أَيْ مَالُهُ لِوَارِثِهِ لَا فَيْءٌ لِأَنَّهُ كان في أَمَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَالْأَمَانُ حَقٌّ لَازِمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ بِحُقُوقِهِ إلَى وَارِثِهِ الذِّمِّيِّ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْحَرْبِيِّ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بين ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ وَعَلَيْهِ يُقَالُ لنا حَرْبِيٌّ يَرِثُهُ ذِمِّيٌّ فَإِنْ فُقِدَ وَارِثُهُ فَفَيْءٌ وَكَذَا يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا إذَا سُبِيَ وَاسْتُرِقَّ وَمَاتَ رَقِيقًا لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ فَإِنْ عَتَقَ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَهُ أَيْ فَمَالُهُ له بِنَاءً على أَنَّهُ لو مَاتَ قبل اسْتِرْقَاقِهِ كان مَالُهُ لِوَارِثِهِ
وَتَحْرُمُ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ على من أَمَّنُوهُ مِنَّا فَلَوْ دخل مُسْلِمٌ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَاقْتَرَضَ منهم شيئا أو سَرَقَ وَعَادَ إلَى دَارِنَا لَزِمَهُ رَدُّهُ إذْ ليس له التَّعَرُّضُ لهم إذَا دخل بِأَمَانٍ
فَصْلٌ لو حَاصَرْنَا قَلْعَةً مَثَلًا فَنَزَلُوا أَيْ أَهْلُهَا على حُكْمِ الْإِمَامِ أو رَجُلٍ عَدْلٍ في الشَّهَادَةِ عَارِفٍ بِمَصَالِحِ الْحَرْبِ جَازَ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظٍ نَزَلُوا على حُكْمِ سَعْدِ بن مُعَاذٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ إلَّا على رَأْيِ من كان كَذَلِكَ لِأَنَّهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ كَالْقَضَاءِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرُ الْعَارِفِ بِمَصَالِح الْحَرْبِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ من الْأَصْلِ التَّكْلِيفَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ اكْتِفَاءً بِالْعَدَالَةِ وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الرَّأْيُ وَيُمْكِنُ الْأَعْمَى أَنْ يَبْحَثَ وَيَعْرِفَ ما فيه صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ تَصِحُّ من الْأَعْمَى وَيَجُوزُ نُزُولُهُمْ على حُكْمِ أَكْثَرَ من رَجُلٍ كما يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا يَجُوزُ نُزُولُهُمْ على حُكْمِ من يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أو مع من يَتَّفِقُونَ عليه معه لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا من يَصْلُحُ لِلْحُكْمِ لَا من يَخْتَارُهُ هُمْ فَلَا يَجُوزُ نُزُولُهُمْ على حُكْمِهِ حتى تُشْتَرَطَ فيه الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ يَشْتَرِطُوهَا فيه
وَكُرِهَ تَحْكِيمُ مُصَادِقِهِمْ أَيْ من بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صَدَاقَةٌ
وَلَوْ اسْتُنْزِلُوا على قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ أَيْ اسْتَنْزَلَهُمْ الْإِمَامُ على أَنَّ ما يَقْضِيه اللَّهُ فِيهِمْ يُنْفِذُهُ لم يَجُزْ لِجُهَّالِهِمْ بِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن بُرَيْدَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال له وَإِنْ حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ على حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُنْزِلْهُمْ على حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ على حُكْمِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ اسْتَنْزَلَهُمْ على أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كُرِهَ لِأَنَّ هذا الْحُكْمَ ليس مَنْصُوصًا في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْصُلُ منه اخْتِلَافٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ انْتَهَى
وَإِنْ حَكَمَ اثْنَانِ فَاخْتَلَفَا في الْحُكْمِ وَرَضِيَا أَيْ الْفَرِيقَانِ مَعًا بِحُكْمِ أَحَدِهِمَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لم يَخْتَلِفَا فَوَاضِحٌ فَإِنْ مَاتَ الْمُحَكَّمُ قبل الْحُكْمِ سَوَاءٌ الْمُحَكَّمُ وَحْدَهُ أَمْ مع غَيْرِهِ أو لم يَكُنْ أَهْلًا لِلْحُكْمِ رُدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ حَاكِمٍ في الْحَالِ
وَلْيَحْكُمْ الْمُحَكَّمُ بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ من الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ لِعُلُوِّ الْإِسْلَامِ على الشِّرْكِ وَيَتَخَيَّرُ فِيمَنْ يَرِقُّ بِالْأَسْرِ كَالنِّسَاءِ بين الْمَنِّ وَالْإِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ
فَإِنْ حَكَمَ بِمُحَرَّمٍ أَيْ بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ كَقَتْلِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ لم يَنْفُذْ وَلَوْ حَكَمَ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَازَ وَتَكُونُ الْأَمْوَالُ غَنِيمَةً أو بِاسْتِرْقَاقِ من أَسْلَمَ منهم وَقَتْلِ من أَقَامَ منهم على الْكُفْرِ أو بِاسْتِرْقَاقِ من أَسْلَمَ وَمَنْ أَقَامَ على الْكُفْرِ جَازَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ على الْإِمَامِ
وَلِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ من حُكْمِهِ أَيْ الْمُحَكَّمِ لَا التَّشْدِيدُ فيه فإذا حَكَمَ بِالْقَتْلِ أو بِالْفِدَاءِ فَلَهُ الْمَنُّ أو بِالْمَنِّ فَلَيْسَ له ما عَدَاهُ لَكِنْ لَا يُسْتَرَقُّ إنْ حَكَمَ بِالْقَتْلِ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ يَتَضَمَّنُ ذُلًّا مُؤَبَّدًا وقد يَخْتَارُ الْإِنْسَانُ الْقَتْلَ عليه وَكَذَا لَا يَمُنُّ إنْ اسْتَرَقَّ أَيْ حَكَمَ بِاسْتِرْقَاقِهِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا لهم بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَالْفِدَاءِ لَا يَدْخُلُ في مِلْكِهِمْ قبل قَبْضِهِ
وَلَوْ حَكَمَ عليهم بِالْجِزْيَةِ أو الْفِدَاءِ أُلْزِمُوهُمَا أَيْ أُلْزِمُوا بِقَبُولِهِمَا وَإِنْ لم يَلْزَمْ بِهِ الْأَسِيرُ لِرِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ أَوَّلًا بِخِلَافِهِ فَإِنْ امْتَنَعُوا من الْقَبُولِ فَكَأَهْلِ ذِمَّةٍ امْتَنَعُوا من بَذْلِ الْجِزْيَةِ
وَمَنْ أَسْلَمَ منهم قبل الْحُكْمِ عليه حَقَنَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ ولم يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ يُسَلِّمُ لِأَنَّهُ صَارَ في قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَثَبَتَ بِالسَّبْيِ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فيه وَذِكْرُ الْوَلَدِ من زِيَادَتِهِ
أو أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُكْمِ عليه بِالْقَتْلِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ فَيَمْتَنِعُ قَتْلُهُ وَإِرْقَاقُهُ وَفِدَاؤُهُ لِأَنَّهُمْ لم يُنْزِلُوا هذا الشَّرْطَ
أو أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُكْمِ عليه بِالرِّقِّ أَيْ بِالْإِرْقَاقِ لَا قَبْلَهُ اُسْتُرِقَّ لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا على حُكْمِ الْمُحَكَّمِ وقَدْ حَكَمَ بِإِرْقَاقِهِ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْقَاقَ الذي كان جَائِزًا بِخِلَافِ ما لو أَسْلَمَ قبل الْحُكْمِ عليه بِإِرْقَاقِهِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِرْقَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الرِّقَّ عَكْسُ ما قَدَّمَهُ في قَوْلِهِ إلَّا بِرِضَا
____________________
(4/208)
الْغَانِمِينَ وَالْوَجْهُ ما قَدَّمَهُ ثَمَّ وَجَرَى عليهم في شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ لَا قَبْلَهُ وقال بَدَلَ اُسْتُرِقَّ اسْتَمَرَّ رِقُّهُ لَوَافَقَ ذلك
فَرْعٌ لو صَالَحَ زَعِيمٌ لِقَلْعَةٍ أَيْ سَيِّدُ أَهْلِهَا على أَمَانِ مِائَةٍ منهم فَعَدَّ مِائَةً غَيْرَهُ أَيْ غير نَفْسِهِ جَازَ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِخُرُوجِهِ عن الْمِائَةِ وقد اتَّفَقَ مِثْلُهُ ذلك في مُحَاصَرَةٍ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي اللَّهُ عنه وَصَحَّحَ الْأَمَانَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ جُهِلَتْ أَعْيَانُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ السِّيَرِ يَسْقُطُ عن الْكَافِرِ بِالْإِسْلَامِ أَيْ إسْلَامِهِ حَدُّ الزِّنَا الذي لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ مع كَوْنِ الْحَقِّ له تَعَالَى لَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ فَلَا تَسْقُطُ عنه بِإِسْلَامِهِ كَالدَّيْنِ
وَعَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ رَدُّ مَالِ الْمُسْلِمِ الذي كان قد اسْتَوْلَى عليه وَإِنْ أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ فَإِنْ غَنِمَ بِأَنْ غَنِمْنَاهُ وَلَوْ مع أَمْوَالِهِمْ رَدٌّ لِمَالِكِهِ وَإِنْ خَرَجَ لِوَاحِدٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ وغرم له الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ بَدَلَهُ فَإِنْ فُقِدَ بِأَنْ لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ أو كان ما هو أَهَمُّ أو اسْتَوْلَتْ عليه الظَّلَمَةُ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ
فَإِنْ اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ جَارِيَةَ مُسْلِمٍ ثُمَّ وَقَعَتْ في الْمَغْنَمِ أَخَذَهَا وَوَلَدَهَا مَالِكُهَا وَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ أَخَذَ مَالِكُهَا منه مَعَهَا الْمَهْرَ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِشُبْهَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ مَالِكَهَا إذَا أَخَذَهَا اسْتِبْرَاؤُهَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لم يَزُلْ عنها بَلْ يُسْتَحَبُّ
وَإِنْ نَكَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمَةً أو أَصَابَهَا بِلَا نِكَاحٍ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ ظَفِرْنَا بِهِمْ لم يَرِقَّ الْوَلَدُ كَأُمِّهِ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لها وَيَلْحَقُ النَّاكِحُ أو الْمُصِيبُ لِلشُّبْهَةِ
وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ لِدَفْعِ رِقِّ أَسِيرِ غَيْرِ أَيْ أَسِيرٌ وُجِدَ بِغَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ أَسِيرٍ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ
وَإِنْ غَنِمْنَا رَقِيقًا مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ كَافِرٌ مُسْتَأْمَنٌ أو غَيْرُهُ من مُسْلِمٍ رَدَّ لِبَائِعِهِ وَرَدَّ بَائِعُهُ الثَّمَنَ لِلْمُسْتَأْمَنِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ
فَرْعٌ فِدَاءُ الْأَسِيرِ مُسْتَحَبٌّ لِلْآحَادِ فَلَوْ قال شَخْصٌ لِلْكَافِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَسِيرِ أَطْلِقْهُ ولك عَلَيَّ أَلْفٌ مَثَلًا فَأَطْلَقَهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ كما لو قال أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك بِكَذَا فَفَعَلَ وَلَا رُجُوعَ له عليه بِهِ أو قال له ذلك بِإِذْنِهِ فَأَطْلَقَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عليه بِهِ إذَا غَرِمَهُ وَلَوْ لم يَشْتَرِطْهُ أَيْ الرُّجُوعَ كَقَوْلِ الْمَدِينِ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي
فَلَوْ قال الْأَسِيرُ لِلْكَافِرِ أَطْلِقْنِي بِكَذَا أو قال له الْكَافِرُ افْتَدِ نَفْسَك بِكَذَا فَقَبِلَ لَزِمَهُ ما اُلْتُزِمَ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لو الْتَزَمَ لهم مَالًا لِيُطْلِقُوهُ لم يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْ أَنَّهُمْ لو قالوا له خُذْ هذا وَابْعَثْ لنا كَذَا من الْمَالِ فقال نعم فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ ما هُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ ما مَرَّ في الْأُولَى صُورَتُهُ أَنْ يُعَاقِدَهُ على أَنْ يُطْلِقَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أو يَرُدَّ إلَيْهِ مَالًا كما أَفْصَحَ عنه الدَّارِمِيُّ وَهُنَا عَاقَدَهُ على رَدِّ الْمَالِ عَيْنًا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فيها الْحَقِيقَةُ
وَلَوْ غَنِمَهُ أَيْ ما فَدَى بِهِ الْأَسِيرُ الْمُسْلِمُونَ رُدَّ لِلْمُفَادِي وَلَا يَكُونُ غَنِيمَةً لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن مِلْكِهِ
وَإِنْ أَسَرُوا مُسْلِمَةً وَأَمْكَنَ أَحَدًا تَخْلِيصُهَا لَزِمَهُ وَمِثْلُهَا الْمُسْلِمُ كما عُلِمَ من أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ في مَعْنَاهَا من مَاتَ عنها زَوْجُهَا أو سَيِّدُهَا الْمُسْلِمُ ثَمَّ أو أَسْلَمَتْ بِنَفْسِهَا وَطَلَبَتْ إنْجَاءَ نَفْسِهَا منهم
وَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَأَمَانَةِ مُخْتَصٍّ بِبَلَدٍ بَلَغَ مَأْمَنَهُ أو وَأَمَانَةِ عَامٍّ في جَمِيعِ الْبِلَادِ لم يَجِبْ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ لِأَنَّ ما يَتَّصِلُ من بِلَادِنَا بِبِلَادِهِمْ من مَحَلِّ أَمَانَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةِ الِانْتِقَالِ من مَوْضِعِ الْأَمَانِ
____________________
(4/209)
كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ تُطْلَقُ الْجِزْيَةُ على الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ من الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ من الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قال تَعَالَى وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عن نَفْسٍ شيئا أَيْ لَا تَقْضِي وَيُقَالُ جَزَيْت دَيْنِي أَيْ قَضَيْته وَجَمْعُهَا جِزَىً كَقَرْيَةٍ وَقُرًى وَالْعُقُودُ التي تُفِيدُ الْكَافِرَ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ وَجِزْيَةٌ لِأَنَّ التَّأْمِينَ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَهُوَ الْأَمَانُ وقد تَقَدَّمَ أو بِغَيْرِ مَحْصُورٍ كَأَهْلِ إقْلِيمٍ أو بَلَدٍ فَإِنْ كان إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْهُدْنَةُ وَسَتَأْتِي أَوَّلًا إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ كما مَرَّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَأْمِينَ الْإِمَامِ غَيْرُ مَحْصُورَيْنِ لَا يُسَمَّى أَمَانًا وَإِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَصِحُّ في مَحْصُورِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَالْأَصْلُ في الْجِزْيَةِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ إلَى قَوْلِهِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وقد أَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ من مَجُوسِ هَجَرَ كما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كما رَوَاهُ أبو دَاوُد وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وقال إنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّ في أَخْذِهَا مَعُونَةً لنا وَإِهَانَةً لهم وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذلك على الْإِسْلَامِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ عَاقِدٌ وَصِيغَةٌ وَمَعْقُودٌ له وَمَكَانٌ وَمَالٌ مَعْقُودٌ عليه الْأَوَّلُ الْعَاقِدُ وهو الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لهم إنْ طَلَبُوا عَقْدَهَا وَأَمِنَ مَكْرَهُمْ سَوَاءٌ أَرَأَى فيها مَصْلَحَةً أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَلِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَطْلُبُوا أو خَافَ مَكْرَهُمْ فَلَا يُجِيبُهُمْ فَإِنْ عَقَدَ هَا لهم غَيْرُهُ من الْآحَادِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهَا من الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بها من الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ ولكن يَبْلُغُونَ الْمَأْمَنَ وَلَا شَيْءَ عليه أَيْ على الْمَعْقُودِ له وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ وَلَوْ قال عليهم كان أَنْسَبَ وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَسْمَاءَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَحُلَاهُمْ هذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وهو تَكْرَارٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مع زِيَادَةٍ آخِرَ الْكِتَابِ الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَهِيَ كَأَقْرَرْتُكُمْ أو أَذِنْت لَكُمْ في الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا مَثَلًا على الِانْقِيَادِ لِلْحُكْمِ أَيْ حُكْمِنَا الذي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ غَيْرِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ الْمَحَارِمَ وَيَذْكُرُ لهم في الْعَقْدِ الْجِزْيَةَ أَيْ الْتِزَامَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْقِيَادَ وَالْجِزْيَةَ كَالْعِوَضِ عن التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ ذِكْرُهُمَا كَالثَّمَنِ في الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ في الْإِجَارَةِ وَفَسَّرَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ في الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا وَالصَّغَارَ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا قالوا وَأَشَدُّ الصَّغَارِ على الْمَرْءِ أَنْ يَحْكُمَ عليه بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيَضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ وَيُشْتَرَطُ تَقْدِيرُهَا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ لَا التَّعَرُّضُ لِلْكَفِّ أَيْ لِكَفِّهِمْ عن اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِدُخُولِهِ في ذِكْرِ الِانْقِيَادِ وَلَا بُدَّ في صِحَّةِ الْعَقْدِ من لَفْظٍ دَالٍّ على الْقَبُولِ كما في الْإِيجَابِ كَرَضِيتُ وَقَبِلْت وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيَكْتَفِي بِالْكِنَايَةِ مع النِّيَّةِ وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ كَالْبَيْعِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِقَوْلِهِ أَيْ الْكَافِرِ قَرِّرْنِي بِكَذَا فَقَرَّرَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيجَابَ كَالْقَبُولِ فَإِنْ عَقَدَهَا مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ أو مَجْهُولٍ كَأَنْ قال أَقْرَرْتُكُمْ ما شِئْنَا أو ما شَاءَ اللَّهُ أو زِيدَ أو ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ لم يَصِحَّ لِأَنَّ ذلك خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ولأنه بَدَلُ الْإِسْلَامِ وهو لَا يَصِحُّ مُؤَقَّتًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُقِرُّكُمْ ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ فَإِنَّمَا جَرَى في الْمُهَادَنَةِ حين وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ لَا في عَقْدِ الذِّمَّةِ وَلَوْ قال ذلك غَيْرُهُ من الْأَئِمَّةِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْلَمُ ما عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ بَلْ يَجُوزُ الْإِطْلَاقُ وهو يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ أو قال أَقْرَرْتُكُمْ ما شِئْتُمْ صَحَّ لِأَنَّ لهم نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا فَلَيْسَ فيه إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ لَا تَصِحُّ بهذا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَقْدَهَا عن مَوْضُوعِهِ من كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى ما يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَهُ الْمُنَافِيَ لِمُقْتَضَاهُ فَرْعٌ لو أَقَامَ من عَقَدَ له الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ الْجِزْيَةَ
____________________
(4/210)
بِدَارِنَا سَنَةً فَأَكْثَرَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ سَقَطَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَوَجَبَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجِزْيَةِ وَبَلَغَ الْمَأْمَنَ أو أَقَامَ كَافِرٌ سَنَةً فَأَكْثَرَ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَلَا مَالَ عليه لِمَا مَضَى بِخِلَافِ من سَكَنَ من الْمُلْتَزِمِينَ لِلْأَحْكَامِ دَارًا غَصْبًا كما سَيَأْتِي لِأَنَّ عِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ وَهَذَا الْحَرْبِيُّ لم يَلْتَزِمْ شيئا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَجَازَ لنا اغْتِيَالُهُ أَيْ قَتْلُهُ غِيلَةً وَاسْتِرْقَاقُهُ وَأَخْذُ مَالِهِ وَيَكُونُ فَيْئًا وَالْمَنُّ عليه بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ بِخِلَافِ سَبَايَا الْحَرْبِ وَأَمْوَالِهَا لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهَا فَاشْتُرِطَ اسْتِرْضَاؤُهُمْ وَيَلْزَمُ الْمَالُ أَيْ الْأُجْرَةُ من سَكَنَ دَارًا غَصْبًا كما تَقَرَّرَ وَمَتَى مَنَّ عليه وَبَذَلَ الْجِزْيَةَ قُبِلَتْ منه وُجُوبًا وإذا بَذَلَهَا الْأَسِيرُ حَرُمَ قَتْلُهُ لِأَنَّ بَذْلَهَا يَقْتَضِي حَقْنَ الدَّمِ كما لو بَذَلَهَا قبل الْأَسْرِ لَا اسْتِرْقَاقُهُ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ من قَبُولِ الْجِزْيَةِ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ الْأَسْرِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ فَقَبُولُ الْجِزْيَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ وَمَالُهُ مَغْنُومٌ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَرْعٌ لو قال من رَأَيْنَاهُ في دَارِنَا دَخَلْت لِسَمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ أو بِأَمَانِ مُسْلِمٍ أو لِأَدَاءِ رِسَالَةٍ وَلَوْ وَعِيدًا أَيْ وَلَوْ في وَعِيدٍ وَتَهْدِيدٍ صُدِّقَ فَلَا يُتَعَرَّضُ له سَوَاءٌ أَكَانَ معه كِتَابٌ أَمْ لَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ من حَالِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إذَا ادَّعَى ذلك قبل أَنْ يَصِيرَ عِنْدَنَا أَسِيرًا وَإِلَّا لم يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ احْتِيَاطًا وَذِكْرُ تَحْلِيفِ من دخل لِسَمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ أو بِأَمَانٍ مُسَلَّمٌ من زِيَادَتِهِ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ له وَيُشْتَرَطُ فيه عَقْلٌ وَبُلُوغٌ وَحُرِّيَّةٌ وَذُكُورَةٌ وَكَوْنُهُ كِتَابِيًّا أو نَحْوَهُ مِمَّنْ يَأْتِي فَلَا جِزْيَةَ على مَجْنُونٍ مُطْبَقٌ جُنُونُهُ لِأَنَّهَا لِحَقْنِ الدَّمِ وهو مَحْقُونُهُ وَطَرَيَانُهُ أَيْ الْجُنُونِ في أَثْنَاءِ الْعَامِ على الْمَعْقُودِ له كَمَوْتِهِ فيه وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فَلَوْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ لَفَّقَ زَمَنَهُ إنْ أَمْكَنَ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ أو وَيَوْمَيْنِ فإذا تَمَّ زَمَنُ إفَاقَتِهِ عَامًا فَأَكْثَرَ أُخِذَتْ منه الْجِزْيَةُ اعْتِبَارًا لِلْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُجْتَمِعَةِ أَمَّا إذَا لم يُمْكِنْ التَّلْفِيقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عليه أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ وَلَا أَثَرَ لِيَسِيرِهِ أَيْ زَمَنِ جُنُونِهِ كَسَاعَةٍ من شَهْرٍ فَتُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَوْ أُسِرَ من لم يَجُزْ معه عَقْدٌ وَلَا أَمَانٌ حَالَةَ جُنُونِهِ رُقَّ فَلَا يُقْتَلُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْجُنُونِ بِخِلَافِ ما لو أُسِرَ حَالَ إفَاقَتِهِ وَلَا جِزْيَةَ على صَبِيٍّ وَرَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا أو مُكَاتَبًا لِمَا مَرَّ وقد كَتَبَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ من النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ من كل حَالِمٍ دِينَارًا وَرَوَى لَا جِزْيَةَ على الْعَبْدِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ وَالْمَالُ لَا جِزْيَةَ فيه وَلَا جِزْيَةَ على سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ وَيُفَارِقُ الْمُبَعَّضُ من تَقَطَّعَ جُنُونُهُ بِأَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِفَاقَةَ لم يَجْتَمِعَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أو عَتَقَ الْعَبْدُ وَطَلَبْنَا منه الْجِزْيَةَ فَامْتَنَعَ ولم يَبْذُلْهَا بَلَغَ الْمَأْمَنَ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أو ذِمِّيٌّ وَإِنْ بَذَلَهَا لم يَكْفِ عَقْدُ أَبٍ وَسَيِّدٍ وَلَوْ كان كُلٌّ مِنْهُمَا قد أَدْخَلَهُ في عَقْدٍ إذَا بَلَغَ أو عَتَقَ كَأَنْ قال قد الْتَزَمْت هذا عَنِّي وَعَنْ ابْنِي إذَا بَلَغَ أو عَبْدِي إذَا عَتَقَ وإذا لم يَكْفِ ذلك فَيُعْقَدُ له عَقْدٌ مُسْتَأْنَفٌ وَيُسَاوَمُ كَغَيْرِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْكَمَالِ وَلِوُجُوبِ جِزْيَةٍ أُخْرَى وَتَقَدَّمَ أَنَّ إعْطَاءَهَا في الْآيَةِ بِمَعْنَى الْتِزَامِهَا وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ حَوْلَهُمَا أَيْ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ وَاحِدًا لِيَسْهُلَ عليه أَخْذُ الْجِزْيَةِ وَيَسْتَوْفِي الْمَالَ الْمُنْكَسِرَ وهو ما لَزِمَ التَّابِعَ في بَقِيَّةِ الْعَامِ الذي اتَّفَقَ الْكَمَالُ في أَثْنَائِهِ إنْ رضي التَّابِعُ بِذَلِكَ أو يُؤَخِّرُهُ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي فَيَأْخُذُهُ مع جِزْيَةِ الْمَتْبُوعِ في آخِرِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ أَوَاخِرُ الْأَحْوَالِ وَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَهُمَا بِحَوْلٍ فَيَأْخُذُ ما لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ هو أو وَلِيُّهُ بِأَكْثَرَ من دِينَارٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْحَقْنَ مُمْكِنٌ بِدِينَارٍ أو بِدِينَارٍ صَحَّ لِأَنَّ فيه مَصْلَحَةَ حَقْنِ الدَّمِ وَإِنْ اخْتَارَ السَّفِيهُ إلْحَاقَهُ أَيْ الْتِحَاقَهُ بِالْمَأْمَنِ لم يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْحَجْرَ على مَالِهِ لَا على
____________________
(4/211)
نَفْسِهِ وَإِنْ صَالَحَ السَّفِيهُ عن الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عليه مُسْتَحَقُّهُ بِأَكْثَرَ من الدِّيَةِ لم يَمْنَعْ أَيْ لم يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ كما يَشْتَرِي له الطَّعَامَ في الْمَخْمَصَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ صِيَانَةً لِرُوحِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْعِهِ له من عَقْدِ الْجِزْيَةِ بِأَكْثَرَ من دِينَارٍ أَنَّ صَوْنَ الدَّمِ في تِلْكَ يَحْصُلُ بِالدِّينَارِ وَصَوْنَ الرُّوحِ لَا يَحْصُلُ في هذه إلَّا بِالزِّيَادَةِ وَتُعْقَدُ الذِّمَّةُ لِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى طَلَبَهَا بِلَا بَذْلِ جِزْيَةٍ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا أَمَّا في الْمَرْأَةِ فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا في الْخُنْثَى فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيُعْلِمُهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا في بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمَا الْتِزَامَ الْأَحْكَامِ وَذِكْرُ الْعَقْدِ لِلْخُنْثَى مع اشْتِرَاطِ الِالْتِزَامِ عليه من زِيَادَتِهِ وَتُسْتَرَقُّ الْمَرْأَةُ إنْ دَخَلَتْ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ وَنَحْوِهِ كَطَلَبِ أَمَانٍ كَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ وَكُلُّ ما يَفْعَلُهُ فِيهِمْ أَيْ الْكُفَّارِ حَالَ الْقِتَالِ من قَتْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَغَيْرِهِمَا يَفْعَلُهُ بِمَنْ دخل دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى الْمَعْقُودُ له الْجِزْيَةُ ذَكَرًا طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ ما لو دخل حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عليه لَا نَأْخُذُ منه شيئا لِمَا مَضَى كما مَرَّ إذْ لم تُعْقَدْ له الْجِزْيَةُ وَإِنْ حَاصَرْنَا قَلْعَةً مَثَلًا أَيْ أَهْلَهَا فَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ عن النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ لم نُصَالِحْهُمْ فَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ على ذلك فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فَإِنْ لم يَكُنْ فيها إلَّا نِسَاءٌ وَطَلَبْنَ الْعَقْدَ بِالْجِزْيَةِ فَفِي قَوْلٍ تُعْقَدُ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ يَحْتَجْنَ إلَى صِيَانَةِ أَنْفُسِهِنَّ عن الرِّقِّ كما يَحْتَاجُ الرِّجَالُ إلَى الصِّيَانَةِ عن الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِنَّ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَلَا يُسْتَرْقَقْنَ وَلَا يَلْزَمُهُنَّ الْمَالُ أَيْ الْجِزْيَةُ فَإِنْ بَذَلْنَهَا جَاهِلَاتٍ بِلُزُومِهَا رُدَّتْ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّهُنَّ دَفَعْنَهَا على اعْتِقَادِ أنها وَاجِبَةٌ فَإِنْ عَلِمْنَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُنَّ الْأَوْلَى أنها لَا تَلْزَمُهُنَّ فَبَذَلْنَهَا فَهِيَ هِبَةٌ تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ بِالْإِذْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِذْنِ من زِيَادَتِهِ وفي قَوْلٍ لَا تُعْقَدُ لَهُنَّ بَلْ يُسْبَيْنَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ لِقَطْعِ الْحَرْبِ وَلَا حَرْبَ فِيهِنَّ فَإِنْ عُقِدَ لَهُنَّ لم يُتَعَرَّضْ لَهُنَّ حتى يَرْجِعْنَ إلَى الْقَلْعَةِ فإذا فَتَحْنَهَا سَبَاهُنَّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قال في الْأَصْلِ وَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ على أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ جِزْيَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ أَخْذُ الْتِزَامٍ فَإِنْ كان لَهُنَّ في الْقَلْعَةِ رَجُلٌ وَبَذَلَ الْجِزْيَةَ جَازَ وعصمهن من الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ قال في الْأَصْلِ كَذَا أَطْلَقَهُ مُطْلِقُونَ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِمَا إذَا كُنَّ من أَهْلِهِ وهو حَسَنٌ فَرْعٌ يَدْخُلُ في عَقْدِ الذِّمَّةِ لِلْكَافِرِ الْمَالُ حتى الْعَبْدُ وَكَذَا زَوْجَةٌ وَطِفْلٌ وَمَجْنُونٌ له وَسَائِرُ ما يَسْتَحِقُّهُ وَإِنْ لم يُشْتَرَطْ دُخُولُهُمْ اعْتِمَادًا على قَرِينَةِ الْحَالِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَأْمَنُ إذَا لم يَأْمَنْ عليها فَبَذْلُهُ الْجِزْيَةَ إنَّمَا هو لِعِصْمَتِهَا فَيَحْرُمُ إتْلَافُهَا وَعَلَى من أَتْلَفَ شيئا منها غير الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا الضَّمَانُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إتْلَافُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا أَظْهَرَهُمَا وَكَذَا يَدْخُلُ فيه من اُشْتُرِطَ دُخُولُهُ معه فيه من نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ وَمَجَانِينَ وَخَنَاثَى وَأَرِقَّاءَ لهم منه قَرَابَةٌ وَعَلَقَةٌ وَلَوْ مُصَاهَرَةً بِخِلَافِ من لم يُشْتَرَطْ دُخُولُهُ منهم فَلَيْسَ له أَنْ يَسْتَتْبِعَ من شَاءَ منهم لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عن الضَّبْطِ وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ الْوَافِي ذلك بِأَنَّهُ إذَا كان الِاسْتِتْبَاعُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ قال وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ بِشَرْطِ دُخُولِ أَتْبَاعِي في الْعَقْدِ وَلَا يُعَيِّنُهُمْ وهو الظَّاهِرُ وَإِلَّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى
نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ فَرْعٌ لو صَالَحْنَاهُمْ على أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ من مَالِهِمْ عن ما يُنْسَبُ إلَيْهِمْ من النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ سِوَى ما يُؤَدُّونَهُ عن أَنْفُسِهِمْ جَازَ وَكَأَنَّهُمْ قَبِلُوا جِزْيَةً كَثِيرَةً بِخِلَافِ ما لو صَالَحْنَاهُمْ على أَنْ يُؤَدُّوهَا من مَالِ الْمَذْكُورِينَ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ إنْ أَذِنَ لهم فَهُمْ وُكَلَاءُ عَنْهُنَّ وفي بَذْلِهِنَّ لها ما مَرَّ فَصْلٌ لَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ إلَّا لِيَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أو مَجُوسِيٍّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ وقال سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَنَّ لهم شُبْهَةَ كِتَابٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كان لهم كِتَابٌ فَرُفِعَ وَكَذَا من زَعَمَ التَّمَسُّكَ تَبَعًا لِتَمَسُّكِ أبيه بِالزَّبُورِ أَيْ بِزَبُورِ دَاوُد وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ
____________________
(4/212)
وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ لم يُقِيمُوا بَيِّنَةً بِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُعْقَدُ لهم وَإِنْ حَرُمَتْ ذَبِيحَتُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَجُوسِ مع الِاخْتِلَافِ في أَصْلِ كِتَابِهِمْ فَلِهَؤُلَاءِ أَوْلَى وَكَمَا يَحْرُمُ ذَبَائِحُ هَؤُلَاءِ وَمُنَاكَحَتُهُمْ يَحْرُمَانِ من الْمَجُوسِ كما هو مَعْلُومٌ من مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا حُرِّمَا وَحَلَّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا أَمَّا غَيْرُ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ لَا كِتَابَ له وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالشَّمْسِ فَلَا تُعْقَدُ لهم الْجِزْيَةُ فَرْعٌ تُعْقَدُ أَيْضًا لِمَنْ دخل أَصْلَهُ التَّهَوُّدُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ الْأَنْسَبُ وَالتَّنَصُّرُ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ في دِينِهِ لَا بَعْدَ النَّسْخِ له وَلَوْ بِعِيسَى أَيْ بِشَرِيعَتِهِ فَتُعْقَدُ لِأَوْلَادِ من تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ قبل النَّسْخِ لِدِينِهِ أو معه وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فيه وَإِنْ لم يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ منه تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَلِأَنَّهُمْ وَإِنْ بَدَّلُوا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَقِيَ فيه ما لم يُبَدَّلْ فَلَا يَنْحَطُّ التَّمَسُّكُ بِهِ عن شُبْهَةِ كِتَابِ الْمَجُوسِ وَلَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ من تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا أو تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى كَآبَائِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِدِينٍ بَطَلَ وَسَقَطَتْ فَضِيلَتُهُ فَإِنْ شَكَكْنَا في دُخُولِهِمْ فيه أَكَانَ قبل النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ أَقْرَرْنَاهُمْ بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَالْمَجُوسِ وَبِهِ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ في نَصَارَى الْعَرَبِ وَتُعْقَدُ لِمَنْ تَوَلَّدَ بين كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَإِنْ كان الْكِتَابِيُّ أُمَّهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْكِتَابِ مَوْجُودَةٌ وفي الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ احْتِيَاطًا لَا لِجَاسُوسٍ يُخَافُ شَرُّهُ لِلضَّرَرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ كما أَنَّ النَّامُوسَ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ فَصْلٌ تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِلصَّائِبَةِ وَالسَّامِرَةِ إنْ لم تُكَفِّرْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ولم يُخَالِفُوهُمْ في أُصُولِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لهم وَكَذَا تُعْقَدُ لهم لو أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ وَإِنْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أو بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ تَبَعًا لِتَمَسُّكِ آبَائِهِمْ بِكِتَابٍ قبل النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ الْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعَقَدَ لهم الْجِزْيَةَ لِأَنَّ دِينَهُمْ لَا يُعْرَفُ إلَّا من جِهَتِهِمْ وَالتَّصْرِيحُ بِقَبْلِ النَّسْخِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ فَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ وَلَوْ منهم بِأَنْ أَسْلَمَ منهم اثْنَانِ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمَا بِكَذِبِهِمْ فَإِنْ كان قد شَرَطَ في الْعَقْدِ قِتَالَهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَشْرِطْ ذلك فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّهْذِيبِ وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ وقال الْإِمَامُ إنَّهُ الظَّاهِرُ كَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ يُلْحَقُونَ بِالْمَأْمَنِ فَرْعٌ إذَا تَوَثَّنَ نَصْرَانِيٌّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ كما مَرَّ في مَوَانِعِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَطْفَالُهُمْ أَيْ الْمُتَوَثِّنِينَ من أُمِّهِمْ النَّصْرَانِيَّةِ نَصَارَى وَكَذَا من أُمِّهِمْ الْوَثَنِيَّةِ فَتُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِمَنْ بَلَغَ منهم لِأَنَّهُ ثَبَتَ له عَلَقَةُ التَّنَصُّرِ فَلَا تَزُولُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدُ فَصْلٌ تَجِبُ الْجِزْيَةُ على شَيْخٍ هَرِمٍ وَزَمِنٍ وَأَجِيرٍ وَرَاهِبٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ وَلَوْ من أَهْلِ خَيْبَرَ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَلِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ وما قِيلَ من أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كَتَبَ لِأَهْلِ خَيْبَرَ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا عَنْهُمْ قال ابن سُرَيْجٍ لم يَنْقُلْهُ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ فَيُطَالَبُ الْفَقِيرُ في صُورَتِهِ إنْ أَيْسَرَ بها الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَكَانُ الْقَابِلُ لِلتَّقْرِيرِ فَيُمْنَعُ الْكُفَّارُ وَلَوْ ذِمِّيِّينَ الْإِقَامَةُ بِالْحِجَازِ وهو مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا بِالْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مِخْلَافٍ أَيْ قُرَاهَا كَالطَّائِفِ وَوَجٍّ وَخَيْبَرَ وَكَذَا الطُّرُقُ الْمُمْتَدَّةُ فيه أَيْ في الْحِجَازِ سَوَاءٌ أَقَامُوا فيه بِجِزْيَةٍ أَمْ لَا لِشَرَفِهِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن أبي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ آخِرُ ما تَكَلَّمَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخْرِجُوا الْيَهُودَ من الْحِجَازِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ من
____________________
(4/213)
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ لَأَخْرَجْنَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى من جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالْمُرَادُ منها الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عليه لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ منه وَأَقَرَّهُمْ فِيمَا عَدَاهُ من الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَسُمِّيَ ذلك حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجْزٌ بين نَجْدٍ وَتِهَامَةَ لَا بَحْرًا أَيْ يُمْنَعُونَ الْإِقَامَةَ بِمَا ذَكَرَ لَا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ لِأَنَّهُ ليس مَوْضِعُ إقَامَةٍ وَيُمْنَعُونَ من الْإِقَامَةِ في جَزَائِرِهِ وَسَوَاحِلِهِ الْمَسْكُونَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ على ما اقْتَضَاهُ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْكُونَةِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ التَّقْيِيدُ بِهِ تَبِعَ فيه الشَّيْخَانِ الْبَغَوِيّ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كما حَذَفَهُ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مع أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ ما رَجَّحُوهُ من الْمَنْعِ من الْإِقَامَةِ بِالطُّرُقِ الْمُمْتَدَّةِ
وَالْبَغَوِيُّ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَإِنْ دخل الْكَافِرُ الْحِجَازَ بِلَا إذْنٍ من الْإِمَامِ أُخْرِجَ منه وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ لِدُخُولِهِ بِخِلَافِ ما إذَا جَهِلَهُ وَيُؤْذَنُ له جَوَازًا من جِهَةِ الْإِمَامِ في دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ إنْ كان دُخُولُهُ لِلْمَصْلَحَةِ لنا كَأَدَاءِ رِسَالَةٍ وَعَقْدِ ذِمَّةٍ وَهُدْنَةٍ وَحَمْلِ مَتَاعِ تِجَارَةٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُحْتَجْ إلَيْهِ اشْتَرَطَ في الْإِذْنِ له في الدُّخُولِ أَخْذَ شَيْءٍ منها أَيْ من مَتَاعِهَا وَقَدْرُهُ أَيْ الْمَشْرُوطِ مَنُوطٌ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وإذا دَخَلَهُ بِالْإِذْنِ لَا يُقِيمُ فيه أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ سِوَى يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ من ذلك مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وهو مَمْنُوعٌ منها ثُمَّ سَوَاءٌ أَدَخَلَ لِمَصْلَحَةٍ أَمْ لَا وَيَشْتَرِطُ ذلك عليه عِنْدَ الدُّخُولِ وَيُوَكِّلُ غَيْرَهُ كَمُسْلِمٍ بِقَبْضِ دَيْنَهُ إنْ كان له ثَمَّ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ في هذه الْمُدَّةِ وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ من الْأَيَّامِ وفي نُسْخَةٍ ثَلَاثٌ في كل قَرْيَةٍ حَيْثُ كان يَنْتَقِلُ من قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بين كل قَرْيَتَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ من ذلك لِأَنَّ ما دُونَهَا في حُكْمِ الْإِقَامَةِ
وَيُمْنَعُ الْمُرُورَ بِحَرَمِ مَكَّةَ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أَيْ فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ من الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ ما كان لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ من الْمَكَاسِبِ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم منه فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ من دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَيَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنَّا إلَيْهِ لِسَمَاعِ رِسَالَةٍ ويبلغها لِلْإِمَامِ فَإِنْ قال لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَإِنْ طَلَبَ مِنَّا الْمُنَاظَرَةَ لِيُسْلِمَ خَرَجَ إلَيْهِ من يُنَاظِرُهُ فَإِنْ بَذَلَ على دُخُولِهِ الْحَرَمَ ما لَا لم يُقْبَلْ أَيْ لم يُجَبْ إلَيْهِ فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وإن وَصَلَ الْمَقْصِدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ حَيْثُ يَجِبُ فيها أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُ بِعِوَضٍ حتى يَكُونَ له مِثْلٌ أو وَصَلَ دُونَهُ أَيْ الْمَقْصِدِ فَبِالْقِسْطِ من الْمُسَمَّى يُؤْخَذُ وَحَرَمُ مَكَّةَ من طَرِيقِ الْمَدِينَةِ على ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ على سَبْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ على تِسْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ على عَشَرَةٍ كما قال بَعْضُهُمْ وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ من أَرْضِ طَيْبَةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشَرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةُ وزاد الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ وَكَرُّ زَلِّهَا اهْتَدَى فلم يَعُدْ سَيْلُ الْحِلِّ إذْ جاء بُنْيَانُهُ وَلَا يَجْرِي هذا الْحُكْمُ في حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ وَثَبَتَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وكان ذلك بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ وَإِنْ دُفِنَ الْكَافِرُ في حَرَمِ مَكَّةَ نُبِشَ قَبْرُهُ وَأُخْرِجَ
____________________
(4/214)
لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فيه أَشَدُّ من دُخُولِهِ له حَيًّا ما لم يَتَهَرَّ أَيْ يَتَقَطَّعْ فَإِنْ تَهَرَّى تُرِكَ وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ من الْحِجَازِ وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ إلَّا من حَرَمِ مَكَّةَ فَيُنْقَلُ منه وَإِنْ خِيفَ من النَّقْلِ مَوْتُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ لِمَا مَرَّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إلْحَاقُهُ بِهِ فيه وَلَا يُدْفَنُ الْكَافِرُ في الْحِجَازِ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ قبل التَّغَيُّرِ وَإِلَّا دُفِنَ فيه فَلَوْ دُفِنَ فيه لم يُنْبَشْ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ وَعَلَيْهِ قال الْإِمَامُ لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَرْفَعَ نَفْسَ قَبْرِهِ وَلَا يَدْخُلُ حَرْبِيٌّ سَائِرَ الْبِلَادِ أَيْ بَاقِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ فَيَجُوزُ دُخُولُهُ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكَافِرِ فيه بِالْجِزْيَةِ وَلَا يُؤْذَنُ له أَيْ لِلْحَرْبِيِّ في دُخُولِهِ له إلَّا لِحَاجَةٍ كما فُهِمْت بِالْأَوْلَى أو لِمَصْلَحَةٍ لنا كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ وَعَقْدِ ذِمَّةٍ أو هُدْنَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ لِتَجَسُّسٍ أو قَتْلِ مُسْلِمٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا يَتَوَلَّدُ منه فَسَادٌ وَلَا يُنَافِي هذا ما مَرَّ في الْأَمَانِ من أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنَفْيِ الْمَضَرَّةِ لَا بِوُجُودِ الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ الْأَمَانَ هُنَا إنَّمَا هو لِدُخُولِهِمْ بِلَادِنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَيَقِفُ أَيْ يَمْكُثُ إذَا دخل لِمَا ذَكَرَ بِقَدْرٍ لِحَاجَةٍ وَلَا يَدْخُلُ مَسَاجِدَهَا أَيْ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ إلَّا بِإِذْنٍ وَيَأْذَنُ له الْآحَادُ كَالْإِمَامِ وَلَوْ في دُخُولِهِ الْجَامِعِ لِحَاجَةِ مُسْلِمٍ أو حَاجَتِهِ هو إلَيْهِ وَلِسَمَاعِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ لَا أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَيُعَزَّرُ إنْ دخل مَسْجِدًا بِلَا إذْنٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ لم يَشْرِطْ عليه أَنْ لَا يَدْخُلَ بِلَا إذْنٍ أو جَاهِلًا فَلَا يُعَزَّرُ لِعُذْرِهِ وَيُعَرَّفُ الْحُكْمَ وَجُلُوسُ الْقَاضِي فيه إذْنٌ لِلْكَافِرِ الْمُخَاصَمِ في الدُّخُولِ وَلِلْإِمَامِ إنْزَالُ وَفْدِهِمْ أَيْ الْقَادِمِينَ من الْكُفَّارِ عَلَيْنَا بِمَسْجِدٍ وَلَوْ كان الْوَافِدُ جُنُبًا لَا حَائِضًا تُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ وَلَا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا غير مُمَيِّزَيْنِ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ عن الْقَاذُورَاتِ الْحَاصِلَةِ فيه بِذَلِكَ وَغَيْرُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْإِنْزَالِ فيه من الْمَسْجِدِ وَبَعْضُ هذه الْمَسَائِلِ عُلِمَ مع زِيَادَةٍ من بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَلَوْ سَأَلَ من لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ تَعْلِيمَ الْعِلْمِ مُنِعَ منه بِخِلَافِ من يُرْجَى إسْلَامُهُ كما في تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَلَوْ عِلْمَ نَحْوًا أو شِعْرًا أو نَحْوَهُمَا جَازَ وَإِنْ لم يُرْجَ إسْلَامُهُ وَلَا يُمَكَّنُ إذَا دخل لِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ من إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَلَا يَأْذَنُ له الْإِمَامُ في حَمْلِ شَيْءٍ مِنْهُمَا إلَى دَارِنَا الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْمَالُ وَأَقَلُّهُ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ عن كل وَاحِدٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عن مُعَاذٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ من كل حَالِمٍ دِينَارًا أو عَدْلَهُ من الْمَعَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ أو ما قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَنْصُوصُ الذي عليه الْأَصْحَابُ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يُعْتَاضَ عنه ما قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قد تَنْقُصُ عنه آخِرَ الْمُدَّةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عن الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ من دِينَارٍ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ وَتُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ أَيْ الْمُشَاحَةُ مع الْكَافِرِ الْعَاقِلِ لِنَفْسِهِ أو لِمُوَكِّلِهِ في قَدْرِ الْجِزْيَةِ حتى يَزِيدَ على دِينَارٍ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ منه لم يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَهُمْ فَيَعْقِدُ لِلْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةٍ وَالْمُتَوَسِّطِ بِدِينَارَيْنِ وَالْفَقِيرِ بِدِينَارٍ فَإِنْ أَبَى عَقْدَهَا إلَّا بِدِينَارٍ أُجِيبَ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ وَالْمُمَاكَسَةُ كما تَكُونُ في الْعَقْدِ تَكُونُ في الْأَخْذِ بَلْ الْأَصْحَابُ إنَّمَا صَدَّرُوا بِهِ في الْأَخْذِ فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْمُمَاكَسَةُ حتى يَأْخُذَ من
____________________
(4/215)
الْغَنِيِّ إلَى آخِرِهِ وَيُسْتَثْنَى السَّفِيهُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَلَا عَقْدُ الْوَلِيِّ له بِالزَّائِدِ على الدِّينَارِ خِلَافًا لِلْقَاضِي فَلَوْ امْتَنَعَ من بَذْلِ الزَّائِدِ على دِينَارٍ بَعْدَ الْعَقْدِ بِهِ فَنَاقِضٌ لِلْعَهْدِ كما لو امْتَنَعَ من أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ فَيَبْلُغُ الْمَأْمَنَ كما سَيَأْتِي فَعُلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ما الْتَزَمَ كَمَنْ اشْتَرَى شيئا بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ فَإِنْ بَلَغَ الْمَأْمَنَ وَعَادَ بَاذِلًا لِلدِّينَارِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَعَادَ وَطَلَبَ الْعَقْدَ بِدِينَارٍ أُجِيبَ كما لو طَلَبَهُ أَوَّلًا فَإِنْ شُرِطَ وَأُطْلِقَ على كل فَقِيرٍ دِينَارٌ وكل غَنِيٍّ أَرْبَعَةٌ وكل مُتَوَسِّطٍ دِينَارٌ إنْ اُعْتُبِرَتْ هذه الْأَحْوَالُ أَيْ الْفَقْرُ وَالْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا وَقْتَ طُرُوِّهَا وَلَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ وَأُطْلِقَ أَيْ الشَّرْطُ ما لو قَيَّدَ بِأَنْ قُيِّدَتْ الْأَحْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِوَقْتٍ فَيُتَّبَعُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَقْرِ أو التَّوَسُّطِ منهم بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أو يُعْهَدُ له مَالٌ وَكَذَا من غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ وقال أَسْلَمْت من وَقْتِ كَذَا كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِالْقِسْطِ اتِّبَاعًا لِسِيرَةِ الْأَوَّلِينَ إلَّا مِمَّنْ مَاتَ أو أَسْلَمَ أو اسْتَقَالَ من الْعَقْدِ أو نَبَذَهُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَيُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ إذْ وُجُوبُهَا بِالسُّكْنَى فإذا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَجَبَ قِسْطُهُ كَالْأُجْرَةِ نعم إنْ لم يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَتِرْكَتُهُ كُلُّهَا فَيْءٌ فَلَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منها وَلَوْ كان له وَارِثٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ أُخِذَ من نَصِيبِهِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ من الْجِزْيَةِ وَسَقَطَتْ حِصَّةُ بَيْتِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو حُجِرَ عليه بِفَلَسٍ في أَثْنَاءِ الْعَامِ لَا يُؤْخَذُ منه الْقِسْطُ حِينَئِذٍ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو الْجَارِي على الْقَوَاعِدِ لَكِنْ نَصَّ في الْأُمِّ على أَخْذِهِ فَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ مع الْجِزْيَةِ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ وَضَاقَ مَالُهُ عنهما سَوَّى بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ حتى تَكُونَ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيها حَقٌّ الْآدَمِيِّ من جِهَةِ أنها أُجْرَةٌ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ طَلَبُ تَعْجِيلِ الْجِزْيَةِ هذا عُلِمَ من قَوْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِالْقِسْطِ فَصْلٌ فَإِنْ أَقَرُّوا بِبَلَدِهِمْ بِجِزْيَةٍ اُسْتُحِبَّ مَعَهَا اشْتِرَاطُ ضِيَافَةِ من يَمُرُّ بِهِمْ مِنَّا وَإِنْ لم يَكُنْ الْمَارُّ من أَهْلِ الْفَيْءِ لَا على فَقِيرٍ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَيَسَّرُ لِلْفَقِيرِ الْقِيَامُ بها وَالْأَصْلُ في اشْتِرَاطِهَا ما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ على ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ من يَمُرُّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيُبَيِّنُ لهم في الْعَقْدِ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ أَيْ قَدْرَهَا في الْحَوْلِ كَمِائَةِ يَوْمٍ فيه وَمُدَّةَ الْإِقَامَةِ كَيَوْمٍ أو ثَلَاثَةٍ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ وَلَا تَزِيدُ مُدَّتُهَا أَيْ لَا تُنْدَبُ زِيَادَتُهَا على الثَّلَاثِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ في الزِّيَادَةِ عليها مَشَقَّةً فَإِنْ وَقَعَ تَوَافُقٌ على زِيَادَةٍ جَازَ كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَ في الذَّخَائِرِ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عليهم تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيُبَيِّنُ لهم عَدَدَ الضِّيفَانِ خَيْلًا وَرَجْلًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ كَعِشْرِينَ ضَيْفًا في الْعَامِ من الْفُرْسَانِ كَذَا وَمِنْ الرَّجَّالَةِ كَذَا على الْوَاحِدِ منهم أو أَلْفٍ كَذَلِكَ على الْجَمِيعِ وهم يُوَزِّعُونَهَا على أَنْفُسِهِمْ بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ أو يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عن
____________________
(4/216)
بَعْضٍ وإذا تَفَاوَتُوا في الْجِزْيَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ في الضِّيَافَةِ فَيَجْعَلُ على الْغَنِيِّ عِشْرِينَ مَثَلًا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً وَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ في جِنْسِ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لو شَرَطَ على الْغَنِيِّ أَطْعِمَةً فَاخِرَةً أَجْحَفَ بِهِ الضِّيفَانُ ويبين لهم جِنْسَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا كَأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا من خُبْزِ الْبُرِّ
وَكَذَا من السَّمْنِ أو غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ ويبين الْعَلَفَ أَيْ عَلَفَ الدَّوَابِّ من تِبْنٍ وَحَشِيشٍ وَقَتٍّ لَا قَدْرَهُ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ إلَّا الشَّعِيرُ إنْ ذَكَرَهُ فَيُقَدِّرُهُ وَإِطْلَاقُ الْعَلَفِ لَا يَقْتَضِي الشَّعِيرَ فَإِنْ كان لِوَاحِدٍ دَوَابُّ ولم يُعَيِّنْ عَدَدًا منها لم يَعْلِفْ إلَّا وَاحِدَةً نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَنْسَبُ يَلْزَمُهُمْ أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَمَّامٍ وَثَمَنُ دَوَاءٍ ويبين لهم الْمَنَازِلَ أَيْ مَنَازِلَ الضِّيفَانِ من فُضُولِ مَنَازِلِهِمْ وَبُيُوتِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا ضِيَافَةَ عليهم وَالْكَنَائِسَ وَنَحْوِهَا الدَّافِعَةَ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَيَشْتَرِطُ عليهم تَعْلِيَةَ الْأَبْوَابِ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كما شَرَطَهُ عُمَرُ على أَهْلِ الشَّامِ وَلَا يُخْرَجُونَ أَيْ أَرْبَابُ الْمَنَازِلِ من مَنَازِلِهِمْ وَإِنْ ضَاقَتْ وَهِيَ أَيْ الضِّيَافَةُ زِيَادَةٌ على الْجِزْيَةِ لَا منها لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ على الْإِبَاحَةِ وَالْجِزْيَةُ على التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا لَا يُجْزِئُ فيها التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ كما في الْكَفَّارَةِ تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ منهم وَإِنْ اعْتَاضَ عنها أَيْ الضِّيَافَةِ الْإِمَامُ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ وَبِهَا عَبَّرَ الْأَصْلُ بِرِضَاهُمْ جَازَ وَاخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْفَيْءِ كَالْأَصْلِ الذي هو الدِّينَارُ وَيُفَارِقُ الضِّيَافَةَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَاهُمْ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ قد تَكُونُ أَهْوَنَ عليهم فَرْعٌ لِضَيْفِهِمْ حَمْلُ الطَّعَامِ من غَيْرِ أَكْلٍ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ لِأَنَّهُ مَكْرُمَةٌ وما هُنَا مُعَارَضَةٌ لَا الْمُطَالَبَةُ بِالْعِوَضِ ولا طَعَامِ الْغَدِ وَلَا طَعَامِ الْأَمْسِ الذي لم يَأْتُوا بِطَعَامِهِ بِنَاءً على أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ على الْجِزْيَةِ وَإِنْ ازْدَحَمَ الضِّيفَانُ على الْمُضِيفِ لهم أو عَكْسُهُ خُيِّرَ الْمُزْدَحَمُ عليه فَيُخَيَّرُ الْمُضِيفُ في الْأُولَى وَالضَّيْفُ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ الضِّيفَانُ عليهم بَدَءُوا بِالسَّابِقِ لِسَبْقِهِ وَإِلَّا بِأَنْ تُسَاوَوْا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَلِيَكُنْ لِلضِّيفَانِ عَرِيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَصْلٌ وَالْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ عليه بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيَكْفِي في الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ في آيَةِ الْجِزْيَةِ أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كما فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ ظَهْرَهُ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ في الْمِيزَانِ وَيَقْبِضَ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هذه الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أو وُجُوبِهَا أَشَدُّ خَطَأً ولم يُنْقَلْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَحَدًا من الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شيئا منها فَلَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ في أَدَائِهَا وَتَضْمِينُهُ لها وَالْحَوَالَةُ بها عليه بِنَاءً على أَنَّ الْهَيْئَةَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَصْلٌ لو طَلَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يُعْقَدُ لهم الْجِزْيَةُ عَرَبٌ أو عَجَمٌ أَنْ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ وقد عَرَفُوهَا حُكْمًا وَشَرْطًا وأن يُضَعَّفَ عليهم أُجِيبُوا إلَى ذلك إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَسَقَطَ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ وَاسْمُ الْجِزْيَةِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رضي اللَّهُ عنه في نَصَارَى الْعَرَبِ لَمَّا قالوا له نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي ما تُؤَدِّيهِ الْعَجَمُ فَخُذْ مِنَّا ما يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ من بَعْضٍ يَعْنُونَ لِزَكَاةٍ ولم يُنْكِرْ عليه فيه أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَعَقَدَ لهم الذِّمَّةَ مُؤَبَّدًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ ما فَعَلَهُ هذا إنْ تَيَقَّنَّا وَفَاءَهَا بِدِينَارٍ وَإِلَّا فَلَا يُجَابُوا وَلَوْ اقْتَضَى إجَابَتُهُمْ تَسْلِيمَ بَعْضٍ منهم عن بَعْضٍ ما الْتَزَمُوهُ فَإِنَّهُمْ يُجَابُونَ وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عن نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عن كل رَأْسٍ فيقول الْإِمَامُ في صُورَةِ الْعَقْدِ جَعَلْت عَلَيْكُمْ ضِعْفَ الصَّدَقَةِ أو صَالَحْتُكُمْ عليه أو نَحْوَهُ وَهِيَ أَيْ الْأَمْوَالُ الْمَأْخُوذَةُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ جِزْيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ بُدِّلَ اسْمُهَا تُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ فَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قال هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى وَلَا تُؤْخَذُ من مَالِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى بِخِلَافِ الْفَقِيرِ فَإِنْ وَفَّى قَدْرَ الزَّكَاةِ بِلَا تَضْعِيفٍ أو نِصْفَهَا أَنَّ نِصْفَهَا بِالدِّينَارِ يَقِينًا لَا ظَنًّا كَفَى أَخْذُهُ فَلَوْ كَثُرُوا وَعَسُرَ عَدَدُهُمْ لِمَعْرِفَةِ الْوَفَاءِ بِالدِّينَارِ لم يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ أَخْذِ دِينَارٍ عن كل رَأْسٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ تَضْعِيفُهَا وَلَا تَنْصِيفُهَا فَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا على ما يَرَوْنَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ شَرَطَ الضِّعْفَ لِلزَّكَاةِ وَكَثُرَ أَيْ زَادَ على دِينَارٍ وَبَذَلُوا الدِّينَارَ بِأَنْ سَأَلُوا إسْقَاطَ الزَّائِدِ
____________________
(4/217)
وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ أُجِيبُوا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أُثْبِتَتْ لِتَغْيِيرِ الِاسْمِ فإذا رَضُوا بِالِاسْمِ وَجَبَ إسْقَاطُهَا وَإِنْ قَلَّ الضِّعْفُ عن الدِّينَارِ زَادَ في التَّضْعِيفِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ فَرْعٌ تُضَعَّفُ الْمَاشِيَةُ أَيْ الزَّكَاةُ الْمَأْخُوذَةُ منها كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَيُؤْخَذُ من خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاتَانِ وَمِنْ أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ شَاتَانِ وَمِنْ ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ تَبِيعَانِ وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَمِمَّا سُقِيَ بِلَا مُؤْنَةٍ الْخُمُسُ وَمِمَّا سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ الْعُشْرُ وَمِنْ الرِّكَازِ خُمُسَانِ وَهَكَذَا وَلَا يُضَعَّفُ الْجُبْرَانُ لو أَخَذْنَاهُ أو أَعْطَيْنَاهُ لِئَلَّا يُكْثِرَ التَّضْعِيفُ وَلِأَنَّهُ على خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ بِهِ على مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا ولم يَكُنْ فيها بِنْتَا لَبُونِ أَخْرَجَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مع إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ أو حَقَّتَيْنِ مع أَخْذِهِ فَيُعْطِي في النُّزُولِ مع كل وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ في الصُّعُودِ مع كل وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذلك وَيُعْطَى الْإِمَامُ الْجُبْرَانَ من الْفَيْءِ كما يَصْرِفُهُ إذَا أَخَذَهُ إلَى الْفَيْءِ وَلَا يَأْخُذُهَا من دُونِ النِّصَابِ بِالْقِسْطِ كَشَاةٍ من عِشْرِينَ وَنِصْفِ شَاةٍ من عَشَرٍ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَهَلْ يَعْتَبِرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أو آخِرَهُ وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ قِيَاسُ بَابِ الزَّكَاةِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالتَّوَسُّطِ آخَرَ الْحَوْلِ في هذا الْبَابِ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَيُؤْخَذُ من مِائَتَيْنِ من الْإِبِلِ ثَمَانُ حِقَاقٍ أو عَشَرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا يُفَرِّقُ فَلَا يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ كما لَا يُفَرِّقُ في الزَّكَاةِ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَشْقِيصَ هُنَا بِخِلَافِ ما هُنَاكَ فَصْلٌ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ من حَرْبِيٍّ دخل دَارَنَا رَسُولًا أو بِتِجَارَةٍ نَضْطَرُّ نَحْنُ إلَيْهَا أو لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ له الدُّخُولَ بِلَا إذْنٍ فَإِنْ لم نَضْطَرَّ إلَيْهَا وَاشْتَرَطَ عليهم الْإِمَامُ أَخْذَ شَيْءٍ وَلَوْ أَكْثَرَ من عُشْرِهَا جَازَ كما فَعَلَهُ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه بِخِلَافِ ما إذَا لم يَشْتَرِطْ عليهم لِأَنَّهُمْ لم يَلْتَزِمُوا وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ في الزَّائِدِ على الْعُشْرِ كما في زِيَادَةِ الْجِزْيَةِ على دِينَارٍ وَيَجُوزُ له أَنْ يَشْتَرِطَ عليهم دُونَهُ أَيْ الْعُشْرِ وأن يَشْتَرِطَ عليهم أَخْذَ شَيْءٍ في نَوْعٍ من تِجَارَاتِهِمْ أَكْثَرَ من نَوْعٍ آخَرَ وَلَوْ أَعْفَاهُمْ عن الْأَخْذِ جَازَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قد تَدْعُو إلَيْهِ لِاتِّسَاعِ الْمَكَاسِبِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ شَرَطَ عليهم عُشْرَ الثَّمَنِ أَيْ ثَمَنِ ما بِيعَ من تِجَارَاتِهِمْ أُمْهِلُوا إلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ ما لو شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ من تِجَارَاتِهِمْ وَالْمَأْخُوذُ أَيْ ما يُؤْخَذُ في الْحَوْلِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مَرَّةً وَلَوْ تَرَدَّدُوا إلَى بِلَادِهِمْ كَالْجِزْيَةِ وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ من تِجَارَةِ ذِمِّيٍّ وَلَا ذِمِّيَّةٍ اتَّجَرَتْ إلَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِمَا مع الْجِزْيَةِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رضي اللَّهُ عنه سَوَاءٌ أَكَانَا بِالْحِجَازِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ اتَّجَرَتْ وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ من غَيْرِ مُتَّجِرٍ دخل بِأَمَانٍ وَإِنْ دخل الْحِجَازَ وَيَكْتُبُ لِمَنْ أَخَذَ منه بَرَاءَةً حتى لَا يُطَالَبُ مَرَّةً أُخْرَى قبل الْحَوْلِ فَصْلٌ لو صَالَحْنَاهُمْ وَأَبْقَيْنَا أَرْضَهُمْ على مِلْكِهِمْ وَضَرَبْنَا عليها خَرَاجًا يُؤَدُّونَهُ كُلَّ سَنَةٍ عن كل جَرِيبٍ كَذَا يَفِي ذلك الْخَرَاجُ بِالْجِزْيَةِ عن كل وَاحِدٍ منهم جَازَ فَالْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ تُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ فَلَا يُؤْخَذُ من أَرْضِ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ منهم وَإِنْ لم تُزْرَعْ أَيْ الْأَرْضُ أو بَاعُوهَا أو وَهَبُوهَا ما لم يُسْلِمُوا لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ كما مَرَّ وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أو اسْتَأْجَرَهَا فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ في الْأُولَى وَالْأُجْرَةُ في الثَّانِيَةِ وَالْخَرَاجُ بَاقٍ على الْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَيُؤْخَذُ منهم الْخَرَاجُ في مَوَاتٍ يَذُبُّونَ عنه لَا غَيْرِهِ أَيْ لَا في مَوَاتٍ لَا يَذُبُّونَ عنه وَإِنْ أَحْيَوْهُ إلَّا بِشَرْطٍ بِأَنْ شَرَطَ عليهم أَنْ يُؤْخَذَ ذلك عَمَّا يُحْيُونَهُ وَإِنْ ضَرَبْنَاهُ على أَنَّ الْأَرْضَ لنا وَيَسْكُنُونَهَا وَيُؤَدُّونَ كُلَّ سَنَةٍ عن كل جَرِيبٍ كَذَا فَهُوَ أَيْ الْمَأْخُوذُ منهم أُجْرَةٌ لِأَنَّ ذلك عَقْدُ إجَارَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَبْلُغَ دِينَارًا وَالْجِزْيَةُ بَاقِيَةٌ فَتَجِبُ مع الْأُجْرَةِ وَلَا يَجُوزُ لهم بَيْعُهَا أَيْ الْأَرْضِ وَلَا هِبَتُهَا وَلَهُمْ إجَارَتُهَا لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ يُؤَجَّرُ وَيُؤْخَذُ ذلك من أَرْضِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عليه لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ الطَّرَفُ الثَّانِي في أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُنَا بَعْدَ عَقْدِهَا لهم الْكَفُّ عن أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِعِصْمَتِهِمَا وَرَوَى أبو دَاوُد خَبَرَ أَلَا من ظَلَمَ مُعَاهِدًا أو انْتَقَصَهُ أو كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أو أَخَذَ منه شيئا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يوم الْقِيَامَةِ وَلَوْ غُصِبَتْ لهم خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ
____________________
(4/218)
وَنَحْوُهُمَا رُدَّتْ إلَيْهِمْ لِعُمُومِ خَبَرِ على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ وَيَعْصِي مُتْلِفُهَا إلَّا إنْ أَظْهَرُوهَا فَلَا يَعْصِي وَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ لم يُظْهِرُوهَا وَتُرَاقُ الْخَمْرُ على مُسْلِمٍ اشْتَرَاهَا منهم وَقَبَضَهَا وَلَا ثَمَنَ عليه لهم لِأَنَّهُمْ تَعُدُّوا بِإِخْرَاجِهَا إلَيْهِ وَلَوْ قَضَى الذِّمِّيُّ دَيْنَ مُسْلِمٍ كان له عليه بِثَمَنِ خَمْرٍ أو نَحْوِهِ حَرُمَ على الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُ ذلك لِأَنَّهُ حَرَامٌ في عَقِيدَتِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَبُولُ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ في نِكَاحِ الْمُشْرِكِ من أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ مع الْعِلْمِ مَمْنُوعٌ وَيَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ لَا إنْ كَانُوا مُقِيمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ إذْ لَا يَلْزَمُنَا الذَّبُّ عنها بِخِلَافِ دَارِنَا إلَّا أَنَّ شَرَطَ الذَّبَّ عَنْهُمْ ثَمَّ أو انْفَرَدُوا عَنَّا بِبَلَدٍ مُجَاوِرِينَ لنا فَيَلْزَمُنَا ذلك لِالْتِزَامِنَا إيَّاهُ في الْأُولَى وَإِنْ كُرِهَ لنا طَلَبُهُ وَإِلْحَاقًا لهم في الثَّانِيَةِ بِبَاقِي الْعِصْمَةِ وَإِنْ عُقِدَتْ أَيْ الذِّمَّةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ من يَمُرُّ بِنَا مِمَّنْ يَقْصِدُهُمْ بِسُوءٍ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ مُجَاوِرُونَ لنا أو أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ وَهُمْ مَعَنَا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِتَضَمُّنِهِ تَمْكِينَ الْكُفَّارِ مِنَّا بِخِلَافِ ما لو شَرَطَ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ من لَا يَمُرُّ بِنَا أو من يَمُرُّ بِنَا وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لنا وَيَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى من هَادَنَّاهُ غُرْمُ بَدَلِ ما أَتْلَفْنَاهُ أَيْ نَحْنُ وَمَنْ هَادَنَّاهُ عليهم أَيْ على أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلْعِصْمَةِ في الْجَانِبَيْنِ نعم إنْ كان إتْلَافُ من هَادَنَّاهُ بَعْدَ نَقْضِهِ الْعَهْدَ فَلَا غُرْمَ عليه لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَإِنْ لم نَذُبَّ عَنْهُمْ فَلَا جِزْيَةَ لِمُدَّةِ عَدَمِ الذَّبِّ كما لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الدَّارِ إذَا لم يُوجَدْ التَّمْكِينُ من الِانْتِفَاعِ بها فَإِنْ ظَفِرَ الْإِمَامُ بِمَنْ أَغَارَ عليهم وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ رُدَّ عليهم ما وَجَدُوهُ من أَمْوَالِهِمْ وَلَا يَضْمَنُونَ أَيْ الْمُغِيرُونَ على أَهْلِ الذِّمَّةِ ما أَتْلَفُوهُ إنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ كما لو أَتْلَفُوا مَالَنَا فَصْلٌ وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي من إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبَيْعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلرُّهْبَانِ وَنَحْوِهَا في بَلَدٍ أَحْدَثَ في دَارِ الْإِسْلَامِ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ أو بَلَدٍ أَسْلَمَ أَهْلُهُ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ لِأَنَّ كُلًّا منها صَارَ مِلْكًا لنا وَلِأَنَّ إحْدَاثَهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ في دَارِنَا فَإِنْ وُجِدَتْ كَنَائِسُ مَثَلًا فِيمَا ذَكَرَ جُهِلَ أَصْلُهَا بَقِيَتْ لِاحْتِمَالِ أنها كانت في قَرْيَةٍ أو بَرِيَّةٍ فَاتَّصَلَ بها عُمْرَانُ ما أَحْدَثَ مِنَّا بِخِلَافِ ما لو عُلِمَ إحْدَاثُ شَيْءٍ منها بَعْدَ بِنَائِهَا وَإِنْ شَرَطَ حِدَاثَهَا في بِلَادِنَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَمَنْ بَنَى منهم دَارًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ لم يُمْنَعُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ خَصَّصَ الذِّمِّيِّينَ بها فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَذَلِكَ كما لو وَقَفَ عليهم وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُمْ إذَا انْفَرَدُوا بِسُكْنَاهَا صَارَتْ
____________________
(4/219)
كَكَنَائِسِهِمْ وَلَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا عَنْوَةً نَقَضْنَا كَنَائِسَهُمْ الْقَائِمَةَ لِأَنَّا قد مَلَكْنَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَيَمْتَنِعُ إبْقَاؤُهَا كَنَائِسَ ولم نُبْقِ لهم شيئا من مُتَعَبَّدَاتِهِمْ لِذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لهم بِنَاءُ شَيْءٍ من ذلك كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
أو فَتَحْنَاهُ صُلْحًا على أَنَّ الْأَرْضَ لنا وَيَسْكُنُونَهَا بِخَرَاجٍ وَشَرَطُوا إبْقَاءَ الْكَنَائِسِ مَثَلًا لهم أو إحْدَاثَهَا مُكِّنُوا من ذلك وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْهَا وَقَوْلُهُ مُكِّنُوا أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ جَازَ لِأَنَّ الْجَوَازَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ولم يَرِدُ الشَّرْعُ بِجَوَازِ ذلك وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَدَمُ الْمَنْعِ نَبَّهَ عليه السُّبْكِيُّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَشْرِطُوا ذلك مُنِعُوا وَلَوْ من إبْقَائِهَا كما يُمْنَعُونَ من إحْدَاثِهَا لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَدَ كُلَّهُ صَارَ لنا أو فَتَحْنَاهُ صُلْحًا على أَنَّ الْأَرْضَ لهم يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا لم يُمْنَعُوا من الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا وَلَوْ أَحْدَثُوهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لهم وَلَا يُمْنَعُونَ من إظْهَارِ شَعَائِرِهِمْ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَأَعْيَادِهِمْ وَضَرْبٍ نَاقُوسِهِمْ وَيُمْنَعُونَ من التَّجَسُّسِ أَيْ إيوَاءِ الْجَاسُوسِ وَتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ وَسَائِرِ ما نَتَضَرَّرُ بِهِ في دِيَارِهِمْ وَلَهُمْ عِمَارَةُ أَيْ تَرْمِيمُ كَنَائِسَ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا إذَا اسْتُهْدِمَتْ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ فَتُرَمَّمُ بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ من جَدِيدٍ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابن يُونُسَ في شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عليه أنها تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ قال في الْأَصْلِ وَلَا يَجِبُ إخْفَاؤُهَا فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا من دَاخِلٍ وَخَارِجٍ لَا إحْدَاثُهَا لِأَنَّ الْعِمَارَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ بِإِحْدَاثٍ هذا التَّعْلِيلُ من زِيَادَتِهِ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْأَخِيرِ لَكِنْ لَا يَخْفَى الْمُرَادُ
فَلَوْ انْهَدَمَتْ أَيْ الْكَنَائِسُ الْمُبْقَاةُ وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لها تَعَدِّيًا خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ أَعَادُوهَا هذا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ وَلَيْسَ لهم تَوْسِيعُهَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ في حُكْمِ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأُولَى وَيُمْنَعُونَ من إظْهَارِ النَّاقُوسِ هذا سَيَأْتِي وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُمْنَعُونَ من ضَرْبِ النَّاقُوسِ في الْكَنِيسَةِ كما يُمْنَعُونَ من إظْهَارِ الْخَمْرِ لَا في بَلَدِهِمْ قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وَأَمَّا نَاوُوسُ الْمَجُوسِ فَلَسْت أَرَى فيه ما يُوجِبُ الْمَنْعَ وَإِنَّمَا هو مَحُوطٌ وَبُيُوتٌ تُجَمِّعُ فيها الْمَجُوسُ جِيَفَهُمْ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالشِّعَارِ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ وُجُوبًا من تَطْوِيلِ بِنَائِهِ على بِنَاءِ جَارِهِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لم يُشْرَطْ عليهم في الْعَقْدِ لِخَبَرٍ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى وَلِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ على عَوْرَاتِنَا هذا إنْ لم يَنْفَرِدُوا بِقَرْيَةٍ فَإِنْ انْفَرَدُوا بها جَازَ تَطْوِيلُ بِنَائِهِمْ وَالتَّقْيِيدُ بهذا لَا يُنَاسِبُ الْمُقَيَّدَ إذْ لَا جَارَ لهم من الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مع أَنَّهُ مَعْلُومٌ من التَّقْيِيدِ بِالْجَارِ فَلَوْ قال لَا إنْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ بَلْ وَأَخَّرَهُ إلَى قَوْلِهِ لَا عَالٍ كان أَوْلَى وَإِنْ رضي الْجَارُ بِذَلِكَ فإنه يُمْنَعُ منه لِأَنَّ الْمَنْعَ منه لِحَقِّ الدَّيْنِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مُعْتَدِلًا أَمْ في غَايَةِ الِانْخِفَاضِ
____________________
(4/220)
قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا كان بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ في السُّكْنَى فَلَوْ كان قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فيها لِأَنَّهُ لم يَتِمُّ بِنَاؤُهُ أو لِأَنَّهُ هَدَمَهُ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لم يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ من بِنَاءِ جِدَارِهِ على أَقَلَّ مِمَّا يُعْتَادُ في السُّكْنَى لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ عليه حَقُّهَا الذي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أو تَعَطَّلَ عليه بِإِعْسَارِهِ قال الْجُرْجَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْجَارِ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ دُونَ جَمِيعِ الْبَلَدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ
وَكَذَا يُمْنَعُ من الْمُسَاوَاةِ لِمَا مَرَّ فَيُهْدَمُ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّطْوِيلُ وَالْمُسَاوَاةُ لَا عَالٍ اشْتَرَاهُ مَثَلًا ولم يَكُنْ مُسْتَحَقَّ الْهَدْمِ أو بَنُوهُ قبل أَنْ تُمْلَكَ بِلَادُهُمْ فَلَا يُهْدَمُ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ لَكِنْ يُمْنَعُ طُلُوعَ سَطْحِهِ إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَيُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ من الْإِشْرَافِ على الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا حَكَاهُ في الْكِفَايَةِ عن الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ امْتَنَعَ الْعُلُوُّ وَالْمُسَاوَاةُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَالِيَةً لم يُمْنَعْ من سُكْنَاهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ في الْمُرْشِدِ وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُهُ فِيمَا لو مَلَكَ دَارًا لها رَوْشَنٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُشْرَعُ له الرَّوْشَنُ أَيْ وهو الْأَصَحُّ أو لَا يَجْرِي لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ من فَوْقِ الْمِلْكِ وَالرَّوْشَنَ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وقد زَادَ فيه نَظَرٌ انْتَهَى ويمنعون من رُكُوبِ الْخَيْلِ إنْ لم يَنْفَرِدُوا لِأَنَّ فيه عِزًّا فَإِنْ انْفَرَدُوا بِبَلْدَةٍ أو قَرْيَةٍ في غَيْرِ دَارِنَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُمْنَعُونَ خَوْفًا من أَنْ يَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَيْنَا وَثَانِيهِمَا لَا يُمْنَعُونَ كَإِظْهَارِ الْخَمْرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ قال وَلَوْ اسْتَعَنَّا بِهِمْ في حَرْبٍ حَيْثُ يَجُوزُ فَالظَّاهِرُ تَمْكِينُهُمْ من رُكُوبِهَا من الْقِتَالِ لَا من رُكُوبِ الْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً لِأَنَّهَا في نَفْسِهَا خَسِيسَةٌ ولا من رُكُوبِ الْحُمُرِ وَلَوْ نَفِيسَةً لِذَلِكَ
وَكَذَا الْبَرَاذِينُ الْخَسِيسَةُ بِخِلَافِ النَّفِيسَةِ وَيَرْكَبُونَهَا عَرْضًا بِأَنْ يَجْعَلُوا أَرْجُلَهُمْ من جَانِبٍ وَاحِدٍ قال في الْأَصْلِ وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُفَرِّقُ بين أَنْ يَرْكَبُوا إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ من الْبَلَدِ أو إلَى بَعِيدَةٍ فَيُمْنَعُونَ في الْحَضَرِ وَيَرْكَبُونَهَا بِالْأَكُفِّ لَا السَّرْجِ وَبِالرِّكَابِ الْخَشَبِ لَا الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ تَمْيِيزًا لهم عَنَّا لِيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ وَيُمْنَعُونَ من حَمْلِ السِّلَاحِ مُطْلَقًا ومن اللُّجُمِ الْمُزَيِّنَةِ بِالتِّبْرَيْنِ أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قال الزَّرْكَشِيُّ في الْأُولَى وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ على الْحَضَرِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَسْفَارِ الْمَخُوفَةِ وَالطَّوِيلَةِ هذا كُلُّهُ في الرِّجَالِ لَا في النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُمْنَعُونَ من ذلك إذْ لَا صِغَارَ عليهم كما لَا جِزْيَةَ عليهم حَكَاهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ كَجٍّ وَأَقَرَّهُ وَتَوَقَّفَ فيه الزَّرْكَشِيُّ وقال الْأَشْبَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُمْ صَحَّحُوا أَنَّ النِّسَاءَ يُؤْمَرْنَ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ وَالتَّمْيِيزِ في الْحَمَّامِ قال وما حُكِيَ عن ابْنِ كَجٍّ وَجْهٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى
وَيُجَابُ بِأَنَّ ما اسْتَنَدَ إلَيْهِ كَالضَّرُورِيِّ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ بِخِلَافِ ما هُنَا قال ابن الصَّلَاحِ وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ من خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كما يُمْنَعُونَ من رُكُوبِ الْخَيْلِ فَرْعٌ وَيُلْجَأُ في الزَّحْمَةِ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ وَلَا يُصَدَّرُ في مَجْلِسٍ فيه مُسْلِمُونَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ في وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وإذا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ في طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ فَإِنْ خَلَتْ
____________________
(4/221)
الطُّرُقُ عن الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ وَلَا يُوَقَّرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُصَدَّرُ في مَجْلِسٍ فيه مُسْلِمُونَ إهَانَةً له وَتَحْرُمُ مَوَادَّتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ من حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ وَلَا يُنَافِي هذا ما مَرَّ في الْوَلِيمَةِ من أَنَّهُ تُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ وَالْمُوَادَّةُ إلَى الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ فَصْلٌ وَعَلَيْهِمْ وَلَوْ نِسَاءً في دَارِنَا لُبْسَ الْغِيَارِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ لم يُشْرَطْ عليهم وهو أَنْ يَخِيطَ كُلٌّ منهم بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخِيَاطَةُ عليه كَالْكَتِفِ على ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ لَوْنًا يُخَالِفُهُ أَيْ يَخِيطُ عليه ما يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَيَلْبِسُهُ وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه صَالَحَهُمْ على تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ كما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا لم يَفْعَلْهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فلما كَثُرُوا في زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَخَافُوا من الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزٍ قال في الْأَصْلِ وَإِلْقَاءُ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ قال في الْأَصْلِ أو الْأَكْهَبُ وَيُقَالُ له الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِ الْأَحْمَرِ قال في الْأَصْلِ أو الْأَسْوَدِ قال الْبُلْقِينِيُّ وما ذَكَرَ من الْأَوْلَى لَا دَلِيلَ عليه انْتَهَى وَيُكْتَفَى عن الْخِيَاطَةِ بِالْعِمَامَةِ كما عليه الْعَمَلُ الْآنَ وَيَشُدُّ كُلٌّ منهم زُنَّارًا بِضَمِّ الزَّايِ وهو خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ بِهِ وَسَطَهُ فَوْقَ الثِّيَابِ لِمَا مَرَّ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَسْتَوِي فيه سَائِرُ الْأَلْوَانِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ لهم إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْ الْغُبَارِ وَالزُّنَّارِ أَوْلَى مُبَالَغَةً في شُهْرَتِهِمْ وَمَنْ لَبِسَ منهم قَلَنْسُوَةً يُمَيِّزُهَا عن قَلَانِسِنَا بِذُؤَابَةٍ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلَامَةٍ فيها فَإِنْ دَخَلُوا حَمَّامًا بِهِ مُسْلِمُونَ أو كَانُوا في غَيْرِهِ مُتَجَرِّدِينَ عن ثِيَابِهِمْ بِحَضْرَةِ مُسْلِمِينَ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بِجَلَاجِلَ في أَعْنَاقِهِمْ أو خَوَاتِمَ حَدِيدٍ أو رَصَاصٍ لَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِمَا مَرَّ وَيَجْزُونَ نَوَاصِيَهُمْ كما أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه وَلَا يُرْسِلُونَ الضَّفَائِرَ كما يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ وَالْأَجْنَادُ وَتَجْعَلُ الْمَرْأَةُ خُفَّيْهَا لَوْنَيْنِ كَأَنْ تَجْعَلَ أَحَدَهُمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرَ أَبْيَضَ قال في الْأَصْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ بِكُلِّ هذه الْوُجُوهِ بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا وَلِلْمُسْلِمَاتِ دُخُولُ الْحَمَّامِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَيُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ كما مَرَّ ذلك في الْغُسْلِ مع دَلِيلِهِ وَيُمْنَعَنَّ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الذِّمِّيَّاتُ دُخُولَهُ مع الْمُسْلِمَاتِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُنَّ أَجْنَبِيَّاتٌ في الدِّينِ وَتَقَدَّمَ في النِّكَاحِ ما له بهذا تَعَلُّقٌ وَلَوْ لَبِسَ الذِّمِّيُّ الْحَرِيرَ أو تَعَمَّمَ أو طَيْلَسَ لم يُمْنَعْ كما لم يُمْنَعْ من رَفِيعِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَعَلَيْهِمْ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِنَا الذي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فإذا فَعَلُوهُ أَجْرَيْنَا عليهم حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فيه كما مَرَّ وعليهم الْإِعَانَةُ لنا بِلَا تَضَرُّرٍ منهم إذَا اسْتَعَنَّا بِهِمْ وَالْكَفُّ عن إظْهَارِ اعْتِقَادِهِمْ الْمُنْكَرَ كَاعْتِقَادِهِمْ في الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ صلى اللَّهُ وسلم عَلَيْهِمَا ومثل التَّثْلِيثِ أَيْ قَوْلِهِمْ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَيُمْنَعُونَ في دَارِنَا من إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالنَّاقُوسِ وَالْخِنْزِيرِ وَأَعْيَادِهِمْ وَقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ لِمَا فيه من إظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ ومن إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَالنَّوْحِ وَاللَّطْمِ ومن إسْقَاءِ مُسْلِمٍ خَمْرًا أو إطْعَامِهِ خِنْزِيرًا ومن رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ على الْمُسْلِمِينَ ومن اسْتِبْذَالِهِمْ إيَّاهُمْ في الْمِهَنِ أَيْ الْخِدْمَةِ بِأُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ أَشُرِطَ ذلك في الْعَقْدِ عليهم أَمْ لَا فَإِنْ أَظْهَرُوا شيئا من ذلك عُزِّرُوا ولم يُنْتَقَضْ بِهِ عَهْدُهُمْ وَلَوْ شُرِطَ عليهم نَقْضُهُ أَيْ انْتِقَاضُهُ بِهِ لِأَنَّا لَا نَتَضَرَّرُ بِهِ وَلِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي وَحَمَلُوا الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ على تَخْوِيفِهِمْ وَذِكْرُ التَّعْزِيرِ في إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ وما عُطِفَ عليه وَعَدَمُ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ من زِيَادَتِهِ
____________________
(4/222)
فَإِنْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ أو مَنَعُوا الْجِزْيَةَ أو الِانْقِيَادَ لِلْحُكْمِ بِمَعْنَى امْتِنَاعِهِمْ منه بِالْقُوَّةِ وَالْعُدَّةِ لَا بِالْهَرَبِ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ وَإِنْ لم يُشْرَطْ عليهم الِانْتِقَاضُ بِذَلِكَ وَلَا الِامْتِنَاعُ منه لِمُخَالَفَتِهِمْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ ما إذَا قَاتَلُوا لِشُبْهَةٍ كما مَرَّ في الْبُغَاةِ قال في الْأَصْلِ في الثَّانِيَةِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ أَمَّا الْعَاجِزُ إذَا اسْتَمْهَلَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قال وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ من الْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ قَهْرًا وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيُخَصُّ قَوْلُهُمْ بِالْمُتَغَلِّبِ الْمُقَاتِلِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلَ مَفْهُومٌ من تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ وَلَوْ نَكَحَ مُسْلِمَةً وَوَطِئَهَا أو زَنَى بها مع عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا أو قَتَلَ مُسْلِمًا قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَإِنْ لم نُوجِبْهُ عليه كَذِمِّيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا أو قَطَعَ طَرِيقًا على مُسْلِمٍ أو تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِأَنْ تَطَلَّعَ على عَوْرَاتِنَا وَنَقَلَهَا إلَيْهِمْ أو آوَى جَاسُوسًا لهم أو دَعَا مُسْلِمًا إلَى دِينِهِ أو فَتَنَهُ عن دِينِهِ أو قَذَفَ مُسْلِمًا أو سَبَّ اللَّهَ أو رَسُولَهُ أو الْإِسْلَامَ أو الْقُرْآنَ جَهْرًا أو نَحْوَهَا مِمَّا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ فَإِنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهِ اُنْتُقِضَ وَإِلَّا فَلَا يُنْتَقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحٌ أَنَّهُ لَا انْتِقَاضَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لو نَكَحَ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا في الْعِدَّةِ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ فَقَدْ يَسْلَمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ بِمُسْلِمٍ كَزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمْ لَا يُقَامُ عليه مُوجَبُ ما فَعَلَهُ من حَدٍّ أو تَعْزِيرٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا ما يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ الْقُرْآنُ ليس من عِنْدِ اللَّهِ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا فَلَوْ شَرَطَ عليه ذلك أَيْ الِانْتِقَاضَ بِهِ ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أو بِزِنَاهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا على مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أو غَنِيمَةً وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا ليس مَوْجُودًا وَقِيلَ لَا يَصِيرُ فَيْئًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فَرْعٌ إذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ بِقِتَالِهِ لنا قُتِلَ وَلَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ مع نَصْبِهِ الْقِتَالَ أو انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِغَيْرِهِ ولم يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فيه من قَتْلٍ وَغَيْرِهِ من اسْتِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَا منه لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ له كَالْحَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ ولم يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَأَخْرَجَ ما لو سَأَلَ ذلك فَتَجِبُ إجَابَتُهُ وَيُفَارِقُ ما ذَكَرَ من أَمْنِهِ صَبِيٍّ حَيْثُ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ بِأَنْ ذلك يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ ما أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ وَاسْتَشْكَلَ ما ذُكِرَ بِمَا ذَكَرُوهُ من أَنَّ
____________________
(4/223)
الدَّاخِلَ دَارَنَا بِهُدْنَةٍ أو أَمَانٍ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ مع أَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ آكَدُ منه وَأُجِيبُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا وَبِالِانْتِقَاضِ زَالَ الْتِزَامُهُ لها بِخِلَافِ ذَاكَ فإنه ليس مُلْتَزِمًا لها وَقَضِيَّةُ الْأَمَانِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وإذا انْتَقَضَ أَمَانُ رَجُلٍ لم يُنْتَقَضْ أَمَانُ نِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ لهم الْأَمَانُ ولم يُوجَدْ منهم خِيَانَةٌ نَاقِضَةٌ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلَا إرْقَاقُهُمْ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ في دَارِنَا فَإِنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ بَلَغْنَ أَيْ النِّسَاءُ مَأْمَنَهُنَّ دُونَ الصِّبْيَانِ حتى يَبْلُغُوا أو يَطْلُبَهُمْ مُسْتَحِقُّ الْحَضَانَةِ إذْ لَا حُكْمَ لِاخْتِيَارِهِمْ قبل ذلك وَلِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِصَدَدِ أَنْ تُعْقَدَ لهم الْجِزْيَةُ فَلَا يَفُوتُ ذلك عَلَيْنَا فَإِنْ بَلَغُوا وَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ فَذَاكَ وَإِلَّا أَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَالنِّسَاءِ الْخُنَاثَى وَكَالصِّبْيَانِ الْمَجَانِينُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ وَلَوْ نَبَذَ ذِمِّيٌّ إلَيْنَا الْعَهْدَ وَسَأَلَ إبْلَاغَهُ الْمَأْمَنَ أَجَبْنَاهُ لِأَنَّهُ لم تَبْدُ منه خِيَانَةٌ وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ اسْمَ من عَقَدَ له وَدِينَهُ وَحِلْيَتَهُ قال في الْأَصْلِ فَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ وَيَصِفُ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ من وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجَبْهَتِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفِهِ وَأَسْنَانِهِ وَآثَارِ وَجْهِهِ إنْ كان فيه آثَارٌ وَلَوْنَهُ من سُمْرَةٍ وَشُقْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَيَجْعَلُ لِكُلٍّ من طَوَائِفِهِمْ عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ وَيُعَرِّفُ الْإِمَامَ الْأَوْلَى لِيَعْرِفَ بِمَنْ مَاتَ أو أَسْلَمَ أو بَلَغَ منهم أو دخل فِيهِمْ وَأَمَّا من يَحْضُرُهُمْ لِأَدَائِهَا أَيْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ منهم الْجِزْيَةَ أو لِيَشْتَكِيَ إلَيْهِ أَيْ الْإِمَامِ مِمَّنْ تَعَدَّى عليهم مِنَّا أو منهم فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِيفًا لِذَلِكَ وَلَوْ كان كَافِرًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ في الْغَرَضِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ كِتَابُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَتُسَمَّى الْمُوَادَعَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ وَالْمُسَالَمَةُ وَالْمُهَادَنَةُ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ على تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أو غَيْرِهِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ من الْهُدُونِ وهو السُّكُونُ تَقُولُ هَدَّنْتُ الرَّجُلَ وَأَهْدَنْتُهُ إذَا سَكَّنْته وَهَدَنَ هو سَكَنَ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لها الْآيَةَ وَمُهَادَنَتُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في شُرُوطِهَا فَيُشْتَرَطُ لها أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ إنْ كانت لِلْكُفَّارِ مُطْلَقًا أو لِأَهْلِ إقْلِيمٍ كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ لِأَنَّهَا من الْأُمُورِ الْعِظَامِ لِمَا فيها من تَرْكِ الْجِهَادِ على الْإِطْلَاقِ أو في جِهَةٍ وَلِمَا فيها من الْأَخْطَارِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فيها من رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا فَاللَّائِقُ تَفْوِيضُهَا لِلْإِمَامِ أو نَائِبِهِ وَلِلْوَالِي بِإِقْلِيمٍ مُهَادَنَةُ بَعْضِ من في وِلَايَتِهِ لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ له ذلك فَإِنْ عَقَدَ هَا غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ من ذَكَرَ فَدَخَلَ قَوْمٌ مِمَّنْ هَادَنَهُمْ دَارَنَا لم قَدِرَتْ لَكِنْ بَلَغُوا الْمَأْمَنَ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا على اعْتِقَادِ صِحَّةِ أَمَانِهِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فيها مَصْلَحَةٌ كَقِلَّتِهِمْ أو قِلَّةِ مَالِهِمْ أو تَوَقُّعِ إسْلَامِهِمْ بِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ أو الطَّمَعِ في قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ بِلَا قِتَالٍ وَإِنْفَاقِ مَالٍ فَإِنْ لم يَكُنْ لهم فيها مَصْلَحَةٌ لم يُهَادِنُوا بَلْ يُقَاتِلُوا إلَى أَنْ يَسْلَمُوا أو يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا من أَهْلِهَا قال تَعَالَى فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ
وَلَوْ طَلَبُوهَا لم تَلْزَمْنَا إجَابَتُهُمْ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وُجُوبًا في الْأَصْلَحِ من الْإِجَابَةِ وَالتَّرْكِ وَأَنْ يَخْلُوَا عَقْدُ الْهُدْنَةِ عن كل شَرْطٍ فَاسِدٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَذَلِكَ كَالْعَقْدِ على أَنْ يَتْرُكَ لهم الْعَاقِدُ مُسْلِمًا أَسِيرًا أو مَالَهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِمْ من جَاءَتْ إلَيْنَا منهم مُسْلِمَةً وَلَوْ أَمَةً أو كان لها عَشِيرَةٌ أو على أَنْ يُعْطُوا جِزْيَةً أَقَلَّ من دِينَارٍ أو أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَالًا ولم تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ أو على أَنْ يُقِيمُوا بِالْحِجَازِ أو يَدْخُلُوا الْحَرَمَ أو يُظْهِرُوا الْخُمُورَ في دَارِنَا قال تَعَالَى فَلَا تَهِنُوا الْآيَةَ وفي ذلك إهَانَةٌ يَنْبُو عنها الْإِسْلَامُ وَرَوَى أبو دَاوُد في قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ جَاءَتْ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ إلَى قَوْلِهِ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ فَامْتَنَعَ صلى اللَّهُ عليه وسلم من رَدِّهِنَّ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَ الْمُسْلِمَةَ زَوْجُهَا الْكَافِرُ أو تَزَوَّجَ كَافِرًا وَسَوَاءٌ أَجَاءَتْ مُسْلِمَةً أو أَسْلَمَتْ بَعْدَ ما جَاءَتْ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ وَمَالِهِ الْكَافِرُ وَمَالُهُ فَيَجُوزُ شَرْطُ تَرْكِهِمَا وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمُ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِمَا
____________________
(4/224)
كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ
فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى إعْطَائِهِمْ مَالًا كَأَنْ خِفْنَا منهم الِاصْطِلَامَ لِإِحَاطَتِهِمْ بِنَا أو كَانُوا يُعَذِّبُونَ أَسْرَانَا وَجَبَ إعْطَاؤُهُمْ ذلك لِلضَّرُورَةِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا في السِّيَرِ من نَدْبِ فَكِّ الْأَسْرَى وَأُجِيبُ بِحَمْلِ نَدْبِ ما هُنَاكَ على عَدَمِ تَعْذِيبِ الْأَسْرَى أو خَوْفِ اصْطِلَامِهِمْ وَهَلْ الْعَقْدُ في هذه الْحَالَةِ صَحِيحٌ قال الْأَذْرَعِيُّ عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ وهو بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ ولم يَمْلِكُوهُ أَيْ ما أُعْطِيَ لهم لِأَخْذِهِمْ له بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ في عَقْدِ الْهُدْنَةِ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ كان بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَأَذِنَ في الْهُدْنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ فَسِيحُوا في الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قال الشَّافِعِيُّ وكان ذلك في أَقْوَى ما كان عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ من تَبُوكَ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَادَنَ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ يوم الْفَتْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَسْلَمَ قبل مُضِيِّهَا وَعَلَى عَشْرِ سِنِينَ إنْ كان بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَادَنَ قُرَيْشًا في الْحُدَيْبِيَةِ على وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ على الْعَشْرِ عَقَدَ على عَشْرٍ ثُمَّ عَشْرٍ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ
وَلَا يَجُوزُ في عَقْدٍ وَاحِدٍ كما شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَمَتَى زَادَ الْعَاقِدُ على الْجَائِزِ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا أو عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا بَطَلَ الزَّائِدُ أَيْ الْعَقْدُ فيه فَقَطْ أَيْ دُونَهُ في الْمَزِيدِ عليه تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ هذا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمْ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لها مُؤَبَّدًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مع النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ من الْمُدَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فَإِنْ انْقَضَتْ أَيْ الْعَشْرُ وَالضَّعْفُ بِنَا مُسْتَمِرٌّ اُسْتُؤْنِفَ عَقْدٌ جَدِيدٌ وَتَتِمُّ الْمُدَّةُ إنْ اسْتَقْوَيْنَا فيها عَمَلًا بِمَا وَقَعَ عليه الْعَقْدُ فَلَوْ هَادَنَ مُطْلَقًا عن ذِكْرِ الْمُدَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَا يُحْمَلُ على الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ وهو لَا يَجُوزُ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُ من الْمَصْلَحَةِ أو قال هَادَنْتُكُمْ ما شَاءَ فُلَانٌ مُثِيرُ الْعَدْل مِنَّا ذِي رَأْيٍ صَحَّ الْعَقْدُ فإذا نَقَضَهَا انْتَقَضَتْ وَلَيْسَ له أَنْ يَشَاءَ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَلَا أَكْثَرَ من عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا لَا لِرَجُلٍ منهم لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَلَا لِفَاسِقٍ وَلَا لِمَنْ لَا رَأْيَ له فَإِنْ قال هَادَنْتُكُمْ ما شَاءَ اللَّهُ لم يَجُزْ أَيْ لم يَحِلَّ ولم يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَادَنْتُكُمْ ما شَاءَ اللَّهُ فَلِأَنَّهُ يُعْلَمُ ما عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَوْ دخل إلَيْنَا بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ فَاسْتَمَعَ في مَجَالِسَ يَحْصُلُ فيها الْبَيَانُ التَّامُّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ وَلَا يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِحُصُولِ غَرَضِهِ الطَّرَفُ الثَّانِي في أَحْكَامِهَا فَبِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لها نُبَلِّغُهُمْ الْمَأْمَنَ وَنُنْذِرُهُمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بَعْدَ ذلك وَإِنْ كَانُوا بِدَارِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ بِلَا إنْذَارٍ وَبِالصَّحِيحِ يُكَفُّ عَنْهُمْ الْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أو إلَى أَنْ يَنْقُضُوهَا أَيْ الْهُدْنَةَ بِأَنْ يَصْدُرَ منهم ما يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ قال تَعَالَى فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ وقال فما اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لهم وَلَا يَلْزَمُنَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ وَلَا مَنْعُ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهُدْنَةِ الْكَفُّ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ فَإِنْ أَخَذَ الْحَرْبِيُّونَ مَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَظَفِرْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ إلَيْهِمْ لُزُومًا وَإِنْ لم يَلْزَمْنَا اسْتِنْقَاذُهُ كما نَرُدُّهُ على الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَلَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَعَزْلِهِ فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ بَعْدَهُ إمْضَاؤُهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِتَبَيُّنِ فَسَادِهَا أَيْ الْهُدْنَةِ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ أو الْإِجْمَاعِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ أَنْ يَكْتُبَ بها كِتَابًا وَيُشْهِدَ عليها فيه لِيَعْمَلَ بِهِ من بَعْدَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادَرُ من ذلك الِاسْتِحْبَابُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ في شُرُوطِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ فيها لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَذِمَّتِي فَإِنْ أَخَذُوا مَالًا أو سَبُّوا اللَّهَ أو الْقُرْآنَ أو رَسُولَ
____________________
(4/225)
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أو آوَوْا عَيْنًا عليهم أو قَتَلُوا مُسْلِمًا أو تَجَسَّسُوا كَأَنْ كَاتَبُوا أَهْلَ الْحَرْبِ جميعا في الصُّوَرِ كُلِّهَا أو فَعَلَ بَعْضُهُمْ شيئا من ذلك وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عنه انْتَقَضَ الْعَهْدُ وَلَوْ لم يَعْلَمُوهُ نَقْضًا ولم يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِنَقْضِهِ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يَخِلُّ بِالْعَقْدِ وَبَيَّتُوا في بِلَادِهِمْ بِلَا إنْذَارٍ وَإِنْ لم يَعْلَمُوا أَنَّ ما أَتَوْا بِهِ نَاقِضًا لِآيَةِ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ من بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَلِصَيْرُورَتِهِمْ حِينَئِذٍ كما كَانُوا قبل الْمُهَادَنَةِ وَالنَّازِلُ بِنَا أَيْ بِدَارِنَا بِأَمَانٍ أو هُدْنَةٍ نَبْلُغُهُ الْمَأْمَنَ وَلَا نَغْتَالُهُ قبل وُصُولِهِ الْمَأْمَنَ فَإِنْ أَنْكَرَهُ عليهم الْبَاقُونَ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ بِأَنْ اعْتَزَلُوهُمْ أو بَعَثُوا إلَى الْإِمَامِ بِأَنَّا مُقِيمُونَ على الْعَهْدِ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا ثُمَّ نَظَرْت فَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بَيَّتْنَاهُمْ أَيْ مُنْتَقَضِي الْعَهْدَ وَإِلَّا أَنْذَرْنَاهُمْ أَيْ الْبَاقِينَ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْهُمْ أو يُسْلِمُوهُمْ إلَيْنَا فَإِنْ أَبَوْا ذلك مع الْقُدْرَةِ عليه فَنَاقِضُونَ لِلْعَهْدِ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَنَقْضُهُ من الْبَعْضِ ليس نَقْضًا من الْبَاقِينَ بِحَالٍ لِقُوَّتِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ النَّقْضِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ أَيْ وَكُلُّ ما اُخْتُلِفَ في كَوْنِهِ نَاقِضًا في الْجِزْيَةِ نُقِضَ هُنَا قَطْعًا لِضَعْفِ هذا وَقُوَّةِ ذَاكَ وَتَأَكُّدِهِ بِالْجِزْيَةِ فَرْعٌ لو اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ خِيَانَتَهُمْ بِأَمَارَاتٍ تَدُلُّ عليها لَا بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمٍ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ بَلْ يُنْبَذُ إلَيْهِمْ جَوَازًا الْعَهْدُ قال تَعَالَى وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْبَذُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُؤَبَّدٌ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا في قَبْضَتِنَا فَيَسْهُلُ التَّدَارُكُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه جَانِبُهُمْ وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَجَرَوْا في التَّعْلِيلِ الثَّانِي على الْغَالِبِ من كَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِبِلَادِنَا وَأَهْلِ الْهُدْنَةِ بِبِلَادِهِمْ وَاعْتَبَرَ ابن الرِّفْعَةِ في جَوَازِ النَّبْذِ بِالْخَوْفِ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُنْذِرُهُمْ بَعْدَ نَبْذِ عَهْدِهِمْ وَيَبْلُغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ قبل قِتَالِهِمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَفَاءً بِالْعَهْدِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ قبل ذلك وهو أَيْ مَأْمَنُهُمْ دَارُ الْحَرْبِ وَتَبْلِيغُهُمْ إيَّاهُ يَكُونُ بِالْكَفِّ لِلْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ منهم إنْ كان فَرْعٌ يَجِبُ على الَّذِينَ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ الْكَفُّ عن قَبِيحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلُ في حَقِّنَا وَبَذْلُ الْجَمِيلِ مِنْهُمَا فَلَوْ نَقَصُوا الْمُسْلِمِينَ من الْكَرَامَةِ لهم أو الْإِمَامَ من التَّعْظِيمِ له بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُكْرِمُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُ سَأَلَهُمْ عن سَبَبِ ذلك فَإِنْ لم يُقِيمُوا حُجَّةً أَيْ عُذْرًا ولم يَنْتَهُوا نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَنْذَرَهُمْ قبل نَقْضِهِ وَإِنْ أَقَامُوا عُذْرًا يُقْبَلُ مِثْلُهُ قِبَلَهُ فَصْلٌ لو صَالَحَ الْإِمَامُ الْكُفَّارَ أَيْ هَادَنَهُمْ بِشَرْطِ رَدِّ من جاء نَا منهم مُسْلِمًا صَحَّ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ولم يَجُزْ بِذَلِكَ رَدُّ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أو تَزَوَّجَ بِكَافِرٍ وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عن الْهَرَبِ منهم وَأَقْرَبُ إلَى الِافْتِتَانِ وقد قال تَعَالَى إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ الْآيَةَ فَإِنْ صَرَّحَ بِشَرْطِ رَدِّهَا لم يَصِحَّ لِذَلِكَ وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنْ جَاءَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أو أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَجِيئِهَا وَطَالَبَ الزَّوْجُ بِمَهْرِهَا لِارْتِفَاعِ
____________________
(4/226)
نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهَا قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ لم نُعْطِهِ له أَيْ لم يَجِبْ عَلَيْنَا إعْطَاؤُهُ له وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَآتُوهُمْ أَيْ الْأَزْوَاجَ ما أَنْفَقُوا أَيْ من الْمُهُورِ فَهُوَ وَإِنْ كان ظَاهِرًا في وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمِلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ وَرَجَّحُوهُ على الْوُجُوبِ لِمَا قام عِنْدَهُمْ في ذلك وَأَمَّا غُرْمُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم الْمَهْرَ فَلِأَنَّهُ كان قد شَرَطَ لهم رَدَّ من جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً ثُمَّ نُسِخَ ذلك بِقَوْلِهِ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ أَيْ وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ من لم تَزَلْ مَجْنُونَةً فَإِنْ أَفَاقَتْ رَدَدْنَاهَا له لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهَا وَزَوَالِ ضَعْفِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِفَاقَةِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا لم تُفِقْ فَلَا تُرَدُّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في الْمَجْنُونِ وَكَذَا إنْ جَاءَتْ عَاقِلَةً وَهِيَ كَافِرَةٌ سَوَاءٌ أَطَلَبَهَا في الصُّورَتَيْنِ زَوْجُهَا أَمْ مَحَارِمُهَا لَا إنْ أَسْلَمَتْ قبل مَجِيئِهَا أو بَعْدَهُ ثُمَّ جُنَّتْ أو جُنَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ إفَاقَتِهَا وَكَذَا إنْ شَكَكْنَا في أنها أَسْلَمَتْ قبل جُنُونِهَا أو بَعْدَهُ فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ وَلَا نُعْطِيهِ مَهْرَهَا وَلَوْ جَاءَتْ صَبِيَّةٌ مُمَيِّزَةٌ تَصِفُ الْإِسْلَامَ لم نَرُدَّهَا لِأَنَّا وَإِنْ لم نُصَحِّحْ إسْلَامَهَا نَتَوَقَّعُهُ فَيُحْتَاطُ لِحُرْمَةِ الْكَلِمَةِ إلَّا إنْ بَلَغَتْ وَوَصَفَتْ الْكُفْرَ فَنَرُدُّهَا وَلَوْ هَاجَرَ قبل الْهُدْنَةِ أو بَعْدَهَا الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ وَلَوْ مُسْتَوْلِدَةً وَمُكَاتَبَةً ثُمَّ أَسْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَتَقَ لِأَنَّهُ إذَا جاء قَاهِرًا لِسَيِّدِهِ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْقَهْرِ فَيُعْتَقُ وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ فَبِالِاسْتِيلَاءِ على نَفْسِهِ مَلَكَهَا أو أَسْلَمَ ثُمَّ هَاجَرَ قبل الْهُدْنَةِ فَكَذَا يُعْتَقُ لِوُقُوعِ قَهْرِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ أو بَعْدَهَا فَلَا يُعْتَقُ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَلَا يُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ جاء مُسْلِمًا مُرَاغِمًا له وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ وَيُهِينُهُ وَلَا عَشِيرَةَ له تَحْمِيهِ بَلْ يُعْتِقُهُ السَّيِّدُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ بَاعَهُ الْإِمَامُ عليه لِمُسْلِمٍ أو اشْتَرَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ أو دَفَعَ قِيمَتَهُ من بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ عَنْهُمْ وَلَهُمْ وَلَاؤُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ هِجْرَتَهُ إلَيْنَا لَيْسَتْ شَرْطًا في عِتْقِهِ بَلْ الشَّرْطُ فيه أَنْ يَغْلِبَ على نَفْسِهِ قبل الْإِسْلَامِ إنْ كانت هُدْنَةً وَمُطْلَقًا إنْ لم تَكُنْ فَلَوْ هَرَبَ إلَى مَأْمَنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَوْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ أو أَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَهَا عَتَقَ وَإِنْ لم يُهَاجِرْ فَلَوْ مَاتَ قبل هِجْرَتِهِ مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هِجْرَتَهُ لِأَنَّ بها يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَتَبْقَى مُكَاتَبَةً إنْ لم تُعْتَقْ فَإِنْ أَدَّتْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ عَتَقَتْ بها وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ وقد أَدَّتْ شيئا من النُّجُومِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَهُ حُسِبَ ما أَدَّتْهُ من قِيمَتِهَا الْوَاجِبَةِ له فَإِنْ وَفَّى بها أو زَادَ عليها عَتَقَتْ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُرَدُّ عليها من بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا كَالْمُتَبَرِّعَةِ عَنْهُمْ بِهِ وَلِفَوْزِهَا بِالْعِتْقِ في مُقَابَلَتِهِ وَلَا يَسْتَرْجِعُ من سَيِّدِهَا الْفَاضِلَ أَيْ الزَّائِدَ وَإِنْ نَقَصَ عنها وَفَّى من بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ ولا مَجْنُونٌ لِضَعْفِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِشَرْطِ رَدِّهِمَا حتى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أو يُفِيقَ الْمَجْنُونُ وَيَصِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْكُفْرَ أو لم يَصِفْ شيئا فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ لم يُرَدَّ وَإِنْ جاء منهم حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ عَلَيْنَا نَظَرْت فَإِنْ لم تَكُنْ له عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ لم يُرَدَّ وَإِلَّا رُدَّ إنْ طَلَبْته عَشِيرَتُهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمْ كما رَدَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا جَنْدَلٍ رضي اللَّهُ عنه على أبيه سُهَيْلِ بن عَمْرٍو وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يَحْمُونَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَنْفُسُهُمْ يُؤْذُونَهُ بِالتَّقْيِيدِ وَنَحْوِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ تَأْدِيبًا في زَعْمِهِمْ لَا إنْ طَلَبَهُ غَيْرُهُمْ فَلَا يُرَدُّ إلَّا إنْ كان الْمَطْلُوبُ يَقْهَرُهُمْ وَيَنْفَلِتُ منهم فَيُرَدُّ وَعَلَيْهِ حُمِلَ رَدُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جاء في طَلَبَهُ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا في الطَّرِيقِ وَأَفْلَتَ الْآخَرُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَمَّا إذَا لم يَطْلُبْهُ أَحَدٌ فَلَا يُرَدُّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ ما إذَا لم يُشْرَطْ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا وَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ بَلْ له قَتْلُ طَالِبِهِ دَفْعًا عن نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلِذَلِكَ لم يُنْكِرْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على أبي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ وَقَتْلَ طَالِبِهِ
وَلَنَا التَّعْرِيضُ له بِهِ أَيْ بِقَتْلِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ أَنَّ عُمَرَ قال لِأَبِي جَنْدَلٍ حين رُدَّ إلَى أبيه أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ له بِقَتْلِ أبيه وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا الْتَزَمَ بِالْهُدْنَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُمْ وَيَمْنَعَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمْ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ فَأَمَّا من أَسْلَمَ بَعْدُ فلم يَشْرِطْ على نَفْسِهِ شيئا وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ في قَبْضَتِهِ وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيضِ التَّصْرِيحُ فَيَمْتَنِعُ نعم من أَسْلَمَ منهم بَعْدَ الْهُدْنَةِ له أَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُ لم يَشْرِطْ على نَفْسِهِ أَمَانًا لهم وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(4/227)
وَلَا يُمْنَعُ الْإِقَامَةَ عِنْدَنَا بَلْ يُؤْمَرُ بها نَدْبًا سِرًّا بِأَنْ يَقُولَ له الْإِمَامُ سِرًّا لَا تَرْجِعْ وَإِنْ رَجَعْت فَاهْرَبْ إنْ قَدِرْت قال في الْأَصْلِ وَيَقُولُ لِلطَّالِبِ لَا أَمْنَعُك منه إنْ قَدِرْت عليه وَلَا أُعِينُك إنْ لم تَقْدِرْ وَمَعْنَى الرَّدِّ له التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كما في رَدِّ الْوَدِيعَةِ لَا إجْبَارُهُ على الرُّجُوعِ إذْ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ على الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَوْ شَرَطَ في الْعَقْدِ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ الْإِمَامُ إلَيْهِمْ لم يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَعْثِ الرَّدُّ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ في الْهُدْنَةِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ من جَاءَهُ مُسْلِمًا فَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ وَمُقْتَضَى هذا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الطَّلَبُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بهذا الشَّرْطِ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لو طَلَبُوا من جَاءَنَا منهم وهو مُقِيمٌ على كُفْرِهِ مَكَّنَّاهُمْ منه وَأَنَّهُمْ لو كَانُوا شَرَطُوا أَنْ تَقُومَ بِرَدِّهِ عليهم وَفَّيْنَا بِالشَّرْطِ انْتَهَى بِزِيَادَةٍ فَصْلٌ لو عُقِدَتْ أَيْ الْهُدْنَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا من جَاءَهُمْ مِنَّا مُرْتَدًّا صَحَّ وَلَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أو رَقِيقًا فَإِنْ امْتَنَعُوا من رَدِّهِ فَنَاقِضُونَ لِلْعَهْدِ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ أو عُقِدَتْ على أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ وَلَوْ كان الْمُرْتَدُّ امْرَأَةً فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرَطَ ذلك في مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ حَيْثُ قال لِسُهَيْلِ بن عَمْرٍو وقد جاء رَسُولًا منهم من جَاءَنَا مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْنَاهُ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا فَسُحْقًا سُحْقًا وَمِثْلُهُ ما لو أَطْلَقَ الْعَقْدَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَغْرَمُونَ فيها مَهْرَهَا أَيْ الْمُرْتَدَّةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو عَجِيبٌ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي انْفِسَاخَ النِّكَاحِ قبل الدُّخُولِ وَتَوَقُّفَهُ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِلْزَامُهُمْ الْمَهْرَ مع انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أو إشْرَافِهِ على الِانْفِسَاخِ لَا وَجْهَ له وَكَذَا يَغْرَمُونَ قِيمَةَ رَقِيقٍ ارْتَدَّ دُونَ الْحُرِّ فَإِنْ عَادَ الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ إلَيْنَا بَعْدَ أَخْذِنَا قِيمَتَهُ رَدَدْنَاهَا عليهم بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْمَهْرِ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ يَصِيرُ مِلْكًا لهم وَالنِّسَاءُ لَا يَصِرْنَ زَوْجَاتٍ قال وَيَغْرَمُ الْإِمَامُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ ما أَنْفَقَ من صَدَاقِهَا لِأَنَّا بِعَقْدِ الْهُدْنَةِ حُلْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَوْلَاهُ لَقَاتَلْنَاهُمْ حتى يَرُدُّوهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ لِزَوْجِهَا مُفَرَّعًا على الْغُرْمِ لِزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْمُهَاجِرَةِ ولم أَرَهُ مُصَرَّحًا بِهِ وقد يُشْعِرُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى
وَقَوْلُهُ يَصِيرُ مِلْكًا لهم جَارٍ على مُقْتَضَى كَلَامِهِ في الْبَيْعِ من صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْكَافِرِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ في الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ كما مَرَّ ثَمَّ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ ثَمَّ كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ على الْخَيْلِ وَالسِّهَامِ وَنَحْوِهِمَا فَالْمُسَابَقَةُ تَعُمُّ الْمُفَاضَلَةَ قال الْأَزْهَرِيُّ النِّضَالُ في الرَّمْيِ وَالرِّهَانُ في الْخَيْلِ وَالسِّبَاقُ فِيهِمَا وَهِيَ لِقَصْدِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ لِلْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ الْآيَةَ وَفَسَّرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقُوَّةَ فيها بِالرَّمْيِ كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ قال أَجْرَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما ضَمُرَ من الْخَيْلِ من الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وما لم يَضْمُرْ من الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قال سُفْيَانُ من الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أو سِتَّةٌ وَمِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ وَخَبَرِ أَنَسٍ كانت الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ على قَعُودٍ له فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذلك على الْمُسْلِمِينَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ حَقًّا على اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شيئا من هذه الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ وَخَبَرِ سَلَمَةَ بن الْأَكْوَعِ خَرَجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على قَوْمٍ من أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ فقال ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فإن أَبَاكُمْ كان رَامِيًا رَوَاهَا
____________________
(4/228)
الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ لَا سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أو حَافِرٍ أو نَصْلٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ يُرْوَى سَبْقُ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرًا وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ الذي يُدْفَعُ إلَى السَّابِقِ قال في الرَّوْضَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرْكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أو قد عَصَى وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في السَّبَقِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في شُرُوطِهِ وَهِيَ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عليه عُدَّةً لِلْقِتَالِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه التَّأَهُّبُ لِلْقِتَالِ وَبِهَذَا قال الصَّيْمَرِيُّ لَا يَجُوزُ السَّبَقُ وَالرَّمْيُ من النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ أَهْلًا لِلْحَرْبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا فَقَدْ رَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَائِشَةَ سَابَقَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَصْلُ في السَّبَقِ الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ الْمَرْكُوبَةُ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ وَلِأَنَّهَا التي يُقَاتَلُ عليها غَالِبًا وَتَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَيُفَارِقُ ذلك عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ رَاكِبِ الْإِبِلِ السَّهْمَ الزَّائِدَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ في الْخَيْلِ من الِانْعِطَافِ وَالِالْتِوَاءِ وَسُرْعَةِ الْإِقْدَامِ أَكْثَرُ منها في الْإِبِلِ وَخَرَجَ بِالْمَرْكُوبَةِ غَيْرُهَا كَالصَّغِيرَةِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قال الدَّارِمِيُّ وَاَلَّذِي تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عليه من الْخَيْلِ قِيلَ الذي يُسْهَمُ له وهو الْجَذَعُ أو الثَّنْيُ وَقِيلَ وَإِنْ كان صَغِيرًا فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَرْكُوبَةِ في الْإِبِلِ وَتَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ في الْخَيْلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ السَّبْقُ على الْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالرَّمْيُ بِأَنْوَاعِ الْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ وَلَوْ بِمِسَلَّاتٍ وَإِبَرٍ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ وَكَذَا الْمَزَارِيقُ وَهِيَ الرِّمَاحُ الْقَصِيرَةُ وَالزَّانَاتُ بِالزَّايِ وَالنُّونِ وَهِيَ التي لها رَأْسٌ دَقِيقٌ وَحَدِيدَتُهَا عَرِيضَةٌ تَكُونُ مع الدَّيْلَمِ وَهُمْ جِيلٌ من الناس كما في الصِّحَاحِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَسْلِحَةٌ يَرْمِي بها وَيَبْتَغِي بها الْإِصَابَةَ كَالسِّهَامِ وَرَمْيُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ وَالْمِقْلَاعِ وَالْمَنْجَنِيقِ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ في الْحَرْبِ بِخِلَافِ إشَالَتِهِ بِالْيَدِ وَيُسَمَّى الْعِلَاجَ وَبِخِلَافِ الْمُرَامَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ أو السَّهْمَ إلَى الْآخَرِ وَتُسَمَّى الْمُدَاحَاةَ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَعَانِ في الْحَرْبِ وَالتَّرَدُّدُ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ يَنْفَعُ في الْحَرْبِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ وَحِذْقٍ وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ على الْأَقْدَامِ وَالسِّبَاحَةُ في الْمَاءِ وَالزَّوَارِقُ وَالْبَقَرُ وَنَحْوُهَا كَالْكِلَابِ وَالطُّيُورُ وَالصِّرَاعُ وَالْمُشَابَكَةُ بِالْيَدِ وَكُلُّ ما يَنْفَعُ في الْحَرْبِ كَلِعْبِ شِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ وَكُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَرَمْيٍ بِبُنْدُقٍ وَوُقُوفٍ على رِجْلٍ وَمَعْرِفَةِ ما في يَدٍ من شَفْعٍ وَوَتْرٍ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسَابَقَ هو وَعَائِشَةُ على الْأَقْدَامِ وَقِيسَ بِهِ الْبَقِيَّةُ أَمَّا بِعِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من آلَاتِ الْقِتَالِ وَلِأَنَّ الزَّوَارِقَ سَبْقُهَا بِالْمَلَّاحِ لَا بِمَنْ يُقَاتِلُ فيها وَالتَّجْوِيزُ بِلَا عِوَضٍ في الْبَقَرِ وَالتَّرْجِيحُ في الْمُشَابَكَةِ من زِيَادَتِهِ لَا على مُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ فَلَا تَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا سَفَهٌ وَكَذَا على الْغَطْسِ في الْمَاءِ إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ في الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ الشَّرْطُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْمَوْقِفِ الذي يَجْرِيَانِ منه وَالْغَايَةُ التي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا فَلَوْ شَرَطَا تَقَدُّمَ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أو تَقَدُّمَ غَايَتِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ فَرُوسِيَّةِ الْفَارِسِ وَجَوْدَةِ سَيْرِ الْفَرَسِ وَلَا يُعْرَفُ ذلك مع تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ السَّبَقَ حِينَئِذٍ لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الْفَرَسِ فَلَوْ أَهْمَلَا الْغَايَةَ وَشَرَطَ أَنَّ الْمَالَ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أو عَيَّنَا الْغَايَةَ وَقَالَا إنْ اتَّفَقَ السَّبَقُ في وَسَطِ الْمَيْدَانِ لِوَاحِدٍ مِنَّا كان فَائِزًا بِالسَّبَقِ لم يَصِحَّ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُمَا قد يُدِيمَانِ السَّيْرَ حِرْصًا على الْمَالِ فَيُتْعَبَانِ وَتَهْلِكَ الدَّابَّةُ وَلِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الدَّوَابِّ في قُوَّةِ السَّيْرِ في الِابْتِدَاءِ وَبَعْدَهُ فَتَعَيَّنَتْ الْمَعْرِفَةُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ كما في الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّا لو اعْتَبَرْنَا السَّبَقَ في خِلَالِ الْمَيْدَانِ لَاعْتَبَرْنَاهُ بِلَا غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ قد يُسْبَقُ ثُمَّ يَسْبِقُ وَالْعِبْرَةُ بِآخِرِ الْمَيْدَانِ وَلَوْ قالوا الْأَنْسَبُ قَالَا بَعْدَ أَنْ عَيَّنَا غَايَةَ السَّبَقِ إلَى هذه الْغَايَةِ فَإِنْ تَسَاوَيَا فيه فَإِلَى غَايَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا مُتَّفَقٌ عليها بَيْنَهُمْ جَازَ لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ الثَّالِثُ فِيمَا إذَا عَقَدَ
____________________
(4/229)
بِعِوَضٍ الْمَالَ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ كَكَلْبٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ هذا مُكَرَّرٌ فإنه ذَكَرَهُ في الشَّرْطِ التَّاسِعِ وَأَنْ يَحْصُلَ كُلُّهُ وَأَكْثَرُهُ لِلسَّابِقِ فَإِنْ تَسَابَقَا وَالْمَالُ من غَيْرِهِمَا مَثَلًا وَجَعَلَهُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا فَذَاكَ ظَاهِرٌ وَلَوْ جَعَلَ لِلثَّانِي مِنْهُمَا أَقَلَّ من الْأَوَّلِ جَازَ لِأَنَّهُ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ في السَّبَقِ لِيَفُوزَ بِالْأَكْثَرِ لَا إنْ جَعَلَ له مثله وَلَا أَكْثَرَ منه أو جَعَلَهُ كُلَّهُ له كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَلَا يَجُوزُ وَإِلَّا لم يَجْتَهِدْ أَحَدٌ في السَّبَقِ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا وَشَرَطَ الْمَالَ بَاذِلُهُ لِلْأَوَّلِ دُونَهُمْ الْأَوْلَى دُونَ الْآخَرِينَ جَازَ لِأَنَّ كُلًّا منهم يَجْتَهِدُ في السَّبَقِ لِيَفُوزَ بِالْمَالِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ لِلثَّانِي أَقَلَّ من الْأَوَّلِ حتى لو كَانُوا أَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَضِّلَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي الْأَكْثَرَ أو الْكُلَّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لم يَجُزْ لِمَا مَرَّ في الِاثْنَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الثَّانِي وَكَأَنَّهُ لم يَكُنْ أو شَرَطَ له كَالْأَوَّلِ أَيْ مثله جَازَ لِأَنَّ كُلًّا منهم يَجْتَهِدُ هُنَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أو ثَانِيًا وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ عَدَمُ جَوَازِ ذلك لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لم يَجْتَهِدْ أَحَدٌ في السَّبْقِ وَيُمْنَعُ الْبَاذِلُ لِلْمَالِ الثَّالِثَ أو يُنْقِصُهُ عن الثَّانِي فَلَا يَشْتَرِطُ له مثله وَلَا أَكْثَرَ منه فَلَوْ مَنَعَ الثَّانِيَ وَشَرَطَ لِلْآخَرَيْنِ كَأَنْ شَرَطَ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَلِلثَّالِثِ تِسْعَةً فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ الثَّالِثَ الْمُسَمَّى بِالْفِسْكِلِ كما يَأْتِي يَفْضُلُ من قَبْلَهُ وَأَصَحُّهُمَا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ الْجَوَازُ وَيُقَامُ الثَّالِثُ مَقَامَ الثَّانِي وَكَأَنَّ الثَّانِيَ لم يَكُنْ فَبُطْلَانُ الْمَشْرُوطِ في حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ في حَقِّ غَيْرِهِ كما سَيَأْتِي ثَمَّ وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْلَ السِّبَاقِ يُقَالُ لِلْجَائِي منها أَوَّلًا السَّابِقُ وَالْمُجْلِي وَثَانِيًا الْمُصَلِّي وَثَالِثًا الْمُسَلِّي وَرَابِعًا التَّالِي وَخَامِسًا الْعَاطِفُ وَيُقَالُ الْبَارِعُ وَسَادِسًا الْمُرْتَاحُ وَسَابِعًا الْمُرَمِّلُ بِالرَّاءِ وَيُقَالُ الْمُؤَمِّلُ بِالْهَمْزِ وَثَامِنًا الْخَطِّيُّ وَتَاسِعًا اللَّطِيمُ وَعَاشِرًا السُّكَيْتُ مُخَفَّفًا كَالْكُمَيْتِ وَمُثْقَلًا أَيْضًا وَيُقَالُ له الْفِسْكِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهِمَا وَقِيلَ فِيهِمَا غَيْرُ ذلك وَمِنْهُمْ من زَادَ حَادِيَ عَشَرَ سَمَّاهُ الْمُقَرْدِحَ وَالْفُقَهَاءُ قد يُطْلِقُونَهَا على رِكَابِ الْخَيْلِ فَرْعٌ لو قال وَاحِدٌ من سَبَقَ من هَؤُلَاءِ فَلَهُ كَذَا فَجَاءُوا مَعًا وَتَأَخَّرَ وَاحِدٌ منهم اسْتَحَقُّوهُ دُونَهُ فَإِنْ لم يَتَأَخَّرْ منهم أَحَدٌ فَلَا شَيْءَ لهم كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قال لِلْأَوَّلِ دِينَارٌ وَلِلثَّانِي نِصْفٌ من دِينَارٍ فَسَبَقَ وَاحِدٌ وَجَاءَ الْبَاقُونَ مَعًا أَخَذَ أَيْ الْوَاحِدُ الدِّينَارَ وَأَخَذُوا أَيْ الْبَاقُونَ النِّصْفَ وَإِنْ جَاءُوا مَعًا فَلَا شَيْءَ لهم وَإِنْ سَبَقَ ثَلَاثَةٌ منهم بِأَنْ جَاءُوا مَعًا وَتَأَخَّرَ وَاحِدٌ فَلِلثَّلَاثَةِ دِينَارٌ وَلِلْوَاحِدِ نِصْفٌ التَّصْرِيحُ بِهَذِهِ من زِيَادَتِهِ أو قال كُلُّ من سَبَقَ فَلَهُ دِينَارٌ فَسَبَقَ ثَلَاثَةٌ فَلِكُلٍّ منهم دِينَارٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُحَلِّلٌ إذَا شَرَطَ كُلٌّ منهم الْغُنْمَ وَالْغُرْمَ وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ يُحَلِّلُ الْعَقْدَ وَيُخْرِجُهُ عن صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمَالَ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ وَشَرَطَهُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا جَازَ لِانْتِفَاءِ صُورَةِ الْقِمَارِ وَإِنْ أَخْرَجَاهُ مَعًا على أَنَّ السَّابِقَ مِنْهُمَا يَأْخُذُ الْمَالَيْنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَرَدِّدٌ بين أَنْ يَغْنَمَ وَأَنْ يَغْرَمَ وهو على صُورَةِ الْقِمَارِ إلَّا بِمُحَلِّلٍ مُكَافِئٍ فَرَسُهُ لِفَرَسَيْهِمَا يَغْنَمُ إنْ سَبَقَ وَلَا يَغْرَمُ إنْ سُبِقَ فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عن صُورَةِ الْقِمَارِ وَلِخَبَرِ من أَدْخَلَ فَرَسًا بين فَرَسَيْنِ وقد أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَهُوَ قِمَارٌ وَإِنْ لم يُؤْمَنْ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَلَيْسَ بِقِمَارٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ لَا يَسْبِقُ يَكُونُ قِمَارًا فإذا لم يَكُنْ مَعَهُمَا الثَّالِثُ فَأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَإِنْ لم يَكُنْ فَرَسُهُ مُكَافِئًا لِفَرَسَيْهِمَا بِأَنْ كان ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ أو فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لم يَجُزْ لِوُجُودِ صُورَةِ الْقِمَارِ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ وَسَيَأْتِي هذا مع زِيَادَةٍ في الشَّرْطِ الْخَامِسِ أَيْضًا وَذِكْرُهُ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ شَرَطَ لِلْمُحَلِّلِ الْكُلَّ إنْ سَبَقَ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَأَنَّ السَّابِقَ مِنْهُمَا يَأْخُذُ مَالَهُ فَقَطْ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ شَرَطَ لِلْمُحَلِّلِ الْكُلَّ وَأَنَّ السَّابِقَ مِنْهُمَا يَأْخُذُهُ جَازَ أَيْضًا كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ وَالسَّابِقُ يُطْلَقُ على السَّابِقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَوْ جاء الْمُحَلِّلُ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الثَّالِثُ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ الْجَمِيعَ وَإِنْ جاء أَحَدُهُمَا مع الْمُحَلِّلِ أَحْرَزَ مَالَهُ ثُمَّ يُشَارِكُ الْمُحَلِّلَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ فَلَوْ تَوَسَّطَ الْمُحَلِّلُ بَيْنَهُمَا حَازَ الْأَوَّلُ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ السَّابِقُ فَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا أَحْرَزَا مَالَهُمَا أَيْ أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالَهُ وَلَا شَيْءَ له على الْآخَرِ وَيَجُوزُ مُحَلِّلَانِ فَأَكْثَرُ فَلَوْ تَسَابَقَ اثْنَانِ وَمُحَلِّلَانِ فَسَبَقَ مُحَلِّلٌ ثُمَّ مُتَسَابِقٌ ثُمَّ الْمُحَلِّلُ الثَّانِي ثُمَّ الْمُتَسَابِقُ الثَّانِي أو جاء أَحَدُهُمَا ثُمَّ مُحَلِّلٌ ثُمَّ الْمُحَلِّلُ الْآخَرُ فَالْجَمِيعُ
____________________
(4/230)
لِلسَّابِقِ الْأَوَّلِ الشَّرْطُ الْخَامِسُ إمْكَانُ سَبْقِ كُلٍّ من الْمُتَسَابِقَيْنِ وَالْمُحَلِّلِ فَلَوْ نَدَرَ الْإِمْكَانَ لم يَجُزْ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّسَابُقِ تُوقِعُ سَبْقَ كُلٍّ لِيَسْعَى فَيَتَعَلَّمُ أو يُتَعَلَّمُ منه فَلَا يَكْفِي الِاحْتِمَالُ النَّادِرُ كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وقال الْإِمَامُ لو أَخْرَجَ الْمَالَ من يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ جَازَ لِأَنَّهُ كَالْبَاذِلِ جُعْلًا في نَحْوِ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ ارْمِ كَذَا فَإِنْ أَصَبْت منه كَذَا فَلَكَ هذا الْمَالُ وَكَذَا لو أَخْرَجَهُ من يُقْطَعُ بِسَبْقِهِ وَهَذِهِ مُسَابِقَةٌ بِلَا مَالٍ وَلَوْ أَخْرَجَاهُ مَعًا وَلَا مُحَلِّلَ وَأَحَدُهُمَا يُقْطَعُ بِسَبْقِهِ فَالسَّابِقُ مُحَلِّلٌ أَيْ كَالْمُحَلِّلِ لِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ شيئا وَشَرْطُ الْمَالِ من جِهَتِهِ لَغْوٌ وهو أَيْ ما قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ وَلَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ الْأَوْلَى النَّوْعُ كَعَتِيقٍ وَهَجِينٍ من الْخَيْلِ وَنَجِيبٍ وَبُخْتِيٍّ من الْإِبِلِ جَازَ السِّبَاقُ عَلَيْهِمَا إذَا لم يَنْدُرْ سَبْقُ أَحَدِهِمَا كما في النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا حِمَارٌ وَبَغْلٌ لِتَقَارُبِهِمَا لَا إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ الْأَوْلَى الْجِنْسُ كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ أو فَرَسٍ وَحِمَارٍ وَلَوْ أَمْكَنَ سَبْقُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْبَعِيرَ وَالْحِمَارَ لَا يُلْحِقَانِ الْفَرَسَ غَالِبًا الشَّرْطُ السَّادِسُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ سَيْرِهِمَا وهو يَقْتَضِي التَّعْيِينَ وَلَوْ كان تَعْيِينُهُمَا بِالْوَصْفِ كما في الرِّبَا وَالسَّلَمِ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْمُشَارِ إلَيْهِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ اخْتِيَارُهُ لَا بِمَوْتِ الْمَوْصُوفِ كَالْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَرْكُوبَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعَيُّنِ لَا بِالْوَصْفِ فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ في الثَّانِي وفي مَعْنَى الْمَوْتِ الْعَمَى وَذَهَابُ الْيَدِ أو الرِّجْلِ السَّابِعُ أَنْ يَرْكَبَا الْمَرْكُوبَيْنِ لِلْمُسَابَقَةِ وَلَا يُرْسِلَا هُمَا فَلَوْ شَرَطَا إرْسَالَهُمَا لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمَا يَنْفِرَانِ بِهِ وَلَا يَقْصِدَانِ الْغَايَةَ بِخِلَافِ الطُّيُورِ إذَا جَوَّزْنَا الْمُسَابَقَةَ عليها لِأَنَّ لها هِدَايَةً إلَى قَصْدِ الْغَايَةِ الثَّامِنُ أَنْ لَا تَقْطَعَهُمَا أَيْ الْمَرْكُوبَيْنِ الْمَسَافَةَ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِلَا انْقِطَاعٍ وَتَعَبٍ وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ التَّاسِعُ كَوْنُ الْمَالِ عَيْنًا أو دَيْنًا مَعْلُومًا كَالْأُجْرَةِ فَلَوْ شَرَطَا مَالًا مَجْهُولًا كَثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أو دِينَارٍ إلَّا ثَوْبًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فَإِنْ كان لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ مَالٌ في الذِّمَّةِ وَجَعَلَاهُ عِوَضًا بِأَنْ قال له إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ الدَّيْنُ الذي لي عَلَيْك فَوَجْهَانِ بِنَاءً على جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عنه فَيَجُوزُ وَلِلْأَجْنَبِيِّ إذَا أَخْرَجَ الْمَالَ أَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا إذَا سَبَقَ أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ إذَا سَبَقَ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُتَسَابِقَانِ فَلِأَحَدِهِمَا إخْرَاجُ أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَلَا بُدَّ من مُحَلِّلٍ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ اشْتِرَاطُ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ في مَخْرَجِ الْمَالِ دُونَ الْآخَرِ وَالْأَرْجَحُ اعْتِبَارُ إسْلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ولم أَرَ من ذَكَرَهُ انْتَهَى
وفي الثَّانِي وَقْفَةٌ الْعَاشِرُ اجْتِنَابُ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَإِنْ قال إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ هذا الدِّينَارُ وَلَا أَرْمِي أو لَا أُسَابِقُك بَعْدَهَا أو لَا أُسَابِقُك إلَى شَهْرٍ بَطَلَ الْعَقْدُ كما لو بَاعَهُ شيئا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلِأَنَّهُ شَرْطُ تَرْكِ قُرْبَةٍ مَرْغُوبٍ فيها فَفَسَدَ وَأَفْسَدَ الْعَقْدَ وَكَذَا يَبْطُلُ لو شَرَطَ على السَّابِقِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَيْ الْمَالَ أَصْحَابَهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كما لو بَاعَهُ شيئا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَصْلٌ اعْتِبَارُ السَّبَقِ في الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا بِالْعُنُقِ وَيُسَمَّى الْهَادِيَ وفي الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا بِالْكَتَدِ بِفَتْحِ التَّاءِ أَشْهَرُ من كَسْرِهَا وهو مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ بين أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ وَيُسَمَّى الْكَاهِلَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَيْلَ تَمُدُّ أَعْنَاقَهَا في الْعَدْوِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا تَرْفَعُهَا فيه فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا فَالْمُتَقَدِّمُ بِبَعْضِ الْعُنُقِ أو الْكَتَدِ سَابِقٌ فَإِنْ طَالَ عُنُقُ السَّابِقِ من الْفَرَسَيْنِ اُعْتُبِرَ في السَّبَقِ زِيَادَةٌ منه على قَدْرِ الْآخَرِ
____________________
(4/231)
فَرْعٌ لو سَبَقَ أَحَدُهُمَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَسَطَ الْمَيْدَانِ وَالثَّانِي آخِرَهُ فَالسَّابِقُ الثَّانِي لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِآخِرِهِ وَإِنْ عَثَرَ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ أو وَقَفَ بَعْدَ ما جَرَى لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ فَسُبِقَ فَلَا سَبْقٌ أو وَقَفَ بِلَا عِلَّةٍ فَمَسْبُوقٌ لَا إنْ وَقَفَ قبل أَنْ يَجْرِيَ فَلَيْسَ مَسْبُوقًا سَوَاءٌ أَوَقَفَ لِمَرَضٍ أَمْ غَيْرِهِ وَلَوْ شَرَطَا السَّبَقَ بِفَتْحِ الْبَاءِ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا بِأَذْرُعٍ مَعْلُومَةٍ بَيْنَهُمَا على مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ جَازَ وَالْغَايَةُ في الْحَقِيقَةِ نِهَايَةُ الْأَذْرُعِ الْمَشْرُوطَةِ من ذلك الْمَوْضِعِ لَكِنَّهُ شَرَطَ في الِاسْتِحْقَاقِ تَخَلُّفَ الْآخَرِ عنها بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَلِيَجْرِيَا أَيْ الْمُتَسَابِقَانِ بِالْمَرْكُوبَيْنِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ بَعْدَ التَّسَاوِي في الْأَقْدَامِ بِالْمَوْقِفِ وَالتَّصْرِيحُ بِاعْتِبَارِ التَّسَاوِي في ذلك من زِيَادَتِهِ هُنَا وفي تَعْبِيرِهِ كَغَيْرِهِ بِالْأَقْدَامِ تَجَوُّزٌ فَلَوْ عَبَّرَ بِالْقَوَائِمِ كان أَوْلَى وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُ قَصَبَةٍ في الْغَايَةِ يَأْخُذُهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ يَقْطَعُهَا السَّابِقُ لِيَظْهَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْقُهُ الطَّرَفُ الثَّانِي في أَحْكَامِهَا أَيْ الْمُسَابَقَةِ عَقْدُهَا لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فيه الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عليه من الْجَانِبَيْنِ وَاللُّزُومُ في حَقِّ مُخْرِجِ الْمَالِ وَلَوْ غير الْمُتَسَابِقَيْنِ فَقَطْ أَيْ دُونَ من لم يُخْرِجْهُ مُحَلِّلًا كان أو غَيْرَهُ فَلَا لُزُومَ في الْمُسَابَقَةِ بِلَا عِوَضٍ وَلِمَنْ كان الْعَقْدُ في حَقِّهِ جَائِزًا فَسْخُهُ وَلَوْ بِلَا عَيْبٍ دُونَ من كان في حَقِّهِ لَازِمًا فَلَا يُفْسَخُ إلَّا بِسَبَبٍ كما قال وَيُفْسَخُ بِعَيْبٍ ظَهَرَ في الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ كما في الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا أو بِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ له على الْفَسْخِ وَلَا يَتْرُكُ الْعَمَلَ إلَّا إنْ سَبَقَ وَامْتَنَعَ لُحُوقُ الْآخَرِ له لِأَنَّ الْحَقَّ له فَلَهُ تَرْكُهُ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَيُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْعَقْدِ الْقَبُولُ بِالْقَوْلِ إنْ سَبَّقَ أَحَدُهُمَا بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ أَخْرَجَ السَّبَقَ بِفَتْحِهَا وَظَاهِرُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيمَا لو سَبَّقَا مَعًا فَلَوْ تَرَكَ التَّقْيِيدَ كان أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَلَا بُدَّ من الْقَبُولِ لَفْظًا وَلَا يُكَلَّفُ الْمُسَبِّقُ بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا الْبُدَاءَةُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ تُسَلَّمُ لِلْمُكْرِي بِالْعَقْدِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ في الْمُسَابَقَةِ خَطَرًا فَيَبْدَأُ فيها بِالْعَمَلِ وَيَصِحُّ ضَمَانُ السَّبَقِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّهْنُ بِهِ وَلَوْ قبل الْعَمَلِ إنْ كان الْعِوَضُ في الذِّمَّةِ كَالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ ما إذَا كان مُعَيَّنًا نعم يَجُوزُ لِلْكَفِيلِ الْتِزَامُ تَسْلِيمِهِ كما في كَفَالَةِ الْبَدَنِ وَإِنْ كان الْعِوَضُ عَيْنًا لَزِمَ الْمُسَبِّقَ تَسْلِيمُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَحَبَسَهُ عليه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإن تَلِفَتْ في يَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ ضُمِنَتْ عليه كَالْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ في يَدِ الْبَائِعِ قبل تَسْلِيمِهِ أو قَبْلَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَالْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ لَا إنْ مَرِضَتْ يَعْنِي تَعَيَّبَتْ بِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَلْ يُنْتَظَرُ زَوَالُهُ أَيْ الْعَيْبِ كَالْمَبِيعِ وَيَنْبَغِي فيه ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَقَدَ الْمُسَابَقَةَ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا فَجَمْعُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ في صَفْقَةٍ فَيَصِحُّ بِنَاءً على أَنَّ الْمُسَابَقَةَ لَازِمَةٌ وَإِنْ بَانَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْعَمَلِ فَاسِدًا فَلِلسَّابِقِ الْمَشْرُوطُ له الْمَالُ على الْمُلْتَزِمِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ الْفَاسِدَيْنِ وَهِيَ ما يُتَسَابَقُ بمثله في مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ غَالِبًا فَلَوْ فَسَدَ عِوَضُ السَّابِقِ الْأَوَّلِ مَثَلًا اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ولم يَبْطُلْ مُسَمَّى من بَعْدَهُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَشْرُوطِ له زَائِدًا على أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِهِ الْبَابُ الثَّانِي في الرَّمْيِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في شُرُوطِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ الْمُحَلِّلُ كما مَرَّ بَيَانُهُ في السَّبَقِ وَالْحِزْبَانِ في ذلك كَالشَّخْصَيْنِ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمَالَ أَحَدُهُمَا أو أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَإِنْ أَخْرَجَاهُ اُشْتُرِطَ مُحَلِّلٌ إمَّا وَاحِدٌ أو حِزْبٌ وَالْمُحَلِّلُ يَكُونُ من غَيْرِهِمَا هذا مَعْلُومٌ من التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْحِزْبَانِ على أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَيْ من أَحَدِهِمَا إذَا غَنِمَ حِزْبُهُ يَغْنَمُ مَعَهُمْ وَلَا يَغْرَمُ شيئا إذَا غَرِمُوا أو اشْتَمَلَ كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمَا على مُحَلِّلٍ هَكَذَا أَيْ على هذا التَّصْوِيرِ لم يَجُزْ إذْ شَرْطُ الْمُحَلِّلِ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ أَصْحَابُهُ في الْمَالِ وَهُنَا يُشَارِكُونَهُ فيه فَإِنْ شَرَطَ كُلٌّ منهم الْأُولَى مِنْهُمَا أَيْ من الْحِزْبَيْنِ الْمَالَ كُلَّهُ لِمُحَلِّلِهِمْ إنْ غَلَبُوا لم يَجُزْ لِأَنَّهُ يَكُونُ فَائِزًا لِغَيْرِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا لو شَرَطَهُ أَحَدُهُمَا الشَّرْطُ الثَّانِي اتِّحَادُ الْجِنْسِ لِآلَاتِ الرَّمْيِ فَلَوْ كانت سِهَامًا وَمَزَارِيقَ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ كما في الْمُسَابَقَةِ على الْخَيْلِ مع الْإِبِلِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نَوْعٍ
____________________
(4/232)
كَالْقَوْسِ الْعَرَبِيِّ مع الْقَوْسِ الْفَارِسِيِّ وَكَالنَّبْلِ وهو ما يُرْمَى بِهِ عن الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ مع النُّشَّابِ وهو ما يُرْمَى بِهِ عن الْفَارِسِيَّةِ كَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَمِنْ النَّوْعِ أَيْ أَنْوَاعِ الْقِسِيِّ قَوْسُ الْحُسْبَانِ وقد مَرَّ بَيَانُهُ في الْوَصَايَا ثُمَّ إنْ عَيَّنَا أَيْ الْمُتَنَاضَلَانِ نَوْعًا من الطَّرَفَيْنِ أو أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ولم يُبَدَّلْ فَإِنْ أُبْدِلَ وَلَوْ بِدُونِ الشَّرْطِ كما إذَا عَيَّنَا الْفَارِسِيَّةَ فَأُبْدِلَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ لم يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كان اسْتِعْمَالُهُ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَرَمْيُهُ بِهِ أَجْوَدَ وَإِنْ عَيَّنَا قَوْسًا أو سَهْمًا لم يَتَعَيَّنْ وَجَازَ إبْدَالُهُ بمثله من نَوْعِهِ وَإِنْ لم يَحْدُثْ فيه خَلَلٌ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهُ بِخِلَافِ الْفَرَسِ الْمُعَيَّنِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ كما مَرَّ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُبَدَّلَ فَسَدَ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الرَّامِي قد تَعْرِضُ له أَحْوَالٌ خَفِيَّةٌ تَحُوجُهُ إلَى الْإِبْدَالِ وفي مَنْعِهِ منه تَضْيِيقٌ لَا فَائِدَةَ فيه فَأَشْبَهَ تَعْيِينَ الْمِكْيَالِ في السَّلَمِ وَلَوْ أَطْلَقَا الْعَقْدَ ولم يُعَيِّنَا نَوْعًا جَازَ وَإِنْ لم يَغْلِبْ نَوْعٌ في الْمَوْضِعِ الذي يَتَرَامَوْنَ فيه لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ على الرَّامِي وَفَسَخَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَفُسِخَ الْعَقْدُ في هذه إنْ لم يَتَّفِقَا على نَوْعٍ أو على نَوْعَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَوْعٌ بِأَنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا نَوْعًا وَالْآخَرُ آخَرَ وَأَصَرَّا على الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ اتَّفَقَا على ذلك جَازَ كما في الِابْتِدَاءِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ تَكَافُؤُهُمَا أَيْ تَقَارُبُ الْمُتَنَاضَلَيْنِ في الْحَذْفِ بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَاضِلًا وَمَنْضُولًا فَإِنْ تَفَاوَتَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا مُصِيبًا في أَكْثَرِ رَمْيِهِ وَالْآخَرُ مُخْطِئًا في أَكْثَرِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّ حَذْفَ النَّاضِلِ مَعْلُومٌ بِلَا نِضَالٍ فَأَخْذُهُ الْمَالَ كَأَخْذِهِ بِلَا نِضَالٍ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَيْهِ وَإِمْكَانُ الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ إنْ امْتَنَعَتْ الْإِصَابَةُ عَادَةً لِصِغَرِ الْغَرَضِ أو بُعْدِ الْمَسَافَةِ أو كَثْرَةِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ وذلك مِثْلُ إصَابَةِ عَشَرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ لِأَنَّ ذلك لَا يُفْضِي إلَى مَقْصُودِهِ إذْ الْمَقْصُودُ من بَذْلِ الْمَالِ الْحَثُّ على الْمُرَامَاةِ طَمَعًا في الْمَالِ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يُسْعَى فيه وَكَذَا يَبْطُلُ لو نَدَرَتْ أَيْ الْإِصَابَةُ كَإِصَابَةِ تِسْعَةٍ من عَشَرَةٍ وَكَالتَّنَاضُلِ إلَى مَسَافَةٍ يَنْدُرُ فيها الْإِصَابَةُ وَالتَّنَاضُلِ في اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَإِنْ كان الْغَرَضُ قد يَتَرَاءَى لَهُمَا لِبُعْدِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالتَّمْثِيلُ الْمَذْكُورُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَيَقَّنَتْ أَيْ الْإِصَابَةُ عَادَةً كَإِصَابَةِ حَاذِقٍ وَاحِدًا من مِائَةٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا الْعَقْدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فيه خَطَرٌ لِيَتَأَنَّقَ الرَّامِي في الْإِصَابَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِيَتَعَلَّمَ الرَّمْيَ بِمُشَاهَدَةِ رَمْيِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَالْبُلْقِينِيُّ الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْإِعْلَامُ بِأُمُورٍ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِهَا فَيُبَيِّنَانِ عَدَدَ الْإِصَابَةِ كَخَمْسَةٍ من عِشْرِينَ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِصَابَةِ وَبِهَا يَتَبَيَّنُ حِذْقُ الرَّامِي وَجَوْدَةُ رَمْيِهِ ويبينان صِفَتَهَا من الْقَرْعِ وهو الْإِصَابَةُ وَلَوْ بِلَا خَدْشٍ وَالْخَزْقَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ وهو أَنْ يَثْقُبَ الْغَرَضَ وَلَا يَثْبُتَ فيه بِأَنْ يَعُودَ أو يَمْرُقَ وَالْخَسْقَ وهو أَنْ يَثْبُتَ فيه بِمَعْنَى أَنَّهُ كَافٍ فَلَا يَضُرُّ ما فَوْقَهُ ما دُونَهُ وَلَا يَضُرُّ سُقُوطُهُ بَعْدَ ما ثَبَتَ كما لو نَزَعَ بِقِرْبَةٍ ما سَيَأْتِي في الطَّرَفِ الثَّانِي وَالْخُرْمَ وهو أَنْ يَخْرِمَ طَرَفَ الْغَرَضِ وَالْمَرَقَ بِالرَّاءِ وهو أَنْ يَثْقُبَهُ ويخرج من الْجَانِبِ الْآخَرِ وَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ لِلْعَقْدِ وَيَقْنَعُ بِوَاحِدٍ منها فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ منها وَإِنْ نَصَّ على شَيْءٍ منها تَعَيَّنَ هو أو ما فَوْقَهُ وَأَمَّا الْمَسَافَةُ التي يَرْمِيَانِ فيها أَيْ بَيَانُهَا وَبَيَانُ طُولِ الْغَرَضِ وَعَرْضِهِ وَارْتِفَاعِهِ من الْأَرْضِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلرُّمَاةِ عُرْفٌ غَالِبٌ في ذلك وَجَبَ بَيَانُهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَيَانُهُ بَلْ يُتَّبَعُ الْعُرْفُ فيه كَمَوَاضِعِ النُّزُولِ بِالطَّرِيقِ وَالْمَغَالِيقِ في اسْتِئْجَارِ الدَّارِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَرَضُ على هَدَفٍ أَمْ لَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ قد ذَكَرَ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَوْعِ ما يَرْمِي بِهِ كَالْقَوْسِ الْعَرَبِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَإِنْ لم يَغْلِبْ نَوْعٌ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا وَأَطْلَقَ أَيْضًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ عَدَدِ الرَّمْيِ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَذَكَرَ في اشْتِرَاطِ الْبَادِئِ نَحْوَهُ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِكُلٍّ من الْمَوْضِعَيْنِ وَالْمُتَّجَهُ اسْتِوَاءُ الْجَمِيعِ في اعْتِبَارِ الْعَادَةِ أو عَدَمِهَا نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ في كَلَامِهِ على الْأَصْلِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ في الْأَخِيرَيْنِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ ما يَرْمِي بِهِ وَأَمَّا الْمَسَافَةُ التَّابِعُ لها ما ذَكَرَ مَعَهَا فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمَسَافَةِ الْمُسْتَأْجَرِ لِقَطْعِهَا بِسَيْرِ الدَّابَّةِ كما تَقَرَّرَ وَالْإِصَابَةُ لِلْغَرَضِ مُمْكِنَةٌ في مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ قِيلَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ فقال إذَا كَانُوا على مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا قَاتَلْنَاهُمْ بِالنَّبْلِ وإذا كَانُوا على أَقَلَّ من ذلك قَاتَلْنَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ وإذا كَانُوا على أَقَلَّ من ذلك قَاتَلْنَاهُمْ
____________________
(4/233)
بِالرِّمَاحِ وإذا كَانُوا على أَقَلَّ من ذلك قَاتَلْنَاهُمْ بِالسَّيْفِ وَتَتَعَذَّرُ الْإِصَابَةُ بِمَا فَوْقَ ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قال الرَّافِعِيُّ وَرَوَوْا أَنَّهُ لم يَرْمِ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ إلَّا عُقْبَةُ بن عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ وَتَنْدُرُ الْإِصَابَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلَوْ تَنَاضَلَا على الْبُعْدِ أَيْ على أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ لَا بَعْدَهُمَا رَمْيًا ولم يَقْصِدَا غَرَضًا جَازَ لِأَنَّ الْأَبْعَادَ مَقْصُودٌ أَيْضًا في مُحَاصَرَةِ الْقِلَاعِ وَنَحْوِهَا وَحُصُولُ الْإِرْعَابِ وَامْتِحَانُ شِدَّةِ السَّاعِدِ وَتَخَالُفُ الْغَايَةِ في السِّبَاقِ بِالدَّابَّةِ لِإِفْضَاءِ طُولِ الْعَدُوِّ إلَى الْجَهْدِ فَيُرَاعَى لِلْبُعْدِ اسْتِوَاؤُهُمَا أَيْ الْمُتَنَاضَلَيْنِ في شِدَّةِ الْقَوْسِ وَرَزَانَةِ السَّهْمِ وَخِفَّتِهِ لِأَنَّ ذلك يُؤَثِّرُ في الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا وَالْهَدَفُ ما يُرْفَعُ من حَائِطٍ يُبْنَى أو تُرَابٍ يُجْمَعُ أو نَحْوِهِ وَيُوضَعُ عليه الْغَرَضُ وَالْغَرَضُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ شَنٌّ أَيْ جِلْدٌ بَالٍ أو قِرْطَاسٌ أو خَشَبٌ وَقِيلَ كُلُّ ما نُصِبَ في الْهَدَفِ فَقِرْطَاسٌ كَاغِدًا كان أو غَيْرَهُ وما عَلِقَ في الْهَوَاءِ فَغَرَضٌ وَالرُّقْعَةُ عَظْمٌ وَنَحْوُهُ يُجْعَلُ وَسَطَ الْغَرَضِ وَالدَّارَةُ نَقْشٌ مُسْتَدِيرٌ كَالْقَمَرِ قبل اسْتِكْمَالِهِ قد يُجْعَلُ بَدَلَ الرُّقْعَةِ في وَسَطِ الْغَرَضِ وَالْخَاتَمُ نَقْشٌ يُجْعَلُ في وَسَطِهَا أَيْ الدَّارَةِ فَيُبَيِّنَانِ الْإِصَابَةَ أَيْ مَوْضِعَهَا أَهُوَ في الْغَرَضِ أو الْهَدَفِ أو الدَّارَةِ أو الْخَاتَمِ وقد يُقَالُ له الْحَلْقَةُ وَالرُّقْعَةُ وقد تَجْعَلُ الْعَرَبُ بَدَلَ الْهَدَفِ تُرْسًا وَتُعَلِّقُ فيه الشَّنَّ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَلَوْ شَرَطَ الْخَاتَمَ أَيْ إصَابَتَهُ أُلْحِقَ بِالنَّادِرِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا على أَنْ يَرْمِيَ الْأَوَّلُ سِهَامَهُ ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَا حُمِلَ على سَهْمٍ سَهْمٌ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ بين الرُّمَاةِ كَأَرْبَعِ نُوَبٍ كُلُّ نَوْبَةٍ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَلَا يَلْزَمُ التَّعَرُّضُ في الْعَقْدِ لِلْمُحَاطَةُ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْمُبَادَرَةُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ على الْمُبَادَرَةِ لِأَنَّهَا الْغَالِبُ فَالْمُحَاطَّةُ أَنْ يَشْتَرِطَ في الْعَقْدِ أَنَّ النَّاضِلَ من زَادَتْ إصَابَتُهُ على إصَابَةِ صَاحِبِهِ بِخَمْسَةٍ مَثَلًا من عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَعِشْرِينَ فَإِنْ اسْتَوَيَا في إصَابَةِ خَمْسَةٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو لم يَسْتَوِيَا وزاد أَحَدُهُمَا أَقَلَّ منها أَيْ من الْخَمْسَةِ فَلَا نَاضِلَ وَإِنْ زَادَ بها فَهُوَ النَّاضِلُ وَلَوْ زَادَتْ إصَابَةُ أَحَدِهِمَا على إصَابَةِ الْآخَرِ بِخَمْسَةٍ قبل إتْمَامِ الرَّمْيِ لَزِمَ إتْمَامُهُ لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَ الْآخَرُ فِيمَا بَقِيَ ما تَخْرُجُ بِهِ زِيَادَةُ ذَاكَ عن كَوْنِهَا خَمْسَةً نعم إنْ لم يَرْجُ بِالتَّمَامِ الدَّفْعَ عن نَفْسِهِ كما لو رَمَى أَحَدُهُمَا في الْمِثَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَصَابَهَا وَرَمَى الْآخَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَصَابَ منها خَمْسَةً فَلَا يَلْزَمُ إتْمَامُ الرَّمْيِ كما سَيَأْتِي لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ فإنه لو أَصَابَ في الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ لم يَخْرُجْ النَّاضِلُ عن كَوْنِهِ زَادَ عليه بِخَمْسَةٍ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَشْتَرِطَ في الْعَقْدِ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا إلَى إصَابَةِ خَمْسَةٍ مَثَلًا من عِشْرِينَ قال في الْأَصْلِ مع اسْتِوَائِهِمَا في الْعَدَدِ الْمَرْمِيِّ بِهِ فَإِنْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِخَمْسَةٍ فَلَا نَاضِلَ وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسَةٍ من عِشْرِينَ وَرَمَى الْآخَرُ تِسْعَةَ عَشَرَ وَأَصَابَ أَرْبَعَةً فَلَا نَاضِلَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُتِمَّ الْعِشْرِينَ لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَ في الْبَاقِي فَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ نَاضِلًا قال في الْأَصْلِ وَقَوْلُنَا مع اسْتِوَائِهِمَا في الْعَدَدِ الْمَرْمِيِّ بِهِ احْتِرَازٌ عن هذه لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَدَرَ لَكِنْ لم يَسْتَوِيَا بَعْدُ وَإِنْ أَصَابَ الْآخَرُ من التِّسْعَةَ عَشَرَ بِثَلَاثَةٍ لم يُتِمَّ الْعِشْرِينَ وَصَارَ مَنْضُولًا لِيَأْسِهِ من الْمُسَاوَاةِ مع الِاسْتِوَاءِ في رَمْيِ عِشْرِينَ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ عَدَدِ الْأَرْشَاقِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ رَشْقٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّمْيُ وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ النَّوْبَةُ من الرَّمْيِ تَجْرِي بين الرَّامِيَيْنِ سَهْمًا سَهْمًا أو أَكْثَرَ مُحَاطَّةً كانت أو مُبَادَرَةً لِيَكُونَ لِلْعَمَلِ ضَبْطٌ وَالْأَرْشَاقُ في الْمُنَاضَلَةِ كَالْمَيْدَانِ في الْمُسَابَقَةِ وَلَوْ تَنَاضَلَا على إصَابَةِ رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَرَطَا في الْمَالِ لِلْمُصِيبِ فيها جَازَ وَإِنْ كان قد يَتَّفِقُ في الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ إصَابَةُ الْأَخْرَقِ دُونَ الْحَاذِقِ وَالرَّمْيُ من أَحَدِهِمَا في غَيْرِ النَّوْبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ له لَاغٍ وَلَوْ جَرَى ذلك بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَا تُحْسَبُ الزِّيَادَةُ له إنْ أَصَابَ وَلَا عليه إنْ أَخْطَأَ وَإِنْ عَقَدَا على عَدَدٍ كَثِيرٍ كَأَنْ يَرْمِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةً كَذَا وَعَشِيَّةً كَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ بِأَنْ لَا يَتَفَرَّقَا كُلَّ يَوْمٍ حتى يَسْتَوْفِيَا الْمَشْرُوطَ فيه إلَّا لِعَارِضِ مَرَضٍ أو رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ فَيَقْطَعَانِ الرَّمْيَ ثُمَّ يَرْمِيَانِ على ما مَضَى في ذلك الْيَوْمِ أو بَعْدَهُ إذَا زَالَ الْعُذْرُ وَيَجُوزُ شَرْطُهُ أَيْ الرَّمْيِ في جَمِيعِ النَّهَارِ فَلَا يَدَعَانِهِ أَيْ يَتْرُكَانِهِ إلَّا وَقْتَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ وَنَحْوِهَا فَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ تَقَعُ
____________________
(4/234)
مُسْتَثْنَاةً كما في الْإِجَارَةِ وَلَوْ أَطْلَقَا ولم يُبَيِّنَا وَظِيفَةَ كل يَوْمٍ جَازَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ أَيْ يَدَعَانِ الرَّمْيَ في هذه الْأَوْقَاتِ وَيَجُوزُ لَهُمَا التَّرْكُ لِلرَّمْيِ بِالتَّرَاضِي وَبِعُذْرِ مَطَرٍ وَرِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهَا لَا حَرٍّ وَرِيحٍ خَفِيفَيْنِ وَصْفُ الرِّيحِ بِالْخِفَّةِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وبقي عَلَيْهِمَا شَيْءٌ من وَظِيفَةِ الْيَوْمِ لم يَرْمِيَا لَيْلًا لِلْعَادَةِ وإن شَرَطَا رَمْيَهُ أَيْ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا لَيْلًا لَزِمَ وَالْقَمَرُ قد يَكْفِي ضَوْءُهُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ قَمَرٌ فَشَمْعَةٌ مَثَلًا يَكْفِي ضَوْءُهَا إنْ وَجَدَاهَا أو يَرْمِيَانِ من الْغَدِ إنْ لم يَجِدَاهَا وَذِكْرُ لُزُومِ الرَّمْيِ لَيْلًا وَالرَّمْيِ من الْغَدِ من زِيَادَتِهِ وَيُشْتَرَطُ رَمْيُهُمَا مُرَتَّبًا بِخِلَافِ الْمُتَسَابِقَيْنِ يُجْرِيَانِ الْفَرَسَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا إذَا رَمَيَاهُ مَعًا اشْتَبَهَ الْمُصِيبُ بِالْمُخْطِئِ ويشترط تَبْيِينُ الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ فإذا لم يُبَيِّنَاهُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِالْبُدَاءَةِ وَالرُّمَاةُ يَتَنَافَسُونَ فيها تَنَافُسًا ظَاهِرًا من جِهَةِ أَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالرَّمْيِ يَجِدُ الْغَرَضَ نَقِيًّا لَا خَلَلَ فيه وهو على ابْتِدَاءِ النَّشَاطِ فَتَكُونُ إصَابَتُهُ أَقْرَبَ وإذا كان كَذَلِكَ تَأَثَّرَ الْعَقْدُ بِإِهْمَالِهِ وَلَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا في نَوْبَةٍ له تَأَخَّرَ عن الْآخَرِ في الْأُخْرَى وَلَوْ شَرَطَ تَقْدِيمَهُ أَبَدًا لم يَجُزْ لِأَنَّ الْمُنَاضَلَةَ مَبْنِيَّةٌ على التَّسَاوِي وَيُسْتَحَبُّ نَصْبُ غَرَضَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ يَرْمُونَ من عِنْدَ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ ثُمَّ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَأْتُوا إلَى الْآخَرِ وَيَلْتَقِطُونَ السِّهَامَ وَيَرْمُونَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَلَا تَطُولُ الْمُدَّةُ أَيْضًا الشَّرْطُ الْخَامِسُ تَعْيِينُ الرُّمَاةِ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُمْ في الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ حِذْقِهِمْ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَعْيِينِهِمْ وَيُشْتَرَطُ لِكُلِّ حِزْبٍ زَعِيمٌ أَيْ كَبِيرٌ يُعِينُ أَصْحَابَهُ وَيَتَوَكَّلُ عَنْهُمْ في الْعَقْدِ بَعْدَ تَعْيِينِهِمْ فَلَا يَجُوزُ زَعِيمٌ وَاحِدٌ لِلْحِزْبَيْنِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ وَاحِدٌ في طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَا قبل التَّعْيِينِ وَطَرِيقُ التَّعْيِينِ الِاخْتِيَارُ كما قال وَيَخْتَارُ هذا وَاحِدًا ثُمَّ هذا وَاحِدًا وَهَكَذَا إلَى آخِرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا أَصْحَابَهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْحُذَّاقَ وَلَا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا قد تَجْمَعُ الْحُذَّاقَ في جَانِبٍ فَيُفَوِّتُ مَقْصُودَهَا الْمُنَاضَلَةَ وَلِهَذَا لو قال أَحَدُهُمَا أنا أَخْتَارُ الْحُذَّاقَ وَأُعْطِي السَّبَقَ أو الْخَرْقَ وَآخُذُ السَّبَقَ لم يَجُزْ وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لها في الْعُقُودِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْمُنَاضَلَةُ على تَعْيِينِ من خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عليهم نعم إنْ رَضِيَا بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ وَعَقَدَا عليه فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ كما بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ قال في الْأَصْلِ وَنَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُمَا لو تَنَاضَلَا على أَنْ يَخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً ولم يُسَمِّهِمْ لم يَجُزْ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ من يَرْمِي معه بِأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أو غَائِبًا يَعْرِفُهُ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مَعْرِفَةٌ لِزَعِيمَيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْرِفَ الْأَصْحَابُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَابْتِدَاءُ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ بِالرَّمْيِ كَابْتِدَاءِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ بِهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّعِيمَيْنِ وَهَذَا التَّفْرِيعُ من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ بَدَلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا أَنْ يَتَقَدَّمَ من هذا الْحِزْبِ فُلَانٌ وَيُقَابِلُهُ من الْحِزْبِ الْآخَرِ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ لِأَنَّ تَدْبِيرَ كل حِزْبٍ إلَى زَعِيمِهِمْ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فيه فَرْعٌ لو أَدْخَلَ أَحَدُهُمَا أَيْ الزَّعِيمَيْنِ غَرِيبًا ظَنَّهُ جَيِّدَ الرَّمْيِ فَبَانَ خِلَافَهُ بِأَنْ بَانَ غير حَاذِقٍ لم يَضُرَّ في صِحَّةِ الْعَقْدِ أو غير رَامٍ أَصْلًا بَطَلَ الْعَقْدُ فيه كما لو اُسْتُؤْجِرَ لِلْكِتَابَةِ فَبَانَ غير كَاتِبٍ وبطل في مُقَابِلِهِ من الْحِزْبِ الْآخَرِ كما أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ في بَعْضِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ قِسْطُهُ من الثَّمَنِ لَا في الْجَمِيعِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كما في سَائِرِ الْعُقُودِ وَلِكُلٍّ من الْحِزْبَيْنِ الْفَسْخُ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا فَإِنْ أَجَازُوا الْعَقْدَ وَتَنَازَعُوا في تَعْيِينِ من يُجْعَلُ في مُقَابِلِهِ من الْحِزْبِ الْآخَرِ فُسِخَ الْعَقْدُ لَتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ أو بَانَ فَوْقَ ما ظَنُّوا فَلَا فَسْخَ لِلْآخَرِينَ أَيْ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ وَلَوْ تَنَاضَلَ غَرِيبَانِ لَا يَعْرِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ جَازَ فَلَوْ بَانَا غير مُتَكَافِئَيْنِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِتَبَيُّنِ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَسَاوَى عَدَدُ الْأَرْشَاقِ يَعْنِي تَسَاوَى فيها وفي عَدَدِ الْإِصَابَةِ الْحِزْبَانِ وَاخْتَلَفَ عَدَدُ الْحِزْبَيْنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ حِذْقِهِمْ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مع التَّسَاوِي إذْ بِدُونِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَضَّلَ النَّاضِلِينَ لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لَا لِلْحِذْقِ فَتَسَاوِي الْحِزْبَيْنِ شَرْطٌ وَقِيلَ ليس بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
____________________
(4/235)
وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عن الْأَكْثَرِينَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْسِمَ عليهم عَدَدَ الْأَرْشَاقِ بِالسَّوَاءِ أَيْ قَسْمًا صَحِيحًا فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ لِعَدَدِ الْأَرْشَاقِ ثُلُثٌ صَحِيحٌ أو كَانُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعٌ صَحِيحٌ وَالزَّعِيمَانِ وَكِيلَاهُمَا أَيْ الْحِزْبَيْنِ مُوَزَّعَانِ الْمَالَ الْمُلْتَزِمَ بِالْإِذْنِ من مُوَكِّلِهِمَا أو بِالْتِزَامِهِ مَعَهُمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَيْ يُوَزِّعَانِهِ في أَخْذِهِ من أَصْحَابِهِ على عَدَدِ الرُّءُوسِ وَكَذَا يَقْسِمُ السَّبَقَ إذَا نَضَلَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ على عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا على عَدَدِ الْإِصَابَةِ عَكْسُ ما وَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ إلَّا بِشَرْطِهِ أَيْ بِشَرْطِ قَسْمِهِ على عَدَدِ الْإِصَابَةِ فَيُوَزِّعَانِهِ على عَدَدِهَا عَمَلًا بِالشَّرْطِ
