ ما بِيَدِ الْمُصَدِّقِ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مُتَعَلِّقٌ حَقُّهُمَا بِالشَّرِكَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُصَدِّقُ على الْمُكَاتَبِ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ على غَيْرِ ظَالِمِهِ
وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ لِلْمُكَاتَبِ على الْمُكَذِّبِ لِتُهْمَةِ دَفْعِ مُشَارَكَتِهِ له عنه وَإِنْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ دَفْعَ الْجَمِيعِ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ قال له دَفَعْت إلَيْك جَمِيعَ النُّجُومِ لِتَأْخُذَ نَصِيبَك وَتَدْفَعَ لِلْآخَرِ نَصِيبَهُ فقال له بَلْ أَعْطَيْت كُلًّا مِنَّا نَصِيبَهُ بِنَفْسِك وَأَنْكَرَ الْآخَرُ الْقَبْضَ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ ولم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ على الْآخَرِ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَدَّعِي عليه شيئا وَصُدِّقَ في أَنَّهُ لم يَقْبِضْ نَصِيبَ الْآخَرِ بِحَلِفِهِ وَصُدِّقَ الْآخَرُ في أَنَّهُ لم يَقْبِضْ نَصِيبَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَدَّعِي عليه شيئا ثُمَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ من الْعَبْدِ إنْ شَاءَ أو يَأْخُذَ من الْمُقِرِّ نِصْفَ ما أَخَذَ وَيَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ من الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ بِمَا غَرِمَهُ على الْمُكَاتَبِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَمَّا طَالَبَهُ الْمُنْكِرُ بِهِ عَجَزَ وَرَقَّ نَصِيبُهُ وَيُقَوَّمُ ما رَقَّ على الْمُقِرِّ بِخِلَافِهِ في التي قَبْلَهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ ثَمَّ يقول أنا حُرٌّ كَامِلُ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّقْوِيمَ وَهُنَا يَعْتَرِفُ بِأَنَّ نَصِيبَ الْمُنْكِرِ منه لم يَعْتِقْ وَإِنْ قال لِأَحَدِهِمَا أَعْطَيْتُك النُّجُومَ لِتُعْطِيَ شَرِيكَك نَصِيبَهُ وَتَأْخُذَ نَصِيبَك فقال له قد فَعَلْت ذلك وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ على نَفْيِ ذلك بَقِيَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا وَعَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَلَا يَضُرُّ التَّبْعِيضُ لِلضَّرُورَةِ وَخُيِّرَ في أَخْذِ نَصِيبِهِ بين مُطَالَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُقِرِّ بِهِ لِإِقْرَارِهِ بِأَخْذِهِ وَمِنْ أَيِّهِمَا أَخَذَ عَتَقَ نَصِيبُهُ
فَإِنْ أَخَذَ من الْمُكَاتَبِ رَجَعَ الْمُكَاتَبُ على الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ في الدَّفْعِ إلَى الشَّرِيكِ كان يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عليه أو أَخَذَ من الْمُقِرِّ لم يَرْجِعْ على الْمُكَاتَبِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ طَالَبَهُ الْوَجْهُ طَالَبَ أَيْ الْمُنْكِرُ الْمُكَاتَبُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وإذا اخْتَارَ الرُّجُوعَ على الْمُكَاتَبِ فلم يَأْخُذْ حِصَّتَهُ من الْمُقِرِّ ولم يَدْفَعْهَا إلَى الْمُنْكِرِ وَعَجَّزَ نَفْسَهُ صَارَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا وَقُوِّمَ نِصْفُهُ الرَّقِيقُ على الْمُقِرِّ وَأَخَذَ منه الْمُنْكِرُ قِيمَةَ النِّصْفِ وَأَخَذَ منه أَيْضًا نِصْفَ ما قَبَضَ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ يَعْنِي كَسْبَ النِّصْفِ الذي كان مَلَكَهُ
فَرْعٌ لو كَاتَبَ عَبْدٌ أو مَاتَ وَخَلَفَ ابْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَلَوْ بِإِعْتَاقِهِ جَمِيعَهُ أو أَبْرَأَهُ عن نَصِيبِهِ من النُّجُومِ عَتَقَ بِخِلَافِ ما لو أَبْرَأَهُ الْأَبُ عن بَعْضِهَا لِأَنَّهُ لم يُبْرِئْهُ عن جَمِيعِ حَقِّهِ بِخِلَافِ الِابْنِ فَكَانَ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ولم يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كان مُوسِرًا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الشَّرِيكِ لِأَنَّ عِتْقَهُ وفي نُسْخَةٍ لِأَنَّهُ عَتَقَ هُنَا عن الْمَيِّتِ كِتَابَةٌ وَالسِّرَايَةُ مُمْتَنِعَةٌ في حَقِّهِ كما مَرَّ بِخِلَافِ عِتْقِهِ ثَمَّ وَنَصِيبُ الِابْنِ الْآخَرِ مُكَاتَبٌ كما كان فَإِنْ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أو إعْتَاقٍ أو إبْرَاءٍ فَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ عَتَقَ عليه وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ بَقِيَ نَصِيبُهُ رَقِيقًا وَلَوْ خَصَّ الْمُكَاتَبُ أَحَدَهُمَا بِالْإِيفَاءِ لِنَصِيبِهِ من النُّجُومِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْآخَرِ لم يَصِحَّ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ
فَرْعٌ لو مَاتَ عن ابْنَيْنِ وَعَبْدٍ ثُمَّ ادَّعَى
____________________
(4/482)
الْعَبْدُ عَلَيْهِمَا أَنْ أَبَاهُمَا كَاتَبَهُ ولم يُقِمْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَكَذَّبَاهُ حَلَفَا على نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُمَا وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا عن الْيَمِينِ فَنَصِيبُهُ مُكَاتَبٌ بِيَمِينِ الْمُكَاتَبِ الْمَرْدُودَةِ عليه فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أو صَدَّقَاهُ فَمُكَاتَبٌ فإن صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ رَقَّ نَصِيبُهُ وَلَهُ مع الْعَبْدِ الْمُهَايَأَةُ في الْكَسْبِ بِلَا إجْبَارٍ عليها وَلَا تَقْدِيرٍ أَيْ لَازِمٍ فيها لِلنَّوْبَتَيْنِ فَيَجُوزُ بِيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَصَارَ نَصِيبُ الْمُصَّدِّقِ مُكَاتَبًا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَضُرُّ التَّبْعِيضُ لِلضَّرُورَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ على الْمُكَذِّبِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ من النُّجُومِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُقِرٌّ بِهِ فَلَا تُهْمَةَ وإذا أَدَّى النُّجُومَ وَفَضَلَ شَيْءٌ مِمَّا كَسَبَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ له صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُصَدِّقُ نَصِيبَهُ أو أَبْرَأَ عن حِصَّتِهِ من النُّجُومِ أو قَبَضَ حِصَّتَهُ منها عَتَقَ كما في الْمُشْتَرَكِ ولم يَسْرِ أَيْ نَصِيبُ الْآخَرِ وَإِنْ كان مُوسِرًا لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ عن الْمَيِّتِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَلِأَنَّ الْمُكَذِّبَ لم يَعْتَرِفْ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ في الْأَخِيرَتَيْنِ فَالْإِبْرَاءُ وَالْقَبْضُ عِنْدَهُ لَغْوٌ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ مُجْبَرٌ على الْقَبْضِ في صُورَتِهِ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ بِاخْتِيَارِهِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الثَّالِثَةِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَرْجِيحَهُ في الْأُولَى لَكِنَّ الذي في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فيها أَنَّ الْمَذْهَبَ السِّرَايَةُ إنْ كان مُوسِرًا لِأَنَّ الْمُكَذِّبَ يقول إنَّهُ رَقِيقٌ لَهُمَا فإذا أَعْتَقَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ ثَبَتَتْ السِّرَايَةُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لم نَقُلْ بِالسِّرَايَةِ في نَظِيرِهِ من الْمُكَاتَبِ كُلِّهِ لِمَا فيها من إبْطَالِ حَقِّ الشَّرِيكِ في كِتَابَتِهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَفْقُودَةٌ هُنَا فَلَا مَحْذُورَ في السِّرَايَةِ وما في الْمِنْهَاجِ هو الْمُعْتَمَدُ وَجَرَى عليه صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ لِلسِّرَايَةِ لِأَنَّ الْمُكَذِّبَ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُصَدِّقَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ عن نَفْسِهِ لَا عن الْمَيِّتِ وَالْمُصَدِّقُ يُنْكِرُهُ فَهُوَ كما لو قال لِشَرِيكِهِ أنت أَعْتَقْت نَصِيبَك فَأَنْكَرَ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَوَلَاءُ ما عَتَقَ لِلْمُصَدِّقِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُكَذِّبَ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالتَّكْذِيبِ كما لو ادَّعَى وَارِثَانِ دَيْنًا وَأَقَامَ شَاهِدٌ أو حَلَفَ أَحَدُهُمَا معه دُونَ الْآخَرِ يَأْخُذُ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ مَوْقُوفٌ لَكَانَ له وَجْهٌ فَإِنْ عَجَّزَهُ الْمُصَدِّقُ عَادَ قِنًّا فَيَأْخُذُ ما بيده من الْكَسْبِ لِأَنَّ الْمُكَذِّبَ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا في شَيْءٍ من أَكْسَابِهِ فقال الْمُصَدِّقُ اكْتَسَبَ هذا بَعْدَ الْكِتَابَةِ وقد أَخَذْت نَصِيبَك منه فَهُوَ لي وقال الْمُكَذِّبُ بَلْ اكْتَسَبَهُ قَبْلَهَا وكان لِلْأَبِ فَوَرِثْنَاهُ منه صُدِّقَ الْمُصَدِّقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَسْبِ قَبْلَهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا اعْتَرَفَ الْمُكَذِّبُ بِأَنَّهُ أَخَذَ ما خَصَّهُ من كَسْبِهِ قبل تَعْجِيزِ الْمُصَدِّقِ قال وهو وَاضِحٌ وقد يُغْفَلُ عنه
فَرْعٌ لو وَجَدَ السَّيِّدُ بِالنُّجُومِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا إنْ كانت بَاقِيَةً وَطَلَبَ بَدَلَهَا وَإِنْ كان الْعَيْبُ يَسِيرًا كَالْبَيْعِ بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ رضي بِهِ عَتَقَ بِقَبْضِ النَّجْمِ الْأَخِيرِ وَيَكُونُ رِضَاهُ كَالْإِبْرَاءِ عن بَعْضِ الْحَقِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَبْضِ لَا بِالرِّضَا بِنَاءً على أَنَّ مُسْتَحِقَّ الدَّيْنِ إذَا اسْتَوْفَاهُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَرَضِيَ بِهِ لَا نَقُولُ مَلَكَهُ بِالرِّضَا بَلْ بِالْقَبْضِ وَتَأَكَّدَ الْمِلْكُ بِالرِّضَا وَإِنْ رَدَّ الْمَعِيبَ بَانَ أَنْ لَا عِتْقَ إذْ لو حَصَلَ عِتْقٌ لم يَرْتَفِعْ فَإِنْ أَبْدَلَهُ بَعْدَ اسْتِرْدَادِهِ أَيْ أَعْطَاهُ بَدَلَهُ سَلِيمًا عَتَقَ وَإِنْ عَلِمَ بِعَيْبِهِ بَعْدَ التَّلَفِ عِنْدَهُ ولم يَرْضَ بِهِ بَلْ طَلَبَ الْأَرْشَ بَانَ أَنْ لَا عِتْقَ فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ الْأَرْشَ عَتَقَ حِينَئِذٍ أَيْ حين أَدَّاهُ فَإِنْ رضي بِالْعَيْبِ نَفَذَ الْعِتْقُ فَإِنْ عَجَزَ وَعَجَّزَهُ سَيِّدُهُ رَقَّ كما لو عَجَزَ بِبَعْضِ النُّجُومِ وَالْأَرْشُ أَيْ قَدْرُهُ ما نَقَصَ من النُّجُومِ الْمَقْبُوضَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ لَا ما نَقَصَ من قِيمَةِ الْعَبْدِ بِحَسَبِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ من قِيمَةِ النُّجُومِ كما هو وَجْهٌ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَمَّا في الذِّمَّةِ ليس رُكْنًا في الْعَقْدِ وَلِذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ فَلَا يُسْتَرَدُّ في مُقَابِلَةِ نُقْصَانِهِ جُزْءٌ من الْمُعَوِّضِ كما لَا يُسْتَرَدُّ الْعِوَضُ إذَا كان بَاقِيًا بِرَدِّ الْمَعِيبِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الصَّحِيحُ فَقَدْ رَجَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ وَإِنْ وُجِدَ
____________________
(4/483)
ما قُبِضَ من النُّجُومِ نَاقِصٌ وُزِنَ في الْمَوْزُونِ أو كِيلَ في الْمَكِيلِ فَلَا عِتْقَ سَوَاءٌ أَبَقِيَ بيده أَمْ تَلِفَ لِخَبَرِ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ وَإِنْ رضي بِهِ عَتَقَ بِالْإِبْرَاءِ عن الْبَاقِي
فَرْعٌ لو اُسْتُحِقَّ بَعْضُ النُّجُومِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ بَانَ أَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِأَنَّ الْأَدَاءَ لم يَصِحَّ وَتَرِكَتُهُ لِلسَّيِّدِ لَا لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ كان قال له حين أَدَّى النُّجُومَ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ أو فَقَدْ عَتَقْت لِأَنَّهُ بَنِي على الظَّاهِرِ وهو صِحَّةُ الْأَدَاءِ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى شيئا فَاسْتُحِقَّ فقال في الْمُخَاصَمَةِ مع الْمُدَّعِي هو مِلْكُ بَائِعِي إلَى أَنْ اشْتَرَيْته منه لم يَضُرَّهُ في رُجُوعِهِ على بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فَيَرْجِعُ عليه بِهِ فَلَوْ قال الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ أَعْتَقْتنِي بِقَوْلِك أَنْت حُرٌّ أو فَقَدْ عَتَقْت وقال السَّيِّدُ إنَّمَا أَرَدْت أَنَّك حُرٌّ بِمَا أَدَّيْت وَبَانَ أَنَّهُ لم يَصِحَّ الْأَدَاءُ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ لِلْقَرِينَةِ أَيْ عِنْدَهَا كَقَبْضِ النُّجُومِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ ما إذَا فُقِدَتْ
وَلَوْ قِيلَ له طَلَّقْت امْرَأَتَك فقال نعم طَلَّقْتهَا ثُمَّ قال ظَنَنْت أَنَّ اللَّفْظَ الذي جَرَى بَيْنَنَا طَلَاقٌ وقد أَفْتَانِي بِخِلَافِهِ الْفُقَهَاءُ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ بَلْ طَلَّقْتنِي لم يُقْبَلْ من الزَّوْجِ ما قَالَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ تَخَاصَمَا في لَفْظَةٍ أَطْلَقَهَا فقال ذلك ثُمَّ إذَا ذَكَرَ التَّأْوِيلَ يُقْبَلُ قال في الْوَسِيطِ وَهَذَا في الصُّورَتَيْنِ تَفْصِيلٌ لِلْإِمَامِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عنه وقال إنَّهُ قَوِيمٌ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ بِهِ لَكِنْ قال في الْوَسِيطِ في الْأُولَى إنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَقَالَهُ جَوَابًا عن سُؤَالِ حُرِّيَّتِهِ أَمْ ابْتِدَاءً اتَّصَلَ بِقَبْضِ النُّجُومِ أو لَا وَأَطْلَقَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِمَا أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وما في الْوَسِيطِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا هو الْمَنْقُولُ فِيهِمَا وَكَلَامُ الْإِمَامِ بَحْثٌ له قَائِلًا فيه وَتَصْدِيقُهُ بِلَا قَرِينَةٍ عِنْدِي غَلَطٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ جَرَى بِالتَّصْرِيحِ فَقَبُولُ قَوْلِهِ في دَفْعِهِ مُحَالٌ وقد يُؤَيِّدُ كَلَامَهُ بِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ من أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِبَيْعٍ ثُمَّ قال كان فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لم يُقْبَلْ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ على الصَّحِيحِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ هُنَاكَ لم يُعَيِّنْ مُسْتَنَدَ ظَنِّهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وقد يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ على كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ بِجَعْلِ الْقَرِينَةِ شَامِلَةً لِلْحَالِ وَالْمَاضِي
الْحُكْمُ الثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ على السَّيِّدِ الْإِيتَاءُ لِلْمُكَاتَبِ في صَحِيحِ الْكِتَابَةِ دُونَ فَاسِدِهَا قال تَعَالَى وَآتُوهُمْ من مَالِ اللَّهِ الذي آتَاكُمْ وَفُسِّرَ الْإِيتَاءُ بِأَنْ يَحُطَّ عنه شيئا من النُّجُومِ أو يَبْذُلَهُ وَيَأْخُذَ النُّجُومَ لِأَنَّ الْقَصْدَ منه الْإِعَانَةُ على الْعِتْقِ وَالْحَطُّ عنه أَفْضَلُ من إعْطَائِهِ وهو الْأَصْلُ وَالْإِعْطَاءُ بَدَلٌ عنه لِأَنَّ الْإِعَانَةَ فيه مُحَقَّقَةٌ وفي الْإِعْطَاءِ مَوْهُومَةٌ لِأَنَّهُ قد يُنْفِقُ الْمَالَ في جِهَةٍ أُخْرَى وَإِنْ أَبْرَأَهُ عن النُّجُومِ أو بَاعَهُ نَفْسَهُ أو أَعْتَقَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ فَلَا إيتَاءَ عليه وما ذَكَرَهُ في الْأَخِيرَتَيْنِ يَأْتِي في غَيْرِ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّ ذلك إنَّمَا هو فيه خَاصَّةً وَالْأُولَى من زِيَادَتِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهَا الْهِبَةُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ في الصَّدَاقِ وهو مَمْنُوعٌ بَلْ الذي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ثُمَّ إنَّهُ يَجِبُ الْإِيتَاءُ إنْ كان السَّيِّدُ قَبَضَ النُّجُومَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إبْرَاءٌ وهو دَاخِلٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَاسْتَثْنَى أَيْضًا الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ ما لو كَاتَبَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَالثُّلُثُ لَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ من قِيمَتِهِ وما لو كَاتَبَهُ على مَنْفَعَتِهِ
وَوَقْتُ الْوُجُوبِ لِلْإِيتَاءِ قبل الْعِتْقِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ على تَحْصِيلِهِ كما يَدْفَعُ إلَيْهِ سَهْمَ الْمُكَاتَبِينَ قبل الْعِتْقِ فَلَوْ أَخَّرَهُ عنه أَثِمَ وكان قَبْضًا فَقَوْلُ الْأَصْلِ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَالْعِتْقِ لَكِنْ يَكُونُ قَضَاءً فيه تَمَسُّحٌ وَيَجُوزُ الْإِيتَاءُ من وَقْتِ الْعَقْدِ لِلْكِتَابَةِ وَيَتَعَيَّنُ في النَّجْمِ الْأَخِيرِ إنْ لم يَفْعَلْ في غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ في الْأَخِيرِ عَيْنًا لَكِنَّهُ أَلْيَقُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ
____________________
(4/484)
وَيَكْفِي في قَدْرِ الْوَاجِبِ مُتَمَوِّلٌ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ فيه تَقْدِيرٌ وَلِظَاهِرِ قَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى في الْآيَةِ من مَالِ اللَّهِ وَلَا يَخْتَلِفُ أَيْ الْوَاجِبُ بِحَسَبِ الْمَالِ قِلَّةً وَكَثْرَةً وَيُسْتَحَبُّ رُبْعٌ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَسْمَحْ بِهِ نَفْسُهُ فَسَبْعٌ رَوَى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه يَحُطُّ عن الْمُكَاتَبِ قَدْرَ رُبْعِ كِتَابَتِهِ وَرُوِيَ عنه رَفْعُهُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَوَى مَالِكٌ في الْمُوَطَّإِ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا له على خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَحَطَّ عنه سُبْعَهَا خَمْسَةَ آلَافٍ قال الْبُلْقِينِيُّ بَقِيَ بَيْنَهُمَا السُّدُسُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن أبي سَعِيدٍ مولى أبي أَسِيدٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا له على أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتِي دِرْهَمٍ قال فَأَتَيْته بِمُكَاتَبَتِي فَرَدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَمُرَادُهُ بَقِيَ مِمَّا وَرَدَ في الحديث وَإِلَّا فَالْخُمْسُ أَوْلَى من السُّدُسِ وَالثُّلُثُ أَوْلَى من الرُّبْعِ وَمِمَّا دُونَهُ وَإِنْ لم يَحُطَّ عنه شيئا وَأَعْطَاهُ من غَيْرِ الْجِنْسِ أَيْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ كَأَنْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ عن دَنَانِيرَ لم يَلْزَمْ قَبُولُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى من مَالِ اللَّهِ الذي آتَاكُمْ قال الرَّافِعِيُّ يُرِيد بِهِ مَال الْكِتَابَةِ وَيَجُوزُ قَبُولُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ من قَبِيلِ الْمُعَاوَضَاتِ أو أَعْطَاهُ من جِنْسِهِ وَلَوْ من غَيْرِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعَانَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ولم يُؤْتِهِ شيئا لَزِمَ الْوَرَثَةَ إنْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ أو الْوَلِيَّ إنْ كَانُوا غير مُكَلَّفِينَ الْإِيتَاءَ فَإِنْ كان النَّجْمُ بَاقِيًا تَعَيَّنَ الْوَاجِبُ في الْإِيتَاءِ منه أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ وَقُدِّمَ على الدَّيْنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَإِنْ تَلِفَ النَّجْمُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ على الْوَصَايَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ من الْوَاجِبِ فَالزَّائِدُ عليه من الْوَصَايَا وَإِنْ بَقِيَ على الْمُكَاتَبِ من النُّجُومِ قَدْرُهُ أَيْ قَدْرُ الْوَاجِبِ فَلَا تَقَاصَّ قالوا لِأَنَّا وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَطَّ أَصْلًا فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَهُ من غَيْرِهِ وَلَا تَعْجِيزَ أَيْ وَلَيْسَ له تَعْجِيزُهُ لِأَنَّ له عليه مثله فَيَرْفَعُهُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِهِ
فَصْلٌ لو أَدَّى النُّجُومَ أو بَعْضَهَا قبل الْمَحَلِّ أو في غَيْرِ الْبَلَدِ أَيْ بَلَدِ الْعَقْدِ لَزِمَ السَّيِّدَ قَبُولُهُ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ غَرَضًا ظَاهِرًا فيه وهو تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أو تَقْرِيبُهُ وَلَا ضَرَرَ على السَّيِّدِ في الْقَبُولِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ من عليه الدَّيْنُ فإذا أَسْقَطَهُ بِالْأَدَاءِ سَقَطَ إلَّا إنْ تَضَرَّرَ في قَبُولِهِ بِلُحُوقِ مُؤْنَةٍ له كَالْحَيَوَانِ وما يَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ أو بِلُحُوقِ خَوْفٍ تَغَيُّرٍ أو نَهْبٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَإِنْ أَنْشَأَهَا أَيْ الْكِتَابَةَ في زَمَنِ نَهْبٍ لِأَنَّ ذلك قد يَزُولُ عِنْدَ الْمَحَلِّ وَلِمَا في قَبُولِهِ من الضَّرَرِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَإِنْ كان هذا الْخَوْفُ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَجْهًا وَاحِدًا
وَإِنْ أَحْضَرَهُ في الْمَحَلِّ أو قَبْلَهُ وَلَا ضَرَرَ على السَّيِّدِ في قَبُولِهِ وقد غَابَ أو امْتَنَعَ من قَبُولِهِ قَبَضَ الْقَاضِي عنه وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ وَالْمُمْتَنِعِينَ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ ليس لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ إلَّا سُقُوطَ الدَّيْنِ عنه وَالنَّظَرُ لِلْغَائِبِ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ في ذِمَّةِ الْمَلِيِّ فإنه خَيْرٌ من أَنْ يَصِيرَ أَمَانَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ وَإِنْ أتى إلَى سَيِّدِهِ بِنَجْمٍ فقال لَا أَقْبِضُهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ أَيْ ليس
____________________
(4/485)
مِلْكَهُ وَلَا بَيِّنَةَ له بِذَلِكَ صُدِّقَ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ لِظَاهِرِ الْيَدِ وَأُجْبِرَ السَّيِّدُ على أَخْذِهِ أو إبْرَائِهِ من النَّجْمِ لِأَنَّهُ لو لم يُجْبَرْ على ذلك لَتَضَرَّرَ الْمُكَاتَبُ بِبَقَاءِ الرِّقِّ فَإِنْ أَبَى ذلك قَبَضَهُ الْقَاضِي وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ السَّيِّدُ وكان كما لو أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يُجْبَرُ على ذلك بَلْ لَا يَجُوزُ له الْأَخْذُ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ الْمَالِكُ وَلَا يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ وَلَا يَمِينِهِ لِمَنْ عَيْنُهُ له وَلَا يَسْقُطُ بِحَلِفِ الْمُكَاتَبِ حَقُّهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ يَمِينِ السَّيِّدِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ إذَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ لِمَنْ أَقَرَّ له بِهِ إنْ صَدَّقَهُ مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ من الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ له مَالِكًا أو عَيَّنَهُ ولم يُصَدِّقْهُ أَقَرَّ في يَدِهِ كما عُلِمَ من بَابِ الْإِقْرَارِ وَمُنِعَ التَّصَرُّفُ فيه حتى يُكَذِّبَ نَفْسَهُ في قَوْلِهِ إنَّهُ حَرَامٌ فَيَتَصَرَّفُ فيه حِينَئِذٍ