الشَّرْطُ السَّادِسُ تَعْيِينُ الْمَوْقِفِ الذي يُرْمَى منه وَتَسَاوِي الْمُتَنَاضَلَيْنِ فيه فَلَوْ شَرَطَ قُرْبَ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا لم يَجُزْ كما في الْمُسَابَقَةِ ولكن لَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِ قَدَمِهِ فَقَدْ تَعْتَادُهُ الرُّمَاةُ وَلَوْ وَقَفَ الرُّمَاةُ صَفًّا فَالْوَاقِفُ في الْوَسَطِ أَقْرَبُ إلَى الْغَرَضِ لَكِنَّهُ تَفَاوُتٌ مُحْتَمَلٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِتَقْدِيمِ الثَّانِي خُطْوَتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَاطَّرَدَتْ احْتَمَلَ ذلك لِلْعَادَةِ وَقِيلَ لَا يُحْتَمَلُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَجْرِ بها عَادَةٌ فَلَا يُحْتَمَلُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُمْ فيه فَالْأَقَلُّ مُعْتَبَرٌ وَالْمَعْنَى في تَقَدُّمِ الثَّانِي أَنَّهُ يَقَعُ في مُقَابَلَةِ قُوَّةِ النَّفْسِ بِالْبُدَاءَةِ فَرْعٌ لو تَنَازَعُوا في الْوُقُوفِ وَسَطَ الصَّفِّ وَقَفَ بِهِ مُسْتَحِقُّ الِابْتِدَاءِ بِشَرْطٍ أو غَيْرِهِ أَيْ يَتَخَيَّرُ بين أَنْ يَقِفَ بِهِ وَأَنْ يَقِفَ بِغَيْرِهِ ووقف من بَعْدَهُ بِجَنْبِهِ يَمِينًا أو شِمَالًا وَهَلْ له أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُ إزَاحَتُهُ عن مَوْقِفِهِ عِنْدَ الرَّمْيِ أَيْ رَمْيِهِ أَوَّلًا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نعم فَإِنْ رَمَيَا بين غَرَضَيْنِ وَانْتَهَيَا إلَى الثَّانِي تَخَيَّرَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ في أَنَّهُ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَقْرَعَ بين الْآخَرَيْنِ عِنْدَ الْغَرَضِ الثَّانِي فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَفَ حَيْثُ شَاءَ فَإِنْ عَادُوا إلَى الْغَرَضِ الْأَوَّلِ بَدَأَ الثَّالِثُ بِلَا قُرْعَةٍ وَوَقَفَ حَيْثُ شَاءَ فَرْعٌ لو تَأَخَّرَ وَاحِدٌ عن الْمَوْقِفِ بَعْدَ الْعَقْدِ لم يَجُزْ لِمُخَالَفَتِهِ وَضْعَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْقَوْسَ الشَّدِيدَ قد يُحْوِجُ إلَى زِيَادَةِ مَسَافَةٍ فَيَنْتَفِعُ بِالتَّأَخُّرِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ له التَّقَدُّمُ لِمُخَالَفَتِهِ وَضْعَ الْعَقْدِ فَهُوَ كما لو شَرَطَ الِاسْتِحْقَاقَ لِوَاحِدٍ بِتِسْعِ إصَابَاتٍ وَلِلْآخَرِ بِعَشَرٍ لَا التَّقَدُّمُ الْيَسِيرُ الْمَعْفُوُّ عنه عَادَةً فَيَجُوزُ لِأَنَّ مثله يَقَعُ إذَا وَقَفُوا صَفًّا كما مَرَّ وَيُجْزِئُ مِثْلُ ذلك في الْمُسَابَقَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ على ذلك أَيْ على تَقَدُّمِ الْجَمِيعِ أو تَأَخُّرِهِمْ قال في الْأَصْلِ أو تَغْيِيرِ عَدَدِ الْأَرْشَاقِ بِزِيَادَةٍ أو نَقْصٍ لم يَجُزْ بِنَاءً على أَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ وَإِنْ نُصِبَ الْغَرَضُ مُقَابِلٌ الشَّمْسَ بِأَنْ نَصَبَهُ أَحَدُهُمَا فيه وَدَعَا الْآخَرَ إلَى اسْتِدْبَارِهَا أُجِيبَ الدَّاعِيَ إلَى اسْتِدْبَارِهَا لِأَنَّهُ أَصْلَحُ لِلرَّمْيِ وَمِثْلُهُ اسْتِقْبَالُ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارُهَا الطَّرَفُ الثَّانِي في أَحْكَامِهَا أَيْ الْمُنَاضَلَةِ فَإِنْ شَرَطَ في الْعَقْدِ الْإِصَابَةَ أو الْقَرْعَ فَخَسَقَ الْغَرَضُ حُسِبَ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ التَّأْثِيرِ بِخَدْشٍ أو خَرْقٍ وَكَذَا يُحْسَبُ لو أَصَابَ نَقْبًا في الشَّنِّ وَإِنْ لم يُصِبْ الْغَرَضَ فَإِنْ أَصَابَ الْجِلْدَ أو الْجَرِيدَ أَيْ الدَّائِرَ على الشَّنِّ أو الْعُرْوَةَ وَهِيَ السَّيْرُ أو الْخَيْطُ الْمَشْدُودُ بِهِ الشَّنُّ على الْجَرِيدِ كَفَى لِأَنَّ كُلًّا منها من الْغَرَضِ لَا إنْ أَصَابَ ما تَعَلَّقَ بِهِ الْغَرَضُ فَلَا يَكْفِي لِأَنَّهُ ليس منه وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَيْ إصَابَةَ ما تَعَلَّقَ بِهِ الْغَرَضُ أو وَاحِدٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَالْأَوْلَى أَحَدُهَا أَيْ إصَابَةُ وَاحِدٍ من الْمَذْكُورَاتِ تَعَيَّنَ فَلَا يَكْفِي إصَابَةُ غَيْرِهِ وَالِاعْتِبَارُ فِيمَا يُصِيبُ في السَّهْمِ بِإِصَابَةِ النَّصْلِ لَا بِالْإِصَابَةِ بِفُوقِ السَّهْمِ بِضَمِّ الْفَاءِ وهو مَوْضِعُ الْوَتَرِ منه ولا بِإِصَابَةِ عَرْضِهِ لِدَلَالَتِهِ الْأَوْلَى لِدَلَالَتِهَا أَيْ الْإِصَابَةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا على سُوءِ الرَّمْيِ فَتُحْسَبُ هذه الرَّمْيَةُ عليه وَلَوْ انْصَدَمَ السَّهْمُ بِشَيْءٍ كَجِدَارٍ وَشَجَرَةٍ فَأَصَابَ الْغَرَضَ أو انْصَدَمَ بِالْأَرْضِ فَازْدَلَفَ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ له وَإِنْ أَعَانَتْهُ الصَّدْمَةُ كما لو صَرَفَتْ الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ السَّهْمَ فَأَصَابَ وَكَمَا لو هَتَكَ السَّهْمُ في مُرُورِهِ حِجَابًا عَارِضًا ثُمَّ أَصَابَ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْدَ ازْدِلَافِهِ فلم يُصِبْ الْغَرَضَ فَعَلَيْهِ يُحْسَبُ كما لو أَخْطَأَ بِلَا انْصِدَامٍ وَخَالَفَ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ عليه وَإِنْ شَرَطَ الْخَسْقَ فَخَسَقَ وَثَبَتَ ثُمَّ سَقَطَ لم يَضُرَّ كما لو نَزَعَ إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ لم يَثْبُتْ فَيَضُرُّ لِعَدَمِ مُرُوقِهِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ الْمَأْخُوذِ في تَفْسِيرِ الْخَسْقِ وَإِنْ مَرَقَ أو خَرَمَ وَثَبَتَ وَبَعْضُ النَّصْلِ خَارِجٌ أو كُلُّهُ دَاخِلٌ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى
____________________
(4/236)
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ حُسِبَ خَاسِقًا لِأَنَّهُ في الثَّانِيَةِ خَرَقَ بِالنَّصْلِ وَثَبَتَ وفي الْأُولَى خَرَقَ وَالْمُرُوقُ بَعْدَهُ يَدُلُّ على زِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ من ذِكْرِ الثُّبُوتِ في تَفْسِيرِ الْخَسْقِ عَيْنُهُ بَلْ أَنْ تَقْوَى الرَّمْيَةُ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى مَعَهَا الثُّبُوتُ وَلَوْ صَادَفَ السَّهْمُ ثُقْبًا في الْغَرَضِ فَثَبَتَ في الْهَدَفِ فَخَاسِقٌ إنْ كان في السَّهْمِ قُوَّةٌ تَخْرِقُ الْغَرَضَ لو أَصَابَ مَوْضِعًا صَحِيحًا منه وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ له وَلَا عليه لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هل كان يَثْبُتُ لو أَصَابَ مَوْضِعًا صَحِيحًا منه أو لَا وإذا خَرَقَ الْغَرَضَ بِحَيْثُ يَثْبُتُ فيه مِثْلُ هذا السَّهْمِ فَرَّدْته حَصَاةً أو نَحْوُهَا كَنَوَاةٍ فَخَاسِقٌ لِظُهُورِ سَبَبِ الرَّدِّ وَإِنْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ الْحَصَاةَ أَيْ تَأْثِيرَهَا ولم تُوجَدْ أو وُجِدَتْ ولم يُمْكِنْ تَأْثِيرُهَا صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ أَمْ لَا بِأَنْ كان في الْغَرَضِ خُرُوقٌ ولم يَعْلَمْ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ وَحُسِبَ على الرَّامِي أو وُجِدَتْ وَأَمْكَنَ تَأْثِيرُهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَسْقِ وَالْخَدْشِ وَلَا يُحْسَبُ على الرَّامِي كما لَا يُحْسَبُ له وَإِنْ مَرَقَ السَّهْمُ وَثَبَتَ في الْهَدَفِ وَعَلَيْهِ أَيْ السَّهْمِ أَيْ نَصْلِهِ قِطْعَةٌ من الْغَرَضِ فَادَّعَى الرَّامِي أَنَّ سَهْمَهُ أَبَانَهَا لِقُوَّتِهِ وَذَهَبَ بها وادعى الْخَصْمُ أنها كانت مُبَاتَّةً قَبْلَهُ فَتَعَلَّقَتْ بِالسَّهْمِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَسْقِ قال في الْأَصْلِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ هذا إذَا لم يُجْعَلْ الثُّبُوتُ في الْهَدَفِ كَالثُّبُوتِ في الْغَرَضِ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَرَطَ في الْمُبَادَرَةِ الْمَالَ لِمَنْ بَدَرَ من الرَّامِيَيْنِ إلَى إصَابَةِ عَشَرَةٍ من مِائَةٍ مَثَلًا فَرَمَيَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ بِأَنْ رَمَى كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسِينَ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا منها عَشَرَةً وَالْآخَرُ دُونَهَا أو لم يُصِبْ شيئا فَالْأَوَّلُ نَاضِلٌ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الذي تَعَلَّقَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ قد تَمَّ فَلَا يَلْزَمُهُ عَمَلٌ آخَرُ وَلَوْ شَرْطَاهُ أَيْ الْمَالَ في الْمُحَاطَة لِمَنْ حَصَلَتْ له زِيَادَةُ عَشَرَةٍ من مِائَةٍ فَرَمَى كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسِينَ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا منها خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْآخَرُ خَمْسَةً فَقَدْ خَلَصَ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةٌ وَجَبَ عليه لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ إتْمَامُ الْمِائَةِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطٌ بِحُصُولِ عَشَرَةٍ من مِائَةٍ وقد يُصِيبُ الْآخَرُ فِيمَا بَقِيَ ما يَمْنَعُ حُصُولَ عَشَرَةٍ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْمُبَادَرَةِ فإن الْإِصَابَةَ بَعْدَهَا لَا تَرْفَعُ ابْتِدَارَ الْأَوَّلِ إلَى ذلك الْعَدَدِ وَمَتَى بَقِيَ من عَدَدِ الْأَرْشَاقِ ما لَا يَنْفَعُهُ لو أَصَابَ فيه لم يَجِبْ الْإِتْمَامُ فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فيها بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهَا مُسَاوَاتُهُمَا في عَدَدِ الْأَرْشَاقِ أو عَجَزَ الثَّانِي عن الْمُسَاوَاةِ في الْإِصَابَةِ وَإِنْ سَاوَاهُ في عَدَدِ الْأَرْشَاقِ وَلَا بِمُجَرَّدِ خُلُوصِ الْمَشْرُوطِ في الْمُحَاطَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ معه عَجْزُ الثَّانِي عَمَّا يَمْنَعُ منه فَرْعٌ لو قال رَجُلٌ لِآخَرَ ارْمِ بِعَشَرَةٍ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ارْمِ عَشَرَةً فَإِنْ أَصَبْت بِأَكْثَرِهَا فَقَدْ نَضَلْتنِي فَلَكَ كَذَا لم يَجُزْ لِأَنَّ النِّضَالَ عَقْدٌ فَلَا يَكُونُ إلَّا بين جَمَاعَةٍ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ لم يَقُلْ فَقَدْ نَضَلْتنِي جَازَ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ على عَمَلٍ مَعْلُومٍ لِغَرَضٍ ظَاهِرٍ وهو التَّحْرِيضُ على الرَّمْيِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَهَذَا ليس مُنَاضَلَةً بَلْ جِعَالَةً وَاسْتَحَقَّ الرَّامِي الْمَشْرُوطَ له إذَا أَصَابَ بِسِتَّةٍ فَأَكْثَرَ وَعَلَيْهِ لِلشَّارِطِ إتْمَامُ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ على عَشَرَةٍ إصَابَتُهَا أَكْثَرُ وزاد قَوْلَهُ فَبِإِتْمَامِ الْعَشَرَةِ تَزْدَادُ الْكَثْرَةُ بِلَا حَاجَةٍ مع أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَثْرَتُهَا بِإِتْمَامِهَا فَلَوْ قال قد تَزْدَادُ الْكَثْرَةُ كان أَوْلَى وَإِنْ قال له ارْمِ عَشَرَةَ خَمْسَةَ عَنِّي وَخَمْسَةً عَنْك فَإِنْ أَصَبْت في خَمْسَتِك أو كان الصَّوَابُ فيها أَكْثَرَ فَلَكَ كَذَا لم يَجُزْ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ قد يَجْتَهِدُ في حَقِّهِ دُونَ حَقِّ صَاحِبِهِ وَلَوْ قال لِرَامِيَيْنِ ارْمِيَا عَشَرَةً فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمَا خَمْسَةً فَلَهُ كَذَا جَازَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مع زِيَادَةٍ عُلِمَتْ مع ذلك مِمَّا مَرَّ وَإِنْ قال شَخْصٌ لِأَحَدِ الْمُتَنَاضِلَيْنِ وقد انْتَهَتْ النَّوْبَةُ إلَيْهِ إنْ أَصَبْت بِسَهْمِك هذا فَلَكَ دِينَارٌ فَأَصَابَ بِهِ لَزِمَ له الدِّينَارُ وَحُسِبَ له أَيْضًا السَّهْمُ أَيْ إصَابَتُهُ من مُعَامَلَتِهِ التي هو فيها وَلَوْ نَاضَلَ غَيْرَهُ وَالْمَشْرُوطُ عَشَرَةٌ وَشَرَطَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَشَرَطَ أَنْ يُنَاضِلَ بها شَخْصًا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا جَازَ وإذا فَازَ بها كان نَاضِلًا لهم جميعا عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَتَقْدِيمُهُ جَارٍ على ما بَعْدَهُ أَوْلَى من تَأْخِيرِ الْأَصْلِ له عنه وَفِيهِ إشْكَالٌ بِالْإِجَارَةِ الْمُشْبِهَةِ بها الْمُنَاضَلَةَ من حَيْثُ إنَّهَا لو كانت تُشْبِهُهَا لَمَا اسْتَحَقَّ بِعَمَلِ وَاحِدٍ مَالَيْنِ عن جِهَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَمَلَ في الْإِجَارَةِ رَاجِعٌ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ فَالْمَالُ مُسْتَحَقٌّ فيها بِرُجُوعِ الْعَمَلِ إلَيْهِ لَا بِالشَّرْطِ وَهُنَا مُسْتَحَقٌّ بِالشَّرْطِ
____________________
(4/237)
إلَّا بِرُجُوعِ الْعَمَلِ لِلشَّارِطِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ قال الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ فَصْلٌ من أَنْوَاعِ الرَّمْيِ الْحَوَابِي بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ حَابٍ وهو أَنْ يَرْمِيَ على أَنْ يُسْقِطَ الْأَقْرَبُ لِلْغَرَضِ الْأَبْعَدَ منه فَإِنْ عَيَّنَا حَدَّ الْقُرْبِ من ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ أَيْ أَقَلَّ منه أو أَكْثَرَ أو لم يُعَيِّنَاهُ لَكِنْ كان هُنَاكَ لِلرُّمَاةِ عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ جَازَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ في الْأُولَى وَحُمِلَا على الْعَادَةِ في الثَّانِيَةِ كما تُحْمَلُ الدَّرَاهِمُ الْمُطْلَقَةُ على الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لو عَقَدَا على أَنْ يَرْمِيَا عِشْرِينَ على أَنْ يُسْقِطَ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ وَمَنْ فَضَلَ له خَمْسَةٌ من عِشْرِينَ فَهُوَ نَاضِلٌ جَازَ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ من الرَّمْيِ مُعْتَادٌ لِلرُّمَاةِ وهو نَوْعُ مُحَاطَّةٍ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ تَسَاوَتْ سِهَامُهُمَا قُرْبًا وَبُعْدًا وَكَذَا إنْ لم تَتَسَاوَ لَكِنْ لم يَفْضُلْ الْعَدَدُ الْمَشْرُوطُ فَلَا نَاضِلَ وَلَا مَنْضُولَ فَإِنْ قَارَبَ أَحَدُهُمَا الْغَرَضَ بِسَهْمٍ بِأَنْ وَقَعَ سَهْمُهُ قَرِيبًا من الْغَرَضِ وَرَمَى الْآخَرُ خَمْسَةً فَوَقَعَتْ أَبْعَدَ منها الْأَوْلَى منه أَيْ من ذلك السَّهْمِ ثُمَّ رَمَى الْأَوَّلُ سَهْمًا فَوَقَعَ أَبْعَدَ من الْخَمْسَةِ أَسْقَطَتْهُ الْخَمْسَةُ وَأَسْقَطَهَا الْمُقَارِبُ وَإِنْ رَمَى أَحَدُهُمَا خَمْسَةً مُتَفَاضِلَةً في الْقُرْبِ إلَى الْغَرَضِ وَرَمَى الْآخَرُ خَمْسَةً فَوَقَعَتْ أَبْعَدَ منها أَسْقَطَتْهَا خَمْسَةُ الْأَوَّلِ وَحُسِبَتْ كُلُّهَا فَلَا يَسْقُطُ منها شَيْءٌ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ في الْقُرْبِ لِأَنَّ قَرِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْقُطُ بَعِيدًا لِآخَرَ وَلَا يَسْقُطُ بَعِيدُ نَفْسِهِ وَلَوْ أَصَابَ سَهْمُ الْآخَرِ الْغَرَضَ سَقَطَ بِهِ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ كما يُسْقِطُ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ وَلِأَنَّ إصَابَةَ الْغَرَضِ تَدُلُّ على زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فَاعْتُبِرَتْ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو شَرَطَ الْخَسْقَ فَمَرَقَ وَلَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا الرُّقْعَةَ في وَسَطِ الْغَرَضِ وَالْآخَرُ خَارِجَهَا من الْغَرَضِ قال في الْأَصْلِ أو أَصَابَا خَارِجَهَا وَأَحَدُهُمَا أَقْرَبُ إلَيْهَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَالْعِبْرَةُ فِيمَا إذَا شَرَطَا احْتِسَابَ الْقَرِيبِ من الْغَرَضِ بِمَوْضِعِ الثُّبُوتِ لِلسَّهْمِ لَا بِحَالَةِ الْمُرُورِ حتى لو قَرُبَ مُرُورُهُ من الْغَرَضِ وَوَقَعَ بَعِيدًا منه لم يُحْتَسَبْ بِهِ إلَّا إذَا شَرَطَ اعْتِبَارَ حَالَةِ الْمُرُورِ وهو أَيْ الْقُرْبُ من الْغَرَضِ من كل الْجَوَانِبِ سَوَاءٌ لِوُقُوعِ اسْمِ الْقَرِيبِ على الْجَمِيعِ وَعَدَّ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ من أَنْوَاعِ الرَّمْيِ الْمُنَاضَلَةَ وهو أَنْ يَشْرِطَا إصَابَةَ عَشَرَةً من عِشْرِينَ مَثَلًا على أَنْ يَسْتَوْفِيَا جميعا فَيَرْمِيَانِ جَمِيعَ ذلك فَإِنْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَشَرَةَ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ أَحْرَزَ أَسْبَقُهُمَا وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا الْعَشَرَةَ أو فَوْقَهَا وَالْآخَرُ دُونَهَا فَقَدْ نَضَلَهُ فَصْلٌ في النَّكَبَاتِ التي تَطْرَأُ عِنْدَ الرَّمْيِ وَتَشَوُّشُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّهْمَ مَتَى وَقَعَ مُتَبَاعِدًا عن الْغَرَضِ تَبَاعُدًا مُفْرِطًا إمَّا مُقَصِّرًا عنه أو مُجَاوِزًا له فَإِنْ كان ذلك لِسُوءِ الرَّمْيِ حُسِبَ على الرَّامِي وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ السَّهْمُ لِيَرْمِيَ بِهِ وَإِنْ كان لِنَكْبَةٍ عَرَضَتْ أو خَلَلٍ في آلَةِ الرَّمْيِ بِلَا تَقْصِيرٍ منه لم يُحْسَبْ عليه فَلَوْ حَدَثَتْ في يَدِهِ عِلَّةٌ أَخَلَّتْ بِالرَّمْيِ أو اعْتَرَضَ في مُرُورِ السَّهْمِ حَيَوَانٌ مَنَعَهُ أو تَلِفَ الْوَتَرُ أو الْقَوْسُ أو السَّهْمُ بِلَا تَقْصِيرٍ منه بَلْ لِضَعْفِ الْآلَةِ وَنَحْوِهِ فلم يُصِبْ لم تُحْسَبْ عليه تِلْكَ الرَّمْيَةُ فَيُعِيدُهَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَتُحْسَبُ له إنْ أَصَابَ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ مع النَّكْبَةِ تَدُلُّ على جَوْدَةِ الرَّمْيِ فَإِنْ كان بِتَقْصِيرٍ حُسِبَتْ عليه لِيَتَعَلَّمَ وَلَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ نِصْفَيْنِ بِلَا تَقْصِيرٍ فَأَصَابَ إصَابَةً شَدِيدَةً بِالنِّصْفِ الذي فيه النَّصْلُ لَا غَيْرُهُ حُسِبَ له لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ مع الِانْكِسَارِ يَدُلُّ على جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَغَايَةِ الْحِذْقِ فيه بِخِلَافِ إصَابَتِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لَا تُحْسَبُ له كما لو لم يَكُنْ انْكِسَارٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْإِصَابَةَ الضَّعِيفَةَ لَا تُحْسَبُ له وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ وَإِنْ أَصَابَ بِالنِّصْفَيْنِ حُسِبَ ذلك إصَابَةً وَاحِدَةً كَالرَّمْيِ دَفْعَةً بِسَهْمَيْنِ إذَا أَصَابَ بِهِمَا وَلَوْ رَمَى السَّهْمَ مَائِلًا عن السَّمْتِ أو مُسَامِتًا وَالرِّيحُ لَيِّنَةٌ فَرَدَّتْهُ إلَى الْغَرَضِ أو صَرَفَتْهُ عنه فَأَصَابَ بِرَدِّهَا وَأَخْطَأَ بِصَرْفِهَا حُسِبَ له في الْأُولَى وَعَلَيْهِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْجَوَّ لَا يَخْلُو عن الرِّيحِ اللَّيِّنَةِ غَالِبًا وَيَضْعُفُ تَأْثِيرُهَا في السَّهْمِ مع سُرْعَةِ مُرُورِهِ فَلَا اعْتِدَادَ بها وَلَوْ رَمَى رَمْيًا ضَعِيفًا فَقَوَّتْهُ الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ فَأَصَابَ حُسِبَ له صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا إنْ رَمَى كَذَلِكَ في رِيحٍ عَاصِفَةٍ قَارَنَتْ ابْتِدَاءَ الرَّمْيِ فَلَا يُحْسَبُ له إنْ أَصَابَ وَلَا عليه إنْ أَخْطَأَ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَرْكُ الرَّمْيِ إلَى أَنْ تَرْكُدَ بِخِلَافِ اللَّيِّنَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو هَجَمَتْ في مُرُورِ السَّهْمِ نعم لو أَصَابَ
____________________
(4/238)
في الْهَاجِمَةِ حُسِبَ له كما في السَّهْمِ الْمُزْدَلِفِ وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَصَابَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ حُسِبَ له لِأَنَّهُ لو كان مَوْضِعُهُ لَأَصَابَهُ هذا إنْ كان الشَّرْطُ إصَابَةً وَكَذَا إنْ كان خَسْقًا إنْ ثَبَتَ في مَوْضِعٍ مُسَاوٍ صَلَابَةً أَيْ يُسَاوِي في صَلَابَتِهِ صَلَابَةَ الْغَرَضِ أو فَوْقَهُ فيها وَإِنْ أَصَابَ الْغَرَضَ في الْمَوْضِعِ الْآخَرِ أو لم يُصِبْهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى حُسِبَ عليه لَا له وَإِنْ نَقَلَتْهُ حين اسْتَقْبَلَهُ السَّهْمُ فَأَصَابَ الْغَرَضَ لم يُحْسَبْ له وَيُحْسَبُ عليه وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو أَصَابَ مَوْضِعَ الْغَرَضِ حُسِبَ له وَإِنْ رَمَى الْغَرَضَ فَحَادَ السَّهْمُ عن طَرِيقِهِ حُسِبَ عليه لِسُوءِ رَمْيِهِ وَإِنْ أَصَابَ سَهْمُهُ سَهْمًا بِأَنْ أَصَابَ فَوْقَهُ وهو في الْغَرَضِ غَارِقًا فيه حُسِبَ له فَإِنْ كان الشَّرْطُ الْخَسْقَ أو كان السَّهْمُ خَارِجًا عن الْغَرَضِ لَا غَارِقًا فيه لم يُحْسَبْ له لِأَنَّهُ في الْأُولَى لَا يَدْرِي هل كان يَخْسِقُ أو لَا وفي الثَّانِيَةِ لَا يَدْرِي هل كان يَبْلُغُ الْغَرَضَ لَوْلَا هذا السَّهْمُ أو لَا وَلَا يُحْسَبُ عليه لِأَنَّهُ عَرَضٌ دُونَ الْغَرَضِ عَارِضٌ قال في الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثُبُوتِهِ فيه وَتُقَاسُ صَلَابَةُ ذلك السَّهْمِ بِصَلَابَةِ الْغَرَضِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ فَإِنْ شَقَّهُ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ له وَلَوْ سَقَطَ السَّهْمُ بِالْإِغْرَاقِ من الرَّامِي بِأَنْ بَالَغَ في الْمَدِّ حتى دخل النَّصْلُ مِقْبَضَ الْقَوْسِ وَوَقَعَ السَّهْمُ عِنْدَهُ فَكَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ وَنَحْوِهِ كَانْكِسَارِ الْقَوْسِ لِأَنَّ سُوءَ الرَّمْيِ أَنْ يُصِيبَ غير ما قَصَدَهُ ولم يُوجَدْ هُنَا فَصْلٌ قد قَدَّمْنَا لُزُومَهَا أَيْ الْمُنَاضَلَةِ فَتُفْسَخُ الْمُنَاضَلَةُ بِمَوْتِ الرَّامِي كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ اخْتِبَارُهُ وينفسخ الْعَقْدُ في الْمُسَابَقَةِ بِمَوْتِ الْفَرَسِ لَا بِمَوْتِ الْفَارِسِ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فيها على الْفَرَسِ لَا على الْفَارِسِ وَيَتَوَلَّاهَا أَيْ الْمُسَابَقَةَ الْوَارِثُ عنه بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَارِثٌ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ من يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَالظَّاهِرُ إبْقَاءُ كَلَامِهِمْ على عُمُومِهِ وَالْوَارِثُ يَشْمَلُ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَيُؤَخَّرُ الرَّمْيُ في الْمُنَاضَلَةِ لِلْمَرَضِ أو نَحْوِهِ فَلَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ وَلَا يُزَادُ بَعْدَ عَقْدِهَا وَلَا يَنْقُصُ في عَدَدِ الْأَرْشَاقِ ولا في عَدَدِ الْإِصَابَةِ إلَّا بِمَعْنًى لَكِنْ إنْ فَسَخَا الْعَقْدَ وَعَقَدَا عَقْدًا جَدِيدًا جَازَ لَهُمَا ذلك فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَنْضُولُ من إتْمَامِ الْعَمَلِ حُبِسَ على ذلك وَعُزِّرَ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا وَكَذَا الْآخَرُ أَيْ النَّاضِلُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْعَمَلِ وَيُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ على امْتِنَاعِهِ منه إنْ تَوَقَّعَ صَاحِبُهُ إدْرَاكَهُ فَيُسَاوِيهِ أو يَفْضُلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ شَرَطَا إصَابَةَ خَمْسَةٍ من عِشْرِينَ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً وَالْآخَرُ وَاحِدًا ولم يَبْقَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا رَمْيَتَانِ فَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ أَنْ يَتْرُكَ الْبَاقِيَ وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ رَمْيِ صَاحِبِهِ من التَّبَاطُؤِ بِالرَّمْيِ وَلَا يُدْهَشُ اسْتِعْجَالًا فَلَوْ تَعَلَّلَ بَعْدَ ما رَمَى صَاحِبُهُ بِمَسْحِ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ وَأَخْذِ النَّبْلِ بَعْدَ النَّبْلِ وَالنَّظَرِ فيه وَالْكَلَامِ مع غَيْرِهِ قِيلَ له ارْمِ لَا مُسْتَعْجِلًا وَلَا مُتَبَاطِئًا لِأَنَّهُ قد يَتَعَلَّلُ لِخُطَّائِهِ وقد يُصِيبُ صَاحِبُهُ فَيُؤَخِّرُ لِتَبْرُدَ يَدُهُ أو يَنْسَى نَهْجَ الصَّوَابِ وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا من أَذِيَّةِ صَاحِبِهِ بِالتَّبَجُّحِ وَالْفَخْرِ عليه وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ حَمْلِ أَحَدِهِمَا في يَدِهِ من النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا في يَدِ الْآخَرِ وَلَا أَنْ تُحْسَبَ لِأَحَدِهِمَا الْإِصَابَةُ بِإِصَابَتَيْنِ وَلَا أَنْ يَحُطَّ من إصَابَاتِهِ شَيْءٌ أو أَنَّهُ إنْ أَخْطَأَ رُدَّ عليه سَهْمٌ أو سَهْمَانِ لِيُعِيدَ رَمْيَهُمَا لِأَنَّ هذه الْمُعَامَلَةَ مَبْنِيَّةٌ على التَّسَاوِي نعم لو شَرَطَ أَنَّ الْخَاسِقَ بِحَابِيَيْنِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَثْنِيَةُ حَابٍ في صُوَرِ شَرْطِ الْحَوَابِي جَازَ لِأَنَّ الْخَاسِقَ يَخْتَصُّ بِالْإِصَابَةِ وَالثُّبُوتِ فَجَازَ أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مَقَامَ حَابٍ وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ في التَّرْكِ لِلرَّمْيِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا أو أَنَّ من تَرَكَ الرَّمْيَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بَطَلَ الْعَقْدُ أَيْ لم يَصِحَّ لِمُخَالَفَةِ وَضْعِهِ وَلَا يَجُوزُ بَذْلُ مَالٍ على حَطِّ الْفَضْلِ فَلَوْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِإِصَابَاتٍ فقال الْمَفْضُولُ حُطَّ فَضْلَك وَلَك كَذَا لم يَجُزْ لِأَنَّ حَطَّ الْفَضْلِ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ في السَّبَقِ لِأَجْنَبِيٍّ فِيمَا غَرِمَ الْمُنَاضِلُ أو غَنِمَ فَلَوْ تَنَاضَلَا أو تَسَابَقَا وَأَخْرَجَ السَّبَقَ أَحَدُهُمَا أو هُمَا وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ فقال أَجْنَبِيٌّ لِأَحَدِهِمَا شَارِكْنِي فيه فَإِنْ غَنِمْت أَخَذْت مَعَك ما أَخْرَجْته وَإِنْ غَرِمَتْ غَرِمْت مَعَك لم يَجُزْ لِأَنَّ الْغُنْمَ وَالْغُرْمَ في ذلك مَبْنِيَّانِ على الْعَمَلِ وَهَذَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يَعْمَلُ وَلَوْ تَنَاضَلَا فَرَمَيَا بَعْضَ الْأَرْشَاقَ ثُمَّ مَلَّا فقال أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ارْمِ فَإِنْ أَصَبْت فَقَدْ نَضَلْتنِي أو قال أَرْمِي أنا فَإِنْ أَصَبْت هذه الْوَاحِدَةَ فَقَدْ نَضَلْتُك لم يَجُزْ لِأَنَّ النَّاضِلَ من سَاوَى صَاحِبَهُ في عَدَدِ الْأَرْشَاقِ وَفَضَلَهُ في الْإِصَابَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ
____________________
(4/239)
عَقَدَا في الصِّحَّةِ وَدَفَعَا الْعِوَضَ في مَرَضِ الْمَوْتِ فَالْعِوَضُ من رَأْسِ الْمَالِ كَالْإِجَارَةِ أو عَقَدَا في الْمَرَضِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَعِوَضُ الْمِثْلِ من رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ ليس تَبَرُّعًا وَلَا مُحَابَاةً فيه وَإِنْ زَادَ على عِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَالزِّيَادَةُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُسَابَقَةُ الشَّامِلَةِ لِلْمُنَاضَلَةِ بِالصَّبِيِّ بِمَالِهِ وَإِنْ اسْتَفَادَ بها التَّعَلُّمَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي الْجَوَازُ فِيمَا إذَا كان من أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ وقد رَاهَقَ لَا سِيَّمَا إذَا كان قد أَثْبَتَ اسْمَهُ في الدِّيوَانِ وَكَذَا في السَّفِيهِ الْبَالِغِ لِمَا فيه من الْمَصْلَحَةِ وَإِنْ سَأَلَ أَحَدُهُمَا وَضْعَ الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ عِنْدَ عَدْلٍ وَالْآخَرُ تَرَكَهُ عِنْدَهُمَا وهو عَيْنٌ أُجِيبَ أو دَيْنٌ فَلَا يُجَابُ فَإِنْ اتَّفَقَا على وَضْعِهِ عِنْدَ هُمَا أو عِنْدَ عَدْلٍ يَثِقَانِ بِهِ جَازَ وَالثَّانِي أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ عن النِّزَاعِ وَإِنْ اخْتَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَدْلًا اخْتَارَ الْحَاكِمُ أَحَدَهُمَا الْأَنْسَبُ بِمَا يَأْتِي وَبِعِبَارَةِ الْأَصْلِ عَدْلًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْعَدْلَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِمَا أو له أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهُمَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَدْلِ فَإِنْ جَرَتْ بها عَادَةٌ فَوَجْهَانِ قال الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عن الرُّويَانِيِّ بِنَاءً على الْوَجْهَيْنِ في الْخَيَّاطِ أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّهَا وَتَكُونُ على الْمُتَسَابِقَيْنِ وَلَا يَخْتَصُّ بها السَّابِقُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا أُجْرَةٌ على حِفْظِ الْمَالَيْنِ وَثَانِيهِمَا لَا أُجْرَةَ له وَقَضِيَّةُ ذلك تَرْجِيحُ الثَّانِي وَإِنْ اخْتَلَفَا في مَكَانِ الْمُحَلِّلِ بِأَنْ رضي أَحَدُهُمَا بِعُدُولِهِ عن الْوَسَطِ ولم يَرْضَ الْآخَرُ أو رَضِيَا بِتَرْكِ تَوَسُّطِهِ وقال أَحَدُهُمَا يَكُونُ عن الْيَمِينِ وقال الْآخَرُ عن الْيَسَارِ لَزِمَ تَوَسُّطُهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُجْرِيَ فَرَسَهُ بين فَرَسَيْهِمَا فَإِنْ لم يَتَوَسَّطْهُمَا وَأَجْرَاهُ بِجَنْبِ أَحَدِهِمَا جَازَ إنْ تَرَاضَيَا بِهِ فَإِنْ تَنَازَعَ الْمُتَسَابِقَانِ في الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَيَحُثُّ الْفَرَسَ في السِّبَاقِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ اللِّجَامِ وَلَا يَجْلِبُ عليه بِالصِّيَاحِ لِيَزِيدَ عَدْوَهُ وَلِخَبَرِ لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وفي رِوَايَةٍ رَوَاهَا أبو دَاوُد لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ في الرِّهَانِ قال الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ في مَعْنَى الْجَنَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجَنِّبُونَ الْفَرَسَ حتى إذَا قَارَبُوا الْأَمَدَ تَحَوَّلُوا عن الْمَرْكُوبِ الذي كَدَّهُ بِالرُّكُوبِ إلَى الْجَنِيبَةِ فَنُهُوا عنه وَلَوْ رَمَى أَحَدُهُمَا بِلَا اسْتِئْذَانٍ لِصَاحِبِهِ فَهَلْ يُحْسَبُ أو لَا يُحْسَبُ وَإِنْ أَصَابَ لِتَرْكِهِ اتِّبَاعَ عُرْفِ الرُّمَاةِ في الِاسْتِئْذَانِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ تَتِمَّةٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْغَرَضِ شَاهِدَانِ لِيَشْهَدَا على ما وَقَعَ من إصَابَةٍ وَخَطَأٍ وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْدَحَا الْمُصِيبَ وَلَا أَنْ يَذُمَّا الْمُخْطِئَ لِأَنَّ ذلك يُخِلُّ بِالنَّشَاطِ كِتَابُ الْأَيْمَانِ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا وَأَخْبَارٌ منها أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَحْلِفُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قال في الثَّالِثَةِ إنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْيَمِينُ وَالْحَلِفُ وَالْإِيلَاءُ وَالْقَسَمُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ هِيَ لُغَةً الْيَدُ الْيُمْنَى وَأُطْلِقَتْ على الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَحْفَظُ الشَّيْءَ على الْحَالِفِ كما تَحْفَظُهُ الْيَدُ وَاصْطِلَاحًا تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كان أو مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أو إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ أو مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ أو لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا صَادِقَةً كانت الْيَمِينُ أو كَاذِبَةً مع الْعِلْمِ بِالْحَالِ أو مع الْجَهْلِ بِهِ وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا وَسَيَأْتِي وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ الثَّابِتُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَنَّ أو لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ فَكَذَلِكَ لِتَحَقُّقِهِ في نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحَقُّقِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فيه الْحِنْثُ وَفَارَقَ انْعِقَادَهَا فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ فيه الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ أو لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ وَامْتِنَاعَ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ الْيَمِينُ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ أو تَوْكِيدُهُ بِاسْمِ اللَّهِ أو صِفَةٍ من صِفَاتِهِ قال الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ أو صِفَتِهِ لَا يَدْخُلُ في حَقِيقَةِ الْيَمِينِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَحَلَفْت بِغَيْرِ اللَّهِ وفي الْخَبَرِ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَأَسْقَطَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ الْكَلَامَ في حَقِيقَةِ الْيَمِينِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْكَفَّارَةِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ كَاذِبًا عَالِمًا بِالْحَالِ على مَاضٍ فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا
____________________
(4/240)
تَغْمِسُ صَاحِبَهَا في الْإِثْمِ أو في النَّارِ وَهِيَ من الْكَبَائِرِ كما وَرَدَ في الْبُخَارِيِّ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ الْآيَةَ وَلِأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ وهو مُخْتَارٌ كَاذِبٌ فَصَارَ كما لو حَلَفَ على مُسْتَقْبَلٍ وَالْإِثْمُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا كما في الظِّهَارِ وَيَجِبُ فيها التَّعْزِيرُ أَيْضًا قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ وابن الصَّلَاحِ فَإِنْ كان جَاهِلًا فَفِي وُجُوبِهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عليه نَاسِيًا وَمَنْ حَلَفَ بِلَا قَصْدٍ بِأَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ كَقَوْلِهِ في حَالَةِ غَضَبٍ أو لَجَاجٍ أو صِلَةِ كَلَامٍ لَا وَاَللَّهِ تَارَةً بَلَى وَاَللَّهِ أُخْرَى أو سَبَقَ لِسَانُهُ بِأَنْ حَلَفَ على شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَغْوٌ أَيْ فَهُوَ لَغْوُ يَمِينٍ إذْ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ الْيَمِينِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلِخَبَرِ لَغْوُ الْيَمِينِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ فَلَوْ جَمَعَ بين لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ في كَلَامٍ وَاحِدٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ الْأُولَى لَغْوٌ وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ مَقْصُودٌ منه وَيُصَدَّقُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ على قَصْدِهِ الْيَمِينَ التي حَلَفَهَا إنْ قال لم أَقْصِدْ هَا وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا في الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِجْرَاءِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ بِخِلَافِ هذه الثَّلَاثَةِ فَدَعْوَاهُ فيها يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ كان ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على قَصْدِهِ الْيَمِينَ لم يُصَدَّقْ ظَاهِرًا وَلَوْ قال أَعْزِمُ أو عَزَمْت أو أُقْسِمُ أو أَقْسَمْت أو آلِي أو آلَيْت عَلَيْك بِاَللَّهِ أو أَسْأَلُك أو سَأَلْتُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَن كَذَا وَقَصَدَ عَقْدَ الْيَمِينِ لِنَفْسِهِ كان يَمِينًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَزَمَ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَيُنْدَبُ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فيه هذا إنْ أُبِيحَ الْإِبْرَارُ الذي في الرَّوْضَةِ هذا إذَا لم يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَارُ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ أو مَكْرُوهٍ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الذي لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ يُسْتَحَبُّ إبْرَارُ الْحَالِفِ على تَرْكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَلِفَ على تَرْكِهِ وَالْإِقَامَةِ عليه مَكْرُوهَانِ فإذا كان الْأَمْرُ كَذَلِكَ في حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَى لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ هذا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُ قَسَمِ الْحَالِفِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ شَرْعًا وَرَجَحَتْ مَصْلَحَةُ إبْرَارِهِ انْتَهَى أَمَّا إذَا لم يَقْصِدْ عَقْدَ الْيَمِينِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَصَدَهُ لِلْمُخَاطَبِ أو قَصَدَ بِهِ الشَّفَاعَةَ أو أَطْلَقَ فَلَيْسَ يَمِينًا لِأَنَّ ذلك ليس صَرِيحًا فيها وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ على الشَّفَاعَةِ وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَدُّ السَّائِلِ بِهِ لِخَبَرِ لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ وَخَبَرِ من سَأَلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَعْطُوهُ رَوَاهُمَا أبو دَاوُد فَصْلٌ لو عَقَّبَ الْحَالِفُ الْيَمِينَ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ لم يَحْنَثْ بِالْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عليه لِمَا مَرَّ في الطَّلَاقِ ولم تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِلتَّعْلِيقِ وَقِيلَ تَنْعَقِدُ لَكِنْ الْمَشِيئَةُ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَحْنَثُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَجَزَمَ كَأَصْلِهِ بِهِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَيُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَقَصْدُهُ قبل فَرَاغِ الْيَمِينِ وَاتِّصَالُهُ بها فَلَا يَضُرُّ
____________________
(4/241)
تَخَلُّلُ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِتَذَكُّرٍ أو عَيٍّ أو تَنَفُّسٍ كما في الطَّلَاقِ وَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ على الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا أو أَنْتِ طَالِقٌ أو أنت حُرٌّ وعلى الْإِقْرَارِ فَإِنْ قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِائَةٌ لَزِمَهُ تِسْعُونَ وَإِنْ قَدَّمَهُ على أَيْمَانٍ وَلَوْ على طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ فقال إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَبْدِي حُرٌّ بِعَاطِفٍ وَغَيْرِهِ قَصَدَ اسْتِثْنَاءَهُمَا مَعًا أَمْ أَطْلَقَ لم يَقَعَا بِنَاءً على أَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ على الْمُتَعَاطِفَاتِ يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا كَالْمُتَأَخِّرِ عنها أَمَّا مع الْعَاطِفِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بِدُونِهِ فَلِأَنَّهُ قد يُحْذَفُ مع إرَادَةِ الْعَطْفِ وَكَذَا إنْ وَسَّطَ الِاسْتِثْنَاءَ كانت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى طَالِقٌ لَا يَقَعُ الْمَحْلُوفُ عليه وَالتَّمْثِيلُ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا صَحَّ فَإِنْ لم يَنْوِهِ انْصَرَفَ إلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً فَيَقَعُ الْعِتْقُ دُونَ الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إنْ لم يَشَأْ اللَّهُ أو إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ حُكْمُهُ كما في نَظِيرِهِ من الطَّلَاقِ فَلَا يَحْنَثُ فَرْعٌ لو قال وَاَللَّهِ لِأَدْخُلَنَّ الْيَوْمَ هذه الدَّارَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ وَأَرَادَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ عَدَمَ دُخُولِي فَدَخَلَ في الْيَوْمِ أو لم يَدْخُلْ فيه وَشَاءَ زَيْدٌ عَدَمَ دُخُولِهِ لم يَحْنَثْ وَحَنِثَ بِتَرْكِ الدُّخُولِ فيه مع مَشِيئَتِهِ له أَيْ لِلدُّخُولِ وهو ظَاهِرٌ وَمَعَ الْجَهْلِ بها بِأَنْ مَاتَ أو جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه حتى مَضَى الْيَوْمُ لِأَنَّ الْمَانِعَ من حِنْثِهِ الْمَشِيئَةُ وقد جُهِلَتْ أو قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الدُّخُولَ حَنِثَ بِالدُّخُولِ قبل مَشِيئَتِهِ سَوَاءٌ أَشَاءَ زَيْدٌ عَدَمَ دُخُولِهِ أَمْ لَا وَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ بَعْدَهَا وَلَا بِتَرْكِ الدُّخُولِ وَمَتَى مَاتَ أو جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه ولم يَعْلَمْ مَشِيئَتَهُ حَنِثَ بِالدُّخُولِ لِمَا مَرَّ في التي قَبْلَهَا أو قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ عَدَمَ الدُّخُولِ لم تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ حتى يَشَاءَ عَدَمَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ وَإِلَّا من زِيَادَتِهِ وَلَا مَعْنَى لها هُنَا وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا أَدْخُلَ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لِأَدْخُلَنَّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ دُخُولِي لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ دُخُولَهُ فَإِنْ شَاءَ دُخُولَهُ وَدَخَلَ بَعْدَهَا أَيْ الْمَشِيئَةِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ قبل الْمَوْتِ إنْ لم يُقَيِّدْ الدُّخُولَ بِزَمَنٍ فَلَوْ لم تُعْرَفْ مَشِيئَتُهُ أو لم يَشَأْ شيئا أو شَاءَ أَنْ لَا يَدْخُلَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ لم تَنْعَقِدْ فَصْلٌ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا بِسَبْقِ لِسَانٍ مَكْرُوهٌ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَجِبْرِيلَ وَالصَّحَابَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كان حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَصْمُتْ وَلِخَبَرِ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قال الْإِمَامُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ مَعْصِيَةً مَحْمُولٌ على الْمُبَالَغَةِ في التَّنْفِيرِ من ذلك فَلَوْ حَلَفَ بِهِ لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَهُ كما وفي نُسْخَةٍ بِمَا يُعَظِّمُ اللَّهَ بِأَنْ اعْتَقَدَ فيه من التَّعْظِيمِ ما يَعْتَقِدُهُ في اللَّهِ تَعَالَى كَفَرَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْحَاكِمِ من حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَمَّا إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ هو لَغْوُ يَمِينٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ في قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الذي قال لَا أَزِيدُ على هذا وَلَا أَنْقُصُ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ وَإِنْ قال إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أو بَرِيءٌ من اللَّهِ أو من رَسُولِهِ أو من الْإِسْلَامِ أو من الْكَعْبَةِ أو فَأَكُونُ مُسْتَحِلًّا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ مُسْتَحِلٌّ أَيْ أو أنا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ أو الْمَيْتَةِ أو نَحْوِ ذلك فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِعُرُوِّهِ عن ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ وَلِأَنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أو سَارِقٌ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عن ذلك أو أَطْلَقَ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَذْكَارِ لم يَكْفُرْ لَكِنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ أو قَصَدَ الرِّضَا بِذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ كَفَرَ في الْحَالِ فَإِنْ لم نُكَفِّرْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فيقول لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ لَكِنْ ظَاهِرُ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من حَلَفَ فقال في حَلِفِهِ بِاَللَّاتِي وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الِاقْتِصَارُ على لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ وأن يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ من كل إثْمٍ وَيَجِبُ أَنْ يَتُوبَ منه عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِكُلٍّ من تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ من كل كَلَامٍ مُحَرَّمٍ
____________________
(4/242)
فَصْلٌ حُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ لِاشْتِهَارِهَا فيه شَرْعًا وَعُرْفًا وزاد الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ الْأَلِفَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَالْأَصْلُ الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ ثُمَّ الْوَاوُ ثُمَّ التَّاءُ الْفَوْقِيَّةُ لَا بُدَّ لها من الْوَاوِ وَالْوَاوُ من الْبَاءِ كما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَلِدُخُولِهَا على الْمُضْمَرِ كَالْمُظْهَرِ تَقُولُ حَلَفْت بِك وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْوَاوُ تَخْتَصُّ بِالْمُظْهَرِ وَالتَّاءُ لَا تَدْخُلُ إلَّا على اللَّهِ تَعَالَى كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ قال تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ من فَوْقٍ أو وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَرَادَ غير الْيَمِينِ بِأَنْ قال أَرَدْت تَاللَّهِ أو وَاَللَّهِ ثُمَّ ابْتَدَأْت لَأَفْعَلَن قُبِلَ منه فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِهِ بِخِلَافِ ما لو أَرَادَ الْيَمِينَ أو أَطْلَقَ وَكَذَا لو قال بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ لَأَفْعَلَن كَذَا فَإِنْ أَرَادَ غير الْيَمِينِ بِأَنْ قال أَرَدْت وَثِقْت أو اسْتَعَنْت بِاَللَّهِ قُبِلَ منه وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ فَاَللَّهِ بِالْفَاءِ أو يَالِلَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ من تَحْتٍ أو آللَّهِ بِالْمَدِّ لَأَفْعَلَن كَذَا كِنَايَةً فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا وَوَجْهُ كَوْنِهِ يَمِينًا في الثَّانِيَةِ بِحَذْفِ الْمُنَادَى وَكَأَنَّهُ قال يا قَوْمُ أو يا رَجُلُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْيَمِينَ
وَلَوْ قال له الْقَاضِي قُلْ وَاَللَّهِ فقال تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ أو الرحمن لم يَجُزْ أَيْ لم يُحْسَبْ يَمِينًا لِمُخَالَفَتِهِ التَّحْلِيفَ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ يَمِينًا فِيمَا لو قال له قُلْ تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ فقال بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ أو قُلْ بِاَللَّهِ فقال وَاَللَّهِ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَسَأَذْكُرُهُ مع ما يَتَعَلَّقُ بِهِ في مَحَلِّهِ الذي أَشَارَ فيه الْمُصَنِّفُ إلَى ذلك مع بَيَانِ أَنَّهُ نُكُولٌ أو لَا وَلَوْ لَحَنَ فَرَفَعَ الْهَاءَ أو نَصَبَهَا أو سَكَّنَهَا لم يَضُرَّ لِأَنَّ اللَّحْنَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَلَوْ حَذَفَ حَرْفَ الْقَسَمِ فقال اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا بِجَرِّهِ أو نَصْبِهِ أو رَفْعِهِ أو إسْكَانِهِ فَكِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا وَاللَّحْنُ وَإِنْ قِيلَ بِهِ الرَّفْعُ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ كما مَرَّ على أَنَّهُ لَا لَحْنَ في ذلك فَالرَّفْعُ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ اللَّهُ أَحْلِفُ بِهِ وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالْجَرُّ بِحَذْفِهِ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ وَالْإِسْكَانُ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ قال الرَّافِعِيُّ وَيُحْتَجُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ رُكَانَةَ اللَّهُ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً رَوَاهُ الْعِمْرَانِيُّ بِالرَّفْعِ وَالرُّويَانِيُّ بِالْجَرِّ وَبِقَوْلِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ في قَتْلِهِ أَبَا جَهْلٍ اللَّهَ قَتَلْته بِالنَّصْبِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَلَوْ قال له بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ لَغَا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهَا هذا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ قال لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أو صِفَتِهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هذا لَحْنٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ اللَّحْنَ مُخَالَفَةُ صَوَابِ الْإِعْرَابِ بَلْ هذه كَلِمَةٌ أُخْرَى وقال ابن الصَّلَاحِ ليس هو لَحْنًا بَلْ لُغَةً حَكَاهَا الزَّجَّاجِيُّ أَيْ غَيْرُهُ وَهِيَ شَائِعَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وما قَالَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَالْأَوَّلُ نَافٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ اسْتَحْضَرَ النَّوَوِيُّ ما قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ لَمَا قال ما قال وَجَزَمَ في الْأَنْوَارِ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْجُوَيْنِيِّ وَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ من أنها يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا وَيُحْمَلُ حَذْفُ الْأَلِفِ على اللَّحْنِ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَجْرِي كَذَلِكَ على أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ أَوْجَهُ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يُرِدْ بِبَلِّهِ الْبِلَّةَ بِمَعْنَى الرُّطُوبَةِ فَصْلٌ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ أَيْ بِوَاحِدٍ منها وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ما لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كان من أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ أَمْ لَا كَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أو أَسْجُدُ له وما يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَالْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عليه تَعَالَى وما يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا فقال وما لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ كَ وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أو أُصَلِّي له وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ أو نَفْسِي بيده وَالْأَسْمَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ كَوَاللَّهِ وَالْإِلَهِ وَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ كَخَالِقِ الْخَلْقِ وَالْحَيِّ
____________________
(4/243)
الذي لَا يَمُوتُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ عن الْيَمِينِ قد تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَقْبَلُهُ فَالْوَجْهُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَصْلِهِ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ عن اللَّهِ تَعَالَى إلَى غَيْرِهِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ كَالْأَكْثَرِينَ الْحُكْمَ في الْإِلَهِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا كان الْحَالِفُ من أَهْلِ الْمِلْكِ فَإِنْ كان من غَيْرِهِمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بها ظَاهِرًا وَيَتَوَقَّفُ بَاطِنًا على إرَادَتِهِ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ هذا الِاسْمَ مُشْتَرَكًا بين اللَّهِ وَأَوْثَانِهِمْ انْتَهَى وَيَأْتِي مِثْلُهُ في وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أو أُصَلِّي له أو أَسْجُدُ له أو نَحْوِهَا وما لَا يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ وهو لِلَّهِ أَغْلَبُ كَالْجَبَّارِ وَالْحَقِّ وَالْمُتَكَبِّرِ وَالْبَارِئِ التَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ وَالْقَادِرِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالرَّحِيمِ وَالرَّبِّ لَا يَنْصَرِفُ عن الْيَمِينِ إلَّا بِنِيَّةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ غير اللَّهِ فَيَنْصَرِفُ عن الْيَمِينِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ له وقد نَوَاهُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَحَقِّ اللَّهِ وَحُرْمَتِهِ بِالْكَسْرِ لَا يَنْصَرِفُ عن الْيَمِينِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْكَسْرِ وَالْمُرَادُ الْجَرُّ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَلَا يَكُونُ ذلك يَمِينًا إلَّا بِنِيَّتِهَا وقد صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ في وَحَقِّ اللَّهِ أَمَّا الذي يُطْلَقُ على اللَّهِ وعلى غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَيْ مُسْتَوِيًا كَالْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَرِيمِ وَالْغَنِيِّ فَكِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ لِأَنَّهُ اسْمٌ يُطْلَقُ على اللَّهِ تَعَالَى وقد نَوَاهُ وَمِنْهُ وَالسَّمِيعُ وَالْبَصِيرُ وَالْعَلِيمُ وَالْحَكِيمُ وَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ وَعِلْمُ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَحَقِّهِ وَعَظَمَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَنَحْوِهَا من سَائِرِ صِفَاتِ الذَّاتِ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ وَبِالْحَقِّ الْعِبَادَاتِ وَبِالْعَظَمَةِ ما يَأْتِي وَبِالسَّمْعِ الْمَسْمُوعَ وَبِالْبَصَرِ الْمُبْصَرَ فَلَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ له وَلِهَذَا يُقَالُ في الدُّعَاءِ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَيُقَالُ اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ أَيْ مَقْدُورِهِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ وَمَعْلُومِ اللَّهِ وَمَقْدُورِهِ وَخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ ليس بِيَمِينٍ وَالْفَرْقُ بين صِفَتَيْ الذَّاتِ وَالْفِعْلِ أَنَّ الْأُولَى ما اسْتَحَقَّهُ في الْأَزَلِ وَالثَّانِيَةَ ما اسْتَحَقَّهُ فِيمَا لَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ يُقَالُ عَلِمَ في الْأَزَلِ وَلَا يُقَالُ رَزَقَ في الْأَزَلِ إلَّا تَوَسُّعًا بِاعْتِبَارِ ما يُؤَوَّلُ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَبَقَائِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَيَنْعَقِدُ بها الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بها ظُهُورَ آثَارِهَا على الْخَلْقِ فَقَدْ يُقَالُ في ذلك عَايَنْت عَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ وَعِزَّتَهُ وَجَلَالَهُ وَيُرَادُ مِثْلُ ذلك وَقَوْلُهُ وَحَقِّهِ وَعَظَمَتِهِ مُكَرَّرٌ وَقَوْلُهُ وَكَلَامُ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَقُرْآنِهِ يَمِينٌ كما لو حَلَفَ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْمُصْحَفِ وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يُرِدْ بِهِ حُرْمَتَهُ أو حُرْمَةَ ما هو مَكْتُوبٌ فيه أو الْقُرْآنَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ فَكَانَ هو الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا إنْ أَرَادَ بِهِ الرَّقَّ وَالْجِلْدَ أو أَحَدَهُمَا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ أَرَادَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ أو أَحَدَهُمَا أو بِالْكَلَامِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الدَّالَّةَ عليه لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَإِنْ قال أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أو أَحْلِفُ أو حَلَفْت أو أُولِي أو آلَيْت أو أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَيَمِينٌ وَلَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهُ عُرْفُ الشَّرْعِ قال تَعَالَى وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ فَإِنْ قال أَرَدْت بِالْمُضَارِعِ الْوَعْدَ بِالْحَلِفِ وبالماضي الْإِخْبَارَ عن حَلِفٍ مَاضٍ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ في الْإِيلَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ وَلَا يُنَافِي هذا ما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ من أَنَّهُ لو قال لم أَقْصِدْ الْيَمِينَ لم يُصَدَّقْ في الْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ هُنَا ادَّعَى ما يُوَافِقُهُ ظَاهِرُ الصِّيغَةِ من أَقْسَمْت أو أُقْسِمُ أو نَحْوِهِ بِخِلَافِهِ
____________________
(4/244)
فِيمَا مَرَّ إذْ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت كَذَا لَا يُوَافِقُ ما ادَّعَاهُ وَإِنْ حَذَفَ من ذلك اسْمَ اللَّهِ لَغَا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ لِأَنَّهُ لم يَحْلِفْ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِصِفَةٍ من صِفَاتِهِ وَلَوْ كان ذلك في الْإِيلَاءِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ جَعَلَهُ بَعْدَ وَالْأَخْبَارِ كان مُوَافِقًا لِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ تَأْخِيرَهُ من النُّسَّاخِ وَمَعَ هذا فَالْأَمْرُ قَرِيبٌ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَذَفَهُ ثَمَّ لِلْإِشْكَالِ الذي أُجِيبَ عنه لَمَّا لم يَظْهَرْ له عنه جَوَابٌ وَلَوْ قال أَشْهَدُ أو شَهِدْت أو أَعْزِمُ أو عَزَمْت بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا إنْ نَوَى فَيَمِينٌ قالوا لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ في أَشْهَدُ قال تَعَالَى قالوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ إذْ الْمُرَادُ نَحْلِفُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي فَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ ذلك لَا يَكُونُ يَمِينًا إذَا نَوَى غَيْرَهَا وهو ظَاهِرٌ أو أَطْلَقَ لِتَرَدُّدِهِ وَعَدَمِ إطْرَادِ عُرْفٍ شَرْعِيٍّ أو لُغَوِيٍّ بِهِ وَلَوْ قال الْمَلَاعِنُ في لِعَانِهِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ وكان كَاذِبًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَوَى غير الْيَمِينِ إذْ لَا أَثَرَ لِلتَّوْرِيَةِ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا لَا تُؤَثِّرُ التَّوْرِيَةُ حِينَئِذٍ في الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ وَالْكَفَّارَةُ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا تَلْزَمُهُ إذَا لم يَنْوِ الْيَمِينَ وَرُدَّ بِأَنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ من التَّحْرِيمِ وَالْإِثْمِ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَمَعَ ذلك لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْرِيَةِ قَطْعًا قال الْبُلْقِينِيُّ وإذا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ تَعَدَّدَتْ قَطْعًا بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ على الْمُسْتَقْبَلِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ في الْمَاضِي حَلِفٌ وَكَذَا في الْقَسَامَةِ انْتَهَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْحِنْثَ في الْمَاضِي مُقَارِنٌ لِلْيَمِينِ بِخِلَافِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْلُهُ لَا هَالِلْهُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كان مُسْتَعْمَلًا في اللُّغَةِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وأيم اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَشْهَرُ من كَسْرِهَا وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ قَطْعُهَا وَأَيْمُنُ اللَّهِ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا إذَا أَطْلَقَ لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَهَرَ في اللُّغَةِ وَوَرَدَ في الْخَبَرِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَلَعَمْرُ اللَّهِ وَالْمُرَادُ منه الْبَقَاءُ وَالْحَيَاةُ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مع ذلك على الْعِبَادَاتِ وَالْمَفْرُوضَاتِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ أَيْ كُلٌّ منها كِنَايَةٌ سَوَاءٌ أَضَافَ الْمَعْطُوفَاتِ إلَى الضَّمِيرِ كما مَثَّلَ أَمْ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ ما أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدْنَا بِهِ وإذا نَوَى بِهِ غَيْرَهَا الْعِبَادَاتُ التي أُمِرْنَا بها وقد فَسَّرَ بها الْأَمَانَةَ في قَوْله تَعَالَى إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِالْكُلِّ انْعَقَدَتْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَمْعُ بين الْأَلْفَاظِ تَأْكِيدٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فيها إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا كان يَمِينًا ولم يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كما لو حَلَفَ على الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا وَنَوَى بِكُلِّ مَرَّةٍ يَمِينًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ قال وَحَقُّ اللَّهِ بِالرَّفْعِ أو النَّصْبِ فَكِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بين اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ الْبَابُ الثَّانِي في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ في سَبَبِ الْكَفَّارَةِ فَتَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جميعا لِأَنَّهُ لو كان السَّبَبُ مُجَرَّدَ الْيَمِينِ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لم يُوجَدْ الْحِنْثُ أو مُجَرَّدُ الْحِنْثِ لَمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عليه فَصْلٌ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ بِغَيْرِ الصَّوْمِ على الْحِنْثِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ وإذا حَلَفْت على يَمِينٍ فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَكَفِّرْ عن يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الذي هو خَيْرٌ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا على أَحَدِهِمَا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ أَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ على وَقْتِ وُجُوبِهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عن جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَالِيَّةِ وَالْعَجْزُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَوْ كان الْحِنْثُ بِمَعْصِيَةٍ من تَرْكِ وَاجِبٍ أو فِعْلِ حَرَامٍ كما لو حَلَفَ لَا يَزْنِي فإنه يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عليه لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ وَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةٌ وَلَا تَحْرِيمٌ بَلْ الْمَحْلُوفُ عليه مَعْصِيَةٌ قبل الْيَمِينِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ التَّكْفِيرِ وَبَعْدَهُ وَخَرَجَ بِالْحِنْثِ الْيَمِينُ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عليها لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ على السَّبْيَيْنِ وَمِنْهُ لو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك لم يَجُزْ التَّكْفِيرُ قبل دُخُولِهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لم تَنْعَقِدْ بَعْدُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا على السَّبَبَيْنِ لَا تَجُوزُ مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ حتى لو وَكَّلَ من يُعْتِقُ عنها مع شُرُوعِهِ في الْيَمِينِ لم يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَأْخِيرُهَا عن الْحِنْثِ أَفْضَلُ
____________________
(4/245)
لِيَخْرُجَ من خِلَافِ أبي حَنِيفَةَ وَإِنْ قال أَعْتَقْت عَبْدِي عن كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْت فَحَنِثَ أَجْزَأَهُ ذلك عن الْكَفَّارَةِ وَإِنْ قال أَعْتِقُهُ عنها إنْ حَلَفْت لم يَجُزْهُ عنها لِأَنَّهُ قَدَّمَ التَّعْلِيقَ على الْيَمِينِ وفي التي قَبْلَهَا قَدَّمَهُ على الْحِنْثِ فَقَطْ وَإِنْ قال إنْ حَنِثْت في يَمِينِي غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ عن كَفَّارَتِي فَإِنْ حَنِثَ غَدًا عَتَقَ وَأَجْزَأَهُ عنها وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه لم يُوجَدْ وَإِنْ قال أَعْتِقُهُ عن كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْت فَبَانَ حَانِثًا عَتَقَ وَأَجْزَأَهُ عنها وَإِلَّا فَلَا نعم إنْ حَنِثَ بَعْدَ ذلك أَجْزَأَهُ عنها أو قال أَعَتَقْته عن كَفَّارَتِي إنْ حَلَفْت وَحَنِثْت فَبَانَ حَالِفًا قال الْبَغَوِيّ لم يَجُزْهُ لِلشَّكِّ في الْحَلِفِ بِخِلَافِ التي قَبْلَهَا فإن الشَّكَّ في الْحِنْثِ وَالتَّكْفِيرُ قبل الْحِنْثِ جَائِزٌ قال في الْأَصْلِ وَعَلَى قِيَاسِهِ لو قال هو حُرٌّ عن ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَبَانَ مُظَاهِرًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ عن الْكَفَّارَةِ أو مَاتَ أو تَعَيَّبَ بَعْدَ الْيَمِينِ قبل الْحِنْثِ لم يُجْزِهِ عنها كما لو عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَارْتَدَّ الْآخِذُ لها أو مَاتَ أو اسْتَغْنَى قبل تَمَامِ الْحَوْلِ فَرْعٌ تُجْزِئُ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالصَّيْدِ غَيْرُ الصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزَّهُوقِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِخِلَافِ التَّكْفِيرِ قبل الْجُرْحِ لِمَا مَرَّ وَلِلْمُظَاهِرِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قبل الْعَوْدِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصُورَتُهُ أَنْ يُظَاهِرَ من رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ يُرَاجِعَهَا أو يُظَاهِرَ من زَوْجَتِهِ فَيُطَلِّقُهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ يُكَفِّرُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا أو يُظَاهِرُ مُؤَقَّتًا وَيُكَفِّرُ ثُمَّ يَطَأُ أو يُظَاهِرُ فَتَرْتَدُّ الزَّوْجَةُ فَيُكَفِّرُ ثُمَّ تُسْلِمُ هِيَ وَالْعِتْقُ عن كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عَقِيبَ الظِّهَارِ في غَيْرِ ذلك وَنَحْوِهِ عِتْقٌ مع الْعَوْدِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالتَّكْفِيرِ عَوْدٌ وَإِنْ أَجْزَأَ ذلك أَيْضًا فَرْعٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ في رَمَضَانَ أو الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ عليه لِأَنَّهَا لَا تُنْسَبُ إلَى الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ بَلْ إلَى الْجِمَاعِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ تُنْسَبُ إلَى الْيَمِينِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ عليها لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَوْ جُوِّزَتْ هذه الثَّلَاثَةُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ جَازَ تَقْدِيمُهَا عليها لِلْعُذْرِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمَنْذُورِ الْمَالِيِّ على الْمَنْذُورِ له كَإِنْ شُفِيت فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أو أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا كما في تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ الْبَدَنِيِّ كَالصَّوْمِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَلَوْ قَدَّمَتْ الْحَامِلُ أو الْمُرْضِعُ الْفِدْيَةَ حَالَ الصِّيَامِ أو قبل الْفَجْرِ على الْإِفْطَارِ جَازَ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ عَجَّلَتْ فِدْيَةَ الْإِفْطَارِ لِأَيَّامٍ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَكَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ فَيَمْتَنِعُ فِيمَا زَادَ على يَوْمِ التَّعْجِيلِ فَصْلٌ تُكْرَهُ الْيَمِينُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَيْ لَا تُكْثِرُوا منها لِتُصَدَّقُوا وَلِخَبَرِ إنَّمَا الْحَلِفُ حِنْثٌ أو نَدَمٌ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عن الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عليه إلَّا في طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُكْرَهُ كَالْبَيْعَةِ على الْجِهَادِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَن قُرَيْشًا وَالْحَثِّ على الْخَيْرِ كَوَاللَّهِ إنْ لم تَتُبْ لَتَنْدَمَ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وكاليمين الصَّادِقَةِ في الدَّعَاوَى قال في الرَّوْضَةِ وَلَا تُكْرَهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا دَعَتْ إلَيْهَا حَاجَةٌ كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ وَتَعْظِيمِ أَمْرٍ كَقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حتى تَمَلُّوا وَقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ وَاَللَّهِ لو تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قال الْإِمَامُ وَلَا يَجِبُ الْيَمِينُ أَصْلًا وَأَنْكَرَهُ عليه ابن عبد السَّلَامِ وَأَوْرَدَ صُوَرًا تَجِبُ الْيَمِينُ فيها
____________________
(4/246)
فَإِنْ حَلَفَ على أَدَاءِ أَيْ فِعْلِ وَاجِبٍ أو تَرْكِ حَرَامٍ فَالْيَمِينُ طَاعَةٌ وَحُرِّمَ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عليها وَاجِبَةٌ أو حَلَفَ على تَرْكِهِ أَيْ تَرْكِ وَاجِبٍ أو فِعْلِ حَرَامٍ فَالْيَمِينُ مَعْصِيَةٌ وَوَجَبَ عليه الْحِنْثُ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عليها حَرَامٌ وَلِخَبَرِ من حَلَفَ على يَمِينٍ السَّابِقِ نعم إنْ كان له طَرِيقٌ غَيْرُ الْحِنْثِ لم يَلْزَمْهُ الْحِنْثُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ على زَوْجَتِهِ فإن له طَرِيقَيْنِ غَيْرُ الْحِنْثِ أَنْ يُعْطِيَهَا من صَدَاقِهَا أو يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبْرِئَهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مع بَقَاءِ التَّعْظِيمِ أو حَلَفَ لَيَتْرُكَن سُنَّةً أو لَيَفْعَلَن مَكْرُوهًا اُسْتُحِبَّ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْإِقَامَةَ عليها مَكْرُوهَانِ وفي مِثْلِهِ نَزَلَتْ آيَةُ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَلِخَبَرِ من حَلَفَ على يَمِينٍ السَّابِقِ أو حَلَفَ على أَنْ يَفْعَلَهَا أَيْ السُّنَّةَ أو أَنْ يَتْرُكَ مَكْرُوهًا كُرِهَ له الْحِنْثُ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عليها مَنْدُوبَةٌ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا أو لَا يَلْبَسُ نَاعِمًا وَأَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِالسَّلَفِ وهو مِمَّنْ يَصْبِرُ على خُشُونَةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وقد تَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ أو لم يَتَفَرَّغْ لها فِيمَا يَظْهَرُ فَطَاعَةٌ حَلِفَهُ وَإِلَّا كُرِهَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ
____________________
(4/247)
قَوْله تَعَالَى قُلْ من حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ من الرِّزْقِ وَلَوْ حَلَفَ على فِعْلِ أو تَرْكِ مُبَاحٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِثْلُ هذا الْغَرَضِ كَدُخُولِ دَارٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ أو تَرْكِهَا اُسْتُحِبَّ له الْوَفَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَلِمَا فيه من تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى قال في الْأَصْلِ وقد حَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عليه عَمَّا كان وُجُوبًا وَتَحْرِيمًا وَنَدْبًا وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّتِهَا أَيْ الْكَفَّارَةِ فَيَتَخَيَّرُ الْحَالِفُ بين إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أو كِسْوَتِهِمْ أو إعْتَاقِ رَقَبَةٍ لِآيَةِ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَا يَجُوزُ التَّبْعِيضُ فيها فَلَوْ أَطْعَمَ بَعْضَ الْعَشَرَةِ وَكَسَا بَعْضَهُمْ لم يُجْزِهِ كما لَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيُطْعِمَ أو يَكْسُوَ خَمْسَةً وَلِأَنَّ التَّخْيِيرَ بين الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ يَنْفِي التَّمَكُّنَ من غَيْرِهَا وَالتَّفْرِيقُ غَيْرُهَا فَإِنْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا أو كَسَاهُمْ عن ثَلَاثٍ من الْكَفَّارَاتِ أو أَطْعَمَ عَشَرَةً وَكَسَا عَشَرَةً وَأَعْتَقَ رَقَبَةً عنها جَازَ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ بِنَاءً على ما مَرَّ من أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ في الْكَفَّارَاتِ لَا يُشْتَرَطُ وَمَنْ عَجَزَ عن الْخِصَالِ الثَّلَاثِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْآيَةِ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِبِنَاءِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ على التَّخْفِيفِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَالْعَاجِزُ من له أَخْذُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ من فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ في الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ في الْإِعْطَاءِ وقد يَمْلِكُ نِصَابًا فَيُزَكِّيَ وَيُبَاحُ له أَخْذُهَا أَيْ الزَّكَاةِ حين لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَالْفَرْقُ بين الْبَابَيْنِ أَنَّا لو أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابُ عنها بِلَا بَدَلٍ وَلِلتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بَدَلٌ وهو الصَّوْمُ وقد سَبَقَ بَيَانُ الْعَجْزِ في الْكَفَّارَاتِ فَرْعٌ إخْرَاجُ الطَّعَامِ وَجَمِيعُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ من جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ وَكَيْفِيَّةِ إخْرَاجِهِ وَغَيْرِهَا كما سَبَقَ في الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الْعِتْقُ كما سَبَقَ ثَمَّ وَالْكِسْوَةُ يَجِبُ تَمْلِيكُهَا كما في الطَّعَامِ وَهِيَ قَمِيصٌ أو سَرَاوِيلُ أو عِمَامَةٌ أو مُقَنَّعَةٌ أو إزَارٌ أَوَجُبَّةٌ أو قَبَاءٌ أو رِدَاءٌ أو مِنْدِيلٌ قال في الرَّوْضَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الذي يُحْمَلُ في الْيَدِ أو طَيْلَسَانٌ أو دِرْعٌ وهو قَمِيصٌ لَا كُمَّ له أو نَحْوُهَا مِمَّا يُسَمَّى كِسْوَةً من صُوفٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَشَعْرٍ وَحَرِيرٍ وَلَوْ لِرَجُلٍ وَإِنْ لم يَجُزْ له لُبْسُهُ لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ الْمَذْكُورَةِ في الْآيَةِ على ذلك رَدِيئًا كان أو جَيِّدًا أو مُتَوَسِّطًا لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ لَا الدِّرْعُ من حَدِيدٍ أو نَحْوِهِ من آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْمُكَعَّبُ أَيْ الْمَدَاسُ وَالنَّعْلُ وَالْخُفُّ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالتُّبَّانُ وهو سِرْوَالٌ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ وَالْقُفَّازُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ وَالتِّكَّةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً فَلَا يُجْزِئُ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى كِسْوَةً وَإِنْ كانت لَبُوسًا يَجِبُ على الْمُحْرِمِ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِهَا وَيُجْزِئُ لَبَدٌ أو فَرْوَةٌ اُعْتِيدَ في الْبَلَدِ لُبْسُهَا لِغَالِبِ الناس أو نَادِرِهِمْ بِخِلَافِ ما لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ كَجُلُودٍ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْفَرْوَةِ من زِيَادَتِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُمَلَّكِ مِخْيَطًا وَلَا سَاتِرًا لِعَوْرَةٍ وَيُجْزِئُ
____________________
(4/248)
الْمُتَنَجِّسُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ بِذَلِكَ حتى لَا يُصَلُّوا فيه وَلَا يُجْزِئُ ما نُسِجَ من نَجَسِ الْعَيْنِ كَصُوفِ مَيِّتَةٍ فَإِنْ كَسَا رَضِيعًا شيئا لَائِقًا بِهِ جَازَ لِأَنَّ صَرْفَ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ وَكِسْوَتَهَا لِلصِّغَارِ جَائِزٌ كما في الزَّكَاةِ وَيَتَوَلَّى الْوَلِيُّ الْأَخْذَ وَكَذَا لو أَعْطَاهُ أَيْ اللَّائِقَ بِالصَّغِيرِ كَبِيرًا لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عليه كما يُعْطَى ما لِلْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَبِالْعَكْسِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُعْتَبَرُ وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِلَى قَوْله تَعَالَى أو كِسْوَتُهُمْ الْمَنْعُ حَيْثُ أَضَافَ الْكِسْوَةَ إلَى من يُكْسِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الذَّخَائِرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وقال بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ وَيُسْتَحَبُّ ثَوْبٌ جَدِيدٌ خَامًا كان أو مَقْصُورًا وَيَجُوزُ عَتِيقٌ فيه قُوَّةٌ كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ وَلِانْطِلَاقِ الْكِسْوَةِ عليه وَكَوْنِهِ يَرِدُ في الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ في مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الذي يَضُرُّ بِالْعَمَلِ في الرَّقِيقِ لَا مُنْمَحِقٌ كَالطَّعَامِ الْمَعِيبِ ولا مُرَقَّعٌ لِبَلَى لِعَيْبِهِ لَا مُرَقَّعٌ لِزِينَةٍ أو غَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كان في ضَعْفِ الْبَالِي أَيْ إذَا كان لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ ما يَدُومُ الثَّوْبُ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وهو كُلُّ مُكَلَّفٍ حَنِثَ في يَمِينِهِ حتى الْكَافِرُ الْمُلْتَزِمُ لِلْأَحْكَامِ فَإِنْ مَاتَ من لَزِمَتْهُ قبل أَخْذِهَا منه وَلَهُ تَرِكَةٌ أُخِذَتْ من تَرِكَتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَصْلٌ الْعَبْدُ مُرَادُهُ الرَّقِيقُ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى يُكَفِّرُ عن الْيَمِينِ وَغَيْرِهَا بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وقد سَبَقَ في الْكَفَّارَاتِ تَفْصِيلٌ في احْتِيَاجِهِ إلَى الْإِذْنِ في تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ فإذا احْتَاجَ إلَيْهِ فيه فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُ الْأَمَةِ منه وَإِنْ لم يُضْعِفْهَا عن الْخِدْمَةِ لِحَقِّ تَمَتُّعِهِ الْفَوْرِيِّ وَكَذَا له مَنْعُ عَبْدٍ يُضْعِفُهُ عن الْخِدْمَةِ فَإِنْ لم يُضْعِفْهُ عنها لم يَمْنَعْهُ من ذلك وَلَا من صَوْمِ تَطَوُّعٍ وَصَلَاتِهِ في غَيْرِ وَقْتِ الْخِدْمَةِ كما لَا يُمْنَعُ من الذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَوْ حَالَ الْعَمَلِ فَلَوْ صَامَ من يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ عن الْكَفَّارَةِ بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَهُ عنها كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِلَا إذْنٍ وَهَذَا كُلُّهُ سِوَى النَّظِيرَيْنِ وَمَنْعُ الْأَمَةِ من الصَّوْمِ قَدَّمَهُ في الْكَفَّارَاتِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَلِلسَّيِّدِ التَّكْفِيرُ عنه بِالْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ إذْ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ بِخِلَافِ ما قَبْلَهُ وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ عنه قبل مَوْتِهِ يَتَضَمَّنُ دُخُولَ الْمَالِ في مِلْكِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ إذْ ليس لِلْمَيِّتِ مِلْكٌ مُحَقَّقٌ لَا بِالْعِتْقِ عنه لِنَقْصِهِ عن أَهْلِيَّةِ الْوَلَاءِ وقد سَبَقَ في الصِّيَامِ ذِكْرُ الصَّوْمِ عن الْمَيِّتِ فَيَصُومُ عنه قَرِيبُهُ لَا غَيْرُهُ وَالْإِشَارَةُ إلَى هذا في الْعَبْدِ من زِيَادَتِهِ فَصْلٌ لو مَاتَ الْحُرُّ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَهِيَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمَةٌ على حُقُوقِ الْآدَمِيِّ فَتُخْرَجُ قَبْلَهُ من تَرِكَتِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بها أَمْ لَا لِخَبَرِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى إلَّا إذَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَحْدَهُ بِعَيْنٍ فإنه يُقَدَّمُ على حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الدُّيُونِ كما مَرَّ في الْفَرَائِضِ وَإِلَّا في الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عليه فإنه يُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ على حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ما دَامَ حَيًّا فَإِنْ كانت الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةً أَعْتَقَ عنه الْوَارِثُ أو الْوَصِيُّ وَالْوَلَاءُ على الْعَتِيقِ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ أَطْعَمَ من التَّرِكَةِ أو كانت ذَاتَ تَخْيِيرٍ وَجَبَ من الْخِصَالِ الْمُخَيَّرِ فيها أَقَلُّهَا قِيمَةً وَكُلٌّ منها جَائِزٌ لَكِنْ الزَّائِدُ على أَقَلِّهَا قِيمَةً يُحْسَبُ من الثُّلُثِ على ما يَأْتِي وَلَوْ لَزِمَ الْمُرْتَدَّ كَفَّارَةُ تَخْيِيرٍ لم يَتَعَيَّنْ الْأَقَلُّ وَإِنْ ضَعُفَ مِلْكُهُ كما لَا يَتَعَيَّنُ في حَقِّ غَيْرِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ فَلَوْ لم يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَتَبَرَّعَ عنه أَجْنَبِيٌّ بِالْإِطْعَامِ أو الْكِسْوَةِ جَازَ كَالْوَارِثِ أو بِالْعِتْقِ وَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ مُخَيَّرَةٌ فَلَا يَجُوزُ من الْأَجْنَبِيِّ وَلَا من الْوَارِثِ لِسُهُولَةِ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعْتِقُ لِمَا فيه من عُسْرِ إثْبَاتِ الْوَلَاءِ فَلَوْ كانت مُرَتَّبَةً جَازَ الْإِعْتَاقُ عنه من كُلٍّ مِنْهُمَا لِتَعَيُّنِهِ وَلَوْ أَوْصَى في الْمُخَيَّرَةِ بِالْعِتْقِ عنه وَزَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ على قِيمَةِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ حُسِبَتْ قِيمَتُهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ تَحْصُلُ بِمَا دُونَهَا فَإِنْ وَفَّى الثُّلُثُ بِقِيمَةِ عَبْدٍ مُجْزِئٍ أَعْتَقَ عنه وَإِلَّا عَدَلَ عنه إلَى الطَّعَامِ أو الْكِسْوَةِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَنَقَلَ معه وَجْهًا أَنَّ قِيمَةَ أَقَلِّهَا قِيمَةً تُحْسَبُ من رَأْسِ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْعَبْدِ من الثُّلُثِ فَإِنْ وَفَّى ثُلُثُ الْبَاقِي مَضْمُومًا إلَى الْأَقَلِّ الْمَحْسُوبِ من رَأْسِ الْمَالِ بِقِيمَةِ عَبْدٍ أَعْتَقَ عنه وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَعَدَلَ إلَى الْإِطْعَامِ أو الْكِسْوَةِ كَأَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَقِيمَةُ أَقَلِّهَا
____________________
(4/249)
عَشَرَةً وَهِيَ مع ثُلُثِ الْبَاقِي عِشْرُونَ فإذا وَجَدَ بِالْعِشْرِينِ رَقَبَةً نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ أَقِيسُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ في بَابِ الْوَصِيَّةِ وَالْمُبَعَّضُ الْمُوسِرُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَا بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَلَيْسَ هو من أَهْلِهِمَا وَلَا بِالصَّوْمِ لِيَسَارِهِ كما أَنَّهُ إذَا وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ أو الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ له أَنْ يُصَلِّيَ مُتَيَمِّمًا أو عَارِيًّا الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ وَالْبِرُّ الْأَصْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فِيهِمَا اتِّبَاعُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ الذي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْيَمِينُ وقد يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِنِيَّةٍ تَقْتَرِنُ بِهِ أو بِاصْطِلَاحٍ خَاصٍّ أو قَرِينَةٍ وَصُوَرُهُ لَا تَتَنَاهَى لَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِيُقَاسَ بِهِ غَيْرُهُ وهو أَنْوَاعٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ في الدُّخُولِ وَالْمُسَاكَنَةِ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَحَصَلَ فيها من بَابٍ أو غَيْرِهِ كَسَطْحٍ حَنِثَ وَلَوْ كان رَأْسُهُ أو يَدُهُ خَارِجَهَا لَا إنْ حَصَلَ في سَطْحٍ لها كان تَسَوُّرُهُ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كان السَّطْحُ مَحُوطًا لِأَنَّ ذلك ليس دُخُولًا لها إذْ يُقَالُ أَنَّهُ على السَّطْحِ وَلَيْسَ في الدَّارِ فَإِنْ كان فيه تَسْقِيفٌ لِكُلِّهِ أو بَعْضِهِ حَنِثَ إنْ نُسِبَ إلَيْهَا أَيْ إلَى الدَّارِ بِأَنْ كان يُصْعَدُ إلَيْهِ منها لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَطَبَقَةٍ منها بِخِلَافِ ما إذَا لم يُنْسَبْ إلَيْهَا وَكَذَا يَحْنَثُ لو دخل الدِّهْلِيزَ بِكَسْرِ الدَّالِ لِأَنَّهُ منها وما حُكِيَ عن النَّصِّ من أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ حَمَلُوهُ على الطَّاقِ خَارِجَ الْبَابِ لَا إنْ دخل الطَّاقُ الْمَعْقُودُ خَارِجَ الْبَابِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كان منها وَيَدْخُلُ في بَيْعِهَا لَا يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَهُ أَنَّهُ دَخَلَهَا ولا إنْ دخل الدَّرْبَ أَمَامَهُ أَيْ الطَّاقِ ولم يَكُنْ مُخْتَصًّا بِالدَّارِ أو مُخْتَصًّا بها ولم يَكُنْ دَاخِلًا في حَدِّهَا أو دَاخِلًا في حَدِّهَا ولم يَكُنْ في أَوَّلِهِ بَابٌ لِذَلِكَ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ مُقَيَّدًا وَعِبَارَتُهُ وَجَعَلَ الْمُتَوَلِّي الدَّرْبَ الْمُخْتَصَّ بِالدَّارِ أَمَامَ الْبَابِ إذَا كان دَاخِلًا في حَدِّ الدَّارِ ولم يَكُنْ في أَوَّلِهِ بَابٌ كَالطَّاقِ قال فَإِنْ كان في أَوَّلِهِ بَابٌ فَهُوَ من الدَّارِ مُسَقَّفًا كان أو غَيْرَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وما قَالَهُ في غَيْرِ الْمُسَقَّفِ بَعِيدٌ جِدًّا انْتَهَى وَلَوْ تَعَلَّقَ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ في الدَّارِ وَأَحَاطَ بِهِ الْبُنْيَانُ بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْضُهُ عن الْبُنْيَانِ حَنِثَ لَا إنْ ارْتَفَعَ بَعْضُهُ عنه فَلَا يَحْنَثُ أو حَلَفَ لَيَخْرُجَن منها بَرَّ بِالْخُرُوجِ إلَى ما لَا يَحْنَثُ في الْأَوَّلِ وهو ما لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا بِدُخُولِهِ كَالطَّاقِ خَارِجَ الْبَابِ وَالسَّطْحِ إذَا لم يُنْسَبْ إلَى الدَّارِ فَرْعٌ لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وهو بها فَاسْتَدَامَ الْمُكْثُ فيها لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَمِثْلُهُ ما لو حَلَفَ لَا يَخْرُجُ منها وهو خَارِجَ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الدُّخُولِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِخِلَافِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِمُدَّةٍ كَالسُّكْنَى وَالِانْتِقَالِ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهَا فَيَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا لِصِدْقِ اسْمِهَا بِذَلِكَ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَبِسْت شَهْرًا وَرَكِبْت لَيْلَةً وَكَذَا الْبَقِيَّةُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ دَخَلْت شَهْرًا وَإِنَّمَا يُقَالُ سَكَنْت شَهْرًا وَلِأَنَّهُ إذَا قِيلَ له انْزِعْ الثَّوْبَ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ حتى أَلْبِسَ سَاعَةً وإذا قِيلَ له انْزِلْ عن الدَّابَّةِ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ حتى أَرْكَبَ قَدْرَ ما رَكِبْت وفي الدُّخُولِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ حتى أَدْخُلَ سَاعَةً وَكُلُّ ذلك مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ نَوَى شيئا عَمِلَ بِهِ وَلَيْسَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ
____________________
(4/250)
وَالْغَصْبُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ كَالْإِنْشَاءِ لها فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا يَفْعَلُهَا بِاسْتِدَامَتِهَا لِمَا مَرَّ في الدُّخُولِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ نَكَحْت شَهْرًا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَبُولُ عَقْدِهِ وَأُمَّا وَصْفُ الشَّخْصِ بِأَنَّهُ لم يَزَلْ نَاكِحًا فُلَانَةَ مُنْذُ كَذَا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ اسْتِمْرَارُهَا على عِصْمَةِ نِكَاحِهِ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ وَلَا يَخْلُو بَعْضُ ذلك عن بَعْضِ إشْكَالٍ إذْ قد يُقَالُ صُمْت شَهْرًا وَصَلَّيْت لَيْلَةً وَصُورَةُ حَلِفِهِ في الصَّلَاةِ أَنْ يَحْلِفَ نَاسِيًا لها أو كان أَخْرَسَ فَحَلَفَ بِالْإِشَارَةِ وَكَذَا الطِّيبُ وَالْوَطْءُ ليس اسْتِدَامَتُهَا كَالْإِنْشَاءِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا يَفْعَلُهُمَا بِاسْتِدَامَتِهِمَا وَلِهَذَا لو تَطَيَّبَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ وهو في السَّفَرِ فَرَجَعَ فَوْرًا أو وَقَفَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وكان قَاصِدًا بِحَلِفِهِ الِامْتِنَاعَ من ذلك السَّفَرِ لم يَحْنَثْ فَلَوْ لم يَكُنْ قَصَدَ ذلك حَنِثَ لِأَنَّهُ في الْعَوْدِ مُسَافِرٌ أَيْضًا فَقَوْلُهُ قَاصِدًا حَالٌ من ضَمِيرِ حَلَفَ فَلَوْ قَدَّمَهُ على قَوْلِهِ فَرَجَعَ فَوْرًا كان أَوْلَى فَصْلٌ لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ أو لَا يَسْكُنُ بَيْتًا وَأَطْلَقَ حَنِثَ بِالدُّخُولِ أو السُّكْنَى بِالْبُيُوتِ الْمَبْنِيَّةِ وَلَوْ من خَشَبٍ وَالْخِيَامِ وَلَوْ من جِلْدٍ وَلَوْ كان الْحَالِفُ قَرَوِيًّا لِوُقُوعِ اسْمِ الْبَيْتِ على الْكُلِّ لُغَةً وَلَا مُعَارِضَ له عُرْفًا وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْقَرَوِيِّ لِلْخِيَامِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا أو نَقْلًا عُرْفِيًّا لِلَّفْظِ بَلْ هو كَلَفْظِ الطَّعَامِ الذي يَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ مع اخْتِصَاصِ بَعْضِ النَّوَاحِي بِنَوْعٍ أو أَكْثَرَ بِنَاءً على ما عليه جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ من أَنَّ الْعَادَةَ لَا تُخَصَّصُ وَلَا يَرِدُ ما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ أو الرُّءُوسَ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَيْضِ السَّمَكِ وَلَا بِرُءُوسِهِ وَرُءُوسِ الطَّيْرِ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْضِ وَالرُّءُوسِ بِقَرِينَةِ تَعَلُّقِ الْأَكْلِ بها لَا يُطْلِقُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ على شَيْءٍ من الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ عِنْدَهُمْ وَفَرْقٌ بين تَخْصِيصِ الْعُرْفِ لِلَّفْظِ بِالنَّقْلِ عن مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى ما هو أَخَصُّ منه وَبَيْنَ انْتِفَاءِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ له في بَعْضِ أَفْرَادِ مُسَمَّاهُ في بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَمِنْهُ اسْمُ الْخُبْزِ فإنه بَاقٍ على مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ في بَعْضِ مُسَمَّاهُ في بَعْضِ الْأَقْطَارِ كَخُبْزِ الْأَزْرَقِيِّ طَبَرِسْتَانُ كما سَيَأْتِي وَمَحَلُّ ذلك إذَا عَبَّرَ عن الْبَيْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَرَخَانَةَ لِرُومٍ لم يَحْنَثْ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَا يُطْلِقُونَهُ على غَيْرِ الْمَبْنِيِّ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْقَفَّالِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَإِنْ نَوَى نَوْعًا منها اُتُّبِعَ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْمَسَاجِدِ وَالْبِيَعِ وَبُيُوتِ الْحَمَامِ وَالرَّحَى وَنَحْوِهَا كَالْكَعْبَةِ وَالْغَارِ الذي لم يُتَّخَذْ سُكْنَةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْإِيوَاءِ وَالسَّكَنُ وَلَا يَقَعُ عليه اسْمُ الْبَيْتِ إلَّا بِتَجَوُّزٍ أو بِتَقْيِيدٍ كما يُقَالُ الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ وَكَذَا
____________________
(4/251)
لَا يَحْنَثُ لو دخل أو سَكَنَ دِهْلِيزًا أو صُفَّةً أو صَحْنًا لِلدَّارِ إذْ يُقَالُ لم يَدْخُلْ الْبَيْتَ وَإِنَّمَا وَقَفْت في الدِّهْلِيزِ أو الصُّفَّةِ أو الصَّحْنِ أو حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا أو لَا يُقِيمُ فيها وهو فيها حَنِثَ بِاللُّبْثِ فيها بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ السُّكْنَى سُكْنَى كما مَرَّ فَيَحْنَثُ وَإِنْ أَخْرَجَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ على سُكْنَى نَفْسِهِ لَا أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فَإِنْ خَرَجَ منها وَبَقَوْا أَيْ أَهْلُهُ فيها لم يَحْنَثْ إذْ الْمَحْلُوفُ عليه سُكْنَاهُ وَمَحَلُّهُ كما قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاكِنِ الذي من شَأْنِهِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَعُودَ إلَيْهِ يُومِئُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَيُخْرِجُ بَدَنَهُ مُتَحَوِّلًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَكُنْت أَقُولُ إطْلَاقُ من أَطْلَقَ مَحْمُولٌ على هذا وَلَا أَحْسِبُ في الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيَّ قد قال فِيمَا عَلَّقَهُ على مَوَاضِعَ من الْمُهَذَّبِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ شَرَطَ في عَدَمِ الْحِنْثِ أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ وقد وَافَقَ عليه بَعْضُ الْأَصْحَابِ ولم يَشْتَرِطْهُ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَظْهَرُ لِأَنَّ من خَرَجَ من سَكَنِهِ إلَى السُّوقِ مَثَلًا عُدَّ عُرْفًا سَاكِنًا بِهِ ثُمَّ قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَهَذَا في الْمُتَوَطِّنِ فيه قَبْلً حَلِفِهِ فَلَوْ دَخَلَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ هل يَسْكُنُهُ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْكُنُهُ وَخَرَجَ في الْحَالِ لم يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا وَلَوْ مَكَثَ فيها لِخَوْفٍ على نَفْسِهِ أو مَالِهِ أو نَحْوِهِمَا أو مَنْعٍ له من الْخُرُوجِ أو مَرَضٍ لَا يَقْدِرُ معه على الْخُرُوجِ ولم يَجِدْ من يُخْرِجُهُ لم يَحْنَثْ لِلْعُذْرِ فَإِنْ وَجَدَ من يُخْرِجُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِإِخْرَاجِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ حَنِثَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ حَدَثَ له الْعَجْزُ عن الْخُرُوجِ بَعْدَ الْحَلِفِ فَكَالْمُكْرَهِ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَأَمْرِ أَهْلِهِ بِهِ وَلُبْسِ ثَوْبِهِ وَجَمْعِ الْمَتَاعِ لم يَحْنَثْ وَلَوْ بَاتَ فيها لِحِفْظِهِ أَيْ الْمَتَاعِ لَيْلًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا وَعَطْفُ جَمِيعِ الْمَتَاعِ على ما قَبْلَهُ من عَطْفِ الْخَاصِّ على الْعَامِّ وَعَدَّ الْمَاوَرْدِيُّ من الْأَعْذَارِ ضِيقُ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ بِحَيْثُ لو خَرَجَ قبل أَنْ يُصَلِّيَهَا فَاتَتْهُ وَلَا يَضُرُّ عَوْدُهُ إلَى الدَّارِ بَعْدَ خُرُوجِهِ منها لِنَقْلُ مَتَاعٍ قال الشَّاشِيُّ ولم يَقْدِرْ على الْإِنَابَةِ وَعِيَادَةُ مَرِيضٍ وَزِيَارَةُ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ فَارَقَهَا وَبِمُجَرَّدِ الْعَوْدِ لَا يَصِيرُ سَاكِنًا نعم إنْ مَكَثَ ضَرَّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عن تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ وَأَخَذَ من مَسْأَلَةِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ الْآتِيَةِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَا خَرَجَ ثُمَّ عَادَ ثُمَّ لم يَخْرُجْ فَلَوْ عَادَ الْمَرِيضَ
____________________
(4/252)
قبل خُرُوجِهِ منها وَقَعَدَ عِنْدَهُ حَنِثَ بِخِلَافِ ما إذَا عَادَهُ مَارًّا في خُرُوجِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ حَلَفَ خَارِجَهَا ثُمَّ دخل لم يَحْنَثْ ما لم يَمْكُثْ فَإِنْ مَكَثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِحَمْلِ مَتَاعٍ كما في الِابْتِدَاءِ وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ حَلِفِهِ فَوْرًا ثُمَّ اجْتَازَ بها بِأَنْ دخل من بَابٍ وَخَرَجَ من آخَرَ لم يَحْنَثْ وَإِنْ تَرَدَّدَ فيها بِلَا غَرَضٍ حَنِثَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالتَّرَدُّدِ زَادَ الرَّافِعِيُّ إنْ أَرَادَ بِلَا أَسْكُنُهَا لَا اتَّخَذَهَا مَسْكَنًا لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهِ مَسْكَنًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ وَنَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ وَلَوْ في الْبَلَدِ حَنِثَ بِمُسَاكَنَتِهِ وَلَوْ فيها الْأَوْلَى فيه أَيْ في الْبَلَدِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَإِنْ لم يَنْوِ مَوْضِعًا فَسَكَنَا في بَيْتَيْنِ يَجْمَعُهُمَا صَحْنٌ وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ حَنِثَ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ وَالْمُرَادُ ما قَالَهُ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا لم يَنْوِ مَوْضِعًا حَنِثَ بِالْمُسَاكَنَةِ أَيْ في أَيِّ مَوْضِعٍ كان لَا إنْ كان الْبَيْتَانِ من خَانٍ وَلَوْ صَغِيرًا فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ اتَّحَدَ فيه الْمَرْقِيُّ وَتَلَاصَقَ الْبَيْتَانِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِمَسْكَنِ قَوْمٍ وَبُيُوتُهَا تُفْرَدُ بِأَبْوَابٍ وَمَغَالِيقَ فَهُوَ كَالدَّرْبِ وَهِيَ كَالدُّورِ وَلَا إنْ كَانَا من دَارٍ كَبِيرَةٍ وَإِنْ تَلَاصَقَا فَلَا يَحْنَثُ لِذَلِكَ بِخِلَافِهِمَا من صَغِيرَةٍ لِكَوْنِهِمَا في الْأَصْلِ مَسْكَنًا وَاحِدًا بِخِلَافِهِمَا من الْخَانِ الصَّغِيرِ وَيُشْتَرَطُ في الدَّارِ الْكَبِيرَةِ لَا في الْخَانِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ بَيْتٍ فيها غَلَقٌ بِبَابٍ وَمَرْقًى وَذِكْرُ الْمَرْقَى من زِيَادَتِهِ فَإِنْ لم يَكُونَا أو سَكَنَا في صُفَّتَيْنِ من الدَّارِ أو في بَيْتٍ وَصُفَّةٍ حَنِثَ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاكِنَانِ عَادَةً وَكَأَنَّ اشْتِرَاكَهُمَا في الصَّحْنِ الْجَامِعِ لِلْبَيْتَيْنِ مَثَلًا وفي الْبَابِ الْمَدْخُولِ منه مع تَمَكُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا من دُخُولِ بَيْتِ الْآخَرِ جُعِلَ كَالِاشْتِرَاكِ في الْمَسْكَنِ وَلَوْ انْفَرَدَ في دَارٍ كَبِيرَةٍ بِحُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةِ الْمَرَافِقِ كَالْمَرْقَى وَالْمَطْبَخِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَبَابُهَا أَيْ الْحُجْرَةِ في الدَّارِ لم يَحْنَثْ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ كَذَا لو انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُجْرَةٍ كَذَلِكَ في دَارٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ في هذا الْبَيْتِ فَسَاكَنَهُ في غَيْرِهِ لم يَحْنَثْ فَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فيه وهو فيه فَمَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ أو فَارَقَهُ فَوْرًا بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ لم يَحْنَثْ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِبِنَاءِ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ من الْجَانِبَيْنِ مَدْخَلًا أو أَحْدَثَا مَدْخَلًا حَنِثَ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ وَهَذَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَالْمُحَرَّرِ وَنَسَبَ الْأَصْلُ تَرْجِيحَهُ إلَى الْبَغَوِيّ وَتَصْحِيحَ الْأَوَّلِ إلَى الْجُمْهُورِ وَنَظِيرُهُ ما لو تَبَايَعَا وَبَنَى بَيْنَهُمَا جِدَارًا فإنه لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ لِبَقَائِهِمَا في مَجْلِسِ الْعَقْدِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَظَاهِرُ النَّصِّ مع الْبَغَوِيّ وَمَنْ خَالَفَهُ أَوَّلَهُ بِمَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ فَبَنَى الْجِدَارَ ثُمَّ عَادَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَارِقُ ما مَرَّ من عَدَمِ الْحِنْثِ بِاشْتِغَالِهِ بِجَمْعِ الْمَتَاعِ بِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا لَا إنْ خَرَجَ من الْبَيْتِ ثُمَّ عَادَ وَسَكَنَ بَعْدَ بِنَائِهِ أَيْ الْحَائِلِ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ وَهُمَا في بَيْتَيْنِ من خَانٍ فَلَا مُسَاكَنَةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ أو وَهُمَا في بَيْتٍ منه فَلْيَنْتَقِلْ أَحَدُهُمَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ أَيْ يَكْفِي ذلك فَلَا يُشْتَرَطُ انْتِقَالُهُ إلَى غَيْرِ الْخَانِ النَّوْعُ الثَّانِي الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءٍ هذا النَّهْرِ مَثَلًا أو لَأَشْرَبَنَّ منه حَنِثَ في الْأَوَّلِ وَبَرَّ في الثَّانِي بِمَا يَشْرَبُ منه وَإِنْ قَلَّ أو حَلَفَ لَأَشْرَبُ أو لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هذا الْحُبِّ أو الْإِدَاوَةِ أو
____________________
(4/253)
نَحْوُهُ من ما يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شُرْبًا في زَمَانٍ وَإِنْ طَالَ لم يَحْنَثْ في الْأَوَّلِ ولم يَبَرَّ في الْحَالِ في الثَّانِي بِشُرْبِ بَعْضِهِ بَلْ بِشُرْبِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْمَاءَ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ أو حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا فَغَدًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ على الصُّعُودِ فيه فَعُلِمَ أَنَّهُ لو حَلَفَ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَيَحْنَثُ في الْحَالِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فيه وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو حَلَفَ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هذا النَّهْرِ أو نَحْوَهُ أو لَا آكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ أو نَحْوِهَا لَغَا أَيْ لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كما لو حَلَفَ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ وَالْأَصْلُ إنَّمَا فَرْضُ الْكَلَامِ في الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ بِتَنَاوُلِ الْبَعْضَ وَصَحَّحَ عَدَمَ الْحِنْثِ بِهِ وَنَقَلَهُ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَعَنْ تَصْحِيحِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ كما لو حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هذا الْحُبِّ فَشَرِبَ بَعْضَهُ ثُمَّ نُقِلَ عن الْقَاضِي في الْأُولَى وَمِثْلِهَا الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْعَقِدَ يَمِينُهُ فَإِنْ كان بَحْثُ الْقَاضِي بَيَانًا لِمُرَادِ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَاخْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ مُوَفٍّ بِالْغَرَضِ وَإِلَّا فَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي على بَحْثِ الْقَاضِي وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَالِفُ على ما ذُكِرَ لَا يَحْنَثُ بِتَنَاوُلِ بَعْضِهِ إلَّا إنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ شيئا منه فَيَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ في الْأُولَى
أو حَلَفَ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ لَغَا أَيْ لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِأَنَّ الْحِنْثَ فيه غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَفَارَقَ ما لو حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَمْسُ وهو صَادِقٌ حَيْثُ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَإِنْ لم يُتَصَوَّرْ فيه الْحِنْثُ بِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ لو حَلَفَ لَأَشْرَبَن مَاءَ هذا الْكُوزِ مَثَلًا وكان فَارِغًا وهو عَالِمٌ بِفَرَاغِهِ أو لَيَقْتُلَن زَيْدًا وهو عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ فِيهِمَا في الْحَالِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فيه فَعُلِمَ أَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ وَإِنْ لم يُتَصَوَّرْ فيه الْبِرَّ كما لو قال فَعَلْت كَذَا أَمْسُ وهو كَاذِبٌ وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ الْبَابِ الْأَوَّلِ الْفَرْقُ بين الِانْعِقَادِ فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ فيه الْبِرِّ وَعَدَمِهِ فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ فيه الْحِنْثُ أَمَّا لو كان لَا يَعْلَمُ ذلك فَكَانَ فَارِغًا أو مَيِّتًا فَلَا يَحْنَثُ كما لو فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عليه نَاسِيًا وَإِنْ كان فيه مَاءٌ فَانْصَبَّ منه قبل إمْكَانِ شُرْبِهِ فَكَالْمَكْرَهِ فَلَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ انْصِبَابِهِ بَعْدَ الْإِمْكَانِ فَيَحْنَثُ فيه أو حَلَفَ لَأَشْرَبَن منه فَصَبَّهُ في مَاءٍ وَشَرِبَ منه بَرَّ إنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ لَا إنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنهُ منه أَيْ من الْكُوزِ فَصَبَّ في مَاءٍ وَشَرِبَهُ أو شَرِبَ منه لَا يَبَرُّ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يَشْرَبْهُ من الْكُوزِ فِيهِمَا ولم يَشْرَبْهُ جَمِيعَهُ في الثَّانِيَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ منه فَصَبَّهُ في مَاءٍ وَشَرِبَ منه حَنِثَ قال وَكَذَا لو حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من لَبَنِ هذه الْبَقَرَةِ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذه الثَّمَرَةَ فَخَلَطَهَا بِصُبْرَةٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا أو من فُرَاتٍ حَنِثَ بِالْعَذْبِ في أَيِّ مَوْضِعٍ كان لَا بِالْمَالِحِ أو من مَاءِ الْفُرَاتِ حُمِلَ على النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ شَرِبَ من كُوزٍ مَاؤُهُ منه أو بِئْرٍ مَاؤُهَا منه حَنِثَ وَلَوْ قال لَا أَشْرَبُ من مَاءِ نَهْرِ كَذَا فَشَرِبَ من سَاقِيَةٍ تُخْرِجُ منه أو من بِئْرٍ مَحْفُورَةٍ بِقُرْبِ النَّهْرِ يَعْلَمُ أَنَّ مَاءَهَا منه حَنِثَ وَلَوْ قال لَا أَشْرَبُ من نَهْرِ كَذَا ولم يذكر الْمَاءَ فَشَرِبَ من سَاقِيَّةٍ تُخْرِجُ منه حَنِثَ كما لو أَخَذَ الْمَاءَ في إنَاءٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ أو لَا يَشْرَبُ من هذه الْإِدَاوَةِ أو نَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَادُ الشُّرْبُ منه فَصَبَّهَا أَيْ صَبَّ مَاءَهَا في كُوزٍ وَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ فَرْعٌ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ أو لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أو نَحْوَهُمَا أو لَيَفْعَلَن ذلك تَعَلَّقَ الْحِنْثُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةِ وَالْبِرُّ في الْأَخِيرَةِ بِهِمَا وَلَوْ فَرَّقَ الْفِعْلَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ على الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لو عَطَفَ بِالْوَاوِ كَأَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا أو لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَالْعِنَبَ فَيَتَعَلَّقُ الْحِنْثُ بِهِمَا لِأَنَّ الْوَاوَ
____________________
(4/254)
تَجْعَلُ الشَّيْئَيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ إلَّا إنْ أَرَادَ غير ذلك بِأَنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِنْثُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبِرُّ في الْإِثْبَاتِ أَيْضًا وقد يُتَوَقَّفُ فيه فَإِنْ قال لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا أو لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَلَا الْعِنَبَ فَيَمِينَانِ لِإِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا تَنْحَلُّ إحْدَاهُمَا بِالْحِنْثِ في الْأُخْرَى كما لو قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ عَمْرًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْإِثْبَاتَ كَالنَّفْيِ الذي لم يُعِدْ معه حَرْفَهُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لِأُكَلِّمَن زَيْدًا وَعَمْرًا أو لَآكُلَن اللَّحْمَ وَالْعِنَبَ وهو الظَّاهِرُ كما قَالَهُ الْبَارِزِيُّ وما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي من أَنَّهُ كَالنَّفْيِ الْمُعَادِ معه حَرْفُهُ حتى يَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ لِوُجُودِ حَرْفِ الْعَطْفِ تُوُقِّفَ فيه ثُمَّ قال وَلَوْ أَوْجَبَ حَرْفُ الْعَطْفِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ في الْإِثْبَاتِ لَأَوْجَبَهُ في النَّفْيِ أَيْ غَيْرِ الْمُعَادِ معه حَرْفُهُ انْتَهَى
وقال ابن الصَّلَاحِ وَأَحْسِبُ أَنَّ ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي من تَصَرُّفِهِ وَخَرَجَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ أو بِثُمَّ فإن الْحَالِفَ حِينَئِذٍ حَالِفٌ على عَدَمِ أَكْلِ الْعِنَبِ بَعْدَ اللَّحْمِ بِلَا مُهْلَةٍ في الْفَاءِ وَبِمُهْلَةٍ في ثُمَّ في قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ اللَّحْمَ فَالْعِنَبَ أو ثُمَّ الْعِنَبَ فَلَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُمَا مَعًا أو الْعِنَبَ قبل اللَّحْمِ أو بَعْدَهُ بِمُهْلَةٍ في الْفَاءِ وَبِلَا مُهْلَةٍ في ثُمَّ وَإِنْ قال لَا أُكَلِّمُ أَحَدَهُمَا أو وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَطْلَقَ حَنِثَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ الْآخَرِ وَإِنْ قال لَا آكُلُ هذه الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً لم يَحْنَثْ أو عَكْسُهُ بِأَنْ قال لِآكُلَن هذه الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً لم يَبَرَّ لِتَعَلُّقِ يَمِينِهِ بِالْجَمِيعِ فِيهِمَا وَخَرَجَ بِالْحَبَّةِ الْقِشْرُ وَالشَّحْمُ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَحْمُولَةٌ على الْعَادَةِ أو لَا آكُلُ هذا الرَّغِيفَ فَأَكَلَهُ إلَّا شيئا يُمْكِنُ لَقْطُهُ وَأَكْلُهُ لم يَحْنَثْ كما لو قال لَا آكُلُ ما على هذا الطَّبَقِ من التَّمْرِ فَأَكَلَ ما عليه إلَّا تَمْرَةً لم يَحْنَثْ وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرْكِ بَعْضِ الطَّعَامِ لِلِاحْتِشَامِ من اسْتِيفَائِهِ أو لِغَيْرِ ذلك وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ أو الرَّأْسَ وَأَطْلَقَ حُمِلَ على رُءُوسِ نَعَمٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لِأَنَّهَا تُبَاعُ وَتُشْرَى مُفْرَدَةً فَهِيَ الْمُتَعَارَفَةُ وَإِنْ اخْتَصَّ بَعْضُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ لَا على رُءُوسِ طَيْرٍ وَحُوتٍ وَظَبْيٍ وَصَيْدٍ آخَرَ لم يُعْتَدْ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً في بَلَدِهِ أَيْ الْحَالِفِ لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ من اللَّفْظِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ فَإِنْ اُعْتِيدَ ذلك في بَلَدِهِ حَنِثَ بها الْحَالِفُ أَيْ بِأَكْلِهَا حَيْثُ كان إمَّا في بَلَدِهِ فَقَطْعًا وَإِمَّا في غَيْرِهِ فَعَلَى الْأَقْوَى في الْأَصْلِ لِشُمُولِ الِاسْمِ وَلِأَنَّ ما ثَبَتَ بِهِ الْعُرْفُ في مَوْضِعٍ ثَبَتَ في سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَخُبْزِ الْأَرُزِّ قال وهو الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَغَيْرِهِ مُقَابِلَهُ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ
____________________
(4/255)
وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ قال وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ بِحَيْثُ بَلَغَ الْحَالِفُ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ انْتَهَى
وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْحَالِفِ في ذلك الْبَلَدِ أو كَوْنُهُ من أَهْلِهِ وَلَوْ كان بِغَيْرِهِ فيه وَجْهَانِ في الْأَصْلِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى فَهْمِهِ ما ذَكَرَ عِنْدَهُ من عُرْفِ بَلَدِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيه وَظَاهِرٌ أَنَّ رُءُوسَ الْخَيْلِ كَرُءُوسِ الظِّبَاءِ فَإِنْ قال لَا آكُلُ رُءُوسَ الشِّوَاءِ فَبِرُءُوسِ الْغَنَمِ يَحْنَثُ فَقَطْ أَيْ دُونَ رُءُوسِ غَيْرِهَا هذا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ خَصَّصَ أو عَمَّمَ نَوْعًا من الرُّءُوسِ اُتُّبِعَ التَّصْرِيحُ بِالتَّعْمِيمِ من زِيَادَتِهِ أو قَصَدَ أَنْ لَا يَأْكُلَ ما يُسَمَّى رَأْسًا بِالْكُلِّ أَيْ بِكُلِّ ما يُسَمَّى رَأْسًا فَيَحْنَثُ بِرَأْسِ الطَّيْرِ وَالْحُوتِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ حَنِثَ بِمَا يُزَايِلُ بَائِضَهُ أَيْ يَنْفَصِلُ عنه وهو حَيٌّ كما وُجِدَ في نُسْخَةٍ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ من لَفْظِ الْبَيْضِ كَبَيْضِ الدَّجَاجِ وَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْعَصَافِيرِ حَالَةَ كَوْنِهِ مُنْعَقِدًا وَلَوْ خَرَجَ من مَيْتَةٍ لَا بَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْبَطْنِ ولا خُصْيَةِ شَاةٍ لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ شَامِلٌ لِبَيْضِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِنَاءً على طَهَارَتِهِ وَحِلِّ أَكْلِهِ وقد قال في الْمَجْمُوعِ وإذا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وهو مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ على مَنْعِ أَكْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ قال وَلَيْسَ في كُتُبِ الْمَذْهَبِ ما يُخَالِفُهُ فَيَأْتِي في الْحِنْثِ بِأَكْلِهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ مَيْتَةٍ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ حَنِثَ بِخُبْزِ الْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالْبَاقِلَّا وَالْحِمَّصِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهَا من الْحُبُوبِ وَلَوْ لم يَعْهَدْ بَعْضَهَا في بَلَدٍ له لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ وَاللَّفْظُ بَاقٍ على مَدْلُولِهِ من الْعُمُومِ وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا كما مَرَّ وَكَمَا لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِأَيِّ ثَوْبٍ كان وَإِنْ لم يَكُنْ مَعْهُودَ بَلَدِهِ وَخُبْزَ الْمَلَّةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهِيَ الرَّمَادُ الْحَارُّ كَغَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ خُبْزٍ وَإِنْ ثُرِدَ أو ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ وَخَالَفَ كَأَصْلِهِ في الطَّلَاقِ في الثَّانِيَةِ كما مَرَّ التَّنْبِيهُ عليه ثُمَّ لَا إنْ جَعَلَهُ في مَرَقَةِ حَسُوًّا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِوَزْنِ فَعُولٌ أَيْ مَائِعًا يُشْرَبُ شيئا بَعْدَ شَيْءٍ فَحَسَاهُ أَيْ شَرِبَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى خُبْزًا قال في الْأَصْلِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَوْزَنِيقَ على الْأَصَحِّ وهو الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْجَوْزِ وَمِثْلُهُ اللَّوْزَنِيقُ وهو الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِاللَّوْزِ قَالَهُ ابن خَلِّكَانَ قال يُقَالُ فيها الْجَوْزَنِيجُ واللَّوْزَنِيجُ بِالْجِيمِ فلما عَرَّبُوهُ أَبْدَلُوا الْجِيمَ قَافًا وَيَحْنَثُ بِرُقَاقٍ وَبُقْسُمَاطٍ وَكَعْكٍ وَبَسِيسٍ لِأَنَّهَا خُبْزٌ في الْحَقِيقَةِ وَذَكَرَ هذا الْحُكْمَ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ قال وَلَا أَحْسِبُ أَنَّ الْمُرَادَ على هذا بِالْبَسِيسِ ما فَسَّرَهُ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ من أَنَّهُ دَقِيقٌ أو سَوِيقٌ أو أَقِطٌ مَطْحُونٌ يُلَتُّ بِسَمْنٍ أو بِزَيْتٍ ثُمَّ يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ ما يَتَعَاطَاهُ أَهْلُ الشَّامِ من أَنَّهُمْ يَعْجِنُونَ دَقِيقًا وَيَخْبِزُونَهُ قبل أَنْ يَخْتَمِرَ ثُمَّ يَبُسُّونَهُ بِغِرْبَالٍ وَنَحْوِهِ وَيُضِيفُونَ إلَيْهِ سَمْنًا وقد يُزَادُ عليه عَسَلٌ أو سُكَّرٌ أو
____________________
(4/256)
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ حَنِثَ بِشَحْمِ الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ وهو الْأَبْيَضُ الذي لَا يُخَالِطُهُ الْأَحْمَرُ لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ لَا شَحْمِ الْبَطْنِ أو الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مُخَالِفُ اللَّحْمِ في الصِّفَةِ كَالِاسْمِ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَبِالْعَكْسِ أَيْ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ أو الْعَيْنِ لَا بِشَحْمِ الظَّهْرِ أو الْجَنْبِ وَإِنْ كان الْحَالِفُ عَرَبِيًّا لِأَنَّهُ لَحْمٌ لَا شَحْمٌ وَتَرْجِيحُ الْحِنْثِ بِشَحْمِ الْعَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِهِ بِشَحْمِ الْجَنْبِ من زِيَادَتِهِ وَيُحْمَلُ اللَّحْمُ على كل لَحْمٍ مَأْكُولٍ من نَعَمٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ أَكَلَهُ مَطْبُوخًا أَمْ نِيءً أَمْ مَشْوِيًّا لَا على لَحْمٍ غَيْرِهِ كَالْمَيْتَةِ وَالْحِمَارِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِهِ لِأَنَّ قَصْدَهُ الِامْتِنَاعُ عَمَّا يُعْتَادُ أَكْلُهُ وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ على الْمَأْكُولِ شَرْعًا وَلَا على لَحْمِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ اللَّحْمِ وَإِنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى السَّمَكَ لَحْمًا فقال لِتَأْكُلُوا منه لَحْمًا طَرِيًّا وَشَبَّهَ ذلك بِمَا لو حَلَفَ لَا يَجْلِسُ في ضَوْءِ السِّرَاجِ فَجَلَسَ في ضَوْءِ الشَّمْسِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ سِرَاجًا فقال وَجَعَلْ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَلَيْسَ السَّنَامُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَلْيَةُ شَحْمًا وَلَا لَحْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا من حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا وَلَا لَحْمًا لِمُخَالَفَتِهِمَا لَهُمَا في الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَإِنْ حَلَفَ عليها أَيْ على الْأَلْيَةِ لم يَحْنَثْ بِالسَّنَامِ كَعَكْسِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ في الْأَصْلِ وَتَقَدَّمَ في الرِّبَا أَنَّ الْجِلْدَ إذَا لم يُؤْكَلْ غَالِبًا ليس بِلَحْمٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا قال ابن أبي عَصْرُونٍ وَكَذَا بِقَانِصَةِ الدَّجَاجِ ثُمَّ الدَّسَمِ وهو الْوَدَكُ يَتَنَاوَلُ شَحْمَ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَلْيَةِ وَالسَّنَامِ وَالْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ لِصِدْقِ اسْمِهِ بِكُلٍّ منها وَخَرَجَ بِالْأَدْهَانِ أُصُولُهَا كَالسِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَلَا تَدْخُلُ الْأَمْعَاءُ وَالْكَرِشُ وَالْكَبِدُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا وَكَسْرِ ثَانِيهِمَا على الْأَشْهَرِ وَالرِّئَةُ وَالطِّحَالُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْمُخُّ وَالْقَلْبُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْخُصْيَةُ وَالثَّدْيُ على الْأَقْرَبِ في اللَّحْمِ لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ وَيَدْخُلُ فيه لَحْمُ الرَّأْسِ وَاللِّسَانِ وَالْخَدِّ وَالْأَكَارِعُ لِصِدْقِ الِاسْمِ أو حَلَفَ على لَحْمِ الْبَقَرِ حَنِثَ بِالْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ وَالْجَامُوسِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الْحِمَارَ فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ رُكُوبُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ حَلَفَ على مَيْتَةٍ لم يَحْنَثْ بِالْمُذَكَّاةِ وَلَا بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِلْعُرْفِ وَكَمَا لو حَلَفَ على الدَّمِ لَا يَحْنَثُ بِالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالسَّمْنِ غَيْرِ الزُّبْدِ وَالدُّهْنِ هذا يُعْلَمُ منه قَوْلِهِ وَكَذَا الْعَكْسُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا من الثَّلَاثَةِ مُغَايِرٌ لِكُلٍّ من الْآخَرَيْنِ فَالْحَالِفُ على شَيْءٍ منها لَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِي لِلِاخْتِلَافِ في الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَلَوْ حَلَفَ على الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ لَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَاللَّبَنُ يَتَنَاوَلُ ما يُؤْخَذُ من النَّعَمِ وَالصَّيْدِ قال الرُّويَانِيُّ وَالْآدَمِيُّ وَالْخَيْلُ سَوَاءٌ فيه الْحَلِيبُ وَالرَّائِبُ وَالْمَخِيضُ وَالْمَيْشُ يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ لَبَنُ ضَأْنٍ مَخْلُوطٌ بِلَبَنِ مَعْزٍ وَالشِّيرَازُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وهو أَنْ يُغْلَى اللَّبَنُ فَيُثْخَنَ جِدًّا وَيَصِيرُ فيه حُمُوضَةٌ لَا الْجُبْنُ وَالْمَصْلُ وَالْأَقِطُ وَالسَّمْنُ إذْ لَا يَصْدُقُ عليها اسْمُ اللَّبَنِ وَأُمَّا الزُّبْدُ فَإِنْ ظَهَرَ فيه لَبَنٌ فَلَهُ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقِشْطَةُ مثله وَلَوْ حَلَفَ على الْجَوْزِ أو التَّمْرِ أو الْبِطِّيخِ لم يَحْنَثْ بِالْهِنْدِيِّ منه لِلْمُخَالَفَةِ في الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالْبِطِّيخُ الْهِنْدِيُّ هو الْأَخْضَرُ وَاسْتَشْكَلَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ في الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ وَقِيلَ
____________________
(4/257)
يَحْنَثُ بِالْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ لِقُرْبِهِ من الْجَوْزِ الْمَعْرُوفِ طَبْعًا وَطَعْمًا وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزْمُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَلَيْسَ خِيَارُ شَنْبَرٍ خِيَارًا فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عليه بِهِ وَالطَّعْمُ وَالتَّنَاوُلُ شَامِلٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُ أو لَا يَتَنَاوَلُ شيئا حَنِثَ بِكُلِّ ما أَكَلَهُ وَشَرِبَهُ وَدَلِيلُ كَوْنِ الشُّرْبِ طَعْمًا قَوْله تَعَالَى وَمَنْ لم يَطْعَمْهُ فإنه مِنِّي وَخَبَرُ مَاءِ زَمْزَمَ طَعَامٌ طُعِمَ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا فَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الشُّرْبَ ليس بِأَكْلٍ وَإِنْ أَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُؤْكَلُ أو حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ فَعَكْسُهُ أَيْ فَإِنْ أَكَلَهُ لم يَحْنَثْ وَإِنْ شَرِبَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ أو حَلَفَ لَا يَشْرَبُ السَّوِيقَ لم يَحْنَثْ بِاسْتِفَافِهِ وَالْتِعَاقِهِ بِمِلْعَقَةٍ أو أُصْبُعٍ مَبْلُولَةٍ وَلَوْ كان خَاتِرًا بِحَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْمَلَاعِقِ لِأَنَّ ذلك ليس شُرْبًا وما ذَكَرَهُ في الْخَاتِرِ كَأَصْلِهِ مَنْقُولٌ عن الْإِمَامِ وَزَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ وَرَدَّهُ عليه الْأَذْرَعِيُّ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ لم يَحْنَثْ بِشُرْبِهِ بَلْ بِاسْتِفَافِهِ وَالْتِعَاقِهِ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السَّكَرَ حَنِثَ بِبَلْعِهِ بِمَضْغٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ يُخَالِفُ ما مَرَّ في الطَّلَاقِ كما مَرَّ التَّنْبِيهُ عليه فَلَوْ وَضَعَهُ بِفِيهِ وَذَابَ وَابْتَلَعَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَأْكُلْهُ وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اُتُّخِذَ منه إلَّا إنْ نَوَى وَكَذَا الْحُكْمُ في التَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ فَامْتَصَّهُمَا وَرَمَى الثِّقْلَ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ لم يَحْنَثْ كَأَكْلِهِ أو شُرْبِهِ عَصِيرَهُمَا لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى أَكْلًا لَهُمَا وَمِثْلُهُمَا كُلُّ ما يُمَصُّ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا حَنِثَ بِأَكْلِهِ جَامِدًا وَحْدَهُ أو بِخُبْزٍ وَلَوْ ذَائِبًا لَا يَشْرَبُهُ ذَائِبًا لِصِدْقِ اسْمِ الْأَكْلِ في ذَاكَ دُونَ هذا وَإِنْ جَعَلَهُ في عَصِيدَةٍ أو سَوِيقٍ وَظَهَرَ جِرْمُهُ فيه بِرُؤْيَتِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عليه نعم إنْ نَوَى شيئا حُمِلَ عليه وَإِنْ جَعَلَ الْخَلَّ الْمَحْلُوفَ عليه في سِكْبَاجٍ فَظَهَرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَيْ السَّمْنَ أو الْخَلَّ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أو لَا يَشْرَبُ فَذَاقَ لم يَحْنَثْ أو لَا يَذُوقُ حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا أَيْ بِالْأَكْلِ أو الشُّرْبِ لِتَضَمُّنِهِ الذَّوْقَ وَكَذَا لو ذَاقَهُ وَمَجَّهُ لِأَنَّ الذَّوْقَ إدْرَاكُ الطَّعْمِ وقد حَصَلَ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ فَأَوْجَرَ في حَلْقِهِ وَبَلَغَ جَوْفَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَأْكُلْ ولم يَشْرَبْ ولم يَذُقْ أو حَلَفَ لَا يَطْعَمُ كَذَا حَنِثَ بِالْإِيجَارِ من نَفْسِهِ أو من غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ صَارَ طَعَامُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا جَعَلْته لي طَعَامًا أَيْ وقد جَعَلَهُ له طَعَامًا وَيَدْخُلُ في اسْمِ الْفَاكِهَةِ وَشَرْطُهَا النُّضْجُ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ الْيَابِسِ وَمُفَلَّقِ الْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ وَالْأُتْرُجُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَيُقَالُ فيه الْأُتْرُنْجُ وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ وَاللَّيْمُونُ وَالنَّارِنْجُ وَالنَّبْقُ وَالْمَوْزُ وَلُبُّ الْفُسْتُقِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَالْبُنْدُقُ بِالْبَاءِ كما عَبَّرَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِالْفَاءِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْبِطِّيخُ وَنَحْوُهَا كَتُفَّاحٍ وَكُمَّثْرَى وَسَفَرْجَلٍ وَذَلِكَ لِوُقُوعِ اسْمِ الْفَاكِهَةِ عليها وَالْعَطْفِ في قَوْله تَعَالَى فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ لِتَخْصِيصِهِمَا وَتَمْيِيزِهِمَا كما في قَوْله تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ وَقَيَّدَ الْفَارِقِيُّ اللَّيْمُونَ وَالنَّارِنْجَ بِالطَّرِيَّيْنِ فَالْمِلْحُ مِنْهُمَا ليس بِفَاكِهَةٍ وَالْيَابِسُ مِنْهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ عَدَمُ
____________________
(4/258)
دُخُولِ الْبَلَحِ وَالْحِصْرِمِ في الْفَاكِهَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي لَكِنَّ مَحَلَّهُ في الْبَلَحِ في غَيْرِ الذي حَلَّى أَمَّا ما حَلَّى فَظَاهِرٌ أَنَّهُ من الْفَاكِهَةِ وفي شُمُولِهَا الزَّيْتُونُ وَجْهَانِ في الْبَحْرِ لَا الْقِثَّاءُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا أو بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ وَالْخِيَارُ فَلَيْسَا منها بَلْ من الْخَضْرَاوَاتِ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِثَّاءَ غَيْرُ الْخِيَارِ وهو الشَّائِعُ عُرْفًا لَكِنْ فَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَدْخُلُ الْيَابِسُ من الثِّمَارِ في الثِّمَارِ
فَصْلٌ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ وحلف لَيَأْكُلَن ما في كُمِّ زَيْدٍ فَكَانَ ما في كُمِّهِ بَيْضًا فَجَعَلَهُ في النَّاطِفِ وَأَكَلَهُ كُلَّهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ أَكَلَ ما في كُمِّهِ ولم يَأْكُلْ الْبَيْضَ فَرْعٌ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ وَالسِّمْسِمُ لَيْسَتْ بِثَمَرٍ ولا زَبِيبٌ ولا شَيْرَجٌ وَعَصِيرُ التَّمْرِ وَدِبْسُهُ لَيْسَا بِتَمْرٍ وَكَذَا الْعَكْسُ لِاخْتِلَافِهِمَا اسْمًا وَصِفَةً وَإِنْ كان أَصْلُهُمَا وَاحِدًا وَالرُّطَبُ غَيْرُ الْبُسْرِ وَالْبَلَحِ وَهَلْ يَتَنَاوَلُ الرُّطَبَ الْمُشَرَّخَ وهو ما لم يَتَرَطَّبْ بِنَفْسِهِ بَلْ عُولِجَ حتى تَرَطَّبَ قال الزَّرْكَشِيُّ فيه نَظَرٌ وقد ذَكَرُوا في السَّلَمِ أَنَّهُ لو أَسْلَمَ إلَيْهِ في رُطَبٍ فَأَحْضَرَ إلَيْهِ مُشَرَّخًا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّطَبِ فَائِدَةٌ قال الْجَوْهَرِيُّ الْبُسْرُ أَوَّلُهُ طَلْعٌ ثُمَّ خَلَالٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّطَبَ فَأَكَلَ من الْمُنَصِّفَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُشَدَّدَةِ وَهِيَ ما بَلَغَ الْأَرْطَابَ فيها نِصْفَهَا غَيْرِ الرُّطَبِ لم يَحْنَثْ أو أَكَلَ منها الرُّطَبَ حَنِثَ وَكَذَا لو أَكَلَهُمَا جميعا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبُسْرَ فَأَكَلَ الْمُنَصَّفَ فَفِيهِ هذا التَّفْصِيلُ وَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ أَكَلَ بُسْرًا أو كَنَظِيرِهِ فِيمَا اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرَةً وَلَا رُطَبَةً فَأَكَلَ مُنَصَّفَةً لم يَحْنَثْ وَلَفْظَةُ كَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَا مَعْنًى لها هُنَا وَالطَّعَامُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ يَتَنَاوَلُ التُّوتَ وَالْفَاكِهَةَ وَالْأُدْمَ وَالْحَلْوَى وَتَقَدَّمَ في بَابِ الرِّبَا الدَّوَاءُ وَفِيهِ في الْأَصْلِ هُنَا وَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بين الْبَابَيْنِ في بَابِ الرِّبَا وَهَلْ يَدْخُلُ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَاللَّحْمُ في الْقُوتِ لِمَنْ لَا يَقْتَاتُهُ أَيْ كُلًّا منها أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ دُخُولِهَا إنْ لم يُعْتَدْ اقْتِيَاتُهَا بِبَلَدِ الْحَلِفِ بِخِلَافِ ما لو اُعْتِيدَ ذلك أو كان الْحَالِفُ يَقْتَاتُهَا وَمِنْ الْأُدْمِ الْفُجْلُ وَالثِّمَارُ وَالْبَصَلُ وَالْمِلْحُ وَالتَّمْرُ وَالْخَلُّ وَالشَّيْرَجُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنِثَ بِكُلِّ مَاءٍ حتى بِمَاءِ الْبَحْرِ وَشُرْبُ مَاءِ الثَّلْجِ وَالْجَمَدِ لَا أَكْلُهُمَا فَشُرْبُهُمَا غَيْرُ أَكْلِهِمَا وَأَكْلُهُمَا غَيْرُ شُرْبِهِمَا وَالثَّلْجُ غَيْرُ الْجَمَدِ وَالِاعْتِبَارُ في الطَّبْخِ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا طَبَخَهُ زَيْدٌ بِالْإِيقَادِ منه تَحْتَ الْقِدْرِ حتى يَنْضَجَ ما يَطْبُخُهُ وَإِنْ وُجِدَ نَصْبُ الْقِدْرِ وَتَقْطِيعُ اللَّحْمِ وَصَبُّ الْمَاءِ عليه وَجَمْعُ التَّوَابِلِ من غَيْرِهِ أو بِوَضْعِ الْقِدْرِ منه في تَنُّورٍ سُجِّرَ أَيْ حُمِيَ وَإِنْ حَمَاهُ غَيْرُهُ لَانْصَبَّ الْقِدْرُ على تَنُّورٍ لم يُسَجَّرْ وَجَمَعَ التَّوَابِلَ أَيْ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخَهُ فَشَارِكْهُ غَيْرُهُ في الطَّبْخِ مَعًا أو مُرَتَّبًا لم يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ مِمَّا تُشَارِكُهُ في طَبْخِهِ لِأَنَّهُ لم يَنْفَرِدْ بِالطَّبْخِ وَلَوْ حَضَرَ الطَّابِخُ أَيْ الْحَاذِقِ بِالطَّبْخِ قَرِيبًا وَأَشَارَ إلَى صَبِيِّهِ بِالْإِيقَادِ أو الْوَضْعِ في
____________________
(4/259)
التَّنُّورِ وَالتَّقْلِيلِ أو التَّكْثِيرِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ من ذلك لِأَنَّ الطَّبْخَ هُنَا يُضَافُ إلَى الْأُسْتَاذِ وَالثَّانِي لَا لِانْتِفَاءِ ما مَرَّ وَالْخُبْزُ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا خَبَزَهُ زَيْدٌ الْإِلْصَاقُ منه لِمَا يُخْبَزُ بِالتَّنُّورِ لَا سَجْرِهِ وَعَجْنِ الدَّقِيقِ وَتَقْطِيعِ الرُّغْفَانِ وَبَسْطِهَا النَّوْعُ الثَّالِثُ الْعُقُودُ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أو لَا يَلْبَسُ ما اشْتَرَاهُ زَيْدٌ أو مِمَّا اشْتَرَاهُ لم يَحْنَثْ بِمَا رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا أو حَصَلَ له بِصُلْحٍ أو قِسْمَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا أو إرْثٍ أو هِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بِشِرَاءٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَيَحْنَثُ بِمَا دخل في مِلْكِهِ بِسَلَمٍ أو تَوْلِيَةٍ أو إشْرَاكٍ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا شِرَاءٌ حَقِيقَةً وَإِطْلَاقًا إذْ يُقَالُ اشْتَرَاهُ سَلَمًا وَتَوْلِيَةً وَإِشْرَاكًا وَيَتَرَتَّبُ عليها أَحْكَامُهُ من خِيَارٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ اشْتَهَرَ لِكُلٍّ منها صِيغَةٌ وَصُورَتُهُ في الْإِشْرَاكِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَهُ الْبَاقِي أو تُفْرَزَ حِصَّتُهُ إذْ لَا حِنْثَ بِالْمُشَاعِ كما سَيَأْتِي مع أَنَّهُ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في الصُّلْحِ بين كَوْنِهِ بِدَيْنٍ وَكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِالدَّيْنِ وَلَعَلَّهُ مِثَالٌ وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ له وَكِيلُهُ لِأَنَّهُ ليس مُشْتَرَاهُ إذْ يُقَالُ ما اشْتَرَاهُ زَيْدٌ بَلْ وَكِيلُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أو وِلَايَةٍ أو اشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ أو بَاعَ بَعْضَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ أَكَلَ ما اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو شِرْكَةً مَعًا أو مُرَتَّبًا وَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ من النِّصْفِ لِأَنَّهُ ليس مُشْتَرَاهُ إذْ يُقَالُ ما اشْتَرَاهُ زَيْدٌ بَلْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَكُلُّ جُزْءٍ منه مُشْتَرَكٍ نعم إنْ أَفْرَزَ حِصَّتَهُ فَالظَّاهِرُ حِنْثُهُ إنْ كانت الْقِسْمَةُ إفْرَازًا فَلَوْ اخْتَلَطَ ما اشْتَرَاهُ زَيْدٌ بِمَا اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ من ذلك قَدْرًا يَعْلَمُ كَوْنَهُ أَيْ ما اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فيه وفي نُسْخَةٍ منه أَيْ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ كَالْكَفِّ وَالْكَفَّيْنِ حَنِثَ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فيه مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَإِنْ لم يَتَعَيَّنْ لنا وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ ما يَشْمَلُ الظَّنَّ لِظُهُورِ أَنَّ الْكَفَّ قد لَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ أو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ فَمَلَكَ بَعْضَهَا وَأَكَلَهَا بِشُفْعَةٍ أو نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُسَمَّى شِرَاءً لم يَحْنَثْ وَصُورَةُ أَخْذِ الْكُلِّ بِالشُّفْعَةِ أَنْ يَأْخُذَ بها دَارَ جَارِهِ وَيْحَكُمْ له بِصِحَّةِ الْأَخْذِ أو يَأْخُذَ بها حِصَّةُ شَرِيكِهِ ثُمَّ يَبِيعُ حِصَّتَهُ الْقَدِيمَةَ فَيَبِيعُهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَأْخُذُهَا هو بِالشُّفْعَةِ أَيْضًا أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَهُ فَأَكَلَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرَهُ حَنِثَ بِخِلَافِهِ في اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ يَمِينَهُ في الْأُولَى انْعَقَدَتْ على أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا مَمْلُوكًا له وقد أَكَلَ طَعَامًا مَمْلُوكًا له وفي الْأَخِيرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ على أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا له وَأَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً مَمْلُوكَةً ولم يَحْصُلْ ذلك بِلُبْسِ الْمُشْتَرَكِ وَرُكُوبِهِ وفي مَعْنَى اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ السُّكْنَى وَنَحْوُهَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَعْقِدُ عَقْدًا فَوَكَّلَ فيه غَيْرَهُ لم يَحْنَثْ وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالتَّوْكِيلِ فيه لِأَنَّهُ لم يَعْقِدْ وَكَذَا لو وَكَّلَ في إنْكَاحِ ابْنَتِهِ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَنْكِحُهَا وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَعَلَهُ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِ وَأَمَرَهُ لَكِنْ مَرَّ في الْخُلْعِ فِيمَا لو قال لِزَوْجَتِهِ مَتَى أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ أنها لو قالت لِوَكِيلِهَا سَلِّمْهُ إلَيْهِ فَسَلَّمَهُ طَلُقَتْ وكان تَمْكِينُهَا الزَّوْجَ من الْمَالِ إعْطَاءً وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنْ يَحْنَثَ بِذَلِكَ لَكِنْ قد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ فَاقْتَصَرَ على فِعْلِهِ وَأُمَّا في الْخُلْعِ فَقَوْلُهَا لِوَكِيلِهَا سَلِّمْهُ إلَيْهِ بِمَثَابَةِ خُذْهُ
____________________
(4/260)
فَلَاحِظُوا الْمَعْنَى وَإِنْ وَكَّلَ من يَتَزَوَّجُ له فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَنِثَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ في قَبُولِ سَفِيرٍ مَحْضٍ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ كما في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ هُنَا وفي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ في النِّكَاحِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ من حَلَفَ على شَيْءٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ لم يَحْنَثْ وَلِقَاعِدَةِ أَنَّ النَّظَرَ في ذلك إلَى الْحَقِيقَةِ وَلِمَا عليه الْأَكْثَرُ قال ولم أَرَ أَحَدًا اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ إلَّا الْبَغَوِيّ انْتَهَى وَمِثْلُ ذلك يَجْرِي فِيمَا لو حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ من طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ وَكَّلَ من رَاجَعَهَا سَوَاءٌ قُلْنَا الرَّجْعَةُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَمْ اسْتِدَامَةٌ وَلَوْ عَقَدَ لِغَيْرِهِ ما سِوَى النِّكَاحِ بِوَكَالَةٍ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَعْقِدُ عَقْدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ فَعَلَ ما حَلَفَ عليه أَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ بِعَقِدِهِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ تَجِبُ إضَافَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْنَثُ الْوَكِيلُ وَقِيلَ يَحْنَثُ كما في غَيْرِ النِّكَاحِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ صُورَةَ هذه أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ عَقْدًا وَلَيْسَ مُرَادًا سَوَاءٌ كان الْحَالِفُ فِيمَا مَرَّ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ عَقْدُهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ صَرَّحَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ أَمْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ ما حَلَفَ عليه وَبِمَا مَرَّ عُلِمَ أَنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْحَالِفِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ حتى لو حَلَفَ الْأَمِيرُ أو نَحْوُهُ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَضَرَبَهُ الْجَلَّادُ وَلَوْ بِأَمْرِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حَلَفَ على فِعْلِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْعَادَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ أو لَا يَأْكُلُ فَلَبِسَ أو أَكَلَ ما لَا يَعْتَادُهُ حَنِثَ أو حَلَفَ لَا يَبْنِي بَيْتَهُ فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ فَبَنَاهُ أو لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ بِحَلَّاقٍ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ فَحَلَقَهُ لم يَحْنَثْ فِيهِمَا لِذَلِكَ وَقِيلَ يَحْنَثُ في الثَّانِيَةِ لِلْعُرْفِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ فيها من زِيَادَتِهِ لَكِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ من شَرْحَيْهِ بِالثَّانِي وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ نَوَى فِيمَا ذَكَرَ مَنْعَ نَفْسِهِ أو وَكِيلِهِ أَيْ مَنْعَ كُلٍّ مِنْهُمَا من فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عليه اتَّبَعَ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَطَرِيقُهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أو في عُمُومِ الْمَجَازِ كان لَا يَسْعَى في فِعْلِ ذلك وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ ما إذَا كان قد وَكَّلَ قبل يَمِينِهِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ أو حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِزَيْدٍ مَالًا فَبَاعَهُ بِلَا إذْنٍ لم يَحْنَثْ إذْ لَا بَيْعَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ أَمَّا لو بَاعَهُ بِإِذْنِهِ وبإذن الْحَاكِمِ لِحَجْرٍ أو امْتِنَاعٍ أو بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِحَجْرٍ أو بِالظَّفَرِ فَيَحْنَثُ وَصَرَّحَ بِبَعْضِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَجَعَلَ ضَابِطَ ذلك أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا وَكَذَا لو بَاعَهُ بِإِذْنِ وَكِيلِهِ أَيْ وَكِيلِ زَيْدٍ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ مَالُ زَيْدٍ لَا يَحْنَثُ لِجَهْلِهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لي زَيْدٌ مَالًا فَبَاعَ له بِإِذْنِ وَكِيلِهِ حَنِثَ سَوَاءٌ عَلِمَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَالُ الْحَالِفِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ على نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ وقد فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ حَمْلُ ذلك على ما إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَنْعَ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أو حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ فَفَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لم يَحْنَثْ كما لو وَكَّلَ فيه أَجْنَبِيًّا وَلَوْ قال إنْ فَعَلْت كَذَا أو إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ فَفَعَلَتْ أو شَاءَتْ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ منها صِفَةٌ وهو الْمُطَلِّقُ صُرِّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَرْعٌ لو حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يَهَبُ فَعَقَدَ عَقْدًا فَاسِدًا لم يَحْنَثْ كما عُلِمَ من الْمَسَائِلِ الْمُعَلَّلَةِ بِقَوْلِهِ إذْ لَا بَيْعَ فَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى ما لَا يَقْبَلُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ خَمْرًا أو مُسْتَوْلَدَةً لم يَحْنَثْ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ وهو لَا يُتَصَوَّرُ في ذلك فَلَغَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ صُورَةَ الْبَيْعِ فَيَحْنَثُ لِوُجُودِ
____________________
(4/261)
الصِّفَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ يَجِبُ الْمُضِيُّ فيه كَالصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُ انْعِقَادِهِ فَاسِدًا أو لَا يَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وقال الْإِمَامُ الْوَجْهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَالْقَلْبُ إلَى ما قَالَهُ الْإِمَامُ أَمْيَلُ قُلْت وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ له حَنِثَ بِكُلِّ تَمْلِيكٍ في الْحَيَاةِ خَالٍ عن الْعِوَضِ وَلَوْ بِالصَّدَقَةِ عليه وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ خَاصَّةٌ من الْهِبَةِ لَا بِإِعْطَائِهِ الزَّكَاةَ لِآنِهَا لَا تُسَمَّى هِبَةً ولا ضِيَافَتِهِ وَلَا إعَارَتِهِ إذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهِمَا ولا الْوَصِيَّةِ له لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَا يَحْنَثُ وَلَا يُوقَفُ عليه لِأَنَّ الْمِلْكَ فيه لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ وَهَبَ له ولم يَقْبِضْ منه ما وَهَبَهُ له لم يَحْنَثْ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ لم يَحْصُلْ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ على الِامْتِنَاعِ من الْهِبَةِ عَدَمُ التَّبَرُّعِ على الْغَيْرِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقَبْضِ قال إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَلَا يَحْنَثُ بِالْهِبَةِ لِعَبْدِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ مع الْعَبْدِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا بِمُحَابَاةٍ في بَيْعٍ وَنَحْوِهِ أو حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ حَنِثَ بِالصَّدَقَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا على فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِشُمُولِ الِاسْمِ وَيَحْنَثُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ عليه بِرَقَبَتِهِ لَا الْهِبَةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ من الصَّدَقَةِ كما مَرَّ نعم إنْ نَوَاهَا بها حَنِثَ كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ وَقَفَ عليه حَنِثَ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ لَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِهِ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بهذا أَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ وَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ هذا الشَّكْلُ غَيْرُ مُنْتِجٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ إذْ مَحْمُولُ الصُّغْرَى صَدَقَةٌ لَا تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَمَوْضُوعُ الْكُبْرَى صَدَقَةٌ تَقْتَضِيهِ كما مَرَّ في بَابِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فَقَارَضَ حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوْعٌ من الشَّرِكَةِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ بَعْدَ حُصُولِ الرِّيحِ دُونَ ما قَبْلَهُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبَرُّهُ حَنِثَ بِجَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ كَإِبْرَائِهِ من الدَّيْنِ وَإِعْتَاقِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعَارَتِهِ لِأَنَّ كُلًّا منها يُعَدُّ بِرًّا عُرْفًا لَا إعْطَائِهِ الزَّكَاةَ كما لو قَضَى دَيْنًا وَالْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ وَالْكِتَابَةِ لِلرَّقِيقِ غَيْرِ الضَّمَانِ بِالْمَالِ وَالْعِتْقِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ أو لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عليه وَوَجْهُهُ في الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فيها إعْتَاقٌ في الْجُمْلَةِ من حَيْثُ إنَّ التَّعْلِيقَ مع وُجُودِ الصِّفَةِ إعْتَاقٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنَزَّلَةٌ على الْإِعْتَاقِ مَجَّانًا وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ له حَنِثَ بِكُلِّ مَالِهِ حتى بِثَوْبِهِ وَدَارِهِ وَعَبْدِ خِدْمَتِهِ وَبِدَيْنِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا وَلَوْ على مُعْسِرٍ أو جَاحِدٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ وَوَجْهُهُ في الدَّيْنِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فيه وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فيه بِالْحَوَالَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا من التَّعْلِيلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ دَيْنَهُ على مَدِينٍ مَاتَ ولم يُخَلِّفْ تَرِكَةً وَدَيْنُهُ على مُكَاتَبِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَإِنْ كان له مَالٌ غَائِبٌ وَضَالٌّ وَمَغْصُوبٌ وَمَسْرُوقٌ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَحْنَثُ
____________________
(4/262)
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ فيها وَثَانِيهِمَا لَا لِأَنَّ بَقَاءَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ وَهَذَا أَوْجَهُ وَيَحْنَثُ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ وَلَهُ مَنَافِعُهُمَا وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا لَا الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً إذْ لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَنَافِعَهُ وَلَا أَرْشَ جِنَايَتِهِ فَهُوَ كَالْخَارِجِ عن مِلْكِهِ وَلَا يُنَافِي هذا ما قَدَّمَهُ في الْغَصْبِ من أَنَّهُ مَالٌ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ الْعُرْفُ وَالْغَصْبُ تَعَدٍّ يُنَاسِبُهُ التَّغْلِيظُ وَلَا مَنْفَعَةَ بِوَصِيَّةٍ أو إجَارَةٍ وَلَا بِمَوْقُوفٍ عليه وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ قِصَاصٍ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ من إطْلَاقِ الْمَالِ الْأَعْيَانُ فَلَوْ كان قد عَفَا عن الْقِصَاصِ بِمَالٍ حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا مِلْكَ له حَنِثَ بِمَغْصُوبٍ منه وَآبِقٍ وَمَرْهُونٍ لَا بِزَوْجَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَفْهُومَةٍ مِمَّا ذُكِرَ هذا إنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ وَلَا بِزَيْتٍ نَجِسٍ أو نَحْوِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عنه بِالتَّنَجُّسِ كَمَوْتِ الشَّاةِ أو لَا عَبْدَ له لم يَحْنَثْ بِمُكَاتَبٍ تَنْزِيلًا لِلْكِتَابَةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ النَّوْعُ الرَّابِعُ الْأَوْصَافُ وَالْإِضَافَاتُ لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ حَنِثَ بِدَارٍ يَمْلِكُهَا وَإِنْ لم يَسْكُنْهَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِضَافَةِ إلَى من يَمْلِكُ بِدَلِيلِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ لَا بِمَا يَسْكُنُهُ بِإِجَارَةٍ أو إعَارَةٍ أو نَحْوِهِمَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ إلَّا إنْ أَرَادَهُ فَيَحْنَثُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ أو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ حَنِثَ بِمَا يَسْكُنُهُ وَلَوْ غَصْبًا إلَّا بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ لِأَنَّهُ ليس بِمَسْكَنِهِ حَقِيقَةً إلَّا إنْ أَرَادَهُ فَيَحْنَثُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ أو لَا يَدْخُلُ دَارَ مُكَاتَبِهِ حَنِثَ بِدُخُولِهَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ نَافِذُ التَّصَرُّفِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أو لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ فَبَاعَهُمَا يَعْنِي فَأَزَالَ مِلْكَهُمَا أو مِلْكَ بَعْضِهِمَا ثُمَّ دَخَلَهَا أَيْ الدَّارَ وَكَلَّمَهُ أَيْ الْعَبْدُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ دَارَ زَيْدٍ ولم يُكَلِّمْ عَبْدَهُ حَقِيقَةً فَإِنْ دخل ما أَيْ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ بَعْدُ لم يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا إنْ أَرَادَ الْأُولَى وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَهُ بِأَنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ تَكُونُ في مِلْكِهِ حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كما ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ جَرَى عليها مِلْكُهُ حَنِثَ بِهِمَا وَلَوْ قال لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ هذه حَنِثَ بِدُخُولِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ دُونَ الِاسْمِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ فُلَانٍ هذه وَكَلَّمَهَا مُطَلَّقَةً حَنِثَ بِتَكْلِيمِهَا أو لَا آكُلُ لَحْمَ هذه الْبَقَرَةِ مُشِيرًا لِشَاةٍ حَنِثَ بِأَكْلِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا آكُلُ لَحْمَ هذه السَّخْلَةِ فَكَبُرَتْ وَأَكَلَ لَحْمَهَا أو لَا أُكَلِّمُ هذا الصَّبِيَّ فَبَلَغَ وَكَلَّمَهُ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَلَا يَلْزَمُ من اعْتِبَارِ الِاسْمِ الْمُطَابِقِ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ وَلَا يَجِيءُ فيه الْخِلَافُ في نَظِيرِهِ من الْبَيْعِ إذْ بَابُ الْإِيمَانِ أَوْسَعُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا من هذا الْبَابِ فَقُلِعَ وَنُصِبَ على مَنْفَذٍ آخَرَ منها فَالْمُعْتَبَرُ في الْحِنْثِ الْمَنْفَذُ لَا الْخَشَبُ الْمُرَكَّبُ عليه فَحَنِثَ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ في الدُّخُولِ دُونَ الْبَابِ الْمَنْصُوبِ عليه لَا بِالثَّانِي إلَّا إنْ نَوَاهُ فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هذه الدَّارَ من بَابِهَا أو لَا يَدْخُلُ بَابَ هذه الدَّارِ فَحَوَّلَ الْبَابَ إلَى مَنْفَذٍ آخَرَ وَدَخَلَ منه حَنِثَ كما يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ من الْمَنْفَذِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَابُهَا وَلَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وُجُودَهُ عِنْدَ الْيَمِينِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قال لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ دَارًا مَلَكَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ وَإِنْ تَسَوَّرَ الْجِدَارَ وَصَارَ فيها لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ من بَابِهَا وَلَوْ مَلَكَ زَيْدٌ عَبْدَهُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ حَنِثَ لِأَنَّهَا دَابَّتُهُ أو حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ إلَّا إنْ قال أَرَدْت ما مَلَّكَهُ عَبْدَهُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ فَيَحْنَثُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ لم يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ
____________________
(4/263)
فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً مَلَكَهَا الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَثَانِيهِمَا لَا إنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَكِبَ دَابَّةَ حُرٍّ وَهَذَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ تَفَقُّهًا وهو الْأَوْجَهُ أو حَلَفَ لَا يَرْكَبُ سَرْجَ هذه الدَّابَّةِ فَرَكِبَهُ وَلَوْ على دَابَّةٍ أُخْرَى وَكَذَا دُكَّانٌ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهُ وهو يُنْسَبُ إلَى زَيْدٍ بِلَا مِلْكٍ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ نِسْبَةَ تَعْرِيفٍ حَنِثَ وَمِثْلُ ذلك كُلُّ ما لَا يُتَصَوَّرُ منه الْمِلْكُ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلْمِلْكِ كَدَارِ الْعَدْلِ وَدَارِ الْوِلَايَةِ وَسُوقِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ وَخَانِ الْخَلِيلِيِّ بِمِصْرَ وَسُوقِ يحيى بِبَغْدَادَ وَخَانْ أبي يَعْلَى بِقَزْوِينَ وَدَارِ الْأَرْقَمِ بِمَكَّةَ وَدَارِ الْعَقِيقِيِّ بِدِمَشْقَ فإذا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ شيئا منها حَنِثَ بِدُخُولِهِ وَإِنْ كان من يُضَافُ إلَيْهِ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ على الْمِلْكِ أو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَنَّ أَيْ أَنْعَمَ بِهِ عليه فُلَانٌ فَبَاعَهُ ثَوْبًا وَأَبْرَأَهُ من ثَمَنِهِ أو حَابَاهُ فيه لم يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ لِأَنَّ الْمِنَّةَ في الثَّمَنِ لَا في الثَّوْبِ وَإِنْ وَهَبَهُ له أو أَوْصَى له بِهِ حَنِثَ بِلُبْسِهِ إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُ قبل لُبْسِهِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَلْبَسُ الْغَيْرَ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُبْنَى على الْأَلْفَاظِ لَا على الْمَقْصُودِ التي لَا يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ فَبَاعَهُ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ وُقُوعُهُ بَعْدَهَا لَا حِنْثَ فيه مُطْلَقًا لِأَنَّهُ عَبَّرَ في حَلِفِهِ بِالْمَاضِي فَلَوْ قال كَأَصْلِهِ فَلَبِسَ ثَوْبًا بَاعَهُ له أو وَهَبَهُ إلَخْ كان أَوْلَى وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذلك لَكِنَّ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَا وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بين اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ مَنَّ أَيْ عَدَّدَ عليه النِّعَمَ غَيْرَهُ فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ له مَاءً من عَطَشٍ فَشَرِبَ مَاءَهُ بِلَا عَطَشٍ أو أَكَلَ له طَعَامًا أو لَبِسَ له ثَوْبًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ كان قد يَقْصِدُ في مِثْلِ ذلك الِامْتِنَاعَ من الْجَمِيعِ وَإِنْ قال لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا من غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا سَدَاهُ بِفَتْحِ السِّينِ من غَزْلِهَا وَلُحْمَتُهُ من غَيْرِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ما لَبِسَ من غَزْلِهَا بَلْ منه وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قال لَا أَلْبَسُ من غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِ لَا بِثَوْبٍ خُيِّطَ بِخَيْطٍ من غَزْلِهَا لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَإِنْ قال لَا أَلْبَسُ مِمَّا غَزَلَتْهُ لم يَحْنَثْ بِمَا تَغْزِلُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ بَلْ ما غَزَلَتْهُ قَبْلَهَا أو عَكْسِهِ فَعَكَسَ حُكْمَهُ أَيْ قال لَا أَلْبَسُ مِمَّا تَغْزِلُهُ لم يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ قبل الْيَمِينِ بَلْ بِمَا تَغْزِلُهُ بَعْدَهَا أو قال لَا أَلْبَسُ من غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِمَا أَيْ بِمَا غَزَلَتْهُ وَبِمَا تَغْزِلُهُ لِصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَاعَى في الْحَلِفِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ في تَنَاوُلِهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلَ أو أَحَدَهُمَا فإذا قال لَا أَلْبَسُ ما مَنَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ ما مَنَّ بِهِ فُلَانٌ قبل الْيَمِينِ بِهِبَةٍ أو غَيْرِهَا لَا بِمَا يَمُنُّ بِهِ بَعْدَهَا وَعَكْسُهُ عَكْسُ حُكْمِهِ وَتَقَدَّمَ فيه بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَجُبَّةِ قَبَاءٍ وَنَحْوِهَا مِخْيَطًا كان أو غَيْرَهُ من قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ سَوَاءٌ أَلَبِسَهُ بِالْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ أَمْ لَا بِأَنْ ارْتَدَى أو اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ أو تَعَمَّمَ بِالسَّرَاوِيلِ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالثَّوْبِ لَا بِالْجُلُودِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْحُلِيِّ لِعَدَمِ اسْمِ الثَّوْبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا كان من أَهْلِ نَاحِيَةٍ يَلْبَسُونَهَا وَيَعُدُّونَهَا ثِيَابًا يَحْنَثُ بها وَلَا بِوَضْعِ الثَّوْبِ على الرَّأْسِ ولا افْتِرَاشِهِ تَحْتَهُ وَكَذَا لو تَدَثَّرَ بِهِ لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى لُبْسًا وَإِنَّمَا حَرُمَ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِعْمَالٍ فَكَانَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمَحَلُّ ما ذَكَرَ في التَّدَثُّرِ إذَا كان بِقَمِيصٍ أو نَحْوِهِ كما صَوَّرَ بِهِ في الْوَجِيزِ أَمَّا إذَا تَدَثَّرَ بِقَبَاءٍ أو فَرَجِيَّةٍ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عن الْإِمَامِ في مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ من بَدَنِهِ ما إذَا قام عُدَّ لَابِسُهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ كان بِحَيْثُ لو قام أو قَعَدَ لم يَسْتَمْسِكْ عليه إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا وَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ هُنَا على ذلك انْتَهَى
وَرُدَّ بِمَا فيه نَظَرٌ وَيَحْنَثُ في الْحَلِفِ على لُبْسِ الْحُلِيِّ لَا الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَلَوْ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً وَسِوَارًا وَخَلْخَالًا وَطَوْقًا وَدُمْلُجًا وَخَاتَمًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أو امْرَأَةً لَا بِسَيْفٍ مُحَلًّى لِأَنَّهُ ليس حُلِيًّا ويحنث بِالْخَرَزِ وَالسَّبَجِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ وهو الْخَرَزُ الْأَسْوَدُ كما في الصِّحَاحِ إنْ كان من قَوْمٍ يُعْتَادُونَ
____________________
(4/264)
التَّحَلِّي بِهِمَا مِثْلُ أَهْلِ السَّوَادِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ كما لو حَلَفَ غَيْرُ الْبَدْوِيِّ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتَ شِعْرٍ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْحِنْثِ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِعَدَمِهِ لَا بِالْمُتَّخَذِ من شَبَهِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا كان من قَوْمٍ يَتَحَلَّوْنَ بِذَلِكَ وَيُعِدُّونَهُ حُلِيًّا حَنِثَ بِهِ كما ذَكَرَ في الْمِخَدَّةِ وَكَمَا مَرَّ في الْخَرَزِ ثُمَّ رَأَيْت الرُّويَانِيَّ قال وَلَوْ تَحَلَّى بِالْخَرَزِ وَالصُّفْرِ فَإِنْ كان في عُرْفِهِمْ حُلِيًّا كَأَهْلِ الْبَوَادِي وَسَكَّانِ السَّوَادِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شيئا حَنِثَ بِالْجُلُودِ وَالنَّعْلِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالدِّرْعِ وَنَحْوِهَا من سَائِرِ ما يُلْبَسُ لِصِدْقِ الِاسْمِ أو لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا مُنَكَّرًا أو مُعَرَّفًا كَهَذَا الْقَمِيصِ فَارْتَدَى أو اتَّزَرَ بِهِ حَنِثَ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالْقَمِيصِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْحَلِفِ على لُبْسِ الثَّوْبِ لَا إنْ ارْتَدَى أو اتَّزَرَ بِهِ بَعْدَ فَتْقِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْقَمِيصِ فَلَوْ أَعَادَهُ على هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَكَالدَّارِ الْمُعَادَةِ بِنَقْضِهَا وَسَيَأْتِي وَلَوْ قال لَا أَلْبَسُ هذا الثَّوْبَ وكان قَمِيصًا أو رِدَاءً فَجَعَلَهُ نَوْعًا آخَرَ مِثْلَ سَرَاوِيلَ حَنِثَ بِلُبْسِهِ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِ ذلك الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ما دَامَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو لَا أَلْبَسُ هذا الْقَمِيصَ أو الثَّوْبَ قَمِيصًا فَارْتَدَى أو اتَّزَرَ أو تَعَمَّمَ بِهِ لم يَحْنَثْ لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ بِخِلَافِ ما لو قال لَا أَلْبَسُهُ وهو قَمِيصٌ فَأَتَى بِذَلِكَ فإنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ وهو قَمِيصٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذه وَأَشَارَ إلَى حِنْطَةٍ فَأَكَلَهَا وَلَوْ خُبْزًا حَنِثَ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ أو لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً أو هذه الْحِنْطَةَ أو من هذه الْحِنْطَةِ فَأَكَلَهَا حَبًّا وَمَقْلِيَّةً وَمَطْبُوخَةً مع بَقَاءِ حَبِّهَا وَمَبْلُولَةً لَا مَطْحُونَةً وَمَعْجُونَةً وَمَخْبُوزَةً حَنِثَ إنْ أَكَلَهَا لِصِدْقِ الِاسْمِ لَا إنْ أَكَلَ بَعْضَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا في الثَّالِثَةِ وَهِيَ لَا آكُلُ من هذه الْحِنْطَةِ فَيَحْنَثُ وَإِنَّمَا لم يَحْنَثْ بِأَكْلِهَا مَطْحُونَةً أو مَعْجُونَةً أو مَخْبُوزَةً أو مَطْبُوخَةً مع عَدَمِ بَقَاءِ حَبِّهَا لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ أَكْلَ الْكُلِّ أو الْبَعْضِ في الْأَوْلَى غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ تَأَتِّيه فيها لِتَنْكِيرِهِ الْحِنْطَةَ وَالدَّقِيقُ غَيْرُ الْعَجِينِ وَالْخُبْزُ غَيْرُهُمَا فَلَوْ قال لَا آكُلُ هذا الدَّقِيقَ فَأَكَلَ عَجِينَهُ أو خُبْزَهُ أو هذا الْعَجِينَ فَأَكَلَ خُبْزَهُ أو هذا الْخُبْزَ فَدَقَّهُ بَعْدَ يَبْسِهِ وَأَكَلَ دَقِيقَهُ لم يَحْنَثْ وَذِكْرُ الْأَخِيرَةِ من زِيَادَتِهِ وَبِهَا صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ تَفَقُّهًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هذا الْغَزْلَ فَلَبِسَهُ ثَوْبًا أو لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هذا الْخَرُوفِ فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْغَزْلَ هَكَذَا يُلْبَسُ وَلَحْمَ الْخَرُوفِ هَكَذَا يُؤْكَلُ وَالْأَوْلَى تَرْكُ لَفْظَةِ لَحْمٍ كما تَرَكَهَا الْأَصْلُ فَلَوْ ذَبَحَهُ وقد صَارَ كَبْشًا وَأَكَلَهُ لم يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْخَرُوفِ فَكَانَ الثَّانِي غير الْأَوَّلِ وَلَوْ قال مُشِيرًا لِصَبِيٍّ أو عَبْدٍ لَا أُكَلِّمُ هذا فَكَلَّمَهُ حُرًّا أو بَالِغًا حَنِثَ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ من زِيَادَتِهِ أو قال لَا أُكَلِّمُ هذا الْعَبْدَ أو هذا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ حُرًّا أو بَالِغًا لم يَحْنَثْ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَكَذَا لَا يَحْنَثُ لو قال لَا آكُلُ هذا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أو هذا التَّمْرَ فَجُعِلَ حِبْسًا بِأَنْ خُلِطَا بَعْدَ نَزْعِ نَوَاهُ وَعَجَنَهُ شَدِيدًا
____________________
(4/265)
بِسَمْنٍ وَأَقِطٍ وَأَكَلَهُ كَذَلِكَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فَجَعَلَهَا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَجَعَلَهُ في غَيْرِ خِنْصَرِهِ من أَصَابِعِهِ حَنِثَتْ الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ في حَقِّهَا دُونَهُ أَمَّا جَعَلَهُ في الْخِنْصَرِ فَيَحْنَثُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا وما قَالَهُ تَبِعَ فيه ابْنَ الرِّفْعَةِ وَغَيْرَهُ أَخْذًا من كَلَامِهِمْ في الْوَدِيعَةِ بَلْ نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْجَامِعِ الْكَبِيرِ رَدًّا على قَوْلِ الْأَصْلِ فَعَنْ الْمُزَنِيّ في الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ عَادَةً في غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَتَابَعَهُ الْبَغَوِيّ وَقَاسَهُ على ما لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ فَجَعَلَهَا في رِجْلِهِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحْنَثُ أَيْ مُطْلَقًا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الرَّاجِحُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ اللُّبْسِ وَصِدْقِ الِاسْمِ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين لُبْسِهِ في الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا وَالْوُسْطَى وَالسُّفْلَى فَصْلٌ لو حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إلَّا بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ أو حتى يَأْذَنَ له فَخَرَجَ بِلَا إذْنٍ منه حَنِثَ أو بِإِذْنٍ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ لم يَعْلَمْ بِإِذْنِهِ لِحُصُولِ الْإِذْنِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ في الْحَالَيْنِ أَيْ حَالَتَيْ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ حتى لو خَرَجَ بَعْدَ ذلك بِغَيْرِ إذْنٍ أو بِإِذْنٍ لم يَحْنَثْ وَلَوْ كان الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ كَأَنْ قال لِزَوْجَتِهِ إنْ خَرَجْت أو إنْ خَرَجْت أَبَدًا بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى الْإِذْنَ لها في الْخُرُوجِ وَأَنْكَرَتْ وَلَا بَيِّنَةَ له فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِإِذْنٍ أَمْ لَا لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ ليس فيها ما يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَصَارَ كما لو قَيَّدَهَا بِوَاحِدَةٍ وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الْيَمِينِ جِهَةَ بِرٍّ وَهِيَ الْخُرُوجُ بِإِذْنٍ وَجِهَةَ حِنْثٍ وَهِيَ الْخُرُوجُ بِدُونِهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جميعا وإذا كان لها جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ ما لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ وَلَيَأْكُلَن هذا الرَّغِيفَ فإنه إنْ لم يَدْخُلْ الدَّارَ في الْيَوْمِ بَرَّ وَإِنْ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ وَإِنْ دخل الدَّارَ وَلَيْسَ كما لو قال إنْ خَرَجْت لَابِسَةً حَرِيرًا فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غير لَابِسَةٍ لَا تَنْحَلُّ حتى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً له لِأَنَّ الْيَمِينَ لم تَشْتَمِلْ على جِهَتَيْنِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ فإذا وُجِدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَا في التَّعْلِيقِ بِلَفْظِ كُلَّمَا أو كُلَّ وَقْتٍ فَلَا يَنْحَلُّ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْخُرُوجِ لِاقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ هذا إنْ كانت مَدْخُولًا بها وَإِلَّا فَلَا تَكْرَارَ وَكَذَا لو قال إنْ خَرَجْت أو مَهْمَا خَرَجْت أو نَحْوَهُمَا غير لَابِسَةٍ خُفًّا أو حَرِيرًا فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَابِسَةً له انْحَلَّتْ يَمِينُهُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قال كُلَّمَا خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَرِيقُهُ في عَدَمِ تَكَرُّرِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ يُجَدَّدَ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَرْجَةٍ وَيُغْنِيهِ عن ذلك أَنْ يَقُولَ أَذِنْت لَك في الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت فَإِنْ أَذِنَ لها في الْخُرُوجِ ثُمَّ رَجَعَ عن الْإِذْنِ فَخَرَجَتْ بَعْدُ لم يَحْنَثْ في قَوْلِهِ في تَعْلِيقِهِ حتى أو إلَى أَنْ آذَنَ لَك لِأَنَّهُ جَعَلَ إذْنَهُ غَايَةَ الْيَمِينِ وقد حَصَلَ الْإِذْنُ وَيَحْنَثُ في قَوْلِهِ فيه بِغَيْرِ إذْنِي أو إلَّا بِإِذْنِي أو بِلَا إذْنِي لِأَنَّ خُرُوجَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ خُرُوجٌ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا مَانِعَ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَلَوْ قال لَا أَخْرُجُ حتى أَسْتَأْذِنك فَاسْتَأْذَنَهُ فلم يَأْذَنْ فَخَرَجَ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يُغْنِي لِعَيْنِهِ بَلْ لِلْإِذْنِ ولم يَحْصُلْ نعم إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ لم يَحْنَثْ النَّوْعُ الْخَامِسُ في الْكَلَامِ هِجْرَانُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ إلَّا لِبِدْعَةٍ أو مَصْلَحَةِ دِينٍ أو مُجَاهَرَةٍ بِظُلْمٍ أو فِسْقٍ كما مَرَّ ذلك في بَابِ الشِّقَاقِ مع التَّسْوِيَةِ بين الْمُجَاهِرِ وَغَيْرِهِ وقد صَوَّبَهَا الْإِسْنَوِيُّ وَجَزَمَ بها الْأَذْرَعِيُّ قال بَلْ الْمُسْتَتِرُ بِذَلِكَ أَوْلَى بِالْهِجْرَانِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِارْتِدَاعِ من الْمُجَاهِرِ فَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَتَنَحَّ عَنِّي أو قُمْ أو اُخْرُجْ أو غَيْرَهَا وَلَوْ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ لَا إنْ كَلَّمَهُ بِرَسُولٍ وَكِتَابٍ وَإِشَارَةٍ بِرَأْسٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ من أَخْرَسَ لِأَنَّهُ لم يُكَلِّمْهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ في الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَتُعُقِّبَ بِمَا في فَتَاوَى الْقَاضِي من أَنَّهُ لو حَلَفَ الْأَخْرَسُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ بِالْإِشَارَةِ حَنِثَ
____________________
(4/266)
وَبِمَا مَرَّ في الطَّلَاقِ من أَنَّهُ لو عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرِسَ وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ وَيُجَابُ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فيه قبل الْحَلِفِ وفي مَسْأَلَتِنَا بَعْدَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَلَامَ مَدْلُولُهُ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَإِنْ كانت تُؤَدَّى بِاللَّفْظِ وَيَرْتَفِعُ بها أَيْ بِالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ الْإِثْمُ أَيْ إثْمُ الْهِجْرَانِ في حَالِ الْغَيْبَةِ لِأَحَدِهِمَا إنْ صَوَابُهُ أو كانت الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قبل الْهِجْرَانِ بها وَتَضَمَّنَتْ في الْحَالَيْنِ الْأُلْفَةَ بَيْنَهُمَا لَا إنْ كان فيها إيذَاءٌ وَإِيحَاشٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بها الْإِثْمُ بَلْ هِيَ زِيَادَةُ وَحْشَةٍ وَتَأْكِيدٍ لِلْمُهَاجَرَةِ وَلَا إنْ كانت في حَالِ الْحُضُورِ ولم تَكُنْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قبل الْهِجْرَانِ بها وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يُهَاجِرَهُ فَرَاسَلَهُ أو كَاتَبَهُ أو أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ كان إثْمُ الْهِجْرَانِ لَا يَرْتَفِعُ بها ما لم يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَحْنَثُ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أو لَا يُسَلِّمُ عليه بِسَلَامٍ عليه لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَسَلَامٌ
وَكَذَا بِسَلَامٍ على قَوْمٍ هو فِيهِمْ وَعَلِمَ بِهِ وَإِنْ كان سَلَامُ الصَّلَاةِ عَمَلًا فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا سمع سَلَامَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنُقِلَ عن الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لو كَلَّمَهُ وهو مَجْنُونٌ أو مُغْمًى عليه وكان لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لم يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ وَإِنْ لم يَفْهَمْهُ وَأَنَّهُ لو كَلَّمَهُ وهو نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مثله حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا وَأَنَّهُ لو كَلَّمَهُ وهو بَعِيدٌ منه فَإِنْ كان بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا سمع كَلَامَهُ أَمْ لَا وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْإِيقَاظِ مع زِيَادَةٍ تُوَافِقُ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَتَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ في الْحِنْثِ بِسَلَامِ الصَّلَاةِ وقال الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الذي دَلَّتْ عليه قَوَاعِدُ الْبَابِ وَالْعُرْفُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لَا إنْ اسْتَثْنَاهُ من الْقَوْمِ في سَلَامِهِ عليهم وَلَوْ بِنِيَّتِهِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَيَحْنَثُ بِتَفْهِيمٍ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بها ولم يَقْصِدْ قِرَاءَةً لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِخِلَافِ ما إذَا قَصَدَهَا لِأَنَّهُ لم يُكَلِّمْهُ لَا بِفَتْحِهَا أَيْ الْقِرَاءَةِ عليه وَلَا بِتَسْبِيحٍ وَلَوْ لِسَهْوٍ من إمَامِهِ لِأَنَّهُ لم يُكَلِّمْهُ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ في الصَّلَاةِ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ أو الذِّكْرَ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ بِهِ فَيُسَاوِي قِرَاءَةَ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْغَرَضِ وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذلك من مَصَالِحِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ لو حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ حَنِثَ بِكُلِّ كَلَامٍ حتى بِشِعْرٍ رَدَّدَهُ مع نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَا بِذِكْرٍ من تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ وَدُعَاءٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَلَوْ جُنُبًا لِأَنَّ الْكَلَامَ عُرْفًا يَنْصَرِفُ إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ في مُحَاوَرَاتِهِمْ وفي خَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ هذه الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فيها شَيْءٌ من كَلَامِ الناس إنَّمَا هو التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ زَيْدٍ لم يَحْنَثْ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَهُ الْجِيلِيُّ ولا قِرَاءَةِ شَيْءٍ من التَّوْرَاةِ أو الْإِنْجِيلِ لِلشَّكِّ في أَنَّ الذي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَمْ لَا وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمَا يَعْلَمُهُ مُبَدَّلًا كَأَنْ قَرَأَ جَمِيعَ التَّوْرَاةِ أو الْإِنْجِيلِ أو حَلَفَ لَيُثْنِيَن على اللَّهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ أو أَعْظَمِهِ أو أَجَلِّهِ فَلْيَقُلْ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أنت كما أَثْنَيْت على نَفْسِك زَادَ عليه إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فَلَكَ الْحَمْدُ حتى تَرْضَى وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ مَثَلًا ثَنَاءُ اللَّهِ على نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْقُصُورِ عن الثَّنَاءِ وَالْحَوَالَةِ على ثَنَائِهِ على نَفْسِهِ أَبْلَغُ الثَّنَاءِ وَأَحْسَنُهُ وزاد الْمُتَوَلِّي في أَوَّلِ الذِّكْرِ سُبْحَانَك أو حَلَفَ لَيَحْمَدَنهُ بِمَجَامِع الْحَمْدِ أو بِأَجَلِّ التَّحْمِيدِ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ يُقَالُ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
____________________
(4/267)
وقال قد عَلَّمْتُك مَجَامِعَ الْحَمْدِ وَفُسِّرَ في الرَّوْضَةِ يُوَافِي نِعَمَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ يُلَاقِيهَا حتى يَكُونَ مَعَهَا وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ أَيْ يَقُومُ بِشُكْرِ ما زَادَ منها وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ يَفِي بها وَيَقُومُ بِحَقِّهَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ على هذا وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يُقَالُ في التَّشَهُّدِ في الصَّلَاةِ فَلَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْضَلَ الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيْت على إبْرَاهِيمَ إلَخْ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فقال قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ إلَخْ وَهَذَا ما قال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ الصَّوَابُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عن الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ أَفْضَلَهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا سَهَا عنه الْغَافِلُونَ قال النَّوَوِيُّ وقد يُسْتَأْنَسُ له بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي اللَّهُ عنه كان يَسْتَعْمِلُ هذه الْعِبَارَةَ وَلَعَلَّهُ أَوَّلُ من اسْتَعْمَلَهَا وَاعْتَرَضَ الْقَمُولِيُّ ما صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ في ذَاكَ من الْمُبَالَغَةِ ما ليس في هذا فإن هذا يَقْتَضِي صَلَاةً وَاحِدَةً وَذَاكَ يَقْتَضِي صَلَاةً مُتَكَرِّرَةً بِتَكَرُّرِ الذِّكْرِ وَالسَّهْوِ فَتَدُومُ كما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَنَحْوَهُ أَفْضَلُ من أَعْدَادِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّشْبِيهِ بِالصَّلَاةِ على إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا وقال الْبَارِزِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمَرُّوذِيِّ وَعِنْدِي أَنَّ الْبِرَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَدَدَ مَعْلُومَاتِك فإنه أَبْلَغُ فَيَكُونُ أَفْضَلَ ثُمَّ قال وقال بَعْضُ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا إنَّ زَمَانَنَا ما يُقَالُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ وَأَرَادَ بِهِ النَّوَوِيَّ فإنه اجْتَمَعَ بِهِ وَأَثْنَى عليه النَّوَوِيُّ وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عنه فَوْقَ سِتِّينَ سَنَةً وما قَالَهُ وَإِنْ كان أَوْجَهَ مِمَّا قَالَهُ الْمَرُّوذِيُّ فَالْأَوْجَهُ ما قَالَهُ النَّوَوِيُّ لِثُبُوتِهِ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ مع أَنَّهُ أَبْلَغُ من غَيْرِهِ إذْ الصَّلَاةُ الْمُشَبَّهَةُ بِصَلَاةِ اللَّهِ تَعَالَى على من ذُكِرَ أَبْلَغُ من غَيْرِهَا بِلَا رَيْبٍ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ إلَّا الْأَفْضَلَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحْوَطُ لِلْحَالِفِ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ ما ذَكَرَ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَصْلٌ لو حَلَفَ لَيَتْرُكَن الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالِاعْتِكَافَ وَالصَّلَاةَ حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ في كُلٍّ منها وَإِنْ فَسَدَ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَائِمًا وَحَاجًّا وَمُعْتَكِفًا وَمُصَلِّيًا فَالشُّرُوعُ هو الْمُرَادُ كما في خَبَرِ جِبْرِيلَ حَيْثُ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى بِي الظُّهْرَ حين زَالَتْ الشَّمْسُ لَا بِالشُّرُوعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عليه لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ إلَّا في الْحَجِّ فَيَحْنَثُ بِهِ كما مَرَّ في فَصْلٍ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ الْحِنْثَ وَعَدَمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ أَيْ انْعِقَادِ الْحَجِّ فَاسِدًا أَنْ يُفْسِدَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يُدْخِلَ الْحَجَّ عليها فإنه يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَتَصْوِيرُهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ مُجَامِعًا إنَّمَا يَأْتِي على وَجْهٍ مَرْجُوحٍ إذْ الْأَصَحُّ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كما مَرَّ في بَابِهِ أو لَا أُصَلِّي صَلَاةً حَنِثَ بِالْفَرَاغِ منها إلَّا بِالشُّرُوعِ فيها وَلَوْ من صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَمِمَّنْ يُومِئُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعَدُّ صَلَاةً بِالْفَرَاغِ منها وَلَا يَقْدَحُ في ذلك وُجُوبُ الْقَضَاءِ لَا إنْ أَرَادَ صَلَاةً مُجْزِئَةً فَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ لَا بِسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَطَوَافٍ فَلَا يَحْنَثُ بها لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَبَادِرَةٍ عُرْفًا وَإِنْ صلى صَلَاةً فَاسِدَةً وكان شُرُوعُهُ فيها فَاسِدًا وَحَلَفَ أَنَّهُ ما صلى لم يَحْنَثْ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ حَنِثَ بِمَا قَرَأَ وَلَوْ بِبَعْضِ آيَةٍ النَّوْعُ السَّادِسُ في تَأْخِيرِ الْحِنْثِ وَتَقْدِيمِهِ لو حَلَفَ لَيَأْكُلَن هذا الطَّعَامَ غَدًا فَتَلِفَ قَبْلَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لم يَحْنَثْ لِفَوَاتِ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْمُكْرَهِ أو تَلِفَ كَذَلِكَ بِاخْتِيَارِ حِنْثٍ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَهَلْ يَحْنَثُ من الْآنِ لِحُصُولِ الْيَأْسِ من الْبِرِّ أو من الْغَدِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ وَتَرْجِيحُ
____________________
(4/268)
كَوْنِهِمَا وَجْهَيْنِ من زِيَادَتِهِ وقال الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في النَّوْعِ الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ في الصِّيَامِ قال وَالرَّاجِحُ من الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي كما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في النَّوْعِ الْمَذْكُورِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لو كانت كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ جَازَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ عنها وَعَلَى الثَّانِي حِنْثُهُ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الْأَكْلِ من الْغَدِ أو قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجْهَانِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامِ الْأَوَّلُ أو تَلِفَ في الْغَدِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ من الْأَكْلِ لم يَحْنَثْ كَتَلَفِهِ قبل الْغَدِ بِخِلَافِهِ بِاخْتِيَارِهِ أو بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه لِتَمَكُّنِهِ من الْبِرِّ ولم يَفْعَلْ فَصَارَ كَقَوْلِهِ لَآكُلَن هذا الطَّعَامَ وَتَمَكَّنَ من أَكْلِهِ فلم يَأْكُلْ حتى تَلِفَ أو لَآكُلَنهُ قبل غَدٍ فَتَلِفَ أو مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ من أَكْلِهِ وَقَبْلَ الْغَدِ حَنِثَ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَهَلْ هو في الْحَالِ أو بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ الْأَوَّلُ وَتَلَفُ بَعْضِ الطَّعَامِ كَتَلَفِ كُلِّهِ فِيمَا مَرَّ وَمَوْتُ الْحَالِفِ مُتْلِفِ الطَّعَامِ مُصَرِّحٌ بِهِمَا الْأَصْلُ أو قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَن حَقَّك وَمَاتَ قبل الْقَضَاءِ فَإِنْ تَمَكَّنَ منه ولم يَقْضِهِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا أو لَأَقْضِيَن حَقَّك غَدًا فَمَاتَ فيه بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه ولم يَقْضِهِ حَنِثَ في الْحَالِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ مَاتَ قبل التَّمَكُّنِ فَكَالْأَكْلِ فِيمَا مَرَّ فَلَا يَحْنَثُ وَقَضَاؤُهُ أَيْ الْحَقِّ قَبْلَهُ أَيْ قبل مَجِيءِ الْغَدِ كَإِتْلَافِهِ أَيْ الْمَأْكُولِ فِيمَا مَرَّ فَيَحْنَثُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لَا أُؤَخِّرُهُ عن غَدٍ فَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ بَلْ يَبَرُّ بِهِ وَمَوْتُ صَاحِبِ الْحَقِّ هُنَا لَا يَقْتَضِي حِنْثًا لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ بِالدَّفْعِ إلَى وَارِثِهِ كما أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَهُ أو قال لَأَقْضِيَنك حَقَّك غَدًا إلَّا أَنْ تَشَاءَ تَأْخِيرَهُ فَقَضَاهُ غَدًا بَرَّ شَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَمْ لَا وَإِنْ لم يَقْضِهِ في الْغَدِ وَشَاءَ صَاحِبُهُ تَأْخِيرَهُ قبل مُضِيِّ الْغَدِ لم يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ قبل تَمَكُّنِ الْحَالِفِ من الْقَضَاءِ في الْغَدِ فَكَالْمُكْرَهِ فَلَا يَحْنَثُ أو بَعْدَهُ حَنِثَ في الْحَالِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَهَذِهِ لَا يَقُومُ وَارِثُهُ فيها مَقَامَهُ لِإِضَافَةِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ فيها وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ من حَقِّهِ فِيمَا ذُكِرَ فَأَبْرَأهُ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ حَيْثُ سَأَلَ في ذلك إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْيَمِينِ لَا يَمْضِي الْغَدُ وَحَقُّهُ بَاقٍ عليه وَكَذَا إنْ أَبْرَأَهُ بِلَا سُؤَالٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ من الْقَضَاءِ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ أَيْضًا حَيْثُ تَمَكَّنَ من الْبِرِّ ولم يَفْعَلْ لَا قَبْلَهُ لِفَوَاتِ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْمُكْرَهِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ السُّؤَالِ وَبِعَدَمِهِ مع التَّفْرِقَةِ بين التَّمَكُّنِ وَعَدَمِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ صَالَحَهُ عن الدَّيْنِ أو وَهَبَهُ الْحَقَّ وكان عَيْنًا حَنِثَ إنْ قَبِلَ وَإِلَّا فَلَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَبَنَى كَلَامَهُ في مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ على الْخِلَافِ فيه في اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فيه وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ أو لَأَقْضِيَنك حَقَّك غَدًا لَا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ تَأْخِيرَهُ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَهُ أَيْ قبل انْقِضَاءِ الْغَدِ ولم تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ لم يَحْنَثْ في الْحَالِ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَحْنَثُ حتى يَنْقَضِيَ الْغَدُ بِلَا قَضَاءٍ وَإِنْ مَاتَ من له الْحَقُّ قبل الْغَدِ لم يَحْنَثْ أو بَعْدَهُ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ حَنِثَ لِتَمَكُّنِهِ من الْبِرِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو لَأَقْضِيَنك حَقَّك إلَى الْغَدِ فَطَلَعَ الْفَجْرُ أَيْ فَجْرُ الْغَدِ ولم يَقْضِهِ حَنِثَ لِأَنَّ إلَى لِلْغَايَةِ وَبَيَانِ الْحَدِّ وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ أو لَأَقْضِيَنك حَقَّك إلَى الْغَدِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ تَأْخِيرَهُ فَإِنْ لم يُقَدِّمْ الْقَضَاءَ على طُلُوعِ فَجْرِ الْغَدِ ولم يَشَأْ صَاحِبُ الْحَقِّ تَأْخِيرَهُ حَنِثَ قال وَلَوْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنهَا غَدًا فَطَلَّقَهَا الْيَوْمَ فَإِنْ اسْتَوْفَى الثَّلَاثَ حَنِثَ وَإِلَّا فَالْبِرُّ مُمْكِنٌ أو لِيُصَلِّيَن مَنْذُورَةً عليه غَدًا فَصَلَّاهَا الْيَوْمَ حَنِثَ أو لَأَقْضِيَنك حَقَّك رَأْسَ الشَّهْرِ أو أَوَّلَهُ أو مع رَأْسِ الْهِلَالِ أو مع الِاسْتِهْلَالِ أو عِنْدَهُ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو مع رَأْسِهِ حُمِلَ على أَوَّلِ جُزْءٍ من أَوَّلِ لَيْلَةٍ منه وهو وَقْتُ الْغُرُوبِ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ الْمُقَارَنَةَ وَالْمُرَادُ الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَإِنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ فَلْيَتَرَصَّدْ الْغُرُوبَ وَيُعِدُّ الْمَالَ وَيَقْضِيهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ أَخَذَ حِينَئِذٍ في مُقَدِّمَاتِ الْقَضَاءِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَحَمَلَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَتَأَخَّرَ الْفَرَاغُ لِكَثْرَةِ الْمَالِ لم يَحْنَثْ وَإِلَى ذلك أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَيَشْرَعُ بِهِ أَيْ بِالْغُرُوبِ أَيْ معه في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
____________________
(4/269)
وَكَذَا مُقَدِّمَاتُهُ كَتَقْرِيبِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ قال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وكان يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الْفَرَاغُ عِنْدَ الِاسْتِهْلَالِ لِيُقَارِنَهُ الْوَفَاءُ فَإِنْ شَكَّ في الْهِلَالِ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ عن اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَبِأَنَّ كَوْنَهَا من الشَّهْرِ فَكَمُكْرَهٍ فَلَا يَحْنَثُ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِانْحِلَالِهَا من زِيَادَتِهِ أو لَأَقْضِيَنك حَقَّك أَوَّلَ يَوْمِ كَذَا فَبِطُلُوعِ فَجْرِهِ يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ أو إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أو إلَى رَمَضَانَ فَلِيُقَدِّمَهُ عليه كما مَرَّ في قَوْلِهِ إلَى الْغَدِ نعم إنْ أَرَادَ بِإِلَى مَعْنَى عِنْدَ فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي مُجَلِّي قَبُولُ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ أو إلَى حِينٍ أو إلَى زَمَانٍ أو دَهْرٍ أو حِقَبٍ أو أَحْقَابٍ أو نَحْوِهَا حَنِثَ بِالْمَوْتِ أَيْ قُبَيْلَهُ مُتَمَكِّنًا من الْقَضَاءِ لَا بِمُضِيِّ زَمَنِ لِأَنَّ ذلك لَا يَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ بَلْ يَقَعُ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كما مَرَّ في الطَّلَاقِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ لَأَقْضِيَن حَقَّك فَمَتَى قَضَاهُ بَرَّ سَوَاءٌ وَصَفَ هذه الْأَلْفَاظَ بِقُرْبٍ أَمْ بُعْدٍ أو لَا فَجَمِيعُ الْعُمُرِ مُهْلَةٌ له وَيُخَالِفُ الطَّلَاقُ حَيْثُ يَقَعُ بَعْدَ لَحْظَةٍ في قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ حِينٍ أو نَحْوِهِ وَفَرَّقَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ حِينٍ تَعْلِيقٌ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِ ما يُسَمَّى حِينًا وَقَوْلُهُ لَأَقْضِيَن حَقَّك إلَى حِينِ وَعَدَ وهو لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَقْضِيَن حَقَّ فُلَانٍ إلَى حِينٍ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ لَحْظَةٍ أو قال لَا أُكَلِّمُك حِينًا أو دَهْرًا أو زَمَانًا أو حِقَبًا أو نَحْوَهُ بَرَّ بِأَدْنَى زَمَانٍ لِصِدْقِ ذلك بِهِ وَالْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَالْبَعِيدَةُ كَالْحِينِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ قال لَأَقْضِيَن حَقَّك إلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أو بَعِيدَةٍ لم يَتَقَدَّرْ بِزَمَنٍ أَيْضًا وهو كَالْحِينِ وَلَوْ قال لَأَقْضِيَن حَقَّك إلَى أَيَّامٍ فَثَلَاثَةٌ منها يُحْمَلُ ذلك عليها لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَأُمَّا إطْلَاقُهَا على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْحِينِ في قَوْلِهِمْ أَيَّامَ الْعَدْلِ وَأَيَّامَ الْفِتْنَةِ وَنَحْوِهِمَا فَخَرَجَ بِالْقَرِينَةِ هذا إنْ لم يَنْوِ غَيْرَهَا وَإِلَّا عَمِلَ بِمَا نَوَاهُ النَّوْعُ السَّابِعُ الْخُصُومَاتُ وَنَحْوُهَا لو حَلَفَ لَا يَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي وَعَيَّنَهُ بَرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ وَلَوْ على التَّرَاخِي وَلَوْ كان الرَّفْعُ بِرَسُولٍ وَكِتَابٍ وَبِدُونِ حُضُورِ مُرْتَكِبِ الْمُنْكَرِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ من الرَّفْعِ إلَيْهِ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَإِلَّا لم يَحْنَثْ لَا إنْ عُزِلَ الْقَاضِي فَلَا يَحْنَثُ بَلْ يَبَرُّ بِالْفَرْعِ إلَيْهِ كما قال وَيُرْفَعُ إلَيْهِ حَالَةَ كَوْنِهِ مَعْزُولًا سَوَاءٌ أَرَادَ عَيْنَ الشَّخْصِ بِذِكْرِ الْقَضَاءِ تَعْرِيفًا له وهو ظَاهِرٌ أَمْ أَطْلَقَ تَغْلِيبًا لِلْعَيْنِ كما لو قال لَأَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ هذه فَبَاعَهَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ في الصُّورَتَيْنِ على الْعَيْنِ وَكُلٌّ من الْوَصْفِ وَالْإِضَافَةِ يَطْرَأُ أو يَزُولُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ ذلك بِمَا لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هذا الْعَبْدَ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ ليس من شَأْنِهَا أَنْ تَطْرَأَ وَتَزُولَ لَا إنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وهو قَاضٍ أو تَلَفَّظَ بِهِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَصِيرُ أَيْ فَلَا يَبَرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ مَعْزُولًا وَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ تَمَكَّنَ من الرَّفْعِ إلَيْهِ بَلْ يَصِيرُ فَقَدْ يَتَوَلَّى ثَانِيًا فَيَرْفَعُ ذلك إلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وقد تَمَكَّنَ من الرَّفْعِ إلَيْهِ وهو قَاضٍ قبل أَنْ يَتَوَلَّى تَبَيَّنَ الْحِنْثُ وما في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ من أَنَّهُ إذَا عُزِلَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ من الرَّفْعِ إلَيْهِ حَنِثَ حُمِلَ على عَزْلٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هذا فإن الْمِنْهَاجَ كَأَصْلِهِ قَيَّدَ بِدَوَامِ كَوْنِهِ قَاضِيًا فَلَا يُخَالِفُ ما هُنَا أَصْلًا وَلَوْ لم يُعَيِّنْ الْقَاضِي بِأَنْ حَلَفَ لَا يَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي بَرَّ بِمَنْ قَضَى أَيْ بِالرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي في بَلَدِهِ الذي حَلَفَ فيه دُونَ قَضَاءِ بَقِيَّةِ الْبِلَادِ حَمْلًا له على الْمَعْهُودِ
____________________
(4/270)
سَوَاءٌ أَكَانَ هو الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ لَا حتى لو عُزِلَ من كان قَاضِيًا أو مَاتَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ بِالرَّفْعِ إلَى الثَّانِي لَا إلَى الْمَعْزُولِ وَلَوْ عَلِمَهُ أَيْ الْقَاضِي الْمُنْكَرَ من غَيْرِهِ أَيْ الْحَالِفِ قبل رَفْعِهِ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ من مُخْبِرٍ آخَرَ أَمْ من رُؤْيَتِهِ بين يَدَيْهِ فإنه إنَّمَا يَحْصُلُ الْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا حَاجَةَ لِلرَّفْعِ في الثَّانِيَةِ وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان في بَلَدِهِ قَاضِيَانِ كَفَى الرَّفْعُ إلَى أَحَدِهِمَا نعم إنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ من الْبَلَدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ قَاضِي النَّاحِيَةِ التي فيها فَاعِلُ الْمُنْكَرِ وهو الذي تَجِبُ عليه إجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وقد يُتَوَقَّفُ فيه إذَا رَفَعَ الْمُنْكَرَ إلَى الْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ كما مَرَّ لَا بِوُجُودِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ على أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هو نَاحِيَةُ الْحَالِفِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ من أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَلَدُهُ وإن قال وَاَللَّهِ لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته إلَى قَاضٍ فَكُلُّ قَاضٍ بِبَلَدِهِ أو غَيْرِهِ كَافٍ في الْبِرِّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَاضِيًا عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ لَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَفَارَقَهُ قبل اسْتِيفَائِهِ منه كَفُرْقَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عن مَجْلِسِ الْبَيْعِ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عليه شَرْعًا في الشِّقِّ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنْ فَارَقَهُ الْغَرِيمُ وَفَرَّ منه فَلَا حِنْثَ وَإِنْ أَذِنَ له في الْمُفَارَقَةِ أو تَمَكَّنَ من مُتَابَعَتِهِ ولم يَتَّبِعْهُ أو فَارَقَ الْحَالِفُ بِمَكَانِهِ بَعْدَ ذلك لِأَنَّهُ حَلَفَ على فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَرِيمِهِ فَإِنْ تَمَاشَيَا وَوَقَفَ أَحَدُهُمَا حَنِثَ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ إنْ وَقَفَ الْغَرِيمُ فَقَدْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ بِمَشْيِهِ أو الْحَالِفُ فَقَدْ فَارَقَهُ بِالْوُقُوفِ لِأَنَّهُ الْحَادِثُ فَنُسِبَتْ الْمُفَارَقَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ فَمَشَى الْغَرِيمُ دُونَهُ لِأَنَّ الْحَادِثَ ثَمَّ الْمَشْيُ فَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْنِي حتى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي أو حتى تُوَفِّيَنِي حَقِّي فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ عَالِمًا مُخْتَارًا وَلَوْ بِالْفِرَارِ حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لم يَخْتَرْ فِرَاقَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ على فِعْلِ الْغَرِيمِ وهو مُخْتَارٌ في الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ نَسِيَ الْغَرِيمُ الْحَالِفَ أو أُكْرِهَ على الْمُفَارَقَةِ فَفَارَقَ فَلَا حِنْثَ إنْ كان مِمَّنْ يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَقِسْ عليه ما يَأْتِي وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ منه لم يَحْنَثْ وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ على فِعْلِهِ فَإِنْ قال لَا نَفْتَرِقُ حتى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي حَنِثَ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ عَالِمًا مُخْتَارًا وَكَذَا إنْ قال لَا افْتَرَقْنَا حتى أَسْتَوْفِيَ مِنْك لِصِدْقِ الِافْتِرَاقِ بِذَلِكَ فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أو مُكْرَهًا لم يَحْنَثْ ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُنْظَرُ في الِاسْتِيفَاءِ لِلْحَقِّ فَإِنْ أَبْرَأَهُ منه الْحَالِفُ حَنِثَ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنْ لم يُفَارِقْهُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَكَذَا يَحْنَثُ لو أَحَالَ الْغَرِيمُ الْحَالِفَ بِهِ أَيْ بِالْحَقِّ أو أَحَالَ هو أَجْنَبِيًّا عليه بِهِ أو اعْتَاضَ عنه وَإِنْ كانت قِيمَةُ الْعِوَضِ أَكْثَرَ من حَقِّهِ لِأَنَّ ذلك ليس اسْتِيفَاءً حَقِيقَةً فَهُوَ مُفَوِّتٌ لِلْبِرِّ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِيَمِينِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَعَلَيْهِ حَقُّهُ فَلَا يَحْنَثُ بِشَيْءٍ من ذلك
فَإِنْ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ أو ظَهَرَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ فَفَارَقَهُ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ وَإِنْ كان تَرْكُهُ وَاجِبًا شَرْعًا كما لو قال لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّى حَنِثَ وَإِنْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عليه شَرْعًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عليه فَإِنْ مَنَعَهُ الْحَاكِمُ من مُلَازَمَتِهِ فَفَارَقَهُ فَمُكْرَهٌ أَيْ فَكَمُكْرَهٍ فَلَا حِنْثَ وَإِنْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ من وَكِيلِهِ أَيْ من وَكِيلِ غَرِيمِهِ أو من مُتَبَرِّعٍ بِهِ وَفَارَقَهُ حَنِثَ إنْ كان قال لَا أُفَارِقُك حتى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك وَإِلَّا بِأَنْ لم يَقُلْ مِنْك فَلَا يَحْنَثُ فَإِنْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا لم يَحْنَثْ إنْ كان من جِنْسِ حَقِّهِ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ من الِاسْتِيفَاءِ نعم إنْ كان الْأَرْشُ كَثِيرًا لَا يُتَسَامَحُ بمثله حَنِثَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَبِعَهُ ابن الرِّفْعَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ قِيلَ نُقْصَانُ الْحَقِّ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَهَلَّا كان نُقْصَانُ الْأَرْشِ كَذَلِكَ قُلْنَا لِأَنَّ نُقْصَانَ الْحَقِّ مُحَقَّقٌ وَنُقْصَانُ الْأَرْشِ مَظْنُونٌ فَإِنْ بَانَ غير جِنْسِ حَقِّهِ كَمَغْشُوشٍ أو نُحَاسٍ ولم يَعْلَمْ بِالْحَالِ فَجَاهِلٌ فَلَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ الْغَرِيمُ فقال وَاَللَّهِ لَا أُوَفِّيك حَقَّك فَسَلَّمَهُ له مُكْرَهًا أو نَاسِيًا لم يَحْنَثْ أو لَا اسْتَوْفَيْت حَقَّك مِنِّي فَأَخَذَهُ مُكْرَهًا أو نَاسِيًا فَكَذَلِكَ أَيْ لم يَحْنَثْ بِخِلَافِ ما إذَا أَخَذَهُ عَالِمًا مُخْتَارًا وَإِنْ كان الْمُعْطِي مُكْرَهًا أو نَاسِيًا وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ لم يَكْفِ وَضْعُ سَوْطٍ وَيَدٍ وَغَيْرِهِمَا عليه بِلَا اسْمِ ضَرْبٍ فَإِنْ سُمِّيَ ذلك ضَرْبًا كَفَى وَلَا يَكْفِي عَضٌّ لَا نَتْفُ شَعْرٍ وَلَا قَرْصٌ وَلَا خَنْقٌ لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى ضَرْبًا وَلِهَذَا يُقَالُ ما ضَرَبَهُ وَلَكِنْ عَضَّهُ وَنَتَفَ شَعْرَهُ وَقَرَصَهُ وَخَنَقَهُ فَلَوْ لَطَمَ أو لَكَمَ فَضَرْبٌ فَيَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ
____________________
(4/271)
في الضَّرْبِ الْإِيلَامُ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ وَلِهَذَا يُقَالُ ضَرَبَهُ ولم يُؤْلِمْهُ بِخِلَافِ الْعُقُوبَةِ من حَدٍّ أو تَعْزِيرٍ فإنه يُشْتَرَطُ فيها الْإِيلَامُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بها الزَّجْرُ وهو لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَالْيَمِينُ يَتَعَلَّقُ بِالِاسْمِ نعم إنْ وَصَفَ الضَّرْبَ بِالشِّدَّةِ فقال ضَرْبًا شَدِيدًا فَلَا بُدَّ من الْإِيلَامِ كما جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ قال وَيُرْجَعُ في الشِّدَّةِ إلَى الْعُرْفِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَضْرُوبِ وَيَبَرُّ الْحَالِفُ بِضَرْبِ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عليه لِأَنَّهُمْ مَحَلٌّ لِلضَّرْبِ لَا بِضَرْبِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ ليس مَحَلَّهُ فَرْعٌ لو حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ مِائَةَ عُودٍ أو عَصًا أو خَشَبَةً فَشَدَّهَا وَضَرَبَهُ بها مَرَّةً أو ضَرَبَ ه بِعِثْكَالٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ على الْمَشْهُورِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ عُرْجُونٍ عليه مِائَةٌ من الْأَغْصَانِ مَرَّةً بَرَّ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمُوجِبِ اللَّفْظِ وَيَكْفِيهِ في الْبِرِّ تَثَاقُلُ الْكُلِّ عليه بِحَيْثُ يَنَالُهُ ثِقَلُ الْجَمِيعِ وَلَوْ شَكَّ في إصَابَتِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما لو حَلَفَ لَيَدْخُلَن الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فلم يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ ولم تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ بِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ في الِانْكِبَاسِ وَالْمَشِيئَةُ لَا أَمَارَةَ عليها وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَفَارَقَ أَيْضًا نَظِيرُهُ في الْحُدُودِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فيها الزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ وفي الْبِرِّ حُصُولُ الِاسْمِ وهو حَاصِلٌ بِالشَّكِّ لَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يُكَفِّرَ عن يَمِينِهِ وَإِنْ حَالَ بين بَدَنِهِ وما ضَرَبَ بِهِ ثَوْبٌ أو غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَأَثُّرَ الْبَشَرَةِ بِالضَّرْبِ فإنه يَكْفِي فَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِ الْعِثْكَالِ أو نَحْوِهِ حَائِلًا بين بَدَنِهِ وَبَيْنَ بَعْضِهِ الْآخَرَ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَمْنَعُ التَّأَثُّرَ وَلَوْ قال لَأَضْرِبَنهُ مِائَةَ سَوْطٍ لم يَبَرَّ بِالْعُثْكَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سِيَاطًا وإنما يَبَرُّ بِسِيَاطٍ مَجْمُوعَةٍ بِشَرْطِ عَمَلِهِ إصَابَتِهَا بَدَنَهُ ما مَرَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ مِائَةَ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةَ سَوْطٍ وَضَرَبَهُ بها لم يَبَرَّ قِيَاسُ التي قَبْلَهَا وما وَقَعَ في الْأَصْلِ من أَنَّهُ يَبَرُّ فَكَلَامٌ سَقَطَ صَدْرُهُ وهو وَلَوْ حَلَفَ لَيَجْلِدَنهُ مِائَةَ سَوْطٍ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وما جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ من أَنَّهُ يَبَرُّ بِالْعُثْكَالِ في الْأَوْلَى ضَعِيفٌ وَإِنْ زَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَأَنَّ ما في الْأَصْلِ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ وَلَوْ قال لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أو مِائَةَ ضَرْبَةٍ لم يَبَرَّ بِا لِمِائَةِ الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهُ لم يَضْرِبْهُ بها إلَّا مَرَّةً أو ضَرْبَةً قال ابن الرِّفْعَةِ وَعَلَيْهِ يُعْتَبَرُ فيه التَّوَالِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَصْلٌ في حِنْثِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ لَا يَحْنَثُ نَاسٍ لِيَمِينِهِ وَجَاهِلٌ بِأَنَّ ما أتى بِهِ هو الْمَحْلُوفُ عليه وَمُكْرَهٌ عليه في يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ لِخَبَرٍ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ أو النِّسْيَانُ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْإِتْيَانِ بِالْمَحْلُوفِ عليه نَاسِيًا أو جَاهِلًا أو مُكْرَهًا لِأَنَّا إذَا لم نُحَنِّثْهُ لم نَجْعَلْ يَمِينَهُ مُتَنَاوِلَةً لِمَا وُجِدَ إذْ لو تَنَاوَلَتْهُ لَحَنِثَ قال الْإِسْنَوِيُّ قد تَقَدَّمَ في أَوَائِلِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لو قال أَنْت طَالِقٌ قبل أَنْ أَضْرِبَك بِشَهْرٍ فَضَرَبَهَا قبل مُضِيِّهِ لم تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَهَذِهِ مع مَسْأَلَتِنَا على حَدٍّ سَوَاءٍ فإن الْمَحْلُوفَ عليه قد وُجِدَ في كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ لم يَحْنَثْ لِمَانِعٍ وهو النِّسْيَانُ مَثَلًا هُنَا وَاسْتِحَالَةُ الْحِنْثِ قبل الْيَمِينِ هُنَاكَ فَالْمُتَّجَهُ ما هُنَاكَ وهو الِانْحِلَالُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عليه حَقِيقَةً انْتَهَى يُجَابُ بِأَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ في تِلْكَ مُعْتَدٌّ بِهِ شَرْعًا حتى يَتَرَتَّبَ عليه أَحْكَامُهُ من الِانْحِلَالِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْحِنْثُ بِهِ لِلِاسْتِحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا ليس مُعْتَدًّا بِهِ شَرْعًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ مُخْتَارًا وَلَا مُكْرَهًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَمَلًا بِتَعْلِيقِهِ فَلَوْ انْقَلَبَ الْحَالِفُ من نَوْمِهِ بِجَنْبِ الدَّارِ فَحَصَلَ فيها أو حُمِلَ إلَيْهَا ولو لم يَمْتَنِعْ لم يَحْنَثْ
____________________
(4/272)
إذْ لَا اخْتِيَارَ له في الْأُولَى وَلَا فِعْلَ منه في الثَّانِيَةِ أو حُمِلَ إلَيْهَا بِأَمْرِهِ حَنِثَ كما لو رَكِبَ دَابَّةً وَدَخَلَهَا وَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ دَخَلَهَا على ظَهْرِ فُلَانٍ كما يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ دَخَلَهَا رَاكِبًا فَصْلٌ لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ على زَيْدٍ فَدَخَلَ على قَوْمٍ هو فِيهِمْ حَنِثَ وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ بِلَفْظِهِ أو بِقَلْبِهِ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ على الْجَمِيعِ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا يَأْتِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في السَّلَامِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّخُولَ لِكَوْنِهِ فِعْلًا لَا يَتَبَعَّضُ إذْ لَا يَنْتَظِمُ أَنْ يُقَالَ دَخَلْت عَلَيْكُمْ إلَّا فُلَانًا بِخِلَافِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فَإِنْ لم يَعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِمْ فَقَوْلًا حَنِثَ الْجَاهِلُ فَلَا يَحْنَثُ على الْأَصَحِّ وَلَوْ دخل عَالِمًا بِهِ لِشُغْلٍ حَيْثُ هو أَيْ زَيْدٌ أَيْ في الْمَكَانِ الذي هو فيه حَنِثَ بِخِلَافِ ما لو دخل جَاهِلًا بِهِ فَإِنْ دخل عليه زَيْدٌ لم يَحْنَثْ وَلَوْ اسْتَدَامَ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا انْعَقَدَتْ على فِعْلِهِ لَا على فِعْلِ زَيْدٍ فَصْلٌ في أُصُولٍ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ صَبِيٍّ ولا مَجْنُونٍ ولا مُكْرَهٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ عِبَارَتِهِمْ شَرْعًا وَيَمِينُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ فَتَنْعَقِدُ وَتَنْعَقِدُ من كَافِرٍ كَمُسْلِمٍ وَمَنْ حَلَفَ على شَيْءٍ ولم يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وقال أَرَدْت شَهْرًا أو نَحْوَهُ مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ قُبِلَ منه ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ في حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا في حَقِّ آدَمِيٍّ كَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَإِيلَاءٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ظَاهِرًا وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا وقال أَرَدْت زَيْدًا مَثَلًا لم يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ قال في الْأَصْلِ قال الشَّيْخُ أبو زَيْدٍ لَا أَدْرِي مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه عليه مَسَائِلَ الْإِيمَانِ إنْ اتَّبَعَ اللُّغَةَ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ رَأْسٍ وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ فَأَصْحَابُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا ولم يُفَرَّقْ بين الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ ثُمَّ أَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ يَتَّبِعُ اللُّغَةَ تَارَةً عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا وهو الْأَصْلُ وَالْعُرْفُ أُخْرَى عِنْدَ اطِّرَادِهِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هذا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي فَرْعٌ اللَّفْظُ الْخَاصُّ في الْيَمِينِ لَا يُعَمَّمُ بِنِيَّةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا وَالْعَامُّ قد يُخَصَّصُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَمُنَّ عليه رَجُلٌ بِمَا نَالَ منه فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ له مَاءً من عَطَشٍ لم يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ من طَعَامٍ وَثِيَابٍ وَمَاءٍ من غَيْرِ عَطَشٍ وَغَيْرِهَا وَإِنْ نَوَاهُ وَكَانَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا تَقْتَضِي ما نَوَاهُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ على الْمَاءِ من عَطَشٍ خَاصَّةً وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ ما نَوَى بِجِهَةٍ يَتَجَوَّزُ بها وَيُخَصَّصُ الثَّانِي أَيْ الْعَامُّ إمَّا بِالنِّيَّةِ كَلَا أُكَلِّمُ أَحَدًا وَنَوَى زَيْدًا أو بِالِاسْتِعْمَالِ كَلَا آكُلُ الرُّءُوسَ أو بِالشَّرْعِ كَلَا أُصَلِّي حُمِلَ الْأَخِيرُ على الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَوَّلُ على ما نَوَاهُ وَالثَّانِي على الْمُسْتَعْمَلِ عُرْفًا في الرُّءُوسِ فَرْعٌ قد يُصْرَفُ اللَّفْظُ من الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ كَلَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَنَوَى مَسْكَنَهُ دُونَ مِلْكِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في غَيْرِ حَقِّ آدَمِيٍّ بِأَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا في حَقِّ الْآدَمِيِّ كَأَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أو عَتَاقٍ وقد يُصْرَفُ إلَيْهِ بِالْعُرْفِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا وَالْحَقِيقَةُ بَعِيدَةٌ كَلَا آكُلُ من هذه الشَّجَرَةِ يُحْمَلُ اللَّفْظُ على أَكْلِ الثَّمَرِ لَا على أَكْلِ الْوَرَقِ وَالْأَغْصَانِ وقد تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُتَعَارَفَةً وَالْمَجَازُ بَعِيدًا كَلَا آكُلُ من هذه الشَّاةِ يُحْمَلُ اللَّفْظُ على أَكْلِ لَحْمِهَا لَا على اللَّبَنِ ولحم الْوَلَدِ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ وَأَعَادَهَا أَيْ الْيَمِينَ مَرَّةً نَاوِيًا بها يَمِينًا أُخْرَى أو أَطْلَقَ فَيَمِينَانِ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ كما مَرَّ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ حَيْثُ يَتَعَدَّدُ وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الظِّهَارِ حَيْثُ تَتَعَدَّدُ فيه الْكَفَّارَةُ بِأَنَّ الظِّهَارَ من الْكَبَائِرِ فَنَاسَبَ أَنْ يُزْجَرَ عنه بِالْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْإِثْمِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَإِنْ كانت على فِعْلٍ مُحَرَّمٍ لِأَنَّ كَفَّارَتَهَا لَا تَجِبُ في مُقَابَلَتِهَا بَلْ في مُقَابَلَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وهو لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْفِعْلِ وهو مُتَّحِدٌ وَأُمَّا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ فَمُلْحَقَةٌ بِالظِّهَارِ لِأَنَّهَا من الْكَبَائِرِ كما مَرَّ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ لَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَطْ أَيْ دُونَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَرْعٌ الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ على الْمَمْلُوكِ الْمُضَافِ يُعْتَمَدُ الْمَالِكُ دُونَ الْمَمْلُوكِ وَالْمَعْقُودَةُ على غَيْرِ الْمَمْلُوكِ يُعْتَمَدُ الْمُضَافُ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا سَيَمْلِكُهُ من الْعَبِيدِ أو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَوْلَادَهُ لم يَحْنَثْ بِمَا سَيُولَدُ له من الْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ لم يَكُونُوا مَوْجُودِينَ وَقْتَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ في الْأُولَى فإنه كان مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ
____________________
(4/273)
أو قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ الناس حَنِثَ بِوَاحِدٍ كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ يَحْنَثُ بِمَا أَكَلَ منه وَأَلْ لِلْجِنْسِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَ ثَلَاثَةً وَأَيَّدَهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أو لَا أُكَلِّمُ نَاسًا فَبِثَلَاثَةٍ يَحْنَثُ كما لو حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً أو لَا يَشْتَرِي عَبِيدًا قال الْخُوَارِزْمِيَّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فإنه يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ منه وَإِنْ قَلَّ فَرْعٌ الْمَعْرِفَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالنَّكِرَةِ في الْيَمِينِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِتَغَايُرِهِمَا فَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُ دَارِي أَحَدٌ فَدَخَلَ هو لم يَحْنَثْ أو غَيْرُهُ حَنِثَ قال في الْأَصْلِ نَقْلًا عن كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا لم يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ وَكَذَا لو عَرَّفَ نَفْسَهُ لم يَحْنَثْ بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ كَأَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُلْبِسُ هذا الْقَمِيصَ أَحَدًا فَأَلْبَسَهُ نَفْسَهُ لم يَحْنَثْ أو أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ حَنِثَ أو عَرَّفَ غَيْرَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ كَأَنْ قال وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَحَدٌ حَنِثَ بِغَيْرِ زَيْدٍ أَيْ بِدُخُولِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ في الْيَمِينِ الْمُضَافِ إلَيْهِ في الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا أو قال وَاَللَّهِ لَا يَقْطَعُ هذا الْيَدَ أَحَدٌ يَعْنِي يَدَهُ فَقَطَعَهَا هو لم يَحْنَثْ لِذَلِكَ أو قال لَأَدْخُلَن هذه الدَّارَ أو هذه الدَّارَ الْأُخْرَى بَرَّ بِوَاحِدَةٍ أَيْ بِدُخُولِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ أو إذَا دَخَلَتْ بين إثْبَاتَيْنِ اقْتَضَتْ ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا أو لَا أَدْخُلُ هذه الدَّارَ أو هذه الدَّارَ لم يَحْنَثْ إلَّا بِدُخُولِهِمَا لَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ أو إذَا دَخَلَتْ بين نَفْيَيْنِ كَفَى لِلْبِرِّ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يَضُرُّ دُخُولُهُ الْأُخْرَى كما أنها إذَا دَخَلَتْ بين إثْبَاتَيْنِ كَفَى لِلْبِرِّ أَنْ يَدْخُلَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَضُرُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْأُخْرَى وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ رَادًّا بِهِ ما نَقَلَهُ من أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَيِّهِمَا دخل لِأَنَّ أو إذَا دَخَلَتْ بين نَفْيَيْنِ اقْتَضَتْ انْتِفَاءَهُمَا كما في قَوْله تَعَالَى وَلَا تُطِعْ منهم آثِمًا أو كَفُورًا وَزَعَمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ ما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ غَيْرُ مُسْتَقِيم وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ إحْدَاهُمَا أو قال لَا أَدْخُلُ هذه الدَّارَ أَبَدًا أو لَأَدْخُلَن الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَدَخَلَ الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ بَرَّ وَإِنْ لم يَدْخُلْ الْأُخْرَى الْيَوْمَ وَلَا الْأُولَى بَرَّ أَيْضًا أَيْ لم يَحْنَثْ قال الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قال لَا أَدْخُلُ هذه الدَّارَ أَبَدًا وَلَأَدْخُلَن هذه الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ ولم يَدْخُلْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ عَدَمَ دُخُولِ الْأُولَى أَبَدًا شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَعَدَمَ دُخُولِ الثَّانِيَةِ في الْيَوْمِ شَرْطٌ لِلْحِنْثِ فإذا وُجِدَ شَرْطُهُ حَنِثَ فَصْلٌ مَنْثُورٌ مَسَائِلُهُ لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هذه يُشِيرُ إلَى دَارٍ فَانْهَدَمَتْ حَنِثَ بِالْعَرْصَةِ أَيْ بِدُخُولِهَا أو لَا يَدْخُلُ هذه الدَّارَ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا إلَّا إنْ بَقِيَتْ الرُّسُومُ أو أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا لِبَقَاءِ اسْمِهَا فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو صَارَتْ فَضَاءً وما لو أُعِيدَتْ بِغَيْرِ آلَتِهَا فَلَا حِنْثَ بِدُخُولِهَا لِزَوَالِ اسْمِهَا عنها أو لَا أَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ عَرْصَةَ دَارٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا وَلَوْ جُعِلَتْ الدَّارُ مَسْجِدًا أو حَمَّامًا أو غَيْرَهُمَا لم يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِهَا عنها أو قال وَاَللَّهِ لَا أَشُمُّ الرَّيْحَانَ أو رَيْحَانًا فَبِالضَّيْمَرَانِ أَيْ بِشَمِّهِ يَحْنَثُ فَقَطْ أَيْ دُونَ شَمِّ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالنَّرْجِسِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهَا أو لَا أَشُمُّ مَشْمُومًا حَنِثَ بِشَمِّ جَمِيعِ ذلك لَا بِشَمِّ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُسَمَّى مَشْمُومًا عُرْفًا وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ من زِيَادَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ حِنْثِهِ بِذَلِكَ إذَا اجْتَذَبَ الرَّائِحَةَ بِخَيَاشِيمِهِ حتى شَمَّهَا لِأَنَّ شَمَّهَا بِذَلِكَ من فِعْلِهِ فَلَوْ حَمَلَ النَّسِيمُ الرَّائِحَةَ حتى شَمَّهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ شَمَّهَا بِذَلِكَ ليس من فِعْلِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لو
____________________
(4/274)
اجْتَذَبَ بِخَيَاشِيمِهِ ما حَمَلَهُ النَّسِيمُ إلَيْهِ حَنِثَ وهو ظَاهِرٌ قال الْمُتَوَلِّي وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ طِيبًا حَنِثَ بِكُلِّ ما حَرُمَ على الْمُحْرِمِ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي إطْلَاقِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُرْفِ نَظَرٌ أو لَا أَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ لم يَحْنَثْ بِدُهْنِهِمَا وفي شَمِّ يَابِسِهِمَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَذَلِكَ أو حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ زَيْدًا فَخَدَمَهُ بِلَا طَلَبٍ لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان عَبْدَهُ لِأَنَّ السِّينَ تَقْتَضِي الطَّلَبَ قال صَاحِبُ الْوَافِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ اسْتِدَامَةُ الْخِدْمَةِ اسْتِخْدَامًا كما أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ لُبْسٌ نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ قال وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ إنْ طَلَبَ الْخِدْمَةَ يَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ لم تُوجَدْ الْخِدْمَةُ وهو ظَاهِرٌ أَمَّا لو حَلَفَ لَا يَخْدُمُهُ فَخَدَمَهُ وهو سَاكِتٌ فَيَحْنَثُ أو لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِأَنْ يَحْجُبَ الْجَارِيَةَ عن أَعْيُنِ الناس حتى عن الضِّيفَانِ على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَيَطَأُ هَا وَيُنْزِلُ فيها وَحَنِثَ وَبَرَّ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبًا فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أو لَيَقْرَأَنهُ وَلَا تُجْزِئُهُ قِرَاءَتُهُ جُنُبًا عن نَذْرِهِ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من النَّذْرِ التَّقَرُّبُ وَالْمَعْصِيَةُ لَا يُتَقَرَّبُ بها وَيَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِنَذْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبًا وَإِنْ عَصَى لِأَنَّ الْيَمِينَ يَنْعَقِدُ على فِعْلِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ إذْ لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ أو حَلَفَ لَا يُصَلِّيَ في مُصَلَّى فَصَلَّى فيه على ثَوْبٍ حَنِثَ كما لو قال لَا أُصَلِّي في هذا الْمَسْجِدِ فَصَلَّى على حَصِيرٍ فيه فَإِنْ قال أَرَدْت مُلَاقَاتَهُ أَيْ عَدَمَ مُلَاقَاةِ الْمُصَلَّى بِقَدَمِي وَجَبْهَتِي وَبَدَنِي وَثِيَابِي قُبِلَ منه فَلَا يَحْنَثُ لَا إنْ قال ذلك وَالْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أو عِتْقٍ فَلَا يُقْبَلُ منه في الْحُكْمِ وَيَدِينُ أو لَا يُكَلِّمُهُ فَأَقْبَلَ على الْجِدَارِ أو وَلَّاهُ ظَهْرَهُ فقال يا جِدَارُ افْعَلْ كَذَا لِيُفْهِمَهُ الْغَرَضَ لم يَحْنَثْ وَكَذَا إنْ أَقْبَلَ على الْجِدَارِ وَتَكَلَّمَ ولم يُنَادِهِ أو لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا من غَزْلِهَا فَجَعَلَ منه رُقْعَةً في ثَوْبِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا ثَوْبًا من غَزْلِهَا وَحَنِثَ بِعِمَامَةٍ تَعَمَّمَ بها وقد نُسِجَتْ منه إنْ حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ دُونَ الْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بها لُبْسًا لَا بِالْتِحَافِ لِحَافٍ نُسِجَ منه فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا كما في التَّدَثُّرِ بِالثَّوْبِ وَلَوْ قِيلَ له كَلِّمْ زَيْدًا الْيَوْمَ فَحَلَفَ وَلَوْ بِطَلَاقٍ لَا يُكَلِّمُهُ فَلِلْأَبَدِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَوْمَ فَيَنْعَقِدُ عليه لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ في فَصْلٍ لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُ صَبِيٍّ بِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ هُنَا في السُّؤَالِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ على ذلك فَإِنْ كَلَّمَهُ وَالْحَالِفُ مَجْنُونٌ لم يَحْنَثْ وَقِيلَ يَحْنَثُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْإِيلَاءِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ حَانُوتَ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا أَيْ بِدُخُولِهِ الْحَانُوتَ الذي يَعْمَلُ فيه وَلَوْ مُسْتَأْجَرًا لِلْعُرْفِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ مع قَوْلِهِ أَنَّ الْفَتْوَى على الْحِنْثِ في الْمُسْتَأْجَرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فيه قال الزَّرْكَشِيُّ وما نَقَلَهُ عن الشَّافِعِيِّ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَجَرَى عليه الْجُمْهُورُ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ ما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ انْتَهَى وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَقَوْلُهُ وَسُلْطَانُ اللَّهِ يَمِينٌ إنْ أَرَادَ الْقُدْرَةَ لَا الْمَقْدُورَ فَإِنْ قال وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ إنْ لم يُرِدْ النِّعْمَةَ وَالْعُقُوبَةَ بِأَنْ لم يُرِدْ شيئا أو أَرَادَ فِعْلَهُمَا فَلَيْسَ يَمِينًا أو أَرَادَهُمَا أَيْ أَرَادَ إرَادَتَهُمَا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَيَمِينٌ وَذِكْرُ حُكْمِ عَدَمِ إرَادَةِ شَيْءٍ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال لِزَوْجَتِهِ لَأَضْرِبَنك حتى تَبُولِي أو يُغْشَى عَلَيْك أو حتى تَمُوتِي حُمِلَ على الْحَقِيقَةِ ما ذَكَرَهُ في الْأَخِيرَةِ بَحْثٌ لِلْأَصْلِ وَعِبَارَتُهُ أو حتى أَقْتُلَهَا أو تُرْفَعَ مَيِّتَةً حُمِلَ على أَشَدِّ الضَّرْبِ وَيَظْهَرُ على أَصْلِنَا الْحَمْلُ على الْحَقِيقَةِ أَيْضًا انْتَهَى لَكِنَّ ما بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ في أَوَاخِرِ الطَّلَاقِ كما نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ حَسَنٌ قال الرَّافِعِيُّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهَا في كل حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَهَذَا على الشِّكَايَةِ بِأَحَدِهِمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ على ما يُوجَدُ مِنْهُمَا من حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَلَا تُعْتَبَرُ الشِّكَايَةُ أو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هذه الْخَيْمَةَ فَنُقِلَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَدَخَلَهَا حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ على سَيْفٍ أو سِكِّينٍ أَيْ على الْقَطْعِ بِهِ أو بِهِمَا فَأُعِيدَتْ صَنْعَتُهُ أَيْ السَّيْفِ بَعْدَ كَسْرِهِ أو قُلِبَ حَدُّهَا أَيْ السِّكِّينِ وَجُعِلَ في ظُهْرِهَا وَقَطَعَ بِهِمَا لم يَحْنَثْ وفي مَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرُ فِيمَا ذُكِرَ فيه بَلْ يُمْكِنُ إدْرَاجُ حُكْمِ السِّكِّينِ في حُكْمِ السَّيْفِ بِتَفْسِيرِ ضَمِيرِ صَنْعَتِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا أَثَرَ في الْحِنْثِ لِتَبْدِيلِ مِسْمَارٍ وَنِصَابٍ بِغَيْرِهِمَا أو حَلَفَ لَا يَقْرَأُ بِمُصْحَفٍ فَفَتَحَهُ وَقَرَأَ فيه حَنِثَ أو لَا يَدْخُلُ هذا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ فيه بَعْدَ الْيَمِينِ أو لَا يَكْتُبُ بهذا الْقَلَمِ وهو مَبْرِيٌّ فَكُسِرَ
____________________
(4/275)
ثُمَّ بُرِيَ وَكَتَبَ بِهِ لم يَحْنَثْ وَإِنْ كانت الْأُنْبُوبَةُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْيَمِينَ في الْأُولَى لم تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةَ حَالَةَ الْحَلِفِ وَالْقَلَمَ في الثَّانِيَةِ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ وَإِنَّمَا تُسَمَّى قبل الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا لِأَنَّهَا سَتَصِيرُ قَلَمًا قال الْإِسْنَوِيُّ وَيَدُلُّ على عَدَمِ الْحِنْثِ في الْأُولَى أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْتَفَادَةَ من قَوْلِهِ صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا خَاصَّةٌ بِمَا كان في زَمَنِهِ دُونَ ما زِيدَ فيه بَعْدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ فَدَخَلَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ فيه حَنِثَ قال الرَّافِعِيُّ أو لَا يَسْتَنِدُ إلَى هذا الْجِدَارِ أو لَا يَجْلِسُ عليه فَهُدِمَ وَبُنِيَ بِآلَتِهِ لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِبَعْضِهَا وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ أو جَلَسَ عليه حَنِثَ أو لَا يَأْكُلُ من كَسْبِهِ فِيمَا أَيْ فَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُ من مُبَاحٍ وَبِعَقْدٍ لَا إرْثٍ وَيَحْنَثُ بِكَسْبٍ كَسْبِهِ الْمَحْلُوفِ عليه ثُمَّ مَاتَ عنه وَوَرِثَهُ الْحَالِفُ وَأَكَلَهُ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ بِشِرَاءٍ أو وَصِيَّةٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ ما قَبِلَهُ غَيْرُهُ صَارَ مُكْتَسَبًا له فَلَا يَبْقَى مُكْتَسَبًا لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ فَيَبْقَى مُكْتَسِبًا لِلْأَوَّلِ وَيَكُونُ كما لو قال لَا آكُلُ مِمَّا زَرَعَهُ فَأَكَلَ مِمَّا زَرَعَهُ وَبَاعَهُ لِغَيْرِهِ فإنه يَحْنَثُ قال وَلَك أَنْ لَا تُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَيُشْتَرَطُ لِكَسْبِهِ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا في مِلْكِهِ وَالْحَلْوَى ما اُتُّخِذَ من نَحْوِ عَسَلٍ وَسُكَّرٍ من كل حُلْوٍ ليس في جِنْسِهِ حَامِضٌ كَدِبْسٍ وَقَنْدٍ وَفَانِيذٍ لَا عِنَبٍ وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانٍ لَا هُمَا أَيْ الْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَتْ بِحَلْوَى بِدَلِيلِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ فَيُشْتَرَطُ في الْحَلْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْمَعْمُولِ بِخِلَافِ الْحُلْوِ قال في الْأَصْلِ وفي اللَّوْزَيْنَجِ وَالْجَوْزَيْنَجِ وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ الْحِنْثُ لِأَنَّ الناس يُعِدُّونَهُمَا حَلْوَاءَ قال وَمِثْلُهُ ما يُقَالُ له الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانِ وَالْقَطَائِفُ وَالشِّوَاءُ يَقَعُ على اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ لَا على الشَّحْمِ وَالسَّمَكِ الْمَشْوِيَّيْنِ وَالطَّبِيخُ يَقَعُ على مَرَقٍ وَلَحْمِهِ وَكَذَا على أُرْزٍ وَعَدَسٍ طُبِخَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوَدَكٍ أو زَيْتٍ أو سَمْنٍ وَالْمَرَقُ يَصْدُقُ بِمَطْبُوخِ اللَّحْمِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْمَرَقَ فَهُوَ ما يُطْبَخُ بِاللَّحْمِ أَيِّ لَحْمٍ كان فَإِنْ طُبِخَ بِهِ أَيْ بِالْمَرَقِ وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ الشَّحْمُ وَالْبُطُونُ وَالْكَرِشُ فَوَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَأَكْثَرُ الناس يُعِدُّونَ ذلك مَرَقًا وَلَا يُقَصِّرُونَ الْمَرَقَ على ما يُطْبَخُ بِاللَّحْمِ قال في الْأَصْلِ وإذا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْمَطْبُوخَ حَنِثَ بِمَا طُبِخَ بِالنَّارِ أو أُغْلِيَ وَلَا يَحْنَثُ بِالْمَشْوِيِّ وَالطَّبَاهِجَةِ مُسْتَوِيَةٌ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ وَالْغَدَاءُ أَيْ وَقْتُهُ من طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ الْعَشَاءُ أَيْ وَقْتُهُ من الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَدْرُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ ثُمَّ هو أَيْ ما بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ سَحُورٌ أَيْ وُقِّتَ له إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْغَدْوَةِ من طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الِاسْتِوَاءِ وَالضَّحْوَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ من حِينِ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ لِلصَّلَاةِ إلَى الِاسْتِوَاءِ وَالصَّبَاحُ ما بَعْدَ الطُّلُوعِ لِلشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى قال في الْأَصْلِ وقد يُتَوَقَّفُ في كَوْنِ الْعَشَاءِ من الزَّوَالِ وفي مِقْدَارِ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وفي امْتِدَادِ الْغَدْوَةِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ وفي أَنَّ الضَّحْوَةَ من السَّاعَةِ التي تَحِلُّ فيها الصَّلَاةُ قُلْت وقد يُتَوَقَّفُ أَيْضًا في كَوْنِ الصَّبَاحِ مُقَيَّدًا بِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ دَقَّ الْبَابَ وكان قد حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ من هذا كَلَامٌ منه له فَيَحْنَثُ إنْ عَلِمَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إيقَاظُ نَائِمٍ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ وَأَيْقَظَهُ بِالْكَلَامِ فإنه كَلَامٌ له فَيَحْنَثُ إنْ عَلِمَ بِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ بِهِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ قد يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا انْتَبَهَ النَّائِمُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فيها نَقْلًا عن الْحَنَفِيَّةِ لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَبَّهَهُ من النَّوْمِ حَنِثَ وَإِنْ لم يَنْتَبِهْ وَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَى ما ذَكَرْته وَقَوْلُهُ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا أو الْيَوْمَ وَغَدًا لم يَحْنَثْ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في الْيَمِينِ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا أو قال لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ فَالْيَمِينُ على يَوْمَيْنِ فَقَطْ فَلَوْ كَلَّمَهُ في الْيَوْمِ الثَّالِثِ لم يَحْنَثْ أو لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ فَثَلَاثَةٌ أَيْ فَالْيَمِينُ عليها لِأَنَّهُ عَطْفٌ مُبْتَدَأٌ وَيُشْتَرَطُ في الْبِرِّ في الْحَلِفِ على هَدْمٍ أو نَقْضِ هذه الدَّارِ كَذَا هذا
____________________
(4/276)
الْحَائِطَ لَا كَسْرَهُ إزَالَةَ الِاسْمِ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ على كَسْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ في الْبِرِّ إزَالَةُ الِاسْمِ فَرْعٌ لو حَلَفَ لَا يَزُورُهُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا يَحْنَثُ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ أو لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ صُوفًا فَأَدْخَلَ شَاةً عليها صُوفٌ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الذي عليه الصُّوفُ فِيمَا يَظْهَرُ أو لَا يُدْخِلُهُ بَيْضًا فَأَدْخَلَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ وَلَوْ في الْحَالِ لم يَحْنَثْ أو حَلَفَ لَا يُظِلُّهُ سَقْفٌ حَنِثَ بِاسْتِظْلَالِهِ بِالْأَزَجِ أو حَلَفَ لَا يُفْطِرُ فَبِأَكْلٍ وَجِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفَطِّرُ يَحْنَثُ لَا رِدَّةٍ وَحَيْضٍ ودخول لَيْلٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفَطِّرُ عَادَةً كَجُنُونٍ فَلَا يَحْنَثُ بها قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ الْجَنِينَ فَذَبَحَ شَاةً في بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ لِأَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاتُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ شَاتَيْنِ لم يَحْنَثْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُرَاعَى فيها الْعَادَةُ وفي الْعَادَةِ لَا يُقَالُ إنَّ ذلك ذَبْحٌ لِشَاتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ في الْأُولَى أَيْضًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَقْرَبُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْبِهُ الْفَرْقَ بين عِلْمِهِ بِحَمْلِهَا وَجَهْلِهِ وَظَنِّهِ حِيَالَهَا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لو حَلَفَ لَا يَصْطَادُ ما دَامَ الْأَمِيرُ في الْبَلَدِ فَخَرَجَ الْأَمِيرُ منها فَاصْطَادَ ثُمَّ رَجَعَ وَاصْطَادَ لم يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ دَوَامِ الصِّفَةِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ ما يُوَافِقُهُ كِتَابُ الْقَضَاءِ بِالْمَدِّ أَيْ الْحُكْمُ وَجَمْعُهُ أَقْضِيَةٌ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ وهو في الْأَصْلِ يُقَالُ لِإِتْمَامِ الشَّيْءِ وَإِحْكَامِهِ وَإِمْضَائِهِ وَالْفَرَاغِ منه سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَتِمُّ الْأَمْرَ وَيُحْكِمُهُ وَيُمْضِيهِ وَيَفْرُغُ منه وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وقَوْله تَعَالَى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وقَوْله تَعَالَى إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بين الناس وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وفي رِوَايَةٍ صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهَا فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ إذَا جَلَسَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ بَعَثَ اللَّهُ له مَلَكَيْنِ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ فَإِنْ عَدَلَ أَقَامَا وَإِنْ جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ وما جاء في التَّحْذِيرِ من الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ من جُعِلَ قَاضِيًا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ مَحْمُولٌ على عِظَمِ الْخَطَرِ فيه أو على من يُكْرَهُ له الْقَضَاءُ أو يَحْرُمُ على ما سَيَأْتِي وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في التَّوْلِيَةِ وفي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ أَيْ تَوَلِّيهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ في حَقِّ الصَّالِحِينَ له كَالْإِمَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ من الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عن الْمُنْكَرِ وَمَنْ تَعَيَّنَ عليه بِأَنْ لم يُوجَدْ في نَاحِيَتِهِ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ لَزِمَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ إذَا وَلِيَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فيها وَلَا يُعْذَرُ الْمُتَعَيِّنُ لِخَوْفِ مَيْلٍ منه أَيْ جَوْرٍ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَقْبَلَ وَيَحْتَرِزَ من الْمَيْلِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَلَا يَفْسُقُ بِالِامْتِنَاعِ من ذلك لِتَأَوُّلِهِ في امْتِنَاعِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ وَيُجْبَرُ على الْقَبُولِ لِاضْطِرَارِ الناس إلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ وَأُمَّا خَبَرُ أَنَّا لَا نُكْرِهُ على الْقَضَاءِ أَحَدًا فَحَمَلُوهُ على حَالِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ مع أَنَّهُ غَرِيبٌ فَإِنْ كان هُنَاكَ أَفْضَلُ منه غَيْرُ مُمْتَنِعٍ من الْقَبُولِ كُرِهَ لِلْمَفْضُولِ الطَّلَبُ
____________________
(4/277)
لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عبد الرحمن بن سَمُرَةَ حَيْثُ قال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ وَجَازَ له الْقَبُولُ إذْ وَلِيَ مع كَرَاهَتِهِ فَلَوْ قال وَالْقَبُولُ كان أَوْلَى وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالتَّوْلِيَةِ أَمَّا إذَا كان الْأَفْضَلُ يَمْتَنِعُ من الْقَبُولِ فَكَالْمَعْدُومِ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ من كَرَاهَةِ ما ذُكِرَ ما إذَا كان الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَالْبُلْقِينِيُّ ما إذَا كان أَقْوَى في الْقِيَامِ في الْحَقِّ وَإِنْ كان هُنَاكَ مِثْلُهُ وكان هذا مَشْهُورًا يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ مُكَفِّيًا بِغَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ كُرِهَ له طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ وَعَلَى هذا حُمِلَ امْتِنَاعُ السَّلَفِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ مَشْهُورًا أو مَكْفِيًّا اُسْتُحِبَّ له ذلك لِيُنْتَفَعَ بِعِلْمِهِ أو لِيَكْتَفِيَ من بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كان هُنَاكَ دُونَهُ اُسْتُحِبَّ له الْقَبُولُ وَكَذَا الطَّلَبُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبَّانِ إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ عليها فَيَحْتَرِزُ لِأَنَّ أَهَمَّ الْعَزَائِمِ حِفْظُ السَّلَامَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لو حُذِفَ لَفْظَةُ كَذَا كان أَوْلَى وَحَرُمَ على الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ طَلَبٌ له وَبَذْلُ مَالٍ لِعَزْلِ قَاضٍ صَالِحٍ له وَلَوْ كان دُونَهُ وَبَطَلَتْ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَالْمَعْزُولُ بِهِ على قَضَائِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ وَلَوْ وَجَبَ أو اُسْتُحِبَّ طَلَبُهُ جَازَ بَذْلُ الْمَالِ ولكن آخِذُهُ ظَالِمٌ كما إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَإِنْ لم يَجِبْ ولم يُسْتَحَبَّ لم يَجُزْ له بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى وَيَجُوزُ له بَذْلُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ له بَذْلُهُ لِيُوَلَّى وهو سَبْقُ قَلَمٍ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ بَذْلُهُ لِعَزْلِ قَاضٍ غَيْرِ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ لِمَا فيه من تَخْلِيصِ الناس منه لَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ وَلَا يَجِبُ على من تَعَيَّنَ عليه الْقَضَاءُ طَلَبٌ ولا قَبُولٌ له في غَيْرِ بَلَدِهِ لِمَا فيه من الْهِجْرَةِ وَتَرْكِ الْوَطَنِ وَفَارَقَ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِيَامُ بها وَالْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ له مع قِيَامِ حَاجَةِ بَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو كان بِبَلَدٍ صَالِحَانِ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا ما لم يَجِبْ على الْآخَرِ ذلك في بَلَدٍ آخَرَ ليس بِهِ صَالِحٌ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عليه لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْبَلَدُ الْأُخْرَى إنْ لم يَشْمَلْهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ مع انْتِفَاءِ حَاجَةِ بَلَدِهِ إلَيْهِ هذا وَاقْتِصَارُهُ على الْبَلَدِ من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ وَالنَّاحِيَةِ وفي الْحَقِيقَةِ الْمُعْتَبَرُ في ذلك النَّاحِيَةُ فَقَطْ كما اقْتَصَرَ عليها الْمِنْهَاجُ وَإِنْ صَلَحَ له بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا جَمَاعَةٌ وَقَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ عن الْجَمِيعِ وَإِنْ امْتَنَعُوا منه أَثِمُوا كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأَجْبَرَ الْإِمَامُ وَاحِدًا منهم عليه لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَصَالِحُ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ وَإِنْ كان هُنَاكَ قَاضٍ فَإِنْ كان غير مُسْتَحِقٍّ لِلْقَضَاءِ فَكَالْمَعْدُومِ وَإِنْ كان مُسْتَحِقًّا له فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ وَإِنْ كان مَفْضُولًا فَإِنْ فَعَلَ أَيْ عَزَلَ وَوَلَّى غَيْرَهُ نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ أَيْ عِنْدَهَا وَأُمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِيمَا إذَا بَذَلَ مَالًا لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا إذَا رَأَى مُجْتَهِدًا أَيْ غير مُقَلِّدٍ فَلَا يُوَلَّاهُ كَافِرٌ وَلَوْ على كُفَّارٍ كما سَيَأْتِي لِعَدَمِ عَدَالَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وَلَا من فيه رِقٌّ لِنَقْصِهِ وَلَا أُنْثَى وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فيه إذْ لَا يَلِيقُ بها مُجَالَسَةُ الرِّجَالِ وَرَفْعُ صَوْتِهَا بَيْنَهُمْ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً وَلَا خُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا مُقَلِّدًا كما في الْإِفْتَاءِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ من الْمُقَلِّدِ وَقَوْلُهُ إذَا رَأَى يُغْنِي عنه قَوْلُهُ بَعْدُ وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا مع أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ في الْمَنْدُوبَاتِ الْآتِيَةِ
وَالْمُجْتَهِدُ من عَلِمَ ما يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَرَفَ مِنْهُمَا الْخَاصَّ
____________________
(4/278)
وَالْعَامَّ وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ وَالنَّصَّ وَالظَّاهِرَ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَعَرَفَ من السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَ وَالْآحَادَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُتَّصِلَ وَعَدَالَةَ الرُّوَاةِ وَجَرْحَهُمْ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذلك وعرف أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَغَيْرَهُ لِئَلَّا يُخَالِفَهُمْ في اجْتِهَادِهِ وعرف الْقِيَاسَ جَلِيَّهُ وَخَفِيَّهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا في الْبَابِ الثَّانِي وَصَحِيحَهُ وَفَاسِدَهُ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وعرف لِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَإِعْرَابًا لِوُرُودِ الشَّرِيعَةِ بِهِ وَلِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَخُصُوصُهُ وَإِطْلَاقُهُ وَتَقْيِيدُهُ وَإِجْمَالُهُ وَبَيَانُهُ وعرف أُصُولَ الِاعْتِقَادِ قال الْغَزَالِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا على طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَدِلَّتِهِمْ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ لم يَكُنْ الصَّحَابَةُ يَنْظُرُونَ فيها وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَلَا بَعْضُهُ عن ظَهْرِ الْقَلْبِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ في أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّبَحُّرُ في هذه الْعُلُومِ بَلْ يَكْفِي جُلٌّ أَيْ مَعْرِفَةُ جُلٍّ منها
وأن يَكُونَ له في كُتُبِ الحديث أَصْلٌ مُصَحِّحٌ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ أَيْ غَالِبَهَا كَسُنَنِ أبي دَاوُد فَيَعْرِفَ كُلَّ بَابٍ فَيُرَاجِعَهُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ ضَبْطُ كل مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ وَيَكْفِيهِ الْأَوْلَى بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ أو يَظُنَّ في الْمَسْأَلَةِ التي يُفْتِي فيها أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ لِمُوَافَقَتِهِ غَيْرَهُ أو أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لم يَتَكَلَّمْ فيها الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ في عَصْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَكْتَفِي عن الْبَحْثِ في الْأَحَادِيثِ بِمَا قَبِلَهُ منها السَّلَفُ وَتَوَاتَرَتْ أَهْلِيَّةُ رُوَاتِهِ من الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ وما عَدَاهُ يَكْتَفِي في أَهْلِيَّةِ رُوَاتِهِ بِتَأْهِيلِ إمَامٍ مَشْهُورٍ عُرِفَتْ صِحَّةُ مَذْهَبِهِ في الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالضَّبْطِ ثُمَّ اجْتِمَاعِ هذه الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ في الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الذي يُفْتِي في جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا في بَابٍ دُونَ بَابٍ فَيَكْفِيهِ عِلْمُ ما يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الذي يَجْتَهِدُ فيه وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَتَوَلَّى أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مُكَلَّفًا عَدْلًا فَلَا يُوَلَّى فَاسِقٌ وَلَا أَعْمَى وَلَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ كما في الشَّهَادَةِ وَلَا كَافِرٌ وَلَوْ في كُفَّارٍ لِمَا مَرَّ
وَمَنْ نُصِّبَ منهم أَيْ من الْكُفَّارِ عليهم كما جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْوُلَاةِ من نَصْبِ حَاكِمٍ لهم فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ لَا تَقْلِيدُ حُكْمٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ بِالْتِزَامِهِمْ لَا بِإِلْزَامِهِ ويشترط أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا سَمِيعًا فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ أَصَمَّ وَلَا أَخْرَسَ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَلَا يَضُرُّ ثِقَلُ سَمْعِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ معه ويشترط أَنْ يَكُونَ كَافِيًا في الْقَضَاءِ وَلَوْ كان أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ وَلَا يَحْسِبُ وَلَا يَقْرَأُ الْمَكْتُوبَ وَتَعْبِيرُهُ كَالرَّافِعِيِّ بِالْأُمِّيِّ أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْسِنَ الْكِتَابَةَ على الْأَصَحِّ وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ إلَى ذلك ثُمَّ قَيَّدَ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِمَا إذَا كان من يَتَوَلَّى بِمَحَلٍّ فيه من يَقُومُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَثِقُ هو بِهِ من أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَإِلَّا لَضَاعَتْ حُقُوقٌ وَمَصَالِحُ كَثِيرَةٌ وَلَا الْأَوْلَى فَلَا يُجْزِئُ ضَعِيفُ رَأْيٍ لِتَغَفُّلٍ أو اخْتِلَالِ رَأْيٍ بِكِبَرٍ أو مَرَضٍ أو نَحْوِهِ وَنُدِبَ لِتَوَلِّي الْقَضَاءِ قُرَشِيٌّ وَمُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالتُّقَى أَوْلَى من مُرَاعَاةِ النَّسَبِ وَنُدِبَ ذُو حِلْمٍ وَتَثَبُّتٍ وَلِينٍ وَفَطِنَةٍ وَتَيَقُّظٍ وَكِتَابَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ الْكِتَابَةِ من زِيَادَتِهِ وندب صِحَّةُ حَوَاسَّ وَأَعْضَاءٍ وَمَعْرِفَةٌ بِلُغَةِ الْبَلَدِ الذي يَقْضِي لِأَهْلِهِ قَنُوعٌ سَلِيمٌ من الشَّحْنَاءِ صَدُوقٌ وَافِرُ الْعَقْلِ ذُو وَفَاءٍ وَسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ
وإذا عَرَفَ الْإِمَامُ
____________________
(4/279)
أَهْلِيَّةَ أَحَدٍ وَلَّاهُ وَإِلَّا بَحَثَ عن حَالِهِ وَبِتَوْلِيَةِ من لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مع وُجُودِ الصَّالِحِ له وَالْعِلْمِ بِالْحَالِ يَأْثَمُ الْوَلِيُّ أَيْ وَلِيُّ الْأَمْرِ وهو الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمُوَلَّى بِفَتْحِهَا وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَصَابَ فيه هذا هو الْأَصْلُ في الْبَابِ لَكِنْ مع عَدَمِهِ أَيْ الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ كما في زَمَنِنَا لِخُلُوِّهِ عن الْمُجْتَهِدِ نَفَّذُوا أَيْ الْأَصْحَابُ لِلضَّرُورَةِ قَضَاءَ من وَلَّاهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ جَهِلَ وَفَسَقَ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَصَالِحُ وَلِهَذَا يَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِي الْبُغَاةِ كما مَرَّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَفَادُ من ذلك أَنَّهُ لو زَالَتْ شَوْكَةُ من وَلَّاهُ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ انْعَزَلَ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لو أَخَذَ شيئا من بَيْتِ الْمَالِ على وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أو جَوَامِكَ في نَظَرِ الْأَوْقَافِ اُسْتُرِدَّ منه لِأَنَّ قَضَاءَهُ إنَّمَا نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ في الْمَالِ الذي يَأْخُذُهُ فَيُسْتَرَدُّ منه قَطْعًا انْتَهَى وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ قد يَقْتَضِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ من الْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ إذَا وَلِيَا بِالشَّوْكَةِ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا وَلِلْقَاضِي الْعَادِلِ الْأَوْلَى وَلِلْعَادِلِ تَوَلِّي الْقَضَاءِ من الْأَمِيرِ الْبَاغِي فَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ عن ذلك لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ فقالت إنْ لم يَقْضِ لهم خِيَارُكُمْ قَضَى لهم شِرَارُهُمْ فَرْعٌ يَحْرُمُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ وَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُ مُبْتَدِعٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ الْقَضَاءَ وكذا تَقْلِيدُ من يُنْكِرُ الْإِجْمَاعَ وَأَخْبَارَ الْآحَادِ وَالِاجْتِهَادَ الْمُتَضَمِّنَ إنْكَارُهُ إنْكَارَ الْقِيَاسِ وَالْمُرَادُ من يُنْكِرُ وَاحِدًا منها فَصْلٌ في بَيَانِ الْمُفْتِي فَإِنْ لم يَكُنْ في النَّاحِيَةِ غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عليه الْفَتْوَى وَإِنْ كان فيها غَيْرُهُ فَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَنَظِيرِهِ في الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ وَمَعَ هذا لَا يَحِلُّ التَّسَارُعُ إلَى ما لَا يَتَحَقَّقُ ه فَقَدْ كانت الصَّحَابَةُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ مع مُشَاهَدَتِهِمْ الْوَحْيَ يُحِيلُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْفَتْوَى وَيَحْتَرِزُونَ عن اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ ما أَمْكَنَ وَيُشْتَرَطُ في جَوَازِ الْفَتْوَى وَقَبُولِهَا إسْلَامُ الْمُفْتِي وَعَدَالَتُهُ الظَّاهِرَةُ فَتُرَدُّ فَتْوَى الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ إذْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُمْ وَيَعْمَلُ الْفَاسِقُ لِنَفْسِهِ بِاجْتِهَادِهِ وَيُشْتَرَطُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا تَيَقُّظٌ وَقُوَّةُ ضَبْطٍ فَتُرَدُّ فَتْوَى من يَغْلِبُ عليه الْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ وَأَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِ أَيْ التَّأَهُّلُ له فَمَنْ عَرَفَ من الْعَامَّةِ مَسْأَلَةً أو مَسَائِلَ بِأَدِلَّتِهَا لم يَجُزْ فَتْوَاهُ بها وَلَا تَقْلِيدُهُ فيها سَوَاءٌ كانت أَدِلَّتُهَا نَقْلِيَّةً أَمْ قِيَاسِيَّةً وَكَذَا من لم يَكُنْ من الْعُلَمَاءِ مُجْتَهِدًا لَا تَجُوزُ فَتْوَاهُ على ما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا تَقْلِيدُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُجْتَهِدُ لم تَبْطُلْ فَتْوَاهُ
____________________
(4/280)
وَمَذْهَبُهُ بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ كما يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ لو بَطَلَ قَوْلُهُ بِمَوْتِهِ لَبَطَلَ الْإِجْمَاعُ بِمَوْتِ الْمُجْمِعِينَ وَلَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً وَلِأَنَّ الناس الْيَوْمَ كَالْمُجْمِعِينَ على أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ فَلَوْ مَنَعْنَا تَقْلِيدَ الْمَاضِينَ لَتَرَكْنَا الناس حَيَارَى فَعَلَى هذا من عَرَفَ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ وَتَبَحَّرَ فيه لَكِنْ لم يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ جَازَ له أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ ذلك الْمُجْتَهِدِ وَلْيُضِفْ ما يُفْتِي بِهِ إلَى صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وفي نُسْخَةٍ وَلْيُضِفْ الْمَذْهَبَ إلَى صَاحِبِهِ إنْ لم يُعْلَمْ أَنَّهُ يُفْتَى عليه فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُفْتِي عليه كَفَاهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ أَنْ يُفْتِيَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ ما ليس مَذْهَبًا له مَذْهَبَهُ لِقُصُورِ فَهْمِهِ وَقِلَّةِ اطِّلَاعِهِ على مَظَانِّ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتِلَافِ نُصُوصِ ذلك الْمَذْهَبِ وَالْمُتَأَخِّرِ منها وَالرَّاجِحِ إلَّا في مَسَائِلَ مَعْلُومَةٍ من الْمَذْهَبِ عِلْمًا قَطْعِيًّا كَوُجُوبِ النِّيَّةِ في الْوُضُوءِ وَالْفَاتِحَةِ في الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ في مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَتَبْيِيتِ النِّيَّةِ في صَوْمِ الْفَرْضِ وَصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ فَيَجُوزُ له ذلك فَرْعٌ ليس لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ لِضِيقِ الْوَقْتِ لِقُدْرَتِهِ على مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَلَوْ حَدَثَتْ وَاقِعَةٌ لِمُجْتَهِدٍ قد اجْتَهَدَ فيها قُبِلَ وَجَبَ عليه إعَادَتُهُ أَيْ الِاجْتِهَادِ فيها كَنَظِيرِهِ في الْقِبْلَةِ إنْ نَسِيَ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ أو تَجَدَّدَ له مُشَكِّكٌ وفي نُسْخَةٍ مُشْكِلٌ أَيْ ما قد يُوجِبُ رُجُوعَهُ بِخِلَافِ ما إذَا كان ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ ولم يَتَجَدَّدْ له ذلك فَرْعٌ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ إمَامِ إمَّا عَوَامُّ فَتَقْلِيدُهُمْ أَيْ فَجَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ له مُفَرَّعٌ على جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وقد مَرَّ جَوَازُهُ وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ فَلَا يُقَلِّدُونَ غَيْرَهُمْ حتى الْإِمَامِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا انْتَسَبُوا إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ جَرَوْا على طَرِيقَتِهِ في الِاجْتِهَادِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَدِلَّةِ وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُمْ اجْتِهَادَهُ وإذا خَالَفَ أَحْيَانَا لم يُبَالُوا بِالْمُخَالَفَةِ وَعَبَّرَ عن هذا بِقَوْلِهِ فَإِنْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُمْ اجْتِهَادَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ خَالَفَهُ أَحْيَانَا وأما من لم يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ بَلْ وَقَفَ على أُصُولِ إمَامِهِ في الْأَبْوَابِ وَتَمَكَّنَ من قِيَاسِ ما لم يَنُصَّ عليه على الْمَنْصُوصِ عليه فَلَيْسَ بِمُقَلَّدٍ في نَفْسِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِمَنْ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ من الْعَوَامّ بَلْ هو وَاسِطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ وَمُقَلِّدٍ لِلْإِمَامِ فَإِنْ نَصَّ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ على الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ أُلْحِقَ الْمُتَمَكِّنُ من الْقِيَاسِ بها أَيْ بِالْعِلَّةِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ وَلَوْ نَصَّ على الْحُكْمِ فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْعِلَّةَ وَيَقِيسَ بِوَاسِطَتِهَا على الْمَنْصُوصِ وَلْيَقُلْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هذا قِيَاسُ مَذْهَبِهِ أَيْ الْإِمَامِ لَا قَوْلِهِ وَمِنْهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ مع أَنَّ الْأَصْلَ لم يذكر ذلك إلَّا فيه عَقِبَ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ نَصُّ إمَامِهِ في مَسْأَلَتَيْنِ مُشْتَبِهَتَيْنِ فَلَهُ التَّخْرِيجُ لِلْحُكْمِ من إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ في الْجَوَابِ لِلزَّجْرِ وَالتَّهْدِيدِ في مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ مُتَأَوِّلًا كما إذَا سَأَلَهُ من له عَبْدٌ عن قَتْلِهِ له وَخَشِيَ منه الْمُفْتِي أَنْ يَقْتُلَهُ جَازَ أَنْ يَقُولَ له إنْ قَتَلْته قَتَلْنَاك مُتَأَوِّلًا له لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ له مَعَانٍ وَكَمَا رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عن تَوْبَةِ الْقَاتِلِ فقال لَا تَوْبَةَ له وَسَأَلَهُ آخَرُ فقال له تَوْبَةٌ ثُمَّ قال أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَأَيْت في عَيْنَيْهِ إرَادَةَ الْقَتْلِ فَمَنَعْته وَأُمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَتَلَ وَجَاءَ يَطْلُبُ الْمَخْرَجَ فلم أُقَنِّطْهُ وَهَذَا إذَا لم يَتَرَتَّبْ على إطْلَاقِهِ الْجَوَابُ مَفْسَدَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَاخْتِلَافُ الْمُفْتِيَيْنِ في حَقِّ الْمُسْتَفْتِي كَالْمُجْتَهِدِينَ أَيْ كَاخْتِلَافِهِمَا في حَقِّ الْمُقَلِّدِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُقَلِّدُ من شَاءَ مِنْهُمَا فَلِلْمُسْتَفْتِي ذلك على ما يَأْتِي لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ مع تَفَاوُتِهِمْ في الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَيَعْمَلُونَ بِقَوْلِ من سَأَلُوهُ من غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ فَصْلٌ في بَيَانِ الْمُسْتَفْتِي وَآدَابِ الْمُفْتِي يَجِبُ على الْمُسْتَفْتِي عِنْدَ حُدُوثِ مَسْأَلَتِهِ أَنْ
____________________
(4/281)
يَسْتَفْتِيَ من عَرَفَ عِلْمَهُ وَعَدَالَتَهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أو بِاسْتِفَاضَةٍ لِذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَعْرِفْهُمَا بَحَثَ عن ذلك يَعْنِي عن عِلْمِهِ بِسُؤَالِهِ الناس فَلَا يَجُوزُ له اسْتِفْتَاءُ من انْتَسَبَ إلَى ذلك وَانْتَصَبَ لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ من مَنَاصِبِ الْعُلَمَاءِ بِمُجَرَّدِ انْتِسَابِهِ وَانْتِصَابِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَبْحَثُ عن عَدَالَتِهِ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ ما في الْأَصْلِ خِلَافُهُ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ فَلَوْ خَفِيَتْ عليه عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ اكْتَفَى بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ تَعْسُرُ مَعْرِفَتُهَا على غَيْرِ الْقُضَاةِ وَهَذَا كما يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُضُورِ مَسْتُورَيْنِ بِخِلَافِ ما لو خَفِيَ عليه عِلْمُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَفْتِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ من حَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ ليس هو الْغَالِبُ من حَالِ الناس وَيَعْمَلُ الْمُسْتَفْتِي بِفَتْوَى عَالِمٍ مع وُجُودِ أَعْلَمَ منه جَهِلَهُ بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَهُ بِأَنْ اعْتَقَدَهُ أَعْلَمَ كما صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عن الْأَعْلَمِ إذَا جَهِلَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِزِيَادَةِ عِلْمٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ الْمُفْتِيَانِ جَوَابًا وَصِفَةً وَلَا نَصَّ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ وَالتَّقْيِيدُ بهذا من زِيَادَتِهِ قَدَّمَ الْأَعْلَمَ
وَكَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَحَدَهُمَا أَعْلَمَ أو أَوْرَعَ قَدَّمَ من اعْتَقَدَهُ أَعْلَمَ أو أَوْرَعَ كما يُقَدِّمُ أَرْجَحَ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْأَعْلَمَ على الْأَوْرَعِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْفَتْوَى بِالْعِلْمِ أَشَدُّ من تَعَلُّقِهَا بِالْوَرَعِ فَلَوْ كان ثَمَّ نَصٌّ قَدَّمَ من معه النَّصُّ وَكَالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَلَوْ حَالَ وأجيب في وَاقِعَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ أَيْ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ثُمَّ حَدَثَتْ له ثَانِيًا لَزِمَ إعَادَةُ السُّؤَالِ إنْ لم يُعْلَمْ اسْتِنَادَ الْجَوَابِ إلَى نَصٍّ أو إجْمَاعٍ بِأَنْ عَلِمَ اسْتِنَادَهُ إلَى رَأْيٍ أو قِيَاسٍ أو شَكَّ فيه وَالْمُقَلَّدُ حَيٌّ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ رَأْيِ الْمُفْتِي فَإِنْ كَثُرَ وُقُوعُ الْوَاقِعَةِ أو عَلِمَ اسْتِنَادَ ذلك إلَى ما ذُكِرَ أو كان الْمُقَلَّدُ مَيِّتًا لم يَلْزَمْ إعَادَةُ السُّؤَالِ لِمَشَقَّةِ الْإِعَادَةِ في الْأُولَى وَنُدْرَةِ تَغَيُّرِ الرَّأْيِ في الثَّانِيَةِ وَعَدَمِهِ في الثَّالِثَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ وَبِتَصْحِيحِ لُزُومِ إعَادَةِ السُّؤَالِ فِيمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ في أَوَائِلِ مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فيه بَعْدَ ذلك بِنَحْوِ خَمْسَةِ أَوْرَاقٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ قد عَرَفَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْمُفْتِي عليه وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فيه بين الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَلَوْ لم تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ بِجَوَابِ الْمُفْتِي اُسْتُحِبَّ له سُؤَالُ غَيْرِهِ لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ وَلَا يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِهِ من زِيَادَتِهِ وَيَكْفِي الْمُسْتَفْتِي في اسْتِفْتَائِهِ بَعْثُ رُقْعَةٍ إلَى الْمُفْتِي لِيَكْتُبَ عليها أو بَعْثِ رَسُولٍ ثِقَةٍ إلَيْهِ لِيَسْأَلَهُ فَيَكْفِيهِ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ إذَا لم يَعْرِفْ لُغَتَهُ وَلَهُ اعْتِمَادُ خَطِّ الْمُفْتِي إذَا أخبره من يُقْبَلُ خَبَرُهُ أو كان يَعْرِفُ خَطَّهُ ولم يَشُكَّ فيه صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَمِنْ الْأَدَبِ له أَنْ لَا يَسْأَلَ وَالْمُفْتِي قَائِمٌ أو مَشْغُولٌ بِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْفِكْرِ كَأَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِزًا أو مُسْتَضْجِرًا وَأَنْ لَا يَقُولَ لِجَوَابِهِ أَيْ الْمُفْتِي هَكَذَا قُلْت أنا أو كَذَا وَقَعَ لي أو أَفْتَانِي غَيْرُك بِكَذَا وَأَنْ لَا يَقُولَ له إنْ كان جَوَابُك مُوَافِقًا لِمَا كَتَبَ فُلَانٌ وهو كَذَا فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تَكْتُبْ ذَكَرَهُ الْمَجْمُوعُ وأن لَا يُطَالِبَ ه بِدَلِيلٍ لِلْجَوَابِ فَإِنْ أَرَادَهُ أَيْ الدَّلِيلَ أَيْ مَعْرِفَتَهُ فَبِوَقْتٍ آخَرَ يُطَالِبُهُ بِهِ وَلْيُبَيِّنْ له في الرُّقْعَةِ إنْ طَلَبَ جَوَابَهُ فيها مَوْضِعَ السُّؤَالِ وَيَنْقُطْ الْمُشْتَبِهَ في الرُّقْعَةِ لِئَلَّا يَذْهَبَ الْوَهْمُ إلَى غَيْرِ ما وَقَعَ عنه وَالسُّؤَالُ فَلْيَكُنْ مُرَتِّبُهَا حَاذِقًا وَيَتَأَمَّلْهَا أَيْ وَمِنْ أَدَب الْمُفْتِي أَنْ يَتَأَمَّلَهَا كَلِمَةً كَلِمَةً لَا سِيَّمَا آخِرَهَا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ السُّؤَالِ وقد يَتَقَيَّدُ الْجَمِيعُ بِكَلِمَةٍ في آخِرِهَا وَيَغْفُلُ عنها وَيُثْبِتُ في الْجَوَابِ وَإِنْ وَضَحَتْ أَيْ الْمَسْأَلَةُ وَلَا يَقْدَحُ الْإِسْرَاعُ في الْجَوَابِ مع التَّحَقُّقِ له بِخِلَافِهِ مع عَدَمِ التَّحَقُّقِ وأن يُشَاوِرَ فِيمَا يُحْسِنُ إظْهَارَهُ من حَضَرَ مَجْلِسَهُ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ وَإِنْ كان دُونَهُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِرَجَاءِ ظُهُورِ وما قد يَخْفَى عليه بِخِلَافِ ما لَا يُحْسِنُ إظْهَارَهُ وَمَنْ لم يَكُنْ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ
وَلَهُ أَنْ يَنْقُطَ مُشْكِلَ الرُّقْعَةِ وَيُشَكِّلَهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ بِسُؤَالِهِ الْمُسْتَفْتِي وأن يُصْلِحَ لَحْنًا فَاحِشًا وَجَدَهُ فيها وَلْيَشْغَلْ بَيَاضًا وَجَدَهُ في بَعْضِ السُّطُورِ بِخَطٍّ كَيْ لَا يَلْحَقَ فيه شَيْءٌ بَعْدَ جَوَابِهِ وَيُبَيِّنُ خَطَّهُ بِقَلَمٍ بين قَلَمَيْنِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلْيُبَيِّنْ خَطَّهُ وَلْيَكُنْ قَلَمُهُ بين قَلَمَيْنِ أَيْ لَا دَقِيقٌ خَافٍ وَلَا غَلِيظٌ جَافٍ وَلَا بَأْسَ بِكَتْبِهِ الدَّلِيلَ مع الْجَوَابِ إنْ كان وَاضِحًا مُخْتَصَرًا وَقَيَّدَ الْأَصْلُ الدَّلِيلَ بِقَوْلِهِ من آيَةٍ أو حَدِيثٍ وَمِثْلُهُمَا الْإِجْمَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ قال وَلَا يُعْتَادُ ذِكْرُ الْقِيَاسِ وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ زَادَ في الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ أو يُفْتِي فيها غَيْرُهُ بِغَلَطٍ فَيَفْعَلُ ذلك لِيُنَبِّهَ على ما ذَهَبَ إلَيْهِ لَا السُّؤَالَ
____________________
(4/282)
فَفِي كَتْبِ الْمُفْتِي له بَأْسٌ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّ غَيْرِ الْمُفْتِي وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ ولم يَسْتَحِبُّوا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّ الْمُفْتِي وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْفَقُ بِالْأَوْلَى وَلَا يَكْتُبُ خَلْفَ يَعْنِي مع من لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّ فيه تَقْرِيرًا منه لِمُنْكَرٍ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عليه إنْ أَمِنَ فِتْنَةً وَإِنْ سَخِطَ الْمَالِكُ لِلرُّقْعَةِ وَيُنْهِي الْمُفْتِي الْمُسْتَفْتِي عن ذلك أَيْ عَمَّا ارْتَكَبَهُ من اسْتِفْتَائِهِ من لَا يَصْلُحُ وَجَهْلِهِ وُجُوبَ بَحْثِهِ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى وَلَيْسَ له حَبْسُ الرُّقْعَةِ التي أَجَابَ فيها من لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قال في الْمَجْمُوعِ أَمَّا إذَا وَجَدَ فُتْيَا من يَصْلُحُ وَهِيَ خَطَأٌ قَطْعًا فَلَا يَجُوزُ له الِامْتِنَاعُ من الْإِفْتَاءِ تَارِكًا لِلتَّنْبِيهِ على خَطَئِهَا إذَا لم يَكْفِ ذلك غَيْرُهُ بَلْ عليه الضَّرْبُ عليها أو تَقْطِيعُهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا أو نَحْوِهِمَا فَإِنْ تَعَذَّرَ ذلك كَتَبَ صَوَابَ جَوَابِهِ عِنْدَ ذلك الْخَطَأِ وَحَسَنٌ أَنْ تُعَادَ إلَى ذلك الْمُفْتِي بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَإِنْ لم يَكُنْ الْخَطَأُ قَطْعًا لَكِنْ وَجَدَهَا بِخِلَافِ ما يَرَاهُ هو فَلْيَقْتَصِرْ على كَتْبِ جَوَابِ نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لها بِتَخْطِئَةٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ أَيْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ الْمَشْهُورِينَ في عَصْرِهِ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى لِيَمْنَعَ من لَا يَصْلُحُ لها منها وَيَتَوَعَّدُهُ بِالْعُقُوبَةِ على الْعَوْدِ وَلْيَكُنْ الْمُفْتِي مع شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ مُتَنَزِّهًا عن خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ فَقِيهَ النَّفْسِ سَلِيمَ الذِّهْنِ وَحَسَنَ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَلَوْ كان الْمُفْتِي عَبْدًا أو امْرَأَةً وَأَعْمَى وَأَخْرَسَ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ أو يَكْتُبُ وَلَيْسَ هو كَالشَّاهِدِ في رَدِّ فَتْوَاهُ لِقَرَابَةٍ وَجَرِّ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ وَعَدَاوَةٍ لِأَنَّهُ في حُكْمِ من يُخْبِرُ عن الشَّرْعِ بِمَا لَا اخْتِصَاصَ له بِشَخْصٍ فَكَانَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ قال في الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك عن ابْنِ الصَّلَاحِ قال وَعَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّ الْمُفْتِي إذَا نَابَذَ في فَتْوَاهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا صَارَ خَصْمًا له فَتُرَدُّ فَتْوَاهُ عليه كما تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَتُقْبَلُ فَتْوَى من لَا يَكْفُرُ وَلَا يَفْسُقُ بِبِدْعَتِهِ كَشَهَادَتِهِ بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ نَحْوُهُمْ مِمَّنْ يَسُبُّ السَّلَفَ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُمْ وَلَا يُنَافِيهِ ما قَالُوهُ في الشَّهَادَاتِ من قَبُولِهَا منهم لِأَنَّ في قَبُولِ فَتْوَاهُمْ تَرْوِيجًا وَإِعْلَاءً لهم لِأَنَّهَا دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَالتَّنْظِيرُ بِشَهَادَةٍ من زِيَادَتِهِ وَيُفْتِي من يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى وَلَوْ كان قَاضِيًا فَلَا تُكْرَهُ له الْفَتْوَى وَلَوْ في الْأَحْكَامِ وفي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ مَسَائِلِهِ الْفِقْهِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ نعم لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عن الرُّويَانِيِّ الْمَذْهَبُ لَا وَرَدَّ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ له بِأَنَّ الرُّويَانِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذلك في الْقَاضِي لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ لِأَنَّهَا إذَا لم تُشْتَرَطْ في الْقَاضِي لم تُشْتَرَطْ في الْمُفْتِي إذْ لو شُرِطَتْ فيه لَشُرِطَتْ في الْقَاضِي لِأَنَّ شَرْطَ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ حَاسِبًا فَلْيَكُنْ الْمُفْتِي كَذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ في الْمُفْتِي الْمُنْتَسِبِ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ أَنْ يَحْفَظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْرِفَ قَوَاعِدَهُ وَأَسَالِيبَهُ وَيَكُونَ فَقِيهَ النَّفْسِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ التَّصَرُّفُ في الْفِقْهِ وَكَذَا الْبَحَّاثُ في الْخِلَافِ من أَئِمَّةِ الْفِقْهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الْبَحَّاثُ في الْفِقْهِ من أَئِمَّةِ الْخِلَافِ وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينَ أَنْ يُفْتِيَ في الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ بِمُجَرَّدِ ذلك فَلَوْ وَقَعَتْ له وَاقِعَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ فيها لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِإِدْرَاكِ حُكْمِهَا اسْتِقْلَالًا لِقُصُورِ آلَتِهِ وَلَا هو من مَذْهَبِ إمَامٍ لِعَدَمِ حِفْظِهِ له على الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَلَا يَجِبُ إفْتَاءٌ فِيمَا لم يَقَعْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ في الْفَتْوَى ويحرم اتِّبَاعُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ مُطْلَقًا وَكَذَا غَيْرُهَا إنْ فَسَدَتْ الْأَغْرَاضُ بِخِلَافِ ما إذَا صَحَّتْ بِأَنْ احْتَسَبَ في طَلَبِهِ حِيلَةً لَا شُبْهَةَ فيها وَلَا تَجُرُّ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيُخَلِّصَ بها الْمُسْتَفْتِي من وَرْطَةِ يَمِينٍ وَنَحْوِهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما جاء عن بَعْضِ السَّلَفِ من هذا ويحرم سُؤَالُ من عُرِفَ بِذَلِكَ أَيْ بِالتَّسَاهُلِ وَاتِّبَاعِ الْحِيَلِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُفْتِي في حَالٍ تُغَيِّرُ أَخْلَاقَهُ وَخُرُوجَهُ عن الِاعْتِدَالِ وَلَوْ بِفَرَحٍ وَمُدَافَعَةِ أَخْبَثَيْنِ وَنُعَاسٍ وَمَلَالَةٍ فَإِنْ أَفْتَى في شَيْءٍ من هذه الْأَحْوَالِ مُعْتَقِدًا أَنَّ ذلك لم يَمْنَعْهُ عن دَرْكِ الصَّوَابِ صَحَّتْ فَتْوَاهُ وَإِنْ خَاطَرَ وَالْأَوْلَى لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْفَتْوَى فَإِنْ أَخَذَ رِزْقًا من بَيْتِ الْمَالِ جَازَ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ عليه الْفَتْوَى وَلَهُ كِفَايَةٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَأْخُذُ أُجْرَةً من مُسْتَفْتٍ وَإِنْ لم يَكُنْ له رِزْقٌ كَالْحَاكِمِ فَإِنْ جَعَلَ له أَهْلُ الْبَلَدِ رِزْقًا من أَمْوَالِهِمْ لِيَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ جَازَ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ على كَتْبِ الْجَوَابِ جَازَ بِخِلَافِ ما لو اُسْتُؤْجِرَ على الْفَتْوَى بِالْقَوْلِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا وَالْأَوْلَى عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي
____________________
(4/283)
كَوْنُهَا أَيْ الْإِجَارَةِ لِلْكُتُبِ بِأُجْرَةٍ مِثْلُ كَتْبِهِ ذلك الْقَدْرَ لو لم تَكُنْ فَتْوَى لِئَلَّا يَكُونَ آخِذًا زِيَادَةً بِسَبَبِ الْإِفْتَاءِ مع كَرَاهَةٍ لِلْإِيجَارِ لِذَلِكَ وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةِ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ لَا قَبُولُ رِشْوَةٍ على فَتْوَى لِمَا يُرِيدُ الْمُسْتَفْتِي كَالْحَاكِمِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ من بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَرِّسَ وَمُفْتٍ كِفَايَتَهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِيَسْتَغْنِيَ عن التَّكَسُّبِ وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ هذه صِفَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ في السَّنَةِ وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ في اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَهْلُ بَلَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ كَالْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَالْوَصَايَا من لَا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ هذا فَاعِلُ يُفْتِي وَمَفْعُولُهُ أَهْلُ وَلَيْسَ له أَيْ لِكُلٍّ من الْعَامِلِ وَالْمُفْتِي على مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى في مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ أو وَجْهَيْنِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أو الْوَجْهَيْنِ من غَيْرِ نَظَرٍ بَلْ عليه في الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ وَيُفْتِيَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ إنْ رَجَّحَ شيئا وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عنه أَيْ عن الرَّاجِحِ فَيَعْمَلُ وَيُفْتِي بِهِ فَإِنْ كان أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ أو التَّخْرِيجِ اشْتَغَلَ بِهِ مُتَعَرِّفًا ذلك من الْقَوَاعِدِ وَالْمَآخِذِ لِلشَّافِعِيِّ وَإِلَّا تَلْقَاهُ من نَقْلَةِ الْمَذْهَبِ أَيْ الْمَوْصُوفِينَ بِالْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ عَدِمَ التَّرْجِيحُ بِأَنْ لم يُحَصِّلْهُ بِطَرِيقٍ تَوَقَّفَ حتى يُحَصِّلَهُ وَحُكْمُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ كَالْقَوْلَيْنِ لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إلَّا إذَا وَقَعَا من شَخْصٍ وَاحِدٍ قال في الرَّوْضَةِ وإذا كان أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا وَالْآخَرُ مُخَرَّجًا فَالْمَنْصُوصُ هو الرَّاجِحُ الْمَعْمُولُ بِهِ غَالِبًا كما إذَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هذا أَوْلَى فَإِنْ اخْتَلَفُوا أَيْ الْأَصْحَابُ في الْأَرْجَحِ من الْقَوْلَيْنِ أو الْوَجْهَيْنِ ولم يَكُنْ أَيْ كُلٌّ من الْعَامِلِ وَالْمُفْتِي على مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اعْتَمَدَ ما صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ إنْ صَحَّحُوا شيئا وَإِلَّا تَوَقَّفَ هذا من زِيَادَتِهِ في الْعَامِلِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عن الرَّاجِحِ
وَاَلَّذِي في الرَّوْضَةِ اعْتَمَدَ ما صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ وَالْأَوْرَعُ فَإِنْ تَعَارَضَ أَعْلَمُ وَأَوْرَعُ قُدِّمَ الْأَعْلَمُ فَإِنْ لم يَبْلُغْهُ عن أَحَدٍ تَرْجِيحٌ اعْتَبَرَ صِفَاتِ النَّاقِلِينَ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْقَائِلِينَ لِلْوَجْهَيْنِ فما رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ مُقَدَّمٌ على ما رَوَاهُ الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ وَحَرْمَلَةُ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا ما وَافَقَ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَكَذَا ما وَافَقَ من الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبَ أبي حَنِيفَةَ مَثَلًا إنْ لم يَجِدْ مُرَجِّحًا مِمَّا مَرَّ وَلَوْ تَعَارَضَ جَزْمُ مُصَنَّفَيْنِ فَكَتَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ فَيُرْجَعُ إلَى الْبَحْثِ كما مَرَّ وَكَذَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَلَوْ جَزَمَ مُصَنِّفَانِ بِشَيْءٍ وَثَالِثٌ مُسَاوٍ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِهِ رَجَّحْنَاهُمَا عليه وَنَقْلُ الْعِرَاقِيِّينَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ وَقَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ وَوُجُوهَ الْمُتَقَدِّمِينَ من أَصْحَابِنَا أَتْقَنُ وَأَثْبَتُ من نَقْلِ الْخُرَاسَانِيِّينَ غَالِبًا إنْ لم يَكُنْ دَائِمًا وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ كَوْنُ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ في بَابِهِ وَمَظِنَّتِهِ وَالْآخَرُ مُسْتَطْرِدٌ في بَابٍ آخَرَ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَالْعَمَلُ يَكُونُ بِالْجَدِيدِ من قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بِالْقَدِيمِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مَرْجُوعٌ عنه إلَّا في نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ في نَحْوِ عِشْرِينَ أو ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً بَيَّنْتهَا في أَوَّلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مع ما يَتَعَلَّقُ بها وَالْمَذْكُورُ في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً
فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِعِشْرِينَ بَدَلَ ثَلَاثِينَ كان أَوْلَى وَإِنْ كان في الرُّقْعَةِ مَسَائِلُ رَتَّبَ الْمُفْتِي الْأَجْوِبَةَ على تَرْتِيبِهَا وَيُكْرَهُ له أَنْ يَقْتَصِرَ في جَوَابِهِ على قَوْلِهِ فيه قَوْلَانِ أو وَجْهَانِ أو خِلَافٌ أو رِوَايَتَانِ أو نَحْوُهَا إذْ لَا يُفِيدُ جَوَابًا لِلْمُسْتَفْتِي بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ له بِالرَّاجِحِ فَإِنْ لم يَعْرِفْهُ انْتَظَرَ ظُهُورَهُ أو امْتَنَعَ من الْإِفْتَاءِ كما فَعَلَهُ كَثِيرٌ وَلَا يُطْلَقُ الْجَوَابُ حَيْثُ وُجِدَ في الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ فَهُوَ أَيْ الْإِطْلَاقُ حِينَئِذٍ خَطَأٌ اتِّفَاقًا وَيُجِيبُ على ما في الرُّقْعَةِ لَا على ما يَعْلَمُهُ من صُورَةِ الْوَاقِعَةِ فَإِنْ أَرَادَهُ أَيْ الْجَوَابَ على ما يَعْلَمُهُ قال إنْ أَرَادَ كَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ على ما في الرُّقْعَةِ ما له تَعَلُّقٌ بها مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي لِخَبَرِ هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ قال في الرَّوْضَةِ وإذا كَتَبَ الْجَوَابَ أَعَادَ نَظَرَهُ فيه وَتَأَمَّلَهُ وَيُجِيبُ الْمُفْتِي الْأَوَّلُ في النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى من الرُّقْعَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَإِنْ شَاءَ أَجَابَ غَيْرَهَا أَيْ في غَيْرِهَا وَلَوْ في الْحَاشِيَةِ لَا قبل الْبَسْمَلَةِ أَيْ فَوْقَهَا قال في الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِفْتَاءِ أَنْ يَسْتَعِيذَ من الشَّيْطَانِ وَيُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَهُ وَيُصَلِّيَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَقُولَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيَقْرَأَ رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْرِي الْآيَةَ قال في الْمَجْمُوعِ أو نَحْوَهَا وَلْيَكْتُبْ أَوَّلَ فَتْوَاهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ
____________________
(4/284)
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ أو حَسْبُنَا اللَّهُ أو حَسْبِي اللَّهُ أو نَحْوُهَا وَيَخْتِمُ جَوَابَهُ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أو وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أو نَحْوُهُ وَيَذْكُرُ أَيْ يَكْتُبُ بَعْدَهُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وما يُعْرَفُ بِهِ وَيَنْتَسِبُ إلَى مَذْهَبِهِ فَيَكْتُبُ الشَّافِعِيُّ مَثَلًا قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ كان مَشْهُورًا بِالِاسْمِ أو غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِالِاقْتِصَارِ عليه وَلَا يَقْبُحُ في الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَنَا أو الذي عِنْدَنَا أو الذي نَذْهَبُ إلَيْهِ كَذَا لِأَنَّهُ من أَهْلِهِ قال في الرَّوْضَةِ وإذا أَغْفَلَ الْمُسْتَفْتِي الدُّعَاءَ لِلْمُفْتِي أو الصَّلَاةَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في آخِرِ الْفَتْوَى أَلْحَقَ الْمُفْتِي ذلك بِخَطِّهِ لِجَرَيَانِ الْعَادِيَةِ بِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ أَيْ الْفَتْوَى بِالسُّلْطَانِ دَعَا له وقال الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ فقال وَعَلَى السُّلْطَانِ أو على وَلِيِّ الْأَمْرِ سَدَّدَهُ اللَّهُ أو شَدَّ أَزْرَهُ أَيْ قُوَّتَهُ أو ظَهْرَهُ أو وَفَّقَهُ اللَّهُ أو أَصْلَحَهُ أو نَحْوَهَا وَيُكْرَهُ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ فَلَيْسَتْ من أَلْفَاظِ السَّلَفِ وَيَخْتَصِرُ جَوَابَهُ وَيُوَضِّحُ عِبَارَتَهُ وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ يُتَأَوَّلُ قال يُسْأَلُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ إنْ أَرَادَ بِهِ كَذَا فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَذَا فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قال أنا أَصْدَقُ من مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ أو الصَّلَاةُ لَغْوٌ أو نَحْوُهُمَا فَلَا يُبَادِرُ بِقَوْلِهِ هذا حَلَالُ الدَّمِ أو عليه الْقَتْلُ بَلْ يقول إنْ ثَبَتَ هذا بِإِقْرَارِهِ أو بِبَيِّنَةٍ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا وَأَشْبَعَ الْقَوْلَ فيه ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ أو جَرَحَ احْتَاطَ في الْجَوَابِ وَذَكَرَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ فذكر شُرُوطَ الْقِصَاصِ وَيُبَيِّنُ قَدْرَ التَّعْزِيرِ وما يُعَزَّرُ بِهِ من عَصًا أو سَوْطٍ أو غَيْرِهِمَا فِيمَا لو سُئِلَ عَمَّنْ فَعَلَ ما يَقْتَضِي تَعْزِيرًا قال في الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُلْصِقَ الْجَوَابَ بِآخِرِ الِاسْتِفْتَاءِ وَلَا يَدَعُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةً مَخَافَةَ أَنْ يَزِيدَ السَّائِلُ شيئا يُفْسِدُ الْجَوَابَ وَيَكْتُبُ الْجَوَابَ على الْمُلْصَقِ من الْوَرَقَةِ أَيْ وإذا كان مَوْضِعُ الْجَوَابِ وَرَقَةً مُلْصَقَةً كَتَبَ على مَوْضِعِ الْإِلْصَاقِ وَإِنْ ضَاقَتْ عن الْجَوَابِ كَتَبَ في الظَّهْرِ أو في الْحَاشِيَةِ وَالْحَاشِيَةُ أَوْلَى بِهِ لَا في وَرَقَةٍ أُخْرَى خَوْفًا من الْحِيلَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وإذا كَتَبَ في ظَهْرِهَا كَتَبَ في أَعْلَاهَا إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ من أَسْفَلِهَا مُتَّصِلًا بِالِاسْتِفْتَاءِ وَيَضِيقُ الْمَوْضِعُ قِيمَتُهُ في أَسْفَلِ ظَهْرِهَا لِيَصِلَ جَوَابُهُ وَيَحْرُمُ الْمَيْلُ في فَتْوَاهُ مع الْمُسْتَفْتِي أو خَصْمِهِ بِأَنْ يَكْتُبَ ما لِأَحَدِهِمَا دُونَ ما عليه وَيُشَافِهُهُ بِمَا عليه إنْ ظَهَرَ له أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِكِتَابَتِهِ بَلْ إنْ اقْتَضَاهُمَا أَيْ ما له عليه السُّوَالُ لم يَقْتَصِرْ على أَحَدِهِمَا التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ على ما قَبْلَهُ كان أَوْلَى وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَوُجُوهُ الْمَيْلِ مَعْرُوفَةٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكْتُبَ ما له دُونَ ما عليه وَلَيْسَ له أَنْ يُعْلِمَ أَحَدَهُمَا ما يَدْفَعُ بِهِ حُجَّةَ صَاحِبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُشَافَهَةِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حَجَّتَهُ على خَصْمِهِ فَإِنْ وَجَبَ عليه الْإِفْتَاءُ وَلَوْ كِفَايَةً وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ رِقَاعٌ قَدَّمَ السَّابِقَ فَالسَّابِقَ بِفَتْوَى وَاحِدَةٍ كَالْقَاضِي نعم إنْ ظَهَرَ له جَوَابُ الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْمَسْبُوقِ كَذَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ سَابِقٌ بِأَنْ تَسَاوَوْا أو جَهِلَ السَّابِقَ أَقْرَعَ نعم يَجِبُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ يَجُوزُ تَقْدِيمُ نِسَاءٍ وَمُسَافِرِينَ تَهَيُّؤًا لِلسَّفَرِ أو تَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ عن رُفْقَتِهِمْ على من سَبَقَهُمْ لَا إنْ ظَهَرَ بِتَقْدِيمِهِمْ تَضَرُّرُ غَيْرِهِمْ بِكَثْرَتِهِمْ فَلَا يُقَدَّمُونَ وَإِنْ سُئِلَ عن إرْثِ الْإِخْوَةِ مَثَلًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ فَصْلٌ في جَوَابِهِ فيقول ابْنٌ وفي نُسْخَةٍ من الْأَبَوَيْنِ أو الْأَبِ أو الْأُمِّ وَإِنْ كان في الْفَرِيضَةِ عَوْلٌ كَالْمِنْبَرِيَّةِ قال في جَوَابِهِ لِلزَّوْجَةِ مَثَلًا الثُّمُنُ عَائِلًا وهو ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ من سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا أو لها ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ من سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا أو صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَلَا يقول لها الثُّمُنُ وَلَا التُّسْعُ لِأَنَّهُ لم يُطْلِقْهُ أَحَدٌ من السَّلَفِ بِخِلَافِ ما يَمْنَعُ الْإِرْثَ من رِقٍّ وَكُفْرٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ عَدَمِهِ بَلْ الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ على ذلك ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَإِنْ كان في الْوَرَثَةِ من يَسْقُطُ في حَالٍ دُونَ حَالٍ بَيَّنَهُ فيقول وَسَقَطَ فُلَانٌ في هذه الْحَالَةِ أو نَحْوَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِحَالٍ وَإِنْ كان فِيهِمْ من لَا يَرِثُ بِحَالٍ بَيَّنَهُ فيقول وَسَقَطَ فُلَانٌ وَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ وَتُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَعْدَ إخْرَاجِ ما يَجِبُ تَقْدِيمُهُ من دَيْنٍ أو وَصِيَّةٍ إنْ كَانَا ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَيَكْتُبُ تَحْتَ الْفَتْوَى الصَّحِيحَةِ التي كَتَبَهَا غَيْرُهُ وَخَطُّهُ مُوَافِقٌ لِمَا عِنْدَهُ إنْ عَرَفَ أنها أَهْلٌ لِلْإِفْتَاءِ الْجَوَابُ صَحِيحٌ وَنَحْوُهُ كَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ أو جَوَابِي كَذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ أَيْ يَكْتُبَ الْجَوَابَ كما لو كَتَبَهُ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ أَنْ أَرَى ذلك من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيَخْتَصِرُ في الْجَوَابِ أَيْ يَأْتِي بِهِ أَخْصَرَ من عِبَارَةِ
____________________
(4/285)
السَّابِقِ أَمَّا إذَا عَرَفَ أَنَّهُ ليس أَهْلًا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَإِنْ جَهِلَ أَيْ من كَتَبَ أَوَّلًا بَحَثَ عنه وَإِنْ لم يَظْهَرْ له فَلَهُ أَمْرُهُ أَيْ الْمُسْتَفْتِي بِإِبْدَالِهَا أَيْ الرُّقْعَةِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ لم يَعْرِفْ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ أَيْ من الْكِتَابَةِ معه وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَهَا بِإِبْدَالِهَا فَإِنْ تَعَسَّرَ إبْدَالُهَا أَجَابَ بِلِسَانِهِ قال في الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَبْدَأَ من الْمُفْتِيِّينَ بِالْأَسَنِّ الْأَعْلَمِ وَبِالْأَوْلَى فَالْأَوْلَى إذَا أَرَادَ جَمْعَهُمْ في رُقْعَةٍ وَإِلَّا فَمَنْ شَاءَ وَتَكُونُ الرُّقْعَةُ وَاسِعَةً يَدْعُو فيها لِمَنْ يَسْتَفْتِيهِ وَيَدْفَعُهَا له مَنْشُورَةً وَيَأْخُذُهَا كَذَلِكَ فَيُرِيحُهُ من نَشْرِهَا وَطَيِّهَا وَإِنْ عَدِمَ الْمُسْتَفْتِي عن وَاقِعَةٍ الْمُفْتِي في بَلَدِهِ وَغَيْرِهَا الْأَوْلَى وَغَيْرِهِ وَلَا وَجَدَ من يَنْقُلُ له حُكْمَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بِشَيْءٍ يَصْنَعُهُ فيها إذْ لَا تَكْلِيفَ عليه كما لو كان قبل وُرُودِ الشَّرْعِ وفي نُسْخَةٍ وَمَنْ يَنْقُلُ بِحَذْفِ لَا وَهِيَ أَوْلَى وَأَخْصَرُ فَرْعٌ لو أَفْتَاهُ مُفْتٍ ثُمَّ رَجَعَ عن فَتْوَاهُ قبل الْعَمَلِ بها كَفَّ عنه وُجُوبًا وَكَذَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً أو اسْتَمَرَّ على نِكَاحِهَا بِفَتْوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ عنها لَزِمَهُ فِرَاقُهَا كما في نَظِيرِهِ في الْقُبْلَةِ وَاحْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ وَإِنْ رَجَعَ عنها بَعْدَ الْعَمَلِ بها وقد خَالَفَ ما أَفْتَاهُ بِهِ الْمُفْتِي دَلِيلًا قَاطِعًا نَقَضَهُ أَيْ عَمَلَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُخَالِفْ قَاطِعًا بِأَنْ كان في مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ كان الْمُفْتِي مُقَلِّدًا لِإِمَامٍ مُعَيَّنٍ فَنَصُّ إمَامِهِ وَإِنْ كان اجْتِهَادِيًّا في حَقِّهِ كَالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ في حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ فإذا رَجَعَ الْمُفْتِي عن فَتْوَاهُ لِكَوْنِهَا خَالَفَتْ نَصَّ إمَامِهِ وَجَبَ نَقْضُ الْعَمَلِ وإذا لم يَعْلَمْ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِهِ فَكَأَنَّهُ لم يَرْجِعْ في حَقِّهِ وَعَلَى الْمُفْتِي إعْلَامُهُ بِرُجُوعِهِ قبل الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ وَجَبَ النَّقْضُ وَإِنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ ما اسْتَفْتَاهُ فيه ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ خَالَفَ الْقَاطِعَ أو نَصَّ إمَامِهِ لم يَغْرَمْ من أَفْتَاهُ وَلَوْ كان أَهْلًا لِلْفَتْوَى إذْ ليس فيها إلْزَامٌ فَرْعٌ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ تَقْلِيدُ من شَاءَ من الْمُجْتَهِدِينَ إنْ دُوِّنَتْ الْمَذَاهِبُ كَالْيَوْمِ فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ كُلًّا في مَسَائِلَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْأَلُونَ تَارَةً من هذا وَتَارَةً من هذا من غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَهُ الِانْتِقَالُ من مَذْهَبِهِ إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ سَوَاءٌ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ في طَلَبِ الْأَعْلَمِ أَمْ خَيَّرْنَاهُ كما يَجُوزُ له أَنْ يُقَلِّدَ في الْقِبْلَةِ هذا أَيَّامًا وَهَذَا أَيَّامًا لَكِنْ لَا يَتَّبِعُ الرُّخَصَ لِمَا في تَتَبُّعِهَا من انْحِلَالِ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ فَإِنْ تَتَبَّعَهَا من الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ فَهَلْ يُفَسَّقُ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا بِخِلَافِ تَتَبُّعِهِمَا من الْمَذَاهِبِ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كان في الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يُفَسَّقُ قَطْعًا وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُفَسَّقُ قَطْعًا فَصْلٌ يَسْتَخْلِفُ جَوَازًا في عَامٍّ وَخَاصٍّ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةِ قَاضٍ أَذِنَ له في الِاسْتِخْلَافِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يَأْذَنَ له في الِاسْتِخْلَافِ لِمَا فيه من الْإِعَانَةِ على فَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُؤْذَنْ له بِأَنْ أَطْلَقَ له التَّوْلِيَةَ ولم يَنْهَ عن الِاسْتِخْلَافِ جَازَ له الِاسْتِخْلَافُ فِيمَا يَعْجِزُ عنه كَقَضَاءِ بَلَدَيْنِ أو بَلَدٍ كَبِيرٍ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ مُشْعِرَةٌ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ ما لَا يَعْجِزُ عنه كَقَضَاءِ بَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ لم يَرْضَ بِنَظِيرِ غَيْرِهِ وَلَا قَرِينَةَ تُشْعِرُ بِخِلَافِهِ فَلَوْ نهى عنه وقد وَلَّاهُ الْإِمَامُ فِيمَا يَعْجِزُ عن بَعْضِهِ بَطَلَتْ تَوْلِيَتُهُ له فِيمَا عَجَزَ عنه وَصَحَّتْ فِيمَا عَدَاهُ ولم يَنْفُذْ حُكْمُ خَلِيفَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ له الِاسْتِخْلَافُ كَخَلِيفَةٍ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَالْخَلِيفَةُ في أَمْرٍ خَاصٍّ يَكْفِي فيه أَنْ يَعْرِفَ شُرُوطَ الْوَاقِعَةِ حتى أَنَّ نَائِبَ
____________________
(4/286)
الْقَاضِي في الْقُرَى إذَا كان الْمَنُوبُ فيه سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَنَقْلَهَا دُونَ الْحُكْمِ كَفَاهُ بِشُرُوطِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فيه رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَكْفِي في الْخَلِيفَةِ في الْأَمْرِ الْعَامِّ إلَّا أَهْلُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ قَاضٍ وَلَوْ خَالَفَ اعْتِقَادَهُ فإنه يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْحَنَفِيَّ إنْ لم يَشْتَرِطْ عليه الْعَمَلَ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ فَإِنْ اشْتَرَطَ عليه ذلك لم يَجُزْ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ أو بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ لم يُجْرِ صِيغَةَ شَرْطٍ بَلْ قال الْإِمَامُ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أو لَا تَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ قال الرَّافِعِيُّ وكان يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ هذا الْأَمْرَ شَرْطًا وَتَقْيِيدًا كما لو قال قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاقْضِ في مَوْضِعِ كَذَا وفي يَوْمِ كَذَا وَأَشَارَ إلَى ذلك في الرَّوْضَةِ وَإِنْ قال لَا تَحْكُمُ في كَذَا فِيمَا يُخَالِفُهُ فيه كَقَوْلِهِ لَا تَحْكُمُ في قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ وَالْحُرِّ الْعَبْدَ جَازَ وَحَكَمَ في غَيْرِهِ من بَقِيَّةِ الْحَوَادِثِ فَإِنْ نَصَّبَ قَاضِيَيْنِ في بَلَدٍ وَخَصَّصَ كُلًّا مِنْهُمَا بِطَرَفٍ منه أو زَمَانٍ أو نَوْعٍ من الْخُصُومَاتِ جَازَ وَفَارَقَ الْإِمَامُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ بِأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا قَطَعَ الْإِمَامُ اخْتِلَافَهُمَا بِخِلَافِ الْإِمَامَيْنِ وَكَذَا لو عَمَّمَ وأثبت لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِقْلَالًا بِالْحُكْمِ فإنه يَجُوزُ كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ فَإِنْ شَرَطَ في تَوْلِيَتِهِمَا إجْمَاعَ حُكْمِهِمَا بَطَلَتْ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَكْثُرُ في مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَتَتَعَطَّلُ الْحُكُومَاتُ وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يَشْرِطْ اسْتِقْلَالَهُمَا وَلَا اجْتِمَاعَهُمَا حُمِلَ على إثْبَاتِ الِاسْتِقْلَالِ تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ على ما يَجُوزُ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ نَصْبَهُمَا بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا على التَّصَرُّفِ جَائِزٌ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عليه بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ فَإِنْ طَلَبَا أَيْ الْقَاضِيَانِ خَصْمًا بِطَلَبِ خَصْمَيْهِ له مِنْهُمَا أَجَابَ السَّابِقَ مِنْهُمَا بِالطَّلَبِ وَإِلَّا بِأَنْ طَلَبَاهُ مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ في اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ أُجِيبَ الطَّالِبُ لِلْحَقِّ دُونَ الْمَطْلُوبِ بِهِ وَقِيلَ يُقْرِعُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ تَسَاوَيَا بِأَنْ كان كُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَتَحَاكُمِهِمَا في قِسْمَةِ مِلْكٍ أو اخْتَلَفَا في قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ أو صَدَاقٍ اخْتِلَافًا يُوجِبُ تَحَالُفَهُمَا فَأَقْرَبُ الْقَاضِيَيْنِ إلَيْهِمَا يَتَحَاكَمَانِ عِنْدَهُ وَإِلَّا بِأَنْ اسْتَوَيَا في الْقُرْبِ فَالْقُرْعَةُ يَعْمَلُ بها لَا الْإِعْرَاضُ عنهما حتى يَصْطَلِحَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طُولِ التَّنَازُعِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَصْبُ أَكْثَرَ من قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ كَنَصْبِ قَاضِيَيْنِ ما لم يَكْثُرُوا كَذَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وفي الْمَطْلَبِ يَجُوزُ أَنْ يُنَاطَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَرْعٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قَلَّدَهُ بَلَدًا وسكت عن ضَوَاحِيهَا فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِإِفْرَادِهَا عنها لم تَدْخُلْ في وِلَايَتِهِ وَإِنْ جَرَى بِإِضَافَتِهَا دَخَلَتْ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ رَوْعِي أَكْثَرُهُمَا عُرْفًا فَإِنْ اسْتَوَيَا رَوْعِي أَقْرَبُهُمَا عَهْدًا فَصْلٌ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ من اثْنَيْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ قَاضٍ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيُّ بن كَعْبٍ تَحَاكَمَا إلَى
____________________
(4/287)
زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ تَحَاكَمَا إلَى جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ ولم يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ حتى بِتَزْوِيجِ فَاقِدَةِ وَلِيٍّ لها خَاصٍ نَسِيبٍ أو مُعْتَقٍ لَا في حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ ليس لها طَالِبٌ مُعَيَّنٌ وَلِأَنَّ نِيَاطَ الْحُكْمِ هُنَا رِضَا مُسْتَحِقِّهِ وهو مَفْقُودٌ فيه وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا أُخْرَى بَيَّنْتهَا في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ وَجَدَ الْقَاضِي في الْبَلَدِ فإنه يَجُوزُ التَّحْكِيمُ بِشَرْطِ تَأَهُّلِ الْمُحَكَّمِ لِلْقَضَاءِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مع وُجُودِ الْقَاضِي وبشرط رِضَا الْخَصْمَيْنِ بِحُكْمِهِ قبل الْحُكْمِ لَا بَعْدَهُ لِأَنَّ رِضَاهُمَا هو الْمُثْبِتُ لِلْوِلَايَةِ فَلَا بُدَّ من تَقَدُّمِهِ فَلَوْ حَكَّمَاهُ في الدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ لم يُلْزِمْ الْعَاقِلَةَ حتى يَرْضَوْا بِحُكْمِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ وَلَا يَكْفِي رِضَا الْقَاتِلِ وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قبل الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ حتى لو أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ فَرَجَعَ الْمُدَّعَى عليه لم يَكُنْ له أَنْ يَحْكُمَ وَلَيْسَ له أَنْ يَحْبِسَ بَلْ غَايَتُهُ الْإِثْبَاتُ وَالْحُكْمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ليس له التَّرْسِيمُ قال الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عن الْغَزَالِيِّ وإذا حَكَمَ بِشَيْءٍ من الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لم يَسْتَوْفِهِ لِأَنَّ ذلك يَخْرِمُ أُبَّهَةَ الْوُلَاةِ وإذا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِهِ أو لم يَحْكُمْ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ على نَفْسِهِ في الْمَجْلِسِ خَاصَّةً إذْ لَا يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَحْكُمُ لِنَحْوِ وَلَدِهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ في حَقِّهِ وَلَا على عَدُوِّهِ كما في الْقَاضِي وَالتَّرْجِيحُ في هَاتَيْنِ من زِيَادَتِهِ وهو الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ على الْقَاضِي لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ جَوَازُ الْحُكْمِ لِرِضَا الْمَحْكُومِ عليه بِذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا على عَدُوِّهِ مَعْلُومٌ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَيُشْتَرَطُ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَوْنُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ بِحَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْ على الْآخَرِ وَلَيْسَ له أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا خَصْمِ قَاضٍ اسْتَنَابَ عنه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً على أَنَّ ذلك تَوْلِيَةٌ وَرَدَّهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قالوا ليس التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةً لَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ وقد يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ هذا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ من غَيْرِ قَاضٍ فَيَحْسُنُ الْبِنَاءُ وَيُمْضِي الْقَاضِي حُكْمَهُ أَيْ الْمُحْكَمَ كَالْقَاضِي وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ قَضَاءُ غَيْرِهِ
فَرْعٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَى اثْنَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حتى يَجْتَمِعَا وَيُفَارِقُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ على اجْتِمَاعِهِمَا على الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ ذَكَرَهُ في الْمَطْلَبِ فَصْلٌ مَنْثُورٌ مَسَائِلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْلِيَةِ لِيَسْأَلْ الْإِمَامُ عن حَالِ من يُوَلِّيهِ من جِيرَانِهِ وَخُلَطَائِهِ فَإِنْ وَلَّى مَجْهُولًا أَيْ من لَا يَعْرِفُ لم تَنْفُذْ تَوْلِيَتُهُ وَإِنْ بَانَ أَهْلًا لها لِلشَّكِّ مع شِدَّةِ أَمْرِ الْقَضَاءِ وَخَطَرِهِ وَلِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَهْلِيَّةِ الْمُوَلَّى وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمُسْتَنَدِ حتى لو حَكَمَ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ ذلك على وَفْقِ الْحُكْمِ لم يَكُنْ ذلك الْحُكْمُ نَافِذًا فَلْيُجَدِّدْ تَوْلِيَتَهُ بَانَ أَهْلًا أو تَجَدَّدَتْ أَهْلِيَّتُهُ قال في الْأَصْلِ وَيَجِبُ عليه نَصْبُ قَاضٍ في كل بَلَدٍ وَنَاحِيَةٍ خَالِيَةٍ عن قَاضٍ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ قَاضِيًا من عِنْدِهِ أو يَخْتَارَ منهم من يَصْلُحُ لِذَلِكَ قال الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ بين كل بَلَدَيْنِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى
وَيَجُوزُ تَفْوِيضُ نَصْبِ قَاضٍ إلَى وَالٍ وإلى غَيْرِهِ من الْآحَادِ وَلَوْ كان الْغَيْرُ أَهْلَ الْبَلَدِ أو لم يَكُنْ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَلَا يَخْتَارُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ ذلك وَلَدًا وَلَا وَالِدًا له كما لَا يَخْتَارُ نَفْسَهُ وَيُشْتَرَطُ في التَّوْلِيَةِ تَعْيِينُ
____________________
(4/288)
الْقَاضِي فَلَوْ قال وَلَّيْت أَحَدَ هَذَيْنِ أو من رَغِبَ في الْقَضَاءِ بِبَلَدِ كَذَا من عُلَمَائِهَا لم يَجُزْ وتعيين مَحَلِّ الْوِلَايَةِ في قَرْيَةٍ أو غَيْرِهَا وَتَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ مُشَافَهَةً وَمُكَاتَبَةً وَمُرَاسَلَةً عِنْدَ الْغَيْبَةِ كما في الْوَكَالَةِ بِصَرِيحٍ كَوَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ وَاسْتَخْلَفْتُك وَاسْتَنَبْتُكَ فيه وَاقْضِ وَاحْكُمْ بين الناس وَقَلَّدْتُك الْقَضَاءَ وَبِالْكِنَايَةِ كَاعْتَمَدْتُ عَلَيْك في الْقَضَاءِ أو رَدَدْته إلَيْك أو فَوَّضْته إلَيْك أو عَهِدْت إلَيْك فيه أو وَكَّلْتُك فيه أو أَسْنَدْته إلَيْك وَالْفَرْقُ بين وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ وَبَيْنَ فَوَّضْته إلَيْك أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَيِّنٌ لِجَعْلِهِ قَاضِيًا وَالثَّانِي مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يُرَادَ تَوْكِيلُهُ في نَصْبِ قَاضٍ بِقَبُولٍ لِذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فَوْرًا إنْ خُوطِبَ بِخِلَافِ ما لو كُوتِبَ أو رُوسِلَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ إلَّا عِنْدَ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ وَالْأَصَحُّ خِلَافُ ذلك فَقَدْ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِهِ له عن الْمَاوَرْدِيِّ لَكِنْ سَبَقَ في الْوَكَالَةِ خِلَافٌ في اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فَلْيَكُنْ هَكَذَا هُنَا وَمِنْ لَازِمِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَمِنْ ثَمَّ قال في الْأَنْوَارِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وقال الرَّافِعِيُّ لَا كَالْوَكَالَةِ وَلَوْ وَلَّاهُ سَنَةً أو نَحْوَهَا جَازَ كما في الْوَكَالَةِ وَيَسْتَفِيدُ الْقَاضِي بِالتَّوْلِيَةِ الْمُطْلَقَةِ الْحُكْمَ الْبَاتَّ الْمُسْتَلْزِمَ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحْلِيفَ وَاسْتِيفَاءَ الْحُقُوقِ وَالْحَبْسَ لِلْمُمْتَنِعِ عن أَدَاءِ الْحَقِّ وَالتَّعْزِيرَ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ وَتَزْوِيجَ من لَا وَلِيَّ لها خَاصٌّ وَوِلَايَةَ أَمْوَالِ النَّاقِصِينَ من الصِّغَارِ وَالْمَجَانِين وَالسُّفَهَاءِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لهم خَاصٌّ وولاية الضَّوَالِّ وَالْوُقُوفِ وَإِيصَالَهَا إلَى أَهْلِهَا وَالْبَحْثَ عن حَالِ وُلَاتِهَا إنْ كان لها وُلَاةٌ وَيَعُمُّ نَظَرُهُ الْوُقُوفَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ لِأَنَّ الْخَاصَّةَ سَتَنْتَهِي إلَى الْعُمُومِ وَالْوَصَايَا إنْ لم يَكُنْ لها وَصِيٌّ وَيَنْظُرُ في أَحْوَالِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ إنْ لم يَكُنْ لها وُلَاةٌ لِأَنَّهَا من حُقُوقِ اللَّهِ الْعَامَّةِ وفي الطُّرُقِ فَيَمْنَعُ مُتَعَدِّيًا فيها بِبِنَاءٍ وَإِشْرَاعٍ لَا يَجُوزُ وَيَنْصِبُ الْمُفْتِينَ وَكَذَا الْمُحْتَسِبِينَ وَآخِذِي الزَّكَاةِ إنْ لم يُنَصِّبْهُمْ الْإِمَامُ وينصب أَئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ إنْ لم يُنَصِّبْهُمْ الْإِمَامُ فَلَوْ قَدَّمَ هذا على الشَّرْطِ كان أَوْلَى وَلَا يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ وَالْفَيْءَ وَالْخَرَاجَ إلَّا إنْ قُلِّدَ ذلك لِأَنَّ وُجُوهَ مَصَارِفِهَا مُتَوَقِّفَةٌ على اجْتِهَادِ الْإِمَامِ الطَّرَفُ الثَّانِي في الِانْعِزَالِ وَالْعَزْلِ فَيَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَعَمًى وَخَرَسٍ وَصَمَمٍ وَعَدَمِ ضَبْطٍ لِغَفْلَةٍ وَنِسْيَانٍ أَيْ لِأَحَدِهِمَا وَكَذَا بِفِسْقٍ لِخُرُوجِهِ بِكُلٍّ منها عن الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ وَلَا بِإِغْمَائِهِ لِمَا فيه من اضْطِرَابِ الْأُمُورِ وَحُدُوثِ
____________________
(4/289)
الْفِتَنِ وَلَوْ زَالَتْ هذه الْأَحْوَالُ لم يَعُدْ قَاضِيًا بِلَا تَوْلِيَةٍ وإذا سمع الْبَيِّنَةَ وَتَعْدِيلَهَا ثُمَّ عَمِيَ حَكَمَ في تِلْكَ الْوَاقِعَةِ إنْ لم يَحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ هذه من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرَهَا كَأَصْلِهِ في الْبَابِ الثَّالِثِ في مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ وَإِنْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا ظَانًّا مَوْتَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ أو فِسْقَهُ فَبَانَ حَيًّا أو عَدْلًا لم يَقْدَحْ في وِلَايَةِ الثَّانِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ لَا أَنَّهُ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ عَدَمُ انْعِزَالِهِ بِهِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ عَزْلُهُ بِخَلَلٍ لَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ وقد غَلَبَ على الظَّنِّ حُصُولُهُ فَقَدْ رَوَى أبو دَاوُد أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَزَلَ إمَامًا يُصَلِّي بِقَوْمٍ بَصَقَ في الْقِبْلَةِ وقال لَا يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَهَا أَبَدًا وإذا جَازَ هذا في إمَامِ الصَّلَاةِ جَازَ في الْقَاضِي بَلْ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ وَلَوْ عُزِلَ لم يَنْعَزِلْ أَمَّا ظُهُورُ خَلَلٍ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ فَلَا يَحْتَاجُ فيه إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ وله عَزْلُهُ بِأَفْضَلَ منه وَإِنْ لم يَظْهَرْ فيه خَلَلٌ وَبِخَوْفِ فِتْنَةٍ تَحْدُثُ من عَدَمِ عَزْلِهِ وَإِنْ لم يَظْهَرْ فيه خَلَلٌ ولم يَعْزِلْهُ بِأَفْضَلَ منه نَظَرًا لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ شَيْءٌ من ذلك حَرُمَ عَزْلُهُ فَلَوْ عَزَلَهُ لم يَنْفُذْ إلَّا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هو أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ عَزْلُهُ مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ الْإِمَامِ قال في الْأَصْلِ وَمَتَى كان الْعَزْلُ في مَحَلِّ النَّظَرِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فيه مَصْلَحَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ على الْإِمَامِ فيه وَيُحْكَمُ بِنُفُوذِهِ وفي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ هل هِيَ عَزْلٌ لِلْأَوَّلِ وَجْهَانِ وَلْيَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ على أَنَّهُ هل يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في بَلَدٍ قَاضِيَانِ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ أنها لَيْسَتْ بِعَزْلٍ وقد ذَكَرَ في الرَّوْضَةِ في الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لو وَكَّلَ شَخْصًا ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ فَلَيْسَ بِعَزْلٍ لِلْأَوَّلِ قَطْعًا مع أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ أَضْعَفُ من تَصَرُّفِ الْقَاضِي وقد سَبَقَ في فَصْلِ التَّوْلِيَةِ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُ خَلِيفَتِهِ بِلَا مُوجِبٍ بِنَاءً على انْعِزَالِهِ بِمَوْتِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَخَالَفَ فيه الْبُلْقِينِيُّ فَرْعٌ لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي قبل بُلُوغِ خَبَرِ عَزْلِهِ من عَدْلٍ لِمَا في رَدِّ أَقْضِيَتِهِ من عِظَمِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ كما مَرَّ في بَابِهِ نعم لو عَلِمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ مَعْزُولٌ لم يَنْفُذْ حُكْمُهُ له لِعِلْمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ بَاطِنًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ولم يَبْلُغْ نُوَّابَهُ لَا يَنْعَزِلُونَ حتى يَبْلُغَهُمْ الْخَبَرُ وَتَبْقَى وِلَايَةُ أَصْلِهِمْ مُسْتَمِرَّةً حُكْمًا وَإِنْ لم يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَيَسْتَحِقُّ ما رُتِّبَ له على سَدِّ الْوَظِيفَةِ قال وَلَوْ
____________________
(4/290)
بَلَغَ النَّائِبَ قبل أَصْلِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ حتى يَبْلُغَ الْأَصْلَ انْتَهَى وقد يُتَوَقَّفُ فيه بِمَا مَرَّ عن الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ عَلَّقَهُ أَيْ عَزْلَهُ بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ كَقَوْلِهِ إذَا قَرَأَتْ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ الْعَزْل بِقِرَاءَتِهِ وَلَوْ قُرِئَ عليه لِأَنَّ الْغَرَضَ إعْلَامُهُ بِصُورَةِ الْحَالِ وَلِهَذَا يَنْعَزِلُ بِمُطَالَعَتِهِ وَفَهْمِ ما فيه وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ فَيَنْعَزِلُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ من وَلَّاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَنْعَزِلُ وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ خَلِيفَتُهُ وَلَوْ في الْأَمْرِ الْعَامِّ كما في الْخَاصِّ كَبَيْعٍ على مَيِّتٍ أو غَائِبٍ أو سَمَاعِ شَهَادَةٍ في حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَوَاءٌ أَذِنَ له في أَنْ يَسْتَخْلِفَ عن نَفْسِهِ أَمْ أَطْلَقَ لِأَنَّ الْغَرَضَ من اسْتِخْلَافِهِ مُعَاوَنَتُهُ وقد زَالَتْ فَلَا يُشْكِلُ في حَالَةِ الْإِطْلَاقِ بِنَظِيرِهِ من الْوَكَالَةِ إذْ ليس الْغَرَضُ ثَمَّ مُعَاوَنَةَ الْوَكِيلِ بَلْ النَّظَرَ في حَالِ الْمُوَكِّلِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ على إرَادَتِهِ لَا قَيِّمِ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ فَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِ الْقَاضِي لِئَلَّا تَخْتَلَّ مَصَالِحُهُمَا فَصَارَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْمُتَوَلِّي من جِهَةِ الْوَلِيِّ وَالْوَاقِفِ وَلَا من اسْتَخْلَفَهُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ له اسْتَخْلِفْ عَنِّي بَلْ لَا يَنْعَزِلُ إنْ عَزَلَهُ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ وَالْأَوَّلَ سَفِيرٌ في تَوْلِيَتِهِ فَكَانَ كما لو نَصَّبَ الْإِمَامُ عنه بِنَفْسِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِبَلْ إلَى آخَرَ من زِيَادَتِهِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يُعَيِّنْ له من يَسْتَخْلِفُهُ فَإِنْ عَيَّنَهُ لم يَنْعَزِلْ بِانْعِزَالِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِالتَّعْيِينِ وَجَعَلَهُ سَفِيرًا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فِيمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ عن نَفْسِهِ وَيُؤَيِّدُهُ ما يَأْتِي عن الْمَاوَرْدِيِّ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ نَصَّبَ الْإِمَامُ نَائِبًا عن الْقَاضِي فقال السَّرَخْسِيُّ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَانْعِزَالِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ له من جِهَةِ الْإِمَامِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا يُوَافِقُ هذا الِاحْتِمَالَ وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ وَوَالٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ كما لَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ بِغَيْرِ مَوْتِهِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ بِتَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ وَلِأَنَّ ما عَقَدَهُ الْإِمَامُ إنَّمَا هو لِغَيْرِهِ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كما لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْوَلِيِّ نعم لو وَلَّاهُ الْإِمَامُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصَمَائِهِ انْعَزَلَ بِذَلِكَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَصْلٌ لو قال مَعْزُولٌ كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ على الْإِنْشَاءِ نعم لو انْعَزَلَ بِالْعَمَى قُبِلَ منه ذلك لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَزَلَ بِالْعَمَى فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِبْصَارِ وَقَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى ذلك قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَلَوْ مع آخَرَ بِحُكْمِهِ له أَيْ لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ على فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُخَالِفُ الْمُرْضِعَةَ لِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهَا على فِعْلِهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَتَهَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فِيهِمَا فَلَوْ قال أَشْهَدُ أَنَّ قَاضِيًا حَكَمَ بِهِ ولم يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْمُرْضِعَةِ إذَا شَهِدَتْ كَذَلِكَ فَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ لم يُقْبَلْ نَظَرًا لِبَقَاءِ التُّهْمَةِ وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ بِكَذَا أو أَنَّ هذا مِلْكُ فُلَانٍ
____________________
(4/291)
قُبِلَ لِأَنَّهُ لم يَشْهَدْ على فِعْلِ نَفْسِهِ فَإِنْ كان الْقَاضِي في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَكَالْمَعْزُولِ في أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ على الْإِنْشَاءِ ثُمَّ وَإِنْ قال وهو في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت بِطَلَاقِ نِسَاءِ الْقَرْيَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لو قال على سَبِيلِ الْحُكْمِ نِسَاءُ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ من أَزْوَاجِهِنَّ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا حُجَّةٍ لِقُدْرَتِهِ على الْإِنْشَاءِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ ما لو قَالَهُ على سَبِيلِ الْإِخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ ما لو أَسْنَدَهُ إلَى ما قبل وِلَايَتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وما قَالُوهُ من قَبُولِ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ في الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ مُطْلَقًا أو في مَذْهَبِ إمَامِهِ أَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ وَقْفَةٌ وقد اسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى وَأَفْتَيْت فِيمَنْ سُئِلَ من قُضَاةِ الْعَصْرِ عن مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ لِأَنَّهُ قد يَظُنُّ ما ليس بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا كما هو كَثِيرٌ أو غَالِبٌ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ما ذَكَرَ في قَرْيَةٍ أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ أَمَّا في بَلَدٍ كَبِيرٍ كَبَغْدَادَ فَلَا لِأَنَّا نَقْطَعُ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ وَإِلَى ما قَالَهُ يُشِيرُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْقَرْيَةِ وَإِنْ قال الْمَعْزُولُ لِلْأَمِينِ أَعْطَيْتُك الْمَالَ أَيَّامَ قَضَائِي لِتَحْفَظَهُ لِفُلَانٍ فقال الْأَمِينُ بَلْ أَعْطَيْتنِيهِ لِأَحْفَظَهُ لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ لَكِنْ هل يَغْرَمُ الْأَمِينُ لِمَنْ عَيَّنَهُ هو قَدْرَ ذلك فيه وَجْهَانِ في تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ أو قال له الْأَمِينُ لم تُعْطِنِي شيئا بَلْ هو لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ فَرْعٌ وَإِنْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ بِحُكْمٍ من حُكْمٍ بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِأَنَّهُمَا الْآنَ يَشْهَدَانِ على أَنْ فَعَلَ الْقَاضِي فَصْلٌ في جَوَازِ تَتَبُّعِ الْقَاضِي حُكْمَ من قَبْلَهُ من الْقُضَاةِ الصَّالِحِينَ لِلْقَضَاءِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ منه السَّدَادُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ وَعَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ في الْبَابِ الْآتِي فَإِنْ تَظَلَّمَ شَخْصٌ عِنْدَهُ بِمَعْزُولٍ أو نَائِبِهِ سَأَلَهُ عَمَّا يُرِيدُ منه وَلَا يُسَارِعُ إلَى إحْضَارِهِ فَقَدْ يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ فَإِنْ ادَّعَى بِأَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي مُعَامَلَةً أو إتْلَافَ مَالٍ أو عَيْنًا أَخَذَهَا بِغَصْبٍ أو نَحْوِهِ أَحْضَرَهُ وَفَصَلَ خُصُومَتَهُ منه كَغَيْرِهِ وَكَذَا لو ادَّعَى عليه رِشْوَةً بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ أو حُكْمًا بِعَبْدَيْنِ مَثَلًا أَيْ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أو غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لم يَتَعَرَّضْ لِلْأَخْذِ أَيْ لِأَخْذِ الْمَالِ الْمَحْكُومِ بِهِ منه فَإِنْ أَقَامَ على الْمَعْزُولِ بَعْدَ الدَّعْوَى عليه بَيِّنَةً أو أَقَرَّ الْمَعْزُولُ حَكَمَ عليه وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى عليهم خِيَانَةً وَلِعُمُومِ خَبَرِ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على من أَنْكَرَ وَقِيلَ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عن التَّحْلِيفِ وَالِابْتِذَالِ بِالْمُنَازَعَاتِ وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ كَغَيْرِهِ وقد اخْتَلَفَ تَصْحِيحُ النَّوَوِيِّ فيه وَالصَّوَابُ الثَّانِي فإنه الْمَنْصُوصُ كما نَقَلَهُ الْقَاضِي شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قال وَهَذَا فِيمَنْ عُزِلَ مع بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ أَمَّا من ظَهَرَ فِسْقُهُ وَشَاعَ جَوْرُهُ وَخِيَانَتُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا وَلَوْ قال الْمُتَظَلِّمُ بَقِيَ على أَمِينِ الْمَعْزُولِ شَيْءٌ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ فقال الْأَمِينُ أَخَذْته أُجْرَةً لِعَمَلِي وقد اعْتَادَ أَخْذَهَا بَلْ أو لم يَعْتَدْهُ فَفِيهِ خِلَافُ من عَمِلَ لِغَيْرِهِ ولم يُسَمِّ أُجْرَةً هل يَسْتَحِقُّهَا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ حُوسِبَ الْأَمِينُ فَبَقِيَ عليه شَيْءٌ فقال أَخَذْته أُجْرَةَ عَمَلِي فَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ لم يَنْفَعْهُ تَصْدِيقُهُ بَلْ يَسْتَرِدُّ منه ما يَزِيدُ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَلْ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في أُجْرَةِ الْمِثْلِ فإن الظَّاهِرَ أَنَّهُ لم يَعْمَلْ مَجَّانًا أو لَا بَلْ يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِجَرَيَانِ ذِكْرِ الْأُجْرَةِ وَجْهَانِ قال الْإِمَامُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ من عَمِلَ لِغَيْرِهِ ولم يُسَمِّ أُجْرَةً هل يَسْتَحِقُّهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا الْبِنَاءُ نَقَلَهُ ابن رُشْدٍ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ في اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ كَالْوَجْهَيْنِ
____________________
(4/292)
فِيمَا لو ادَّعَى رَاكِبُ الدَّابَّةِ إعَارَتَهَا وَالْمَالِكُ إجَارَتَهَا وَعَلَى التَّشْبِيهِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَضِيَّتُهُ الْأَخْذُ بِتَرْجِيحِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَالتَّشْبِيهُ أَقْرَبُ من الْبِنَاءِ وما قَالَهُ ظَاهِرٌ مع أَنَّ الْأُجْرَةَ في مَسْأَلَتِنَا مَفْرُوضَةٌ بِخِلَافِهَا في الْمُنَظَّرِ بها على أَنَّ الْإِمَامَ لم يَبْنِ على تِلْكَ الْخِلَافَ في هذه وَإِنَّمَا بَنَى عليها تَوْجِيهَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فقال عَقِبَهُ وَهَذَا يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ من عَمِلَ لِغَيْرِهِ إلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَ الثَّانِي فَرْعٌ لو ادَّعَى شَخْصٌ على قَاضٍ بَاقٍ على قَضَائِهِ مُعَامَلَةً أو غَيْرَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أو قَاضٍ آخَرُ فَصْلًا لِلْخُصُومَةِ أو ادَّعَى عليه أَنَّهُ جَارَ عليه في حُكْمِهِ أو على الشَّاهِدِ أَنَّهُ شَهِدَ عليه زُورًا لم يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ شَرْعًا وَلَوْ فُتِحَ بَابُ تَحْلِيفِهِمَا لَتَعَطَّلَ الْقَضَاءُ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عليه ولم يُفِدْ في ذلك إلَّا الْبَيِّنَةُ فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عليه لِخُرُوجِهِ عن إنَابَةِ الشَّرْعِ وَمَحَلُّ عَدَمِ سَمَاعِهَا عليه إذَا كان مَوْثُوقًا بِهِ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الْبَابُ الثَّانِي في جَامِعِ آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في آدَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ منها أَنْ يَكْتُبَ له الْإِمَامُ إذَا وَلَّاهُ الْقَضَاءَ في بَلَدٍ كِتَابَ الْعَهْدِ بِالْوِلَايَةِ وَيَعِظُهُ فيه وَيَذْكُرُ فيه ما يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ بِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ لِعَمْرِو بن حَزْمٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لِأَنَسٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُشْهِدُ وُجُوبًا عليها أَيْ الْوِلَايَةِ لِلْبَعِيدِ من مَحَلِّهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ كان يَبْعَثُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ كان بَعِيدًا لَا يَنْتَشِرُ الْخَبَرُ إلَيْهِ فَلْيُشْهِدْ شَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ معه يُخْبِرَانِ بها وَعِنْدَ إشْهَادِهِمَا يَقْرَآنِ الْكِتَابَ أو يَقْرَؤُهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ قَرَأَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدَانِ فيه وَلَوْ أَشْهَدَ ولم يَكْتُبْ كَفَى فإن الِاعْتِمَادَ على الشُّهُودِ وَلَوْ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ كَفَى عن الْإِشْهَادِ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ آكَدُ منه وَلِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن الْخُلَفَاءِ الْإِشْهَادُ فَلَا يَقْبَلُ في الْوِلَايَةِ قَوْلَ مُدَّعِيهَا فَلَوْ صَدَّقَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ فَفِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ وَجْهَانِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الْوَكَالَةِ عَدَمُ وُجُوبِهَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لو أَنْكَرَ تَوْلِيَتَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ لَعَلَّ وُجُوبَهَا أَشْبَهُ وفي الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ ما يُعَضِّدُهُ وَلَا يَعْتَمِدُ الْكِتَابَ وَحْدَهُ أَيْ بِلَا إشْهَادٍ وَاسْتِفَاضَةٍ لِإِمْكَانِ تَحْرِيفِهِ ومنها أَنْ يَسْأَلَ قبل الدُّخُولِ لِلْبَلَدِ الذي لَا يَعْرِفُ من فيه عن حَالِ من في الْبَلَدِ من الْعُدُولِ وَالْعُلَمَاءِ لِيَدْخُلَ على بَصِيرَةٍ بِحَالِ من فيه فَيَسْأَلَ عن ذلك قبل الْخُرُوجِ فَإِنْ تَعَسَّرَ فَفِي الطَّرِيقِ فَإِنْ تَعَسَّرَ فَحِينَ يَدْخُلُ وأن يَدْخُلَ يوم الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل الْمَدِينَةَ فيه فَإِنْ تَعَسَّرَ فَالْخَمِيسُ أو السَّبْتُ كَذَا عَبَّرَ بِهِ في التَّنْبِيهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِلَّا فَالسَّبْتُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ صَبِيحَةَ الْيَوْمِ وأن يَدْخُلَ في عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ فَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل مَكَّةَ يوم الْفَتْحِ بها وَلِأَنَّهَا أَهْيَبُ له وأن يَنْزِلَ وَسَطَ الْبَلَدِ لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ في الْقُرْبِ منه قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّهُ حَيْثُ اتَّسَعَتْ خُطَّتُهُ وَالْإِنْزَالُ حَيْثُ تَيَسَّرَ قال وَهَذَا إذَا لم يَكُنْ فيه مَوْضِعٌ يَعْتَادُ
____________________
(4/293)
الْقُضَاةُ النُّزُولَ فيه ثُمَّ إذَا دخل إنْ شَاءَ قَرَأَ الْعَهْدَ فَوْرًا وَإِنْ شَاءَ وَاعَدَ الناس لِيَوْمٍ يَحْضُرُونَ فيه لِيَقْرَأَهُ عليهم وَإِنْ كان معه شُهُودٌ شَهِدُوا ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ وَأَنْ يَبْحَثَ عن الشُّهُودِ وَالْمُزَكِّينَ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَالْأَحْوَطُ السِّرُّ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ له على اطِّلَاعِهِ على مَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ وأن يَتَسَلَّمَ دِيوَانَ الْحُكْمِ وهو ما كان عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَهُ من الْمَحَاضِرِ وَهِيَ التي فيها ذِكْرُ ما جَرَى من غَيْرِ حُكْمٍ وَالسِّجِلَّاتِ وَهِيَ ما يَشْمَلُ على الْحُكْمِ وَحُجَجِ الْأَيْتَامِ وَأَمْوَالِهِمْ وَنَحْوِ ذلك من الْحُجَجِ الْمُودَعَةِ في الدِّيوَانِ كَحُجَجِ الْأَوْقَافِ لِأَنَّهَا كانت في يَدِ الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وقد انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ فَيَتَسَلَّمُهَا لِيَحْفَظَهَا على أَرْبَابِهَا ثُمَّ يَبْحَثُ عن الْمَحْبُوسِينَ هل يَسْتَحِقُّونَ الْحَبْسَ أو لَا وَقُدِّمَ على ما يَأْتِي لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ وَقُدِّمَ عليه ما مَرَّ لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَيُؤْخَذُ منه ما جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ على الْبَحْثِ عَنْهُمْ أَيْضًا كُلُّ ما كان أَهَمَّ منه كَالنَّظَرِ في الْمَحَاجِيرِ الْجَائِعِينَ الَّذِينَ تَحْتَ نَظَرِهِ وما أَشْرَفَ على الْهَلَاكِ من الْحَيَوَانِ في التَّرِكَاتِ وَغَيْرِهَا وما أَشْرَفَ من الْأَوْقَافِ وَأَمْلَاكِ مَحَاجِيرِهِ على السُّقُوطِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْفَوْرُ في تَدَارُكِهِ وأن يَكْتُبَ في رِقَاعٍ أَسْمَاءَهُمْ وما حُبِسَ بِهِ كُلٌّ منهم ومن حُبِسَ له فَإِنْ بَعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا لِيَكْتُبَ ذلك كَفَى وَإِنْ بَعَثَ أَمِينَيْنِ فَهُوَ أَحْوَطُ فَيُنَادِي بِأَنْ يَأْمُرَ قبل أَنْ يَجْلِسَ لِلْبَحْثِ عَنْهُمْ من يُنَادِي أَلَا من له حَبِيسٌ فَلْيَحْضُرْ يوم كَذَا فإذا جَلَسَ لِذَلِكَ وَحَضَرَ الناس صُبَّتْ الرِّقَاعُ بين يَدَيْهِ فَيَأْخُذُ رُقْعَةً رُقْعَةً وَيَنْظُرُ في الِاسْمِ الْمُثْبَتِ فيها وَيُحْضِرُ الْمَحْبُوسِينَ وَاحِدًا وَاحِدًا بِحَسَبِ ما أَخَذَهُ من الرِّقَاعِ فَيَسْأَلُهُمْ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ مع خُصُومِهِمْ عن سَبَبِ حَبْسِهِمْ فَمَنْ اعْتَرَفَ منهم بِحَقٍّ طُولِبَ بِهِ وَإِنْ أَوْفَى الْحَقَّ أو ثَبَتَ إعْسَارُهُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ نُودِيَ عليه فَلَعَلَّ له غَرِيمًا آخَرَ
ثُمَّ إذَا لم يَحْضُرْ له غَرِيمٌ يُطْلَقُ من الْحَبْسِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَرِيمٍ آخَرَ وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ وَمَنْ لم يُوفِ الْحَقَّ ولم يَثْبُتْ إعْسَارُهُ رُدَّ إلَى الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لو أُنْشِئَتْ الْمُحَاكَمَةُ عِنْدَ هذا الْقَاضِي فَاسْتِمْرَارُهُ أَوْلَى وَإِنْ قال حُبِسْت بِكَلْبٍ مَثَلًا أَتْلَفْته أَمْضَاهُ أَيْ حُكْمَ الْمَعْزُولِ وَإِنْ كان لَا يَعْتَقِدُ التَّغْرِيمَ بِذَلِكَ كَالْمُنْعَزِلِ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بمثله وَإِنْ قال ظُلِمْت بِالْحَبْسِ وَأَنْكَرَ خَصْمُهُ طُولِبَ خَصْمُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ حَبَسَهُ بِحَقٍّ وَصُدِّقَ هو بِيَمِينِهِ أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا إنْ لم يُقِمْ خَصْمُهُ بَيِّنَةً فَيُطْلَقُ من الْحَبْسِ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ فيه مَعْصِيَةٌ وَلَوْ كان خَصْمُهُ غَائِبًا عن الْبَلَدِ طُولِبَ بِكَفِيلٍ أو يُرَدُّ إلَى الْحَبْسِ وَتَبِعَ في مُطَالَبَتِهِ بِكَفِيلٍ الرَّوْضَةَ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ من الْحَبْسِ وَالرَّافِعِيُّ إنَّمَا فَرَّعَهُ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُطْلَقُ منه وَتَرْجِيحُ رَدِّهِ إلَيْهِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وإذا رُدَّ إلَيْهِ أو أُطْلِقَ بِكَفِيلٍ كَتَبَ لِخَصْمِهِ لِيَحْضُرَ عَاجِلًا فَيَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ فَإِنْ لم يَحْضُرْ أُطْلِقَ كَالْمَحْبُوسِ ظُلْمًا وَمَنْ قال لَا أَدْرِي فِيمَ حُبِسْت أو لَا خَصْمَ لي نُودِيَ عليه لِطَلَبِ الْخَصْمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كما في الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لم يَحْضُرْ له خَصْمٌ حَلَفَ على ما قَالَهُ لِأَنَّ الْحَبْسَ بِلَا خَصْمٍ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأُطْلِقَ وَإِنْ حَضَرَ في هذا وما قَبْلَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْحَقِّ أو بِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عليه بِذَلِكَ فَذَاكَ وَإِلَّا أُطْلِقَ بَعْدَ حَلِفِهِ وَحَالُ الْمُنَادَاةِ عليه لِطَلَبِ خَصْمِهِ يُرَاقَبُ وَلَا يُحْبَسُ وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ وَمَنْ حُبِسَ تَعْزِيرًا أَطْلَقَهُ من الْحَبْسِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ من كان قَبْلَهُ هل كان يُدِيمُ حَبْسَهُ أو لَا أو يَرُدُّهُ إلَيْهِ إنْ رَأَى ذلك بِأَنْ بَانَتْ عِنْدَهُ خِيَانَتُهُ ثُمَّ يَبْحَثُ عن الْأَوْصِيَاءِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَبْدَأُ هُنَا بِمَنْ شَاءَ بِلَا قُرْعَةٍ بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِينَ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِمْ لهم وفي هَؤُلَاءِ عليهم فَيُنَفِّذُ الْقَاضِي أَيْ يُقَرِّرُ ما قَضَى لهم بِهِ وَمَنْ عُرِفَ فِسْقُهُ منهم انْعَزَلَ فَيُنْزَعُ الْمَالُ منه أو ضَعْفُهُ عن الْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ فيه لِكَثْرَتِهِ أو لِغَيْرِهِ أَعَانَهُ بِآخَرَ أو شَكَّ في عَدَالَتِهِ قَرَّرَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَمَانَةُ وَقِيلَ يُنْزَعُ الْمَالُ منه حتى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ لَكِنْ رَجَّحَ ابن أبي عَصْرُونٍ في الِانْتِصَارِ الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُرْشِدِ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ
____________________
(4/294)
وَإِنْ كان الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلَ ثُمَّ إنَّ فَرَّقَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ وَهِيَ لِمُعَيَّنِينَ لم يُبْحَثْ عنه لِأَنَّهُمْ يُطَالِبُونَهُ إنْ لم يَكُنْ أَوْصَلَهُمْ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ إنْ كَانُوا أَهْلًا لِلْمُطَالَبَةِ فَإِنْ كَانُوا مَحْجُورِينَ فَلَا لَا سِيَّمَا إذَا لم يَكُنْ لهم وَلِيٌّ غَيْرُ الْقَاضِي
أو لِجِهَةٍ عَامَّةٍ وهو عَدْلٌ أَمْضَاهُ أَيْ تَصَرُّفَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ عَدْلًا ضَمِنَهُ أَيْ ما فَرَّقَهُ لِتَعَدِّيهِ بِتَفْرِيقِهِ بِلَا وِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَإِنْ فَرَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ لِمُعَيَّنِينَ نَفَذَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّ لهم أَخْذُهَا بِلَا وَاسِطَةٍ فَلَا يَضْمَنُهُ نعم قال الْبُلْقِينِيُّ في الْوَصِيِّ لو فَوَّضَ إلَى اجْتِهَادِهِ التَّسَاوِي وَالتَّفْضِيلَ وكان فَاسِقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالتَّفْرِيقِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ فَيَأْتِي مِثْلُهُ في الْأَجْنَبِيِّ أو لِعَامَّةٍ أَيْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ ضَمِنَ ثُمَّ يَبْحَثُ عن أُمَنَاءِ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِينَ على الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا فَيَنْعَزِلُ وفي نُسْخَةٍ فَيُعْزَلُ من فَسَقَ منهم وَيُعِينُ الضَّعِيفَ بِآخَرَ كما يُعْلَمُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْأُمَنَاءَ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ حَالُهُمْ وَيُعَوِّضُ عَنْهُمْ بِآخَرِينَ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ لِأَنَّ الْأُمَنَاءَ يُوَلَّوْنَ من جِهَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ وَأُخِّرُوا عن الْأَوْصِيَاءِ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِمْ أَبْعَدُ لِأَنَّ نَاصِبَهُمْ الْقَاضِي وهو لَا يُنَصَّبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ ثُمَّ يَبْحَثُ عن الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَمُتَوَلِّيهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَعَنْ الْخَاصَّةِ لِأَنَّهَا تَؤُولُ لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ من الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيَنْظُرُ هل آلَتْ إلَيْهِمْ وَهَلْ له وِلَايَةٌ على من تَعَيَّنَ منهم لِصِغَرٍ أو نَحْوِهِ وعن اللُّقَطَةِ التي لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أو يَجُوزُ ولم يَخْتَرْ تَمَلُّكَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وعن الضَّوَالِّ فَتُحْفَظُ هذه الْأَمْوَالُ في بَيْتِ الْمَالِ مُفْرَدَةً عن أَمْثَالِهَا وَلَهُ خَلْطُهَا بِمِثْلِهَا فإذا ظَهَرَ الْمَالِكُ غَرِمَ له من بَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ لِلُّقَطَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي جَوَازِ خَلْطِهَا نَظَرٌ إذَا لم تَظْهَرْ فيه مَصْلَحَةٌ لِمُلَّاكِهَا وَلَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَقُدِّمَ من كل نَوْعٍ مِمَّا ذُكِرَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ وَيَسْتَخْلِفُ فِيمَا إذَا عَرَضَتْ حَادِثَةٌ حَالَ شُغْلِهِ بِهَذِهِ الْمُهِمَّاتِ من يَنْظُرُ في تِلْكَ الْحَادِثَةِ أو فِيمَا هو فيه ثُمَّ بَعْدَمَا ذُكِرَ يُرَتِّبُ أَمْرَ الْكِتَابِ وَالْمُزَكُّونَ وَالْمُتَرْجِمِينَ وَالْمُسْتَمِعِينَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وقد كان له صلى اللَّهُ عليه وسلم كُتَّابٌ منهم زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَيُشْتَرَطُ في هذا الْأَدَبِ كَوْنُ الْكَاتِبِ مُسْلِمًا ذَكَرًا حُرًّا مُكَلَّفًا عَدْلًا في الشَّهَادَةِ لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ عَارِفًا بِكُتُبِ الْمَحَاضِرِ وَنَحْوِهَا لِئَلَّا يُفْسِدَهَا حَافِظًا لِئَلَّا يَغْلَطَ فَلَا يَكْفِي الْكَافِرُ وَلَا الْأُنْثَى وَلَا الْعَبْدُ وَلَا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَلَا الْفَاسِقُ وَلَا غَيْرُ الْعَارِفِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا غَيْرُ الْحَافِظِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ فَقِيهًا بِمَا زَادَ على ما يُشْتَرَطُ من أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ عَفِيفًا عن الطَّمَعِ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ جَيِّدُ الْخَطِّ وَالضَّبْطِ لِلْحُرُوفِ لِئَلَّا يَقَعَ الْغَلَطُ وَالِاشْتِبَاهُ حَاسِبًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ في كُتُبِ الْمَقَاسِمِ وَالْمَوَارِيثِ فَصِيحًا عَالِمًا بِلُغَاتِ الْخُصُومِ وَافِرَ الْعَقْلِ لِئَلَّا يُخْدَعَ وَذُكِرَ وُفُورِ الْعَقْلِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وأن يَجْلِسَ كَاتِبُهُ بين يَدَيْهِ لِيُمْلِيَهُ ما يُرِيدُ وَلِيَرَى كِتَابَهُ أَيْ ما يَكْتُبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُهُ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ شيئا بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِينَ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَأْتِي وَيُشْتَرَطُ في التَّرْجَمَةِ في إسْمَاعِ الْقَاضِي الْأَصَمِّ كَلَامَ الْخَصْمِ مُتَرْجِمَانِ وَمُسْمِعَانِ بِلَفْظٍ أَيْ مع لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ منهم أَشْهَدُ أَنَّهُ يقول كَذَا ومع عَدَالَتِهِمَا في الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَرْجِمَ وَالْمُسْمِعَ يَنْقُلَانِ إلَيْهِ قَوْلًا لَا يَعْرِفُهُ أو لَا يَسْمَعُهُ فَأَشْبَهَا الشَّاهِدَ وَمِنْ هُنَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ فَلَا يُقْبَلُ ذلك من الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ إنْ تَضَمَّنَ حَقًّا لَهُمَا وَيُجْزِئُ مِنْهُمَا أَيْ من الْمُتَرْجِمِينَ وَالْمُسْمِعِينَ في الْمَالِ أو حَقِّهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وفي غَيْرِهِ
____________________
(4/295)
كَنِكَاحٍ وَعِتْقٍ رَجُلَانِ وَلَوْ في زِنًا كَالشَّهَادَةِ على الْإِقْرَارِ بِهِ ولو كانت التَّرْجَمَةُ عن شَاهِدَيْنِ فَيَكْفِي رَجُلَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ كما في شَهَادَةِ الْفَرْعِ على الْأَصْلِ وَلَا يَضُرُّهُمَا الْعَمَى لِأَنَّهُمَا يُفَسِّرَانِ اللَّفْظَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي مُعَايَنَةً بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ مع أَنَّ الْقَاضِيَ يَرَى من يُتَرْجِمُ الْأَعْمَى كَلَامَهُ وَمِثْلُهُمَا في ذلك الْمُسْمِعَانِ فَإِنْ كان الْخَصْمُ أَصَمَّ كَفَاهُ في نَقْلِ كَلَامِ خَصْمِهِ أو الْقَاضِي إلَيْهِ مُسْمِعٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فيه الْحُرِّيَّةُ على الْأَصَحِّ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَلَا يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَالْأَصَمِّ في ذلك من لَا يَعْرِفُ لُغَةَ خَصْمِهِ أو الْقَاضِي
فَرْعٌ لِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ أَخَذَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ من نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِمْ من بَيْتِ الْمَالِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْقَضَاءِ وَلِخَبَرِ أَيُّمَا عَامِلٍ اسْتَعْمَلْنَاهُ وَفَرَضْنَا له رِزْقًا فما أَصَابَ بَعْدَ رِزْقِهِ فَهُوَ غُلُولٌ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ وَكِسْوَتَهُمْ كان أَوْلَى إلَّا أَنْ تَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ وَوَجَدَ كِفَايَةً له وَلِعِيَالِهِ فَلَا يَجُوزُ له أَخْذُ شَيْءٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا تَعَيَّنَ عليه وهو وَاجِدٌ لِلْكِفَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ أَيْ الْأَخْذِ لِمُكْتَفٍ لم يَتَعَيَّنْ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمُكْتَفِي وَلِغَيْرِهِ إذَا لم يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ صَالِحٌ له وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ على الْقَضَاءِ لِمَا مَرَّ في بَابِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْزَقَ الْقَاضِي من خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أو غَيْرِهِ من الْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ له قَبُولُهُ وَفَارَقَ نَظِيرُهُ في الْمُؤَذِّنِ بِأَنَّ ذلك لَا يُورِثُ فيه تُهْمَةً وَلَا مَيْلًا لِأَنَّ عَمَلَهُ لَا يَخْتَلِفُ وفي الْمُفْتِي بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ منه وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ جَوَازِ ذلك بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَجَّحَ في الْكَلَامِ على الرِّشْوَةِ جَوَازَهُ وَأَسْقَطَهُ النَّوَوِيُّ ثَمَّ وَيُجَابُ بِأَنَّ ما هُنَاكَ في الْمُحْتَاجِ وما هُنَا في غَيْرِهِ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ وَلَوْ كان الْقَاضِي وَثَمَنُ الْوَرَقِ الذي يَكْتُبُ فيه الْمَحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ وَنَحْوَهُمَا من بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ في بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أو اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَا هو أَهَمُّ فَعَلَى من له الْعَمَلُ من الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه ذلك إنْ شَاءَ كِتَابَةَ ما جَرَى في خُصُومَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ على ذلك لَكِنْ يُعْلِمُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا لم يَكْتُبْ ما جَرَى فَقَدْ يَنْسَى شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَحُكْمَ نَفْسِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ من بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ ما يَلِيقُ بِهِ من خَيْلٍ وَغِلْمَانٍ وَدَارٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ على ما اقْتَصَرَ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَالصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِزَمَنِ النُّبُوَّةِ التي كانت سَبَبًا لِلنَّصْرِ بِالرُّعْبِ
____________________
(4/296)
في الْقُلُوبِ فَلَوْ اقْتَصَرَ الْيَوْمُ على ذلك لم يُطِعْ وَتَعَطَّلَتْ الْأُمُورُ وَيُرْزَقُ الْإِمَامُ أَيْضًا منه أَيْ من بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ من كان عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ وَالْمُفْتِي وَالْمُحْتَسِبِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ من الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَكُتَّابِ الصُّكُوكِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِ ذلك أَيْ كَالْمُسْمِعِينَ وَالْمُزَكِّينَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا لم يَجِدْ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ وَإِنْ لم يَكُنْ في بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ لم يُعَيِّنْ أَيْ لم يُنْدَبْ له أَنْ يُعَيِّنَ قَاسِمًا وَلَا كَاتِبًا وَلَا مُقَوِّمًا وَلَا مُتَرْجِمًا وَلَا مُسْمِعًا وَلَا مُزَكِّيًا كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يُغَالُوا بِالْأُجْرَةِ ومن الْآدَابِ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي لِلْقَضَاءِ مَجْلِسًا فَسِيحًا أَيْ وَاسِعًا لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِضِيقِهِ الْحَاضِرُونَ نَزِهًا عَمَّا يُؤْذِي من حَرٍّ وَبَرْدٍ وَرِيحٍ وَنَحْوِهَا فَيَجْلِسُ في الصَّيْفِ حَيْثُ يَلِيقُ وفي الشِّتَاءِ وَزَمَنِ الرِّيَاحِ كَذَلِكَ قال في الْأَصْلِ بَارِزًا أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ من يَرَاهُ وَيَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ هذا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اتَّخَذَ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ قَالَهُ ابن الْقَاصِّ وأن يَجْلِسَ على مُرْتَفِعٍ كَدِكَّةٍ لِيَسْهُلَ عليه النَّظَرُ إلَى الناس وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ وأن يَتَمَيَّزَ عن غَيْرِهِ بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ وَإِنْ كان مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ الناس وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ وأن يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كما رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وأن لَا يَتَّكِئَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَيُكْرَهُ الْحُكْمُ في الْمَسَاجِدِ أَيْ اتِّخَاذُهَا مَجَالِسَ له صَوْنًا لها عن ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً وقد يَحْتَاجُ لِإِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فيها أَشَدُّ كَرَاهَةً لَا الْحُكْمُ فِيمَا اتَّفَقَ حَالَ دُخُولِهِ لها أَيْ وَقْتَ حُضُورِهِ فيها الصَّلَاةَ أو غَيْرَهَا فَلَا يُكْرَهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَلَا فِيمَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا لِعُذْرٍ من مَطَرٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فيها لِلْحُكْمِ فَإِنْ جَلَسَ له فيه أَيْ في الْمَسْجِدِ مع الْكَرَاهَةِ أو دُونِهَا مَنَعَ الْخُصُومَ من الْخَوْضِ فيه بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا وَوَقَّفَ غير الْخَصْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ خَارِجَهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لم يُمَكِّنْ الْخُصُومَ من الِاجْتِمَاعِ فيه وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهَا بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيُنَصِّبُ من يُدْخِلُ عليه خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ وَلَا يَقْضِي أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ في حَالِ تَغَيُّرِ الْخُلُقِ بِنَحْوِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَامْتِلَاءٍ أَيْ شِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ وَمَرَضٍ مُؤْلِمٍ وَخَوْفٍ مُزْعِجٍ وَحُزْنٍ وَفَرَحٍ شَدِيدَيْنِ وَمُدَافَعَةِ خُبْثٍ وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بين اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ رَوَاهُ ابن مَاجَهْ بِلَفْظِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وفي صَحِيحِ أبي عَوَانَةَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وهو غَضْبَانُ مَهْمُومٌ وَلَا مُصَابٌ مَحْزُونٌ وَلَا يَقْضِي وهو جَائِعٌ قال في الْمَطْلَبِ وَلَوْ فَرَّقَ بين ما لِلِاجْتِهَادِ فيه مَجَالٌ وَغَيْرِهِ لم يَبْعُدُ نَقْلُهُ عنه وَعَنْ ابْنِ عبد السَّلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَاعْتَمَدَهُ وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْغَضَبَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَغْرَبَهُ في الْبَحْرِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ يُؤْمَنُ معه التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْغَضَبِ لِحَظِّ النَّفْسِ