وَإِنْ عَجَّلَ نَجْمًا قبل الْمَحَلِّ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ له عن الْبَاقِي فَأَخَذَهُ منه وَأَبْرَأَهُ عن الْبَاقِي لم يَصِحَّ الْقَبْضُ وَلَا الْبَرَاءَةُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَلَا الْعِتْقُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَبْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَيَرُدُّ عليه السَّيِّدُ الْمَأْخُوذُ منه لِذَلِكَ سَوَاءٌ كان الشَّرْطُ من السَّيِّدِ أو الْعَبْدِ وَلَوْ أَنْشَأَ رِضًا جَدِيدًا بِقَبْضِ ذلك عَمَّا عليه حُكِمَ بِصِحَّتِهِ كما لو أَذِنَ لِلْمُشْتَرِي أو الْمُرْتَهِنِ في قَبْضِ ما بيده عن جِهَةِ الشِّرَاءِ أو الرَّهْنِ وَإِنْ أتى بِهِ في الْمَحَلِّ بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْقَبْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْعِتْقِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبْرِئَهُ عن الْبَاقِي وَلَوْ عَجَّلَ ولم يَشْرُطْ بَرَاءَةً فَأَخَذَهُ منه وَأَبْرَأَهُ من الْبَاقِي بِلَا شَرْطٍ أو عَجَّزَ نَفْسَهُ فَأَبْرَأَهُ من الْبَاقِي أو أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَوْ قال له إنْ عَجَّزَتْ نَفْسَك وَأَدَّيْت كَذَا فَأَنْت حُرٌّ فَعَجَّزَ نَفْسَهُ وَأَدَّى عَتَقَ عن الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَعْنِي التَّعْجِيزَ لَا يَفْسَخُ الْوَجْهُ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْكِتَابَةُ ما لم يَنْفَسِخْ بَعْدَ التَّعْجِيزِ وَلَهُ إكْسَابُهُ لِعِتْقِهِ عن الْكِتَابَةِ وَيَرْجِعُ عليه السَّيِّدُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ على عِوَضَيْنِ التَّعْجِيزِ وَالْمَالِ الْمَذْكُورِ وَالتَّعْجِيزُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ ويرجع الْمُكَاتَبُ عليه بِمَا أَدَّى إلَيْهِ بَلْ لو قال السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنْت حُرٌّ فَأَعْطَاهُ عَتَقَ وهو عِوَضٌ فَاسِدٌ فَيَتَرَاجَعَانِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُعَاوَض عليه أَيْ لَا يُجْعَلُ عِوَضًا فَيَعْتِقُ بِالصِّفَةِ لَا بِالْكِتَابَةِ وَكَذَا لو عَجَّلَ النَّجْمَ على أَنْ يُعْتِقَهُ وَيُبْرِئَهُ عن الْبَاقِي فَفَعَلَ عَتَقَ عن الْكِتَابَةِ وَرَجَعَ كُلٌّ على الْآخَرِ وَيَرْجِعُ عليه السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ هو على السَّيِّدِ بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ
فَرْعٌ لو حَلَّ على الْمُكَاتَبِ نَجْمٌ فَعَجَزَ عن أَدَائِهِ وَلَوْ عن بَعْضِهِ وَاسْتَنْظَرَ سَيِّدُهُ في ذلك سُنَّ له إنْظَارُهُ كَسَائِرِ الْمَدْيُونِينَ وَلَهُ الْفَسْخُ وَإِنْ لم يَثْبُتْ عَجْزُهُ بِإِقْرَارِهِ أو بَيِّنَةٍ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى الْعِوَضِ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَيَفْسَخُ بِنَفْسِهِ وَكَذَا الْقَاضِي لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْمَعٌ عليه كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعِتْقِ لَكِنْ عِنْدَهُ أَيْ الْقَاضِي يَحْتَاجُ أَنْ يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْكِتَابَةِ وَحُلُولِ النَّجْمِ وَمَتَى فُسِخَتْ أَيْ الْكِتَابَةُ يَفُوزُ السَّيِّدُ بِمَا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ كَسَبَ عَبْدَهُ لَكِنْ يَرُدُّ ما أَعْطَى من الزَّكَاةِ على من أَعْطَاهَا إنْ كان بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كان تَالِفًا وَيُمْهَلُ لِإِحْضَارِ مَالٍ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وإحضار دَيْنٍ حَالٍّ على مَلِيءٍ مُقِرٍّ أو عليه بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وإحضار مَالٍ مُودَعٍ بِخِلَافِ ما إذَا كان بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فما فَوْقَهَا أو كان الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أو على مُعْسِرٍ أو مَلِيءٍ مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ عليه
وَيُقَاصُّ بِالدَّيْنِ الذي لِلْمُكَاتَبِ على السَّيِّدِ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَحْضَرَهُ أَيْ السَّيِّدُ الدَّيْنَ لِلْمُكَاتَبِ لِيُبَاعَ في النَّجْمِ وَيُمْهَلُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ لِبَيْعِ عَرْضٍ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ كما يُمْهِلُهَا الْخَصْمُ لِإِحْضَارِ بَيِّنَتِهِ الشَّاهِدَةِ له بِالْأَدَاءِ ونحوه
فَرْعٌ لو حَلَّ نَجْمٌ وَالْمُكَاتَبُ غَائِبٌ وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أو غَابَ بَعْدَ حُلُولِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ لِلْكِتَابَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِالْغَيْبَةِ بَعْدَ الْمَحِلِّ وَالْإِذْنُ قَبْلَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ له في اسْتِمْرَارِهَا إلَى ما بَعْدَهُ وَيَفْسَخُ بِنَفْسِهِ
____________________
(4/486)
وَيُشْهِدُ على الْفَسْخِ لِئَلَّا يُكَذِّبَهُ الْمُكَاتَبُ وَكَذَا يَفْسَخُ بِالْحَاكِمِ نَظِيرُ ما مَرَّ في الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ لَكِنْ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ أَيْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْحُلُولِ لِلنَّجْمِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ له ثَمَّ أَنْ يَقُولَ هُنَا بِالْكِتَابَةِ وَالْحُلُولِ وَالتَّعَذُّرِ لِتَحْصِيلِ النَّجْمِ وَالْحَلِفِ من السَّيِّدِ أَنَّهُ ما قَبَضَ ذلك منه وَلَا من وَكِيلِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ منه وَلَا أَنْظَرَهُ فيه كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَلَا يَعْلَمُ مَالًا حَاضِرًا لِأَنَّ ذلك قَضَاءً على غَائِبٍ وَالْمُرَادُ بِالْغَيْبَةِ كما قال ابن الرِّفْعَةِ في كِفَايَتِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ قُلْت وَالْقِيَاسُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدَوِيِّ وَلَوْ كان له مَالٌ حَاضِرٌ لم يَكُنْ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ لِلنَّجْمِ منه وَيُمَكِّنُ الْقَاضِيَ السَّيِّدَ لِيَفْسَخَ أَيْ منه وَإِنْ عَاقَ الْمُكَاتَبَ عن حُضُورِهِ مَرَضٌ أو خَوْفٌ في الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّزَ نَفْسَهُ لو كان حَاضِرًا ولم يُؤَدِّ الْمَالَ وَرُبَّمَا فَسَخَ الْكِتَابَةَ في غَيْبَتِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا مع قَوْلِهِ قبل أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ له مَالًا حَاضِرًا لَا يَجْتَمِعَانِ انْتَهَى
وَالتَّحْلِيفُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّهُ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ غَرِيبٌ وَعَلَيْهِ لَا إشْكَالَ قال الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ ما ذَكَرَهُ من عَدَمِ الْأَدَاءِ عن الْغَائِبِ قد خَالَفَهُ آخِرَ الرُّكْنِ الثَّالِثِ في الْكَلَامِ على الْأَسِيرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو كَلَامٌ نَازِلٌ يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ وَعَلَى ما تَخَيَّلَهُ قد يُفَرَّقُ بين الْأَسِيرِ وَغَيْرِهِ
وَلَوْ أَنْظَرَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ وَسَافَرَ بِإِذْنِهِ ثُمَّ نَدِمَ على إنْظَارِهِ لم يَفْسَخْ في الْحَالِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَرُبَّمَا اكْتَسَبَ في السَّفَرِ ما يَفِي بِالْوَاجِبِ عليه فَلَا يَفْسَخُ سَيِّدُهُ حتى يُعْلِمَهُ بِالْحَالِ بِكِتَابِ الْقَاضِي أَيْ قَاضِي بَلَدِ سَيِّدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ وَيُثْبِتَ الْكِتَابَةَ وَالْحُلُولَ وَالْغَيْبَةَ وَيَحْلِفَ أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ وَيَذْكُرَ أَنَّهُ نَدِمَ على الْإِذْنِ وَالْإِنْظَارِ وَرَجَعَ عنهما
وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ لِيُعَرِّفَهُ الْحَالَ فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ كَتَبَ بِهِ قَاضِي بَلَدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ السَّيِّدِ لِيَفْسَخَ إنْ شَاءَ وَإِنْ بَذَلَ الْمُكَاتَبُ ما وَجَبَ عليه وَلِلسَّيِّدِ وَكِيلٌ هُنَاكَ سَلَّمَ إلَيْهِ فَإِنْ أَبَى ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لِلسَّيِّدِ وَلِلْوَكِيلِ أَيْضًا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ له هُنَاكَ وَكِيلٌ أَلْزَمهُ الْقَاضِي إرْسَالَهُ إلَيْهِ في الْحَالِ إنْ لم يَحْتَجْ إلَى رُفْقَةٍ أو مع أَوَّلِ رُفْقَةٍ يَخْرُجُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا وَعَلَى السَّيِّدِ الصَّبْرُ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ثُمَّ إذَا مَضَتْ ولم يُوصِلْهُ يَفْسَخُ إنْ قَصَّرَ في إيصَالِهِ وَإِنْ سَلَّمَ إلَى وَكِيلِهِ وبان أَنَّهُ قد عَزْله فَإِنْ كان التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي بَرِيءَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الْمَنْعُ وقد يُؤْخَذُ من بَرَاءَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّ لِقَاضِي بَلَدٍ الْمُكَاتَبِ الْقَبْضَ على السَّيِّدِ
وَإِنْ لم يَكُنْ بِبَلَدِ السَّيِّدِ قَاضٍ وَبَعَثَ السَّيِّدُ إلَى الْمُكَاتَبِ من يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ وَيَقْبِضُ منه النَّجْمَ فَهُوَ هو كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ أَمْ لَا فيه خِلَافٌ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وهو ما اخْتَارَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ
فَرْعٌ لو امْتَنَعَ الْمُكَاتَبُ من الْأَدَاءِ لِلنُّجُومِ بَعْدَ الْمَحِلِّ وهو قَادِرٌ عليه لم يُجْبَرْ على أَدَائِهَا لِجَوَازِ الْكِتَابَةِ من جِهَتِهِ وَلِأَنَّ الْحَظَّ فيها له وَلِتَضَمُّنِهَا
____________________
(4/487)
التَّعْلِيقَ بِصِفَةٍ وهو لَا يُجْبَرُ عليها وَلِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ أَيْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ وَعَلَى هذا جَرَى جَمْعٌ منهم صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ الْفَسْخَ بِتَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ ليس بِظَاهِرٍ فَإِنْ أَمْهَلَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ ولم يَفْسَخْ فَلِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ كما أَنْ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الرَّهْنِ
فَصْلٌ وَلَوْ جُنَّ الْمُكَاتَبُ فَأَرَادَ السَّيِّدُ الْفَسْخَ لم يَفْسَخْ بِنَفْسِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ وَيُثْبِتَ أَيْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةِ بِجَمِيعِ ما ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ على الْغَائِبِ من الْكِتَابَةِ وَالْحُلُولِ وَتَعَذُّرِ التَّحْصِيلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيُطَالِبُ بِحَقِّهِ وَيَحْلِفُ على بَقَائِهِ فَإِنْ وَجَدَ الْقَاضِي له مَالًا أَدَّاهُ عن الْوَاجِبِ عليه لِيَعْتِقَ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَيَنُوبُ عنه بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الْغَائِبِ كما مَرَّ وَقَوْلُهُ أَدَّاهُ كَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وقال الْغَزَالِيُّ يُؤَدِّي إنْ رَأَى له مَصْلَحَةً في الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ بها لم يُؤَدِّ قال في الْأَصْلِ وَهَذَا أَحْسَنُ لَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ مع قَوْلِنَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ إذَا وَجَدَ مَالَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَاكِمَ يَمْنَعُهُ من الْأَخْذِ وَالْحَالَةِ هذه أَيْ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ وَإِنْ لم يَجِدْ له الْقَاضِي مَالًا فَسَخَ السَّيِّدُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَعَادَ بِالْفَسْخِ قُلْنَا له فَإِنْ أَفَاقَ من جُنُونِهِ وظهر له مَالٌ كان حَصَّلَهُ من قَبْلِ الْفَسْخِ دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ وَنَقَضَ التَّعْجِيزَ وَعَتَقَ قال في الْأَصْلِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَأَحْسَنَ الْإِمَامُ إذْ خَصَّ نَقْضَ التَّعْجِيزِ بِمَا إذَا ظَهَرَ الْمَالُ بِيَدِ السَّيِّدِ وَإِلَّا فَهُوَ مَاضٍ لِأَنَّهُ فَسَخَ حين تَعَذَّرَ عليه حَقُّهُ فَأَشْبَهَ ما لو كان مَالُهُ غَائِبًا فَحَضَرَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَطَالَبَهُ السَّيِّدُ بِمَا أَنْفَقَ عليه قبل نَقْضِ التَّعْجِيزِ لِأَنَّهُ لم يَتَبَرَّعْ عليه بِهِ وَإِنَّمَا أَنْفَقَ عليه على أَنَّهُ عَبْدُهُ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كان أَنْفَقَ عليه بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وهو ظَاهِرٌ بَلْ يَتَعَيَّنُ إلَّا إنْ عَلِمَ بِالْمَالِ فَلَا يُطَالِبُهُ بِذَلِكَ
قال الرَّافِعِيُّ وَلَوْ أَقَامَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ ما أَفَاقَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كان قد أَدَّى النُّجُومَ حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ عليه لِأَنَّهُ لَبِسَ وَأَنْفَقَ على عِلْمٍ بِحُرِّيَّتِهِ فَيُجْعَلُ مُتَبَرِّعًا فَلَوْ قال نَسِيت الْأَدَاءَ فَهَلْ يُقْبَلُ لِيَرْجِعَ فيه وَجْهَانِ
قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الرُّجُوعِ أَيْضًا
وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ شَيْءٌ من النُّجُومِ وَلَوْ قَبِلَ الْإِيتَاءَ مَاتَ رَقِيقًا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ فَلَا يُورَثُ وَتَكُونُ أَكْسَابُهُ لِسَيِّدِهِ وَتَجْهِيزُهُ عليه سَوَاءٌ أَخْلَفَ وَفَاءً بِالنُّجُومِ أَمْ لَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الرَّقَبَةُ وَالْمَقْصُودُ مُرْتَقَبٌ فيها فإذا فَاتَتْ كان فَوَاتُهَا كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وَإِنَّمَا لم يَسْقُطْ الْبَاقِي قبل الْإِيتَاءِ مع أَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَعْلُومٌ بَلْ لو أَرْسَلَ بِهِ أَيْ بِالْمَالِ إلَى سَيِّدِهِ فَمَاتَ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ السَّيِّدُ مَاتَ رَقِيقًا
____________________
(4/488)
أَيْضًا وَلَوْ ادَّعَى أَوْلَادُهُ الْأَحْرَارُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْإِقْبَاضَ لِلْمَالِ الْمُرْسَلِ إلَى السَّيِّدِ قبل الْمَوْتِ وَكَذَّبَهُمْ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِقْبَاضِ فَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَةً بِالتَّسْلِيمِ له يوم مَوْتِهِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ حتى يَقُولُوا وَقَعَ التَّسْلِيمُ قبل مَوْتِهِ أو قبل الظُّهْرِ مَثَلًا وكان مَوْتُهُ بَعْدَهُ وَتُقْبَلُ بِقَبْضِ السَّيِّدِ شَهَادَةَ وَكِيلِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لَا شَهَادَةَ وَكِيلِ الْمُكَاتَبِ قبل مَوْتِهِ أو قبل الظُّهْرِ لِاتِّهَامِهِ نعم إنْ لم يذكر فِعْلَهُ فَظَاهِرٌ أنها تُقْبَلُ
فَرْعٌ قَوْلُ السَّيِّدِ فَسَخْت الْكِتَابَةَ وَأَبْطَلْتهَا وَنَقَضْتهَا وَرَفَعْتهَا وَعَجَّزَتْهُ أَيْ كُلٌّ منها وَمِمَّا يُشْبِهُهَا فَسْخٌ وَلَا يَعُودُ بِالتَّقْرِيرِ عليها بَلْ لَا بُدَّ من تَجْدِيدِهَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الِاعْتِمَادِ في الْعِتْقِ بها على التَّعْلِيقِ وَالتَّقْرِيرُ لَا يَصْلُحُ له وَلَوْ سَكَتَ عن مُطَالَبَتِهِ بَعْدَ الْحُلُولِ مُدَّةً ثُمَّ حَضَرَ إلَيْهِ الْمَالُ لَزِمَهُ قَبْضُهُ منه وَإِنْ تَبَرَّعَ آخَرُ بِأَدَائِهِ عنه بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ قَبِلَ السَّيِّدُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ إذْ لَا يُجْبَرُ على الْقَبُولِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ كَذَا في الْعَزِيزِ لِلرَّافِعِيِّ وَارْتَضَاهُ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ وَعَكْسُهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ فقال بَدَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِإِذْنِهِ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَارْتَضَاهُ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ وقال عَقِبَ بِإِذْنِهِ نَبَّهَ عليه صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ كان مُوَافِيًا بِكَلَامِهِ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ على بَيَانِ ذلك نعم قال الْأَذْرَعِيُّ قَوْلُهُ بِإِذْنِهِ سَهْوٌ تَبِعَ فيه نُسَخَ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ وَلَفْظُهَا إذَا كان بَعْدَ إذْنِهِ وَالصَّوَابُ ما في النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
قال في الْبَسِيطِ فَإِنْ قِيلَ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ عَتَقَ أو بِغَيْرِ رِضَاهُ فَفِي حُصُولِ الْعِتْقِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو قِيَاسُ سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ على أَدَائِهِ فَلَا بُدَّ من مُلَاحَظَةِ جَانِبِ التَّعْلِيقِ في الْجُمْلَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشَاحَّةَ إنَّمَا هِيَ في بَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ في الْعِتْقِ فَلَا يَلِيقُ بِالْمُصَنِّفِ إذْ الْعِتْقُ نَافِذٌ إذَا قَبِلَ سَوَاءٌ أَوْقَعَ التَّبَرُّعَ بِالْإِذْنِ أَمْ بِدُونِهِ نعم تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ الْفَسْخِ
وَيَرِقُّ كُلُّ من يُكَاتِبُ عليه من وَلَدٍ وَوَالِدٍ إذَا مَاتَ رَقِيقًا أو فَسَخَ السَّيِّدُ كِتَابَتَهُ لِعَجْزٍ أو غَيْرِهِ وَصَارُوا جميعا وما في يَدِهِ من الْمَالِ وَنَحْوِهِ لِلسَّيِّدِ إنْ لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ
وَلَوْ اسْتَعْمَلَ سَيِّدٌ مُكَاتَبَهُ أو حَبَسَهُ بِلَا اسْتِعْمَالٍ مُدَّةً قَهْرًا لَزِمَتْهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لها لِإِمْهَالِهِ بَعْدَ مَجِيءِ الْمَحِلِّ كَتِلْكَ الْمُدَّةِ أَيْ مِثْلِهَا بَلْ له تَعْجِيزُهُ وَالْفَسْخُ كما لَا يَلْزَمُ الدَّائِنَ إذَا حَبَسَ مَدِينَهُ مُدَّةَ الْأَجَلِ إمْهَالَهُ بَعْدَهَا وما فَوَّتَهُ عليه من الْمَنَافِعِ صَارَ مَجْبُورًا بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ حَبَسَهُ غَيْرُ السَّيِّدِ وَلَوْ بِلَا اسْتِعْمَالٍ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَلَا إمْهَالَ كما لو حَبَسَهُ السَّيِّدُ بَلْ أَوْلَى
فَرْعٌ إذَا كان لِلسَّيِّدِ دَيْنٌ بِمُعَامَلَةٍ أو جِنَايَةٍ على الْمُكَاتَبِ وفي يَدِهِ ما يَفِي بِالنُّجُومِ دُونَ الدَّيْنِ فَلَهُ مَنْعُهُ من تَقْدِيمِ النُّجُومِ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَرْجِعًا لِلدَّيْنِ الْآخَرِ إذَا قَدَّمَهَا فَرِضَاهُ بِتَقْدِيمِهِمَا مُعْتَبَرٌ وَيَأْخُذُ ما مَنَعَهُ من أَيْ بَدَلَ دَيْنِ مُعَامَلَتِهِ أو أَرْشِ جِنَايَتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه ثُمَّ يُعَجِّزُهُ وَلَهُ تَعْجِيزُهُ قبل أَخْذِهِ ما في يَدِهِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ من مُطَالَبَتِهِ بِالدَّيْنَيْنِ مَعًا وَأَخَذَ ما بيده عنهما فَإِنْ اخْتَلَفَا وقد قَبَضَهُ أَيْ ما بيده ولم يَتَعَرَّضَا لِلْجِهَةِ فقال السَّيِّدُ قَصَدْت أَنْت دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ أو الْأَرْشَ وقال الْمُكَاتَبُ بَلْ قَصَدْت الْكِتَابَةَ أَيْ نُجُومَهَا أو قال ابْتِدَاءً قَصَدْتهَا فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ صُدِّقَ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ كما لو قال من عليه دَيْنَانِ وَلَهُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ أَدَّيْت دَيْنَ الرَّهْنِ هذا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْقَفَّالِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ أَعْنِي الْأَصْلَ عن الصَّيْدَلَانِيِّ تَصْدِيقَ السَّيِّدِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ هُنَا إلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ
وَيَحْجُرُ عليه بِالدُّيُونِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِلسَّيِّدِ أَمْ لِغَيْرِهِ أَمْ لَهُمَا كَالْحَجْرِ بِالْفَلَسِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بين أَرْبَابِ الدُّيُونِ وَلَا يُجْعَلُ بِالْحَجْرِ عليه دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ كَالْمُفْلِسِ بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ اُسْتُرِقَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فإنه يَحِلُّ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وإذا لم يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ على الْمُكَاتَبِ بِالْحَجْرِ عليه فَيُقْسَمُ ما بيده على الدُّيُونِ الْحَالَّةِ دُونَ الْمُؤَجَّلَةِ كما في الْفَلَسِ وَلَا يُحْجَرُ عليه لِأَجْلِ النُّجُومِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَالْمُكَاتَبُ مُتَمَكِّنٌ من إسْقَاطِهَا وَحَيْثُ لَا حَجْرَ عليه فَإِنْ كان مَالُهُ وَافِيًا بِالدُّيُونِ قُضِيَتْ وَإِلَّا فَلَهُ تَقْدِيمُ ما شَاءَ منها فَأَخَّرَ الْمُفْلِسُ أَيْ غير النُّجُومِ كما مَرَّ له تَعْجِيلُ النُّجُومِ لَا غَيْرِهَا من الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَلَيْسَ له تَعْجِيلُهَا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلَوْ كان في مُعَامَلَتِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ وَالْأَوْلَى فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ عليه دُيُونٌ لِغَيْرِ السَّيِّدِ أَوَّلُهُمَا ولم يَفِ بها ما بيده ولم يُحْجَرْ عليه تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ على غَيْرِهِ إذْ لَا تَعَلُّقَ له بِمَا بيده وَلَا بِرَقَبَتِهِ
ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ
____________________
(4/489)
الْأَرْشِ على دَيْنِ النُّجُومِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ وَالنُّجُومُ مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عليه مُقَدَّمٌ على حَقِّ الْمَالِكِ في الْقِنِّ فَكَذَا في الْمُكَاتَبِ ثُمَّ النُّجُومِ فَإِنْ قَدَّمَهَا على غَيْرِهَا بِرِضَا السَّيِّدِ عَتَقَ وَبَاقِي الدُّيُونِ عليه فَإِنْ حَجَرَ عليه بِالْتِمَاسِهِ أو بِالْتِمَاسِ الْغُرَمَاءِ قَدَّمَ الْحَاكِمُ وُجُوبًا دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ على غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا بيده خَاصَّةً وَالْأَرْشُ مُتَعَلِّقٌ آخَرُ وهو الرَّقَبَةُ وَيُسَوِّي بين النَّقْدِ وَالْعَرْضِ ثُمَّ الْأَرْشِ على النُّجُومِ لِمَا مَرَّ ثُمَّ النُّجُومِ فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَتْ عنه دُيُونُ السَّيِّدِ وَلَوْ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ لِعَوْدِهِ إلَى الرِّقِّ وَصُرِفَ ما في يَدِهِ لِدَيْنِ الْأَجَانِبِ من الْمُعَامَلَةِ وَالْأَرْشِ فَإِنْ لم يَفِ ما بيده بِهِمَا تَقَاسَمَاهُ أَيْ الْمُسْتَحِقَّانِ بِالنِّسْبَةِ وما بَقِيَ مِنْهُمَا فَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ منه الرَّقَبَةُ تُبَاعُ فيه ومتعلق دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ الذِّمَّةُ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلِمُسْتَحَقِّ الْأَرْشِ لَا مُسْتَحَقِّ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ لِتُبَاعَ رَقَبَتُهُ في حَقِّهِ بِالْقَاضِي فَقَطْ أَيْ لَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لم يَعْقِدْ الْكِتَابَةَ حتى يَفْسَخَهَا أَمَّا مُسْتَحِقُّ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ فَلَيْسَ له تَعْجِيزُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ
وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْدِيَهُ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ وَيَمْتَنِعُ على مُسْتَحِقِّ الْأَرْشِ التَّعْجِيزُ وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ رَقِيقُ السَّيِّدِ وَلَهُ غَرَضٌ في إتْمَامِ الْعِتْقِ وفي اسْتِيفَائِهِ لِنَفْسِهِ إنْ لم يَتِمَّ فَمُكِّنَ من الْفِدَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُضَارَبَةَ مع الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِ مُعَامَلَتِهِ وَأَرْشِ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُمَا إذَا سَقَطَا لم يَكُنْ لَهُمَا بَدَلٌ كَدُيُونِ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ النَّجْمِ فإنه إذَا سَقَطَ عَادَ السَّيِّدُ إلَى الرَّقَبَةِ إلَّا إنْ عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ أو عَجَّزَهُ هو أَيْ السَّيِّدُ أو مُسْتَحِقُّ الْأَرْشِ فَلَيْسَ له الْمُضَارَبَةُ بِدَيْنِهِ بَلْ يُبَاعُ الْمُكَاتَبُ في أَرْشِ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَيَسْقُطُ عنه ما لِلسَّيِّدِ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ وَلَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ دَيْنٌ وَلِلسَّيِّدِ وَلِصَاحِبِ الْأَرْشِ إذَا أَمْهَلَاهُ بَلْ وَلِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عن الْإِمْهَالِ وَتَعْجِيزِهِ فإذا عَجَزَ بِيعَ في الْأَرْشِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ وَتَسْقُطُ النُّجُومُ وَدَيْنُ الْمُعَامَلَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ كما مَرَّ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قبل قِسْمَةِ ما بيده انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَسَقَطَتْ النُّجُومُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لِلسَّيِّدِ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ لَا الْأَرْشُ وَلَا الْمُعَامَلَاتُ أَيْ دُيُونُهَا الثَّابِتَاتُ لِلْأَجْنَبِيِّ لِتَعَلُّقِهِمَا بِمَا خَلَّفَهُ وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ وَقِيلَ يَسْقُطُ الْأَرْشُ وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو كان بَيْنَهُمَا عَبْدٌ بِالسَّوِيَّةِ مَثَلًا فَكَاتَبَاهُ مَعًا لم يَكُنْ له تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا في الدَّفْعِ وَلَا تَفْضِيلُهُ في قَدْرِ الْمَدْفُوعِ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ خَالَفَ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ وَلَوْ بِإِذْنِ الْآخَرِ لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ أَيْ الْمُكَاتَبِ وما في يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا أَثَرَ لِلْإِذْنِ فيه لِأَنَّهُ لو جاء بِالْمَالِ يُسَلِّمُهُ لَهُمَا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يَزِنَ لِلْآخَرِ أَوَّلًا فَفَعَلَ وَسَلَّمَهُ له لم يَعْتِقْ حتى يَزِنَ لِلْآخَرِ وَلَوْ هَلَكَ الْبَاقِي قبل أَنْ يَزِنَ لِلثَّانِي كان الْمَدْفُوعُ لِلْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَكَذَا هُنَا وَلِلْآذِنِ في ذلك طَلَبُ الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِمَّا قُبِضَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ النُّجُومِ إلَيْهِ بِالْإِذْنِ من الْآخَرِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ في الْقَبْضِ أو بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُؤَدِّ الْجَمِيعَ بَلْ أَدَّى الْبَعْضُ وَامْتَنَعَ من أَدَاءِ الْبَاقِي فَلَهُمَا تَعْجِيزُهُ
فَرْعٌ لو كَاتَبَ عَبِيدًا بِشَرْطِ ضَمَانِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَيْ عن بَعْضِهِمْ النُّجُومَ فَفَاسِدَةٌ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّجُومِ بَاطِلٌ
قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ مِثْلَ هذا الشَّرْطِ لو وَقَعَ فِيمَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ كَالْبَيْعِ كان صَحِيحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَضَامَنُوا بِلَا شَرْطٍ لَغَا الضَّمَانُ وَإِنْ كَاتَبَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ عنه فُلَانٌ لم تَصِحَّ الْكِتَابَةُ لِمَا مَرَّ
وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ وَلَوْ في عَقْدَيْنِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا عن الْآخَرِ بِإِذْنِهِ وَإِذْنِ السَّيِّدِ صَحَّ الْأَدَاءُ وَرَجَعَ عليه أو بِغَيْرِ إذْنِهِمَا أو بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَقَطْ فَلَا لَكِنَّ الْأَدَاءَ صَحِيحٌ في الْأَخِيرَةِ
هذا إذَا أَدَّى عنه قبل عِتْقِهِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِإِذْنِ السَّيِّدِ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمُؤَدِّي حِينَئِذٍ بِلَا إذْنٍ وَالْأَدَاءُ من أَحَدِهِمَا إلَى السَّيِّدِ عنه بِعِلْمِهِ الْمُرَادُ أَنَّ أَخْذَ السَّيِّدِ من الْمُؤَدِّي عن الْآخَرِ مع عِلْمِهِ بِالْحَالِ كَالْإِذْنِ منه في الْأَدَاءِ فَإِنْ لم يَعْلَمْ بِالْحَالِ كَأَنْ ظَنَّهُ وَكِيلًا عنه في الْأَدَاءِ وَأَنَّ الْمُؤَدَّى كَسْبُ الْمُؤَدَّى عنه لم يَصِحَّ الْأَدَاءُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وإذا صَحَّ الْأَدَاءُ رَجَعَ على صَاحِبِهِ إنْ أَدَّى عنه بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا لَا على السَّيِّدِ هذا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَقَدَّمَ الْمَرْجُوعَ بِهِ على النُّجُومِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ له وَالنُّجُومُ لها بَدَلٌ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وهو الرَّقَبَةُ وَلِأَنَّ دَيْنَ الرَّاجِعِ لَازِمٌ
____________________
(4/490)
لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ بِخِلَافِ النُّجُومِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يُنَافِي هذا ما مَرَّ من أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ تَقْدِيمُ ما شَاءَ من الدُّيُونِ وَأَنَّ التَّرْتِيبَ السَّابِقَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا حُجِرَ عليه لِأَنَّ ما مَرَّ فِيمَا إذَا كان الْأَمْرُ إلَى خِيرَتِهِ بِلَا مُخَاصِمَةٍ وَحَاكِمٍ وما هُنَا بِخِلَافِهِ وَإِنْ لم يَصِحَّ الْأَدَاءُ لم يَرْجِعْ الْمُؤَدِّي على صَاحِبِهِ لَكِنْ يَسْتَرِدُّ من السَّيِّدِ ما أَدَّاهُ ما لم يَعْتِقْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَالسَّيِّدُ يُطَالِبُ الْمُؤَدَّى عنه بِمَا عليه فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ على الْمُؤَدِّي وقد تَلِفَ ما أَدَّاهُ إلَى السَّيِّدِ تَقَاصَّا هذا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ هُنَا وَإِنْ لم يَسْتَرِدَّ من السَّيِّدِ حتى أَدَّى النُّجُومَ عَتَقَ ثُمَّ يَسْتَرِدُّ منه على النَّصِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ لِنُقْصَانِهِ فلما عَتَقَ صَارَ كَامِلًا فَصَحَّ أَدَاؤُهُ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِهِ
وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَبْدَهُ فَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا عن الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ لم يَصِحَّ أَدَاؤُهُ وَاسْتَرَدَّ من السَّيِّدِ ما أَدَّاهُ إلَيْهِ ما لم يَعْتِقْ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّ أو أَدَّى عنه بِإِذْنِهِ صَحَّ أَدَاؤُهُ كما مَرَّ نَظِيرُ ذلك فَرْعٌ لو اخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُونَ دَفْعَةً فِيمَا أَدَّوْهُ إلَى السَّيِّدِ فقال بَعْضُهُمْ وَهُمْ من كَثُرَتْ قِيمَتُهُمْ أَدَّيْنَا على قَدْرِ الْقِيَمِ وقال الْآخَرُونَ وَهُمْ من قَلَّتْ قِيمَتُهُمْ أَدَّيْنَا على قَدْرِ الرُّءُوسِ صُدِّقَ الْآخَرُونَ وَإِنْ أَدَّى الْكُلُّ جَمِيعَ النُّجُومِ وَادَّعَى الْآخَرُونَ أَنَّهُمْ أَدَّوْا أَكْثَرَ مِمَّا عليهم لِيَكُونَ وَدِيعَةً لهم عِنْدَ السَّيِّدِ أو قَرْضًا على الْأَوَّلِينَ لِاسْتِوَائِهِمْ في التَّسْلِيمِ وَلِثُبُوتِ يَدِهِمْ في الْأَصْلِ على ما ادَّعُوهُ وَكَذَا حُكْمُ من اشْتَرَيَا شيئا على التَّفَاضُلِ وَأَدَّيَا الثَّمَنَ مَعًا وَاخْتَلَفَا في أَنَّهُمَا أَدَّيَا مُتَفَاضِلًا أو مُتَسَاوِيًا
فَصْلٌ في الِاخْتِلَافِ الْقَوْلُ قَوْلُ سَيِّدٍ في حَيَاتِهِ وقول وَارِثٍ له بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ أَنْكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْكِتَابَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَالسَّيِّدُ على الْبَتِّ وَهَذِهِ عُلِمَتْ مِمَّا مَرَّ في فَرْعِ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُمَا كَاتَبَهُ وَكَذَا إنْ قال لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك وأنا مَحْجُورٌ عَلَيَّ أو مَجْنُونٌ وَأَنْكَرَ الْعَبْدُ فإنه يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ عُرِفَ له حَجْرٌ أو جُنُونٌ سَابِقٌ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ما ادَّعَاهُ السَّيِّدُ وَلَا قَرِينَةَ وَالْحُكْمُ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ يُخَالِفُ ما مَرَّ في النِّكَاحِ من أَنَّهُ لو زَوَّجَ بِنْتَه ثُمَّ قال كُنْت مَحْجُورًا عَلَيَّ أو مَجْنُونًا يوم زَوَّجْتهَا لم يُصَدَّقْ وَإِنْ عُهِدَ له ذلك وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ هُنَا
وَإِنْ
قال كَاتَبْتُك وَأَنْكَرَ الْعَبْدُ صَارَ قِنًّا وَجُعِلَ إنْكَارُهُ تَعْجِيزًا منه لِنَفْسِهِ وَإِنْ قال كَاتَبْتُك وَأَدَّيْت الْمَالَ وَعَتَقْت عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ قال الْعَبْدُ الْمَالُ الذي أَدَّيْته إلَيْك ليس لي بَلْ لِزَيْدٍ وَادَّعَاهُ زَيْدٌ صُدِّقَ الْعَبْدُ بِيَمِينِهِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ سَيِّدٌ أَنْكَرَ الْأَدَاءَ وَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيُمْهَلُ الْمُكَاتَبُ في إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ بِالْأَدَاءِ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِ شَاهِدًا وَسَأَلَ مُهْلَةً في إحْضَارِ الْآخَرِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا أُخْرَى
قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ أَحْضَرَ شَاهِدَيْنِ أُنْظِرَ لِإِثْبَاتِ عَدَالَتِهِمَا ثَلَاثًا وَهَلْ الْإِمْهَالُ مُسْتَحَقٌّ أو مُسْتَحَبٌّ فيه وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الِاسْتِحْقَاقُ وَذُكِرَ هذا في الْإِمْهَالِ الثَّانِي من زِيَادَتِهِ
وَيُشْتَرَطُ في الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابَةِ ذِكْرُ التَّنْجِيمِ وَقَدْرِ كل نَجْمٍ وَوَقْتِهِ وَيَثْبُتُ الْأَدَاءُ وَلَوْ لِلنَّجْمِ الْأَخِيرِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أو وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الشَّهَادَةُ بِهِ الْمَالُ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعِتْقُ وَشِبْهَ ذلك بِمَا إذَا ادَّعَى على غَيْرِهِ أَنَّهُ بَاعَ منه أَبَاهُ وَعَتَقَ عليه وَأَقَامَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدًا مع يَمِينٍ يَثْبُتُ الْبَيْعُ وَيَتْبَعُهُ الْعِتْقُ
فَرْعٌ لو اخْتَلَفَا في قَدْرِ النُّجُومِ أو في وَصْفٍ من صِفَاتِهَا كَعَدَدِهَا أو جِنْسِهَا أو قَدْرِ أَجَلِهَا وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا كما في الْبَيْعِ فَإِنْ لم يَحْصُلْ الْعِتْقُ بِاتِّفَاقِهِمَا بِأَنْ لم يَقْبِضْ جَمِيعَ ما يَدَّعِيه أو قَبَضَ غير الْجِنْسِ الذي يَدَّعِيه فُسِخَتْ أَيْ الْكِتَابَةُ كما في الْبَيْعِ فَيَفْسَخَانِهَا أو أَحَدُهُمَا أو الْحَاكِمُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الْبَيْعِ وهو الذي مَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّ الذي في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنْ يَفْسَخَهَا الْحَاكِمُ إنْ لم يَتَّفِقَا على شَيْءٍ وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْفَسْخَ هُنَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عليه بَلْ مُجْتَهَدٍ فيه فَأَشْبَهَ الْعُنَّةَ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَإِنْ حَصَلَ الْعِتْقُ بِاتِّفَاقِهِمَا كَأَنْ سَلَّمَ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ ما يَدَّعِيه وهو أَلْفٌ مَثَلًا وقال الْكِتَابَةُ وَقَعَتْ على خَمْسِمِائَةٍ وَالْبَاقِي وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ وقال السَّيِّدُ بَلْ الْكِتَابَةُ على أَلْفٍ تَحَالَفَا وَاسْتَمَرَّ نُفُوذُ الْعِتْقِ وَرَجَعَ الْمُكَاتَبُ على السَّيِّدِ بِمَا أَدَّى له ورجع عليه السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ رَدُّ الْعِتْقِ فَأَشْبَهَ ما إذَا صَدَرَ الِاخْتِلَافُ في الْبَيْعِ بَعْدَ تَلَفِ
____________________
(4/491)
الْمَبِيعِ في يَدِ الْمُشْتَرِي وقد يَقَعُ التَّقَاصُّ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ قال السَّيِّدُ الْكِتَابَةُ وَقَعَتْ على نَجْمٍ وقال الْعَبْدُ بَلْ على نَجْمَيْنِ قال الْبَغَوِيّ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وقال النَّوَوِيُّ هذا اخْتِلَافٌ في مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ أَيْ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الْمُكَاتَبِ
قال الْإِسْنَوِيُّ وَإِنَّمَا قال الْبَغَوِيّ ذلك لِأَنَّهُ لَا يَرَى أَنَّ الْقَوْلَ في سَائِرِ الْعُقُودِ قَوْلُ مُدَّعِي فَسَادِهَا وَالصَّحِيحُ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ وهو ما أَشَارَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ بِكَلَامِهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً على الْكِتَابَةِ بِمِائَةٍ وأقام السَّيِّدُ بَيِّنَةً على الْكِتَابَةِ بِمِائَتَيْنِ وَاتَّفَقَ الْبَيِّنَتَانِ على أَنَّ الْكِتَابَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أُمّ اخْتَلَفَ تَسَاقَطَتَا فَيَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى وَإِنْ ذَكَرَتَا تَارِيخَيْنِ ولم يَتَّفِقَا على أَنَّ الْكِتَابَةَ وَاحِدَةٌ قُدِّمَتْ الْمُتَأَخِّرَةُ تَارِيخًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَاتَبَ في التَّارِيخِ السَّابِقِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الْكِتَابَةُ وَأَحْدَثَ أُخْرَى أَيْ مع كَوْنِ الْكِتَابِيَّةِ مُعَرَّضَةً لِلْفَسْخِ
قال الْأَذْرَعِيُّ قال الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ تَقُولَ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى أَنَّهُ أَدَّى وَعَتَقَ فَتَعَارَضَ الْبَيِّنَتَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا بَعْدَ الْعِتْقِ
وَإِنْ ادَّعَى السَّيِّدُ أَنَّ مُكَاتَبَهُ أَدَّى النُّجُومَ ثُمَّ مَاتَ وفي نُسْخَةٍ وَمَاتَ حُرًّا وَجَرَّ عِتْقُهُ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ الْحَاصِلِينَ من زَوْجَتِهِ الْعَتِيقَةِ إلَيْهِ أَيْ إلَى السَّيِّدِ فَأَنْكَرَ ذلك مَوَالِي أُمِّهِمْ صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ على نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَلَاءِ لهم وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أو يَمِينًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ بِهِ الْمَالُ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعِتْقَ وَيَدْفَعُ الْمُكَاتَبُ إلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا وَلَوْ أَقَرَّ في حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ بِأَنَّهُ أَدَّى النُّجُومَ عَتَقَ وَجَرَّ إلَيْهِ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ وَلَوْ في صَفْقَةٍ وَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى نُجُومَ أَحَدِهِمَا أو أَبْرَأَهُ منها أَمَرَ بِالْبَيَانِ فَإِنْ قال نَسِيئَةً أُمِرَ بِالتَّذْكِيرِ وَلَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا ما دَامَ حَيًّا لِأَنَّهُ قد يَتَذَكَّرُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ بَيَّنَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يُكَذِّبْهُ الْآخَرُ عَتَقَ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْآخَرُ وقال اسْتَوْفَيْت مِنِّي أو أَبْرَأْتنِي حَلَفَ السَّيِّدُ وَبَقِيَ الْآخَرُ مُكَاتَبًا إلَى الْأَدَاءِ أو نَحْوِهِ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُكَذِّبُ وَعَتَقَ أَيْضًا كما عَتَقَ الْأَوَّلُ وَإِنْ لم يَتَذَكَّرْ فَلَهُمَا تَحْلِيفُهُ فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا بَقِيَا على الْكِتَابَةِ وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا إلَّا بِالْأَدَاءِ أو نَحْوِهِ وَقِيلَ تَتَحَوَّلُ الدَّعْوَى إلَيْهِمَا فَإِنْ حَلَفَا على الْأَدَاءِ أو نَحْوِهِ أو نَكَلَا بَقِيَا على الْكِتَابَةِ أو حَلَفَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَبَقِيَ الْآخَرُ مُكَاتَبًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن النَّصِّ وَإِنْ اعْتَرَفَ السَّيِّدُ بِأَدَاءِ بَعْضِ نُجُومِ أَحَدِهِمَا ولم يُبَيِّنْ وُقِفَ الْأَمْرُ وَلَا يُسْمَعُ قَوْلُ أَحَدِهِمَا نَوَيْتنِي بِالْإِقْرَارِ الذي أَبْهَمْته ولم يَقُلْ اسْتَوْفَيْت مِنِّي أو أَبْرَأْتنِي لِأَنَّهُ لم يَدَّعِ حَقًّا ثَابِتًا بَلْ أَخْبَارًا قد يَصْدُقُ فيه وقد يَكْذِبُ وَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ في الْبَيَانِ وَلَا قُرْعَةَ فَإِنْ بَيَّنَ أَحَدُهُمَا فَكَمَا مَرَّ في بَيَانِ الْمُوَرِّثِ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُهُ فَلَهُمَا أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُهُ وَيَمِينُهُ حَيْثُ طُلِبَتْ منه تَكُونُ على نَفْيِ الْعِلْمِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَهُمَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِلْعِتْقِ لَا لِلْمَالِ إذْ لَا مَدْخَلَ فيه لِلْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَتَقَ وَعَلَى الْآخَرِ أَدَاءُ نُجُومِهِ وَإِنْ قال الْوَارِثُ لِمُدَّعِي الْأَدَاءِ لَسْت الْمُؤَدِّي عَتَقَ الْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ الْحَاصِلِ بِإِنْكَارِهِ لَا إنْ قال له لَا أَعْلَمُ أَنَّك الْمُؤَدِّي أو نَحْوُهُ
وَإِنْ
قال الْمُكَاتَبُ لِلسَّيِّدِ أَلَمْ أُوَفِّك فقال بَلَى أو
قال السَّيِّدُ ابْتِدَاءً اسْتَوْفَيْت ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْمُكَاتَبُ وَفَيْتُك الْكُلَّ فقال السَّيِّدُ بَلْ وَفَيْتنِي الْبَعْضَ صُدِّقَ السَّيِّدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا جميعا وَالْأَصْلُ عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْجَمِيعِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا وَضَعَهُ السَّيِّدُ عنه من النُّجُومِ فقال الْمُكَاتَبُ وَضَعْتهَا عَنِّي وقال السَّيِّدُ بَلْ بَعْضَهَا أو اخْتَلَفَا من أَيِّ نَجْمٍ وَضَعَهُ فقال السَّيِّدُ وَضَعْت من النَّجْمِ الْأَوَّلِ وقال الْمُكَاتَبُ بَلْ من الْأَخِير صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَضْعِ وَلَا أَحَدَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ
وَإِنْ وَضَعَ عنه دِينَارَيْنِ وَالْكِتَابَةُ بِدَرَاهِمَ لم يَصِحَّ فَإِنْ قال أَرَدْت ما يُقَابِلُهَا الْأَوْلَى ما يُقَابِلُهُمَا من الدَّرَاهِمِ صَحَّ إنْ جَهِلَاهُ كما لو أَوْصَى بِزِيَادَةٍ على الثُّلُثِ وَأَجَازَ الْوَارِثُ وهو جَاهِلٌ بها فإنه يَصِحُّ وَيُحْمَلُ على ما ظَنَّهُ
وَإِنْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ أَيْ سَيِّدَهُ أَرَادَ الْقِيمَةَ أَيْ الْمَعْنَى السَّابِقَ وهو ما يُقَابِلُ الدِّينَارَيْنِ من الدِّرْهَمِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ في تَصَرُّفَاتِ السَّيِّدِ في الْمُكَاتَبِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ وفي تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ
____________________
(4/492)
ليس لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْكَسْبِ وَالْأَرْشِ فَيَمْنَعُ الْبَيْعَ كما لو بَاعَ عَبْدًا لَا يَجُوزُ له بَيْعُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ إمَّا أَنْ يَرْفَعَ الْكِتَابَةَ وهو بَاطِلٌ لِلُزُومِهَا من جِهَةِ السَّيِّدِ أو لَا فَيَبْقَى الْمُكَاتَبُ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ نعم إنْ رضي الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ صَحَّ وكان رِضَاهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ له وقد رضي بِإِبْطَالِهِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَمِنْهُ بَيْعُ بَرِيرَةَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي صِحَّةُ بَيْعِهِ أَيْضًا من نَفْسِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وقد يُمْنَعُ بِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَازِمَةٌ فَجَازَ الْبَيْعُ تَعْجِيلًا لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وقد يَعْكِسُ هذا انْتَهَى وقال الْبُلْقِينِيُّ يَصِحُّ بَيْعُهُ من نَفْسِهِ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ وَيَعْتِقُ لَا عن جِهَةِ الْكِتَابَةِ فَلَا تَسْتَتْبِعُ كَسْبًا وَلَا وَلَدًا بِخِلَافِ ما لو أَعْتَقَهُ أو أَبْرَأَهُ عن النُّجُومِ فإنه يَعْتِقُ عن جِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ السَّيِّدَ لم يَأْخُذْ عِوَضًا عن الْعِتْقِ بِخِلَافِهِ في الْبَيْعِ وَلَا هِبَتُهُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ بَاعَهُ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي منه النُّجُومَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ ما أَخَذَ من النُّجُومِ إلَيْهِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَالْأَصْلُ لم يَتَعَرَّضْ لِهَذَا وَإِنَّمَا قال فَلَوْ أَدَّى النُّجُومَ إلَى مُشْتَرِيه فَهَلْ يَعْتِقُ فيه الْخِلَافُ فِيمَا لو دَفَعَ النُّجُومَ إلَى مُشْتَرِيهَا ولزمه أُجْرَةُ مِثْلِ مُدَّةِ اسْتِخْدَامه لِلْمُكَاتَبِ كَغَيْرِ الْمُشْتَرِي
قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِاسْتِخْدَامِهِ وَتُحْسَبُ مُدَّةُ إقَامَتِهِ مع الْمُشْتَرِي من الْأَجَلِ كما لو اسْتَخْدَمَهُ السَّيِّدُ وَلَوْ قال أَجْنَبِيٌّ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك بِكَذَا أو أَعْتِقْهُ عَنِّي بِكَذَا أو مَجَّانًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك وقد مَرَّ في الْكَفَّارَاتِ
ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ التَّصَرُّفُ في شَيْءٍ مِمَّا في يَدِ الْمُكَاتَبِ بِبَيْعٍ أو إعْتَاقٍ أو غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ معه في الْمُعَامَلَاتِ كَالْأَجْنَبِيِّ كما سَيَأْتِي وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ الذي عليه لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ فيه لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مع لُزُومِهِ لِتَطَرُّقِ السُّقُوطِ إلَيْهِ فَالنُّجُومُ بِذَلِكَ أَوْلَى وَصَحَّحَ الْأَصْلَ هُنَا عَدَمُ صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ عنها كما لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ في الشُّفْعَةِ من أَنَّهُ صَحِيحٌ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَذَكَرَ في الْبُوَيْطِيِّ ما يَدُلُّ له وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بِتَسْلِيمِهَا أَيْ النُّجُومِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ بِالْإِذْنِ من السَّيِّدِ فيه لِأَنَّهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ حتى لو تَلْفِت بيده ضَمِنَهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ أَذِنَ فَإِنَّمَا يَأْذَنُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْوَكَالَةِ فَيُطَالِبُهُ أَيْ الْمُكَاتَبَ السَّيِّدُ بها وهو أَيْ الْمُكَاتَبُ يَسْتَرِدُّ هَا من الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَالسَّيِّدُ معه في الْمُعَامَلَاتِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُبَايِعُهُ وَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالشُّفْعَةِ من الْآخَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ فَلْيَتَمَكَّنْ من التَّصَرُّفِ الْمُعِينِ عليه وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ هو الْمَالِكُ لِمَا بيده دُونَ السَّيِّدِ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ من تَفْوِيتِ الْمَالِ لِئَلَّا يَعْجَزَ فَيَفُوتُ الْعِتْقُ
فَلَوْ ثَبَتَ له على السَّيِّدِ دَيْنٌ بِمُعَامَلَةٍ أو جِنَايَةٍ وَلِلسَّيِّدِ عليه النُّجُومُ أو دَيْنُ مُعَامَلَةٍ أو جِنَايَةٍ تَقَاصَّا كما يَأْتِي بَيَانُهُ في الْفَرْعِ بَعْدَهُ فَرْعٌ في التَّقَاصِّ لَا تَقَاصَّ في الْأَعْيَانِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَإِنَّمَا يَأْتِي في الدُّيُونِ فإذا ثَبَتَ لِكُلِّ من اثْنَيْنِ على الْآخَرِ دَيْنٌ فَإِنْ كان الدَّيْنَانِ نَقْدَيْنِ وَاتَّفَقَا جِنْسًا وَحُلُولًا وَصِفَةً سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كُرْهًا أَيْ قَهْرًا من غَيْرِ رِضًا إذْ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِمِثْلِ ما عليه عِنَادٌ لَا فَائِدَةَ فيه وَلِأَنَّهُ لو كان على وَارِثِهِ دَيْنٌ وَمَاتَ سَقَطَ وَلَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا في شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ في الْحُلُولِ وَالصِّحَّةِ وَالتَّكَسُّرِ وَقَدْرِ الْأَجَلِ أو لم يَكُونَا نَقْدَيْنِ وَإِنْ كَانَا جِنْسًا فَلَا تَقَاصَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ على النَّقْدَيْنِ ليس عَقْدَ مُغَابَنَةٍ وَمُرَابَحَةٍ لِقِلَّةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا فَقَرُبَ فِيهِمَا التَّقَاصُّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ في غَيْرِهِمَا من
____________________
(4/493)
سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ بِمَا إذَا لم يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ فَفِي الْأُمِّ لو حَرَقَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ مِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً مِثْلَ حِنْطَتِهِ وَالْحِنْطَةُ التي على الْمُكَاتَبِ حَالَةَ كانت قِصَاصًا وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ ثُمَّ قال وَكَذَا لو كان مَكَانَ الْحِنْطَةِ جِنَايَةٌ على الْمُكَاتَبِ لم تَخْتَلِفْ هذا وما مَرَّ في اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ من جَرَيَانِ التَّقَاصِّ في الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةٍ ما هُنَا على ما إذَا كان الْوَاجِبُ النَّقْدَ بِأَنَّ أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ وَرَجَعَ الْوَاجِبُ إلَى النَّقْدِ جَمْعًا بين الْكَلَامَيْنِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ثَمَّ
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا لو تَرَاضَيَا بِجَعْلِ الْحَالِ قِصَاصًا عن الْمُؤَجَّلِ لم يَجُزْ أَيْضًا كما في الْحَوَالَةِ كَذَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ فَفِي الْأُمِّ لو جَنَى السَّيِّدُ على مُكَاتَبِهِ فَأَوْجَبَ مِثْلَ النُّجُومِ وَكَانَتْ مُؤَجَّلَةً لم يَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَشَاءَهُ الْمُكَاتَبُ دُونَ سَيِّدِهِ وإذا جَازَ ذلك بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَحْدَهُ فَبِرِضَاهُ مع السَّيِّدِ أَوْلَى وَلَوْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ فَوَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ التَّقَاصُّ وَعِنْدَ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ وَنَقَلَهُمَا الْأَصْلُ وفي تَنْصِيصِ الْمُصَنِّفِ على الْحُلُولِ دُونَ التَّأْجِيلِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي لِانْتِفَاءِ الْمُطَالَبَةِ وَلِأَنَّ أَجَلَ أَحَدِهِمَا قد يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قبل الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ ذلك إلَّا بِالتَّرَاضِي وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ وقال في نَصِّ الشَّافِعِيِّ ما يَدُلُّ له
قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَشَرْطُ التَّقَاصِّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ فَإِنْ كَانَا سَلَمَيْنِ فَلَا تَقَاصَّ وَإِنْ تَرَاضَيَا لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عنهما
قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ فَإِنْ مَنَعْنَا التَّقَاصَّ في الدَّيْنَيْنِ وَهُمَا نَقْدَانِ من جِنْسَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَالطَّرِيقُ في وُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ من غَيْرِ أَخْذٍ من الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا ما على الْآخَرِ ثُمَّ يَجْعَلَ الْمَأْخُوذَ إنْ شَاءَ عِوَضًا عَمَّا عليه وَيَرُدَّهُ إلَيْهِ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِوَضِ عن الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ في الذِّمَّةِ جَائِزٌ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَبْضِ الْعِوَضِ الْآخَرِ أو هُمَا عَرْضَانِ من جِنْسَيْنِ فَلْيَقْبِضْ كُلٌّ مِنْهُمَا ما على الْآخَرِ فَإِنْ قَبَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لم يَجُزْ رَدُّهُ عِوَضًا عن الْآخَرِ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَرْضٍ قبل الْقَبْضِ وهو مُمْتَنِعٌ إلَّا إنْ اُسْتُحِقَّ ذلك الْعَرْضُ بِقَرْضٍ أو إتْلَافٍ لَا عَقْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ فيه ثَمَنًا فَيَجُوزُ ذلك وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ لَا عَقَدَ لِدُخُولِهِ في الْمُسْتَثْنَى منه وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ عَرْضًا وَقَبَضَ الْعَرْضَ مُسْتَحِقُّهُ جَازَ له رَدُّهُ عِوَضًا عن النَّقْدِ الْمُسْتَحَقِّ عليه إنْ لم يَكُنْ دَيْنٌ سَلَّمَ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا إنْ قَبَضَ النَّقْدَ مُسْتَحِقُّهُ فَلَا يَجُوزُ له رَدُّهُ عِوَضًا عن الْعَرْضِ الْمُسْتَحَقِّ عليه إلَّا إنْ اُسْتُحِقَّ الْعَرْضُ في الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ من الْإِتْلَافِ أو كان ثَمَنًا وَإِنْ امْتَنَعَ التَّقَاصُّ وَامْتَنَعَ كُلٌّ من الْمُتَدَايِنَيْنِ من الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ لِمَا عليه حَبَسَا حتى يُسْلِمَا كَذَا نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّيِّدَ وَالْمُكَاتَبَ يَحْبِسَانِ إذَا امْتَنَعَا من التَّسْلِيمِ وهو مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ من جِهَةِ الْعَبْدِ وَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ وَإِنْ قَدَرَ عليه ولم أَرَ ذلك في شَيْءٍ من الْكُتُبِ التي تَسْتَمِدُّ من الشَّامِلِ كَالْبَحْرِ وَحُلْيَةِ الشَّاشِيِّ وَبَيَانِ الْعِمْرَانِيِّ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا لَا أَدْفَعُ ما عَلَيَّ حتى أَقْبِضَ مَالِي كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَبْسُ ما لِصَاحِبِهِ على حَقِّهِ وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا في تَقْدِيمِ الْقَبْضِ وهو الصَّوَابُ وما وَقَعَ في الشَّامِلِ من إيهَامِ الْحَبْسِ سَبْقُ قَلَمٍ أو تَحْرِيفٌ من نَاقِلٍ وَأَمَّا حَبْسُ السَّيِّدِ أو الْمُكَاتَبِ فَلَا وَجْهَ له انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ حَبْسَهُمَا بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا يُنَابِذُ ما قَالَهُ لو لم يَمْتَنِعَا من تَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ أَمَّا لو امْتَنَعَا منه مع امْتِنَاعِهِمَا مِمَّا مَرَّ فَلَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ
فَرْعٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ من السَّيِّدِ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ عَجَّزَهُ بَعْدُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من التَّصَرُّفِ في رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فَأَشْبَهَ ما إذَا أَوْصَى بِعَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنْ عَلَّقَهَا بِتَعْجِيزِهِ وَعَوْدِهِ رَقِيقًا صَحَّتْ كما لو أَوْصَى بِثَمَرَةِ نَخْلَتِهِ وَحَمْلِ جَارِيَتِهِ وَكَمَا لو قال إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْوَصَايَا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَعَوْدِهِ رَقِيقًا فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عن النُّجُومِ في هذه وَأَنْظَرَهُ الْوَارِثُ فَلِلْمُوصَى له تَعْجِيزُهُ لِيَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رَقَبَتَهُ فَلَهُ التَّوَصُّلُ إلَى حَقِّهِ بِتَعْجِيزِهِ وَالْوَارِثُ لَا حَقَّ له فيها وَإِنَّمَا يُعَجِّزُهُ الْمُوصَى له بِالْقَاضِي أَيْ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ كما مَرَّ في الْمَجْنِيِّ عليه وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالنُّجُومِ التي على الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لم تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً كما تَصِحُّ بِالْحَمْلِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَمْلُوكًا في الْحَالِ فَيَأْخُذُهَا الْمُوصَى
____________________
(4/494)
له إنْ أُدِّيَتْ وَالْوَلَاءُ على الْمُكَاتَبِ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عنها عَجَّزَهُ الْوَارِثُ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَإِنْ أَنْظَرَهُ الْمُوصَى له فَإِنْ أَبْرَأَهُ الْمُوصَى له عن النُّجُومِ عَتَقَ كما لو أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ عنها بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ فَيَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ الْمُرَتَّبَ عليه الْعِتْقُ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ السَّيِّدَ مِلْكُهُ اسْتِيفَاءُ النُّجُومِ لَا تَفْوِيتُ الرَّقَبَةِ على الْوَارِثِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن جَزْمِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَتَصْحِيحِ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالنُّجُومِ لِوَاحِدٍ وَبِالرَّقَبَةِ إنْ رَقَّ لِآخَرَ فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ رَقَّ بَطَلَتْ الْأُولَى صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَبَعْدَ صِحَّةِ الْوَصِيَّتَيْنِ إنْ طَلَبَ الثَّانِي تَعْجِيزَهُ وَالْأَوَّلُ إنْظَارَهُ وَقُدِّمَ الثَّانِي أو بِالْعَكْسِ
قال الْمَاوَرْدِيُّ بَطَلَتْ الْوَصِيَّتَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَاعٍ إلَى إبْطَالِ وَصِيَّتِهِ فَصَارَ ذلك مُبْطِلًا لها وَيَعُودُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُمْ بِالْخِيَارِ بين إنْظَارِهِ وَتَعْجِيزِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ
وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا يُعَجِّلُ الْمُكَاتَبُ من النُّجُومِ فَإِنْ لم يُعَجِّلْ شيئا بَلْ أُدِّيَتْ كُلُّهَا بِمَحِلِّهَا بَطَلَتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ وَلَا يُجْبَرُ على التَّعْجِيلِ لِتَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ وَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ صَحَّتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ قِنٌّ وَتَضَمَّنَتْ الْفَسْخَ لِلْكِتَابَةِ وَكَذَا تَصِحُّ وَلَوْ كان جَاهِلًا بِفَسَادِ الْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَلَوْ
قال صَحَّتْ تَضَمَّنَتْ الْفَسْخَ وَلَوْ جَاهِلًا كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالنُّجُومِ هُنَا فَبَاطِلَةٌ كما نَصَّ عليه في الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُهَا في الذِّمَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِمَا أَقْبِضُهُ من نُجُومِ الْفَاسِدَةِ فَتَصِحُّ كما في الْوَصِيَّةِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إذَا أَضَافَهُ إلَى مِلْكِهِ بَلْ أَوْلَى فَإِنْ قُلْت هُنَا لَا يَمْلِكُ ما يَقْبِضُهُ بِدَلِيلِ تَرَاجُعِهِمَا كما مَرَّ قُلْت قد يُقَالُ بَلْ هو مِلْكُهُ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ لم يَمْلِكْهُ أَيْ بِقَبْضِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عن مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ الْمُرَتَّبِ على قَبْضِهِ حَيْثُ لَا وَصِيَّةَ بِهِ أَمَّا مع الْوَصِيَّةِ بِهِ فَلَا لِتَقَدُّمِ تَعَلُّقِ الْوَصِيَّةِ بِهِ على خُرُوجِهِ الْمُرَتَّبِ على الْعِتْقِ الْمُرَتَّبِ على الْقَبْضِ وَهَذَا كما تَرَى مع ما فيه من التَّكَلُّفِ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً لَا يَمْلِكُ كَسْبُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ إذَا لم يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ كَأَنْ أَقْبَضَ بَعْضَ النُّجُومِ وَعَجَزَ عن الْبَاقِي أو عَتَقَ لَكِنْ قال سَيِّدُهُ أو نَوَى مع أَوْصَيْت بِمَا أَقْبِضُهُ من النُّجُومِ وَأَمْلِكُهُ بِقَرِينَةِ ما نَظَّرُوا بِهِ وَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَذَلِكَ فَتَصِحُّ وَإِنْ كان جَاهِلًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَهُ أَيْ الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً أو الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا أو رَهَنَهُ أو وَهَبَهُ وَلَوْ جَاهِلًا بِالْفَسَادِ فَكَمَا لو أَوْصَى بِهِ فَيَصِحُّ ذلك كما لو بَاعَ مَالَ أبيه ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا
فَرْعٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِوَضْعِ النُّجُومِ عن الْمُكَاتَبِ وَتُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ كَضَعُوا عنه كِتَابَتَهُ أو ما عليه من النُّجُومِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَوْصَى بِنَجْمٍ من النُّجُومِ أَيْ بِوَضْعِهِ عنه فَلِلْوَارِثِ جَعَلُهُ أَقَلَّ نَجْمٍ منها لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلِصِدْقِ النَّجْمِ عليه وَكَذَا الْحُكْمُ لو قال ضَعُوا عنه ما قَلَّ أو ما كَثُرَ أو ما خَفَّ أو ما ثَقُلَ لِأَنَّهَا أُمُورٌ إضَافِيَّةٌ وَلَوْ قال ضَعُوا عنه ما شَاءَ أو ما شَاءَ من نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَشَاءَ الْجَمِيعُ أَيْ وَضْعَهُ لم يُوضَعْ بَلْ يَبْقَى منه أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ لِأَنَّ من في الثَّانِيَةِ لِلتَّبْعِيضِ وَالْمَعْنَى في الْأُولَى ضَعُوا من نُجُومِ كِتَابَةِ ما شَاءَ وَإِلَّا
قال ضَعُوا عنه النُّجُومَ فَتَرْجِعُ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أو لَقَالَ ضَعُوا عنه أَكْثَرَ ما عليه أو أَكْثَرَ ما بَقِيَ عليه وَضَعَ عنه نِصْفَهُ وَزِيَادَةَ ما شَاءَ الْوَارِثُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ ما زَادَ على نِصْفِهِ
وَلَوْ قال ضَعُوا عنه أَكْثَرَ ما عليه أو أَكْثَرَ ما بَقِيَ عليه وَمِثْلُ نِصْفِهِ وُضِعَ عنه ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ما عليه وَزِيَادَةُ شَيْءٍ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في نُسَخِهِ الصَّحِيحَةِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْمُرَادُ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ ما شَاءَهُ الْوَارِثُ وَنِصْفُهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعِبَارَةِ أَنْ يُحَطَّ النِّصْفُ وَشَيْءٌ وَنِصْفُهُمَا جميعا فَلَوْ كانت أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاخْتَارَ الْوَارِثُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا وَضَعَ عنه خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ نِصْفَهَا فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَنِصْفًا أو قال ضَعُوا عنه أَكْثَرَ مِمَّا عليه أو ما عليه وَأَكْثَرُ حُطَّ عنه الْكُلُّ وَنُفِيَ الزَّائِدُ لِاسْتِحَالَةِ وَضْعِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّجُومُ أَقْدَارًا وَآجَالًا فقال حُطُّوا عنه أَكْثَرَهَا أو أَكْبَرَهَا رُوعِيَ الْقَدْرُ أو طُولُهَا أو أَقْصَرُهَا رُوعِيَتْ الْمُدَّةُ أو أَوْسَطُهَا عَيَّنَ الْوَرَثَةُ ما شَاءُوا من أَوْسَطِ عَدَدِ النُّجُومِ وَآجَالِهَا وَأَقْدَارِهَا إنْ اخْتَلَفَتْ النُّجُومُ فيها جميعا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِلْأَوْسَطِ في كُلٍّ منها فَإِنْ قال الْمُكَاتَبُ لِلْوَرَثَةِ أَرَادَ بِالتَّوَسُّطِ أَيْ بِالْأَوْسَطِ غير ما عَيَّنْتُمْ حَلَّفَهُمْ يَمِينَ نَفْيِ الْعِلْم بِذَلِكَ فَإِنْ تَسَاوَوْا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ تَسَاوَتْ
____________________
(4/495)
أَيْ النُّجُومُ في الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ حُمِلَتْ على الْعَدَدِ فَإِنْ كانت ثَلَاثَةَ نُجُومٍ مَثَلًا فَالْوَسَطُ وَاحِدٌ وإن كَانُوا الْأَوْلَى كانت أَرْبَعَةَ نُجُومٍ مَثَلًا فَالْوَسَطُ منها اثْنَانِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَيُعَيِّنُ الْوَارِثُ أَحَدَهُمَا إذْ ليس وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِاسْمِ الْأَوْسَطِ من الْآخَرِ
قال في الْأَصْلِ كَذَا قال ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْأَوْسَطُ كِلَاهُمَا فَيُوضَعَانِ وَهَذَا مُقْتَضَى ما في التَّهْذِيبِ انْتَهَى
قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَوَّلُ هو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وقد نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ
وَإِنْ أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَيَّنَ مَالًا لها كُوتِبَ عليه وَإِلَّا فَعَلَى ما جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَالْعَادَةُ أَنْ يُكَاتِبَ الْعَبْدُ بِمَا فَوْقَ قِيمَتِهِ فَإِنْ ضَاقَ عنه الثُّلُثُ ولم يُجِيزُوا أَيْ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عليه كُوتِبَ بَعْضُهُ الذي يَخْرُجُ من الثُّلُثِ وَجَازَ أَيْ وَصَحَّ وَلَا يُبَالَى بِالتَّبْعِيضِ إذَا أَفَضْت الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ وإذا أَدَّى عَتَقَ ذلك الْبَعْضَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي وَالْبَاقِي رَقِيقٌ وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ ما ذُكِرَ وَعَتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي هذا كُلُّهُ إذَا رَغِبَ الْعَبْدُ في الْكِتَابَةِ وَإِلَّا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ وَلَا يُكَاتِبُ بَدَلَهُ آخَرَ كما لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمَالٍ فلم يَقْبَلْهُ لَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ
وَإِنْ قال كَاتِبُوا أَحَدَ عَبِيدِي لم تُكَاتَبْ أَمَةٌ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٌ حتى تَظْهَرَ ذُكُورَتُهُ لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ وَلَوْ قال كَاتِبُوا إحْدَى إمَائِي لم يُكَاتَبْ عَبْدٌ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٌ حتى تَظْهَرَ أُنُوثَتَهُ وَيَدْخُلَانِ أَيْ الْأَمَةُ وَالْمُشْكِلُ في إطْلَاقِ الرَّقِيقِ وَنَصُّ الْأُمِّ على أَنَّ الْمُشْكِلَ لَا يَدْخُلُ هو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ في الْمَسْأَلَةِ
فَصْلٌ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ في التَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّ مَقْصُودَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ تَحْصِيلُ الْعِتْقِ وهو إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا فِيمَا أَيْ في تَصَرُّفٍ فيه تَبَرُّعٌ أو خَطَرٌ كما سَيَأْتِي وَالْخَطَرُ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْإِشْرَافُ على الْهَلَاكِ
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَشْفَعُ أَيْ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَأَمْوَالَهُ وَإِنْ زَادَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ على مُدَّةِ النُّجُومِ فَإِنْ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ في الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَسْتَأْجِرُ وَيَحْتَطِبُ وَيَصْطَادُ وَيُسَافِرُ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ في الْجَمِيعِ وَيُؤَدِّبُ عَبِيدَهُ الْأَوْلَى أَرِقَّاءَهُ وَيَخْتِنُهُمْ وَيَفْصِدُهُمْ إصْلَاحًا لِلْمَالِ وَيَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَالصَّدَقَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا فيه جَلْبُ مَالٍ
وَيَبْطُلُ منه عِتْقٌ وَلَوْ في كَفَّارَةٍ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ وَالْمُكَاتَبُ ليس أَهْلًا له كَالْقِنِّ وَكَالْعِتْقِ الْكِتَابَةُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِبْرَاءٌ عن دَيْنٍ وَهِبَةٌ لِمَا فِيهِمَا من تَفْوِيتِ الْمَالِ وَوَصِيَّةٌ سَوَاءٌ أَأَوْصَى بِعَيْنٍ أَمْ بِثُلُثِ مَالِهِ وَقَرْضٌ وَلَوْ بِرَهْنٍ أو كَفِيلٍ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ وَالْكَفِيلُ قد يُفْلِسُ وَالرَّهْنُ قد يَتْلَفُ وَيْحُكُمْ حَاكِمٌ لِلْمُقْرِضِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ وَقِرَاضٌ لِذَلِكَ مع أَنَّ الْعَامِلَ قد يَخُونُ أو يَمُوتُ فَيَضِيعُ الْمَالُ وَسَلَمٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ رَأْسِ مَالِهِ في الْمَجْلِسِ وَانْتِظَارِ الْمُسْلَمِ فيه لَا سِيَّمَا إنْ كان مُؤَجَّلًا وَتَعْجِيلُ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِمَا فيه من تَفْوِيتِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَشِرَاءُ من يَعْتِقُ عليه لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْمَالِ وَتَزْوِيجُ نَفْسِهِ أو عَبْدِهِ أو أَمَتِهِ لِمَا فيه من تَفْوِيتِ الْمَالِ أو نَقْصِ الْقِيمَةِ وَالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الْأَمَةِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ وَتَزْوِيجُ نَفْسِهِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَسَرٍّ أَيْ ليس له ذلك خَوْفًا من هَلَاكِ الْجَارِيَةِ في الطَّلْقِ وَلِضَعْفِ مِلْكِهِ
وَكَمَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ من وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ التَّسَرِّي بِالْوَطْءِ كان أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَصُّ منه لِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ فيه بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَمُحَابَاةٌ في شِرَاءٍ وَبَيْعٍ بِغَبَنٍ لِمَا فِيهِمَا من تَفْوِيتِ الْمَالِ وبيع نَسِيئَةٍ وَلَوْ تَوَثَّقَ بِرَهْنٍ وَكَفِيلٍ أو كان الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ من قِيمَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَالِ عن الْيَدِ بِلَا عِوَضٍ تَبَرُّعٌ في الْحَالِ وَلِأَنَّ فيه خَطَرًا
قال الرَّافِعِيُّ وَفَرَّقُوا بين الْمُكَاتَبِ وَالْوَلِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ له بَيْعُ مَالِ الطِّفْلِ نَسِيئَةً وَأَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ لِلْحَاجَةِ أو لِلْمُصْلِحَةِ الظَّاهِرَةِ بِأَنَّ الْمَرْعِيَ ثَمَّ مَصْلَحَةُ الطِّفْلِ وَالْوَلِيُّ نُصِبَ لِيَنْظُرَ له وَالْمَطْلُوبُ هُنَا الْعِتْقُ وَالْمَرْعِيُّ مَصْلَحَةُ السَّيِّدِ ولم يُنْصَبْ الْمُكَاتَبُ له
قال هو وَالنَّوَوِيُّ وقد مَرَّ في الرَّهْنِ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَوَّى بَيْنَهُمَا في الْجَوَازِ لَكِنَّ الذي عليه عَامَّةُ الْأَصْحَابِ هُنَا الْمَنْعُ وَهَذَا الذي أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ هُنَا هو ما صَحَّحَاهُ ثَمَّ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْفَتْوَى عليه ثُمَّ قال الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَال إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ كما في وَقْتِ النَّهْبِ فَلَهُ ذلك وَإِنْ رَأَى فيه مَصْلَحَةً لم يُمَكَّنْ منه لِأَنَّهُ ليس نَاظِرًا لِلسَّيِّدِ حتى يَتَحَمَّلَ الْخَطَرَ لِمَصْلَحَةٍ
____________________
(4/496)
يَرَاهَا بِخِلَافِ الْوَلِيِّ وَتَبَسُّطٌ في أَكْلٍ وَلُبْسٍ أَيْ ليس له ذلك لِمَا مَرَّ وَلَا يُكَلَّفُ فِيهِمَا التَّقْتِيرَ الْمُفْرِطَ
وَلَهُ اقْتِرَاضٌ وَأَخْذُ قِرَاضٍ وَشِرَاءُ جَوَارٍ لِتِجَارَةٍ تَوْسِيعًا له في طُرُقِ الِاكْتِسَابِ وَهِبَةٌ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَبَيْعُ ما يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ نَقْدٍ أو عَشْرَةٍ أو أَقَلَّ منها نَسِيئَةً وَشِرَاءُ النَّسِيئَةِ إنْ كان بِثَمَنِ النَّقْدِ قال في الْأَصْلِ وَلَا يَرْهَنُ بِهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ قد يَتْلَفُ فَإِنْ كان بِثَمَنِ النَّسِيئَةِ فقال الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي لم يَجُزْ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وقال الرُّويَانِيُّ في جَمْعِ الْجَوَامِعِ يَجُوزُ إذْ لَا غَبْنَ فيه
قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَجْهٌ شَاذٌّ لِلْقَاضِي تَبِعَهُ عليه
لَا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ قبل الْمُعَوَّضِ في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ عن الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ نَوْعُ غَرَرٍ وَقَيَّدَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِالْعِوَضِ الْغَائِبِ عن الْمَجْلِسِ وَجَزَمَ في غَيْرِهِ بِالْجَوَازِ وَعَلَّلَ ذلك بِأَنَّهُ يَعْسُرُ ضَبْطُهُ وَلَا قَبُولُ هِبَةِ أو وَصِيَّةٍ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لو كان حُرًّا لِزَمَانَةٍ أو هَرَمٍ أو صِغَرٍ أو نَحْوِهِ إلَّا كَسُوبًا كِفَايَتَهُ فإنه يُسْتَحَبُّ له قَبُولُهُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليه فيه مع تَرَقُّبِ عِتْقِهِ ثُمَّ لَا يَعْتِقُ عليه لِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ وَلَا يَبِيعُهُ بَلْ يُكَاتِبُ عليه فَيَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ وَنَفَقَتُهُ في كَسْبِهِ وَالْفَاضِلُ منه لِلْمُكَاتَبِ يَسْتَعِينُ بِهِ في أَدَاءِ النُّجُومِ فَإِنْ مَرِضَ قَرِيبُهُ الذي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لو كان حُرًّا أو عَجَزَ لَزِمَ الْمُكَاتَبَ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ من صَلَاحِ مِلْكِهِ وَلَيْسَ كَالْإِنْفَاقِ على أَقَارِبِهِ الْأَحْرَارِ حَيْثُ يُمْنَعُ منه لِأَنَّ ذلك مَبْنِيٌّ على الْمُوَاسَاةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ من قَبُولِ هِبَتِهِ أو نَحْوِهَا إذَا لم يَكُنْ كَسُوبًا إنَّمَا هو عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فيه لَا لُزُومُ نَفَقَتِهِ له لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لَزِمَهُ نَفَقَتُهُ في الْكَسُوبِ الذي عَرْضَ له مَرَضٌ بِسَبَبِ الْمِلْكِ لَا بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ كما عُرِفَ وَإِنْ جَنَى قَرِيبُهُ الْمَذْكُورُ بِبَيْعٍ فيها أَيْ في الْجِنَايَةِ وَلَا يَفْدِيه لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ الذي ليس بِقَرِيبٍ له أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ تَبْقَى له يَصْرِفُهَا في النُّجُومِ
فَصْلٌ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ فِيمَا مَنَعَ منه من التَّصَرُّفَاتِ صَحَّ التَّصَرُّفُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا فإذا تَوَافَقَا عليه صَحَّ كما لو وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِذْنِ الْآخَرِ إلَّا في إعْتَاقِ رَقِيقِهِ عن نَفْسِهِ وفي كِتَابَتِهِ لِتَضَمُّنِهِمَا الْوَلَاءَ وَالْمُكَاتَبُ ليس أَهْلًا له كَالْقِنِّ وفي التَّسَرِّي لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ في بَابِ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ إعْتَاقُهُ عن سَيِّدِهِ أو غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فإنه جَائِزٌ وَإِنْ أَذِنَ له في النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ أو رَقِيقِهِ وفي التَّفْكِيرِ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ صَحَّ كُلٌّ من النِّكَاحِ وَالتَّكْفِيرِ بِذَلِكَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَلِأَنَّ الْقِنَّ إذَا صَحَّ نِكَاحُهُ بِالْإِذْنِ فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا منه وَتَرْجِيحُ جَوَازِ التَّكْفِيرِ بِمَا ذَكَرَهُ من زِيَادَتِهِ
قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وابن الرِّفْعَةِ في كِفَايَتِهِ كَهِبَتِهِ لِلسَّيِّدِ وَلِطِفْلِهِ أَيْ السَّيِّدِ وَإِقْرَاضِهِ وَمُحَابَاتِهِ في مُعَامَلَتِهِ معه وَبَيْعِهِ نَسِيئَةً وَتَعْجِيلِ دَيْنِهِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّ قَبُولَهُ لها كَإِذْنِهِ وَإِنْ أَذِنَ له في الْهِبَةِ لِغَيْرِهِ فَوَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ السَّيِّدُ عن الْإِذْنِ قبل الْإِقْبَاضِ لِلْمَوْهُوبِ امْتَنَعَ الْإِقْبَاضُ وَإِنْ اشْتَرَى قَرِيبُهُ الذي يَعْتِقُ عليه لو كان حُرًّا بِالْإِذْنِ من سَيِّدِهِ يَتَكَاتَبُ عليه كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ قبل الْفَصْلِ
وَتَزْوِيجُ السَّيِّدِ الْمُكَاتَبَةَ بِإِذْنِهَا صَحِيحٌ وَلَا يُؤَثِّرُ فيه ضَعْفُ مِلْكِهِ لها وَنَقْصُهَا
وَلِلْمُكَاتَبِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ شِرَاءُ من يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ وَقَبُولُ هِبَتِهِ وَالْوَصِيَّةُ له بِهِ تَوْسِيعًا له في طُرُقِ الِاكْتِسَابِ وَلَا يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ إلَّا إنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ وهو أَيْ وَمِنْ يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ مِلْكُهُ فَيَعْتِقُ عليه لِدُخُولِهِ في مِلْكِهِ
قال الرَّافِعِيُّ ولم يَقُولُوا إنَّهُ يَمْنَعُ من صَرْفِ الْمَالِ إلَى عِوَضِ من عَسَاهُ يَعْتِقُ على السَّيِّدِ وَلَا نَظَرُوا إلَى لُزُومِ النَّفَقَةِ له بِالْعِتْقِ عليه وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا الْحَالَ فَإِنْ كان ما مَلَكَهُ بِمَا ذُكِرَ بَعْضَهُ أَيْ بَعْضَ من يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ ولم يَخْتَرْ سَيِّدُهُ تَعْجِيزَهُ بَلْ هو الذي عَجَّزَ نَفْسَهُ لم يَسْرِ عِتْقُ ذلك الْبَعْضِ إلَى الْبَاقِي وَلَوْ كان السَّيِّدُ مُوسِرًا كما لو وَرِثَ بَعْضَ قَرِيبِهِ وَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ تَعْجِيزَهُ وهو مُوسِرٌ أو مُعْسِرٌ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ وَدُخُولُهُ في مِلْكِهِ ضِمْنِيٌّ قَهْرِيٌّ وَقِيلَ يَسْرِي فِيمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِاخْتِيَارِ التَّعْجِيزِ فَصَارَ كما لو مَلَكَ بِالشِّرَاءِ وَالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في كِتَابِ الْعِتْقِ وَتَبِعَهُ هو ثَمَّ أَيْضًا وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَصَحَّحَ الثَّانِيَ
____________________
(4/497)
وَلِلْعَبْدِ الْقِنِّ أَنْ يَتَّهِبَ بِلَا إذْنٍ قَرِيبًا يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ إنْ لم تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ في الْحَالِ لِكَوْنِهِ كَسُوبًا أو السَّيِّدِ فَقِيرًا وَيَدْخُلُ في مِلْكِ سَيِّدِهِ قَهْرًا كما لو احْتَطَبَ وَيَعْتِقُ عليه فَإِنْ لَزِمَتْهُ في الْحَالِ لِكَوْنِهِ زَمِنًا أو نَحْوَهُ وَالسَّيِّدِ مُوسِرًا فَلَيْسَ له ذلك فَإِنْ خَالَفَ لم يَصِحَّ لِأَنَّ فيه إضْرَارًا بِالسَّيِّدِ وَلَيْسَ له الرَّدُّ بَعْدَ قَبُولِهِ أَيْ الْعَبْدِ الْهِبَةَ كما في الْمِلْكِ الْحَاصِلِ بِالِاحْتِطَابِ وَكَذَا له أَنْ يَتَّهِبَ بَعْضَهُ أَيْ بَعْضَ من يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ بِلَا إذْنٍ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَيَعْتِقُ ذلك الْبَعْضُ على السَّيِّدِ وَلَا يَسْرِي عِتْقُهُ إلَى الْبَاقِي لِحُصُولِ الْمِلْكِ قَهَرَا كما وَرِثَهُ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَبَحَثَهُ في الرَّوْضَةِ في كِتَابِ الْعِتْقِ لَكِنَّهُ جَزَمَ قَبْلَهُ فيها كَأَصْلِهَا وَالْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ ثُمَّ بِالسَّرَايَةِ وَلَوْ أَخَّرَ كَأَصْلِهِ قَوْلَهُ وَلَيْسَ له الرَّدُّ بَعْدَ قَبُولِهِ إلَى هُنَا كان أَوْلَى
وَلَوْ اشْتَرَى مَرِيضٌ أَبَاهُ بِأَلْفٍ مَثَلًا وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ صَحَّ وَلَا يَعْتِقُ عليه وَيُبَاعُ في دُيُونِهِ وَلَوْ وُهِبَ لِمُكَاتَبٍ بَعْضُ أبيه أو ابْنِهِ الْكَاسِبِ فَقَبِلَهُ ثُمَّ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ عليه ذلك الْبَعْضُ وَسَرَى إلَى بَاقِيه إنْ كان مُوسِرًا وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بِأَبِي السَّيِّدِ صَحَّ وَمَلَكَ الْأَبَ فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ الْأَبُ على السَّيِّدِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا له فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ الْأَرْشُ لَا الرَّدُّ لِتَعَذُّرِهِ فَإِنْ نَقَّصَ الْعَيْبُ الْعُشْرَ من قِيمَةِ الْأَبِ رَجَعَ بِعُشْرِ الِابْنِ الذي هو الثَّمَنُ وَيَعْتِقُ عليه وَلَا يَسْرِي عِتْقُهُ إلَى الْبَاقِي وَلَوْ عَجَّزَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ لِحُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ قَهْرًا وَإِنْ تَوَقَّفَ الْمِلْكُ على طَلَبِ الْأَرْشِ
قال الْبُلْقِينِيُّ قد صَحَّحَ النَّوَوِيُّ السِّرَايَةَ فِيمَا لو بَاعَ شِقْصًا مِمَّنْ يَعْتِقُ على وَارِثِهِ من ابْن أَخِيهِ مَثَلًا بِثَوْبٍ فَمَاتَ وَوَارِثُهُ أَخُوهُ فَرَدَّ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ وَاسْتَرَدَّ الشِّقْصَ من ابْنِهِ عَتَقَ عليه وَسَرَى وَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى لِتَوَجُّهِ الْقَصْدِ إلَى اخْتِيَارِ مِلْكِ بَعْضِ الِابْنِ وَهُنَاكَ تَوَجَّهَ الْقَصْدُ إلَى الرَّدِّ وَمَلَكَ الْبَعْضَ من الِابْنِ تَبَعًا فَالسِّرَايَةُ هُنَا أَوْلَى انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ثَمَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ
فَرْعٌ لو وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا حَدَّ عليه لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَلَا مَهْرَ لها عليه لِأَنَّهُ لو ثَبَتَ لَثَبَتَ له وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ وهو مُكَاتَبٌ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ ولم يَمْلِكْ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَتَكَاتَبَ عليه فَلَا يَعْتِقُ عليه لِضَعْفِ مِلْكِهِ فإذا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ الْوَلَدُ وَفَازَ الْمُكَاتَبُ لَا الْوَلَدُ بِكَسْبِهِ لِأَنَّهُ كَسْبُ مَمْلُوكِهِ وَلِأَنَّهُ لو فَازَ بِهِ الْوَلَدُ لَوُقِفَ وَإِنْ رَقَّ صَارَ لِلسَّيِّدِ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا عِنْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهَا عُلِّقَتْ بِمَمْلُوكٍ فَأَشْبَهَتْ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ لم يَثْبُتْ بِالِاسْتِيلَادِ في الْمِلْكِ بَلْ بِمَصِيرِهِ مِلْكًا لِأَبِيهِ كما لو مَلَكَهُ بِهِبَةٍ وَلَوْ جَنَى الْوَلَدُ وَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ وَأَبُوهُ مُكَاتَبٌ فَحَكَى الْإِمَامُ عن الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ له أَنْ يَفْدِيَهُ من كَسْبِهِ فَإِنْ لم يَكْتَسِبْ فَلَهُ بَيْعُهُ كُلِّهِ وَإِنْ زَادَ على قَدْرِ الْأَرْشِ وَأَخَذَ الزَّائِدَ عليه بَعْدَ صَرْفِهِ لِلْمَجْنِيِّ عليه قال وهو غَلَطٌ بَلْ ليس له أَنْ يَفْدِيَهُ وَإِنْ كان يَفْدِيه من كَسْبِهِ لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمُكَاتَبِ وَالْفِدَاءُ كَالشِّرَاءِ وَلَيْسَ له صَرْفُ الْمَالِ الذي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيه إلَى غَرَضِ وَلَدِهِ الذي لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيه لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَا يُبَاعُ منه إلَّا قَدْرُ الْأَرْشِ كما لَا يُبَاعُ من الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى إلَّا قَدْرَ الْأَرْشِ أَيْ إنْ تَيَسَّرَ بَيْعُهُ فِيهِمَا وَإِلَّا بِيعَ كُلُّهُ
قال في الْأَصْلِ وإذا فَدَاهُ أَيْ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَفْدِيه لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيه بَلْ يَتَكَاتَبُ عليه كما لَا يَنْفُذُ إذَا اشْتَرَاهُ
قال الْإِسْنَوِيُّ وما صَحَّحَهُ الْإِمَامُ من أَنَّهُ لَا يَفْدِي وَلَدَهُ وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُ إلَّا قَدْرَ الْأَرْشِ هو الصَّحِيحُ فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِالْأُولَى في تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ على الثَّانِيَةِ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كما نَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ في زَوَائِدِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينِ الْعِتْقِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَيْ يَكُونُ الْوَلَدُ مِلْكًا لِلْوَاطِئِ وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ الْعُلُوقَ وَقَعَ في الرِّقِّ أو وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من دُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينَئِذٍ وهو الْمُنَاسِبُ في السِّتَّةِ لِقَوْلِهِ فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من حِينِ الْوَطْءِ فَهِيَ مُسْتَوْلَدَتُهُ لِظُهُورِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ حُرٌّ لَا وَلَاءَ عليه إلَّا بِالْوَلَاءِ على أبيه وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ الْعُلُوقِ في الرِّقِّ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لم يَطَأْهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أو وَطِئَهَا بَعْدَهَا
____________________
(4/498)
وَأَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْوَطْءِ لم تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً
قال الرَّافِعِيُّ وَأَوْلَادُ الْمُكَاتَبَةُ كَأَوْلَادِهَا
الْحُكْمُ الرَّابِعُ في وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ لو كَاتَبَ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ لم يَلْحَقْهَا في الْكِتَابَةِ بَلْ هو بَاقٍ في مِلْكِ السَّيِّدِ فَإِنْ شَرَطَا دُخُولَهُ فيها فَسَدَتْ لَكِنْ يَبْقَى التَّعْلِيقُ فَيَعْتِقُ مَعَهَا بِالْأَدَاءِ منها لِلنُّجُومِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ كَاتَبَهَا وفي يَدِهَا مَالٌ على أَنَّ ما في يَدِهَا لها فَهُوَ جَمْعُ بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ بِالْقِسْطِ هذا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَالرَّوْضَةِ وهو بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ أَيَّدَهُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن ابْنِ كَجٍّ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَصَّ على فَسَادِ الْكِتَابَةِ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مع زِيَادَةٍ عليهم ثُمَّ قال وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الرَّاجِحَ فَسَادُ الْكِتَابَةِ وَلَا يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ على الْبَيْعِ الْمَضْمُومِ لِلْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَصَدَا الْعَقْدَيْنِ فَأَمْكَنَ إعْطَاءُ كل وَاحِدٍ حُكْمَهُ وَهُنَا أَوْرَدَاهُمَا على هذه الشَّرِيطَةِ وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَأَفْسَدَتْ وَيَتْبَعُهَا في الْكِتَابَةِ حَمْلٌ لها مَوْجُودٌ عِنْدَ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لم تَصِحَّ كِتَابَتُهُ وَحْدَهُ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ فَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا عن الْكِتَابَةِ بِأَنْ يَعْتِقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ أو بِالْإِبْرَاءِ منها أو بِالْإِعْتَاقِ وَهَذَا كما أَنَّهُ يَتْبَعُهَا في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَصِحَّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ
وَكَذَا يَتْبَعُهَا ما حَدَثَ منها من غَيْرِ السَّيِّدِ من حَمْلٍ من نِكَاحٍ أو زِنًا بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ كَحَقِيقَتِهَا في عِتْقِ الْأَوْلَادِ بِدَلِيلِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ كَسْبُهَا فَيُوقَفُ أَمْرُهُ على رِقِّهَا وَحُرِّيَّتِهَا كَسَائِرِ أَكْسَابِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِنَجْمٍ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه الْتِزَامٌ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا عن الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَاتَتْ أو رَقَّتْ رَقَّ تَبَعًا لها وَصَارَ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَعَتَقَتْ بَعْدَ الْفَسْخِ لم يَعْتِقْ بِعِتْقِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا من جِهَةِ الْكِتَابَةِ وقد زَالَتْ وَحَقُّ الْمِلْكِ في وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ لِلسَّيِّدِ كَأُمِّهِ وَكَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ من أَمَتِهِ فإن حَقَّ الْمِلْكِ فيه له لَا لِسَيِّدِهِ فَيُصْرَفُ كَسْبُهُ له وَلَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ له وَذَلِكَ لِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَهِيَ مِلْكٌ له وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَتُهُ من نِكَاحٍ أو زِنًا أَوْلَادًا فَهُمْ عَبِيدٌ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ فَكَذَا هذا الْوَلَدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ بَلْ يُكَاتِبُ عليه بِالْقَرَابَةِ كما مَرَّ فَإِنْ قُتِلَ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ فَالْقِيمَةُ له أَيْ لِلسَّيِّدِ كَقِيمَةِ أُمِّهِ لو قُتِلَتْ وَأَمَّا كَسْبُهُ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عليه فِيمَا دُونَ نَفْسِهِ وَمَهْرُ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَمَوْقُوفٌ بَاقِي كُلٍّ منها بَعْدَ الْإِنْفَاقِ عليه منه فَإِنْ عَتَقَ مع أَمَةٍ فَذَلِكَ له وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ كما أَنَّ كَسْبَ الْأُمِّ إذَا عَتَقَتْ يَكُونُ لها وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ وَلِأَنَّا وَإِنْ جَعَلْنَا حَقَّ الْمِلْكِ فيه لِلسَّيِّدِ فَلَيْسَ له التَّصَرُّفُ فيه بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ في الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَلْيَكُنْ كَسْبُهُ كَنَفْسِهِ
وَلَيْسَ له أَيْ لِلْوَلَدِ أَنْ يُؤَدِّيَ منه عنها نُجُومَهَا إنْ عَجَزَتْ عن الْأَدَاءِ أو قَدَرَتْ عليه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لِتَعْتِقَ هِيَ فَيَعْتِقَ بِعِتْقِهَا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا اخْتِيَارَ له في الْعِتْقِ وَلَيْسَ لها إذَا عَجَزَتْ أَنْ تَأْخُذَ من كَسْبِهِ الْمَوْقُوفِ له لِتَسْتَعِينَ بِهِ في أَدَاءِ نُجُومِهَا إذْ لَا حَقَّ لها فيه فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ في مُدَّةِ التَّوَقُّفِ صُرِفَ الْمَوْقُوفُ إلَى السَّيِّدِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَمُؤَنُ الْوَلَدِ تَكُونُ من كَسْبِهِ فَإِنْ لم يَكْتَسِبْ أو لم يَفِ كَسْبُهُ بِمُؤْنَةٍ فَعَلَى السَّيِّدِ لَا على بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ له وَيُصَدَّقُ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ أَيْ وَلَدَ مُكَاتَبِهِ وَلَدٌ قبل الْكِتَابَةِ حتى يَكُونَ رَقِيقًا له وَإِنْ أَمْكَنَ أَنَّهُ وَلَدٌ بَعْدَهَا أَيْ وَالْحَالَةُ ذلك لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ في وَقْتِ الْكِتَابَةِ فَصُدِّقَ فيه كَأَصْلِهَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَحْدُثُ من مِلْكِهِ وَهِيَ تَدَّعِي حُدُوثَ مَانِعٍ منه فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ قال الدَّارِمِيُّ قال ابن الْقَطَّانِ وُقِفَ الْأَمْرُ حتى يَبْلُغَ الْوَلَدُ وَيَحْلِفَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحْلِفَ الْأُمُّ فَإِنْ نَكَلَتْ فَهَلْ يَحْلِفُ الْوَلَدُ على وَجْهَيْنِ فَإِنْ شَهِدَ لِلسَّيِّدِ بِدَعْوَاهُ السَّابِقَةِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ قُبِلْنَ في شَهَادَتِهِنَّ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ على الْوَلَدِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا ادَّعَيَاهُ تَعَارَضَتَا
وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُ ثُمَّ بَاعَهَا منه وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فقال الْمُكَاتَبُ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهُوَ مِلْكِي تَكَاتَبَ عَلَيَّ فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ صُدِّقَ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّهُ هُنَا يَدَّعِي مِلْكَ الْوَلَدِ لِمَا مَرَّ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ وَالْمُكَاتَبَةُ ثَمَّ لَا تَدَّعِي الْمِلْكَ بَلْ تَدَّعِي ثُبُوتَ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فيه وَلَوْ كَاتَبَ الْأَمَةَ بَيَّنَ
____________________
(4/499)
وَضْعَ التَّوْأَمَيْنِ فَالْأَوَّلُ لِلسَّيِّدِ وَالثَّانِي كَالْأُمِّ أَيْ يَتْبَعُهَا في الْكِتَابَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ في الْبَيْعِ يَكُونُ الْمُنْفَصِلُ لِلْبَائِعِ وَالْمُجْتَنُّ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْأُمَّ في الْبَيْعِ
فَصْلٌ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً حَرَامٌ لِاخْتِلَافِ مِلْكِهِ فيها وَكَالْوَطْءِ في التَّحْرِيمِ سَائِرُ التَّمَتُّعَاتِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ في بَابِ الظِّهَارِ وَلَا حَدَّ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ وَإِنْ عُلِمَ تَحْرِيمُهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ بَلْ يُعَزَّرُ بِهِ الْعَالِمُ بِتَحْرِيمِهِ وَيُوجِبُ الْمَهْرَ لها عليه وَلَوْ مع الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ لِذَلِكَ وَتَأْخُذُهُ هِيَ في الْحَالِ فَإِنْ لم تَأْخُذْهُ وقد حَلَّ عليها نَجْمٌ جَاءَتْ الْمُقَاصَّةُ بِشَرْطِهَا وَإِنْ عَجَزَتْ قبل أَخْذِهِ سَقَطَ وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ فَإِنْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ مع كَوْنِهَا مُكَاتَبَةً مُسْتَوْلَدَةً لِأَنَّهَا عَلَقَتْ منه بِوَلَدٍ في مِلْكِهِ فَيَعْتِقُ بِالْكِتَابَةِ أو بِمَوْتِهِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِذَلِكَ وَلَا يَجِبُ لها عليه قِيمَتُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فيه له كما مَرَّ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قبل تَعْجِيزِهَا عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالِاسْتِيلَادِ كما لو أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ أو أَبْرَأَهُ عن النُّجُومِ وَتَبِعَهَا كَسْبُهَا وَأَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ من نِكَاحٍ أو زِنًا بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ كَسَائِرِ الْمُكَاتَبَاتِ وَكَذَا لو عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ قبل الْأَدَاءِ لِلنُّجُومِ عَتَقَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ عن الْكِتَابَةِ وَتَبِعَهُ كَسْبُهُ وَأَوْلَادُهُ الْحَادِثُونَ لِأَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقَعُ إلَّا عن الْكِتَابَةِ وَلَوْ أَوْلَدَهَا ثُمَّ كَاتَبَهَا وَمَاتَ قبل تَعْجِيزِهَا عَتَقَتْ عن الْكِتَابَةِ وَتَبِعَهَا أَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ وَكَسْبُهَا الْحَاصِلُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ عَتَقَتْ بِالْإِيلَادِ وَالْأَوْلَادُ الْحَادِثُونَ بَعْدَهُ من نِكَاحٍ أو زِنًا يَتْبَعُونَهَا وَالْحَادِثُونَ قَبْلَهُ أَرِقَّاءُ لِلسَّيِّدِ وَتَبْطُلُ بِمَعْنَى تَفْسُدُ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ كِتَابَةُ أَمَةٍ بِشَرْطِ وَطِئَهَا لِفَسَادِ الشَّرْطِ
فَرْعٌ وَطْءُ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ حَرَامٌ على السَّيِّدِ كَالْمُكَاتَبَةِ بَلْ أَوْلَى وَلَا حَدَّ عليه بِوَطْئِهَا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ سَيِّدَهَا وَيَلْزَمُهُ له الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا لِأَنَّ أَكْسَابَهَا لِسَيِّدِهَا وَالْمَهْرُ منها وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ على وَاطِئُهَا لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ في مِلْكِهِ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً له وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهُ
وَمَنْ كَاتَبَ أَمَةً له حَرُمَ عليه وَطْءُ بِنْتِهَا التي تَكَاتَبَتْ عليها لِثُبُوتِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لها وَيَلْزَمُهُ بِهِ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عليه لِلشُّبْهَةِ فِيهِمَا وَيُنْفِقُ عليها منه وَمِنْ بَاقِي كَسْبِهَا وَيُوقَفُ الْبَاقِي فَإِنْ عَتَقَتْ مع الْأُمِّ فَهُوَ لها وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَتْ بِتَعْجِيزِ أُمِّهَا فَلِلسَّيِّدِ فَإِنْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً له وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِأُمِّهِ لِمَا مَرَّ وَلَا قِيمَةُ أُمِّهِ لِأُمِّهَا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لها حَقُّ الْعِتْقِ بِعِتْقِهَا وقد تَأَكَّدَ ذلك بِالِاسْتِيلَادِ وَيَبْقَى حَقُّ الْكِتَابَةِ فيها وحينئذ تَعْتِقُ إمَّا بِعِتْقِ أُمِّهَا وَيَكُونُ الْكَسْبُ لها أو مَوْتِ سَيِّدِهَا
فَرْعٌ لو وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُكَاتَبَتَهُمَا لَزِمَهُ مَهْرُهَا وَلَا حَدَّ عليه كما مَرَّ في الْمَالِكِ الْوَاحِدِ ولزمه تَسْلِيمُهُ لها في الْحَالِ إنْ لم يَحِلَّ عليها نَجْمٌ وَإِنْ حَلَّ عليها نَجْمٌ وَاتَّحَدَ مع الْمَهْرِ جِنْسًا وَقَدْرًا وفي يَدِهَا قَدْرُ الْمَهْرِ أَخَذَهُ منها الْآخَرُ وَبَرِئَ الْوَاطِئُ من الْمَهْرِ وَالْمُكَاتَبَةُ من قَدْرِهِ من نَجْمِ الْوَاطِئِ بِالتَّقَاصِّ وَإِنْ لم يَكُنْ في يَدِهَا شَيْءٌ آخَرُ فَالتَّقَاصُّ جَارٍ في نِصْفِ نَجْمِ الْوَاطِئِ مع نِصْفِ الْمَهْرِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُدْفَعُ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ وَإِنْ عَتَقَتْ بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ دَفْعِ قَدْرِ الْمَهْرِ وَالتَّقَاصِّ أَخَذَتْهُ أَيْ الْمَهْرَ وَإِنْ عَجَزَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ وَرَقَّتْ اقْتَسَمَاهُ إنْ بَقِيَ وَإِنْ تَلِفَ تَلِفَ من مِلْكِهَا وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ قبل أَخْذِهِ فَإِنْ كان في يَدِهَا بِقَدْرِ الْمَهْرِ مَالٌ أَخَذَهُ الْآخَرُ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْوَاطِئِ وَإِنْ لم يَكُنْ في يَدِهَا شَيْءٌ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَهْرِ من الْوَاطِئِ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَحْبَلَهَا الْوَاطِئُ مِنْهُمَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَحِقَهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ من وَطْئِهِ إنْ لم يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً أو لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الِاسْتِبْرَاءِ إنْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِهِ من الْأَمَةِ مع بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فيه
وَإِنْ لم يَلْحَقْهُ بِأَنْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ وَحَلَفَ عليه وَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من الِاسْتِبْرَاءِ أو لم يَدَّعِهِ وَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من الْوَطْءِ فَلَا اسْتِيلَادَ وهو كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ من نِكَاحٍ أو زِنًا وقد مَرَّ حُكْمُهُ فَإِنْ كان مُعْسِرًا لم يَسْرِ الِاسْتِيلَادُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِنْ أَدَّتْ إلَيْهِمَا النُّجُومُ عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ إنْ كان وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ فَنِصْفُهَا قِنٌّ وَنِصْفٌ منها مُسْتَوْلَدٌ وَإِنْ مَاتَ الْوَاطِئُ
____________________
(4/500)
وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَتَقَ نِصْفُهَا وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ مُكَاتَبًا أو بَعْدَ الْفَسْخِ عَتَقَ نِصْفُهَا الْمُسْتَوْلَدُ وَالْبَاقِي قِنٌّ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَنِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ مُكَاتَبٌ على أَمَةٍ لِأَنَّ أَحَدَ نِصْفَيْهَا ليس له فَإِنْ عَتَقَتْ عَتَقَ النِّصْفُ الْمَذْكُورُ وَإِلَّا رَقَّ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَلَا يَجِبُ على الْوَاطِئِ قِيمَةُ نِصْفِ الْوَلَدِ الْحُرِّ بِنَاءً على أَنَّ الْحَقَّ في وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ أَدَّتْ إلَى الشَّرِيكَيْنِ النُّجُومَ عَتَقَا أَيْ النِّصْفُ الْمُكَاتَبَ وَالْأَمَةُ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ الِاسْتِيلَادُ وَقَوْلُهُ وَأَخَذَتْ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْ من الْوَاطِئِ بِنَاءُ الْأَصْلِ على أَنَّ الْحَقَّ في وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ لها وهو ضَعِيفٌ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِنْ كان الْوَاطِئُ مُوسِرًا لم يَسْرِ الِاسْتِيلَادُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ فَيَسْرِي وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا كما لو أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ من الْمُكَاتَبِ فَإِنْ أَدَّتْ إلَيْهِمَا النُّجُومَ عَتَقَ كُلُّ الْأَمَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ عَتَقَتْ عن الْكِتَابَةِ وَوَلَاؤُهُ أَيْ عِتْقُهَا بَيْنَهُمَا وَيَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ وَلَهَا الْمَهْرُ على الْوَاطِئِ فَتَأْخُذُهُ إنْ لم تَكُنْ أَخَذَتْهُ وَعَلَيْهِ لَلشَّرِيك نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ بِنَاءً على ثُبُوتِ الْكِتَابَةِ فيه وَإِنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فيه لِلسَّيِّدِ وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ لَزِمَ الْوَاطِئَ لَلشَّرِيك النِّصْفُ من قِيمَتِهَا وَمِنْ مَهْرِهَا وَمِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ
فَرْعٌ هذا إنْ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ وَطِئَاهَا جميعا ولم تَأْتِ بِوَلَدٍ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرٌ كَامِلٌ فَإِنْ رَقَّتْ وقد قَبَضَتْهُمَا وَهُمَا سَوَاءٌ اقْتَسَمَاهُمَا بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِشَيْءٍ وَحُكْمُ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ كما مَرَّ وَقَوْلُهُ وَهُمَا سَوَاءٌ من زِيَادَتِهِ وهو مُضِرٌّ وَإِنْ رَقَّتْ قبل قَبْضِهِمَا سَقَطَ عنهما نِصْفَاهُمَا أَيْ عن كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ ما لَزِمَهُ وَتَقَاصَّا في الْبَاقِي إنْ تَسَاوَى الْمَهْرَانِ فَإِنْ كان أَحَدُ الْمَهْرَيْنِ أَكْثَرَ من الْآخَرِ لِكَوْنِهَا بِكْرًا عِنْدَ وَطْءِ أَحَدِهِمَا ثَيِّبًا عِنْدَ وَطْءِ الْآخَرِ أو لِاخْتِلَافِ حَالِهَا صِحَّةً وَمَرَضًا أو لِغَيْرِهِمَا أَخَذَ صَاحِبُهُ أَيْ الْأَكْثَرُ الْفَضْلَ فَإِنْ أَفْضَاهَا أَحَدُهُمَا أو افْتَضَّهَا وَهِيَ بِكْرٌ سَقَطَ عنه حِصَّتُهُ من الْأَرْشِ أَيْضًا أَيْ مع سُقُوطِ حِصَّتِهِ من الْمَهْرِ وَلَزِمَهُ حِصَّةُ الْآخَرِ من ذلك وَالْمُرَادُ بِالْأَرْشِ في الْأُولَى نِصْفُ الْقِيمَةِ وفي الثَّانِيَةِ الْحُكُومَةُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ افْتَضَّاهَا أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لَلشَّرِيك وَإِنْ افْتَضَّهَا لَزِمَهُ نِصْفُ أَرْشِ الِافْتِضَاضِ مع الْمَهْرِ أَيْ مَهْرِ بِكْرٍ لَا ثَيِّبٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ بِكْرٌ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا في الْمُفْضِي أو الْمُفْتَضِّ لها مِنْهُمَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَلَا يَخْفَى حُكْمُ النُّكُولِ أَيْ فَإِنْ نَكَلَا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ أو أَحَدِهِمَا قَضَى لِلْحَالِفِ وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ ولم يَدَّعِيَا الِاسْتِبْرَاءَ أو ادَّعَيَاهُ وَأَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الِاسْتِبْرَاءِ فَلَهَا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يُمْكِنَ لُحُوقُهُ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من وَطْءِ الْأَوَّلِ وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَطْءِ الثَّانِي أو لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من وَطْءِ آخِرِهِمَا وَطْئًا أو لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من الِاسْتِبْرَاءِ إنْ ادَّعَيَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا الْمَهْرُ كما سَبَقَ فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ من الْأَوَّلِ فَقَطْ فإذا كان كَذَلِكَ لَحِقَهُ وَثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِهِ فَإِنْ كان مُعْسِرًا فَلَا سِرَايَةَ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ في جَمِيعِهَا وحينئذ إنْ أَدَّتْ النُّجُومَ عَتَقَتْ وَلَهَا على كُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرٌ كَامِلٌ وَإِنْ رَقَّتْ فَنِصْفُهَا قِنٌّ لِلْآخَرِ وَنَصِيبُ الْأَوَّلِ يَبْقَى مُسْتَوْلَدًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ نِصْفُ مَهْرِهَا فَيَتَقَاصَّانِ وَنِصْفُ الْوَلَدِ حُرٌّ كما سَبَقَ فِيمَا لو وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا وَأَوْلَدَهَا وَإِنْ كان مُوسِرًا فَالْوَلَدُ كُلُّهُ حُرٌّ وَيَسْرِي الِاسْتِيلَادُ من نَصِيبِهِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ عِنْدَ التَّعْجِيزِ ثُمَّ الْحُكْمُ كما سَبَقَ ثُمَّ وما مَرَّ ثَمَّ فِيمَا إذَا عَجَزَتْ وَرَقَّتْ من أَنَّهُ يَجِبُ لَلشَّرِيك على الذي أَوْلَدَهَا النِّصْفُ من مَهْرِهَا وَقِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدِ يَجِبُ هُنَا لِلثَّانِي على الْأَوَّلِ وَأَمَّا وَطْءُ الثَّانِي فَإِنْ كان بَعْدَ حُكْمِنَا بِمَصِيرِ جَمِيعِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ فَهُوَ بِلَا شُبْهَةِ زِنَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَإِنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أُخْرَى أَيْ غَيْرِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الْمُنْتَفِيَةِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ في نَصِيبِ الْأَوَّلِ فَالنِّصْفُ من الْمَهْرِ لها وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْأَوَّلِ وَإِنْ ارْتَفَعَتْ في نَصِيبِهِ أَيْضًا فَجَمِيعُهُ له وَإِنْ كان وَطْؤُهُ قبل الْحُكْمِ بِذَلِكَ لم يَجِبْ عليه إلَّا نِصْفُهُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إذَا حَصَلَتْ أَخِيرًا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَعَادَ نِصْفُهُ رَقِيقًا فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ له وَالْمَهْرُ منها وهو أَيْ نِصْفُهُ لِلْمُكَاتَبَةِ إنْ بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ في نَصِيبِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَهُ لِأَنَّهَا مُسْتَوْلَدَتُهُ
الْحَالُ الثَّالِثُ
____________________
(4/501)
إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ من الثَّانِي فَقَطْ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من وَطْءِ الْأَوَّلِ وَلِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَطْءِ الثَّانِي أو لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من اسْتِبْرَائِهِ إنْ ادَّعَاهُ لَحِقَ بِهِ وَثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِهِ وَلَا سِرَايَةَ إنْ كان مُعْسِرًا وَنِصْفُ الْوَلَدِ حُرٌّ وَإِنْ كان مُوسِرًا سَرَى الِاسْتِيلَادُ كما سَبَقَ في الْحَالِ الثَّانِي وَيَجِبُ هُنَا عليه وما وَجَبَ هُنَاكَ على الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ كَمَالُ الْمَهْرِ لِلْمُكَاتَبَةِ إنْ كان الثَّانِي مُعْسِرًا أو مُوسِرًا وَاسْتَمَرَّتْ الْكِتَابَةُ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ
الْحَالُ الرَّابِعُ أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ من كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِمَا بين دُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من وَطْءِ كُلٍّ مِنْهُمَا أو لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الِاسْتِبْرَاءِ إنْ ادَّعَيَاهُ فَيُعْرَضُ على الْقَائِفِ فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا كان الْحُكْمُ كما لو تَعَيَّنَ الْإِمْكَانُ منه فَإِنْ تَعَذَّرَ إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا بِالْقَائِفِ فَبِانْتِسَابِهِ إلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ يَلْحَقُ بِهِ فَإِنْ لَحِقَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَمَا سَبَقَ فِيمَا لو تَعَيَّنَ الْإِمْكَانُ منه وَلَوْ ادَّعَيَا الْوَلَدَ من مَمْلُوكَةٍ لَهُمَا غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ وَأَلْحَقهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَهُ وحكم بِاسْتِيلَادِ جَمِيعِهَا لِإِقْرَارِ الْآخَرِ بِهِ ولم يَسْرِ إلَى نَصِيبِهِ إنْ كان الْمُلْحَقُ بِهِ مُعْسِرًا وَإِنْ كان مُوسِرًا سَرَى وَلَكِنْ قد أَقَرَّ الْآخَرُ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَيْسَ له مُطَالَبَةُ شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقَائِفُ وَالْمُدَّعِيَانِ لِلْوَلَدِ مُوسِرَانِ حُكِمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْتِيلَادِ نِصْفِهَا بِإِقْرَارِهِ وَلَا سِرَايَةَ إذْ ليس أَحَدُهُمَا أَوْلَى بها من الْآخَرِ وَإِنْ اعْتَرَفَا بِالْوَطْءِ دُونَ الْوَلَدِ فَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً له وَسَرَّى إنْ كان مُوسِرًا وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ إذْ لم يُوجَدْ هُنَا إقْرَارٌ يُنَافِي الْغُرْمَ كما سَبَقَ في بَابِ الْعِتْقِ وَإِنْ ثَبَتَ اللُّحُوقُ بِأَحَدِهِمَا بِانْتِسَابِ الْوَلَدِ إلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَفِي الْغُرْمِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِهِ كما لو لَحِقَ بِالْقَائِفِ
قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
أَمَّا إذَا ادَّعَيَا الِاسْتِبْرَاءَ وَحَلَفَا عليه وَأَتَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وهو كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ من نِكَاحٍ أو زِنًا
فَرْعٌ لو وَطِئَا مُكَاتَبَتَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا على الْوَلَدِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَنِصْفٌ منها مُسْتَوْلَدَةٌ له إنْ كان مُعْسِرًا سَوَاءٌ كان الثَّانِي مُعْسِرًا أَيْضًا أَمْ لَا فَإِنْ كان مُوسِرًا سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّانِي مُوسِرًا أَيْضًا أَمْ لَا فَهِيَ عِنْدَ التَّعْجِيزِ لَا الْعُلُوقِ مُسْتَوْلَدَةٌ له وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي النِّصْفُ من مَهْرِهَا وَمِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ وَطِئَهَا وَكُلُّهَا مُسْتَوْلَدَةٌ لِلْأَوَّلِ عَالِمًا بِالْحَالِ لَزِمَهُ الْحَدُّ وَرَقَّ وَلَدُهُ لِلْأَوَّلِ أو جَاهِلًا بِالْحَالِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ الْمَهْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يوم الْوَضْعِ إنْ كانت عَجَّزَتْ نَفْسَهَا عن نَصِيبِهِمَا في الْأَخِيرِينَ فَإِنْ كانت عَجَّزَتْ نَفْسَهَا عن نَصِيبِ الثَّانِي فَقَطْ فَلَهَا عليه نِصْفُ الْمَهْرِ وَلِلْأَوَّلِ عليه نِصْفُهُ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ الْوَجْهُ حَذْفُ لَفْظَةِ نِصْفِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ له قِيمَةُ الْوَلَدِ كُلِّهَا وَذِكْرُ النِّصْفِ وَهْمٌ حَصَلَ بِإِسْقَاطِ شَيْءٍ من الرَّوْضَةِ مع أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهَا على ما يُوَافِقُ الْمُرَادَ فَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي قبل أَنْ تَصِيرَ هِيَ جَمِيعُهَا مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَوَّلِ وَذَلِكَ قبل التَّعْجِيزِ منها لَزِمَهُ لِلْأَوَّلِ إنْ لم تَسْتَمِرَّ كِتَابَتُهَا وَلَهَا إنْ اسْتَمَرَّتْ نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ لِأَنَّ لِلْأَوَّلِ بَعْدُ وَنِصْفُ الْوَلَدِ حُرٌّ إنْ كان مُعْسِرًا
وَإِنْ كان الْأَوَّلُ مُعْسِرًا فَلَا سِرَايَةَ فإذا أَحْبَلَهَا الثَّانِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِهِ أَيْضًا وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَهْرُ لِلْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ قبل قَبْضِهَا الْمَهْرَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا على شَرِيكِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ أَيْضًا بِحُكْمِ الِاسْتِيلَادِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَوَلَدُ الْمُوسِرِ حُرٌّ كُلُّهُ وَيَتَبَعَّضُ وَلَدُ الْمُعْسِرِ وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ تَعْجِيزِهَا أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْإِيلَادِ وَاحْتُمِلَ صِدْقُهُ فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ لِلْآخَرِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَنِصْفِ الْمَهْرِ وَنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ يقول أنا وَلَدْتهَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ فَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لي وهو يُكَذِّبُهُ فَيَسْقُطُ إقْرَارُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي على الْآخَرِ الْمَهْرَ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ يقول وَطِئْتهَا وَهِيَ مُسْتَوْلَدَتِي فَإِنْ اقْتَضَى الْحَالُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا تَقَاصَّا وَإِلَّا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ على نَفْيِ ما يَدَّعِيه فإذا حَلَفَا لم يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ شَيْءٌ وَبَقِيَ الِاسْتِيلَادُ فيها لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا وَيُنْفِقَانِ عليها ثُمَّ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِمَا لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِاحْتِمَالِ أنها مُسْتَوْلَدَةُ الْآخَرِ وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَهُوَ كما لو عَرَفَ السَّابِقَ مِنْهُمَا وَهُمَا مُعْسِرَانِ
____________________
(4/502)
فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ
وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَقَطْ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا على نَفْيِ ما يَدَّعِي أَيْ يَدَّعِيه الْآخَرُ عليه وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِ الْمُوسِرِ بِلَا تَنَازُعٍ وَيَبْقَى التَّنَازُعُ في نَصِيبِ الْمُعْسِرِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ رُبْعُ النَّفَقَةِ لِلْأَمَةِ وَالْبَاقِي على الْمُوسِرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنِصْفِهَا وَمُشَارَكَتِهِ لِلْمُعْسِرِ في الْبَاقِي فَإِنْ مَاتَ الْمُعْسِرُ أَوَّلًا لم يَعْتِقْ منها شَيْءٌ إلَّا بِمَوْتِهِمَا جميعا فَتَعْتِقُ كُلُّهَا وَنِصْفُ الْوَلَاءِ لِلْمُوسِرِ فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ وَالْبَاقِي من الْوَلَاءِ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ مَاتَ الْمُوسِرُ أَوَّلًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَعَتَقَ الْبَاقِي بِمَوْتِ الْمُعْسِرِ وَالْوَلَاءُ كما سَبَقَ فَيَكُونُ نِصْفُهُ لِلْمُوسِرِ وَالْبَاقِي مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أنت الْوَاطِئُ أَوَّلًا فَيَسْرِي إيلَادُك إلَى نَصِيبِي وَهُمَا مُوسِرَانِ تَحَالَفَا بِأَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ على نَفْيِ ما يَدَّعِيه وَعَلَيْهِمَا نَفَقَتُهُمَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْحَيِّ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَدَهَا أَوَّلًا ثُمَّ سَرَى إلَى نَصِيبِهِ وَعَتَقَ بِمَوْتِهِ وَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْآخَرَ سَبَقَهُ بِالْإِيلَادِ وَعَتَقَتْ كُلُّهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كان الْمُوسِرُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فقال الْمُعْسِرُ سَرَى إيلَادُك إلَى نَصِيبِي وَالْمُوسِرُ مُنْكِرٌ لِلسَّبْقِ بِأَنْ قال أنت أَوَلَدْت أَوَّلًا ولم يَسْرِ إلَى نَصِيبِي تَحَالَفَا بِأَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ على نَفْيِ ما يَدَّعِيه وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَأَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُوسِرُ أَوَّلًا عَتَقَتْ كُلُّهَا أَمَّا نَصِيبُهُ فَبِمَوْتِهِ وَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ وَأَمَّا نَصِيبُ الْمُعْسِرِ فَبِإِقْرَارِهِ وَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَلَا يَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمُعْسِرِ أَوَّلًا شَيْءٌ منها لِاحْتِمَالِ سَبْقِ الْمُوسِرِ له بِالْإِحْبَالِ فإذا مَاتَ الْمُوسِرُ بَعْدُ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَوَلَاءِ نَصِيبه لِعَصَبَتِهِ وَوَلَاءُ نَصِيبِ الْمُعْسِرِ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَالِاعْتِبَارُ في الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ في جَمِيعِ ما مَرَّ بِحَالَةِ الْعُلُوقِ كما عُلِمَ من كِتَابِ الْعِتْقِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا
الْحُكْمُ الْخَامِسُ في الْمُكَاتَبِ إذْ جَنَى أو جُنِيَ عليه فإذا جَنَى على أَجْنَبِيٍّ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا اُقْتُصَّ منه فَإِنْ عَفَا عنه على مَالٍ أو كانت جِنَايَتُهُ تُوجِبُهُ أَيْ الْمَالَ لم يُطَالَبْ إلَّا بِالْأَقَلِّ من أَرْشِهَا وَقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ وإذا عَجَّزَهَا فَلَا مُتَعَلِّقَ سِوَى الرَّقَبَةِ لَا أَكْثَرَ من قِيمَتِهِ بِأَنْ زَادَ الْأَرْشُ عليها فَلَا يُطَالِبُ بِهِ وَلَا يَفْدِي نَفْسَهُ بِهِ إلَّا بِالْإِذْنِ من سَيِّدِهِ لِتَبَرُّعِهِ وَيَفْدِي نَفْسَهُ بِهِ أَيْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ يَفِي بِالْأَرْشِ فَلِلْمَجْنِيِّ عليه تَعْجِيزُهُ بِالْقَاضِي كما مَرَّ في أَثْنَاءِ الْحُكْمِ الثَّانِي ثُمَّ يَبِيعُ الْقَاضِي منه بِقَدْرِ الْأَرْشِ إنْ لم يَسْتَغْرِقْ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ في الْغَدَاءِ وَيَبْقَى بَاقِيه مُكَاتَبًا حتى يَعْتِقَ عن الْكِتَابَةِ بِأَدَاءِ قِسْطِهِ أو الْإِبْرَاءِ عنه أو الْإِعْتَاقِ وَقَضِيَّةُ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ في الْبَاقِي أَنَّهُ لَا يَعْجَزُ الْجَمِيعِ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ بَعْضِهِ خَاصَّةً لَكِنَّ قَضِيَّةَ صَدْرِ كَلَامِهِمْ أَنَّ له أَنْ يُعَجِّزَ الْجَمِيعَ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ تَعْجِيزٌ مُرَاعًى حتى لو عَجَّزَهُ ثُمَّ أُبْرِئَ عن الْأَرْشِ بَقِيَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْدِيَهُ من الْبَيْعِ بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ وَعَلَى الْمُسْتَحَقِّ لِلْأَرْشِ الْقَبُولُ كما مَرَّ ذلك في الْحُكْمِ الثَّانِي فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ اخْتِيَارِ فِدَائِهِ أَيْ سَيِّدِهِ له لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ كما لو بَاعَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عليه بِشَرْطِ فِدَائِهِ فإنه يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ أو قَتَلَهُ السَّيِّدُ أو أَبْرَأَهُ من النُّجُومِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ على الْمَجْنِيِّ عليه مُتَعَلِّقَ حَقِّهِ وَلَزِمَهُ أَيْضًا فِدَاءُ من يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ أَيْ الْمُكَاتَبِ إنْ جَنَى بَعْدَ مُكَاتَبَتِهِ عليه وَأَعْتَقَ هو الْمُكَاتَبَ أو أَبْرَأَهُ من النُّجُومِ لَا إنْ قَتَلَهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ خِلَافَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِبْرَاءِ من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِأَدَاءِ النُّجُومِ وقد جَنَى على أَجْنَبِيٍّ فَدَى نَفْسَهُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا مَرَّ ولم يَلْزَمْ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ وَإِنْ كان هو الْقَابِضُ لِلنُّجُومِ لِأَنَّهُ مُجْبَرٌ على قَبُولِهَا فَالْحَوَالَةُ على الْمُكَاتَبِ أَوْلَى وَلَوْ جَنَى جِنَايَاتٍ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ فَدَى نَفْسَهُ كما في الْجِنَايَةِ الْوَاحِدَةِ أو أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ تَبَرُّعًا كَأَنْ أَبْرَأَهُ عن النُّجُومِ لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ وَلَا يَلْزَمُهُمَا الْفِدَاءُ إلَّا بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَاتِ وَالْقِيمَةِ كما في الْجِنَايَةِ الْوَاحِدَةِ سَوَاءٌ تَفَرَّقَتْ الْجِنَايَاتُ أَمْ وَقَعَتْ مَعًا لِأَنَّهَا جَمِيعُهَا تَعَلَّقَتْ بِالرَّقَبَةِ فإذا أَتْلَفَهَا بِالْعِتْقِ لم يَضْمَنْ إلَّا ما أَتْلَفَ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ من الْبَيْعِ حَصَلَ بِالْإِعْتَاقِ وهو شَيْءٌ وَاحِدٌ فلم يُوجَدْ إلَّا مَنْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ يَفِي بِالْأَرْشِ فَلِلْمَجْنِيِّ عليهم تَعْجِيزُهُ بِالْحَاكِمِ وَيَبِيعُ فيها إنْ اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتُهُ وَإِلَّا بِيعَ منه بِقَدْرِ أَرْشِهَا وَقَسَمَ الثَّمَنَ فِيمَنْ لم يُبْرِئْهُ من
____________________
(4/503)
حِصَّتِهِ منها
قال في الْأَصْلِ وَإِنْ اخْتَارَ السَّيِّدُ فِدَاءَهُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ لم يَبِعْ انْتَهَى
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْقَى مُكَاتَبًا وَإِنْ لم يُحَدِّدْ كِتَابَتَهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ
وَإِنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ على عبد سَيِّدِهِ أو على سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَلَهُ إنْ كان حَيًّا أو لِوَرَثَتِهِ إنْ كان مَيِّتًا الْقِصَاصُ كَجِنَايَةِ عبد غَيْرِهِ عليه أو على عَبْدِهِ بَلْ أَوْلَى لِمُقَابَلَتِهِ الْإِحْسَانَ بِالْإِسَاءَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ قِصَاصِ الْوَرَثَةِ في الْجِنَايَةِ على عبد السَّيِّدِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ عُفِيَ عنه على مَالٍ أو أَوْجَبَتْ جِنَايَتُهُ مَالًا تَعَلَّقَ بِمَا في يَدِهِ لِأَنَّهُ معه كَأَجْنَبِيٍّ وَيَفْدِي نَفْسَهُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا مَرَّ هذا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَالْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ بِالْأَرْشِ بَالِغًا ما بَلَغَ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ وَاجِبَ جِنَايَتِهِ عليه لَا تَعَلُّقَ له بِرَقَبَتِهِ كما سَيَأْتِي على اضْطِرَابٍ فيه وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وَلِلسَّيِّدِ إذَا لم يَكُنْ في يَدِ الْمُكَاتَبِ ما يَفِي بِالْأَرْشِ تَعْجِيزُهُ بِسَبَبِ الْأَرْشِ كما في جِنَايَتِهِ على الْأَجْنَبِيِّ وَيَسْتَفِيدُ بِهِ رِقَّهُ الْمَحْضَ وَيَسْقُطُ عنه حِينَئِذٍ الْأَرْشُ كما لو كان له على عبد غَيْرِهِ دَيْنٌ فَمَلَكَهُ وَجِنَايَتُهُ على طَرَفِ ابْنِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ على أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ قَتَلَ ابْنَ سَيِّدِهِ فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ فَإِنْ عُفِيَ على مَالٍ أو كان الْقَتْلُ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَكَجِنَايَتِهِ على السَّيِّدِ فِيمَا قَالَهُ وَكَابْنِ سَيِّدِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ سَيِّدُهُ وهو وَاضِحٌ وَلَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ على السَّيِّدِ بِالْأَدَاءِ لِلنُّجُومِ لم يَسْقُطْ الْأَرْشُ كما لَا يَسْقُطُ إذَا جَنَى على أَجْنَبِيٍّ وَأَدَّى النُّجُومَ وَعَتَقَ وَفَدَى نَفْسَهُ بِالْأَرْشِ بَالِغًا ما بَلَغَ وَفَارَقَ الْأَجْنَبِيَّ بِأَنَّ وَاجِبَ جِنَايَتِهِ عليه لَا تَعَلُّقَ له بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَيَجِبُ بِكَمَالِهِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِهِ في الْأَجْنَبِيِّ فإنه يَتَعَلَّقُ بها فَجَازَ أَنْ لَا يُزَادَ عليها وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ عليه تَبَرُّعًا وفي يَدِهِ مَالٌ تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِهِ كما يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ قبل الْعِتْقِ وَإِلَّا سَقَطَ عنه لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمِلْكَ عن الرَّقَبَةِ التي كانت مُتَعَلِّقَةً بِالْأَرْشِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا مَالَ غَيْرُهَا
وَإِنْ جَنَى عبد الْمُكَاتَبِ على أَجْنَبِيٍّ اُقْتُصَّ منه كَغَيْرِهِ فَإِنْ عُفِيَ عنه على مَالٍ أو أَوْجَبَتْ جِنَايَتُهُ مَالًا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَبِيعَ فيه إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمُكَاتَبُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا مَرَّ وَيُسْتَثْنَى منه ما لو كان الْعَبْدُ آبِقًا فَلَا يَجُوزُ فِدَاؤُهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنٍ
نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عن الشَّافِعِيِّ كما ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وقال إنَّهُ ظَاهِرٌ
قال الْأَذْرَعِيُّ إلَّا إنْ كان مَعْلُومَ الْمَكَانِ مَقْدُورًا عليه بِحَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وكان الْحَظُّ لِلْمُكَاتَبِ في فِدَائِهِ فَلَا مَنْعَ من فِدَائِهِ والوقت الْمُعْتَبَرُ فيه قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمُ الْجِنَايَةِ لَا يَوْمُ الِانْدِمَالِ وَلَا يَوْمُ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالرَّقَبَةِ
وَإِنْ جَنَى من تَكَاتَبَ عليه كَابْنِهِ من أَمَتِهِ على أَجْنَبِيٍّ لم يَفْدِهِ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ فِدَاءَهُ كَشِرَائِهِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ
وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ لِعَبْدِهِ مِمَّنْ جَنَى عليه وَلَوْ من عَبْدِهِ الْآخَرِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ من سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ من مَصَالِحِ الْمِلْكِ لَا إنْ قُتِلَ وَالْقَاتِلُ له أبو الْمُكَاتَبِ أو أبو الْمَقْتُولِ فَلَا يَقْتَصُّ له وَلَهُ قَتْلُ وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ بِعَبْدِهِ لَا بَيْعُهُ في الْأَرْشِ الْوَاجِبِ عليه بِجِنَايَتِهِ عليه لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ له على عَبْدِهِ مَالٌ وَالْأَصْلُ مَنْعُ بَيْعِ الْوَلَدِ فَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ عليه جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ سَقَطَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لم يَجِبْ إذْ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ مَالٌ أو على سَيِّدِ سَيِّدِهِ بِيعَ في الْجِنَايَةِ أو فَدَاهُ سَيِّدُهُ
فَرْعٌ لو جَنَى على طَرَفِ الْمُكَاتَبِ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ من الْجَانِي عليه وَلَوْ من عَبْدِهِ أو بِلَا إذْنٍ من السَّيِّدِ كما يَقْتَصُّ الْمَرِيضُ وَالْمُفْلِسُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَإِنْ عُفِيَ عنه بِمَالٍ أو أَوْجَبَتْهُ ثَبَتَ على الْجَانِي لَا على عَبْدِهِ إنْ كان هو الْجَانِي إذْ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ مَالٌ كما مَرَّ أو أَوْجَبَتْ جِنَايَتُهُ قِصَاصًا وَعُفِيَ عنه مَجَّانًا أَيْ بِلَا مَالٍ سَوَاءٌ أَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْمَالِ أَمْ أَطْلَقَ صَحَّ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا لم يَصِحَّ عَفْوُهُ عنه بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَ الْمَالُ بِالْجِنَايَةِ على طَرَفِ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ يَسْتَعِينُ بِهِ على أَدَاءِ النُّجُومِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعُضْوٍ من أَعْضَائِهِ فَهُوَ كَالْمَهْرِ تَسْتَحِقُّهُ الْمُكَاتَبَةُ وَلِأَنَّ كَسْبَهُ له وهو عِوَضُ ما تَعَطَّلَ من كَسْبِهِ بِإِتْلَافِ طَرَفِهِ وَمَعَ ذلك يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ في الْحَالِ فَلَا يَتَوَقَّفُ على الِانْدِمَالِ مُبَادَرَةً إلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ على الِانْدِمَالِ كَالْجِنَايَةِ على الْحُرِّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ
وَصَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا
____________________
(4/504)
أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ في مُخْتَصِر الرَّوْضَةِ فَتَرْجِيحُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلَ من تَصَرُّفِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ وقد قُطِعَتْ يَدُهُ فَإِنْ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَعَلَى الْجَانِي الْقِيمَةُ لَلسَّيِّدِ إنْ كان أَجْنَبِيًّا وَإِنْ انْدَمَلَتْ وَالْجَانِي أَجْنَبِيٌّ أَخَذَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ أو السَّيِّدُ اُسْتُحِقَّ عليه نِصْفُ الْقِيمَةِ وهو يَسْتَحِقُّ النُّجُومَ فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَاتَّحَدَ الْحَقَّانِ جِنْسًا وَصِفَةً تَقَاصَّا وَأَخَذَ من له الْفَضْلُ الْفَضْلَ أو اخْتَلَفَا أَخَذَ كُلٌّ حَقَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَخْذِ في الْحَالِ فَإِنْ وَجَبَ له على الْجَانِي دِيَاتٌ أَيْ أُرُوشٌ لم يَأْخُذْ منه قبل الِانْدِمَالِ إلَّا قَدْرَ الدِّيَةِ إنْ لم يَنْقُصْ الْوَاجِبُ عنها لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قد تَسْرِي إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ فَيَعُودُ الْوَاجِبُ إلَى الدِّيَةِ فَإِنْ نَقَصَ الْوَاجِبُ عنها أَخَذَ قَدْرَهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ على قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قد تَسْرِي إلَى نَفْسِهِ فَيَعُودُ الْوَاجِبُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَاتُ بَعْدَ أَخْذِ ذلك أَخَذَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ في الضَّمَانِ بِحَالِ الِاسْتِقْرَارِ وَهَذَا آخِرُ التَّفْرِيعِ على ما رَجَّحَهُ من أَخْذِ ذلك في الْحَالِ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ مَتَى أَخَذَهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِسَيِّدِهِ وَلَوْ من السَّيِّدَانِ كان هو الْجَانِي بِخِلَافِ الْقِنِّ إذْ جَنَى عليه السَّيِّدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا ضَمَانَ عليه إنْ مَاتَ الْقِنُّ بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ على الْمُكَاتَبِ كَالْحُرِّ مَضْمُومَةٌ بِخِلَافِ الْقِنِّ وَسَوَاءٌ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالتَّقَاصِّ أَمْ لَا وَهَذَا أَعَمُّ من اقْتِصَارِ الْأَصْلِ على عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ أو التَّقَاصِّ
وَإِنْ جَنَى السَّيِّدُ على طَرَفِ مُكَاتَبِهِ وَالْأَرْشُ كَالنُّجُومِ قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً عَتَقَ بِالتَّقَاصِّ وَإِنْ الْأَوْلَى فَإِنْ جَنَى عليه بَعْدَ عِتْقِهِ ثَانِيًا بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا اُقْتُصَّ منه لِأَنَّهُ جَنَى على حُرِّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالتَّقَاصِّ أَمْ لَا كما لو قَتَلَ من كان عَبْدًا فَعَتَقَ فإنه يُقْتَصُّ منه وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ وَلَا يَمْنَعُ التَّقَاصَّ كَوْنُ الدِّيَةِ إبِلًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ في الِابْتِدَاءِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَبِهَا أَيْ بِالْقِيمَةِ يَحْصُلُ التَّقَاصُّ لِكَوْنِهَا دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ وَيَجِبُ الْفَاضِلُ من الْإِبِلِ إنْ كان فَاضِلٌ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ بَطَلَ عَفْوُ الْمُكَاتَبِ عن الْمَالِ ثُمَّ عَتَقَ قبل أَخْذِهِ له فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّ عَفْوَهُ وَقَعَ لَاغِيًا
وَلَوْ اخْتَلَفَ مُكَاتَبٌ عَتَقَ وَالْجَانِي عليه في حُرِّيَّتِهِ حَالَ الْجِنَايَةِ عليه فقال الْمُكَاتَبُ كُنْت حُرًّا عِنْدَ الْجِنَايَةِ وقال الْجَانِي بَلْ مُكَاتَبًا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكِتَابَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ له أَيْ لِلْمُكَاتَبِ بِمَا ادَّعَاهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَإِنْ مَاتَ وقد وَجَبَتْ له دِيَاتٌ أَيْ أُرُوشٌ قبل عِتْقِهِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَمَاتَ رَقِيقًا وَسَقَطَتْ الدِّيَاتُ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ
قال في الْأَصْلِ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ على نَفْسِ الْمُكَاتَبِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَمَاتَ رَقِيقًا ثُمَّ إنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ فَلَيْسَ عليه إلَّا الْكَفَّارَةُ أو أَجْنَبِيٌّ فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ أو الْقِيمَةُ وَلَهُ أَكْسَابُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ إلَّا بِالْإِرْثِ وَهَذَا ما احْتَرَزَ عنه الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَرْعِ جَنَى على طَرَفِ الْمُكَاتَبِ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ
وَإِنْ عَلَّقَ حُرِّيَّةَ مُكَاتَبِهِ بِعَجْزٍ منه عن النُّجُومِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَيْ السَّيِّدِ بِأَنْ قال له إنْ عَجَزَتْ عن النُّجُومِ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ لم يَعْتِقْ إلَّا إنْ عَجَزَ عنها وَعَجَّزَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحُلُولِ لِلنُّجُومِ فَإِنْ ادَّعَى الْعَجْزَ عنها وَلَهُ مَالٌ يَفِي بها أو ادَّعَاهُ قبل الْحُلُولِ لها لم يَعْتِقْ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ يَفِي بها وَادَّعَى الْعَجْزَ بَعْدَ الْحُلُولِ عَتَقَ لِأَنَّهُ مُصَدَّقٌ بِيَمِينِهِ حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَعَجَّزَ نَفْسَهُ لَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ الْمُعَلَّقِ عليه مع أَنَّهُ مُضِرٌّ
وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالدُّيُونِ أَيْ دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ وَبِمَا له إنْشَاؤُهُ كَبَيْعٍ وفي قَبُولِ إقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ قَدْرَ قِيمَتِهِ فما دُونَهَا لَا أَكْثَرَ منها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ وَثَانِيهمَا وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ لَا يُقْبَلُ في حَقِّ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّطْهُ عليه بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ وَالْمَنْصُوصُ الْقَبُولُ أَمَّا إقْرَارُهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ أَكْثَرَ من قِيمَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ في الْقَدْرِ الزَّائِدِ قَطْعًا فَإِنْ قَبِلْنَا إقْرَارَهُ بِالْجِنَايَةِ وَلَيْسَ في يَدِهِ مَالٌ بِيعَ في دِيَتِهَا وَإِلَّا فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَعَادَ رَقِيقًا قُبِلَ أَنْ يُؤْخَذَ منه فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَتُبَاعُ فيه لِأَنَّهُ أَقَرَّ في وَقْتٍ كان إقْرَارُهُ مَقْبُولًا أو بِذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ صَارَتْ رَقَبَتُهُ لِلسَّيِّدِ فَصَارَ كما لو أَقَرَّ بَعْدَ الْعَجْزِ قَوْلَانِ أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ
فَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ على الْمُكَاتَبِ بِجِنَايَةٍ لم يُقْبَلْ وَإِنْ عَزَاهَا إلَى ما قبل الْكِتَابَةِ لِخُرُوجِهِ عن يَدِهِ بِالْكِتَابَةِ كما لو خَرَجَ عن يَدِهِ بِالْبَيْعِ لَكِنْ لو عَجَزَ وَرَقَّ لَزِمَ السَّيِّدُ إقْرَارَهُ وَإِنْ
____________________
(4/505)
مَاتَ سَيِّدُهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ لم يَعْتِقْ إلَّا بِأَدَاءِ حُقُوقِهِمْ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ أو إلَى وَلِيِّ الطِّفْلِ أو نَحْوِهِ فَإِنْ كان له وَصِيَّانِ لم يَعْتِقْ إلَّا بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الِاسْتِقْلَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ كان على الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَإِنْ أَوْصَى بِتَنْفِيذِهَا إلَى وَصِيٍّ غَيْرِ الْوَارِثِ لم يَعْتِقْ إلَّا بِالدَّفْعِ إلَى الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ فَإِنْ كان الْوَارِثُ هو الْوَصِيُّ عَتَقَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَكُنْ وَصِيٌّ فَالْقَاضِي يَقُومُ مَقَامَهُ لَا بِالدَّفْعِ إلَى الْغَرِيمِ وَلَا إلَى الْوَارِثِ إلَّا إنْ قَضَى الدَّيْنَ وَالْوَصَايَا فَيَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وفي عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ إلَى غَرِيمٍ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِلتَّرِكَةِ وَإِلَى الْمُوصَى له بِالنُّجُومِ خِلَافٌ ذُكِرَ الْخِلَافُ في الثَّانِيَةِ مع عَدَمِ التَّرْجِيحِ فيها من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ الْجَزْمُ فيها بِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُوصَى له وَأَمَّا الْأَوْلَى فَحَكَى الْأَصْلُ فيها عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فيها بِالدَّفْعِ إلَى الْغَرِيمِ وَعَنْ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ إنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ
قال الْبُلْقِينِيُّ وما قَالَهُ الْقَاضِي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ
قال لَكِنَّهُ لم يَشْتَرِطْ اسْتِغْرَاقَ الدَّيْنِ لِلتَّرِكَةِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ
ا ه
وقد يُقَالُ هذا مَبْنِيٌّ على أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَأَنَّ غير الْمُسْتَغْرِقِ منه ليس كَالْمُسْتَغْرِقِ في الْمَنْعِ من التَّصَرُّفِ في التَّرِكَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلَتِهِمَا وهو الْأَصَحُّ فَالرَّاجِحُ ما قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَيْهِ
وَإِنْ أَوْصَى بِالنُّجُومِ لِلْفُقَرَاءِ أو الْمَسَاكِينِ أو لِقَضَاءِ دَيْنِهِ منها تَعَيَّنَتْ له كما لو أَوْصَى بها لِإِنْسَانٍ وَسَلَّمَهَا الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُوصَى له بِتَفْرِقَتِهَا أو بِقَضَاءِ دَيْنِهِ منها فَإِنْ لم يَكُنْ فَالْقَاضِي يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ كَاتَبَ ابْنَ أَخِيهِ وَمَاتَ وَوَارِثُهُ أَخُوهُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ عليه
عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ مِمَّنْ يَعْتِقُ على الْوَارِثِ عَتَقَ عليه
وَإِنْ وَرِثَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ أو وَرِثَتْ هِيَ أَيْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا الْمُكَاتَبَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَ زَوْجَهُ أو بَعْضَهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ أو بِالْعَكْسِ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ أو كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَ زَوْجَهُ
كِتَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مع فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمٍّ وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا على ذلك
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
قال وقال بَعْضُهُمْ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ وقال غَيْرُهُ يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ في الناس وَالثَّانِيَ أَكْثَرُ في غَيْرِهِمْ وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ من سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عن دُبُرٍ منه رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَخَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في مَارِيَةَ أُمِّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا وَلَدَتْ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا أَيْ أَثْبَتَ لها حَقُّ الْحُرِّيَّةِ رَوَاهُ ابن حَزْمٍ وَصَحَّحَهُ وَلَكِنْ عَلَّلَهُ ابن عبد الْبَرِّ وَخَبَرُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ منها سَيِّدُهَا ما دَامَ حَيًّا فإذا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَا وَقْفَهُ على عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَخَالَفَ ابن الْقَطَّانِ فَصَحَّحَ رَفْعَهُ وَحَسَّنَهُ وقال رُوَاتُهُ كلهم ثِقَاتٌ وَاسْتَشْهَدَ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها لم يَتْرُكْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَكَانَتْ مَارِيَةُ من جُمْلَةِ الْمُخَلَّفِ عنه فَدَلَّ على أنها أُعْتِقَتْ بِمَوْتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَبَبُ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ انْعِقَادُ الْوَلَدِ حُرًّا لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وفي رِوَايَةٍ رَبَّهَا أَيْ سَيِّدَهَا فَأَقَامَ الْوَلَدَ مَقَامَ أبيه وَأَبُوهُ حُرٌّ
فَكَذَا هو إذَا أَحْبَلَ رَجُلٌ حُرٌّ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ أَمَتَهُ بِأَنْ عَلَقَتْ منه وَلَوْ سَفِيهًا أو مُكْرَهًا أو مَجْنُونًا أو بِاسْتِدْخَالِ مَائِهِ أو ذَكَرِهِ وهو نَائِمٌ ولم يَتَعَلَّقْ بها حَقٌّ كما في مَحَلِّهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا أو مَيِّتًا وَلَوْ مُضْغَةً
____________________
(4/506)
ظَهَرَ فيها خِلْقَةُ آدَمِيٍّ وَإِنْ لم تَظْهَرْ إلَّا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ من النِّسَاءِ أو غَيْرِهِنَّ وَاقْتِصَارُ الْأَصْلِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ على النِّسَاءِ جَرَى على الْغَالِبِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له وَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَلَوْ بِقَتْلِهَا له لِمَا مَرَّ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قال أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ كان سُقْطًا وَكَالْمُضْغَةِ بَعْضُهَا وَلِهَذَا قال الدَّارِمِيُّ وَكَذَا لو وَضَعَتْ عُضْوًا وَإِنْ لم تَضَعْ الْبَاقِيَ وَعِتْقُهَا من رَأْسِ الْمَالِ لَا من ثُلُثِهِ وَإِنْ أَحْبَلَهَا في الْمَرَضِ أو أَوْصَى بها من الثُّلُثِ كما بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَإِنْفَاقِهِ الْمَالَ في اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَأَوْلَى من تَعْبِيرِهِ بِمَا قَالَهُ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ وَعِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ من رَأْسِ الْمَالِ لِشُمُولِ عِتْقِهَا بِإِعْتَاقِهِ لها في مَرَضِ مَوْتِهِ وَيُقَدَّمُ عِتْقُهَا على قَضَاءِ الدُّيُونِ الْمُقَدَّمَةِ على الْوَصَايَا وَالْإِرْثِ لَا إنْ لم يَكُنْ فِيمَا وَضَعَتْهُ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ وَقُلْنَ أَيْ الْقَوَابِلُ هذا أَصْلُ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كما لَا تَجِبُ فيه الْغِرَّةُ وقد سَبَقَ بَيَانُ ذلك في الْعَدَدِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ خُفْيَةً وَخَرَجَ بِأَمَتِهِ غَيْرُهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِحْبَالِ الْأَصْلِ أَمَةَ فَرْعِهِ وَالشَّرِيكِ الْمُوسِرِ الْمُشْتَرَكَةَ وَالسَّيِّدِ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ هذا أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِيَحْرُمُ بَيْعُ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَهِبَتُهَا وَالْوَصِيَّةُ بها وَرَهْنُهَا لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقِ في الْأَوَّلَيْنِ وَقِيَاسًا لِلْبَاقِي عَلَيْهِمَا وقد قام الْإِجْمَاعُ على عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا وَاشْتَهَرَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا على الْمِنْبَرِ فقال في أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرُ على أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ يُبَعْنَ وأنا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ فقال عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك مع رَأْيِ عُمَرَ وفي رِوَايَةٍ مع الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا من رَأْيِك وَحْدَك فقال اقْضُوا فيه ما أَنْتُمْ قَاضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ الْجَمَاعَةَ وَيُنْقَضُ حُكْمٌ جَرَى بِبَيْعِهَا أَيْ بِصِحَّتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ وما كان في بَيْعِهَا من خِلَافٍ بين الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَطَعَ وَصَارَ مُجْمَعًا على مَنْعِهِ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ عن جَابِرٍ كنا نَبِيعُ سَرَارِيَّنَا وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا
____________________
(4/507)
فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا فَيُقَدَّمُ عليه ما نُسِبَ إلَيْهِ قَوْلًا وَنَصًّا وهو خَبَرُ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقُ وَبِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَعْلَمْ بِذَلِكَ كما وَرَدَ في خَبَرِ الْمُخَابَرَةِ عن ابْنِ عُمَرَ
قال كنا نُخَابِرُ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حتى أخبرنا رَافِعُ بن خَدِيجٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نُهِيَ عن الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا وَمَحَلُّ ما ذُكِرَ إذَا لم يَرْتَفِعْ الْإِيلَادُ فَإِنْ ارْتَفَعَ بِأَنْ كانت كَافِرَةً وَلَيْسَتْ لِمُسْلِمٍ وَسُبِيَتْ وَصَارَتْ قِنَّةً صَحَّ جَمِيعُ ذلك وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُهَا من نَفْسِهَا بِنَاءً على أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وهو الْأَصَحُّ وَكَبَيْعِهَا في ذلك هِبَتُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بها لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الْقَبُولِ وهو إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَعِتْقُهَا يَقَعُ عَقِبَهُ وله إجَارَتُهَا من غَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ إجَارَتِهَا من نَفْسِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ في الْمَعْنَى عِتْقٌ كما مَرَّ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَوَدِدْت لو قِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا مِمَّنْ تَعْتِقُ عليه بِقَرَابَةٍ وَبِمَا وَدَّهُ أَخَذَ بَعْضُ مَشَايِخِي وَفِيهِ نَظَرٌ
فَرْعٌ الْوَلَدُ أَيْ وَلَدُ الْأَمَةِ وَلَوْ غير مُسْتَوْلَدَةٍ من السَّيِّدِ حُرٌّ لَا وَلَاءَ عليه لِأَنَّ مَانِعَ الرِّقِّ قَارَنَ سَبَبَ الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ منه فإن الْوَلَدَ يَعْتِقُ عليه وَوَلَاؤُهُ له وما عَلَقَتْ بِهِ قَبْلَهُ أَيْ قبل اسْتِيلَادِهَا من نِكَاحٍ أو زِنًا أو شُبْهَةٍ بِظَنِّ أَنَّهُ يَطَأُ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ قِنٌّ وَإِنْ وَلَدَ في مِلْكِهِ فَلَيْسَ له حُكْمُ أُمِّهِ لِحُصُولِهِ قبل ثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لها أو عَلَقَتْ بِهِ بَعْدُ فَلَهُ حُكْمُهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ في الْحُرِّيَّةِ فَكَذَا في حَقِّهَا اللَّازِمِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ وَيَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَإِنْ مَاتَتْ قبل أَيْ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ أو عَجَّزَتْ نَفْسَهَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا تَبَعًا بِلَا أَدَاءً منه أو نَحْوِهِ وَوَلَدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ إنَّمَا يَعْتِقُ بِمَا تَعْتِقُ هِيَ بِهِ وهو مَوْتُ السَّيِّدِ وَلِهَذَا لو أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ أو الْمُدَبَّرَةَ لم يَعْتِقْ الْوَلَدُ كَالْعَكْسِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا أَعْتَقَهَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا إلَّا إنْ وَطِئَهَا رَجُلٌ يَعْتَقِدُ وفي نُسْخَةٍ مُعْتَقِدًا أنها زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ أو أَمَتُهُ فَأَتَتْ منه بِوَلَدِ فإنه يَنْعَقِدُ حُرًّا عَمَلًا بِظَنِّهِ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ كَأُمِّهِ وهو كما لو أَتَتْ بِهِ من نِكَاحٍ أو زِنًا
فَرْعٌ له وَطْءُ أَمَتِهِ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقِ لَا وَطْءُ بِنْتِهَا لِحُرْمَتِهَا بِوَطْءِ أُمِّهَا
قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَثْنَى الْمُبَعَّضُ فَلَيْسَ له وَطْءُ مُسْتَوْلَدَتِهِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ بَعْضِهِ انْتَهَى
وهو مُفَرَّعٌ على ضَعِيفٍ كما عُلِمَ من بَابِ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ وَهِيَ كَالْمَمْلُوكَةِ لَا في نَقْلِ الْمِلْكِ فيها وَلَا فِيمَا يُفْضِي إلَيْهِ كَالرَّهْنِ بَلْ في نَحْوِ الِاسْتِخْدَامِ وَغُرْمِ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَتِهَا أو قِيمَةِ بَعْضِهَا له بِإِتْلَافٍ أو تَلَفٍ لها أو لِبَعْضِهَا في يَدٍ نَحْوِ غَاصِبٍ لها وَكَذَا وَلَدُهَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا في ذلك وَذَلِكَ لِمُلْكِهِ لَهُمَا وَلِمَنَافِعِهِمَا كَالْمُدَبَّرَةِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْعِتْقِ فِيهِمَا
وَلَوْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ على إقْرَارِ سَيِّدِ الْأَمَةِ بِإِيلَادِهَا وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عن شَهَادَتِهِمَا لم يَغْرَمَا شيئا لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهِمَا ولم
____________________
(4/508)
يُفَوِّتَا إلَّا سَلْطَنَةَ الْبَيْعِ وَلَا قِيمَةَ لها بِانْفِرَادِهَا وَلَيْسَ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ من يَدِ غَاصِبِهِ فإنه في عُهْدَةِ ضَمَانِ يَدِهِ حتى يَعُودَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ أَيْ السَّيِّدِ فَيَغْرَمَانِ لِلْوَارِثِ لِأَنَّ هذه الشَّهَادَةَ لَا تَنْحَطُّ عن الشَّهَادَةِ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَلَوْ شَهِدَا بِتَعْلِيقِهِ فَوُجِدْت الصِّفَةُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا
وَلِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُهَا وَلَوْ إجْبَارًا وَكَذَا له تَزْوِيجُ بِنْتِهَا كَذَلِكَ كما في الْقِنَّةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إجَارَتَهُمَا فَيَمْلِكُ تَزْوِيجَهُمَا وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له التَّمَتُّعُ بِالْأُمِّ فَيَجُوزُ له تَزْوِيجُهَا كَالْمُدَبَّرَةِ لَكِنَّ الْبِنْتَ لَا تُسْتَبْرَأُ أَيْ لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَائِهَا بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِأَنَّهَا كانت فِرَاشًا له وَيُسْتَثْنَى من تَزْوِيجِ الْمُسْتَوْلَدَةِ مُسْتَوْلَدَةُ الْمُبَعَّضِ فقال الْبَغَوِيّ ليس له تَزْوِيجُهَا وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ تَزْوِيجَ السَّيِّدِ أَمَتَهُ بِالْمِلْكِ وهو مَوْجُودٌ وَابْنُهَا يَنْكِحُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَا بِدُونِهِ كَالْعَبْدِ
فَصْلٌ لو لَحِقَهُ وَلَدٌ وَلَوْ حُرًّا من أَمَةِ غَيْرِهِ أو لم يَلْحَقْهُ لِكَوْنِهَا أَتَتْ بِهِ من زِنَاهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ مَلَكَهَا لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ له لِانْتِفَاءِ إحْبَالِهَا من سَيِّدِهَا وَلِأَنَّ الْإِيلَادَ لم يَثْبُتْ حَالًّا فَكَذَا بَعْدَ الْمِلْكِ كما لو أَعْتَقَ رَقِيقَ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ لَا يَثْبُتَانِ في مِلْكِ الْغَيْرِ حَالًا وَلَا مَآلًا فَكَذَا الْإِيلَادُ وَكَذَا الْحُكْمُ لو مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ منه فَوَضَعَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينِ الْمِلْكِ أو لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ منه إنْ لم يَطَأْهَا بَعْدَهُ لَكِنْ يَعْتِقُ الْوَلَدُ عليه إنْ لم يَكُنْ من زِنَاهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ وَلَدَهُ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ قَاصِرٌ وَالْأَوْلَى لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَهُ ووضعته لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْمِلْكِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ وَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُ الْعُلُوقِ سَابِقًا على الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبْقِهِ وَقَوْلُهُ من الْوَطْءِ بَعْدَ الْمِلْكِ هو ما في الرَّافِعِيِّ وهو حَسَنٌ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ من وَقْتِ الْمِلْكِ سَبْقُ قَلَمٍ وَقَوْلُهُ فَإِنْ وَضَعَتْهُ إلَى آخِرِهِ فيه تَسَمُّحٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أنها لم تَكُنْ حَامِلًا منه قبل تَمَلُّكِهَا وَالْمُقْسِمُ قَبْلَهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ
وَإِنْ أَوْلَدَ مُرْتَدٌّ أَمَتَهُ وَأَسْلَمَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له وَإِلَّا فَلَا فَالِاسْتِيلَادُ قبل إسْلَامِهِ مَوْقُوفٌ كَمِلْكِهِ وَلَا تُبَاعُ مُسْتَوْلَدَةٌ كَافِرَةٌ أَسْلَمَتْ وَلَا من اسْتَوْلِدْهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَلْ تُجْعَلُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِيُحَالَ بَيْنَهُمَا وقد ذَكَرَ ذلك في كِتَابِ الْبَيْعِ وَنَفَقَتُهَا عليه وَكَسْبُهَا له فَإِنْ أَسْلَمَ رُفِعَتْ الْحَيْلُولَةُ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ وَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ لَا السَّيِّدُ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بِإِذْنِهَا إنْ طَلَبَتْ ذلك أو بِإِذْنِ السَّيِّدِ إنْ طَلَبَ هو وَإِنْ كَرِهَتْ هِيَ وَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ وَقِيلَ لَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَيْضًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ بِإِذْنِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مع قَوْلِهِ إنْ طَلَبَتْ مع أَنَّ كَلَامَهُ كَأَصْلِهِ وَيُوهِمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ مع ذلك إلَى إذْنِ السَّيِّدِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ على تَزْوِيجِ أَمَتِهِ فَتَحَرَّرَ أنها إنْ طَلَبَتْ من الْحَاكِمِ تَزْوِيجَهَا فَلَا بُدَّ من إذْنِ السَّيِّدِ وَإِنْ أَذِنَ له السَّيِّدُ فيه فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلَبِهَا
وَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ كما مَرَّ في بَابِهَا وقد تَثْبُتُ لِلرَّقِيقَةِ فَلَوْ أَتَتْ مُسْتَوْلَدَةُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةُ بِوَلَدٍ منه فَهِيَ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ ما لم يَقُمْ بها مَانِعٌ من تَزَوُّجٍ أو غَيْرِهِ لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهَا فَإِنْ قام بها مَانِعٌ لم تَنْتَقِلْ الْحَضَانَةُ إلَى الْأَبِ لِكُفْرِهِ
فَرْعٌ لو أَوْلَدَ عَبْدٌ أَمَةَ ابْنِهِ الْأَوْلَى وَلَدُهُ أو فَرْعُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ لَا الِاسْتِيلَادِ وَلَوْ كان مُكَاتَبًا لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ الْمِلْكِ التَّامِّ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُهُ بِإِيلَادِهِ أَمَةَ نَفْسِهِ فَعَدَمُ ثُبُوتِهِ بِإِيلَادِهِ أَمَةَ ابْنِهِ بِالْأَوْلَى وَلَا حَدَّ عليه وَالْوَلَدُ حُرٌّ كما في الْبَابِ الْعَاشِرِ من أَبْوَابِ النِّكَاحِ وَقَيَّدَ الْأَصْلُ الِابْنَ بِالْحُرِّ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِفَهْمِهِ من نِسْبَةِ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَلْيَدْخُلْ فيه الْمُبَعَّضُ وَالْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَقَدْ مَرَّتْ مع زِيَادَةٍ في الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَجَارِيَةُ بَيْتِ الْمَالِ كَجَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَيُحَدُّ وَاطِئُهَا وَإِنْ أَوْلَدَهَا فَلَا نَسَبَ وَلَا اسْتِيلَادَ وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ غَنِيًّا أَمْ فَقِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ من بَيْتِ الْمَالِ وَوَلَدُهُ من مَمْلُوكَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ أو الْمُحَرَّمَةِ عليه بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ حُرٌّ نَسِيبٌ وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةٌ لَكِنْ يُعَزَّرُ بِوَطْئِهَا إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَلَا يُحَدُّ لِشُبْهَةٍ الْمِلْكِ تَمَّ
____________________
(4/509)
يقول رَاجِي غُفْرَانِ الْمَسَاوِئِ مُصَحِّحُهُ محمد الزُّهْرِيُّ الْغَمْرَاوِيُّ أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ مُفِيضِ الْخَيْرَاتِ وَمُنْزِلِ الْآيَاتِ تَنْوِيرًا لِقُلُوبِ ذَوِي الْبَصَائِرِ من الْكَائِنَاتِ وَمُغْدِقِ النَّعْمَاءِ بِتَبْصِرَةِ الْفُقَهَاءِ بِتَدْوِينِ الْأَحْكَامِ وَمُكَرِّرِ الْحُجَّةِ على خَلْقِهِ بِتَوْفِيقِ الْأُمَنَاءِ من الْعُلَمَاءِ لِتَبْيِينِ ما يَرْضَاهُ من أَفْعَالِ الْأَنَامِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَاسِطَةِ عَقْدِ النَّبِيِّينَ الْقَائِلِ من يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ في الدِّينِ وَعَلَى آلِهِ السَّادَةِ الْأَخْيَارِ وَصَحْبِهِ الدَّامِغِينَ لِحِزْبِ الْبَاطِلِ بِكُلِّ قَاطِعٍ بَتَّارٍ فَقَدْ تَمَّ بِحَمْدِهِ تَعَالَى طَبْعُ كِتَابِ شَرْحِ الرَّوْضِ الْمُسَمَّى أَسْنَى الْمَطَالِبِ شَرْحُ رَوْضِ الطَّالِبِ لِإِمَامِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ بِلَا خَفَاءٍ وَقُدْوَةِ ذَوِي الرُّسُوخِ بِلَا امْتِرَاءٍ من إلَيْهِ الْمَرْجِعُ في لَيْلِ الْمُدْلَهِمَّاتِ وَعَلَى بَيَانِهِ الْمُعَوَّلُ عِنْدَ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ في الْمُشْتَبِهَاتِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَعُمْدَةِ الْفُضَلَاءِ مِمَّنْ بَعْدَهُ من الْمُتَأَخِّرِينَ الْعَلَّامَةِ أبي يحيى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيِّ لَازَالَ سَحَابُ الْإِحْسَانِ على مَقَرِّهِ جَارٍ وهو كِتَابٌ جَمَعَ من دُرَرِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كُلَّ فَرِيدَةٍ وَحَوَى من غَرَائِبِ آيَاتِ التَّحْقِيقِ كُلَّ مُفِيدَةٍ خُصُوصًا وقد وُشِّيَتْ غُرَرُهُ وَحُلِّيَتْ طُرُرُهُ بِحَاشِيَةِ من أُلْقِيَتْ إلَيْهِ أَزِمَّةُ التَّحْقِيقِ وكان قَوْلُهُ مَحَجَّةً في كل جَلِيلٍ وَدَقِيقٍ عَلَّامَةِ عَصْرِهِ الشَّهِيرِ الْإِمَامِ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ الرَّمْلِيِّ الْكَبِيرِ لَازَالَ عليه سَحَائِبُ الرِّضْوَانِ ما بَرِحَتْ مُؤَلَّفَاتُهُ تَزْرِي بِعُقُودِ الْجُمَانِ فَجَاءَ كِتَابًا لم يَسْبِقْ في مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ له مَثِيلٌ وَلَا قَرَّتْ عُيُونُ الْفَضْلِ بِمِثْلِ طَبْعِهِ إذْ كان منه على نُقُولِهِ التَّعْوِيلُ وَذَلِكَ بِالْمَطْبَعَةِ الْمَيْمَنِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ الْمَحْمِيَّةِ بِجِوَارِ سَيِّدِي أبي الْبَرَكَاتِ الدَّرْدِيرِيِّ قَرِيبًا من الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ الْمُنِيرِ إدَارَةِ الْمُفْتَقِرِ لِعَفْوِ رَبِّهِ الْقَدِيرِ أَحْمَدَ الْبَابِيِّ الْحَلَبِيِّ ذِي الْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وقد بَدَأَ بَدْرُ طَبْعِهِ في شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ 1313 من الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ على صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّحِيَّةِ آمِينَ
____________________
(4/510)