وقال الْأَذْرَعِيُّ الرَّاجِحُ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وهو لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نعم تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ في الْحَالِ وقد يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ على الْفَوْرِ في صُوَرٍ كَثِيرَةٍ فَإِنْ قَضَى مع تَغَيُّرِ خُلُقِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِقَضِيَّةِ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورَةِ وَيُكْرَهُ له إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ حَاجِبٌ أَيْ نَصْبُهُ حَيْثُ لَا زَحْمَةَ لِخَبَرِ من وَلِيَ من أُمُورِ الناس شيئا فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ حَجَبَهُ اللَّهُ عنه يوم الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ أَيُّمَا أَمِيرٍ احْتَجَبَ عن الناس فَأَهَمَّهُمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عنه يوم الْقِيَامَةِ فَإِنْ لم يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كان في وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أو كان ثَمَّ زَحْمَةٌ لم يُكْرَهْ نَصْبُهُ وَالْبَوَّابُ وهو من يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ كَالْحَاجِبِ
____________________
(4/297)
فِيمَا ذُكِرَ وهو من يَدْخُلُ على الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ قال الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا من وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِلِ الناس أَيْ وهو الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وابن الصَّبَّاغِ بِاسْتِحْبَابِهِ فَصْلٌ وَيُشْهِدُ الْقَاضِي وُجُوبًا شَاهِدَيْنِ بِإِقْرَارٍ من الْمُدَّعَى عليه لِمَنْ سَأَلَ ه ذلك أو بِحَلِفٍ من الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولٍ من الْمُدَّعَى عليه لِأَنَّهُ قد يُنْكِرُ بَعْدُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي من الْحُكْمِ عليه بِمَا سَبَقَ لِنِسْيَانٍ أو عَزْلٍ أو غَيْرِهِمَا أو بِحَلِفِ مُدَّعًى عليه وهو السَّائِلُ في هذه فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي لِيَكُونَ الْإِشْهَادُ حُجَّةً له فَلَا يُطَالِبُهُ خَصْمُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ الْإِشْهَادَ عليه لَزِمَهُ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ سَأَلَهُ أَحَدُهُمَا كَتْبَ مَحْضَرٍ بِمَا جَرَى لِيَحْتَجَّ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَثَمَّ أَيْ وَعِنْدَ الْقَاضِي قِرْطَاسٌ من بَيْتِ الْمَالِ أو أتى بِهِ السَّائِلُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكْتُبَ له ذلك وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِالشُّهُودِ لَا الْكِتَابِ وَلِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ من الْأَئِمَّةِ كَانُوا يَحْكُمُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ الْمُحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ عِنْدَهُ قِرْطَاسٌ وَلَا أتى بِهِ السَّائِلُ لم يُسْتَحَبَّ ذلك وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ لَا تُنَافِيهِ فإنه إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَقَطْ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ إنْ سَأَلَ فيه فيقول حَكَمْت له بِكَذَا أو نَفَّذْت الْحُكْمَ بِهِ أو أَلْزَمْت خَصْمَهُ الْحَقَّ أو نَحْوَهَا وَلَا يَجُوزُ له الْحُكْمُ بِذَلِكَ قبل أَنْ يَسْأَلَ نعم لو كان الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يُعَبِّرُ عن نَفْسِهِ لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ وهو وَلِيُّهُ فَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ على سُؤَالِ أَحَدٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ أَنْ يُعْلِمَ الْخَصْمَ بِأَنَّ الْحُكْمَ تَوَجَّهَ عليه لِيَكُونَ أَطْيَبَ لِقَلْبِهِ وَأَبْعَدَ عن التُّهْمَةِ وَهَلْ يَحْكُمُ على مَيِّتٍ بِإِقْرَارِهِ حَيًّا عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْخَالِي عن الْمُعَارِضِ وَلِلْإِجْمَاعِ على صِحَّةِ الدَّعْوَى على الْمَيِّتِ أو لَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ ليس أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ وَلَوْ قال ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أو صَحَّ لم يَكُنْ حُكْمًا لِأَنَّهُ قد يُرَادُ بِهِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَاقْتِضَاءُ الْبَيِّنَةِ صِحَّةَ الدَّعْوَى فَصَارَ كَقَوْلِهِ سَمِعْت الْبَيِّنَةَ وَقَبِلْتهَا وَلِأَنَّ الْحُكْمَ هو الْإِلْزَامُ وَالثُّبُوتُ ليس بِإِلْزَامٍ وَكَذَا لو كَتَبَ على ظَهْرِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ صَحَّ وُرُودُ هذا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْته قَبُولَ مِثْلِهِ وَالْتَزَمْت الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ تَصْحِيحُ الْكِتَابِ وَإِثْبَاتُ الْحُجَّةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ وَوَقَعَ في نُسَخٍ غَيْرِ مُعْتَمَدَةٍ أُلْزِمْت بَدَلَ الْتَزَمْت وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ما يَحْكُمُ بِهِ وَمَنْ يَحْكُمُ له لَكِنْ يَجُوزُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِظَالِمٍ يُرِيدُ ما لَا يَجُوزُ وَيَحْتَاجُ إلَى مُلَايَنَتِهِ أَنْ يُلَايِنَهُ كما إذَا عَارَضَ الظَّالِمَ الدَّاخِلَ بَيِّنَةُ خَارِجٍ بِبَيِّنَةٍ فَاسِقَةٍ وَطَلَب الْحُكْمَ بِنَاءً على تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَلَهُ إنْ خَافَهُ أَنْ يَكْتُبَ شيئا مُوهِمًا يَدْفَعُهُ بِهِ فيقول حَكَمْت بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ في مُعَارَضَةِ بَيِّنَةِ فُلَانٍ الدَّاخِلِ وَفُلَانٍ الْخَارِجِ وَقَرَّرْت الْمَحْكُومَ بِهِ في يَدِ الْمَحْكُومِ
____________________
(4/298)
له وَسَلَّطْته عليه وَمَكَّنْته من التَّصَرُّفِ فيه وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ إلَّا قَوْلَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ الْخَصْمُ بِأَنَّ الْحُكْمَ تَوَجَّهَ عليه فَذَكَرَهُ هُنَا في الطَّرَفِ الثَّالِثِ
ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ إنْ سَأَلَ الْإِشْهَادَ بِحُكْمِهِ أو كَتْبَ سِجِلٍّ بِهِ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِالْحُكْمِ لَا الْكَتْبُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ في الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَالْوُقُوفِ وَأَمْوَالِ الْمَصَالِحِ كما سَبَقَ في نَظِيرِهِ في كَتْبِ الْمَحْضَرِ وَيَأْتِي في اسْتِحْبَابِهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ ثَمَّ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ في الْمَحْضَرِ حُضُورَ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِيَ وَيَصِفُ الْجَمِيعَ أَيْ الثَّلَاثَةَ بِمَا يُمَيِّزُهُمْ وَكَذَا يَكْتُبُ في السِّجِلِّ ذلك ويكتب فِيهِمَا دَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِقْرَارَ خَصْمِهِ أو إنْكَارَهُ وَإِحْضَارَهُ الشُّهُودَ وَيُسَمِّيهِمْ وَقَوْلُهُ وَيَكْتُبُ حِلْيَتَهُمْ أَيْ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا من زِيَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ على كَتْبِ حِلْيَةِ الْخَصْمَيْنِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بين مَعْرِفَتِهِ الشُّهُودَ وَعَدَمِهَا كما يَأْتِي في الْخَصْمَيْنِ وَالنَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ في هذا أَيْ في كَتْبِ الْحِلْيَةِ إذَا كانت أَحَدَ الشُّهُودِ أو الْخُصُومِ كَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ حِلْيَتِهَا فَإِنْ كان الْقَاضِي يَعْرِفُ الْخَصْمَيْنِ فَكَتَبَ حِلْيَتَهُمَا طُولًا وَقِصَرًا وَسُمْرَةً وَشُقْرَةً وَنَحْوَهَا مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ منه وَيَكْتُبُ مع ما ذُكِرَ سَمَاعُ الشَّهَادَةِ بِسُؤَالِهِ أَيْ الْمُدَّعِي في مَجْلِسِ حُكْمِ الْقَاضِي وَثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ عِنْدَهُ وَيُؤَرِّخُ ما يَكْتُبُهُ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي على رَأْسِ الْمَحْضَرِ عَلَامَتَهُ من الْحَمْدَلَةِ وَغَيْرِهَا
وَيَجُوزُ إبْهَامُ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكْتُبُ وَأَحْضَرَ عَدْلَيْنِ شَهِدَا بِمَا ادَّعَاهُ وَإِنْ اكْتَفَى عن الْمَحْضَرِ بِكَتْبِهِ على شَاهِدَيْ الصَّكِّ شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا وَعَلَامَتُهُ جَازَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ كان مع الْمُدَّعِي كِتَابٌ فيه خَطُّ الشَّاهِدَيْنِ وَكَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِمَا شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ وَأَثْبَتَ عَلَامَتَهُ في رَأْسِ الْكِتَابِ وَاكْتَفَى بِهِ عن الْمَحْضَرِ جَازَ وَإِنْ كَتَبَ الْمَحْضَرَ وَضَمَّنَهُ ذلك الْكِتَابَ جَازَ وَعَلَى هذا قِيَاسُ مَحْضَرٍ يُذْكَرُ فيه تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عليه أو الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عليه
ا ه
وفي السِّجِلِّ يَحْكِي الْكَاتِبُ صُورَةَ الْحَالِ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ وَأَنْفَذَهُ بِسُؤَالِ الْمَحْكُومِ له وقد بَيَّنَ الْأَصْلُ صُورَتَيْ الْمَحْضَرِ وَالسِّجِلِّ وَيَجْعَلُ من الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّانِ نُسْخَتَيْنِ لِتَبْقَى عِنْدَهُ في دِيوَانِ الْحُكْمِ وَاحِدَةٌ لِلْأَمْنِ من التَّزْوِيرِ مَخْتُومَةً مُعَنْوَنَةً بِاسْمِ أَصْحَابِهَا وَيَجْعَلُ الْأُخْرَى عِنْدَ ذِي الْحَقِّ غير مَخْتُومَةٍ لِيُلْقِيَ بها الشُّهُودُ وَالْحَاكِمُ في بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَيُذَكِّرَهُمْ لِئَلَّا يَنْسَوْا وَتُوضَعُ التي عِنْدَ الْقَاضِي في الْقِمَطْرِ وهو السَّفَطُ الذي يُجْمَعُ فيه الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ وَيَكُونُ بين يَدَيْهِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَخْتِمُ عِنْدَ قِيَامِهِ
وهو يَنْظُرُ وَيَحْمِلُ معه إلَى مَوْضِعِهِ وَيَجْمَعُ أُسْبُوعًا بِأَنْ يَدْعُوَ بِهِ في الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَنْظُرُ في الْخَتْمِ وَيَفُكُّ وهو يَنْظُرُ وَيَضَعُ فيه كُتُبَ الْيَوْمِ الثَّانِي كما ذُكِرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُ حتى يَمْضِيَ الْأُسْبُوعُ ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ جَعَلَهَا إضْبَارَةً بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ هِيَ الرَّبْطَةُ من الْوَرَقِ وَيُعَبَّرُ عنها بِالرِّزْمَةِ وَبِالْحُزْمَةِ تَقُولُ ضَبَرْت الْكُتُبَ أَضْبِرُهَا ضَبْرًا إذَا ضَمَمْت بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَجَعَلْتهَا رَبْطَةً وَاحِدَةً وَيُسَمَّى أَيْضًا كُلُّ شَيْءٍ مُجْتَمِعٍ ضِبَارَةً بِكَسْرِ الضَّادِ وَجَمْعُهُ ضَبَائِرُ وَيَكْتُبُ عليها خُصُومَةَ أُسْبُوعِ كَذَا وَيُؤَرِّخُ بِأَنْ يَكْتُبَ من شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكْثُرْ جَمَعَهَا في السَّنَةِ بِأَنْ يَتْرُكَهَا حتى يَمْضِيَ شَهْرٌ ثُمَّ يَعْزِلَهَا فإذا مَضَتْ سَنَةٌ يَجْمَعُهَا وَيَكْتُبُ عليها خُصُومَاتُ سَنَةِ كَذَا لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عليها عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَحْتَاطُ في حِفْظِهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُهُ غَيْرُهُ وَيَتَوَلَّى الْأَخْذَ منها بِنَفْسِهِ إذَا احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ منها وَيَنْظُرُ أَوَّلًا إلَى خَتْمِهِ وَعَلَامَتِهِ ويتولى رَدَّهَا مَكَانَهَا وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ الْعُلَمَاءَ الْمُوَافِقِينَ له وَالْمُخَالِفِينَ الْأُمَنَاءَ لِلْمُشْكِلَةِ من الْمَسَائِلِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ وَيُشَاوِرُهُمْ في الْحُكْمِ فيها عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ لِيَأْخُذَ بِالْأَرْجَحِ عِنْدَهُ من مَجْمُوعِ أَدِلَّتِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ الْمُسْتَشِيرُ مُعَانٌ وَالْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ من التُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْخُصُومِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ جَلِيٍّ وَلَا يُشَاوِرُ غير عَالَمٍ وَلَا عَالِمًا غير أَمِينٍ فإنه رُبَّمَا يُضِلُّهُ وإذا حَضَرُوا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ ما عِنْدَهُمْ إذَا سَأَلَهُمْ وَلَا يَبْتَدِرُونَ بِالِاعْتِرَاضِ عليه إلَّا فِيمَا يَجِبُ نَقْضُهُ كما سَيَأْتِي وأن يُؤَدِّبَ من أَسَاءَ الْأَدَبَ بِمَجْلِسِهِ من الْخُصُومِ بِتَكْذِيبِ شَاهِدٍ وَإِظْهَارِ تَعَنُّتٍ لِخَصْمٍ كَأَنْ ادَّعَى عليه وقال
____________________
(4/299)
لي بَيِّنَةٌ وَسَأُحْضِرُهَا ثُمَّ فَعَلَ ذلك ثَانِيًا وَثَالِثًا إيذَاءً وَتَعَنُّتًا فَيَزْجُرُهُ وَيَنْهَاهُ ثُمَّ إنْ عَادَ يُهَدِّدُهُ ثُمَّ إنْ لم يَنْزَجِرْ يُعَزِّرُهُ بِمَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُهُ من تَوْبِيخٍ وَإِغْلَاظِ قَوْلٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَنَفْيٍ لِيَنْكَفَّ فَإِنْ اجْتَرَأَ على الْقَاضِي كَأَنْ قال له أنت تَجُورُ أو تَمِيلُ أو ظَالِمٌ فَلَهُ تَعْزِيرٌ له وَعَفْوٌ عنه وهو أَوْلَى إنْ لم يُسْتَضْعَفْ أَيْ لم يُحْمَلْ على ضَعْفِهِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ أَوْلَى لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عليه بِأَكْثَرَ من ذلك وَيُكْرَهُ له الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ بِنَفْسِهِ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هو بِصَدَدِهِ وَلِأَنَّهُ قد يُحَابِي فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى من يُحَابِيهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ وَرُبَّمَا خَافَ خَصْمُ مُعَامِلِهِ مِيلَهُ إلَيْهِ فَلَا يَرْفَعُهُ له وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَتَهُ مع إبْعَاضِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لهم وما قَالَهُ لَا يَأْتِي مع التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَا تَوْكِيلَ له غير مَعْرُوفٍ فَلَا يُكْرَهُ ذلك لِانْتِفَاءِ ما ذُكِرَ بِخِلَافِ وَكِيلِهِ الْمَعْرُوفِ وإذا عُرِفَ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ أَبْدَلَهُ فَإِنْ لم يَجِدْ من يُوَكِّلُهُ عَقَدَ بِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ وَقَعَتْ لِمَنْ عَامَلَهُ خُصُومَةٌ أَنَابَ نَدْبًا غَيْرَهُ في فَصْلِهَا خَوْفَ الْمَيْلِ إلَيْهِ وَيُوَكِّلُ في نَحْوِ أَمْرِ ضَيَاعِهِ من نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَنَحْوِهَا كما يُوَكِّلُ في غَيْرِ ذلك لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ فَصْلٌ تَحْرُمُ عليه الرِّشْوَةُ أَيْ قَبُولُهَا وَهِيَ ما يُبْذَلُ له لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أو لِيَمْتَنِعَ من الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ في الْحُكْمِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الذي يَأْخُذُ عليه الْمَالَ إنْ كان بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَخْذُ الْمَالِ في مُقَابَلَتِهِ حَرَامٌ أو بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ تَوْقِيفُهُ على الْمَالِ إنْ كان له رِزْقٌ في بَيْتِ الْمَالِ وَلِمَنْ لَا رِزْقَ له فيه وَلَا في غَيْرِهِ وهو غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْقَضَاءِ وكان عَمَلُهُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا إلَّا بِأُجْرَةٍ أو بِرِزْقٍ بِخِلَافِ الْمُتَعَيِّنِ لَا يَجُوزُ له ذلك وَيُفَارِقُ ما مَرَّ من جَوَازِ أَخْذِهِ من بَيْتِ الْمَالِ بِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَوْسَعُ وَفِيهِ حَقٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَلَا تُهْمَةَ في أَخْذِ الرِّزْقِ منه بِخِلَافِ الْأَخْذِ من الْخُصُومِ وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ منهم الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وابن الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذلك وَبِهِ صَرَّحَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ في رَوْضَتِهِ وَجَعَلَ ذلك وَجْهًا ضَعِيفًا انْتَهَى
وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ وَيَأْثَمُ من أَرْشَى الْقَاضِي لِلْخَبَرِ السَّابِقِ لَا من أَرْشَاهُ لِلْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ حَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِدُونِهَا فَلَا يَأْثَمُ وَإِنْ حَرُمَ الْقَبُولُ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ وَالْمُتَوَسِّطُ بين الْمُرْتَشِي وَالرَّاشِي كَمُوَكِّلِهِ مِنْهُمَا فِيمَا ذُكِرَ وَيَحْرُمُ عليه وَلَوْ في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ هَدِيَّةُ من له خُصُومَةٌ في الْحَالِ عِنْدَهُ وَلَوْ عُهِدَتْ منه قبل الْقَضَاءِ لِخَبَرِ هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوِيَ هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ وَرُوِيَ هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ وَيَنْكَسِرُ بها قَلْبُ خَصْمِهِ وما وَقَعَ في الرَّوْضَةِ من أنها لَا تَحْرُمُ في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سَبَبُهُ خَلَلٌ وَقَعَ في
____________________
(4/300)
نُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ وَكَذَا هَدِيَّةُ من لَا خُصُومَةَ له عِنْدَهُ تَحْرُمُ عليه في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إنْ لم يُعْهَدْ منه قبل الْقَضَاءِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا وفي الْكِفَايَةِ عن النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ أنها تُكْرَهُ له وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَمْلِكُهَا لو قَبِلَهَا لِأَنَّهُ قَبُولُ مُحَرَّمٍ وَيَرُدُّهَا على مَالِكِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهَا في بَيْتِ الْمَالِ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ هَدِيَّةَ إبْعَاضِهِ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لهم وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو أَرْسَلَهَا إلَيْهِ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ولم يَدْخُلْ بها حَرُمَتْ وَذَكَرَ فيها الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ وَتَحِلُّ له مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ له في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذْ ليس سَبَبُهَا الْعَمَلَ ظَاهِرًا وَلَا تَحْرُمُ عليه مِمَّنْ يَعْتَادُ هَا منه قبل الْقَضَاءِ إنْ لم تَرِدْ على الْمُعْتَادِ لِذَلِكَ ولكن الْأَوْلَى له أَنْ يَرُدَّ هَا أو يُثِيبَ عليها أو يَضَعَهَا في بَيْتِ الْمَالِ إنْ قَبِلَهَا لِأَنَّ ذلك أَبْعَدُ عن التُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْبَلُهَا وَيُثِيبُ عليها أَمَّا إذَا زَادَتْ على الْمُعْتَادِ فَكَمَا لو لم تَعَهَّدَ منه كَذَا في الْأَصْلِ وَقَضَيْتُهُ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ لَكِنْ قال الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عن الْمَذْهَبِ إنْ كانت الزِّيَادَةُ من جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا في الْمَأْلُوفِ وَإِلَّا فَلَا وفي الذَّخَائِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ لم تَتَمَيَّزْ الزِّيَادَةُ حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَالزَّائِدُ فَقَطْ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بِالْوِلَايَةِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَجَعَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْقِيَاسَ فَإِنْ زَادَ في الْمَعْنَى كَأَنْ أَهْدَى من عَادَتُهُ قُطْنًا حَرِيرًا فَقَدْ قالوا يَحْرُمُ أَيْضًا لَكِنْ هل يَبْطُلُ في الْجَمِيعِ أَمْ يَصِحُّ منها بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتَادِ فيه نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَذَلِكَ لَكِنْ قال السُّبْكِيُّ في الْحَلَبِيَّاتِ لِلْقَاضِي قَبُولُهَا مِمَّنْ لَيْسَتْ له عَادَةٌ وَلَيْسَ له حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَالَ الْخُصُومَةِ وَلَا حُضُورُ وَلِيمَتِهِمَا وَلَوْ في غَيْرِ مَحَلِّ الْوِلَايَةِ لِخَوْفِ الْمَيْلِ وَيُجِيبُ غَيْرَهُمَا اسْتِحْبَابًا إنْ عَمَّ الْمُولِمُ النِّدَاءَ لها ولم تَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عن الْحُكْمِ بِخِلَافِ ما إذَا قَطَعَتْهُ عنه فَيَتْرُكُهَا في حَقِّ الْجَمِيعِ وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ من اعْتَادَ تَخْصِيصَهُ بها قبل الْوِلَايَةِ وَيُكْرَهُ له حُضُورُ وَلِيمَةٍ اُتُّخِذَتْ له خَاصَّةً أو لِلْأَغْنِيَاءِ وَدُعِيَ فِيهِمْ بِخِلَافِ ما لو اُتُّخِذَتْ لِلْجِيرَانِ أو لِلْعُلَمَاءِ وهو منهم قال الْأَذْرَعِيُّ وما ذُكِرَ من كَرَاهَةِ حُضُورِهِ لها فِيمَا إذَا اُتُّخِذَتْ له أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ من التَّهْذِيبِ وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّ ذلك كَالْهَدِيَّةِ وهو ما أَوْرَدَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَلَا يُضِيفُ الْقَاضِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْآخَرِ لِخَبَرِ لَا يُضِيفُ أحدكم أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ معه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ لَكِنْ ذَكَرَ له مُتَابِعًا وَلَا يَلْتَحِقُ
____________________
(4/301)
بِالْقَاضِي فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمِ إذْ ليس لهم أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ له وأن يَزِنَ عنه ما عليه لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا وأن يَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَزُورَ الْقَادِمِينَ وَلَوْ كَانُوا مُتَخَاصِمِينَ لِأَنَّ ذلك قُرْبَةٌ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ التَّعْمِيمُ أتى بِمُمْكِنِ كل نَوْعٍ وَخَصَّ من عَرَفَهُ وَقَرُبَ منه وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَائِمِ إذَا كَثُرَتْ بِأَنَّ أَظْهَرَ الْأَغْرَاضِ فيها الثَّوَابُ لَا الْإِكْرَامُ وفي الْوَلَائِمِ بِالْعَكْسِ قال الرَّافِعِيُّ وَالنَّفْسُ لَا تَكِنُّ إلَيْهِ وَلِعَدَمِ إيضَاحِهِ قال الْقَاضِي أبو حَامِدٍ يُسَوَّى أو يُتْرَكُ كَإِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ فَرْعٌ شَهَادَةُ الزُّورِ من أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَهَا منه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ بِإِقْرَارِهِ أَيْ الشَّاهِدِ أو بِتَيَقُّنٍ لِلْقَاضِي منه بِأَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى في بَلَدٍ يوم كَذَا وقد رَآهُ الْقَاضِي ذلك الْيَوْمَ في غَيْرِهِ فَيُعَزِّرُهُ بِمَا يَرَاهُ من تَوْبِيخٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَنَحْوِهَا وَيُشْهِرُهُ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ عليه في سُوقِهِ أو قَبِيلَتِهِ أو مَسْجِدِهِ تَحْذِيرًا عنه وَتَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ وَلَا يَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا لِاحْتِمَالِ زُورِهَا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَصْلٌ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَفُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ وَمَمْلُوكٍ لهم وَمُكَاتَبٍ لهم وَلَا لِشُرَكَائِهِمْ فِيمَا لهم فيه شَرِكَةٌ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَلَوْ قال وَمَمْلُوكٍ لهم وَلَوْ مُكَاتَبًا كان أَوْلَى قال في الْمَطْلَبِ وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ في قَضَائِهِ لَلشَّرِيك في صُورَةٍ يُشَارِكُ فيها أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ فِيمَا يَحْصُلُ له كما سَيَأْتِي في الشَّهَادَاتِ وما قَالَهُ هو مُرَادُهُمْ وَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عليهم كما تَنْفُذُ شَهَادَتُهُ عليهم وَهَذَا من زِيَادَتِهِ فِيمَا عَدَا الْفُرُوعَ وَالْأُصُولَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ نُفُوذُ قَضَائِهِ على نَفْسِهِ وقد قال الْمَاوَرْدِيُّ لو حَكَمَ على نَفْسِهِ أَخَذْنَا بِهِ وَهَلْ هو إقْرَارٌ أو حُكْمٌ فيه وَجْهَانِ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ حُكْمٌ لَا على بَعْضٍ لِبَعْضٍ لِمَا فيه من قَضَائِهِ لِبَعْضِهِ فَأَشْبَهَ بَعْضَهُ مع الْأَجْنَبِيِّ وَيَقْضِي له وَلِهَؤُلَاءِ إذَا وَقَعَتْ له أو لهم خُصُومَةٌ نَائِبُهُ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أو الْإِمَامُ أو قَاضٍ آخَرُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلَا يَقْضِي على عَدُوٍّ له كَالشَّهَادَةِ عليه وفي جَوَازِ حُكْمِهِ بِشَهَادَةِ ابْنٍ له لم يُعَدِّلْهُ شَاهِدَانِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَصْمُ لَا الشَّاهِدُ وَالثَّانِي لَا قال ابن الرِّفْعَةِ وهو الْأَرْجَحُ في الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ فَإِنْ عَدَّلَهُ شَاهِدَانِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ وَكَابْنِهِ في ذلك سَائِرُ أَبْعَاضِهِ وَلَهُ اسْتِخْلَافُهُ أَيْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ كَنَفْسِهِ وَهَلْ يَجُوزُ له تَنْفِيذُ حُكْمِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ عن جَدِّهِ قال وَقِيلَ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فيه وله أَنْ يَحْكُمَ لِيَتِيمٍ وَصَّى بِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي أَمْرَ الْأَيْتَامِ كُلِّهِمْ وَإِنْ لم يَكُنْ وَصِيًّا فَلَا تُهْمَةَ وَقِيلَ ليس له ذلك كما لَا يَشْهَدُ له قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِتَرْجِيحِهِ
____________________
(4/302)
فَصْلٌ فِيمَا يُنْقَضُ من قَضَائِهِ أَيْ الْقَاضِي وَلْنُقَدِّمْ عليه قَوَاعِدَ فَنَقُولُ الْمُعْتَمَدُ فِيمَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وقد يَقْتَصِرُ على الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُقَالُ الْإِجْمَاعُ يَصْدُرُ عن أَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسُ يُرَدُّ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إنْ لم يَنْتَشِرْ في الصَّحَابَةِ حُجَّةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عن الْخَطَأِ فَأَشْبَهَ التَّابِعِيَّ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ يُسَاوِيهِ في أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً على غَيْرِهِ لَكِنْ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ على الْآخَرِ وإذا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ليس بِحُجَّةٍ فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ في شَيْءٍ كَاخْتِلَافِ سَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ وَاحِدٍ منهم حُجَّةً نعم إنْ لم يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فيه مَجَالٌ فَهُوَ حُجَّةٌ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في اخْتِلَافِ الحديث فقال رُوِيَ عن عَلِيٍّ أَنَّهُ صلى في لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ في كل رَكْعَةٍ سِتُّ سَجَدَاتٍ وقال لو ثَبَتَ ذلك عن عَلِيٍّ لَقُلْت بِهِ فإنه لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فيه فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ تَوْقِيفًا انْتَهَى
وَذَكَرَ في الْمَحْصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ حُجَّةٌ ذَكَرَ ذلك الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ في الصَّحَابَةِ وَوَافَقُوهُ فَإِجْمَاعٌ حتى في حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ له كَغَيْرِهِ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ خَالَفُوهُ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ فَإِنْ سَكَتُوا بِأَنْ لم يُصَرِّحُوا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ أو لم يُنْقَلْ سُكُوتٌ وَلَا قَوْلٌ فَحُجَّةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَوْلُ مُجَرَّدَ فَتْوَى أَمْ حُكْمًا من إمَامٍ أو قَاضٍ لِأَنَّهُمْ لو خَالَفُوهُ لَاعْتَرَضُوا عليه هذا إنْ انْقَرَضُوا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفُوهُ لِأَمْرٍ يَبْدُو لهم وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ وهو ما قُطِعَ فيه بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أو بَعْدَ تَأْثِيرِهِ وَغَيْرُهُ وهو ما لَا يُقْطَعُ فيه بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي في كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذلك فَالْجَلِيُّ كَإِلْحَاقِ الضَّرْبِ بِالتَّأْفِيفِ في قَوْله تَعَالَى فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وما فَوْقَ الذَّرَّةِ بها في قَوْله تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمِنْهُ ما وَرَدَ النَّصُّ فيه على الْعِلَّةِ كَخَبَرِ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عن ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ من أَجْلِ الدَّافَّةِ عَلَيْكُمْ وهو كَالْمَنْصُوصِ في أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَغَيْرُهُ الْجَلِيُّ ما يَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ لِلْأَصْلِ فَمِنْهُ ما الْعِلَّةُ فيه مُسْتَنْبَطَةٌ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ على الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ وَمِنْهُ قِيَاسُ الشَّبَهِ وهو أَنْ تُشْبِهَ الْحَادِثَةُ أَصْلَيْنِ أَمَّا في الْأَوْصَافِ بِأَنْ تُشَارِكَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْأَصْلَيْنِ في بَعْضِ الْمَعَانِي وَالْأَوْصَافِ الْمَوْجُودَةِ فيه وَأَمَّا في الْأَحْكَامِ كَالْعَبْدِ يُشَارِكُ الْحُرَّ في بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالْمَالِ في بَعْضِهَا فَيَلْحَقُ بِمَا الْمُشَارَكَةُ فيه أَكْثَرُ وَالْحَقُّ الذي أَمَرَ الْمُجْتَهِدُ بِإِصَابَتِهِ مع أَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ في الْفُرُوعِ
قال صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أو في الْأُصُولِ وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ مَأْجُورٌ لِقَصْدِهِ الصَّوَابَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ فَقَطْ أَيْ لَا لِاجْتِهَادِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَأِ وَكَأَنَّهُ لم يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَإِنْ بَانَ لِلْقَاضِي الْخَطَأُ في حُكْمِهِ أو حُكْمِ غَيْرِهِ نَظَرْت فَإِنْ خَالَفَ فيه قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَإِجْمَاعٍ أو ظَنِّيًّا مُحْكَمًا أَيْ وَاضِحَ الدَّلَالَةِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ أو الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ نُقِضَ وُجُوبًا حُكْمُهُ أَيْ حُكْمُ الْمُخْطِئِ بِالْإِجْمَاعِ في مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عليه في الْبَقِيَّةِ وَعَلَيْهِ إعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ بِانْتِقَاضِهِ في نَفْسِ الْأَمْرِ وَحَاصِلُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَإِعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ
____________________
(4/303)
بِصُورَةِ الْحَالِ لِيَتَرَافَعَا إلَيْهِ فَيَنْقُضُهُ سَوَاءٌ أَعَلِمَا أَنَّهُ بَانَ له الْخَطَأُ أَمْ لَا لِأَنَّهُمَا قد يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْحُكْمَ وَإِنْ بَانَ له الْخَطَأُ لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ما حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُهُ وَإِنْ لم يُرْفَعْ إلَيْهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَتَأْوِيلُهَا مُتَعَيِّنٌ انْتَهَى
وَمِنْ ثَمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عن عِبَارَةِ أَصْلِهِ إلَى ما قَالَهُ وهو حَسَنٌ وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هو تَتَبُّعُ قَضَاءِ غَيْرِهِ كما مَرَّ وفي تَعْبِيرِهِمْ بِنَقَضَ وَانْتُقِضَ مُسَامَحَةً إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لم يَصِحَّ من أَصْلِهِ نَبَّهَ عليه ابن عبد السَّلَامِ وَإِنْ بَانَ له الْخَطَأُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَجَّحَهُ أَيْ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ اعْتَمَدَهُ مُسْتَقْبَلًا أَيْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ من أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ وَلَا يَنْقُضُ بِهِ حُكْمًا لِأَنَّ الظُّنُونَ الْمُتَقَارِبَةَ لَا اسْتِقْرَارَ لها فَلَوْ نَقَضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلِشِقِّ الْأَمْرِ على الناس وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ شَرَكَ الشَّقِيقَ في الْمُشْرِكَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِحِرْمَانِهِ ولم يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وقال ذَاكَ على ما قَضَيْنَا وَهَذَا على ما نَقْضِي
وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ ومدة الْعِدَّةِ أو بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وبنفي بَيْعِ الْعَرَايَا وَمَنْعِ الْقِصَاصِ في الْمُثْقَلِ أَيْ في الْقَتْلِ بِهِ وصحة بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ ونكاح الْمُتْعَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ أو نَحْوِ ذلك كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بين الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ نُقِضَ قَضَاؤُهُ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِحْسَانِ فَاسِدٍ وَذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ في عِصْمَةِ النُّفُوسِ في الرَّابِعَةِ وفي جَعْلِ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا مُطْلَقًا أو حَيًّا كَذَلِكَ في الْأُولَى وَالْحَاكِمُ الْمُخَالِفُ جَعَلَهُ فيها مَيِّتًا في النِّكَاحِ دُونَ الْمَالِ وَلِظُهُورِ الْأَخْبَارِ في خِلَافِ حُكْمِهِ في الْبَقِيَّةِ وَبُعْدِهَا عن التَّأْوِيلَاتِ التي عِنْدَهُ وَقِيلَ لَا يُنْقَضُ ذلك وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ على الْأَوَّلِ كما يُعْلَمُ من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا وَاقْتَصَرَ في كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ على نَقْلِهِ عن الرُّويَانِيِّ نَفْسِهِ عن الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَاسِدُ أَنْ يُسْتَحْسَنَ شَيْءٌ لِأَمْرٍ هَجَسَ في النَّفْسِ أو لِعَادَةِ الناس من غَيْرِ دَلِيلٍ أو على خِلَافِ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ مُتَابَعَتُهُ وقد يُسْتَحْسَنُ الشَّيْءُ بِدَلِيلٍ يَقُومُ عليه من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ فَيَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَلَا يُنْقَضُ وهو ما احْتَرَزَ عنه الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ فَاسِدٌ لَا إنْ قَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِالْأُولَى أو بِشَهَادَةِ من لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقٍ فَلَا يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فيها وَالتَّرْجِيحُ في هذه هُنَا وفي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ ما عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ من زِيَادَتِهِ هذا كُلُّهُ في الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ وَإِنْ كان الْقَاضِي قَبِلَهُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ نُقِضَ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا وَإِنْ أَصَابَ فيها لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ قُلْت لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لم يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مع الْجَهْلِ أو نَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ ما أَصَابَ فيه فَرْعٌ لو كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمٍ لَا يُنْقَضُ ولم يَعْتَقِدْهُ بَلْ رَأَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ منه أَعْرَضَ عنه وَلَا يُنْفِذُهُ كما لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّ ذلك إعَانَةٌ على ما يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ وَهَذَا ما حَكَاهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ كَجٍّ عن النَّصِّ ثُمَّ حَكَى عن السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ عَكْسِهِ قال وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ كما لو حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ وَتَرَافُعَ خُصَمَاءِ الْحَادِثَةِ إلَيْهِ فيها فإنه يَمْضِي حُكْمُهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ منه أَمَّا لو كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمٍ يُنْقَضُ فَيَعْرِضُ عنه جَزْمًا وَيَنْقُضُهُ بِطَرِيقِهِ وَلَوْ اُسْتُقْضِيَ مُقَلَّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ من قَلَّدَهُ لم يُنْقَضْ بِنَاءً على أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ من شَاءَ فَصْلٌ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الصَّادِرُ منه فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فيه بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ على أَصْلٍ كَاذِبٍ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَلَا يَحِلُّ حَرَامًا وَلَا عَكْسُهُ فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِظَاهِرَيْ الْعَدَالَةِ لم يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ
____________________
(4/304)
الْحِلُّ بَاطِنًا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهُمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ إنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من نَارٍ وَيُنْتَهَضُ حُكْمُهُ الْمَذْكُورُ شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّ مَحْكُومٌ له بِمُزَوَّجَةٍ من غَيْرِهِ وَطِئَهَا لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ وَطْئًا في نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ في صِحَّتِهِ وَقِيلَ يُحَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ منه جَهْدُهَا فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلَا إثْمَ عليها صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَحَمَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ على ما إذَا رُبِطَتْ وَوُطِئَتْ لِئَلَّا يُخَالِفَ ما مَرَّ في أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ من أَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وقد يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لم يَتَقَدَّمْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ ما هُنَا
وَلِلْأَوَّلِ فِيمَا إذَا حَكَمَ بِطَلَاقِهَا بِشَاهِدَيْ زُورٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِثَانٍ وَطْؤُهَا بَاطِنًا لَا إنْ وَطِئَهَا الثَّانِي وَلَوْ عَالِمًا بِالْحَالِ أو نَكَحَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَوَطِئَهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ مع أَنَّهُ أَيْ وَطْؤُهُ لها حَيْثُ أُبِيحَ له مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَالْحَدِّ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ في وَطْئِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ من زِيَادَتِهِ أَمَّا ما بَاطِنُ الْأَمْرِ فيه كَظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ على أَصْلٍ صَادِقٍ فَيَنْفُذُ الْحُكْمُ فيه بَاطِنًا أَيْضًا قَطْعًا إنْ كان في مَحَلِّ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ إنْ كان في مَحَلِّ اخْتِلَافِهِمْ وَإِنْ كان الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ كما سَيَأْتِي لِتَتَّفِقَ الْكَلِمَةُ وَيَتِمَّ الِانْتِفَاعُ وَقِيلَ لَا لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ لَا في حَقِّ من لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَوْ قَضَى حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ أو بِالْإِرْثِ بِالرَّحِمِ حَلَّ له الْأَخْذُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْعُهُ من الْأَخْذِ بِذَلِكَ وَلَا من الدَّعْوَى بِهِ إذَا أَرَادَهَا اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّ ذلك مُجْتَهَدٌ فيه وَالِاجْتِهَادُ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي لَا الشَّاهِدُ كَشَافِعِيٍّ شَهِدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ وَلَهَا حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِنَفْسِ الْجِوَارِ وهو جَائِزٌ ثَانِيهِمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ أو بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَرْعٌ لو قال خَصْمَانِ لِقَاضٍ حَكَمَ بَيْنَنَا فُلَانٌ بِكَذَا فَانْقُضْهُ وَاحْكُمْ بَيْنَنَا لم يُجِبْهُمَا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بمثله فَصْلٌ مَنْثُورٌ مَسَائِلُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْحَثَ أَيْ يَسْأَلَ أَصْدِقَاءَهُ الْأُمَنَاءَ عن عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيَجْتَنِبَهَا وَأَنْ يَرْكَبَ في مَسِيرِهِ إلَى مَجْلِسِ وفي نُسْخَةٍ مَوْضِعِ حُكْمِهِ وأن يُسَلِّمَ في طَرِيقِهِ على الناس وإذا دخل عليهم وأن يَدْعُوَ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ وأن يَقِفَ عِنْدَهُ أَمِينٌ مَمْسُوحٌ ذَكَرَهُ لِأَجْلِ النِّسَاءِ يُرَتِّبُ الْخُصُومَ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَسْمُوحِ
____________________
(4/305)
أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْخَصِيِّ وَلَهُ أَيْ لِلْقَاضِي تَعْيِينُ وَقْتٍ لِلْحُكْمِ فيه بِحَسَبِ حَاجَةِ الناس وَدَعَاوِيهِمْ وَأَنْ وفي نُسْخَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ الدَّعْوَى في غَيْرِهِ أَيْ في غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ إذَا اتَّفَقَ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ وَيُعْذَرُ في عَدَمِ سَمَاعِهَا لِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ كَصَلَاةٍ وَحَمَّامٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا كما اتَّخَذَهُمَا عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه وقد حَبَسَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا في تُهْمَةٍ ثُمَّ خَلَّى عنه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ فَرْعٌ لو خَشِيَ الْقَاضِي هَرَبَ خَصْمٍ من حَبْسِهِ فَنَقَلَهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ جَازَ وَلَا يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ من الِاسْتِمْتَاعِ بِنِسَائِهِ في الْحَبْسِ إنْ أَمْكَنَ فيه فَإِنْ امْتَنَعْنَ من ذلك أُجْبِرَتْ أَمَتُهُ عليه لَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلَا الْأَمَةِ إلَّا إنْ رضي سَيِّدُهَا بِذَلِكَ فَتُجْبَرُ وما ذَكَرَهُ من عَدَمِ مَنْعِ الْمَحْبُوسِ مِمَّا ذُكِرَ خَالَفَهُ في بَابِ التَّفْلِيسِ كما مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ وَيُجَابُ الْخَصْمُ إلَى مُلَازَمَةِ خَصْمِهِ بَدَلًا عن الْحَبْسِ لِأَنَّهَا أَخَفُّ فَإِنْ اخْتَارَ الْغَرِيمُ الْحَبْسَ على الْمُلَازَمَةِ وَشَقَّ عليه بِسَبَبِهَا الْعِبَادَةُ أُجِيبَ فَيُحْبَسُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَشُقَّ عليه ذلك وَهَلْ يُحْبَسُ مَرِيضٌ وَمُخَدَّرَةٌ وابن سَبِيلٍ مَنْعًا لهم من الظُّلْمِ أو لَا يُحْبَسُونَ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِمْ لِيَتَرَدَّدُوا وَيَتَجَمَّلُوا وَجْهَانِ أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ وَيُحْبَسُ الْوَكِيلُ وأبو الطِّفْلِ وَقَيِّمُهُ في دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ لَا غَيْرِهَا وَلَا يُحْبَسُ صَبِيٌّ ولا مَجْنُونٌ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَلَا مُكَاتَبٌ بِالنُّجُومِ أَيْ بِسَبَبِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ من جِهَتِهِ وَكَذَا بِغَيْرِهَا في حَقِّ السَّيِّدِ وَلَا عَبْدٌ جَانٍ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا وَلَا سَيِّدُهُ لِيُؤَدِّيَ أو يَبِيعَ بَلْ يُبَاعُ عليه إنْ وُجِدَ رَاغِبٌ وامتنع من بَيْعٍ وَفِدَاءٍ له وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ على الْمَحْبُوسِ كما تَجِبُ أُجْرَةُ الْجَلَّادِ على الْمَجْلُودِ وأجرة الْوَكِيلِ أَيْ الْمُوَكَّلِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِهِ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ على من وُكِّلَ بِهِ بِضَمِّ الْوَاوِ إنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ الطَّرَفُ الثَّانِي في مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ وهو الْحُجَّةُ وَإِقْرَارُهُ أَيْ الْمُدَّعَى عليه بِالْمُدَّعِي في مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَكَذَا عِلْمُهُ أَيْ الْقَاضِي بِصِدْقِ الْمُدَّعِي وَلَوْ في قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ في زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا أَمْ في غَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ في الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ ظَنًّا فَبِالْعِلْمِ أَوْلَى لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كما أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ فَلَوْ رَامَ الْبَيِّنَةَ نَفْيًا لِلرِّيبَةِ كان أَحْسَنَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ في خُلَاصَتِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ لنا من الْحُجَجِ ما لَا يَلْزَمُ معه الْحُكْمُ إلَّا هذا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مع التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ عِلْمُهُ بِذَلِكَ فيقول قد عَلِمْت أَنَّ له عَلَيْك ما ادَّعَاهُ وَحَكَمْت عَلَيْك بِعِلْمِي فَإِنْ اقْتَصَرَ على أَحَدِهِمَا لم يَنْفُذْ الْحُكْمُ لَا في
____________________
(4/306)
حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى لِنَدْبِ السَّتْرِ في أَسْبَابِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وإذا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كما مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِ هذه الْجُزْئِيَّةِ النَّادِرَةِ مع فِسْقِهِ الظَّاهِرِ وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ قَطْعًا
وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ كَأَنْ عَلِمَ إبْرَاءَ الْمُدَّعَى عليه مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَلَا يُقْضَى بها فيه بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُقْضَى في هذه بِعِلْمِهِ أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ الشَّاشِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَإِنْ قال الْقَاضِي في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت بِكَذَا أو ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أو نَحْوُهُ قُبِلَ قَطْعًا وَإِنْ كانت التُّهْمَةُ مُمْكِنَةً كما أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ وَإِنْ كانت التُّهْمَةُ مُمْكِنَةً وإذا ذَكَرَ وفي نُسْخَةٍ تَذَكَّرَ حُكْمًا له بِحُجَّةٍ لِأَحَدٍ وَطُلِبَ منه إمْضَاؤُهُ وَجَبَ عليه إمْضَاؤُهُ كما لو طُلِبَ منه الْحُكْمُ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ هو أَيْ ما ذُكِرَ من الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ حُكْمًا بِعِلْمٍ أَيْ يَقِينٍ وَإِنَّمَا هو مِثْلُ أَنْ يَرَى الْقَاضِي رَجُلًا يُقْرِضُ رَجُلًا مَالًا أو يُقِرُّ له بِهِ في غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمِهِ أو فيه قبل الدَّعْوَى فَيَحْكُمُ فيه بِظَنِّهِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ بِقَرِينَةِ تَمْثِيلِهِمْ لِلْقَضَاءِ بِهِ بِمَا إذَا ادَّعَى عليه مَالًا وقد رَآهُ الْقَاضِي أَقْرَضَهُ ذلك أو سمع الْمُدَّعَى عليه أَقَرَّ بِذَلِكَ إذْ رُؤْيَةُ الْإِقْرَاضِ وَسَمَاعُ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَقْتَ الْقَضَاءِ فَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّمَا يَقْضِي بِالْعِلْمِ فِيمَا يَسْتَيْقِنُهُ لَا ما يَظُنُّهُ اخْتِيَارًا له أو يُحْمَلُ قَوْلُهُ ما يَسْتَيْقِنُهُ على ما يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وما بَعْدَهُ على مُجَرَّدِ الظَّنِّ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ بَعْدَ الدَّعْوَى فَالْحُكْمُ بِهِ لَا بِالْعِلْمِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا نعم إنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ سِرًّا فَهُوَ حُكْمٌ بِالْعِلْمِ قَالَهُ في الْأَنْوَارِ
وَالْأَصْلُ قَدَّمَ هذه الْمَسْأَلَةَ على
____________________
(4/307)
@ 308 مَسْأَلَةِ ذِكْرِ الْحَاكِمِ حُكْمَهُ وهو أَنْسَبُ لِتَعَلُّقِ تِلْكَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لم يَذْكُرْهُ لم يُمْضِهِ وَلَوْ كان بِسِجِلٍّ في حِفْظِهِ أَيْ حِرْزِهِ لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَمُشَابَهَةِ الْخَطِّ وَلِأَنَّ قَضَاءَهُ فِعْلُهُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْعِلْمِ هو الْأَصْلُ في فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَلِهَذَا يَأْخُذُ عِنْدَ الشَّكِّ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بِالْعِلْمِ وَكَذَا الشَّاهِدُ لَا يَشْهَدُ بِمَضْمُونِ خَطِّهِ وَإِنْ كان الْكِتَابُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ وَبَعْدَ احْتِمَالِ التَّزْوِيرِ ما لم يَتَذَكَّرْهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الحديث فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِلشَّخْصِ اعْتِمَادًا على الْخَطِّ الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ لِعَمَلِ الْعُلَمَاءِ بِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا وقد يُتَسَاهَلُ في الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ من الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَمِنْ الْفَرْعِ مع حُضُورِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الرَّاوِيَ يقول حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ أَنَّهُ يَرْوِي كَذَا وَلَا يقول الشَّاهِدُ حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِكَذَا وَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ لِلشَّخْصِ بِإِجَازَةٍ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ الْمُحَدِّثُ بِخَطِّهِ إنْ عَرَفَ هو خَطَّهُ اعْتِمَادًا على الْخَطِّ فيقول أخبرني فُلَانٌ كِتَابَةً أو في كِتَابِهِ أو كَتَبَ إلَيَّ بِكَذَا وَيَصِحُّ أَنْ يَرْوِيَ عنه بِقَوْلِهِ أَجَزْتُك مَرْوِيَّاتِي أو مَسْمُوعَاتِي أو نَحْوَهُمَا بَلْ لو قال أَجَزْت الْمُسْلِمِينَ أو من أَدْرَكَ زَمَانِي أو كُلَّ أَحَدٍ أو نَحْوَهُ صَحَّ لَا بِقَوْلِهِ أَجَزْت أَحَدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا مَرْوِيَّاتِي أو نَحْوَهَا أو أَجَزْتُك أَحَدَ هذه الْكُتُبِ لِلْجَهْلِ بِالْمَجَازِ له في الْأُولَى وَبِالْمَجَازِ في الثَّانِيَةِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَجَزْت من سَيُولَدُ لي مَرْوِيَّاتِي مَثَلًا لِعَدَمِ الْمَجَازِ له وَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَتَكْفِي الرِّوَايَةُ بِكِتَابَةٍ وَنِيَّةٍ جَائِزَةٍ كما تَكْفِي بِالْقِرَاءَةِ عليه مع سُكُوتِهِ وإذا كَتَبَ الْإِجَازَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَلَفَّظَ بها وَقَوْلُهُ بِلَا لَفْظٍ إيضَاحٌ فَرْعٌ لو وَجَدَ إنْسَانٌ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ أَنَّ له دَيْنًا على شَخْصٍ أو أَنَّهُ أَدَّى لِفُلَانٍ كَذَا وَعَرَفَ أَمَانَتَهُ فَلَهُ الْحَلِفُ على اسْتِحْقَاقِهِ أو أَدَائِهِ اعْتِمَادًا على ذلك وَكَذَا لو وَجَدَ خَطَّ نَفْسِهِ بِذَلِكَ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الدَّعَاوَى وَاشْتُرِطَ فيه هُنَا أَنْ يَتَذَكَّرَ ذلك لِإِمْكَانِ الْيَقِينِ بِخِلَافِهِ في خَطِّ مُوَرِّثِهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَفَرَّقُوا بين ذلك وَبَيْنَ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِغَيْرِ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ وَبِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَظِيمٌ وَعَامٌّ بِخِلَافِ الْحَلِفِ فإنه يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ وَيُبَاحُ بِغَالِبِ الظَّنِّ وَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَامٍّ وَتَعْبِيرُهُ بِمُوَرِّثِهِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَبِيهِ مع أَنَّ ذلك ليس بِقَيْدٍ بَلْ خَطُّ مُكَاتَبِهِ الذي مَاتَ في أَثْنَاءِ الْكِتَابَةِ وَخَطُّ مَأْذُونِهِ الْقِنِّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَطُّ مُعَامِلِهِ في الْقِرَاضِ وَشَرِيكِهِ في التِّجَارَةِ كَذَلِكَ عَمَلًا بِالظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ وَكَذَا الْخَطُّ ليس بِقَيْدٍ بَلْ الْإِخْبَارُ من عَدْلٍ مِثْلِهِ وَيَنْبَغِي أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُثْبِتَ حِلْيَةَ مُقِرِّ جَهْلِهِ وَالتَّارِيخَ وَمَوْضِعَ تَحَمُّلِهِ لِلشَّهَادَةِ وَنَحْوَ ذلك كَمَنْ كان معه حِينَئِذٍ لِيَسْتَعِينَ بها على التَّذَكُّرِ عِنْدَ الْأَدَاءِ
وَلَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّك حَكَمْت بِكَذَا ولم يَتَذَكَّرْ ذلك لم يُؤَثِّرْ أَيْ لم يُحْكَمْ بِقَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِالْحَقِّ بَعْدَ تَجْدِيدِ دَعْوَى وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِعْلُهُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْيَقِينِ هو الْأَصْلُ في فِعْلِ الْإِنْسَانِ كما مَرَّ بِخِلَافِهِ في الرِّوَايَةِ بَلْ يَجُوزُ لِلرَّاوِي إذَا نَسِيَهَا أَنْ يَقُولَ أخبرني فُلَانٌ عَنِّي بِكَذَا كما وَقَعَ لِسُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ في رِوَايَتِهِ خَبَرٌ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ وَسَمِعَهُ منه رَبِيعَةُ بن أبي عبد الرحمن ثُمَّ نَسِيَ سُهَيْلٌ ذلك فَكَانَ يَرْوِيهِ عنه فيقول حدثني رَبِيعَةُ عَنِّي أَنِّي حَدَّثْته عن أبي عن أبي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِلْمُسَاهَلَةِ فيها كما مَرَّ وإذا لم يَتَذَكَّرْ الْقَاضِي فَحَقُّهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ وَلَا يَقُولَ لم أَحْكُمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَوَقَّفَ وَشَهِدَا على حُكْمِهِ عِنْدَ قَاضٍ غَيْرِهِ نَفَذَ بِشَهَادَتِهِمَا حُكْمُ الْأَوَّلِ وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ تَوَقُّفُهُ لَا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَوْ بِعِلْمِهِ إنْكَارُهُ ذلك فَلَا يُنْفِذُهُ وَلَيْسَ له أَيْ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ عليه أَيْ على الْقَاضِي في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَنَّك حَكَمْت لي بِكَذَا كما في نَظِيرِهِ في الشَّهَادَةِ
وَلَوْ كان مَعْزُولًا أو في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ عليه بِذَلِكَ لَا إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بَعْدَ عَزْلِهِ وَلَا في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَا يَحْلِفُ سَوَاءٌ أَكَانَ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كما لَا يَحْلِفُ الشَّاهِدُ إذَا أَنْكَرَ الشَّهَادَةَ أَمْ في غَيْرِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ من حَيْثُ إنَّهُ قد يَنْكُلُ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي قال في الْأَصْلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ سَمَاعُ الدَّعْوَى على الْقَاضِي مَعْزُولًا أو غَيْرَهُ بِذَلِكَ ليس على قَوَاعِدِ الدَّعَاوَى الْمُلْزِمَةِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بها التَّدَرُّعُ إلَى إلْزَامِ الْخَصْمِ فَإِنْ كان له بَيِّنَةٌ فَلْيُقِمْهَا في وَجْهِ الْخَصْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ على الْقَاضِي بَيِّنَةً وَلَا يُطَالَبُ بِيَمِينٍ كما لو ادَّعَى على رَجُلٍ أَنَّك شَاهِدِي انْتَهَى وَهَلْ له أَيْ لِمُدَّعِي ذلك فِيمَا إذَا لم يَتَذَكَّرْ الْقَاضِي حُكْمَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ
____________________
(4/308)
حُكْمَهُ أو لَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَيُؤَيِّدُهُ ما سَيَأْتِي من قَوْلِهِمْ كُلُّ من تَوَجَّهَتْ عليه دَعْوَى لو أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ حَلِفٌ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في التَّسْوِيَةِ بين الْخَصْمَيْنِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ في الْإِكْرَامِ لَهُمَا وجواب السَّلَامِ عَلَيْهِمَا وَالنَّظَرُ إلَيْهِمَا وَغَيْرُهُ من سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ كَاسْتِمَاعٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ وَقِيَامٍ لَهُمَا فَلَا يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ من ذلك وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ الْآخَرِ وَيَمْنَعُهُ من إقَامَةِ حُجَّتِهِ وَرَوَى أبو دَاوُد عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا بَعَثَهُ قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ قال له إذَا جَلَسَ بين يَدَيْك الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ حتى تَسْمَعَ من الْآخَرِ كما سَمِعْت من الْأَوَّلِ فإنه أَحْرَى أَنْ يُبَيَّنَ لَك الْقَضَاءُ وَعَطْفُ ما بَعْدَ الْإِكْرَامِ عليه من عَطْفِ الْخَاصِّ على الْعَامِّ فَإِنْ سَلَّمَ عليه أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرُ أو قال له سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا مَعًا إذَا سَلَّمَ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا هذا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فيه ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَرُدُّهُ على الْمُسَلِّمِ وَحْدَهُ في الْحَالِ ثَانِيهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ ثَالِثُهَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمَا مَعًا في الْحَالِ ولم يَحْكِ ما نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَجْهًا بَلْ عَزَاهُ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي من غَيْرِ أَصْحَابِنَا
وَالْمُخْتَارُ ما مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ من وُجُوبِ الرَّدِّ عليه في الْحَالِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قال وما ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا لَا يُوَافِقُ ما جَزَمَا بِهِ في السِّيَرِ من أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا ذلك هُنَا حَذَرًا من التَّخْصِيصِ وَتَوَهُّمِ الْمَيْلِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عن الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وهو حَسَنٌ وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ وقد رَأَيْنَا من يُوَكِّلُ فِرَارًا من التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَيَرْفَعُ في الْمَجْلِسِ جَوَازًا مُسْلِمًا على كَافِرٍ بِأَنْ يُجْلِسَ مَثَلًا الْمُسْلِمَ أَقْرَبَ إلَيْهِ كما جَلَسَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه بِجَنْبِ شُرَيْحٍ في خُصُومَةٍ له مع يَهُودِيٍّ وقال لو كان خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت معه بين يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَا تُسَاوُوهُمْ في الْمَجْلِسِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ
وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ
____________________
(4/309)
يَجْرِيَ ذلك في سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ أَيْ حتى في التَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى كما بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وهو ظَاهِرٌ إنْ قُلْت الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ وَلِيُقْبِلَ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ بِلَا مَزْحٍ مَعَهُمَا أو مع أَحَدِهِمَا وَلَا تَسَارٍّ وَلَا نَهْرٍ وَلَا صِيَاحٍ عَلَيْهِمَا ما لم يَتْرُكَا أَدَبًا فَإِنْ تَرَكَا أَدَبًا نَهَرَهُمَا وَصَاحَ عَلَيْهِمَا وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَا بين يَدَيْهِ لِيَتَمَيَّزَا وَلِيَكُونَ اسْتِمَاعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَسْهَلَ وإذا جَلَسَا تَقَارَبَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَةً غير مَحْرَمٍ فَيَتَبَاعَدَانِ وَلَا يَتَعَنَّتُ شُهُودًا بِأَنْ يَقُولَ لهم لِمَ تَشْهَدُونَ وما هذه الشَّهَادَةُ وَلَا يُلْزِمُهُمْ بها وَلَا بِمَنْعِهَا وَلَا يُلَقِّنُ أَحَدًا منهم وَلَا من الْخَصْمَيْنِ حُجَّتَهُ وَلَا يُشَكِّكُ أَحَدًا منهم وَذِكْرُ مَنْعِ إلْزَامِهِ الشُّهُودَ بِالشَّهَادَةِ وَمَنْعِ تَشْكِيكِهِ الْخَصْمَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَحْمِلُ أَحَدًا منهم على الْجَرَاءَةِ كَأَنْ يُجْزِئَ الْمَائِلَ إلَى النُّكُولِ عن الْيَمِينِ عليها أو إلَى التَّوَقُّفِ عن الشَّهَادَةِ عليها لَكِنْ يُرْشِدُ إلَى الْإِنْكَارِ في حُقُوقِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ في حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كما هو مُبَيَّنٌ في مَحَلِّهِ وَلَوْ عَلِمَ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدُ كَيْفَ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ جَازَ لم يُصَحِّحْ الْأَصْلُ شيئا في الْأُولَى فَالتَّصْحِيحُ فيها من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ الذي عليه الْأَكْثَرُونَ
وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عليه النَّوَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وقال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْلِمَهُ احْتِجَاجًا وَلِمَا فيه من كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الدَّعْوَى أَصْلٌ وَالشَّهَادَةَ تَبَعٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ من الْمُدَّعِي عن صِفَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُدَّعَاةِ كَأَنْ يَقُولَ أَهِيَ صَحِيحَةٌ أَمْ مُكَسَّرَةٌ وَنُدِبَ له نَدْبُهُمَا أَيْ الْخَصْمَيْنِ بَعْدَ ظُهُورِ وَجْهِ الْحُكْمِ إلَى صُلْحٍ يُرْجَى وَيُؤَخَّرُ له الْحُكْمُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ بِرِضَاهُمَا بِخِلَافِ ما إذَا لم يَرْضَيَا وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ ذلك من زِيَادَتِهِ وإذا وَقَفَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ جَلَسَا وَالْمُرَادُ حَضَرَا بين يَدَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حتى يَتَكَلَّمَا وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا لِمَا فيه من إزَالَةِ هَيْبَةِ الْقُدُومِ قال في الْأَصْلِ وَأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي إذَا عَرَفَهُ تَكَلَّمْ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبِعَ فيه الْبَغَوِيّ وابن شَدَّادٍ قال ابن الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يقول ذلك قال أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وهو مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ مَيْلٌ وكان الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ صُدُورُهُ من الْأَمِينِ الْوَاقِفِ على رَأْسِهِ أَوْلَى وَيُطَالَبُ جَوَازُ الْمُدَّعَى عليه بِجَوَابِ الدَّعْوَى وَإِنْ لم يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ فَلَوْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى أو حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ عليه ثَبَتَ الْمُدَّعَى بِغَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ حُكْمًا على وُجُوبِ الْحَقِّ جَلِيَّةٌ إذْ الْإِنْسَانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَالْبَيِّنَةُ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَلِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنْ يَطْلُبَ من الْقَاضِي الْحُكْمَ عليه فَيَحْكُمُ كَأَنْ يَقُولَ له اُخْرُجْ من حَقِّهِ أو كَلَّفْتُك الْخُرُوجَ من حَقِّهِ أو أَلْزَمْتُك بِهِ
وَإِنْ أَنْكَرَ سَكَتَ الْقَاضِي أو قال لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ نعم إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ له إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْكُتُ بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ له ذلك كما أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وقال الْبُلْقِينِيُّ إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ انْتَهَى وَلَوْ عَبَّرَ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كان أَوْلَى لِشُمُولِهَا الشَّاهِدَ مع الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ إذَا كانت في جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أو في قَسَامَةٍ أو في قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فإن الْحَقَّ
____________________
(4/310)
يَثْبُتُ بِلِعَانِهِ فَإِنْ قال لي بَيِّنَةٌ وَأَقَامَهَا فَذَاكَ وَإِنْ قال يَحْلِفُ خَصْمِي وَلَوْ مع قَوْلِهِ لي بَيِّنَةٌ حَلَفَ لِأَنَّهُ قد لَا يَحْلِفُ وَيُقِرُّ فَيَسْتَغْنِي الْمُدَّعِي عن إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ حَلَفَ أَقَامَهَا وَأَظْهَرَ كَذِبَهُ فَلَهُ في طَلَبِ تَحْلِيفِهِ مع وُجُودِ الْبَيِّنَةِ غَرَضٌ ثُمَّ بَعْدَ حَلِفِ خَصْمِهِ إنْ جاء بِبَيِّنَةٍ بِأَنْ جاء بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدٍ وَيَمِينٍ كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَأَقَرَّهُ سُمِعَتْ وَإِنْ قال لَا بَيِّنَةَ لي أَصْلًا لَا حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً أو كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ أو كَاذِبَةٌ أو زُورٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لم يَعْرِفْ أو نَسِيَ ثُمَّ عَرَفَ أو تَذَكَّرَ فَلَوْ قال شُهُودِي فَسَقَةٌ أو عَبِيدٌ فَجَاءَ بِعُدُولٍ وقد مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أو عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا فَرْعٌ وَيُقَدَّمُ وُجُوبًا السَّابِقُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ جَاءُوا مُتَرَتِّبِينَ وَعُرِفَ السَّابِقُ وَالْعِبْرَةُ بِالْمُدَّعِي أَيْ بِسَبْقِهِ لَا بِسَبْقِ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ أو اسْتَوَوْا في مَجِيئِهِمْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَقَدَّمَ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَإِنْ كَثُرُوا وَعَسِرَ الْإِقْرَاعُ كَتَبَ الرِّقَاعَ أَيْ كَتَبَ فيها أَسْمَاءَهُمْ وَصُبَّتْ بين يَدَيْ الْقَاضِي لِيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيَدَّعِي من خَرَجَ اسْمُهُ في كل مَرَّةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَتِّبَ ثِقَةً يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ يوم قَضَائِهِ لِيَعْرِفَ تَرْتِيبَهُمْ وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسْبَقُ غَيْرَهُ على نَفْسِهِ جَازَ ذِكْرُ ذلك في الْأَصْلِ وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ أَيْ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى وَاحِدَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُدَّعَى عليه دَفْعًا لِلضَّرَرِ عن الْبَاقِينَ فَإِنْ كان له دَعْوَى أُخْرَى انْتَظَرَ فَرَاغَهُمْ أو حَضَرَ في مَجْلِسٍ آخَرَ وَيُسْتَحَبُّ له عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ عِنْدَهُ تَقْدِيمُ مُسَافِرِينَ مُسْتَوْفِزِينَ أَيْ مُتَهَيِّئِينَ لِلسَّفَرِ وَخَائِفِينَ من انْقِطَاعِهِمْ عن رُفْقَتِهِمْ إنْ تَأَخَّرُوا عن الْمُقِيمِينَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ وتقديم نِسَاءٍ قال في الْأَصْلِ إنْ رَأَى الْقَاضِي تَقْدِيمَهُنَّ طَلَبًا لِسَتْرِهِنَّ وَلَوْ كان الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسَاءُ مُدَّعًى عليهم فإنه يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمْ كَذَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال بَلْ هو مُخْتَصٌّ بِالْمُدَّعِينَ أَيْ كَنَظِيرِهِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْفَرْعِ بِدَعَاوٍ أَيْ بِدَعَاوِيهِمْ إنْ كانت خَفِيفَةً بِحَيْثُ لَا تَضُرُّ بِالْمُقِيمِينَ في الْأُولَى وَبِالرِّجَالِ في الثَّانِيَةِ إضْرَارًا بَيِّنًا فَإِنْ طَالَتْ فَوَاحِدَةٌ يُقَدَّمُ بها من ذُكِرَ لِأَنَّهَا مَأْذُونٌ فيها وقد يَقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَيُؤَخَّرُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ كَذَا رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ ما ذَكَرَهُ من التَّقْدِيمِ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ مَمْنُوعٌ بَلْ الْقِيَاسُ على ما قَالَهُ أَنْ يَسْمَعَ في عَدَدٍ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ كما لو لم يَكُنْ معه غَيْرُهُ أَيْ من الْمُسَافِرِينَ أو النِّسَاءِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ هذا كُلُّهُ إنْ قَلَّ الْمُسَافِرُونَ أو النِّسَاءُ وَالْإِقْدَامُ بِالسَّبْقِ ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ كما في بَعْضِ
____________________
(4/311)
كُلٍّ مِنْهُمَا من بَعْضِهِ الْآخَرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ على الْمَرْأَةِ الْمُقِيمَةِ صَرَّحَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ من اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ بِدَعَاوِيهِنَّ إنْ كانت خَفِيفَةً وَإِلَّا فَبِوَاحِدَةٍ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِينَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخَنَاثَى مِثْلُهُنَّ وإذا قَدَّمْنَا بِوَاحِدَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّقْدِيمُ بِالدَّعْوَى وَجَوَابِهَا وَفَصَلَ الْحُكْمَ فيها نعم إنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِانْتِظَارِ بَيِّنَةٍ أو تَزْكِيَةٍ أو نَحْوِهَا سمع دَعْوَى من بَعْدَهُ حتى يَحْضُرَ هو بِبَيِّنَةٍ فَيَشْتَغِلَ حِينَئِذٍ بِإِتْمَامِ حُكُومَتِهِ إذْ لَا وَجْهَ لِتَعْطِيلِ الْخُصُومِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قال كُلٌّ من الْخَصْمَيْنِ أنا الْمُدَّعِي فَإِنْ كان قد سَبَقَ أَحَدُهُمَا إلَى الدَّعْوَى لم تُقْطَعْ دَعْوَاهُ بَلْ على الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ ثُمَّ يَدَّعِيَ إنْ شَاءَ وَإِلَّا ادَّعَى من بَعَثَ مِنْهُمَا الْعَوْنَ خَلْفَ الْآخَرِ وَكَذَا من أَقَامَ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ أَحْضَرَ الْآخَرَ لِيَدَّعِيَ عليه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ اسْتَوَوْا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ادَّعَى وَالْمُدَرِّسُ وَالْمُفْتِي في فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى يُقَدَّمَانِ بِالسَّبْقِ إنْ كان ثَمَّ سَبْقٌ أو بِالْقُرْعَةِ إنْ لم يَكُنْ سَبْقٌ وُجُوبًا أَمَّا في غَيْرِ الْفَرْضِ فَالتَّقْدِيمُ بِالْمَشِيئَةِ وما ذَكَرَهُ في الْمُفْتِي مَرَّ مع زِيَادَةٍ في الْبَابِ الْأَوَّلِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الْبَحْثِ عن حَالِ الشُّهُودِ وَتَزْكِيَتِهِمْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ شُهُودًا مُعَيَّنِينَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُمْ لِمَا فيه من التَّضْيِيقِ على الناس إذْ قد يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ غَيْرُهُمْ فإذا لم يَقْبَلْ ضَاعَ الْحَقُّ وَلِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ بَلْ من عُرِفَ عَدَالَتُهُ وقد شَهِدَ عِنْدَهُ قَبْلَهُ ولم يَحْتَجْ إلَى تَعْدِيلٍ وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ أو عُرِفَ فِسْقُهُ رَدَّهُ ولم يَحْتَجْ إلَى بَحْثٍ وَإِنْ جَهِلَهُ أَيْ جَهِلَ استزكاه ه أَيْ طَلَبَ تَزْكِيَتَهُ وُجُوبًا وَإِنْ لم يَطْعَنْ فيه الْخَصْمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ فَيَجِبُ الْبَحْثُ عن شَرْطِهَا كما لو طَعَنَ الْخَصْمُ وَلَا يَكْتَفِي بِأَنَّ الظَّاهِرَ من حَالِ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ أو من حَالِ من بِدَارِنَا الْإِسْلَامُ وَيَكْتَفِي بِقَوْلِ الشَّاهِدِ أنا مُسْلِمٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أنا حُرٌّ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِعَدَالَتِهِمَا الْأَنْسَبُ بِعَدَالَتِهِ بِأَنْ قال هو عَدْلٌ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ في شَهَادَتِهِ فإنه لَا بُدَّ من الاستزكاء لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رضي الْخَصْمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ وَالتَّعْدِيلُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ لِلشَّاهِدِ قبل أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أنت عَدْلٌ فِيمَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيَّ فإنه لَا بُدَّ فيه من الاستزكاء لِذَلِكَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ تَعْدِيلٌ لِلشَّاهِدِ رُدَّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ في التَّعْدِيلِ من قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فَكَيْفَ يُجْعَلُ ذلك تَعْدِيلًا فَلَوْ صَدَّقَهُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ حَكَمَ بِإِقْرَارِهِ وَاسْتَغْنَى عن الْبَحْثِ عن حَالِ الشَّاهِدِ فَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ عليه وَأَقَرَّ وفي نُسْخَةٍ فَأَقَرَّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ عليه قبل الْحُكْمِ عليه لَا بَعْدَهُ فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أَقْوَى منها بِخِلَافِ ما لو أَقَرَّ بَعْدَهُ فإن الْحُكْمَ قد مَضَى مُسْتَنِدًا إلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ وَقَعَ إقْرَارُهُ قبل تَسْلِيمِ الْمَالِ لِلْمَشْهُودِ له وما ذَكَرَهُ من أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ فِيمَا قَالَهُ هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وهو يُخَالِفُ ما قَدَّمْته عن الْمَاوَرْدِيِّ في بَابِ الزِّنَا من أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا سَبْقُهُمَا فَصْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ له مُزَكُّونَ وَهُمْ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ عُقَلَاءُ أَيْ وَأَقَرَّ الْعُقُولَ لِئَلَّا يُخْدَعُوا بَرِيئُونَ من الشَّحْنَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ في النَّسَبِ وَالْمَذْهَبِ خَوْفًا من أَنْ يَحْمِلَهُمْ ذلك على جَرْحِ عَدْلٍ أو تَزْكِيَةِ فَاسِقٍ وَأَنْ يُخْفِيَهُمْ لِئَلَّا يُشْتَهَرُوا في الناس بِالتَّزْكِيَةِ وَلِئَلَّا يُسْتَمَالُوا أو يَتَوَقَّفُوا عن جَرْحِ من يُخَافُ شَرُّهُ وأن يَكُونَ له أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ الْأَوْلَى مَسَائِلَ وَهُمْ رُسُلُهُ إلَيْهِمْ أَيْ إلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا وَرُبَّمَا فُسِّرُوا في لَفْظِ الشَّافِعِيِّ بِالْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ وَبَاحِثُونَ وَيَكْتُبُ
____________________
(4/312)
وفي نُسْخَةٍ فَيَكْتُبُ نَدْبًا إذَا أَرَادَ الْبَحْثَ عن حَالِ الشُّهُودِ إلَى الْمُزَكِّينَ اسْمَ الشَّاهِدِ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ من كُنْيَةٍ وَوَلَاءٍ وَاسْمِ أَبٍ وَجَدٍّ وَحِلْيَةٍ وَحِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لِئَلَّا يُشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ وَاسْمَ الْمَشْهُودِ له واسم الْمَشْهُودِ عليه فَقَدْ يَكُونُ الشَّاهِدُ بَعْضَ الْمَشْهُودِ له أو عَدُوَّ الْمَشْهُودِ عليه
وَكَذَا قَدْرُ الْمَالِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَقَدْ يَغْلِبُ على الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ في الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ فَيَكْتُبُ لِكُلِّ مُزَكٍّ نُسْخَةً بِذَلِكَ وَيُرْسِلُهَا على يَدِ صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ سِرًّا بِأَنْ يُخْفِيَهَا عن غَيْرِ من أَرْسَلَهَا إلَيْهِ وَغَيْرِ من أَرْسَلَهُ إلَيْهِ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَسْعَى الْمَشْهُودُ له في التَّزْكِيَةِ وَالْمَشْهُودُ عليه في الْجَرْحِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِجَرْحٍ من الْمُزَكِّينَ تَوَقَّفَ عن الْحُكْمِ وَكَتَمَهُ أَيْ الْجَرْحَ وقال لِلْمُدَّعِي زِدْنِي في الشُّهُودِ أو عَادُوا إلَيْهِ بِتَعْدِيلٍ دَعَا مُزَكَّيَيْنِ لِيَشْهَدَا عِنْدَهُ بِهِ مُشِيرِينَ إلَيْهِ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ الْغَلَطَ من شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَوْلِهِمْ لَا بِقَوْلِ أَرْبَابِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهُمْ الْأَصْلُ وَأُولَئِكَ رُسُلٌ يَشْهَدُونَ على شَهَادَةٍ فَلَا تُقْبَلُ مع حُضُورِ الْأَصْلِ على ما يَأْتِي ولكن من نَصَّبَ من أَرْبَابِ الْمَسَائِلِ حَاكِمًا في الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى أَنْ يُنْهَى إلَيْهِ أَيْ إلَى الْقَاضِي وَحْدَهُ ذلك فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَالْحُكْمُ مَبْنِيٌّ على قَوْلِهِ وَكَذَا لو أَمَرَ الْقَاضِي صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَشَهِدَ بِمَا بَحَثَهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وما تَقَرَّرَ هو ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ رَافِعًا بِهِ الْخِلَافَ في أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ أو بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عن الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وهو الْمُعْتَمَدُ
وَاعْتَذَرَ ابن الصَّبَّاغِ عن كَوْنِهِ شَهَادَةً على شَهَادَةٍ مع حُضُورِ الْأَصْلِ بِالْحَاجَةِ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ لَا يُكَلَّفُونَ الْحُضُورَ وَيُشْتَرَطُ فيه أَيْ فِيمَنْ نُصِّبَ حَاكِمًا في الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عِلْمُهُ بِذَلِكَ وَاتِّصَافُهُ بِسَائِرِ صِفَاتِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ ذلك وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ فيه صِفَاتُ الْقُضَاةِ وفي الْمُزَكِّي صِفَاتُ الشُّهُودِ مع الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَدِّلُ خَبِيرًا بِالْبَاطِنِ أَيْ بِبَاطِنِ حَالِ من يُعَدِّلُهُ بِصُحْبَةٍ وَجِوَارٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهَا فَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ فقال لَهُمَا إنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا فَأَتَيَا بِرَجُلٍ فقال له عُمَرُ كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا قال بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ قال هل كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا قال لَا قال هل عَامَلْتهمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ التي تُعْرَفُ بها أَمَانَاتُ الرِّجَالِ قال لَا قال هل صَاحَبْتهمَا في السَّفَرِ الذي يُسْفِرُ عن أَخْلَاقِ الرِّجَالِ قال لَا قال فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا
____________________
(4/313)
وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا فَلَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ من يُزَكِّيهِ وَهَذَا كما في الشَّهَادَةِ بِالْإِفْلَاسِ
وأن يَعْلَمَ الْقَاضِي منه ذلك أَيْ أَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الْحَالِ في كل تَزْكِيَةٍ خَفِيَّةٍ أَيْ يُبْنَى على الظَّاهِرِ قال في الْأَصْلِ إلَّا إذَا عُلِمَ من عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْخِبْرَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ في خِبْرَةِ الْبَاطِنِ التَّقَادُمُ في مَعْرِفَتِهَا لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمُتَدَاعِيَانِ بِالتَّأْخِيرِ الطَّوِيلِ بَلْ يَكْتَفِي بِشِدَّةِ الْفَحْصِ عن الشَّخْصِ وَلَوْ غَرِيبًا يَصِلُ الْمُزَكِّي بِفَحْصِهِ إلَى ذلك أَيْ كَوْنُهُ خَبِيرًا بِبَاطِنِهِ فَحِينَ يَغْلِبُ على ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ من جَمْعٍ من أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ حَالِهِ شَهِدَ بها إقَامَةً لِخِبْرَتِهِمْ مَقَامَ خِبْرَتِهِ كما أُقِيمَ في الْجَرْحِ رُؤْيَتُهُمْ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ وَيَعْتَمِدُ الْمُزَكِّي في الْجَرْحِ الْمُعَايَنَةَ بِأَنْ يَرَاهُ يَزْنِي أو يَشْرَبَ الْخَمْرَ أو نحو ذلك وَالسَّمَاعُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ يَقْذِفُ شَخْصًا أو يُقِرَّ على نَفْسِهِ بِكَبِيرَةٍ أو نَحْوِ ذلك وَتَعْبِيرُهُ بِكَبِيرَةٍ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِزِنًا أو شُرْبِ خَمْرٍ وَكَذَا إنْ سمع من غَيْرِهِ وَتَوَاتَرَ أو اسْتَفَاضَ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أو الظَّنِّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ ما لو سمع من عَدَدٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَوَاتُرٌ وَلَا اسْتِفَاضَةٌ لَكِنَّهُ يَشْهَدُ على شَهَادَتِهِمْ بِشَرْطِهِ
وَلِيُبَيِّنَ في تَجْرِيحِهِ غَيْرَهُ سَبَبَ الْجَرْحِ من زِنًا أو سَرِقَةٍ أو نَحْوِهِمَا لِأَنَّ أَسْبَابَهُ مُخْتَلَفٌ فيها وقد يَظُنُّ الشَّاهِدَانِ ما ليس بِجَرْحٍ عِنْدَ الْقَاضِي جَرْحًا وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْجَرْحِ من غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ أنها لَا تُقْبَلُ أَصْلًا حتى تُقَدَّمَ عليها بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّوْقِيفُ عن الْعَمَلِ بها إلَى بَيَانِ السَّبَبِ كما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ في جَرْحِ الرَّاوِي وَلَا فَرْقَ في ذلك بين الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي عَدَمِ الْفَرْقِ وَقْفَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وفي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ ما يَعْتَمِدُهُ الْمُزَكِّي في الْجَرْحِ من الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو الْأَشْهَرُ نعم وَثَانِيهِمَا وهو الْأَقْيَسُ لَا ذِكْرُ ذلك في الْأَصْلِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ اعْتِمَادُ الثَّانِي فَإِنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ زِنًا لم يُجْعَلْ قَاذِفًا وَإِنْ لم يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ لِعُذْرِهِ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ عن شَهَادَتِهِ وَالْجَوَابُ منه فَرْضُ كِفَايَةٍ أو عَيْنٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ ما لو شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا فإنه يُجْعَلُ قَاذِفًا لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ فَهُوَ مُقَصِّرٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ لِقِيَامِهِ بِأَحَدِ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَقُومُ بِالْآخَرِ وَلَا وَالِدُهُ ولا وَلَدُهُ كَالْحُكْمِ لَهُمَا وَإِنْ جُهِلَ مُزَكٍّ زَكَّى فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمَا آخَرَانِ مَجْهُولَانِ وَزَكَّى الْآخَرَيْنِ مُزَكِّيَانِ لِلْقَاضِي جَازَ
وَلَا يَكْفِي في ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ رُقْعَةُ مُزَكٍّ بِالتَّزْكِيَةِ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَمَدُ في الشَّهَادَةِ كما مَرَّ بَلْ لَا بُدَّ من شَاهِدَيْنِ مَعَهَا إنْ كان الْقَاضِي يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْمُزَكِّينَ فَإِنْ وُلِّيَ بَعْضُهُمْ الْحُكْمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَلْيَكُنْ كِتَابُهُ كَكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ وَالرَّسُولَانِ كَشَاهِدَيْنِ عليه وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فُرُوعٌ فَلَا يَشْهَدُونَ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْمُزَكِّينَ هذا جَارٍ على بَحْثِ الْأَصْلِ السَّابِقِ وقد عَرَفْت ما فيه فَرْعٌ يَكْفِي في التَّعْدِيلِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ أو مَرَضِيٌّ أو مَقْبُولُ الْقَوْلِ أو نَحْوُهَا وَإِنْ لم يَقُلْ عَلَيَّ وَلِي لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ التي اقْتَضَاهَا قَوْله تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَلَا
____________________
(4/314)
يَكْفِي قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ منه إلَّا خَيْرًا لِأَنَّهُ قد لَا يُعْرَفُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ وَلَا قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ منه ما تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ قد لَا يَعْرِفُ ما يُوجِبُ الْقَبُولَ أَيْضًا فَصْلُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي قبل التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا ارْتَابَ بِهِمْ أو تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ وَيَسْأَلُهُمْ أَيْ كُلًّا منهم عن زَمَانِ التَّحَمُّلِ لِلشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَغَدْوَةً أو عَشِيَّةً وعن مَكَانِهِ مَحَلَّةً وَسِكَّةً وَدَارًا أو صِفَةً أو صَحَّحْنَا وعن من حَضَرَ معه من الشُّهُودِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَسْأَلُهُ أَتُحْمَلُ وَحْدَهُ أَمْ مع غَيْرِهِ وعن من كَتَبَ شَهَادَتَهُ معه وَبِأَيِّ مِدَادٍ كَتَبُوا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِحِبْرٍ أو بِمِدَادٍ وَنَحْوِ ذلك لِيَسْتَدِلَّ على صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عن الْحُكْمِ وإذا جاء بِهِ أَحَدُهُمْ لم يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حتى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ فَإِنْ امْتَنَعُوا من التَّفْصِيلِ وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ فَإِنْ أَصَرُّوا على شَهَادَتِهِمْ ولم يُفَصِّلُوا وَجَبَ عليه الْقَضَاءُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى من رِيبَةٍ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ له ذلك قبل التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ على عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عن الاستزكاء وَالْبَحْثِ عن حَالِهِمْ وَإِلَّا فَإِنْ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ قَضَى وَإِلَّا اسْتَزْكَى قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فَجْأَةً قبل أَنْ يَفْهَمُوا عنه ذلك فَيَحْتَالُوا فَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَكَانٍ بِمُفْرَدِهِ كما صَنَعَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه وَإِنْ لم يُرَتِّبْ بِهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ فَلَا يُفَرِّقُهُمْ وَلَوْ طَلَبَ منه الْخَصْمُ تَفْرِيقَهُمْ لِأَنَّ فيه غَضًّا منهم فَصْلُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ وَإِنْ كانت الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لِزِيَادَةِ عِلْمِ الْجَارِحِ إلَّا إنْ شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِتَوْبَتِهِ مِمَّا جَرَحَ بِهِ فَتُقَدَّمُ على الْأُولَى لِأَنَّ مَعَهَا حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ في وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ في أُخْرَى وَطَالَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَطُلْ وَلَوْ عَدَّلَ في مَالٍ قَلِيلٍ فَهَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ أَيْ بِتَعْدِيلِهِ الْمَذْكُورِ في شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ بِنَاءً على أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أو لَا بِنَاءً على أنها تَتَجَزَّأُ وَجْهَانِ قال ابن أبي الدَّمِ الْمَشْهُورُ من الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ فَمَنْ قُبِلَ في دِرْهَمٍ يُقْبَلُ في أَلْفٍ نَقَلَهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ عُدِّلُوا عِنْدَهُ في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لم يَعْمَلْ بها أَيْ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا عَادَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذْ ليس هذا قَضَاءً بِعِلْمٍ بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كما لو سمع الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ وَقِيلَ يَعْمَلُ بها إنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالتَّرْجِيحُ مع التَّعْلِيلِ من زِيَادَتِهِ وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ مُحْتَجًّا له بِقَوْلِ الْأَصْلِ في الْكَلَامِ على الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَسَوَاءٌ ما عَلِمَهُ في زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا وما عَلِمَهُ في غَيْرِهِمَا وما قَالَهُ مَرْدُودٌ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ في الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِأَنَّ الْبَحْثَ عن حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى الْبَابُ الثَّالِثُ في الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ وهو جَائِزٌ بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِهِنْدَ خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ وهو قَضَاءٌ منه على زَوْجِهَا وهو غَائِبٌ وَلَوْ كان فَتْوَى لَقَالَ لَك أَنْ تَأْخُذِي أو لَا بَأْسَ عَلَيْك أو نَحْوَهُ ولم يَقُلْ
____________________
(4/315)
خُذِي وَلِقَوْلِ عُمَرَ في خُطْبَتِهِ من كان له على الْأُسَيْفِعِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا فَإِنَّا بَايِعُوا مَالِهِ وَقَاسِمُوهُ بين غُرَمَائِهِ وكان غَائِبًا وَلِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ بِأَعْظَمَ من الصِّغَرِ وَالْمَوْتِ في الْعَجْزِ عن الدَّفْعِ فإذا جَازَ الْحُكْمُ على الصَّغِيرِ وَالْمَيِّتِ فَلْيَجُزْ على الْغَائِبِ أَيْضًا حتى في الْعُقُوبَةِ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحْدِ قَذْفٍ لَا في الْعُقُوبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى من حَدٍّ أو تَعْزِيرٍ لِبِنَائِهَا على الْمُسَاهَلَةِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ في الدَّعْوَى على الْغَائِبِ وَيُشْتَرَطُ فيها على الْغَائِبِ ما يُشْتَرَطُ فيها على الْحَاضِرِ من بَيَانِ الْمُدَّعَى وَقَدْرِهِ وَنَوْعِهِ وَوَصْفِهِ وَقَوْلُهُ إنِّي مُطَالَبٌ بِالْمَالِ فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ على قَوْلِهِ لي عليه كَذَا كما سَيَأْتِي ويشترط أَنْ يَكُونَ له أَيْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أو يَعْلَمَ الْقَاضِي ذلك وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلدَّعْوَى على الْغَائِبِ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ في دَعْوَاهُ عليه جُحُودَهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَرْطٌ وَهِيَ لَا تُقَامُ على مُقِرٍّ فَلَوْ قال هو مُقِرٌّ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ على ما يَأْتِي ولكن لو لم يذكر جُحُودًا وَلَا إقْرَارًا سُمِعَتْ لِأَنَّهُ قد لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ وَلَا إقْرَارَهُ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ على السَّاكِتِ فَلْتُجْعَلْ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ فَإِنْ ذَكَرَ إقْرَارَهُ وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لِيَكْتُبَ له الْحَاكِمُ بِهِ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ لم تُسْمَعْ لِمَا مَرَّ أو لِيَسْتَوْفِيَ له الْحَاكِمُ حَقَّهُ من مَالٍ حَاضِرٍ لِلْغَائِبِ سُمِعَتْ وَوَفَّاهُ حَقَّهُ فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ من عَدَمِ سَمَاعِهَا فِيمَا لو قال هو مُقِرٌّ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا من لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ أو نَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ وهو مُقِرٌّ من سَمَاعِهَا وما لو قال هو مُقِرٌّ لَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ وما لو كانت بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فإنه يقول عِنْدَ إرَادَةِ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُنْكِرُ عن الْغَائِبِ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ على إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذلك لِأَنَّهُ قد يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُهُ كَذِبًا قال وَمُقْتَضَى هذا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنْ الذي ذَكَرَهُ أبو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بين النَّصْبِ وَعَدَمِهِ فَذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وقد يُتَوَقَّفُ فيه فَرْعٌ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ على الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ له كما لو قال كان له عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهَا أو أَبْرَأَنِي فيها وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجَتْ إلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَنِي وَيَجْحَدَ الْقَبْضَ أو الْإِبْرَاءَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لم يُجِبْهُ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ قال ابن الصَّلَاحِ وَطَرِيقُهُ في ذلك أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عليه بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأهُ منه أو أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ وَإِنْ كان رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ الطَّرَفُ الثَّانِي في التَّحْلِيفِ وَبَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْدِيلِهَا يَحْلِفُ
____________________
(4/316)
وُجُوبًا يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ مُدَّعٍ على غَائِبٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ أَنَّ ما ادَّعَاهُ عليه بَاقٍ في ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ ما بَرِئَ من شَيْءٍ منه بِطَرِيقٍ من الطُّرُقِ احْتِيَاطًا له إذْ لو حَضَرَ أو كَمَّلَ أو لم يَمُتْ لَكَانَ له أَنْ يُحَلِّفَهُ عليه فَإِنْ كان لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ في الْحَلِفِ طَلَبُ الْوَارِثِ لِأَنَّ الْحَقَّ له في التَّرِكَةِ وَمِثْلُهُ ما لو كان لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ في الْيَمِينِ لِصِدْقِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ اقْتَصَرَ في حَلِفِهِ على أَنَّهُ ثَابِتٌ في ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَفَى وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ لُزُومِ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ ثَابِتًا في ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ على قَيِّمِ طِفْلٍ وَأَقَامَ بِمَا ادَّعَاهُ بَيِّنَةً انْتَظَرَ بُلُوغَ الْمُدَّعَى له لِيَحْلِفَ لِتَعَذُّرِ تَحْلِيفِ غَيْرِهِ عنه وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ وَيُقْضَى على الْغَائِبِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينَيْنِ أَحَدُهُمَا لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالْأُخْرَى بَعْدَهَا لِنَفْيِ الْمُسْقِطِ من إبْرَاءٍ أو غَيْرِهِ وَيُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَرْعٌ لو ادَّعَى وَكِيلُ غَائِبٍ على غَائِبٍ لم يَحْلِفْ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ بِحَالٍ وَيُعْطِي الْحَقَّ الذي ادَّعَاهُ أَيْ يُعْطِيهِ له الْقَاضِي إنْ كان لِلْمُدَّعَى عليه هُنَاكَ مَالٌ
____________________
(4/317)
لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إنْ لم يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ وَالْمُتَّجَهُ كما قال التَّاجُ السُّبْكِيّ خِلَافُهُ إنْ كان الْمَالُ في مَحَلِّ عَمَلِهِ وقد يُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَاكَ على مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ أو على حَاضِرٍ فقال له أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ عَمَّا ادَّعَيْته عَلَيَّ لم يُؤَخَّرْ الْحُكْمُ لِيَمِينِهِ على نَفْيِ ذلك بَعْدَ حُضُورِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ بَلْ يُحْكَمُ عليه بِالْحَقِّ ثُمَّ يُثْبِتُ هو الْإِبْرَاءَ أو يُسَلِّمُ الْحَقَّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَلْ عليه تَسْلِيمُ الْحَقِّ ثُمَّ يُثْبِتُ الْإِبْرَاءَ وَكَذَا إنْ اسْتَحَقَّ عليه أَيْ على أَحَدِ صَبِيٍّ مَالًا وَادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عليه فَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَ عليه عَيْنًا بَدَلَهَا من جِنْسِ دَيْنِهِ وَقَدْرِهِ فإنه يُحْكَمُ عليه وَيُسَلِّمُ الْحَقَّ وَيَحْلِفُ له الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ عَاقِلًا
وَلَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عليه تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ الذي ادَّعَى عليه أَنَّهُ لم يَعْلَمْ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ من الْحَقِّ أُجِيبَ إلَيْهِ وقال صَوَابُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وهو مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ من أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ ما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ هو ما أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ كما ذَكَرَهُ ابن الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وهو الصَّحِيحِ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ في الْوَكَالَةِ من أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ فِيمَا لو ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَرَضِيَ بِهِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ وقال فَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ بِهِ خَرَجَ من الْوَكَالَةِ وَالْخُصُومَةِ وَلَا يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ إذْ لَا يَلْزَمُ من تَحْلِيفِهِ هُنَا تَحْلِيفُهُ ثَمَّ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ هُنَا إنَّمَا جاء من جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ يَقْتَضِي اعْتِرَافُهُ بها سُقُوطَ مُطَالَبَتِهِ بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فإن حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ في ذِمَّةِ الْغَائِبِ أو الْمَيِّتِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى من الْوَكِيلِ وَلَوْ قال شَخْصٌ لِآخَرَ أنت وَكِيلُهُ أَيْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عليه كَذَا وَادَّعَى عَلَيْك وَأُقِيمُ بِهِ بَيِّنَةً فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أو قال لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ لم تَقُمْ عليه بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ له فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بها قبل دَعْوَاهُ وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ من زِيَادَتِهِ وإذا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُخَاصَمَ فَلْيَعْزِلْ نَفْسَهُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ ذلك فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ وَلَا يقول لَسْت بِوَكِيلٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَةٍ قد تَقُومُ عليه بِالْوَكَالَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ على الْوَكَالَةِ وَيَكْفِي اعْتِرَافُ الْخَصْمِ بها حتى لو صَدَّقَهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ عليه بِلَا بَيِّنَةٍ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَنَقَلَهُ عن الْقَاضِي
وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ تَخَاصُمَهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ نَقَلَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ ثُمَّ قال وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كان قَصْدُ الْوَكِيلِ إثْبَاتَ الدَّيْنِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ أو تَسْلِيمَ الْمَالِ فَلَا لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ عليه لم يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا على وَجْهٍ يُبْرِئُهُ منه انْتَهَى وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْوَكَالَةِ ما له تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ الطرف ( ( ( الباب ) ) ) الثَّالِثُ في كتاب ( ( ( القضاء ) ) ) القاضي إلى القاضي يجوز للقاضي أن يسمع البينة على الْغَائِبِ وينهي الأمر ( ( ( لعموم ) ) ) إلَى قاضي ( ( ( الحجة ) ) ) بلده ( ( ( المعتبرة ) ) ) ليحكم ( ( ( من ) ) ) ويستوفي ( ( ( شاهدين ) ) ) وأن يحكم ( ( ( قال ) ) ) عليه ( ( ( أنا ) ) ) بالحق ( ( ( أقيم ) ) ) وينهي ( ( ( البينة ) ) ) الأمر ( ( ( استظهارا ) ) ) إلى ( ( ( مخافة ) ) ) قاضي بلده ليستوفي منه إن لم يكن ( ( ( تسمع ) ) ) له ( ( ( لما ) ) ) مَالٍ حَاضِرٍ يُوَفَّى عنه ( ( ( من ) ) ) منه
____________________
(4/318)
لَا ما حَكَمَ فيه بِعِلْمِهِ فَلَا يُنْهَى الْأَمْرُ فيه إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ لِيَقْضِيَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ قال في الْعُدَّةِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ لِأَنَّهُ ما لم يَحْكُمْ بِهِ هو كَالشَّاهِدِ وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ وفي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عن عِلْمِهِ إخْبَارٌ عن قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عن قِيَامِ الْبَيِّنَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَبِمَا قَالَهُ في الْعُدَّةِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ ما في أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لو حَكَمَ بِعِلْمِهِ جَازَ له الْإِنْهَاءُ فما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَكْسُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنْ حَكَمَ على غَائِبٍ وَسَأَلَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِحُكْمِهِ
وَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتُبَ له بِذَلِكَ كِتَابًا أَوَّلًا ثُمَّ يَشْهَدَ وَيَقُولَ فيه بَعْدَ ذِكْرِ الْبَيِّنَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالدَّعْوَى أَيْ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَضَرَ فُلَانٌ وَادَّعَى على فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِ كَذَا بِكَذَا وَأَقَامَ عليه بَيِّنَةً وحلف الْمُدَّعِي وَحَكَمْت له بِالْمَالِ وَسَأَلَ أَنْ أَكْتُبَ له إلَيْك بِذَلِكَ فَكَتَبْت له وَأَشْهَدْت بِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فيه حَكَمْت بِشَاهِدَيْنِ وَإِنْ لم يَصِفْهُمَا بِعَدَالَةٍ ولا غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ بها أَيْ بِشَهَادَتِهِمَا تَعْدِيلٌ لَهُمَا وَأَنْ يَقُولَ حَكَمْت بِكَذَا بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ فَقَدْ يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أو بِعِلْمِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ شُهُودِ الْحُكْمِ وَلَا شُهُودِ الْحَقِّ وَلَا ذِكْرُ أَصْلِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا وَلِيَقْرَأَ الْكِتَابَ الذي كَتَبَهُ على الشُّهُودِ وَيَقْرَأُ بين يَدَيْهِ عليهم وَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فيه أو على حُكْمِي الْمُبَيَّنِ فيه قال في الْأَصْلِ وفي الشَّامِلِ لو اقْتَصَرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ على قَوْلِهِ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ أَجْزَأَ لَكِنْ حَكَاهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِصِيغَةٍ قِيلَ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدُ أَنَّ وَقْتَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا في الْكِتَابِ فَلَوْ لم يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمَا وَجَهِلَا ما فيه وَأَشْهَدَهُمَا على ما أَنَّ فيه حُكْمَهُ أو أَنَّهُ قَضَى بِمَضْمُونِهِ لم يَكْفِ حتى يَفْصِلَ لَهُمَا ما حَكَمَ بِهِ وَلَا يَكْفِي أَيْضًا ما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يُشْهِدَهُمَا على أَنَّ هذا كِتَابُهُ أو ما فيه خَطُّهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ قد يُكْتَبُ من غَيْرِ قَصْدِ تَحْقِيقِهِ وَلَوْ حَكَمَ بِحُضُورِهِمَا ولم يُشْهِدْهُمَا فَلَهُمَا الشَّهَادَةُ بِحُكْمِهِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْشَاءَ الْحُكْمِ بِحُضُورِهِمَا لَا يَحْتَاجُ فيه إلَى قَوْلِهِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا بُدَّ فيه من قَوْلِهِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فيه إلَّا ما مَرَّ عن الشَّامِلِ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَطْلُبُ وُجُوبًا تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ الْحَامِلِينَ لِلْكِتَابِ وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُ الْكَاتِبِ إيَّاهُمْ لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ قبل أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ كَتَعْدِيلِ الْمُدَّعِي شُهُودَهُ وَلِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ عَدَالَتُهُمْ لَثَبَتَتْ بِقَوْلِهِمْ وَالشَّاهِدُ لَا يُزَكِّي نَفْسَهُ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِآخَرَ يَسْتَحِقُّ فُلَانٌ عَلَيَّ ما في هذه الْقُبَالَةِ وأنا عَالِمٌ بِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عليه بِمَا فيها إنْ حَفِظَهَا وَإِنْ لم يُفَصِّلْهُ له لِأَنَّهُ يُقِرُّ على نَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْقَاضِي فإنه مُخْبِرٌ عن نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ فَالِاحْتِيَاطُ فيه أَهَمُّ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَجَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِالْمَنْعِ حتى يَقْرَأَهُ وَيُحِيطَ بِمَا فيه وَذَكَرَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ في أَنَّهُ هل يَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَضْمُونِ الْقُبَالَةِ مُفَصِّلًا أَمَّا الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا فيها مُبْهَمًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قَطْعًا كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ الْمُبْهَمَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي خَتْمُ الْكِتَابِ حِفْظًا لِمَا فيه وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم يُرْسِلُ كُتُبَهُ غير مَخْتُومَةٍ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ من قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عليه مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ فَصَارَ خَتْمُ الْكُتُبِ سُنَّةً مُتَّبَعَةً وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا خَوْفًا من كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ
وأن يَتْرُكَ مَعَهُمَا نُسْخَةً أُخْرَى غير مَخْتُومَةٍ يُطَالِعَانِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وأن يَذْكُرَ في الْكِتَابِ نَقْشَ الْخَتْمِ أَيْ الْخَاتَمِ الذي يَخْتِمُ بِهِ وَأَنْ يُثْبِتَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ في الْعُنْوَانِ أَيْضًا كما يُثْبِتُهُمَا في بَاطِنِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ الْحَقَّ بَعْدَ أَنْ أَحْضَرَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ شَهِدَا عِنْدَهُ بِأَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ وَخَتْمُهُ وَحَكَمَ بِمَا فيه لِفُلَانٍ
____________________
(4/319)
على هذا وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَإِنْ لم يَقُولَا وَأَشْهَدَنَا بِهِ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُهُمَا الْكِتَابَ وَالْخَتْمَ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِحُكْمِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ اسْتَوْفَاهُ منه فَرْعٌ التَّعْوِيلُ على شَهَادَةِ الشُّهُودِ فَلَوْ شَهِدُوا بِخِلَافِ ما في الْكِتَابِ أو بَعْدَ أَنْ ضَاعَ أو انْمَحَى أو انْكَسَرَ الْخَتْمُ كما فَهِمْت بِالْأَوْلَى عُمِلَ بِشَهَادَتِهِمْ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ كما مَرَّ عليها لَا على الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ تَذْكِرَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جَرَى رَسْمُ الْقُضَاةِ بِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ أَيْ بِمَا فيه رَجُلَانِ وَلَوْ في مَالٍ أو زِنًا أو هِلَالِ رَمَضَانَ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قبل فَضِّ الْكِتَابِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فَضَّهُ الْقَاضِي أَمْ غَيْرُهُ لَكِنْ الْأَدَبُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدُوا بَعْدَ فَضِّ الْقَاضِي له وَقِرَاءَتِهِمْ الْكِتَابَ فَرْعٌ لو كَتَبَ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ بِحُكْمٍ أو سَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَشَهِدُوا عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ لم يَكْتُبْ وَإِلَى كل من يَصِلُ إلَيْهِ من الْقُضَاةِ اعْتِمَادًا على الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ عَاشَ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أو مَاتَا لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِمَا تَحَمَّلُوهُ عن الْكَاتِبِ وَمَحَلُّ ذلك في مَوْتِ الْكَاتِبِ إذَا لم يَكُنْ الْحَاكِمُ الثَّانِي نَائِبًا عنه فَإِنْ كان نَائِبًا عنه تَعَذَّرَ ذلك وَكَالْمَوْتِ الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَخَرَسٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ فَسَقَ الْكَاتِبُ أو ارْتَدَّ ثُمَّ وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الثَّانِي أَمْضَى حُكْمَهُ لِأَنَّ ذلك لَا يُؤَثِّرُ في الْحُكْمِ السَّابِقِ لَا إنْ كان الْإِنْهَاءُ إنْهَاءَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَقْبَلُهَا وَلَا يُحْكَمُ بها كما لو فَسَقَ الشَّاهِدُ أو ارْتَدَّ قبل الْحُكْمِ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا مُشَبَّهَةٌ بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ فِسْقِ الْأَصْلِ أو رِدَّتِهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَجْرَاهُ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ في غَيْرِ الْفِسْقِ وَالرِّدَّةِ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا وهو خِلَافُ ما في الْأَصْلِ فَرْعٌ يَنْبَغِي أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي في الْكِتَابِ اسْمَ الْمَحْكُومِ له والمحكوم عليه وأن يَصِفَهُمَا بِمَا يُمَيَّزَانِ بِهِ من كُنْيَةٍ وَوَلَاءٍ وَاسْمِ أَبٍ وَجَدٍّ وَحِلْيَةٍ وَحِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ فَإِنْ شَهِدَا على الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ في الْكِتَابِ فَأَنْكَرَ الِاسْمَ وَالنَّسَبَ ولم يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ ليس الْمَوْصُوفُ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هذا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ أَمَّا إذَا شَهِدَا على عَيْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ حَكَمَ عليه فَيُسْتَوْفَى منه فَلَوْ قال لَا أَحْلِفُ على أَنِّي لَسْت الْمَوْصُوفَ بَلْ أَحْلِفُ على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ لم يُقْبَلْ منه بَلْ يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِمَا أَنْكَرَهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ في الصَّغِيرِ قال وَلَوْ اقْتَصَرَ في الْجَوَابِ على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ كَفَاهُ وَحَلَفَ عليه فَإِنْ قال هو اسْمِي وَلَسْت الْخَصْمَ فَإِنْ لم يُوجَدْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ له في الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ يُعَاصِرُ الْمَحْكُومَ عليه الذي قَالَهُ غَيْرُهُ الْمَحْكُومُ له حَكَمَ عليه لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عليه
فَإِنْ وُجِدَ وهو مَيِّتٌ بَعْدَ الْحُكْمِ مُطْلَقًا أو قَبْلَهُ وقد عَاصَرَهُ وَقَعَ
____________________
(4/320)
الْإِشْكَالُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُعَاصِرْهُ وَاعْتُبِرَتْ مُعَاصَرَتُهُ له لِتَمَكُّنِ مُعَامَلَتِهِ له وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ في اعْتِبَارِ الْمُعَاصَرَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الدَّيْنِ على مَيِّتٍ لم يُعَاصِرْهُ بِمُعَامَلَةٍ مع مُوَرِّثِهِ مَثَلًا قال وَإِنَّمَا الْمَدَارُ على إمْكَانِ صُدُورِ الْمُدَّعَى بِهِ مع الْمَيِّتِ أو حَاضِرًا حَضَرَ فَإِنْ أَنْكَرَ الْحَقَّ كَتَبَ الْحَاكِمُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ بِمَا وَقَعَ من الْإِشْكَالِ لِيَأْخُذَ من الشُّهُودِ ما يَدْرَأُ أَيْ يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فيه أَيْ الْمَحْكُومِ عليه وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ بِهِ وَخَلَصَ الْأَوَّلُ هذا كُلُّهُ إذَا أَثْبَتَ الْقَاضِي اسْمَ الْمَحْكُومِ عليه وَنَسَبَهُ وَصِفَتَهُ كما مَرَّ أَمَّا لو حَكَمَ على مُحَمَّدِ بن أَحْمَدَ مَثَلًا لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ على مُبْهَمٍ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ الِاسْمِ رَجُلٌ وَأَنَّهُ الْمَحْكُومُ عليه ولم يُقِرَّ بِالْحَقِّ لم يَلْزَمْهُ ذلك الْحُكْمُ لِبُطْلَانِهِ في نَفْسِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ لَزِمَهُ وَلَمَّا فَرَغَ من الْإِنْهَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ شَرَعَ في الْإِنْهَاءِ بِالْمُشَافَهَةِ فقال فَإِنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا بِالْحُكْمِ وَالْمُنْهَى له في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لم يَحْكُمْ الثَّانِي وَإِنْ كان في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ إخْبَارَهُ في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَإِخْبَارِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ أو عَكْسُهُ بِأَنْ كان الْمُنْهَى في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالْمُنْهَى إلَيْهِ في غَيْرِهِ
فَلَهُ الْحُكْمُ إذَا رَجَعَ وِلَايَتَهُ أَيْ إلَيْهَا أَيْ مَحَلِّهَا وهو حَكَمَ بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَا في مَحَلِّ وِلَايَتِهِمَا كان تَنَادِيًا من الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ كان كُلٌّ مِنْهُمَا في طَرَفِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَنَادَى الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَأَخْبَرَهُ بِمَا حَكَمَ أو كَانَا قَاضِيَ بَلَدٍ أو أَنْهَى إلَيْهِ نَائِبَهُ في الْبَلَدِ وَعَكْسُهُ بِأَنْ أَنْهَى إلَيْهِ مُنِيبَهُ أو خَرَجَ الْقَاضِي إلَى قَرْيَةٍ له فيها نَائِبٌ فَأَخْبَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحُكْمِهِ أَمْضَاهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ من الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابِ وَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ في الْأَخِيرَةِ مَحَلُّ وِلَايَتِهِمَا وَلَوْ دخل النَّائِبُ بَلَدَ مُنِيبِهِ فَأَنْهَى إلَيْهِ حُكْمَهُ لم يُقْبَلْ لِأَنَّ الْمُنْهَى في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أو أَنْهَى إلَيْهِ الْقَاضِي حُكْمَهُ نَفَّذَهُ إذَا عَادَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وكان حُكْمًا بِعِلْمٍ
فَرْعٌ له أَنْ يُشَافِهَ بِالْحُكْمِ وَالِيًا غير قَاضٍ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِمَّنْ لَزِمَهُ وَلَوْ مِمَّنْ هو في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ سَمَاعَ الْوَلِيِّ مُشَافَهَةً كَشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الْإِمَامُ خِلَافَ ذلك قال لِأَنَّهُ ليس إلَيْهِ سَمَاعُ قَوْلِ الْقَاضِي كما ليس إلَيْهِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَلَا يَكْتُبُ إلَيْهِ إلَّا إنْ فُوِّضَ إلَيْهِ من الْإِمَامِ نَظَرُ الْقَضَاءِ أَيْ تَوْلِيَةُ من يَرَاهُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ وهو صَالِحٌ له فَلَهُ مُكَاتَبَتُهُ كما يَجُوزُ مُكَاتَبَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ قال في الْأَصْلِ وَإِنَّمَا لم يُكَاتِبْهُ فِيمَا عَدَا هذا لِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَمَنْصِبُ سَمَاعِهَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ لَكِنَّهُ خَالَفَ فيه في الرَّوْضَةِ فَصَحَّحَ فيها قُبَيْلَ الْبَابِ الرَّابِعِ في الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَنَّ ذلك لَا يَخْتَصُّ بِالْقُضَاةِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ فَصْلٌ وَإِنْ لم يَحْكُمْ وَأَنْهَى سَمَاعَ الْحُجَّةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالدَّعْوَى إلَى قَاضٍ آخَرَ مُشَافَهَةً له بِهِ لم يَجُزْ له الْحُكْمُ بِهِ بِنَاءً على أَنَّ إنْهَاءَ سَمَاعِهَا نُقِلَ لها كَنَقْلِ الْفَرْعِ شَهَادَةَ الْأَصْلِ فَكَمَا لَا يُحْكَمُ بِالْفَرْعِ مع حُضُورِ الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو غَابَ الشُّهُودُ عن بَلَدِ الْقَاضِي لِمَسَافَةٍ يَجُوزُ فيها الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ جَازَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وهو ظَاهِرٌ أو مُكَاتَبَةً جَازَ الْحُكْمُ بِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْمَسَافَةُ بين الْقَاضِيَيْنِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فيها الشَّهَادَةَ على الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ بِالْحُكْمِ يَجُوزُ وَلَوْ مع الْقُرْبِ لِأَنَّ الْحُكْمَ قد تَمَّ ولم يَبْقَ إلَّا الِاسْتِيفَاءُ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْحُجَّةِ إذْ يَسْهُلُ إحْضَارُهَا مع الْقُرْبِ وَيُسَمَّى كِتَابُ سَمَاعِهَا كِتَابَ
____________________
(4/321)
نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَكِتَابَ الثَّبْتِ أَيْ تَثْبِيتُ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ ما لو قال لِنَائِبِهِ اسْمَعْ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الدَّعْوَى وَانْهَهَا إلَيَّ فَفَعَلَ فإن الْأَشْبَهَ الْجَوَازُ أَيْ جَوَازُ حُكْمِ مُنِيبِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَجْوِيزَ النِّيَابَةِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِالنَّائِبِ وهو يَقْتَضِي الِاعْتِدَادَ بِسَمَاعِهِ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْمُسْتَقِلِّ وَمُقَابِلُ الْأَشْبَهِ عَدَمُ الْجَوَازِ كَإِنْهَاءِ أَحَدِ الْقَاضِيَيْنِ في الْبَلَدِ إلَى الْآخَرِ لِإِمْكَانِ حُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ وَلِيُبَيِّنَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ الْحُجَّةَ أَهِيَ بَيِّنَةٌ أو شَاهِدٌ وَيَمِينٌ أو يَمِينٌ مَرْدُودَةٌ لِيَعْرِفَهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَقَدْ لَا يَرَى بَعْضَ ذلك حُجَّةً وَيُسَمِّي له الشُّهُودَ لِيَبْحَثَ عَنْهُمْ
وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْحَثَ عن حَالِهِمْ وَيُعَدِّلَهُمْ لِأَنَّ أَهْلَ بَلَدِهِمْ أَعْرَفُ بِهِمْ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَعَلَى الثَّانِي الْبَحْثُ وَالتَّعْدِيلُ وإذا عَدَّلَهُمْ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلثَّانِي إعَادَةُ التَّعْدِيلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في الْقَاضِي الْمُوَافِقِ في الْمَذْهَبِ في التَّعْدِيلِ لَا الْمُخَالِفِ وفي نُسْخَةٍ وَلِيَبْحَثَ بِالْوَاوِ فَلَوْ عَدَّلَهُمْ الْكَاتِبُ وَسَكَتَ عن تَسْمِيَتِهِمْ كَفَى كما في الْحُكْمِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلِلْخَصْمِ تَجْرِيحُهَا أَيْ الْحُجَّةِ وَالْأَوْلَى تَجْرِيحُهُمْ وَيُمْهِلُ له أَيْ لِتَجْرِيحِهِمْ أَيْ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إذَا اسْتَمْهَلَ له لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ لَا يَعْظُمُ ضَرَرُ الْمُدَّعِي بِتَأْخِيرِ الْحُكْمِ فيها وَبِالْمُدَّعَى عليه حَاجَةٌ إلَيْهَا وَكَذَا لو قال أَبْرَأْتنِي أو قَضَيْت الْحَقَّ وَاسْتُمْهِلَ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عليه لَا إنْ اسْتَمْهَلَ لِيَذْهَبَ إلَى الْكَاتِبِ وَيَجْرَحَهُمْ عِنْدَهُ أو لِيَأْتِيَ من بَلَدِهِ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى دَافِعَةٍ فَلَا يُمْهَلُ بَلْ يُسَلِّمُ الْمَالَ لِلْمُدَّعِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا تَوَقَّفَ على أَكْثَرِ من ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَدُلُّ عليه وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ مُطْلَقًا سَدًّا لِلْبَابِ فَإِنْ أَقَامَ دَافِعًا اسْتَرَدَّ ما سَلَّمَهُ فَلَوْ سَأَلَ الْخَصْمُ وَالْكَاتِبُ بِالْحُكْمِ تَحْلِيفَهُ أَيْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ ما اسْتَوْفَى منه الْحَقَّ أو أَنَّهُ ما أَبْرَأَهُ منه فَهَلْ يُجَابُ إلَيْهِ
كما لو ادَّعَى عِنْدَهُ ابْتِدَاءً أو لَا لِأَنَّ الْكَاتِبَ حَلَّفَهُ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا في الْأَنْوَارِ الثَّانِي وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرِهِمْ نعم إنْ ادَّعَى إيقَاعَ ذلك بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ بِلَا شَكٍّ أو سَأَلَ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَدَاوَةَ الشُّهُودِ له أُجِيبَ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما لو سَأَلَ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا عَدَاوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَمِنْ هُنَا زَادَ الْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ على قَوْلِ أَصْلِهِ أو لَا عَدَاوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّهُودِ أو تَحْلِيفَهُ أَنَّهُمْ عُدُولٌ لم يُجَبْ بَلْ يَكْفِي تَعْدِيلُ الْحَاكِمِ إيَّاهُمْ بِخِلَافِ ما لو سَأَلَ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِسْقَهُمْ كما سَيَأْتِي في الدَّعَاوَى الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ الْغَائِبِ على غَائِبٍ وَهَذَا في الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا التي تَتَّصِفُ بِالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ أَمَّا الدَّيْنُ وَنَحْوُ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ من رَجْعَةٍ وَإِثْبَاتِ وَكَالَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُوصَفُ بِغَيْبَةٍ وَلَا حُضُورٍ لَا في الدَّعْوَى بها وَلَا في غَيْرِهَا ثُمَّ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ الْغَائِبَةُ عن الْبَلَدِ إنْ كانت مِمَّا تُعْرَفُ بِأَنْ يُؤْمَنَ اشْتِبَاهُهَا كَالْعَقَارِ الْمَعْرُوفِ وَيُعْتَمَدُ فيه ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَيَعْرِفُهُ الْمُدَّعِي بِذِكْرِ الْبُقْعَةِ وَالسِّكَّةِ وَالْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ على ما يَأْتِي في الدَّعَاوَى وَكَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِالشُّهْرَةِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بها قال في الْأَصْلِ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ على الْأَصَحِّ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ دُونَهُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي في الدَّعَاوَى
وما لَا شُهْرَةَ له كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ من الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ تُسْمَعُ فيه الْأَوْصَافُ أَيْ الدَّعْوَى بِهِ اعْتِمَادًا على الْأَوْصَافِ أَيْضًا لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا كما في الْعَقَارِ وَكَمَا تُسْمَعُ على الْخَصْمِ الْغَائِبِ اعْتِمَادًا على الصِّفَةِ
____________________
(4/322)
لَا لِلْحُكْمِ لِأَنَّهُ مع خَطَرِ الِاشْتِبَاهِ وَالْجَهَالَةِ بَعِيدٌ فَيَصِفُهَا أَيْ الْعَيْنَ الْغَائِبَةَ الْمُدَّعَى بها بِصِفَاتِ السَّلَمِ وَبِالْقِيمَةِ على الْوَجْهِ الذي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ قالوا وَالرَّكْنُ في تَعْرِيفِ الْمِثْلِيَّاتِ الْوَصْفُ أَيْ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُسْتَحَبٌّ وفي ذَوَاتِ الْقِيَمِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ أَيْ الرَّكْنُ في تَعْرِيفِهَا ذِكْرُ الْقِيمَةِ وَذِكْرُ الْوَصْفِ مُسْتَحَبٌّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وما ذَكَرَهُ في الدَّعَاوَى من وُجُوبِ وَصْفِ الْعَيْنِ بِصِفَةِ السَّلَمِ دُونَ قِيمَتِهَا مِثْلِيَّةً كانت أو مُتَقَوِّمَةً هو في عَيْنٍ حَاضِرَةٍ بِالْبَلَدِ يُمْكِنُ إحْضَارُهَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَلَا يُنَافِي ما هُنَا كما أَشَارُوا إلَيْهِ بِتَعْبِيرِهِمْ هُنَا بِالْمُبَالَغَةِ في الْوَصْفِ وَثَمَّ بِوَصْفِ السَّلَمِ وَالْمُصَنِّفُ كَبَعْضِهِمْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْعَيْنَ في الْبَابَيْنِ وَاحِدَةٌ فَعَبَّرَ هُنَا بِمَا عَبَّرُوا بِهِ ثَمَّ من اعْتِبَارِ وَصْفِهَا بِصِفَاتِ السَّلَمِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَيْ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ من قِيَامِ الْبَيِّنَةِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْعَيْنِ فَإِنْ لم يُوجَدْ ثَمَّ عَيْنٌ أُخْرَى بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَعَثَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْعَيْنِ إلَيَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا أَيْ الشُّهُودُ عِنْدَهُ على عَيْنِهَا وَيَبْعَثُهَا له على يَدِ الْمُدَّعِي لَا الْخَصْمِ لِمَا في بَعْثِهِ من الْمَشَقَّةِ
وَيُؤْخَذُ منه كَفِيلٌ بِبَدَنَةٍ لَا بِقِيمَتِهَا احْتِيَاطًا لِلْمُدَّعَى عليه وَيَخْتِمُ على الْعَيْنِ عِنْدَ تَسْلِيمِهَا له بِخَتْمٍ لَازِمٍ لِئَلَّا تُبْدَلَ بِمَا لَا يَسْتَرِيبُ الشُّهُودُ في أنها له فَإِنْ كان الْمُدَّعَى بِهِ عَبْدًا جَعَلَ في عُنُقِهِ قِلَادَةً وَخَتَمَ عليها وَالْخَتْمُ مُسْتَحَبٌّ وَالْكَفِيلُ وَاجِبٌ أو كان جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لِلْمُدَّعِي الْخَلْوَةَ بها فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَكِنْ يَبْعَثُ بها على يَدِ أَمِينٍ في الرُّفْقَةِ لَا على يَدِ الْمُدَّعِي فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهَا أَيْ الْعَيْنِ الْمَبْعُوثِ بها إلَى الْكَاتِبِ عِنْدَهُ حَكَمَ بها لِلْمُدَّعِي وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ على الْخَصْمِ بِمُؤْنَةِ الْإِحْضَارِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ لِيَبْرَأَ الْكَفِيلُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَكَتَبَ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ وَإِنْ لم يَشْهَدُوا بِعَيْنِهَا فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَالْإِحْضَارِ لها إلَى الْخَصْمِ لِتَعَدِّيهِ وَأُجْرَةُ الْعَيْنِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ وَتَسَامَحُوا أَيْ الْأَصْحَابُ في أُجْرَةِ ما أُحْضِرَ في الْبَلَدِ لِزَمَنِ الْإِحْضَارِ وَالرَّدِّ فلم يُوجِبُوهَا لِلْخَصْمِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ ذلك لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ مِثْلَ ذلك يُتَسَامَحُ بِهِ تَوْفِيرًا لِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَمُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ في تَرْكِ الْمُضَايَقَةِ مع عَدَمِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ عن الْبَلَدِ وَلَا يَجِبُ لِلْخَصْمِ أُجْرَةُ مَنْفَعَتِهِ وَإِنْ أَحْضَرَهُ من غَيْرِ الْبَلَدِ لِلْمُسَامَحَةِ بمثله وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ عَيْنٌ أُخْرَى بِتِلْكَ الصِّفَاتِ فَقَدْ صَارَ الْقَضَاءُ مُبْهَمًا وَانْقَطَعَتْ الْمُطَالَبَةُ في الْحَالِ كما مَرَّ في الْمَحْكُومِ عليه صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَأَمَّا إنْ كانت الْعَيْنُ في الْبَلَدِ وَإِحْضَارُهَا مُتَيَسِّرٌ فَإِنَّهَا تُحْضَرُ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ على عَيْنِهَا إذْ بِذَلِكَ
____________________
(4/323)
يَتَوَصَّلُ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ فَوَجَبَ إحْضَارُهَا كما يَجِبُ على الْخَصْمِ الْحُضُورُ عِنْدَ الطَّلَبِ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ على الْأَوْصَافِ كما في الْخَصْمِ الْغَائِبِ عن الْمَجْلِسِ في الْبَلَدِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذلك بِخِلَافِهِ في الْغَائِبِ عن الْبَلَدِ وَأَمَّا الْعَقَارُ فَيُوصَفُ وَيُحَدَّدُ في الدَّعْوَى وَتُقَامُ عليه الْبَيِّنَةُ بِتِلْكَ الْحُدُودِ إذْ لَا يَتَيَسَّرُ إحْضَارُهُ وقد تَكْفِي شُهْرَتُهُ عن تَحْدِيدِهِ وَيُحْكَمُ بِهِ لِلْمُدَّعِي كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْغَائِبِ عن الْبَلَدِ وَكَذَا الْعَبْدُ مَثَلًا الْمَشْهُورُ لِلنَّاسِ لَا يُحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ كما مَرَّ في الْعَقَارِ وَكَذَا إنْ عَرَفَهُ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً على جَوَازِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فَإِنْ كانت حُجَّتُهُ التي يَحْكُمُ بها بَيِّنَةً أُحْضِرَ لِتُشَاهِدَهُ الْبَيِّنَةُ بِنَاءً على أنها لَا تُسْمَعُ بِالصِّفَةِ وَتَبِعَ في هذه أَصْلَهُ حَيْثُ نَقَلَ عن الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْعَبْدِ الذي يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِلَا إحْضَارٍ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّ هذا بَعِيدٌ فِيمَا إذَا جُهِلَ وَصْفُهُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ بِالصِّفَةِ لَكِنْ أَجَابَ عنه ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هو الشَّهَادَةُ بِوَصْفٍ لَا يَحْصُلُ لِلْقَاضِي بِهِ مَعْرِفَةُ الْمَوْصُوفِ معه دُونَ ما إذَا حَصَلَتْ بِهِ كما هُنَا وما تَعَسَّرَ إحْضَارُهُ لِثِقَلٍ فيه أو إثْبَاتٍ له في جِدَارٍ أو أَرْضٍ وَضَرَّ قَلْعُهُ وَصَفَهُ الْمُدَّعِي إنْ أَمْكَنَ وَصْفُهُ
ثُمَّ يَأْتِيهِ الْقَاضِي أو نَائِبُهُ لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ على عَيْنِهِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ وَصْفُهُ حَضَرَ الْقَاضِي أو نَائِبُهُ لِلدَّعْوَى على عَيْنِهِ وَكَذَا إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ الْعَقَارَ دُونَ الْحُدُودِ يُحْضِرُهُ هو أو نَائِبُهُ لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ على عَيْنِهِ فَإِنْ وَافَقَتْ الْحُدُودُ ما ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي في الدَّعْوَى حَكَمَ له وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ بِأَنْ أَنْكَرَ اشْتِمَالَ يَدِهِ عليها وَحَلَفَ فَلَهُ أَيْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدَّعِيَ عليه قِيمَتَهَا فَلَعَلَّهَا بَلَغَتْ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ حين أَنْكَرَ ولم يُحْضِرْ الْعَيْنَ حُبِسَ لِإِحْضَارِهَا فَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ لها صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كان على خِلَافِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَخْلُدَ عليه الْحَبْسُ مع إمْكَانِ صِدْقِهِ وَيُسَلِّمُ الْقِيمَةَ عنها فَإِنْ غَصَبَهُ عَيْنًا أو أَعْطَاهُ إيَّاهَا لِيَبِيعَهَا فَطَالَبَهُ بها فَجَحَدَهَا ولم يَدْرِ أَبَاقِيَةٌ هِيَ فَيُطَالِبُهُ بها أَمْ لَا فَيُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهَا في الصُّورَتَيْنِ أو بِثَمَنِهَا إنْ بَاعَهَا في الثَّانِيَةِ فقال في دَعْوَاهُ عليه بها ادَّعَى عليه عَيْنًا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَّا إنْ كانت بَاقِيَةً أو قِيمَتُهَا إنْ تَلِفَتْ أو ثَمَنُهَا إنْ بَاعَهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ كانت مُتَرَدِّدَةً لِلْحَاجَةِ وَقَيَّدَ ابن الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ الثَّانِيَةَ بِمَا إذَا أَعْطَاهَا له لِيَبِيعَهَا بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فِيمَا إذَا أَعْطَاهَا له لِيَبِيعَهَا بِدُونِ قِيمَتِهَا
فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَذَاكَ وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ يَمِينًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ وَلَا قِيمَتُهَا وَلَا ثَمَنُهَا فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَرَدَّهَا على الْمُدَّعِي فَقِيلَ يَحْلِفُ كما ادَّعَى أَيْ على التَّرَدُّدِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ في حَلِفِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في أَوَائِلِ الدَّعَاوَى وَظَاهِرٌ أَنَّ ما ذَكَرَهُ من الدَّعْوَى بِالْقِيمَةِ مَحَلُّهُ في الْمُتَقَوِّمِ أَمَّا الْمِثْلِيُّ فَيَدَّعِي فيه بِالْمِثْلِ وَيُرَتِّبُ
____________________
(4/324)
عليه حُكْمَهُ وَمَنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَلَهُ قِيمَتُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَرْعٌ لو كان الْخَصْمُ حَاضِرًا وَالْعَيْنُ غَائِبَةً عن الْبَلَدِ سمع الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَا يَحْكُمُ بها كما لو كان الْخَصْمُ غَائِبًا أَيْضًا بَلْ يَأْمُرُهُ أَيْ الْمُدَّعَى عليه بِإِحْضَارِهَا إلَى مَجْلِسِهِ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ على عَيْنِهَا كما يَفْعَلُهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ فَإِنْ أُحْضِرَتْ ولم يَشْهَدُوا بها لِلْمُدَّعِي لَزِمَهُ مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ وَالرَّدِّ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ كما مَرَّ فِيمَا إذَا كان الْخَصْمُ غَائِبًا أَيْضًا الطَّرَفُ الْخَامِسُ في الْمَحْكُومِ عليه لو ادَّعَى شَخْصٌ على غَائِبٍ في الْبَلَدِ يُمْكِنُ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لم يَجُزْ أَيْ الدَّعْوَى عليه أَيْ سَمَاعُهَا بَلْ وَلَا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْحُكْمُ عليه لِسُهُولَةِ إحْضَارِهِ وَلِيَأْمَنَ الْحَاكِمُ خَطَأَ الْبَيِّنَةِ فيه وَلِأَنَّ أَمْرَ الْقَضَاءِ مَبْنِيٌّ على الْفَصْلِ بِأَقْرَبِ الطُّرُقِ وَلَوْ أُحْضِرَ رُبَّمَا أَقَرَّ فَيُغْنِي عن سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالنَّظَرِ فيها وَكَذَا لَا يَجُوزُ على من على مَسَافَةِ الْعَدْوَى الْآتِي بَيَانُهَا في الطَّرَفِ الثَّالِثِ من الْبَابِ الثَّالِثِ من أَبْوَابِ الشَّهَادَاتِ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْحَاضِرِ فَإِنْ تَعَزَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا أو اخْتَفَى سُمِعَتْ عليه لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَإِلَّا اتَّخَذَ الناس ذلك ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ وَهَلْ يَحْلِفُ له الْمُدَّعِي يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ كَالْغَائِبِ أو لَا لِقُدْرَتِهِ على الْحُضُورِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ لِأَنَّ هذا احْتِيَاطٌ لِلْقَضَاءِ فَلَا يَمْنَعُ منه ذلك وَجَزَمَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِالثَّانِي وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ وَقَوَّى الْمَنْعُ قُدْرَتَهُ على الْحُضُورِ فَلَا عُذْرَ له بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَإِنْ كان له أو الْغَائِبِ وَكِيلٌ نَصَّبَهُ بِنَفْسِهِ فَهَلْ يَحْتَاجُ حُضُورُهُ يَعْنِي طَلَبَهُ في تَحْلِيفِ الْخَصْمِ أَيْ فَهَلْ يَحْتَاجُ في تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي إذَا قُلْنَا بِهِ إلَى طَلَبِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ حِينَئِذٍ من وَظِيفَةِ الْوَكِيلِ أو لَا كَالْمُوَكِّلِ فيه تَرَدُّدٌ أَيْ احْتِمَالَانِ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ قال ابن الرِّفْعَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَصْلُ من اسْتَعْدَى الْقَاضِيَ على خَصْمٍ من أَعْدَى يُعْدِي أَيْ يُزِيلُ الْعُدْوَانَ أَيْ من طَلَبَ من الْقَاضِي إحْضَارَ خَصْمٍ له في الْبَلَدِ يُمْكِنُ إحْضَارُهُ أَحْضَرَهُ وُجُوبًا إلَى مَجْلِسِهِ وَلَوْ كان من ذَوِي الْمُرُوآتِ فَيَبْعَثُ إلَيْهِ بِخَتْمٍ من طِينٍ رَطْبٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَعْتَادُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُدَّعِي لِيَعْرِضَهُ عليه وَلْيَكُنْ مَكْتُوبًا عليه أَجَابَ
____________________
(4/325)
الْقَاضِي فُلَانًا وقد هُجِرَ هذا في هذه الْأَعْصَارِ فَالْأَوْلَى ما اُعْتِيدَ من الْكِتَابَةِ في كَاغَدٍ أو يَبْعَثُ إلَيْهِ بِأَحَدِ أَعْوَانِهِ الْمُرَتَّبِينَ على بَابِهِ وَأُجْرَتُهُمْ أَيْ أَعْوَانِهِ على الطَّالِبِ إنْ لم يُرْزَقُوا من بَيْتِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ التَّخْيِيرُ بين الْأَمْرَيْنِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ثَمَّ الْإِحْضَارُ قد يَكُونُ بِخَتْمٍ طِينٍ رَطْبٍ أو غَيْرِهِ وقد يَكُونُ بِشَخْصٍ من الْأَعْوَانِ الْمُرَتَّبِينَ على بَابِهِ فَإِنْ بَعَثَ بِالْخَتْمِ فلم يُجِبْ بَعَثَ إلَيْهِ الْعَوْنَ انْتَهَى وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُؤْنَةُ من أَحْضَرَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ من الْحُضُورِ بِبَعْثِ الْخَتْمِ على الْمَطْلُوبِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ في قَوْلِهِ فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ امْتِنَاعُهُ من الْحُضُورِ بِلَا عُذْرٍ أو سُوءِ أَدَبِهِ بِكَسْرِ الْخَتْمِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ بِقَوْلِ الْعَوْنِ الثِّقَةِ أَحْضَرَهُ أَعْوَانُ السُّلْطَانِ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ مُؤْنَتُهُمْ لِامْتِنَاعِهِ ثُمَّ يُعَزِّرُهُ بِمَا رَأَى من ضَرْبٍ أو حَبْسٍ أو غَيْرِهِ وَلَهُ الْعَفْوُ عن تَعْزِيرِهِ إنْ رَآهُ
فَإِنْ اخْتَفَى نُودِيَ بِإِذْنِ الْقَاضِي على بَابِهِ أَيْ بَابِ دَارِهِ أَنَّهُ إنْ لم يَحْضُرْ إلَى الثَّلَاثَةِ من الْأَيَّامِ سَمَّرَ بَابَهُ أو خَتَمَ عليه فَإِنْ لم يَحْضُرْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَطَلَبَ الْخَصْمُ تَسْمِيرَهُ أو خَتْمَهُ أَجَابَهُ إلَيْهِ إنْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ أنها دَارُهُ وَلَا يُرْفَعُ الْمِسْمَارُ أو الْخَتْمُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْحُكْمِ ثُمَّ مَحَلُّ التَّسْمِيرِ أو الْخَتْمِ إذَا كان لَا يَأْوِيهَا غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ إلَى ذلك وَلَا إلَى إخْرَاجِ من فيها فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ عَرَفَ مَوْضِعَهُ بَعَثَ إلَيْهِ نِسَاءً أو صِبْيَانًا أو خُصْيَانًا قال في الْأَصْلِ على هذا التَّرْتِيبِ أَيْ فَيُقَدَّمُ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخُصْيَانُ يَهْجُمُونَ الدَّارَ وَيُفَتِّشُونَ عليه قال ابن الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ وَيَبْعَثُ مَعَهُمْ عَدْلَيْنِ من الرِّجَالِ فإذا دَخَلُوهَا وَقَفَ الرِّجَالُ في الصَّحْنِ وَأَخَذَ غَيْرُهُمْ في التَّفْتِيشِ قالوا وَلَا هُجُومَ في الْحُدُودِ إلَّا في قَاطِعِ الطَّرِيقِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وإذا تَعَذَّرَ حُضُورُهُ بَعْدَ هذه الْأَحْوَالِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ وَهَلْ يُجْعَلُ امْتِنَاعُهُ كَالنُّكُولِ في رَدِّ الْيَمِينِ الْأَشْبَهُ نعم لَكِنْ لَا يُحْكَمُ عليه بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إعَادَةِ النِّدَاءِ على بَابِهِ ثَانِيًا بِأَنَّهُ يُحْكَمُ عليه بِالنُّكُولِ فإذا امْتَنَعَ من الْحُضُورِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي حُكِمَ بِنُكُولِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ من الْحُضُورِ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ ظَالِمٍ أو حَبْسِهِ وَمَرَضٍ بَعَثَ إلَيْهِ نَائِبَهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ أو وَكَّلَ الْمَعْذُورُ من يُخَاصِمُ عنه
وَيَبْعَثُ إلَيْهِ الْقَاضِي من يُحَلِّفُهُ إنْ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَظْهَرُ أَنَّ هذا في غَيْرِ مَعْرُوفِ النَّسَبِ أو لم يَكُنْ عليه بَيِّنَةٌ وَإِلَّا سمع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَحَكَمَ عليه لِأَنَّ الْمَرَضَ كَالْغَيْبَةِ في سَمَاعِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ فَكَذَا في الْحُكْمِ عليه قال وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَأَمَّا إنْ كان الْخَصْمُ خَارِجَ الْبَلَدِ وهو في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَيْ الْقَاضِي وَثَمَّ نَائِبٌ عنه كَتَبَ إلَيْهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَيْ بِأَنَّهُ سَمِعَهَا ولم يُحْضِرْهُ لِمَا في إحْضَارِهِ من الْمَشَقَّةِ مع وُجُودِ الْحَاكِمِ ثَمَّ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا كان فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِمَا مَرَّ أَنَّ الْكِتَابَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ في مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَكَذَا إنْ لم يَكُنْ له نَائِبٌ وَهُنَاكَ من يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا بِصُلْحٍ وَنَحْوِهِ وكان من أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْعَقْلِ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُحْضِرُهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عن إحْضَارِهِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ هُنَا من يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا أَحْضَرَهُ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه اسْتَدْعَى الْمُغِيرَةَ بن شُعْبَةَ من الْبَصْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ وَلِئَلَّا يُتَّخَذَ السَّفَرُ طَرِيقًا لِإِبْطَالِ الْحُقُوقِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهِ جَرَى جَمْعٌ من الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَعًا لِلْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ ما نَقَلَهُ
____________________
(4/326)
@ 327 الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُحْضِرُهُ إلَّا إذَا كان بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ وَلَكِنْ بَعْدَ الْبَحْثِ عن جِهَةِ دَعْوَاهُ لِئَلَّا يُتْعِبَهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ كَذِمِّيٍّ أَرَادَ مُطَالَبَةَ مُسْلِمٍ بِضَمَانِ خَمْرٍ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ في إحْضَارِهِ إذْ ليس عليه في الْحُضُورِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَلَا مُؤْنَةٌ أَمَّا إذَا كان في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ له أَنْ يُحْضِرَهُ إذْ لَا وِلَايَةَ له عليه
وَكَذَا الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُخَدَّرَةِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي يُحْضِرُهَا الْقَاضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا مَحْرَمًا لها أو نِسْوَةً ثِقَاتٍ لِتَخْرُجَ مَعَهُمْ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ كما في الْحَجِّ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَتَرْجِيحُ اشْتِرَاطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ فَصْلٌ وَيَسْتَوْفِي أَيْ الْقَاضِي لِمَنْ أَثْبَتَ دَيْنًا على غَائِبٍ من مَالِهِ الْحَاضِرِ أو الْغَائِبِ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذَا طَلَبَهُ الْمُدَّعِي وَلَا يُطَالِبُهُ الْقَاضِي بِكَفِيلٍ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْغَائِبِ دَافِعٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ قد تَمَّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّافِعِ وَلَا يَحْكُمُ على الْغَائِبِ في عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَحْكُمُ بها لِلْآدَمِيِّ كما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَيْضًا فَكَتَبَ الْقَاضِي بَعْدَ حُكْمِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ لِيَأْخُذَهُ بِالْعُقُوبَةِ فَصْلٌ يَلْغُو الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عَزْلٌ لِلْحَاكِمِ بِأَنْ سمع الْبَيِّنَةَ فَعُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ ثَانِيًا لِبُطْلَانِ السَّمَاعِ بِالْعَزْلِ بَلْ تَجِبُ الِاسْتِعَادَةُ لَا خُرُوجَ له عن مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قبل الْحُكْمِ فَلَا يَلْغُو حُكْمُهُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى مَحَلِّهَا لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ وَإِنَّمَا فُقِدَ شَرْطُ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ وَإِنْ سُمِعَتْ بَيِّنَةٌ على غَائِبٍ فَقَدِمَ أو على صَبِيٍّ فَبَلَغَ عَاقِلًا ولم يَحْكُمْ بها لم تُعَدْ أَيْ لم يَجِبْ اسْتِعَادَتُهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْأَصْلِ إذَا حَضَرُوا بَعْدَ ما شَهِدَ شُهُودُ الْفَرْعِ قبل الْحُكْمِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ وَلَا حُكْمَ لِلْبَدَلِ مع وُجُودِ الْأَصْلِ وَمُكِّنَ الْغَائِبُ بَعْدَ قُدُومِهِ وَالصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا من الْجَرْحِ لِلْبَيِّنَةِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَمْنَعُ شَهَادَتَهَا عليه كَعَدَاوَةٍ فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ أو بَلَغَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وقد حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ فَهُوَ على حُجَّتِهِ في إقَامَتِهَا بِالْأَدَاءِ أو الْإِبْرَاءِ وَجَرْحِ الشُّهُودِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ سَفِيهًا لِدَوَامِ الْحَجْرِ عليه كما لو بَلَغَ مَجْنُونًا فَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِفِسْقِ الشَّاهِدِ أَرَّخَ فِسْقَهُ بِيَوْمِ الشَّهَادَةِ أو بِمَا قَبْلَهُ ولم يَمْضِ زَمَنُ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْفِسْقَ يَحْدُثُ فَلَوْ أُطْلِقَ احْتَمَلَ حُدُوثَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَتَعْبِيرُهُ بَأَرَّخَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بَأَرَّخَ بِيَوْمِ الشَّهَادَةِ فَصْلُ الْمُخَدَّرَةِ وَهِيَ من لَا تَصِيرُ مُتَبَذِّلَةً في الْخُرُوجِ لِلْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ كَشِرَاءِ خُبْزٍ وَقُطْنٍ وَبَيْعِ غَزْلٍ بِأَنْ لم تَخْرُجْ أَصْلًا لَا لِضَرُورَةٍ أو لم تَخْرُجْ إلَّا قَلِيلًا لِحَاجَةٍ كَعَزَاءٍ وَزِيَارَةٍ وَحَمَّامٍ لَا تُكَلَّفُ الْحُضُورَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَالْمَرِيضِ قالوا لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِصَّةِ الْعَسِيفِ وَاغْدُ يا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَتَوَكَّلْ أو يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا نَائِبَهُ فَتُجِيبُ من وَرَاءِ السَّتْرِ إنْ
____________________
(4/327)
اعْتَرَفَ الْخَصْمُ أنها هِيَ أو شَهِدَ اثْنَانِ من مَحَارِمِهَا أنها هِيَ وَإِلَّا تَلَفَّفَتْ بِمِلْحَفَةٍ وَخَرَجَتْ من السِّتْرِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في التَّخْدِيرِ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّ عليها الْبَيِّنَةَ وقال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ كانت من قَوْمٍ الْأَغْلَبُ من حَالِ نِسَائِهِمْ التَّخْدِيرُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لها وَاسْتَثْنَى مع الْمُخَدَّرَةِ من اُسْتُؤْجِرَ على عَيْنِهِ وكان حُضُورُهُ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ أَخْذًا من فَتْوَى الْغَزَالِيِّ بِعَدَمِ حَبْسِهِ وَتُكَلَّفُ الْمُخَدَّرَةُ حُضُورَ الْجَامِعِ لِلتَّحْلِيفِ إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّغْلِيظَ عليها وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ إنْ وَكَّلَ لم يُكَلَّفْ الْحُضُورَ إلَّا لِلتَّحْلِيفِ فَصْلُ لَا يُزَوِّجُ الْقَاضِي امْرَأَةً في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِنْ حَضَرَ الْخَاطِبُ وَرَضِيَتْ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عليها لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ ما لو حَكَمَ لِحَاضِرٍ على غَائِبٍ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حَاضِرٌ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَوْ كان لِيَتِيمٍ مَالٌ غَائِبٌ عن مَحَلِّ وِلَايَةِ قَاضِي بَلَدِهِ تَوَلَّى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ حِفْظَهُ وَتَعَهُّدَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عليه تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ فيه لِلتِّجَارَةِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَلَا يُنَصِّبُ قَيِّمًا لَهُمَا بَلْ ذلك لِقَاضِي بَلَدِ الْيَتِيمِ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ في النِّكَاحِ فَكَذَا في الْمَالِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَغَيْرُهُمَا وَرَجَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَيْهِ فَلِقَاضِي بَلَدِهِ الْعَدْلِ الْأَمِينِ أَنْ يَطْلُبَ من قَاضِي بَلَدِ مَالِهِ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ له فيه لِيَتَّجِرَ له فيه ثَمَّ أو يَشْتَرِي له بِهِ عَقَارًا وَيَجِبُ على قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إسْعَافَهُ بِذَلِكَ وَكَالْيَتِيمِ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عليه بِسَفَهٍ وَلِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الْغَائِبِ من ثِقَةٍ لِيَحْفَظَهُ بِالذِّمَّةِ أَيْ فيها وله بَيْعُ حَيَوَانِهِ لِخَوْفِ هَلَاكِهِ وَنَحْوِهِ كَغَصْبِهِ سَوَاءٌ فيه مَالُ الْيَتِيمِ الْغَائِبِ وَغَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وله تَأْجِيرُهُ أَيْ إجَارَتُهُ وفي نُسْخَةٍ وَيُؤَجِّرُهُ إنْ أَمِنَ عليه لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ في الْإِجَارَةِ على أَقَلِّ زَمَنٍ يُسْتَأْجَرُ فيه ذلك
____________________
(4/328)
الشَّيْءُ إذَا أَمْكَنَ لِتَوَقُّعِ قُدُومِ الْغَائِبِ وَحَاجَتِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ قال الْقَفَّالُ وإذا بَاعَ شيئا لِلْمَصْلَحَةِ أو أَجَرَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ له الْفَسْخُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَلِأَنَّ ما فَعَلَهُ الْقَاضِي كان بِنِيَابَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَالَ من لَا تُرْجَى مَعْرِفَتُهُ له أَيْ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ وَصَرْفُهُ أَيْ صَرْفُ ثَمَنِهِ في الْمَصَالِحِ وَلَهُ حِفْظُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ في هذه الْأَعْصَارِ صَرْفُهُ في الْمَصَالِحِ لَا حِفْظُهُ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلنَّهْبِ وَمَدِّ أَيْدِي الظَّلَمَةِ إلَيْهِ فَصْلٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ يَنْفُذُ كِتَابُ قَاضِي الْبُغَاةَ أَيْ يُقْبَلُ كَكِتَابِ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ على كِتَابِ حُكْمٍ كَتَبَهُ في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا عَكْسُهُ أَيْ ليس له أَنْ يَشْهَدَ في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ على كِتَابِ حُكْمٍ كَتَبَهُ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالْحُكْمُ كَالْإِشْهَادِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا بَأْسَ بها وَمِثْلُهَا الْإِذْنُ إذَا لم يَتَضَمَّنْ حُكْمًا كَأَنْ أَذِنَ وهو في غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ في الْإِفْرَاجِ عن خَصْمٍ مَحْبُوسٍ في مَحَلِّهَا بِسُؤَالِ خَصْمِهِ وَقَوْلُ الْمَحْكُومِ عليه الْمُوَكِّلِ في الْخُصُومَةِ كُنْت عَزَلْت وَكِيلِي قبل قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ على الْغَائِبِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْمَحْكُومِ له إذَا قال ذلك يَبْطُلُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْغَائِبِ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لِمَنْ تَحَمَّلَ إشْهَادَهُ بِكِتَابِ حُكْمٍ أَرْسَلَهُ بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَخَرَجَ بِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ في الطَّرِيقِ عن الْقَاضِي الْمَقْصُودِ إلَّا أَنْ أَشْهَدَ على شَهَادَتِهِ بِأَنْ أَشْهَدَ على نَفْسِهِ شَاهِدَيْنِ يَحْضُرَانِ بِالْكِتَابِ وَيَشْهَدَانِ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَقْصُودِ أو شَهِدَ بِهِ عِنْدَ قَاضٍ فَيُمْضِيهِ وَيَكْتُبُ بِهِ له أَيْ لِلْقَاضِي الْمَقْصُودِ فَإِنْ لم يَجِدْ قَاضِيًا وَلَا شُهُودًا وَطَلَبَ أُجْرَةً لِخُرُوجِهِ إلَى الْقَاضِي الْمَقْصُودِ لم يُعْطَ غير النَّفَقَةِ وَكِرَاءِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ سُؤَالِهِ ذلك أَيْ الْأُجْرَةَ قبل الْخُرُوجِ من بَلَدِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَيُعْطَاهَا وَإِنْ زَادَتْ على ما ذُكِرَ فإنه لَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ وَالْقَنَاعَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَمَكَّنُ من إشْهَادِ غَيْرِهِ وَهُنَا لِتَحَمُّلِ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحَقَّ من الْخَصْمِ وَسَأَلَهُ الْخَصْمُ الْإِشْهَادَ على الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَجَابَهُ وُجُوبًا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتُبَ له كِتَابًا بِقَبْضِهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يُطَالَبُ بِإِلْزَامِ ما حَكَمَ بِهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ ما كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ يَعْنِي الْكِتَابَ الذي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ كما لَا يَلْزَمُ من اسْتَوْفَى من غَرِيمِهِ ما له عليه بِحُجَّةٍ أو من بَاعَ غَيْرُهُ شيئا له بِهِ حُجَّةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ الْحُجَّةَ لِأَنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ مِلْكَهُ وَلِأَنَّهُ قد يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقٌ فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا كِتَابُ الْقِسْمَةِ هِيَ تَمْيِيزُ الْحِصَصِ بَعْضِهَا من بَعْضٍ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وإذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ الْآيَةَ وَخَبَرُ الشُّفْعَةِ فِيمَا لم يُقْسَمْ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بين أَرْبَابِهَا رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا فَقَدْ يَتَبَرَّم الشَّرِيكُ من الْمُشَارَكَةِ أو يَقْصِدُ الِاسْتِبْدَادَ بِالتَّصَرُّفِ وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ من الشُّرَكَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَنْصُوبِهِمْ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ الْحَقَّ لهم وَمَنْ نَصَّبُوهُ لها وَكِيلٌ لهم فَلَا يُشْتَرَطُ فيه الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ في مَنْصُوبِ الْإِمَامِ وَتَصِحُّ من الْإِمَامِ وَمَنْصُوبِهِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَوْ وَكَّلَ بَعْضُهُمْ وَاحِدًا منهم أَنْ يَقْسِمَ عنه قال في الِاسْتِقْصَاءِ إنْ وَكَّلَهُ على أَنْ يَفْرِزَ لِكُلٍّ منهم نَصِيبَهُ لم يَجُزْ لِأَنَّ على الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ وفي هذا لَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ وَكَّلَهُ على أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جُزْءًا وَاحِدًا جَازَ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ إنْ كان في بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ ولم يَجِدْ مُتَبَرِّعًا نُصِّبَ قَاسِمٌ فَأَكْثَرُ في كل بَلَدٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَيُرْزَقُونَ حِينَئِذٍ من بَيْتِ الْمَالِ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّ ذلك من الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إنْ كان فيه سَعَةٌ هذا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ بَلْ الْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا تَقَدَّمَتْ في كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ فيه سَعَةٌ أو وَجَدَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يُنَصِّبُ قَاسِمًا إلَّا لِمَنْ سَأَلَ نَصَّبَهُ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ من زِيَادَتِهِ وَأُجْرَتُهُ حِينَئِذٍ إذَا لم يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ أو نَصَّبَهُ بِسُؤَالِهِمْ عليهم سَوَاءٌ طَلَبُوا كلهم الْقِسْمَةَ أَمْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْعَمَلَ لهم وَلَا يُعَيِّنُ قَاسِمًا إذَا لم يَسْأَلْهُ أَحَدٌ
____________________
(4/329)
لِئَلَّا يُغَالِيَ في الْأُجْرَةِ وَلِئَلَّا يُوَاطِئَهُ بَعْضُهُمْ فَيَحِيفَ بَلْ يَدَعُ الناس لِيَسْتَأْجِرُوا من شَاءُوا وَمَنَعَهُ من التَّعْيِينِ قال الْقَاضِي على جِهَةِ التَّحْرِيمِ وَالْفُورَانِيُّ على جِهَةِ الْكَرَاهَةِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَالشَّرْطُ فِيمَنْ يُنَصِّبُهُ وَكَذَا في من حَكَّمُوهُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَدْلًا ذَكَرًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ كَالْحَاكِمِ وَحَذَفَ من كَلَامِ أَصْلِهِ مُكَلَّفًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عنه بِالْعَدْلِ يَعْرِفُ الْحِسَابَ وَالْمِسَاحَةَ لِأَنَّهَا آلَةُ الْقِسْمَةِ كما أَنَّ الْفِقْهَ آلَةُ الْقَضَاءِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَابِطًا سَمِيعًا بَصِيرًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَفِيفًا عن الطَّمَعِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأُمِّ لَا أَنْ يَعْرِفَ التَّقْوِيمَ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذلك لِأَنَّ في أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ ما يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ قال فَقَدْ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِيَانِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وأبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ لم يَكُنْ عَارِفًا رَجَعَ إلَى إخْبَارِ عَدْلَيْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذلك وَرَدَّ الْبُلْقِينِيُّ ذلك وقال الْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ ذلك في قِسْمَتَيْ التَّعْدِيلِ وَالرَّدِّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَيُجْزِئُ أَيْ يَكْفِي إذَا لم يَكُنْ في الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ قَاسِمٌ في كل بَلَدٍ كَالْوَزَّانِ وَالْكَيَّالِ من جِهَةِ اسْتِنَادِهِ إلَى عَمَلٍ مَحْسُوسٍ هذا إنْ كَفَى وَالْأَزْيَدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ هذا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ كان فيها تَقْوِيمٌ فَلَا بُدَّ من اثْنَيْنِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ في الْمُقَوَّمِ لِأَنَّ ذلك شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا في التَّقْوِيمِ فَيَعْمَلُ فيه بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ وَيَقْسِمُ بِنَفْسِهِ وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ في التَّقْوِيمِ بِعِلْمِهِ كما يَحْكُمُ بِهِ في غَيْرِهِ فَرْعٌ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ التي اسْتَأْجَرَهُ الشُّرَكَاءُ بها وَأَطْلَقُوهَا مُوَزَّعَةً على قَدْرِ الْحِصَصِ لَا على عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَإِنْ كانت أَيْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً أو الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ عَقْدٍ بِأَنْ اقْتَصَرُوا على نَصْبِهِ لها وَقُلْنَا الْأُجْرَةُ وَاجِبَةٌ أو بِإِخْبَارٍ من الْقَاضِي وَلَوْ من مَنْصُوبِهِ لِأَنَّهَا من مُؤَنِ الْمِلْكِ كَالنَّفَقَةِ وَإِنْ قَدَّرَ له كُلٌّ منهم لِنَفْسِهِ أَيْ عليها أُجْرَةَ جَازَ فَلَهُ على كُلٍّ منهم ما الْتَزَمَهُ سَوَاءٌ كان مُسَاوِيًا لِأُجْرَةِ مِثْلِ حِصَّتِهِ أَمْ لَا وَلِيَسْتَأْجِرُوا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يَقُولُوا اسْتَأْجَرْنَاك لِتَقْسِمَ بَيْنَنَا كَذَا بِدِينَارٍ على فُلَانٍ وَدِينَارَيْنِ على فُلَانٍ أو يُوَكِّلُوا من يَعْقِدُ لهم كَذَلِكَ فَلَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ منهم بِعَقْدٍ لِإِفْرَازِ نَصِيبِهِ وَتَرَتَّبُوا أو لم يَتَرَتَّبُوا فِيمَا يَظْهَرُ لم يَصِحَّ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ فَيَصِحُّ ذلك بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ أَحَدُهُمْ وَيَكُونَ حِينَئِذٍ أَصِيلًا وَوَكِيلًا وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى عَقْدِ الْبَاقِينَ وَإِنَّمَا لم يَصِحَّ بِدُونِ رِضَاهُمْ لِأَنَّ ذلك يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ في مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ نعم له ذلك في قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَقِيلَ يَصِحُّ فِيمَا قَالَهُ وَإِنْ لم يَرْضَ الْبَاقُونَ لِأَنَّ كُلًّا عَقَدَ لِنَفْسِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
____________________
(4/330)
الْمَعْرُوفُ الصِّحَّةُ قال في الْكِفَايَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ في مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ لم يَكُنْ له في الْقِسْمَةِ غِبْطَةٌ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ وَالْأُجْرَةُ من الْمُؤَنِ التَّابِعَةِ لها وَعَلَى الْوَلِيِّ طَلَبُ الْقِسْمَةِ له حَيْثُ كان له فيها غِبْطَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَطْلُبُهَا وَإِنْ طَلَبَهَا الشَّرِيكُ أُجِيبَ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلصَّبِيِّ فيها غِبْطَةٌ وَكَالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عليه بِسَفَهٍ فَصْلُ يُمْنَعُونَ من قِسْمَةِ عَيْنٍ تَتْلَفُ مَنْفَعَتُهَا بها كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ وَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ لِأَنَّهَا سَفَهٌ وَالتَّقْيِيدُ بِالنَّفَاسَةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلتَّنْبِيهِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْعِرَاقِيُّ وَإِنْ نَقَصَهَا كَسَيْفٍ يُكْسَرُ لم يُجِبْهُمْ إلَيْهَا الْإِمَامُ لِذَلِكَ ولم يَمْنَعْهُمْ من قِسْمَتِهَا بِأَنْفُسِهِمْ كما لو هَدَمُوا الْجِدَارَ وَاقْتَسَمُوا نَقْضَهُ وَاسْتُشْكِلَ هذا بِعَدَمِ إجَابَةِ الْإِمَامِ إلَيْهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ يُصَانُ عن مِثْلِ ذلك لِأَنَّهُ مُلْزَمٌ بِخِلَافِ الْمَالِكِ وَكَذَا لَا يُجِيبُهُمْ وَلَا يَمْنَعُهُمْ من قِسْمَةِ ما يُبْطِلُ مَقْصُودَهُ بها كَحَمَّامٍ صَغِيرٍ لَا يَنْقَسِمُ لِمَا فيها من الضَّرَرِ وَذِكْرُ عَدَمِ مَنْعِهِمْ منها من زِيَادَتِهِ فَإِنْ انْقَسَمَ بِأَنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيْنِ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى إحْدَاثِ بِئْرٍ أو مُسْتَوْقَدٍ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ مع تَيَسُّرِ تَدَارُكِ ما اُحْتِيجَ إلَيْهِ من ذلك بِأَمْرٍ قَرِيبٍ وَلَوْ كان نَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ في الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا الْعُشْرُ وهو لَا يَكْفِيهِ مَسْكَنًا لو قُسِمَتْ فَلِصَاحِبِهِ لَا له طَلَبُ الْقِسْمَةِ وَيُجْبَرُ عليها إنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ طَلَبَهُ لها تَعَنُّتٌ وَتَضْيِيعٌ لِمَالِهِ وَصَاحِبُهُ مَعْذُورٌ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِحِصَّتِهِ وَضَرَرُ صَاحِبِ الْعُشْرِ نَشَأَ من قِلَّةِ نَصِيبِهِ لَا من مُجَرَّدِ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كان نِصْفُهَا لِوَاحِدٍ وَنِصْفٌ آخَرُ لِخَمْسَةٍ فَطَلَبَ صَاحِبُ النِّصْفِ الْقِسْمَةَ أُجِيبَ وَحِينَئِذٍ فَلِكُلٍّ منهم أَيْ من الْخَمْسَةِ الْقِسْمَةُ تَبَعًا له وَإِنْ كان الْعُشْرُ الذي لِكُلٍّ منهم لَا يَصْلُحُ مَسْكَنًا له لِأَنَّ في الْقِسْمَةِ فَائِدَةً لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَلَوْ بَقِيَ حَقُّهُمْ أَيْ الْخَمْسَةِ مَشَاعًا ثُمَّ طَلَبَ وَاحِدٌ منهم الْقِسْمَةَ لم يُجْبَرُوا أَيْ الْبَاقُونَ عليها لِأَنَّهَا تَضُرُّ الْجَمِيعَ وَإِنْ طَلَبَ أَوَّلًا الْخَمْسَةُ إفْرَازَ نَصِيبِهِمْ مَشَاعًا أو كانت أَيْ الدَّارُ لِعَشَرَةٍ فَطَلَبَ خَمْسَةٌ منهم إفْرَازَ نَصِيبِهِمْ مَشَاعًا أُجِيبُوا إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِنَصِيبِهِمْ كما كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ قبل الْقِسْمَةِ ولم يَعْتَبِرُوا مُطْلَقَ الِانْتِفَاعِ لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بين أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ فَصْلٌ الْقِسْمَةُ الْجَائِزَةُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا الْقِسْمَةُ بِالْإِجْزَاءِ وَتُسَمَّى قِسْمَةَ الْمُتَشَابِهَاتِ وَقِسْمَةُ الْإِفْرَازِ وَهِيَ التي لَا يُحْتَاجُ فيها إلَى رَدٍّ وَلَا إلَى تَقْوِيمٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ من حُبُوبٍ وَدَرَاهِمَ وَأَدْهَانٍ وَنَحْوِهَا وَأَرْضٌ مُسْتَوِيَةُ الْأَجْزَاءِ وَدَارٌ مُتَّفِقَةُ الْأَبْنِيَةِ فَقِسْمَتُهَا قِسْمَةُ إجْبَارٍ إذْ الْمُمْتَنِعُ منها يُجْبَرُ عليها وَإِنْ كانت
____________________
(4/331)
الْأَنْصِبَاءُ مُتَفَاوِتَةً إذْ لَا ضَرَرَ عليه فيها فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ في الْمَكِيلِ كَيْلًا وَالْمَوْزُونُ وَزْنًا وَالْمَذْرُوعُ ذَرْعًا بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ إنْ اسْتَوَتْ كَالْإِثْلَاثِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَيَكْتُبُ الْأَسْمَاءَ لِتَخْرُجَ على الْأَجْزَاءِ أو الْأَجْزَاءَ مُمَيَّزَةً بِالْحُدُودِ أو الْجِهَةِ وَنَحْوِهَا لِتَخْرُجَ على الْأَسْمَاءِ في رِقَاعٍ وَتُجْعَلُ في بَنَادِقَ صِغَارٍ مُسْتَوِيَةٍ وَزْنًا وَشَكْلًا من طِينٍ مُجَفَّفٍ أو شَمْعٍ أو نَحْوِهِ وَذَلِكَ لِئَلَّا تَسْبِقَ الْيَدُ لِإِخْرَاجِ الْكَبِيرَةِ وَتَرَدَّدَ الْجُوَيْنِيُّ في وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَرَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ عَدَمَهُ وَقَوْلُهُ صِغَارٍ من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَنَقَلَ الْأَصْلُ في بَابِ الْعِتْقِ عن الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ كَدَوَاةٍ وَقَلَمٍ وَحَصَاةٍ
ثُمَّ قال وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا حَيْفَ بِذَلِكَ مع الْجَهْلِ بِالْحَالِ وَأَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ وَتُعْطَى الرِّقَاعُ الْمُدْرَجَةَ في الْبَنَادِقِ من لم يَحْضُرْ الْكِتَابَةَ وَالْإِدْرَاجَ بِأَنْ تُجْعَلَ في حَجْرِهِ أو نَحْوِهِ وَذَلِكَ لِبُعْدِهِ عن التُّهْمَةِ إذْ الْقَصْدُ سَتْرُهَا عن الْمَخْرَجِ حتى لَا يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ تُهْمَةٌ وَمِنْ ثَمَّ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ قَلِيلَ الْفَطِنَةِ لِتَبْعُدَ الْحِيلَةُ وَصَبِيٌّ وَنَحْوُهُ كَعَجَمِيٍّ أَوْلَى بِذَلِكَ من غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عن التُّهْمَةِ وَتَعْيِينُ من يَبْدَأُ بِهِ من الْأَسْمَاءِ أو الْأَجْزَاءِ مُفَوَّضٌ إلَى نَظَرِ الْقَاسِمِ حَسْمًا لِلنِّزَاعِ فَيَقِفُ أَوَّلًا على أَيِّ طَرَفٍ شَاءَ وَيُسَمِّي أَيَّ شَرِيكٍ شَاءَ أو أَيَّ جُزْءٍ شَاءَ وَيَأْمُرُهُ أَيْ الْقَاسِمُ من يُخْرِجُ الرِّقَاعَ إنْ كَتَبَ فيها الْأَسْمَاءَ بِالْوَضْعِ لِرُقْعَةٍ على الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَخَذَهُ ثُمَّ لِأُخْرَى على ما يَلِيهِ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ من اثْنَيْنِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ من الْبَقِيَّةِ أَخَذَهُ أو إنْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ فَبِالْوَضْعِ أَيْ فَيَأْمُرُهُ بِوَضْعِ رُقْعَةٍ على زَيْدٍ ثُمَّ أُخْرَى على عَمْرٍو إنْ كَانُوا أَكْثَرَ من اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً تَعَيَّنَ الثَّالِثُ لِلثَّالِثِ بِلَا وَضْعٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ زِيدَ في الْوَضْعِ لِمَا عَدَا الْأَخِيرِ على ما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أو اثْنَيْنِ تَعَيَّنَ الثَّانِي لِلثَّانِي بِلَا وَضْعٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ هذه الطَّرِيقَةَ أَيْ كِتَابَةَ الْأَجْزَاءِ في الْإِقْرَاعِ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَسُدُسٍ وَثُلُثٍ في أَرْضٍ جُزِّئَتْ أَيْ الْأَرْضُ على أَقَلِّ السِّهَامِ وهو السُّدُسُ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ بِخِلَافِ ما لو جُزِّئَتْ على الْأَكْثَرِ فَتُجْعَلُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَيُقْسَمُ كما مَرَّ وَيُحْتَرَزُ عن تَفْرِيقِ حِصَّةٍ وَاحِدَةٍ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَوْلَى في الْكِتَابَةِ حِينَئِذٍ أَنْ يَكْتُبَ الْأَسْمَاءَ في رِقَاعٍ كما سَيَأْتِي وَيَخْرُجُ على الْأَجْزَاءِ لِأَنَّهُ لو عَكَسَ فَقَدْ يَخْرُجُ الْجَزَاءُ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ فَيَتَنَازَعُونَ في أَنَّهُ يَأْخُذُ معه السَّهْمَيْنِ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ أو يَخْرُجُ الثَّانِي أو الْخَامِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ فَيُفَرَّقُ مِلْكُ أَحَدِ شَرِيكَيْهِ وَإِنَّمَا كان ما قَالَهُ أَوْلَى لَا وَاجِبًا لِأَنَّ التَّنَازُعَ قد يُمْنَعُ بِمَا سَيَأْتِي وَبِاتِّبَاعِ نَظَرِ الْقَاسِمِ كما فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ من الْأَسْمَاءِ أو الْأَجْزَاءِ وَيَجْعَلُ أَيْ يَكْتُبُ الْأَسْمَاءَ في ثَلَاثِ رِقَاعٍ وَيُخْرِجُ رُقْعَةً على الْجَزَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ ثُمَّ إنْ خَرَجَ الثَّانِي الذي خَرَجَتْ عليه الرُّقْعَةُ الثَّانِيَةُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وما يَلِيهِ وهو الثَّالِثُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَخَذَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى ثُمَّ إنْ خَرَجَ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وما يَلِيهِ وهو الْخَامِسُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَإِنْ خَرَجَ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ لم يَخْفَ الْحُكْمُ وَيَجُوزُ كَتْبُ الْأَسْمَاءِ في سِتِّ رِقَاعٍ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ في ثَلَاثٍ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ في ثِنْتَيْنِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ في وَاحِدَةٍ
وَيَخْرُجُ على ما ذُكِرَ وَلَا فَائِدَةَ فيه زَائِدَةٌ على الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ إلَّا سُرْعَةُ خُرُوجِ اسْمِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ حَيْفًا لِتَسَاوِي السِّهَامِ فَجَازَ ذلك أَيْضًا بَلْ قال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْمُخْتَارُ الْمَنْصُوصُ وَصَحَّحَهُ ابن يُونُسَ لِأَنَّ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مَزِيَّةً بِكَثْرَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ لَهُمَا مَزِيَّةٌ بِكَثْرَةِ الرِّقَاعِ فَإِنْ كُتِبَتْ الْأَجْزَاءُ فَلَا بُدَّ من إثْبَاتِهَا في سِتِّ رِقَاعٍ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثُ رِقَاعٍ ولصاحب الثُّلُثِ ثِنْتَانِ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عن التَّفْرِيقِ بِأَنْ لَا يَبْدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إنَّمَا جاء من قِبَلِهِ فَإِنْ بَدَأَ بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ فَخَرَجَ له الْأَوَّلُ أَخَذَ الثَّلَاثَةَ وَلَاءً وَإِنْ خَرَجَ له الثَّانِي أَخَذَهُ وما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ وَلَوْ قال فَكَذَلِكَ كان أَخْصَرَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَإِعْطَاؤُهُ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ تَحَكُّمٌ فلم لَا أُعْطِي السَّهْمَانِ مِمَّا بَعْدَهُ وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ
____________________
(4/332)
وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وقد ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَظِيرَ هذا في أَمْثِلَةٍ أو يُقَالُ لَا يَتَعَيَّنُ هذا بَلْ يُتْبَعُ نَظَرُ الْقَاسِمِ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا في نَظَائِرَ له أو خَرَجَ له الثَّالِثُ فَفِي الْأَصْلِ عن الْجُوَيْنِيِّ يَتَوَقَّفُ فيه وَيَخْرُجُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فَإِنْ خَرَجَ له الْأَوَّلُ أو الثَّانِي أَخَذَهُمَا وَأَخَذَ صَاحِبُ النِّصْفِ الثَّالِثَ وَاَللَّذَيْنِ بَعْدَهُ أو الْخَامِسَ أَخَذَهُ مع ما بَعْدَهُ قال وَأَهْمَلَ بَاقِيَ الِاحْتِمَالَاتِ ثُمَّ بَحَثَ هو ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ من أَنَّهُ إنْ خَرَجَ له الثَّالِثُ أَخَذَهُ مع اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ بِاسْمِ الْآخَرَيْنِ أو الرَّابِعَ أَخَذَهُ مع اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ
وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْأَخِيرَيْنِ الْوَجْهُ وَالْأَخِيرَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أو الْخَامِسَ أَخَذَهُ مع اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ وَتَعَيَّنَ السَّادِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْأَوَّلَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ قال الْإِسْنَوِيُّ وما ذَكَرَهُ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ إذْ يُقَالُ له لِمَ لَا قُلْت في الْأُولَى أَخَذَهُ مع الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْأَخِيرَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أو أَخَذَهُ مع اثْنَيْنِ بَعْدَهُ وَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْأَوَّلَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَلِمَ لَا قُلْت في الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مع الثَّالِثِ وَالْخَامِسِ وَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْأَوَّلَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَلِمَ لَا قُلْت في الثَّالِثَةِ أَخَذَهُ مع الرَّابِعِ وَالسَّادِسِ ثُمَّ يُقْرَعُ بين الْأَخِيرَيْنِ لَا سِيَّمَا وَهَذَا الطَّرِيقُ يُؤَدِّي إلَى الْإِقْرَاعِ بين الْكُلِّ بِخِلَافِ ما ذَكَرَهُ هو أو خَرَجَ له السَّادِسُ أَخَذَهُ مع اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُخْرِجُ رُقْعَةً أُخْرَى بِاسْمِ أَحَدِهِمَا أَيْ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فإنه إنْ بَدَأَ مِنْهُمَا بِاسْمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَخَرَجَ له الْأَوَّلُ أو الثَّانِي أَخَذَهُمَا وَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ لِلْآخَرِ أو الثَّالِثُ أَخَذَهُ مع ما قَبْلَهُ وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ أو بِصَاحِبِ السُّدُسِ فَخَرَجَ له الْأَوَّلُ أو الثَّالِثُ أَخَذَهُ وَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِلْآخَرِ وَإِنْ خَرَجَ له الثَّانِي لم يُعْطِهِ لِلتَّفْرِيقِ وَإِنْ بَدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ أو بِصَاحِبِ الثُّلُثِ يَبْنِي على هذا الْقِيَاسِ فَإِنْ خَرَجَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ الْأَوَّلِ أو السَّادِسِ أَخَذَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ بِاسْمِ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ أو الثَّالِثُ أو الرَّابِعُ أَخَذَهُ وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلَانِ في الْأُولَى وَالْأَخِيرَانِ في الثَّانِيَةِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَالْبَقِيَّةُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أو الثَّانِي أو الْخَامِسِ لم يُعْطِهِ لِلتَّفْرِيقِ
وَهَذَا الْمُحْتَرَزُ عنه بِقَوْلِهِمْ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عن التَّفْرِيقِ بِأَنْ لَا يَبْدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ وَإِنْ خَرَجَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ أو الثَّانِي أَخَذَهُمَا أو الْخَامِسِ أو السَّادِسِ فَكَذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِاسْمِ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ وَإِنْ خَرَجَ له الثَّالِثُ أَخَذَهُ مع الثَّانِي وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أو الرَّابِعُ أَخَذَهُ مع الْخَامِسِ وَتَعَيَّنَ السَّادِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وقد ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هُنَا طَرِيقَةً أُخْرَى حَذَفَهَا في الرَّوْضَةِ لِطُولِهَا ثُمَّ الْقُرْعَةُ على الْوَجْهِ السَّابِقِ لَا تَخْتَصُّ بِقِسْمَةِ الْإِجْزَاءِ وَكَمَا تَجُوزُ بِالرِّقَاعِ الْمُدْرَجَةِ في الْبَنَادِقِ تَجُوزُ بِالْأَقْلَامِ وَالْعَصَا وَالْحَصَى وَنَحْوِهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ فَصْلٌ تُنْقَضُ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ لِلْغَلَطِ وَلِلْحَيْفِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَبَيَّنَهُ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً كما سَيَأْتِي وَهَذَا كما لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِجَوْرِ الْقَاضِي أو كَذِبِ الشُّهُودِ وَمَنْ ادَّعَاهُ منهم مُجْمَلًا بِأَنْ لم يُبَيِّنْهُ لم يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فَإِنْ بُيِّنَ لم يَحْلِفْ الْقَاسِمُ الذي نَصَّبَهُ الْقَاضِي كما لَا يَحْلِفُ الْقَاضِي أَنَّهُ لم يَظْلِمْ وَالشَّاهِدُ أَنَّهُ لم يَكْذِبْ بَلْ يَمْسَحُهَا أَيْ الْعَيْنَ الْمُشْتَرَكَةَ قَاسِمَانِ حَاذِقَانِ وَيَعْرِفَانِ الْحَالَ وَيَشْهَدَانِ وَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ قال في الْأَصْلِ وَأَلْحَقَ السَّرَخْسِيُّ بِشَهَادَتِهِمَا ما إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمَسَحَ ما أَخَذَهُ فإذا هو سَبْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ وَعِلْمَ الْحَاكِمِ وَإِقْرَارَ الْخَصْمِ وَيَمِينَ الرَّدِّ كَالشَّاهِدَيْنِ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ وَسَتَأْتِي الْأَخِيرَةُ في كَلَامِهِ وَلَهُ إذَا ادَّعَاهُ وَبَيَّنَهُ ولم يُقِمْ حُجَّةً تَحْلِيفُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ من ادَّعَى على خَصْمِهِ ما لو أَقَرَّ بِهِ لِنَفْعِهِ فَأَنْكَرَ كان له تَحْلِيفُهُ وَمَنْ نَكَلَ منهم عن الْيَمِينِ نُقِضَتْ أَيْ الْقِسْمَةُ في حَقِّهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ من الْحَالِفِينَ إنْ حَلَفَ خَصْمُهُ كما لو أَقَرَّ وَلَيْسَ عليهم أَيْ بَقِيَّتِهِمْ الْبَيِّنَةُ بِصِحَّتِهَا أَيْ الْقِسْمَةِ
وَإِنْ قال الْمُدَّعِي إنَّ الْقَاسِمَ لَا يُحْسِنُ الْقِسْمَةَ وَالْمِسَاحَةَ وَالْحِسَابَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهَا وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْقَاسِمُ لم تُنْقَضْ أَيْ الْقِسْمَةُ إنْ كَذَّبُوهُ أو سَكَتُوا كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَرَدَّ الْأُجْرَةَ لِاعْتِرَافِهِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ لها وَإِنْ صَدَّقُوهُ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ كَالْقَاضِي يَعْتَرِفُ بِالْغَلَطِ أو الْحَيْفِ في الْحُكْمِ إنْ صَدَّقَهُ الْخَصْمُ الْمَحْكُومُ له رَدَّ الْمَالَ الْمَحْكُومَ بِهِ إلَى الْمَحْكُومِ عليه وَإِلَّا فَلَا وغرم الْقَاضِي
____________________
(4/333)
لِلْمَحْكُومِ عليه بَدَلَ ما حَكَمَ بِهِ وَأَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي بِأَنْ نَصَّبَ الشَّرِيكَانِ قَاسِمًا قَسَمَ بَيْنَهُمَا أو اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا فَإِنْ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ إفْرَازٍ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا أو حَيْفًا نُقِضَتْ إنْ ثَبَتَ الْغَلَطُ أو الْحَيْفُ إذْ لَا إفْرَازَ مع التَّفَاوُتِ وَحَلَفَ الْخَصْمُ إنْ لم يَثْبُتْ ذلك كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو وَهِيَ قِسْمَةُ بَيْعٍ فَلَا تُنْقَضُ وَلَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ أو الْحَيْفِ وَإِنْ تَحَقَّقَ كما لَا أَثَرَ لِلْغَبْنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِرِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ بِتَرْكِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إنَّمَا هو في قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ فَلَوْ قال كَأَصْلِهِ بَدَلَ وَهِيَ قِسْمَةُ إفْرَازٍ وَبَيْعٍ وَقُلْنَا إنَّهَا قِسْمَةُ إفْرَازٍ أو بَيْعٍ كان أَوْلَى مع أَنَّهُ مَاشٍ على أنها بَيْعٌ على ما يَأْتِي تَحْرِيرُهُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنْ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لم تُنْقَضْ وَإِنْ ثَبَتَ الْغَلَطُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أو بَيْعٌ فَلَا بَيَانَ حُكْمُ ذلك في النَّوْعَيْنِ الْآتِيَيْنِ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هذا الْفَصْلِ عن الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَصْلٌ لو ظَهَرَ أَيْ حَدَثَ بَرْدٌ بِعَيْبٍ أو بِتَرَدٍّ في بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا أو نَحْوَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِلتَّرِكَةِ بين الْوَرَثَةِ دَيْنٌ وَهِيَ إفْرَازٌ بِيعَتْ الْأَنْصِبَاءُ في الدَّيْنِ إنْ لم يُوَفُّوا الدَّيْنَ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ وَفَّوْهُ فَصَحِيحَةٌ كما جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْعِرَاقِيِّينَ أو وَهِيَ بَيْعٌ بَطَلَتْ وَبِيعَتْ الْأَنْصِبَاءُ إنْ لم يُوَفُّوا الدَّيْنَ وَإِلَّا صَحَّتْ لِأَنَّهَا كانت جَائِزَةً لهم ظَاهِرًا ويأتي في عِبَارَتِهِ ما قَدَّمْته قُبَيْلَ الْفَصْلِ فَعَلَى كَوْنِ كَلَامِهِ في الْمُتَشَابِهَاتِ لو قال ظَهَرَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ دَيْنٌ بَطَلَتْ إنْ لم يُوَفُّوا السَّلَمَ من ذلك وَلَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَعْضَ مَشَاعٍ من الْمَقْسُومِ كَثُلُثٍ بَطَلَتْ في الْجَمِيعِ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِ الْقِسْمَةِ وهو التَّمْيِيزُ وَلِظُهُورِ انْفِرَادِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ بِالْقِسْمَةِ وَمُقْتَضَى ما في الْأَصْلِ أَيْ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ ما ذَكَرَهُ من الْبُطْلَانِ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيُّ وهو جَارٍ على طَرِيقَتِهِ في أَنَّ الْعَقْدَ إذَا جَمَعَ بين حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَا يَصِحُّ لِرُجُوعِ الشَّافِعِيِّ إلَيْهِ آخِرًا كما مَرَّ بَيَانُهُ في بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَأَمَّا ما ذَكَرَهُ من أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ فَوَهْمٌ بَلْ الذي فيها أنها تَبْطُلُ في الْمُسْتَحَقِّ وفي الْبَاقِي طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا قَوْلَانِ بِلَا تَرْجِيحِ وَفَاتِهِ بَيَانُ الرَّاجِحِ مِمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في شَرْحَيْهِ وَالْمُحَرَّرُ وَتَبِعَهُ هو في الْمِنْهَاجِ من أَنَّ في الْبَاقِي قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْقِسْمَةِ فيه وَثُبُوتُ الْخِيَارِ أو بَعْضُ مُعَيَّنٍ وَاسْتَوَيَا أَيْ الشَّرِيكَانِ فيه صَحَّتْ في الْبَاقِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصَلَ إلَى حَقِّهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَسْتَوِيَا فيه بِأَنْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِهِ أو أَصَابَ أَحَدُهُمَا منه أَكْثَرَ بَطَلَتْ في الْجَمِيعِ لِأَنَّ ما يَبْقَى لِكُلٍّ لَا يَكُونُ قَدْرَ حَقِّهِ بَلْ يَحْتَاجُ أَحَدُهُمَا إلَى الرُّجُوعِ على الْآخَرِ وَتَعُودُ الْإِشَاعَةُ نعم لو وَقَعَ في الْغَنِيمَةِ عَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَخَذَهَا منه الْكُفَّارُ ولم يَعْلَمْ بها إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ رُدَّتْ لِصَاحِبِهَا وَعُوِّضَ عنها من وَقَعَتْ في نَصِيبِهِ من خُمْسِ الْخُمْسِ وَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ كما أَوْضَحُوهُ في بَابِهِ
____________________
(4/334)
أو ظَهَرَتْ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ في الذِّمَّةِ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ على التَّرِكَةِ أو وَصِيَّةٍ بِجُزْءٍ شَائِعٍ أو مُعَيَّنٍ فَكَالْمُسْتَحَقِّ في حُكْمِهِ السَّابِقِ ثُمَّ ظُهُورُ الدَّيْنِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَدَعْوَى الْغَلَطِ لَا تَخْتَصُّ بِقِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ على ما يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ بَلْ تَعُمُّ أَنْوَاعَ الْقِسْمَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ النَّوْعُ الثَّانِي قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ فِيمَا لَا يَتَعَدَّدُ كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِاخْتِلَافِهَا في قُوَّةِ الْإِنْبَاتِ وَالْقُرْبِ من الْمَاءِ وفي أَنَّ بَعْضَهَا يُسْقَى بِالنَّهْرِ وَبَعْضَهَا بِالنَّاضِحِ فَيَكُونُ مَثَلًا قِيمَةُ ثُلُثِهَا لِجَوْدَتِهِ كَقِيمَةِ ثُلُثَيْهَا فَتُجَزَّأُ الْأَرْضُ على أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ إنْ اخْتَلَفَتْ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ فَتُجَزَّأُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ بِالْقِيمَةِ لَا الْمِسَاحَةِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كما مَرَّ وَتُوَزَّعُ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ على قَدْرِ مِسَاحَةِ الْمَأْخُوذِ لَا مِسَاحَةِ النَّصِيبِ لِأَنَّ الْعَمَلَ في الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَهَذَا الْأَوْلَى وَهَذَا أَيْ النَّوْعُ قِسْمَةٌ بِالْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا أُجْبِرَ عليها الْمُمْتَنِعُ إلْحَاقًا لِلتَّسَاوِي في الْقِيمَةِ بِالتَّسَاوِي في الْإِجْزَاءِ هذا إذَا لم يُمْكِنْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ كما لو كَانَا شَرِيكَيْنِ في أَرْضَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَةُ كل وَاحِدَةٍ بِالْإِجْزَاءِ لَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ في قِسْمَتِهَا على التَّعْدِيلِ وَكَذَا بُسْتَانٌ بَعْضُهُ عِنَبٌ وَبَعْضُهُ نَخْلٌ وَدَارٌ بَعْضُهَا آجُرٌّ وَبَعْضُهَا خَشَبٌ وَطِينٌ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجْرِي فيه الْإِجْبَارُ إذَا لم يُمْكِنْ قِسْمَةُ كل جِنْسٍ وَحْدَهُ إلْحَاقًا لِذَلِكَ بِمَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ لِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ
وَأَمَّا الْمُتَعَدِّدُ فما لَا يَنْقَسِمُ آحَادُهُ كَدَكَاكِينَ صِغَارٍ مُتَلَاصِقَةٍ وَتُسَمَّى عَضَائِدَ فَتُقَسَّمُ أَعْيَانُهَا إجْبَارًا لِلْحَاجَةِ وَكَالْخَانِ الْمُشْتَمِلِ على بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ فَإِنْ انْقَسَمَتْ الدُّورُ أو الدَّكَاكِينُ الْمُتَعَدِّدَةُ الْمُتَسَاوِيَةُ الْقِيمَةِ وَطَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يُجْعَلَ لِكُلٍّ منهم دَارٌ أو دُكَّانٌ فَلَا إجْبَارَ سَوَاءٌ تَجَاوَرَتْ الدُّورُ وَالدَّكَاكِينُ أَمْ تَبَاعَدَتْ لِشِدَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْأَبْنِيَةِ كَالْجِنْسَيْنِ وَأَمَّا الْأَرَاضِي فَلَا إجْبَارَ فيها إلَّا إنْ تَلَاصَقَتْ وَاتَّحَدَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَيُجْبَرُ فيها فَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِجْبَارِ فيها إذَا تَفَرَّقَتْ أو تَلَاصَقَتْ ولم يَتَّحِدْ الْمَشْرَبُ وَالطَّرِيقُ وَالْمُتَعَدِّدُ إنْ كان من نَوْعٍ وَاحِدٍ كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ وَشَجَرٍ إنْ أَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ فيها بين الشُّرَكَاءِ وَلَوْ بِالْقِيمَةِ كما لو أَمْكَنَتْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عليها أَيْ على قِسْمَتِهَا أَعْيَانًا كَثَلَاثَةِ أَعْبُدَ بين اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهَا الْأَوْلَى أَحَدُهُمْ مِائَةٌ وقيمة الْآخَرَيْنِ مِائَةٌ وَكَثَلَاثَةِ أَعْبُدَ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ بين ثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فيها عِنْدَ إمْكَانِ التَّسْوِيَةِ عَدَدٌ أو قِيمَةٌ بِخِلَافِ الدُّورِ وَإِلْحَاقًا لِلتَّسْوِيَةِ في الْقِيمَةِ بِالتَّسْوِيَةِ في الْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِهَا
وما ذَكَرَهُ فيها هو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وهو الذي أَوْرَدَهُ الْأَكْثَرُونَ مَنْعُ الْإِجْبَارِ فيها بِخِلَافِ عَبْدَيْنِ بين اثْنَيْنِ قِيمَةُ ثُلُثَيْ أَحَدِهِمَا يَعْدِلُ قِيمَةَ ثُلُثِهِ مع الْآخَرِ كَأَنْ سَاوَتْ قِيمَةُ الْأَوَّلِ ثَلَثَمِائَةٍ وَالثَّانِي مِائَةً فَلَا إجْبَارَ في قِسْمَتِهِمَا لِعَدَمِ ارْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْوَاعُ وَالْأَجْنَاسُ الْمَفْهُومَةُ بِالْأَوْلَى كَعَبْدَيْنِ تُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ وَكَعَبْدٍ وَثَوْبٍ فَلَا إجْبَارَ في قِسْمَتِهَا وَلَوْ اخْتَلَطَتْ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَتَمْرٍ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ لِشِدَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِهَا وَاللَّبَنُ إنْ اسْتَوَتْ قَوَالِبُهُ فَمُتَشَابِهَاتٌ أَيْ فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةُ الْمُتَشَابِهَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَالتَّعْدِيلُ أَيْ فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ فَيَأْتِي فيها الْإِجْبَارُ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ على قِسْمَةِ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ من دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا لَا على قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لِأَنَّهُمَا قد يَقْتَسِمَانِ الْآخَرَ بَعْدَ ذلك فَيَقَعُ ما يُحَاذِي نَصِيبَ هذا لِذَاكَ أو على جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لِآخَرَ لِأَنَّ الْعُلُوَّ تَابِعٌ وَالسُّفْلَ مَتْبُوعٌ فَلَا يُجْعَلُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ تَابِعًا وَالْآخَرُ مَتْبُوعًا وَلِأَنَّ الْعُلُوَّ مع السُّفْلِ كَدَارَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ سَكَنًا وقال في الْأَصْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ لم تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ عُلُوًّا وَسُفْلًا فَجُعِلَ الْعُلُوُّ لِأَحَدِهِمَا وَالسُّفْلُ لِلْآخَرِ من جُمْلَةِ قِسْمَةِ
____________________
(4/335)
التَّعْدِيلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ شَأْنَ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ انْقِطَاعُ الْعَلَقَةِ من الْجَانِبَيْنِ وَهُنَا مُنْتَفٍ فإن صَاحِبَ الْعُلُوِّ لو أَرَادَ الْبِنَاءَ عليه نَازَعَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ وَصَاحِبُ السُّفْلِ لو أَرَادَ الْحَفْرَ تَحْتَ بِنَائِهِ نَازَعَهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ النَّوْعُ الثَّالِثُ قِسْمَةُ الرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ في أَحَدِ جَانِبَيْ الْأَرْضِ بِئْرٌ أو شَجَرٌ أو بَيْتٌ تَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ وَلَيْسَ في الْجَانِبِ الْآخَرِ ما يُعَادِلُهُ إلَّا بِضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ من خَارِجٍ فَيَرُدُّ من يَأْخُذُهُ بِالْقِسْمَةِ قِسْطَ قِيمَتِهِ فَإِنْ كانت أَلْفًا وَلَهُ النِّصْفُ رَدَّ خَمْسَمِائَةٍ وَكُلُّ ما لَا يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُ إلَّا بِرَدٍّ فَلَا إجْبَارَ فيه لِأَنَّ فيه تَمْلِيكًا لِمَا لَا شَرِكَةَ فيه فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلَوْ كان بَيْنَهُمَا عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَالْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ وَاقْتَسَمَا على أَنْ يَرُدَّ آخِذُ النَّفِيسِ مِائَتَيْنِ لِيَسْتَوِيَا فَلَا إجْبَارَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا النَّفِيسَ وَيَرُدَّ على الْآخَرِ ذلك جَازَ وَإِنْ لم يُحَكِّمَا الْقُرْعَةَ وَهِيَ أَيْ قِسْمَةُ الرَّدِّ بَيْعٌ وَكَذَا قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ وَإِنْ أُجْبِرَ عليها كما مَرَّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ كُلٌّ من الشَّرِيكَيْنِ بِبَعْضِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ ما كان له بِمَا كان لِلْآخَرِ وَإِنَّمَا دخل الثَّانِيَةَ الْإِجْبَارُ لِلْحَاجَةِ كما يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا وَقِسْمَةُ الْإِجْزَاءِ إفْرَازٌ لِلْحَقِّ لَا بَيْعٌ قالوا لِأَنَّهَا لو كانت بَيْعًا لَمَا دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ وَلَمَا جَازَ الِاعْتِمَادُ على الْقُرْعَةِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا إفْرَازًا أَنَّ الْقُرْعَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ ما خَرَجَ لِكُلٍّ من الشَّرِيكَيْنِ كان مِلْكَهُ وَقِيلَ بَيْعٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ من نَصِيبِ صَاحِبِهِ إفْرَازٌ فِيمَا كان يَمْلِكُهُ هو قبل الْقِسْمَةِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنَّمَا دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ لِلْحَاجَةِ فما صَارَ في يَدِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مَبِيعٌ وَنِصْفُهُ مُفْرَزٌ بَاقٍ على مِلْكِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ جَزَمَ بِهِ تَبَعًا لِتَصْحِيحِ أَصْلِهِ له في بَابَيْ زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ وَالرِّبَا وهو قَوِيٌّ قال في الْأَصْلِ ثُمَّ قِيلَ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا جَرَتْ الْقِسْمَةُ إجْبَارًا فَإِنْ جَرَتْ بِالتَّرَاضِي فَبَيْعٌ قَطْعًا وَقِيلَ الْقَوْلَانِ في الْحَالَيْنِ قال الْبَغَوِيّ وَالْأَصَحُّ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ قال الْإِسْنَوِيُّ هذا غَلَطٌ على الْبَغَوِيّ فإنه صَحَّحَ في تَهْذِيبِهِ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ لَكِنَّهُ انْعَكَسَ على الرَّافِعِيِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي بَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْأَصَحُّ الثَّانِي وهو الصَّوَابُ فَرْعٌ وَحَيْثُ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ فَاقْتَسَمَا رِبَوِيًّا اُشْتُرِطَ في الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ في الْمَجْلِسِ وَامْتَنَعَتْ في الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وما عَقَدَتْ النَّارُ أَجْزَاءَهُ كما عُلِمَ من بَابِ الرِّبَا وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ أَيْ كُلٌّ من الْمَذْكُورَاتِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ إفْرَازٌ جَازَ لهم أَيْ الشُّرَكَاءِ ذلك يُغْنِي عن قَوْلِهِ وَيُقْسَمُ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ في الْإِفْرَازِ أَيْ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَلَوْ كانت قِسْمَتُهُمَا على الشَّجَرِ خَرْصًا لَا غَيْرَهُمَا من سَائِرِ الثِّمَارِ فَلَا يُقْسَمُ على الشَّجَرِ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ وَتُقْسَمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَحْدَهَا وَلَوْ إجْبَارًا سَوَاءٌ كان الزَّرْعُ بَذْرًا بَعْدُ أَمْ قَصِيلًا أَمْ حَبًّا مُشْتَدًّا لِأَنَّهُ
____________________
(4/336)
في الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْقُمَاشِ في الدَّارِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا بِخِلَافِهِمَا أو مع الزَّرْعِ قَصِيلًا بِتَرَاضٍ من الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ الزَّرْعَ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ بِتَرَاضٍ أَنَّهُ لَا إجْبَارَ في ذلك وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نَقْلًا عن جَمْعٍ قال ولم يُوَجِّهُوهُ بِمُقَنَّعٍ لَا الزَّرْعَ وَحْدَهُ وَلَا مَعَهَا وهو بَذْرٌ بَعْدُ أو بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَلَا يُقْسَمُ
وَإِنْ جَعَلْنَاهَا إفْرَازًا كما لو جَعَلْنَاهَا بَيْعًا لِأَنَّهَا في الْأُولَى قِسْمَةُ مَجْهُولٍ وفي الْآخِرَتَيْنِ على الْأَوَّلِ قِسْمَةُ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ وَعَلَى الثَّانِي بَيْعُ طَعَامٍ وَأَرْضٍ بِطَعَامٍ وَأَرْضٍ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ في قِسْمَةٍ هِيَ بَيْعٌ لَا إفْرَازٌ وَقَوْلُهُ بَلْ تَلْغُو إيضَاحٌ وَتُصَحَّحُ الْقِسْمَةُ في مَمْلُوكٍ عن وَقْفٍ إنْ قُلْنَا هِيَ إفْرَازٌ لَا إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ مُطْلَقًا أو إفْرَازٌ وَفِيهَا رَدٌّ من الْمَالِكِ فَلَا تَصِحُّ أَمَّا في الْأَوَّلِ فَلِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَأَمَّا في الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ جُزْءًا من الْوَقْفِ فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا إذَا لم يَكُنْ فيها رَدٌّ أو كان فيها رَدٌّ من أَرْبَابِ الْوَقْفِ وَلَغَتْ على الْقَوْلَيْنِ قِسْمَةُ وَقْفٍ فَقَطْ أَيْ لَا عن مِلْكٍ بِأَنْ قَسَمَ بين أَرْبَابِهِ لِمَا فيها من تَغْيِيرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ قال الْبُلْقِينِيُّ هذا إذَا صَدَرَ الْوَقْفُ من وَاحِدٍ على سَبِيلٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَدَرَ من اثْنَيْنِ فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كما تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مع الْمِلْكِ وَذَلِكَ رَاجِحٌ من جِهَةِ الْمَعْنَى وَأَفْتَيْت بِهِ انْتَهَى وَكَلَامُهُ مُتَدَافِعٌ فِيمَا إذَا صَدَرَ من وَاحِدٍ على سَبِيلَيْنِ أو عَكْسِهِ
وَالْأَقْرَبُ في الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى ما قَالَهُ الْجَوَازُ وفي الثَّانِي عَدَمُهُ وَيُشْتَرَطُ في غَيْرِ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ وَهِيَ الْقِسْمَةُ الْوَاقِعَةُ بِالتَّرَاضِي من قِسْمَةِ الرَّدِّ وَغَيْرِهَا وَإِنْ تَوَلَّاهَا مَنْصُوبُ الْحَاكِمِ التَّرَاضِي قبل الْقُرْعَةِ وهو ظَاهِرٌ وَبَعْدَهَا أَمَّا في قِسْمَةِ الرَّدِّ فَلِأَنَّهَا بَيْعٌ وهو لَا يَحْصُلُ بِالْقُرْعَةِ فَاشْتُرِطَ التَّرَاضِي بَعْدَهَا كما اُشْتُرِطَ قَبْلَهَا وَأَمَّا في غَيْرِهَا مِمَّا يَقَعُ بِالتَّرَاضِي فَقِيَاسًا عليها بِجَامِعِ اشْتِرَاطِ التَّرَاضِي قَبْلَهَا فَإِنْ لم يُحَكِّمَا الْقُرْعَةَ كَأَنْ اتَّفَقَا على أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ وَالْآخَرُ الْآخَرَ أو يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْخَسِيسَ وَالْآخَرُ النَّفِيسَ وَيَرُدَّ زَائِدَ الْقِيمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَرَاضٍ ثَانٍ أَمَّا قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ فَلَا يُعْتَبَرُ فيها الرِّضَا لَا قبل الْقُرْعَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَيَكْفِي في التَّرَاضِي بِالْقِسْمَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ رَضِينَا بها وَنَحْوِهِ كَرَضِينَا بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ وَبِمَا جَرَى لِأَنَّ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَنِيطَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عليه وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ رَضِيت وَلَا يُشْتَرَطُ في الْقِسْمَةِ بَيْعٌ وَلَا تَمْلِيكٌ أَيْ التَّلَفُّظُ بِهِمَا وَإِنْ كانت بَيْعًا فَصْلٌ تُقَسَّمُ الْمَنَافِعُ بين الشَّرِيكَيْنِ كما تُقَسَّمُ الْأَعْيَانُ مُهَايَأَةً أَيْ مُنَاوَبَةً مُيَاوَمَةً وَمُشَاهَرَةً وَمُسَانَهَةً وَيُقَالُ مُسَانَاةً وَمُسَانِيَةً وَعَلَى أَنْ يَسْكُنَ أو يَزْرَعَ هذا مَكَانًا من الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا مَكَانًا آخَرَ منه لَكِنْ لَا إجْبَارَ في الْمُنْقَسِمِ وَغَيْرِهِ من الْأَعْيَانِ التي طُلِبَتْ قِسْمَةُ مَنَافِعِهَا فَلَا تُقْسَمُ إلَّا بِالتَّوَافُقِ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ تُعَجِّلُ حَقَّ أَحَدِهِمَا وَتُؤَخِّرُ حَقَّ الْآخَرِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَلِأَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْفَعَةِ مع الِاشْتِرَاكِ في الْعَيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمُعَاوَضَةٍ وَالْمُعَاوَضَةُ بَعِيدَةٌ عن الْإِجْبَارِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا في الْمَنَافِعِ الْمَمْلُوكَةِ بِحَقِّ الْمِلْكِ في الْعَيْنِ أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ بِإِجَارَةٍ أو وَصِيَّةٍ فَيُجْبَرُ على قِسْمَتِهَا
وَإِنْ لم تَكُنْ الْعَيْنُ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ إذْ لَا حَقَّ لِلشَّرِكَةِ في الْعَيْنِ قال وَيَدُلُّ لِلْإِجْبَارِ في ذلك ما ذَكَرُوهُ في كِرَاءِ الْعَقِبِ وهو مع ذلك مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ ما قَالَهُ مُنَافٍ لِمَا يَأْتِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْمُهَايَأَةِ وَتَنَازَعَا في الْبُدَاءَةِ بِأَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عن الْمُهَايَأَةِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا إجْبَارَ فيها فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عنها بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ أو بَعْضِهَا لَزِمَ الْمُسْتَوْفِيَ لِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا اسْتَوْفَى كما إذَا تَلِفَتْ أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَوْفِي أَحَدُهُمَا مَنْفَعَتَهَا فإنه يَلْزَمُ الْمُسْتَوْفَى نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ تَمَانَعَا أَيْ تَنَازَعَا في الْمُهَايَأَةِ وَأَصَرَّا على ذلك أَجَرَهَا أَيْ الْعَيْنَ الْقَاضِي لَهُمَا بِمَعْنًى عَلَيْهِمَا وَوَزَّعَ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِمَا وَيَنْبَغِي له أَنْ يَقْتَصِرَ على أَقَلِّ مُدَّةٍ تُؤْجَرُ تِلْكَ الْعَيْنُ فيها عَادَةً إذْ قد يَتَّفِقَانِ عن قُرْبٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبِيعُهَا
____________________
(4/337)
عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا كَامِلَانِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمَا فيها وَكَذَا الْحُكْمُ لو اسْتَأْجَرَا أَرْضًا مَثَلًا في الْمُهَايَأَةِ وَالنِّزَاعِ وَتَأْجِيرُ أَيْ إجَارَةِ الْقَاضِي لَهُمَا بِمَعْنًى عَلَيْهِمَا فيه زِيَادَةٌ على ما في الْأَصْلِ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَا أَرْضًا وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُهَايَأَةَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ الْخِلَافُ في الْإِجْبَارِ
وَإِنْ اقْتَسَمَاهَا بِالتَّرَاضِي ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ بَلْ لَهُمَا الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ بَلْ لِلْآخَرِ الْفَسْخُ لِلْقِسْمَةِ وَثُبُوتِ الْفَسْخِ لِلْآخَرِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن بَحْثِ الْقَاضِي وهو بَعِيدٌ وَكَلَامُهُ آخِرَ الْبَابِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وهو ظَاهِرٌ وَإِنْ جَرَتْ الْمُهَايَأَةُ في عَبْدٍ مَثَلًا مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَيَّنَّا في بَابِ اللُّقَطَةِ بِأَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ أَيْ أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا كَالْوَصِيَّةِ تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ كَالْأَكْسَابِ الْعَامَّةِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَحْوِهِمَا وَكَذَا يَدْخُلُ فيها الْمُؤَنُ النَّادِرَةُ كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْحَجَّامِ كَالْمُؤَنِ الْعَامَّةِ فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ لِذِي النَّوْبَةِ وَالْمُؤَنُ عليه إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ كما مَرَّ في اللُّقَطَةِ وَيُرَاعَى في الْكِسْوَةِ قَدْرُ الْمُهَايَأَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا إنْ كانت مُيَاوَمَةً فَرْعٌ لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ في ثَمَرِ الشَّجَرِ لِيَكُونَ لِهَذَا عَامًا وَلِهَذَا عَامًا ولا في لَبَنِ الشَّاةِ لِيَحْلُبَ هذا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا لِأَنَّ ذلك رِبَوِيٌّ مَجْهُولٌ وَطَرِيقُ من أَرَادَ ذلك أَنْ يُبِيحَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مُدَّةً وَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ لِضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ مع تَسَامُحِ الناس في ذلك فَصْلٌ ليس لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ جَمَاعَةً إلَى قِسْمَةِ شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ حتى يُثْبِتُوا أَيْ يُقِيمُوا عِنْدَهُ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لهم لِأَنَّهُ قد يَكُونُ في أَيْدِيهِمْ بِإِجَارَةٍ أو إعَارَةٍ فإذا قَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ فَقَدْ يَدَّعُونَ الْمِلْكَ مُحْتَجِّينَ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي قال الْبُلْقِينِيُّ وَخَرَجَ من هذا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِالْمُوجِبِ بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِ الْعَاقِدِينَ بِالْبَيْعِ وَلَا بِمُجَرَّدِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِمَا بِمَا صَدَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الذي قِيلَ هُنَا يَأْتِي هُنَاكَ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ ما قَالَهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ صَحَّ فَكَأَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ وَاعْتَرَضَ ابن سُرَيْجٍ على إجَابَةِ الْقَاضِي لهم إذَا أَثْبَتُوا عِنْدَهُ الْمِلْكَ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقَامُ وَتُسْمَعُ على خَصْمٍ وَلَا خَصْمَ هُنَا وَأَجَابَ ابن أبي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ لهم بِالْمِلْكِ وقد يَكُونُ لهم خَصْمٌ غَائِبٌ فَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ لِيَحْكُمَ لهم عليه قال ابن الرِّفْعَةِ وفي الْجَوَابِ نَظَرٌ وَخَرَجَ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ إثْبَاتُ الْيَدِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لم يَسْتَفِدْ بِهِ شيئا غير الذي عَرَفَهُ وَإِثْبَاتُ الِابْتِيَاعِ أو نَحْوِهِ لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ أو نَحْوِهِ كَيَدِهِمْ سَوَاءٌ في عَدَمِ إجَابَتِهِ لهم اتَّفَقُوا على طَلَبِ الْقِسْمَةِ أو تَنَازَعُوا فيه وَيُقْبَلُ في إثْبَاتِ الْمِلْكِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ كما يُقْبَلُ فيه شَاهِدَانِ قَالَهُ ابن كَجٍّ لَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَرُدَّ على الْخَصْمِ عِنْدَ النُّكُولِ وَلَا مَرَدَّ لها هُنَا لِعَدَمِ وُجُودِ الْخَصْمِ وَقِيلَ
____________________
(4/338)
يُقْبَلُ ذلك أَيْضًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِالثَّانِي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وهو الْأَشْبَهُ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ فَصْلٌ قَوْلُ الْقَاسِمِ في قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ حَالَ وِلَايَتِهِ قَسَمْت كَقَوْلِ الْقَاضِي وهو في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت فَيُقْبَلُ وَإِلَّا لم يُقْبَلْ بَلْ لَا تُسْمَعْ شَهَادَتُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ لم يَطْلُبْ أُجْرَةً وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا ذَكَرَ فِعْلَهُ وَلَوْ تَقَاسَمَا ثُمَّ تَنَازَعَا في بَيْتٍ أو قِطْعَةٍ من الْأَرْضِ وقال كُلٌّ مِنْهُمَا هذا من نَصِيبِي وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أو لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ أَيْ الْقِسْمَةُ كَالْمُتَبَايِعِينَ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ فَإِنْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ فِيمَا تَنَازَعَا فيه حَلَفَ ذُو الْيَدِ لِأَنَّ الْآخَرَ اعْتَرَفَ له بها وَادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَهُ منه وَلِمَنْ اطَّلَعَ مِنْهُمَا على عَيْبٍ في نَصِيبِهِ أَنْ يَفْسَخَ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الدُّيُونِ الْمُشْتَرَكَةِ في الذِّمَمِ لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ أو إفْرَازُ ما في الذِّمَّةِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إفْرَازُ ما في الذِّمَّةِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ وَعَلَى هذا لو تَرَاضَيَا على أَنْ يَكُونَ ما في ذِمَّةِ زَيْدٍ لِأَحَدِهِمَا وما في ذِمَّةِ عَمْرٍو لِلْآخَرِ لم يَخْتَصَّ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِمَا قَبَضَهُ كِتَابُ الشَّهَادَاتِ الْأَصْلُ فيها آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وقَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ليس لَك إلَّا شَاهِدَاك أو يَمِينُهُ وَخَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَأَلَ عن الشَّهَادَةِ فقال لِلسَّائِلِ تَرَى الشَّمْسَ قال نعم فقال على مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أو دَعْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادُهُ وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطِ الشَّاهِدِ أَيْ شُرُوطُهُ ثَمَانِيَةٌ إسْلَامٌ فَلَا يُقْبَلُ من كَافِرٍ وَلَوْ على كَافِرٍ لِآيَةِ وَاسْتَشْهِدُوا وقَوْله تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَالْكَافِرُ ليس من رِجَالِنَا وَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ أَيْ من غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ وَتَكْلِيفٌ فَلَا يُقْبَلُ من غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَالْإِقْرَارِ بَلْ أَوْلَى وَحُرِّيَّةٌ كَامِلَةٌ فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ فيه رِقٌّ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ إذْ في الشَّهَادَاتِ نُفُوذُ قَوْلٍ على الْغَيْرِ وهو نَوْعُ وِلَايَةٍ وَلِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَلَا لِأَدَائِهَا وَعَدَالَةٌ فَلَا تُقْبَلُ من فَاسِقٍ لِآيَةِ وَاسْتَشْهِدُوا وَلِقَوْلِهِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ وَالْفَاسِقُ ليس بِمَرَضِيٍّ وَلِقَوْلِهِ إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وَمُرُوءَةٌ وَنُطْقٌ وَعَدَمُ تُهْمَةٍ فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ لَا مُرُوءَةَ له وَلَا نُطْقَ وَلَا مِمَّنْ يُتَّهَمُ كما سَيَأْتِي بَيَانُهَا في كَلَامِهِ وَالْأَصْلُ سَالِمٌ من تَكْرَارِ هذه الثَّلَاثَةِ وَكَذَا عَدَمُ حَجْرٍ بِسَفَهٍ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فَلَا يُقْبَلُ من الْمَحْجُورِ عليه بِسَفَهٍ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَشَرْطُ الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ أَيْ كُلٌّ منها وَعَدَمُ الْإِصْرَارِ على الصَّغَائِرِ وَلَوْ على نَوْعٍ كما سَيَأْتِي
____________________
(4/339)
وَفَسَّرَ جَمَاعَةٌ الْكَبِيرَةَ بِأَنَّهَا ما لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ فَعَدُّوا من الْكَبَائِرِ الْقَتْلَ أَيْ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ أو شِبْهِ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْخَطَأِ وَالزِّنَا بِالزَّايِ رَوَى الشَّيْخَانِ عن ابْنِ عُمَرَ قال قال رَجُلٌ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ قال أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَك قال ثُمَّ أَيُّ قال أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك قال ثُمَّ أَيُّ قال أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَصْدِيقَهَا وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ
الْآيَةَ وَاللِّوَاطَ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَاءِ النَّسْلِ في فَرْجٍ مُحَرَّمٍ كَالزِّنَا زَادَ الْبَغَوِيّ وَإِتْيَانَ الْبَهَائِمِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَإِنْ قَلَّ ولم يُسْكِرْ وَالْمُسْكِرُ وَلَوْ بِغَيْرِ الْخَمْرِ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ على اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ من طِينَةِ الْخَبَالِ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وما طِينَةُ الْخَبَالِ قال عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا شُرْبُ ما لَا يُسْكِرُ لِقِلَّتِهِ من غَيْرِ الْخَمْرِ فَصَغِيرَةٌ وَالسَّرِقَةَ قال تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا نعم سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ صَغِيرَةٌ قال الْحَلِيمِيُّ إلَّا إذَا كان الْمَسْرُوقُ منه مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عن ذلك فَيَكُونُ كَبِيرَةً وَالْقَذْفَ زَادَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ الْبَاطِلَ قال تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْآيَةَ نعم قال الْحَلِيمِيُّ قَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ من الصَّغَائِرِ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ في قَذْفِهِنَّ دُونَهُ في الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ الْمُسْتَتِرَةِ وقال ابن عبد السَّلَامِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ في خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ ليس بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ أَمَّا قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ ليس منه فَمُبَاحٌ وَكَذَا جَرْحُ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ بِالزِّنَا إذَا عُلِمَ بَلْ هو وَاجِبٌ وَشَهَادَةَ الزُّورِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَّهَا في خَبَرٍ من الْكَبَائِرِ وفي خَبَرٍ من أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَغَصْبَ الْمَالِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ من اقْتَطَعَ شِبْرًا من الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ يوم الْقِيَامَةِ من سَبْعِ أَرَضِينَ وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ رُبْعَ مِثْقَالٍ كما يُقْطَعُ بِهِ في السَّرِقَةِ وَخَرَجَ بِغَصْبِ الْمَالِ غَصْبُ غَيْرِهِ كَغَصْبِ كَلْبٍ فَصَغِيرَةٌ
وَالْفِرَارَ من الزَّحْفِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَّهُ من السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ أَيْ الْمُهْلِكَاتِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نعم يَجِبُ إذَا زَادَ الْعَدُوُّ على مِثْلَيْهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ يُقْتَلُ من غَيْرِ نِكَايَةٍ في الْعَدُوِّ لِانْتِفَاءِ إعْزَازِ الدِّينِ بِثُبُوتِهِ وَأَكْلَ الرِّبَا لِآيَةِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَّهُ من السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ وأكل مَالِ الْيَتِيمِ قال تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى الْآيَةَ وقد عَدَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَّهُ في خَبَرٍ من الْكَبَائِرِ وفي آخَرَ من أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُهُمَا الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيه فَلَا بُدَّ لِأَنَّ على أَنَّهُمَا كَالْوَالِدَيْنِ في الْعُقُوقِ وَالْكَذِبَ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْدًا الْخَبَرُ من كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَمَّا الْكَذِبُ على غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ وَكِتْمَانَ الشَّهَادَةِ بِلَا عُذْرٍ قال تَعَالَى وَمَنْ يَكْتُمْهَا فإنه آثِمٌ قَلْبُهُ بِخِلَافِهِ بِعُذْرٍ وَالْإِفْطَارَ في رَمَضَانَ عُدْوَانًا لِأَنَّ صَوْمَهُ من أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ بِخِلَافِ الْإِفْطَارِ فيه بِعُذْرٍ
____________________
(4/340)
وَالْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من حَلَفَ على مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَانُ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ من اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عليه الْجَنَّةَ فقال له رَجُلٌ وَإِنْ كان شيئا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللَّهِ قال وَإِنْ كان قَضِيبًا من أَرَاكٍ وَقَطْعَ الرَّحِمِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ قال سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ في رِوَايَةٍ يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ وَالْخِيَانَةَ في كَيْلٍ أو وَزْنٍ لِغَيْرِ الشَّيْءِ التَّافِهِ قال تَعَالَى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الْآيَةَ وَالْكَيْلُ يَشْمَلُ الذَّرْعَ عُرْفًا أَمَّا لِلتَّافِهِ فَصَغِيرَةٌ وَتَقْدِيمَ الصَّلَاةِ أو تَأْخِيرَهَا عن وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ من جَمَعَ بين صَلَاتَيْنِ من غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أتى بَابًا من أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ وَأَوْلَى بِذَلِكَ تَرْكُهَا بِخِلَافِ ذلك بِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَضَرْبَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ صِنْفَانِ من أُمَّتِي من أَهْلِ النَّارِ لم أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بها الناس وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ إلَى آخِرِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي التَّقْيِيدِ بِالْمُسْلِمِ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا إنْ كان لِلْمَضْرُوبِ رَحِمٌ وَقَرَابَةٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ له ذِمَّةٌ أو عَهْدٌ مُعْتَبَرٌ قال وَأَطْلَقَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْخَدْشَةَ وَالضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ من الصَّغَائِرِ وقد يُفْصَلُ بين مَضْرُوبٍ وَمَضْرُوبٍ من حَيْثُ الْقُوَّةِ وَضِدِّهَا وَالشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ
وَسَبَّ الصَّحَابَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كان بين خَالِدِ بن الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَسُبُّوا أَحَدًا من أَصْحَابِي فإن أَحَدَكُمْ لو أَنْفَقَ إلَى آخِرِهِ الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ السَّابِّينَ نَزَّلَهُمْ لِسَبِّهِمْ الذي لَا يَلِيقُ بِهِمْ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ حَيْثُ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرَهُ أَمَّا سَبُّ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَصَغِيرَةٌ وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ مَعْنَاهُ تَكْرَارُ السَّبِّ بِحَيْثُ يَغْلِبُ على طَاعَاتِهِ وَأَخْذَ الرِّشْوَةِ لِمَا مَرَّ في بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ وَالدِّيَاثَةَ بِالْمُثَلَّثَةِ لِخَبَرِ ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَرَجْلَةُ النِّسَاءِ رَوَاهُ الذَّهَبِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَالْقِيَادَةَ قِيَاسٌ على الدِّيَاثَةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا في الطَّلَاقِ وَالسِّعَايَةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ لِيَتَكَلَّمَ عِنْدَهُ في غَيْرِهِ بِمَا يُؤْذِيهِ بِهِ وفي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ خَبَرُ السَّاعِي مُثَلِّثٌ أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ نَفْسَهُ وَالْمَسْعَى بِهِ وَإِلَيْهِ
وَمَنْعَ الزَّكَاةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ما من صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي منها حَقَّهَا إلَّا إذَا كان يوم الْقِيَامَةِ صُفِحَتْ له صَفَائِحُ من نَارٍ فَأُحْمِيَ عليها في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بها جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ إلَى آخِرِهِ وَتَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عن الْمُنْكَرِ مع الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا لِآيَةِ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا من بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسَانِ دَاوُد وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمُنْكَرِ بِالْكَبِيرَةِ وَالسِّحْرَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَّهُ من السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَنِسْيَانَ الْقُرْآنِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فلم أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ من سُورَةٍ أو آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا قال في الرَّوْضَةِ لَكِنْ في إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَتَكَلَّمَ فيه التِّرْمِذِيُّ وَإِحْرَاقَ حَيَوَانٍ إذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا خَالِقُهَا وَامْتِنَاعَهَا أَيْ الْمَرْأَةِ من زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حتى تُصْبِحَ وَالْيَأْسَ من رَحْمَةِ اللَّهِ قال اللَّهُ عز وجل إنَّهُ لَا يَيْأَسُ من رَوْحِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ وَأَمْنُ مَكْرِهِ تَعَالَى بِالِاسْتِرْسَالِ في الْمَعَاصِي وَالِاتِّكَالِ على الْعَفْوِ قال تَعَالَى فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ وَالظِّهَارَ قال تَعَالَى فيه وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا أَيْ حَيْثُ شَبَّهُوا الزَّوْجَةَ بِالْأُمِّ في التَّحْرِيمِ وَأَكْلَ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ بِلَا عُذْرٍ قال تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةَ
وَنَمِيمَةً وَهِيَ نَقْلُ بَعْضِ كَلَامِ الناس إلَى بَعْضٍ على وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ أَمَّا نَقْلُ الْكَلَامِ نَصِيحَةً لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَوَاجِبٌ كما في قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ يا مُوسَى إنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوكَ وَالْوَقْعَ في أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ لِشِدَّةِ احْتِرَامِهِمْ وَهَذَا مُسْتَثْنًى من قَوْلِهِمْ الْغَيْبَةُ صَغِيرَةٌ قال في الْأَصْلِ وَلِلتَّوَقُّفِ مَجَالٌ في بَعْضِ الْمَذْكُورَاتِ كَقَطْعِ الرَّحِمِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ على إطْلَاقِهِمْ وَنِسْيَانِ الْقُرْآنِ وَإِحْرَاقِ الْحَيَوَانِ وقد أَشَارَ الْغَزَالِيُّ في
____________________
(4/341)
الْإِحْيَاءِ إلَى مِثْلِ هذا التَّوَقُّفِ انْتَهَى وَلَيْسَتْ الْكَبَائِرُ مُنْحَصِرَةً فِيمَا ذُكِرَ كما أَشَارَ إلَيْهِ في أَوَّلِهَا وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَمُسْلِمٌ بَدَّلَهَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَخَبَرُهُمَا اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يوم الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمَحْمُولَانِ على بَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ منها وَقْتَ ذِكْرِهِ
وقد قال ابن عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا وَقِيلَ إنَّ الْكَبِيرَةَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَذُكِرَ في الْأَصْلِ أَنَّهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هذا أَمْيَلُ وَأَنَّ الذي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هو الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ أَيْ لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَنَحْوَهَا من الْكَبَائِرِ وَلَا حَدَّ فيها وقال الْإِمَامُ هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَالْمُرَادُ بها بِقَرِينَةِ التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ التي هِيَ الْبِدَعُ فإن الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا ما لم نُكَفِّرْهُمْ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَمِنْ الصَّغَائِرِ جَمْعُ صَغِيرَةٍ وَهِيَ كُلُّ ذَنْبٍ ليس بِكَبِيرَةٍ
النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ وَغَيْبَةٌ لِلْمُسِرِّ فِسْقَهُ وَاسْتِمَاعُهَا بِخِلَافِ الْمُعْلِنِ لَا تَحْرُمُ غَيْبَتُهُ بِمَا أَعْلَنَ بِهِ كما مَرَّ في النِّكَاحِ وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْفَاسِقِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ كَبِيرَةً وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في الْوُقُوعِ في أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ كما مَرَّ وَعَلَى ذلك يُحْمَلُ ما وَرَدَ فيها من الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وما نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ من الْإِجْمَاعِ على أنها كَبِيرَةٌ وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَحْسَنُ من إطْلَاقِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أنها صَغِيرَةٌ وَإِنْ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عنه وَأَقَرَّهُ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ وَاسْتِمَاعُهَا أَخَصُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَالسُّكُوتُ عليها لِأَنَّهُ قد يَعْلَمُهَا وَلَا يَسْمَعُهَا وَكَذِبٌ لَا حَدَّ فيه وَلَا ضَرَرَ وقد لَا يَكُونُ صَغِيرَةً كَإِنْ كَذَبَ في شِعْرِهِ بِمَدْحٍ وَإِطْرَاءٍ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ على الْمُبَالَغَةِ فإنه جَائِزٌ لِأَنَّ غَرَضَ الشَّاعِرِ إظْهَارُ الصَّنْعَةِ لَا التَّحْقِيقُ كما سَيَأْتِي ذلك وَخَرَجَ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَالضَّرَرِ ما لو وُجِدَا أو أَحَدُهُمَا مع الْكَذِبِ فَيَصِيرُ كَبِيرَةً لَكِنَّهُ مع الضَّرَرِ ليس كَبِيرَةً مُطْلَقًا بَلْ قد يَكُونُ كَبِيرَةً كَالْكَذِبِ على الْأَنْبِيَاءِ وقد لَا يَكُونُ بَلْ الْمُوَافِقُ لِتَعْرِيفِ الْكَبِيرَةِ بِأَنَّهَا الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ أَنَّهُ ليس كَبِيرَةً مُطْلَقًا وَإِشْرَافٌ على بُيُوتِ الناس وَهَجْرُ مُسْلِمٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِي ذلك كما مَرَّ في بَابِ الشِّقَاقِ
وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ جَوَازَهُ في الثَّلَاثِ بِلَا سَبَبٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَثْرَةُ خُصُومَاتٍ وَإِنْ كان مُكْثِرُهَا مُحِقًّا لَا إنْ رَاعَى حَقَّ الشَّرْعِ فيها فَلَيْسَتْ صَغِيرَةً وَضَحِكٌ في الصَّلَاةِ وَنِيَاحَةٌ وَشَقُّ جَيْبٍ لِمُصِيبَةٍ وَتَبَخْتُرٌ في الْمَشْيِ قال الْأَذْرَعِيُّ ولم أَرَ عَدَّ هذه الثَّلَاثَةِ من الصَّغَائِرِ إلَّا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ تَقْتَضِي أنها من الْكَبَائِرِ وَجُلُوسٌ بين فُسَّاقٍ إينَاسًا لهم وَإِدْخَالُ مَجَانِينَ وَنَجَاسَةٍ وَكَذَا إدْخَالُ صِبْيَانَ يَغْلِبُ تَنْجِيسُهُمْ الْمَسْجِدَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَغْلِبْ تَنْجِيسُ الصِّبْيَانِ له كُرِهَ وَمِثْلُهُمْ في هذا الْمَجَانِينُ وَعَلَى عَدَمِ الْغَلَبَةِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَجْمُوعِ الْكَرَاهَةَ في إدْخَالِهِمَا الْمَسْجِدَ وَلَا يُنَافِي تَحْرِيمُ إدْخَالِهِمَا إيَّاهُ ما مَرَّ من جَوَازِ إدْخَالِهِمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِيُحْرِمَ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ وَيَطُوفُوا بِهِمْ إذْ لَا يَلْزَمُ من تَجْوِيزِ الْإِدْخَالِ لِحَاجَةِ الْعِبَادَةِ الْجَوَازُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَإِمَامَةُ من أَيْ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ لِعَيْبٍ فيه تَقَدَّمَ في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أنها مَكْرُوهَةٌ وَاسْتِعْمَالُ نَجَسٍ في بَدَنٍ أو ثَوْبٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كما مَرَّ في بَابِ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ وَالثَّوْبُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ثُمَّ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا كما مَرَّ التَّنْبِيهُ عليه ثُمَّ وَالتَّغَوُّطُ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ والتغوط في الطَّرِيقِ تَقَدَّمَ ثُمَّ إنَّهُ مَكْرُوهٌ مع ما فيه وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يَجُوزُ حتى كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَلَوْ في خَلْوَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَمِنْ ذلك الْقُبْلَةُ لِلصَّائِمِ التي تَحْرُمُ شَهْوَتُهُ وَالْوِصَالُ في الصَّوْمِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَمُبَاشَرَةُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وقد ذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا أَمْثِلَةً كَثِيرَةً وَبِالْجُمْلَةِ فَالْإِصْرَارُ على الصَّغَائِرِ وَلَوْ على نَوْعٍ منها يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ بِشَرْطٍ ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ
قال الْجُمْهُورُ من غَلَبَتْ طَاعَتُهُ
____________________
(4/342)
مَعَاصِيَهُ كان عَدْلًا وَعَكْسُهُ وهو من غَلَبَتْ مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ فَاسِقٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمِثْلُهُ ما إذَا اسْتَوَيَا فَرْعٌ يُكْرَهُ الشِّطْرَنْجُ أَيْ اللَّعِبُ بِهِ وهو بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ مُعْجَمًا وَمُهْمَلًا وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ فَتْحَهُ وَاحْتُجَّ لِإِبَاحَةِ اللَّعِبِ بِهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَبِأَنَّ فيه تَدْبِيرُ الْحُرُوبِ وَلِلْكَرَاهَةِ بِأَنَّ صَرْفَ الْعُمْرِ إلَى ما لَا يُجْدِي وَبِأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِهِ فقال ما هذه التَّمَاثِيلُ التي أَنْتُمْ لها عَاكِفُونَ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ قِمَارٌ بِأَنْ شُرِطَ الْمَالُ من الْجَانِبَيْنِ أو فُحْشٌ أو لَعِبٌ مع مُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ أو تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عن الْوَقْتِ عَمْدًا وَكَذَا تَأْخِيرُهَا عنه سَهْوًا لِلَّعِبِ بِهِ بِأَنْ شَغَلَهُ اللَّعِبُ بِهِ حتى خُرُوجِ الْوَقْتِ وهو غَافِلٌ وَتَكَرَّرَ ذلك منه فَحَرَامٌ لِمَا اُقْتُرِنَ بِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَكَرَّرْ وَيُفَارِقُ حُكْمَ السَّهْوِ مع التَّكَرُّرِ هُنَا ما لو تَرَكَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا مِرَارًا بِأَنَّهُ هُنَا شَغَلَ نَفْسَهُ بِمَا فَاتَتْ بِهِ الصَّلَاةُ قال في الْأَصْلِ كَذَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا فيه من تَعْصِيَةِ الْغَافِلِ ثُمَّ قِيَاسُهُ الطَّرْدَ في شَغْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِهِ من الْمُبَاحَاتِ وما اسْتَشْكَلَ بِهِ أَجَابَ عنه الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه بِأَنَّ في ذلك اسْتِخْفَافًا من حَيْثُ إنَّهُ عَادَ إلَى ما عَلِمَ إنَّهُ يُوَرِّثُهُ الْغَفْلَةَ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ فَأُجِيبُ عنه بِأَنَّ شَغْلَ النَّفْسِ بِالْمُبَاحِ يَفْجَؤُهَا وَلَا قُدْرَةَ على دَفْعِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِأَنَّ ما شَغَلَهَا بِهِ هُنَا مَكْرُوهٌ وَثَمَّ مُبَاحٌ فَإِنْ خَرَّجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ لِمَنْ غَلَبَ أَيْ لِيَبْذُلَهُ إنْ غَلَبَ وَيُمْسِكَهُ إنْ غَلَبَ أو أَخْرَجَهُ غَيْرُهُمَا فَلَيْسَ بِقِمَارٍ بَلْ مُسَابَقَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ مُسَابَقَةٌ على غَيْرِ آلَةٍ فقال وَهِيَ مع ذلك حَرَامٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ من بَابِ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالنَّرْدُ وفي نُسْخَةٍ وَاللَّعِبُ بِالنَّرْدِ حَرَامٌ لِخَبَرِ من لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وفي خَبَرِ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ أَيْ وَذَلِكَ حَرَامٌ وَفَارَقَ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ بِأَنَّ التَّعْوِيلَ فيه على ما يُخْرِجُهُ الْكَعْبَانِ أَيْ الْحَصَى وَنَحْوُهُ فَهُوَ كَالْأَزْلَامِ وفي الشِّطْرَنْجِ على الْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ وَإِنَّهُ يَنْفَعُ في تَدْبِيرِ الْحَرْبِ وهو صَغِيرَةٌ وَالْحَزَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزَّايِ وَهِيَ قِطْعَةُ خَشَبٍ يُحْفَرُ فيها حُفَرٌ في ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ يُجْعَلُ فيها حَصًى صِغَارٌ يُلْعَبُ بها وَتُسَمَّى بِالْمُنَقِّلَةِ وقد تُسَمَّى بِالْأَرْبَعَةِ عَشَرَ وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وهو أَنْ يُخَطَّ في الْأَرْضِ خَطٌّ مُرَبَّعٌ وَيُجْعَلَ في وَسَطِهِ خَطَّانِ كَالصَّلِيبِ وَيُجْعَلَ على رُءُوسِ الْخُطُوطِ حَصًى صِغَارٌ يُلْعَبُ بها كَالنَّرْدِ في تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِهِ وَقِيلَ كَالشِّطْرَنْجِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَى
____________________
(4/343)
تَرْجِيحِ الثَّانِي حَيْثُ قال بَعْدَ حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ ما يُعْتَمَدُ فيه على إخْرَاجِ الْكَعْبَيْنِ فَكَالنَّرْدِ أو على الْفِكْرِ فَكَالشِّطْرَنْجِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا يُؤْخَذُ منه تَرْجِيحُ الْجَوَازِ فِيهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَمَدُ فيه على الْفِكْرِ لَا على شَيْءٍ يُرْمَى فَرْعٌ اتِّخَاذُ الْحَمَامِ لِلْبَيْضِ أو الْفَرْخِ أو الْأُنْسِ أو حَمْلِ الْكُتُبِ مُبَاحٌ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِهِ بِالتَّطْيِيرِ وَالْمُسَابَقَةِ وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قِمَارٌ أو نَحْوُهُ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ كَالشِّطْرَنْجِ فِيهِمَا فَرْعٌ الْغِنَاءُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ وَسَمَاعُهُ يَعْنِي اسْتِمَاعَهُ بِلَا آلَةٍ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكْرُوهٌ لِمَا فيه من اللَّهْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ الناس من يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث قال ابن مَسْعُودٍ هو الْغِنَاءُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَإِنَّمَا لم يُحَرَّمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت دخل عَلَيَّ أبو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ من جِوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يوم بُعَاثٍ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فقال أبو بَكْرٍ أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ في بَيْتِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ في يَوْمِ عِيدٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يا أَبَا بَكْرٍ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدٌ وَهَذَا عِيدُنَا واستماعه بِلَا آلَةٍ من الْأَجْنَبِيَّةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً فَإِنْ خِيفَ من اسْتِمَاعِهِ منها أو من أَمْرَدَ فِتْنَةٌ فَحَرَامٌ قَطْعًا وَالْحِدَاءُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْمَدِّ وهو ما يُقَالُ خَلْفَ الْإِبِلِ من رَجَزٍ وَغَيْرِهِ مُبَاحٌ بَلْ قال النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ مَنْدُوبٌ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَلِمَا فيه من تَنْشِيطِهَا لِلسَّيْرِ وَتَنْشِيطِ النُّفُوسِ وَإِيقَاظِ النُّوَامِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مَسْنُونٌ كما مَرَّ في بَابِ الْأَحْدَاثِ وَلَا بَأْسَ بِالْإِدَارَةِ لِلْقِرَاءَةِ بِأَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا
قال في الْأَصْلِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْآيَةِ لِلتَّدَبُّرِ وَلَا بِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ في الْقِرَاءَةِ ولا قِرَاءَتِهِ بِالْأَلْحَانِ إنْ لم يُفْرِطْ فَإِنْ أَفْرَطَ في الْمَدِّ وَالْإِشْبَاعِ حتى وَلَّدَ حُرُوفًا أو أَسْقَطَ حُرُوفًا بِأَنْ وَلَّدَهَا من الْحَرَكَاتِ فَتَوَلَّدَ من الْفَتْحَةِ أَلِفٌ وَمِنْ الضَّمَّةِ وَاوٌ وَمِنْ الْكَسْرَةِ يَاءٌ أو أَدْغَمَ في غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ حَرُمَ وَيُفَسَّقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عن نَهْجِهِ الْقَوِيمِ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَيُسَنُّ تَرْتِيلُهُ وَتَدَبُّرُهُ لِلْقِرَاءَةِ وَالْبُكَاءُ عِنْدَهَا وَاسْتِمَاعُ شَخْصٍ حَسَنِ الصَّوْتِ كما مَرَّتْ في الْأَحْدَاثِ وَالْمُدَارَسَةُ وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ على غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عليه لِخَبَرِ ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ من بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قال في الرَّوْضَةِ وَيُسَنُّ الْجُلُوسُ في حِلَقِ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الْغِنَاءُ على الْآلَةِ الْمُطْرِبَةِ كَالطُّنْبُورِ وَالْعُودِ وَسَائِرٍ الْمَعَازِفِ أَيْ الْمَلَاهِي وَالْأَوْتَارِ وما يُضْرَبُ بِهِ وَالْمِزْمَارِ الْعِرَاقِيِّ وهو الذي يُضْرَبُ بِهِ مع الْأَوْتَارِ وَكَذَا الْيَرَاعُ وهو
____________________
(4/344)
الشَّبَّابَةُ فَحَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُ وَاسْتِمَاعُهُ وَكَمَا يَحْرُمُ ذلك يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ هذه الْآلَاتِ وَاِتِّخَاذُهَا لِأَنَّهَا من شِعَارِ الشَّرَبَةِ وَهِيَ مُطْرِبَةٌ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ حِلَّ الْيَرَاعِ لِأَنَّهُ يُنَشِّطُ على السَّيْرِ في السَّفَرِ وَعَطْفُ الْمَعَازِفِ على ما قَبْلَهَا من عَطْفِ الْعَامِّ على الْخَاصِّ وَعَطْفُ ما بَعْدَهَا عليها بِالْعَكْسِ وَمِنْهَا الصَّنْجُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَالْمُرَادُ بِهِ ذُو الْأَوْتَارِ كما قَالَهُ الْبَارِزِيُّ
وَضَرْبُ الدُّفِّ بِضَمِّ الدَّالِ أَشْهَرُ من فَتْحِهَا مُبَاحٌ في الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هو سَبَبٌ لِإِظْهَارِ السُّرُورِ كَعِيدٍ وَقُدُومِ غَائِبٍ وَلَوْ كان بِجَلَاجِلَ لِأَخْبَارٍ وَرَدَتْ بِحِلِّ الضَّرْبِ بِهِ كَخَبَرِ فَصْلُ ما بين الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَخَبَرِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ من بَعْضِ مَغَازِيهِ جَاءَتْهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت إنْ رَدَّك اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بين يَدَيْك بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فقال لها إنْ كُنْت نَذَرْت فَأَوْفِ بِنَذْرِك رَوَاهُمَا ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُمَا وَتَرْجِيحُ الْإِبَاحَةِ في غَيْرِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْجَلَاجِلِ الصُّنُوجُ جَمْعُ صَنْجٍ وهو الْحِلَقُ التي تُجْعَلُ دَاخِلَ الدُّفِّ وَالدَّوَائِرِ الْعِرَاضِ التي تُؤْخَذُ من صُفْرٍ وَتُوضَعُ في خُرُوقِ دَائِرَةِ الدُّفِّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ وَفِيهِ صَنْجٌ أَشَدُّ إطْرَابًا من كَثِيرٍ من الْمَلَاهِي الْمُحَرَّمَةِ مَمْنُوعٌ وَلَا يَحْرُمُ من الطُّبُولِ إلَّا الْكُوبَةَ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهِيَ طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ مُتَّسِعُ الطَّرَفَيْنِ لِخَبَرِ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وابن حِبَّانَ وَالْمَعْنِيُّ فيه التَّشَبُّهُ بِمَنْ يَعْتَادُ ضَرْبَهُ وَهُمْ الْمُخَنَّثُونَ قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ في الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فقال هذا ما ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَتَبِعَهُ عليه الرَّافِعِيُّ وَالْمَوْجُودُ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ هو التَّحْرِيمُ فِيمَا عَدَا الدُّفَّ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَيَّدُوهُ بِطَبْلِ اللَّهْوِ قال وَمَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ أَرَادَ بِهِ اللَّهْوَ أَيْ فَالْمُرَادُ إلَّا الْكُوبَةَ وَنَحْوَهَا من الطُّبُولِ التي تُرَادُ لِلَّهْوِ
وَيَحْرُمُ الصَّفَّاقَتَانِ وَهُمَا من صُفْرٍ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَيُسَمَّيَانِ بِالصَّنْجِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا من عَادَةِ الْمُخَنَّثِينَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَطُبُولُ لَعِبِ الصِّبْيَانِ كَالدُّفُوفِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ وَالضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ على الْوَسَائِدِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لِأَنَّهُ لَا يُفْرَدُ عن الْغِنَاءِ وَلَا يُطْرِبُ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ وَالرَّقْصُ بِلَا تَكَسُّرٍ مُبَاحٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَفَ لِعَائِشَةَ يَسْتُرُهَا حتى تَنْظُرَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَيَزْفِنُونَ وَالزَّفْنُ الرَّقْصُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَرَكَاتٍ على اسْتِقَامَةٍ أو اعْوِجَاجٍ وَعَلَى الْإِبَاحَةِ التي صَرَّحَ بها الْمُصَنِّفُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وَهِيَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا وقال الْقَفَّالُ بِالْكَرَاهَةِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ مُحْتَمِلَةٌ لها
____________________
(4/345)
حَيْثُ قال وَالرَّقْصُ ليس بِحَرَامٍ وَبِالتَّكَسُّرِ حَرَامٌ وَلَوْ من النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْمُخَنَّثِينَ فَرْعٌ الشِّعْرُ أَيْ إنْشَاؤُهُ وإنشاده وَاسْتِمَاعُهُ أَيْ كُلٌّ منها مُبَاحٌ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان له شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ منهم حَسَّانُ بن ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا الْهِجَاءُ بِالْمَدِّ فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ وَلَوْ هِجَاءً بِمَا هو صَادِقٌ فيه لِلْإِيذَاءِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ مُسْلِمٍ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ له من أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا فَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ هذا مَحْمُولٌ على ما إذَا هَجَا بِمَا يُفَسَّقُ بِهِ كان أَكْثَرَ منه ولم تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ بِقَرِينَةِ ما مَرَّ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ إثْمٌ حَاكَى الْهَجْوَ كَإِثْمِ مُنْشَئِهِ نعم لو كان الْمَهْجُوُّ مَعْرُوفًا قال الْأَذْرَعِيُّ فَيَظْهَرُ أَنَّ إثْمَ الْحَاكِي أَعْظَمُ من إثْمِ الْمُنْشِئِ إذَا كان قد سَمِعَهُ منه سِرًّا فَأَذَاعَهُ وَهَتَكَ بِهِ سِتْرَ الْمَهْجُوِّ
وفي التَّعْرِيضِ بِهِ تَرَدُّدٌ في رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ جَزَمَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهَا تُرَدُّ بِهِ بَلْ رَجَّحَهُ الْأَصْلُ حَيْثُ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا كَالتَّصْرِيحِ وقال ابن كَجٍّ ليس التَّعْرِيضُ هَجْوًا انْتَهَى وَمَحِلُّ تَحْرِيمِ الْهِجَاءِ إذَا كان لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كان لِكَافِرٍ أَيْ غَيْرِ مَعْصُومٍ جَازَ كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ حَسَّانًا بِهِجَاءِ الْكُفَّارِ وَمِنْ هُنَا صَرَّحَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَمِثْلُهُ في جَوَازِ الْهَجْوِ الْمُبْتَدِعُ كما ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ كما قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ هَجْوِ الْكَافِرِ الْمُعِينِ وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ عَدَمَ جَوَازِ لَعْنِهِ بِأَنَّ اللَّعْنَ الْإِبْعَادُ من الْخَيْرِ وَلَاعِنُهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَهُ منه فَقَدْ يُخْتَمُ له بِخَيْرٍ بِخِلَافِ الْهَجْوِ
وَالتَّشْبِيبُ بِمُعَيَّنَةٍ وهو ذِكْرُ صِفَاتِهَا من طُولٍ وَقِصَرٍ وَصُدْغٍ وَغَيْرِهَا وَوَصْفٌ أَيْ أو وَصْفُ أَعْضَائِهَا الْبَاطِنَةِ وَلَوْ كانت زَوْجَتَهُ مُسْقِطٌ لِلْمَرْأَةِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بَلْ ذلك مُحَرَّمٌ في حَقِّ غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِلْإِيذَاءِ وَالْإِشْهَارِ بِمَا لَا يَلِيقُ وَهَتْكِ السِّتْرِ ثُمَّ ما ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ في حَقِّ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا وقد نَصَّ في الْأُمِّ على خِلَافِهِ فقال وَمَنْ شَبَّبَ فلم يُسَمِّ أَحَدًا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَنُقِلَ في الْبَحْرِ عَدَمُ رَدِّ الشَّهَادَةِ عن الْجُمْهُورِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وزاد نعم يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُكْثِرَ من ذلك وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ لَا يُرَدُّ بِهِ ذلك لِجَوَازِ حَمْلِهِ على ما ليس حَقُّهُ الْإِخْفَاءَ من وَصْفِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْغُلَامُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْمَرْأَةِ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْشَقُهُ فَيُشْتَرَطُ في رَدِّ شَهَادَتِهِ تَعْيِينُ الْغُلَامِ فَإِنْ أَكْثَرَ الْكَذِبَ فيه أَيْ في شِعْرِهِ ولم يُمْكِنْ حَمْلُهُ على الْمُبَالَغَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا فَلَا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ إظْهَارَ الصِّفَةِ لَا إيهَامَ الصِّدْقِ فإن شَهَادَتَهُ تُرَدُّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ قَالَا لِأَنَّ الْكَاذِبَ يُوهِمُ الْكَذِبَ صِدْقًا بِخِلَافِ الشَّاعِرِ وَالتَّشَبُّبُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ صَنْعَةٌ وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ لَا تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ من أَنَّ ذلك لَا يَضُرُّ مع الْكَثْرَةِ بَنَاهُ الْأَصْلُ على ضَعِيفٍ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْقَلِيلِ وَلَيْسَ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ كَلَيْلَى تَعْيِينًا التَّمْثِيلُ بِلَيْلَى من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ شُرْبُ الْخَمْرِ عَمْدًا مع الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ وَإِنْ قَلَّ الْمَشْرُوبُ ولم يُسْكِرْ كما مَرَّ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ بَائِعِهَا وَمُشْتَرِيهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَتَدَاوٍ أو قَصْدِ تَخَلُّلٍ لَا مُمْسِكِهَا فَرُبَّمَا قَصَدَ بِإِمْسَاكِهَا التَّخْلِيلَ أو التَّخَلُّلَ وَلَا عَاصِرِهَا وَمُعْتَصِرِهَا إنْ لم يَقْصِدْ بِذَلِكَ شُرْبَهَا أو الْإِعَانَةَ عليه وَالْمَطْبُوخُ منها كَالنَّبِيذِ فإذا شَرِبَ من أَحَدِهِمَا الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ حُدَّ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَلَوْ شَرِبَ منه
____________________
(4/346)
قَدْرًا لَا يُسْكِرُ وَاعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ كَالْحَنَفِيِّ حُدَّ ولم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الْحَدَّ إلَى الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ فيه اعْتِقَادُهُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ يَعْتَمِدُ اعْتِقَادَ الشَّاهِدِ وَلِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَشُرْبُ ما ذُكِرَ يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ وَلَا يُوجَدُ ذلك إذَا لم يَعْتَقِدْ التَّحْرِيمَ وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ حُدَّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وردت شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ ما يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ لم يُؤْمَنْ جَرَاءَتُهُ على شَهَادَةِ الزُّورِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ وهو يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَا من وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً وهو يَظُنُّهَا أَمَتَهُ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ فِيهِمَا وَتَعْبِيرُهُ أَوَّلًا بِالِاعْتِقَادِ وَثَانِيًا بِالظَّنِّ تَفَنُّنٌ وَإِنْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ أو نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ وَوَطِئَ فِيهِمَا وهو يَعْتَقِدُ الْحِلَّ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ أو الْحُرْمَةَ رُدَّتْ لِذَلِكَ
وَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ مُلْتَقِطِ النِّثَارِ وَإِنْ كُرِهَ الْتِقَاطُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ من تَعَوَّدَ حُضُورَ الدَّعْوَةِ بِلَا نِدَاءٍ أو ضَرُورَةٍ قال في الْأَصْلِ أو اسْتِحْلَالَ صَاحِبِ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُحَرَّمًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ التَّعَوُّدُ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ له شُبْهَةٌ حتى يَمْنَعَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فإذا تَعَوَّدَ صَارَ دَنَاءَةً وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ لَا دَعْوَةِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ من تَعَوَّدَ حُضُورَهَا لِأَنَّهُ طَعَامٌ عَامٌّ الشَّرْطُ الْخَامِسُ الْمُرُوءَةُ وَهِيَ تَوَقِّي الْأَدْنَاسِ وهو قَرِيبٌ من قَوْلِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ الْمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ في زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْبُلْدَانِ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ فَتَرْكُهَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْصُ عَقْلٍ أو قِلَّةُ مُبَالَاةٍ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ تَبْطُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ وَتَرْكُهَا مِثْلَ أَنْ يَلْبِسَ الْفَقِيهُ لِبْسَ الْعَرَبِيِّ أو التَّاجِرُ ثَوْبَ الْجَمَّالِ وَيَتَرَدَّدَا فيه بِمَوْضِعٍ لَا يَعْتَادُ مِثْلُهُمَا لُبْسَهُ فيه ومثل فِعْلِ كل ما يَصِيرُ بِهِ الْمَرْءُ ضُحْكَةً بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ أَيْ يُضْحَكُ منه كَأَنْ يَتَعَمَّمُ الْجَمَّالُ وَيَتَطَيْلَسَ وَيَرْكَبَ بَغْلَةً مُثَمَّنَةً وَيَطُوفَ في السُّوقِ ومثل الْمَشْيِ في السُّوقِ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ أو أَحَدِهِمَا وَلَوْ مع سَتْرِ الْعَوْرَةِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ وَأَكْلُ غَيْرِ السُّوقِيِّ في السُّوقِ لِغَيْرِ جُوعٍ شَدِيدٍ كما قَيَّدَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَشُرْبِهِ من سِقَايَاتِهِ لَا شُرْبِهِ منها لِعَطَشٍ شَدِيدٍ بِخِلَافِ السُّوقِيِّ لَا يَضُرُّهُ ذلك وَمَدِّ الرِّجْلِ عِنْدَ الناس بِلَا ضَرُورَةٍ وَالْمُرَادُ جِنْسُهُمْ وَلَوْ وَاحِدًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ إذَا كان بِحَضْرَةِ من يَحْتَشِمُهُ فَلَوْ كان بِحَضْرَةِ إخْوَانِهِ أو نَحْوِهِمْ كَتَلَامِذَتِهِ لم يَكُنْ ذلك تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ وَتَقْبِيلِ أَمَتِهِ أو زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهِمْ
وَأَمَّا تَقْبِيلُ ابْنِ عُمَرَ أَمَتَهُ التي وَقَعَتْ في سَهْمِهِ بِحَضْرَةِ الناس قال الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(4/347)
فَكَأَنَّهُ تَقْبِيلُ اسْتِحْسَانٍ لَا تَمْنَعُ أو فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ أو ظَنَّ أَنَّهُ ليس ثَمَّ من يَنْظُرُهُ أو لِأَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَضُرُّ على ما اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أو حِكَايَةِ ما يَفْعَلُهُ مَعَهَا في الْخَلْوَةِ تَقَدَّمَ كَرَاهَةُ هذا مع زِيَادَةٍ في الْبَابِ التَّاسِعِ من أَبْوَابِ النِّكَاحِ وَالْإِكْثَارِ من الْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ ومن سُوءِ الْعِشْرَةِ مع الْمُعَامِلِينَ وَالْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ ومن الْمُضَايَقَةِ في الْيَسِيرِ الذي لَا يُسْتَقْصَى فيه وَالْإِكْبَابِ على لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ وَالْغِنَاءِ وَسَمَاعِهِ أَيْ اسْتِمَاعِهِ وَإِنْ لم يَقْتَرِنْ بها ما يُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَكَذَا الْإِكْبَابُ على إنْشَادِ الشِّعْرِ وَاسْتِنْشَادِهِ حتى يَتْرُكَ بِهِ مُهِمَّاتِهِ ومثل اتِّخَاذِ جَارِيَةٍ وَغُلَامٍ لِيُغَنِّيَا لِلنَّاسِ وَالْمُرَادُ جِنْسُهُمْ ومثل الْإِكْبَابِ على الرَّقْصِ وعلى الضَّرْبِ بِالدُّفِّ وَيَرْجِعُ في الْإِكْثَارِ مِمَّا ذُكِرَ إلَى الْعَادَةِ وَالشُّخُوصِ إذْ يُسْتَقْبَحُ من شَخْصٍ قَدْرٌ لَا يُسْتَقْبَحُ من غَيْرِهِ وَلِلْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ فيه تَأْثِيرٌ فَلَيْسَ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ مَثَلًا في الْخَلْوَةِ مِرَارًا كَالسُّوقِ وَالطُّرُقِ أَيْ كَاللَّعِبِ فِيهِمَا مَرَّةً في مَلَأٍ من الناس وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ ما ذُكِرَ بِالْكَثْرَةِ أنها لَا تُشْتَرَطُ فِيمَا عَدَاهُ لَكِنْ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ في الْكُلِّ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
ثُمَّ قال وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بين ما يُعَدُّ خَارِمًا لها بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَغَيْرِهِ فَالْأَكْلُ من غَيْرِ السُّوقِيِّ مَرَّةً في السُّوقِ ليس كَالْمَشْيِ فيه مَكْشُوفًا وَالتَّكَسُّبُ بِالشِّعْرِ وَالْغِنَاءِ قد لَا يَزْرِي بِمَنْ يَلِيقُ بِهِ فَلَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ هذا في الشِّعْرِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ الْقَاصِّ وفي الْغِنَاءِ بَحَثَهُ وقال إنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ على من لَا يَلِيقُ بِهِ وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ بِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ من أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا كان لَا يُتَقَصَّى إذَا مُدِحَ وَلَا يُذَمُّ إذَا مَنَعَ بَلْ يَقْبَلُ ما وَصَلَ إلَيْهِ وَرُدَّ الثَّانِي بِأَنَّ الْوَجْهَ إبْقَاءُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ على إطْلَاقِهِ فَإِنْ ذلك وَضِيعٌ عِنْدَ كل أَحَدٍ وقد نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ على أَنَّهُ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الْأَصْلَ مُسَلِّمٌ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا ذلك فَلَا يُنَاسِبُهُ الرَّدُّ عليه بِمَا ذُكِرَ وَحَمْلُ الْمَاءِ وَالْأَطْعِمَةِ إلَى الْبَيْتِ شُحًّا لَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ التَّارِكِينَ لِلتَّكَلُّفِ قِلُّ بِمَعْنَى قِلَّةٍ أَيْ خَرْمُ مُرُوءَةٍ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ بِخِلَافِ من يَلِيقُ بِهِ وَمَنْ يَفْعَلُهُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَالتَّقَشُّفُ في الْأَكْلِ وَاللِّبْسِ كَذَلِكَ فَيُخِلُّ بِمُرُوءَةِ من لَا يَلِيقُ بِهِ إنْ فَعَلَهُ شُحًّا لَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْحِرَفِ الْمُبَاحَةِ الدَّنِيئَةِ بِالْهَمْزِ إنْ لَاقَتْ بِهِمْ وَإِنْ لم تَكُنْ حِرْفَةَ آبَائِهِمْ كَحَجَّامٍ وَكَنَّاسٍ وَدَبَّاغٍ وَكَذَا من يُبَاشِرُ النَّجَاسَةَ إنْ حَافَظُوا على الصَّلَوَاتِ في أَوْقَاتِهَا في ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ وَحَارِسٍ وَحَمَّامِيٍّ وَإِسْكَافٍ وَقَصَّابٍ وَحَائِكٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا حِرَفٌ مُبَاحَةٌ وَالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلَيْهَا وَلَوْ رَدَدْنَا شَهَادَةَ أَرْبَابِهَا لم نَأْمَنْ أَنْ يَتْرُكُوهَا فَيَعُمُّ الضَّرَرُ بِخِلَافِ من لَا يَلِيقُ بِهِ وَلَيْسَ الصَّبَّاغُ وَالصَّائِغُ منهم قَضِيَّتُهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ لم تَلِقْ بِهِمَا حِرْفَتُهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُمَا كَالْمَذْكُورِينَ لَكِنَّهُمَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَمَنْ أَكْثَرَ من أَهْلِ الصَّنَائِعِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا الْكَذِبَ وَخُلْفَ الْوَعْدِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ تَنْبِيهٌ التَّوْبَةُ مِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ سُنَّةٌ كما في الْمَعَاصِي ذَكَرَهُ في التَّنْبِيهِ فَرْعٌ الْمُدَاوَمَةُ على تَرْكِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَتَسْبِيحَاتِ الصَّلَاةِ تَقْدَحُ في الشَّهَادَةِ لِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَإِشْعَارِهِ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْمُهِمَّاتِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ في الْحَاضِرِ أَمَّا من يُدِيمُ السَّفَرَ كَالْمَلَّاحِ وَالْمُكَارَى وَبَعْضِ التُّجَّارِ فَلَا وَكَذَا يَقْدَحُ فيها مُدَاوَمَةُ مُنَادَمَةِ مُسْتَحِلِّ النَّبِيذِ مع السُّفَهَاءِ وكذا كَثْرَةُ شُرْبِهِ إيَّاهُ مَعَهُمْ لِإِخْلَالِ ذلك بِالْمُرُوءَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ لَا كَثْرَةُ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ طَافَ مُكْثِرُهُ بِالْأَبْوَابِ فَلَا يَقْدَحُ في شَهَادَتِهِ إنْ لم يَقْدِرْ على كَسْبٍ مُبَاحٍ يَكْفِيهِ لِحِلِّ الْمَسْأَلَةِ له حِينَئِذٍ إلَّا إنْ أَكْثَرَ الْكَذِبَ في دَعْوَى الْحَاجَةِ أو أَخْذِ ما لَا يَحِلُّ له أَخْذُهُ فَيَقْدَحُ في شَهَادَتِهِ نعم إنْ كان الْمَأْخُوذُ في الثَّانِيَةِ قَلِيلًا اُعْتُبِرَ التَّكَرُّرُ كما مَرَّ
____________________
(4/348)
نَظِيرُهُ الشَّرْطُ السَّادِسُ عَدَمُ التُّهْمَةِ فَمَنْ جَرَّ بِشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ نَفْعًا أو دَفَعَ بها عنه ضَرَرًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ له وَغَيْرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُوَرِّثِهِ وَغَرِيمٍ له مَيِّتٍ وَإِنْ لم تَسْتَغْرِقْ تَرِكَتُهُ الدُّيُونَ أو عليه حَجْرُ فَلَسٍ وَذَلِكَ لِلتُّهْمَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِغَرِيمِهِ الْمُوسِرِ وَكَذَا الْمُعْسِرُ قبل الْحَجْرِ عليه وَالْمَوْتِ لِغَرِيمِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِذِمَّتِهِ لَا بِعَيْنِ أَمْوَالِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عليه وَالْمَوْتِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ من زِيَادَتِهِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ بِجُعْلٍ وَبِدُونِهِ وَقَيِّمٍ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فيه كُلٌّ منهم لِمَنْ قام هو مَقَامَهُ لِاقْتِضَاءِ شَهَادَتِهِ سَلْطَنَةَ التَّصَرُّفِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ وَمَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ مَرَّتْ مع زِيَادَةٍ في الْبَابِ الثَّانِي من الْوَكَالَةِ وَذِكْرُ الْوَلِيِّ من زِيَادَتِهِ وترد شَهَادَةُ ضَامِنٍ شَهِدَ بِبَرَاءَةِ من ضَمِنَ عنه أَيْ مِمَّا ضَمِنَهُ فيه لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بها الْغُرْمَ عن نَفْسِهِ وشهادة شَرِيكٍ يَشْهَدُ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هو شَرِيكٌ فيه بِأَنْ قال هذه الدَّارُ مَثَلًا بَيْنَنَا فَلَوْ قال هذه الدَّارُ لِزَيْدٍ وَلِي قال الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَخْذًا من التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ الصِّحَّةُ في نَصِيبِ زَيْدٍ دُونَ نَصِيبِهِ كما لو شَهِدَ لِفَرْعِهِ وَأَجْنَبِيٍّ وما بَحَثَهُ يَأْتِي في مَسْأَلَةِ التَّصْوِيرِ أَيْضًا فَالْمُتَّجَهُ حَمْلُ ذلك كُلِّهِ على ما يَأْتِي عن الْمَطْلَبِ
فَإِنْ شَهِدَ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحْدَهُ قُبِلَتْ إذْ لَا تُهْمَةَ وَاسْتَشْكَلَهُ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ قد تَكُونُ من وَارِثٍ وَنَحْوِهِ ولم يَتَّصِلْ بها قَبْضٌ فَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مُشَارَكَةُ الْآخَرِ فِيمَا يَقْبِضُهُ فَلَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ له وقد أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَلشَّرِيك غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنْ كان ما شَهِدَ بِهِ لِشَرِيكِهِ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ شَيْءٍ له فيه لم تُسْمَعْ شَهَادَتُهُ وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا سُمِعَتْ وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ
____________________
(4/349)
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ له بِبَيْعِ شِقْصٍ من عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا أو لِلْمُشْتَرِي بِشِرَائِهِ وله فيه شُفْعَةٌ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ وَمِثْلُهُ شَهَادَتُهُ بِالشِّرَاءِ صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ إدْخَالُهَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَفْوِ عنها لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ منها قبل شَهَادَتِهِ وَلَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ إذْ لَا شُفْعَةَ فيه فَلَا تُهْمَةَ ولم يَنْظُرُوا إلَى تُهْمَةِ الْخَلَاصِ من سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ وَارِثٍ بِجَرْحِ مُوَرِّثِهِ عِنْدَهَا قبل الِانْدِمَالِ وَإِنْ انْدَمَلَ بَعْدَهَا لِلتُّهْمَةِ فإنه لو مَاتَ أَخَذَ الْأَرْشَ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَدَخَلَ في كَوْنِهِ مُوَرِّثًا له عِنْدَ شَهَادَتِهِ ما لو شَهِدَ بِذَلِكَ أَخُو الْجَرِيحِ وهو وَارِثٌ له ثُمَّ وُلِدَ لِلْجَرِيحِ ابْنٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
وَخَرَجَ بِهِ ما لو شَهِدَ بِذَلِكَ وَلِلْجَرِيحِ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ إنْ صَارَ وَارِثًا وقد حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ لم يُنْقَضْ كما لو طَرَأَ الْفِسْقُ أو لَا فَلَا يُحْكَمُ بها وَخَرَجَ بِقَبْلِ الِانْدِمَالِ الْمَزِيدُ على الْأَصْلِ هُنَا شَهَادَتُهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَمَقْبُولَةٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ كان الْجَرِيحُ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْجَرْحِ وَادَّعَى بِهِ على الْجَارِحِ وَأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِأَرْشِهِ لِأَنَّهُ كان مِلْكَهُ فَشَهِدَ له وَارِثُ الْجَرِيحِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ لَا شَهَادَتُهُ بِمَالٍ له أَيْ لِمُوَرِّثِهِ وَلَيْسَ بَعْضًا له فَتُقْبَلُ وَلَوْ وهو مَرِيضٌ أو مَجْرُوحٌ وَلَوْ قبل الِانْدِمَالِ وَفَارَقَ شَهَادَتَهُ بِالْجَرْحِ بِأَنَّ الْجَرْحَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَدِيعِ وَالْمُرْتَهِنِ بِهِمَا أَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْمَرْهُونِ لِلْمُودَعِ وَالرَّاهِنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَدِيمُ الْيَدَ لِنَفْسِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِهِمَا لِغَيْرِهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ غَاصِبٍ على الْمَغْصُوبِ منه بِالْمَغْصُوبِ لِأَجْنَبِيٍّ لِفِسْقِهِ وَلِتُهْمَتِهِ بِدَفْعِ الضَّمَانِ وَمُؤْنَةِ الرَّدِّ عنه فَإِنْ شُهِدَ له بِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالرَّدِّ له إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا بَعْدَ التَّلَفِ له قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ ما بَعْدَ التَّلَفِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الضَّمَانَ عن نَفْسِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَرْدُودَ بَعْدَ أَنْ جَنَى في يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً مَضْمُونَةً كَالتَّالِفِ فِيمَا ذُكِرَ وَالتَّصْرِيحُ بِبَعْدَ التَّوْبَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَا شَهَادَةُ مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمَبِيعِ بِالْمِلْكِ فيه لِغَيْرِ خَصْمِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْبَائِعِ إلَّا بَعْدَ الرَّدِّ له لِمَا ذُكِرَ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِثْنَاءِ من زِيَادَتِهِ وَلَا شَهَادَةُ مُشْتَرٍ شِرَاءً صَحِيحًا لِبَائِعٍ بِالْمَبِيعِ إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ كَأَنْ رَدَّ عليه بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ أو خِيَارٍ لِاسْتِبْقَائِهِ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ إنْ كان الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْمِلْكَ من تَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ على الْبَيْعِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَوْ أَثْبَتَ رَجُلٌ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِخْوَةِ مَيِّتٍ له دَيْنٌ على شَخْصٍ فَشَهِدَ الْمَدْيُونُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ ما عليه لِلْأَخِ إلَى من شَهِدَ له بِالْبُنُوَّةِ بِخِلَافِ ما لو تَقَدَّمَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْ الْوَارِثِ أو الْمُوصَى له بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَمَنْ أَوْصَى له قال الْأَذْرَعِيُّ لِمَ لَا يُقَالُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا في حَقِّ غَيْرِهِمَا دُونَ حَقِّهِمَا لِقِصَرِ التُّهْمَةِ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَدْيُونِ بِمَوْتِ الْغَرِيمِ وهو الدَّائِنُ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بها وَلَا يُنْظَرُ هُنَا إلَى نَقْلِ الْحَقِّ من شَخْصٍ إلَى آخَرَ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمُوَرِّثِ وَكَأَنَّهُ هو لَا شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ وَلَوْ فُقَرَاءَ وَالْغُرَمَاءِ بِجُرْحِ من شَهِدَ بِقَتْلٍ خَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ على من تَحَمَّلَ عنه الْعَاقِلَةَ وَدَيْنٍ أَيْ وَبِجُرْحِ من شَهِدَ بِدَيْنٍ آخَرَ على الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عليه فَلَا تُقْبَلُ تُهْمَةُ دَفْعِ ضَرَرِ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ وَمُزَاحَمَةِ الْغُرَمَاءِ أَمَّا شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقٍ على من شَهِدَ بِقَتْلٍ عَمْدًا وَبِإِقْرَارٍ بِقَتْلٍ وَلَوْ خَطَأً فَمَقْبُولَةٌ لِانْتِفَاءِ تَحَمُّلِهِمْ الْعَقْلَ كما مَرَّ في بَابِ الشَّهَادَةِ على الدَّمِ وَأَلْحَقُوا بِذَلِكَ شَهَادَةَ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ بِجُرْحِ من شَهِدَ بِمَالٍ على الْمُوَكِّلِ وَالْيَتِيمِ فإن شَهِدَ شَخْصٌ بِوَصِيَّةٍ لم يَشْهَدْ له بِوَصِيَّةٍ أَيْضًا
وَلَوْ كانت الْوَصِيَّتَانِ من تَرِكَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ أَيْ قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ لِانْفِصَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عن الْأُخْرَى بِغَيْرِ تُهْمَةٍ وَاحْتِمَالُ الْمُوَاطَأَةِ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا كما تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِ الْقَافِلَةِ لِبَعْضٍ على قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِمِثْلِ ما شَهِدَ له بِهِ الْبَعْضُ الْآخَرُ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ إذَا نَسَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا ما شَهِدَ بِهِ إلَى الْآخَرِ بِأَنْ يَقُولَ أَخَذُوا مَالَ هذا فَإِنْ نَسَبَهُ إلَيْهِمَا مَعًا كَقَوْلِهِ أَخَذُوا مَالَنَا لم تُقْبَلَا لِلتُّهْمَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى قِيَاسِ هذا قَوْلُ الْبَغَوِيّ لو شَهِدَ عَدْلَانِ من الْفُقَرَاءِ
____________________
(4/350)
أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهٍ لِلْفُقَرَاءِ قُبِلَتْ أو بِثُلُثِ مَالِهِ لنا لم تُقْبَلْ قال ابن أبي الدَّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَبُولُهَا بِمَا إذَا كان في الْبَلَدِ فُقَرَاءُ سِوَى الشَّاهِدَيْنِ ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالْقَبُولِ فَهَلْ يَدْخُلُ الشَّاهِدَانِ في الْوَصِيَّةِ فيه احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا نعم تَبَعًا لِغَيْرِهِمَا وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ منه اسْتِحْقَاقُهُمَا بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمَا قال أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وقد صَرَّحَ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فيها وما بَحَثَهُ يَعْنِي ابْنَ أبي الدَّمِ لَا بُدَّ فيه من قَيْدٍ آخَرَ وهو أَنْ يَكُونُوا غير مَحْصُورَيْنِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا قَلُّوا وَكَثُرَ الْمُوصَى بِهِ وفي اعْتِبَارِ هذا الْقَيْدِ وَقْفَةٌ تُتَلَقَّى من كَلَامٍ لِابْنِ يُونُسَ وَابْنِ الرِّفْعَةِ في نَظِيرِ ذلك من الْوَقْفِ فَصْلٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَصْلٍ وَإِنْ عَلَا لِفَرْعِهِ وَمُكَاتَبِ فَرْعِهِ وما دُونَهُ وَإِنْ قُبِلَتْ عليهم وَلَا بِالْعَكْسِ أَيْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَرْعٍ وَإِنْ نَزَلَ لِأَصْلِهِ وَمُكَاتَبِ أَصْلِهِ وما دُونَهُ وَإِنْ قُبِلَتْ عليهم لِأَنَّهَا كَالشَّهَادَةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الشُّهُودَ له بَعْضُهُ أو كَبَعْضِهِ وَمِنْ ذلك أَنْ تَتَضَمَّنَ شَهَادَتُهُ دَفْعَ ضَرَرٍ عَمَّنْ ذُكِرَ كَأَنْ يَشْهَدَ لِلْأَصِيلِ الذي ضَمَّنَهُ بَعْضَهُ بِالْأَدَاءِ أو الْإِبْرَاءِ نعم لو ادَّعَى السُّلْطَانُ على شَخْصٍ بِمَالٍ لِبَيْتِ الْمَالِ فَشَهِدَ له بِهِ أَصْلُهُ أو فَرْعُهُ قُبِلَتْ كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِعُمُومِ الْمُدَّعَى بِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو شَهِدَ لِأَحَدِ ابْنَيْهِ على الْآخَرِ لم يُقْبَلْ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ لَكِنْ جَزَمَ ابن عبد السَّلَامِ بِقَبُولِهَا لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ قد تَعَارَضَ فَيَظْهَرُ الصِّدْقُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ الْمُعَارِضَةِ وَبِهِ أَفْتَى ابن الْجُمَّيْزِيِّ وَيُقَاسَ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَائِدَةٌ لو شَهِدَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ أو الْعَدُوُّ على عَدُوِّهِ أو الْفَاسِقُ بِمَا يَعْلَمُونَهُ من الْحَقِّ وَالْحَاكِمُ لَا يَشْعُرُ بِمَانِعِ الشَّهَادَةِ فَهَلْ يَأْثَمُونَ بِذَلِكَ قال ابن عبد السَّلَامِ الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لم يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ على بَاطِلٍ بَلْ على إيصَالِ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقَّةِ وَلَا إثْمَ عليه وَلَا على الْخَصْمِ وَلَا على الشَّاهِدِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على الْأَبِ بِتَطْلِيقِ ضَرَّةِ أُمِّهِ وَقَذْفِهَا وَإِنْ جَرَّتْ نَفْعًا إلَى أُمِّهِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِمِثْلِ هذا الْجَرِّ لَا شَهَادَتُهُ لِأُمِّهِ بِطَلَاقٍ أو رَضَاعٍ إلَّا إنْ شَهِدَ بِهِ حِسْبَةً ابْتِدَاءً فَتُقْبَلُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ ابْتِدَاءً وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لَا تَكُونُ إلَّا ابْتِدَاءً وَتُرَدُّ شَهَادَةُ أَبٍ بِزِنَا زَوْجَةِ ابْنٍ له قد قَذَفَهَا ابْنُهُ وَطُولِبَ بِالْحَدِّ وَإِنْ لم يُطَالَبْ بِهِ أو لم يَقْذِفْهُ هَا وَشَهِدَ أَبَاهُ بِذَلِكَ حِسْبَةً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ
فَرْعٌ لو قال شَخْصٌ لِزَيْدٍ وفي يَدِهِ عَبْدٌ اشْتَرَيْت هذا الْعَبْدَ الذي في يَدِك من عَمْرٍو وَعَمْرٌو اشْتَرَاهُ مِنْك وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ فَأَنْكَرَ جَمِيعَ ذلك وَشَهِدَ له بِذَلِكَ ابْنَا عَمْرٍو أو ابْنَا زَيْدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ تَضَمَّنَتْ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِأَبِيهِمَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بها في الْحَالِ الْمُدَّعِي وهو أَجْنَبِيٌّ عنها وَلَوْ شَهِدَ لِوَالِدِهِ أو نَحْوِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ
____________________
(4/351)
لِلْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ لِاخْتِصَاصِ الْمَانِعِ بِغَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين قَوْلِهِ هذا لِوَالِدَيْ وَلِفُلَانٍ وَعَكْسُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَدِمَ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ قَدِمَ الْآخَرُ فَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ بِالْبُطْلَانِ لِلْأَجْنَبِيِّ من جِهَةِ الْعَطْفِ على الْبَاطِلِ كما لو قال نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ طَالِقٌ انْتَهَى وَقَوْلُهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَأَنْتِ يا زَوْجَتِي وهو الْوَجْهُ
فَرْعٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَعَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا كما لو شَهِدَ أَحَدُ الْمُتَآجِرَيْنِ لِلْآخَرِ أو عليه لَا شَهَادَتُهُ أَيْ الزَّوْجِ بِزِنَاهَا أَيْ بِزِنَا زَوْجَتِهِ وَلَوْ مع ثَلَاثَةٍ فَلَا تُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عليها بِذَلِكَ تَدُلُّ على كَمَالِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى خِيَانَةٍ في حَقِّهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ فَصْلٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على عَدُوٍّ له وَإِنْ قُبِلَتْ له لِلتُّهْمَةِ وَلِخَبَرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَدُوٍّ حَقُودٍ على أَخِيهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وابن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَدُوُّ الْمَرْءِ من يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ وَيَحْزَنُ بِمَسَرَّتِهِ وَذَلِكَ قد يَكُونُ من الْجَانِبَيْنِ وقد يَكُونُ من أَحَدِهِمَا فَيَخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ على الْآخَرِ وَإِنْ أَفْضَتْ الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَالْمُرَادُ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَإِنْ عَادَى من سَيَشْهَدُ عليه وَبَالَغَ في خِصَامِهِ ولم يُجِبْهُ ثُمَّ شَهِدَ عليه لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذلك ذَرِيعَةً إلَى رَدِّهَا وَهَذَا في غَيْرِ الْقَذْفِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على قَاذِفِهِ وَلَوْ قبل طَلَبِ الْحَدِّ لِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ كما نَبَّهَ عليه بِقَوْلِهِ وَالنَّصُّ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ لِلْحَدِّ ليس بِشَرْطٍ في عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على من ادَّعَى عليه أَنَّهُ قَطَعَ عليه الطَّرِيقَ وَأَخَذَ مَالَهُ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ نَقْلًا عن النَّصِّ أَنَّ كُلًّا من الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ في الْأُولَى وَمِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه في الثَّانِيَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على الْآخَرِ فَإِنْ قَذَفَهُ الْمَشْهُودُ عليه بَعْدَ الشَّهَادَةِ عليه لم يُؤَثِّرْ في قَبُولِهَا فَيَحْكُمُ بها الْحَاكِمُ فَرْعٌ الْبُغْضُ لِلَّهِ الْمُعَبَّرُ عنه في الْأَصْلِ بِالْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ ليس قَدْحًا في الشَّهَادَةِ فَمَنْ أَبْغَضْته لِفِسْقِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُك عليه كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ على الْكَافِرِ وَالسُّنِّيِّ على الْمُبْتَدِعِ وَجَرْحِ الْعَالِمِ الرَّاوِي الحديث أو نَحْوِهِ كَالْمُفْتِي نَصِيحَةً كَأَنْ قال لَا تَسْمَعُوا الحديث من فُلَانٍ فإنه مُخَلِّطٌ أو لَا تَسْتَفْتُوهُ فإنه لَا يَعْرِفُ الْفَتْوَى لَا يَقْدَحُ في شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ نَصِيحَةٌ لِلنَّاسِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ من الْعَدُوِّ لِلْعَدُوِّ إذَا لم يَكُنْ بَعْضَهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَالْفَضْلُ ما شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ
فَرْعٌ حُبُّ الرَّجُلِ لِقَوْمِهِ ليس عَصَبِيَّةً حتى تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لهم بَلْ تُقْبَلُ مع أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ وَهِيَ أَنْ يُبْغِضَ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ من بَنِي فُلَانٍ لَا تَقْتَضِي الرَّدَّ بِمُجَرَّدِهَا وَإِنَّمَا تَقْتَضِيهِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهَا دُعَاءُ الناس وَتَأَلُّفُهُمْ لِلْإِضْرَارِ بِهِ وَالْوَقِيعَةِ فيه كما يُؤْخَذُ من قَوْلِهِ فَإِنْ أَلَّبَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ جَمَعَ جَمَاعَةً على
____________________
(4/352)
أَعْدَائِهِمْ أَيْ قَوْمِهِ وَوَقَعَ مَعَهَا فِيهِمْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عليهم وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِلصَّدِيقِ وَالْأَخِ وَسَائِرِ الْحَوَاشِي وَإِنْ كَانُوا يَصِلُونَهُ وَيَبَرُّونَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّ الصَّدَاقَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْعَدَاوَةِ فَعُوقِبَ الْعَدُوُّ على عَدَاوَتِهِ فَرْعٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمُنْكِرِي صِفَاتِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ يوم الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ في ذلك لِمَا قام عِنْدَهُمْ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ وَهُمْ أَصْحَابُ أبي الْخَطَّابِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ كان يقول بِأُلُوهِيَّةِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ ثُمَّ ادَّعَى الْأُلُوهِيَّة لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِمِثْلِهِمْ وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا لِتَجْوِيزِهِمْ الشَّهَادَةَ لِمَنْ صَدَّقُوهُ في دَعْوَاهُ أَيْ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ جَوَازَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمْ لِصَاحِبِهِ إذَا سَمِعَهُ يقول لي على فُلَانٍ كَذَا فَيُصَدِّقُهُ بِيَمِينٍ أو غَيْرِهَا وَيَشْهَدُ له اعْتِمَادًا على أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ إذْ الْكَذِبُ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ وإلا مُنْكِرِي الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْدُومِ وَالْجُزْئِيَّاتِ وَمُنْكَرِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِمْ ما عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً لَا من قال بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أو نَفْيِ الرُّؤْيَةِ وما وَرَدَ من كُفْرِهِمْ مُؤَوَّلٌ بِكُفْرَانِ النِّعْمَةِ لَا الْخُرُوجِ عن الْمِلَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لم يُلْحِقُوهُمْ بِالْكُفَّارِ في الْإِرْثِ وَالْأَنْكِحَةِ وَوُجُوبِ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَوْ قال الْخَطَّابِيُّ في شَهَادَتِهِ رَأَيْت أو سَمِعْت قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُعَايَنَةِ النَّافِيَةِ لِاحْتِمَالِ اعْتِمَادِهِ على إخْبَارِ الْمَشْهُودِ له وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ من يَسُبُّ الصَّحَابَةَ وَالسَّلَفَ لِأَنَّهُ يَقُولُهُ اعْتِقَادًا لَا عَدَاوَةً وَعِنَادًا فَلَا نُكَفِّرُ مُتَأَوِّلًا بِمَالِهِ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ نعم قَاذِفُ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها كَافِرٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى في أنها مُحْصَنَةٌ قال اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْآيَةَ وَقَذْفُ سَائِرِ الْمُحْصَنَاتِ يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَقَذْفُهَا أَوْلَى فَصْلٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ الذي لَا يَضْبِطُ أَصْلًا أو غَالِبًا إذْ لَا يَوْثُقُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ فَسَّرَ شَهَادَتَهُ وَبَيَّنَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَمَكَانَهُ قُبِلَتْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ وَكَثِيرُ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَضُرُّ قَلِيلُ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ إذْ لَا يَسْلَمُ منه أَحَدٌ فَصْلٌ وَإِنْ شَهِدَ فَاسِقٌ وَلَوْ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ أو عَدُوٌّ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ وَأَعَادَهَا لم تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ بِدَفْعِ عَارِ رَدِّ شَهَادَتِهِ الْأُولَى عنه نعم إنْ لم يُصْغِ الْقَاضِي إلَى شَهَادَةِ الْمُعْلِنِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ الْمُعَادَةُ بِنَاءً على الْأَصَحِّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ من أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصْغِي إلَيْهَا كما لَا يُصْغِي إلَى شَهَادَةِ
____________________
(4/353)
الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فما أتى بِهِ أَوَّلًا ليس بِشَهَادَةٍ في الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْمُعْلِنِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إذَا شَهِدُوا شَهَادَةً ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ الْكَمَالِ قُبِلَتْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ الْأُولَى لم تَكُنْ في الْحَقِيقَةِ شَهَادَةً حتى تُوصَفَ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَيَّرُونَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ فَلَا يُتَّهَمُونَ لِأَنَّ نَقْصَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ ليس إلَيْهِمَا وَالْكَافِرُ لَا يَعْتَقِدُ كُفْرَهُ نَقْصًا بَلْ يَفْتَخِرُ بِهِ وَلَا يُبَالِي بِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَالْعَدُوِّ وَخَرَجَ بِالْكَافِرِ الْمُعْلِنِ الْمُسِرُّ بِكُفْرِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الْمُعَادَةُ بَعْدَ إسْلَامِهِ لِلتُّهْمَةِ وَلَوْ شَهِدَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ أو مَأْذُونِهِ بِمَالٍ أو غَيْرِهِ أو لِمُوَرِّثِهِ بِجِرَاحَةٍ قبل انْدِمَالٍ لها فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالِانْدِمَالِ لم تُقْبَلْ
كما لو شَهِدَ شَفِيعَانِ بِعَفْوِ الشَّفِيعِ الثَّالِثِ قبل عَفْوِهِمَا فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ أَعَادَاهَا بَعْدَ عَفْوِهِمَا وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ الشَّاهِدِ على شَهَادَةِ أَصْلٍ لِفِسْقِ الْأَصْلِ فَتَابَ الْأَصْلُ ثُمَّ أَعَادَهَا بِنَفْسِهِ أو بِغَيْرِهِ لم تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِفِسْقِهِ لم يُؤَثِّرْ في شَهَادَةِ الْأَصْلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُعَادَةِ مِمَّنْ شُهِدَ بِهِ خَرَسٌ ثُمَّ زَالَ انْتَهَى وَمِثْلُهَا الْمُعَادَةُ مِمَّنْ شُهِدَ بِهِ عَمًى ثُمَّ زَالَ فَصْلٌ وَلَوْ شَهِدَ في غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ قبل الدَّعْوَى وَكَذَا بَعْدَهَا لَكِنْ قبل الِاسْتِشْهَادِ بِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَتِهِ بِالْحِرْصِ عليها وفي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ في مَعْرِضِ الذَّمِّ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الذي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَنْ يُسْأَلَهَا فَمَحْمُولٌ على ما يَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ وهو شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجْرُوحًا في شَهَادَاتِهِ بَلْ في شَهَادَتِهِ بها أَيْ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَقَطْ أَيْ لَا في غَيْرِهَا وَلَا فيها إذَا اُسْتُشْهِدَ في مَجْلِسٍ آخَرَ بَلْ أو في مَجْلِسِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَالْأَنْوَارِ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ أَعَادَهَا بِالِاسْتِشْهَادِ قُبِلَتْ فَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ لَا في مَجْلِسٍ آخَرَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ فَرْعٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ من اخْتَبَأَ في زَاوِيَةٍ لِيَسْتَمِعَ ما يُشْهَدُ بِهِ وَلَا يُحْمَلُ على الْحِرْصِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قد تَدْعُوَا إلَيْهِ كَأَنْ يُقِرَّ من عليه الْحَقُّ إذَا خَلَا بِهِ الْمُسْتَحِقُّ وَيَجْحَدُ إذَا حَضَرَ غَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يُخْبِرَ الْخَصْمَ بِأَنَّهُ اخْتَبَأَ وَشَهِدَ عليه لِئَلَّا يُبَادِرَ إلَى تَكْذِيبِهِ إذَا شَهِدَ فَيُعَزِّرُهُ الْقَاضِي وَإِنْ قَالَا أَيْ اثْنَانِ لِثَالِثٍ حَاسِبِ بَيْنَنَا لِنَتَصَادَقَ وَلَا تَشْهَدْ عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي فَفَعَلَ لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا جَرَى وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ في حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَصْلُ في قَبُولِهَا خَبَرُ مُسْلِمٍ السَّابِقُ كَالْحُدُودِ وَالْمُسْتَحَبُّ سَتْرُهَا أَيْ سَتْرُ مُوجِبَاتِهَا على ما مَرَّ في الزِّنَا وَكَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهِمَا
وَكَذَا تُقْبَلُ فِيمَا لِلَّهِ فيه حَقٌّ مُؤَكَّدٌ وهو ما لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْآدَمِيِّ كَالطَّلَاقِ رَجْعِيًّا كان أو بَائِنًا لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِتَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ لَا في مَالِ الْخُلْعِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ فِرَاقِهِ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ في فِرَاقِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عن الْمَالِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ قال فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَكَالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ لَا في عَقْدَيْ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَفَارَقَهُمَا الِاسْتِيلَادُ بِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِهِمَا ولا في شِرَاءِ الْقَرِيبِ الذي يُعْتَقُ بِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعِتْقَ لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ على الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ تَبَعٌ وَلَيْسَ كَالْخُلْعِ لِأَنَّ الْمَالَ فيه تَابِعٌ وفي الشِّرَاءِ مَقْصُودٌ فَإِثْبَاتُهُ دُونَ
____________________
(4/354)
الْمَالِ مُحَالٌ لَا شَهَادَتُهَا بِالْعِتْقِ الْحَاصِلِ بها أَيْ بِالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ أَيْ بِكُلٍّ منها فَتُقْبَلُ وَذِكْرُ هذا في الثَّالِثَةِ من زِيَادَتِهِ وَتُقْبَلُ في الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ لِمَا في قَبُولِهَا فيه من سَلَامَةِ النَّفْسِ وفي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ إذَا عَمَّتْ جِهَتُهُمَا وَلَوْ أُخِّرَتْ الْجِهَةُ الْعَامَّةُ فَيَدْخُلُ نَحْوُ ما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ من أَنَّهُ لو وَقَفَ دَارًا على أَوْلَادِهِ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ فَاسْتَوْلَى عليها وَرَثَتُهُ وَتَمَلَّكُوهَا فَشَهِدَ شَاهِدَانِ حِسْبَةً قبل انْقِرَاضِ أَوْلَادِهِ بِوَقْفِيَّتِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ آخِرَهُ وَقْفٌ على الْفُقَرَاءِ لَا إنْ خُصَّتْ جِهَتُهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِهِمَا بِحُظُوظٍ خَاصَّةٍ
وتقبل في الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَقَائِهَا وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهِمَا وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَهَذَانِ مُكَرَّرَانِ لِدُخُولِهِمَا في الْحُدُودِ وَالْإِحْصَانِ وَالتَّعْدِيلِ لَا في حَقِّ الْآدَمِيِّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْبُيُوعِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ إذَا لم يَعْلَمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِهِ أَعْلَمَهُ الشَّاهِدُ بِهِ لِيَسْتَشْهِدَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْحِسْبَةِ فِيمَا تُقْبَلُ فيه شَهَادَتُهَا اكْتِفَاءً بِشَهَادَتِهَا وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي في الْمَشْهُودِ بِهِ وَمَنْ له الْحَقُّ لم يَأْذَنْ في الطَّلَبِ وَالْإِثْبَاتِ بَلْ أُمِرَ فيه بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ ما أَمْكَنَ وَقِيلَ تُسْمَعُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قد لَا تُسَاعِدُ وَيُرَادُ اسْتِخْرَاجُ الْحَقِّ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عليه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ ما رَجَّحَهُ نَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَقَضِيَّةُ ما مَرَّ في السَّرِقَةِ وَآخِرِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَيَجِبُ حَمْلُهُ على غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَيَأْتِي في الدَّعَاوَى عَدَمُ سَمَاعِهَا فيها لَكِنْ مَحِلُّهُ كما قال ابن الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ إذَا لم يَتَعَلَّقْ بها حَقُّ آدَمِيٍّ فَتُسْمَعُ في السَّرِقَةِ إذَا لم يَبْرَأْ السَّارِقُ من الْمَالِ بِرَدٍّ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ لِتَمَحُّضِ الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا فَالْمُعْتَمَدُ سَمَاعُهَا إلَّا في مَحْضِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهَا أَيْ الْحِسْبَةِ حتى تَقُولَ شُهُودُهَا ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي نَشْهَدُ بِكَذَا على فُلَانٍ فَأَحْضِرْهُ لِنَشْهَدَ عليه فَإِنْ قالوا ابْتِدَاءً فُلَانٌ زَنَى فَهُمْ قَذَفَةٌ
نعم إنْ وَصَلُوا شَهَادَتَهُمْ بِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَبِسُوا بِقَذْفَةٍ لَكِنْ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ انْتَهَى وَإِنَّمَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَإِنْ شَهِدُوا بِحُرِّيَّةٍ لِشَخْصٍ قالوا وَفُلَانٌ يَسْتَرِقُّهُ أو شَهِدُوا بِرَضَاعٍ مُحَرِّمٍ لِامْرَأَةٍ على رَجُلٍ قالوا وَفُلَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَ هَا أو نَكَحَ هَا قال في الْأَصْلِ نَقْلًا عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِطَلَاقٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ جاء
____________________
(4/355)
آخَرَانِ يَشْهَدَانِ بِإِخْوَةٍ بين الْمُتَنَاكِحَيْنِ لم تُقْبَلْ هذه الشَّهَادَةُ إذْ لَا فَائِدَةَ لها في الْحَالِ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهِمَا قد يَتَنَاكَحَانِ بَعْدُ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا لم يَقُولَا وَالْمُطَلِّقُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ ذلك لِفَهْمِهِ مع الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ من كَلَامِهِ السَّابِقِ وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِعِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فَلَوْ جاء عَبْدَانِ لِلْقَاضِي فَقَالَا إنَّ سَيِّدَنَا أَعْتَقَ أَحَدَنَا وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ سُمِعَتْ وَإِنْ كانت الدَّعْوَى فَاسِدَةً لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ على الْعِتْقِ مُسْتَغْنِيَةٌ عن تَقَدُّمِ الدَّعْوَى فَصْلٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ وَلَوْ عُقِلَتْ إشَارَتُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ في الشَّهَادَةِ وَنَحْنُ في غَنِيَّةٍ عن شَهَادَتِهِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَيَكُونُ قَاضِيًا لَا إمَامًا تُعْقَدُ له الْإِمَامَةُ لِأَنَّ النَّسَبَ شَرْطٌ في الْإِمَامَةِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ بِالشَّوْكَةِ وَقَوْلُهُ لَا إمَامًا تُعْقَدُ له من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ هُنَا وتقبل شَهَادَةُ مَحْدُودٍ تَابَ عَمَّا حُدَّ بِهِ فَصْلٌ التَّوْبَةُ تَنْقَسِمُ إلَى تَوْبَةٍ بين الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ التي يَسْقُطُ بها الْإِثْمُ وَإِلَى تَوْبَةٍ في الظَّاهِرِ وَهِيَ التي يَتَعَلَّقُ بها عَوْدُ الشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ فَالتَّوْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْإِثْمِ أَنْ يَنْدَمَ على ما فَعَلَ من حَيْثُ إنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَيَتْرُكُهُ في الْحَالِ وَيَعْزِمُ على أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ وَأَنْ لَا يُغَرْغِرَ وَأَنْ يَخْرُجَ عن الْمَظَالِمِ وَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عليه إنْ كانت وَذَلِكَ بِأَنْ يَرُدَّهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا إنْ بَقِيَتْ وَيَغْرَمُ بَدَلَهَا إنْ تَلِفَتْ أو يَسْتَحِلُّ من الْمُسْتَحِقِّ لها أو من وَارِثِهِ فَيُبْرِئُهُ قال اللَّهُ تَعَالَى فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ أَيْ نَدِمُوا ولم يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا أَيْ عَزَمُوا أَنْ لَا يَعُودُوا على ما فَسَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم من كانت لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ في عِرْضٍ أو مَالٍ فَلْيَسْتَحْلِلْهُ الْيَوْمَ قبل أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ فَإِنْ كان له عَمَلٌ يُؤْخَذُ منه بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ من سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أو من وَارِثِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ في الْمُسْتَحِقِّ وَعَطْفُ الزَّكَاةِ على الْمَظَالِمِ من عَطْفِ الْخَاصِّ على الْعَامِّ وأن يُعْلِمَهُ بها إنْ لم يَعْلَمْ فَإِنْ لم يَكُنْ مُسْتَحِقٌّ أو انْقَطَعَ خَبَرُهُ سَلَّمَهَا إلَى قَاضٍ أَمِينٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بها على الْفُقَرَاءِ وَنَوَى الْغُرْمَ له إنْ وَجَدَهُ أو يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْكِهَا من زِيَادَتِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بها بَلْ هو مُخَيَّرٌ بين وُجُوهِ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يُقَالُ إذَا لم يَكُنْ لِلْقَاضِي الْأَمِينِ صَرْفُ ذلك في الْمَصَالِحِ إذَا لم يَكُنْ مَأْذُونًا له في التَّصَرُّفِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذلك لِغَيْرِهِ من الْآحَادِ
وَالْمُعْسِرُ يَنْوِي الْغُرْمَ إذَا قَدَرَ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّكَسُّبُ لِإِيفَاءِ ما عليه إنْ عَصَى بِهِ لِتَصِحَّ تَوْبَتُهُ فإن مَاتَ مُعْسِرًا طُولِبَ في الْآخِرَةِ إنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ كما يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ فيها إذْ لَا مَعْصِيَةَ منه وَالرَّجَاءُ في اللَّهِ تَعْوِيضُ الْخَصْمِ وَتُبَاحُ الِاسْتِدَانَةُ لِلْحَاجَةِ لَا في سَيْفٍ وَلَا غَيْرِهِ من سَائِرِ الْمَعَاصِي إذَا رَجَا الْوَفَاءَ من جِهَةٍ أو سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَمَنْ ارْتَكَبَ ما يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى كَأَنْ زَنَى أو شَرِبَ فَالْأَفْضَلُ له إنْ لم يَثْبُتْ عليه أَنْ يَسْتُرَ على نَفْسِهِ لِخَبَرِ من أتى من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا
السَّابِقِ في بَابِ الزِّنَا فَإِنْ ثَبَتَ عليه فَاتَ السِّتْرُ وَأَتَى حِينَئِذٍ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ الْإِمَامَ لِيُقَامَ عليه الْحَدُّ لم يُعَبِّرْ الْأَصْلُ بِالثُّبُوتِ بَلْ بِالظُّهُورِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الشَّهَادَةُ قال وَأَلْحَقَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ ما إذَا اشْتَهَرَ بين الناس وَإِنْ كان مُوجَبُ ما ارْتَكَبَهُ
____________________
(4/356)
قِصَاصًا أو قَذْفًا أَيْ عُقُوبَتَهُ أَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ له بِهِ وَمَكَّنَهُ من الِاسْتِيفَاءِ فَيَأْتِي إلَيْهِ فيقول أنا الذي قَتَلْت أو قَذَفْت وَلَزِمَنِي مُوجِبُهُمَا فَإِنْ شِئْت فَاسْتَوْفِ وَإِنْ شِئْت فَاعْفُ لِمَا في حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ من التَّضْيِيقِ
وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى من الْغَيْبَةِ إنْ لم يَعْلَمْ صَاحِبَهَا بها فَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُهَا بها اسْتَحَلَّ منه لَا من وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِحْلَالُهُ لِمَوْتِهِ أو تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الْبَعِيدَةِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى من الْحَسَدِ وهو أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ غَيْرِهِ وَيُسَرُّ بِبَلِيَّتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْحَسَدُ كَالْغَيْبَةِ وَهِيَ أَفْيَدُ وَلَا يُخْبِرُ صَاحِبَهُ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ إخْبَارُ الْمَحْسُودِ قال في الرَّوْضَةِ بَلْ لَا يُسَنُّ وَلَوْ قِيلَ يُكْرَهُ لم يَبْعُدْ وفي الِاسْتِحْلَالِ من الْغَيْبَةِ الْمَجْهُولَةِ كَلَامٌ تَقَدَّمَ في الضَّمَانِ فَصْلٌ من مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ أو مَظَالِمُ على شَخْصٍ ولم تَصِلْ إلَى الْوَرَثَةِ وَمَاتَ الْمَدِينُ طَالَبَ بها مُسْتَحِقُّهَا الْأَوَّلُ في الْآخِرَةِ لَا آخِرُ وَارِثٍ من وَرَثَتِهِ أو وَرَثَةِ وَرَثَتِهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْوَارِثِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَيْهِ قال الْقَاضِي أو أَبْرَأَهُ الْوَارِثُ خَرَجَ عن مَظْلِمَةِ غَيْرِ الْمَطْلِ بِخِلَافِ مَظْلَمَةٌ الْمَطْلِ فَصْلٌ في التَّوْبَةِ في الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا تَعُودُ عَدَالَةُ التَّائِبِ عن الْفِسْقِ النَّاشِئِ عن الْمَعْصِيَةِ التي لَا تَقْتَضِي الْكُفْرَ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ بِمُدَّةٍ يَغْلِبُ على الظَّنِّ فيها أَنَّهُ قد صَلُحَ عَمَلًا وَسَرِيرَةً لَا بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ منه إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ له في الْإِظْهَارِ غَائِلَةٌ وَغَرَضٌ فَاسِدٌ فَاعْتُبِرَتْ مُدَّةٌ لِذَلِكَ وَهِيَ سَنَةٌ لِأَنَّ لِمُضِيِّهَا الْمُشْتَمِلِ على الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ أَثَرًا بَيِّنًا في تَهْيِيجِ النُّفُوسِ لِمَا تَشْتَهِيهِ فإذا مَضَتْ على السَّلَامَةِ أَشْعَرَ ذلك بِحُسْنِ السَّرِيرَةِ وَمَحِلُّهُ في ظَاهِرِ الْفِسْقِ فَلَوْ كان يُخْفِيهِ وَأَقَرَّ بِهِ لِيُقَامَ عليه الْحَدُّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَقِبَ تَوْبَتِهِ لِأَنَّهُ لم يُظْهِرْ التَّوْبَةَ عَمَّا كان مَسْتُورًا إلَّا عن صَلَاحِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قال وهو ظَاهِرٌ ثُمَّ في كَوْنِ السَّنَةِ تَحْدِيدِيَّةً أو تَقْرِيبِيَّةً وَجْهَانِ في الْحَاوِي وَالْبَحْرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالْأَوَّلِ وَيُشْتَرَطُ في التَّوْبَةِ من الْمَعْصِيَةِ الْقَوْلِيَّةِ الْقَوْلُ كما أَنَّ التَّوْبَةَ من الرِّدَّةِ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ
فيقول في تَوْبَتِهِ من الْقَذْفِ قَذْفِي بَاطِلٌ وأنا نَادِمٌ على ما فَعَلْت وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ أو يقول ما كُنْت
____________________
(4/357)
مُحِقًّا في قَذْفِي وقد ثَبَتَ منه أو نحو ذلك لِيَنْدَفِعَ عَارُ الْقَذْفِ وَتَبِعَ في عَطْفِهِ لَا أَعُودُ بِالْوَاوِ الْأَصْلَ كَالْجُمْهُورِ وَلَكِنْ عَبَّرَ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ بِأَوْ وَلَا يَشْتَرِطُهُ فيها أَنْ يَقُولَ كَذَبْت فِيمَا قَذَفْته بِهِ فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْكَذِبِ وَأَمَّا خَبَرُ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَغَرِيبٌ وَبِتَقْدِيرِ شُهْرَتِهِ فَمَحْمُولٌ على الرُّجُوعِ وَالْإِقْرَارِ بِبُطْلَانِ ما صَدَرَ منه فإنه نَوْعُ إكْذَابٍ سَوَاءٌ كان الْقَذْفُ بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنْ لم يَكْمُلْ عَدَدُ الشُّهُودِ أو بِالسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ ولكن لو كان قَذْفُهُ في شَهَادَةٍ لم تَكْمُلْ عَدَدًا فَلْيَتُبْ أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ مُضِيُّ الْمُدَّةِ إذَا كان عَدْلًا قبل الْقَذْفِ وَإِنْ كان قَذَفَهُ بِالسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ اُشْتُرِطَ مُضِيُّهَا لِأَنَّ ذلك فِسْقٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بِخِلَافِ الْفِسْقِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ من شَهِدَ بِالزِّنَا وَإِنْ لم يَتُبْ وَتَخْصِيصُهُ وُجُوبَ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْقَذْفِ بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ قال وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ في الْإِحْيَاءِ يُشِيرُ إلَيْهِ قال في الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّوْبَةِ بِالْقَوْلِ في الْقَذْفِ مُشْكِلٌ وَإِلْحَاقُهُ بِالرِّدَّةِ ضَعِيفٌ فإن اشْتِرَاطَ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ مُطَّرِدٌ في الرِّدَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ في الْقَاذُورَاتِ زَادَ الرَّافِعِيُّ وَبِالْجُمْلَةِ فلم يَشْتَرِطْ في الْقَوْلِ أَنْ يَقُولَ ما كُنْت مُحِقًّا في قَوْلِ كَذَا ولم يَشْتَرِطْ في الْفِعْلِ ما كُنْت مُحِقًّا في فِعْلِ كَذَا
وقد ذَكَرَ ذلك في الْمَطْلَبِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وقد نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ مع زِيَادَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ في التَّوْبَةِ من الرِّدَّةِ مُدَّةٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَعَاصِي بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ أتى بِضِدِّ الْكُفْرِ فلم يَبْقَ بَعْدَ ذلك احْتِمَالٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِمَا إذَا أَسْلَمَ مُرْسِلًا فَإِنْ أَسْلَمَ عِنْدَ تَقْدِيمِ الْقَتْلِ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ فَرْعٌ لو قَذَفَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً على زِنَاهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِإِظْهَارِ صِدْقِهِ بِالْبَيِّنَةِ ولم يَقْدَحْ قَذْفُهُ فيه أَيْ في قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْمَقْذُوفُ أو قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَلَاعَنَ قال الْأَذْرَعِيُّ أو طَلَبَ الْمَقْذُوفُ الْحَدَّ فَطَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَهُ على أَنَّهُ لم يَزْنِ فَنَكَلَ وَلَا يُشْتَرَطُ في رَدِّ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ بَلْ قَذْفُهُ لِعَبْدِهِ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وَيَكْفِي تَحْرِيمُ الْقَذْفِ سَبَبًا لِلرَّدِّ وَشَاهِدُ الزُّورِ يقول في تَوْبَتِهِ من شَهَادَتِهِ كَذَبْت فِيمَا قُلْت وَلَا أَعُودُ إلَى مِثْلِهِ لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا فَلَيْسَ فيه أَمْرُهُ بِالْكَذِبِ وَيَسْتَبْرِئُ مع ذلك سَنَةً كَسَائِرِ الْفَسَقَةِ ثُمَّ إذَا ظَهَرَ صَلَاحُهُ
____________________
(4/358)
يُقْبَلُ في شَهَادَتِهِ في غَيْرِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ في غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَمَنْ غَلِطَ في شَهَادَةٍ لم يُسْتَبْرَأْ أَيْ لم يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهُ بَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ في غَيْرِ وَاقِعَةٍ لِغَلَطٍ وَلَا تُقْبَلُ فيها فَصْلٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ من الْمَعْصِيَةِ على الْفَوْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَتَصِحُّ من ذَنْبٍ دُونَ ذَنْبٍ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ تَوْبَتُهُ وَتَكَرَّرَ منه الْعَوْدُ إلَى الذَّنْبِ وَلَا تَبْطُلُ تَوْبَتُهُ بِهِ بَلْ هو مُطَالَبٌ بِالذَّنْبِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كانت تَوْبَتُهُ من الْقَتْلِ الْمَوْجُودِ لِلْقَوَدِ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قبل تَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ لِيُقْتَصَّ منه وَمَنْعُهُ الْقِصَاصَ حِينَئِذٍ عن مُسْتَحِقِّهِ مَعْصِيَةٌ جَدِيدَةٌ لَا تَقْدَحُ في التَّوْبَةِ بَلْ تَقْتَضِي تَوْبَتَهُ منها وَلَا يَجِبُ عليه تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ كُلَّمَا ذَكَرَ الذَّنْبَ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّ تَرْكَهُ حِينَئِذٍ اسْتِهَانَةٌ بِالذَّنْبِ وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذلك وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَسُقُوطُ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ وسقوطه بِالْإِسْلَامِ مع النَّدَمِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ إسْلَامُ الْكَافِرِ تَوْبَةً من كُفْرِهِ وَإِنَّمَا تَوْبَتُهُ نَدَمُهُ على كُفْرِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إيمَانُهُ بِلَا نَدَمٍ فَتَجِبُ مُقَارَنَةُ الْإِيمَانِ لِلنَّدَمِ على الْكُفْرِ
فَصْلٌ لو حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ فَبَانَا له كَافِرَيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو امْرَأَتَيْنِ أو فَاسِقَيْنِ أو خُنْثَيَيْنِ أو صَبِيَّيْنِ أو نحو ذلك نُقِضَ حُكْمُهُ أَيْ أُظْهِرَ بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ كما لو حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَوُجِدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ وَيَنْقُضُهُ غَيْرُهُ إذَا بَانَ له ذلك قال في الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ قد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في شَهَادَةِ الْعَبِيدِ فَكَيْفَ نَقْضُ الْحُكْمِ في مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ قُلْنَا لِأَنَّ الصُّورَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ لَا يَعْتَقِدُ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْعَبِيدِ وَحَكَمَ بِشَهَادَةِ من ظَنَّهُمَا حُرَّيْنِ فَلَا اعْتِدَادَ بِمِثْلِ هذا الْحُكْمِ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ في الْوِلَايَاتِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا في الشَّهَادَةِ وَإِنْ شَهِدَا ثَمَّ فِسْقًا أو ارْتَدَّ قبل الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا لم يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ ذلك يُوقِعُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى وَيُشْعِرُ بِخُبْثٍ كَأَمْنٍ وَلِأَنَّ الْفِسْقَ يَخْفَى غَالِبًا فَرُبَّمَا كان مَوْجُودًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَإِنْ شَهِدَا ثُمَّ مَاتَا أو جُنَّا أو عَمِيَا أو خَرِسَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ هذه الْأُمُورَ لَا تُوقِعُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى بَلْ يَجُوزُ التَّعْدِيلُ لَهُمَا بَعْدَ حُدُوثِهَا ثُمَّ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ فَسَقَا أو ارْتَدَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَالِ اسْتَوْفَى كما وَرَجَعَا عن شَهَادَتِهِمَا كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْمَالِ الْحُدُودُ فَلَا يُسْتَوْفَى فَرْعٌ فَإِنْ قال الْحَاكِمُ بَعْدَ الْحُكْمِ بَانَ لي أَنَّهُمَا كَانَا فَاسِقَيْنِ ولم تَظْهَرْ بَيِّنَةٌ بِفِسْقِهِمَا نُقِضَ حُكْمُهُ أَيْضًا إنْ جَوَّزْنَا قَضَاءَهُ بِالْعِلْمِ وهو الْأَصَحُّ ولم يُتَّهَمْ فيه وَلَوْ قال أُكْرِهْت على الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا وأنا أَعْلَمُ فِسْقَهُمَا قُبِلَ قَوْلُهُ من غَيْرِ قَرِينَةٍ على الْإِكْرَاهِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَرِينَةِ لَا يُوَافِقُ تَعْبِيرَ أَصْلِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الشَّخْصِ أَنَّهُ أُكْرِهَ إلَّا بِقَرِينَةٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا كان الْإِكْرَاهُ مِمَّا يُسَوِّغُ الْإِقْدَامَ على ذلك الْحُكْمِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعْتَرِفٌ على نَفْسِهِ بِالْخَطَأِ فَلَا يَتَعَدَّى اعْتِرَافُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ إنْ بَانَا وَالِدَيْنِ أو وَلَدَيْنِ لِلشُّهُودِ له أو عَدُوَّيْنِ لِلْمَشْهُودِ عليه وَقَوْلُ الْأَصْلِ بَانَا بِالْبَيِّنَةِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ ليس بِقَيْدٍ فَلِهَذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ قال الْحَاكِمُ كُنْت يوم الْحُكْمِ فَاسِقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كما لو قال الشَّاهِدَانِ كُنَّ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَاسِقَيْنِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ في قَوْلِهِ بَانَ لي فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِصِفَةِ نَفْسِهِ منه بِصِفَةِ غَيْرِهِ فَتَقْصِيرُهُ في حَقِّ نَفْسِهِ أَكْثَرُ
____________________
(4/359)
الْبَابُ الثَّانِي في الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِوَاحِدٍ في هِلَالِ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ لَا غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ في كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالْوَاحِدِ أَيْضًا شَهْرٌ نَذَرَ صَوْمَهُ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ ما فيه ثُمَّ الشَّهَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ في الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ فَلَا يُقْبَلُ فيها إلَّا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وقَوْله تَعَالَى لَوْلَا جَاءُوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وقَوْله تَعَالَى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن سَعْدِ بن عُبَادَةَ أَنَّهُ قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فقال نعم وَلِمَا في ذلك من الْقَبَائِحِ الشَّنِيعَةِ فَغُلِّظَتْ الشَّهَادَةُ فيه لِيَكُونَ أَسْتَرَ وَيَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِهِ أَيْ بِكُلٍّ من الْمَذْكُورَاتِ كَالْقَذْفِ بِرَجُلَيْنِ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ قَوْلٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَقْوَالِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرُوا أَيْ شُهُودُ الزِّنَا الْمَرْأَةَ الزِّنَى بها فَقَدْ يَظُنُّونَ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَمَةِ ابْنِهِ زِنًا وأن يَذْكُرُوا الزِّنَا مُفَسَّرًا
وَيَقُولُونَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَيَقُولُونَ رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ أو قَدْرَ الْحَشَفَةِ منه في فَرْجِ فُلَانَةَ على سَبِيلِ الزِّنَا فَقَدْ يَظُنُّونَ الْمُفَاخَذَةَ زِنًا وفي الْخَبَرِ زِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمْ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ يَكْفِي إطْلَاقُهُمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه الْمَالُ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ كما سَيَأْتِي وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ أو نَحْوَهُ في فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ احْتِيَاطًا قال ابن الرِّفْعَةِ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا ذِكْرَ مَكَانِ الزِّنَا وَزَمَانِهِ وهو ما في التَّنْبِيهِ في الْمَكَانِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَرَأَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بَعْضُ الشُّهُودِ بِذَلِكَ وَجَبَ سُؤَالُ الْبَاقِينَ عنه وَإِلَّا فَلَا وَيَكْفِي الشَّاهِدُ في وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَقُولَ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَيَجُوزُ النَّظَرُ منه إلَى الْفَرْجِ لِلشَّهَادَةِ كما مَرَّ في النِّكَاحِ الضَّرْبُ الثَّانِي فِيمَا لَا يُقْصَدُ منه الْمَالُ فَالْعُقُوبَاتُ التي لِلَّهِ تَعَالَى أو لِلْآدَمِيِّ كَالشُّرْبِ أَيْ كَحَدِّهِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالرِّدَّةِ أَيْ الْقَتْلِ بها وَالْقِصَاصِ في النَّفْسِ وَالطَّرَفِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ لَا بِغَيْرِهِمَا كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالنِّسْوَةِ وَغَيْرُ الْعُقُوبَةِ إنْ اطَّلَعَ عليه الرِّجَالُ غَالِبًا فَكَذَلِكَ أَيْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالْمَوْتِ وَالْخُلْعِ من جَانِبِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ ادَّعَتْهُ على زَوْجِهَا وَالْوَلَاءِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهَرِ وَجَرْحِ الشُّهُودِ
____________________
(4/360)
وَتَعْدِيلِهِمْ وَالْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ وَلَوْ على مَالٍ وَالْإِحْصَانِ وَالْكَفَالَةِ بِالْبَدَنِ وَرُؤْيَةِ غَيْرِ رَمَضَانَ وَالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ إنْ ادَّعَى الرَّقِيقُ شيئا من الثَّلَاثَةِ
وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَالْقِرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنْ كانت الْأَرْبَعَةُ في مَالٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ على الرَّجُلَيْنِ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوِصَايَةِ وَتَقَدَّمَ خَبَرُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرَوَى مَالِكٌ عن الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْحُدُودِ وَلَا في النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَقِيسَ بِالْمَذْكُورَاتِ غَيْرُهَا مِمَّا يُشَارِكُهَا في الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَالْوَكَالَةُ وَنَحْوُهَا وَإِنْ كانت في مَالٍ الْقَصْدُ منها الْوِلَايَةُ وَالسَّلْطَنَةُ لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ ابن الرِّفْعَةِ اخْتِلَافَهُمْ في الشَّهَادَةِ بِالْقِرَاضِ وَالشَّرِكَةِ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّلَ كَلَامُ الْفَرِيقَيْنِ على تَفْصِيلٍ فَيُقَالُ إنْ رَامَ مُدَّعِيهَا إثْبَاتَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ أو إثْبَاتَ حِصَّةٍ من الرِّبْحِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إذَا الْمَقْصُودُ الْمَالُ وَيَقْرَبُ منه دَعْوَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ لِإِثْبَاتِ الْمَهْرِ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ النِّكَاحُ وَكَذَا لو ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا أَوْصَى إلَى عُمَرَ وَبِإِعْلَائِهِ كَذَا فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ دُونَ الْوِصَايَةِ انْتَهَى وَإِنَّمَا لم يَكْتَفِ في مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ على مَالٍ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدٍ وَيَمِينٍ مع أَنَّ الْمَقْصُودَ منه الْمَالُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ في نَفْسِهَا مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ لو ثَبَتَتْ وَالْمَالُ إنَّمَا هو بَدَلٌ عنه
وَاكْتَفَى في الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ بِرَجُلَيْنِ ولم يَحْتَجْ إلَى أَرْبَعَةٍ كما لو شَهِدَا على مُقِرَّيْنِ بِنَاءً على أَنَّ الْفَرْعَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ الْحَقُّ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ بَلْ يَثْبُتُ بها شَهَادَةُ الْحَقِّ وَالْحَقُّ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يُصَرِّحُ بِالشَّهَادَةِ على شَهَادَتِهِ ولم يَشْهَدْ فِعْلًا وَلَا سمع قَوْلًا فَهُوَ كَمَنْ شَهِدَ بِإِقْرَارِ اثْنَيْنِ وَلَوْ قُلْنَا بِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قام الرَّجُلَانِ إذَا شَهِدَا على شَهَادَةِ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ مَقَامَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَا مَقَامَ الثَّانِي كَمَنْ شَهِدَ مَرَّةً بِشَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ وَسَوَاءٌ في اشْتِرَاطِ الرَّجُلَيْنِ كان الْأَصْلُ رَجُلًا أَمْ رَجُلَيْنِ أَمْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَمْ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِيمَا مَرَّ إنْ ادَّعَى الرَّقِيقُ شيئا من الثَّلَاثَةِ ما لو ادَّعَاهُ السَّيِّدُ على من وَضَعَ يَدَهُ عليه أو الْكِتَابَةَ على الرَّقِيقِ لِأَجَلِ النُّجُومِ فإنه يُقْبَلُ فيها ما يُقْبَلُ في الْمَالِ وما يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا يُقْبَلْنَ فيه مُنْفَرِدَاتٍ وَذَلِكَ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ وَالرَّتْقِ وَالْقَرْنِ وَالْحَيْضِ وَالرَّضَاعِ وَعَيْبِ الْمَرْأَةِ من بَرَصٍ وَغَيْرِهِ كَجِرَاحَةٍ على فَرْجِهَا تَحْتَ الْإِزَارِ حُرَّةً كانت أو أَمَةً
____________________
(4/361)
وَاسْتِهْلَالِ الْوَلَدِ فَلَا يُقْبَلُ فيه إلَّا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أو رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ رَوَى ابن أبي شَيْبَةَ عن الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عليه غَيْرُهُنَّ من وِلَادَةِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ وَقِيسَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّا شَارَكَهُ في الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ وإذا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُنَّ في ذلك مُنْفَرِدَاتٍ فَقَبُولُ الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْلَى
وما تَقَرَّرَ في مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ قَيَّدَهُ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي بِمَا إذَا كان الرَّضَاعُ من الثَّدْيِ فَإِنْ كان من إنَاءٍ حُلِبَ فيه اللَّبَنُ لم تُقْبَلْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِهِ لَكِنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ بِأَنَّ هذا اللَّبَنَ من هذه الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عليه غَالِبًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُقْبَلْنَ فيه مُنْفَرِدَاتٍ يُغْنِي عنه قَوْلُهُ إلَّا أَرْبَعٌ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَثْبُتُ عَيْبٌ بِوَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا إلَّا بِرَجُلَيْنِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى ذلك وَيَثْبُتُ الْعَيْبُ في الْأَمَةِ فِيمَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه الْمَالُ لَكِنْ هذا وما قَبْلَهُ إنَّمَا بِإِتْيَانٍ على الْقَوْلِ بِحِلِّ النَّظَرِ إلَى ذلك أَمَّا على ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ في الْأُولَى وَالنَّوَوِيُّ في الثَّانِيَةِ من تَحْرِيمِ ذلك فَالْأَوْجَهُ قَبُولُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ اخْتِصَاصُ ذلك بِمَا إذَا كان إثْبَاتُ الْعَيْبِ لِفَسْخِ الْبَيْعِ فَإِنْ كان لِفَسْخِ النِّكَاحِ لم يُقْبَلْ الضَّرْبُ الثَّالِثُ الْمَالُ وما الْمَقْصُودُ منه الْمَالُ كَالْأَعْيَانِ وَالدُّيُونِ في الْأَوَّلِ وَالْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِهِ أَيْ بِمَا ذُكِرَ في الثَّانِي يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَثْبُتُ أَيْضًا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا يَثْبُتُ نِسْوَةٌ مُنْفَرِدَاتٌ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِنَّ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَثَّلَ لِلْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ لِكَوْنِهَا مُجْمَلَةً بِقَوْلِهِ كَالْبُيُوعَاتِ وَالْإِقَالَةِ وَالضَّمَانِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْحَوَالَةِ وَالصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْقَرْضِ وَالشُّفْعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ وَالْغَصْبِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَالٍ وَالْمَهْرِ في النِّكَاحِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَالْجِنَايَةِ في الْمَالِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ وَقَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وقتل حُرٍّ عَبْدًا وَمُسْلِمٍ ذِمِّيًّا وَوَالِدٍ وَلَدًا وَالسَّرِقَةِ التي لَا قَطْعَ فيها وَكَذَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ حُقُوقُ الْأَمْوَالِ وَالْعُقُودِ كَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ وَقَبْضِ الْمَالِ وَلَوْ أُخِّرَ نَجْمٌ في الْكِتَابَةِ وَإِنْ تَرَتَّبَ عليه الْعِتْقُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَالُ وَالْعِتْقُ يَحْصُلُ بِالْكِتَابَةِ وَطَاعَةِ الزَّوْجَةِ لِتَسْتَحِقَّ النَّفَقَةِ وَقَتْلِ كَافِرٍ لِسَلْبِهِ وَإِنْ مَاتَ صَيْدٌ لِتَمَلُّكِهِ وَعَجْزِ مُكَاتَبٍ عن النُّجُومِ
وَرُجُوعِ الْمَيِّتِ عن التَّدْبِيرِ بِدَعْوَى وَارِثِهِ وَإِثْبَاتِ السَّيِّدِ أَيْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِأُمِّ الْوَلَدِ التي ادَّعَاهَا على غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ مِلْكُهَا له وَإِيلَادُهَا لَكِنْ في صُورَةِ شَهَادَةٍ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ يَثْبُتُ عِتْقُهَا بِمَوْتِهِ بِإِقْرَارِهِ وَالْعِوَضِ أَصْلًا أو قَدْرًا في الطَّلَاقِ وفي الْعِتْقِ وفي النِّكَاحِ وكذا يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَسْخُ الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ بِخِلَافِ فَسْخِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى فَرْعٌ إذَا شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ لَا الْقَطْعُ كما مَرَّ في بَابِهَا وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقًا أو عِتْقًا بِوِلَادَةٍ فَشَهِدَ بها أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَتْ دُونَهُمَا كما يَثْبُتُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِوَاحِدٍ وَلَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِاسْتِهْلَالِهِ بِشَهَادَةِ ذلك الْوَاحِدِ وَلَوْ ثَبَتَتْ الْوِلَادَةُ بِهِنَّ أو بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ قال إنْ كُنْت وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ أو حُرَّةٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ما قَبْلَهَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَاقِعٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ظَاهِرًا فَنَزَلَ عليه وَإِلَّا فَهُوَ مُرَاغَمَةٌ لِحُكْمِ الْقَاضِي وَقَدْحٌ فيه وَالتَّعْلِيقُ قَبْلَهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَفْسِ الْمُعَلَّقِ بِهِ فإذا شَهِدُوا بِهِ لَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَإِنْ ثَبَتَ
____________________
(4/362)
الْمُعَلَّقُ بِهِ كما لَا يَثْبُتُ قَطْعُ السَّرِقَةِ وَإِنْ ثَبَتَ الْمَالُ قال الرَّافِعِيُّ لَكِنْ تَقْرِيرُ الرُّويَانِيِّ بِأَنَّهُ قد يَتَرَتَّبُ على الْبَيِّنَةِ ما لَا يَثْبُتُ بها كَالنَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ مع الْوِلَادَةِ الثَّابِتَةِ بِالنِّسْوَةِ يَدْفَعُ الْفَرْقَ وَيَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مُطْلَقًا فِيمَا ذُكِرَ
وَيُؤَيِّدُهُ الْفِطْرُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ فِيمَا لو ثَبَتَ الْهِلَالُ بِوَاحِدٍ كما مَرَّ وَرُبَّمَا أَمْكَنَ لَمُّ بَعْضِ الشَّعَثِ بِأَنْ يُقَالَ ما شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إنْ لم يَكُنْ يَثْبُتُ بِهِمْ كَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ فَإِنْ ثَبَتَ مُوجِبُهُ بِهِمْ كَالْمَالِ في السَّرِقَةِ ثَبَتَ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بها بَلْ بِالْمَالِ في سَرِقَةٍ شَهِدُوا بها وَإِلَّا كَالْقِصَاصِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ وَإِنْ كان يَثْبُتُ بِهِمْ فَإِنْ كان الْمُرَتَّبُ عليه شَرْعِيًّا كَالنَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ الْمُرَتَّبَيْنِ على الْوِلَادَةِ ثَبَتَ تَبَعًا لِإِشْعَارِ التَّرَتُّبِ الشَّرْعِيِّ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَتَعَذُّرِ الِانْفِكَاكِ أو تَعَسُّرِهِ وَإِنْ كان وَضْعِيًّا كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُرَتَّبَيْنِ على التَّعْلِيقِ بِرَمَضَانَ فَلَا ضَرُورَةَ في ثُبُوتِ الثَّانِي بِثُبُوتِ الْأَوَّلِ فَإِنْ تَأَخَّرَ التَّعْلِيقُ عن ثُبُوتِهِ أَلْزَمْنَاهُ ما أَثْبَتْنَاهُ فَصْلٌ لو شَهِدَا بِعَيْنِ مَالٍ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي أو رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُعَدَّ له أَيْ يُحَوِّلَهُ حتى يُزَكِّيَ الشَّاهِدَ إنْ أُجِيبَ إلَيْهِ وَإِنْ كانت الْعَيْنُ مِمَّا لَا يَخَافُ تَلَفَهَا وَلَا تَعَيُّبَهَا كَالْعَقَارِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ في الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ وَإِنَّمَا يُتَوَقَّفُ لِلْكَشْفِ عن جَرْحِ الشَّاهِدَيْنِ أو شَهِدَا بِدَيْنٍ لم يُسْتَوْفَ قبل التَّزْكِيَةِ وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْحَجْرَ عليه أَيْ على الْمُدَّعَى عليه قَبْلَهَا أَيْ التَّزْكِيَةِ لم يُجِبْهُ وَإِنْ كان يَتَّهِمُهُ بِحِيلَةٍ لِأَنَّ ضَرَرَ الْحَجْرِ في غَيْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ عَظِيمٌ وَقَضِيَّتُهُ إنَّهُ يُجِيبُهُ إلَى الْحَجْرِ في الْمَشْهُودِ بِهِ وَحْدَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى ما لو كان الْحَقُّ لِصَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ أو مَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ وَلِهَذَا قالوا في الْفَلَسِ إنَّ الْحَاكِمَ يَحْجُرُ لِمَصْلَحَتِهِمْ بِلَا الْتِمَاسٍ أو طَلَبَ حَبْسَهُ أُجِيبَ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أتى بِمَا عليه وَالْبَحْثُ بَعْدَ ذلك من وَظِيفَةِ الْقَاضِي
وَظَاهِرُ الْحَالِ الْعَدَالَةُ وَيُحْبَسُ قَبْلَهَا أَيْ التَّزْكِيَةِ لِلْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ فَيُحْتَاطُ له سَوَاءٌ قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَمْ أَجْنَبِيًّا لَا لِأَجْلِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لِبِنَائِهَا على الْمُسَامَحَةِ وفي دَعْوَى النِّكَاحِ تُعَدَّلُ أَيْ تُحَوَّلُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَتُمْنَعُ الْخُرُوجَ وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ منها قبل التَّزْكِيَةِ وفي نُسْخَةٍ قبل التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ ليس مُدَّعًى عليه وَلَيْسَ الْبُضْعُ في يَدِهِ وَلَا مَعْنَى لِلْحَجْرِ عليه قبل التَّزْكِيَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْأَمَةِ بِالْحُرِّيَّةِ حِيلَ بين السَّيِّدِ وَبَيْنَهَا قبل التَّزْكِيَةِ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ مع كَوْنِ السَّيِّدِ مُدَّعًى عليه وَكَذَا الْعَبْدُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إنْ طَلَبَ ذلك أو رَآهُ الْقَاضِي وَيُؤَجِّرُ الْقَاضِي الرَّقِيقَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا أَيْ السَّيِّدِ وَالرَّقِيقِ وَيُنْفَقُ عليه من الْأُجْرَةِ وما فَضَلَ عن نَفَقَتِهِ وُقِفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ مُكْتَسِبًا أُنْفِقَ عليه من بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ رِقُّهُ لِتَبَيُّنِ جَرْحِ الشُّهُودِ رَجَعَ بِهِ أَيْ بِمَا أَنْفَقَ عليه من بَيْتِ الْمَالِ على السَّيِّدِ وَتُؤَجَّرُ الْأَعْيَانُ الْمَنْزُوعَةُ أَيْضًا من يَدِ الْمُدَّعَى عليه قبل التَّزْكِيَةِ وَلَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ شَاهِدَيْنِ بِطَلَاقٍ لها من زَوْجِهَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا قبل التَّزْكِيَةِ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ
وَلَا يُحَالُ بين الْمُدَّعَى بِهِ وَالْمُدَّعَى عليه وَلَا يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عليه بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ وَحْدَهُ ليس بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ وَلَيْسَتْ التَّزْكِيَةُ جُزْءًا من الْحُجَّةِ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بها قِيَامُ الْحُجَّةِ وَأَمَّا الْوَاحِدُ مع الْيَمِينِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ وَتَبْقَى الْحَيْلُولَةُ وَالْحَبْسُ قبل التَّعْدِيلِ إلَى ظُهُورِ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي بِالتَّعْدِيلِ أو الْجَرْحِ وَلَا يُقَدِّرُ لَهُمَا مُدَّةً
فَرْعٌ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ في الْمَنْزُوعِ من يَدِ الْمُدَّعَى عليه قبل التَّزْكِيَةِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَيْ الْمَنْزُوعِ أَحَدُهُمَا لِآخَرَ أو أَوْصَى بِهِ له أو أَعْتَقَهُ أو دَبَّرَهُ وَبَانَ أَنَّهُ له نَفَذَ منه ذلك إنْ لم يَحْجُرْ عليه الْقَاضِي بِالْقَوْلِ في الْمَشْهُودِ بِهِ بِخِلَافِ ما إذَا حَجَرَ عليه وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْنِ نَقَلَهُمَا الْأَصْلُ عن أبي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ قَبْلَهُ عن الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ ما يَسْتَقِرُّ عليه الْأَمْرُ آخِرًا أَمَّا قبل الِانْتِزَاعِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُدَّعِي وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُدَّعَى عليه فَرْعٌ الْغُلَّةُ الْحَادِثَةُ بين شَهَادَتِهِمَا أَيْ الشَّاهِدَيْنِ وَالتَّعْدِيلِ تَكُونُ لِلْمُدَّعِي وَكَذَا ما أَيْ الْغَلَّةُ الْحَادِثَةُ بين شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَكُونُ لِلْمُدَّعِي إنْ أَرَّخَ الثَّانِي ما شَهِدَ بِهِ بِيَوْمِ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ أو بِمَا قَبْلَهُ فَإِنْ اسْتَخْدَمَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْمُدَّعِي لِلْعِتْقِ بين شَهَادَتِهِمَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ له إنْ عَدْلًا
____________________
(4/363)
الْبَابُ الثَّالِثُ في مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ وَحُكْمِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْأَبْصَارِ وَمَبْنَى الشَّهَادَةِ على الْيَقِينِ قال تَعَالَى وَلَا تَقْفُ ما ليس لَك بِهِ عِلْمٌ وقال تَعَالَى إلَّا من شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال على مِثْلِ هذا فَاشْهَدْ أو دَعْ وقد يَتَعَذَّرُ الْيَقِينُ في مَوَاضِعَ فَيَكْفِي الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ كما سَيَأْتِي وقد قَسَّمُوا الْمَشْهُودَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما يَكْفِي فيه السَّمَاعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِبْصَارُ وَمَحِلُّ بَيَانِهِ الطَّرَفُ الثَّانِي ثَانِيهِمَا ما يَكْفِي فيه الْإِبْصَارُ فَقَطْ وهو الْأَفْعَالُ وما في مَعْنَاهَا كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْإِحْيَاءِ وكون الْيَدِ على الْمَالِ فَيُشْتَرَطُ فيها الرُّؤْيَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بها وَبِفَاعِلِهَا وَلَا يَكْفِي فيها السَّمَاعُ من الْغَيْرِ لَكِنَّهُ مُعْتَرَضٌ في كَوْنِ الْيَدِ على الْمَالِ إذْ يَكْفِي فيه الِاسْتِفَاضَةُ كما سَيَأْتِي وقد نَقَلَ الْأَصْلُ ثَمَّ الِاكْتِفَاءُ بها وَأَبْدَى ما جَزَمَ بِهِ هُنَا بَحْثًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالِاكْتِفَاءُ بها هو الصَّوَابُ فَقَدْ نَقَلَهُ الْجُورِيُّ عن النَّصِّ وقال إنَّهُ مُتَّفَقٌ عليه وَإِنْ اُخْتُلِفَ في ثُبُوتِ الْمِلْكِ بها وَيَشْهَدُ بها الْأَصَمُّ لِإِبْصَارِهِ
الثَّانِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ الطَّرَفُ الثَّانِي وَلَيْسَ مُرَادًا فإنه مَذْكُورٌ بَعْدُ وَإِنَّمَا هذا ثَالِثُ الْأَقْسَامِ التي ذَكَرْتهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ في الْأَصْلِ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وقد حَذَفَ هو بَعْضَهَا فَحَصَلَ بِهِ خَلَلٌ في تَعْبِيرِهِ الذي لَزِمَ منه ذلك مع ذِكْرِ فَقَطْ في غَيْرِ مَحِلِّهَا كما عَرَفْت فَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَ الْأَقْسَامِ كما ذَكَرَهَا الْأَصْلُ وَبِالْجُمْلَةِ ثَالِثُهَا ما يَحْتَاجُ إلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مَعًا كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْأَقْوَالِ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالْأَقَارِيرِ فَلَا بُدَّ فيها من سَمَاعٍ وَمُشَاهَدَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فيها شَهَادَةُ الْأَصَمِّ الذي لَا يَسْمَعُ شيئا ولا شَهَادَةُ الْأَعْمَى اعْتِمَادًا على الصَّوْتِ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهَا التَّلْبِيسُ مع أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِشَهَادَتِهِ
____________________
(4/364)
لِلِاسْتِغْنَاءِ عنه بِالْبَصِيرِ وَلَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ اعْتِمَادًا على صَوْتِهَا لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَجُوزُ بِالظَّنِّ وَمَبْنَى الشَّهَادَةِ على الْعِلْمِ ما أَمْكَنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على زَوْجَتِهِ اعْتِمَادًا على صَوْتِهَا كَغَيْرِهَا وَإِنْ جَازَ له وَطْؤُهَا بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ وما حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ من أَنَّهُ لو جَلَسَ بِبَابِ بَيْتٍ فيه اثْنَانِ فَقَطْ فَسَمِعَ تَعَاقُدَهُمَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَفَى من غَيْرِ رُؤْيَةٍ زَيَّفَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمُوجِبَ من الْقَابِلِ وَلَوْ وَضَعَ الرَّجُلُ فَمَه على أُذُنِهِ أَيْ الْأَعْمَى فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَيَدُ الْأَعْمَى على رَأْسِهِ مَثَلًا فَضَبَطَهُ أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ إلَى أَنْ أَحْضَرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَشَهِدَ عليه عِنْدَهُ بِمَا سمع منه قُبِلَ لِلْعِلْمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ حِينَئِذٍ
قال الْبُلْقِينِيُّ وقد يَشْهَدُ بِالْفِعْلِ كَالزِّنَا وَالْغَصْبِ بِأَنْ وَضَعَ يَدَهُ على ذَكَرِ آدَمِيٍّ في فَرْجٍ آخَرَ فَتَعَلَّقَ بِهِمَا حتى شَهِدَ بِمَا عَرَفَهُ وَبِأَنْ جَلَسَ على بِسَاطٍ لِغَيْرِهِ فَغَصَبَهُ إنْسَانٌ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَبِالْبِسَاطِ في تِلْكَ الْحَالَةِ حتى شَهِدَ بِمَا عَرَفَهُ وَاعْتَرَضَ ابن الرِّفْعَةِ الْحَصْرَ في الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ بِمَا عَلِمَ بِبَاقِي الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَهِيَ الذَّوْقُ وَاللَّمْسُ كما لو اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ في مَرَارَةِ الْمَبِيعِ أو حُمُوضَتِهِ أو تَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ أو حَرَارَتِهِ أو بُرُودَتِهِ أو نَحْوِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّ فِيمَا اقْتَصَرُوا عليه تَنْبِيهًا على جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِمَا يُدْرَكُ بِالْمَذْكُورَاتِ بِجَامِعِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَبِأَنَّ اعْتِمَادَ الشَّهَادَةِ على ذلك قَلِيلٌ وَهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا ما تَعُمُّ الْحَاجَةُ انْتَهَى قِيلَ وَالشَّهَادَةُ بِالْحَمْلِ وَالْقِيمَةِ خَارِجَةٌ عن ذلك كُلِّهِ وقد يُقَالُ بَلْ هُمَا دَاخِلَانِ في الْإِبْصَارِ إذْ الْمُرَادُ الْإِبْصَارُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا شَهِدَ بِهِ بِحَسْبِهِ وَتُقْبَلُ رِوَايَةُ الْأَعْمَى بِمَا سَمِعَهُ وَلَوْ حَالَ الْعَمَى إذَا حَصَلَ لنا الظَّنُّ الْغَالِبُ بِضَبْطِهِ لِأَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ من بَابِ الشَّهَادَةِ كما مَرَّ وَيَشْهَدُ الْأَعْمَى لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ وَالِاسْمِ على مَعْرُوفِ النَّسَبِ وَالِاسْمِ بِمَا تَحَمَّلَ وفي نُسْخَةٍ بِمَا سمع منه قبل الْعَمَى لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَجْهُولِيهِمَا أو أَحَدِهِمَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْيِينُهُمَا أو تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا نعم لو عَمِيَ وَيَدُهُمَا أو يَدُ الْمُقِرِّ في يَدِهِ فَشَهِدَ عليه في الْأُولَى مُطْلَقًا وفي الثَّانِيَةِ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ وَالِاسْمِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ وَلَوْ تَرْجَمَ الْأَعْمَى كَلَامَ الْخَصْمِ أو الشُّهُودِ لِلْقَاضِي أو بِالْعَكْسِ جَازَ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ لَا تَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ وَلَوْ عَمِيَ قَاضٍ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْدِيلِهَا في وَاقِعَةٍ حَكَمَ في تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَإِنْ صَارَ مَعْزُولًا في غَيْرِهَا إنْ لم يَحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ كما لو تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وهو بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ فَصْلٌ لو رَأْي فِعْلَ إنْسَانٍ أو سَمِعَهُ يقول شيئا شَهِدَ عليه بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ إنْ عَرَفَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ غَائِبًا وَلَوْ بِدَفْنِهِ مَيِّتًا وَبِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ وَإِنْ لم يَعْرِفْ إلَّا اسْمَهُ وَاسْمَ أبيه أَيْ دُونَ اسْمِ جَدِّهِ شَهِدَ بِذَلِكَ ولم تُفِدْ شَهَادَتُهُ بِهِ إلَّا إنْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَمَارَاتٍ يَتَحَقَّقُ بها نَسَبُهُ أَيْ يَتَمَيَّزُ بها عن غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ حِينَئِذٍ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْغَزَالِيِّ ثُمَّ نَقَلَ عن غَيْرِهِ ما يَقْتَضِي أنها لَا تُفِيدُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ على مَجْهُولٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا حَصَلَتْ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لم تَحْصُلْ بِهِ وَلَوْ سمع اثْنَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَ هذا بِالْبَيْعِ لِكَذَا وَأَقَرَّ
____________________
(4/365)
الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ شَهِدَ على إقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ وَلَا يَشْهَدُ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لم يَسْمَعْهَا وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِالْوَكَالَةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَوْ حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ زَعَمَ الْمُوجِبُ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلْمَخْطُوبَةِ أو وَكِيلُ وَلِيِّهَا وَأَنَّهَا أَذِنَتْ له في الْعَقْدِ
ولم يَعْلَمْ الْإِذْنَ وَلَا الْوِلَايَةَ أو الْوَكَالَةَ وَلَا الْمَرْأَةَ أو عَلِمَ بَعْضَ ذلك لم يَشْهَدْ بِالزَّوْجِيَّةِ لَكِنْ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا قال نَكَحَتْ فُلَانَةُ فُلَانًا وَقَبِلَ فُلَانٌ فَإِنْ عَلِمَ جَمِيعَ ذلك شَهِدَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْإِشَارَةِ على من لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَإِنْ مَاتَ أُحْضِرَ لِيُشَاهِدَ صُورَتَهُ وَيَشْهَدَ على عَيْنِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ هذا إنْ كان بِالْبَلَدِ ولم يُخْشَ تَغَيُّرُهُ بِإِحْضَارِهِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ حُضُورُ الشَّاهِدِ إلَيْهِ لَا إنْ دُفِنَ فَلَا يَحْضُرُ إذْ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ نعم إنْ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ولم تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ جَازَ نَبْشُهُ كما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لَكِنْ قال في الْأَصْلِ وَهَذَا احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ قال وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَلَوْ تَحَمَّلَهَا على من لَا يَعْرِفُهُ وقال له اسْمِي وَنَسَبِي كَذَا لم يُعْتَمَدْ ه فَلَوْ اسْتَفَاضَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ بَعْدَ تَحَمُّلِهَا عليه فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ في غَيْبَتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ كما لو عَرَفَهُمَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَإِنْ أخبره عَدْلَانِ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أو بَعْدَهُ بِنَسَبِهِ وَاسْمِهِ لم يَشْهَدْ في غَيْبَتِهِ بِنَاءً على عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ على النَّسَبِ بِالسَّمَاعِ من عَدْلَيْنِ فَرْعٌ لو قال ادَّعَى أَنَّ لي على فُلَانِ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا فَلَا بُدَّ في صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي مع ذلك وهو هذا إنْ كان حَاضِرًا
وَلَا يَكْفِي فيه ادَّعَى أَنَّ لي على فُلَانِ بن فُلَانٍ كَذَا من غَيْرِ رَبْطٍ بِالْحَاضِرِ فَإِنْ أَحْضَرَ رَجُلًا عِنْدَ الْقَاضِي وقال هذا أَقَرَّ لِفُلَانِ بن فُلَانٍ بِكَذَا وأنا هو وقال الْخَصْمُ نعم أَقْرَرْت وَلَكِنْ لِرَجُلٍ آخَرَ شَارَكَك في الِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَثْبَتَ الْمُقِرُّ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْآخَرِ أَيْ بِوُجُودِ الْآخَرِ الْمُشَارِكِ لِلْمُدَّعِي في الِاسْمِ وَالنَّسَبِ ثُمَّ يَسْأَلُ الْآخَرَ فَإِنْ صَدَّقَهُ سَلَّمَ إلَيْهِ ما أَقَرَّ له بِهِ وَحَلَفَ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ له عليه وَإِنْ كَذَّبَهُ سَلَّمَ ذلك لِلْمُدَّعِي وَإِنْ قال أَقْرَرْت لِأَحَدِهِمَا ولا أَعْرِفُهُ مِنْهُمَا سَأَلَ الْآخَرَ فَإِنْ قال لَا شَيْءَ لي عِنْدَهُ أَعْطَى ذلك الْأَوَّلَ كما لو كانت عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فقال هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَدْرِي أنها لِأَيِّكُمَا فقال أَحَدُهُمَا لَيْسَتْ لي فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْآخَرِ وَإِنْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَكَمَا في الْوَدِيعَةِ إذَا قال كُلٌّ من اثْنَيْنِ هِيَ لي فَصْلٌ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ على مُنْتَقِبَةٍ بِالنُّونِ قبل التَّاءِ بِمَا لَا يَحْكِي أَيْ يَصِفُ الرَّائِي من وَرَاءَهُ وَجْهَهَا اعْتِمَادًا على الصَّوْتِ كما في الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ في الظُّلْمَةِ أو من وَرَاءِ حَائِلٍ صَفِيقٍ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ على مُنْتَقِبَةٍ بِمَا يَحْكِي وَجْهَهَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ الْآنَ ضَبَطَهَا الشَّاهِدُ حتى دخل بها لي الْحَاكِمِ أو عَرَفَهَا بِالنَّسَبِ وَالِاسْمِ أو بِالْعَيْنِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عليها وَإِلَّا فَلَا بُدَّ عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عليها أَنْ يَكْشِفَ وَجْهَهَا لِيَرَاهَا وَيَضْبِطَ حِلْيَتَهَا حتى يَعْرِفَهَا إذَا رَآهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لِلشَّهَادَةِ عليها وَلَوْ عَرَّفَهُ بها عَدْلَانِ بِأَنْ قَالَا له هذه فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لم يَجُزْ له التَّحَمُّلُ بِتَعْرِيفِهِمَا وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ بِنَاءً على أَنَّهُ يَجُوزُ الشَّهَادَةُ على النَّسَبِ بِالسَّمَاعِ من عَدْلَيْنِ وَعَنْ الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ بِتَعْرِيفِ وَاحِدٍ وَسَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْإِخْبَارِ وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ من الْمُتَأَخِّرِينَ
قال في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالْعَمَلُ على هذا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ قال عَدْلَانِ نَشْهَدُ أَنَّ هذه فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ تُقِرُّ بِكَذَا فَهُمَا شَاهِدَا أَصْلٍ وَسَامِعُهُمَا شَاهِدُ فَرْعٍ يَشْهَدُ على شَهَادَتِهِمَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ دُونَ الْعَيْنِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ امْرَأَةً مُنْتَقِبَةً أَقَرَّتْ يوم كَذَا لِفُلَانٍ بِكَذَا فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ التي حَضَرَتْ وَأَقَرَّتْ يوم كَذَا هِيَ هذه ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا لِلتَّحَمُّلِ إلَّا إنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ فَإِنْ خَافَ فَلَا كما مَرَّ في مَحَلِّهِ لِأَنَّ في غَيْرِهِ غُنْيَةً نعم إنْ تَعَيَّنَ
____________________
(4/366)
عليه نَظَرٌ وَاحْتَرَزَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَرْعٌ لو ثَبَتَ الْحَقُّ على عَيْنِ شَخْصٍ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يُسَجِّلَ له الْقَاضِي جَازَ أَنْ يُسَجِّلَ له بِالْحِلْيَةِ فَيَكْتُبُ حَضَرَ رَجُلٌ ذُكِرَ أَنَّهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَمِنْ حِلْيَتِهِ كَيْتُ وَكَيْتُ فَلَا يُسَجِّلُ بِالْعَيْنِ لِامْتِنَاعِهِ وَلَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ ما لم يَثْبُتَا وَلَا يَكْفِي فِيهِمَا قَوْلُ الْمُدَّعِي وَلَا إقْرَارُ من قَامَتْ عليه الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ نَسَبَ الشَّخْصِ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ فَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ على اسْمِهِ وَنَسَبِهِ حِسْبَةً جَازَ وَسَجَّلَ بِهِمَا بَعْدَ حُكْمِهِ بِهِمَا بِنَاءً على قَبُولِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ في النَّسَبِ وهو الْأَصَحُّ فَرْعٌ لو شَهِدَا على امْرَأَةٍ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا ولم يَتَعَرَّضَا لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهَا جَازَ ذلك فَإِنْ سَأَلَهُمَا الْحَاكِمُ هل تَعْرِفَانِ عَيْنَهَا فَلَهُمَا أَنْ يَقُولَا لَا يَلْزَمُنَا الْجَوَابُ عن هذا وَلَهُمَا أَنْ يَسْكُتَا نعم إنْ كَانَا مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا شُرُوطُ الْأَدَاءِ كما هو الْغَالِبُ يَلْزَمُهُمَا الْبَيَانُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فيه بِالِاسْتِفَاضَةِ فَمِنْهُ النَّسَبُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِلرُّؤْيَةِ فيه وَغَايَةُ الْمُمْكِنِ رُؤْيَةُ الْوِلَادَةِ على الْفِرَاشِ لَكِنْ النَّسَبُ إلَى الْأَجْدَادِ الْمُتَوَفِّينَ وَالْقَبَائِلِ الْقَدِيمَةِ لَا تَتَحَقَّقُ فيه الرُّؤْيَةُ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اعْتِمَادِ الِاسْتِفَاضَةِ وَلَوْ من الْأُمِّ قِيَاسًا على الْأَبِ وَصُورَتُهَا أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ في التَّحَمُّلِ أَنْ يَسْمَعَهُ أَيْ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودُ بِنَسَبِهِ يُنْتَسَبُ إلَى الشَّخْصِ أو الْقَبِيلَةِ وَالنَّاسُ يَنْسُبُونَهُ إلَى ذلك وَامْتَدَّ ذلك مُدَّةً وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ امْتِدَادُهُ مُدَّةً بَلْ لو سمع انْتِسَابَ الشَّخْصِ وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُرْتَابُ في صِدْقِهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِنَسَبِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً جَازَ له الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن النَّصِّ وَلَا تُقَدَّرُ الْمُدَّةُ بِسَنَةٍ بَلْ الْعِبْرَةُ بِمُدَّةٍ يَغْلِبُ على الظَّنِّ صِحَّةُ ذلك وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِالِانْتِسَابِ وَنِسْبَةِ الناس بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَارِضَ هُمَا ما لَا يُوجِبُ أَيْ يُوَرِّثُ تُهْمَةً فَإِنْ أَنْكَرَهُ أَيْ النَّسَبَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ لم تَجُزْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَكَذَا لو طَعَنَ بَعْضُ الناس في نَسَبِهِ وَإِنْ كان فَاسِقًا لِاخْتِلَالِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ وَلَوْ سَمِعَهُ الشَّاهِدُ يقول لِآخَرَ هذا ابْنِي لِصَغِيرٍ أو كَبِيرٍ وَصَدَّقَهُ الْكَبِيرُ أو أنا ابن فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ جَازَ له أَنْ يَشْهَدَ بِنَسَبِهِ
وَلَوْ سَكَتَ الْمَنْسُوبُ الْكَبِيرُ جَازَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالنَّسَبِ وَتَرْجِيحُ الْحَكَمَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ بِالصَّغِيرِ وَتَصْدِيقُ الْكَبِيرِ وَالثَّانِي بِسُكُوتِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا كَلَامُ أَصْلِهِ هُنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ كَثِيرِينَ جَوَّزُوا الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ على النَّسَبِ سَوَاءٌ كان الْمَنْسُوبُ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا وَصَدَّقَ أو سَكَتَ لِأَنَّ السُّكُوتَ في النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ وَأَنَّ الذي أَجَابَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْمَنْعُ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِالْإِقْرَارِ قال وَهَذَا قِيَاسٌ ظَاهِرٌ وَعَبَّرَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عن الثَّانِي بِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَكَلَامُهُ في الْكَبِيرِ يَمِيلُ إلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ اخْتَارَ ابن الرِّفْعَةِ في الْمَطْلَبِ الْأَوَّلَ وَالْأَوْجَهُ ما جَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَلَامِهِ في الْحُكْمِ الثَّانِي أَنَّ الرَّاجِحَ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَالَ السُّكُوتِ وهو ما جَزَمَ بِهِ أَصْلُهُ هُنَا كما رَأَيْت فَيُخَالِفُ عَكْسَهُ الْمُعْتَمَدَ الذي جَرَى هو عليه في الْإِقْرَارِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَضَيْتَهُ ذلك فَإِنْ قُلْت فَيَلْزَمُ على عَدَمِ ثُبُوتِهِ بِهِ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ لِجَوَازِ أَنْ يُصَدِّقَهُ
____________________
(4/367)
بَعْدَ سُكُوتِهِ فَيُنْكِرُ إقْرَارَهُ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِهِ لِيَثْبُتَ النَّسَبُ فَرْعٌ يَثْبُتُ أَيْضًا بِالِاسْتِفَاضَةِ الْمَوْتُ كَالنَّسَبِ وَلِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا ما يَخْفَى وَمِنْهَا ما يَظْهَرُ وقد يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عليها فَجَازَ أَنْ يُعْتَمَدَ على الِاسْتِفَاضَةِ وَيَثْبُتُ بها الْوَلَاءُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ وَالزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُؤَبَّدَةٌ فإذا طَالَتْ مُدَّتُهَا عَسِرَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ على ابْتِدَائِهَا فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ على الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَتْ الشَّهَادَةَ على الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ في كُتُبِهِ وقال الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ الذي بِهِ الْفَتْوَى إنَّمَا هو الْمَنْعُ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ عنه ابن الرِّفْعَةِ وإذا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ قال النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ لَا يَثْبُتُ بها شُرُوطُ الْوَقْفِ وَتَفَاصِيلُهُ بَلْ إنْ كان وَقْفًا على جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أو جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِّمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أو على مَدْرَسَةٍ مَثَلًا وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الشُّرُوطِ صَرَفَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ فِيمَا يَرَاهُ من مَصَالِحِهَا انْتَهَى قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ ليس بِجَيِّدٍ بَلْ الْأَرْجَحُ فيه ما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ فإنه قال يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّ هذا وَقْفٌ لَا أَنَّ فُلَانًا وَقَفَهُ قال وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَإِنْ شَهِدَ بها مُنْفَرِدَةً لم تَثْبُتْ بها وَإِنْ ذَكَرَهَا في شَهَادَتِهِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ سُمِعَتْ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ انْتَهَى وما قَالَهُ بِهِ النَّوَوِيُّ قال ابن سُرَاقَةَ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ حَمْلُهُ على ما قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّوَوِيَّ لم يَطَّلِعْ عليه فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في الِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ من جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ في نَفْسِهِ صِدْقُهُمْ وَيُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ على الْكَذِبِ فَلَا يَكْفِي سَمَاعُهُ من عَدْلَيْنِ نعم لو أَشْهَدَاهُ شَهِدَ على شَهَادَتِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُمْ وَحُرِّيَّتُهُمْ وَذُكُورِيَّتُهُمْ كما لَا يُشْتَرَطُ في التَّوَاتُرِ فَصْلٌ من رَأَى رَجُلًا يَتَصَرَّفُ في شَيْءٍ في يَدِهِ مُتَمَيِّزٍ عن أَمْثَالِهِ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَاسْتَفَاضَ في الناس أَنَّهُ مِلْكُهُ جَازَ له أَنْ يَشْهَدَ له بِهِ وَإِنْ لم يَعْرِفْ سَبَبَهُ ولم تَطُلْ الْمُدَّةُ وَكَذَا يَجُوزُ ذلك لو انْضَمَّ إلَى الْيَدِ تَصَرُّفُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ الِاسْتِفَاضَةِ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ بِلَا مُنَازِعٍ يُغَلِّبُ ظَنَّ الْمِلْكِ وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ تَعَيُّنُ التَّسَامُعِ فِيمَا مَرَّ في بَابِ اللَّقِيطِ من أَنَّهُ لو رَآهُ يَسْتَخْدِمُ صَغِيرًا لَا يُفِيدُهُ ذلك الشَّهَادَةُ له بِالْمِلْكِ حتى يَسْمَعَ منه وَمِنْ الناس أَنَّهُ له لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم تَطُلْ الْمُدَّةُ وَفَرَّقَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ وُقُوعَ الِاسْتِخْدَامِ في الْأَحْرَارِ كَثِيرٌ مع الِاحْتِيَاطِ في الْحُرِّيَّةِ وَخَرَجَ بِالْمُتَمَيِّزِ غَيْرُهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَتَمَاثَلُ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فيها بِالْمِلْكِ وَلَا بِالْيَدِ وَلَا يَكْفِي في جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ يَدٌ مُجَرَّدَةٌ وَلَا تَصَرُّفٌ مُجَرَّدٌ
____________________
(4/368)
وَلَا هُمَا مَعًا دُونَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالِاسْتِفَاضَةِ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُجَرَّدَةَ قد تَكُونُ عن إجَارَةٍ أو إعَارَةٍ وَالتَّصَرُّفُ الْمُجَرَّدُ قد يَكُونُ من وَكِيلٍ أو غَاصِبٍ نعم يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ له فِيهِمَا بِالْيَدِ
وَلَوْ تَجَرَّدَتْ الِاسْتِفَاضَةُ لم يَشْهَدْ بها الشَّاهِدُ على الْمِلْكِ حتى يَنْضَمَّ إلَيْهَا إمَّا يَدٌ أو تَصَرُّفٌ مع مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فِيهِمَا كما لَا يَشْهَدُ بها على أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَإِنْ انْضَمَّا أَيْ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ إلَيْهَا أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ لم يُشْتَرَطْ طُولُ الْمُدَّةِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وما ذَكَرَهُ من عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَحْدَهَا هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن نَصِّهِ في حَرْمَلَةَ وَعَنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ وقال إنَّهُ الظَّاهِرُ قال وَالْأَقْرَبُ إلَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ الِاكْتِفَاءُ بها كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ انْتَهَى وَنَصَّ على الثَّانِي أَيْضًا كما نَقَلَهُ ابن خَيْرَانَ وَنَقَلَ الْمِنْهَاجُ تَصْحِيحَهُ عن الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ وَجَزَمَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُشْتَرَطُ في الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ بِنَاءً على الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ مع ما ذُكِرَ أَنْ لَا يُعَارِضَهَا مُنَازِعٌ في الْمِلْكِ لِلْمَشْهُودِ له بِهِ إذْ ظَنُّ الْمِلْكِ إنَّمَا يَحْصُلُ حِينَئِذٍ وَيُرْجَعُ في مَعْرِفَةِ طُولِ مُدَّةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ إلَى الْعُرْفِ وَلَا يَكْفِي الشَّاهِدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَقُولَ سَمِعْت الناس يَقُولُونَ كَذَا وَإِنْ كانت شَهَادَتُهُ مَبْنِيَّةً عليها بَلْ يقول أَشْهَدُ أَنَّهُ له أو أَنَّهُ ابْنُهُ مَثَلًا لِأَنَّهُ قد يَعْلَمُ خِلَافَ ما سمع من الناس قال ابن أبي الدَّمِ وَلَا يَذْكُرُ من غَيْرِ سُؤَالِ الْحَاكِمِ مُسْتَنَدَ شَهَادَتِهِ من تَسَامُعٍ أو رُؤْيَةِ يَدٍ أو تَصَرُّفٍ زَائِدٍ فَلَوْ ذَكَرَهُ بِأَنْ قال أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَنَّ هذا مَلَكَ زَيْدًا وَأَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهُ لِأَنِّي رَأَيْته يَتَصَرَّفُ فيه مُدَّةً طَوِيلَةً لم يُقْبَلْ على الْأَصَحِّ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالشَّهَادَةِ
وَيُوَافِقُهُ ما سَيَأْتِي في الدَّعَاوَى من أَنَّهُ لو صَرَّحَ في شَهَادَتِهِ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الِاسْتِصْحَابَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كما لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّضَاعِ على امْتِصَاصِ الثَّدْيِ وَحَرَكَةِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْجَهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ حَمْلُهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ ابن أبي الدَّمِ وَلِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما اقْتَضَاهُ ما مَرَّ قبل بَابِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ من أَنَّ ذِكْرَ الْمُسْتَنَدِ من تَسَامُعٍ وَغَيْرِهِ ليس بِقَادِحٍ على ما إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِهِ تَرَدُّدٌ في الشَّهَادَةِ فَإِنْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةٍ أو حِكَايَةِ حَالٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَرْعٌ التَّصَرُّفُ الْمُعْتَبَرُ هُنَا تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْبَيْعِ وَالْفَسْخِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ أو الرَّهْنُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ على الْمِلْكِ وَلَا يَكْفِي التَّصَرُّفُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ظَنًّا وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ بِاسْتِفَاضَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ في قَدْرِهِ كَذَا عَلَّلَهُ ابن الصَّبَّاغِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّ مِلْكَ الْحِصَصِ من الْأَعْيَانِ لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ قال وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ بِالِاسْتِفَاضَةِ قَوِيٌّ وكان يَنْبَغِي لِلنَّوَوِيِّ تَرْجِيحُهُ كما رَجَّحَ ثُبُوتَ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ بها وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ شَهِدَ الْأَعْمَى بِالِاسْتِفَاضَةِ جَازَ إنْ لم يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينٍ وَإِشَارَةٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فيه بِالِاسْتِفَاضَةِ على السَّمَاعِ وَالْأَعْمَى فيه كَالْبَصِيرِ بِأَنْ شَهِدَ على مَعْرُوفٍ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أو شَهِدَ له بِنَسَبٍ مُرْتَفِعٍ أو بِنَسَبٍ أَدْنَى وَصَوَرُهُ بِأَنْ يَصِفَ الشَّخْصُ فيقول الرَّجُلُ الذي اسْمُهُ كَذَا وَكُنْيَتُهُ كَذَا وَمُصَلَّاهُ كَذَا وَسَكَنُهُ كَذَا هو فُلَانُ بن فُلَانٍ ثُمَّ يُقِيمُ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ
____________________
(4/369)
الذي اسْمُهُ كَذَا وَكُنْيَتُهُ كَذَا إلَى آخِرِ الصِّفَاتِ أو شَهِدَ له بِمِلْكِ دَارٍ مَعْرُوفَةٍ أو أَرْضٍ مَعْرُوفَةٍ فَرْعٌ ما شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ اعْتِمَادًا على الِاسْتِفَاضَةِ جَازَ الْحَلِفُ عليه اعْتِمَادًا عليها بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ على خَطِّ الْأَبِ دُونَ الشَّهَادَةِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا كِتْمَانُ الشَّهَادَةِ حَرَامٌ الْآيَةَ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا وَيَجِبُ الْأَدَاءُ لها على مُتَعَيَّنٍ لها وَعَلَى غَيْرِهِ إنْ دُعِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَهِيَ كما سَيَأْتِي مَسَافَةُ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ وَلَا عُذْرَ له من مَرَضٍ أو خَوْفٍ أو نَحْوِهِ وهو عَدْلٌ فَإِنْ لم يُدْعَ لم يَجِبْ عليه الْأَدَاءُ إلَّا في شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَقِيَّةِ الْمَفَاهِيمِ فَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ من اثْنَيْنِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ بِلَا عُذْرٍ وقال لِلْمُدَّعِي احْلِفْ معه عَصَى وَإِنْ كان الْقَاضِي يَرَى الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ إذْ من مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعُ عن الْيَمِينِ فَلَا يَفُوتُ عليه وَكَذَا شَاهِدَا رَدِّ الْوَدِيعَةِ إذَا امْتَنَعَا من الْأَدَاءِ وَقَالَا لِلْمُودَعِ احْلِفْ على الرَّدِّ يَعْصِيَانِ وَإِنْ صَدَقَ الْمُودَعُ في الرَّدِّ بِيَمِينِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ في الْوَاقِعَةِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وكان الْقَاضِي يَرَى الْحُكْمَ بِهِمَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وَيَجِبُ الْأَدَاءُ على الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ تَحَمَّلَاهَا اتِّفَاقًا بِأَنْ وَقَعَ السَّمَاعُ أو الرُّؤْيَةُ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ وَإِنْ لم يَلْتَزِمْهَا فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا كَثَوْبٍ طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثُمَّ بَيَّنَ بَقِيَّةَ مَفَاهِيمِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ فقال
فَإِنْ دُعِيَ لِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لم يَجِبْ عليه الْأَدَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَلِلْمَشَقَّةِ وَلِجَوَازِ الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ وَحَدُّ الْقُرْبِ ما يَعُودُ فيه بِمَعْنًى منه الْمُبَكِّرُ من يَوْمِهِ أَيْ ما يَتَمَكَّنُ الْمُبَكِّرُ إلَيْهِ من عَوْدِهِ إلَى مَحِلِّهِ في يَوْمِهِ لَا ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَمَامِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَوْ دُعِيَ من مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ أو أَقَلَّ إلَى فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لم يَجِبْ عليه الْحُضُورُ لِلْأَدَاءِ لِمَا مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ هذا إذْ ادَّعَاهُ الْمُسْتَحِقُّ أو الْحَاكِمُ وَلَيْسَ في عَمَلِهِ فَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وهو في عَمَلِهِ أو الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ حُضُورُهُ وقد اسْتَحْضَرَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه الشُّهُودَ من الْكُوفَةِ إلَى الْمَدِينَةِ وَرُوِيَ من الشَّامِ أَيْضًا وما قَالَهُ ظَاهِرٌ في الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ على الْعَدْلِ فَلَوْ أُجْمِعَ على فِسْقِهِ حَرُمَ عليه أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ خَفِيَ فِسْقُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ بَاطِلٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مع الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ عليه في نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا إثْمَ على الْقَاضِي إذَا لم يُقَصِّرْ بَلْ يُتَّجَهُ الْوُجُوبُ عليه إذَا كان في الْأَدَاءِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أو عُضْوٍ أو بُضْعٍ قال وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِسْقِ الظَّاهِرِ بِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِهِ مُخْتَلَفٌ فيه وَبِالظَّاهِرِ مُتَّفَقٌ عليه قال وَصَرَّحَ ابن أبي الدَّمِ فَهْمًا من كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وقال إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَنَقَلَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ عن ابْنِ عبد السَّلَامِ ما يُوَافِقُهُ وقد قَدَّمْته
____________________
(4/370)
في الْكَلَامِ على عَدَمِ التُّهْمَةِ
أَمَّا لو لم يُجْمَعْ على فِسْقِهِ بِأَنْ اُخْتُلِفَ فيه كَشُرْبِ النَّبِيذِ فإنه يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كان الْقَاضِي يَرَى التَّفْسِيقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ بِهِ أَمْ لَا فَقَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَيَرَى قَبُولَهَا وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ عَدَمُ اللُّزُومِ إنْ كان الْقَاضِي مُقَلِّدًا يُفَسِّقُ بِذَلِكَ وهو ظَاهِرٌ وقد يُمْنَعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غير مُقَلَّدِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ اعْتِبَارَ مِثْلِ هذا الْجَوَازِ بَعِيدٌ وَلَوْ كان مع الْمُجْمَعِ على فِسْقِهِ عَدْلٌ لم يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه فِيمَا عَدَاهُ وَهَلْ يَجُوزُ لِعَدْلٍ أَنْ يَشْهَدَ بِبَيْعٍ عِنْدَ من يَرَى إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وهو لَا يَرَاهُ أو لَا وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا الْجَوَازُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ من أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا يَعْتَقِدُهُ دُونَهُ كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَذِكْرُ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ مِثَالٌ وَالضَّابِطُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُرَتِّبُ عليه ما لَا يَعْتَقِدُهُ هو كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ كَالْخَائِفِ على مَالِهِ إذَا شَقَّ عليه الْحُضُورُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُكَلِّفُ له بَلْ يَشْهَدُ على شَهَادَتِهِ أو يَبْعَثُ إلَيْهِ الْقَاضِي من يَسْمَعُهَا دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عنه وَالْمُخَدَّرَةُ كَالْمَرِيضِ فِيمَا ذُكِرَ وَغَيْرُهَا من النِّسَاءِ تَحْضُرُ وَتُؤَدِّي وَيَجِبُ أَنْ يَأْذَنَ لها الزَّوْجُ لِتُؤَدِّي الْوَاجِبَ عليها وَلَا يَجِبُ على الشَّاهِدِ وهو في أَكْلِ طَعَامٍ أو في حَمَّامٍ أو صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذلك أَنْ يَقْطَعَهُ لِلْأَدَاءِ بَلْ يُتِمُّهُ ثُمَّ يَمْضِي له
وَلَوْ رَدَّ قَاضٍ شَهَادَتَهُ لِجَرْحِهِ ثُمَّ دُعِيَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيُؤَدِّيَ عِنْدَهُ لَا إنْ دُعِيَ إلَيْهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ لِلشَّهَادَةِ وَلَوْ كان الْقَاضِي جَائِرًا أو مُتَعَنِّتًا وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ لَا يَأْمَنُ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ جَوْرًا أو تَعَنُّتًا فَيَتَعَيَّرُ بِذَلِكَ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ أَمِيرٍ وَنَحْوِهِ كَوَزِيرٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ بِهِ إلَى الْحَقِّ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَدَائِهِ عِنْدَهُ كما ذَكَرَهُ في التَّوْشِيحِ قال فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ إلَى ذلك بِالْقَاضِي فَلَا وَجْهَ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ من ليس أَهْلًا لِسَمَاعِهَا وقد جَزَمَ في الرَّوْضَةِ في الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ بِأَنَّ مَنْصِبَ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ يَخْتَصُّ بِالْقُضَاةِ قال في الْكِفَايَةِ وَلَوْ دُعِيَ إلَى من لَا يَعْتَقِدُ انْعِقَادَ وِلَايَتِهِ لِجَهْلٍ أو فِسْقٍ لَزِمَهُ
فَرْعٌ لو امْتَنَعَ الشَّاهِدُ من الْأَدَاءِ حَيَاءً من الْمَشْهُودِ عليه أو غَيْرِهِ عَصَى وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ إلَى أَنْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَلَوْ قال الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي شَاهِدِي مُمْتَنِعٌ من أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لي عِنَادًا فَأَحْضَرَهُ لِيَشْهَدَ لم يُجِبْهُ إلَى ذلك لِأَنَّهُ لو شَهِدَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ له أَيْ لم تُقْبَلْ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِالِامْتِنَاعِ بِزَعْمِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَقُلْ عِنَادًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَخَوْفٍ على نَفْسِهِ من ظَالِمٍ فَرْعٌ ليس له أَيْ لِلشَّاهِدِ أَخْذُ رِزْقٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ من بَيْتِ الْمَالِ وَلَا من أَحَدٍ من الْإِمَامِ أو الرَّعِيَّةِ تَبِعَ كَالرَّوْضَةِ في عَدَمِ أَخْذِهِ من بَيْتِ الْمَالِ نَسَخَ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةَ وَاَلَّذِي في نُسَخِهِ الْمُعْتَمَدَةِ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ تَرْجِيحُ أَنَّ له ذلك كَالْقَاضِي وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّ له ذلك بِلَا تَفْصِيلٍ كما في نَظِيرِهِ الْآتِي في كِتَابَةِ الصُّكُوكِ وَلَهُ بِكُلِّ حَالٍ أَخْذُ أُجْرَةٍ من الْمَشْهُودِ له على التَّحَمُّلِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عليه كما في
____________________
(4/371)
تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ
هذا إنْ دُعِيَ له فَإِنْ تَحَمَّلَ لِمَكَانِهِ فَلَا أُجْرَةَ له وَمَحِلُّهُ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ الشَّهَادَةُ مِمَّا يَبْعُدُ تَذَكُّرُهَا وَمَعْرِفَةُ الْخَصْمَيْنِ فيها لِأَنَّ بَاذِلَ الْأُجْرَةِ إنَّمَا يَبْذُلُهَا بِتَقْدِيرِ الِانْتِفَاعِ بها عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِلَّا فَيَصِيرُ آخِذُهَا على شَهَادَةٍ يَحْرُمُ أَدَاؤُهَا قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ لَا أَخْذُ أُجْرَةٍ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ لم يَتَعَيَّنْ عليه لِأَنَّهُ فَرْضٌ عليه فَلَا يَسْتَحِقُّ عليه عِوَضًا وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ وَفَارَقَ الْمُتَحَمِّلَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْأَدَاءِ يُوَرِّثُ تُهْمَةً قَوِيَّةً مع أَنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ لَا تَفُوتُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ بِخِلَافِ زَمَنِ التَّحَمُّلِ إلَّا إنْ دُعِيَ من مَسَافَةِ عَدْوَى فَأَكْثَرَ فَلَهُ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ وَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَإِنْ لم يَرْكَبْ لَا لِمَنْ يُؤَدِّي في الْبَلَدِ أَيْ ليس له أَخْذُ شَيْءٍ لِلْأَدَاءِ وَهَذَا دَاخِلٌ في الْمُسْتَثْنَى منه السَّابِقِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عليه قَوْلَهُ إلَّا إنْ احْتَاجَهُ أَيْ ما ذُكِرَ فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَهُ صَرْفُ ما يُعْطِيهِ له الْمَشْهُودُ له إلَى غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ ما ذُكِرَ من الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ وَكَذَا من أَعْطَى شيئا فَقِيرًا لِيَكْسُوَ بِهِ نَفْسَهُ له أَيْ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ ما ذُكِرَ من الْكِسْوَةِ وَتَقَدَّمَتْ هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِزِيَادَةٍ في بَابِ الْهِبَةِ ثُمَّ إنْ مَشَى الشَّاهِدُ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مع قُدْرَتِهِ على الرُّكُوبِ قد يَخْرُمُ الْمُرُوءَةَ فَيَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ فِيمَنْ هذا شَأْنُهُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ بَلْ لَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِالْبَلَدَيْنِ بَلْ قد يَأْتِي في الْبَلَدِ الْوَاحِدِ فَيُعَدُّ ذلك خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ إلَّا أَنْ تَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أو يَفْعَلُهُ تَوَاضُعًا وَلَا يَلْزَمُ من قُوتُهُ من كَسْبِهِ يَوْمًا يَوْمًا إذَا شَغَلَهُ عنه إلَّا بِأُجْرَةِ مُدَّتِهِ أَيْ الْأَدَاءِ لَا بِقَدْرِ كَسْبِهِ فيها وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ نَقْلًا عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَبِمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَرْعٌ كَتْبُ الصُّكُوكِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْ في الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ في بَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ من الْقَاضِي كِتَابًا بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أو حَكَمَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنَّمَا كان فَرْضَ كِفَايَةٍ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ في حِفْظِ الْحُقُوقِ وَلَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ في التَّذَكُّرِ وَإِنْ لم يَجُزْ الِاعْتِمَادُ على الْخَطِّ وَحْدَهُ وَلِكَاتِبِهَا رِزْقٌ من بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لم يُرْزَقْ منه لِذَلِكَ فَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عليه الْكَتْبُ لِطُولِ زَمَنِهِ كما في التَّحَمُّلِ فَصْلٌ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ في النِّكَاحِ لِتَوَقُّفِ انْعِقَادِهِ عليه فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ منه أَثِمُوا وَلَوْ طَلَبَ شَخْصٌ اثْنَيْنِ لِلتَّحَمُّلِ وَهُنَاكَ غَيْرُهُمَا لم يَتَعَيَّنَا بِخِلَافِ ما لو طَلَبَ الْأَدَاءَ من اثْنَيْنِ تَحَمَّلَا مع غَيْرِهِمَا شَهَادَةً فَإِنَّهُمَا يَتَعَيَّنَانِ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَا أَمَانَةً فَيَلْزَمُهُمَا أَدَاؤُهَا عِنْدَ طَلَبِهَا كما مَرَّ وَكَذَا سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فيها فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّاعِي له لِيَتَحَمَّلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ من مَرِيضٍ أو مَحْبُوسٍ أو مُخَدَّرَةٍ أو دَعَاهُ قَاضٍ لِيُشْهِدَهُ على حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ فَيَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ لِلْعُذْرِ وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ الْقَاضِي إلَى التَّرَدُّدِ لِأَبْوَابِ الشُّهُودِ فَتَتَعَطَّلَ أَحْوَالُ الناس
____________________
(4/372)
فَصْلٌ من آدَابِهِ أَيْ الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ شَهَادَةً وَبِهِ ما يَشْغَلُهُ عن الضَّبْطِ وَتَمَامِ الْفَهْمِ من جُوعٍ وَعَطَشٍ وَهَمٍّ وَغَضَبٍ وَنَحْوِهَا كما لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَبِهِ شَيْءٌ منها وَلَا يَلْتَفِتُ الشَّاهِدُ على بِمَعْنَى إلَى قَوْلِ من لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عليه كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَلَا يَتَحَمَّلُ عليه وَلَا على بِمَعْنَى إلَى كِتَابٍ مُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُثْبِتُ شَهَادَتَهُ فيه وَيُبَيِّنُ فَسَادَهُ أَيْ يُظْهِرُهُ وَيُسْتَثْنَى الشَّهَادَةُ على الْمُكُوسِ وَنَحْوِهَا فَتَجُوزُ إذَا قَصَدَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ حِفْظَ الْأَمْوَالِ على أَرْبَابِهَا بِأَنْ يَشْهَدَ لهم لِيَرْجِعُوا بها في وَقْتٍ آخَرَ عِنْدَ إمْكَانِهِ بِتَوْلِيَةِ عَادِلٍ قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ وَيُثْبِتُ شَهَادَتَهُ على كِتَابٍ أُنْشِئَ على مُخْتَلَفٍ فيه بين الْعُلَمَاءِ وهو يُخَالِفُ مُعْتَقِدَهُ لِيُؤَدِّيَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ وَقِيلَ يَعْرِضُ عنه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُضْرَبَ على الْكَلِمَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْمُكَرَّرَةِ لَا سِيَّمَا إذَا لم يَسْبِقْهُ بِالشَّهَادَةِ أَحَدٌ وأن يُلْحِقَ بِالْكِتَابِ ما تَرَكَ وَيُبَيِّنَ في رَسْمِ شَهَادَتِهِ إلْحَاقَهُ وَيُتَمِّمَ السَّطْرَ النَّاقِصَ بِخَطَّيْنِ أو بِخَطٍّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإذا قَرَأَ الشَّاهِدُ الْكِتَابَ عليه أَيْ على الْمَشْهُودِ عليه أو قَرَأَهُ عليه غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ
وقال له أَشْهَدُ عَلَيْك بِذَلِكَ فقال نعم وَنَحْوَهُ كَأَجَلْ وَجَيْرَ وَبَلَى كَفَى في التَّحَمُّلِ لَا إنْ قال له في الْجَوَابِ إنْ شِئْت وَنَحْوَهُ كَالْأَمْرِ إلَيْك أو كما تَرَى أو اسْتَخِرْ اللَّهَ وإذا شَهِدَ على كِتَابِ عَقْدٍ بِدَيْنٍ أو طَلَاقٍ أو عِتْقٍ أو نَحْوِهَا أَقَرَّ بِهِ من عَقَدَ عليه فَلَا يَقُلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ بَلْ يقول أَشْهَدُ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَلْيَكْتُبْ نَدْبًا في الْكِتَابِ الذي تَحَمَّلَ فيه اسْمَهُ وما يَتَمَيَّزُ بِهِ من اسْمِ أَبٍ وَجَدٍّ يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ تَخَطَّى إلَيْهِ أَيْ إلَى جَدٍّ أَعْلَى يُعْرَفُ هو بِهِ لِشُهْرَتِهِ فَإِنْ شُورِكَ فيه أَيْ فِيمَا ذُكِرَ من اسْمِهِ وَنَسَبِهِ ذَكَرَ الْكُنْيَةَ لِيَتَمَيَّزَ بها وَيَأْتِي نَدْبًا بِمَا يُفِيدُ التَّذَكُّرَ كما مَرَّ في أَدَبِ الْقَضَاءِ ويكتب في السِّجِلِّ أَشْهَدُ على حُكْمِ الْقَاضِي بِمَا فيه أو على إنْفَاذِ ما فيه لَا على إقْرَارِهِ إنْ حَكَمَ وهو عِنْدَهُ فَإِنْ حَكَمَ في غَيْبَتِهِ ثُمَّ أخبره شَهِدَ على إقْرَارِهِ وَيَسْأَلُ الشَّاهِدَ نَدْبًا في كِتَابَةِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَاحِبَ الدَّيْنِ كَمْ هو وأمؤجلا هو أَمْ لَا ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يُجِيبَهُ يَسْأَلُ الْآخَرَ أَيْ الْمَدِينِ لِأَنَّهُ لو سَأَلَ الْمَدِينَ أَوَّلًا وَأَقَرَّ فَقَدْ يُنْكِرُ صَاحِبَهُ الْأَجَلَ فَيَقَعُ في النِّزَاعِ وفي كِتَابِهِ السَّلَمِ يَسْأَلُ نَدْبًا الْمُسَلِّمَ أَوَّلًا عَمَّا ذَكَرَ خَوْفًا من أَنْ يُنْكِرَ السَّلَمَ وَيُطَالِبُ بِمَا دَفَعَهُ لو سَأَلَ صَاحِبَهُ أَوَّلًا وَأَقَرَّ وَيُقْعِدُ الْقَاضِي الشَّاهِدَ الذي أتى إلَيْهِ لِيُؤَدِّيَ عِنْدَهُ عن يَمِينِهِ وَيَنْظُرُ الشَّاهِدُ اسْمَهُ الْمَكْتُوبَ وَيَتَأَمَّلُهُ قبل أَنْ يَشْهَدَ
فَإِنْ اُسْتُشْهِدَ بِأَنْ اسْتَشْهَدَهُ الْمَشْهُودُ له اسْتَأْذَنَ الْقَاضِيَ نَدْبًا لِيُصْغِيَ إلَيْهِ فَقَدْ لَا يَسْمَعُهُ فَتَلْغُو شَهَادَتُهُ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ ليس لِلْقَاضِي ذلك وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فقال لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَدْعِيَهُمْ لِلشَّهَادَةِ وَلَا يَنْبَغِي لهم أَنْ يَبْدَءُوا بها قال وَصِيغَةُ إذْنِ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ بِمَ تَشْهَدُونَ وَلَا يقول اشْهَدُوا قال ابن أبي الدَّمِ وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُبَجِّلَ الْقَاضِيَ في الْأَدَاءِ فيقول أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ سَيِّدِنَا الْحَاكِمِ وَيَزِيدُ من أَلْقَابِهِ وَالدُّعَاءِ له بِمَا يَقْتَضِيهِ حَالُهُ وَقَدْرُهُ ثُمَّ يقول أَشْهَدُ بِكَذَا الْبَابُ الرَّابِعُ في الشَّاهِدِ مع الْيَمِينِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ في الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ زَادَ الشَّافِعِيُّ في الْأَمْوَالِ وقد قالوا ما ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ غير عُيُوبِ النِّسَاءِ التي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَنَحْوِهَا
____________________
(4/373)
كَالرَّضَاعِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا لِخَطَرِهَا بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ وَحُقُوقِهَا وما لَا يَثْبُتُ بِهِمْ فَلَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ وَلَوْ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ لِأَنَّ الْمُنْضَمَّ إلَى الْيَمِينِ حِينَئِذٍ أَضْعَفُ شَطْرَيْ الْحُجَّةِ فَلَا يُقْنَعُ بِانْضِمَامِ ضَعِيفٍ إلَى ضَعِيفٍ كما لَا يُقْنَعُ بِانْضِمَامِ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ إلَى مِثْلِهِمَا وَلِعَدَمِ وُرُودِ ذلك وَقِيَامِهِمَا مَقَامَ رَجُلٍ في غَيْرِ ذلك لِوُرُودِهِ وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كما يَقَعُ بِالشَّاهِدَيْنِ لَا بِالْيَمِينِ وَحْدَهَا وَالشَّاهِدُ مُؤَكِّدٌ وَلَا بِالْعَكْسِ كما قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ النِّصْفَ وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مع شَاهِدٍ له حتى يَشْهَدَ وَيَعْدِلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ من قَوِيَ جَانِبُهُ وَجَانِبُ الْمُدَّعِي فِيمَا ذُكِرَ إنَّمَا يَقْوَى حِينَئِذٍ وَفَارَقَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ على الْمَرْأَتَيْنِ بِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الرَّجُلِ قَطْعًا وَلَا تَرْتِيبَ بين الرَّجُلَيْنِ وَيَحْلِفُ وُجُوبًا على الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا ادَّعَاهُ
وعلى صِدْقِ الشَّاهِدِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ إنَّ شَاهِدِي لَصَادِقٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ وَإِنِّي مُسْتَحِقٌّ لِكَذَا وَنَبَّهَ بِعَطْفِهِ بِالْوَاوِ على أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّرْتِيبُ بين ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ وَذِكْرِ صِدْقِ الشَّاهِدِ وهو ما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَاعْتَبَرَ تَعَرُّضَهُ في يَمِينِهِ لِصِدْقِ الشَّاهِدِ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالشَّهَادَةَ حُجَّتَانِ مُخْتَلِفَا الْجِنْسِ فَاعْتُبِرَ ارْتِبَاطُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لِتَصِيرَا كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّضَ في حَلِفِهِ لِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ أَيْضًا وَلَا يَكْفِي تَعَرُّضُهُ لِصِدْقِهِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ صَادِقًا وَالْمُدَّعِي يُقِرُّ بِفِسْقِهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ الْبَحْثَ عن الْعَدَالَةِ من وَظِيفَةِ الْحَاكِمِ وَإِنْ حَدَثَ لِلشَّاهِدِ فِسْقٌ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ لم يُنْقَضْ أو قَبْلَهُ فَكَأَنْ لَا شَاهِدَ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي ولم يُعْتَدَّ بِمَا مَضَى وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعٍ عن الْيَمِينِ مع شَاهِدٍ له وَحَلَفَ خَصْمُهُ بِطَلَبِهِ سَقَطَ حَقُّهُ من الْيَمِينِ بَلْ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَعْدَ حَلِفِ خَصْمِهِ أو نُكُولِهِ هو عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ بَيِّنَةٌ حَيْثُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قد تَتَعَذَّرُ عليه إقَامَتُهَا فَيُعَذَّرُ وَالْيَمِينُ إلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ فَلَا عُذْرَ له في الِامْتِنَاعِ وَكَالْبَيِّنَةِ في ذلك الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ كما نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَقَدَّمْت بَعْضَهُ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ في بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ
وَإِنْ نَكَلَ خَصْمُهُ عن الْيَمِينِ فِيمَا ذُكِرَ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ قال الشَّيْخَانِ يَمِينُ الرَّدِّ وَإِنْ كان قد تَرَكَ الْحَلِفَ أَوَّلًا كَنَاكِلٍ عن يَمِينِ الرَّدِّ وَجَدَ شَاهِدًا له فإنه يَحْلِفُ معه وَذَلِكَ لِأَنَّ يَمِينَهُ هذه غَيْرُ التي امْتَنَعَ عنها لِأَنَّ تِلْكَ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ بِالشَّاهِدِ وَهَذِهِ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ بِنُكُولِ خَصْمِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ تِلْكَ لَا يُقْضَى بها إلَّا في الْمَالِ وَهَذِهِ يُقْضَى بها في جَمِيعِ الْحُقُوقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِ الشَّيْخَيْنِ الْحَلِفَ بِيَمِينِ الرَّدِّ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ الْيَمِينَ التي تَكُونُ معه لَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في الْقَسَامَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ على الْأَظْهَرِ انْتَهَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي مُوَافَقَةَ ما في الْقَسَامَةِ وَالْأَوْجَهُ ما تَقَرَّرَ أَوَّلًا وَلَوْ أَرَادَ النَّاكِلُ عن الْيَمِينِ مع شَاهِدِهِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ نُكُولِهِ وَقَبْلَ حَلِفِ خَصْمِهِ وَلَوْ بِدُونِ اسْتِحْلَافِهِ له لم يُمَكَّنْ من ذلك لِأَنَّهُ صَارَ في جَانِبِ خَصْمِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ في مَجْلِسٍ آخَرَ فَيَسْتَأْنِفُ الدَّعْوَى وَيُقِيمَ الشَّاهِدَ فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ من ذلك وَذِكْرُ بَعْدَ نُكُولِهِ إيضَاحٌ فَصْلٌ لو ادَّعَى شَخْصٌ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ في يَدِ آخَرَ غَاصِبٍ لها بِزَعْمِهِ وَحَلَفَ على ذلك مع شَاهِدٍ له ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَوْلَدَةِ حُكْمُ الْمَالِ فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ وإذا مَاتَ حُكِمَ بِعِتْقِهَا بِإِقْرَارِهِ لَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا وَمِثْلُهُمَا الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَدَّمْته أَيْضًا في الْبَابِ الثَّانِي لَا مِلْكَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لم يَدَّعِهِ وَلَا نَسَبَهُ وَلَا حُرِّيَّتَهُ فَلَا يَثْبُتَانِ بِذَلِكَ كما لَا يَثْبُتُ بِهِ عِتْقُ الْأُمِّ
____________________
(4/374)
فَيَبْقَى الْوَلَدُ في يَدِ من هو في يَدِهِ على سَبِيلِ الْمِلْكِ قال في الْمَطْلَبِ وَمَحِلُّهُ إذَا أَسْنَدَ دَعْوَاهُ إلَى زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ فيه حُدُوثُ الْوَلَدِ أَيْ أو أَطْلَقَ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ من ذلك الزَّمَنِ وَأَنَّ الزَّوَائِدَ الْحَاصِلَةَ في يَدِهِ لِلْمُدَّعِي وَالْوَلَدَ منها وهو يَتْبَعُ الْأُمَّ في تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَدْ بَانَ انْقِطَاعُ حَقِّ صَاحِبِ الْيَدِ وَعَدَمُ ثُبُوتِ يَدِهِ الشَّرْعِيَّةِ عليه قال في الْأَصْلِ وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي فيه ما مَرَّ في الْإِقْرَارِ وَاللَّقِيطِ في اسْتِلْحَاقِ عبد غَيْرِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ في حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مُحَافَظَةً على الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ وَيَثْبُتُ في حَقِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إذَا صَدَّقَهُ
وَلَوْ قال له الْمُدَّعِي اسْتَوْلَدْتهَا أنا في مِلْكِك ثُمَّ اشْتَرَيْتهَا مَثَلًا مع وَلَدِهَا فَعَتَقَ عَلَيَّ وَأَقَامَ على ذلك الْحُجَّةَ النَّاقِصَةَ وَهِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أو وَيَمِينٌ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْحُرِّيَّةُ بِإِقْرَارِهِ الْمُرَتَّبَانِ على الْمِلْكِ الذي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ النَّاقِصَةُ كَمَنْ ادَّعَى وَالْعَبْدُ في يَدِ آخَرَ أَنَّهُ كان له وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ على ذلك الْحُجَّةَ النَّاقِصَةَ فإنه يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ حُرِّيَّتُهُ الْمُرَتَّبَةُ على الْمِلْكِ الذي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ النَّاقِصَةُ وَالْمُدَّعَى بِهِ يُنْتَزَعُ في هذه وَيُحْكَمُ بِكَوْنِهِ عَتِيقًا لِلْمُدَّعِي كما يُنْتَزَعُ في التي قَبْلَهَا وَيُحْكَمُ بِكَوْنِهِ وَالِدًا له فَصْلٌ لَا يُحْكَمُ لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ ادَّعَوْا لِمُوَرِّثِهِمْ دَيْنًا أو عَيْنًا إلَّا إذَا أَثْبَتُوا أَيْ أَقَامُوا بَيِّنَةً بِالْمَوْتِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْمَالِ أو أَقَرَّ الْمُدَّعَى عليه بِذَلِكَ فإذا ادَّعَوْا لِمُوَرِّثِهِمْ مِلْكًا وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَحَلَفُوا معه ثَبَتَ الْمِلْكُ له وَصَارَ تَرِكَةً يَقْضِي منها دُيُونَهُ وَوَصَايَاهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا من الْحَلِفِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَوَصَايَا لم يَحْلِفْ من أَرْبَابِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا أَحَدٌ وَإِنْ لم يَكُنْ في التَّرِكَةِ وَفَاءٌ بِذَلِكَ كَنَظِيرِهِ في الْفَلَسِ إلَّا الْمُوصَى له بِمُعَيَّنٍ من عَيْنٍ أو دَيْنٍ وَلَوْ مُشَاعًا كَنِصْفٍ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ دَعْوَاهُ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فيه فَتَعْبِيرُهُ بِمُعَيَّنٍ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِعَيْنٍ وَإِنْ حَلَفَ مع الشَّاهِدِ بَعْضُهُمْ أَخَذَ نَصِيبَهُ لِثُبُوتِ حُجَّتِهِ ولم يُشَارِكْهُ فيه من لم يَحْلِفْ من الْغَائِبِينَ وَالْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ اثْنَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا مَلَكَاهَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَإِرْثٍ ولم يَقُولَا قَبَضْنَاهَا فَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عليه أَحَدَهُمَا وَكَذَّبَ الْآخَرَ فإن الْمُكَذَّبَ يُشَارِكُ الْمُصَدَّقَ فِيمَا أَخَذَهُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ هُنَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَلَوْ شَرِكْنَا لَمَلَّكْنَا الشَّخْصَ بِيَمِينِ غَيْرِهِ مع أَنَّ الْيَمِينَ لَا يُجْزِئُ فيها النِّيَابَةُ وَثَمَّ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ تَرَتَّبَ عليه إقْرَارُ الْمُصَدَّقِ بِالْإِرْثِ وَالْإِرْثُ يَقْتَضِي الشُّيُوعَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ في الْفَرْقِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ هُنَا قَادِرٌ على الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ بِيَمِينِهِ فَحَيْثُ لم يَفْعَلْ صَارَ كَالتَّارِكِ لِحَقِّهِ وَيُقْضَى من نَصِيبِهِ قِسْطُهُ من الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ لَا الْجَمِيعِ بِنَاءً على أَنَّ من لم يَحْلِفْ لَا يُشَارِكْ الْحَالِفَ وَلَا يَحْلِفُ وَرَثَةُ النَّاكِلِ مع الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْحَقَّ عن مُوَرِّثِهِ وقد بَطَلَ حَقُّهُ أَيْ من الْيَمِينِ بِنُكُولِهِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بَلْ له أَنْ يَحْلِفَ هو وَوَارِثُهُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَ وَيُمْكِنُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّابِقِ حَمْلُ الْأَوَّلِ على ما إذَا لم يَسْتَأْنِفْ الدَّعْوَى وَالثَّانِي على ما إذَا اسْتَأْنَفَهَا وَأَقَامَ شَاهِدَهُ فَلَوْ أَرَادُوا ضَمَّ شَاهِدٍ إلَى الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ لِيَحْكُمَ لهم بِالْبَيِّنَةِ جَازَ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى وَشَهَادَةُ الْأَوَّلِ كما لو أَقَامَ مُدَّعٍ شَاهِدًا في خُصُومَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَأَقَامَ وَارِثُهُ شَاهِدًا آخَرَ بِخِلَافِ ما لو كانت الدَّعْوَى لَا عن جِهَةِ الْإِرْثِ كَأَنْ قال أَوْصَى لي وَلِأَخِي الْغَائِبِ مُوَرِّثُك بِكَذَا أو بَاعَ مِنَّا كَذَا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ معه ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فإنه يُجَدِّدُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَى في الْمِيرَاثِ عن وَاحِدٍ وهو الْمَيِّتُ وَلِهَذَا تُقْضَى دُيُونُهُ من الْمَأْخُوذِ وفي غَيْرِ الْمِيرَاثِ الْحَقُّ لِأَشْخَاصٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لِغَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ أو وِلَايَةٍ وَإِنْ أَقَامَ الْوَرَثَةُ شَاهِدًا وَحَلَفَ معه بَعْضُهُمْ ومات بَعْضُهُمْ قبل النُّكُولِ أَيْ نُكُولِهِ وَقَبْلَ حَلِفِهِ حَلَفُوا أَيْ وَرَثَتُهُ ولم يُعِيدُوا الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ
فَإِنْ كان فِيهِمْ أَيْ فِيمَنْ لم يَحْلِفْ غَائِبٌ أو صَبِيٌّ أو مَجْنُونٌ فَقَدِمَ الْغَائِبُ أو بَلَغَ الصَّبِيُّ أو أَفَاقَ الْمَجْنُونُ حَلَفَ لِإِثْبَاتِ نَصِيبِهِ وَقَبَضَهُ بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمِيرَاثِ وَإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ وَذَلِكَ في حُكْمِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ فإذا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ في حَقِّ الْبَعْضِ ثَبَتَتْ في حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الدَّعْوَى من الْجَمِيعِ وَلَيْسَ كَالْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ على اخْتِصَاصِ أَثَرِهَا بِالْحَالِفِ وَالشَّهَادَةُ حُكْمُهَا التَّعَدِّي وَالدَّعْوَى وَإِنْ كانت على الِاخْتِصَاصِ وَعَدَمِ التَّعَدِّي فَإِنَّمَا هِيَ وَسِيلَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ ذلك إذَا ادَّعَى الْأَوَّلُ جَمِيعَ
____________________
(4/375)
الْحَقِّ فَإِنْ كان ادَّعَى بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَلَا بُدَّ من الْإِعَادَةِ انْتَهَى وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ الْآتِي قد يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ من أَنْ يَدَّعِيَ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الْحَقِّ وَكَالْغَائِبِ فِيمَا ذَكَرَ الْحَاضِرُ الذي لم يَشْرَعْ في الْخُصُومَةِ أو لم يَشْعُرْ بِالْحَالِ كما بَحَثَهُ الْأَصْلُ فَلَوْ فَسَقَ الشَّاهِدُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَهَلْ يُؤَثِّرُ في حَقِّ الْغَائِبِ أو الصَّبِيِّ أو الْمَجْنُونِ فَلَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ إنَّمَا اتَّصَلَ في حَقِّ الْحَالِفِ فَقَطْ وَلِهَذَا لو رَجَعَ لم يَكُنْ لِمَنْ ذُكِرَ الْحَلِفُ أَمْ لَا يُؤَثِّرُ في حَقِّهِ فَيَحْلِفُ لِأَنَّهُ قد حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَجْهَانِ الْمُخْتَارُ مِنْهُمَا كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ أو الصَّبِيُّ أو الْمَجْنُونُ حَلَفَ وَارِثُهُ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَإِنْ كان الْوَارِثُ هو الْحَالِفُ أَوَّلًا فَلَا تُحْسَبُ يَمِينُهُ الْأُولَى
وَأَقَامَ الظَّاهِرَ في قَوْلِهِ الْوَارِثَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ وَالْحَالِفُ من الْوَرَثَةِ على دَيْنٍ أو عَيْنٍ لِمُوَرِّثِهِ يَحْلِفُ على الْجَمِيعِ لَا على حِصَّتِهِ فَقَطْ سَوَاءٌ حَلَفَ كلهم أَمْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ يُثْبِتُهُ لِمُوَرِّثِهِ لَا له فَيَحْلِفُ كُلٌّ منهم على ما نُقِلَ عن الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مُوَرِّثَهُ يَسْتَحِقُّ على هذا كَذَا أو أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ عن مُوَرِّثِهِ من دَيْنٍ جُمْلَتُهُ كَذَا كَذَا وَكَذَا وَإِنْ ادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا بَعْضُ الْمُوصَى لهم وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ ثَبَتَ الْجَمِيعُ وَاسْتَحَقَّ الْغَائِبُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ وَالْفَرْقُ بين مَسْأَلَتَيْ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ عُلِمَ من نَظِيرِهِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَلَى الْقَاضِي بَعْدَ تَمَامِ الْبَيِّنَةِ الِانْتِزَاعُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَيْ لِنَصِيبِهِمَا دَيْنًا كان أو عَيْنًا ثُمَّ يَأْمُرُ بِالتَّصَرُّفِ فيه بِالْغِبْطَةِ لِئَلَّا يَضِيعَ عَيْنُ مَالِهِمَا وَأَمَّا نَصِيبُ الْغَائِبِ فَيَقْبِضُ له الْقَاضِي الْعَيْنَ وُجُوبًا لَا الدَّيْنَ فَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ له بَلْ يَجُوزُ كَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِغَائِبٍ وَأَحْضَرَهُ لِلْقَاضِي لِأَنَّ بَقَاءَ الدَّيْنِ في ذِمَّةِ الْمَدِينِ أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ بِخِلَافِ بَقَاءِ الْعَيْنِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَيُؤَجِّرُ الْقَاضِي الْعَيْنَ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمَنَافِعُ وقد مَرَّ في كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ شَيْءٍ من التَّرِكَةِ ولو قَبَضَ من التَّرِكَةِ شيئا لم يَتَعَيَّنْ له بَلْ يُشَارِكُهُ فيه بَقِيَّتُهُمْ وَقَالُوا هُنَا يَأْخُذُ الْحَاضِرُ نَصِيبَهُ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْغَيْبَةَ لِلشَّرِيكِ هُنَا عُذْرًا في تَمْكِينِ الْحَاضِرِ من الِانْفِرَادِ حِينَئِذٍ وإذا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَهُ وَيَقْبِضُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِيمَا مَرَّ وُجُوبًا الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ وَيُقَدَّمُ في ذلك على الْقَاضِي كَمُوَكِّلِهِ لو كان حَاضِرًا وَمِثْلُهُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إنْ كان لَهُمَا وَلِيٌّ كما صَرَّحَ بِهِ ابن أبي الدَّمِ فَصْلٌ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه اسْتِحْقَاقُ الْمَنَافِعِ فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ بَدَنِ الْحُرِّ وَلَيْسَ كَالْعِتْقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتُ الْوِلَايَاتِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَنْفَكُّ عن أَحْكَامِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أُتْلِفَ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ فَلَوْ أَقَامُوا أَيْ أَوْلَادُ مَيِّتٍ على شَخْصٍ شَاهِدًا بِغَصْبِ دَارٍ وَقَفَهَا أَبُوهُمْ عليهم وَعَلَى زَيْدٍ وَحَلَفُوا على ذلك مع الشَّاهِدِ ثَبَتَ الْغَصْبُ وَالْوَقْفُ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ في ثُبُوتِ الْوَقْفِ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ وَإِلَّا فَإِقْرَارُهُمْ بِهِ كَافٍ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ مع أَنَّهُ سَيَأْتِي ما يُغْنِي عنه وَإِنْ مَاتَ عن أَوْلَادٍ ثُمَّ ادَّعَى ثَلَاثَةٌ منهم أَنَّ أَبُوهُمْ وَقَفَ عليهم هذه الدَّارَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّتُهُمْ وَأَقَامُوا شَاهِدًا فَإِنْ حَلَفُوا معه ثَبَتَ الْأُولَى ثَبَتَتْ أَيْ الدَّارُ وَقْفًا لهم وَلَا حَقَّ فيها لِبَاقِي الْوَرَثَةِ فَإِنْ كان مُدَّعَاهُمْ وَقْفَ تَرْتِيبٍ بِأَنْ ادَّعَوْا أَنَّهُ وَقَفَهَا عليهم ثُمَّ على أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ على أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَمَاتَ بَعْضُهُمْ أَخَذَ من بَقِيَ منهم لَا من بَعْدَهُمْ من الْبُطُونِ نَصِيبَهُ أَيْ نَصِيبَ من مَاتَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَطْنِ الثَّانِي إنَّمَا هو بَعْدَ انْقِرَاضِ من قَبْلَهُ بِلَا يَمِينٍ لِحَلِفَةِ أَوَّلًا
فَإِنْ مَاتُوا أَيْ الثَّلَاثَةُ كلهم مَعًا أو مُرَتَّبًا أَخَذَهَا أَيْ الدَّارَ وَقْفًا من بَعْدَهُمْ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ من الْوَاقِفِ لِأَنَّ وَقَفِيَّتَهَا تَثْبُتُ بِحُجَّةٍ يَثْبُتُ بها الْوَقْفُ فَتُدَامُ كما لو ثَبَتَتْ بِشَاهِدَيْنِ وَلِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِمُسْتَحِقٍّ فَلَا يَفْتَقِرُ من بَعْدَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْمَمْلُوكِ وَلِأَنَّهُمْ خُلَفَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوَّلًا لَا فَلَا يَفْتَقِرُونَ إلَيْهَا كَالْغَرِيمِ إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ مِلْكًا لِمُوَرِّثِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيَأْخُذُونَهَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِنْ نَكَلُوا عن الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَالدَّارُ بَعْدَ إحْلَافِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَرِكَةٌ يُقْضَى منها الدَّيْنُ وَالْوَصِيَّةُ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بين الْوَرَثَةِ وَتَصِيرُ حِصَّةُ
____________________
(4/376)
الثَّلَاثَةِ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِمْ وَحِصَّةُ سَائِرِ الْوَرَثَةِ طَلْقًا لهم فَإِنْ مَاتُوا لم تَثْبُتْ أَيْ الدَّارُ وَقْفًا في حَقِّ وَرَثَتِهِمْ أَيْ أَوْلَادِهِمْ إلَّا بِيَمِينٍ وَلَا يَكُونُ إقْرَارُ الْأَوَّلِينَ لَازِمًا عليهم وَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ الدَّارِ وَقْفًا لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ حَقٍّ كَالْأَوَّلِينَ فإذا أَبْطَلُوا حَقَّهُمْ بِالنُّكُولِ فَلِهَؤُلَاءِ أَنْ لَا يُبْطِلُوا حَقَّهُمْ لَا في حَيَاةِ الْأَوَّلِينَ فَلَيْسَ لهم أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَطْنِ الثَّانِي شَرْطُهُ انْقِرَاضُ الْأَوَّلِ وَإِنْ نَكَلَ اثْنَانِ من الثَّلَاثَةِ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الثَّالِثُ فَنَصِيبُ الْحَالِفِ وَقْفٌ وَحِصَّةُ النَّاكِلَيْنِ تَرِكَةٌ يُقْضَى الدَّيْنُ وَالْوَصِيَّةُ منها وَيُقَسَّمُ الْفَاضِلُ بين الْوَرَثَةِ من النَّاكِلَيْنِ وَالْمُنْكِرَيْنِ دُونَ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِيمَا أَخَذَهُ وَأَنَّ الْبَاقِيَ لِإِخْوَتِهِ وَقْفًا
ثُمَّ ما خَرَجَ لَلنَّاكِلَيْنِ يَكُونُ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِمَا فإذا مَاتَ النَّاكِلَانِ وَالْحَالِفُ حَيٌّ أَخَذَ نَصِيبَهُمَا على ما شَرَطَهُ الْوَاقِفُ بِإِقْرَارِهِمَا بِلَا يَمِينٍ لِحَلِفِهِ أَوَّلًا فإذا مَاتَ أَخَذَ الْبَطْنُ الثَّانِي نَصِيبَهُ بِلَا يَمِينٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو وهو مَيِّتٌ فَلِأَوْلَادِهِمَا أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ الدَّارِ وَقْفًا كما لو نَكَلَ الْجَمِيعُ وَأَمَّا نَصِيبُ الْحَالِفِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي بِلَا يَمِينٍ دُونَ النَّاكِلَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَبْطَلَا حَقَّهُمَا بِنُكُولِهِمَا وَصَارَا كَالْمَعْدُومَيْنِ وَأَمَّا إذَا كان مُدَّعَاهُمْ وَقْفَ تَشْرِيك بِأَنْ ادَّعَوْا أَنَّ أَبَاهُمْ وَقَفَ هذه الدَّارَ عليهم وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ ما تَنَاسَلُوا وَقَامُوا بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفُوا معه وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ أَخَذَهَا الْمُدَّعُونَ وَقْفًا ثُمَّ إنْ حَدَثَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ وُقِفَ له في يَدِ أَمِينٍ كما في الْأَصْلِ رُبْعُ الْغَلَّةِ حتى يَبْلُغَ وَيَحْلِفَ أو يَنْكُلَ فَإِنْ حَلَفَ كانت الْقِسْمَةُ على أَرْبَعَةٍ بَعْدَ أَنْ كانت على ثَلَاثَةٍ وَإِنْ نَكَلَ صُرِفَ الْمَوْقُوفُ إلَى الثَّلَاثَةِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لم يَحْدُثْ وَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ له لِأَنَّهُمْ إذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ بِتَقْدِيرِ حَلِفِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَهُمْ أَصْلًا في الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ أَدْخَلَ من يَحْدُثُ على سَبِيلِ الْعَوْلِ فإذا سَقَطَ الدَّاخِلُ فَالْقِسْمَةُ على الْأُصُولِ كما كانت فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قبل بُلُوغِهِ أو بَعْدَهُ وقبل النُّكُولِ حَلَفَ وَارِثُهُ وَاسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمَوْقُوفَ أو بَعْدَ النُّكُولِ فَلَا شَيْءَ له منه لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ بَلْ يَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ من الثَّلَاثَةِ الْأُولَى قَوْلُ أَصْلِهِ بَلْ يَكُونُ لِلثَّلَاثَةِ بِلَا يَمِينٍ وَكَأَنَّ الْمَوْلُودَ لم يُولَدْ قال
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ في صِغَرِ الْوَلَدِ وُقِفَ من يَوْمِ مَوْتِهِ لِلْوَلَدِ ثُلُثُ الْغَلَّةِ لِعَوْدِ الْمُسْتَحِقِّينَ حِينَئِذٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَإِنْ بَلَغَ وَحَلَفَ أَخَذَ الرُّبْعَ وَالثُّلُثَ الْمَوْقُوفَيْنِ أو نَكَلَ صُرِفَ الرُّبْعُ إلَى الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَصُرِفَ الثُّلُثُ إلَى الْبَاقِينَ خَاصَّةً فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تُوقَفُ الْغَلَّةُ أَيْ رُبْعُهَا أَيْ يُدَامُ وَقْفُهُ طَمَعًا في إفَاقَتِهِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ وُلِدَ له وَلَدٌ قبل أَنْ يُفِيقَ وُقِفَ له الْخُمْسُ وَلِوَلَدِهِ الْخُمْسُ من يَوْمِ وِلَادَتِهِ فَإِنْ أَفَاقَ وَبَلَغَ وَلَدُهُ وَحَلَفَا أَخَذَ الْمَجْنُونُ الرُّبْعَ من يَوْمِ وِلَادَتِهِ إلَى يَوْمِ وِلَادَةِ وَلَدِهِ وَالْخُمْسَ من يَوْمئِذٍ وَأَخَذَ وَلَدُهُ الْخُمْسَ من يَوْمئِذٍ وَلَوْ مَاتَ مَجْنُونًا بَعْدَمَا وُلِدَ له وَلَدٌ فَالْغَلَّةُ الْمَوْقُوفَةُ لِوَرَثَتِهِ إذَا حَلَفُوا وَيُوقَفُ لِوَلَدِهِ من يَوْمِ مَوْتِهِ رُبْعُ الْغَلَّةِ وَإِنْ نَكَلَ الثَّلَاثَةُ عن الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَلِمَنْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْأَوَّلِينَ يَتَلَقَّى الْوَقْفَ من الْوَاقِفِ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ أَخَذَ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ وَقْفًا وَبَقِيَ الْبَاقِي على ما كان وَإِنْ تَصَادَقُوا على الْوَقْفِ أَيْ على أَنَّ الدَّارَ وَقْفُ أَبِيهِمْ عليهم ثَبَتَ الْوَقْفُ وَلَا حَاجَةَ إلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَرْعٌ لو ادَّعَوْا أَيْ جَمَاعَةٌ أَنَّ رَجُلًا أو أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عليهم دَارًا وَهِيَ في يَدِهِ وَأَقَامُوا بِذَلِكَ شَاهِدًا فَكَمَا سَبَقَ من أَنَّهُ يُنْظَرُ أَحَلَفُوا مع شَاهِدِهِمْ أو نَكَلُوا أو حَلَفَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَيَجِيءُ فيه ما مَرَّ لَكِنْ ما جُعِلَ هُنَاكَ تَرِكَةً تُرِكَ هُنَا في يَدِ الرَّجُلِ الْمُدَّعَى عليه الْبَابُ الْخَامِسُ في الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ وَتُقْبَلُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ قد يَتَعَذَّرُ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَقٌّ لَازِمُ الْأَدَاءِ فَيُشْهِدُ عليها كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلِأَنَّهَا طَرِيقٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ كَالْإِقْرَارِ فَيُشْهِدُ عليها كَالْإِقْرَارِ لَكِنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ في غَيْرِ حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وغير إحْصَانٍ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالْأَقَارِيرِ وَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالرَّضَاعِ وَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ سَوَاءٌ فيه حَقُّ الْآدَمِيِّ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَوَقْفِ
____________________
(4/377)
الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وتقبل في أَنَّهُ قد حُدَّ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فإنه إسْقَاطٌ لِلْحَدِّ عنه أَمَّا حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِحْصَانُ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا لِبِنَاءِ الْحَدِّ الْمَشْرُوطِ بِالْإِحْصَانِ في الْجُمْلَةِ على التَّخْفِيفِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فإنه مَبْنِيٌّ على الْمُضَايَقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ بَدَلٌ عن شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ يُوَرِّثُ شُبْهَةً لِانْضِمَامِ احْتِمَالِ الْجِنَايَةِ في الْفَرْعِ إلَى احْتِمَالِهَا في الْأَصْلِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ شَامِلٌ لِجَوَازِ إشْهَادِ الْفَرْعِ على شَهَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ كما يَجُوزُ الضَّمَانُ عن الضَّامِنِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَحَمُّلُهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ عِنْدَ الْأَصْلِ شَهَادَةً جَازِمَةً بِحَقٍّ ثَابِتٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ الْأَصْلُ أَيْ يَلْتَمِسَ منه رِعَايَةَ الشَّهَادَةِ وَحِفْظَهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ على الشَّهَادَةِ نِيَابَةٌ فَاعْتُبِرَ فيها الْإِذْنُ أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فيقول أنا شَاهِدٌ بِكَذَا وَأُشْهِدُك أو أَشْهَدْتُك على شَهَادَتِي بِهِ أو اشْهَدْ على شَهَادَتِي بِكَذَا أو إذَا اُسْتُشْهِدْت على شَهَادَتِي بِكَذَا فَقَدْ أَذِنْت لَك أَنْ تَشْهَدَ بِهِ فَلَهُ وَلِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ على شَهَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ في الِاسْتِرْعَاءِ أُشْهِدُك على شَهَادَتِي وَعَنْ شَهَادَتِي لَكِنَّهُ أَتَمُّ فَقَوْلُهُ أُشْهِدُك على شَهَادَتِي تَحْمِيلٌ وَقَوْلُهُ عن شَهَادَتِي إذْنٌ في الْأَدَاءِ كَأَنَّهُ قال أَدِّهَا عَنِّي وَلِإِذْنِهِ أَثَرٌ وَلِهَذَا لو قال بَعْدَ التَّحْمِيلِ لَا تُؤَدِّ عَنِّي امْتَنَعَ عليه الْأَدَاءُ وهو ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ نَهَاهُ عن الْأَدَاءِ وَلَوْ سَمِعَهُ يقول اشْهَدْ بِكَذَا شَهَادَةً مَجْزُومَةً مَثْبُوتَةً أَيْ مَقْطُوعًا بها لم يَكْفِ في التَّحَمُّلِ فَلَا يَكْفِي فيه بِالْأَوْلَى ما لو سَمِعَهُ يقول لِفُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا أو أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا لَا على صُورَةِ الْأَدَاءِ فَقَدْ يُرِيدُ عِدَةً كان قد وَعَدَهَا أو يُشِيرُ بِكَلِمَةِ على إلَى أَنَّ عليه من بَابِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ وَيُنْزِلُهَا مَنْزِلَةَ الدُّيُونِ وقد يَتَسَاهَلُ بِإِطْلَاقِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أو فَاسِدٍ فإذا آلَ الْأَمْرُ إلَى الشَّهَادَةِ أَحْجَمَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَيَتَعَيَّنُ في التَّحَمُّلِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ من الْأَصْلِ كما مَرَّ مِثَالُهُ لَا قَوْلُهُ أُعْلِمُك وَأُخْبِرُك بِكَذَا وَنَحْوَهُمَا فَلَا يَكْفِي كما لَا يَكْفِي في أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي السَّبَبُ الثَّانِي أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ أو مُحَكَّمٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ أَمْ لَا فَلِكُلٍّ مِمَّنْ سَمِعَهُ حتى الْقَاضِي التَّحَمُّلُ عنه وَإِنْ لم يَسْتَرْعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي أو الْمُحَكَّمِ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْوُجُوبِ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ أَمِيرٍ أو وَزِيرٍ السَّبَبُ الثَّالِثُ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ أَيْ سَبَبَ الْوُجُوبِ فيقول اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا من ثَمَنِ مَبِيعٍ أو قَرْضٍ أو أَرْشِ جِنَايَةٍ أو غَيْرِهِ فَلَهُ التَّحَمُّلُ وَإِنْ لم يَسْتَرْعِهِ ولم يَشْهَدْ عِنْدَ قَاضٍ أو مُحَكَّمٍ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ الْوَعْدِ وَالتَّسَاهُلِ مع الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ كَأَنْ قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فإن لَك أَنْ تَشْهَدَ عليه بِذَلِكَ وَإِنْ لم يُبَيِّنْ السَّبَبَ ولم يَسْتَرْعِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِخَبَرٍ عن نَفْسِهِ فَلَا يَكَادُ يَتَسَاهَلُ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْسَعُ بَابًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْفَاسِقِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمَجْهُولِ دُونَ شَهَادَتِهِمْ وَيَقُولُ الْمُحْتَمِلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِلشَّهَادَةِ إنْ اسْتَرْعَى لها اشْهَدْ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ عِبَارَةُ أَصْلِهِ شَهِدَ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا وَأَشْهَدَنِي على شَهَادَتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ وَأَذِنَ لي أَنْ أَشْهَدَ إذَا اُسْتُشْهِدْت وَإِلَّا أَنْ وَإِنْ لم يَسْتَرْعِ بَيَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أو الْمُحَكَّمِ أو أَنَّهُ بَيَّنَ السَّبَبَ
____________________
(4/378)
لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لها على الْوَجْهِ الذي تَحَمَّلَهَا فَيَعْرِفُ الْقَاضِي أو الْمُحَكَّمُ صِحَّتَهَا أو فَسَادَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ على الناس الْجَهْلُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ فَإِنْ لم يُبَيِّنْ ذلك وَوُثِقَ الْقَاضِي أو الْمُحَكَّمُ بِعِلْمِهِ جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ على شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي أو الْمُحَكَّمِ أَنْ يَسْأَلَهُ إذَا لم يُبَيِّنْ السَّبَبَ هل أخبره الْأَصْلُ كَيْفَ لَزِمَهُ الْمَالُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ ثَبَتَ هذا الْمَالُ وَهَلْ أَخْبَرَك بِهِ الْأَصْلُ الطَّرَفُ الثَّانِي في شُرُوطِ التَّحَمُّلِ لَا يَتَحَمَّلُ الشَّخْصُ شَهَادَةً إلَّا عن مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ في تَحَمُّلِهَا عن غَيْرِهِ فَلَوْ تَحَمَّلَ عن مَقْبُولِهَا فَطَرَأَ عليه فِسْقٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَمْنَعُ قَبُولَهَا كَعَدَاوَةٍ لَغَا التَّحَمُّلُ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ ذلك لَا يَهْجُمُ غَالِبًا دَفْعَةً فَيُوَرِّثُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى وَلَيْسَ لِمُدَّتِهِ الْمَاضِيَةِ ضَبْطٌ فَيَنْعَطِفُ إلَى حَالَةِ التَّحَمُّلِ فَلَوْ زَالَتْ هذه الْمَوَانِعُ اُحْتِيجَ إلَى تَحَمُّلٍ جَدِيدٍ لَا إنْ طَرَأَ عليه مَوْتٌ وَجُنُونٌ مُطْبِقٌ وَعَمًى وَغَيْبَةٌ وَمَرَضٌ فَلَا يَلْغُو التَّحَمُّلُ لِأَنَّهَا لَا تُوقِعُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى وَكَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُغْمَى عليه حَاضِرًا فَلَا يَشْهَدُ الْفَرْعُ بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَ الْإِغْمَاءِ لِقُرْبِ زَوَالِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ قال الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَرَضٍ يُتَوَقَّعُ قُرْبُ زَوَالِهِ قال النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ الْفَرْقُ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عليه وَلِلْإِسْنَوِيِّ فيه كَلَامٌ ذَكَرْته مع جَوَابِهِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَأَلْحَقَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْجُنُونِ الْخَرَسَ بِنَاءً على مَنْعِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَخْرَسِ
وَإِنْ فَسَقَ الْأَصْلُ أو حَضَرَ أو قال لَا أَعْلَمُ أَنِّي تَحَمَّلْت أو نَسِيت أو نَحْوَهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ لِلشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ لم يُحْكَمْ بها لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ على الْأَصْلِ في الثَّانِيَةِ وَلِلرِّيبَةِ فِيمَا عَدَاهَا أو بَعْدَ الْحُكْمِ بها لم يُؤَثِّرْ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لم يُنْقَضْ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنْ يَجِيءَ في تَغْرِيمِهِمْ وَالتَّوَقُّفِ في اسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ ما يَأْتِي في رُجُوعِ الشُّهُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ كَذَّبَهُ قَبْلَهُ فَيُنْقَضُ إلَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَشْهَدَهُ فَلَا يُنْقَضُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا وَلَا يَتَحَمَّلُ نِسَاءٌ شَهَادَةً مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كانت الْأُصُولُ أو بَعْضُهُمْ نِسَاءً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ أَمْ لَا لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ تُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا ما شَهِدَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَفْسُ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَيَطَّلِعُ عليها الرِّجَالُ غَالِبًا وَيَصِحُّ تَحَمُّلُ نَاقِصٍ كَصَبِيٍّ وَعَبْدٍ وَفَاسِقٍ وَأَخْرَسَ أَدَّى وهو كَامِلٌ يَعْنِي يَصِحُّ أَدَاءُ الْكَامِلِ وَإِنْ تَحَمَّلَ وهو نَاقِصٌ
____________________
(4/379)
كَالْأَصْلِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْعَدَدِ أَيْ عَدَدِ شُهُودِ الْفَرْعُ فَيَكْفِي شَاهِدَانِ على الْأَصْلَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا شَهِدَا على قَوْلِ اثْنَيْنِ فَصَارَ كما لو شَهِدَا على مُقِرَّيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِكُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ وَلَا يَكْفِي له وَاحِدٌ بِنَاءً على أَنَّ الْفَرْعَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ الْحَقُّ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ بَلْ يَثْبُتُ بها شَهَادَةُ الْحَقِّ وَالْحَقُّ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الضَّرْبِ الثَّانِي من الْبَابِ الثَّانِي وَكَذَا يَكْفِي شَاهِدَانِ على رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِمَا عُلِمَ وَعَطَفَ على شَاهِدَانِ قَوْلَهُ لَا كُلُّ وَاحِدٍ من الْفَرْعَيْنِ على أَصْلٍ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا على شَهَادَةِ أَصْلٍ وَالْآخَرُ على شَهَادَةِ الْأَصْلِ الثَّانِي فَلَا يَكْفِي ذلك لِأَنَّ الْفَرْعَ يُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ كما مَرَّ وَالْأَصْلُ شَهِدَ مع فَرْعٍ عن بِمَعْنَى على شَهَادَةِ الْأَصْلِ الثَّانِي فَلَا يَكْفِي ذلك لِأَنَّ من قام بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْبَيِّنَةِ لَا يَقُومُ بِالْآخَرِ وَلَوْ مع غَيْرِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الْأَدَاءِ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ لَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ أو تَعَسُّرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِغَيْبَةِ الْأَصْلِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أو مَوْتٍ أو عَمًى لَا تُسْمَعُ معه الشَّهَادَةُ أو جُنُونٍ أو مَرَضٍ مَشَقَّتُهُ ظَاهِرَةٌ بِأَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِهِ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَخَوْفٍ من غَرِيمٍ وَسَائِرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ فَلَا تُسْمَعُ مع حُضُورِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ وَلِهَذَا تُقْبَلُ من الْعَبْدِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ على الشَّهَادَةِ إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَلَيْسَ هذا تَكْرَارًا مع ما مَرَّ من أَنَّ مَوْتَ الْأَصْلِ وَجُنُونَهُ وَعَمَاهُ لَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لِأَنَّ ذَاكَ في بَيَانِ طَرَيَان الْعُذْرِ وَهَذَا في الْمُسَوِّغِ لِلشَّهَادَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وما ذُكِرَ من ضَابِطِ الْمَرَضِ هُنَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وهو بَعِيدٌ نَقْلًا وَعَقْلًا وَبَيَّنَ ذلك ثُمَّ قال على أَنَّ إلْحَاقَهُ سَائِرَ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ بِالْمَرَضِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ على الْإِطْلَاقِ فَإِنْ أَكَلَ مَالَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ عُذِرَ في الْجُمُعَةِ وَلَا يقول أَحَدٌ هُنَا بِأَنَّ أَكْلَ شُهُودِ الْأَصْلِ ذلك يُسَوِّغُ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ على شَهَادَتِهِمْ وَسَبَقَهُ إلَى ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا ما يَعُمُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ من الْأَعْذَارِ كَالْمَطَرِ وَالْوَحْلِ الشَّدِيدِ فَلَا تُسْمَعُ معه شَهَادَةُ الْفَرْعِ كَذَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ قال الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ فإن مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ له لَا تُخْرِجُهُ عن كَوْنِهِ عُذْرًا في حَقِّهِ فَلَوْ تَجَشَّمَ الْفَرْعُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ وَأَدَّى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وهو حَسَنٌ وَلَا يُكَلَّفُ الْقَاضِي أو نَائِبُهُ الْحُضُورَ إلَى الْأَصْلِ لِيَسْمَعَ شَهَادَتَهُ لِمَا فيه من الِابْتِذَالِ فَصْلٌ تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْأُصُولِ وَتَعْرِيفُهُمْ من الْفَرْعِ إذْ لَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِمْ وَلَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُمْ
____________________
(4/380)
ما لم يُعْرَفُوا وَلِيَتَمَكَّنَ الْخَصْمُ من جَرْحِهِمْ إذَا عَرَفَهُمْ فَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْفَرْعِ أَشْهَدَنِي عَدْلٌ أو نَحْوُهُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قد يَعْرِفُ جَرْحَهُ لو سَمَّاهُ وَلِأَنَّهُ يَسُدُّ بَابَ الْجَرْحِ على الْخَصْمِ وَلِفَرْعٍ تَزْكِيَةُ أَصْلٍ له لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فيها لَا تَزْكِيَةُ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ لِأَنَّهَا من تَتِمَّةِ شَهَادَتِهِ هُنَا وَالْمُزَكِّي قَائِمٌ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ قِيَامُهُ بِالثَّانِي وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَزْكِيَةُ الْأَصْلِ بَلْ له إطْلَاقُهَا ثُمَّ الْقَاضِي يَبْحَثُ عن عَدَالَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ في شَهَادَتِهِ لِصِدْقِ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ بِخِلَافِ ما إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مع شَاهِدِهِ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ لِصِدْقِهِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْلُ فَرْعٌ لو اجْتَمَعَ أَصْلٌ وَفَرْعَا أَصْلٍ آخَرَ قُدِّمَ عَلَيْهِمَا في الشَّهَادَةِ كما لو كان معه مَاءٌ لَا يَكْفِيه يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ الْبَابُ السَّادِسُ في الرُّجُوعِ عن الشَّهَادَةِ فَإِنْ رَجَعُوا أَيْ الشُّهُودُ عن الشَّهَادَةِ قبل الْحُكْمِ بها لم يُحْكَمْ بها وَإِنْ أَعَادُوهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ في عُقُوبَةٍ أَمْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَدْرِي أَصَدَقُوا في الْأَوَّلِ أو في الثَّانِي فَيَنْتَفِي ظَنُّ الصِّدْقِ وَلَا يُفَسَّقُونَ بِرُجُوعِهِمْ إلَّا أَنْ قالوا تَعَمَّدْنَا شَهَادَةَ الزُّورِ فَيُفَسَّقُونَ وَلَوْ رَجَعُوا عن شَهَادَتِهِمْ في زِنًا حُدُّوا حَدَّ الْقَاذِفِ وَإِنْ قالوا غَلِطْنَا لِمَا فيه من التَّعْبِيرِ وكان حَقُّهُمْ التَّثَبُّتَ وَكَمَا لو رَجَعُوا عنها بَعْدَ الْحُكْمِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ أَعَادُوهَا لِمَا مَرَّ فَإِنْ قالوا لِلْحَاكِمِ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ تَوَقَّفْ عن الْحُكْمِ ثُمَّ قالوا له اُحْكُمْ فَنَحْنُ على شَهَادَتِنَا حَكَمَ لِأَنَّهُ لم يَتَحَقَّقْ رُجُوعُهُمْ وَلَا بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُمْ وَإِنْ عَرَضَ شَكٌّ فَقَدْ زَالَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُرْجَعُ في ذلك إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي فَإِنْ لم يَبْقَ عِنْدَهُ رِيبَةٌ حَكَمَ وَإِنْ دَامَتْ أو دَلَّتْ قَرِينَةٌ على تَسَاهُلٍ فَلَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ عن سَبَبِ التَّوَقُّفِ هل هو لِشَكٍّ طَرَأَ أَمْ لِأَمْرٍ ظَهَرَ لهم فَإِنْ قالوا لِشَكٍّ طَرَأَ قال لهم بَيِّنُوهُ فَإِنْ ظَهَرَ ما لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لم يَمْنَعْهُ من الْحُكْمِ بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ منهم لِأَنَّهَا صَدَرَتْ من أَهْلٍ جَازِمٍ وَالتَّوَقُّفُ الطَّارِئُ قد زَالَ وَإِنْ رَجَعُوا عَمَّا شَهِدُوا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ وهو بِمَالٍ أو عَقْدٍ وَلَوْ نِكَاحًا نَفَذَ الْحُكْمُ بِهِ وَاسْتَوْفَى إنْ لم يَكُنْ اسْتَوْفَى إذْ ليس هو مِمَّا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ حتى يَتَأَثَّرَ بِالرُّجُوعِ أو بِعُقُوبَةٍ وَلَوْ لِآدَمِيٍّ لم يَسْتَوْفِ لِتَأَثُّرِهَا بِالشُّبْهَةِ وَوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فيها وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ في قَتْلٍ أو رَجْمٍ أو جَلْدٍ مَاتَ منه أو قَطْعٍ بِجِنَايَةٍ أو سَرِقَةٍ وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا اُقْتُصَّ منهم مُمَاثَلَةً أو أُخِذَتْ منهم الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مُوَزَّعَةً على عَدَدِ رُءُوسِهِمْ كما مَرَّ في الْجِنَايَاتِ وَلَا يَضُرُّ في اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ من الْمَرْجُومِ وَلَا قَدْرِ الْحَجْرِ وَعَدَدِهِ قال الْقَاضِي لِأَنَّ ذلك تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَخَالَفَ في الْمُهِمَّاتِ فقال يَتَعَيَّنُ السَّيْفُ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ وَيُخَالِفُ ما تَقَرَّرَ ما لو رَجَعَ الرَّاوِي عن رِوَايَةِ خَبَرٍ يُوجِبُ الْقَوَدَ فإنه لَا قِصَاصَ فيه وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْوَاقِعَةِ فلم يَقْصِدْ الرَّاوِي الْقَتْلَ
وَقُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ لَزِمَهُمْ على قَتْلِهِمْ لِيَتَأَتَّى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أو قالوا أَخْطَأْنَا في شَهَادَتِنَا فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ مُوَزَّعَةٌ على عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَتَكُونُ في مَالِهِمْ لَا على عَاقِلَةٍ كَذَّبَتْ لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ لَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ ما لم تُصَدِّقْهُمْ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أنها تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ مع سُكُوتِهَا وَكَلَامُ الْأَصْلِ في هذا مُتَدَافِعٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ كَثِيرٍ عَدَمُ اللُّزُومِ فيه وَلَا يَمِينَ عليها لو ادَّعَوْا أنها تَعْرِفُ خَطَأَهُمْ وَأَنَّ عليهم الدِّيَةَ وَأَنْكَرَتْ ذلك نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ الْقَطَّانِ ثُمَّ نُقِلَ عن ابْنِ كَجٍّ احْتِمَالُ أَنَّ لهم تَحْلِيفَهَا لِأَنَّهُمْ لو أَقَرُّوا لَغَرِمُوا
قال الْإِسْنَوِيُّ قد جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْعَاقِلَةِ بِأَنَّ الْجَانِيَ إذَا
____________________
(4/381)
اعْتَرَفَ بِالْخَطَأِ وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ على نَفْيِ الْعِلْمِ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ خِلَافَ ما قَالَهُ ابن الْقَطَّانِ فإن الشَّاهِدَ فَرْدٌ من أَفْرَادِ ما دخل ثَمَّ في كَلَامِهِ انْتَهَى على أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ لم يَجْزِمْ بِذَلِكَ بَلْ حَكَى وَجْهَيْنِ كما حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عن حِكَايَةِ الدَّارِمِيِّ عنه قال الْإِمَامُ وقد يَرَى الْقَاضِي فِيمَا إذَا قالوا أَخْطَأْنَا تَعْزِيرَهُمْ لِتَرْكِهِمْ التَّحَفُّظَ نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ وَأَقَرَّهُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ الْمَعْرُوفِ عَدَمِ التَّعْزِيرِ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أبو الطِّيبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّي لَكِنْ جَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بين الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ التَّعْزِيرُ بَلْ هو رَاجِعٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ كما قال الْإِمَامُ وَرُجُوعُ الْقَاضِي وَحْدَهُ كَرُجُوعِهِمْ فَإِنْ قال تَعَمَّدْت الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ أو أَخْطَأْت فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عليه لَا على عَاقِلَةٍ كَذَّبَتْهُ فَإِنْ رَجَعُوا أَيْ الْقَاضِي وَالشُّهُودُ مَعًا فَالْقِصَاصُ على الْجَمِيعِ إنْ قالوا تَعَمَّدْنَا وَالدِّيَةُ عليهم مُنَاصَفَةً لِاعْتِرَافِهِمْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا قال في الْأَصْلِ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ وَحْدَهُ كما لو رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ انْتَهَى وَرُدَّ الْقِيَاسُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قد يَسْتَقِلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ الشُّهُودِ وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ وَحْدَهُمْ مع أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ وَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ لِلدَّمِ وَلَوْ مَعَهُمْ فَعَلَيْهِ دُونَهُمْ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَهُمْ معه كَالْمُمْسِكِ مع الْقَاتِلِ أو رَجَعَ الْمُزَكِّي لِلشُّهُودِ وَلَوْ قبل شَهَادَتِهِمْ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ الْقَاضِيَ إلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إلَى الْقَتْلِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين قَوْلِهِ عَلِمْت كَذِبَهُمْ وَقَوْلِهِ عَلِمْت فِسْقَهُمْ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وقال الْقَفَّالُ مَحِلُّهُ إذَا قال عَلِمْت كَذِبَهُمْ فَإِنْ قال عَلِمْت فِسْقَهُمْ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ قد يُصَدَّقُونَ مع فِسْقِهِمْ وَلَوْ قال كُلُّ وَاحِدٍ من شَاهِدَيْنِ تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ صَاحِبِي فَلَا قِصَاصَ لِانْتِفَاءِ تَمَحَّضَ الْعَمْدِ لِعِدْوَانٍ في حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ بَلْ يَلْزَمُهُمَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ أو قال أَحَدُهُمَا تَعَمَّدْت وَصَاحِبِي أَخْطَأَ أو قال تَعَمَّدْت وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ لَا وهو مَيِّتٌ أو غَائِبٌ لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أو اقْتَصَرَ على تَعَمَّدْت وقال صَاحِبُهُ أَخْطَأْت فَلَا قِصَاصَ لِمَا مَرَّ
____________________
(4/382)
وَقِسْطُ الْمُتَعَمِّدِ من الدِّيَةِ مُغَلَّظٌ وَقِسْطُ الْمُخْطِئِ منها مُخَفَّفٌ أو قال تَعَمَّدْت وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي وهو غَائِبٌ أو مَيِّتٌ اُقْتُصَّ منه أو قال كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْت وَلَا أَعْلَمُ حَالَ صَاحِبِي أو تَعَمَّدْت وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي كما فَهِمَ بِالْأَوْلَى أو اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ تَعَمَّدْت اُقْتُصَّ مِنْهُمَا وَإِنْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِعَمْدِهِمَا وَالْآخَرُ بِعَمْدِهِ وَخَطَّأَ صَاحِبَهُ أو بِخَطَئِهِ وَحْدَهُ أو بِخَطَئِهِمَا اُقْتُصَّ من الْأَوَّلِ لِاعْتِرَافِهِ بِتَعَمُّدِهِمَا جميعا لَا من الثَّانِي لِأَنَّهُ لم يَعْتَرِفْ إلَّا بِشَرِكَةِ مُخْطِئٍ أو بِخَطَأٍ أو رَجَعَ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ وقال تَعَمَّدْنَا لَا إنْ قال تَعَمَّدْت اُقْتُصَّ منه وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ لم نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِنَا كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى رَجُلٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَكِنْ قال لم أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ إلَّا لِقُرْبِ عَهْدٍ منهم بِالْإِسْلَامِ أو نَشْأَتِهِمْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ لِانْتِفَاءِ تَمَحَّضَ عَمْدِ الْعُدْوَانِ فَعَلَيْهِمْ وَاجِبُهُ في مَالِهِمْ مُؤَجَّلًا ثَلَاثَ سِنِينَ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَيَجِبُ عليها وَلَوْ رَجَعَا عن شَهَادَتِهِمَا بِمَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ بين الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْبَيْنُونَةِ بِطَلَاقٍ أو رَضَاعٍ أو لِعَانٍ أو نَحْوِهَا غَرِمَا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا عليه ما يَتَقَوَّمُ كما لو شَهِدَا بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَا فَيَغْرَمَانِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَلَوْ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَ إبْرَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا عن الْمَهْرِ نَظَرًا إلَى بَدَلِ الْبُضْعِ الْمُفَوَّتِ بِالشَّهَادَةِ إذْ النَّظَرُ في الْإِتْلَافِ إلَى الْمُتْلِفِ لَا إلَى ما قام بِهِ على الْمُسْتَحِقِّ سَوَاءٌ أَدَفَعَ الزَّوْجُ إلَيْهَا الْمَهْرَ أَمْ لَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الدَّيْنِ لَا يَغْرَمَانِ قبل دَفْعِهِ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ هُنَا قد تَحَقَّقَتْ كما لو شَهِدَا بِطَلَاقٍ وَفَرْضٍ لِمُفَوِّضَةٍ قبل دُخُولٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَا لو لم يَشْهَدَا بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا على الزَّوْجِ الْبُضْعَ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَهِيَ مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا في الْأَصْلِ من أَنَّهُمَا لو شَهِدَا بِطَلَاقِ مُفَوِّضَةٍ قبل الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وَالْمُتْعَةِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ الْمُتْعَةِ وَلَوْ رَجَعَا عن شَهَادَتِهِمَا في طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُمَا لم يُفَوِّتَا على الزَّوْجِ شيئا لِقُدْرَتِهِ على الْمُرَاجَعَةِ فَإِنْ لم يُرَاجِعْهَا حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا غَرِمَا كما في الْبَائِنِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَالْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شيئا إذَا أَمْكَنَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَتَرَكَهَا بِاخْتِيَارِهِ وقد يُتَوَقَّفُ فِيمَا قَالَهُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ من تَدَارُكِ دَفْعِ ما يَعْرِضُ بِجِنَايَةِ الْغَيْرِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كما لو جَرَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فلم يَذْبَحْهَا مَالِكُهَا مع التَّمَكُّنِ منه حتى مَاتَتْ وَلَوْ غَرِمَا لِرُجُوعِهِمَا عن شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ في الطَّلَاقِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ تَقْتَضِي أَنْ لَا نِكَاحَ بين الزَّوْجَيْنِ اسْتَرَدَّا ما غَرِمَا لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لم تُفَوِّتْ على الزَّوْجِ شيئا أو شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَدَخَلَ بها ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا لها ما نَقَصَ عن مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كان الْأَلْفُ دُونَهُ بِخِلَافِ ما لو رَجَعَا قبل الدُّخُولِ لَا يَغْرَمَانِ
____________________
(4/383)
شيئا كما نَقَلَهُ ابن الصَّبَّاغِ عن بَعْضِهِمْ ثُمَّ قال وَيَنْبَغِي إنَّهُمَا إذَا رَجَعَا قبل الدُّخُولِ ثُمَّ دخل بها يَغْرَمَانِ ما نَقَصَ وهو ما أَطْلَقَهُ ابن كَجٍّ وَهَذَا الْبَحْثُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عنه ولم يَنْقُلْ عنه مَنْقُولَهُ وَقِيلَ لَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُمَا لم يُتْلِفَا شيئا بَلْ الْمُتْلِفُ هو الزَّوْجُ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ الرَّاجِحُ الثَّانِي وهو الذي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ في شَرْحِهِ على الْمَذْهَبِ أو شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَيْ زَوْجَتَهُ أو أَعْتَقَهَا أَيْ أَمَتَهُ بِأَلْفٍ وَمَهْرُهَا أو قِيمَتُهَا أَلْفَانِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا أَلْفًا وَقِيلَ يَغْرَمَانِ مَهْرَ الْمِثْلِ أو الْقِيمَةَ كما لو لم يَذْكُرَا عِوَضًا وَأَمَّا الْأَلْفُ فَمَحْفُوظٌ عِنْدَهُ لها إنْ قَبَضَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ وَإِلَّا فَيُقِرُّ عِنْدَهَا حتى تَدَّعِيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ لَكِنْ قَضِيَّةُ ما مَرَّ قَرِيبًا في التَّفْرِيقِ بِالْبَيْنُونَةِ تَرْجِيحُ الثَّانِي كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا وَبِهِ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ على أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ في مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ كُلَّ الْقِيمَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الْعَبْدَ يُؤَدِّي من كَسْبِهِ وهو لِلسَّيِّدِ وَالزَّوْجَةِ بِخِلَافِهِ أو شَهِدَا بِعِتْقٍ لِرَقِيقٍ وَلَوْ لِأُمِّ وَلَدٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا الْقِيمَةَ وَالْعِبْرَةُ فيها بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ كما نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن ابن الْقَاصِّ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا اتَّصَلَ بها الْحُكْمُ لِأَنَّهُ وَقْتَ نُفُوذِ الْعِتْقِ وَبِهِ عَبَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ على أَحَدِ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا اعْتِبَارُ أَكْثَرِ قِيمَةٍ من وَقْتِ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ تُؤْخَذُ مِنْهُمَا لِلْحَيْلُولَةِ حتى يَسْتَرِدَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ كما لو غُصِبَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُمَا لِلْحَيْلُولَةِ نَبَّهَ عليه ابن الرِّفْعَةِ وَشَرَطَ لِاسْتِرْدَادِهَا في الْمُدَبَّرِ أَنْ يَخْرُجَ من الثُّلُثِ فَإِنْ خَرَجَ منه بَعْضُهُ اسْتَرَدَّ قَدْرَ ما خَرَجَ أو شَهِدَا بِإِيلَادٍ أو تَدْبِيرٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا الْقِيمَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَزُولُ بَعْدَهُ أو شَهِدَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ أو عِتْقٍ بِصِفَةٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ فَبَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ يَغْرَمَانِ الْمَهْرَ أو الْقِيمَةَ لِمَا مَرَّ أو شَهِدَا بِكِتَابَةٍ لِرَقِيقٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ ظَاهِرًا فَهَلْ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ كُلَّهَا لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ من كَسْبِهِ وهو لِسَيِّدِهِ أو نَقَصَ النُّجُومُ عنها لِأَنَّهُ الْفَائِتُ وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَشْبَهُهُمَا الثَّانِي وَعَزَاهُ الدَّارِمِيُّ لِابْنِ سُرَيْجٍ ولم يَحْكِ غَيْرَهُ أو شَهِدَا أَنَّهُ وَقَفَهُ على مَسْجِدٍ أو جِهَةٍ عَامَّةٍ أو على مُعَيَّنٍ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا أو أَنَّهُ جَعَلَ شَاتَه أُضْحِيَّةً ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْقِيمَةُ يَغْرَمَانِهَا وَيَغْرَمَانِ لِذِي مَالٍ شَهِدَا عليه بِهِ لِآخَرَ وَلَوْ كان عَيْنًا ثُمَّ حُكِمَ بِهِ وَغَرِمَهُ له وفي نُسْخَةٍ وَدَفَعَهُ ثُمَّ رَجَعَا لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا عليه بِشَهَادَتِهِمَا ما غَرِمَهُ ويغرمان لِعَاقِلَةٍ شَهِدَا على من تَحَمَّلَتْ عنه بِجِنَايَةٍ أَوْجَبَتْ مَالًا وَحُكِمَ بها وغرمت ثُمَّ رَجَعَا ويغرمان فِيمَا إذَا شَهِدَا على شَرِيكٍ مُوسِرٍ بِأَنَّهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ في رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ وَحَكَمَ بِهِ ثُمَّ رَجَّعَا قِيمَةَ ما عَتَقَ بِالْإِعْتَاقِ لِشَرِيكٍ وهو الْمُعْتِقِ وقيمة سِرَايَتِهِ أَيْ الْعِتْقِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَإِنْ رَجَعَ فُرُوعٌ أو أُصُولٌ عن شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ غَرِمُوا أو رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَالْفُرُوعُ أَيْ فَالْغَارِمُ الْفُرُوعُ فَقَطْ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ إشْهَادَ الْأُصُولِ وَيَقُولُونَ كَذَبْنَا فِيمَا قُلْنَا وَالْحُكْمُ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ وَعُزِّرَ مُتَعَمِّدٌ في شَهَادَتِهِ الزُّورَ بِاعْتِرَافِهِ إذَا لم يُقْتَصَّ منه بِأَنْ لم يَلْزَمْهُ بِرُجُوعِهِ قِصَاصٌ وَلَا حَدٌّ وَدَخَلَ التَّعْزِيرُ فيه أَيْ في الْقِصَاصِ أو الْحَدِّ إنْ اُقْتُصَّ منه وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَشْهُودُ له بِشَهَادَتِهِمَا مَالًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْخَصْمِ أو شَهِدَا بِإِقَالَةٍ من عَقْدٍ وَحُكِمَ بها ثُمَّ رَجَعَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْغَارِمَ عَادَ إلَى ما غَرِمَهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ لو لم يَقُولَا رَجَعْنَا لَكِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُجُوعِهِمَا لم يَغْرَمَا قال الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ على الْمَشْهُودِ عليه
____________________
(4/384)
فَصْلٌ إذَا رَجَعُوا عن شَهَادَتِهِمْ غَرِمُوا بِالسَّوِيَّةِ سَوَاءٌ أَرَجَعُوا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا وَسَوَاءٌ كَانُوا أَقَلَّ الْحُجَّةِ أَمْ زَادُوا أو رَجَعَ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ نِصَابٌ فَلَا غُرْمَ وَلَا قِصَاصَ على الرَّاجِعِينَ
وَإِنْ قالوا تَعَمَّدْنَا لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِمَنْ بَقِيَ وَإِنْ رَجَعُوا فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ إلَّا وَاحِدًا غَرِمُوا النِّصْفَ لَا الْقِسْطَ بِحَسَبِ عَدَدِ الرُّءُوسِ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحُجَّةِ وَعَلَى امْرَأَتَيْنِ رَجَعَتَا مع رَجُلٍ نِصْفٌ على كُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعٌ لِأَنَّهُمَا نِصْفُ الْحُجَّةِ وَعَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ الْبَاقِي وَعَلَيْهِ أَيْ الرَّجُلِ إذَا رَجَعَ مع نِسَاءِ أَرْبَعٍ في رَضَاعٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِمَحْضِ النِّسَاءِ ثُلُثٌ وَعَلَيْهِنَّ ثُلُثَاهُ إذْ كُلُّ ثِنْتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ تَنْفَرِدُ بها النِّسَاءُ فَلَا يَتَعَيَّنُ الرَّجُلُ لِلنِّصْفِ فَإِنْ رَجَعَ هو أو ثِنْتَانِ مِنْهُنَّ فَلَا غُرْمَ على الرَّاجِعِ لِبَقَاءِ حُجَّةٍ وَعَلَيْهِ إذَا شَهِدَ مع عَشْرٍ في ذلك ثُمَّ رَجَعُوا سُدُسٌ وَعَلَى كل ثِنْتَيْنِ سُدُسٌ فَإِنْ رَجَعَ مِنْهُنَّ ثَمَانٍ أو هو وَلَوْ مع سِتٍّ فَلَا غُرْمَ على الرَّاجِعِ لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ وَإِنْ رَجَعَ مع سَبْعٍ غَرِمُوا الرُّبْعَ لِبُطْلَانِ رُبْعِ الْحُجَّةِ أو رَجَعَ كُلُّهُنَّ دُونَهُ غَرِمْنَ نِصْفًا أو رَجَعَ هو مع ثَمَانٍ غَرِمُوا النِّصْفَ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحُجَّةِ فِيهِمَا أو مع تِسْعٍ غَرِمُوا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ وهو كَامْرَأَتَيْنِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ما عَلَيْهِمَا وَإِنْ كانت أَيْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَالنِّسَاءِ في مَالٍ وَرَجَعَ وَحْدَهُ أو مع ثَمَانٍ غَرِمَ النِّصْفَ دُونَهُنَّ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ إلَّا نِصْفُ الْحَقِّ وقد بَقِيَ مِنْهُنَّ من يَتِمُّ بِهِ ذلك أو رَجَعَ مع تِسْعٍ فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُنَّ عليهم رُبْعٌ لِبَقَاءِ رُبْعُ الْحُجَّةِ
وَإِنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ أَيْ شَخْصٍ وَشَهِدَ آخَرُونَ بِزِنَاهُ فَرُجِمَ أو شَهِدُوا بِالصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بها طَلَاقٌ أو عِتْقٌ وَشَهِدَ آخَرُونَ بِتَعْلِيقِ ذلك فَطَلُقَتْ أو عَتَقَتْ ثُمَّ رَجَعُوا كلهم فَلَا غُرْمَ على شُهُودِ الْإِحْصَانِ أو الصِّفَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ شَهَادَتُهُمْ عن شَهَادَةِ الزِّنَا وَالتَّعْلِيقِ إذْ لم يَشْهَدُوا في الْإِحْصَانِ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةً على الزَّانِي وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِصِفَةِ كَمَالٍ وَشَهَادَتُهُمْ في الصِّفَةِ شَرْطٌ لَا سَبَبٌ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ لَا إلَى الشَّرْطِ على الْأَصَحِّ هذا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمَعْرُوفُ الْغُرْمُ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ انْتَهَى وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَرْجَحُ وقد مَرَّ أَنَّ الْمُزَكِّيَ يَغْرَمُ فَشُهُودُ الْإِحْصَانِ وَالصِّفَةِ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُزَكِّيَ مُعَيَّنٌ لِلشَّاهِدِ الْمُتَسَبِّبِ في الْقَتْلِ وَمَقْتُولِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ بِالْإِحْصَانِ أو الصِّفَةِ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على شَخْصٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ فَرَجَعَ وَاحِدٌ منهم عن مِائَةٍ وَآخَرُ عن مِائَتَيْنِ وَالثَّالِثُ عن ثَلَثِمِائَةٍ وَالرَّابِعُ عن أَرْبَعِمِائَةٍ فَالرُّجُوعُ الذي لَا يَبْقَى معه حُجَّةٌ عن مِائَتَيْنِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْمِائَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ فِيهِمَا فَمِائَةٌ يَغْرَمُهَا الْأَرْبَعَةُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مِائَةٍ يَغْرَمُهَا غَيْرُ الْأَوَّلِ بِالسَّوِيَّةِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالرُّجُوعِ عنها وَالرُّبْعُ الْآخَرُ لَا غُرْمَ فيه لِبَقَاءِ رُبْعِ الْحُجَّةِ قال الْبُلْقِينِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا يَغْرَمُونَ نِصْفَ الْمِائَةِ وما ذُكِرَ إنَّمَا يَأْتِي على الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّ كُلًّا منهم يَغْرَمُ حِصَّتَهُ بِمَا رَجَعَ عنه وما قَالَهُ مُتَعَيَّنٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ الْآخَرُ لَا غُرْمَ فيه
____________________
(4/385)
فَصْلٌ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشُهُودٍ فَبَانُوا مَرْدُودِينَ في شَهَادَتِهِمْ لِكُفْرٍ أو رِقٍّ أو فِسْقٍ أو غَيْرِهَا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ أَيْ حُكْمَهُ يُنْقَضُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ فَتَعُودُ الْمُطَلَّقَةُ بِشَهَادَتِهِمْ زَوْجَةً وَالْمُعْتَقَةُ بها أَمَةً فَإِنْ اُسْتُوْفِيَ بها قَطْعٌ أو قَتْلٌ أو حَدٌّ أو تَعْزِيرٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي الضَّمَانُ وَلَوْ في حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى لِتَفْرِيطٍ بِتَرْكِ الْبَحْثِ التَّامِّ عن حَالِ الشُّهُودِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهُ الْمُدَّعِي وَلَوْ بِنَائِبِهِ أَمْ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ على الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يقول اسْتَوْفَيْت حَقِّي فَإِنْ كان الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا وَلَوْ تَالِفًا ضَمِنَهُ الْمَحْكُومُ له وَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِتْلَافِ بِالْقِصَاصِ حَيْثُ لَا غُرْمَ عليه فيه بِأَنَّ الْإِتْلَافَ إنَّمَا يُضْمَنُ إذَا وَقَعَ على وَجْهِ التَّعَدِّي وَحُكْمُ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عن التَّعَدِّي وَأَمَّا الْمَالُ فإذا حَصَلَ بِيَدِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كان مَضْمُونًا وَإِنْ لم يُوجَدْ منه تَعَدٍّ فَلَوْ كان الْمَحْكُومُ له مُعْسِرًا قال في الْأَصْلِ أو غَائِبًا غَرِمَ الْقَاضِي لِلْمَحْكُومِ عليه لَا عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ ذلك ليس بَدَلَ نَفْسٍ حتى يَتَعَلَّقَ بها وَرَجَعَ بِهِ على الْمَحْكُومِ له إذَا أَيْسَرَ أو حَضَرَ وَلَا غُرْمَ على الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ على شَهَادَتِهِمْ زَاعِمُونَ صِدْقَهُمْ بِخِلَافِ الرَّاجِعِينَ وَلَا على الْمُزَكِّينَ لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَبْنِيٍّ على شَهَادَتِهِمْ مع أَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلشُّهُودِ كِتَابُ الدَّعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْبَيِّنَاتِ الدَّعْوَى لُغَةً الطَّلَبُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عن وُجُوبِ حَقٍّ لِلْمُخْبِرِ على غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَالْبَيِّنَةُ الشُّهُودِ سُمُّوا بها لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ وَالْأَصْلُ في ذلك أَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ لو يُعْطَى الناس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ على الْمُدَّعَى عليه وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ على من أَنْكَرَ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضُعِّفَ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ وَجَانِبَ الْمُنْكِرِ قَوِيَ فَاكْتُفِيَ منه بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ وَفِيهِ أَبْوَابٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ في الدَّعْوَى وَفِيهِ مَسَائِلُ سَبْعَةٌ الْأُولَى في مُوجِبِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ كان الْحَقُّ عُقُوبَةً كَقِصَاصٍ وحد قَذْفٍ اُشْتُرِطَ الرَّفْعُ فيها إلَى الْقَاضِي فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا كما في النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا من سَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَعْمَ قال الْمَاوَرْدِيُّ من وَجَبَ له تَعْزِيرٌ أو حَدُّ قَذْفٍ وكان في بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن السُّلْطَانِ له اسْتِيفَاؤُهُ وقال ابن عبد السَّلَامِ في أَوَاخِرِ قَوَاعِدِهِ لو انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ من الْقَوَدِ لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عن إثْبَاتِهِ وَقَدَّمْتُ هذا أَيْضًا في بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ
وَكَذَا من له عَيْنٌ عِنْدَ غَيْرِهِ وَخَشِيَ بِأَخْذِهَا اسْتِقْلَالًا فِتْنَةً يُشْتَرَطُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ فيه الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِتَمَكُّنِهِ من الْخَلَاصِ بِهِ بِغَيْرِ إثَارَةِ فِتْنَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَخْشَهَا فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا أو كان له دَيْنٌ على مُقِرٍّ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ من أَدَائِهِ طَالَبَهُ بِهِ لِيُؤَدِّيَهُ وَلَيْسَ
____________________
(4/386)
له أَنْ يَأْخُذَ شيئا من مَالِهٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ في تَعْيِينِ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَى الْمَدِينِ فَإِنْ خَالَفَ وأخذ من مَالِهِ شيئا رَدَّهُ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ فَإِنْ اتَّفَقَا أَيْ الْحَقَّانِ جاء التَّقَاصُّ وَإِنْ كان الدَّيْنُ على مُقِرٍّ مُمَاطِلٍ بِهِ أو مُنْكِرٍ له يَحْتَاجُ في أَخْذِ الْحَقِّ منه إلَى بَيِّنَةٍ أو تَحْلِيفٍ أُخِذَ من مَالِهِ اسْتِقْلَالًا وَإِنْ كان له بَيِّنَةٌ أو يَرْجُو إقْرَارَهُ لو رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي جِنْسَ حَقِّهِ فَإِنْ لم يَجِدْهُ فَغَيْرُهُ بِهِ وَلَا يَجِبُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِخَبَرِ هِنْدَ خُذِي من مَالِهِ ما يَكْفِيك وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّ في الرَّفْعِ إلَيْهِ مَشَقَّةً وَمُؤْنَةً وَتَضْيِيعَ زَمَانٍ وَيَتَعَيَّنُ في أَخْذِ غَيْرِ الْجِنْسِ تَقْدِيمُ النَّقْدِ على غَيْرِهِ نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو وَاضِحٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ أَخْذِ غَيْرِ الْأَمَةِ عليها احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ كان الْمَدِينُ مَحْجُورًا عليه بِفَلَسٍ أو مَيِّتًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَأْخُذْ إلَّا قَدْرَ حِصَّتِهِ بِالْمُضَارَبَةِ إنْ عَلِمَهَا
وَيُنَقِّبُ جَوَازًا له أَيْ لِأَخْذِهِ الْحِرْزَ إنْ لم يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِهِ أَيْ بِالنَّقْبِ الشَّامِلِ لِكَسْرِ الْبَابِ لِأَنَّ من اسْتَحَقَّ شيئا اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ بِلَا ضَمَانٍ عليه كما في دَفْعِ الصَّائِلِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا كان الْحِرْزُ لِلدَّيْنِ وَغَيْرَ مَرْهُونٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عليه بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَةٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال الْقَاضِي وَلَوْ وَكَّلَ بِذَلِكَ أَجْنَبِيًّا لم يَجُزْ وَلَوْ فَعَلَ ضَمِنَ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ الْجِنْسَ الْمَأْخُوذَ أَيْ جِنْسَ حَقِّهِ بَدَلًا عنه قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ هذا الْفِعْلَ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يَقْصِدُ أَخْذَ حَقِّهِ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لو أَخَذَهُ لِيَكُونَ رَهْنًا بِحَقِّهِ لم يَجُزْ وإذا وُجِدَ الْقَصْدُ مُقَارِنًا لِلْأَخْذِ كَفَى وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذلك وَلِهَذَا قال الْإِمَامُ
____________________
(4/387)
فَإِنْ قَصَدَ أَخْذَهُ عن حَقِّهِ مَلَكَهُ وقال الْبَغَوِيّ فإذا أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مَلَكَهُ انْتَهَى وَوَافَقَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قال فَمَعْنَى يَتَمَلَّكُهُ يَتَمَوَّلُهُ وَيَتَصَرَّفُ فيه وَلَهُ بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ إنْ لم يَطَّلِعْ الْقَاضِي بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ على الْحَالِ بِيعَ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ لِأَنَّ الْمَدِينَ بِامْتِنَاعِهِ سَلَّطَهُ على الْبَيْعِ كَالْأَخْذِ وَلَيْسَ له تَمَلُّكُهُ وَإِنْ كان قَدْرَ حَقِّهِ فَإِنْ اطَّلَعَ عليه الْقَاضِي لم يَبِعْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ
قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لم يَحْصُلْ مُؤْنَةٌ وَمَشَقَّةٌ فَوْقَ الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا يَبْعُدَ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْبَيْعِ كما يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ الْأَصْلُ جَوَازَ بَيْعِهِ اسْتِقْلَالًا بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَيْضًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ أَيْضًا مع وُجُودِهَا وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وقال بَلْ هِيَ أَوْلَى من عِلْمِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ مُخْتَلَفٌ فيه بِخِلَافِهِ بها وَإِنَّمَا يَبِيعُ بِالنَّقْدِ أَيْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كان غير جِنْسِ حَقِّهِ وَيَشْتَرِي بِهِ الْجِنْسَ أَيْ جِنْسَ حَقِّهِ إنْ لم يَكُنْ نَقْدًا أَيْ نَقْدُ الْبَلَدِ وَيَنْبَغِيَ أَنْ يُبَادِرَ إلَى بَيْعِ ما أَخَذَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ قَصَّرَ فيه وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ ضَمِنَهُ بِالْأَكْثَرِ من قِيمَتِهِ من حِينِ أَخْذِهِ إلَى حِينِ تَلَفِهِ كَالْغَاصِبِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عليه قبل بَيْعِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِغَرَضِهِ كَالْمُسْتَامِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَلِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَتَلِفَ في يَدِهِ ضَمِنَهُ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ أَخَّرَ بَيْعَهُ الْأَوْلَى وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ ضَمِنَ نَقْصَ الْقِيمَةِ لَا إنْ رَدَّهُ أَيْ الْمَأْخُوذَ فَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ قِيمَتِهِ كَالْغَاصِبِ وَزِيَادَتَهُ قبل الْبَيْعِ لِمَا ليس من جِنْسِ حَقِّهِ أو التَّمَلُّكِ لِجِنْسِ حَقِّهِ مِلْكٌ لِلْمَالِكِ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ أو التَّمَلُّكُ جَارٍ على طَرِيقَتِهِ من أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ جِنْسَ حَقِّهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ وقد تَقَدَّمَ رَدُّهُ فَإِنْ بَاعَهُ الْآخِذُ وَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَفَّاهُ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ رَدَّ إلَيْهِ قِيمَتَهُ كَغَاصِبٍ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَغْصُوبِ منه وقد تَمَلَّكَ الْمَغْصُوبُ منه ثَمَنَ ما ظَفِرَ بِهِ من غَيْرِ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ من مَالِ الْغَاصِبِ فإنه يَرُدُّ قِيمَةَ ما أَخَذَهُ وَبَاعَهُ لَكِنْ مَنْعُ الْأَخْذِ هُنَا وَتَمَلُّكُهُ الثَّمَنَ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ دَفْعِ الْغَرِيمِ وما دَامَ الْمَغْصُوبُ بَاقِيًا فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ وَالْقِيمَةُ تُؤْخَذُ لِلْحَيْلُولَةِ
فإذا رَدَّ الْعَيْنَ رَدَّ الْقِيمَةَ كما لو دَفَعَ الْقِيمَةَ بِنَفْسِهِ وَهُنَا الْمُسْتَحَقُّ الدَّيْنُ فإذا بَاعَ وَأَخَذَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرُدَّ شيئا وَلَا يُعْطِيَ شيئا وقد بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ ما مَرَّ عن الْأُمِّ فَإِنْ أَخَذَ من مَالٍ غَرِيمِهِ فَوْقَ حَقِّهِ وَقَدْرِهِ أَيْ وَأَخَذَ قَدْرَهُ فَقَطْ مُمْكِنٌ ضَمِنَ الزَّائِدَ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ فَقَطْ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ مع الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ قَدْرِ حَقِّهِ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَأْخُوذِ تَعَدٍّ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ قَدْرِ حَقِّهِ فَقَطْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَأَخَذَ من ثَمَنِهِ قَدْرَ حَقِّهِ وَرَدَّ ما زَادَ عليه إلَى غَرِيمِهِ بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ ذلك بَاعَ منه بِقَدْرِ حَقِّهِ وَرَدَّ ما زَادَ كَذَلِكَ وَيَتَمَلَّكُ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً عن صِحَاحٍ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ مع إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ لَا عَكْسَهُ وَقِيمَةُ الصِّحَاحِ أَكْثَرُ لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ فَلْيَبِعْهَا بِدَنَانِيرَ وَيَشْتَرِي بها دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً وَيَتَمَلَّكُهَا فَلَا يَبِيعُهَا بِدَرَاهِمَ مُكَسَّرَةٍ لَا مُتَفَاضِلًا لِلرِّبَا وَلَا مُتَسَاوِيًا أَيْ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ كما هو الْغَالِبُ لِلْإِجْحَافِ بِالْغَرِيمِ وَلَهُ الْأَخْذُ من مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ كَأَنْ يَكُونُ
____________________
(4/388)
لِزَيْدٍ على عَمْرو دَيْنٌ وَلِعَمْرٍو على بَكْرٍ مِثْلُهُ فَلِزَيْدٍ أَنْ يَأْخُذَ من مَالِ بَكْرٍ ما له على عَمْرٍو
وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ إقْرَارَهُ أَيْ إقْرَارَ غَرِيمِ الْغَرِيمِ له أو جَحَدَ غَرِيمُ الْغَرِيمِ اسْتِحْقَاقَ رَدِّ الدَّيْنِ على الْغَرِيمِ وَشَرْطُ ذلك أَنْ لَا يَظْفَرَ بِمَالِ الْغَرِيمِ وَأَنْ يَكُونَ غَرِيمُ الْغَرِيمِ جَاحِدًا أو مُمْتَنِعًا أَيْضًا وَعَلَى الِامْتِنَاعِ يُحْمَلُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ في الْمَتْنِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ وَظَاهِرٌ كما قال بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَلْزَمُ الْآخِذَ أَنْ يُعْلِمَ الْغَرِيمَ بِأَنَّهُ أَخَذَ من مَالِ غَرِيمِهِ حتى إذَا طَالَبَهُ الْغَرِيمُ بَعْدُ كان هو الظَّالِمَ وَلَهُ اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ له على آخَرَ جَاحِدٍ له بِشُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ له عليه قد قُضِيَ أَيْ أُدِّيَ ولم يَعْلَمُوا أَدَاءَهُ وَلَهُ جَحْدُ من جَحَدَهُ أَيْ وَلِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ إذَا كان له على الْآخَرِ مِثْلُ ما له عليه أو أَكْثَرُ منه جَحَدَ حَقَّ الْآخَرِ إنْ جَحَدَ الْآخَرُ حَقَّهُ لِيَحْصُلَ التَّقَاصُّ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ ولم يَكُنْ من النَّقْدَيْنِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ كان له عليه دُونَ ما لِلْآخَرِ عليه جَحَدَ من حَقِّهِ بِقَدْرِهِ المسألة ( ( ( كتاب ) ) ) الثانية ( ( ( الدعاوى ) ) ) في حَدِّ المدعي ( ( ( القذف ) ) ) والمدعى ( ( ( كما ) ) ) عليه ( ( ( تقدم ) ) ) وهو ( ( ( في ) ) ) أي ( ( ( بابه ) ) ) المدعي ( ( ( لكن ) ) ) من يخالف قوله الظاهر والمدعى عليه من يوافقه ولذلك جعلت البينة على المدعي لأنها أقوى من اليمين ( ( ( كلامه ) ) ) التي ( ( ( أمران ) ) ) جعلت ( ( ( أحدهما ) ) ) على المنكر لينجبر ضعف جانب المدعي بقوة حجته وضعف حجة المنكر بقوة جانبه كما مرت الإشارة إليه وهذه القاعدة تحوج إلى معرفة المدعي والمدعى عليه ليطالب كل منهما بحجته إذَا تخاصما ( ( ( قتل ) ) ) وقيل المدعي من لو سكت خلي ولم يطالب بشيء والمدعى عليه من لَا يخلى ( ( ( وارث ) ) ) وَلَا يكفيه ( ( ( يحتاج ) ) ) السكوت ( ( ( لدعوى ) ) ) فإذا ( ( ( الحسبة ) ) ) طالب ( ( ( بل ) ) ) زيد ( ( ( في ) ) ) عمرا ( ( ( سماعها ) ) ) بحق ( ( ( خلاف ) ) ) فأنكر ( ( ( ثانيهما ) ) ) فزيد ( ( ( قتل ) ) ) خالف ( ( ( قاطع ) ) ) قوله ( ( ( الطريق ) ) ) الظاهر ( ( ( الذي ) ) ) من براءة عمرو ولو سكت ترك وعمرو يوافق قوله الظاهر ولو سكت لم يترك ( ( ( يتب ) ) ) فهو ( ( ( قبل ) ) ) مدعى ( ( ( القدرة ) ) ) عليه وزيد مدع على القولين ولا يختلف موجبهما غالبا وقد يختلف كالمذكور بقوله فإن قال الزوج وقد أسلم هو وزوجته قبل الدخول أسلمنا معا فالنكاح باق وقالت بل أسلمنا مرتبا فالنكاح مرتفع فالزوج على الأصح مدع لأن وقوع الإسلامين معا بخلاف الظاهر وهي مدعى عليها وعلى الثاني هي مدعية لأنها لو سكتت تركت وهو مدعى عليه لِأَنَّهُ لَا يترك ( ( ( يتوقف ) ) ) لو سَكَتَ لزعمهما ( ( ( خلي ) ) ) انفساخ ( ( ( ولم ) ) ) النكاح ( ( ( يطالب ) ) ) فعلى ( ( ( بشيء ) ) ) الأول ( ( ( والمدعى ) ) ) تحلف ( ( ( عليه ) ) ) الزوجة ( ( ( من ) ) ) ويرتفع ( ( ( لا ) ) ) النكاح ( ( ( يخلى ) ) ) وعلى ( ( ( و ) ) ) الثاني ( ( ( لا ) ) ) يحلف ( ( ( يكفيه ) ) ) الزَّوْجُ ويستمر النكاح فما رجحه الأصل في نكاح المشرك من تصديق الزوج مبني ( ( ( وقد ) ) ) على ( ( ( أسلم ) ) ) مرجوح ( ( ( هو ) ) ) كما ( ( ( وزوجته ) ) ) مر ( ( ( قبل ) ) ) التنبيه ( ( ( الدخول ) ) ) عليه ثم وإن قال لها أسلمت قبلي فلا نكاح بيننا ولا مهر لك وقالت بل أَسْلَمْنَا مَعًا صدق ( ( ( فالنكاح ) ) ) في ( ( ( باق ) ) ) الفرقة ( ( ( وقالت ) ) ) بلا ( ( ( بل ) ) ) يمين ( ( ( أسلمنا ) ) ) وفي ( ( ( مرتبا ) ) ) المهر ( ( ( فالنكاح ) ) ) بيمينه ( ( ( مرتفع ) ) ) على الْأَصَحِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ معه وَصُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا على الثَّانِي لِأَنَّهَا
____________________
(4/389)
لَا تُتْرَكُ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَزْعُمُ سُقُوطَ الْمَهْرِ فإذا سَكَتَتْ وَلَا بَيِّنَةَ جُعِلَتْ نَاكِلَةً وَحَلَفَ هو وَسَقَطَ الْمَهْرُ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْيَمِينِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَمِينُ في دَعْوَى الرَّدِّ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ الرَّدَّ الذي هو خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَثَبَتَ يَدَهُ لِغَرَضِ الْمَالِكِ وقد ائْتَمَنَهُ فَلَا يَحْسُنُ تَكْلِيفُهُ بَيِّنَةَ الرَّدِّ وَأَمَّا على الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ مُدَّعًى عليه لِأَنَّ الْمَالِكَ هو الذي لو سَكَتَ تُرِكَ وفي التَّحَالُفِ كُلٌّ من الْخَصْمَيْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عليه لِاسْتِوَائِهِمَا فَصْلٌ لِلدَّعْوَى أَيْ لِصِحَّتِهَا شَرْطَانِ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْأَمْرِ وَإِيصَالُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْعِلْمَ بِبَيَانِ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ التي يَخْتَلِفُ بها الْغَرَضُ إنْ كان دَيْنًا نَقْدًا كان أو غَيْرَهُ وَكَذَا بِبَيَانِ صِحَّةِ وَتَكَسُّرِ نَقْدَانِ أَثَّرَا في قِيمَتِهِ بِأَنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ بِهِمَا كَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ ظَاهِرِيَّةٍ صِحَاحٍ أو مُكَسَّرَةٍ فَلَا يَكْفِي إطْلَاقُ النَّقْدِ وَإِنْ غَلَبَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَارَقَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ بِأَنَّ زَمَنَ الْعَقْدِ يُقَيِّدُ صِفَةَ الثَّمَنِ بِالْغَالِبِ من النُّقُودِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِزَمَنِ الدَّعْوَى لِتَقَدُّمِهِ عليها نعم مُطْلَقُ الدِّينَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ وَزْنِهِ وفي مَعْنَاهُ مُطْلَقُ الدِّرْهَمِ أَمَّا إذَا لم تَخْتَلِفْ قِيمَةُ النَّقْدِ بِالصِّحَّةِ وَالتَّكَسُّرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِمَا لَكِنْ اسْتَثْنَى منه الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ دَيْنَ السَّلَمِ فَاعْتَبَرَا بَيَانَهُمَا فيه وَأَضَافَ الْمُصَنِّفُ صِحَّةً إلَى مِثْلِ ما أُضِيفَ إلَيْهِ تَكَسُّرٌ وببيان صِفَةِ سَلَمٍ في دَعْوَى عَيْنٍ تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ كَحُبُوبٍ وَحَيَوَانٍ
وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَةُ الْعَيْنِ وَإِنْ تَلِفَتْ اكْتِفَاءً بِالصِّفَةِ ولكن يَجِبُ ذِكْرُهَا في دَعْوَى مُتَقَوِّمٍ تَلِفَ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عِنْدَ التَّلَفِ فَلَا حَاجَةَ مَعَهَا لِذِكْرِ شَيْءٍ من الصِّفَاتِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَكِنْ يَجِبُ ذِكْرُ الْجِنْسِ فيقول عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَوْ غَصَبَ منه غَيْرُهُ عَيْنًا في بَلَدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ في أُخْرَى وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَلِنَقْلِهَا مُؤْنَةٌ قال الْبُلْقِينِيُّ ذَكَرَ قِيمَتَهَا وَإِنْ لم تَتْلَفْ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ في هذه الْحَالَةِ فإذا رَدَّ الْعَيْنَ رَدَّ الْقِيمَةَ كما لو دَفَعَ الْقِيمَةَ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِ تَنْضَبِطُ ما لَا يَنْضَبِطُ كَالْجَوَاهِرِ فَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فيقول جَوْهَرٌ قِيمَتُهُ كَذَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَيُقَوَّمُ بِفِضَّةِ سَيْفٍ مُحَلًّى بِذَهَبٍ ادَّعَى بِهِ كَعَكْسِهِ أَيْ كما يُقَوَّمُ بِذَهَبِ سَيْفٍ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ ويقوم بِأَحَدِهِمَا السَّيْفُ إنْ حُلِّيَ بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ كما جَزَمَ بِهِ كَأَصْلِهِ هُنَا لَكِنْ الْأَصْلُ صَحَّحَ في الْغَصْبِ ما نَقَلَهُ عن الْجُمْهُورِ ثُمَّ إنَّ الْحُلِيَّ يُضْمَنُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كان من جِنْسِهِ قال وَلَا يَلْزَمُ منه الرِّبَا فإنه إنَّمَا يَجْرِي في الْعُقُودِ لَا في الْغَرَامَاتِ وَالْمُصَنِّفُ جَرَى ثُمَّ على أَنَّ تِبْرَ الْحُلِيِّ يُضْمَنُ بمثله وَصِفَتِهِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذلك ثُمَّ وَيُقَوَّمُ مَغْشُوشُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ كَعَكْسِهِ فَيَدَّعِي مِائَةَ دِينَارٍ من نَقْدِ كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا دِرْهَمًا
____________________
(4/390)
أو مِائَةَ دِرْهَمٍ من نَقْدِ كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا دِينَارًا قال في الْأَصْلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ على أَنَّ الْمَغْشُوشَ مُتَقَوِّمٌ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِثْلِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ التَّعَرُّضُ لِلْقِيمَةِ وَقَضِيَّتُهُ كما قال جَمَاعَةٌ منهم الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أنها مِثْلِيَّةٌ بِنَاءً على جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بها وهو الْأَصَحُّ
وَيُبَيِّنُ في دَعْوَى الْعَقَارِ النَّاحِيَةَ وَالْبَلَدَ وَالْمَحَلَّةَ وَالسِّكَّةَ وَالْحُدُودَ وَأَنَّهُ في يَمْنَةِ دَاخِلِ السِّكَّةِ أو يَسْرَتِهِ أو صَدْرِهَا ذَكَرُهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْقِيمَةِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيُسْتَثْنَى من اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ صِحَّةُ دَعْوَى مَجْهُولٍ في إقْرَارٍ وَلَوْ بِنِكَاحٍ كَالْإِقْرَارِ بِهِ وفي وَصِيَّةٍ تَحَرُّزًا عن ضَيَاعِهَا وَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهْلَ فَكَذَا دَعْوَاهَا وفي فَرْضٍ لِمُفَوِّضَةٍ لِأَنَّهَا تَطْلُبُ من الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لها فَلَا يُتَصَوَّرُ منها الْبَيَانُ وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ وَالْحُكُومَةُ وَالرَّضْخُ وَحَطُّ الْكِتَابَةِ وَالْغُرَّةُ وَالْإِبْرَاءُ من الْمَجْهُولِ في إبِلِ الدِّيَةِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ منه فيها أو في مَمَرٍّ أو حَقِّ إجْرَاءِ مَاءٍ في أَرْضٍ حُدِّدَتْ اكْتِفَاءً بِتَجْدِيدِ الْأَرْضِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَمَرِّ وَالْمَجْرَى وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ كَالشَّهَادَةِ بها أَيْ بِالْمُسْتَثْنَيَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِتَرَتُّبِهَا عليها وَلَوْ أَحْضَرَ وَرَقَةً فيها دَعْوَاهُ ثُمَّ ادَّعَى ما في الْوَرَقَةِ وهو مَوْصُوفٌ بِمَا مَرَّ فَوَجْهَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا كما أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ إذَا قَرَأَهُ الْقَاضِي أو قُرِئَ عليه الشَّرَطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مُلْزِمَةً فَلَوْ ادَّعَى على غَيْرِهِ هِبَةً أو بَيْعًا أو دَيْنًا أو نَحْوَهَا مِمَّا الْغَرَضُ منه تَحْصِيلُ الْحَقِّ فَلْيَذْكُرْ في دَعْوَاهُ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ كَأَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَى أو وهو مُمْتَنِعٌ من الْأَدَاءِ الْوَاجِبِ عليه لِأَنَّهُ قد يَرْجِعُ الْوَاهِبُ وَيَفْسَخُ الْبَائِعُ وَيَكُونُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أو من عليه مُفْلِسًا وَلَوْ قَصَدَ بِالدَّعْوَى
____________________
(4/391)
دَفْعَ الْمُنَازَعَةِ لَا تَحْصِيلَ الْحَقِّ فقال هذه الدَّارُ لي وهو يَمْنَعَنِيهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لم يَقُلْ هِيَ في يَدِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُ وَإِنْ لم تَكُنْ الدَّارُ بيده وَلِلْقَاضِي طَلَبُ الْجَوَابِ من الْمُدَّعَى عليه وَإِنْ لم يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْغَرَضُ من الْحُضُورِ وَإِنْشَاءِ الدَّعْوَى وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى من الْمُدَّعِي على خَصْمِهِ وَإِنْ لم يَعْلَمْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةً وَلَا مُعَامَلَةً وَلَا فَرْقَ فيه بين طَبَقَاتِ الناس فَتَصِحُّ دَعْوَى دَنِيءٍ على شَرِيفٍ وَإِنْ شَهِدَتْ قَرَائِنُ الْحَالِ بِكَذِبِهِ كَأَنْ ادَّعَى دَنِيءٌ اسْتِئْجَارَ أَمِيرٍ أو فَقِيهٍ لِعَلْفِ دَوَابِّهِ وَكَنْسِ بَيْتِهِ وَإِنْ ادَّعَى شيئا مَعْلُومًا وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا له بِإِقْرَارٍ بِمَجْهُولٍ أو بِغَصْبِ ثَوْبٍ مَثَلًا لم يَصِفَاهُ لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ من شَأْنِ الْبَيِّنَةِ أَنْ تُبَيِّنَ ما شَهِدَتْ بِهِ وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهَا لِلْمُدَّعِي في دَعْوَاهُ وَلَيْسَتْ كَالْإِقْرَارِ إذْ يَشْتَرِطُ فيها ما لَا يُشْتَرَطُ فيه وَلَوْ ادَّعَى دَرَاهِمَ مَجْهُولَةً قال له الْقَاضِي بَيِّنْ أَقَلَّ ما يَتَحَقَّقُ أو ادَّعَى ثَوْبًا مَجْهُولًا لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ إذْ لَا وَجْهَ لِلْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ من صِفَةِ ثَوْبٍ عَيَّنَهُ أَيْ عِنْدَهُ قَالَهُ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَمِينَ على من أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ حُجَّةٍ بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةٍ وَلِأَنَّهُ كَالطَّعْنِ في الشُّهُودِ وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ إلَّا إنْ ادَّعَى الْخَصْمُ أَدَاءً لِلْحَقِّ أو إبْرَاءً منه أو شِرَاءً له وَنَحْوَهُ كَاتِّهَابِهِ وَقَبْضِهِ قبل إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ أَمْكَنَ ذلك بِأَنْ مَضَى زَمَنُ إمْكَانِهِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي على نَفْيِهِ وهو أَنَّهُ ما نَادَى منه الْحَقَّ وَلَا أَبْرَأَهُ منه وَلَا بَاعَهُ له وَلَا وَهَبَهُ إيَّاهُ لَا إنْ ادَّعَى بَعْدَ الْحُكْمِ حُدُوثَ ذلك قَبْلَهُ فَلَا يَحْلِفُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ على خَصْمِهِ بِالْحُكْمِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالرَّافِعِيِّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ في الْكَبِيرِ عن الْبَغَوِيّ وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ نَفْعَ خَصْمِهِ وهو مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَكَذَا اخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْبَغَوِيّ نُقِلَ عنه في بَابِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ خِلَافُهُ قال وما نَقَلَهُ عنه هُنَا من تَصَرُّفِ الْبَغَوِيّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ في فَتَاوِيهِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدِي تَنْبِيهٌ أو رَدَّ على إطْلَاقِ الْأَدَاءِ ما قَالُوهُ من أَنَّ الْأَجِيرَ على الْحَجِّ لو قال قد حَجَجْتُ قبل قَوْلِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ وقد يَتَوَقَّفُ في قَبُولِ قَوْلِهِ وَلَا يَمِينٍ وَإِنْ ادَّعَى عِلْمَهُ بِفِسْقِ الشُّهُودِ أو كَذِبِهِمْ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذلك لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ بِهِ له لَنَفَعَهُ وَكَذَا إنْ ادَّعَى عليه بِكُلِّ ما لو أَقَرَّ بِهِ لَنَفَعَهُ كَأَنْ ادَّعَى إقْرَارَهُ له بِكَذَا أَيْ بِالْمُدَّعَى بِهِ أو ادَّعَى عليه وقد أَرَادَ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ قد حَلَّفَهُ مَرَّةً قَبْلَهَا أو سَأَلَ الْقَاذِفَ وقد أَرَادَ الْمَقْذُوفُ حَدَّهُ تَحْلِيفَ الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ ما زَنَى أو تَحْلِيفَ وَارِثِهِ أَنَّهُ ما عَلِمَهُ زَنَى فَلَهُ تَحْلِيفُهُ في الْكُلِّ لَكِنْ مَحَلُّهُ في الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ حَلَّفَهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ حَلَّفَهُ عِنْدَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَهُ الْقَاضِي لم يُحَلِّفْهُ وَإِلَّا حَلَّفَهُ كما سَيَأْتِي في أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ في الْكُلِّ إيضَاحٌ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ الْقَاضِي وَلَا الشُّهُودِ وَإِنْ كان يَنْفَعُ الْخَصْمَ تَكْذِيبُهُمَا أَنْفُسَهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَنْصِبَهُمَا يَأْبَى التَّحْلِيفَ وفي تَحْلِيفِهِ أَيْ الْخَصْمِ أَنَّهُ ما أَبْرَأَهُ من هذه الدَّعْوَى وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَعْوَى له عليه بَرِئَ وَثَانِيهُمَا لَا وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عن الدَّعْوَى لَا مَعْنَى له إلَّا بِتَصَوُّرِ صُلْحٍ على إنْكَارٍ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ قال لي بَيِّنَةِ دَافِعَةٌ لِلْحَقِّ اسْتَفْسَرَ إنْ كان جَاهِلًا لِأَنَّهُ قد يَتَوَهَّمُ ما ليس بِدَافِعٍ دَافِعًا بِخِلَافِ ما إذَا كان عَارِفًا فَإِنْ عَيَّنَ جِهَةً لِلدَّفْعِ من أَدَاءً أو إبْرَاءٍ أو غَيْرِهِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ بِطَلَبِهِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ لَا يَعْظُمُ الضَّرَرُ فيها وَمُقِيمُ الْبَيِّنَةِ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا لِإِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ وَاثْتِثْبَاتِهَا فِيمَا تَحَمَّلَتْهُ وَلَوْ عَادَ وَلَوْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي على نَحْوِ الْإِبْرَاءِ أَجَابَهُ إلَيْهِ لِتَيَسُّرِهِ في الْحَالِ وَلَا يُكَلَّفُ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ أو لَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ حَيْثُ يُسْتَوْفَى منه الْحَقُّ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَحَلَّفَهُ لِعِظَمِ
____________________
(4/392)
الضَّرَرِ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ لم يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى جِهَةً أُخْرَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لم يُمْهَلْ أو في أَثْنَائِهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وإذا أتى بِبَيِّنَةٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ ولم تُعَدَّلْ أُمْهِلَ ثَلَاثَةً لِلتَّعْدِيلِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْمَاوَرْدِيِّ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ يُشْتَرَطُ في دَعْوَى الدَّمِ التَّفْصِيلُ لها كما سَبَقَ في بَابِهَا لَا في دَعْوَى عَقْدٍ مَالِيٍّ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلُهَا بَلْ يَصِفَهُ فيها بِالصِّحَّةِ فَقَطْ وَإِنْ كان الْمَعْقُودُ عليه أَمَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه الْمَالُ وهو أَخَفُّ حُكْمًا من النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ فيه الْإِشْهَادُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَيُشْتَرَطُ في دَعْوَى النِّكَاحِ سَوَاءٌ ادَّعَى ابْتِدَاءَهُ أو دَوَامَهُ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَيَصِفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَيَصِفُ الْمَرْأَةَ بِالرِّضَا بِالنِّكَاحِ حَيْثُ شُرِطَ رِضَاهَا بِأَنْ كانت غير مُجْبَرَةٍ وَالْوَلِيَّ بِأَنَّهُ أَهْلُ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وِلَايَتُهُ بِالشَّوْكَةِ وَالْعَقْدَ بِالصِّحَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ في النِّكَاحِ كَالدَّمِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَثْنَى من ذلك أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ فَيَكْفِي في الدَّعْوَى بها أَنْ يَقُولَ هذه زَوْجَتِي وَإِنْ ادَّعَى اسْتِمْرَارَ نِكَاحِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ ما يَقْتَضِي تَقْرِيرَهُ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ فيها إذَا كان سَفِيهًا أو عَبْدًا من قَوْلِهِ نَكَحْتهَا بِإِذْنِ وَلِيٍّ أو مَالِكِيٍّ أَمَّا دَعْوَى الْمَالِ فَيُكْتَفَى فيها بِالْإِطْلَاقِ لِأَنَّ أَسْبَابَ تَحْصِيلِهِ لَا تَنْحَصِرُ فَيَشُقُّ ضَبْطُهَا وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَلَا التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْمَوَانِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَلِكَثْرَتِهَا وَيُشْتَرَطُ تَفْصِيلُ الشُّهُودِ بِالنِّكَاحِ كَذَلِكَ تَبَعًا لِلدَّعْوَى وَقِيلَ يُشْتَرَطُ عَدَمُ عِلْمِ الْفِرَاقِ بِأَنْ يَقُولُوا وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ فَارَقَهَا أو هِيَ الْيَوْمَ زَوْجَتُهُ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ فَتَضْعِيفُ الْمُصَنِّفِ له من تَصَرُّفِهِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ بِمَا يَأْتِي عَقِبَهُ لَكِنْ ذَاكَ في الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ وَهَذَا في الشَّهَادَةِ بِنَفْسِ النِّكَاحِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلٌ في إقْرَارِهَا بِنِكَاحٍ لِأَنَّهَا لَا تُقِرُّ إلَّا عن تَحَقُّقٍ وَتَقَدَّمَ فيه كَلَامٌ في النِّكَاحِ وَلَا قَوْلُ شُهُودِهِ لَا نَعْلَمُهُ فَارَقَهَا أو هِيَ الْيَوْمَ زَوْجَتُهُ وَيَتَعَرَّضُ وُجُوبًا في دَعْوَى نِكَاحِ الْأَمَةِ مع ما مَرَّ لِعَجْزِهِ عن مَهْرِ الْحُرَّةِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ الْمُشْتَرَطَيْنِ في جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَلِكَوْنِهَا مُسْلِمَةً إذَا كان مُسْلِمًا وَلَوْ عَبْدًا لِأَنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لها وَالدَّعْوَى بِالنِّكَاحِ وَتَكُونُ إمَّا على الْمَرْأَةِ أو على وَلِيِّهَا الْمُجَبِّرِ بِنَاءً على صِحَّةِ إقْرَارِهِمَا بِهِ وقد سَبَقَ ذلك في مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ الْوَلِيَّيْنِ الْمَرْأَةَ شَخْصَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ تُسْمَعُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ بِالتَّفْصِيلِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَلَوْ لم تُطَالِبْ بِحَقٍّ من حُقُوقِ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كان حَقًّا لِلزَّوْجِ فَهُوَ مَقْصُودٌ لها أَيْضًا فَتُثْبِتُهُ وَتَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى حُقُوقِهَا وَلَيْسَ إنْكَارُهُ النِّكَاحَ طَلَاقًا بَلْ هو كَسُكُوتِهِ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ وَحِينَئِذٍ فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ إنْ اعْتَرَفَ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ إنْكَارِهِ له وَيُشْبِهُ قَبُولَ رُجُوعِهِ عن إنْكَارِهِ بِمَا إذَا قالت انْقَضَتْ عِدَّتِي قبل الرَّجْعَةِ ثُمَّ قالت غَلِطْت فإنه يُقْبَلُ رُجُوعُهَا وَإِنْ حَلَفَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لها لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَلَيْسَ لها أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِنْ انْدَفَعَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا حتى يُفَارِقَهَا بِطَلَاقٍ أو غَيْرِهِ فَلْيَرْفِقْ بِهِ الْحَاكِمُ لِيَقُولَ إنْ كُنْت نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ لِيَحِلَّ لها النِّكَاحُ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَغَيْرَهُمَا من حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَيُبَاحُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا فَقَدْ قال الْمَاوَرْدِيُّ إذَا حَلَفَتْ حَكَمَ لها عليه بِالزَّوْجِيَّةِ وَحَلَّ له التَّمَتُّعَ بها وَإِنْ أَنْكَرَ الْعَقْدَ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عليه بِالنِّكَاحِ وَيَحْكُمَ عليه بِتَحْرِيمِ التَّمَتُّعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ جَوَازُ ذلك في الظَّاهِرِ أو فِيمَا إذَا زَالَ عنه ظَنُّ حُرْمَتِهَا فَرْعٌ لو ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ
____________________
(4/393)
تَحْتَ زَوْجٍ فَالدَّعْوَى عليها لَا عليه لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَرَى على الْغَالِبِ إذْ الْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ في ذلك فَلَوْ قالوا لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ يَدِ الزَّوْجِ كان أَوْلَى فَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا بِأَنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ أو أُطْلِقَتَا أو أُطْلِقَتْ إحْدَاهُمَا وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى سَقَطَتَا إذْ لَا تَرْجِيحَ لِإِحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى في الْأُولَيَيْنِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا في الْأَخِيرَةِ لِاحْتِمَالِ تَوَافُقِهِمَا في التَّارِيخِ وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخٌ لِأَحَدِهِمَا قُدِّمَ السَّابِقُ تَارِيخًا كما لو أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِنِكَاحِ خَلِيَّةٍ وَتُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ بِالنِّكَاحِ على بَيِّنَةِ إقْرَارِهَا بِهِ كما لو أَقَرَّ زَيْدٌ بِعَيْنٍ لِرَجُلٍ فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا غَصَبَهَا منه فإن الثَّانِيَةَ تُقَدَّمُ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ النِّكَاحِ وَالْغَصْبِ تَشْهَدُ بِمُحَقَّقٍ وَبَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ تَشْهَدُ بِإِخْبَارٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ النِّكَاحِ وَتَأْخِيرِهَا وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ إقْرَارَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عليها لِوَاحِدٍ لَا تُسْمَعُ أَنَّهُ لو تَقَدَّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِقْرَارِ قُدِّمَتْ وَبِهِ صَرَّحَ في فَتَاوِيهِ وَسَيَأْتِي نَقْلُهُ عنه قُبَيْلَ الْبَابِ السَّابِعِ فَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَكَمَا سَبَقَ في النِّكَاحِ فِيمَا لو زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ بِاثْنَيْنِ وَادَّعَى كُلٌّ منهم سَبْقَ نِكَاحِهِ وَإِنْ ادَّعَتْ ذَاتَ وَلَدٍ على رَجُلٍ نِكَاحًا وَوَلَدًا منه وَاعْتَرَفَ بِالْوَلَدِ دُونَ النِّكَاحِ بِأَنْ قال هو وَلَدِي أو وَلَدِي من غَيْرِهَا لم يَثْبُتْ النِّكَاحُ فَإِنْ قال هو وَلَدِي منها لَزِمَهُ الْمَهْرُ فَقَطْ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالنَّسَبِ اعْتِرَافٌ بِالْإِصَابَةِ ظَاهِرًا وَهِيَ تَقْتَضِي الْمَهْرَ وَلَا تَحْمِلُ على اسْتِدْخَالِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَإِنْ أَقَرَّ لها بِالنِّكَاحِ وَقَالَتْ كُنْت مُفَوِّضَةً لَزِمَهُ الْفَرْضُ لها إنْ لم يَطَأْهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ وَالنَّسَبَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ لو ادَّعَى شَخْصٌ رِقَّ بَالِغٍ فقال أنا حُرُّ الْأَصْلِ ولم يَسْبِقْ منه إقْرَارٌ بِرِقٍّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَسَبَقَ من مُدَعِّي رِقِّهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على الرِّقِّ ظَاهِرًا كَاسْتِخْدَامٍ وَإِجَارَةٍ قبل بُلُوغِهِ لِأَنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ إنَّمَا يَدُلَّانِ على الْمِلْكِ فِيمَا هو مَالٌ في نَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أنا حُرُّ الْأَصْلِ ما لو قال أنا عَتِيقٌ وَسَيَأْتِي وما لو قال أنا عبد فُلَانٍ فَالْمُصَدَّقُ السَّيِّدُ لِاعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِالرِّقِّ وَأَنَّهُ مَالٌ يَثْبُتُ عليه الْيَدُ وَالْيَدُ عليه لِلسَّيِّدِ فَلَا تَنْتَقِلُ بِدَعْوَاهُ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا فإنه لم يَعْتَرِفْ بِذَلِكَ وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ فَإِنْ حَلَفَ الْبَالِغُ على نَفْيِ الرِّقِّ وقد اشْتَرَاهُ الْمُدَّعِي من غَيْرِهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي على بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ اعْتَرَفَ حَالَةَ الْخُصُومَةِ بِرِقِّهِ وقال إنَّهُ ذَكَرَهُ على وَجْهِ الْخُصُومَةِ أو اعْتَمَدَ في اعْتِرَافِهِ بِهِ ظَاهِرَ الْيَدِ وَإِنْ قال الْبَالِغُ لِمَنْ هو في يَدِهِ أَعْتَقَنِي من بَاعَنِي لك أو أَعْتَقَنِي طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ في يَدِهِ وَلَوْ مُمَيِّزًا صُدِّقَ إنْ لم يَلْتَقِطْهُ كما لو ادَّعَى الْمِلْكَ في دَابَّةٍ أو ثَوْبٍ في يَدِهِ وَلَا بُدَّ من يَمِينِهِ لِخَطَرِ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ لَا إنْ الْتَقَطَهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ بَلَغَ بِغَيْرِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي رِقِّهِ وَأَنْكَرَ الرِّقَّ لم يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِالرِّقِّيَّةِ أَمَّا إذَا ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ ليس في يَدِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ وَيَجُوزُ شِرَاءُ بَالِغٍ سَاكِتٍ عن اعْتِرَافِهِ بِالرِّقِّ وَعَنْ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ عَمَلًا بِالْيَدِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ اسْتِرْقَاقِ الْحُرِّ وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِالرِّقِّ لِمَنْ يَبِيعُهُ خُرُوجًا من الْخِلَافِ في ذلك وما نُقِلَ من تَحْرِيمِ وَطْءِ السَّرَارِي حتى يُخَمَّسْنَ وَيُقَسَّمْنَ مَحْمُولٌ على تَحَقُّقِ سَبْيِهِنَّ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَإِنْ كان بِهِ بَيِّنَةٌ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بها إلْزَامٌ وَمُطَالَبَةٌ في الْحَالِ وَلَا يُحَالُ على
____________________
(4/394)
من اعْتَرَفَ الْمُدَّعِي بِإِعْسَارِهِ نعم إنْ كان الْمُؤَجَّلُ في عَقْدٍ كَسَلَمٍ وَقَصْدَ بِدَعْوَاهُ بِهِ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ سُمِعَتْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال وَتُسْمَعُ أَيْضًا بِدَيْنٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَبَعْضُهُ حَالٌّ وَيَكُونُ الْمُؤَجَّلَ تَبَعًا لِلْحَالِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ وَتُسْمَعُ بِاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلَوْ قبل الْعَرْضِ على الْبَيْعِ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ نَاجِزَةٌ وَسَتَأْتِي الْأَخِيرَتَانِ في التَّدْبِيرِ أَيْضًا وَجَوَابُ دَعْوَى من ادَّعَى دَيْنًا مُؤَجَّلًا ولم يذكر الْأَجَلَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ الْآنَ وَيَحْلِفُ عليه وَقَوْلُهُ ولم يذكر الْأَجَلَ من زِيَادَتِهِ وهو تَصْحِيحٌ لِلدَّعْوَى لِأَنَّ الدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ لَا تُسْمَعُ كما مَرَّ وفي جَوَازِ إنْكَارِ اسْتِحْقَاقِهِ أَيْ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَا شَيْءَ له عَلَيَّ وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ الْمَذْهَبُ الْمَنْعُ كما حَكَاهُ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ عن جَدِّهِ وَإِنْ أَقَرَّ له خَصْمُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَادَّعَى تَلَفَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ يَقْنَعُ منه بِالْقِيمَةِ وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي على بَقَائِهِ طَالَبَهُ بِهِ الْبَابُ الثَّانِي في جَوَابِ الدَّعْوَى إذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عليه عن جَوَابِ الدَّعْوَى وَأَصَرَّ على ذلك جُعِلَ نَاكِلًا عن الْيَمِينِ وَرُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ قال له الْمُدَّعَى عليه لي مَخْرَجٌ من دَعْوَاكَ أو لك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت أو الْحَقُّ يُؤَدَّى أَيْ أَحَقُّ أَنْ يُؤَدَّى أو لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ له لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ في الْأُولَى بِالْإِنْكَارِ وَأَنْ يُرِيدَ في الثَّانِيَةِ لَك من الْحَقِّ عِنْدِي ما تَسْتَحِقُّ له أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَيْت وَأَنَّ الْمَعْنَى في الثَّالِثَةِ حَيْثُ يَكُونُ حَقُّهُ فَأَمَّا أنا فَبَرِيءٌ وَأَنْ يُرِيدَ في الرَّابِعَةِ الِاسْتِهْزَاءَ أو أَنَّ لِزَيْدٍ حُرْمَةً وَحَقًّا أَكْثَرَ مِمَّا لك ولا بِإِقْرَارٍ لِزَيْدٍ في الرَّابِعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْحُرْمَةَ وَالْكَرَامَةَ فَإِنْ قال لِزَيْدٍ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت فَإِقْرَارٌ لِزَيْدٍ وَيُفَسَّرُ أَيْ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى بِهِ عليه تَنْزِيلًا على كَثْرَةِ الْبَرَكَةِ أو الرَّغْبَةِ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ فَصْلٌ فيه سِتُّ مَسَائِلَ الْأُولَى لو ادَّعَى عليه غَيْرُهُ عَشَرَةً فقال لَا تَلْزَمُنِي لم يَكْفِ في الْجَوَابِ فَلْيَقُلْ معه وَلَا شَيْءَ منها وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ مُدَّعِيَهَا مُدَّعٍ لها وَلِكُلِّ جُزْءٍ من أَجْزَائِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ الْجَوَابُ وَالْحَلِفُ دَعْوَاهُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ سَائِرِ أَجْزَائِهَا فَإِنْ لم يَحْلِفْ بَعْدَ اسْتِحْلَافِهِ على ما ذَكَرَ إلَّا على نَفْيِ عَشَرَةٍ لم تَلْزَمْهُ بِتَمَامِهَا وَعُدَّ نَاكِلًا عَمَّا دُونَهَا وَلِلْمُدَّعِي الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ على اسْتِحْقَاقِ ما دُونَهَا وَإِنْ لم يُجَدِّدْ دَعْوَى بِهِ وَيُطَالِبُهُ بِهِ إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه عن الْعَشَرَةِ وقد اقْتَصَرَ الْقَاضِي في حَلِفِ الْمُدَّعَى عليه أَيْ تَحْلِيفِهِ على عَرْضِ الْيَمِينِ عليها ولم يَقُلْ وَلَا شَيْءَ منها فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ على اسْتِحْقَاقِ ما دُونَهَا إلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ دَعْوَى وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عليه لِأَنَّ الْمُدَّعَى عليه إنَّمَا نَكَلَ عن عَشَرَةٍ وَالنَّاكِلُ عنها لَا يَكُونُ نَاكِلًا عن بَعْضِهَا هذا إذَا لم يُسْنِدْهَا إلَى عَقْدٍ بِخِلَافِ ما إذَا أَسْنَدَهَا إلَيْهِ وهو ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قالت له نَكَحْتَنِي أو بِعْتنِي دَارَك بِعَشَرَةٍ فَحَلَفَ ما نَكَحْتُك أو ما بِعْتُك بِعَشَرَةٍ كَفَى لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لِلنِّكَاحِ أو الْبَيْعِ بِعَشَرَةٍ غَيْرُ مُدَّعٍ له بِمَا دُونَهَا فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ لم يَكُنْ لها أَنْ تَحْلِفَ على الْأَقَلِّ من عَشَرَةٍ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ ما ادَّعَتْهُ أَوَّلًا إلَّا بِدَعْوَى جَدِيدَةٍ فَلَهَا أَنْ تَحْلِفَ لِنُكُولِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ ادَّعَى مِلْكَ دَارٍ بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ في حَلِفِهِ لَيْسَتْ لك وَلَا شَيْءَ منها وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا كَفَاهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لم يَبِعْهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لو ادَّعَى عليه غَيْرُهُ شُفْعَةً أو مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَقَرْضٍ وَبَيْعٍ كَفَاهُ
____________________
(4/395)
في الْجَوَابِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شيئا أو لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك فَلَا يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِلسَّبَبِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قد يَكُونُ صَادِقًا فِيمَا ادَّعَاهُ وَيَعْرِضُ ما يُسْقِطُ الْحَقَّ من أَدَاءً أو إبْرَاءٍ أو هِبَةٍ فَلَوْ نَفَى السَّبَبَ كان كَاذِبًا أو اعْتَرَفَ بِهِ وَادَّعَى الْمُسْقِطَ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ وقد يَعْجِزُ عنها فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى قَبُولِ الْجَوَابِ الْمُطْلَقِ أو ادَّعَتْ عليه زَوْجَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا كَفَاهُ في الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ أَنْت زَوْجَتِي وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عليه إذَا اقْتَصَرَ على الْجَوَابِ الْمُطْلَقِ وَأَفْضَى الْأَمْرَ إلَى حَلِفِهِ كَجَوَابِهِ أو على نَفْيِ السَّبَبِ وَإِنْ كان الْجَوَابُ مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ السَّبَبِ عَيْنًا وَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ عليه لِيُطَابِقَ الْيَمِينُ الْجَوَابَ وَإِنْ ادَّعَى عليه مَرْهُونًا معه أو مُؤَجَّرًا معه كَفَاهُ في الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ إلَيْك أو يَقُولَ له وقد عَجَزَ عن بَيِّنَةٍ بِالرَّهْنِ أو الْإِجَارَةِ وَخَافَ جَحْدَ الْمُدَّعِي لَهُمَا لو اعْتَرَفَ له بِالْمِلْكِ إنْ ادَّعَتْ مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ أو مَرْهُونًا أو مُؤَجَّرًا عِنْدِي فَأَذْكُرُهُ حتى أُجِيبَ وَيُحْتَمَلُ هذا التَّرْدِيدُ وَإِنْ كان على خِلَافِ الْأَصْلِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَكْسُهُ بِأَنْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ دَيْنًا وَخَافَ الرَّاهِنُ جَحْدَ الْمُدَّعِي الرَّهْنَ لو اعْتَرَفَ له بِالدَّيْنِ يقول في جَوَابِهِ إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا لَا رَهْنَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُنِي أو بِهِ رَهْنٌ فَاذْكُرْهُ حتى أُجِيبَ وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ هُنَا وَلَا فِيمَا مَرَّ وَكَذَلِكَ يقول في ثَمَنِ مَبِيعٍ لم يُقْبَضْ بِأَنْ يَدَّعِيَ عليه أَلْفًا فَيَقُولَ إنْ ادَّعَيْت عن ثَمَنِ مَبِيعٍ مَقْبُوضٍ فَاذْكُرْهُ حتى أُجِيبَ أو عن ثَمَنِ مَبِيعٍ لم يُقْبَضْ فَلَا يَلْزَمُنِي مُطْلَقًا وَذِكْرُ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْقَبْضِ من زِيَادَتِهِ وَلِهَذَا مَثَّلَ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ عليه أَلْفًا فَيَقُولَ إنْ ادَّعَيْت عن ثَمَنِ كَذَا فَاذْكُرْهُ حتى أُجِيبَ أو عن جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا يَلْزَمُنِي فَرْعٌ لو ادَّعَتْ امْرَأَةٌ على رَجُلٍ أَلْفًا صَدَاقًا كَفَاهُ في الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْهَا فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالزَّوْجِيَّةِ فَمَهْرُ مِثْلٍ يَجِبُ لها عليه إنْ لم يُثْبِتْ أَيْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِخِلَافِهِ أَيْ بِأَنَّهُ نَكَحَهَا بِأَقَلَّ من ذلك وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ من ذلك الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لو ادَّعَى عليه غَيْرُهُ عَيْنًا عَقَارًا أو مَنْقُولًا في يَدِهِ فقال هِيَ لِمَجْهُولٍ أَيْ فَأَضَافَهَا له كَأَنْ قال هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ أو لِطِفْلٍ أو لِمَسْجِدٍ أو لِطِفْلِي أو لِلْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ وهو نَاظِرٌ عليه أو لِلْفُقَرَاءِ أو لَيْسَتْ لي أو نَحْوَهَا مِمَّا أُسْنِدَ فيه الْإِقْرَارُ لِمَنْ تَتَعَذَّرُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ لم تُنْزَعْ من يَدِهِ ولم يُعْذَرْ بِذَلِكَ أَيْ لَا تَنْصَرِفُ عنه الْخُصُومَةُ بِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَدِ الْمِلْكُ وما صَدَرَ عنه ليس بِمُزِيلٍ ولم يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ فَإِنْ أَقَرَّ لِمُعَيَّنٍ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِمَجْهُولٍ أو قَوْلِهِ لَيْسَتْ لي قَبْلُ وَانْصَرَفَتْ عنه الْخُصُومَةُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيُثْبِتْ الْمُدَّعِي أَيْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ أو يَحْلِفْ الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَقِرَّ أو يَنْكُلَ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَتَثْبُتُ له وَإِنْ ادَّعَاهَا الْمُدَّعَى عليه بَعْدُ لِنَفْسِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَقِيلَ لَا تُسْمَعُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي مُجَلِّي وابن أبي عَصْرُونٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ الْمَنْعُ
____________________
(4/396)
وَإِنْ أَقَرَّ بها لِحَاضِرٍ في الْبَلَدِ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ وَصَدَّقَهُ انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ عنه إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ بِظَاهِرِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَتْ في يَدِ الْمُقِرِّ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ أو أَقَرَّ بها لِغَائِبٍ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عنه إلَيْهِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بها الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَقَضَاءٌ على غَائِبٍ فَيَحْلِفُ مَعَهَا وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلهِ عن تَرْجِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ قَضَاءٌ على حَاضِرٍ قال الْبُلْقِينِيُّ وما رَجَّحُوهُ هو الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وُقِفَ الْأَمْرُ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِ فَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أنها لِلْغَائِبِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْغَائِبِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ على بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا إذَنْ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ له فَإِنْ لم يُثْبِتْ أَيْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِوَكَالَةٍ له عن الْغَائِبِ وَأَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ لَا لِتُثْبِتَ الْعَيْنَ لِلْغَائِبِ لِأَنَّهُ ليس نَائِبًا عنه بَلْ لِيَنْدَفِعَ عنه الْيَمِينُ وَتُهْمَةُ الْإِضَافَةِ إلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ أَتَعَرَّضَتْ بَيِّنَتُهُ لِكَوْنِهَا في يَدِهِ بِعَارِيَّةٍ أو غَيْرِهَا أَمْ لَا فَهَذِهِ الْخُصُومَةُ خُصُومَةٌ لِلْمُدَّعِي مع الْمُدَّعَى عليه وَلَلْمُدَّعِي مع الْغَائِبِ خُصُومَةٌ أُخْرَى إنْ كان الْغَائِبُ كَاذِبًا في زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهَذَا الشَّرْطُ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَوْ قال الْمُدَّعَى عليه هِيَ رَهْنٌ أو نَحْوُهُ من الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَإِجَارَةٍ مَعِي وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ مع بَيِّنَتِهِ لِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ بِلَا نِيَابَةٍ
وَلَهُ أَيْ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ حَيْثُ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عنه أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ أو أَنَّ ما أَقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لِلْمُقَرِّ له رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ له أو يَنْكُلَ فَيَحْلِفُ وَيُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ بِنَاءً على أَنَّ من أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ بَعْدَ ما أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلثَّانِي فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أو أَقَرَّ له بِالْعَيْنِ ثَانِيًا وغرم له الْقِيمَةَ ثُمَّ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْعَيْنِ أو حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُقَرِّ له رَدَّ الْقِيمَةَ وَأَخَذَ الْعَيْنَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْحَيْلُولَةِ وقد زَالَتْ فَرْعٌ لو ادَّعَى على غَيْرِهِ وَقْفَ دَارٍ بيده عليه وَأَقَرَّ بها ذُو الْيَدِ لِفُلَانٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ له لم يَكُنْ له تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ لِيُغَرِّمَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُعْتَاضُ عنه وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَالْحَيْلُولَةِ في الْحَالِ كَالْإِتْلَافِ أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ له فَيُتْرَكُ في يَدِ الْمُقِرِّ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُقَرُّ له فِيمَا مَرَّ بَيِّنَةً على الْمِلْكِ لم يَكُنْ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ لِيُغَرِّمَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ بِالْبَيِّنَةِ وَخَرَجَ الْإِقْرَارُ عن أَنْ تَكُونَ الْحَيْلُولَةُ بِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لو اشْتَرَى شيئا وَادَّعَاهُ آخَرُ فَأَقَرَّ له الْمُشْتَرِي بِهِ أو نَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَاسْتَحَقَّهُ لم يَرْجِعْ مُشْتَرِيهِ على بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لِتَقْصِيرِهِ بِإِقْرَارِهِ أو نُكُولِهِ وَإِنْ انْتَزَعَهُ منه بِالْبَيِّنَةِ رَجَعَ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ قال حَالَةَ الْخُصُومَةِ هِيَ مِلْكُ بَائِعِي أو مِلْكِي أو قال حَالَةَ الشِّرَاءِ بِعْنِي مِلْكَك هذا مُعْتَمِدًا في ذلك ظَاهِرَ الْيَدِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْمُقِرِّ لِلْمُدَّعِي بِالْمِلْكِ أَنْ يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لِيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ على الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ بِلَا نِيَابَةٍ كَيْفَ وَالْمُدَّعِي لو أَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَالْحَالَةِ هذه لم يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عن الْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ فَيَرْجِعُ عليه فَإِنْ نَكَلَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ لَكِنْ لو أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ
____________________
(4/397)
بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي سُمِعَتْ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ إذَا بَانَ إقْرَارُ الْبَائِعِ من قَبْلُ لَغَا إقْرَارُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كان الْمَبِيعُ عَبْدًا وَادَّعَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَأَقَرَّ له الْمُشْتَرِي بِحُرِّيَّتِهِ فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً على الْبَائِعِ بِأَنَّهُ غَرَّهُ بِبَيْعِهِ حُرًّا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِكُلِّ أَحَدٍ إثْبَاتُهَا وإذا ثَبَتَتْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ وَلَا تَكْفِي فيه بَيِّنَةٌ بِمُطْلَقِ الْحُرِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هو الذي أَعْتَقَهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيِّنَةِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْبَائِعَ كان اشْتَرَاهَا الْأَوْلَى اشْتَرَاهُ من الْمُدَّعِي سُمِعَتْ ونقض الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَتَقَرَّرَ الشِّرَاءُ فَتَكُونُ الْعَيْنُ لِلْمُشْتَرِي فَصْلٌ لو ادَّعَى جَارِيَةً على مُنْكِرهَا فَاسْتَحَقَّهَا بِحُجَّةٍ وَوَطِئَهَا وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لم تَكُنْ زَانِيَةً بِإِقْرَارِهِ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ ما يقول ولم يَبْطُلْ الْإِيلَادُ وَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَإِنْ وَافَقَتْهُ الْجَارِيَةُ في إكْذَابِهِ نَفْسَهُ فإن الْحُكْمَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَرْتَفِعُ ما حُكِمَ بِهِ بِرُجُوعٍ مُحْتَمَلٍ فَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لم تَعْتَرِفْ هِيَ بِالزِّنَا وَالْأَرْشُ إنْ نَقَصَتْ ولم يُولِدْهَا وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ إنْ أَوْلَدَهَا وَلَا يَطَؤُهَا بَعْدَ ذلك إلَّا بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ فَإِنْ مَاتَ قبل شِرَائِهَا أو بَعْدَهُ عَتَقَتْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهَا إنْ مَاتَ قبل شِرَائِهَا وَكَذَا الْحُكْمُ لو أَنْكَرَ مَالِكُ الْجَارِيَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ صَاحِبُ الْيَدِ وَحَلَفَ أنها له وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا تَكُونُ زَانِيَةً بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَبْطُلُ الْإِيلَادُ وَلَا حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَالْأَرْشُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ وَلَا يَطَؤُهَا إلَّا بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ فَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ وَوُقِفَ وَلَاؤُهَا وَيَجِبُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا في الْحَالَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الدَّعْوَى في الْعُقُوبَةِ كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ تَكُونُ على الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فيها دُونَ السَّيِّدِ وفي مُوجِبِ الْمَالِ تَكُونُ على السَّيِّدِ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّعَلُّقِ مِلْكٌ له وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ فيه لَا يُقْبَلُ فَلَوْ ادَّعَى بِهِ على الْعَبْدِ فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ وَالْوَجْهُ أنها تُسْمَعُ لِإِثْبَاتِ الْأَرْشِ في الذِّمَّةِ لَا لِتَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ وَسُمِعَتْ لِإِثْبَاتِ الْأَرْشِ قال في الْأَصْلِ تَفْرِيعًا على الْأَصْلَيْنِ يَعْنِي على أَنَّ ذلك يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِالْمُؤَجَّلِ قال الْبُلْقِينِيُّ فَيَخْرُجُ منه أَنَّ الْأَصَحَّ أنها لَا تُسْمَعُ عليه بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ قال أَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ وَاَلَّذِي نَقُولُهُ نَحْنُ إنَّ الْمُتَوَجِّهَ سَمَاعُهَا لِيُقِرَّ بِالْأَرْشِ فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ أو يَنْكَلُ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي لِيَحْلِفَ فَيَتَعَلَّقُ بها أَيْضًا وَمَالَ ابن الرِّفْعَةِ إلَى ما قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ من سَمَاعِهَا إنْ كان لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قال وقد يَمْتَنِعُ إقْرَارُ الشَّخْصِ بِالشَّيْءِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ عليه لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فإن السَّفِيهَ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَكَذَا بِالْجِنَايَةِ على رَأْيٍ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عليه لِأَجَلِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قال بَلْ قالوا إنَّ الدَّعْوَى بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ على الْحُرِّ تُسْمَعُ وَتُقَامُ عليه الْبَيِّنَةُ وَيُؤَاخَذُ الْعَاقِلَةُ بها وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عليهم ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فَعَلَهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا وما مَالَ إلَيْهِ هو ما جَرَى الْمُصَنِّفُ عليه في أَوَائِلِ الْإِقْرَارِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ يُطَالَبُ الْمُدَّعَى عليه بِالْكَفِيلِ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ لم تُعَدَّلْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أتى
____________________
(4/398)
بِمَا عليه وَالنَّظَرُ في حَالِ الْبَيِّنَةِ من وَظِيفَةِ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ الْعَدَالَةُ لَا قَبْلَهَا فَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ اعْتَادَ الْقَضَاءُ خِلَافَهُ فَإِنْ لم يَكْفُلْ أَيْ يُقِمْ كَفِيلًا حُبِسَ لِامْتِنَاعِهِ من إقَامَةِ كَفِيلٍ لَا لِثُبُوتِ الْحَقِّ وَامْتِنَاعِهِ منه الْبَابُ الثَّالِثُ في الْيَمِينِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في نَفْسِ الْحَلِفِ وَالْمَقْصُودُ الْآنَ بَيَانُ قَاعِدَتَيْنِ الْأُولَى التَّغْلِيظُ في الْأَيْمَانِ الْمَشْرُوعَةِ في الدَّعَاوَى مُبَالَغَةً في الزَّجْرِ وَتَأْكِيدًا لِأَمْرِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِمَا هو مُتَأَكِّدٌ في نَظَرِ الشَّرْعِ كما بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ نَدْبًا وَإِنْ لم يَطْلُبْ الْخَصْمُ تَغْلِيظَهَا فِيمَا ليس بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ منه الْمَالُ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَلِعَانٍ وَقَوَدٍ وَعِتْقٍ وفي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ أو لم يَبْلُغْهُ لَكِنْ رَآهُ أَيْ التَّغْلِيظَ قَاضٍ لِجَرَاءَةٍ في الْحَالِفِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ نِصَابِ الزَّكَاةِ من نَقْدٍ وَغَيْرِهِ حتى تُغَلَّظَ في خَمْسٍ من الْإِبِلِ وفي أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ وهو وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أو مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أو قِيمَةً وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حتى لو كان الْمُدَّعَى بِهِ من الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالذَّهَبِ
ا ه
وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أو مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أو ما قِيمَتُهُ أَحَدُهُمَا وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ هو نِصَابٌ غُلِّظَ فيها وَإِلَّا فَلَا
وَاحْتُجَّ لِلتَّغْلِيظِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عن عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فقال أَعَلَى دَمٍ فَقَالُوا لَا قال فَعَلَى عَظِيمٍ من الْمَالِ قالوا لَا قال خَشِيت أَنْ يَتَهَاوَنَ الناس بهذا الْمَقَامِ وَيَسْتَوِي فيه يَمِينُ الْمُدَّعَى عليه وَيَمِينُ الْمُدَّعِي وَلَوْ مع شَاهِدٍ وقد يَقْتَضِي الْحَالُ التَّغْلِيظَ من أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كما ذَكَرُهُ بِقَوْلِهِ فَيُغَلَّظُ فيها أَيْ في الْيَمِينِ على عَبْدٍ خَسِيسٍ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ ادَّعَى على سَيِّدِهِ عِتْقًا أو كِتَابَةً فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ ليس بِمَالٍ لَا على سَيِّدِهِ إذَا حَلَفَ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ مَالٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ ما إذَا كان نَفِيسًا ويغلظ في الْوَقْفِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا على الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه بِخِلَافِ ما إذَا لم يَبْلُغْ نِصَابًا وأما الْخُلْعُ بِالْقَلِيلِ من الْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَتْ أو نَكَلَتْ وَحَلَفَ هو فَلَا تَغْلِيظَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ أو نَكَلَ وَحَلَفَتْ هِيَ غُلِّظَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَاقُ وَقَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ أَمَّا الْخُلْعُ بِالْكَثِيرِ فَتُغَلَّظُ فيه مُطْلَقًا
وَالْمَرِيضُ وَالزَّمِنُ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءُ لَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ عليهم بِالْمَكَانِ لِعُذْرِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ كَالْمُخَدَّرَةِ وَكَالْجُنُبِ لِإِمْكَانِ اغْتِسَالِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ قد ذَكَرُوا في اللِّعَانِ أَنَّ الْحَائِضَ يُغَلَّظُ عليها بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا مِثْلُهُ وَإِنْ لَمَحْنَا فَرْقًا بين الْبَابَيْنِ وَلَا يُغَلَّظُ على حَالِفٍ بِالطَّلَاقِ من التَّغْلِيظِ أَيْ حَالِفٌ بِهِ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَمِينًا مُغَلَّظَةً بِنَاءً على أَنَّ التَّغْلِيظَ مُسْتَحَبٌّ وَتَقْيِيدُهُ كَأَصْلِهِ بِالطَّلَاقِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لو حَلَفَ بِغَيْرِهِ لم يَكُنْ كَذَلِكَ وَقَضِيَّةُ النَّصِّ وَصَرِيحُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ وَحَلِفِهِ بِغَيْرِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالتَّغْلِيظُ هُنَا بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كما في اللَّعَّانِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ
____________________
(4/399)
الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وما أَشْبَهُهُ كَوَاللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الذي يَعْلَمُ من السِّرِّ ما يَعْلَمُ من الْعَلَانِيَةِ وَنُدِبَ وَضْعُ الْمُصْحَفِ في حِجْرِ الْحَالِفِ بِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ عليه إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا الْآيَةَ وَأَنْ يَقُولَ له الْقَاضِي اتَّقِ اللَّهَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَائِمًا زِيَادَةً في التَّغْلِيظِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَا تُغَلَّظُ هُنَا بِحُضُورِ الْجَمْعِ لِاخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ وَلَا بِتَكْرِيرِ الْأَلْفَاظِ لِاخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ وهو وَاجِبٌ فِيهِمَا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطُ مُطَابَقَةِ الْيَمِينِ لِلْإِنْكَارِ فَإِنْ قال في جَوَابِ من ادَّعَى عليه قَرْضًا ما أَقْرَضْتَنِي أو لَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ حَلِفَ كما أَنْكَرَ وَيَلْغُو الْحَلِفُ قبل تَحْلِيفِ الْقَاضِي وَطَلَبِ الْخَصْمِ له كما سَيَأْتِي وَاحْتَجَّ له بِأَنَّ رُكَانَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وقال وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَحَلَفَ مَرَّةً أُخْرَى فَرَدَّهَا عليه رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لم يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ قبل التَّحْلِيفِ بَلْ أَعَادَهَا عليه فَلَوْ قال له الْقَاضِي في تَحْلِيفِهِ قُلْ وَاَللَّهِ فقال وَالرَّحْمَنِ أو قُلْ وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ فقال وَاَللَّهِ وَسَكَتَ أو امْتَنَعَ من تَغْلِيظِ الْمَكَان وَالزَّمَانِ فَنَاكِلٌ إذْ ليس له رَدُّ اجْتِهَادِ الْقَاضِي أو قال له قُلْ وَاَللَّهِ فقال بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ أو تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ أو بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نُكُولٌ كما في التي قَبْلَهَا وَثَانِيهُمَا لَا لِأَنَّهُ حَلَفَ بِالِاسْمِ الذي حَلَّفَهُ بِهِ وَالتَّفَاوُتُ في مُجَرَّدِ الصِّلَةِ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَنَسَبَهُ لِلنَّصِّ وقال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وقال تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ من التَّغْلِيظِ على الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ ليس نُكُولًا خِلَافًا لِلْقَفَّالِ الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وهو على الْبَتِّ في الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ إلَّا على نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ كَأَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك أو غَصَبَنِي أو بَاعَ مِنِّي مُوَكِّلُك
____________________
(4/400)
وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذلك فإنه يَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ لَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يَعْسُرُ الْوُقُوفُ على سَبَبِهِ وَلِهَذَا لَا يَشْهَدُ على النَّفْيِ الْمَحْضِ بِخِلَافِ الْحَلِفِ على الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا لِسُهُولَةِ الْوَقْفِ عليه كما يَشْهَدُ بِهِ وَبِخِلَافِهِ في نَفْيِ فِعْلِهِ لِإِحَاطَتِهِ بِحَالِ نَفْسِهِ وَلَا يُكَلِّفُهُ أَيْ من يَحْلِفُ على نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ الْقَاضِي الْبَتَّ أَيْ الْحَلِفُ عليه فَلَوْ حَلَّفَهُ عليه فَقَدْ ظَلَمَ لَكِنْ يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ آكَدُ من نَفْيِ الْعِلْمِ وهو مَحْمُولٌ على نَفْيِ الْعِلْمِ كما إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ له إلَّا فُلَانٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَتُحْمَلُ على عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِوَارِثٍ غَيْرِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَتْلَفَ عَلَيَّ عَبْدُك أو بَهِيمَتُك كَذَا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ فإنه يَحْلِفُ على الْبَتِّ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلَهُ كَفِعْلِهِ وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى بِذَلِكَ عليه وَضَمَانُ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا هو بِتَقْصِيرِهِ في حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا
وَإِنْ ادَّعَى عليه دَيْنًا على مُوَرِّثِهِ فَلْيَذْكُرْ مع ذِكْرِ الدَّيْنِ وَوَصْفِهِ مَوْتَهُ وَحُصُولِ التَّرِكَةِ بيده وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِدَيْنِهِ على مُوَرِّثِهِ فَيَحْلِفُ في الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ على نَفْيِ الْعِلْمِ وفي عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ بيده على الْبَتِّ وَلَوْ أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ مَعًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ على نَفْيِ التَّرِكَةِ فَقَطْ فَلَهُ أَيْ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ مَعَهَا أَيْ التَّرِكَةِ أَيْ مع حَلِفِهِ على عَدَمِ حُصُولِهَا بيده على نَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ له غَرَضًا في إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَ الْوَارِثِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يَظْفَرُ بِوَدِيعَةٍ أو دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَأْخُذُ منه حَقَّهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفْهِمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لو اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَا تَرِكَةَ لِلْمَيِّتِ كان له التَّحْلِيفُ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ في الْكَلَامِ على الدَّعْوَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أو على الْمُعْسِرِ قال وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُدَّعِيَ يقول وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِكَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ ذلك أَمَّا لو عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ أو غَلَبَ على ظَنِّهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذلك وَيَجُوزُ الْحَلِفُ على الْبَتِّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ كَخَطِّ أبيه الثِّقَةِ وَخَطِّهِ بِأَنَّ له على زَيْدٍ كَذَا وَنُكُولِ خَصْمِهِ عن الْحَلِفِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ فِيهِمَا اعْتِمَادُ الْخَطِّ لِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَظِيمٌ كما مَرَّ بَيَانُ ذلك مع زِيَادَةٍ في بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ
وَيُعْتَبَرُ في صِحَّةِ الْحَلِفِ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ وَاعْتِقَادُهُ لَا نِيَّةُ الْحَالِفِ وَاعْتِقَادُهُ لِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَتَضِيعَ الْحُقُوقُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْيَمِينُ على نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَحُمِلَ على الْقَاضِي لِأَنَّهُ الذي له وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ وَالْمُرَادُ بِهِ من له هذه الْوِلَايَةُ لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ وَالْمُحَكَّمَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ فَلَا يَدْفَعُ الْإِثْمَ أَيْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ بِتَأْوِيلٍ وَاسْتِثْنَاءٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَحْوُهُ كَشَرْطِ وَصْلِهِ بِالْيَمِينِ ولم يَسْمَعْهُ الْقَاضِي على خِلَافِ نِيَّتِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا لِمَا نَوَاهُ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ
____________________
(4/401)
بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقَاضِي فإذا ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ من مَالِهِ كَذَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَسَأَلَ رَدَّهُ وكان إنَّمَا أَخَذَهُ من دَيْنٍ عليه فَأَجَابَ بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ فقال خَصْمُهُ لِلْقَاضِي حَلِّفْهُ أَنَّهُ لم يَأْخُذْ من مَالِي شيئا بِغَيْرِ إذْنِي وكان الْقَاضِي يَرَى إجَابَتَهُ لِذَلِكَ فَلِلْمُدَّعَى عليه أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لم يَأْخُذْ شيئا من مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَنْوِي بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ وما قَالَهُ لَا يُنَافِي ما سَيَأْتِي في مَسْأَلَةِ تَحْلِيفِ الْحَنَفِيِّ الشَّافِعِيَّ على شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَتَأَمَّلْ فَإِنْ سَمِعَهُ الْقَاضِي يَأْتِي بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ عَزَّرَهُ إنْ كان عَالِمًا بِعَدَمِ جَوَازِهِ وَأَعَادَ الْيَمِينَ عليه فَإِنْ وَصَلَهَا بِكَلَامٍ ولم يَفْهَمْهُ الْقَاضِي نَهَاهُ عنه وَأَعَادَهَا عليه وُجُوبًا فَإِنْ قال كُنْت أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى قِيلَ له ليس هذا وَقْتَهُ
ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَرْعٌ لو كان الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَحَكَمَ على شَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ نَفَذَ حُكْمُهُ ظَاهِرًا أو بَاطِنًا في حَقِّ الْمُقَلِّدِ وَالْمُجْتَهِدِ وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ فَحَلَفَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شيئا أَثِمَ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْقَاضِي وَإِنْ حَلَفَ كَذَلِكَ هُنَا وفي سَائِرِ الدَّعَاوَى قبل أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لم يَأْثَمْ أو حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ أو نَحْوِهِ وهو لَا يَرَى التَّحْلِيفَ بِهِ كَالشَّافِعِيِّ أو حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي من قَاهِرٍ أو خَصْمٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَوَرَّى لم يَحْنَثْ وَنَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ في جَمِيعِ ذلك اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ ليس له أَنْ يُحَلِّفَ بِغَيْرِ اللَّهِ كَآحَادِ الناس كما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو كان له التَّحْلِيفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَنَفِيِّ لم تَنْفَعْهُ التَّوْرِيَةُ وهو ظَاهِرٌ فَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عن الْأَذْكَارِ نَفْعَهَا له فِيمَا لو حَلَّفَهُ بِغَيْرِ اللَّهِ من يَرَى التَّحْلِيفَ بِهِ كَالْحَنَفِيِّ وَهُمْ فإنه ليس فيه مع بُعْدِهِ عن الْمَعْنَى أَيْضًا وَخَالَفَ ابن عبد السَّلَامِ في تَحْلِيفِ الْخَصْمِ فَأَلْحَقَهُ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي مُحْتَجًّا بِخَبَرِ مُسْلِمٍ يَمِينُك ما يُصَدِّقُك عليه صَاحِبُك قال أَرَادَ بِهِ الْخَصْمَ وَلَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ لم يَأْثَمْ أَغْنَى عنه قَوْلُهُ لم يَحْنَثْ وَقَوْلُهُ أو حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ من زِيَادَتِهِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْحَالِفِ في جَوَابِ الدَّعْوَى وهو من تَوَجَّهَتْ عليه دَعْوَى صَحِيحَةٌ لو أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ هذا ما جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ لَكِنَّ الْمِنْهَاجَ عَبَّرَ بَدَلَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ بِيَمِينٍ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وهو كُلُّ من يَتَوَجَّهُ عليه دَعْوَى صَحِيحَةٌ وَقِيلَ كُلُّ من تَوَجَّهَتْ عليه دَعْوَى إلَى آخِرَ ما مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ شَرْحٌ لِلْأُولَى انْتَهَى وَمُحَصِّلُ الضَّابِطِ على ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ كُلَّ من يُحَلِّفُ من تَوَجَّهَتْ عليه دَعْوَى إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّ كُلَّ من تَوَجَّهَتْ عليه دَعْوَى إلَى آخِرِهِ يَحْلِفُ فَلَا يَرُدُّ عليه الشَّاهِدُ وَالْقَاضِي حَيْثُ لَا يَحْلِفَانِ وَإِنْ كَانَا لو أَقَرَّ أَلْزَمَهُمَا الْحَقَّ صِيَانَةً لِمَنْصِبِهِمَا وَيَجْرِي التَّحْلِيفُ في الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ شَتْمًا وَضَرْبًا أَوْجَبَا تَعْزِيرًا لِخَبَرِ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على من أَنْكَرَ وَخَبَرِ الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى في حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْزِيرِهِ لِمَا مَرَّ في الشَّهَادَاتِ في الْكَلَامِ على دَعْوَى الْحِسْبَةِ فَلَا يَأْتِي في ذلك حَلِفٌ نعم لو تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٌّ كَأَنْ قَذَفَهُ غَيْرُهُ فَطَالَبَهُ بِالْحَدِّ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ ما زَنَى كما مَرَّ في الْبَابِ الْأَوَّلِ فَإِنْ حَلَفَ
____________________
(4/402)
حُدَّ الْقَاذِفُ
وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْقَاذِفُ سَقَطَ عنه الْحَدُّ ولم يَثْبُتْ الزِّنَا على الْمَقْذُوفِ بِحَلِفِهِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَكَذَلِكَ له تَحْلِيفُ وَارِثِ الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ ما يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ زَنَى إنْ طَالَبَهُ بِالْحَدِّ كما مَرَّ في الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَيَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ في دَعْوَى السَّرِقَةِ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ كما في السَّرِقَةِ هذه الْإِحَالَةُ من زِيَادَتِهِ وَالْوَجْهُ تَرْكُهَا لِأَنَّ الذي مَرَّ ثَمَّ ثُبُوتُ الْقَطْعِ أَيْضًا وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ما فيه وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ ما هُنَا لِأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا وَقُلْنَا لَا يَجِبُ التَّفْصِيلُ في الْإِقْرَارِ وَادَّعَى شُبْهَةً كَأَنْ وَطِئَ أَمَةَ أبيه وقال ظَنَنْتُهَا تَحِلُّ لي وَأَمْكَنَ ما قَالَهُ وَحَلَفَ عليه فَلَا حَدَّ عليه ولم يَسْقُطْ الْمَهْرُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ ما ذَكَرَ أَنَّهُ لو لم يَحْلِفْ حُدَّ وهو مُشْكِلٌ وَلَا يَحْلِفُ مُدَّعِي الصِّبَا إنْ احْتَمَلَ بَلْ يُمْهَلُ حتى يَبْلُغَ وَإِنْ كان لو أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ في وَقْتِ احْتِمَالِهِ قُبِلَ لِأَنَّ حَلِفَهُ يُثْبِتُ صِبَاهُ وَصِبَاهُ يُبْطِلُ حَلِفَهُ فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالُ تَحْلِيفِهِ إلَّا كَافِرًا وَقَعَ في السَّبْيِ أُنْبِتَ أَيْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ وقال اسْتَعْجَلْتُهُ أَيْ الْإِنْبَاتَ بِالْعِلَاجِ فَيَحْلِفُ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ بِنَاءً على أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ وَاسْتَشْكَلَ من جِهَةِ أَنَّهُ يَدَّعِي الصِّبَا لَكِنْ اعْتَمَدُوا في تَحْلِيفِهِ الْإِنْبَاتَ وَقَالُوا كَيْفَ يُتْرَكُ الدَّلِيلُ الظَّاهِرُ بِزَعْمٍ مُجَرَّدٍ
وَحُكِمَ بِرِقِّهِ كَسَائِرِ الصِّبْيَانِ الْمَسْبِيِّينَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ قُتِلَ قال ابن الْقَاصِّ وهو حُكْمٌ بِالنُّكُولِ وقال غَيْرُهُ لَا بَلْ لِدَلِيلِ الْبُلُوغِ دُونَ دَافِعٍ وَلَا يَحْلِفُ في الدَّعْوَى بِحَقٍّ على مَيِّتٍ وَصِيٌّ غَيْرُ وَارِثٍ له لِأَنَّ مَقْصُودَ التَّحْلِيفِ الْإِقْرَارُ وهو لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ وَكَذَا قَيِّمُ الْقَاضِي لَا يَحْلِفُ إذَا لم يَكُنْ وَارِثًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ ما إذَا كَانَا وَارِثَيْنِ فَيَحْلِفَانِ بِحَقِّ الْوِرَاثَةِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَصَرُّفِهِمَا بِقَرِينَةِ ما سَيَأْتِي في الْوَلِيِّ وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ في غَيْبَةِ الْخَصْمِ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ حُضُورُهُ قَالَهُ ابن سُرَيْجٍ وَيُكْتَفَى فيها أَيْ الْوَكَالَةِ أَيْ إثْبَاتِهَا بِعِلْمِ الْقَاضِي قال ابن الرِّفْعَةِ إنْ كان الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أو غَائِبًا وهو مَعْرُوفُ النَّسَبِ لِلْقَاضِي وَإِلَّا فَلَا الطَّرَفُ الرَّابِعُ في فَائِدَةِ الْيَمِينِ وما ذُكِرَ مَعَهَا وَهِيَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ في الْحَالِ لَا سُقُوطُ حَقِّ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا بَعْدَمَا حَلَفَ بِالْخُرُوجِ من حَقِّ صَاحِبِهِ كَأَنَّهُ عَرَفَ كَذِبَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصُحِّحَ إسْنَادُهُ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من حَلَفَ على يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بها مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هو فيها فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَانُ فلم يَجْعَلْ الْيَمِينَ مُبَرِّئَةً في الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عليه وَيُحْكَمُ بها وَإِنْ نَفَاهَا الْمُدَّعِي حين الْحَلِفِ كَأَنْ قال لَا بَيِّنَةَ لي حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً لِمَا ذُكِرَ وَكَذَا لو رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَنَكَلَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّ نُكُولَهُ لِلتَّوَرُّعِ عن الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ ما لو أَجَابَ الْمُدَّعَى عليه وَدِيعَةً بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَلَفَ عليه فإنه يُبَرَّأُ حتى لو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ الْوَدِيعَةَ لم يُؤَثِّرْ فَإِنَّهَا لَا تُخَالِفُ ما حَلَفَ عليه من نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَنْ كَذَّبَ شُهُودَهُ سَقَطَتْ بَيِّنَتُهُ لِتَكْذِيبِهِ لها لَا دَعْوَاهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُحِقًّا فيها وَالشُّهُودُ مُبْطَلِينَ بِشَهَادَتِهِمْ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ وفي مِثْلِهِ قال اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ وَلَوْ أَقَامَ خَصْمُهُ شَاهِدًا أَنَّهُ كَذَّبَ شُهُودَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ معه لِيَجْرَحَ الشُّهُودَ لم يُمَكَّنْ من ذلك لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ الطَّعْنُ في الشُّهُودِ وهو لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِنْ كانت الشَّهَادَةُ بِمَالٍ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ بِمِلْكٍ ادَّعَاهُ وَكَانَا قد اشْتَرَيَاهُ منه لم يُقْبَلَا لِلتُّهْمَةِ
وَلَوْ شَهِدَا لِشَخْصٍ بِمِلْكٍ فَقَامَتْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِمَا حين تَصَدَّيَا لِلشَّهَادَةِ أَنْ لَا شَهَادَةَ مَعَهُمَا بِذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا أو قَامَتْ بِأَنَّهُ أَيْ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّ شَاهِدَيْهِ شَرِبَا خَمْرًا وَقْتَ كَذَا وَقَصُرَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِلَّا بِأَنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ في الْأُولَى بِإِقْرَارِهِمَا بِمَا ذَكَرَ قبل تَصَدِّيهِمَا لِلشَّهَادَةِ أو طَالَتْ الْمُدَّةُ في الثَّانِيَةِ فَلَا تُرَدُّ
____________________
(4/403)
شَهَادَتُهُمَا إذْ لَا مَانِعَ وَلَوْ حَذَفَ رُدَّتْ الْأُولَى كان أَوْلَى وَإِنْ شَهِدَا بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِمَا ذُكِرَ في الثَّانِيَةِ ولم يُعَيِّنَا في شَهَادَتِهِمَا بِالْإِقْرَارِ بِالشُّرْبِ أَنَّ الْمُقِرَّ عَيَّنَ وَقْتًا لِلشُّرْبِ سُئِلَ عن ذلك وَعُمِلَ بِمَا يَقْتَضِيهِ تَعْيِينُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً على خَصْمِهِ ثُمَّ قال لِلْقَاضِي لَا تَحْكُمْ بِبَيِّنَتِي حتى تُحَلِّفَهُ بَطَلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُعْتَرِفِ بِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بها قال النَّوَوِيُّ قُلْت هذا مُشْكِلٌ فَقَدْ يَقْصِدُ تَحْلِيفَهُ لِيُقِيمَ بَعْدَهُ الْبَيِّنَةَ وَيُظْهِرَ إقْدَامَهُ على يَمِينٍ فَاجِرَةٍ أو غَيْرِ ذلك من الْمَقَاصِدِ التي لَا تَقْتَضِي قَدْحًا في الْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بَيِّنَتُهُ قال ابن الرِّفْعَةِ هذا كَلَامُ من سَبَقَ فَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا قال الْمُدَّعِي ذلك قبل إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَهَا فَتَبْطُلُ بِمَا أَيَّدَاهُ من الْفَائِدَةِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وهو كما قال على أَنَّ ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ من بُطْلَانِ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا نَقَلَهُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَفِيهِ خَلَلٌ وَاَلَّذِي فيها أَنَّ ذلك لَا يَقْدَحُ في الْبَيِّنَةِ انْتَهَى وَمَعَ ذلك فَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بَاقٍ بِحَالِهِ وَلَوْ قال الْخَصْمُ لِلْقَاضِي قد حَلَّفْتنِي له مَرَّةً على ما ادَّعَاهُ بِطَلَبِهِ فَلَيْسَ له تَحْلِيفِي ولم يذكر الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ حَلَّفَهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ بَيِّنَةً فَإِنْ قال الْمُدَّعَى عليه لِلْقَاضِي قد حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أو أَطْلَقَ فَحَلِّفْهُ أَنَّهُ لم يُحَلِّفْنِي مُكِّنَ منه لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ وَقَوْلِي أو أَطْلَقَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وقال الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَسْتَفْسِرُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قد يُحَلِّفُهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي لَا سِيَّمَا إذَا كان خَصْمُهُ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ وَلَا يَسْمَعُ مِثْلَ ذلك من الْمُدَّعِي بِأَنْ قال لَا أَحْلِفُ فَقَدْ حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَنَّنِي ما حَلَّفْته فَحَلِّفْهُ أَنَّهُ لم يُحَلِّفْنِي لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَخَلَّصَ عن الْخُصُومَةِ وَإِنْ اسْتَمْهَلَ في إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ على قِيَاسِ الْبَيِّنَاتِ الدَّوَافِعِ فَإِنْ لم يُقِمْهَا حَلَفَ أَنَّهُ ما حَلَّفَهُ ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِالْحَلِفِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ ثُمَّ يُطَالَبُ بِالْمَالِ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَالِ تَقَدَّمَتْ ولم يَتَوَجَّهْ عليه مَالٌ بَعْدُ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ
وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه يَمِينَ الرَّدِّ وَسَقَطَتْ الدَّعْوَى لَا يَمِينَ الْأَصْلِ إلَّا بِدَعْوَى أُخْرَى لِأَنَّهُمَا الْآنَ في غَيْرِ الدَّعْوَى الْأُولَى قال ابن الرِّفْعَةِ تَفَقُّهًا فَإِنْ أَصَرَّ على ذلك بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى حَلَفَ الْمُدَّعِي على الِاسْتِحْقَاقِ وَاسْتَحَقَّ انْتَهَى وما ذُكِرَ من أَنَّهُ لَا بُدَّ من اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو مَرْدُودٌ إذْ لَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ الدَّعْوَى الْأُولَى بِالْعَارِضِ الذي زَالَ حُكْمُهُ وَلِي بِمَا قَالَهُ أُسْوَةٌ وَلَوْ ادَّعَى عليه أَيْ على شَخْصٍ مَالًا فَحَلَفَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَاهُ عليه وقال له حَلَفْت يَوْمَئِذٍ لِأَنَّك كُنْت مُعْسِرًا لَا يَلْزَمُك تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيَّ وَالْيَوْمَ يَلْزَمُك لِأَنَّك قد أَيْسَرْت سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِإِمْكَانِهَا وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عليه ما لم تَتَكَرَّرْ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ لم تُسْمَعْ لِظُهُورِ تَعَنُّتِهِ وَلَهُ أَيْ لِلْمُدَّعِي تَأْخِيرُ الْيَمِينِ أَيْ يَمِينُ خَصْمِهِ وَتَحْلِيفِهِ إيَّاهَا بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ لم يَسْقُطْ حَقُّهُ منها وَلَغَتْ يَمِينُ الْخَصْمِ قبل طَلَبِ الْمُدَّعِي لها قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يُقَالُ لَا تَلْغُو إذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ ظَهَرَ له منه أَنَّهُ يُرِيدُ التَّحْلِيفَ وَإِنَّمَا سَكَتَ عنه لِجَهْلٍ أو عِيٍّ وَإِنْ أَبْرَأَهُ عنها أَيْ عن الْيَمِينِ لم يُحَلِّفْهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ دَعْوَى لِسُقُوطِ حَقِّهِ منها في الدَّعْوَى الْأُولَى قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ على مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ الْآتِي بَيَانُهُ في نُكُولِ الْمُدَّعِي عن يَمِينِ الرَّدِّ أَمَّا على مَذْهَبِ الْمَرَاوِزَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَسُوغُ له الدَّعْوَى ثَانِيًا انْتَهَى وَيَفْرُقُ بِأَنَّ إبْرَاءَهُ عن الْيَمِينِ لَا يَقْتَضِي إسْقَاطَ الْحَقِّ فَسَاغَ له تَجْدِيدُ الدَّعْوَى بِهِ بِخِلَافِ نُكُولِهِ عن يَمِينِ الرَّدِّ فِيمَا يَأْتِي ثَمَّ الْبَابُ الرَّابِعُ في النُّكُولِ لَا يُقْضَى له أَيْ لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِ خَصْمِهِ عن الْيَمِينِ بَلْ يَرُدُّهَا الْقَاضِي عليه لِيَحْلِفَ لِتَحَوُّلِ الْحَلِفِ إلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ الْيَمِينَ على طَالِبِ الْحَقِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِأَنَّ نُكُولَ الْخَصْمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعًا عن الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ كما يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزًا عن الْكَاذِبَةِ فَلَا يُقْضَى بِهِ مع التَّرَدُّدِ فَرُدَّتْ على الْمُدَّعِي وَيَعْرِفُ اسْتِحْقَاقَهُ بها لِمَا ادَّعَاهُ إنْ جَهِلَ تَحَوُّلَهَا إلَيْهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ بها
فَإِنْ حَلَفَ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي لَا قَبْلَهُ قُضِيَ له وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْيَمِينُ إذَا كان الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ له الْقَاضِي احْلِفْ أو قُلْ وَاَللَّهِ أو بِاَللَّهِ لَا أَنْ يَقُولَ له أَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ فيقول لَا أو يقول أنا نَاكِلٌ
____________________
(4/404)
فَقَوْلُهُ هذا بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ نُكُولٌ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ نُكُولًا بَعْدَ قَوْلِهِ له أَتَحْلِفُ لِأَنَّ ذلك من الْقَاضِي اسْتِخْبَارٌ لَا اسْتِحْلَافٌ وَلِهَذَا لو بَدَرَ الْخَصْمُ حين سمع ذلك وَحَلَفَ لم يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَا نَاكِلٌ بَعْدَ الْحَلِفِ من زِيَادَتِهِ وَالسُّكُوتُ عن الْحَلِفِ بَعْدَ الِاسْتِحْلَافِ لَا لِدَهْشٍ وَنَحْوِهِ كَغَبَاوَةٍ نُكُولٌ كما أَنَّ السُّكُوتَ عن الْجَوَابِ في الِابْتِدَاءِ إنْكَارٌ هذا مع الْحُكْمِ بِهِ لِيُرَتِّبَ عليه رَدَّ الْيَمِينِ بِخِلَافِ ما لو صَرَّحَ بِالنُّكُولِ فإنه يَرُدُّهَا وَإِنْ لم يَحْكُمْ بِهِ وَبِخِلَافِ سُكُوتِ الدَّهْشِ أو نَحْوِهِ ليس نُكُولًا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّهُ نُكُولٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ أَيْ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ بِنُكُولِ خَصْمِهِ في سُكُوتِهِ وَيُسْتَحَبُّ عَرْضُهَا أَيْ الْيَمِينِ على النَّاكِلِ ثَلَاثًا وعرضها على سَاكِتٍ عنها آكَدُ من عَرْضِهَا على النَّاكِلِ وَيُبَيَّنُ حُكْمُ النُّكُولِ لِجَاهِلٍ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ له إنْ نَكَلْت عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْك الْحَقَّ فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَحُكِمَ بِنُكُولِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عن حُكْمِ النُّكُولِ وَقَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ أَيْ نَدْبًا كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وابن عبد السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ بِالْوُجُوبِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ
وَمَعَ ذلك صَرَّحَ هو وَالْغَزَالِيُّ بِنُفُوذِ الْحُكْمِ عِنْدَ تَرْكِهِ وَلَهُ بَعْدَ نُكُولِهِ الْعَوْدُ إلَى الْحَلِفِ ما لم يُحْكَمْ بِنُكُولِهِ وَإِنْ هَرَبَ وَعَادَ فَإِنْ حُكِمَ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً أو تَنْزِيلًا بِأَنْ قال لِلْمُدَّعِي احْلِفْ فَلَيْسَ له الْعَوْدُ إلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُدَّعِي قال في الْأَصْلِ وَإِنْ أَقْبَلَ عليه لِيُحَلِّفَهُ ولم يَقُلْ بَعْدُ احْلِفْ فَهَلْ هو كما قال احْلِفْ وَجْهَانِ قال في الْكِفَايَةِ أَقَرَّ بِهِمَا نعم بَلْ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ عن الْأَصْحَابِ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ رَضِيَّ الْمُدَّعِي بِحَلِفِهِ بَعْدَ النُّكُولِ جَازَ له الْعَوْدُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا لَكِنْ إنْ نَكَلَ عن الْحَلِفِ لم يَحْلِفْ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ بِيَمِينِ الْخَصْمِ فَصْلٌ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ اسْتَحَقَّ ما ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ فَائِدَةُ الرَّدِّ وَنُكُولُ خَصْمِهِ مع يَمِينِهِ كَإِقْرَارِهِ لَا كَالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِنُكُولِهِ إلَى الْحَقِّ فَأَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِهِ فَيَجِبُ الْحَقُّ بِفَرَاغِ الْمُدَّعِي من يَمِينِ الرَّدِّ من غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حُكْمٍ كَالْإِقْرَارِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا تُسْمَعُ بَعْدَ ذلك بَيِّنَتُهُ بِأَدَاءٍ وَنَحْوِهِ كَإِبْرَاءٍ وَاعْتِيَاضٍ لِتَكْذِيبِهِ لها بِإِقْرَارِهِ هذا ما جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ الْقَاضِي وهو ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ سَمَاعُهَا لِأَنَّ قَوْلَنَا أنها كَالْإِقْرَارِ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ وَالْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ بِأَمْرٍ تَحْقِيقِيٍّ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا وَسَيَأْتِي في الْبَابِ الْخَامِسِ على الصَّوَابِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ انْتَهَى وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ ثَمَّ وَامْتِنَاعُ الْمُدَّعِي عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ بِلَا عُذْرٍ نُكُولٌ عنها يَسْقُطُ حَقُّهُ من الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِ ومن الْيَمِينِ وَلَا يَنْفَعُهُ بَعْدَ ذلك إلَّا الْبَيِّنَةَ وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فَلَا يَتَمَكَّنُ من تَجْدِيدِ الدَّعْوَى وَتَحْلِيفِ خَصْمِهِ في مَجْلِسٍ آخَرَ كما لو حَلَفَ الْخَصْمُ وَلِئَلَّا يَتَكَرَّرَ دَعْوَاهُ في الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَالْهَرَوِيِّ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ يُمَكَّنُ من ذلك وهو ظَاهِرُ النَّصِّ
وَعَلَى الْأَوَّلِ ليس له رَدُّ الْيَمِينِ على خَصْمِهِ إذْ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ لَا تُرَدُّ لِأَنَّا لو رَدَدْنَاهَا لَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَيْثُ امْتَنَعَ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عن سَبَبِ امْتِنَاعِهِ بِخِلَافِ
____________________
(4/405)
الْخَصْمِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُثْبِتُ لِلْمُدَّعِي حَقَّ الْحَلِفِ وَالْحُكْمِ بِيَمِينِهِ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّهُ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ وَامْتِنَاعُ الْمُدَّعِي لَا يُثْبِتُ حَقًّا لِغَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّ السُّؤَالُ وَإِنْ لم يَمْتَنِعْ عنها بَلْ قال عِنْدِي بَيِّنَةٌ أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَهَا أو قال اُنْظُرْ في حِسَابِي أو نَحْوِهِ كَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ أُمْهِلَ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ فَقَطْ لِئَلَّا تَطُولَ مُدَافَعَتُهُ وَيُفَارِقُ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيِّنَةِ أَبَدًا لِأَنَّهَا قد لَا تُسَاعِدُهُ وَلَا تَحْضُرُ وَالْيَمِينُ إلَيْهِ وَهَلْ هذا الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ أو مُسْتَحَبٌّ وَجْهَانِ قال الرُّويَانِيُّ وإذا أَمْهَلْنَاهُ ثَلَاثَةً فَأَحْضَرَ شَاهِدًا بَعْدَهَا وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِيَأْتِيَ بِالشَّاهِدِ الثَّانِي أَمْهَلْنَاهُ ثَلَاثَةً أُخْرَى فَإِنْ عَادَ بَعْدَ مُدَّةٍ لِيَحْلِفَ مُكِّنَ منه فَإِنْ نَسِيَ الْقَاضِي نُكُولَ خَصْمِهِ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِهِ وَحَلَفَ وَكَذَا له إثْبَاتُهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَيَحْلِفُ وَلَا يُمْهَلُ الْمُدَّعَى عليه في الْيَمِينِ إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ على الْإِقْرَارِ أو الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فإنه مُخْتَارٌ في طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ
نعم يُمْهَلُ بِطَلَبِهِ الْإِمْهَالَ في ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ أو نَحْوَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ إنْ رَآهُ الْقَاضِي عِبَارَةُ الْأَصْلِ إنْ شَاءَ أَيْ الْمُدَّعِي فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ رَآهُ الْقَاضِي هو بِحَسَبِ ما فَهِمَهُ ثُمَّ يَحْلِفُ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى كما لو حَضَرَ مُوَكِّلُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ له أَنْ يَحْلِفَ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى وَنُكُولُ الْمُدَّعِي مع شَاهِدِهِ كَنُكُولِهِ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ قال لِلْمُدَّعَى عليه احْلِفْ أنت سَقَطَ حَقُّهُ من الْيَمِينِ فَلَيْسَ له أَنْ يَعُودَ وَيَحْلِفَ إلَّا بِتَجْدِيدِ دَعْوَى في مَجْلِسٍ آخَرَ وَإِقَامَةُ الشَّاهِدِ هذا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمَحَامِلِيِّ وهو مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قال وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي ما عليه الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ وهو ما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْلِ تَرْجِيحَهُ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَحْلِفْ الْخَصْمُ الْمَرْدُودَةَ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ وَلَا كَلَامَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لم يَنْكَلْ عنها وَإِلَّا حَلَفَ أَيْ الْمُدَّعِي على الْأَصَحِّ وَهَذَا هو مُقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ في آخِرِ الْقَسَامَةِ انْتَهَى وفي هذا الْأَخِيرِ وَقْفُهُ فَصْلٌ ما مَرَّ من أَنَّ الْيَمِينَ تُرَدُّ على الْمُدَّعِي هو الْأَصْلُ لَكِنْ قد يَتَعَذَّرُ رَدُّ الْيَمِينِ على الْمُدَّعِي وَلَا يُقْضَى على الْمُدَّعَى عليه بِالنُّكُولِ وَذَلِكَ في صُوَرٍ كما إذَا غَابَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ عَادَ وَادَّعَى الْإِسْلَامَ قبل تَمَامِ السَّنَةِ حتى يَسْقُطَ عنه قِسْطُ الْجِزْيَةِ وَادَّعَى عَامِلُهَا إسْلَامَهُ بَعْدَهَا حتى يُلْزِمَهُ تَمَامَهَا فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عنه وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِهَا عليه وهو الْأَصَحُّ طُولِبَ بِتَمَامِ الْجِزْيَةِ وَلَيْسَ ذلك قَضَاءً بِالنُّكُولِ بَلْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ ولم يَأْتِ بِدَافِعٍ فَإِنْ لم يَغِبْ وَادَّعَى ذلك لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ من أَسْلَمَ في دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَكْتُمُهُ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهَا فَلَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ وَكَوَلَدٍ مُرْتَزِقٍ ادَّعَى بُلُوغًا بِاحْتِلَامٍ وَطَلَبَ إثْبَاتَ اسْمِهِ في الدِّيوَانِ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ اسْمُهُ فيه إلَى أَنْ يَظْهَرَ بُلُوغُهُ بِنَاءً على أَنَّ يَمِينَهُ وَاجِبَةٌ وهو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ في الْإِقْرَارِ أنها لَا تَجِبُ وَكَمُرَاهِقٍ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَادَّعَى احْتِلَامًا وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتَلَةِ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ لَا يُسْهَمُ له بِنَاءً على ما ذُكِرَ في التي قَبْلَهَا فَلَيْسَ ما ذُكِرَ فِيهِمَا قَضَاءً بِالنُّكُولِ بَلْ لِأَنَّ الْحُجَّةَ في ذلك ولم تُوجَدْ
وَكَمُتَّهَمٍ بِمَالِ مَيِّتٍ وَارِثُهُ بَيْتُ الْمَالِ فإنه إذَا ادَّعَى عليه بِهِ وَنَكَلَ حُبِسَ لِيَحْلِفَ على نَفْيِهِ فَيُعْرَضُ عنه أو يَقِرَّ بِهِ فَيُؤْخَذُ منه وَلَيْسَتْ هذه الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الْجِزْيَةِ حَيْثُ حُكِمَ فيها بِالْمَالِ فإنه قد سَبَقَ فيها أَصْلٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ولم يَظْهَرْ دَافِعٌ فَأَخَذْنَا بِالْأَصْلِ وَهُنَا لَا مُسْتَنَدَ إلَّا النُّكُولُ وَالنُّكُولُ الْمَحْضُ لَا اعْتِمَادَ عليه وَكَذَا قُيِّمَ وَقْفٌ وَمَسْجِدٌ إذَا ادَّعَى لَهُمَا شيئا ونكل الْمُدَّعَى عليه يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أو يَقِرَّ هذا ما اقْتَضَاهُ كَلَامٌ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ قُبَيْلَهُ أَنَّهُ كَالْوَلِيِّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَكَوَصِيِّ مَيِّتٍ ادَّعَى على الْوَارِثِ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ فَنَكَلَ فإنه يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أو يَقِرَّ وَقِيلَ يُقْضَى عليه بِالنُّكُولِ وَيُؤْخَذُ منه الْمَالُ وَقِيلَ يُتْرَكُ لَكِنْ يَأْثَمُ إنْ كان مُعَانِدًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ ادَّعَى على وَلِيِّ صَبِيٍّ أو نَحْوِهِ بِشَيْءٍ على مُوَلِّيهِ فَأَنْكَرَ أو ادَّعَى هو شيئا لِمُوَلِّيهِ على غَيْرِهِ فَنَكَلَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ
____________________
(4/406)
بِقَوْلِهِ فإذا لم يُبَاشِرْ الْوَلِيُّ وَلَوْ وَصِيًّا أو قَيِّمًا التَّصَرُّفَ في مَالِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَإِتْلَافٍ من غَيْرِهِ لم يَحْلِفْ عليه دَفْعًا وَلَا إثْبَاتًا لِأَنَّ الْحَقَّ لِمُوَلِّيهِ لَا له وَلَا هو ثَابِتُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ لِلشَّخْصِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ بَعِيدٌ وَلَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ بَلْ يَكْتُبُ أَيْ الْقَاضِي بِهِ وَبِمَا جَرَى مَحْضَرًا وَيَنْظُرُ بُلُوغَ الصَّبِيِّ وَإِفَاقَةَ الْمَجْنُونِ فَلَعَلَّهُمَا يَحْلِفَانِ أَمَّا إذَا بَاشَرَهُ كَأَنْ ادَّعَى بِثَمَنِ ما بَاشَرَ بَيْعَهُ لِمُوَلِّيهِ فإنه يَحْلِفُ يَمِينَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْفَتْوَى على هذا التَّفْصِيلِ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وهو الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ في الصَّدَاقِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ في قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أو مَجْنُونَةٍ
ا ه
وَرَجَّحَ في أَصْلِ الْمِنْهَاجِ مَنْعَ التَّحْلِيفِ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عن مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ ثُمَّ قال فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْصِيلِ وقد قَدَّمْت هذا مع الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما في الصَّدَاقِ في بَابِهِ وَالْوَكِيلُ كَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَيَحْلِفُ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عليه على ما ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ له إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ وَيَقُولُ له وَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ إلَى وَلِيِّي وَلَا يقول إلَيَّ بِخِلَافِ وَلِيِّهِ في دَعْوَاهُ عنه وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ لَفْظَةِ وَلِيِّي حَيْثُ قال حَلَفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ هذا الْمَالِ وَلَكِنْ لَا يقول إلَيَّ
الْبَابُ الْخَامِسُ في الْبَيِّنَةِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ في الْأَمْلَاكِ فإذا ادَّعَيَا أَيْ اثْنَانِ عَيْنًا في يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً مُطْلَقَتَيْ التَّارِيخِ أو مُتَّفِقَتَيْهِ أو إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةٌ ولم يُقِرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا وفي نُسْخَةٍ وَيَسْقُطَانِ وَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لِمَا مَرَّ أَوَاخِرَ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا لِخَبَرِ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على من أَنْكَرَ وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَعِيرٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ له فَجَعَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمَا فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْبَعِيرَ كان بِيَدِهِمَا فَأَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقَسَمَهُ بَيْنَهُمَا
وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد أَنَّ خَصْمَيْنِ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشُهُودٍ فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمَا وَقَضَى لِمَنْ خَرَجَ له السَّهْمُ فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّنَازُعَ كان في قِسْمَةٍ أو عِتْقٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ له بها عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ أو أَقَرَّ له قبل تَمَامِهَا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ تَمَامُهُمَا أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ له بِالْيَدِ وَإِنْ شَهِدَتْ كُلٌّ من الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْكُلِّ أَيْ بِكُلِّ الْعَيْنِ لِمَنْ أَقَامَهَا وَهِيَ بِيَدِهِمَا فَكُلٌّ تُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ فِيمَا في يَدِهِ لَكِنْ يُعِيدُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بَيِّنَتَهُ لِلنِّصْفِ الذي بيده لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ قبل بَيِّنَةِ الْخَارِجِ ثُمَّ تَبْقَى الْعَيْنُ في يَدِهِمَا كما كانت إذْ لَا مُسْتَحِقَّ لها غَيْرُهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى من الْآخَرِ وَإِنْ أَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا في يَدِ الْآخَرِ فَقَطْ حُكِمَ له بِهِ وَبَقِيَتْ أَيْ الْعَيْنُ في يَدِهِمَا أَيْضًا وَحَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبْقَى الْعَيْنُ في يَدِهِمَا أَيْضًا سَوَاءٌ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أو نَكَلَا الْأَوْلَى أو نَكَلَ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ إذَا أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْعَيْنِ أو حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَيُقْضَى له بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ له بَيِّنَةٌ بِجَمِيعِهَا أَمْ بِالنِّصْفِ الذي بِيَدِ الْآخَرِ
وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمَا ثُمَّ نَكَلَ صَاحِبُهُ رُدَّتْ عليه الْيَمِينُ وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الْآخَرُ في الْيَمِينِ كَفَى الْآخَرَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لِلنَّفْيِ لِلنِّصْفِ الذي ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ وَالْإِثْبَاتُ لِلنِّصْفِ الذي ادَّعَاهُ هو لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قد دخل وَقْتُهُ فَيَحْلِفُ أَنَّ الْجَمِيعَ له لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فيه أو يقول لَا حَقَّ له في النِّصْفِ الذي يَدَّعِيهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لي وَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِدَارٍ في يَدِ ثَالِثٍ وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِنِصْفِهَا أو ثُلُثِهَا تَعَارَضَتَا
____________________
(4/407)
في النِّصْفِ أو الثُّلُثِ وسلم الْبَاقِي لِمُدَّعِي الْكُلِّ أو أَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذلك وَالدَّارُ في يَدِهِمَا بَقِيَتْ بِيَدِهِمَا كما كانت قال الرَّافِعِيُّ وَلْيُصَوَّرْ ذلك بِمَا إذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْكُلِّ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يَدَّعِي إلَّا النِّصْفَ وهو ذُو يَدٍ فيه وَسَيَأْتِي أَنَّ ذَا الْيَدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ في الِابْتِدَاءِ وَإِنْ ادَّعَى زَيْدٌ نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ فَصَدَّقَهُ وَادَّعَى عَمْرٌو النِّصْفَ الْآخَرَ فَكَذَّبَاهُ ولم يَدَّعِيَاهُ لِنَفْسِهِمَا نُزِعَ مِمَّنْ هو بيده وَحُفِظَ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ كَذَا رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا قال الْإِسْنَوِيُّ وهو ذُهُولٌ عَمَّا صَحَّحَهُ فيها كَأَصْلِهَا في أَوَائِلِ الْبَابِ الثَّانِي من أَنَّهُ يَبْقَى بيده كما كان لَكِنْ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عنه وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ما بيده مِلْكُهُ وما صَدَرَ منه ليس بِمُزِيلٍ ولم يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ فَرْعٌ دَارٌ في يَدِ ثَلَاثَةٍ وَكُلٌّ منهم يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ في جَمِيعِهَا وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يقول النِّصْفُ مِلْكِي وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ وهو في يَدِي عَارِيَّةٌ أو وَدِيعَةٌ وَالثَّانِي كَذَلِكَ يَدَّعِي الْيَدَ في جَمِيعِهَا وأن ما يَمْلِكُهُ منها الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْغَائِبِ وهو في يَدِي عَارِيَّةٌ أو وَوَدِيعَةٌ وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ وَيَقُولُ مِلْكِي منها السُّدْسُ وَالْبَاقِي لِلْغَائِبِ وهو في يَدِي عَارِيَّةٍ أو وَدِيعَةٌ فَيَقِرُّ في يَدِ كُلٍّ منهم الثُّلُثُ وَتَبْقَى في الدَّارِ في أَيْدِيهِمْ كما كانت لَكِنْ نِصْفُ الثُّلُثِ الذي في يَدِ مُدَّعِي السُّدْسِ لِلْغَائِبِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ اقْتَصَرَ كُلٌّ منهم على أَنَّ له منها ما يَدَّعِيهِ من ذلك لِنَفْسِهِ لم يُعْطَ صَاحِبُ السُّدْسِ إلَّا السُّدْسَ أَيْضًا وَلَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ منهم بَيِّنَةً على ما يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ حُكِمَ له بِهِ لِأَنَّ لِكُلٍّ من الْآخَرَيْنِ فِيمَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ بَيِّنَةً وَيَدًا وَلِلْأَوَّلِ في الثُّلُثِ بَيِّنَةً وَيَدًا وفي السُّدْسِ الْبَاقِي بَيِّنَةٌ وَالْآخَرَانِ لَا يَدَّعِيَانَهُ وَلْيُصَوَّرْ ذلك بِمَا إذَا أَقَامَ مُدَّعِي النِّصْفِ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى إقَامَتِهَا لِلسُّدُسِ الزَّائِدِ على ما بيده وَالْآخَرَانِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ في الِابْتِدَاءِ على نَحْوِ ما مَرَّ قُبَيْلَ الْفَرْعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال الْغَزَالِيُّ وفي احْتِيَاجِ الْآخَرَيْنِ إلَى بَيِّنَةٍ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُمَا وَهُمَا صَاحِبَا يَدٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ ذلك فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ منهم الْكُلَّ كما مَرَّ وَأَقَامَ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً بِهِ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ في بَعْضِهِ وَدَفْعِ الْيَمِينِ عنه في بَعْضِهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ منهم بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ لَكِنْ يَحْتَاجُ الْأَوَّلُ إلَى إعَادَةِ بَيِّنَةٍ لِلثُّلُثِ الذي بيده كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَيَجْرِي نَظِيرُهُ فِيمَا يَأْتِي
وَإِنْ ادَّعَى شَخْصٌ دَارًا وَآخَرُ ثُلُثَيْهَا
____________________
(4/408)
وَآخَرُ نِصْفَهَا وَآخَرُ ثُلُثَهَا وَهِيَ في يَدِ خَامِسٍ وَأَقَامَ كُلٌّ منهم بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِيهِ فَثُلُثٌ لَا يُعَارِضُ فيه مُدَّعِي الْكُلِّ وَالْبَاقِي يَقَعُ فيه التَّعَارُضِ فَالسُّدْسُ الزَّائِدُ على النِّصْفِ يَتَعَارَضُ فيه بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْكُلِّ وبينة مُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ وَالسُّدْسُ الزَّائِدُ على الثُّلُثِ يَتَعَارَضُ فيه بَيِّنَتُهُمَا وبَيِّنَةُ مُدَّعِي النِّصْفِ وفي الثُّلُثِ الْبَاقِي تَتَعَارَضُ الْبَيِّنَاتُ الْأَرْبَعُ فَيَسْقُطُ الْبَيِّنَاتُ في الثُّلُثَيْنِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه لِكُلٍّ منهم يَمِينًا وَيُسَلِّمُ الثُّلُثَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ وَلَوْ كانت في أَيْدِيهِمْ جُعِلَتْ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِأَنَّهُمْ إنْ أَقَامُوا بَيِّنَاتٍ فَبَيِّنَةُ كُلٍّ منهم تُرَجَّحُ في الرُّبْعِ الذي بيده بِالْيَدِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلٍّ منهم في الرُّبْعِ الذي بيده فإذا حَلَفُوا كانت بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَإِنْ كانت بِيَدِ ثَلَاثَةٍ ادَّعَى وَاحِدٌ منهم النِّصْفَ وَالثَّانِي الثُّلُثَ وَالثَّالِثُ السُّدْسَ أُعْطِيَ كُلٌّ منهم ما ثَبَتَ له أَيْ ما ادَّعَاهُ لِأَنَّ يَدَهُ عليه وَلَا مُنَازِعَ له فيه وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ وَالثَّالِثُ الثُّلُثَ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الثُّلُثُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَدِ وَلِمُدَّعِي الْكُلِّ أَيْضًا نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي بِبَيِّنَتِهِ السَّالِمَةِ عن الْمُعَارِضَةِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ يَسْقُطُ لِلتَّعَارُضِ بين بَيِّنَةِ مُدَّعِي الْكُلِّ وَبَيِّنَةِ مُدَّعِي النِّصْفِ وَالْقَوْلُ فيه قَوْلُ الثَّالِثِ بِيَمِينِهِ فَصْلٌ وَإِنْ تَعَارَضَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ وَلِأَحَدِهِمَا أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَدٌ وَيُسَمَّى الدَّاخِلَ قُضِيَ له بِمَا ادَّعَاهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُ بَيِّنَتِهِ لِتَرَجُّحِهَا بِالْيَدِ كَخَبَرَيْنِ مع أَحَدِهِمَا قِيَاسًا وَإِنَّمَا لم تُرَجَّحْ الْبَيِّنَةُ بها في نَظِيرِهِ من اللَّقِيطِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ بِخِلَافِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ أَنْ تُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ من شِرَاءٍ أو إرْثٍ أو غَيْرِهِ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ مع بَيِّنَتِهِ لِيَقْضِيَ له كما في الْخَارِجِ وَإِنَّمَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ مع بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ في جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلَا يَعْدِلُ عنها ما دَامَتْ كَافِيَةً وَتُسْمَعُ حِينَئِذٍ وَإِنْ لم تُعَدَّلْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ لِأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قد أَشْرَفَتْ على الزَّوَالِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الطَّاعِنِ عنها وَحَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ مَنْعَ إقَامَتِهَا قبل بَيِّنَةِ الْخَارِجِ على ما إذَا لم يَكُنْ في إقَامَتِهَا دَفْعُ ضَرَرٍ عن الدَّاخِلِ بِتُهْمَةِ سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كان فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ سَمَاعَهَا قبل إقَامَةِ الْخَارِجِ الْبَيِّنَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ التُّهْمَةِ قال فإذا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَهَلْ يَحْتَاجُ الدَّاخِلُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ هذا مُحْتَمَلٌ وَالْأَرْجَحُ احْتِيَاجُهُ إلَى الْإِعَادَةِ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلْخَارِجِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ لِلْمَالِ إلَيْهِ
وَكَذَا تُسْمَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إنْ أَسْنَدَتْ أَيْ الْمِلْكَ إلَى ما قَبْلَهُ أَيْ قبل التَّسْلِيمِ وَاسْتِدَامَتِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَاعْتَذَرَ الدَّاخِلُ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ أو نَحْوِهَا وَتُقَدَّمُ على بَيِّنَةِ الْخَارِجِ في الْحَالَيْنِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ أَمَّا سَمَاعُهَا وَتَقْدِيمُهَا في الْأَوَّلِ فَلِبَقَاءِ الْيَدِ حِسًّا وَأَمَّا في الثَّانِي فَلِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ وقد ظَهَرَتْ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُسْنَدْ الْمِلْكُ إلَى ما قبل التَّسْلِيمِ وَأَسْنَدَتْهُ إلَيْهِ ولم يَعْتَذِرْ بِمَا مَرَّ فَهُوَ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ فَلَا يُقَدَّمُ وَإِنْ قال الْخَارِجُ هو مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِالِانْتِقَالِ أو عَكْسُهُ بِأَنْ قال الدَّاخِلُ هو مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَالدَّاخِلُ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُقَدَّمٌ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَا لو قال الْخَارِجُ هو مِلْكِي وَرِثْته من أبي وقال الدَّاخِلُ هو مِلْكِي اشْتَرَيْته من أَبِيكَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
____________________
(4/409)
وفي قَوْلِ الدَّاخِلِ لِلْخَارِجِ اشْتَرَيْته مِنْك لَا تُنْزَعُ يَدُهُ حتى يُقِيمَ الْخَارِجُ بَيِّنَتَهُ فَإِنْ قال هِيَ غَائِبَةٌ اُنْتُزِعَ الْمَالُ فَإِنْ بَانَ عَدَمُهَا اُسْتُرِدَّ قَوْلُهُ حتى يُقِيمَ الْخَارِجُ إلَى هُنَا سَهْوٌ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَنَّ الدَّاخِلَ في قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك لَا يُنْتَزَعُ الْمَالُ من يَدِهِ قبل إقَامَتِهِ بَيِّنَتِهِ لِأَنَّهَا إذَا كانت حَاضِرَةً فَالتَّأْخِيرُ إلَى إقَامَتِهَا سَهْلٌ فَلَا مَعْنَى لِلِانْتِزَاعِ وَالرَّدِّ فَإِنْ قال هِيَ غَائِبَةٌ اُنْتُزِعَ الْمَالُ من يَدِهِ فَإِنْ أَثْبَتَ ما يَدَّعِيهِ اُسْتُرِدَّ قال وَيَجْرِي ذلك فِيمَا لو ادَّعَى دَيْنًا فقال الْخَصْمُ أَبْرَأَنِي منه وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لَا يُلْزَمُ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ قبل إقَامَتِهَا وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الشِّرَاءَ من الْآخَرِ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَجَهِلَ التَّارِيخَ قُدِّمَ الدَّاخِلُ لِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ فَصْلٌ من حُكِمَ عليه بِإِقْرَارِهِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ من أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَيْرِهِ ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لم تُسْمَعْ إلَّا إنْ ادَّعَى انْتِقَالًا لها منه إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ فَيُسْتَصْحَبُ ما أَقَرَّ بِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الِانْتِقَالُ بِخِلَافِ من حُكِمَ عليه بِبَيِّنَتِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَإِنْ لم يَدَّعِ انْتِقَالًا كَالْأَجْنَبِيِّ نعم إنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَأَضَافَتْهُ إلَى سَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْخُوذِ منه كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ صَدَرَا منه فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَتُقَدَّمُ على بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ بَيِّنَةُ خَارِجٍ قال له غَصَبْتهَا مِنِّي أو أَجَّرْتُكَهَا أو أَوْدَعْتُكهَا لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِمَا ذُكِرَ من الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ اُنْتُزِعَتْ من دَاخِلٍ لَا بَيِّنَةَ له حَاضِرَةً وقد نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْخَارِجُ وَحُكِمَ له بها ثُمَّ جاء الدَّاخِلُ بِبَيِّنَةٍ سُمِعَتْ كما لو أَقَامَهَا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فَانْتِزَاعُ الْعَيْنِ ليس بِشَرْطٍ وَالْقِيَاسُ كما في الْمُهِمَّاتِ أَنْ لَا تُسْمَعَ عِبَارَةُ الْمُهِمَّاتِ وَالصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ في الْبَابِ الرَّابِعِ عَدَمُ سَمَاعِهَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ لَا كَالْبَيِّنَةِ انْتَهَى وَتُقَدَّمُ ثُمَّ عن الْبُلْقِينِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ ما هُنَا وَالْأَوْجَهُ ما هُنَاكَ وما هُنَا مُفَرَّعٌ على أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ من أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ
وَلَوْ أَثْبَتَ كُلٌّ من اثْنَيْنِ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَتَهُ
____________________
(4/410)
بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ في يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْءٌ منها أو بِشَاتَيْنِ وفي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ قُضِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا في يَدِهِ لِاعْتِضَادِ بَيِّنَتِهِ بِالْيَدِ وَإِنْ أَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا في يَدِ الْآخَرِ قُضِيَ له بِهِ وَلَا تُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا أو تَوَرُّعِهِمْ أو فِقْهِهِمْ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ لِلشَّهَادَةِ نِصَابًا فَيُتَّبَعُ وَلَا ضَابِطَ لِلرِّوَايَةِ فَيُعْمَلُ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ وَلَا يُرَجَّحُ رَجُلَانِ على رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بَلْ يُرَجَّحَانِ على شَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَبْعَدُ عن تُهْمَةِ الْحَالِفِ بِالْكَذِبِ في يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ الْأَوْلَى معه أو مَعَهُمَا يَدٌ فَيُرَجَّحُ أَيْ الشَّاهِدُ مع الْيَمِينِ على الرَّجُلَيْنِ
وَقَوْلُهُ وَلَا يُرَجَّحُ إلَى آخِرِهِ سَاقِطٌ في بَعْضِ النُّسَخِ وَتُرَجَّحُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِسَبْقِ التَّارِيخِ منها بِزَمَنٍ يُمْكِنُ فيه انْتِقَالُ الْمِلْكِ في نِكَاحٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ من عَقْدٍ وَمِلْكٍ فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ من سَنَةٍ وَالْآخَرُ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ من أَكْثَرَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ في وَقْتٍ بِلَا مُعَارَضَةٍ وفي وَقْتٍ بِمُعَارَضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ في الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا في الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ في الثَّابِتِ دَوَامُهُ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمُتَقَدِّمِ يَمْنَعُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُتَأَخِّرُ إلَّا عنه ولم تَتَضَمَّنْهُ الشَّهَادَةُ له فلم يَحْكُمْ بها وَصَوَّرَ ابن الرِّفْعَةِ ذلك بِمَا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ مع ذلك بِالْمِلْكِ في الْحَالِ وهو مُرَادُ من أَطْلَقَ وَسَوَاءٌ في صُورَةِ الشِّرَاءِ اشْتَرَيَا من شَخْصٍ أو شَخْصَيْنِ فَلَوْ أَطْلَقَتْ أَحَدَاهُمَا الْمِلْكَ وَبَيَّنَتْ الْأُخْرَى سَبَبَ الْمِلْكِ من إرْثٍ أو شِرَاءٍ أو غَيْرِهِ أو أَنَّهُ زَرَعَ الْأَرْضَ الْمُدَّعَاةَ بِأَنْ شَهِدَتْ أَنَّ الْأَرْضَ له زَرْعُهَا أو أَنَّ الثَّمَرَ وَالْحِنْطَةَ من شَجَرِهِ وَبَذْرِهِ قُدِّمَتْ على الْمُطْلَقَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَلِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ لِصَاحِبِهَا وَمَحَلُّ ذلك إذَا لم يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ يَدٍ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ ما ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ على سَابِقَةِ التَّارِيخِ لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ في إثْبَاتِ الْمِلْكِ في الْحَالِ فَيَتَسَاقَطَانِ فيها وَيَبْقَى من أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْيَدُ وَمِنْ الْآخَرِ الْمِلْكُ السَّابِقُ وَالْيَدُ أَقْوَى من الشَّهَادَةِ على الْمِلْكِ السَّابِقِ بِدَلِيلِ أنها لَا تُزَالُ بها فَلَوْ كانت سَابِقَةُ التَّارِيخِ شَاهِدَةً بِوَقْفٍ وَالْمُتَأَخِّرَةُ التي مَعَهَا يَدٌ شَاهِدَةٌ بِمِلْكٍ أو وَقْفٍ قُدِّمَتْ التي مَعَهَا يَدٌ قال الْبُلْقِينِيُّ وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ ما لم يَظْهَرْ أَنَّ الْيَد عَادِيَةٌ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِهَا على بَيْعٍ صَدَرَ من أَهْلِ الْوَقْفِ أو بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَهُنَاكَ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِالْوَقْفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَكَثِيرٌ تَقْدِيمُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَإِنْ قال كُلٌّ من الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَنِّي اشْتَرَيْتهَا من زَيْدٍ مَثَلًا وهو قَوِيُّ لَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامُ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِمَا تَقْدِيمُ سَابِقَةِ التَّارِيخِ حِينَئِذٍ وَالْمُؤَرَّخَةُ كَالْمُطْلَقَةِ فَلَا تُقَدَّمُ عليها بَلْ تُسَاوِيهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ قد تُثْبِتُ الْمِلْكَ قبل ذلك التَّارِيخِ لو بُحِثَ عنها نعم لو شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْحَقِّ وَالْأُخْرَى بِالْإِبْرَاءِ أو أُطْلِقَتْ إحْدَاهُمَا وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى قُدِّمْت بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ فَصْلٌ لو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدٍ بِمِلْكِهِ أو يَدِهِ أَمْسِ لم تُسْمَعْ كما لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلِأَنَّهَا شَهِدَتْ له بِمَا لم يَدَّعِهِ وَبِمُعَارَضَةِ السَّبْقِ الْيَدِ الدَّالَّةِ على الِانْتِقَالِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ ظَنُّ الْمِلْكِ في الْحَالِ فَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ له بِمِلْكِهِ أَمْسِ حتى تَشْهَدَ له بِالْمِلْكِ في الْحَالِ أو تَقُولُ لَا أَعْلَمُ له مُزِيلًا أو لم يَزُلْ مِلْكُهُ وَأَمَّا ما يُصَحِّحُ
____________________
(4/411)
الشَّهَادَةُ له بِالْيَدِ أَمْسِ فَسَيَأْتِي آخِرُ الْفَصْلِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ له بِالْمِلِكِ في الْحَالِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ ما عَرَفَهُ كَشِرَاءٍ وَإِرْثٍ وَإِنْ اُحْتُمِلَ زَوَالُهُ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذلك وَلَا يُصَرِّحُ في شَهَادَتِهِ بِالِاسْتِصْحَابِ فَإِنْ صَرَّحَ بِهِ لم تُقْبَلْ كما لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّضَاعِ بِامْتِصَاصِ الثَّدْيِ وَحَرَكَةِ الْحُلْقُومِ وَتَقَدَّمَ في هذا كَلَامٌ وَأَنَّ الْأَوْجَهَ حَمْلُهُ عن ما إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِ الِاسْتِصْحَابِ تَرَدُّدٍ وَيُسْمَعُ قَوْلُهُ هو مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ من خَصْمِهِ أَمْسِ أو أَقَرَّ له بِهِ أَمْسِ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِالْمِلْكِ في الْحَالِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى تَحْقِيقٍ وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ أَيْ الْمُدَّعِي وَيَحْلِفُ مع قَوْلِهِمْ أَيْ الشُّهُودُ فِيمَا مَرَّ لَا نَعْلَمُ له مُزِيلًا لَا مع قَوْلِهِمْ أَنَّ الْخَصْمَ غَاصِبٌ أو نَحْوُهُ قال الرَّافِعِيُّ وَوَجْهُ الْحَلِفِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ ولم تَتَعَرَّضْ لِإِسْقَاطٍ ما مع الْخَصْمِ من الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهَا الْيَمِينُ
فَإِنْ قال الشَّاهِدُ لَا أَدْرِي أَزَالَ مِلْكَهُ أَمْ لَا لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا صِيغَةُ مُرْتَابٍ بَعِيدَةٍ عن أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ له بِالْمِلْكِ أَمْسِ سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا وَحُكِمَ له بِالْمِلْكِ في الْحَالِ وَإِنْ لم تُصَرِّحْ بِالْمِلْكِ في الْحَالِ اسْتِدَامَةٌ لِحُكْمِ الْإِقْرَارِ لِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الْأَقَارِير وَفَارِقٌ ما لو شَهِدَتْ له بِالْمِلْكِ أَمْسِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِإِقْرَارٍ شَهَادَةٌ بِأَمْرٍ يَقِينِيٍّ تَحْقِيقِيٍّ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ له ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ وَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ شَهَادَةٌ بِأَمْرٍ تَخْمِينِيٍّ فإذا لم يَنْضَمْ إلَيْهِ الْجَزْمُ في الْحَالِ لم يُؤَثِّرْ قال الْإِمَامُ وَكَذَا الْحُكْمُ لو شَهِدَتْ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا أَمْسِ من ذِي الْيَدِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ من الْخَصْمِ وَالْإِقْرَارِ منه مِمَّا يُعْرَفُ يَقِينًا وَلَيْسَ كما لو شَهِدَتْ بِالشِّرَاءِ أَمْسِ من غَيْرِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّ نَفْسَ الشِّرَاءِ من الْغَيْرِ لَا يَكُونُ حُجَّةً على ذِي الْيَدِ وَلَوْ قال له الْخَصْمُ كانت أَيْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ مِلْكُك أَمْسِ وَأَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ فَتُنْزَعُ منه كما لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ له بها أَمْسِ وَفَارَقَتْ ما لو شَهِدَتْ بِأَنَّهَا كانت مِلْكُهُ أَمْسِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا عن تَحْقِيقٍ وَالشَّاهِدُ بِالْمِلْكِ قد يَتَسَاهَلُ وَيَعْتَمِدُ تَخْمِينً فإذا لم يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْجَزْمُ في الْحَالِ ضُعِّفَ أو قال له كانت في يَدِك أَمْسِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِأَنَّ الْيَدَ قد تَكُونُ مُسْتَحَقَّةٌ وقد لَا تَكُونُ فإذا كانت قَائِمَةً أَخَذْنَا بِأَنَّ الظَّاهِرَ منها الِاسْتِصْحَابُ فإذا زَالَتْ ضَعُفَتْ دَلَالَتُهَا وَتَقَدَّمَ في الْإِقْرَارِ ما يُشَابِهُ ذلك مع الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا
وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ كان بيده أَمْسِ اُشْتُرِطَ أَنْ تَقُولَ مع ذلك فَأَخَذَهُ الْخَصْمُ منه أو نَحْوُهُ كَغَصَبَهُ منه أو قَهَرَهُ عليه فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا وَيُقْضَى بها لِلْمُدَّعِي وَيُجْعَلُ صَاحِبُ يَدٍ وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ دَارًا بِيَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أنها له غَصَبَهَا منه وَالْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ له بها فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْغَصْبُ وَيَلْغُو إقْرَارُ الْغَاصِبِ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ منه صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَصْلُ الْبَيِّنَةُ أَيْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي الْمُطْلَقَةُ تُظْهِرُ الْمِلْكَ له وَلَا تُوجِبَهُ فَيَجِبُ لِصِدْقِهَا تَقَدُّمِهِ عليها وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فَلَوْ شَهِدَتْ له بِمِلْكِ دَابَّةٍ أو شَجَرَةٍ اسْتَحَقَّ الْحَمْلَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ
____________________
(4/412)
إقَامَتِهَا تَبَعًا لِلْأُمِّ كما في الْعُقُودِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ انْفِصَالُهُ منه بِوَصِيَّةٍ لَا النِّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ الظَّاهِرَةَ وَسَائِرًا لِزَوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ عِنْدَ إقَامَتِهَا بَلْ تَبْقَى لِلْمُدَّعَى عليه وَلَوْ اشْتَرَى شيئا فَاسْتُحِقَّ لِغَيْرِهِ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ غَيْرُ مُؤَرَّخَةٍ رَجَعَ على بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ انْتِقَالُهُ منه إلَى الْمُدَّعِي لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ في عُهْدَةِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِهِ منه إلَيْهِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ إلَى ما قبل الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِبَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُدَّعَى عليه كما تَقَرَّرَ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ مع كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِجُزْءٍ من الْأَصْلِ وَقِيلَ لَا رُجُوعَ بِذَلِكَ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال إنَّهُ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبُ الذي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَالْأَوَّلُ طَرِيقَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ جَامِعَةٌ لِأَمْرٍ مُحَالٍ وهو أَنَّهُ يَأْخُذُ النِّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ وَالزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةِ كُلُّهَا وهو قَضِيَّةُ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَيَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وهو قَضِيَّةُ فَسَادِ الْبَيْعِ وَهَذَا مُحَالٌ انْتَهَى وَيُجَابُ عنه بِمَا تَقَرَّرَ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَانْتُزِعَ من الْمُشْتَرِي الثَّانِي رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا على بَائِعِهِ فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ على بَائِعِ بَائِعَهُ وَإِنْ لم يَظْفَرْ بِبَائِعِهِ وَفُهِمَ بِالْأُولَى من قَوْلِهِ مُطْلَقَةٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ على بَائِعِهِ بِالْحُجَّةِ الْمُؤَرَّخَةِ بِزَمَنِ الشِّرَاءِ أو بِمَا قَبْلَهُ ثُمَّ مَحَلُّ الرُّجُوعِ إذَا لم يُنْزَعْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ له إذْ إقْرَارُهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ كما مَرَّ في الْغَصْبِ وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا بِهِ وَبِسَبَبِهِ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ ادَّعَى مِلْكًا وَذَكَرَ سَبَبَهُ فَشَهِدُوا بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمَقْصُودِ وَلَا تَنَاقُضَ فيه لِأَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ ليس مَقْصُودًا في نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هو كَالتَّابِعِ لَكِنْ لَا تَرْجِيحَ لِلْبَيِّنَةِ بِالسَّبَبِ لِوُقُوعِهِ قبل الدَّعْوَى بِهِ وَالِاسْتِشْهَادِ عليه فَلَا يُرَجَّحُ بِهِ حتى يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ وَسَبَبَهُ وَيَشْهَدُونَ بِهِ وَإِنْ ذَكَرَ في دَعْوَاهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَذَكَرُوا سَبَبًا غَيْرِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِلتَّنَاقُضِ وَلَوْ شَهِدُوا بِانْتِقَالِ مِلْكٍ من مِلْكِهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ لم يُبَيِّنُوهُ فَفِي سَمَاعِهَا خِلَافٌ قِيلَ تُسْمَعُ كما لو بَيَّنُوا السَّبَبَ وَقِيلَ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّ أَسْبَابَ الِانْتِقَالِ مُخْتَلَفٌ فيها فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بِأَنَّ فُلَانًا وَارِثُ لَا تُقْبَلُ ما لم تُبَيَّنْ جِهَةُ الْإِرْثِ قال الزَّرْكَشِيُّ قد نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ السَّبَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وقال وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ السَّمَاعُ هُنَا الطَّرَفُ الثَّانِي في الْعُقُودِ لو اخْتَلَفَا في قَدْرِ ما اكْتَرَى من الدَّارِ مَثَلًا أو في قَدْرِ الْأُجْرَةِ أو في قَدْرِهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ كما مَرَّ في بَابِ التَّحَالُفِ وسلم الْمُكْتَرِي أُجْرَةَ مِثْلِ ما سَكَنَ
____________________
(4/413)
في الدَّارِ فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً دُونَ الْآخَرِ قُضِيَ بها وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً تَعَارَضَتَا لِتَكَاذُبِهِمَا فَتَسَاقَطَتَا ثُمَّ تَحَالَفَا وَيُفَارِقُ ما لو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ وَأُخْرَى بِأَلْفَيْنِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْأَلْفَانِ بِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَافَيَانِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَلْفِ لَا تَنْفِي الْأَلْفَيْنِ وَهُنَا الْعَقْدُ وَاحِدٌ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَخْتَلِفْ التَّارِيخُ بِأَنْ أُطْلِقَتَا أو أُرِّخَتَا أو أُطْلِقَتْ إحْدَاهُمَا وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّارِيخُ بِأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّ كَذَا مُكْرًى سَنَةً من أَوَّلِ رَمَضَانَ وَالْأُخْرَى بِأَنَّ كَذَا مُكْرِيٍّ سِنَةٌ من أَوَّلِ شَوَّالٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ تَارِيخًا لِأَنَّ الْعَقْدَ السَّابِقَ صَحِيحٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ الْعَقْدُ على الْأَكْثَرِ صَحَّ وَلَغَا الْعَقْدُ على الْأَقَلِّ بَعْدَهُ أو بِالْعَكْسِ بَطَلَ الثَّانِي في الْأَقَلِّ دُونَ الْبَاقِي إلَّا إنْ اتَّفَقَا على أَنَّهُ لم يَجْرِ إلَّا عَقْدًا وَاحِدًا فَتَتَعَارَضَانِ
قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ مَحَلُّ التَّعَارُضِ في الْمُطْلَقَتَيْنِ وفي الْمُطْلَقَةِ وَالْمُؤَرَّخَةِ إذَا اتَّفَقَا على ذلك وَإِلَّا فَلَا تَعَارُضَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَارِيخُ الْمُطْلَقَتَيْنِ مُخْتَلِفًا وَتَارِيخُ الْمُطْلَقَةِ غَيْرُ تَارِيخِ الْمُؤَرَّخَةِ فَيَثْبُتُ الزَّائِدُ بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا على ثَالِثٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا أَيْ الدَّارُ منه وسلم الثَّمَنَ وَطَالَبَ بِتَسْلِيمِهَا له فَأَقَرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا ادَّعَاهُ أو أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ أو أَقَامَاهُمَا وَبَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا سُلِّمْت له لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ لِأَحَدِهِمَا لم يَتَمَكَّنْ من الْبَيْعِ لِلثَّانِي وَطَالَبَهُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ جَوَازًا لِأَنَّ ذلك كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ في زَعْمِهِ وَلَا يُحَلِّفُهُ لِتَغْرِيمِ الْعَيْنِ بِنَاءً في الْأُولَى على أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِأَنَّ قَضِيَّةَ دَعْوَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ قد انْفَسَخَ بِتَفْوِيتِ الْبَائِعِ عليه وَأَمَّا في الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَأَنَّهُ لم يُفَوِّتْ الدَّارَ عليه وَإِنَّمَا أُخِذَتْ منه بِالْبَيِّنَةِ وَالتَّصْرِيحِ بِمُطَالَبَةِ الْآخَرِ بِعَدَمِ التَّحْلِيفِ في الْأَخِيرَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ تَعَارَضَتَا بِأَنْ لم تَسْبِقْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَاسْتَمَرَّ الثَّالِثُ على التَّكْذِيبِ حَلِفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا أَنَّهُ ما بَاعَدَ كما لو لم يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَهُمَا اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ منه إذْ لَا تَعَارُضَ فيه لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا شَهِدَتْ بِتَوْفِيَةِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعَارُضُ في الدَّارِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهَا مِلْكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَسَقَطَتَا فيها دُونَ الثَّمَنِ لَا إنْ تَعَرَّضَتْ الْبَيِّنَةُ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لَهُمَا اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ منه لِتَقَرُّرِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ على الْبَائِعِ عُهْدَةُ ما يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَمَنْ شَهِدَتْ من الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْمِلْكِ في الْمُدَّعَى لِلْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ أو لِلْمُشْتَرِي الْآنَ أو بِنَقْدِ الثَّمَنِ دُونَ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كانت الْأُخْرَى سَابِقَةً لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَلِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِلنَّقْدِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَالْأُخْرَى لَا تُوجِبُهُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ لِلْبَائِعِ فَلَا يَكْفِي الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ فَرْعٌ لو قال أَحَدُهُمَا لِمَنْ بيده دَارٌ اشْتَرَيْتهَا من زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ وقال الْآخَرُ اشْتَرَيْتهَا من عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا ادَّعَيَاهُ تَعَارَضَتَا فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَهِيَ مِلْكُهُ لِأَنَّ من ادَّعَى مَالًا بِيَدِ شَخْصٍ وقال اشْتَرَيْته من فُلَانٍ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حتى يَقُولَ اشْتَرَيْته منه
____________________
(4/414)
وهو مِلْكُهُ أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ في دَعْوَى الشِّرَاءِ من غَيْرِ ذِي الْيَدِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي اشْتَرَيْتهَا منه وَهِيَ مِلْكُهُ أو تَسَلَّمْتُهَا منه أو سَلَّمَهَا إلَيَّ كَالشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ فيها أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ وَهِيَ مِلْكُهُ أو اشْتَرَاهَا وَتَسَلَّمَهَا منه أو سَلَّمَهَا إلَيْهِ لَا في دَعْوَى الشِّرَاءِ من ذِي يَدٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فيها ذلك بَلْ يُكْتَفَى بِأَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ على الْمِلْكِ
وَإِنْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ لِلْمُدَّعِي فِيمَا ذَكَرَ بِأَنَّهُ بَاعَهُ ما ادَّعَاهُ وَآخَرَانِ أَنَّ الْبَائِعَ كان يَمْلِكُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حين الْبَيْعِ جَازَ وَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِالشِّرَاءِ لِلدَّارِ من مَالِكٍ لها وأقام آخَرُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا من الْمُثْبِتِ الْأَوَّلِ كَفَى في شَهَادَتِهِ بَيِّنَتُهُ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُثْبِتِ الْأَوَّلِ وَأَنْتَ تَمْلِكُهَا أو ما يَقُومُ مَقَامُهُ كما لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَهُ لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا تَدُلُّ على الْمِلْكِ كَالْيَدِ وَحُكِمَ لِلْآخَرِ بِبَيِّنَتِهِ وَلَوْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا لِذِي الْيَدِ بِعْتُكهَا بِكَذَا وَهِيَ مِلْكِي فَأَدِّ الثَّمَنَ فَأَقَرَّ لَهُمَا بِمَا ادَّعَيَاهُ أو أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِانْتِقَالِهَا منه إلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِأَنْ يَسِعَهُ ما بين الزَّمَنَيْنِ نعم إنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا لِامْتِنَاعِ كَوْنِهَا مِلْكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا كما لو لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا إقْرَارَ وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أو أَقَرَّ له غَرِمَ له الثَّمَنَ الذي سَمَّاهُ وَحَلَفَ لِلْآخَرِ أو لم يَمْضِ بين الزَّمَنَيْنِ ما يُمْكِنُ فيه الِانْتِقَالُ من الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ الثَّانِي ثُمَّ الْعَقْدِ الثَّانِي لم يَلْزَمْهُ الثَّمَنَانِ لِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا وَلَوْ حَذَفَ لم يَلْزَمْهُ الثَّمَنَانِ وَأَخَّرَ تَعَارَضَتَا عَمَّا بَعْدَهُ كان أَوْضَحُ وَأَخْصَرُ وَكَذَا لو شَهِدَا على إقْرَارِهِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ إلَّا إنْ اتَّحَدَ تَارِيخُ الْإِقْرَارَيْنِ أو لم يَمْضِ ما يُمْكِنُ فيه الِانْتِقَالُ فَلَا يَلْزَمَانِهِ لِلتَّعَارُضِ
وَلَوْ شَهِدَا عليه بِالْبَيْعِ أو الْقَتْلِ في وَقْتٍ وشهدت الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ كان سَاكِتًا فيه لَا يقول وَلَا يَفْعَلُ شيئا تَعَارَضَتَا بِنَاءً على قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالنَّفْيِ الْمَحْصُورِ وهو الْأَصَحُّ وَإِنْ قال الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ أَعْتَقَتْنِي وقال الْآخَرُ بِعْتنِيهِ بِكَذَا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِمَا ادَّعَاهُ لم يُحَلِّفْهُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ فَإِقْرَارُهُ إتْلَافٌ منه لِلْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِنَاءً على إتْلَافِ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ بِالْعِتْقِ حِينَئِذٍ لم يُقْبَلْ ولم يَلْزَمْهُ غُرْمُ نعم إنْ شَرَطَ في الْبَيْعِ خِيَارًا يَنْفُذُ فيه عِتْقُ الْبَائِعِ فَلِلْعَبْدِ تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ بِالْعِتْقِ لَقُبِلَ وقد ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ في الْغَصْبِ ما يَقْتَضِيهِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَلَا يَخْتَصُّ التَّصْوِيرُ بِالْعِتْقِ بَلْ سَائِرِ أَسْبَابِهِ من تَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَإِيلَادٍ وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ كَذَلِكَ وَلِمُسَلِّمِ الثَّمَنِ بِدَعْوَاهُ وهو الْآخَرُ طَلَبُهُ أَيْ الثَّمَنِ منه فَيُحَلِّفُهُ عليه يَمِينًا وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا ادَّعَيَاهُ قُدِّمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا تَارِيخًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَسْبِقْ إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا كما لو لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في التَّعَارُضِ في الْمَوْتِ وَالْإِرْثِ لو مَاتَ نَصْرَانِيٌّ أَيْ رَجُلٌ عُرِفَ تَنَصُّرُهُ عن أَبْنَاءٍ وفي أَبْنَائِهِ مُسْلِمٌ فَادَّعَى إسْلَامَهُ أَيْ إسْلَامُ أبيه قبل مَوْتِهِ لِيَرِثَهُ وَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ لم يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِهِ فَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَانِ بِأَنْ قالت إحْدَاهُمَا مَاتَ مُسْلِمًا وَالْأُخْرَى مَاتَ نَصْرَانِيًّا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ عِلْمٍ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ من النَّصْرَانِيَّةِ إلَى الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ لها كما لو تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ أَقَامَهَا بِتَرِكَةٍ ادَّعَاهَا إرْثًا وبينة زَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ أَقَامَتْهَا على أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا أو بَاعَهَا لها فَتُقَدَّمُ
____________________
(4/415)
بَيِّنَتُهَا لِذَلِكَ وَكَمَا لو ادَّعَى على مَجْهُولٍ إنَّك عَبْدِي وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عليه بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ كان مِلْكًا لِفُلَانٍ وَأَعْتَقَهُ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ لِذَلِكَ فَإِنْ قُيِّدَتَا أو بَيِّنَةُ التَّنَصُّرِ كَأَنْ قالت إحْدَاهُمَا آخِرُ كَلَامِهِ التَّوْحِيدُ أَيْ الْإِسْلَامُ أو مَاتَ مُسْلِمًا
وقالت ا لَأُخْرَى آخِرُ كَلَامِهِ التَّثْلِيثَ تَعَارَضَنَا لِتَنَاقُضِهِمَا فَيَحْلِفُ النَّصْرَانِيُّ على ما ادَّعَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِ الْأَبِ وَأَشَارَ بِالتَّثْلِيثِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في بَيِّنَةِ التَّنَصُّرِ أَنْ تُفَسَّرَ كَلِمَتُهُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّصْرَانِيُّ وهو ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ لم يُعْرَفْ دِينُ الْأَبِ وَلَا بَيِّنَةٌ وَالْمَالُ بِيَدِهِمَا أو بِيَدِ أَحَدِهِمَا حَلَفَا أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ بِحُكْمِ الْيَدِ يَعْنِي بِحُكْمِ أَنَّهُ بِيَدِهِمَا أو بِيَدِ أَحَدِهِمَا نِصْفَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ ذُو الْيَدِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْيَدِ بَعْدَ اعْتِرَافِ صَاحِبِهَا بِأَنَّهُ كان لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ إرْثًا فَكَأَنَّهُ بِيَدِهِمَا وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَتَانِ بِمَا ذَكَرَ وَتَعَارَضَتَا أَمَّا إذَا كان الْمَالُ بِيَدِ غَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ما في الْمُهَذَّبِ وقال ابن الصَّبَّاغِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إلَى الْبَيَانِ ا ه وما قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ هو الْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي في مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ وَيُدْفَنُ هذا الْمَيِّتُ الْمَشْكُوكُ في إسْلَامِهِ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ من يُصَلِّي عليه أُصَلِّي عليه إنْ كان مُسْلِمًا كما لو اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ
وَلَوْ خَلَفَ الرَّجُلُ مَكَانُ الِابْنِ الْمُسْلِمِ أَخًا وَزَوْجَةً مُسْلِمَيْنِ وَأَوْلَادًا كَفَرَةً فَادَّعَى الْمُسْلِمَانِ إسْلَامَهُ قبل مَوْتِهِ وَأَنْكَرَ أَوْلَادُهُ ولم يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِ الْمَيِّتِ وَلَا بَيِّنَةٌ وُقِفَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ حتى يَنْكَشِفَ الْحَالُ أو يَصْطَلِحُوا قال ابن الرِّفْعَةِ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وقال الْإِمَامُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قال وهو قِيَاسُ ما مَرَّ في الْأُولَى أَيْ التي قَدَّمْتُ فيها كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً تَعَارَضَتَا فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ بِأَنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَفَرَ صُدِّقَ الْأَوْلَادُ بِأَيْمَانِهِمْ وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً فَإِنْ أُطْلِقَتَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمَيْنِ وَإِنْ قُيِّدَتَا أو بَيِّنَةُ التَّنَصُّرِ تَعَارَضَتَا فَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ عن أَبْنَاءٍ وَوُجِدَ فِيهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْلِمٌ وقال ابْنُهُ الْمُسْلِمُ أَسْلَمْتُ بَعْدَهُ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا وَقَالُوا بَلْ أَسْلَمْت قَبْلَهُ فَلَا تَرِثْهُ أو مَاتَ في رَمَضَانَ بِاتِّفَاقِهِمَا وقال ابْنُهُ الْمُسْلِمُ أَسْلَمْت في شَوَّالِ وَقَالُوا بَلْ أَسْلَمْت في شَعْبَانَ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ على ما ادَّعَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ على دِينِهِ وَوَرِثَ منه وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ بها وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُمْ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ من الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ لِدِينِهِ
وَإِنْ أَسْلَمَ في رَمَضَانَ بِاتِّفَاقِهِمَا وقال مَاتَ في شَعْبَانَ وَقَالُوا بَلْ في شَوَّالِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقُوا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا تَنْقِلُ من الْحَيَاةِ إلَى الْمَوْتِ في شَعْبَانَ وَالْأُخْرَى تَسْتَصْحِبُ الْحَيَاةَ إلَى شَوَّالِ إلَّا إنْ قالت بَيِّنَتُهُمْ في هذه رَأَيْنَاهُ حَيًّا في شَوَّالِ فَيَتَعَارَضَانِ وَلَوْ قالت بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ الْمَحْكُومُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ حَلَفَ وَوَرِثَ كنا نَسْمَعُ تَنَصُّرَهُ إلَى نِصْفِ شَوَّالِ الْأُولَى إلَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ أَيْضًا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ لو مَاتَ
____________________
(4/416)
مُسْلِمٌ وَلَهُ ابْنَانِ اتَّفَقَا على أَنَّ أَحَدَهُمَا كان مُسْلِمًا قبل مَوْتِ الْأَبِ وَاخْتَلَفَا في تَقَدُّمِ إسْلَامِ الْآخَرِ على مَوْتِهِ فقال له الْأَوَّلُ مَاتَ الْأَبُ قبل إسْلَامِك وقال هو بَلْ بَعْدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْأَوَّلُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُفْرِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو اتَّفَقَا على مَوْتِ الْأَبِ في رَمَضَانَ وقال الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ أَسْلَمَتْ في شَوَّالِ وقال هو بَلْ أَسْلَمَتْ في شَعْبَانَ وَلَا بَيِّنَةَ وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْآخَرِ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَإِنْ اتَّفَقَا على أَنَّ الْآخَرَ أَسْلَمَ في رَمَضَانَ فَادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ في شَوَّالِ وقال الْأَوَّلُ بَلْ مَاتَ في شَعْبَانَ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وفي التَّعَارُضِ بين الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ فَإِنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أنا الذي لم أَزَلْ مُسْلِمًا وَأَنْتَ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَا وَجُعِلَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ يَشْهَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَقُولُهُ في نَفْسِهِ وَلَوْ اتَّفَقَا على أَنَّ أَحَدَهُمَا لم يَزَلْ مُسْلِمًا وقال الْآخَرُ لم أَزَلْ مُسْلِمًا أَيْضًا وَنَازَعَهُ الْأَوَّلُ فقال كُنْت نَصْرَانِيًّا وَإِنَّمَا أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لم يَزَلْ مُسْلِمًا لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ يَشْهَدُ له صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَقِسْ عليها أَيْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ ما لو مَاتَ الْأَبُ حُرًّا وكان أَحَدُهُمَا رَقِيقًا وَالْآخَرُ حُرًّا بِاتِّفَاقِهِمَا على حُرِّيَّتِهِ وَاخْتَلَفَا هل عَتَقَ الْأَوَّلُ قبل مَوْتِ الْأَبِ أو بَعْدَهُ وَإِنْ قال كُلٌّ من أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ مَاتَ مُوَرِّثُنَا على دِينِنَا صُدِّقَ الْأَبَوَانِ لِأَنَّ وَلَدَهُمَا مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ ابْتِدَاءً تَبَعًا لَهُمَا فَيُسْتَصْحَبُ حتى يُعْلَمَ خِلَافُهُ وَقِيلَ يُوقَفُ الْمَالُ حتى يَنْكَشِفَ الْأَمْرُ أو يَصْطَلِحُوا قال النَّوَوِيُّ وهو أَرْجَحُ دَلِيلًا لَكِنْ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ وَإِنْ مَاتَ ابن رَجُلٍ وَزَوْجَتُهُ أَيْ الرَّجُلُ فَاخْتَلَفَ هو وَأَخُوهَا فقال هو مَاتَتْ أَوَّلًا فَوَرِثَهَا ابْنِي عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَوَرِثْتهَا أنا وَابْنِي وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وورثته أنا وقال أَخُوهَا بَلْ مَاتَتْ آخِرًا فَوَرِثَتْ الِابْنَ قبل مَوْتِهَا ثُمَّ وَرِثْتهَا أنا وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْأَخُ في مَالِ أُخْتِهِ وَالزَّوْجُ في مَالِ ابْنِهِ بِيَمِينِهِمَا فَإِنْ حَلَفَا أو نَكَلَا لم يَرِثْ مَيِّتٌ من مَيِّتٍ فَمَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَمَالُ الزَّوْجَةِ بين الزَّوْجِ وَالْأَخِ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ تَعَارَضَتَا فَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ من الِابْنِ وَالزَّوْجَةِ يوم الْجُمُعَةِ بِاتِّفَاقِهِمَا وَاخْتُلِفَ في مَوْتِ الْآخَرِ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ صُدِّقَ من ادَّعَاهُ بَعْدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ من ادَّعَاهُ قَبْلُ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَإِنْ قال وَرَثَةُ مَيِّتٍ لِزَوْجَتِهِ كُنْت أَمَةً ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أو كُنْت كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ بَلْ عَتَقْتُ أو أَسْلَمْتُ قَبْلُ صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ وَإِنْ قالت لم أَزَلْ حُرَّةً أو مُسْلِمَةً صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا دُونِهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا فَصْلٌ لو قال السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ إنْ قُتِلْت فَأَنْت حُرٌّ أو إنْ مِتَّ في رَمَضَانَ فَأَنْت حُرٌّ فَأَثْبَتَ الْعَبْدُ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ بِأَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً في الْأُولَى أَنَّهُ قُتِلَ وفي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَاتَ في رَمَضَانَ وأقام الْوَارِثُ بَيِّنَةً في الْأُولَى بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ أو في الثَّانِيَةِ بِمَوْتِهِ في شَوَّالِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْقَتْلِ في الْأُولَى وَبِحُدُوثِ الْمَوْتِ في رَمَضَانَ في الثَّانِيَةِ وَلَا قِصَاصَ في الْأُولَى لِأَنَّ الْوَارِثَ مُنْكِرٌ لِلْقَتْلِ فَإِنْ أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَيْ أَقَامَ في الثَّانِيَةِ بَيِّنَةً بِمَوْتِهِ في شَعْبَانَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَلَوْ حُكِمَ بِشَاهِدَيْ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ مَاتَ في شَوَّالِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيُجْعَلُ كما لو شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ مَعًا أو لَا فَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَخْرِيجُ قَوْلَيْنِ فيه كما لو بَانَ فِسْقُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ
____________________
(4/417)
كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ نَقْضِهِ وَعَلَيْهِ جَرَى شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ وهو جَارٍ على الضَّعِيفِ فَلِهَذَا حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا على الصَّحِيحِ من تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ رَمَضَانَ فَلَا نَقْضَ وَإِنْ قال لِعَبْدِهِ إنْ مِتَّ فَأَنْت حُرٌّ وَشَهِدَتْ بَيِّنَتُهُ بِقَتْلِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُعْتَقُ الْعَبْدُ لِأَنَّ من قُتِلَ فَقَدْ مَاتَ وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَ سَالِمٍ بِمَوْتِهِ في رَمَضَانَ أو في مَرَضِهِ وعتق غَانِمٍ بِمَوْتِهِ في شَوَّالٍ أو بِالْبُرْءِ من مَرَضِهِ فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمُوجِبِ عِتْقِهِمَا تَعَارَضَتَا وَرُقَّا وَجْهُ التَّعَارُضِ في الثَّانِيَةِ تُقَابِلُ زِيَادَةُ عِلْمِ إحْدَاهُمَا بِالْمَوْتِ في الْمَرَضِ وَزِيَادَةُ عِلْمِ الْأُخْرَى بِالْبُرْءِ وفي الْأُولَى تَقَابُلُ عِلْمَيَّ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْمَوْتِ في الْوَقْتَيْنِ وَقِيلَ تُقَدَّمُ فيها بَيِّنَةُ سَالِمٍ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْمَوْتِ في رَمَضَانَ وَقِيلَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ غَانِمٍ وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَه تَقْدِيمُ بَيِّنَةُ سَالِمٍ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْأَنْوَارِ جَزَمَ بِهِ مع أَنَّهُ يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ في مَسْأَلَةِ إنْ مِتَّ في رَمَضَانَ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ التَّرِكَةِ فَلَا بُدَّ من ذِكْرِ الْجِهَةِ أَيْ جِهَةُ الْوِرَاثَةِ كَأُبُوَّةٍ وَأُخُوَّةٍ ومن ذِكْرِ الْوَارِثَةِ وَذَلِكَ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِلْحُكْمِ له بها فيقول أنا ابْنُهُ وَوَارِثُهُ فإذا أَشْهَدَ عَدْلَانِ خَبِيرَانِ بِبَاطِنِ حَالِ مُوَرِّثِهِ لِصُحْبَةٍ وَجِوَارٍ وَحَضَرٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهَا إنَّ هذا وَارِثُهُ وأنهما لَا يَعْرِفَانِ له وَارِثًا سِوَاهُ دُفِعَتْ إلَيْهِ التَّرِكَةُ فَإِنْ كان ذَا فَرْضٍ وَشَهِدَا له هَكَذَا أُعْطِيَ فَرْضَهُ قال في الْأَصْلِ وَلَا يُطَالِبُ وَاحِدًا منها بِضَمِينِ لِأَنَّ طَلَبَهُ مع إقَامَةِ الشُّهُودِ طَعْنٌ فِيهِمْ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي فَإِنْ لم يَقُولَا لَا نَعْرِفُ له وَارِثًا سِوَاهُ أو قَالَا ولم يَكُونَا خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ الْحَالِ وكان سَهْمُهُ غير مُقَدَّرٍ أو كان مُقَدَّرًا لَكِنْ كان مِمَّنْ يُحْجَبُ لم يُعْطَ شيئا من التَّرِكَةِ حتى يَبْحَثَ عنه أَيْ عن حَالِ مُوَرِّثِهِ الْقَاضِي في الْبِلَادِ التي سَكَنَهَا أو طَرَقَهَا فَيَكْتُب إلَيْهَا لِلِاسْتِكْشَافِ وَيُنَادِي الْمُرَادُ وَيَأْمُرُ من يُنَادِي فيها أَنْ فُلَانًا مَاتَ فَإِنْ كان له وَارِثٌ فَلِيَأْتِ الْقَاضِي أو لِيَبْعَثَ إلَيْهِ وَيَغْلِبُ على ظَنِّهِ أَنْ لَا وَارِثَ له ثُمَّ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ بِلَا ضَمِينٍ وَإِنْ لم يَكُنْ ثِقَةً مُوسِرًا اكْتِفَاءً بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ له سِوَاهُ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ
ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَإِنْ كان سَهْمُهُ مُقَدَّرًا وهو مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ أُعْطِيَ أَقَلَّ فَرْضِهِ عَائِلًا بِلَا بَحْثٍ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ فَالزَّوْجَةُ تُعْطَى رُبْعَ الثُّمْنِ عَائِلًا لِاحْتِمَالِ أَبَوَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَالزَّوْجُ يُعْطَى الرُّبْعُ عَائِلًا لِاحْتِمَالِ أَبَوَيْنِ وَبِنْتَيْنِ معه وَيُعْطَى الْأَبُ السُّدُسَ
____________________
(4/418)
عَائِلًا بِتَقْدِيرِ أَبَوَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ أو زَوْجَةٍ وَالْأُمُّ السُّدُسَ عَائِلًا بِتَقْدِيرِ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَزَوْجٍ أو زَوْجَةٍ مَعَهَا وَبَعْدَ الْبَحْثِ إذَا لم يَظْهَرْ غَيْرُ الْمَشْهُودِ له يُعْطَى الْبَاقِي وَإِنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً وَلَا يُؤْخَذُ ضَمِينٌ لِلْمُتَيَقِّنِ وَالزَّائِدِ عليه لِمَا مَرَّ فَلَوْ قَالَا أَيْ الشَّاهِدَانِ لَا وَارِثَ له سِوَاهُ لم يُقْدَحْ فِيهِمْ أَيْ في شَهَادَتِهِمْ وَالْأَوْلَى فِيهِمَا وَإِنْ كان الْقَطْعُ بها خَطَأً لِوُقُوعِهِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَا اعْتَقَدَاهُ ولم يَقْصِدَا الْكَذِبَ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ ولم يَذْكُرُوا الْوِرَاثَةَ أَيْ كَوْنُهُ وَارِثًا نُزِعَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْمَالُ منه أَيْ مِمَّنْ هو بيده وَأُعْطِيَهُ بَعْدَ بَحْثِ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يُعْطَى الْأَخُ لِأَنَّهُ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عن الْجُمْهُورِ وَإِنْ قالوا لَا نَعْلَمُ له وَارِثًا في الْبَلَدِ سِوَاهُ لم يُعْطَ شيئا لِأَنَّ ذلك يُفْهِمُ أَنَّ له وَارِثًا في غَيْرِ الْبَلَدِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ قد تَقَرَّرَ في الْفِقْهِ أَنَّ من أَعْتَقَ في مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدَيْنِ مُرَتِّبًا كُلًّا مِنْهُمَا ثُلُثَ مَالِهِ ولم يَجْزِ الْوَرَثَةُ ما زَادَ عليه عَتَقَ الْأَوَّلُ فَقَطْ أو أَعْتَقَهُمَا مَعًا أو لم يُعْلَمْ مَعِيَّةٌ وَلَا تَرْتِيبَ كما في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنُسَخِ الْكَبِيرِ الْمُعْتَمَدَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أو عُلِمَ سَبْقٌ لِأَحَدِهِمَا ولم يُعْلَمْ عَيْنُهُ أو عُلِمَ سَابِقُ مِنْهُمَا وَجُهِلَ بَعْدُ فَمِنْ أَيْ فَيَعْتِقُ من كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَلَا قُرْعَةَ لِأَنَّهَا قد تُفْضِي إلَى إرْقَاقِ الْحُرِّ وَالْعَكْسِ وَلِأَنَّهُ لو أَوْصَى لِهَذَا بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِهَذَا بِثُلُثِهِ ولم تُجْزَ الْوَرَثَةُ جُعِلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَكَذَا هُنَا إذَا تَقَرَّرَ ذلك فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ من ا لِعَبْدَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في مَرَضِهِ وهو ثُلُثُ مَالِهِ وَلَا تَارِيخَ من كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ أُطْلِقَتَا أو إحْدَاهُمَا ولم تُجْزَ الْوَرَثَةُ ما زَادَ على الثُّلُثِ عَتَقَ من كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ جَمْعًا بين الْبَيِّنَتَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلِامْتِنَاعِ الْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا قد تَخْرُجُ بِرِقِّ الْحُرِّ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمِنْهَاجُ فقال قُلْت الْمَذْهَبُ يُعْتَقُ من كُلٍّ نِصْفُهُ لَكِنْ قال الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْإِقْرَاعُ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ في الْحُدُودِ وَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ وَاتَّحَدَا أُقْرِعَ لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ وَهَلْ يَحْلِفُ من خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ قَوْلَانِ قَالَهُ الْقَاضِي فَإِنْ اخْتَلَفَا تَارِيخًا قُدِّمَتْ السَّابِقَةُ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ في مَرَضِ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَإِنْ كان في الِاتِّحَادِ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ سُدْسَ الْمَالِ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له عَتَقَ هو وعتق معه نِصْفُ الْآخَرِ لِيَكْمُلَ الثُّلُثُ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ عَتَقَ وَحْدُهُ وَلَوْ أُطْلِقَتَا أو أُطْلِقَتْ إحْدَاهُمَا عَتَقَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَاهُ كما لو أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخِرَ بِسُدُسِهِ أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثُلُثِي ما أُوصِيَ له بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ مِمَّا تَقَرَّرَ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَتَانِ بِتَعْلِيقِ عِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ أو بِالْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثٌ لِمَالِهِ ولم تُجِزْ الْوَرَثَةُ ما زَادَ عليه أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ أُطْلِقَتَا أو إحْدَاهُمَا أَمْ أُرِّخَتَا لِأَنَّ الْعِتْقَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ كَالْوَاقِعَيْنِ مَعًا في الْمَرَضِ وَيُقْبَلُ في الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ شَهَادَةُ الْوَارِثِ فَلَوْ شَهِدَا أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَوَارِثَانِ له حَائِزَانِ لِمِيرَاثِهِ أَنَّهُ رَجَعَ عنه أَيْ عن هذا الْإِيصَاءِ إلَى عِتْقِ أَيْ الْإِيصَاءُ بِعِتْقِ سَالِمٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثُلُثُ مَالِهِ تَعَيَّنَ الْعِتْقُ لِسَالِمٍ بِشَهَادَةِ الْوَارِثَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا لِلرُّجُوعِ عن غَانِمٍ بَدَلًا يُسَاوِيهِ فَارْتَفَعَتْ التُّهْمَةُ عنهما وَلَا نَظَرَ إلَى تَبْدِيلِ الْوَلَاءِ لِأَنَّ الثَّانِي قد لَا يَكُونُ أَهْدَى لِجَمْعِ الْمَالِ وقد لَا يُوَرَّثُ بِالْوَلَاءِ وَمُجَرَّدِ هذا الِاحْتِمَالِ لو رُدَّتْ بِهِ الشَّهَادَةَ لِمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ قَرِيبٍ لِمَنْ يَرِثُهُ قال الرَّافِعِيُّ وَلَا يَصْفُو عن إشْكَالٍ لِأَنَّ الْغَرَضَ قد يَتَعَلَّقُ بِاسْتِبْقَاءِ غَانِمٍ وَإِنْ سَاوَاهُ سَالِمٌ في الْقِيمَةِ وَأَجَابَ عنه ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ التُّهْمَةَ التي تُرَدُّ بها الشَّهَادَةُ هِيَ التُّهْمَةُ الْقَوِيَّةُ دُونَ الضَّعِيفَةِ وهو مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الْإِمَامِ هذا إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ
فَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ غَانِمٌ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لِاحْتِمَالِ الثُّلُثِ له وَثُلُثَا سَالِمٍ اللَّذَانِ هُمَا قَدْرُ ما يَحْتَمِلهُ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ غَانِمٍ مُؤَاخَذَةً لِلْوَارِثَيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا الذي تَضَمَّنَتْهُ شَهَادَتُهُمَا له وكان غَانِمًا تَلِفَ أو غُصِبَ من التَّرِكَةِ وَلَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِشَهَادَتِهِمَا لِفِسْقِهِمَا وَقِيَاسُ ما يَأْتِي في الْعِتْقِ الْمُنْجَزِ على طَرِيقَةِ غَيْرِ الرُّويَانِيِّ عِتْقُهُمَا جميعا قال الْبُلْقِينِيُّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فَيُقَالُ إنْ كان غَانِمُ دخل في يَدِ الْوَارِثَيْنِ قبل شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ عَتَقَ جَمِيعُ سَالِمٍ وَإِلَّا فَثُلُثَاهُ لِأَنَّ غَانِمًا إذَا دخل في يَدِهِمَا فَكَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ امْتِدَادِ يَدِ الْوَارِثِ إلَيْهِ وقد تَقَرَّرَ أَنَّ من مَاتَ من
____________________
(4/419)
الْمُعْتَقَيْنِ بَعْدَ امْتِدَادِ يَدِ الْوَارِثِ إلَيْهِ حُسِبَ عليه حتى لو خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ على أَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَتَقَ كُلُّهُ بِخِلَافِ ما إذَا مَاتَ بَعْدَ امْتِدَادِ يَدِهِ إلَيْهِ فإنه يَدْخُلُ في قُرْعَةِ الْعِتْقِ دُونَ الرِّقِّ حتى لو خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ عليه عَتَقَ وَلَوْ خَرَجَتْ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ فَقَطْ فَجَوَابُهُ أَنَّ ما حَسَبْنَاهُ على الْوَارِثِ بَعْدَ الِامْتِدَادِ لم يُوجَدْ فيه ما يُنَافِي يَدَهُ بِخِلَافِ الذي قَدَّرْنَا مَوْتَهُ فإنه وُجِدَ فيه ما يُنَافِي الْمِلْكَ وهو الْحُكْمُ بِعِتْقِهِ قال وفي هذا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَالسُّؤَالُ قَوِيٌّ قال وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتَقُ سَالِمٌ كُلُّهُ مُطْلَقًا لِاعْتِقَادِ الْفَاسِقَيْنِ أَنَّ غَانِمًا مِلْكُهُمَا وَأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بها وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَنَصَّ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ على ما يَشْهَدُ له
وَإِنْ لم يَتَعَرَّضَا وَهُمَا عَدْلَانِ لِلرُّجُوعِ عن الْإِيصَاءِ بِعِتْقِ غَانِمٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كما لو كانت الْبَيِّنَتَانِ أَجَانِبَ نعم إنْ قَالَا إنَّمَا أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ عَتَقَا نَظِيرُ ما يَأْتِي في تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ فِيمَا يَظْهَرُ غَانِمٌ وَثُلُثَا سَالِمٍ لِاحْتِمَالِ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ عِتْقِ غَانِمٍ لَهُمَا وَإِنْ كان سَالِمُ السُّدْسَ أَيْ سُدُسُ الْمَالِ وَقُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ وهو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في هذه الْمَسْأَلَةِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا بِالرُّجُوعِ عن الْإِيصَاءِ بِعِتْقِ غَانِمٍ لِلتُّهْمَةِ بِرَدِّ الْعِتْقِ من الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيُعْتَقُ سَالِمٌ بِإِقْرَارِهِمَا الذي تَضَمَّنَتْهُ شَهَادَتُهُمَا له أَيْضًا أَيْ مع عِتْقِ غَانِمٍ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ أو يُعْتَقُ من سَالِمٍ قَدْرُ نَصِيبِهِمَا منه إنْ لم يَكُونَا حَائِزَيْنِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِمَا وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ وهو ما صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالرُّجُوعِ عن الْإِيصَاءِ بِعِتْقِ نِصْفِ غَانِمٍ الذي لم يَثْبُتْ له بَدَلًا فَيُعْتَقُ هو مع كل سَالِمٍ وَالْمَجْمُوعُ قَدْرُ الثُّلُثِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ الْمَبْنِيُّ على النَّصِّ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ فِيمَا إذَا كان سَالِمُ السُّدْسُ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ وَهُمَا عَدْلَانِ بِالرُّجُوعِ عن الْإِيصَاءِ بِعِتْقِ سَالِمٍ لِغَانِمٍ كما مَرَّ الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ من غَانِمٍ لِسَالِمٍ زَالَتْ التُّهْمَةُ لِأَنَّ لَهُمَا رَدُّ الزِّيَادَةِ على الثُّلُثِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالرُّجُوعِ عن غَانِمٍ
وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا بين الْمُوصَى له بِالثُّلُثِ وَبَيْنَ عِتْقِ سَالِمٍ فَيُعْطَى الثُّلُثَانِ منه لِلْمُوصَى له بِالثُّلُثِ وَثُلُثٌ منه يُعْتِقُ بِهِ من الْعَبْدِ وهو سَالِمٌ ثُلُثَاهُ وَهُمَا ثُلُثُ الثُّلُثِ قال في الْأَصْلِ كَذَا ذَكَرُوهُ لَكِنَّ رَدَّ الزِّيَادَةِ على الثُّلُثِ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ بَعْضِ أَصْحَابِ الْوَصَايَا بَلْ يُوَزَّعُ عليهم الثُّلُثُ وَقَبُولُ شَهَادَةُ الرُّجُوعِ تُوجِبُ إرْقَاقَ غَانِمٍ وَحِرْمَانِهِ عن التَّبَرُّعِ وهو مَحَلُّ تُهْمَةٍ لِتَعْلِيقِ الْأَغْرَاضِ بِأَعْيَانِ الْعَبِيدِ وَتَقَدَّمَ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ ما يُؤْخَذُ منه جَوَابُهُ فَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ فَيُظْهِرْ أَنَّهُ يُعْتِقُ من كُلٍّ من غَانِمٍ وَسَالِمٍ نِصْفُهُ وَخَمْسُ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من عَشَرَةٍ وَأَنَّ لِلْمُوصَى له بِالثُّلُثِ مِثْلَ ما عَتَقَ من غَانِمٍ وَظَاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَدُورُ إذْ ما يُعْتَقُ من غَانِمٍ كَالتَّالِفِ وَمَعْرِفَتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ على مَعْرِفَةٍ لِلْمُوصَى له بِالثُّلُثِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فيه بِالْعَكْسِ وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ أَنْ يُقَالَ عَتَقَ من غَانِمٍ شَيْءُ وَمِنْ سَالِمٍ نِصْفُ شَيْءٍ لِمُسَاوَاتِهِ نِصْفَ غَانِمٍ وَيُفْرَضُ لِلْمُوصَى له شَيْءٌ وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثُونَ يَبْقَى لِلْوَارِثَيْنِ ثَلَاثُونَ إلَّا شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا وَذَلِكَ يَعْدِلُ ضِعْفَ ما فَاتَ عَلَيْهِمَا بِالْإِيصَاءِ بِالثُّلُثِ وعتق سَالِمُ وهو ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وما عَتَقَ من غَانِمٍ كَالتَّالِفِ كما مَرَّ فَيُجْبَرُ وَيُقَابَلُ فَثَلَاثُونَ تَعْدِلُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَالشَّيْءُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا من الْوَاحِدِ فَيُعْتَقُ من غَانِمٍ نَظِيرُ ذلك وهو ما مَرَّ وَالْبَاقِي أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَسِتَّةُ أَجَزَاءَ مِمَّا ذُكِرَ ثُلُثُهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَجُزْآنِ منه تُقَسَّمُ بين الْمُوصَى له وَعِتْقُ سَالِمٍ أَثْلَاثًا فَلِلْمُوصَى له ثُلُثَا ذلك وهو خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَجْزَاءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَلِعِتْقِ سَالِمٍ ثُلُثُهُ وهو نِصْفُ ذلك وَالْبَاقِي وهو سِتَّةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ مِمَّا ذُكِرَ لِلْوَارِثَيْنِ وَهِيَ ضِعْفُ ما فَاتَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ما عَتَقَ من غَانِمٍ
فَإِنْ كَانَا في التي قبل هذه فَاسِقَيْنِ عَتَقَا مَعًا غَانِمٌ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَسَالِمٌ بِإِقْرَارِ الْوَارِثَيْنِ وهو دُونَ ثُلُثِ الْبَاقِي من الْمَالِ بَعْدَ غَانِمٍ وَهَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ على قَوْلِ الْأَصْحَابِ السَّابِقِ فيها أَمَّا على النَّصِّ الْمَبْنِيِّ عليه ما رَجَّحَهُ هو فيها فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنْ كان السُّدْسُ هو غَانِمٌ الْأُولَى وَإِنْ كان غَانِمُ السُّدْسَ وَسَالِمُ الثُّلُثَ وَرَجَعَا أَيْ شَهِدَا بِالرُّجُوعِ عن وَصِيَّةِ غَانِمٍ وَهُمَا فَاسِقَانِ عَتَقَا إلَّا سُدْسَ سَالِمٍ لَتَلَفِ سُدْسَ الْمَالِ بِعِتْقِ غَانِمٍ فَعَتَقَ من سَالِمٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ وَهِيَ قَدْرُ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ عِتْقِ غَانِمٍ فَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ عَتَقَ سَالِمٌ فَقَطْ وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ غَانِمًا في الْمَرَضِ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ الْحَائِزَانِ عَدْلَيْنِ كَانَا أو فَاسِقَيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ سَالِمًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثُلُثٌ لِمَالِهِ عَتَقَ غَانِمٌ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَسَالِمٌ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِينَ فَإِنْ لم يَكُونَا حَائِزَيْنِ عَتَقَ من
____________________
(4/420)
سَالِمٍ قَدْرُ حِصَّتِهِمَا وقال الرُّويَانِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْمُعَبَّرُ عنهما في الْأَصْلِ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسُهُ يَعْنِي ما مَرَّ فِيمَا لو أَوْصَى بِالْعِتْقِ وكان الْوَارِثَانِ فَاسِقَيْنِ أَنْ يَعْتِقَ من سَالِمٍ قَدْرَ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ عِتْقِ غَانِمٍ فَقَطْ وكان غَانِمًا تَلَفَ وهو حَسَنٌ وَإِنْ شَهِدَا وَهُمَا عَدْلَانِ ولم يُكَذِّبَا الْأَجْنَبِيَّيْنِ بَلْ قَالَا أَعْتَقَ سَالِمًا وَلَا نَدْرِي هل أَعْتَقَ غَانِمًا أو لَا وَجُهِلَ السَّبَقُ وَالْمَعِيَّةُ الْأَوْفَقُ بِمَا مَرَّ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ ولم يُؤَرِّخَا عَتَقَ من كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ
كما لو كان شُهُودُ الْعَبْدَيْنِ أَجَانِبَ بِخِلَافِ ما إذَا كَذَّبَاهُمَا أو أُرِّخَتَا وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أو اخْتَلَفَ فَيُعْتَقَانِ في الْأُولَى كما مَرَّ آنِفًا وَيُقْرَعُ في الثَّانِيَةِ وَيُقَدَّمُ السَّابِقُ في الثَّالِثَةِ كما لو كان الشُّهُودُ أَجَانِبَ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ غَانِمٌ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَنِصْفُ سَالِمٍ بِاعْتِرَافِهِمَا بِنَاءً على أَنَّهُ يُعْتَقُ من كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فِيمَا قَبْلَهَا هذا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَكَثِيرِينَ ثُمَّ قال قال ابن الصَّبَّاغِ هذا سَهْوٌ وَصَوَابُهُ أَنْ يُعْتَقَ خُمُسَاهُ وَذُكِرَ تَوْجِيهُهُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وقد ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مع بَيَانِ وَجْهِ السَّهْوِ فَلَوْ كان سَالِمُ سُدْسِ الْمَالِ فَقِسْ حُكْمُهُ على ما سَبَقَ فَيُقَالُ إنْ كَذِبَ الْوَارِثَانِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ عَتَقَا جميعا وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ عن الرُّويَانِيِّ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ ولم يُؤَرَّخَا عَتَقَ من كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثَاهُ بِتَوْزِيعِ الثُّلُثِ على قِيمَتِيِّ الْعَبْدَيْنِ وَإِنْ أُرِّخَتَا وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أُقْرِعَ أو اخْتَلَفَ قُدِّمَ السَّابِقُ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ غَانِمٌ وَثُلُثَا سَالِمٍ فَصْلٌ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ ثُمَّ رَجَعَ وَجَعَلَهُ لِبَكْرٍ ثُمَّ رَجَعَ وَجَعَلَهُ لِعَمْرٍو وَشَهِدَ لِكُلٍّ منهم بِمَا أَوْصَى له بِهِ مع الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ شَاهِدَانِ وَلَوْ وَارِثَيْنِ سُلِّمَ لِعَمْرٍو فَإِنْ لم يَشْهَدَا بِالرُّجُوعِ قُسِّمَ الثُّلُثُ بين الْجَمِيعِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا لِمَا شَهِدَا بِالرُّجُوعِ عنه بَدَلًا وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِزَيْدٍ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو وَآخَرَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عن أَحَدِهِمَا الْأَوْلَى إحْدَاهُمَا ولم يُعَيِّنَا الْمَرْجُوعَ عنها لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا لِإِبْهَامِهَا كما لو شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا وَقُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِعَمْرٍو وَآخَرَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عن أَحَدِهِمَا ولم يُعَيِّنَا الْمَرْجُوعَ عنها لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا السُّدْسَ أَمَّا إذَا عَيَّنَا الْمَرْجُوعَ عنها فَيُعْطَى الثُّلُثُ في الْأُولَى وَالسُّدْسُ في الثَّانِيَةِ لِلْآخَرِ الْبَابُ السَّادِسُ في مَسَائِل مَنْثُورَةٍ تَتَعَلَّقُ بِأَدَبِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى يَحْضُرُ الْخَصْمُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَوْ يَهُودِيًّا في يَوْمِ سَبْتٍ وَنَصْرَانِيًّا في يَوْمِ أَحَدٍ وَمُسْلِمًا في يَوْمِ جُمُعَةٍ لَا وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَيْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا فَلَا يَحْضُرُ حتى يَفْرَغَ مِنْهُمَا وَلَوْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ أَنَّهُ غَصَبَهُ كَذَا بُكْرَةً وَآخَرَانِ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحْتِمَالُ
____________________
(4/421)
اسْتِرْدَادِهِ ثُمَّ غَصْبِهِ ثَانِيًا بَعِيدًا أو شَهِدَ وَاحِدٌ هَكَذَا وَوَاحِدٌ هَكَذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مع أَحَدِهِمَا وَأَخَذَ الْغُرْمَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ ليس بِحُجَّةٍ فَلَا تَعَارُضَ وَلَوْ أَتْلَفَ ثَوْبًا وَقَوَّمَهُ شَاهِدٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَآخَرُ بِدِينَارٍ ثَبَتَ النِّصْفُ لِاتِّفَاقِهِمَا عليه وَحَلَفَ الْمُدَّعِي إنْ شَاءَ مع الْآخَرِ أَيْ الذي قَوَّمَ بِالدِّينَارِ وَثَبَتَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِالنِّصْفِ لَا يُعَارِضُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ في النِّصْفِ الْآخَرِ وَهَذَا كما لو شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَ منه دِينَارًا وَآخَرُ أَنَّهُ أَخَذَ منه نِصْفَ دِينَارٍ فَإِنْ تَمَّتْ الْبَيِّنَتَانِ في ذلك بِأَنْ قُوِّمَتْ إحْدَاهُمَا الثَّوْبُ بِالنِّصْفِ وَالْأُخْرَى بِالدِّينَارِ ثَبَتَ النِّصْفُ أَيْضًا وتعارضتا في النِّصْفِ الْبَاقِي وَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْمُتْلَفِ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ وَزْنَ الذي أَتْلَفَهُ الْمُدَّعَى عليه دِينَارًا وَأُخْرَى أَنَّ وَزْنَهُ نِصْفُ دِينَارٍ قُدِّمَتْ شَهَادَةُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِخِلَافِ شَهَادَةِ التَّقْوِيمِ لِأَنَّ مُدْرَكَهَا الِاجْتِهَادُ وقد تَطْلُعُ بَيِّنَةُ الْأَقَلِّ على عَيْبٍ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقِيَاسُ ذلك أَنَّهُ لو أَقَامَ بَيِّنَةً بِعَدَدٍ لِمَعْدُودٍ أو بِأَذْرُعٍ لِمَذْرُوعٍ فَعَارَضَهُ الْمُدَّعَى عليه بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ أَنْقَصُ من ذلك كَنِصْفِهِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَلَا يَخْفَى ما فيه انْتَهَى وفي قَوْلِهِ وَلَا يَخْفَى ما فيه نَظَرٌ وما ذُكِرَ في مَسْأَلَةِ التَّقْوِيمِ يُخَالِفُ ما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ فِيمَا لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ قِيمَةَ سِلْعَةُ الْيَتِيمِ مِائَةً مَثَلًا فَأَذِنَ الْحَاكِمُ في بَيْعِهَا بِالْمِائَةِ فَبِيعَتْ بها ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهَا مِائَتَانِ من أَنَّهُ يُنْقَصُ الْبَيْعُ وَالْإِذْنُ فيه قال بَعْضُهُمْ وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِيمَا تُلِفَ وَتَعَذَّرَ تَحْقِيقٌ الْأَمْرِ فيه وَكَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ في سِلْعَةٍ قَائِمَةٍ يَقْطَعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّ قِيمَتَهَا مِائَةٌ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي عَبْدٍ أَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ فَقَدْ تَلِدُهُ قبل أَنْ يَمْلِكَهَا وَلَا بَيِّنَةُ مُدَّعِي ثَمَرَةٍ أَنَّ الثَّمَرَةَ من شَجَرَتِهِ فَقَدْ تُثْمِرُهَا قبل أَنْ يَمْلِكَهَا فَلَا تُسْمَعَانِ حتى يَقُولَا وَلَدَتْهُ أو أَثْمَرَتْهَا في مِلْكِهِ فَتُسْمَعَانِ وَإِنْ شَهِدَتَا بِمِلْكٍ سَابِقٍ لِأَنَّ النَّمَاءَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ فإذا تَعَرَّضَتَا لِمِلْكِ الْأَصْلِ تَبِعَهُ النَّمَاءُ في الْمِلْكِ وَيُسْمَعُ من الْبَيِّنَةِ نحو قَوْلِهَا هذا الثَّوْبُ من غَزْلِهِ وَالدَّقِيقُ من حِنْطَتِهِ وَالْفَرْخُ من بَيْضَتِهِ وَالْخُبْزُ من دَقِيقِهِ لِأَنَّ ذلك عَيْنُ مَالِهِ تَغَيَّرْت صِفَتُهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْأَمَةِ وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَيُقَدَّمُ من شَهِدَ بِالرِّقِّ على من شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ معه زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهِيَ إثْبَاتُ الرِّقِّ وَلَوْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ بِدَيْنٍ وقال أَحَدُهُمَا مُتَّصِلًا بِشَهَادَتِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ أو أَبْرَأَهُ منه أو نَحْوُهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ لِلتَّضَادِّ أو قَالَهُ مُنْفَصِلًا عنها بَعْدَ الْحُكْمِ بها لم يُؤْثِرْ في شَهَادَتِهِ وَكَذَا قبل الْحُكْمِ إنْ قال قَضَاهُ قبل شَهَادَتِي تُبِعَ كَالرَّوْضَةِ في هذا نُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ وَاَلَّذِي في نُسَخِهِ الصَّحِيحَةِ بَعْدَ شَهَادَتِي فَإِنْ قال قَبْلَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مع الشَّاهِدِ الْآخَرِ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَلِلْخَصْمِ فِيمَا إذَا لم تَبْطُلْ
____________________
(4/422)
شَهَادَةُ الشَّاهِدِ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ على الْقَضَاءِ أو الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الدَّعْوَى وَيَحْلِفُ معه عليه وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِشْهَادِ من زِيَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ شَهِدَا على إقْرَارِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ قال أَحَدُهُمَا قَضَاهُ أو أَبْرَأَهُ بَعْدَ شَهَادَتِي لم تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ بَلْ يُحْكَمُ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ الْخَصْمُ معه وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا أَنَّهُ هُنَاكَ شَهِدَ بِنَفْسِ الْحَقِّ وَالْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ يُنَافِيَانِهِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُنَا شَهِدَ بِالْإِقْرَارِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِهِ فَلَا تَبْطُلُ انْتَهَى وَالْفَرْقُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لو قال أَحَدُهُمَا ذلك مُتَّصِلًا بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ مُنْفَصِلًا عنها كما أَفَادَتْهُ ثُمَّ وَلَوْ ادَّعَى على غَيْرِهِ أَلْفًا وَلَهُ بِهِ شَاهِدَانِ فَشَهِدَ بِهِ عليه مُؤَجَّلًا لَكِنْ قال أَحَدُهُمَا قَضَى منه خَمْسَمِائَةٍ فَقِيلَ لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لم يَتَّفِقَا على ما ادَّعَاهُ وَقِيلَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا خَمْسُمِائَةٍ ولكن يَحْلِفُ الْمُدَّعِي إنْ شَاءَ لِلْبَاقِي من الْأَلْفِ مع الشَّاهِدِ الْآخَرِ وَقِيلَ يَثْبُتُ بها الْأَلْفُ وَلِلْمُدَّعَى عليه أَنْ يَحْلِفَ مع شَاهِدِ الْقَضَاءِ بَعْدَ إعَادَةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَنَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ ثُبُوتُ خَمْسِمِائَةٍ كما لو شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُثْبَتُ الْأَلْفُ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ مُؤَجَّلًا تَبِعَ فيه بَعْضَ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَالْأَوْجَهُ حَذْفُهُ كما في بَاقِي نُسَخِهِ كما لَا يَخْفَى وَلَوْ شَهِدَ بِالْوَكَالَةِ من شَخْصٍ لِآخَرَ ثُمَّ قال أَحَدُهُمَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لم تُبْطَلْ شَهَادَتُهُ وَيُحْكَمُ بها وَالْعَزْلُ لَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ وَقِيلَ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ كَأَصْلِهِ بِثُمَّ أَنَّهُ لو قال ذلك مُتَّصِلًا بِشَهَادَتِهِ بَطُلَتْ وهو نَظِيرُ ما مَرَّ وَلَوْ ادَّعَى الشُّرَكَاءُ على رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَ حَلِفَ لِكُلٍّ منهم يَمِينًا فَإِنْ رَضُوا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ لم تُجِزْهُ وَإِنْ اُدْعُوا ذلك من جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَدَارٍ وَرِثُوهَا من أَبِيهِمْ كما لَا يُجْزِئُ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ رضي الْخَصْمُ وَذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا مَسْأَلَةً تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِهِ لها تَبَعًا له في الْعِتْقِ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْوَكَالَةِ من شَخْصٍ لِآخَرَ بِكَذَا وَآخَرُ بِالتَّفْوِيضِ أو التَّسْلِيطِ أو الْإِذْنِ له في التَّصَرُّفِ فيه لَا الْإِقْرَارَ بِالْوَكَالَةِ ثَبُتَتْ
____________________
(4/423)
أَيْ الْوَكَالَةُ لِاتِّحَادِ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ مَعْنَى بِخِلَافِهِمَا مع الْإِقْرَارِ وفي بَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قال وَكَّلْتُك بِكَذَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ أو سَلَّطَهُ عليه ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قال وَكَّلْتُك بِكَذَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ قال فَوَّضْت إلَيْك لم يَثْبُتْ أو شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالْوَكَالَةِ بِهِ وَبِقَبْضِ الثَّمَنِ ثَبَتَ الْبَيْعُ أَيْ الْوَكَالَةُ بِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عليها وَلَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ لِعَبْدٍ على بَيِّنَةِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ له فَقَطْ فَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ على آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى منه هذا الْعَبْدَ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَعْتَقَهُ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ منه وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً تَعَارَضَتَا وَذِكْرُ الْعِتْقِ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحًا وَلَوْ شَهِدَا في دَابَّةٍ حَدِيثَةٍ سِنًّا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ فيها كَأَنْ شَهِدَا أنها لِلْمُدَّعِي مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ فَظَهَرَ أَنَّ لها ثَلَاثُ سِنِينَ فَقَطْ لم تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمَا لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِمَا وَالْمُسَنَّاةُ الْحَائِلَةُ بين نَهْرِ رَجُلٍ وَأَرْضِ آخَرَ تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا كَالْجِدَارِ الْحَائِلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَجْمَعُ بها الْمَاءَ لِنَهْرِهِ وَالثَّانِي يَمْنَعُ بها الْمَاءَ عن أَرْضِهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ بِنَاءٌ يَمْنَعُ الْمَاءَ عن أَرْضِ شَخْصٍ وَيَجْمَعُهُ لِآخَرَ
وَلَوْ ادَّعَى على غَيْرِهِ مِائَةً فقال له قَبَضْت منها خَمْسِينَ لم يَكُنْ مُقِرًّا بِالْمِائَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ من الْمِائَةِ التي يَدَّعِيهَا وَلَيْسَ على غَيْرِ الْخَمْسِينَ وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ أو وَرَثَتُهُمَا أو أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الْآخَرِ في أَثَاثِ بِمُثَلَّثَتَيْنِ أَيْ مَتَاعُ بَيْتٍ يَسْكُنَا بِهِ مَثَلًا وَالْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ على الْأَثَاثِ لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ فَهُوَ لِمَنْ حَلَفَ عليه مِنْهُمَا فَإِنْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كان لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ له بها وَإِنْ كانت الْيَدُ عليه لِأَحَدِهِمَا حِسًّا أو حُكْمًا كَأَنْ كان في مِلْكِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَوْ صَلُحَ الْأَثَاثُ لِأَحَدِهِمَا كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ لِلرَّجُلِ وَالْحُلِيِّ لِلْمَرْأَةِ فإنه يَأْتِي فيه ما ذُكِرَ أو اخْتَلَفَ فيه الْمَالِكُ لِلْبَيْتِ وَالسَّاكِنُ فيه بِإِجَارَةٍ أو نَحْوِهَا صُدِّقَ السَّاكِنُ بِيَمِينِهِ أو في رَفٍّ مُسَمَّرٍ أو مُثَبَّتٍ فيه فَالْمَالِكُ هو
____________________
(4/424)
الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ من أَجْزَاءِ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَثَاثِ لِأَنَّ مَالِكَ الْبَيْتِ إذَا أَكْرَاهُ يُنْقَلُ الْأَثَاثُ ظَاهِرًا وَالرَّفُّ تَارَةً يُنْقَلُ وَتَارَةً يُتْرَكُ وَكُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْمَتَاعُ في الدَّارِ وَالْحَمْلُ في الْحَيَوَانِ وَالزَّرْعُ أو الْغَرْسُ أو الْبِنَاءُ في الْأَرْضِ يُثْبِتُ كُلٌّ منها الْيَدَ لِمَالِكِهِ فَلَوْ تَنَازَعَا دَارًا مَثَلًا وَلِأَحَدِهِمَا فيها مَتَاعٌ كانت الْيَدُ له نَظَرًا لِلْغَالِبِ من أَنَّ الظَّرْفَ تَابِعٌ لِلْمَظْرُوفِ وَمَحَلُّ ذلك إذَا لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ على الْمُتَنَازَعِ فيه وَبِهِ يَجْتَمِعُ ما هُنَا مع ما مَرَّ أَوَاخِرَ الصُّلْحِ من أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِكَوْنِ أَمْتِعَةِ أَحَدِهِمَا في الدَّارِ وَلَا يُثْبِتُهَا أَيْ الْيَدَ على عَبْدٍ ثَوْبٌ هو لَابِسُهُ لِمُدَّعِيهِ فَلَوْ تَنَازَعَاهُ وَلِأَحَدِهِمَا عليه ثَوْبٌ لم يُثْبِتْ يَدَهُ عليه لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الثَّوْبِ الْمَلْبُوسِ تَعُودُ إلَى الْعَبْدِ لَا إلَى الْمُدَّعِي وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ من اثْنَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَيْ أَنَّ فُلَانًا أَجَّرَهُ الدَّارَ قُدِّمَ أَقْدَمُهَا تَارِيخًا لِتَقَدُّمِهَا وَلَوْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ أَنَّ زَيْدًا ابْنُهُ أَيْ ابن فُلَانٍ وَآخَرَانِ لِعَمْرٍو أَنَّهُ ابْنُهُ وقال كُلٌّ من الْبَيِّنَتَيْنِ لَا نَعْرِفُ له وَارِثًا غَيْرُهُ ثُبِتَ نَسَبُهُمَا فَلَعَلَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ اطَّلَعَتْ على ما لم تَطَّلِعْ عليه الْأُخْرَى فَصْلٌ إذَا عُرِفَتْ ضَيْعَةٌ بِثَلَاثَةِ حُدُودٍ كَفَى ذِكْرُهَا وَهَذَا مُقَيَّدٌ لِمَا مَرَّ في بَابِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ من أَنَّهُ لَا بُدَّ من ذِكْرِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا أَنَّ الْعَقَارَ إذَا عُرِفَ بِوَاحِدٍ منها كَفَى ذِكْرُهُ وَبِهِ صُرِّحَ في الْكِفَايَةِ نَقْلًا عن الْقَاضِي وَيُؤَيِّدُهُ ما مَرَّ في الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ شُهْرَتَهُ إذَا أَغْنَتْ عن تَحْدِيدِهِ لم يَجِبْ تَحْدِيدُهُ وَلَوْ غَلَطَ الشُّهُودُ أو الْمُدَّعِي في حَدٍّ من الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ لم تَصِحَّ شَهَادَتُهُمْ أَيْ الشُّهُودُ وَلَا دَعْوَى الْمُدَّعِي فَلَوْ قال خَصْمُ الْمُدَّعِي له فِيمَا إذَا غَلَطَ في التَّحْدِيدِ لَا يَلْزَمُنِي دَارٌ صِفَتِهِ الْأَوْلَى صِفَتُهَا كَذَا كان صَادِقًا وإذا حَلَفَ كان بَارًّا أو قال له في ذلك لَا أَمْنَعُهُ إيَّاهَا سَقَطَتْ دَعْوَاهُ عنه وَلَهُ مع ذلك مَنْعُهُ من الدَّارِ التي بيده وَيَقُولُ له هِيَ غَيْرُ ما ادَّعَيْت وَإِنْ أتى الْمُدَّعِي بِالْحُدُودِ كما هِيَ لم يَمْنَعْهُ خَصْمُهُ منها إنْ قال لَا أَمْنَعُهُ منها فَإِنْ مَنَعَهُ منها وقال ظَنَنْته غَلَطَ في الْحُدُودِ لم يُقْبَلْ منه أو قال إنَّمَا قُلْت لَا أَمْنَعُهُ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ في مِلْكِي إلَى الْآنَ قُبِلَ منه بِيَمِينِهِ فَيَحْلِفُ عليه وَيَمْنَعُهُ منها بَعْدَ الْحَلِفِ وَلَوْ ادَّعَى عَبْدٌ على سَيِّدِهِ قبل التَّصَرُّفِ في شَيْءٍ من مَالِهِ بِبَيْعٍ أو شِرَاءٍ إذْنًا منه له في التِّجَارَةِ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ أو بَعْدَ ما اشْتَرَى ولم يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ أو بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَتَلِفَ بيده فَلِلْبَائِعِ في الْأُولَى إذَا طُلِبَ الثَّمَنُ من كَسْبِ الْعَبْدِ وَلِلْمُشْتَرِي في الثَّانِيَةِ إذَا طُلِبَ الْمَبِيعُ تَحْلِيفُ سَيِّدٍ لِلْعَبْدِ على نَفْيِ الْإِذْنِ إنْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ له في الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فإذا حَلَفَ فِيهِمَا حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ في الثَّانِيَةِ وَبِمِلْكِ السَّيِّدِ لِلْمَبِيعِ في الْأُولَى بِزَعْمِ الْبَائِعِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْعَبْدِ تَحْلِيفُهُ أَيْضًا لِيَسْقُطَ الثَّمَنُ عن ذِمَّتِهِ بِتَقْدِيرِ إقْرَارِ سَيِّدِهِ وَلَوْ حُكْمًا نعم إنْ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ في الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ تَحْلِيفُ السَّيِّدِ وَكَذَا لو لم يَقْبِضْ الثَّمَنَ في الثَّانِيَةِ وَأَحَالَ بِهِ وَحَلَفَ السَّيِّدُ لِلْمُشْتَرِي ذَكَرَ ذلك كُلَّهُ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ وَنَقَلَ عنه الْأَصْلُ غَالِبَهُ وَأَقَرَّهُ وما عُلِمَ منه من الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ في الْأُولَى قد يَسْتَشْكِلُ بِالْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِ فِيمَا لو اشْتَرَى شَخْصٌ لِزَيْدٍ شيئا بِوَكَالَتِهِ بِذِكْرِهِ وَسَمَّاهُ أو نَوَاهُ في الْعَقْدِ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فيها فَأَنْكَرَهَا زَيْدٌ وَحَلَفَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعَبْدَ أَقْوَى في تَحْصِيلِ الْمِلْكِ لِلسَّيِّدِ من الْوَكِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمُوَكِّلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ إكْسَابَهُ تَدْخُلُ في مِلْكِهِ قَهْرًا وَإِنْ لم يَأْذَنْ له فيها أَمَّا إذْ لم يَحْلِفْ السَّيِّدُ بَلْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ فَلِلْبَائِعِ أو الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ من كَسْبِ الْعَبْدِ الذي بيده أو الْمَبِيعِ وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا بِأَلْفٍ ادَّعَاهُ لِيَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ فَأَقَامَ خَصْمُهُ شَاهِدًا بِإِقْرَارِهِ أَنْ لَا شَيْءَ له عليه حَلَفَ خَصْمُهُ مع شَاهِدِهِ وَسَقَطَتْ دَعْوَاهُ أَيْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ غَاصِبٍ غَاصِبَةَ وَإِنْ سَفَلَ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إنْ ادَّعَى الْمَالِكُ عليه أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ بِصِفَةِ كَذَا أو قِيمَتِهِ وَهِيَ كَذَا أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدَّ الْعَيْنِ وَلَا قِيمَتَهَا لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَعَدَمِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ إنْ قَدِرَ على الِانْتِزَاعِ لَزِمَهُ الِانْتِزَاعُ وَالرَّدُّ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَعَدَلَ عن قَوْلِ
____________________
(4/425)
الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ وَلَيْسَ على الْأَوَّلِ إلَى ما قَالَهُ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ لِقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَالتَّعْلِيلُ نَاطِقٌ بِهِ وَتَكْفِي الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ أَيْ الْمُدَّعِي لِدَارٍ اشْتَرَاهَا من مَالِكٍ لها وَإِنْ لم يَشْهَدُوا بِمِلْكِ الْمُدَّعِي لها الْآنَ قال الْأَذْرَعِيُّ لَعَلَّ هذا مُنَزَّلٌ على ما إذَا دَلَّتْ الشَّهَادَةُ على مِلْكِ الْمُدَّعِي لِمَا ادَّعَاهُ في الْحَالِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الشَّهَادَةِ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ من زَيْدٍ وهو يَمْلِكُهَا ليس فيه تَعَرُّضٌ لِمِلْكِ الْمُدَّعِي لها الْآنَ
وَيَدَّعِي الْمَالِكُ على من غَصَبَ مِلْكَهُ الْمَرْهُونَ من يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّ لي عِنْدَهُ ثَوْبًا مَثَلًا صِفَتُهُ كَذَا وأنه يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيَّ وَلَهُ ذِكْرُ كَوْنِهِ مَرْهُونًا بِأَنْ يَقُولَ كُنْت رَهَنْته عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا بَعْدُ في قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيَّ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ الرَّاهِنِ وَلِهَذَا لو نُوزِعَ في الْمَرْهُونِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ كان بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُهُ وَلِمَنْ عَرَفَ تَنَاكُحَ وَالِدَيْ شَخْصٍ وَحُرِّيَّةَ أُمِّهِ الشَّهَادَةُ له بِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَإِنْ لم يُشَاهِدْ الْوِلَادَةَ كما تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ ابن فُلَانٍ لَا الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ لِغَرِيبٍ دخل بَلَدًا أو نَحْوَهُ فَلَا تَجُوزُ وَإِنْ ادَّعَى الْخَارِجُ شِرَاءَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ من الدَّاخِلِ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وادعى الدَّاخِلُ أَنَّهُ وَهَبَهَا من الْخَارِجِ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا أو أُرِّخَتَا بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا وَتُقَرُّ الْعَيْنُ في يَدِ الْخَارِجِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اسْتَحَقَّتْ وَأُخِذَتْ منه أو ظَهَرَتْ مَعِيبَةٌ وَأَرَادَ رَدَّهَا لم يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ فَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ فَالْمُتَأَخِّرَةُ أَوْلَى قَالَهُ الْقَفَّالُ وَلَوْ تَنَازَعَا أَيْ اثْنَانِ دَارًا وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي لها أنها مِلْكُهُ وَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من آخَرَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالشِّرَاءِ فَقَطْ أَيْ دُونَ أَنَّهُ كان يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّ الذي بَاعَهُ إيَّاهَا بَاعَهَا منه وَهِيَ مِلْكُهُ الْأَوْلَى وَالْأَنْسَبُ بِكَلَامِ أَصْلِهِ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ كان يَمْلِكُهَا يوم بَيْعِهَا منه جُعِلَتَا كَبَيِّنَةٍ وَتَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا أَيْ بَيِّنَةُ الْأَوَّلِ وَبَيِّنَةُ الثَّانِي الْحَاصِلَةِ من بَيِّنَتَيْهِ وَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً على زَيْدٍ بِمِلْكِ دَارٍ وَانْتَزَعَهَا منه ثُمَّ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من زَيْدٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِلْكُهُ قُضِيَ بها لِلْآخَرِ وكان كما لو أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ قبل الِانْتِزَاعِ منه وَإِنْ أَثْبَتَ الثَّانِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الْحُكْمِ له بها لم تَحْتَجْ بَيِّنَتُهُ في الْحُكْمِ له بها على الْأَوَّلِ أَنْ تَقُولَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا منه وَهِيَ مِلْكُهُ أو أَثْبَتَ ذلك قبل الْحُكْمِ لِلْأَوَّلِ بها فَلَوْ قالوا أَيْ شُهُودُهُ اشْتَرَاهَا منه وَهِيَ مِلْكُهُ اُنْتُزِعَتْ من ذِي الْيَدِ وَقُضِيَ بها لِلثَّانِي وَإِنْ لم تَتَعَرَّضْ بَيِّنَتُهُ لِلْمِلْكِ سُمِعَتْ على الْأَوَّلِ فإذا حُكْمَ بها لِلْمُدَّعِي الْأَوَّلِ اُنْتُزِعَتْ لِلثَّانِي وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَلِمُدَّعٍ على ذِي الْيَدِ شِرَاءُ دَارٍ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا من ذِي الْيَدِ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ ذلك أَنْ يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِالْبَيْعَيْنِ وَلَهُ أَنْ يُفْرِدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِبَيِّنَةِ وَإِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ لم يَضُرَّ وَلِمَنْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ تَبَدَّلَتْ حُدُودُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يُثْبِتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ وَقْتَ كَذَا وَالْحُدُودُ يَوْمَئِذٍ كَذَا ثُمَّ يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أُخْرَى بِكَيْفِيَّةِ
____________________
(4/426)
التَّبَدُّلِ لِلْحُدُودِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الدَّارَ التي كانت بِيَدِ فُلَانٍ الْمَحْدُودِ بها انْتَقَلَتْ إلَى فُلَانٍ وَاَلَّتِي كانت بِيَدِ فُلَانٍ انْتَقَلَتْ إلَى فُلَانٍ وَهَكَذَا لِيُقْضَى له بِالدَّارِ الْمُدَّعَاةِ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وما ذُكِرَ من اعْتِبَارِ بَيِّنَةٍ أُخْرَى مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا لم يُمْكِنْ شُهُودُ الشِّرَاءِ تَشْخِيصَ الْحُدُودِ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ ذلك بِحُضُورِ الْحَاكِمِ أو نَائِبِهِ فيه فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيِّنَةٍ أُخْرَى بِالِانْتِقَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ وقد لَا يَجِدُهَا فَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً على غَيْرِهِ بِمِلْكِ دَارٍ فقال له الْقَاضِي هِيَ مِلْكٌ لِفُلَانٍ بِعِلْمِي فَأَثْبِتْ الشِّرَاءَ لك منه انْدَفَعَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ إذْ ليس لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ وَإِنْ كان لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ في هذه لِوُجُودِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُخَالِفُ عِلْمُهُ وَإِنْ ادَّعَى عليه دَارًا فقال لَيْسَتْ في يَدِي أو لَا أَمْنَعُك منها فَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي في ذلك لم يُلْتَفَتْ إلَيْهِ بَلْ يَذْهَبُ أَيْ الْمُدَّعِي إلَيْهَا فَإِنْ مَنَعَهُ أَحَدٌ منها ادَّعَى عليه وَإِلَّا فَلَا مُنَازَعَةَ وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ في أو لَا أَمْنَعُك أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَاوِ فَإِنْ بَاعَ دَارًا فَقَامَتْ بَيِّنَةُ الْحِسْبَةِ بِوَقْفِهَا عليه ثُمَّ على أَوْلَادِهِ ثُمَّ على الْمَسَاكِينِ ثَبَتَ الْوَقْفُ لها وَنُزِعَتْ من الْمُشْتَرِي وَرَدَّ عليه الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَتُوقَفُ الْغَلَّةُ الْحَاصِلَةُ في حَيَاةِ الْبَائِعِ فَإِنْ صَدَّقَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَخَذَهَا وَإِلَّا صُرِفَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَى الْوَقْفِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِبَيِّنَةِ الْحِسْبَةِ أَنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بها إذَا كان على مُعَيَّنٍ وهو وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْجِهَةَ الْعَامَّةَ في هذا الْمَوْضِعِ مَوْجُودَةٌ فَفِيهِ نَظَرٌ وَكَلَامٌ آخَرْ وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ وَقْفَهَا ولم يَكُنْ قال حين الْبَيْعِ هِيَ مِلْكِي سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ وَبَيِّنَتُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ قال ذلك لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتَهُ وَتَقْيِيدُ سَمَاعِ دَعْوَاهُ بِكَوْنِهِ لم يَقُلْ ذلك من زِيَادَتِهِ أُخِذَ من الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمُ سَمَاعِهَا فِيهِمَا إذَا لم يذكر تَأْوِيلًا وَلَوْ قال الْبَائِعُ لِلْمُشَتِّرِي منه بِعْتُك وأنا لَا أَمْلِكُهُ وَالْآنَ قد مَلَكْته الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ وَلِمَا يَأْتِي وأنا لَا أَمْلِكُهَا وَالْآنَ قد مَلَكْتهَا ولم يَكُنْ قال حين الْبَيْعِ هِيَ مِلْكِي سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ له بَيِّنَةٌ حَلَّفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا وَهِيَ مِلْكُهُ وَإِنْ كان قال ذلك لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتَهُ فَصْلٌ في فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لو ادَّعَى عليه عَشَرَةً فقال لَا تَلْزَمُنِي الْيَوْمَ لم يَكُنْ مُقِرًّا بها لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَثْبُتُ بِالْمَفْهُومِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْجَوَابَ مَقْبُولٌ وَالصَّحِيحُ كما مَرَّ في جَوَابٍ لِدَعْوَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ إلَّا إذَا نُفِيَ كُلُّ جُزْءٍ منها فيقول لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمَ شَيْءٍ منها قُلْت الْقَاضِي مَاشٍ على طَرِيقَتِهِ من صِحَّةِ الْجَوَابِ بِذَلِكَ على أَنَّ الْكَلَامَ ليس فيه بَلْ في أَنَّهُ هل يَكُونُ إقْرَارًا أو لَا وَلَهُ تَحْلِيفُهُ وَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ مُطَالَبَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ بَعْدَ الْيَوْمِ كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَأَنَّهُ تَتَعَارَضُ بَيِّنَةُ وَقْفٍ وبينة مِلْكٍ كَبَيِّنَتِي الْمِلْكِ فَلَا تُقَدَّمُ
____________________
(4/427)
بَيِّنَةُ الْوَقْفِ وأنه إنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَلَهَا أَخٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجٌ يُسَاكِنُهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الْمَتَاعَ له صُدِّقَ في النِّصْفِ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَهُ بِحُكْمِ الْيَدِ وَجُعِلَ النِّصْفُ لِلْمَيِّتَةِ نعم يُسْتَثْنَى من التَّنْصِيف ثِيَابُ بَدَنِهَا التي عليها لِأَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ بِالْيَدِ عليها فَيَحْلِفُ وَارِثُهَا عليها قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ يُسَاكِنُهَا ما إذَا لم يُسَاكِنْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في شَيْءٍ إذْ لَا يَدَ له وَيَحْلِفُ الزَّوْجُ لِكُلِّ من حَضَرَ مِنْهُمَا أَيْ الْأَخُ وَالْأُخْتُ يَمِينًا فَإِنْ أَثْبَتَتْ الْأُخْتُ بَعْدَ حَلِفِهِ لها لِكَوْنِهَا الْحَاضِرَةِ وَالْأَخِ غَائِبًا أَنَّهُ أَيْ الْمَتَاعُ لها وَلِأَخِيهَا ثَبَتَ لَهُمَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في الْبَابِ الرَّابِعِ في الشَّاهِدِ مع الْيَمِينِ وأنه لَا يُطْلَقُ حَبِيسٌ بِحَبْسِ الْقَاضِي إلَّا بِثُبُوتِ إعْسَارِهِ أو رِضَا خَصْمِهِ وَبَعْدَ رِضَاهُ بِإِطْلَاقِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِإِعْسَارِهِ لِأَنَّهُ لَا حَبْسَ عليه حِينَئِذٍ بِخِلَافِ ما إذَا اسْتَحَقَّ حَبَسَهُ وَمَنْ عَرَفَ عَادَةً قَدِيمَةً بِإِجْرَاءِ مَاءٍ أو طَرْحِ ثَلْجٍ في مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا مَانِعٍ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِمُدَّعِيهِ وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ بِهِ إنْ صَرَّحَ بِالْعَادَةِ بِأَنْ يَقُولَ رَأَيْت ذلك سِنِينَ وَإِنْ كان ذلك مُسْتَنَدَ شَهَادَتِهِ على ما مَرَّ فَصْلٌ سُئِلَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ عن رَجُلٍ حُكِمَ له بِمِلْكِ دَارٍ فَادَّعَى آخَرُ وَقْفَهَا عليه وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَأَثْبَتَ الْأَوَّلُ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْحُكْمِ له بِالْمِلْكِ وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْحُكْمِ له بِصِحَّةِ الْوَقْفِ قبل الْحُكْمِ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ وَلَا يَدَ لِأَحَدِهِمَا هل يَثْبُتُ الْوَقْفُ أو الْمِلْكُ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ ثَبَتَ الْوَقْفُ دُونَ الْمِلْكِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ بَيِّنَةُ الْوَقْفِ من حَيْثُ هو على الْمِلْكِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وهو خِلَافُ ما مَرَّ عن الْقَاضِي من أَنَّ بَيِّنَتِي الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ يَتَعَارَضَانِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَتَعَارَضَانِ إذَا لم يَخْتَلِفْ تَارِيخُهُمَا وَلَزِمَهُ أَيْ مُدَّعِي الْمِلْكِ أُجْرَةُ مِثْلُ مُدَّةِ وُقُوفِهِ الْأَوْلَى وُقُوفِهَا أَيْ الدَّارُ أَيْ مُدَّةُ إقَامَتِهَا تَحْتَ يَدِهِ وَإِنْ وُقِفَ مِلْكًا له وَأُقِرَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ بِصِحَّتِهِ ولم يُعِينُهُ ثُمَّ رَجَعَ عنه وَرُفِعَ الْأَمْرُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى جَوَازًا لِرُجُوعٍ عنه كَحَنَفِيٍّ فَهَلْ له الْحُكْمُ بِنُفُوذِ الرُّجُوعِ أو لَا فَأَجَابَ عنه صَاحِبُ التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ لم يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ تَنْفِيذُ رُجُوعِهِ أَيْ الْحُكْمُ بِنُفُوذِ رُجُوعِهِ مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ أَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمَنْ لَا يَرَى الرُّجُوعَ فَلَيْسَ له ذلك وَإِنْ لم يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ فَصْلٌ مَنْقُولٌ من فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ لو ادَّعَى دَارًا على من هِيَ بيده فذكر أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من زَيْدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ زَيْدٍ له بها قبل الْبَيْعِ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عليه بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بها لِزَيْدٍ قبل الْبَيْعِ وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا مَعْلُومٌ قُرِّرَتْ في يَدِ الْمُدَّعَى عليه لِاعْتِضَادِ بَيِّنَتِهِ بِالْيَدِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ مَبِيعًا فقال الْمُشْتَرِي سَلَّمْت الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ في الْمَجْلِسِ أَيْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَيْ الْمُشْتَرِي لم يُسَلِّمْ ه في الْمَجْلِسِ شيئا سُمِعَتْ هذه الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ النَّفْيَ إذَا كان في مَحْصُورٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ وفي نُسْخَةٍ لم تُسْمَعْ وهو الْمَنْقُولُ عن الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا لَكِنَّ النَّوَوِيَّ بَعْدَ هذا بِقَلِيلٍ رَدَّهُ وقال الصَّوَابُ أَنَّ النَّفْيَ إذَا كان في مَحْصُورٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا وَطَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَطَالَبَتْ ه بِنِصْفِ الْمَهْرِ أو ادَّعَتْ نِكَاحَ فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَطَلَبَتْ الْإِرْثَ منه ثُبِتَ ذلك بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ
____________________
(4/428)
أو رَجُلٍ وَيَمِينٍ وَإِنْ لم يَثْبُتْ بِهِمَا النِّكَاحُ لِأَنَّ قَصْدَهَا الْمَهْرُ في الْأُولَى وَالْإِرْثُ في الثَّانِيَةِ وَقَاسَهُ الْغَزَالِيُّ على مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ على الْغَصْبِ فإن الْمَالَ يَثْبُتُ فِيهِمَا وَإِنْ لم يُقْطَعْ السَّارِقُ ولم يَقَعْ الطَّلَاقُ فَصْلٌ في فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أنها لو أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِنِكَاحٍ من سَنَةٍ وَأَثْبَتَ آخَرُ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِنِكَاحِهَا من شَهْرٍ حُكِمَ لِلْمُقِرِّ له لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ بِإِقْرَارِهَا النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فما لم يَثْبُتْ الطَّلَاقُ لَا حُكْمَ لِلنِّكَاحِ الثَّانِي وأنه إنْ قال الْمُحَكِّمُ في النِّكَاحِ لِلْبِكْرِ قد حَكَّمْتِنِي لَأَنْ أُزَوِّجَك هذا فَسَكَتَتْ كان سُكُوتُهَا إذْنًا منها له فيه كما لو اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ وأنه ليس لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ رَجُلًا من ادَّعَتْ عِنْدَهُ طَلَاقًا من نِكَاحِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ أو مَوْتِهِ عنها حتى يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِهِ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ له بِالنِّكَاحِ فَصْلٌ عن ابْنِ الْقَاصِّ أَنَّ من أَنْكَرَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنِّي ما قُلْت لها إنْ فَعَلْت كَذَا كَدُخُولٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا اُدُّعِيَ بِهِ عليه فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا هِيَ بَائِنٌ مِنِّي بِثَلَاثٍ فَقَدْ يَتَأَوَّلُ أَيْ يَحْلِفُ مُتَأَوِّلًا على مَذْهَبِ الْحَجَّاجِ بن أَرْطَاةَ وَتَابِعِيهِ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ مَعًا أو على قَوْلِ من يُصَحِّحُ الدُّورَ فَيُشَدِّدُ عليه لِيَتَعَرَّضَ لِلْحَادِثَةِ قال في الْأَصْلِ مع نَقْلِهِ هذا عن ابْنِ الْقَاصِّ وقال الشَّيْخُ أبو زَيْدٍ يَكْفِيهِ أنها لم تُبِنْ منه بِثَلَاثٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ قال لم تُبِنْ مِنِّي حَلَفَ عليه وَإِنْ قال لم أَحْلِفْ بِطَلَاقِهَا حَلَفَ عليه أَيْ وَإِنْ قَالَهُمَا حَلَفَ عَلَيْهِمَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاصِّ عليه وما قَالَهُ أبو زَيْدٍ أَخْصَرُ وَالتَّأْوِيلُ لَا يَنْفَعُ الْحَالِفُ
____________________
(4/429)
بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي كما مَرَّ وَإِنْ ادَّعَى عليه وَدِيعَةً لم يَكْفِ أَنْ يَقُولَ في الْجَوَابِ لَا يَلْزَمُنِي الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَا دَفْعَ عليه وَإِنَّمَا عليه التَّخْلِيَةُ بَلْ يقول في الْجَوَابِ ما أَوْدَعْتنِي أو تَلِفَتْ في يَدِي أو رَدَدْتهَا إلَيْك وما وَقَعَ في كَلَامِهِمْ مِمَّا ظَاهِرُهُ أَنَّ ذلك يَكْفِي مُؤَوَّلٌ كما بَيَّنَهُ في الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَثْبَتَ شَخْصٌ على آخَرَ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ سَفِينَةٍ له بِدِينَارٍ وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا منه بِهِ تَعَارَضَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ أو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِشَخْصٍ على آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ في وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ كان ذلك الْوَقْتَ عِنْدَنَا ولم يَغِبْ عَنَّا وَأَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ تَعَارَضَتَا بِنَاءً على أَنَّ النَّفْيَ إذَا كان في مَحْصُورٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ كما مَرَّ وَإِنْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ الدَّارَ مِلْكِي وَفُلَانٌ أَيْ الْمُدَّعَى عليه يَمْنَعُنِي منها تَعَدِّيًا لم يَكُنْ مُقِرًّا له بِالْيَدِ وَهَذَا طَرِيقٌ يَسْلُكُهُ من أَرَادَ أَنْ يَدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ من غَيْرِ أَنْ يُقِرَّ لِلْمُدَّعَى عليه بِالْيَدِ وَظَاهِرُ كَلَامُهُ أَنَّ جَمِيعَ ما في الْفَصْلِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ الْقَاصِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَقَلَ عنه الْأُولَى فَقَطْ وَنَقَلَ ما عَدَاهَا عن الْعَبَّادِيِّ الْبَابُ السَّابِعُ في إلْحَاقِ الْقَائِفِ النَّسَبُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ من عِلْمِ ذلك وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت دخل عَلَيَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فقال أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دخل عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قد غَطَّيَا بها رُءُوسَهُمَا وقد بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فقال إنَّ هذه الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا
____________________
(4/430)
من بَعْضٍ فَإِقْرَارُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ذلك يَدُلُّ على أَنَّ الْقِيَافَةَ حَقٌّ وَسَبَبُ سُرُورِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا قال مُجَزِّزٌ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ في نَسَبِ أُسَامَةَ لِأَنَّهُ كان طَوِيلًا أَسْوَدَا أَقْنَى الْأَنْفِ وكان زَيْدٌ قَصِيرًا بين السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَخْنَسَ الْأَنْفِ وكان طَعْنُهُمْ مُغَايَظَةً له صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ كَانَا حَبِيبُهُ فَلِمَا قال الْمُدْلِجِيُّ ذلك وهو لَا يَرَى إلَّا أَقْدَامَهُمَا سُرَّ بِهِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْأَئِمَّةِ وقال أبو دَاوُد أَنَّ زَيْدًا كان أَبْيَضُ وَشَرْطُهُ أَيْ الْقَائِفُ لِيُعْمَلَ بِقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا حُرًّا ذَكَرًا بَصِيرًا نَاطِقًا مُجَرِّبًا كَالْحَاكِمِ وَالتَّجْرِبَةُ له كَالْفِقْهِ لِلْحَاكِمِ وَإِنْ لم يَكُنْ مُدْلِجِيًّا أَيْ من بَنِي مُدْلِجٍ وَهُمْ بَطْنُ من خُزَاعَةَ وَيُقَالُ من أَسَدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعٌ من الْعِلْمِ فَكُلُّ من عَلِمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ
وَيَكْفِي وَاحِدٌ كَالْحَاكِمِ وَالْمُفْتِي وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَيُقْبَلُ إثْبَاتُ الْقَائِفِ الْوَلَدَ لِعَدُوِّهِ لَا لِلْآخَرِ الْمُنَازِعُ لِعَدُوِّهِ لِأَنَّهُ كَالشَّهَادَةِ لِعَدُوِّهِ في الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ في الثَّانِي وَبِعَكْسِهِ أُبُوَّةُ فَيُقْبَلُ إثْبَاتُهُ الْوَلَدَ لِغَيْرِ أبيه لَا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ كَالشَّهَادَةِ على أبيه في الْأَوَّلِ وَلَهُ في الثَّانِي وَخُرِجَ بِإِثْبَاتِ النَّفْيِ فَهُوَ بِالْعَكْسِ مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ كان الْقَائِفُ قَاضِيًا حُكِمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَالتَّجْرِبَةُ أَيْ كَيْفِيَّتُهَا أَنْ يُعْرَضَ عليه وَلَدٌ في نِسْوَةٍ ليس فِيهِنَّ أُمَّهُ مَرَّتَيْنِ كَذَا وَقَعَ في نُسَخِ الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ وَاَلَّذِي في نُسَخِهَا الصَّحِيحَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فقال وَكَيْفِيَّةُ التَّجْرِبَةِ أَنْ يُعْرَضَ عليه وَلَدٌ في نِسْوَةِ ليس فِيهِنَّ أُمَّهُ ثُمَّ في نِسْوَةٍ ليس فِيهِنَّ أُمَّهُ ثُمَّ في نِسْوَةٍ ليس فِيهِنَّ أُمَّهُ ثُمَّ في نِسْوَةٍ هِيَ فِيهِنَّ فَيُصِيبُ في الْكُلِّ أو أَنْ يُجْمَعَ أَصْنَافٌ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَيْ أَحَدُهُمَا وفي كل صِنْفٍ منهم أو في بَعْضِهِمْ وَلَدٌ لِبَعْضِهِمْ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَوْلَى من الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَائِفَ فيه قد يُعْلَمُ بِأَنَّهُ ليس في الثَّلَاثَةِ الْأُولَى أُمَّهُ فَلَا يَبْقَى فيها فَائِدَةً وقد تَكُونُ أَصَابَتُهُ في الرَّابِعَةِ اتِّفَاقًا فَلَا يُوثَقُ بِتَجْرِبَتِهِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي مع ذِكْرِ أَوْلَوِيَّتِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَارِزِيُّ مُوَجِّهًا الْأَلْوِيَةُ بِمَا ذَكَرْته وَذَكَرَ الْأَصْلُ على الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ التَّجْرِبَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْأُمِّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْرَضَ عليه الْمَوْلُودُ مع أبيه في رِجَالٍ لَكِنْ الْعَرْضُ مع الْأُمِّ أَوْلَى قال الْبَارِزِيُّ
وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وقال الْإِمَامُ الْعِبْرَةُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وقد تَحْصُلُ بِدُونِ ثَلَاثٍ وإذا حَصَلَتْ التَّجْرِبَةُ اعْتَمَدْنَا إلْحَاقَهُ وَلَا تُجَدَّدُ التَّجْرِبَةُ لِكُلِّ إلْحَاقٍ وإذا تَدَاعَيَا مَجْهُولًا من لَقِيطٍ أو غَيْرِهِ عُرِضَ عليه أَيْ الْقَائِفُ كما مَرَّ في اللَّقِيطِ مع زِيَادَتِهِ وَكَذَا لو اشْتَرَكَا في وَطْءٍ لِامْرَأَةٍ يُثْبَتُ النَّسَبُ بِأَنْ يَكُونَ بِنِكَاحٍ أو شُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا كَوْنِهِ مِنْهُمَا أَيْ من كُلٍّ مِنْهُمَا فإنه يُعْرَضُ على الْقَائِفِ وَإِنْ لم يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ إلْحَاقِهِ بِهِمَا وَنَفْيِهِ عنهما وَذَلِكَ كَوَطْءِ مُشْتَرٍ من غَيْرِ أَمَةِ مَوْطُوءَةٍ له بِلَا اسْتِبْرَاءٍ لها مِنْهُمَا بِأَنْ وَطِئَاهَا في طُهْرٍ وَاحِدٍ وَكَوَطْءِ مَنْكُوحَةٍ بِشُبْهَةِ وَيُفَارِقُ ما لو نَكَحَ امْرَأَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فإنه يُلْحَقُ بِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنِهِ من الْأَوَّلِ أَيْضًا بِأَنَّ الْعِدَّةَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ في الْبَرَاءَةِ عن الْأَوَّلِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَإِنْ وَلَدَتْ من اشْتَرَكَ في وَطْئِهَا في طُهْرٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَلَدًا مُمْكِنًا مِنْهُمَا لِمَا بين سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ من الْوَطْأَيْنِ وَادَّعَيَاهُ بَلْ أو لم يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كما يُعْلَمُ من فَصْلِ
____________________
(4/431)
عَدِمِ الْقَائِفِ عُرِضَ على الْقَائِفِ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ بين الْوَطْأَيْنِ حَيْضَةٌ سَقَطَ حَقُّ الْأَوَّلِ لِظُهُورِ الْبَرَاءَةِ بها عنه إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ زَوْجًا قَائِمَ الْفِرَاشِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ لِأَنَّ إمْكَانَ الْوَطْءِ مع الْفِرَاشِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ بَعْدَ الْحَيْضَةِ بِخِلَافِ ما لو كان في نِكَاحٍ فَاسِدٍ كما شَمَلَهُ الْمُسْتَثْنَى منه لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَصِيرُ فِرَاشًا فيه بِالْوَطْءِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُتَدَاعِيَانِ أو الْوَاطِئَانِ مُسْلِمَيْنِ أَمْ حُرَّيْنِ أَمْ مُخْتَلِفَيْ الْحَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لو فَارَقَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ وَطِئَهَا الثَّانِي سَقَطَ حَقُّ الزَّوْجِ وَلَحِقَ الْوَلَدُ الثَّانِي وهو كَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا عُرِضَ على الْقَائِفِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ فَصْل لو ادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَ مُزَوِّجَةَ بِغَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَى أَنَّ الْوَلَدَ منه لم يُعْرَضْ على الْقَائِفِ بَلْ هو لَاحِقٌ بِالزَّوْجِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجَانِ على الْوَطْءِ ما لم يُقِمْ بَيِّنَةً له بِالْوَطْءِ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا في النَّسَبِ وَتَصْدِيقِهِمَا ليس بِحُجَّةٍ عليه فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عُرِضَ على الْقَائِفِ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من اشْتِرَاطِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِالْوَطْءِ لم يَذْكُرْهُ في اللِّعَانِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ثُمَّ على أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ قال إنَّ ذلك بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَصْدِيقَ الزَّوْجِ في الْوَطْءِ كَافٍ في الْعَرْضِ على الْقَائِفِ ولم يَتَعَرَّضُوا لِاشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ وَيُعْرَضُ عليه بِتَصْدِيقِهِ مُدَّعِي الْوَطْءِ عليه إنْ بَلَغَ ولم يُقِمْ بَيِّنَةً لِأَنَّ الْحَقَّ له وَإِنْ اسْتَلْحَقَ مَجْهُولًا نَسَبَهُ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَنْكَرَتْهُ زَوْجَتُهُ لَحِقَهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ دُونَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ من وَطْءِ شُبْهَةٍ أو زَوْجَةٍ أُخْرَى وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَالْحَالَةُ هذه امْرَأَةٌ أُخْرَى دُونَ زَوْجِهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَنْكَرَ زَوْجُهَا وَأَقَامَ زَوْجُ الْمُنْكِرَةِ وَزَوْجَةُ الْمُنْكِرِ بَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَسَاقَطَانِ وَيُعْرَضُ على الْقَائِفِ الذي في الْأَصْلِ فَهَلْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى أَمْ بَيِّنَتُهَا أَمْ يَتَعَارَضَانِ أَمْ يُعْرَضُ على الْقَائِفِ فلما رَأَى الْمُصَنِّفُ الْأَخِيرَيْنِ يَرْجِعَانِ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ عَبَّرَ عنهما بِمَا قَالَهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أُخِذَ مِمَّا مَرَّ في بَابِ اللَّقِيطِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بها لَحِقَهَا دُونَ زَوْجِهَا أو بِالرَّجُلِ لَحِقَهُمَا أَيْ الرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ وَقَوْلُهُ لَحِقَهَا دُونَ زَوْجِهَا ضَعِيفٌ وقال الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَقَدْ مَرَّ في اللَّقِيطِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ أَمَّا إذَا لم يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قال في الْأَصْلِ فَهَلْ أُمُّهُ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةِ أَمْ يُعْرَضُ على الْقَائِفِ فَيُلْحِقَهُ بِأَحَدِهِمَا فيه أَوْجُهٌ انْتَهَى قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ليس وَلَدُ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا فَقَدْ سَبَقَ قبل هذا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اُسْتُلْحِقَ وَلَدًا لَا يَلْحَقُ زَوْجَتَهُ على الصَّحِيحِ وفي اللَّقِيطِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهَا على الصَّحِيحِ فَصْلٌ لو عَدِمَ الْقَائِفُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كما مَرَّ في الْعَدَدِ أو أُشْكِلَ عليه الْحَالُ بِأَنْ تَحَيَّرَ أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا أو نَفَاهُ عنهما وُقِفَ أَمْرُهُ حتى يَبْلُغَ عَاقِلًا وَيَخْتَارُ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا بِحَسْبِ
____________________
(4/432)
الْمَيْلِ الذي يَجِدُهُ وَيُحْبَسُ لِيَخْتَارَ إنْ امْتَنَعَ من الِانْتِسَابِ إنْ لم يَجِدْ مَيْلًا إلَى أَحَدِهِمَا فَيُوقِفُ الْأَمْرَ بِلَا حَبْسٍ إلَى أَنْ يَجِدَ مَيْلًا نعم إنْ سُئِلَ فَسَكَتَ قال الْإِسْنَوِيُّ فَيَتَّجِهُ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُ قَائِفٍ عن إلْحَاقِهِ الْوَلَدَ بِأَحَدِهِمَا إلَّا قبل الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عنه كما في رُجُوعِ الشُّهُودِ ثُمَّ لَا يُصَدِّقُ لِلْآخَرِ أَيْ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ في حَقِّهِ لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ
وَكَذَا لَا يُصَدِّقُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ إمْكَانِ تَعَلُّمِ له فيها مع امْتِحَانٍ له لِذَلِكَ وما ذَكَرَهُ تَبَعًا لِمُخْتَصَرَيْ الرَّوْضَةِ من أَنَّ له الرُّجُوعَ قبل الْحُكْمِ مع ما رَتَّبَهُ عليه من قَوْلِهِ ثُمَّ لَا يُصَدِّقُ لِلْآخَرِ ضَعِيفٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ حَيْثُ قال بَعْدَ تَصْحِيحٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَقِيلَ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ لم يُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَ لَكِنْ في حَقِّ الْآخَرِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَسَبَبُ وُقُوعِهِمْ في ذلك سُقُوطُ لَفْظَةٍ تَدُلُّ على الْمُرَادِ من بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ اخْتَارُوا ما اخْتَارَهُ ابن الرِّفْعَةِ فإنه قال في مَطْلَبِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامِ الْأَصْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذلك اخْتِلَافًا فَالْإِمْكَانُ حَمْلُ النَّقْلَيْنِ على حَالَيْنِ وَذِكْرِ ما تَقَدَّمَ
وَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ قَائِفٍ بِقَوْلِ قَائِفٍ آخَرَ فَلَوْ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ آخَرُ بِالْآخَرِ لم يَسْقُطْ قَوْلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَوْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ التَّوْأَمَيْنِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ أَلْحَقَ أَحَدُهُمَا بِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ بِالْآخِرِ بَطُلَ قَوْلُهُ حتى يُمْتَحَنَ وَيَغْلِبَ على الظَّنِّ صِدْقِهِ فَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ كما لو أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِاثْنَيْنِ وَكَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ قَائِفَيْنِ اخْتَلَفَا في الْإِلْحَاقِ حتى يُمْتَحَنَا وَيَغْلِبَ على الظَّنِّ صَدَقَهُمَا وَيَلْغُو انْتِسَابُ بَالِغٍ أو تَوْأَمَيْنِ إلَى اثْنَيْنِ فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ التَّوْأَمَيْنِ إلَى الْآخَرِ قُبِلَ وَيُؤْمَرُ الْبَالِغُ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا وَمَتَى أَمْكَنَ كَوْنِهِ مِنْهُمَا عُرِضَ على الْقَائِفِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ أو أَنْكَرَاهُ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقٌّ في النَّسَبِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِنْكَارِ من غَيْرِهِ وَيُنْفِقَانِهِ أَيْ يُنْفِقَانِ عليه إلَى أَنْ يُعْرَضَ على الْقَائِف أو يُنْتَسَبَ وَيَرْجِعُ بها أَيْ بِالنَّفَقَةِ من لم يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ على من لَحِقَهُ إنْ أَنْفَقَ عليه بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ولم يَدَّعِ الْوَلَدَ كما مَرَّ في الْعَدَدِ وَيَقْبَلَانِ له الْوَصِيَّةَ التي أُوصِيَ له بها في مُدَّةِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ وَتَقَدَّمَ هذا مع زِيَادَةٍ في الْعَدَدِ وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ على الْمُطَلِّقِ بِنَاءً على أنها لِلْحَامِلِ لَا لِلْحَمْلِ فَيُعْطِيهَا لها وَيَرْجِعُ بها على الْآخَرِ إنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ هذا من زِيَادَتِهِ
فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قبل الْعَرْضِ على الْقَائِفِ عُرِضَ عليه مَيِّتًا لِأَنَّ الشَّبَهَ لَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ لَا إنْ تَغَيَّرَ قبل دَفْنِهِ أو دُفِنَ لِتَعَذُّرِ عَرْضِهِ في الْأُولَى وَهَتْكِ حُرْمَتِهِ في الثَّانِيَةِ وَيَأْتِي فيها ما مَرَّ عن الْغَزَالِيِّ في الْبَابِ الثَّالِثِ في مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ وَيُعْرَضُ السَّقْطُ إنْ ظَهَرَ فيه التَّخْطِيطُ ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَإِنْ مَاتَ مُدَّعِيهِ الصَّادِقُ بِالْمُتَدَاعَيَيْنِ وَبِأَحَدِهِمَا الذي اقْتَصَرَ عليه الْأَصْلُ بَلْ أو مَاتَ مُنْكِرُهُ عُرِضَ على الْقَائِف مع أبيه أو أَخِيهِ وَنَحْوِهِ من سَائِرِ الْعُصْبَةِ كَعَمِّهِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ أو عَمِّهِ وَلَا يُرْجَعُ إلَى قَائِفٍ في غَيْرِ آدَمِيٍّ من سِخَالٍ وَنَحْوِهَا بَلْ ذلك مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ وَحِفْظِ نَسَبِهِ فَرْعٌ لو أَلْحَقَهُ قَائِفٌ بِأَحَدِهِمَا بِالْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ وَآخَرُ بِالْآخِرِ بِأَشْبَاهٍ خَفِيَّةٍ كَالْخُلُقِ وَتَشَاكُلِ الْأَعْضَاءِ فَالثَّانِي أَوْلَى من الْأَوَّلِ لِأَنَّ فيها زِيَادَةَ حِذْقٍ وَبَصِيرَةٍ وَلَوْ قال الْقَائِفُ الْوَاحِدُ مَعِي شَبَهٌ جَلِيٌّ وَشَبَهٌ خَفِيُّ أُمِرَ بِالْإِلْحَاقِ بِالْخَفِيِّ نَبَّهَ عليه الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِنْ ادَّعَى الْوَلَدَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ بَيِّنَةً تَبِعَهُ نَسَبًا وَدِينًا كما لو أَقَامَهَا الْمُسْلِمُ أو لَحِقَهُ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أو بِنَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ تَبِعَهُ نَسَبًا فَقَطْ أَيْ لَا دِينًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عليه فَلَا يَحْضُنَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ أو ادَّعَاهُ حُرٌّ وَعَبْدٌ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْعَبْدِ أو لَحِقَ بِهِ بِنَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لَحِقَهُ في النَّسَبِ وكان حُرًّا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُلِدَ من حُرَّةٍ
____________________
(4/433)
كِتَابُ الْعِتْقِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وهو إزَالَةُ الرِّقِّ عن الْآدَمِيِّ الْعِتْقُ من الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكُّ رَقَبَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه أَيْ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْتَ عليه أَيْ بِالْعِتْقِ كما قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ في مَوَاضِعَ من الْكَفَّارَةِ وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ منه عُضْوًا منه من النَّارِ حتى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ مُعْتِقٌ وَعَتِيقٌ وَصِيغَةٌ كما يُعْرَفُ اعْتِبَارُهَا من كَلَامِهِ حَيْثُ قال وَإِنَّمَا يَصِحُّ من مَالِكٍ لم يُصَادِفْ إعْتَاقُهُ مُتَعَلِّقَ حَقٍّ لَازِمٍ لِغَيْرِهِ مُطْلَقٍ لِلتَّصَرُّفِ أو وَكِيلٍ أو وَلِيٍّ في كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ فَلَا يَصِحُّ من غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ وَلَا من غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ من صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ أو فَلَسٍ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْكَفَّارَةِ من زِيَادَتِهِ وَيَصِحُّ من سَكْرَانَ وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ على عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَا يُعْتَقُ مَوْقُوفٌ أَيْ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِأَنَّ ذلك يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ
وَصَرِيحُهُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرُ وما تَصَرَّفَ مِنْهُمَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ لِوُرُودِهَا في الْقُرْآنِ وَاشْتِهَارِهَا وكان حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَصَرِيحُهُ ما تَصَرَّفَ من الْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ كَأَنْتَ عَتِيقٌ أو مُعْتَقٌ أو أَعْتَقَتْك أو حُرٌّ أو مُحَرَّرٌ أو حَرَّرْتُك أو مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ أو فَكَّيْتُهَا أو فَكَكْتهَا فَلَوْ قال أنت إعْتَاقٌ أو تَحْرِيرٌ أو فَكُّ رَقَبَةٍ كان كِنَايَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ فَلَا يَحْتَاجُ ذلك نِيَّةً أَيْ إلَيْهَا كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جَدٌّ كما مَرَّ في الطَّلَاقِ وَلَا يَضُرُّ تَذْكِيرٌ ولا تَأْنِيثٌ لِغَيْرِ أَيْ لِغَيْرِ الْمُذَكَّرِ وَغَيْرِ الْمُؤَنَّثِ كَأَنْ يَقُولَ لِلْعَبْدِ أنت حُرَّةٌ وَلِلْأَمَةِ أنت حُرٌّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ على الْعِبَارَةِ وَالْكِنَايَةُ كَلَا سُلْطَانَ أو لَا مِلْكَ لي عَلَيْك أو لَا يَدَ أو لَا خِدْمَةَ لي عَلَيْك أو أَزَلْت حُكْمِي أو مِلْكِي عَنْك وَأَنْتِ سَائِبَةٌ وَحَرَامٌ وَمَوْلَايَ وَسَيِّدِي وَكَذَا الظِّهَارُ أَيْ صَرَائِحُهُ وَكِنَايَتُهُ وَصَرَائِحُ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتُهُ لِاقْتِضَائِهَا التَّحْرِيمَ كَحَرَّمْتُك وَقِيلَ أنت سَيِّدِي لَغْوٌ لِأَنَّهُ من السُّؤْدَدِ وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ ليس فيه ما يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَكِنْ اخْتَارَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ أو خِطَابُ تَلَطُّفٍ وَلَا إشْعَارَ له بِالْعِتْقِ لَا أنا مِنْك طَالِقٌ أو مُظَاهِرٌ أو نَحْوُهُمَا كما لو قال أنا حَرَّمْتُك وَكَذَا لَفْظُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ في حَقِّ الْعَبْدِ لِاسْتِحَالَتِهِمَا فيه كما مَرَّ في الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ لَا أنا مِنْك طَالِقٌ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَمِنْهَا أَيْ الْكِنَايَةِ تَمْلِيكُهُ نَفْسَهُ كَمَلَّكْتُك أو وَهَبْتُك نَفْسَك كما في الطَّلَاقِ وَإِنْ كان
____________________
(4/434)
اسْمُ أَمَتِهِ قبل إرْقَاقِهَا حُرَّةً فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ فقال لها يا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لم يَقْصِدْ النِّدَاءَ لها بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ فَإِنْ قَصَدَهُ لم تَعْتِقْ فَإِنْ كان اسْمُهَا في الْحَالِ حُرَّةً لم تَعْتِقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ فَتَعْتِقُ وَإِنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ خَوْفًا من أَخْذِ الْمَكْسِ عنه إذَا طَالَبَهُ الْمَكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ لم يَعْتِقْ بَاطِنًا قال الْإِسْنَوِيُّ رَدًّا على مَفْهُومِ ذلك وَلَا ظَاهِرًا كما اقْتَضَاهُ الْمَذْهَبُ فَفِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لو قال لها أَنْت طَالِقٌ وهو يَحِلُّهَا من وَثَاقٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَهَا من الْوَثَاقِ قُبِلَ لِلْقَرِينَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرُورَهُ بِالْمَكَّاسِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ في إرَادَةِ صَرْفِ اللَّفْظِ عن ظَاهِرِهِ وَرُدَّ بِمَنْعِ ذلك فإنه إنَّمَا هو قَرِينَةٌ على أَنَّهُ إخْبَارٌ ليس بِإِنْشَاءٍ وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ معه إلَّا إنْ كان على ظَاهِرِهِ وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ أَنْ يَقُولَ له أَمَتُك قَحْبَةٌ فيقول بَلْ هِيَ حُرَّةٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ على إرَادَةِ الْعِفَّةِ لَا الْعِتْقِ
وَإِنْ قال له اُفْرُغْ من عَمَلِك وَأَنْت حُرٌّ وقال أَرَدْت حُرًّا من الْعَمَلِ دُونَ الْعِتْقِ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ
وَلَوْ قال لِمُزَاحِمِهِ في طَرِيقٍ تَأَخَّرْ يا حُرُّ فَبَانَ عَبْدَهُ لم يَعْتِقْ قال الرَّافِعِيُّ إنْ أُرِيدَ في الظَّاهِرِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما قَبْلَهُ بِأَنَّهُ هُنَا لَا يَدْرِي من يُخَاطِبُهُ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ غير عَبْدِهِ وَثَمَّ خَاطَبَ الْعَبْدَ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ
فَرْعٌ لو أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عبد غَيْرِهِ أو قال له قد أَعْتَقْتُك ثُمَّ اشْتَرَاهُ حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ وَوَجْهُهُ في الثَّانِيَةِ أَنَّ قد تُؤَكِّدُ مَعْنَى الْمُضِيِّ في الْفِعْلِ الْمَاضِي فَكَانَ إخْبَارًا لَا إنْشَاءً وَقِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ في مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ لَكِنْ رَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ وإن قَالَهُ بِحَذْفٍ قد يُرَاجَعُ وَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى قَصْدِهِ أَيْ تَفْسِيرِهِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ لم يُفَسِّرْ تَرَكَ وقوله أنا مِنْك حُرٌّ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِهِ وَكَذَا لو قال أَعْتِقْ نَفْسَك فقال أَعْتَقْتُك خَطَأً بِسَيِّدِهِ لِذَلِكَ وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ لَكِنَّ التي قَبْلَهَا ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ في الطَّلَاقِ فرع يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِ عَبْدِهِ بِصِفَةٍ قِيَاسًا على التَّدْبِيرِ وَلِمَا فيه من التَّوْسِعَةِ في تَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ وَأَمَّا نَفْسُ التَّعْلِيقِ فقال الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الطَّلَاقِ ليس عَقْدَ قُرْبَةٍ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ حَثَّ أو مَنْعَ أَيْ أو تَحْقِيقَ خَبَرٍ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَعْلِيقَهُ الْعَارِيَ عن قَصْدِ ما ذُكِرَ كَالتَّدْبِيرِ وهو ظَاهِرٌ
ويصح إعْتَاقُهُ بِعِوَضٍ كما في الطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ كَالْخُلْعِ فَهُوَ من جَانِبِ الْمَالِكِ مُعَاوَضَةٌ فيها شَوْبُ تَعْلِيقٍ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةٌ نَازِعَةٌ إلَى جَعَالَةٍ كما
____________________
(4/435)
عُلِمَ من بَابِ الطَّلَاقِ ويصح تَفْوِيضُ عِتْقِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ في الْحَالِ عَتَقَ كما في الطَّلَاقِ
أو قال أَعْتَقْتُك على أَلْفٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ فَوْرًا عَتَقَ وَالْأَلْفُ مُؤَجَّلٌ
وَلَوْ قال له عَبْدُهُ أَعْتِقْنِي على كَذَا فَأَجَابَهُ عَتَقَ وَعَلَيْهِ ما الْتَزَمَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ أَعْتَقَهُ على خَمْرٍ أو نَحْوِهِ أو على خِدْمَةٍ لم تُقَدَّرْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أو قال له أَعْتَقْتُك على أَنْ تَخْدُمَنِي أَبَدًا عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كما في الْخُلْعِ وَلَا يَقْدَحُ في نُفُوذِ الْعِتْقِ كَوْنُ الْعِوَضِ خَمْرًا أو نَحْوَهُ وَإِنْ كان ذلك تَمْلِيكًا لِأَنَّهُ ضِمْنِيٌّ وَلَا يُعْتَبَرُ في الضِّمْنِيِّ ما يُعْتَبَرُ في الْمَقْصُودِ أو على أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا من الْآنِ أو تَعْمَلَ لي كَذَا وَبَيَّنَهُ فَقَبِلَ عَتَقَ بِمَا الْتَزَمَ فَإِنْ خَدَمَهُ نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ أو تَعَذَّرَتْ خِدْمَتُهُ وَعَمَلُهُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ وَلَوْ بِتَرْكِهِ لَهُمَا بِلَا عُذْرٍ لِنِصْفِ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ لَزِمَ تَرِكَتَهُ في صُوَرِ مَوْتِهِ وَذِمَّتِهِ فِيمَا بَعْدَهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لِسَيِّدِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِزِيَادَةٍ في الْكِتَابَةِ
فُرُوعٌ لو قال من دخل الدَّارَ أَوَّلًا من عَبِيدِي أو أَوَّلُ من دَخَلَهَا منهم فَهُوَ حُرٌّ فَدَخَلَهُ الْأَوْلَى فَدَخَلَهَا وَاحِدٌ منهم عَتَقَ وَلَوْ لم يَدْخُلْ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ وَلَوْ دخل اثْنَانِ مَعًا ثُمَّ ثَالِثٌ فَلَا عِتْقَ لِوَاحِدٍ منهم إذْ لَا يُوصَفُ وَاحِدٌ منهم بِأَنَّهُ أَوَّلٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا في الْمُسَابَقَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُطْلَقُ على الْمُتَعَدِّدِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ من الْإِطْلَاقِ ثَمَّ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُخْرِجَ زِيَادَةٌ على الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِهِ هُنَا إذْ يَلْزَمُ عليه زِيَادَةُ عِتْقٍ لم يَلْتَزِمْهُ فَإِنْ كان قال في هذه أَوَّلُ من يَدْخُلُ وَحْدَهُ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ من دخل وَحْدَهُ وَلَوْ قال آخِرُ من يَدْخُلُهَا من عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ تَبَيَّنَ عِتْقُ آخِرِ من دخل بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَيْ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ منهم إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ فَيَتَبَيَّنُ الْآخِرُ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ وَعِنْدِي لَا يَحْتَاجُ إلَى مَوْتِ السَّيِّدِ بَلْ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا فَآخِرُ من يَدْخُلُ منهم هو الْحُرُّ وَإِنْ اُحْتُمِلَ دُخُولُ غَيْرِهِ إذْ الْحَلِفُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وقد وُجِدَتْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه دُخُولُ الْآخِرِ وهو لَا يُعْلَمُ إلَّا بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَقَدْ يَصِيرُ الْآخِرُ غير آخِرٍ فَلَا عِبْرَةَ بِالْآخِرِ ما دَامَ حَيًّا كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الطَّلَاقِ فِيمَا لو قال آخِرُ من أُرَاجِعُهَا مِنْكُنَّ طَالِقٌ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في مَسْأَلَةِ أَوَّلُ من يَدْخُلُ أَنَّهُ لو كان الدَّاخِلُ آخِرًا اثْنَيْنِ لم يَعْتِقْ أَحَدٌ
وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ إنْ لم أَحُجَّ في هذا الْعَامِ فَأَنْت حُرٌّ فَمَضَى الْعَامُ وَاخْتَلَفَ في أَنَّهُ هل حَجَّ أو لَا فَثَبَتَ أَنَّهُ كان يوم النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ عَتَقَ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لم يَأْتِ بِالْحَجِّ
وَلَوْ قال لِعَبْدَيْهِ إنْ جاء الْغَدُ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ بِمَجِيئِهِ أَيْ الْغَدِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَإِنْ بَاعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا أو أَعْتَقَهُ أو مَاتَ قبل مَجِيءِ الْغَدِ وَجَاءَ الْغَدُ وَالْآخَرُ في مِلْكِهِ فَلَا عِتْقَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حِينَئِذٍ إعْتَاقَهُمَا فَلَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ أَيْ من بَاعَهُ قَبْلَهُ أَيْ قبل مَجِيءِ الْغَدِ فإنه لَا عِتْقَ بِنَاءً على عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ أَيْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا وَجَاءَ الْغَدُ وفي مِلْكِهِ أَحَدُهُمَا وَنِصْفُ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ فَإِنْ عَيَّنَ من له نِصْفُهُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَوَقَعَ النَّظَرُ في السِّرَايَةِ وَإِنْ عَيَّنَ من له كُلُّهُ عَتَقَ
أو قال لَهُمَا إنْ جاء الْغَدُ وَأَحَدُكُمَا في مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ فَجَاءَ الْغَدُ وَلَيْسَ له إلَّا نِصْفُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لم يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ وهو كَوْنُ أَحَدِهِمَا في مِلْكِهِ لم يَحْصُلْ
فَصْلٌ لِلْعِتْقِ خَمْسُ خَصَائِصَ يَنْفَرِدُ بها عن الطَّلَاقِ وَلَوْ في بَعْضِ الْأَحْوَالِ الْأُولَى السِّرَايَةُ فَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا شَائِعًا كَنِصْفٍ أو مُعَيَّنًا كَيَدٍ من مَمْلُوكِهِ عَتَقَ الْجُزْءُ ثُمَّ سَرَى الْعِتْقُ إلَى الْبَاقِي وَإِنْ كان مُعْسِرًا لِقُوَّتِهِ كما في الطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ إذَا جَرَتْ السِّرَايَةُ وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ فَلَأَنْ تَجْرِيَ وَالْبَاقِي له أَوْلَى وَقِيلَ يَعْتِقُ الْجَمِيعُ دَفْعَةً
____________________
(4/436)
وَيَكُونُ إعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقًا لِلْكُلِّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
وَيَعْتِقُ الْحَمْلُ الْمَمْلُوكُ له لَا لِغَيْرِهِ بِعِتْقِ أُمِّهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ منها وَلَا تَعْتِقُ الْأُمُّ بِعِتْقِهِ تَبَعًا له لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ وَإِنَّمَا صَحَّ الْعِتْقُ في هذه وفي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِقُوَّتِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِمَا في الْبَيْعِ وَإِنَّمَا لم يَتْبَعْهَا الْحَمْلُ إذَا كان مَمْلُوكًا لِغَيْرِ مَالِكِهِ لِأَنَّهُ لَا تَبَعِيَّةَ مع اخْتِلَافِ الْمِلْكِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ تَبَعًا أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمَّةِ سِرَايَةً لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ في الْأَشْقَاصِ لَا في الْأَشْخَاصِ وَإِلَّا لَتَبِعَتْ الْأُمُّ الْحَمْلَ في الْعِتْقِ وَمَحَلُّ صِحَّةِ إعْتَاقِ الْحَمْلِ وَحْدَهُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فيه كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَوَاخِرَ الْبَابِ
وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْت فَوَلَدُك أو كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا عَتَقَ وَإِنْ كانت حَائِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَكُنْ الْوَلَدُ حِينَئِذٍ فَقَدْ مَلَكَ الْأَصْلَ الْمُفِيدَ لِمِلْكِ الْوَلَدِ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو لم يَمْلِكْ الْأُمَّ كَأَنْ أَوْصَى له بِحَمْلِهَا لم يَعْتِقْ وَلَدُهَا إذَا كانت حَائِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ وهو ظَاهِرٌ
وَإِنْ قال لها إنْ كان أَوَّلُ من تَلِدِينَ ذَكَرًا فَهُوَ حُرٌّ أو أُنْثَى فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا وولدت الذَّكَرَ أَوَّلًا عَتَقَ دُونَهُمَا أو الْأُنْثَى أَوَّلًا رُقَّتْ لِأَنَّ عِتْقَ الْأُمِّ طَرَأَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا وَعَتَقَتْ الْأُمُّ وَالذَّكَرُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ في بَطْنِ عَتِيقَةٍ وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أو جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا الْأَوْلَى السَّبَقُ فَلَا عِتْقَ إذْ لَا أَوَّلَ في الْأُولَى وَلِلشَّكِّ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ عُلِمَ سَبْقٌ لِأَحَدِهِمَا وَأَشْكَلَ السَّابِقُ عَتَقَ الذَّكَرُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ عَتَقَ بِالتَّعْلِيقِ أو سَبَقَتْ هِيَ عَتَقَ بِتَبَعِيَّةِ الْأُمِّ وَرُقَّتْ الْأُنْثَى بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ لم يَعْتِقْ غَيْرُهُ أو سَبَقَتْ لم يَعْتِقْ بِتَبَعِيَّةِ الْأُمِّ لِتَأَخُّرِ عِتْقِهَا عن مُفَارَقَتِهَا وَالشَّكُّ في عِتْقِ الْأُمِّ لِاحْتِمَالِ أنها حُرَّةٌ لِسَبْقِ الْأُنْثَى وَأَنَّهَا رَقِيقَةٌ لِسَبْقِ الذَّكَرِ فَيُؤْمَرُ السَّيِّدُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ رُقَّتْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَطَرْحًا لِلشَّكِّ وَإِنَّمَا لم يُقْرَعْ بين الْوَلَدَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّا شَكَكْنَا في عِتْقِهَا وَالْقُرْعَةُ لَا تُثْبِتُ مَشْكُوكًا فيه وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ في تَعْيِينِ ما تَيَقَّنَّا أَصْلَهُ هذا إنْ وَلَدَتْ في صِحَّةِ السَّيِّدِ أو في مَرَضِهِ وَوَفَّى الثُّلُثُ بِالْجَمِيعِ فَإِنْ وَلَدَتْ في الْمَرَضِ وهو لَا يَمْلِكُ إلَّا هِيَ وما وَلَدَتْ أَقْرَعَ بين الذَّكَرِ وَأُمِّهِ فَإِنْ خَرَجَتْ له عَتَقَ وَحْدَهُ وَإِنْ وَسِعَهُ الثُّلُثُ أو لِأُمِّهِ قُوِّمَتْ حَامِلًا بِالْغُلَامِ يوم وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَمَحَلُّ الْإِقْرَاعِ وَالتَّقْوِيمِ يَكُونُ بِفَرْضِ وِلَادَتِهَا أَوَّلًا ويعتق منها وَمِنْ الْغُلَامِ قَدْرُ الثُّلُثِ فَإِنْ كانت قِيمَةُ الْأُنْثَى مِائَةً وَقِيمَةُ الْأُمِّ حَامِلًا بِالْغُلَامِ مِائَتَيْنِ فإنه يَعْتِقُ نِصْفُهَا وَنِصْفُهُ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ النِّصْفَانِ مُقَوَّمَانِ بِمِائَةٍ وَالْأُنْثَى مُقَوَّمَةٌ بِمِائَةٍ أُخْرَى
فَصْلٌ لو أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ من الرَّقِيقِ وهو مُعْسِرٌ فَلَا سِرَايَةَ فَيَبْقَى الْبَاقِي على مِلْكِ الشَّرِيكِ أو وهو مُوسِرٌ بِكُلِّهِ أَيْ بِكُلِّ الْبَاقِي أَيْ بِقِيمَتِهِ عَتَقَ كُلُّهُ على الْمُعْتِقِ أو بِبَعْضِهِ فَبِحِصَّتِهِ يَعْتِقُ وَأَدَّى لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ ما عَتَقَ من نَصِيبِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ
____________________
(4/437)
وكان له مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عليه قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عليه الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ وفي رِوَايَةٍ من أَعْتَقَ شِرْكًا له في الْعَبْدِ وكان له مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَهُوَ عَتِيقٌ وفي رِوَايَةٍ إذَا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وكان له مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ عليه قِيمَةَ عَدْلٍ ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ لِصَاحِبِهِ في قِيمَتِهِ غير مَشْقُوقٍ عليه فَمُدْرَجَةٌ في الْخَبَرِ كما قَالَهُ الْحُفَّاظُ أو مَحْمُولَةٌ على أَنَّهُ يُسْتَسْعَى لِشَرِيكِ الْمُعْتِقِ أَيْ يَخْدُمُهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عليه اسْتِخْدَامُهُ
وَلِلسِّرَايَةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ وفي نُسْخَةٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ له يوم الْإِعْتَاقِ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي أو بَعْضِهِ وَإِنْ لم يَمْلِكْ غَيْرَهُ كما سَيَأْتِي وَيُبَاعُ فيها ما يُبَاعُ في الدَّيْنِ من مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا مَرَّ في التَّفْلِيسِ لِأَنَّ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ تَصِيرُ كَالدَّيْنِ لِتَنَزُّلِ الْإِعْتَاقِ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ فَيَسْرِيَ الْعِتْقُ وَإِنْ كان الْمُعْتِقُ مَدْيُونًا وَاسْتَغْرَقَتْ الْقِيمَةُ مَالَهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا في يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفَهُ فيه وَلِهَذَا لو اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا أو أَعْتَقَهُ نَفَذَ فَكَذَا يَسْرِي فِيمَا ذُكِرَ حتى يُضَارِبَ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مع الْغُرَمَاءِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْمُضَارَبَةِ ما يَفِي بِقِيمَةِ جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا أَخَذَ حِصَّتَهُ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ بِنَاءً على حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ كَمَنْ لم يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ الذي كان مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فإنه يَسْرِي إلَى الْبَاقِي أو بَعْضِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال من يَمْلِكُ عَشَرَةً فَقَطْ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُتَنَاصِفَيْنِ في عَبْدٍ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَعْتِقْ نَصِيبَك منه عَنِّي على هذه الْعَشَرَةِ فَفَعَلَ عَتَقَ نَصِيبُهُ عنه أَيْ عن الْمُسْتَدْعِي وَلَا سِرَايَةَ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عن الْعَشَرَةِ بِمَا جَرَى وهو لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا أو قال له أَعْتِقْهُ عَنِّي على عَشَرَةٍ في ذِمَّتِي فَفَعَلَ عَتَقَ جَمِيعُهُ بِنَاءً على حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ وَأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُهَا وَتُقْسَمُ الْعَشَرَةُ بين الشَّرِيكَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ قَسْمُهَا بَعْدَ الْحَجْرِ وَالْبَاقِي لَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ في ذِمَّتِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَكِنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ عَشَرَةٌ عَتَقَ جَمِيعُهُ وَيَتَضَارَبُ الشَّرِيكَانِ في الْعَشَرَةِ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمُسْتَدْعِيَ منه يَسْتَحِقُّ عَشَرَةً وَالْآخَرُ قِيمَةَ نِصْفِهِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَلَوْ كانت بِحَالِهَا لَكِنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ ثَلَاثُونَ عَتَقَ منه خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ النِّصْفُ بِالِاسْتِدْعَاءِ وَالْإِجَابَةِ وَالثُّلُثُ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ وَيَتَضَارَبَانِ بِالْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ ذَكَرَ ذلك الرَّافِعِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ هُنَا أَنَّهُ لو كان الْمُسْتَدْعَى مُوسِرًا بِقِيمَةِ الْجَمِيعِ سَرَى عليه قَطْعًا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَوَاخِرَ الْبَابِ عن الرُّويَانِيِّ ما يُخَالِفُهُ وَضَرَبَ عليه النَّوَوِيُّ
وَلَوْ مَلَكَ شَخْصٌ نِصْفَيْ وفي نُسْخَةٍ نِصْفَ عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُمَا مَعًا وهو مُوسِرٌ بِقِيمَةِ نِصْفٍ هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمَا وَسَرَى إلَى نِصْفِ نَصِيبِ
____________________
(4/438)
شَرِيكِهِ من كل مِنْهُمَا فَيَعْتِقُ من كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أو أَعْتَقَهُ مُرَتِّبًا عَتَقَا جميعا لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ وهو يَمْلِكُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَكَذَا الثَّانِي عَتَقَ وَمَعَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ الْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ قِيمَةُ نِصْفِهِ لَكِنْ قد صَارَتْ قِيمَتُهُ النِّصْفَ من الْأَوَّلِ دَيْنًا وَالدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ وَيَصْرِفُ ما في يَدِهِ إلَى شَرِيكِهِ وَالْبَاقِي في ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ الشِّقْصَيْنِ مَعًا وَلَا مَالَ له غَيْرُهُمَا عَتَقَا وَلَا سِرَايَةَ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ أو أَعْتَقَهُمَا مُرَتِّبًا عَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ في نَصِيبِهِ من الثَّانِي وَفَاءً بِبَاقِي الْأَوَّلِ وعتق نَصِيبُهُ من الثَّانِي لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ لَا يَتَعَيَّنُ فيه بَلْ هو في الذِّمَّةِ بِلَا سِرَايَةٍ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ
فَرْعٌ لو أَعْتَقَ شَرِيكٌ نَصِيبَهُ من عَبْدٍ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَخَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ من ثُلُثِ مَالِهِ قُوِّمَ عليه نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَعَتَقَ عليه لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ في ثُلُثِ مَالِهِ كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ في الْجَمِيعِ وَإِنْ لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا نَصِيبُهُ عَتَقَ وَلَا سِرَايَةَ لِأَنَّ الْمَرِيضَ فِيمَا زَادَ على الثُّلُثِ مُعْسِرٌ وَالثُّلُثُ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْمَوْتِ لَا حَالَةَ الْوَصِيَّةِ حتى لو لم يَفِ الثُّلُثُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ حَالَ إعْتَاقِهِ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا وَوَفَّى عِنْدَ الْمَوْتِ سَرَى عِتْقُهُ إلَى جَمِيعِهِ
وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ في مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدَانِ من الثُّلُثِ عَتَقَا سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا مَعًا أو مُرَتِّبًا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِ وفي نُسْخَةٍ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِنْ لم يَخْرُجْ منه إلَّا نَصِيبَاهُ فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا وَلَا سِرَايَةَ وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُرَتِّبًا عَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ ولم يَعْتِقْ من الثَّانِي شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ من الْأَوَّلِ وَصَارَ نَصِيبُهُ من الثَّانِي مُسْتَحَقَّ الصَّرْفِ إلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ نَصِيبَاهُ وَنَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْأَوْلَى وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ من عَبْدٍ فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُرَتِّبًا عَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ وعتق نَصِيبُهُ من الثَّانِي فَقَطْ وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَهَلْ يَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَصِيبَاهُ وَنِصْفُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما لو أَعْتَقَهُمَا في الصِّحَّةِ وهو مُوسِرٌ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَمْ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَتَقَ كُلُّهُ وَعَتَقَ نَصِيبُهُ من الثَّانِي فَقَطْ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مَشْرُوعَةٌ في الْعِتْقِ وَلَا يُصَارُ إلَى التَّشْقِيصِ مع إمْكَانِ التَّكْمِيلِ وَجْهَانِ قال الْبُلْقِينِيُّ رَجَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الْأَوَّلَ قُلْت وَقِيَاسُ ما يَأْتِي تَرْجِيحُ الثَّانِي وهو الْأَوْجَهُ وَإِنْ لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُ نَصِيبِهِ وقد أَعْتَقَهُمَا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَتَقَ منه جَمِيعُ نَصِيبِهِ ولم يَعْتِقْ من الثَّانِي شَيْءٌ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ أَعْتَقَ النَّصِيبَيْنِ وَلَا مَالَ له غَيْرُهُمَا قال الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ إنْ أَعْتَقَهُمَا مُرَتِّبًا عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ من الْأَوَّلِ وهو ثُلُثُ جَمِيعِ مَالِهِ وهو ثُلُثُ ذلك الْعَبْدِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ سُدُسُهُ مع نِصْفِ الْآخَرِ وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا وَمَاتَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَتَقَ منه ثُلُثُ نَصِيبِهِ وهو ثُلُثُ مَالِهِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى أَحَدُ شَرِيكَيْنِ في عَبْدَيْنِ بِإِعْتَاقِ نِصْفِهِمَا أو أَوْصَى شَخْصٌ بِنِصْفٍ أَيْ بِإِعْتَاقِ نِصْفِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ وَكَذَا لو دَبَّرَهُ أَيْ النِّصْفَ مِنْهُمَا وَوَجَدَ الْإِعْتَاقَ في الْأُولَيَيْنِ عَتَقَ ولم يَسْرِ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ لِانْتِقَالِ الْمَالِ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ
ذَكَرُ التَّدْبِيرِ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ أَوْصَى أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ
____________________
(4/439)
من عَبْدٍ وَتَكْمِيلِ عِتْقِ الْعَبْدِ كَمَّلَ ما احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ حتى لو احْتَمَلَهُ كُلَّهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ هذا إذَا قال في وَصِيَّتِهِ بِالتَّكْمِيلِ اشْتَرُوهُ أَيْ نَصِيبَ الشَّرِيكِ وَأَعْتِقُوهُ لَا إنْ قال أَعْتِقُوهُ إعْتَاقًا سَارِيًا فَلَا تَكْمِيلَ إذْ لَا سِرَايَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالتَّكْمِيلِ لَا يُكْمِلُ إلَّا إذْ رضي الشَّرِيكُ بِالشِّرَاءِ منه الْمُوَافِقِ لِكَلَامِ أَصْلِهِ بِالسِّرَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إذَا لم يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِاخْتِيَارِ الْمُعْتِقِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُعْتِقَ لو كان مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ أو قال قَوِّمُوهُ عَلَيَّ حتى أَسْتَقْرِضَ لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عليه وَالْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا ذلك وَوَجَّهَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ من الصَّرْفِ في الثُّلُثِ وإذا أَوْصَى بِالتَّكْمِيلِ فَقَدْ اسْتَبْقَى لِنَفْسِهِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَبْدِ من الثُّلُثِ فَكَانَ مُوسِرًا بِهِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ فَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ وَبِالتَّوْحِيدِ الْمَذْكُورِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْإِمَامِ السَّابِقِ كما أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ شِقْصَيْنِ من عَبْدَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ وَتَكَمَّلَ عِتْقُهُمَا وَاتَّسَعَ الثُّلُثُ لَهُمَا كَمُلَا عَتَقَا وَإِنْ اتَّسَعَ لِتَكْمِيلِ وَاحِدٍ فَقَطْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ من قَرَعَ ويعتق نَصِيبُهُ من الثَّانِي فَقَطْ وَقِيلَ يَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يُعْتِقَ الشِّقْصَ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ منه يُعَدُّ إتْلَافًا فَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ أَصْلِهِ أو فَرْعِهِ بِإِرْثٍ لم يَسْرِ عليه إلَى بَاقِيهِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى السِّرَايَةِ بِلَا عِوَضٍ لِمَا في الْإِجْحَافِ بِالشَّرِيكِ وَلَا بِعِوَضٍ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّفْوِيتَ وَلَا تَفْوِيتَ إذْ لَا صُنْعَ منه أو مِلْكِهِ بِشِرَاءٍ أو هِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ أو نَحْوِهَا سَرَى إلَى بَاقِيهِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكَاتٌ اخْتِيَارِيَّةٌ تَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ فَكَانَتْ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ اخْتِيَارًا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ ما يَعُمُّ اخْتِيَارَ سَبَبِهِ وَلَوْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى بَعْضَ أَيْ جُزْءَ بَعْضِ سَيِّدِهِ عَتَقَ ولم يَسْرِ سَوَاءٌ أَعَجَزَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ أَمْ بِتَعْجِيزِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ وهو في الثَّانِيَةِ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا وَلَوْ اشْتَرَى أو اتَّهَبَ الْمُكَاتَبُ بَعْضَ ابْنِهِ أو أبيه وَعَتَقَ بِعِتْقِهِ لم يَسْرِ لِأَنَّهُ لم يَعْتِقْ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ ضِمْنًا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وهو مُكَرَّرٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ أَوَاخِرَ الْبَابِ تَبَعًا لِنَقْلِ أَصْلِهِ له عن الْقَفَّالِ وَقِيلَ يَسْرِي كما لو كان الْمُشْتَرِي أو الْمُتَّهَبُ حُرًّا وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ في الْكِتَابَةِ تَبَعًا لِتَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ له ثُمَّ قال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَلَوْ اُتُّهِبَ السَّفِيهُ جُزْءَ من يَعْتِقُ عليه أو قَبِلَ وَصِيَّتَهُ فَفِي السِّرَايَةِ وَجْهَانِ في الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ منها عَدَمُهَا لِمَا فيها من لُزُومِ الْقِيمَةِ له
وَلَوْ مَلَكَ شَخْصٌ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَمَاتَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ وَرَدَّ الْأَخُ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ وَجَدَهُ فيه وَاسْتَرَدَّ الْبَعْضَ عَتَقَ عليه الْبَعْضُ وَسَرَى لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ في تَمَلُّكِهِ بِالْفَسْخِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَالرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الْخَاصَّةِ الثَّالِثَةِ عَدَمُ السِّرَايَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فيه رَدُّ الثَّوْبِ لَا اسْتِرْدَادُ الْبَعْضِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال إنَّهُ مُقْتَضَى تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ هُنَا أَيْضًا في نُسَخِهِ الصَّحِيحَةِ بِقَوْلِهِ فَالْوَجْهَانِ وما عَبَّرَ بِهِ في الرَّوْضَةِ من قَوْلِهِ فَوَجْهَانِ تَبِعَ فيه النُّسَخَ السَّقِيمَةَ انْتَهَى
وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي وَإِنْ كان لِلْأَوَّلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما مَرَّ في تَعْجِيزِ السَّيِّدِ مُكَاتَبَهُ بِأَنَّ
____________________
(4/440)
الرَّدَّ يَسْتَدْعِي حُدُوثَ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ لَا إنْ رَدَّ عليه الْبَعْضَ بِعَيْبٍ فَلَا يَسْرِي لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ
وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ فَمَاتَ زَيْدٌ قبل الْقَبُولِ وَقَبِلَهُ الْأَخُ عَتَقَ عليه ذلك الْبَعْضُ ولم يَسْرِ لِأَنَّ بِقَبُولِهِ يَدْخُلُ الْبَعْضُ في مِلْكِ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ وَمِثْلُهُ لو أَوْصَى له بِبَعْضِ جَارِيَةٍ له منها ابْنٌ فَمَاتَ قبل الْقَبُولِ وَقَبِلَ ابْنُهُ فَيَعْتِقُ عليه الْبَعْضُ ولم يَسْرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِوَلَدِهِ أَيْ بِبَعْضِهِ فَمَاتَ زَيْدٌ وَوَارِثُهُ أَخُوهُ وَقَبِلَهُ عَتَقَ على الْمَيِّتِ وَسَرَى أَنْ وَسِعَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّ قَبُولَ وَارِثِهِ كَقَبُولِهِ في الْحَيَاةِ قال الْإِمَامُ كَذَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَبُولَهُ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَالْأَصْلُ مَثَّلَ بِغَيْرِ هذا الْمِثَالِ فقال وَلَوْ أَوْصَى له بِشِقْصٍ مِمَّنْ يَعْتِقُ عليه وَلَا يَعْتِقُ على وَارِثِهِ بِأَنْ أَوْصَى له بِشِقْصٍ من أُمِّهِ وَوَارِثُهُ أَخُوهُ من أبيه فَمَاتَ قبل الْقَبُولِ وَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ أَخُوهُ إلَى آخِرِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَعْتِقُ على وَارِثِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَفِيمَا قَالُوهُ وَقْفَةٌ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالتَّكْمِيلِ فَيُكَمِّلُ من ثُلُثِهِ وَهُنَا لم يُوصِ بِالتَّكْمِيلِ فَكَيْفَ يَسْرِي على الْمُعْسِرِ
وَإِنْ اشْتَرَيَاهُ أَيْ اثْنَانِ عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَابْنُهُ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ عليه وَسَرَى عِتْقُهُ إلَى بَاقِيهِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَمَةُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا مُسْتَوْلَدَةً فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ من مُسْتَوْلَدَةِ شَرِيكِهِ الْمُعْسِرِ بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وهو مُعْسِرٌ لم يَسْرِ الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهَا لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ لَا تَقْبَلُهُ وَكَذَا لو اسْتَوْلَدَاهَا مُرَتِّبًا وَالْأَوَّلُ مُعْسِرٌ وَقْتَ اسْتِيلَادِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَسْرِي إلَى بَاقِيهَا وَمِثْلُهَا ما لو وَقَفَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ وفي قَوْلِهِ مُسْتَوْلَدَةَ شَرِيكِهِ تَجَوُّزٌ إذْ الْمُسْتَوْلَدُ منها نَصِيبُهُ لَا كُلُّهَا وَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُعْسِرًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ وهو مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ نَقْلًا عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ لَا يَسْرِي إلَيْهِ كَعَكْسِهِ مَمْنُوعٌ مع أَنِّي لم أَرَهُ في تَعْلِيقِ الْقَاضِي
وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَعْضِ مَرْهُونٍ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ليس بِأَقْوَى من حَقِّ الْمَالِكِ فَكَمَا قَوِيَ الْإِعْتَاقُ على نَقْلِ حَقِّ الشَّرِيكِ إلَى الْقِيمَةِ قَوِيَ على نَقْلِ الْوَثِيقَةِ إلَيْهَا وإلى بَعْضِ مُدَبَّرٍ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ كَالْقِنِّ في جَوَازِ الْبَيْعِ فَكَذَا في السِّرَايَةِ وإلى بَعْضِ مُكَاتَبٍ عَجَزَ عن أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَسَنُوَضِّحُ في كِتَابِ الْكِتَابَةِ مَتَى يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَعْضِ الْمُكَاتَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حين عَجْزِهِ كما أَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ عَجَزَ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ لِيُعْتِقَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَعْتَقْت نَصِيبِي من هذا الْعَبْدِ أو النِّصْفَ الذي أَمْلِكُهُ منه أو أَعْتَقْت الْجَمِيعَ فَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَغَا إذْ لَا مِلْكَ وَلَا تَبَعِيَّةَ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ على النِّصْفِ شَائِعًا لِأَنَّهُ لم يُخَصِّصْهُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ أو على مِلْكِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُعْتِقُ ما يَمْلِكُهُ وَجْهَانِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالثَّانِي مِنْهُمَا كما في الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ في الرَّهْنِ لِأَنَّهُمْ قالوا فِيمَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهُ وهو مُعْسِرٌ يُعْتِقُ نِصْفَهُ الذي ليس بِمَرْهُونٍ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَعْتِقُ جَمِيعُهُ إلَّا إذَا كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا قال الْإِمَامُ وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ إلَّا في تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أو عِتْقٍ كَأَنْ يَقُولَ إنْ أَعْتَقْت نِصْفِي من هذا الْعَبْدِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لم تَطْلُقْ أو بِالثَّانِي طَلُقَتْ قال جَمَاعَةٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ في
____________________
(4/441)
مَسَائِلَ أُخَرَ منها ما لو وَكَّلَهُ شَرِيكُهُ في إعْتَاقِ نَصِيبِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ شَائِعًا عنه وَعَنْ مُوَكِّلِهِ أو بِالثَّانِي لم يَعْتِقْ نَصِيبُ الْوَكِيلِ وَهَذِهِ سَتَأْتِي بَعْدُ
فَرْعٌ لو عَلَّقَا عِتْقَ نَصِيبَيْهِمَا بِقُدُومِ زَيْدٍ كَأَنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْت حُرٌّ أو فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ فَقَدِمَ أو وَكَّلَا من يُعْتِقُهُ فَأَعْتَقْته دَفْعَةً عَتَقَ على كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ وَلَا تَقْوِيمَ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ دَفْعَةً سَوَاءٌ أَكَانَا مُوسِرَيْنِ أَمْ مُعْسِرَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَلَوْ سَبَقَ تَعْلِيقُ أَحَدِهِمَا أو تَوْكِيلُهُ على الْآخَرِ فإن الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبَ بِوَقْتِ الْقُدُومِ وَالْعِتْقِ لَا بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ وَالتَّوْكِيلِ فَلَوْ قال لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بها إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً ثُمَّ قال إنْ دَخَلْتهَا فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَدَخَلَتْهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا كَقَوْلِهِ لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا
وَإِنْ قال أَحَدُهُمَا أَنْت حُرٌّ قبل مَوْتِي بِشَهْرٍ ثُمَّ نَجَّزَ الْآخَرُ عِتْقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ مَثَلًا فَإِنْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ قبل مُضِيِّ شَهْرٍ من تَمَامِ التَّعْلِيقِ وَلَوْ كان النَّاقِصُ من الشَّهْرِ بِقَدْرِ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ بِأَنْ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَقَطْ من ابْتِدَاءِ التَّعْلِيقِ أو مَاتَ بَعْدَ أَكْثَرَ من شَهْرٍ وَأَكْثَرَ من يَوْمٍ عَتَقَ في الصُّورَتَيْنِ على الْمُنَجِّزِ إنْ كان مُوسِرًا
أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتِقَ بِالتَّعْلِيقِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْعِتْقُ عليه وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ بِالتَّعْلِيقِ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ على الْمَوْتِ بِشَهْرٍ وَإِعْتَاقُ الْمُنَجِّزِ مُتَقَدِّمٌ على الشَّهْرِ الْمُتَقَدِّمِ على الْمَوْتِ وَقَوْلُهُ وَأَكْثَرَ من يَوْمٍ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ بِأَيَّامٍ وَمَعَ هذا لو حَذَفَ لَفْظَةَ أَكْثَرَ من كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ أو مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ من تَمَامِ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ عَتَقَ على الْمُعَلِّقِ لِتَقَدُّمِ تَرَتُّبِ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ على التَّنْجِيزِ أو مَاتَ لِتَمَامِ شَهْرٍ من تَمَامِ كَلَامِ الْمُنَجِّزِ عَتَقَ على كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ وَلَا تَقْوِيمَ لِوُقُوعِ الْعِتْقَيْنِ مَعًا
فَرْعٌ تَقَعُ السِّرَايَةُ إذَا حَكَمْنَا بها بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ من الشَّرِيكِ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ حُرًّا قبل أَدَاءِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ يَسَارَهُ بِقِيمَةِ الْبَاقِي جُعِلَ كَمِلْكِهِ لِلْبَاقِي في اقْتِضَاءِ السِّرَايَةِ فَتَحْصُلُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ كما لو أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ يُقَوَّمُ عليه وَالتَّقْوِيمُ عليه يُشْعِرُ بِالْإِتْلَافِ وَهَلْ تَحْصُلُ الْحُرِّيَّةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ قال الْإِمَامُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ ثُمَّ يَعْتِقُ وَقِيلَ يَحْصُلَانِ مَعًا
وَيُقَوَّمُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ على شَرِيكٍ مُوسِرٍ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا تَنْزِيلًا لِلِاسْتِيلَادِ مَنْزِلَةَ الْإِعْتَاقِ قال الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ لَا فَرْقَ فيه بين مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ في مَالِهِ وَغَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ بِاللَّفْظِ فإنه لَغْوٌ من غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا سِرَايَةَ بِاسْتِيلَادِهِ كَالْعِتْقِ وَيُسْتَثْنَى من اعْتِبَارِ الْيَسَارِ ما لو كان الْمُسْتَوْلِدُ أَصْلًا لِشَرِيكِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ يَسَارُهُ كما لو اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ التي كُلُّهَا لِفَرْعِهِ
قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَيَلْزَمُهُ لِشَرِيكِهِ مع قِيمَةِ نَصِيبِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِتَمَتُّعِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَيَسْرِي أَيْ الِاسْتِيلَادُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ كَالْإِعْتَاقِ وَلَا تَجِبُ قِيمَةُ نِصْفِ الْوَلَدِ لِأَنَّا جَعَلْنَا أَمَةَ أُمِّ وَلَدٍ في الْحَالِ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ في مِلْكِهِ فَلَا تَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَقِيلَ تَجِبُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الْوُجُوبَ وَنَقَلَهُ عن جَزْمِ الرَّافِعِيِّ في آخِرِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ لو وَطِئَهَا الثَّانِي قبل أَخْذِهِ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ لِلْأَوَّلِ الْمَهْرُ بِنَاءً على حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَلَهُ عليه أَيْ الْأَوَّلِ نِصْفُهُ أَيْ الْمَهْرِ فَيَتَقَصَّانِ فيه وفي قَوْلِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَتَقَاصَّانِ في الْمَهْرِ تَجَوُّزٌ
____________________
(4/442)
وَيَثْبُتُ الْإِيلَادُ في نَصِيبِ الْمُعْسِرِ فَقَطْ وَنَصِيبُ الْآخَرِ يَبْقَى قِنًّا وَيَكُونُ وَلَدُهُ منها حُرًّا لِلشُّبْهَةِ
وَإِنْ كان عَبْدٌ بين ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمَا الْمُنَاسِبُ لِأَحَدِهِمْ فيه نِصْفٌ وَلِآخَرَ ثُلُثٌ وَلِآخَرَ سُدُسٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ وهو مُوسِرٌ نَصِيبَهُ فيه عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ أو أَعْتَقَهُ مُوسِرًا بِثُلُثِ الْبَاقِي عَتَقَ ثُلُثُ نَصِيبِ كُلٍّ من الْآخَرَيْنِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ اثْنَانِ بِأَنْ أَعْتَقَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ منه مَعًا أو عَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ أو وَكَّلَا من أَعْتَقَ عنهما دَفْعَةً وكان أَحَدُهُمَا مُوسِرًا قُوِّمَ نَصِيبُ الثَّالِثِ على الْمُوسِرِ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ قُوِّمَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ أَيْ على عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْأَخْذَ بها من فَوَائِدِ الْمِلْكِ وَمَرَافِقِهِ فَكَانَ على قَدْرِ النِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ وَسَبِيلُ قِيمَةِ السِّرَايَةِ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَالنَّظَرُ فيه إلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا إلَى قِلَّةِ الْجِنَايَةِ وَكَثْرَتِهَا كما في الْجِرَاحَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْجَمْعُ بين التَّسْوِيَةِ وَعَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ
وَالْعِبْرَةُ في التَّقْوِيمِ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ أو يَوْمِ الْعُلُوقِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا في غَيْرِ الْمُكَاتَبِ أَمَّا فيه فَيُعْتَبَرُ تَقْوِيمُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ عن النُّجُومِ لِأَنَّهُ وَقْتُ السِّرَايَةِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فيها أَيْ في قِيمَةِ الرَّقِيقِ وكان حَاضِرًا وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ رُوجِعَ الْمُقَوِّمُونَ فيها فَإِنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ أو تَقَادَمَ الْعَهْدُ صُدِّقَ الْمُعْتِقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ كَالْغَاصِبِ وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ من عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فقال الْآخَرُ تَعَلَّمَ صَنْعَةً بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بها مِائَتَيْنِ صُدِّقَ الْمُعْتِقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ من الزِّيَادَةِ التي ادَّعَاهَا شَرِيكُهُ إلَّا أَنْ عَلِمْنَا بِالتَّجْرِبَةِ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ ولم يَمْضِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ ما يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ فيه فإنه يَصْدُقُ الْآخَرُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَعُلِمَ من تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِتَجْرِبَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ على الْمُعْتِقِ إنِّي أُحْسِنُ الصَّنْعَةَ وَلَا على الشَّرِيكِ إنِّي لَا أُحْسِنُهَا لِأَنَّهُ قد يَكْتُمُهَا وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْلُ
وَإِنْ ادَّعَى الْمُعْتِقُ عَيْبًا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ فَإِنْ كان خَلْقِيًّا كَالْكَمَهِ وَالْخَرَسِ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِحَالِهِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ أو غَيْبَتِهِ أو نَحْوِهِمَا صُدِّقَ الْمُعْتِقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَعَدَمُ ما يَدَّعِيهِ الشَّرِيكُ قال في الْأَصْلِ وَخَصَّهُ الْبَغَوِيّ بِمَا إذَا كان النَّقْصُ في الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِيَتَمَكَّنَ الشَّرِيكُ من إثْبَاتِ السَّلَامَةِ فيها فَإِنْ كان في الْبَاطِنَةِ فَكَالْحَادِثِ وَحُكْمُهُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أو حَادِثًا بَعْدَ السَّلَامَةِ وَلَوْ في الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ كَالْعَمَى وَالسَّرِقَةِ صُدِّقَ الشَّرِيكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ
وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ أَيْ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الذي سَرَى إلَيْهِ الْعِتْقُ من تَرِكَةِ مُعْتِقٍ مَاتَ قبل أَدَائِهَا مُوسِرًا فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا بَقِيَتْ في ذِمَّتِهِ وَالْعَبْدُ حُرٌّ لِثُبُوتِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ كما مَرَّ
وَوَطْءُ الشَّرِيكِ لِلْأَمَةِ التي سَرَى عِتْقُ بَعْضِهَا إلَى نَصِيبِهِ منها قبل أَخْذِ الْقِيمَةِ شُبْهَةٌ تُوجِبُ الْمَهْرَ لها بِنَاءً على حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ وَلَا حَدَّ عليه لِلِاخْتِلَافِ في مِلْكِهِ
فَرْعٌ لو قال أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ إذَا عَتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي أو فَجَمِيعُ الْعَبْدِ حُرٌّ أو فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ عِتْقِ نَصِيبِك فَأَعْتَقَهُ وهو مُوسِرٌ عَتَقَ عليه وَسَرَى إلَى الْبَاقِي وَقُوِّمَ عليه وَإِنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ بِالسِّرَايَةِ لَا بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهَا أَقْوَى من الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهَا قَهْرِيَّةٌ تَابِعَةٌ لِعِتْقِ النَّصِيبِ لَا مَدْفَعَ لها وَمُوجَبُ التَّعْلِيقِ قَابِلٌ لِلدَّفْعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَاعْتُرِضَ ذلك بِأَنَّ حَاصِلَهُ تَقْدِيمُ السِّرَايَةِ على التَّعْلِيقِ وقد مَرَّ في الْبَابِ الْأَوَّلِ من أَبْوَابِ الْوَصِيَّةِ قُبَيْلَ الرُّكْنِ الرَّابِعِ ما يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قال لو عَلَّقَ عِتْقَ أَمَتِهِ الْحَامِلِ بِعِتْقِ نِصْفِ حَمْلِهَا فَأَعْتَقَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ سَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ وَعَتَقَتْ أُمُّهُ بِالتَّعْلِيقِ فَإِنْ لم يَحْتَمِلْ بَاقِي الثُّلُثِ إلَّا نِصْفَهُ الْآخَرَ أو الْأُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَاقِي الْحَمْلِ فَسَوَّى بين السِّرَايَةِ إلَى بَاقِي الْحَمْلِ وَعِتْقُ الْأُمِّ بِالتَّعْلِيقِ حتى أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فإنه ازْدَحَمَ ثَمَّ على الثُّلُثِ حَقُّ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ وَهُمَا في مِلْكٍ وَاحِدٍ فَسَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا وَهُنَا اجْتَمَعَ على عِتْقِ النَّصِيبِ الْآخَرِ سَبَبَانِ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَقَدَّمْنَا أَقْوَاهُمَا
أو أَعْتَقَهُ وهو مُعْسِرٌ أو قال له شَرِيكُهُ إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ مع عِتْقِ نَصِيبِك أو حَالِ عِتْقِ نَصِيبِك أو قبل عِتْقِ نَصِيبِك فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا عنه نَصِيبُ الْمُنَجِّزِ بِالتَّنْجِيزِ وَنَصِيبُ الْمُعَلِّقِ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَلَا شَيْءَ على الْمُعْتِقِ إذْ لَا سِرَايَةَ مع الْإِعْسَارِ وَأَمَّا مع الْيَسَارِ في الْمَعِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ وَالْقَبْلِيَْةِ فَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعِيَّةِ الْحَالِيَّةِ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ
____________________
(4/443)
وَالْقَبْلِيَّةُ مُلْغَاةٌ لِاسْتِحَالَةِ الدَّوْرِ الْمُسْتَلْزِمِ هُنَا سَدَّ بَابِ عِتْقِ الشَّرِيكِ فَيَصِيرُ التَّعْلِيقُ مَعَهَا كَهُوَ مع الْمَعِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُعَلِّقُ نَصِيبَهُ في هذه الصُّوَرِ قبل إعْتَاقِ شَرِيكِهِ عَتَقَ وَسَرَى إنْ كان مُوسِرًا
فَرْعٌ لو قال لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ ولم يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْتَاقِ فَإِنْ حَلَفَ الشَّرِيكُ رُقَّ نَصِيبُهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ ولم يَعْتِقْ نَصِيبُ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الدَّعْوَى إنَّمَا تَوَجَّهَتْ عليه لِأَجْلِ الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلدَّعْوَى على إنْسَانٍ بِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَإِنَّمَا هذا وَظِيفَةُ الْعَبْدِ لَكِنْ لو شَهِدَ عليه الْمُدَّعِي مع آخِرِ حِسْبَةٍ حَصَلَ الْعِتْقُ في نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَالْقِيمَةُ تَثْبُتُ بِحَلِفِهِ السَّابِقِ فَلَا تُهْمَةَ في شَهَادَتِهِ فَأَمَّا نَصِيبُهُ أَيْ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ الشَّرِيكُ أو نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي فَحُرٌّ بِإِقْرَارِهِ لِسِرَايَةِ إعْتَاقِ الشَّرِيكِ إلَى نَصِيبِهِ وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كان هو مُوسِرًا لِأَنَّهُ لم يُنْشِئْ عِتْقًا فَهُوَ كما لو قال لِشَرِيكِهِ أو غَيْرِهِ اشْتَرَيْت من نَصِيبِي وَأَعْتَقْته وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ فإنه يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي وَلَا سِرَايَةَ وَلِأَنَّ نَصِيبَهُ عَتَقَ لَا بِاخْتِيَارِهِ بَلْ بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَهُوَ كما لو وَرِثَ بَعْضَ بَعْضِهِ يَعْتِقُ ما وَرِثَهُ وَلَا سِرَايَةَ وَإِنْ كان الشَّرِيكُ مُعْسِرًا وَحَلَفَ لم يَعْتِقْ شَيْءٌ من الْعَبْدِ
وَإِنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي وَأَنْكَرَا صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى نَصِيبِهِ وَلَا قِيمَةَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ وَوَقَفَ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا إلَّا أَنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وقال كُلٌّ لِلْآخَرِ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ منه فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ عَتَقَ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ ولم يَسْرِ لِأَنَّهُ لم يُنْشِئْ إعْتَاقًا أو اشْتَرَاهُمَا أَيْ النَّصِيبَيْنِ أَجْنَبِيٌّ صَحَّ الشِّرَاءُ ولم يَعْتِقْ لِجَوَازِ كَوْنِهِمَا كَاذِبَيْنِ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ السِّرَايَةَ إلَى نَصِيبِهِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ لِمَا مَرَّ وَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُوسِرِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ الْمُعْسِرُ عَتَقَ كُلُّهُ بِاعْتِرَافِهِ
وَإِنْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَ نَصِيبِهِ بِكَوْنِ الطَّائِرِ غُرَابًا وَالْآخَرُ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِكَوْنِهِ غَيْرَهُ وَأَشْكَلَ الْحَالُ فَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَلَا عِتْقَ لِنَصِيبِ وَاحِدٍ منهم كما لو جَرَى التَّعْلِيقَانِ من اثْنَيْنِ في عَبْدَيْنِ أو زَوْجَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ أو اشْتَرَى الْكُلَّ ثَالِثٌ حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ قد جَمَعَهُمَا مِلْكٌ وَاحِدٌ وَأَحَدُ النَّصِيبَيْنِ حُرٌّ بِيَقِينٍ وفي حَقِّ الِاثْنَيْنِ اسْتَصْحَبْنَا يَقِينَ الْمِلْكِ في حَقِّ كل وَاحِدٍ وَطَرَحْنَا الشَّكَّ وَلَا رُجُوعَ لِلثَّالِثِ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِالتَّعْلِيقَيْنِ قبل الشِّرَاءِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ نَصِيبَهُ مَمْلُوكٌ فَإِنْ اخْتَلَفَ النَّصِيبَانِ عَتَقَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَإِنْ تَبَادَلَا النَّصِيبَيْنِ فَلَا عِتْقَ لِشَيْءٍ من الْعَبْدِ نعم من حَنِثَ صَاحِبُهُ عَتَقَ ما صَارَ إلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ بِعِتْقِهِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ لِمَا مَرَّ وَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ حِنْثَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ من التَّعْيِينِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَسْرِي إلَى الْبَاقِي وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ وَتَحْلِيفُهُ على الْبَتِّ أَنَّهُ لم يَحْنَثْ أو الشَّرِيكَانِ أَحَدُهُمَا مُوسِرٌ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ إمَّا حَانِثٌ أو صَاحِبُهُ حَانِثٌ وَالْعِتْقُ سَارَ إلَيْهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ نَصِيبِ الْمُوسِرِ لِلشَّكِّ فيه
فَرْعٌ لو قال أَحَدُهُمَا أَعْتَقْنَا مَعًا وهو مُوسِرٌ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ بِأَنْ قال له أَنْت أَعْتَقْت
____________________
(4/444)
نَصِيبَك وأنا لم أَعْتِقْ حَلَفَ أَنَّهُ لم يُعْتِقْ لِيَأْخُذَ الْقِيمَةَ سَوَاءٌ أَكَانَ مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَادَّعَى ما يُسْقِطُهَا وهو الْمُوَافَقَةُ في الْإِعْتَاقِ فَيَنْدَفِعُ بِيَمِينِهِ الْمُسْقِطِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ من الْمُقِرِّ وَحَكَمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ بِإِقْرَارِ الْمُوسِرِ وَوَلَاءُ نَصِيبِ الْمُنْكِرِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ وَلَا وَارِثَ له إلَّا الْمُقِرُّ أَخَذَ الْمُقِرُّ نِصْفَ مَالِهِ بِالْوَلَاءِ على نِصْفِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ من النِّصْفِ الْآخَرِ قَدْرَ ما غَرِمَ لِلْمُنْكِرِ من الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ إنْ صَدَقَ فَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ له بِأَخْذِ الْقِيمَةِ وَهَذَا مَالُهُ بِالْوَلَاءِ وَإِنْ كَذَبَ فَهُوَ مُقِرٌّ بِإِعْتَاقِ جَمِيعِهِ فَجَمِيعُ الْمَالِ له بِالْوَلَاءِ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُنْكِرُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ مع نَصِيبِ الْمُوسِرِ بَعْدَ ذلك اسْتَرَدَّ ما أَخَذَهُ الْمُقِرُّ منه وَرَدَّ ما أَخَذَهُ هو من الْمُقِرِّ فَإِنْ تَلِفَ الْمَأْخُوذَانِ وَقَعَ الْقِصَاصُ وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ أو أَعْتَقَ نَصِيبَهُ أَوَّلًا قُبِلَ وكان جَمِيعُ الْوَلَاءِ له وَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ له إلَّا على النِّصْفِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ تِلْوَ النَّسَبِ وهو لو نَفَى نَسَبًا يَلْحَقُهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ قُبِلَ
فَرْعٌ عَبْدٌ بين ثَلَاثَةٍ شَهِدَ اثْنَانِ منهم أَنَّ الثَّالِثَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وكان مُعْسِرًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَعَتَقَ نَصِيبُ الثَّالِثِ وَحْدَهُ أو مُوسِرًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ بِإِثْبَاتِ الْقِيمَةِ لَهُمَا عليه وَيَعْتِقُ نَصِيبُهُمَا بِلَا تَقْوِيمٍ لِاعْتِرَافِهِمَا بِالسِّرَايَةِ إلَيْهِ لَا نَصِيبُهُ فَلَا يَعْتِقُ لِبُطْلَانِ الشَّهَادَةِ
وَإِنْ عَاقَدَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بين اثْنَيْنِ أَحَدَ مَالِكَيْهِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا في عِتْقِهِ نَصِيبَهُ منه وَهِيَ قِيمَتُهُ فَأَعْتَقَهُ طَالَبَهُ الشَّرِيكُ بِنِصْفِهَا لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ الْأَوْلَى وَقِيمَةِ نِصْفِهِ وَرَجَعَ الْمُعْتِقُ على الْعَتِيقِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ هذا مَنْقُولٌ عن نَصِّ الْأُمِّ بِدُونِ قَوْلِهِ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ على عَيْنِ الْخَمْسِينَ كما هو ظَاهِرُ النَّصِّ وَتَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُسَاوِيَةً لِلْخَمْسِينَ كما صَوَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَخْذًا من كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أو يَقَعَ على ما في ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيَبْذُلَ عنه خَمْسِينَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَ إعْتَاقِ نَصِيبِ الْمُعْتِقِ لَكِنَّ هذا إنَّمَا يَأْتِي على الْقَوْلِ بِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَقَعُ عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ أَمَّا على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَقَعُ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يُطَالِبُهُ الشَّرِيكُ إلَّا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قِيمَةِ النِّصْفِ لِأَنَّ الِاكْتِسَابَ وَقَعَ في الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ على سَلَامَةِ الْخَمْسِينَ له لم يَعْتِقْ لِأَنَّهَا لم تَسْلَمْ له وَقَوْلُهُ وَإِنْ عَاقَدَ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ مع كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ الْمُشَارِ إلَيْهِ
وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ شِرْكًا له في أَمَةٍ حُبْلَى عَتَقَ مَعَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّقْوِيمُ لها إلَى وِلَادَتِهَا بِنَاءً على أَنَّ السِّرَايَةَ في الْحَالِ
وَإِنْ وَكَّلَ شَرِيكَهُ في عِتْقِ نَصِيبِهِ فَأَيَّ النَّصِيبَيْنِ أَعْتَقَ قَوَّمَ على صَاحِبِهِ نَصِيبَ الْآخَرِ فَإِنْ قال بَعْدَ إعْتَاقِهِ نِصْفَ الْعَبْدِ أَرَدْت نَصِيبِي قُوِّمَ عليه نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَإِنْ قال أَرَدْت نَصِيبَ شَرِيكِي قُوِّمَ على الشَّرِيكِ نَصِيبُ الْوَكِيلِ وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ على نَصِيبِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ عن نَفْسِهِ مُسْتَغْنٍ عن النِّيَّةِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ إعْتَاقِهِ عن غَيْرِهِ فِيمَا هو شَرِيكٌ له فيه
قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّخْيِيرِ كما في التَّخْيِيرِ بين الْعَبْدَيْنِ لَكَانَ مُتَّجَهًا وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْعَبْدَيْنِ ثَمَّ مَمْلُوكَانِ له فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ ما هُنَا
وَإِنْ مَلَكَ مَرِيضٌ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ فَقَطْ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فقال أَعْتَقْت نَصِيبِي من سَالِمٍ وَغَانِمٍ عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ من سَالِمٍ وهو ثُلُثُ مَالِهِ وَلَا يَعْتِقُ من الْآخَرِ شَيْءٌ أو قال أَعْتَقْت نَصِيبِي مِنْهُمَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ من هَذَيْنِ عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ أو قال ما ذَكَرَ في الصُّورَتَيْنِ وَهُمَا أَيْ نِصْفَا الْعَبْدَيْنِ ثُلُثَا مَالِهِ فَفِي الْأُولَى يَعْتِقُ سَالِمٌ فَقَطْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالسِّرَايَةِ وفي الثَّانِيَةِ يَعْتِقُ النِّصْفَانِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ ما عَدَاهُمَا بِالسِّرَايَةِ لِإِعْسَارِ الْمُعْتِقِ
وَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا من زَوْجٍ حُرٍّ زَوْجُهَا وَابْنُهَا الْحُرُّ مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ عَتَقَتْ على الِابْنِ نِصْفُهُمَا بِالْمِلْكِ وَالْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ وَلَزِمَهُ لِلزَّوْجِ قِيمَةُ نِصْفِهَا وعتق الْحَمْلُ عليها وَلَا تَقْوِيمَ على أَحَدِهِمَا في نَصِيبِ الْآخَرِ وَهَذَا كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْبَابِ الْأَوَّلِ من أَبْوَابِ الْوَصَايَا وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ
ثَمَّ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِعِتْقِ مُوسِرٍ شِرْكًا له في عَبْدٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا له نَصِيبَهُ أَيْ قِيمَتَهُ لِأَنَّ شُهُودَ الْعِتْقِ يَغْرَمُونَ بِالرُّجُوعِ وَكَذَا يَغْرَمَانِ له نَصِيبَ شَرِيكِهِ أَيْ قِيمَتَهُ التي غَرِمَهَا له كَذَلِكَ هذا إنْ صَدَّقَ الشَّرِيكُ الشُّهُودَ في شَهَادَتِهِمْ وَغَرَّمَهُ أَيْ الْمُوسِرُ الْقِيمَةَ وَإِلَّا بِأَنْ كَذَّبَهُمْ ولم يَغْرَمْ الْمُوسِرُ الْقِيمَةَ
____________________
(4/445)
فَلَا يَغْرَمُونَ له قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْمُوسِرَ لم يَغْرَمْ شيئا بَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِشَرِيكِهِ حِينَئِذٍ
وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِعِتْقِ الْآخَرِ نَصِيبَهُ وَهُمَا مُوسِرَانِ فَإِنْ أُرِّخَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ بِتَارِيخَيْنِ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ على الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْآخَرِ وَإِنْ لم يُؤَرِّخْ بِتَارِيخَيْنِ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ وَلَا تَقْوِيمَ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ سَبْقَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ وَبِتَقْدِيرِ السَّبَقِ لَا يُعْلَمُ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ على أَحَدِهِمَا عن شَهَادَتِهِمَا لم يَغْرَمَا شيئا لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ الْعِتْقَ في النِّصْفِ الذي شَهِدَا بِهِ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمَا أَمْ بِشَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ بِالسِّرَايَةِ فَلَا نُوجِبُ شيئا بِالشَّكِّ وَإِنْ رَجَعَ الْجَمِيعُ عن شَهَادَتِهِمْ غَرِمُوا جميعا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ تَارِيخٌ فَالْحُكْمُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ وَيُقَدَّرُ كَأَنَّ الْإِعْتَاقَيْنِ وَقَعَا مَعًا
الْخَصِيصَةُ الثَّانِيَةُ الْعِتْقُ بِالْقَرَابَةِ لَا يَعْتِقُ على الْحُرِّ بِالْمِلْكِ إلَّا أَصْلٌ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعٌ وَإِنْ سَفَلَ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ أَيْ بِالشِّرَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقال تَعَالَى وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا الْآيَةَ وقال تَعَالَى وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا الْآيَةَ دَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا على نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فيه الْجَمِيعُ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَسَوَاءٌ الْمِلْكُ الْقَهْرِيُّ بِالْإِرْثِ وَالِاخْتِيَارِيُّ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ وَفَرَّقَ بين عِتْقِ الْقَرِيبِ وَالسِّرَايَةِ حَيْثُ لم يَثْبُتْ إلَّا عِنْدَ الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَإِكْرَامٌ لِلْقَرِيبِ فَلَا يَسْتَدْعِي الِاخْتِيَارَ وَالسِّرَايَةُ تُوجِبُ التَّغْرِيمَ وَالْمُؤَاخَذَةَ وَذَلِكَ إنَّمَا يَلِيقُ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا غَيْرُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعُ من سَائِرِ الْأَقَارِبِ فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ فيه نَصٌّ وَلَا هو في مَعْنَى ما وَرَدَ فيه النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عنه وَأَمَّا خَبَرُ من مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَقَدْ عَتَقَ عليه فَضَعِيفٌ بَلْ قال النَّسَائِيّ إنَّهُ مُنْكَرٌ وَالتِّرْمِذِيُّ إنَّهُ خَطَأٌ
وَيُسْتَثْنَى من كَلَامِهِ مَسَائِلُ ذُكِرَتْ مُفَرَّقَةً في الْكِتَابِ منها مَسَائِلُ الْمَرِيضِ وَيَبْطُلُ شِرَاءُ وَلِيٍّ من أَبٍ أو غَيْرِهِ من
____________________
(4/446)
يَعْتِقُ على مَوْلِيٍّ عليه إذْ ليس له أَنْ يَتَصَرَّفَ في مَالِهِ إلَّا بِالْغِبْطَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ هِبَتَهُ وَالْوَصِيَّةَ بِهِ له إذَا كان مُعْسِرًا وَيَعْتِقُ عليه إذْ لَا ضَرَرَ فيه عليه مع حُصُولِ الْكَمَالِ وقد يُوسِرُ فَيُنْفِقُ على الْمَوْلَى عليه وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قد يُوسِرُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ في مَالِهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحَالُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كان مُوسِرًا إنْ لم يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ في الْحَالِ بِخِلَافِ ما إذَا لَزِمَتْهُ فَلَا يَجِبُ عليه ذلك بَلْ لَا يَجُوزُ له لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ على مُوَلِّيهِ بِالْإِنْفَاقِ من مَالِهِ فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ الْقَبُولَ قَبِلَهُ له الْحَاكِمُ فَإِنْ أَبَى الْحَاكِمُ وَهِيَ وَصِيَّةٌ قَبِلَهَا هو إذَا بَلَغَ الْأَوْلَى إذَا كَمُلَ نعم لو أَبَى الْحَاكِمُ الْقَبُولَ عن نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ كَأَنْ رَأَى أَنَّ الْقَرِيبَ يَعْجِزُ عن قُرْبٍ أو أَنَّ حِرْفَتَهُ كَثِيرَةُ الْكَسَادِ قال الْأَذْرَعِيُّ فَيُشْبِهُ أَنَّهُ ليس له الْقَبُولُ بَعْدَ كَمَالِهِ وهو ظَاهِرٌ إنْ أَبَاهُ بِالْقَوْلِ دُونَ ما إذَا سَكَتَ وَخَرَجَ بِالْوَصِيَّةِ الْهِبَةُ فَلَا يَقْبَلُهَا إذَا كَمُلَ لِأَنَّ الْقَبُولَ إذَا تَرَاخَى فيها بَطَلَ الْإِيجَابُ
وَلَوْ وَهَبَ له أَيْ لِلْمَوْلَى عليه بَعْضَ أَصْلِهِ أو أَوْصَى له بِهِ وهو مُعْسِرٌ قَبِلَهُ له الْوَلِيُّ إذْ لَا ضَرَرَ عليه مع حُصُولِ حُرِّيَّةِ الْبَعْضِ أو مُوسِرٌ فَلَا لِأَنَّهُ لو قَبِلَ له لَعَتَقَ عليه وَسَرَى وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَلَا يَسْرِي لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلسِّرَايَةِ الِاخْتِيَارُ وهو مُنْتَفٍ هُنَا وَتَرَكَ هُنَا مَسَائِلَ لِذِكْرِهِ لها في غَيْرِ هذا الْبَابِ
وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ أَبَاهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْأَبُ فَمَاتَ من الْجُرْحِ عَتَقَ مُعْتَبِرًا ثَمَنَهُ من ثُلُثِهِ بِنَاءً على صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ
وَإِنْ قال لِوَلَدِ عَبْدِهِ الْحُرِّ بِعْتُك أَبَاك فَأَنْكَرَ ذلك عَتَقَ الْأَبُ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
الْخَصِيصَةُ الثَّالِثَةُ امْتِنَاعُ الْعِتْقِ بِالْمَرَضِ وَمَنْ أَعْتَقَ في مَرَضِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَلَا دَيْنَ عليه مُسْتَغْرِقٌ عَتَقَ ثُلُثُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ مُعْتَبَرٌ من الثُّلُثِ كما مَرَّ في الْوَصَايَا فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَصِيَّةٌ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عليها
نعم إنْ وَفَّى الدَّيْنُ من غَيْرِ الْعَبْدِ عَتَقَ ثُلُثُهُ سَوَاءٌ أَوْفَاهُ لِوَارِثٍ أَمْ أَجْنَبِيٍّ كما قَالَهُ الْقَاضِي وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْوَارِثِ إذَا وَفَّاهُ ولم يَقْصِدْ فِدَاءَهُ لِيَبْقَى له وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ غَيْرُهُ فَالْبَاقِي بَعْدَ الدَّيْنِ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الذي عَتَقَ ثُلُثُهُ قَبْلَهُ مَاتَ رَقِيقًا لِأَنَّ ما يَعْتِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لِوَرَثَةِ مِثْلَاهُ ولم يَحْصُلْ لهم هُنَا شَيْءٌ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُهُ مع نَقْلِهِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ يَمُوتُ حُرًّا وَثَانِيهِمَا يَمُوتُ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقًا لَكِنَّهُ نَقَلَ في بَابِ الْوَصِيَّةِ عن تَصْحِيحِ الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ يَمُوتُ حُرًّا تَنْزِيلًا له مَنْزِلَةَ عِتْقِهِ في الصِّحَّةِ وَاقْتَصَرَ عليه قال
____________________
(4/447)
الزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ فإن الْقَاضِيَ ذَكَرَ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ الْأَبِيوَرْدِيَّ نَقَلَهُ عن النَّصِّ انْتَهَى وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَمُوتُ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقًا كما لو مَاتَ بَعْدَهُ قال وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ على الْإِطْلَاقِ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَعَلَى هذا أَيْ الْقَوْلِ بِمَوْتِهِ رَقِيقًا لو وَهَبَ مَرِيضٌ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَقْبَضَهُ فَمَاتَ في يَدِ الْمُتَّهَبِ قبل مَوْتِ الْوَاهِبِ مَاتَ على مِلْكِ الْوَاهِبِ فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَمُوتُ على مِلْكِ الْمُتَّهَبِ فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ وَعَلَى الثَّالِثِ تُوَزَّعُ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ عَلَيْهِمَا
وَلَوْ أَعْتَقَ أو وَهَبَ مَرِيضٌ عَبْدًا وَأَقْبَضَهُ في الثَّانِيَةِ وَلَهُ مَالٌ آخَرُ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَهُ لم يُحْسَبْ من الثُّلُثِ ولم يُزَاحِمْ أَرْبَابَ الْوَصَايَا وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لم يَكُنْ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فإذا لم يَبْقَ إلَى الْمَوْتِ لم يَدْخُلْ في الْحِسَابِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْمُتَّهَبُ فِيمَا ذُكِرَ حُسِبَ من الثُّلُثِ كما لو كان بَاقِيًا فَإِنْ لم يَسَعْهُ الثُّلُثُ غَرِمَ الْمُتَّهَبُ لِلْوَرَثَةِ الزَّائِدَ عليه بِخِلَافِ ما لو تَلِفَ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ مُضَمَّنَةٌ بِخِلَافِ الْإِتْلَافِ
وَلَوْ أَعْتَقَ مَرِيضٌ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ دَفْعَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَتْ أَوَّلًا الْحُرِّيَّةُ لِلْمَيِّتِ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا وَرُقَّ الْآخَرَانِ أو خَرَجَ له الرِّقُّ لَغَا فَلَا يُحْسَبُ على الْوَرَثَةِ مع أَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَالَ ولم يَقْبِضُوهُ بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الثَّوَابَ وَأَقْرَعَ بين الْآخَرَيْنِ كما لو لم يَكُنْ إلَّا عَبْدَانِ فَأَعْتَقَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ بِالْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَرُقَّ ثُلُثُهُ مع الْعَبْدِ الْآخَرِ وَإِنْ خَرَجَتْ الْحُرِّيَّةُ أَوَّلًا لِحَيٍّ من الْآخَرَيْنِ عَتَقَ ثُلُثُهُ أَيْضًا وكان الْحَيَّيْنِ كُلَّ التَّرِكَةِ وَكَذَا يُحْكَمُ لو مَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْوَرَثَةِ التَّرِكَةَ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ قَبْضِهِمْ لها وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ حُسِبَ الْمَيِّتُ عليهم لِدُخُولِهِ في ضَمَانِهِمْ حتى لو خَرَجَتْ الْحُرِّيَّةُ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَتَقَ كُلُّهُ وَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ منهم قَبْلَهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَتْ الْحُرِّيَّةُ على مَيِّتٍ مِنْهُمَا عَتَقَ نِصْفُهُ وَجُعِلَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وهو الْعَبْدُ الْحَيُّ وَإِنْ خَرَجَ عليه الرِّقُّ أُعِيدَتْ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْآخَرَيْنِ فَإِنْ قَرَعَ الْمَيِّتُ الْآخَرُ بِأَنْ خَرَجَتْ عليه قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ نِصْفُهُ وَالْعِتْقُ ثُلُثُ الْحَيِّ ولم يُحْسَبْ الْمَيِّتُ على الْوَرَثَةِ وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ أَيُّ عَبْدٍ من ثَلَاثَةٍ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ أو بَعْدَهُ فَقِيمَتُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ فَيَدْخُلُ هو في الْقُرْعَةِ وإذا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِحُرِّيَّةِ الْقَتِيلِ فَفِيهِ دِيَتُهُ لِلْوَرَثَةِ لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّتِهِ لَا قِصَاصَ إنْ قَتَلَهُ حُرٌّ بِخِلَافِ ما لو قال لِعَبْدِهِ إنْ قَتَلَك أَحَدٌ فَأَنْت حُرٌّ قَبْلَهُ فَقَتَلَهُ حُرٌّ فإنه يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُتَعَيِّنَةٌ فيه وفي الْأُولَى التَّعَيُّنُ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ خَرَجَتْ بِحُرِّيَّةِ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَتَقَ كُلُّهُ وَلِلْوَرَثَةِ الْآخَرُ وَقِيمَةُ الْقَتِيلِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ما لو مَلَكَ غَيْرَهُمْ فَيُعْتِقُ ما يَخْرُجُ من الثُّلُثِ
الْخَصِيصَةُ الرَّابِعَةُ الْقُرْعَةُ سَقَطَ منه قَوْلُ أَصْلِهِ وَفِيهَا طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في مَحَلِّهَا بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ الثَّانِي بَعْدُ فإذا أَعْتَقَ في مَرَضِهِ عَبِيدًا وَضَاقَ الثُّلُثُ منهم ولم يُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَأَنْ قال لهم أَعْتَقْتُكُمْ أو أَنْتُمْ أَحْرَارٌ أو وَكَّلَ بِإِعْتَاقِ كُلٍّ منهم وَكِيلًا فَأُعْتِقُوا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِتَجْتَمِعَ الْحُرِّيَّةُ في بَعْضِهِمْ فَيَعْتِقُ بِكَمَالِهِ أو يَقْرَبُ من الْعِتْقِ أو أَعْتَقَهُمْ مُرَتِّبًا كَقَوْلِهِ سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ وَخَالِدٌ حُرٌّ قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ وَإِنْ قال سَالِمٌ وَغَانِمٌ وَخَالِدٌ أَحْرَارٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ أو حُرٌّ فَكَذَلِكَ إلَّا إنْ أَرَادَ الْأَخِيرَ منهم فَلَا يَقْرَعُ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَا إنْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَمِثْلُهُ ما إذَا لم يُرِدْ شيئا وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ فيها مُتَدَافِعٌ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ لَا غَيْرَهُ سَلِمَ من ذلك أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُمْ في صِحَّتِهِ أو في مَرَضِهِ ولم يَضِقْ الثُّلُثُ أو ضَاقَ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فَيَعْتِقُونَ جميعا وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك مع زِيَادَةٍ في الْوَصَايَا
وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِالْمَوْتِ كَأَنْ قال إذَا مِتّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ أو أَعْتَقْتُكُمْ بَعْدَ مَوْتِي أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ مُطْلَقًا يُغْنِي عنه قَوْلُهُ وَإِنْ رَتَّبَ التَّعْلِيقَ كَأَنْ قال إذَا مِتُّ فَسَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ وَخَالِدٌ حُرٌّ فَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ في وَقْتِ نَفَاذِ عِتْقِهِمْ كما مَرَّ في الْوَصَايَا وَإِنْ أَعْتَقَ ثُلُثَ كل وَاحِدٍ منهم كَأَنْ قال ثُلُثُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ أو أَثْلَاثُكُمْ أَحْرَارٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَقْتَصِرُ الْعِتْقُ على ثُلُثِ كُلٍّ منهم حَذَرًا من التَّشْقِيصِ في عَبْدِهِ لِأَنَّ إعْتَاقَ بَعْضِهِ كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ فَصَارَ كما لو قال أَعْتَقْتُكُمْ وَهَذِهِ قَدَّمَهَا كَأَصْلِهِ في الْوَصَايَا وَإِنْ قال إنْ مِتُّ فَسَالِمٌ حُرٌّ وَإِنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَغَانِمٌ حُرٌّ فَمَاتَ من ذلك الْمَرَضِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لِعَجْزِ الثُّلُثِ أَيْ عِنْدَ عَجْزِهِ عن عِتْقِهِمَا فَإِنْ بَرِئَ منه وَمَاتَ
____________________
(4/448)
بَعْدَهُ فَسَالِمٌ حُرٌّ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ أو قال إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ فَأَعْتَقَ غَانِمًا في مَرَضِ مَوْتِهِ وَوَسِعَهُمَا الثُّلُثُ عَتَقَا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَسَعْ إلَّا أَحَدَهُمَا فَغَانِمٌ يَعْتِقُ بِلَا قُرْعَةٍ لِأَنَّا لو أَقْرَعْنَا رُبَّمَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِالْحُرِّيَّةِ على سَالِمٍ فَيَلْزَمُ إرْقَاقُ غَانِمٍ فَيَفُوتُ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ وَكَذَا يَعْتِقُ غَانِمٌ بِلَا قُرْعَةٍ لو قال إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ حَالَ عِتْقِ غَانِمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا في مَرَضِهِ وَإِنْ عَلَّقَ بِعِتْقِهِ أَيْ غَانِمٍ عِتْقَ اثْنَيْنِ وَاتَّسَعَ الثُّلُثُ لِعِتْقِهِمْ عَتَقُوا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَتَّسِعْ إلَّا لِعِتْقِ أَحَدِهِمْ عَتَقَ غَانِمٌ وَلَا قُرْعَةَ فَإِنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْآخَرَيْنِ فَمَنْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ كُلُّهُ إنْ خَرَجَ كُلُّهُ وَبَعْضُهُ إنْ لم يَخْرُجْ إلَّا بَعْضُهُ وَإِنْ كان يَخْرُجُ منه أَحَدُهُمَا وَبَعْضُ الْآخَرِ عَتَقَ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَعَتَقَ من الْآخَرِ بَعْضُهُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ قال إنْ مِتُّ إلَى هُنَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْوَصَايَا مع أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَهُ في ذِكْرِ بَعْضِهِ ثَمَّ
فَرْعٌ يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ يوم الْمَوْتِ أَيْ قِيمَتِهِ فيه لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَنْ نَجَّزَ عِتْقَهُ في الْمَرَضِ يوم الْعِتْقِ أَيْ قِيمَتُهُ فيه كَذَلِكَ وَفِيمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ أَقَلَّ قِيمَةً من يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى أَنْ يَقْبِضُوا التَّرِكَةَ لِأَنَّهُ إنْ كانت قِيمَتُهُ يوم الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ في مِلْكِهِمْ أو يوم الْقَبْضِ أَقَلَّ فما نَقَصَ قبل ذلك لم يَدْخُلْ في يَدِهِمْ فَلَا يُحْسَبُ عليهم كَاَلَّذِي يُغْصَبُ أو يَضِيعُ من التَّرِكَةِ قبل أَنْ يَقْبِضُوهُ فإذا أَعْتَقَ عَبْدًا عِتْقًا مُنَجَّزًا وَأَوْصَى بِعِتْقِ آخَرَ قَوَّمْنَا كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتَهُ فَيُقَوَّمُ الْمُنَجَّزُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَالْآخَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ وَيُقَوَّمُ ما بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ بِأَقَلَّ قِيمَةٍ من الْمَوْتِ إلَى الْقَبْضِ فَإِنْ خَرَجَا من الثُّلُثِ عَتَقَا وَإِلَّا فَالْمُنَجَّزُ إنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ أو ما خَرَجَ منه إنْ لم يَخْرُجْ منه إلَّا قَدْرُهُ فَإِنْ زَادَ الثُّلُثُ على الْمُنَجَّزِ عَتَقَ مع الْمُنَجَّزِ من الْآخَرِ الزَّائِدُ
وَلَوْ قال الْمَرِيضُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ حُرٌّ وَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ منهم بِأَنْ قال أَعْتِقُوا أَحَدَهُمْ أَقْرَعَ بين التَّرِكَةِ وَالثُّلُثِ أَيْ مَيَّزَ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ لِتَعَذُّرِ التَّقْوِيمِ قبل تَمْيِيزِهِ ثُمَّ بين الْمُنَجَّزِ وَالْآخَرِ لِيَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عن الْآخَرِ فَيَكُونَانِ كما لو عَيَّنَا ابْتِدَاءً وقد مَرَّ حُكْمُهُ وَقِيلَ يَكْتُبُ رُقْعَةً لِلْعِتْقِ وَأُخْرَى لِلْوَصِيَّةِ وَرُقْعَتَانِ لِلتَّرِكَةِ فَمَنْ خَرَجَ له الْعِتْقُ أو الْوَصِيَّةُ فَكَأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِذَلِكَ وقد مَرَّ حُكْمُهُ وَهَذَا مع أَنَّهُ أَوْضَحُ من الْأَوَّلِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ أَوَّلًا عن الرُّويَانِيِّ ثُمَّ نَقَلَ الْأَوَّلَ عن الشَّامِلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ وَإِنْ أَوْهَمَ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ على الْأَوَّلِ خِلَافَهُ
فَرْعٌ من نَجَّزَ عِتْقَهُ مع غَيْرِهِ في مَرَضِ الْمَوْتِ وَأَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ حُكِمَ بِعِتْقِهِ من يَوْمِ عَتَقَ لَا من يَوْمِ الْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِلْعِتْقِ لَا مُثْبِتَةٌ له وَكَسْبُهُ الذي كَسَبَهُ من يَوْمِ عِتْقِهِ له فَلَا يُحْسَبُ من الثُّلُثِ سَوَاءٌ أَكَسَبَهُ في حَيَاةِ الْمُعْتِقِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ حَدَثَ على مِلْكِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ وَمَنْ رُقَّ منهم أَيْ من الْمُنَجَّزِ عِتْقُهُمْ فَكَسْبُهُ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ يُحْسَبُ معه على الْوَارِثِ من الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذلك لَا كَسَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ قبل الْقُرْعَةِ فَلَا يُحْسَبُ عليه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ أَيْ حَدَثَ على مِلْكِهِ حتى لو كان على سَيِّدِهِ دَيْنٌ بِيعَ فيه وَالْكَسْبُ لِلْوَارِثِ لَا يَقْضِي منه
فَلَوْ أَعْتَقَ في مَرَضِهِ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ مَعًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ وَقِيمَةُ كل وَاحِدٍ منهم مِائَةٌ فَكَسَبَ وَاحِدٌ منهم قبل مَوْتِ السَّيِّدِ مِائَةً ولم يُجِزْ الْوَارِثُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مَعًا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ خَرَجَتْ الْحُرِّيَّةُ أَيْ قُرْعَتُهَا لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَفَازَ بِكَسْبِهِ وَرُقَّ الْآخَرَانِ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ ثَلَثُمِائَةٍ وَثُلُثُهُ مِائَةٌ أو خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ من الْآخَرَيْنِ عَتَقَ ثُمَّ يُقْرَعُ ثَانِيًا لِاسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ بين الْآخَرِ وَالْكَاسِبِ لِزِيَادَةِ الْمَالِ حِينَئِذٍ على ثَلَثِمِائَةٍ لِدُخُولِ الْكَسْبِ أو بَعْضِهِ فيه فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ الثَّانِيَةِ لِلْآخَرِ عَتَقَ ثُلُثُهُ لِكَوْنِ الْمَالِ حِينَئِذٍ أَرْبَعَمِائَةٍ وَيَكُونُ ثُلُثًا وَالْكَاسِبُ وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا دَوْرَ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْكَاسِبِ حَصَلَ الدَّوْرُ لِأَنَّ كَسْبَهُ يَتَوَزَّعُ على ما عَتَقَ منه وعلى ما رُقَّ وَلَا يَحْسِبُ عليه حِصَّةَ ما عَتَقَ وَتَزِيدُ التَّرِكَةُ بِحِصَّةِ ما رُقَّ فَتَزِيدُ حِصَّةُ ما عَتَقَ فَتَنْقُصُ حِصَّةُ التَّرِكَةِ فَعُلِمَ أَنَّ مَعْرِفَةَ ما يَعْتِقُ منه مُتَوَقِّفَةٌ على مَعْرِفَةِ ما يَبْقَى من كَسْبِهِ لِلْوَرَثَةِ وَمَعْرِفَةُ ما يَبْقَى من ذلك مُتَوَقِّفَةٌ على مَعْرِفَةِ ما يَعْتِقُ منه
وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ أَنْ يَقُولَ عَتَقَ منه شَيْءٌ وَتَبِعَهُ مِثْلُهُ من كَسْبِهِ فَيَخْرُجُ من أَرْبَعِمِائَةٍ مِائَةٌ بِالْقُرْعَةِ الْأُولَى وَشَيْئَانِ بِالثَّانِيَةِ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَثُمِائَةٍ إلَّا شَيْئَيْنِ وما عَتَقَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ إذْ ليس الشَّيْءُ الثَّانِي مِمَّا عَتَقَ بَلْ تَابِعٌ له وَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَا ما عَتَقَ فَثَلَثُمِائَةِ إلَّا شَيْئَيْنِ تَعْدِلُ
____________________
(4/449)
مِثْلَيْ ما عَتَقَ وهو عَبْدٌ وَشَيْءٌ من عَبْدٍ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَشَيْئَانِ فَأُجْبِرَ وَقَابَلَ ثَلَثَمِائَةٍ تَعْدِلُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ فَأَسْقَطَ مِائَتَيْنِ بِمِائَتَيْنِ تَبْقَى مِائَةٌ تَعْدِلُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ فَالشَّيْءُ رُبُعُ الْمِائَةِ فَالْحُكْمُ أَنْ يَعْتِقَ منه رُبُعُهُ وَيَتْبَعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وهو ضِعْفُ ما عَتَقَ وَلَوْ اكْتَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَتَيْنِ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ لِغَيْرِ الْكَاسِبِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَالْكَاسِبُ وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ وَذَلِكَ ضِعْفُ ما عَتَقَ
وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْكَاسِبِ فَقَدْ عَتَقَ منه شَيْءٌ وَتَبِعَهُ من كَسْبِهِ مِثْلَاهُ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلَا قِيمَتِهِ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعُمِائَةٍ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ مِثْلَيْ ما عَتَقَ وهو مِائَةٌ وَشَيْءٌ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَشَيْئَانِ فَأُجْبِرَ وَقَابَلَ تَكُنْ أَرْبَعُمِائَةٍ تَعْدِلُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسَةَ أَشْيَاءَ فَأَسْقَطَ مِائَتَيْنِ بِمِائَتَيْنِ يَبْقَى مِائَتَانِ تَعْدِلُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ فَالشَّيْءُ خُمُسُ الْمِائَتَيْنِ وهو خَمْسُمِائَةٍ فَقَدْ عَتَقَ من الْكَاسِبِ خُمُسَاهُ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ وَتَبِعَهُ خُمُسًا كَسْبِهِ وَذَلِكَ ثَمَانُونَ فَاَلَّذِي عَتَقَ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَذَلِكَ سِتُّونَ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ وَبَاقِي الْكَسْبِ وهو مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَهِيَ مِثْلَا ما عَتَقَ وأما من كَسَبَ منهم بَعْدَ الْمَوْتِ شيئا فَكَسْبُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ من الثُّلُثِ فَإِنْ عَتَقَ فَازَ بِهِ كما لو كَسَبَهُ قبل الْمَوْتِ وَإِنْ رُقَّ فَازَ بِهِ الْوَرَثَةُ فَلَوْ كَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له عَتَقَ وَتَبِعَهُ كَسْبُهُ غير مَحْسُوبٍ عليه وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ وَرُقَّ الْآخَرَانِ وَلَا تُعَادُ الْقُرْعَةُ لِلْكَسْبِ بَلْ تَفُوزُ بِهِ الْوَرَثَةُ لِحُدُوثِهِ على مِلْكِهِمْ
وَكَسْبُ من أَوْصَى بِإِعْتَاقِهِ قبل الْمَوْتِ مِلْكٌ لِلْمُوصِي تَزِيدُ بِهِ التَّرِكَةُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ مِلْكٌ لِلْعَبْدِ لَا تَزِيدُ بِهِ التَّرِكَةُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي اسْتِحْقَاقًا مُسْتَقِرًّا
وَزِيَادَةُ قِيمَةِ من نَجَّزَ عِتْقَهُ كَكَسْبِهِ فَمَنْ عَتَقَ تَبِعَتْهُ الزِّيَادَةُ غير مَحْسُوبَةٍ عليه وَكَذَا وَلَدُ الْعَتِيقَةِ كَالْكَسْبِ فَلَوْ كان فِيمَنْ أَعْتَقَهُمْ أَمَةٌ فَوَلَدَتْ قبل مَوْتِهِ فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لها عَتَقَتْ وَتَبِعَهَا الْوَلَدُ غير مَحْسُوبٍ من الثُّلُثِ وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ من زَادَتْ قِيمَتُهُ أو وَلَدَتْ وَقَعَ الدَّوْرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مع زِيَادَةٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا مَرَّ
وَلَوْ قال الْمَرِيضُ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ أَنْت حُرَّةٌ أو ما في بَطْنِك حُرٌّ فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَمَاتَ قبل التَّعْيِينِ لِأَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ له عَتَقَ جَمِيعُهُ أو ما وَسِعَهُ الثُّلُثُ منه ولم يَعْتِقْ من الْأُمِّ شَيْءٌ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ خَرَجَتْ الْأُمُّ عَتَقَتْ وَتَبِعَهَا الْوَلَدُ إنْ وَفَّى بِهِمَا الثُّلُثُ فَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عنهما عَتَقَ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَتَبِعَهَا من الْوَلَدِ شَيْءٌ وَحَصَلَ الدَّوْرُ بِمَا تَقَرَّرَ في كَسْبِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَالْكَسْبِ فَلَوْ كانت قِيمَتُهُمَا سَوَاءً فَقُلْ عَتَقَ منها شَيْءٌ وَتَبِعَهَا من الْوَلَدِ شَيْءٌ غير مَحْسُوبٍ عليها يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ رَقِيقَانِ إلَّا شَيْئَيْنِ وَذَلِكَ يَعْدِلُ مِثْلَيْ ما عَتَقَ وهو شَيْءٌ وَذَلِكَ شَيْئَانِ فَأُجْبِرَ وَقَابَلَ يَكُنْ رَقِيقَانِ يَعْدِلَانِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ فَالشَّيْءُ نِصْفٌ فَيَعْتِقُ منها نِصْفُهَا وَيَتْبَعُهَا نِصْفُ الْوَلَدِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ نِصْفَاهُمَا وَذَلِكَ مِثْلَا ما عَتَقَ وَيُقَوَّمُ وَلَدُهَا يوم الْوِلَادَةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى ذلك قَبْلَهُ وَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَكْثَرَ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْمَوْتِ فَالْوَلَدُ كَكَسْبٍ حَصَلَ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ كان قد أَعْتَقَ مَعَهَا غَيْرَهَا وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لها عَتَقَتْ وَتَبِعَهَا الْوَلَدُ وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ ما عَتَقَ وَلَا تُعَادُ الْقُرْعَةُ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ حَدَثَ على مِلْكِ الْوَرَثَةِ أو وَلَدَتْ قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْمَوْتِ حُسِبَ الْوَلَدُ على الْوَرَثَةِ حتى تُعَادَ الْقُرْعَةُ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِمَّنْ نَجَّزَ عِتْقَهُمْ قبل الْمَوْتِ فَإِنْ نَقَصَ من خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ عَتَقَ وَحُسِبَ النَّقْصُ على الْوَرَثَةِ الْوَجْهُ قَوْلُ أَصْلِهِ عليه أَيْ على من عَتَقَ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِعِتْقِهِ من يَوْمِ الْإِعْتَاقِ أو نَقَصَ من رِقٍّ لم يُحْسَبْ عليهم أَيْ على الْوَرَثَةِ إذْ لم يَحْصُلْ لهم إلَّا النَّاقِصُ
فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَعَادَتْ أَيْ صَارَتْ خَمْسِينَ عَتَقَ خُمُسُهُ فَقَطْ لِأَنَّ قِيمَةَ الْخُمُسِ كانت عِشْرِينَ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعُونَ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَالَ عَتَقَ منه شَيْءٌ وَعَادَ إلَى نِصْفِ شَيْءٍ فَيَبْقَى خَمْسُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَيْ ما عَتَقَ وهو شَيْءٌ وَذَلِكَ شَيْئَانِ فَأُجْبِرَ وَقَابَلَ يَكُنْ خَمْسُونَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَالشَّيْءُ خُمُسٌ فَيَعْتِقُ منه خُمُسُهُ وقد كانت قِيمَتُهُ يوم الْإِعْتَاقِ عِشْرِينَ فَعَادَتْ إلَى عَشَرَةٍ وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَقِيمَتُهَا يوم الْمَوْتِ أَرْبَعُونَ وَهِيَ مِثْلَا ما عَتَقَ
وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَةُ كُلٍّ منهم مِائَةٌ فَعَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ أَيْ صَارَتْ خَمْسِينَ فَإِنْ قَرَعَ أَيْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ
____________________
(4/450)
وَحْدَهُ لِأَنَّهُ كانت قِيمَتُهُ يوم الْإِعْتَاقِ مِائَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهَا وَإِنْ قَرَعَ غَيْرُهُ عَتَقَ منه خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ يَبْقَى لِلْوَارِثِ سُدُسُهُ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ وَالنَّاقِصُ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَهِيَ ضِعْفُ ما عَتَقَ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ على الْوَرَثَةِ الْبَاقِي بَعْدَ النَّقْصِ وهو مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ
وَإِنْ كَانَا أَيْ عَتِيقَاهُ عَبْدَيْنِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا وَقِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةٌ وَنَقَصَتْ قِيمَةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ فَقَرَعَ الْآخَرُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُ مع الْعَبْدِ النَّاقِصِ وَهُمَا ضِعْفُ ما عَتَقَ أو قَرَعَ النَّاقِصُ حَصَلَ الدَّوْرُ لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى إعْتَاقِ بَعْضِهِ مُعْتَبَرًا بِيَوْمِ الْإِعْتَاقِ وَإِلَى إبْقَاءِ ضِعْفِهِ لِلْوَرَثَةِ مُعْتَبَرًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَالَ عَتَقَ منه شَيْءٌ وَعَادَ إلَى نِصْفِهِ فَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ ضِعْفَ ما عَتَقَ وهو شَيْءٌ وَذَلِكَ شَيْئَانِ فَأُجْبِرَ وَقَابَلَ يَكُنْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَالشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ فَيَعْتِقُ منه ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ كما قال وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ منه ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ سِتُّونَ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ يوم الْإِعْتَاقِ وَيَبْقَى خُمُسَاهُ عِشْرُونَ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ يوم الْمَوْتِ مع الْعَبْدِ الْآخَرِ لِلْوَرَثَةِ وَذَلِكَ ضِعْفُ السِّتِّينَ وَإِنْ حَصَلَ النَّقْصُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْإِقْرَاعِ لم يُحْسَبْ على الْوَارِثِ كما قبل الْمَوْتِ إلَّا إنْ كان قد قَبَضَهُ
الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَهِيَ أَنْ تُكْتَبَ الْأَسْمَاءُ أَيْ أَسْمَاءُ الْأَرِقَّاءِ في رِقَاعٍ ثُمَّ تُخْرَجُ على الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ أو يُكْتَبَانِ أَيْ الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ في الرِّقَاعِ وَتُخْرَجُ على الْأَسْمَاءِ وَالْكَيْفِيَّةُ الْأُولَى أَخْصَرُ وقد سَبَقَ ذلك تَامًّا في كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَلَا يَعْدِلُ عن الْقُرْعَةِ إلَى غَيْرِهَا فَإِنْ اتَّفَقَا أَيْ الْمُخْرِجُ وَالْأَرِقَّاءُ أو الْوَرَثَةُ وَالْأَرِقَّاءُ على طَيَرَانِ غُرَابٍ وَوَضَعَ صَبِيٌّ يَدَهُ أَيْ على أَنَّهُ إنْ طَارَ غُرَابٌ فَفُلَانٌ حُرٌّ أو أَنَّ من وَضَعَ عليه صَبِيٌّ يَدَهُ فَهُوَ حُرٌّ لم يُجْزِئْ وَعَلَى جَعْلِ ذلك إلَى اخْتِيَارِ أَحَدٍ وَلَوْ غير مُتَّهَمٍ فَكَذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا أَيْ من يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ عَبِيدًا وَمَنْ يَعْتِقُ منهم نِصْفَ من يُرَقُّ كَثَلَاثَةٍ أَثْبَتَ الرِّقَّ في رُقْعَتَيْنِ وَالْحُرِّيَّةَ بِرُقْعَةٍ أَيْ فيها لِأَنَّ الرِّقَّ ضِعْفُ الْحُرِّيَّةِ فَتَكُونُ الرِّقَاعُ على نِسْبَةِ الْمَطْلُوبِ في الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فإن ما يَكْثُرُ فَهُوَ أَحْرَى بِسَبْقِ الْيَدِ إلَيْهِ قال في الْأَصْلِ وفي كَلَامِهِمْ ما يَدُلُّ على اسْتِحْقَاقِ ذلك وَمِنْهُمْ من عَدَّهُ احْتِيَاطًا وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ حَيْثُ قال وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِرُقْعَتَيْنِ رُقْعَةِ حُرِّيَّةٍ وَرُقْعَةِ رِقٍّ فَإِنْ أَخْرَجْنَا رُقْعَةً بِاسْمِ أَحَدِهِمْ وَخَرَجَتْ الْحُرِّيَّةُ له أَوَّلًا قُضِيَ الْأَمْرُ أو خَرَجَ الرِّقُّ أُعِيدَتْ أَيْ الْقُرْعَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَ أَيْ مُخْرِجُهَا وَبَقِيَّةُ الْأَرِقَّاءِ أو الْوَرَثَةُ وَالْأَرِقَّاءُ في الْبُدَاءَةِ كَأَنْ قال الْمُخْرِجُ أُخْرِجُ بِاسْمِ هذا وقال الْآخَرُونَ أَخْرِجْ على أَسْمَائِنَا أو في كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ كَأَنْ قال أُخْرِجُ على الْحُرِّيَّةِ فَقَالُوا أَخْرِجْ على الرِّقِّ أو قال الْوَرَثَةُ أَخْرِجْ على الرِّقِّ فقال الْعَبِيدُ أَخْرِجْ على الْحُرِّيَّةِ فَالنَّظَرُ فيه إلَى وَلِيِّ ذلك أَيْ مُتَوَلِّي الْإِقْرَاعِ من قَاضٍ وَوَصِيٍّ وَنَحْوِهِمَا كما في الْقِسْمَةِ فَيَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مُضَايَقَاتِهِمْ وَمُقَابَلَةُ الْبُدَاءَةِ بِكَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ من تَصَرُّفِهِ مع أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُغْنِي عن الْآخَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ في الْإِقْرَاعِ إعْطَاءُ كل عَبْدٍ رُقْعَةً بَلْ يَكْفِي الْإِخْرَاجُ لِلرِّقَاعِ بِأَسْمَائِهِمْ أو أَعْيَانِهِمْ
فَصْلٌ في كَيْفِيَّةِ تَجْزِئَةِ الْأَرِقَّاءِ وَتَجْزِئَتُهُمْ تَقَعُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ هُمَا كُلُّ مِلْكِهِ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ أَيْ اسْمَيْهِمَا في رُقْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَ إحْدَاهُمَا على الرِّقِّ أو الْحُرِّيَّةِ أو كَتَبَ الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ في رُقْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَ على اسْمَيْهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ له الْحُرِّيَّةُ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَرُقَّ بَاقِيهِ مع الْآخَرِ فإن الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ لِلنَّفِيسِ مِنْهُمَا عَتَقَ نِصْفُهُ وَرُقَّ بَاقِيهِ مع الْآخَرِ أو خَرَجَتْ لِلْآخَرِ فَكُلُّهُ يَعْتِقُ وَرُقَّ الْآخَرُ
وَإِنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا مَالَ له سِوَاهُمْ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ كَمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ وَثَلَثِمِائَةٍ فَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ ثُمَّ أَخْرَجَ رُقْعَةً أُخْرَى فَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِي عَتَقَ نِصْفُهُ وَرُقَّ بَاقِيهِ مع الثَّالِثِ أو لِلثَّالِثِ فَثُلُثُهُ يَعْتِقُ وَيُرَقُّ بَاقِيهِ مع الثَّانِي وَإِنْ خَرَجَتْ أَوَّلًا لِلثَّانِي عَتَقَ وَرُقَّ أو لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَرُقَّ بَاقِيهِ وَالْآخَرَانِ وَلَهُ
____________________
(4/451)
أَنْ يَكْتُبَ الرِّقَّ في رُقْعَتَيْنِ وَالْحُرِّيَّةَ في رُقْعَةٍ وَيَخْرُجَ على أَسْمَائِهِمْ أو أَعْيَانِهِمْ وَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمْ فَإِنْ شَاءَ مُتَوَلِّي الْقُرْعَةِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وقال لِلْمُخْرِجِ أَخْرِجْ رُقْعَةً على الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ أو قال أَخْرِجْ على الرِّقِّ حتى يَتَعَيَّنَ في الْآخَرِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِخْرَاجُ على الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ على الرِّقَاعِ الرِّقَّ في رُقْعَتَيْنِ وَالْحُرِّيَّةَ في رُقْعَةٍ وقال أَخْرِجْ على اسْمِ سَالِمٍ أو أَشَارَ إلَى عَيْنِهِ وقال أَخْرِجْ على اسْمِ هذا فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ وَرُقَّ الْآخَرُ أو سَهْمُ الرِّقِّ رُقَّ وَأُخْرِجَتْ رُقْعَةٌ أُخْرَى على اسْمِ غَانِمٍ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ وَرُقَّ الثَّالِثُ أو سَهْمُ الرِّقِّ فَبِالْعَكْسِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ التَّوْزِيعُ أَيْ تَسْوِيَةُ الْأَجْزَاءِ بِالْعَدَدِ وَالْقِيَمِ كَسِتَّةٍ أو تِسْعَةٍ أو اثْنَيْ عَشَرَ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ مِثْلَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ كما في الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أو ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً كما في الثَّانِي أو أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً كما في الثَّالِثِ فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً ثَلَاثَةٌ قِيمَةُ كل وَاحِدٍ منهم مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ قِيمَةُ كل وَاحِدٍ منهم خَمْسِينَ بِإِعْرَابِهِ بِالْحَرَكَةِ على لُغَةٍ وَالْمَشْهُورُ خَمْسُونَ بِإِعْرَابِهِ بِالْحَرْفِ جُعِلَ مع كل نَفِيسٍ منهم خَسِيسٌ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ
وَكَذَا الْحُكْمُ في سِتَّةٍ اثْنَانِ منهم قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ قِيمَةُ كُلٍّ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ قِيمَةُ كُلٍّ مِائَةٌ فَيُجْعَلُ اللَّذَانِ قِيمَتُهُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ جُزْءًا وَيُجْعَلُ مع كل نَفِيسٍ خَسِيسٌ فَتَسْتَوِي الْأَجْزَاءُ عَدَدًا وَقِيمَةً أو أَمْكَنَ التَّوْزِيعُ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَخَمْسَةٍ قِيمَةٌ وَاحِدٍ منهم مِائَةٌ وقيمة اثْنَيْنِ مِائَةٌ وقيمة اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَزَّعَ جَمِيعَهُمْ أَيْ جُزِّئُوا كَذَلِكَ أَيْ وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أو أَمْكَنَ التَّوْزِيعُ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ مِثْلَ سِتَّةٍ قِيمَةُ وَاحِدٍ منهم مِائَةٌ وقيمة اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ جُزِّئُوا كَذَلِكَ أَيْ وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ كَثَمَانِيَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وُجُوبًا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّثْلِيثِ في الْقِيمَةِ من تَجْزِئَتِهِمْ بِأَرْبَعَةٍ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ مَثَلًا وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْخَبَرِ السَّابِقِ في الْوَصِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ الحديث وَيُكْتَبُ في رُقْعَةٍ حُرِّيَّةٌ وفي رُقْعَتَيْنِ رِقٌّ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ لَا يَجِبُ تَجْزِئَتُهُمْ ثَلَاثَةً بَلْ يُسْتَحَبُّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَ كل عَبْدٍ في رُقْعَةٍ فَيُخْرِجَ على الْحُرِّيَّةِ رُقْعَةً ثُمَّ أُخْرَى عليها ثُمَّ أُخْرَى عليها فَيَعْتِقَ الْأَوَّلَانِ وَثُلُثَا الثَّالِثِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ هو ما قال في الْأَصْلِ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي هو ما رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ على ثَلَاثَةٍ منهم رَقَّ غَيْرَهُمْ وَانْحَصَرَ الْعِتْقُ فِيهِمْ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ عِتْقٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ فَمَنْ خَرَجَ له الرِّقُّ رُقَّ ثُلُثُهُ وَعَتَقَ ثُلُثَاهُ مع الْآخَرِينَ وهو تَمَامُ الثُّلُثِ فإن الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ
وَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ أَوَّلًا على الِاثْنَيْنِ عَتَقَا ثُمَّ تُجَزَّأُ السِّتَّةُ ثَلَاثَةً بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ اثْنَيْنِ جُزْءًا ثُمَّ يُقْرَعَ فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ بِاسْمِ اثْنَيْنِ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ أَيْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ هذا إذَا كَتَبَ في الرِّقَاعِ الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ وَإِنْ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ في ثَلَاثِ رِقَاعٍ وَخَرَجَ اسْمُ الِاثْنَيْنِ وَعَتَقَا أَخْرَجَ رُقْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يُقْرِعُ بين الثَّلَاثَةِ الْمُسَمَّيْنَ فيها فَمَنْ قَرَعَ أَيْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَلَوْ كَانُوا سَبْعَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُزِّئُوا ثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ أو كَانُوا أَرْبَعَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُزِّئُوا اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا وَوَاحِدًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ من الْفَرْدَيْنِ عَتَقَ ثُمَّ أَقْرَعَ بين الثَّلَاثَةِ لِيُتِمَّ الثُّلُثَ فَمَنْ خَرَجَ له الْعِتْقُ عَتَقَ ثُلُثُهُ أو خَرَجَ لِاثْنَيْنِ رُقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا أَيْ الْأَوَّلَيْنِ فَيَعْتِقُ من قَرَعَ وَثُلُثُ الْآخَرِ أو كَانُوا خَمْسَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُزِّئُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا أو أَعْتَقَ عَبْدًا أو عَبِيدًا من عَبِيدِهِ على الْإِبْهَامِ جُزِّئُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً أو أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ
مَسَائِلُ سَبْعٌ الْأُولَى لو أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبِيدًا لَا مَالَ له غَيْرَهُمْ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لهم قُدِّمَ الدَّيْنُ على الْعِتْقِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عليها وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ في الثُّلُثَيْنِ مُقَدَّمٌ على الْعِتْقِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ على حَقِّ الْوَرَثَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ على الْعِتْقِ وَبِيعُوا وَصَرَفَ ثَمَنَهُمْ إلَى الدَّيْنِ وَإِنْ لم يَسْتَغْرِقْهُمْ أَقْرَعَ بين الدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ لِيَنْصَرِفَ الْعِتْقُ عَمَّا يَتَعَيَّنُ لِلدَّيْنِ فَلَوْ اسْتَغْرَقَ النِّصْفَ منه جُزِّئُوا جُزْأَيْنِ دَيْنًا
____________________
(4/452)
وَتَرِكَةً وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ دَيْنٍ وَسَهْمِ تَرِكَةٍ إمَّا بِكَتْبِ الْأَسْمَاءِ أَيْ أَسْمَاءِ كل جُزْءٍ في رُقْعَةٍ وَإِخْرَاجِ رُقْعَةٍ لِلدَّيْنِ أو التَّرِكَةِ أو بِكَتْبِ الدَّيْنِ في رُقْعَةٍ وَالتَّرِكَةِ في أُخْرَى وَيُلْقِي أَحَدَهُمَا على أَحَدِ الْأَجْزَاءِ أَيْ الْجُزْأَيْنِ أو اسْتَغْرَقَ الثُّلُثَ منهم جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ دَيْنٍ وَسَهْمَيْ تَرِكَةٍ أو اسْتَغْرَقَ رُبُعَهُمْ جَزَّأْنَاهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ دَيْنٍ وَثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ تَرِكَةٍ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَعَ لِلدَّيْنِ وَالْعِتْقِ وَالتَّرِكَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُخْرَجَ في مِثَالِ اسْتِغْرَاقِ الرُّبُعِ سَهْمَ دَيْنٍ وَسَهْمَ عِتْقٍ وَسَهْمَيْ تَرِكَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عِتْقٌ قبل قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ تَلِفَ الْمُعَيِّنُ لِلدَّيْنِ قبل قَضَائِهِ انْعَكَسَ الدَّيْنُ على الْبَاقِي من التَّرِكَةِ وَكَمَا لَا يُقْسَمُ شَيْءٌ على الْوَرَثَةِ قبل قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ ثُمَّ ما الْأَوْلَى من خَرَجَ منهم لِلدَّيْنِ بِالْقُرْعَةِ بِيعَ وَقَضَى بِهِ أَيْ بِثَمَنِهِ الدَّيْنَ ثُمَّ يُقْرَعُ لِلْعِتْقِ وَحَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَوْ قالوا يَقْضِي الدَّيْنَ من مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ في الْجَمِيعِ نَفَذَ لِأَنَّ الْمَانِعَ من النُّفُوذِ الدَّيْنُ فإذا سَقَطَ لِقَضَائِهِ من غَيْرِ الْعَبِيدِ نَفَذَ كما لو أَسْقَطَ الْوَرَثَةُ حَقَّهُمْ من ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَأَجَازَ وَأَعْتَقَ الْجَمِيعَ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في النُّفُوذِ قَضَاءُ الدَّيْنِ قَبْلَهُ وهو ظَاهِرٌ فَإِنْ لم يَكُنْ على الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَعَتَقَ بَعْضٌ بِالْقُرْعَةِ وَرُقَّ بَعْضٌ ثُمَّ وُجِدَ له مَالٌ غَيْرُهُمْ وَوَسِعَهُمْ الثُّلُثُ بِأَنْ كان الْمَالُ مِثْلَيْ قِيمَتِهِمْ عَتَقُوا كلهم أَيْ تَبَيَّنَ عِتْقُهُمْ من حِينِ الْإِعْتَاقِ وَأَخَذُوا أَكْسَابَهُمْ من حِينَئِذٍ وَكَذَا ما في مَعْنَاهَا من أَرْشِ جِنَايَةٍ وَوَلَدٍ وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عليهم كَمَنْ ظَنَّ صِحَّةَ نِكَاحِهِ الْفَاسِدِ لِامْرَأَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عليها لِأَنَّهُ أَنْفَقَ على أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِخِلَافِ ما لو أَنْفَقَ على الْبَائِنِ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عليها بِظَنِّ حَمْلِهَا لَا مُتَبَرِّعًا
فَإِنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ بَعْضُ من رُقَّ أَعْتَقْنَاهُ بِالْقُرْعَةِ كَأَنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا من ثَلَاثَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ ما يَخْرُجُ بِهِ عَبْدٌ آخَرُ من الثُّلُثِ أَقْرَعَ بين اللَّذَيْنِ أَرَقَقْنَاهُمَا فَمَنْ خَرَجَ له سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ وَلَوْ أَعْتَقْنَاهُمْ ولم يَكُنْ عليه دَيْنٌ ظَاهِرٌ ثُمَّ ظَهَرَ عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِلتَّرِكَةِ بَطَلَ الْعِتْقُ نعم إنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الْعِتْقَ وَقَضَى الدَّيْنَ من مَالٍ آخَرَ صَحَّ لِأَنَّ إجَازَتَهُ لِمَا زَادَ على الثُّلُثِ تَنْفِيذٌ لِمَا فَعَلَهُ الْمَيِّتُ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ منه مع زَوَالِ الْمَانِعِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ لم يَسْتَغْرِقْ لم تَبْطُلْ الْقُرْعَةُ وَلَكِنْ إنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِقَضَائِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِلَّا رَدَّ من الْعِتْقِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنْ كان الدَّيْنُ نِصْفَ التَّرِكَةِ رَدَّ من الْعِتْقِ النِّصْفَ أو ثُلُثُهَا رَدَّ منه الثُّلُثَ فَلَوْ كَانُوا مَثَلًا أَرْبَعَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ وَعَتَقَ بِالْقُرْعَةِ وَاحِدٌ وَثُلُثٌ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ عَبْدٍ بِيعَ فيه وَاحِدٌ غَيْرُ من خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ ثُمَّ يُقْرَعُ بين من خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا بِالْحُرِّيَّةِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْحُرِّ كُلِّهِ عَتَقَ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلَّذِي عَتَقَ ثُلُثُهُ فَثُلُثُهُ حُرٌّ وعتق من الْآخَرِ ثُلُثَاهُ أو كَانُوا سِتَّةً وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ وَعَتَقَ بِالْقُرْعَةِ اثْنَانِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ اثْنَيْنِ بِيعَ فيه اثْنَانِ غَيْرُ من خَرَجَتْ لَهُمَا الْقُرْعَةُ ثُمَّ يُقْرَعُ بين من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُمَا بِالْحُرِّيَّةِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ فَمَنْ خَرَجَ له سَهْمُ الرِّقِّ رُقَّ ثُلُثَاهُ وَعَتَقَ ثُلُثُهُ مع الْآخَرَانِ ظَهَرَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ قِيمَةِ ثَلَاثَةٍ منهم أُقْرِعَ بين اللَّذَيْنِ كان قد خَرَجَ لَهُمَا سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَ له مِنْهُمَا عَتَقَ وَرُقَّ الْآخَرُ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا قال لِأَرِقَّائِهِ أحدكم حُرٌّ أو أَعْتَقْت أَحَدَكُمْ وَنَوَى مُعَيَّنًا بَيَّنَهُ وُجُوبًا وَإِلَّا حُبِسَ عليه وَإِنْ بَيَّنَ وَاحِدًا لِلْعِتْقِ فَلِلْآخَرِ إنْ
____________________
(4/453)
كان أَهْلًا لِلتَّحْلِيفِ وَإِلَّا فَلِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ ما أَرَادَهُ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْآخَرُ عَتَقَا وَإِنْ قال أَرَدْت هذا بَلْ هذا عَتَقَا جميعا مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ قَتَلَ أَحَدَهُمْ أو وَطِئَ أَمَةً وقد أَعْتَقَ إحْدَى إمَائِهِ وَنَوَى مُعَيَّنَةً لم يَكُنْ ذلك بَيَانًا لِلْعِتْقِ في غَيْرِ الْمَقْتُولِ وَالْمَوْطُوءَةِ فَإِنْ بَيَّنَ الْحُرِّيَّةَ فِيمَنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ بَيَّنَهَا فِيمَنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ لِجَهْلِهَا بِالْعِتْقِ وَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ وَبَيَّنَ وَارِثُهُ الْعِتْقَ في وَاحِدٍ فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ يَمِينَ نَفْيِ الْعِلْمِ فَإِنْ لم يَعْلَمْ بِأَنْ قال لَا أَعْلَمُ أو لم يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَالَ قد أَشْكَلَ وَالْقُرْعَةُ تَعْمَلُ في الْمُعْتَقِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ لو سَمَّى الْمُعْتِقُ وَاحِدًا منهم وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ قال أُنْسِيته فَيُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ وَيُحْبَسُ عليه وَإِنْ عَيَّنَ وَاحِدًا فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ وَإِنْ مَاتَ قبل التَّذَكُّرِ وَبَيَّنَ وَارِثُهُ في وَاحِدٍ فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ يَمِينَ نَفْيِ الْعِلْمِ إلَى آخِرِ ما مَرَّ
وَإِنْ أَبْهَمَ الْعِتْقَ بِأَنْ لم يَنْوِ مُعَيَّنًا منهم وَقَفَ عَنْهُمْ حتى يُعَيِّنَ وَالتَّعْيِينُ وَاجِبٌ عليه وَلَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عليهم في هذه الْحَالَةِ وَكَذَا في الْحَالَةِ الْأُولَى هذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ عَيَّنَ الْعِتْقَ في أَحَدِهِمَا لم يُنَازِعْهُ الْآخَرُ إنْ وَافَقَهُ على الْإِبْهَامِ فَإِنْ قال عَيَّنْت هذا بَلْ هذا عَتَقَ الْأَوَّلُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ التَّعْيِينَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ نَوَيْت هذا بَلْ هذا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَيَقَعُ الْعِتْقُ في الْمُبْهَمِ حَالَ اللَّفْظِ لَا حَالَ التَّعْيِينِ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ
فَإِنْ أَبْهَمَ الْعِتْقَ في اثْنَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ لِلْعِتْقِ بِنَاءً على أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ حَالَ اللَّفْظِ وَوَطْءُ إحْدَاهُمَا أَيْ الْأَمَتَيْنِ يُعَيِّنُ الْأُخْرَى أَيْ لِعِتْقِهَا بِخِلَافِهِ في التَّبْيِينِ كما مَرَّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الطَّلَاقِ بِمَا مَرَّ فيه من أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَدَارَكُ بِهِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا حَدَّ بِهِ وَلَا مَهْرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ مع الْإِقْبَاضِ فيها وَالْإِجَارَةُ لِبَعْضِهِمْ كَالْوَطْءِ في التَّعْيِينِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا منها من تَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ وفي الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِوَطْءٍ أو بِغَيْرِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أنها تَعْيِينٌ كَالْوَطْءِ في الْفَرْجِ وَثَانِيهِمَا لَا لِأَنَّهَا أَخَفُّ منه وهو الْأَوْجَهُ لَا بِالِاسْتِخْدَامِ أَيْ لَا يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِهِ ولا الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَلَا الْعَرْضُ على الْبَيْعِ وَإِنْ الْأُولَى فَإِنْ عَيَّنَ من أَعْتَقَ قُبِلَ منه وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ عَتَقَا ويلزمه في مَقْتُولِهِ دِيَةٌ لِوَرَثَتِهِ إنْ عَيَّنَهُ لِلْعِتْقِ وَكَذَا الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقِصَاصِ لِلشُّبْهَةِ وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ لم يَلْزَمْهُ إلَّا الْكَفَّارَةُ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ قَتْلَهُ ليس تَعْيِينًا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَقَتْلُ الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ أَحَدَهُمْ في الضَّمَانِ كَقَتْلِهِ أَيْ الْمُعْتَقِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ إنْ عَيَّنَهُ الْمُعْتِقُ دُونَ الْقِصَاصِ وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا الْقِيمَةُ فَإِنْ مَاتَ قبل التَّعْيِينِ عَيَّنَ الْوَارِثُ لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَيُحَلِّفُ الْوَارِثُ الْمُوَرَّثَ فيه كما في خِيَارِ الْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لو قال لِأَمَتِهِ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا لم يَعْتِقْ أَيْ الْحَيُّ لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ كما لو قال أَوَّلُ عَبْدٍ رَأَيْته من عَبِيدِي حُرٌّ فَرَأَى أَحَدَهُمْ مَيِّتًا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فإذا رَأَى بَعْدَهُ حَيًّا لَا يَعْتِقُ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَمْ لَا
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لو قال لِعَبْدِهِ الْمَجْهُولِ نَسَبُهُ لَا على وَجْهِ الْمُلَاطَفَةِ أَنْت ابْنِي وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ بِأَنْ كان أَصْغَرَ منه بِمَا يَتَأَتَّى معه أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ عَتَقَ عليه وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ إنْ كان صَغِيرًا وَكَذَا كَبِيرًا إنْ صَدَّقَهُ وَيَعْتِقُ عليه فَقَطْ إنْ كَذَّبَهُ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ منه بِأَنْ كان أَكْبَرَ منه أو مثله سِنًّا أو أَصْغَرَ منه بِمَا لَا يَتَأَتَّى معه أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ لَغَا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَالًا فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ منه وكان مَعْرُوفَ النَّسَبِ من غَيْرِهِ عَتَقَ عليه ولم يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ ذلك يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَالْعِتْقِ فإذا لم يُقْبَلْ في النَّسَبِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لم تَمْتَنِعْ مُؤَاخَذَتُهُ بِالْعِتْقِ وَيَأْتِي مِثْلُ ذلك في قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بِنْتِي وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ هُنَا نَقْلًا عن الْإِمَامِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يا ابْنِي فإنه إنَّمَا يَعْتِقُ إذَا نَوَى بِهِ الْعِتْقَ كَنَظِيرِهِ في
____________________
(4/454)
الطَّلَاقِ وَالْفَرْقُ بين النِّدَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النِّدَاءَ تَكْثُرُ فيه الْمُلَاطَفَةُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ لو قال لِعَبْدَيْهِ أَعْتَقْتُ أَحَدَكُمَا أو أَحَدُكُمَا حُرٌّ على أَلْفٍ وَقَبِلَ كُلٌّ منها الْعِتْقَ بِالْأَلْفِ عَتَقَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ لم يَقْبَلَا فَلَا عِتْقَ لِتَعْلِيقِهِ بِالْقَبُولِ كما إذَا قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْ شِئْتُمَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا إذَا شَاءَ لَزِمَهُ الْبَيَانُ كما لو أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا بِلَا عِوَضٍ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَيْ قبل الْبَيَانِ ولم يُبَيِّنْ الْوَارِثُ أو لم يَكُنْ وَارِثٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَتَقَ وَعَلَى من عَتَقَ عِوَضٌ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لم يَتَبَرَّعْ بِإِعْتَاقِهِ وَالْعِوَضُ قِيمَتُهُ لَا الْمُسَمَّى لِفَسَادِهِ بِإِبْهَامِ من هو عليه كما في الْبَيْعِ وَإِنَّمَا حَصَلَ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَتَعَلُّقِهِ بِالْقَبُولِ وَهَذَا كما لو قال لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتِينِي عَبْدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا طَلُقَتْ وَلَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بَلْ يَرُدُّهُ وَيَرْجِعُ عليها بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَتَا أَيْ من قال لَهُمَا ذلك وَقَبِلَتَا أَمَتَيْنِ فَوَطْؤُهُ لِإِحْدَاهُمَا تَعْيِينٌ لِلْعِتْقِ في الْأُخْرَى وَقِيلَ لَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في نَظِيرِهِ حَيْثُ لَا عِوَضَ ثُمَّ ما ذُكِرَ من اشْتِرَاطِ قَبُولِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ هو الْمَنْقُولُ قال الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ لم يَقْصِدْ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَلَا بُدَّ من قَبُولِهِمَا وَإِنْ قَصَدَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ كَفَى قَبُولُهُ وَعَلَى ما قَالَهُ في الشِّقِّ الثَّانِي يَلْزَمُ الْمُسَمَّى
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ لو وَطِئَ ابن أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ في أَمَةٍ الْأَمَةَ بِنِكَاحٍ بِأَنْ زَوَّجَهَا له فَأَتَتْ بِوَلَدٍ منه عَتَقَ نِصْفُهُ على الْجَدِّ وَلَا يَسْرِي إلَى النِّصْفِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ جَدِّهِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ زَوَّجَ بِرِضَاهُ لِأَنَّ الْوَطْءَ وَالْعُلُوقَ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِاخْتِيَارِ الْجَدِّ
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ لو نَكَحَ جَارِيَةَ أبيه على أنها حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا منه لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهَا لِأَنَّ الْغُرُورَ أَوْجَبَ انْعِقَادَهُ حُرًّا ولم يَمْلِكْهُ الْجَدُّ حتى يَعْتِقَ عليه فَأَشْبَهَ سَائِرَ صُوَرِ الْغُرُورِ وَإِنْ كان عَالِمًا بِالْحَالِ مَلَكَهُ جَدُّهُ وَعَتَقَ عليه قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْعَقِدَ حُرًّا
فُرُوعٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ على شَخْصٍ بِقَوْلِهِ أَحَدُ عَبِيدِي أو إحْدَى نِسَائِي حُرٌّ أو طَالِقٌ وَبِأَنَّهُ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ أَحَدِ عَبِيدِهِ
وَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهَا وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ كَيْفَ شِئْت اشْتَرَطَ في حُصُولِ عِتْقِهِ مَشِيئَتَهُ أَيْ على الْفَوْرِ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ بِالْمَشِيئَةِ وقال الْبَنْدَنِيجِيُّ تَفَقُّهًا يَعْتِقُ بِلَا مَشِيئَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أنت حُرٌّ إيقَاعٌ لِلْعِتْقِ في الْحَالِ وَقَوْلَهُ كَيْفَ شِئْت مَعْنَاهُ على أَيِّ حَالٍ شِئْت وَلَيْسَ في لَفْظِهِ ما يَتَضَمَّنُ تَعْلِيقَهُ بِصِفَةٍ وما قَالَهُ هو الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن أبي زَيْدٍ وَالْقَفَّالِ في نَظِيرِهِ من الطَّلَاقِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وهو الْأَوْجَهُ وَإِنْ قال ابن الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّ الْأَوَّلَ أَشْبَهُ
وَإِنْ أَوْصَى إلَى وَارِثِهِ بِإِعْتَاقِ من يَخْرُجُ من ثُلُثِهِ وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ منه أَعْتَقَهُ السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَوَجَّهَ عليه فإذا امْتَنَعَ منه نَابَ عنه السُّلْطَانُ
وَإِنْ قَيَّدَ عَبْدَهُ وَحَلَفَ بِعِتْقِهِ أَنَّ قَيْدَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّهُ هو وَلَا غَيْرُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فَحَلَّ فَبَانَ قَيْدُهُ عَشَرَةً فَلَا شَيْءَ على الشَّاهِدِينَ بِكَسْرِ الدَّالِ لِيُنَاسِبَ شَهِدُوا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِحَلِّ الْقَيْدِ لَا بِمَا شَهِدُوا بِهِ لِتَحَقُّقِ كَذِبِهِمْ
وَإِنْ شَهِدَا أَيْ اثْنَانِ بِعِتْقِ الْمَرِيضِ غَانِمًا أو بِأَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَحَكَمَ بها أَيْ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِعِتْقِ سَالِمٍ أَوَبِأَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ أَيْ ثُلُثُ مَالِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْأَوَّلَانِ عن شَهَادَتِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُرَدُّ الْحُكْمُ بَعْدَ نُفُوذِهِ فَإِنْ خَرَجَتْ أَيْ الْقُرْعَةُ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ وَغَرِمَاهُ لِرُجُوعِهِمَا وَرُقَّ الثَّانِي فلم يَفُتْ على الْوَرَثَةِ شَيْءٌ وَإِلَّا بِأَنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِي عَتَقَ وَرُقَّ الْأَوَّلُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ من شَهِدَا بِهِ لم يَعْتِقْ قال الْبَغَوِيّ وَعِنْدِي يَعْتِقُ الثَّانِي بِلَا قُرْعَةٍ وَعَلَى الرَّاجِعِينَ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلْوَرَثَةِ
فَرْعٌ لو أَعْتَقَ الْوَارِثُ وهو مُوسِرٌ وَلَوْ غير حَائِزٍ أو مُعْسِرٌ حَائِزٌ أَمَةً زَوَّجَهَا أَبَاهُ بِعَبْدٍ لِغَيْرِهِ وَقَبَضَ مَهْرَهَا وَمَاتَ ولم يَدْخُلْ بها الزَّوْجُ وَلَا مَالَ له أَيْ لِلْأَبِ غَيْرُهَا وَأَتْلَفَ الْمَهْرَ نَفَذَ الْعِتْقُ في الْحَالِ فَإِنْ كان الْوَارِثُ مُوسِرًا فَلَهَا الْخِيَارُ في فَسْخِ النِّكَاحِ لِكَوْنِهَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَإِنْ فَسَخَتْ طَالَبَتْ الْوَجْهُ طَالَبَ أَيْ سَيِّدُهُ الْوَارِثَ بِمَهْرِهَا لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا على مُوَرِّثِهِ هذا إنْ كان مَهْرُهَا كَقِيمَتِهَا أو أَقَلَّ لِتَقْوِيَتِهِ التَّرِكَةَ فَإِنْ كان أَكْثَرَ منها لم يُطَالَبْ إلَّا بِالْقِيمَةِ أَيْ بِقَدْرِهَا لِأَنَّهُ لم يُفَوِّتْ إلَّا ذلك وَإِنْ كان الْوَارِثُ مُعْسِرًا تَعَذَّرَ
____________________
(4/455)
عليها الْفَسْخُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَهْرُ دَيْنًا على الْهَالِكِ فَيَمْنَعُ نُفُوذَ عِتْقِ الْأَمَةِ من الْوَارِثِ الْمُعْسِرِ فَفَسْخُهَا يُوجِبُ بُطْلَانَ عِتْقِهَا فَتَعَذَّرَ عليها الْفَسْخُ وَالْمَسْأَلَةُ دَوْرِيَّةٌ إذْ في إثْبَاتِ الْفَسْخِ نَفْيُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ الْمُعْسِرُ حَائِزًا عَتَقَ نَصِيبُهُ فَقَطْ وَلَا خِيَارَ هذا بَيَانٌ لِلتَّقَيُّدِ فِيمَا مَرَّ بِحَائِزٍ وَكِلَاهُمَا من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ قال الْوَارِثُ الْحَائِزُ لِلتَّرِكَةِ وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ أَعْتَقَ أبي في مَرَضِهِ غَانِمًا ثُمَّ قال بَلْ غَانِمًا وَسَالِمًا مَعًا ثُمَّ قال بَلْ الثَّلَاثَةَ مَعًا فَالْأَوَّلُ حُرٌّ بِكُلِّ حَالٍ لِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي لِإِقْرَارِهِ الثَّانِي فإن قَضِيَّتَهُ أَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَيَعْتِقُ إنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له ثُمَّ يُقْرَعُ بين الثَّلَاثَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً لِإِقْرَارِهِ الثَّالِثِ فإن قَضِيَّتَهُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَيَعْتِقُ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَيُؤَاخَذُ بِمُوجَبِ كل إقْرَارٍ وَلَا يُمَكَّنُ من الرُّجُوعِ عن مُقْتَضَى وَاحِدٍ منها فإذا أَقْرَعْنَا في الْمَرَّتَيْنِ فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ فِيهِمَا عَتَقَ وَحْدَهُ أو خَرَجَتْ له في الْأُولَى وَلِلثَّانِي في الثَّانِيَةِ أو بِالْعَكْسِ أو لِلثَّانِي فِيهِمَا عَتَقَا فَقَطْ أو لِلثَّانِي في الْأُولَى وَالثَّالِثِ في الثَّانِيَةِ عَتَقُوا كلهم أو لِلْأَوَّلِ في الْأُولَى وَالثَّالِثِ في الثَّانِيَةِ رُقَّ الثَّانِي فَقَطْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ فَكَانَ قِيمَةُ الْأَوَّلِ مِائَةً وقيمة الثَّانِي مِائَتَيْنِ وقيمة الثَّالِثِ ثَلَثَمِائَةٍ فَالْأَوَّلُ حُرٌّ بِكُلِّ حَالٍ لِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وهو دُونَ الثُّلُثِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي
فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ معه نِصْفُ الثَّانِي أو خَرَجَ لِلثَّانِي عَتَقَا الْأَوْلَى عَتَقَ معه لِأَنَّ مُوجَبَ إقْرَارِهِ الثَّانِي أَنْ يَعْتِقَ الثَّانِي بِكَمَالِهِ أو نِصْفُهُ وَالْأَوَّلُ ثُمَّ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْوَجْهُ ثُمَّ يُقْرَعُ بين الثَّلَاثَةِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ وَذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ الثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَذَلِكَ ثُلُثُ مَالِهِ أو لِلثَّانِي لم يَعْتِقْ الثَّالِثُ سَوَاءٌ أَخْرَجَتْ الْقُرْعَةُ الْأُولَى على الثَّانِي أَمْ لَا لِأَنَّهُ ثُلُثُ مَالِهِ ولم يَعْتِقْ من الثَّانِي إلَّا ما عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ الْأُولَى وهو نِصْفُهُ أو كُلُّهُ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْأَوَّلِ فَهُوَ نِصْفُ الثُّلُثِ فَتُعَادُ الْقُرْعَةُ لِإِكْمَالِ الثُّلُثِ بين الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَتْ على الثَّانِي رُقَّ الثَّالِثُ وَإِنْ خَرَجَتْ على الثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثُهُ لِأَنَّ ثُلُثَهُ مع الْأَوَّلِ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَوْلُهُ ولم يَعْتِقْ من الثَّانِي إلَّا ما عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ الْأُولَى وهو نِصْفُهُ هو ما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الشَّيْخِ أبي عَلِيٍّ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عليه اسْتِدْرَاكًا صَحِيحًا نَقَلَهُ عن الْإِمَامِ فقال إنَّ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَبِالْإِقْرَارِ الثَّالِثِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنْ لم تَكْمُلْ له الْحُرِّيَّةُ في الْقُرْعَةُ الْأُولَى لِخُرُوجِ سَهْمِ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يَكْمُلَ في الْقُرْعَةِ الثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ له لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْإِقْرَارِ الثَّالِثِ وَلِذَلِكَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْقِيَمِ إذَا لم يَعْتِقْ بِالْقُرْعَةِ الْأُولَى يَعْتِقُ بِالثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَ السَّهْمُ له نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قال وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ ما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ في هذا الْقِسْمِ وَقَوْلُهُ كَالرَّافِعِيِّ الْأَوَّلَيْنِ صَوَابُهُ الْآخَرَيْنِ
فَلَوْ كانت قِيمَةُ الْأَوَّلِ ثَلَثَمِائَةٍ وَالثَّانِي مِائَتَيْنِ وَالثَّالِثِ مِائَةً عَتَقَ من الْأَوَّلِ ثُلُثَاهُ ثُمَّ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ لم يَزِدْ شَيْءٌ على ما عَتَقَ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِي عَتَقَ كُلُّهُ ثُمَّ يُقْرَعُ بين الثَّلَاثَةِ فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْأَوَّلِ أو لِلثَّانِي لم يَزِدْ شَيْءٌ على ما عَتَقَ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ كُلُّهُ وقد عَتَقَ من قَبْلُ ما إذَا ضَمَّ إلَيْهِ ثَمَّ الثُّلُثَ بَلْ زَادَ فَرْعٌ لو مَاتَ عن ثَلَاثَةٍ من الْبَنِينَ مَثَلًا حَائِزُونَ لِتَرِكَتِهِ وعن ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ عَتَقَ في مَرَضِ مَوْتِهِ هذا الْعَبْدُ وقال الْآخَرُ بَلْ هو وَهَذَا مَعًا وقال الثَّالِثُ بَلْ الثَّلَاثَةَ مَعًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَوَّلِ وهو نَصِيبُ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ فَنَفَذَ في حِصَّتِهِ وَهِيَ ثُلُثُهُ ثُمَّ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ لِإِقْرَارِ الثَّانِي فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ منه ثُلُثٌ آخَرُ وهو نَصِيبُ الْمُقِرِّ الثَّانِي أو خَرَجَ لِلثَّانِي عَتَقَ ثُلُثُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ يُقْرَعُ بين الثَّلَاثَةِ فَمَنْ خَرَجَ له سَهْمُ الْعِتْقِ كَذَا في الْأَصْلِ أَيْضًا وَصَوَابُهُ فَمَتَى خَرَجَ لِلْأَوَّلِ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ قال الرَّافِعِيُّ وإذا اخْتَصَرْت قُلْت إنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ في الْمَرَّتَيْنِ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ جَمِيعُهُ أو لِلثَّانِي عَتَقَ ثُلُثَاهُ مع ثُلُثِ الْأَوَّلِ وَإِنْ خَرَجَ مَرَّةً لِلْأَوَّلِ وَأُخْرَى لِلثَّانِي عَتَقَ ثُلُثَا الْأَوَّلِ وَثُلُثُ الثَّانِي أو مَرَّةً لِلثَّانِي وَأُخْرَى لِلثَّالِثِ عَتَقَ من كُلٍّ ثُلُثُهُ وَلَا سِرَايَةَ هُنَا لِأَنَّهُمْ لم يُبَاشِرُوا الْإِعْتَاقَ وَلَا أَقَرُّوا بِهِ على أَنْفُسِهِمْ
وَإِنَّمَا أَقَرُّوا بِهِ على أَبِيهِمْ لَكِنْ من مَلَكَ
____________________
(4/456)
بَاقِيَ من أَقَرَّ بِعِتْقِهِ يَعْنِي من عَتَقَ بَعْضُهُ بِالْإِقْرَارِ عَتَقَ عليه لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ كَأَنْ كانت قِيمَةُ الْأَوَّلِ مِائَةً وَالثَّانِي مِائَتَيْنِ وَالثَّالِثِ ثَلَاثَمِائَةٍ فَيَعْتِقُ من الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقَرَّ بِأَنَّ الْأَبَ أَعْتَقَهُ وَحِصَّتُهُ منه الثُّلُثُ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي لِإِقْرَارِ الثَّانِي فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلثَّانِي عَتَقَ ثُلُثُهُ لِأَنَّ كُلَّهُ حُرٌّ بِزَعْمِ الثَّانِي إذَا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ له فإنه ثُلُثُ الْمَالِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ في حِصَّتِهِ أو لِلْأَوَّلِ عَتَقَ منه ثُلُثٌ آخَرُ وَمِنْ الثَّانِي سُدُسُهُ لِأَنَّ قَضِيَّةَ إقْرَارِهِ أَنْ يُعْتِقَ جَمِيعَ الْأَوَّلِ عِنْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ له وَمِنْ الثَّانِي نِصْفُهُ لِيُكْمِلَ الثُّلُثَ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ في حِصَّتِهِ من كل الْأَوَّلِ وَنِصْفِ الثَّانِي ثُمَّ يُقْرَعُ بين الثَّلَاثَةِ لِإِقْرَارِ الثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلثَّالِثِ عَتَقَ منه تُسْعَاهُ لِأَنَّ قَضِيَّةَ إقْرَارِهِ إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثَاهُ فَإِنَّهُمَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ في حِصَّتِهِ وهو ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ وَذَلِكَ تُسْعَا الْجُمْلَةِ أو لِلثَّانِي عَتَقَ منه ثُلُثُهُ لِأَنَّ قَضِيَّةَ إقْرَارِهِ عِتْقُ جَمِيعِهِ فإنه ثُلُثُ الْمَالِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ في حِصَّتِهِ أو لِلْأَوَّلِ عَتَقَ منه ثُلُثُهُ لِمِثْلِ هذا الْمَعْنَى لَكِنَّهُ لَا بُدَّ من كَمَالِ الثُّلُثِ فَتُعَادُ الْقُرْعَةُ مَرَّةً أُخْرَى لِيُعْتِقَ حِصَّتَهُ من تَمَامِ الثُّلُثِ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلثَّانِي عَتَقَ منه سُدُسُهُ لِأَنَّ نِصْفَهُ مع الْأَوَّلِ تَمَامُ الثُّلُثِ وَحِصَّتُهُ منه السُّدُسُ أو لِلثَّالِثِ عَتَقَ منه تُسْعُهُ لِأَنَّ ثُلُثَهُ مع الْأَوَّلِ تَمَامُ الثُّلُثِ وَحِصَّتُهُ منه التُّسْعُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ
فَرْعٌ له أَيْ لِمَيِّتٍ عَبْدَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا ثُلُثُ مَالِهِ فَشَهِدَ اثْنَانِ عليه أَنَّهُ أَعْتَقَ هذا وَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِالْآخَرِ أَيْ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنْ كَذَّبَ الشَّاهِدَيْنِ عَتَقَا أَيْ الْعَبْدَانِ الْأَوَّلُ بِالشَّهَادَةِ وَالثَّانِي بِالْإِقْرَارِ وَإِلَّا عَتَقَ الْأَوَّلُ بِمُوجَبِ الْبَيِّنَةِ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ لم يَعْتِقْ الثَّانِي أو خَرَجَتْ لِلثَّانِي عَتَقَ ولم يُرَقُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقًّ الْعِتْق بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ من إبْطَالِهِ بِالْإِقْرَارِ وقد تَعْمَلُ الْقُرْعَةُ في أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كما مَرَّ
فَرْعٌ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ بِأَيْدِيهِمْ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا وَنَسَبُهُ مَجْهُولٌ فقال أَحَدُهُمْ هِيَ أُمُّ وَلَدِي وهو وَلَدِي منها وقال الْآخَرُ هِيَ أُمُّ وَلَدِ أَبُونَا وهو أَخُونَا وقال الثَّالِثُ هُمَا مِلْكِي لم يَثْبُتْ نَسَبٌ لِلْوَلَدِ لَا من أَبِيهِمْ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمْ عليه وَلَا من الْمُسْتَلْحِقِ له إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيُصَدِّقَهُ على ما قَدَّمَهُ في بَابِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ وَتَقَدَّمَ ما فيه ثَمَّ وَالْمُقِرُّ بِاسْتِيلَادِ الْأَبِ لِلْأَمَةِ لَا شَيْءَ له لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شيئا وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْإِيلَادِ على أبيه لَا على نَفْسِهِ وَلِلْأَمَةِ تَحْلِيفُ مُنْكِرِي إيلَادَهَا أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَدَهَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الْآخَرِ على نَفْيِ ما يَدَّعِيهِ في الثُّلُثِ الذي بيده إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي ما بِيَدِ الْآخَرِ هذا يقول هِيَ مُسْتَوْلَدَتِي وَذَاكَ يقول هِيَ مِلْكِي وَأَحَدُهُمَا وهو مُدَّعِي الِاسْتِيلَادَ مُقِرٌّ بِإِتْلَافِ نَصِيبِ أَخِيهِ من الْأَمَةِ وَالْوَلَدِ بِالِاسْتِيلَادِ لها فَيَغْرَمُ له إنْ اعْتَرَفَ بِالشَّرِكَةِ فيها حِصَّةَ مُدَّعِي الْكُلَّ مِنْهُمَا وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا في أَيْدِي الثَّلَاثَةِ وَيَسْرِي الْإِيلَادُ إلَى نَصِيبِ مُدَّعِي الرِّقَّ بِاعْتِرَافِهِ
فَرْعٌ لو قال لِسَالِمٍ وَغَانِمٍ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ قال لِغَانِمٍ وَآخَرَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَمَاتَ ولم يُبَيِّنْ بِمَعْنَى يُعَيِّنْ أَقْرَعَ بين غَانِمٍ وَسَالِمٍ لِلْإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ لِسَالِمٍ عَتَقَ ثُمَّ تُعَادُ الْقُرْعَةُ بين غَانِمٍ وَالْآخَرِ فَمَنْ قَرَعَ أَيْ خَرَجَتْ له مِنْهُمَا قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ أَيْضًا أو خَرَجَتْ لِغَانِمٍ أَوَّلًا عَتَقَ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الثَّانِي الْآخَرَ فَإِنْ خَرَجَتْ له لم يَعْتِقْ غَيْرُهُ أو لِلْآخَرِ عَتَقَ أَيْضًا وقد تُؤَثِّرُ الْقُرْعَةُ في أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كما مَرَّ وَقِيلَ لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْقُرْعَةِ كَتَعْيِينِ الْمَالِكِ وَلَوْ عَيَّنَ غَانِمًا لِلْعِتْقِ ثُمَّ قال له وَلِآخَرَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ كان صَادِقًا ولم يَقْتَضِي ذلك عِتْقَ الْآخَرِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو قال لِأَرْبَعٍ من الْإِمَاءِ كُلَّمَا وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَوَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ حُرَّةٌ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُنَّ عَتَقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَنَزْعُ ذَكَرِهِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ لِإِبْهَامِ الْمَمْلُوكَةِ وَتَدْخُلُ الْمَوْطُوءَةُ في الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَإِنْ قُلْنَا الْوَطْءُ تَعْيِينٌ لِلْمِلْكِ في الْمُوَاطَأَةِ وَلِلْعِتْقِ في غَيْرِهَا وهو الْأَصَحُّ لَكِنَّ الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ بِلَا اسْتِدَامَةٍ ليس تَعْيِينًا لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِهِ وما لم يُوجَدْ لَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ وَالْوَطْءُ مع الِاسْتِدَامَةِ ليس تَعْيِينًا أَيْضًا لِأَنَّهُ وَطْءٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِالِاسْتِدَامَةِ عِتْقَ آخَرَ فَيُقْرَعُ على التَّقْدِيرَيْنِ بين الْأَرْبَعِ فَمَنْ خَرَجَ لها سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَتْ وَإِنْ وَطِئَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ عَتَقَ بِكُلِّ وَطْءٍ أَمَةٌ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ
____________________
(4/457)
فَيُقْرَعُ بِوَطْأَيْنِ بين الْأُولَى وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِوَطْئِهِمَا لِلْمِلْكِ وَالرَّابِعَةُ لم يَطَأْهَا بها وَاسْتِدَامَةُ وَطْءِ الْأُولَى ليس بِإِمْسَاكٍ فَيَتَرَدَّدُ الْعِتْقُ الْمُسْتَحَقُّ بَيْنَهُمَا فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ لِلرَّابِعَةِ عَتَقَتْ وَبِوَطْءِ الثَّانِيَةِ يُسْتَحَقُّ عِتْقٌ آخَرُ لَكِنْ لَا حَظَّ فيه لِلرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهَا بِالْوَطْءِ فَهُوَ إذَنْ مُتَرَدِّدٌ بين الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُقْرَعُ بين الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَمَنْ خَرَجَتْ لها قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَتْ وَبِوَطْءِ الثَّالِثَةِ يُسْتَحَقُّ عِتْقٌ آخَرَ وَلَا حَظَّ فيه لِلرَّابِعَةِ وَلَا لِمَنْ عَتَقَ من الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَإِنْ عَتَقَتْ الْأُولَى أَقْرَعْنَا بين الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَإِنْ عَتَقَتْ الثَّانِيَةُ أَقْرَعْنَا بين الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فَإِنْ الْأَوْلَى وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ الْأُولَى لِلْأُولَى دُونَ الرَّابِعَةِ عَتَقَتْ وَبِوَطْءِ الثَّانِيَةِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ لِأَنَّ الْأُولَى عَتَقَتْ وَالثَّانِيَةَ تَعَيَّنَتْ بِالْوَطْءِ لِلْإِمْسَاكِ فَمَنْ خَرَجَتْ لها الْقُرْعَةُ عَتَقَتْ وَبِوَطْءِ الثَّالِثَةِ يُسْتَحَقُّ عِتْقٌ آخَرُ لَا حَظَّ فيه لِلْأُولَى وَلَا لِمَنْ عَتَقَتْ من الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَإِنْ عَتَقَتْ الثَّانِيَةُ قَرَعْنَا بين الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَإِنْ عَتَقَتْ الرَّابِعَةُ أَقْرَعْنَا بين الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَإِنْ وَطِئَ الْأَرْبَعَ عَتَقْنَ كُلُّهُنَّ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالضَّابِطُ فيه أَنْ يَنْظُرَ في كل قُرْعَةٍ فَمَنْ بَانَ أنها عَتَقَتْ قبل وَطْئِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ أو بَعْدَهُ أو بِوَطْئِهَا فَلَا وَيَحْتَاجُ لِلْمَهْرِ في هذا الْمِثَالِ إلَى الْإِقْرَاعِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بين الْأَرْبَعِ مَرَّةً بِسَهْمِ عِتْقٍ وَثَلَاثَةِ أَسْهُمِ رِقٍّ ثُمَّ مَرَّةً بين ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ بِسَهْمِ عِتْقٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ ثُمَّ مَرَّةً بين الْبَاقِيَتَيْنِ بِسَهْمِ عِتْقٍ وَسَهْمِ رِقٍّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو بَعْدَهُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَلَا قُرْعَةَ في حَيَاتِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ بِمَعْنَى التَّعْيِينِ فَلَا تَكُونُ الْقُرْعَةُ فِيمَا مَرَّ وَنَحْوِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ
وَإِنْ قال كُلَّمَا وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَوَاحِدَةٌ من صَوَاحِبِهَا حُرَّةٌ وَوَطِئَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَوَطِئَهُنَّ عَتَقَتْ الرَّابِعَةُ بِوَطْءِ الْأُولَى وعتقت الْأُولَى بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ وعتقت الثَّانِيَةُ بِوَطْءِ الثَّالِثَةِ وَرُقَّتْ الثَّالِثَةُ بِنَاءً على أَنَّ الْوَطْءَ تَعْيِينٌ لِلْمِلْكِ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلَا يَجِبُ لِمَنْ عَتَقَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ وَيَجِبُ لِمَنْ بَانَ عِتْقُهَا قَبْلَهُ
وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْوَطْءِ كَتَعْلِيقِهِ بِالطَّلَاقِ فَلَوْ كان له عَبِيدٌ وَأَرْبَعُ إمَاءٍ فقال كُلَّمَا وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَعَبْدٌ من عَبِيدِي حُرٌّ وَكُلَّمَا وَطِئْت ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ وَكُلَّمَا وَطِئْت ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ وَكُلَّمَا وَطِئْت أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ فَوَطِئَ الْأَرْبَعَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ كُلَّمَا طَلَّقْت امْرَأَةً فَعَبْدٌ من عَبِيدِي حُرٌّ إلَى آخِرِ التَّصْوِيرِ وقد مَرَّ في الطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْتِقُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا
فَرْعٌ لو اشْتَرَى في مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ وَكَانَتْ الْمُحَابَاةُ قَدْرَ الثُّلُثِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وهو يُسَاوِي مِائَةً وَمَالُهُ ثَلَثُمِائَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ صَحَّ الشِّرَاءُ لَا الْعِتْقُ لِتَقَدُّمِ الْمُحَابَاةِ عليه سَوَاءٌ أَوْفَرَ الثَّمَنَ أَمْ لَا لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِمُعَارَضَةٍ وَالْمُعَارَضَةُ تَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ
فَرْعٌ لو أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ من حَمْلِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وهو مُوسِرٌ وَوَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من إعْتَاقِهِ فَهُوَ حُرٌّ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالسِّرَايَةِ فَيَلْزَمُهُ أَيْ الْمُعْتِقَ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ وفي نُسْخَةٍ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ يوم الْوِلَادَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ قَبْلَهَا فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عليه غُرَّةٌ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ له بِالْحُرِّيَّةِ وَعَلَى الْمُعْتِقُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلشَّرِيكِ وَإِنْ زَادَ على قِيمَةِ الْغُرَّةِ لِأَنَّ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِالْعُشْرِ أو أَلْقَتْهُ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ على الْمُعْتِقِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هل كان حَيًّا وَلَا أَنَّهُ عَتَقَ حتى يُقَالُ إنَّهُ أَتْلَفَهُ على شَرِيكِهِ
فَرْعٌ لو خَلَفَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ كُلٌّ منهم ثُلُثُ مَالِهِ فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ هَذَيْنِ وفي نُسْخَةٍ أَحَدَ هَذَيْنِ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَاعْتَرَفَ الْوَارِثُ بِهِ أَيْ بِالْإِعْتَاقِ في أَحَدِهِمَا مُعَيِّنًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ في إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ من الْعِتْقِ فَمَنْ قَرَعَ أَيْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ وَحْدَهُ إنْ كان هو الذي عَيَّنَهُ الْوَارِثُ وَإِنْ كان هو الْآخَرُ وقد كَذَّبَ الشَّاهِدَيْنِ بِعِتْقِهِ عَتَقَا جميعا الْمُعَيَّنُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ وَالْآخَرُ بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ التي اقْتَضَتْهَا الشَّهَادَةُ وَإِنْ لم يُكَذِّبْهُمَا بِذَلِكَ كَأَنْ قال لَا أَدْرِي حَالَ الْآخَرِ عَتَقَ من قَرَعَ مِنْهُمَا وَرُقَّ الْآخَرُ وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ دَفْعَةً وَكَذَّبَهُمَا في وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ أُقْرِعَ بين الثَّلَاثَةِ فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِلْمُكَذَّبِ بِهِ أَيْ بِعِتْقِهِ عَتَقَ وَأُقْرِعَ بين الْآخَرَيْنِ فَمَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا عَتَقَ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ أَوَّلًا لِأَحَدِ الْآخَرَيْنِ عَتَقَ وَحْدَهُ دُونَ الْآخَرَيْنِ
الْخَصِيصَةُ الْخَامِسَةُ الْوَلَاءُ هو بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ لُغَةً الْقَرَابَةُ مَأْخُوذٌ من
____________________
(4/458)
الْمُوَالَاةِ وَهِيَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَشَرْعًا عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا ما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في سَبَبِهِ وهو زَوَالُ الْمِلْكِ بِالْحُرِّيَّةِ عن الرَّقِيقِ وَيُقَالُ هو عِتْقُ الْمَمْلُوكِ على مَالِكِهِ فَمَنْ عَتَقَ عليه رَقِيقٌ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَلَوْ بِبَيْعِ عَبْدِهِ نَفْسَهُ أو تَدْبِيرِهِ أو إيلَادِهَا أو بِأَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ أو الْإِبْرَاءِ منها أو بِمِلْكِ بَعْضِهِ أو بِإِعْتَاقِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ أو حَصَلَ بِتَعْلِيقِهِ بِصِفَةٍ فَوَلَاؤُهُ له لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ نعم لو أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عليه وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ له بَلْ هو مَوْقُوفٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِزَعْمِهِ لم يَثْبُتْ له عليه وَإِنَّمَا عَتَقَ مُؤَاخَذَةً له بِقَوْلِهِ
وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ كَعَكْسِهِ وَإِنْ لم يَتَوَارَثَا كما تُثْبِتُهُ عَلَقَةُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لم يَتَوَارَثَا
وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِعْتَاقِ كَإِسْلَامِ شَخْصٍ على يَدَيْ غَيْرِهِ وَكَالْحَلِفِ وَالْمُوَالَاةِ كما لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِذَلِكَ فَعِتْقُك عَبْدَك عن غَيْرِك بِإِذْنِهِ صَحِيحٌ مُثْبِتٌ له الْوَلَاءَ عليه وَبِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَثْبُتُ له الْوَلَاءُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ من أَنَّهُ يَثْبُتُ له لَا لِلْمَالِكِ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ في أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ لِخَبَرِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ الْقَرَابَةُ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَلَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لو وُرِّثَ لَاشْتَرَكَ فيه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَاخْتَصَّ الِابْنُ الْمُسْلِمُ بِالْإِرْثِ بِهِ فِيمَا لو مَاتَ الْمُعْتِقُ الْمُسْلِمُ عن ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ عنهما
فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ على أَنْ لَا وَلَاءَ له عليه أو على أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً أو على أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لم يَبْطُلْ وَلَاؤُهُ ولم يَنْتَقِلْ كَنَسَبِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كُلُّ شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وكما يَثْبُتُ الْوَلَاءُ على الْعَتِيقِ يَثْبُتُ على أَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ وَعَتِيقِ عِتْقِهِ لِأَنَّ النِّعْمَةَ على الْأَصْلِ نِعْمَةٌ على الْفَرْعِ وَلَا وَلَاءَ على من أَبُوهُ حُرٌّ أَصْلِيٌّ ولم يَمَسَّ الرِّقُّ أَحَدَ آبَائِهِ وَأُمُّهُ عَتِيقَةٌ لَا من جِهَةِ الْأَبِ إذْ لَا وَلَاءَ عليه وَإِنْ كانت حُرِّيَّتُهُ غير مُتَيَقَّنَةٍ بِأَنْ كانت مَبْنِيَّةً على ظَاهِرِ الدَّارِ وَإِنَّ الْأَصْلَ في الناس الْحُرِّيَّةُ وَلَا من جِهَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَلَا وَلَاءَ عليه فَكَذَا الْفَرْعُ فإن ابْتِدَاءَ حُرِّيَّةِ الْأَبِ يُبْطِلُ دَوَامَ الْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كما سَيَأْتِي فَدَوَامُهَا أَوْلَى بِأَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتَهُ لهم وَلَا على ابْنِ حُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ مَاتَ أَبُوهُ رَقِيقًا فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَهَلْ عليه وَلَاءٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَعْدَهُ كما لو كان أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ وَمَنْ مَسَّهُ من هَؤُلَاءِ رِقٌّ فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ وَلِعَصَبَتِهِ لَا لِمُعْتِقِ أَحَدِ أُصُولِهِ سَوَاءٌ أَوَجَدُوا في الْحَالِ أَمْ لَا لِأَنَّ نِعْمَةَ من أَعْتَقَهُ عليه أَعْظَمُ من نِعْمَةِ من أَعْتَقَ بَعْضَ أُصُولِهِ وَقَوْلُهُ وَمَنْ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِيمَا مَرَّ
فَرْعٌ من انْعَقَدَ حُرًّا وَأَبَوَاهُ عَتِيقَانِ أو أَبَاهُ عَتِيقٌ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أبيه تَبَعًا لِأَبِيهِ وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ حُرًّا أَصْلِيًّا وَأَبَوَاهُ رَقِيقَانِ في السَّبْيِ بِأَنْ يُسْتَرَقَّ الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ وفي الْغُرُورِ بِأَنْ يُغَرَّ رَقِيقٌ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وفي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وفي اللَّقِيطَةِ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ رَقِيقًا ثُمَّ تُقِرَّ بِالرِّقِّ فَأَوْلَادُهَا قبل الْإِقْرَارِ أَحْرَارٌ فَإِنْ كان الْأَبُ رَقِيقًا فَالْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبَ وَالْوَلَدُ حَيٌّ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أبيه لِأَنَّ الْوَلَاءَ تِلْوَ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ كان لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْوَلَاءِ على الْأَبِ وقد زَالَتْ بِعِتْقِهِ فَانْجَرَّ لِمَوَالِيهِ وَكَذَا يَنْجَرُّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ أبي الْأَبِ وَإِنْ عَلَا في حَيَاةِ الْأَبِ الرَّقِيقِ كما يَنْجَرُّ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ
وَلَوْ اشْتَرَى ابن الْعَتِيقَةِ أَبَاهُ ثَبَتَ له عليه وَعَلَى أَوْلَادِهِ الْوَلَاءُ كما لو أَعْتَقَهُ غَيْرُ الِابْنِ لَكِنْ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ من مَوَالِي الْأُمِّ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ له على نَفْسِهِ وَلَاءٌ وَلِهَذَا لو اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ كان وَلَاؤُهُ لِبَائِعِهِ كما مَرَّ وإذا تَعَذَّرَ جَرُّهُ بَقِيَ مَوْضِعَهُ
وَلَوْ خُلِقَ حُرٌّ من حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ وفي أَجْدَادِهِ رَقِيقٌ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَأَجْدَادُهُ أَرِقَّاءٌ وَيُتَصَوَّرُ ذلك في نِكَاحِ الْمَغْرُورِ وفي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا قَدَّمْته فَإِنْ عَتَقَتْ أُمُّ أبيه فَالْوَلَاءُ عليه لِمُعْتِقِهَا فَإِنْ عَتَقَ أبو أُمِّهِ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوْلَاهُ فإذا أُعْتِقَتْ أُمُّ أبيه انْجَرَّ إلَى مَوْلَاهَا فإذا أُعْتِقَ أبو أبيه انْجَرَّ إلَى مَوْلَاهُ فَإِنْ كان الْأَبُ رَقِيقًا فَأُعْتِقَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ انْجَرَّ إلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُبُوَّةِ أَقْوَى وَاسْتَقَرَّ عليه حتى لَا يَعُودَ إلَيَّ من انْجَرَّ إلَيْهِ منه كما سَيَأْتِي
فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ الذي عليه الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أُمِّهِ وَالْأَبُ رَقِيقٌ فَمِيرَاثُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَإِنْ
____________________
(4/459)
عَتَقَ الْأَبُ بَعْدُ لم يَسْتَرِدَّهُ مَوْلَاهُ بَلْ الْعِبْرَةُ بِحَالِ الْمَوْتِ وَلَيْسَ له وَلَاءٌ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ مَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لم يَزَلْ في جَانِبِ الْأَبِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ من وَقْتِ عَتَقَ الْأَبُ عن مَوَالِي الْأُمِّ فَإِنْ انْقَرَضَ مَوَالِي الْأَبِ بَعْد الِانْجِرَارِ إلَيْهِمْ من مولى الْأُمِّ أو مولى الْجَدِّ لم يَعُدْ إلَى من انْجَرَّ منه إلَيْهِمْ بَلْ وَارِثُهُ حِينَئِذٍ بَيْتُ الْمَالِ
فَرْعٌ لو أَعْتَقَ أَمَتَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ بِعَتِيقٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْعِتْقِ فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ لَا لِمُعْتِقِ الْأَبِ لِأَنَّهُ بَاشَرَ إعْتَاقَهُ بِإِعْتَاقِهَا وَوَلَاءُ الْمُبَاشَرَةِ مُقَدَّمٌ على وَلَاءِ السِّرَايَةِ أو أَتَتْ بِهِ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وهو لَا يَفْتَرِشُهَا فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ أَيْضًا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ يَدُلُّ على تَقْدِيرِ وُجُودِهِ حِينَئِذٍ أو لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وهو يَفْتَرِشُهَا أو لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ وهو لَا يَفْتَرِشُهَا أو يَفْتَرِشُهَا كما فُهِمَ بِالْأُولَى فَهُوَ لِمُعْتِقِ الْأَبِ لِأَنَّا في الْأُولَى لَا نَعْلَمُ وُجُودَهُ يوم الْعِتْقِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالِافْتِرَاشُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْحُدُوثِ بَعْدَهُ وفي الثَّانِيَةِ يُعْلَمُ حُدُوثُهُ لِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ على أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ أو لِأَقَلَّ من فَوْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ أَتَتْ بِهِ في الْأُولَى لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وفي الثَّانِيَةِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَلِمُعْتِقِ الْأُمِّ الْوَلَاءُ عليه لِظُهُورِ أَنَّهُ كان مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا مَفْهُومٌ من تَقْيِيدِهِ فيها بِالْفَوْقِيَّةِ وَكِلَاهُمَا من زِيَادَتِهِ وهو حَسَنٌ خِلَافُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ
وَمَنْ أَعْتَقَ مُزَوَّجَةً بِرَقِيقٍ فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ عِتْقِهَا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا يَنْجَرُّ لِمُعْتِقِ أبيه إنْ أَعْتَقَهُ بَعْدُ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُبَاشَرَةٌ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ ولم تَكُنْ مُفَارِقَةً لِلزَّوْجِ وكان يَفْتَرِشُهَا فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ أُمِّهِ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَ الْأَبُ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مُعْتِقِهِ لِأَنَّا لم نَتَحَقَّقْ وُجُودَهُ يوم عِتْقِ الْأُمِّ فَإِنْ كانت مُفَارِقَةً وَوَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعٍ من السِّنِينَ من الْفُرْقَةِ فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ أو لِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ في الْأُولَى وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ في الثَّانِيَةِ لَحِقَ الزَّوْجَ وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ فإذا عَتَقَ الْأَبُ فَفِي الِانْجِرَارِ إلَى مُعْتِقِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ في تَهْذِيبِهِ لَا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ يَدُلُّ على وُجُودِهِ يوم الْعِتْقِ فَيَقَعُ عِتْقُهُ مُبَاشَرَةً وَالثَّانِي نعم وَيُجْعَلُ حَادِثًا وَيُفَارِقُ النَّسَبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْأَقَلِّ في الْأُولَى مَفْهُومٌ من تَقْيِيده قَبْلُ بِفَوْقِ وَكِلَاهُمَا من زِيَادَتِهِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ لِلْأَصْلِ في الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ من مَسْأَلَتَيْ عِتْقِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِعَتِيقٍ من حَذَفَ فَوْقَ حَذَفَ أَكْثَرَ هُنَا
فَإِنْ نَفَاهُ الْأَبُ بِاللَّعَّانِ بَقِيَ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى الْأُمِّ في الظَّاهِرِ فَإِنْ عَادَ الْأَبُ وَاسْتَلْحَقَهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَحِقَهُ وَاسْتَرَدَّ من مولى الْأُمِّ إرْثَهُ فِيمَا إذَا اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا وَلَاءَ لهم
وَإِنْ غُرَّ الزَّوْجُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا فَأَوْلَدَهَا بِظَنِّ أنها حُرَّةٌ ثُمَّ على أنها أَمَةٌ فَأَوْلَدَهَا ثَانِيًا فَالثَّانِي رَقِيقٌ وَالْأَوَّلُ حُرٌّ فَلَوْ أَعْتَقَهُ أَيْ الثَّانِيَ السَّيِّدُ مع أُمِّهِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبَ انْجَرَّ وَلَاءُ الْأَوَّلِ إلَى مُعْتِقِ الْأَبِ لَا وَلَاءِ الثَّانِي لِمُبَاشَرَةِ السَّيِّدِ عِتْقَهُ
فَإِنْ نَكَحَهَا عَالِمًا بِأَنَّهَا أَمَةٌ وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ عَتَقَتْ فَأَوْلَدَهَا ثَانِيًا فَالثَّانِي حُرٌّ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ وَالْأَوَّلُ رَقِيقٌ وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْوَلَاءِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْإِرْثُ وَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ وقد ذُكِرَتْ في مَحَالِّهَا وَكَذَا التَّقَدُّمُ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وفي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ فَيَرِثُهُ أَيْ الْعَتِيقَ الْمُعْتِقُ حَيْثُ لَا عَصَبَةَ معه من النَّسَبِ يَأْخُذُ كُلَّ الْمَالِ أو يَأْخُذُ ما بَقِيَ وفي نُسْخَةٍ يَبْقَى بَعْدَ الْفُرُوضِ فَإِنْ كان معه عَصَبَةٌ يَأْخُذُ ذلك لم يَرِثْ ثُمَّ يَرِثُهُ عَصَبَاتُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ وَهَكَذَا من أَهْلِ الْوَلَاءِ مُعْتِقُ أبيه وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلَا لَا مُعْتِقُ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ له
فَصْلٌ الْوَارِثُ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ كُلُّ ذَكَرٍ يَكُونُ عَصَبَةً لِلْمُعْتِقِ لو مَاتَ الْمُعْتِقُ يوم مَوْتِ الْعَتِيقِ بِصِفَةِ الْعِتْقِ من إسْلَامٍ أو كُفْرٍ فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ وَلِلْمُعْتِقِ أَوْلَادٌ أو إخْوَةٌ وَرِثَهُ الذُّكُورُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْإِنَاثِ لِخَبَرِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ إذْ النَّسَبُ إلَى الْعَصَبَةِ وَالْإِنَاثُ لَيْسُوا بِعَصَبَةٍ وقد يَرِثْنَ بِهِ كما قال وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا من عَتِيقِهَا كَالرَّجُلِ لِخَبَرِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلِأَنَّ بِنْتًا لِحَمْزَةَ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ عن بِنْتٍ وَعَنْ الْمُعْتِقَةِ فَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نِصْفَ مِيرَاثِهَا لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفَ لِلْمُعْتِقَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ
____________________
(4/460)
ومن أَوْلَادِهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَعُتَقَائِهِ وَإِنْ بَعُدُوا كَالرَّجُلِ وَلِأَنَّ نِعْمَةَ إعْتَاقِهَا شَمِلَتْهُمْ كما شَمِلَتْ الْعَتِيقَ فَتَبِعُوهُ في الْوَلَاءِ
وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عن ابْنَيْنِ أو أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا فَالْوَلَاءُ لِعَمِّهِ دُونَهُ وَإِنْ كان هو الْوَارِثُ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لو مَاتَ يوم مَوْتِ عَتِيقِهِ كان عَصَبَتُهُ الِابْنَ دُونَ ابْنِ الِابْنِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَنَحْوُهَا مَعْنَى ما رُوِيَ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكُبْرِ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ الْكَبِيرِ في الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ دُونَ السِّنِّ فَلَوْ مَاتَ الْآخَرُ وَخَلَفَ تِسْعَةَ بَنِينَ فَالْوَلَاءُ بين الْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ فإذا مَاتَ الْعَتِيقُ وَرِثُوهُ أَعْشَارًا لِأَنَّهُ لو مَاتَ الْمُعْتَقُ يَوْمئِذٍ وَرِثُوهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ في الْقُرْبِ إلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو ظَهَرَ له مَالٌ فإن نِصْفَهُ لِابْنِ الِابْنِ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِلتِّسْعَةِ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوهُ عن آبَائِهِمْ وَالْوَلَاءُ لم يَرِثُوهُ فإذا مَاتَ الْعَتِيقُ فَمَنْ هو أَحَقُّ إذْ ذَاكَ من عَصَبَاتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَهَؤُلَاءِ الْعَشَرَةُ سَوَاءٌ في ذلك
وَيَخْتَصُّ بِوَلَاءٍ أَيْ بِالْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْعَتِيقِ وَعَتِيقِهِ وَإِنْ بَعُدَ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا وَالِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ الْأَخُ أَيْ أَخُو الْمُعْتِقِ من الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخُ من الْأَبِ ثُمَّ ابن الْأَخِ من الْأَبَوَيْنِ كما سَبَقَ تَرْتِيبُهُ في الْفَرَائِضِ إلَّا أَنَّ الْأَخَ وَابْنَهُ مُقَدَّمٌ على الْجَدِّ وفي الْفَرَائِضِ يَسْتَوِيَانِ كما مَرَّ
وَإِنْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا ثُمَّ مَاتَ الْكَافِرُ عن الْمُسْلِمِ وَأَوْلَادِهِ وفي أَوْلَادِهِ كَافِرٌ وَرِثَهُ دُونَهُمْ لِأَنَّهُ الذي يَرِثُ الْمُعْتَقَ لو مَاتَ الْمُعْتَقُ بِصِفَةِ الْكُفْرِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ وَلَاءَ الْعَصَبَةِ ثَابِتٌ لهم في حَيَاةِ الْمُعْتَقِ وهو الْمَذْهَبُ وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَتِيقُ في هذه ثُمَّ مَاتَ وَرِثُوهُ دُونَهُ
فَرْعٌ الِانْتِسَابُ في الْوَلَاءِ قد لَا يَكُونُ بِمَحْضِ الْإِعْتَاقِ كَمُعْتَقِ الْمُعْتَقِ وَمُعْتَقِ مُعْتَقِ الْمُعْتَقِ وقد يَتَرَكَّبُ من الْإِعْتَاقِ وَالنَّسَبِ كَمُعْتَقِ الْأَبِ وَأَبِي الْمُعْتَقِ وَمُعْتَقِ أبي الْمُعْتَقِ وإذا تَرَكَّبَ الِانْتِسَابُ فَقَدْ يُشْبِهُ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَيُغَالَطُ بِهِ بِأَنْ يُقَالَ اجْتَمَعَ أبو الْمُعْتَقِ وَمُعْتَقُ الْأَبِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى وَجَوَابُهُ إذَا كان لِلْمَيِّتِ أبو مُعْتَقٍ كان له مُعْتِقٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَلَاءَ لِمُعْتِقِ أبيه أَصْلًا كما مَرَّ فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَطَلَبِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَوْ اجْتَمَعَ مُعْتَقُ أبي الْمُعْتَقِ وَمُعْتَقُ الْمُعْتَقِ فَالْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتَقِ لِأَنَّ وَلَاءَهُ بِجِهَةِ الْمُبَاشَرَةِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو مَلَكَتْ امْرَأَةٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عليها ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا وَمَاتَ عَتِيقُهُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرِثَتْهُ لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَ الْمُعْتِقِ لِمَا مَرَّ أنها لَا تَرِثُ بَلْ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ لَا إنْ كان لِأَبِيهَا عَصَبَةٌ بِالنَّسَبِ كَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ وَإِنْ بَعُدَ فَلَا تَرِثُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ مُعْتِقِهِ فَتَتَأَخَّرُ عن عَصَبَةِ النَّسَبِ فَالْمِيرَاثُ له قال الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وَسَمِعْت بَعْضَ الناس يقول أَخْطَأَ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا أَقْرَبَ بِمُبَاشَرَتِهَا الْإِعْتَاقَ وَهِيَ عَصَبَةٌ له بِوَلَائِهَا عليه وَغَفَلُوا عن تَقْدِيمِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ على مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ
فَإِنْ اشْتَرَتْ الْأَبَ هِيَ وَأَخُوهَا فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا وَمَاتَ عَتِيقُ الْأَبِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَلَفَهُمَا فَقَطْ وَرِثَهُ الْأَخُ دُونَهَا لِأَنَّهَا عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالنَّسَبِ وَهِيَ مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ بَلْ لو كان لِلْأَبِ وفي نُسْخَةٍ لها ابن عَمٍّ بَعِيدٌ وَرِثَهُ الْأَخُ دُونَهَا لِذَلِكَ وَلَوْ مَاتَ الْأَخُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ ولم يَخْلُفْ سِوَاهَا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ نِصْفٌ بِالْأُخُوَّةِ وَنِصْفُ الْبَاقِي بِالْوَلَاءِ لِأَنَّ لها نِصْفَ وَلَاءِ الْأَخِ لِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ أبيه وَلَوْ مَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالِابْنِ ولم يَخْلُفْ سِوَاهَا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ أَيْضًا نِصْفٌ لِكَوْنِهَا مُعْتِقَةَ نِصْفِ الْمُعْتَقِ وَنِصْفُ الْبَاقِي لِكَوْنِهَا مُعْتِقَةَ نِصْفِ أبي مُعْتِقِ نِصْفِ من أَعْتَقَهُ وَالْبَاقِي في الصُّورَتَيْنِ لِمَوَالِي الْأُمِّ إنْ كانت عَتِيقَةً وَإِلَّا فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَفْظَةُ نِصْفِ الْأَخِيرَةُ من زِيَادَتِهِ وَلَا بُدَّ منها وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ ولم يَخْلُفْ إلَّا الْبِنْتَ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَثُمُنُ النِّصْفِ بِالْبُنُوَّةِ وَالرُّبُعُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ نِصْفِهِ وَنِصْفُ الرُّبْعِ الْبَاقِي لِأَنَّ لها نِصْفَ وَلَاءِ الْأَخِ بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ أبيه وَأَخُوهَا مولى الْأَبِ في النِّصْفِ فَهِيَ مَوْلَاةُ مولى الْأَبِ في النِّصْفِ وَالثُّمُنُ الْبَاقِي لِمَوَالِي الْأُمِّ إنْ كانت عَتِيقَةً وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ
فَرْعٌ لو غُرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا فَأَوْلَدَهَا بِنْتَيْنِ فَهُمَا حُرَّتَانِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِمَا بِالْمُبَاشَرَةِ كما لَا وَلَاءَ عليها بِالسِّرَايَةِ الْآنَ فَإِنْ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا الْأَبَ وَالْأُخْرَى الْأُمَّ فَعَتَقَا عَلَيْهِمَا بِأَنْ عَتَقَ على كُلٍّ مِنْهُمَا مُشْتَرَاهُ فَمَاتَ الْأَبَوَانِ عنهما وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِيهِمَا وهو أَنَّ لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ من تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْبُنُوَّةِ وَالْبَاقِي من تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمُشْتَرِيَتِهِ بِالْوَلَاءِ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَرِثَتْهَا الْأُخْرَى النِّصْفَ بِالْأُخُوَّةِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِالْوَلَاءِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءَ على الْأُخْرَى تَبَعًا لِلْوَلَاءِ على مُشْتَرَاهَا وَقَوْلُهُ
____________________
(4/461)